التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام

ابن أمير حاج

خطبة الكتاب

[خِطْبَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَضِيَ لَنَا الْإِسْلَامَ دِينًا وَفَتَحَ عَلَيْنَا مِنْ خَزَائِنِ عِلْمِهِ فَتْحًا مُبِينًا وَمَنَّ عَلَيْنَا بِالتَّحَلِّي بِشَرْعِهِ الشَّرِيفِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عَمَلًا وَيَقِينًا، وَجَعَلَ أَجَلَّ الْكُتُبِ فُرْقَانَهُ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ وَأَفْضَلَ الْهَدْيِ سُنَّةَ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ الَّذِي لَا يُدْرِكُ بَشَرٌ قُصَارَى مَجْدِهِ وَلَا شَأْوَ شَرَفِهِ، وَخَيْرَ الْأُمَمِ أُمَّتَهُ الْمَحْفُوظَ إجْمَاعُهَا مِنْ الضَّلَالِ فِي سَبِيلِ الصَّوَابِ، وَالْفَائِزَ أَعْلَامُهَا فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ بِأَوْفَرِ نَصِيبٍ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إلَهًا مَا زَالَ عَلِيمًا حَكِيمًا، وَأَنَّ سَيِّدَنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ نَبِيًّا مَا بَرِحَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا رَحِيمًا فَأَقَامَ بِيُمْنِهِ أَوَدَ الْمِلَّةِ الْعَوْجَاءِ، وَأَظْهَرَ بِمُفَسَّرِ إرْشَادِهِ مَحَاسِنَ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ الْبَيْضَاءِ، وَأَزَالَ بِمُحْكَمَاتِ نُصُوصِهِ كُلَّ شُبْهَةٍ وَرَيْبٍ، وَأَبَانَ بِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ مَنْهَجَ الْحَقِّ طَاهِرًا مِنْ كُلِّ شَيْنٍ وَعَيْبٍ، وَأَوْضَحَ تَقْرِيرَ الدَّلَالَةِ عَلَى طُرُقِ الْوُصُولِ إلَى مَا شَرَعَهُ دِينُهُ الْقَوِيمُ مِنْ جَمِيلِ الْقَوَاعِدِ وَرَاسِخِ الْأُصُولِ فَأَضْحَى مِنْهَاجُ سَالِكِهِ صِرَاطًا سَوِيًّا وَبَحْرُ أَفَضَالِهِ مَوْرِدًا رَوَاءً وَشَرَابًا هَنِيًّا وَتَقْوِيمُ آيَاتِ سَمَاءِ فَضَائِلِهِ حُكْمًا صَادِقًا وَدَلِيلًا مَهْدِيًّا، وَتَنْقِيحُ مَنَاطِ عَقَائِلِ خَرَائِدِهِ رَوْضًا أُنُفًا وَثَمَرًا جِنِّيًّا، وَتَبْيِينُ مَنَارِ بَيِّنَاتِهِ تَوْضِيحًا بَاهِرًا وَمَنْطُوقًا جَلِيًّا، وَتَلْوِيحُ إشَارَاتِ عُيُونِهِ عَلَى أَنْوَاعِ فُنُونِهِ إيمَاءً رَائِعًا وَوَحْيًا خَافِيًا، وَتَحْقِيقُ مَقَاصِدِهِ بِكَشْفِ غَوَامِضِ الْأَسْرَارِ وَإِفَاضَةِ الْأَنْوَارِ فِي مَوَاقِفِ الْبَيَانِ خَطِيبًا بَلِيغًا وَكَفِيلًا مَلِيًّا، وَمَنْخُولُ مَحْصُولِ حَاصِلِهِ بِتَحْصِيلِ الْآمَالِ، وَبُلُوغِ الْغَايَةِ الْقُصْوَى مِنْ الْمَنَالِ ضَمِينًا وَفِيًّا وَسَبَبًا قَوِيًّا، وَمُنْتَخِبُ فَوَائِدِ جَوَامِعِ كَلِمِهِ وَفَرَائِدِ مَآثِرِ حُكْمِهِ دُرًّا نَقِيًّا وَعِقْدًا بَهِيًّا، وَمُسْتَصْفَى نُقُودِ مَوَاهِبِهِ وَخُلَاصَةُ عُقُودِ مَآرِبِهِ كَنْزًا وَافِرًا وَذُخْرًا سَنِيًّا، وَتَحْرِيرُ مِيزَانِ دَلَائِلِهِ وَتَقْرِيرُ آثَارِ رَسَائِلِهِ قَضَاءً فَصْلًا وَقَوْلًا مَرْضِيًّا فَصَلَّى اللَّهُ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ

وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ بَلَغُوا مِنْ الْمَكَارِمِ مَكَانًا قَصِيًّا وَرَفَعَهُمْ فِي الدَّارَيْنِ مَقَامًا عَلِيًّا وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا دَائِمًا سَرْمَدِيًّا. (وَبَعْدُ) لَمَّا كَانَ عِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْأَحْكَامِ مِنْ أَجَلِّ عُلُومِ الْإِسْلَامِ كَمَا تَقَرَّرَ عِنْدَ أُولِي النُّهَى وَالْأَحْلَامِ أَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَزَمَانٍ طَائِفَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَعْيَانِ وَمَعْشَرًا مِنْ فُضَلَاءِ ذَلِكَ الْأَوَانِ فَشَيَّدُوا بِجَمِيلِ الْمُذَاكَرَةِ وَالتَّصْنِيفِ قَوَاعِدَهُ الْحِسَانَ وَاعْتَمَدُوا فِيمَا حَاوَلُوهُ مِنْ حُسْنِ الْمُدَارَسَةِ وَالتَّأْلِيفِ غَايَةَ الْإِحْسَانِ، وَإِنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامِ شَيْخَنَا الْإِمَامَ الْهُمَامَ الْبَحْرَ الْعَلَّامَةَ وَالْحَبْرَ الْمُحَقِّقَ الْفَهَّامَةَ مُحَقِّقَ حَقَائِقِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ مُحَرِّرَ دَقَائِقِ الْمَسْمُوعِ وَالْمَعْقُولِ شَيْخَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ كَمَالَ الْمِلَّةِ وَالْفَضَائِلِ وَالدِّينِ الشَّهِيرَ نَسَبُهُ الْكَرِيمَ بِابْنِ هُمَامِ الدِّينِ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَرَفَعَ فِي الْفِرْدَوْسِ عَلِيَّ دَرَجَتِهِ، وَمِمَّا شَهِدَ لَهُ بِهَذَا الْفَضْلِ الْغَزِيرِ مُصَنَّفُهُ الْمُسَمَّى بِالتَّحْرِيرِ فَإِنَّهُ قَدْ حَرَّرَ فِيهِ مِنْ مَقَاصِدِ هَذَا الْعِلْمِ مَا لَمْ يُحَرِّرْهُ كَثِيرٌ مَعَ جَمْعِهِ بَيْنَ اصْطِلَاحَيْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَحْسَنِ نِظَامٍ وَتَرْتِيبٍ وَاشْتِمَالِهِ عَلَى تَحْقِيقَاتِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى أَكْمَلِ تَوْجِيهٍ وَتَهْذِيبٍ مَعَ تَرْصِيعِ مَبَانِيهِ بِجَوَاهِرِ الْفَرَائِدِ وَتَوْشِيحِ مَعَانِيهِ بِمَطَارِفِ الْفَوَائِدِ وَتَرْشِيحِ صَنَائِعِهِ بِالتَّحْقِيقِ الظَّاهِرِ وَتَطْرِيفِ بَدَائِعِهِ بِالتَّدْقِيقِ الْبَاهِرِ وَكَمْ مُودَعٍ فِي دَلَالَاتِهِ مِنْ كُنُوزٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا الْأَفَاضِلُ الْمُتْقِنُونَ، وَمُبْدَعٍ فِي إشَارَاتِهِ مِنْ رُمُوزٍ لَا يَعْقِلُهَا إلَّا الْكُبَرَاءُ الْعَالِمُونَ. فَلَا جَرَمَ إنْ صَدَقَتْ رَغْبَةُ فُضَلَاءِ الْعَصْرِ فِي الْوُقُوفِ عَلَى شَرْحٍ يُقَرِّرُ تَحْقِيقَاتِهِ وَيُنَبِّهُ عَلَى تَدْقِيقَاتِهِ وَيَحُلُّ مُشْكِلَاتِهِ وَيُزِيحُ إبْهَامَاتِهِ وَيُظْهِرُ ضَمَائِرَهُ وَيُبْدِي سَرَائِرَهُ وَقَدْ كَانَ يَدُورُ فِي خَلَدِي مَعَ قِلَّةِ بِضَاعَتِي وَوَهَنِ جَلَدِي أَنْ أُوَجِّهَ الْفِكْرَ نَحْوَ تِلْقَاءِ مَدْيَنَ هَذِهِ الْمَآرِبِ، وَأَصْرِفَ عَنَانَ الْقَلَمِ نَحْوَ تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَطَالِبِ؛ لِإِشَارَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ الْمُصَنِّفِ - تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ - إلَى الْعَبْدِ بِذَلِكَ حَالَ قِرَاءَتِي عَلَيْهِ لِهَذَا الْكِتَابِ الْجَلِيلِ وَسُؤَالِ خَلِيلٍ مِنِّي هَذَا الْمَرَامَ بَعْدَ خَلِيلٍ وَكَانَ يَعُوقُنِي عَنْ الْبُرُوزِ فِي هَذَا الْمِضْمَارِ مَا قَدَّمْته مِنْ الِاعْتِذَارِ مَعَ مَا مُنِيت بِهِ مِنْ فَقْدِ مُذَاكِرٍ لَبِيبٍ، وَمُنْصِفٍ ذِي نَظَرٍ مُصِيبٍ، وَإِلْمَامُ بَعْضِ عَوَائِقَ بَدَنِيَّةٍ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَقُصُورُ أَسْبَابٍ تُقْعِدُ عَنْ إدْرَاكِ مَا هُوَ الْمَأْمُولُ مِنْ الْجَدِّ وَالْبَخْتِ إلَى أَنْ صَمَّمَ الْعَزْمُ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى تَحْقِيقِ هَذَا الْمَرَامِ بِتَوْفِيقِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ فَوَقَعَ الشُّرُوعُ فِيهِ مِنْ نَحْوِ عَشْرِ حِجَجٍ وَتَجَشَّمْت فِي الْغَوْصِ عَلَى دُرَرِ مُقَدِّمَتِهِ وَنُبْذَةٍ مِنْ مَبَادِيهِ غَمَرَاتِ اللُّجَجِ ثُمَّ بَيْنَمَا الْعَبْدُ الضَّعِيفُ يَرْكَبُ كُلَّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ فِي تَقْرِيرِ الْكِتَابِ وَيَكْشِفُ قِنَاعَ مَحَاسِنِ أَبْكَارِهِ عَلَى الْخُطَّابِ مِنْ الطُّلَّابِ بَرَزَتْ الْإِشَارَةُ الشَّيْخِيَّةُ بِالرِّحْلَةِ إلَى حَضْرَتِهِ الْعَلِيَّةِ قَضَاءً لِلْحَقِّ الْوَاجِبِ مِنْ زِيَارَتِهِ وَتَلَقِّيًا لِلزِّيَادَاتِ الَّتِي أَلْحَقَهَا بِالْكِتَابِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ وَاسْتِطْلَاعًا لِلْوُقُوفِ عَلَى مَا بَرَزَ مِنْ الشَّرْحِ وَكَيْفِيَّةِ طَرِيقَتِهِ. فَطَارَ الْعَبْدُ إلَيْهِ بِجَنَاحَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ إلَّا وَقَدْ نَشِبَتْ بِهِ مَخَالِبُ الْحَيْنِ ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا قَلِيلًا، وَمَاتَ فَلَمْ يَقْضِ الْعَبْدُ الْوَطَرَ مِمَّا فِي النَّفْسِ مِنْ التَّحْقِيقَاتِ وَالْمُرَاجَعَاتِ نَعَمْ اقْتَنَصْت فِي خِلَالِ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ مَا أَمْكَنَ مِنْ الْفَوَائِدِ الشَّارِدَاتِ، وَأَثْبَتُّ فِي الْكِتَابِ عَامَّةَ مَا اسْتَقَرَّ الْحَالُ عَلَيْهِ مِنْ التَّغْيِيرَاتِ وَالزِّيَادَاتِ ثُمَّ رَجَعْت قَافِلًا وَالْقَلْبُ حَزِينٌ عَلَى مَا فَاتَ وَالْعَزْمُ فَاتِرٌ عَنْ الْخَوْضِ فِي هَذِهِ الْغَمَرَاتِ، وَالْبَالُ قَاعِدٌ عَنْ تَجَشُّمِ هَذِهِ الْمَشَقَّاتِ وَانْطَوَى عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ السُّنُونَ حَتَّى كَأَنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ كَانَتْ فِي سِنَاتٍ غَيْرَ أَنَّ الْأَخِلَّاءَ لَمْ يَرْضَوْا بِإِعْرَاضِ الْعَبْدِ عَنْ الْقِيَامِ بِهَذَا الْمَطْلُوبِ وَلَا بِرَغْبَتِهِ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْمَرْغُوبِ بَلْ أَكَّدُوا الْعَزِيمَةَ عَلَى إبْرَامِ الْعَزْمِ نَحْوَ تَحْقِيقِ مَطَالِبِهِ وَكَرَّرُوا الْإِلْحَاحَ عَلَى إعْمَالِ الرَّجْلِ وَالْخَيْلِ فِي الْكَرِّ عَلَى الظَّفَرِ بِغَنِيمَةِ مَآرِبِهِ، وَالْعَبْدُ يَسْتَعْظِمُ شَرْحَ هَذَا الْمَرَامِ وَيَرَى أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوْلَى مِنْهُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَتَطَاوَلَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمَدُ وَلَيْسَ بِمُنْصَرِفٍ عَنْ هَذَا الْمَسْئُولِ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَحِينَئِذٍ

اسْتَخَرْت اللَّهَ تَعَالَى ثَانِيًا فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ لَكِنْ لَا عَلَى السَّنَنِ الْأَوَّلِ مِنْ الْإِطْنَابِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الِاقْتِصَادِ بَيْنَ الِاخْتِصَارِ وَالْإِسْهَابِ وَشَرَعْت فِيهِ مُوَجِّهًا وَجْهَ رَجَائِي فِي تَيْسِيرِهِ إلَى الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ سَائِلًا مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى مُجَانَبَةَ الزَّلَلِ وَالثَّبَاتَ عَلَى صِرَاطِ الصَّوَابِ، وَأَنْ يُثِيبَنِي عَلَيْهِ مِنْ كَرَمِهِ - سُبْحَانَهُ - جَزِيلَ الثَّوَابِ، وَأَنْ يَرْزُقَنِي مِنْ كُلِّ وَاقِفٍ عَلَيْهِ دُعَاءً صَالِحًا يُسْتَجَابُ وَثَمَرَةَ ثَنَاءٍ حَسَنٍ يُسْتَطَابُ عَلَى أَنِّي مُتَمَثِّلٌ فِي الْحَالِ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ مَاذَا تُؤَمِّلُ مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ... حَمَّلْته مَا لَيْسَ يُمْكِنُهُ إنْ بَانَ عَجْزٌ مِنْهُ فَهْوَ عَلَى ... عُذْرٍ يَبِينُ إذَا يُبَرْهِنُهُ قَدَّمْت فِيمَا قُلْت مُعْتَذِرًا ... هَذَا طِرَازٌ لَسْت أُحْسِنُهُ وَلَعَلَّهُ إذَا فَتَحَ اللَّه تَعَالَى بِإِتْمَامِهِ، وَمَنَّ بِالْفَرَاغِ مِنْ إتْقَانِهِ وَاخْتِتَامِهِ أَنْ يَكُونَ مُسَمًّى {بِالتَّقْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ فِي شَرْحِ كِتَابِ التَّحْرِيرِ} وَحَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ الشَّرِيفَةِ تَبَرُّكًا، وَمُجَانَبَةً لِمَا نَفَّرَتْ عَنْهُ السُّنَّةُ الْقَوْلِيَّةُ مِنْ تَرْكِ الْبُدَاءَةِ بِهَا أَوْ بِمَا يَسُدُّ مَسَدَّهَا فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْجَمِيلِ عَلَى سَبِيلِ التَّبْجِيلِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَبْتَرُ» وَفِي رِوَايَةٍ أَقْطَعُ فَإِنْ قُلْت وَقَدْ جَاءَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) فَهَذِهِ تُعَارِضُ الْأُولَى فَمَا الْمُرَجِّحُ لِلْأُولَى عَلَيْهَا قُلْت تَصْدِيرُ كِتَابِ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَكُتُبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هِرَقْلَ وَغَيْرِهِ بِهَا عَلَى مَا فِي الصَّحِيحِ وَاسْتِمْرَارِ الْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ الْمُتَوَارَثِ عَنْ السَّلَفِ قَوْلًا وَفِعْلًا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَ الْمُرَادُ لَا يُبْدَأُ بِلَفْظِهِمَا لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْمُرَادَ بِحَمْدِ اللَّهِ ذِكْرُ اللَّهِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّ كِتَابَ هِرَقْلَ كَانَ ذَا بَالٍ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الْعِظَامِ وَلَمْ يَبْدَأْ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ الْحَمْدِ وَبَدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ اهـ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إنْ عَنَى حِينَئِذٍ بِذِكْرِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْمُرَادَ بِحَمْدِ اللَّهِ ذِكْرُ اللَّهِ ذِكْرُهُ بِالْجَمِيلِ عَلَى قَصْدِ التَّبْجِيلِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْحَمْدِ خَاصَّةً فَالْأَمْرُ بِقَلْبِ مَا قَالَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِ اللَّهِ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لَا مِنْ بَابِ التَّجْوِيزِ بِالْمُقَيَّدِ عَنْ الْمُطْلَقِ وَحِينَئِذٍ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي تَمْشِيَةِ مِثْلِ هَذَا الْحَمْلِ عَلَى الْقَوَاعِدِ وَهُوَ مُتَمَشٍّ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّافِعِيَّةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ فِي مِثْلِهِ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ لَا عَلَى قَاعِدَةِ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْمِلُونَ فِي مِثْلِهِ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيهِ رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا يُجْرُونَ فِي مِثْلِهِ الْمُطْلَقَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْمُقَيَّدَ عَلَى تَقْيِيدِهِ حَتَّى إنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ فَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمُطْلَقِ بِالْمُقَيَّدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ اعْتِبَارُ قَيْدِ ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ فِي ذَلِكَ الْمُطْلَقِ عِنْدَهُمْ كَأَفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ حَيْثُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَخْصِيصَ الْعَامِّ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ أَنْ يُسْأَلُوا عَنْ الْحِكْمَةِ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْدِ مِنْ الْمُطْلَقِ دُونَ غَيْرِهِ وَيُتَّجَهُ لَهُمْ أَنْ يُحِيبُوا هُنَا بِأَنَّ لَعَلَّهَا إفَادَةُ تَعْلِيمِ الْعِبَادِ مَا هُوَ أَوْلَى أَوْ مِنْ أَوْلَى مَا يُؤَدَّى بِهِ الْمُرَادُ مِنْ الْمُطْلَقِ، وَإِنْ عَنَى حِينَئِذٍ بِذِكْرِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ ذِكْرَهُ مُطْلَقًا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ وُجُوهِ التَّعْظِيمِ سَوَاءٌ كَانَ تَسْبِيحًا أَوْ تَحْمِيدًا أَوْ شُكْرًا أَوْ تَهْلِيلًا أَوْ تَكْبِيرًا أَوْ تَسْمِيَةً أَوْ دُعَاءً فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَمْدِ اللَّهِ ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْإِطْلَاقِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِلْحَمْدِ لَيْسَ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَلَا دَاعِيَ إلَى التَّجَوُّزِ بِهِ عَنْ مُطْلَقِ الذِّكْرِ لِانْدِفَاعِ الْإِشْكَالِ بِكِتَابِ هِرَقْلَ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ فَتَأَمَّلْ. (يَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْإِسْكَنْدَرِيُّ مَوْلِدًا السِّيوَاسِيُّ مُنْتَسِبًا الشَّهِيرُ بِابْنِ هُمَامِ الدِّينِ) لَقَبِ وَالِدِهِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَذْكُورِ

كَانَ قَاضِي سِيوَاسَ الْبَلَدُ الشَّهِيرُ بِبِلَادِ الرُّومِ، وَمِنْ بَيْتِ الْعِلْمِ وَالْقَضَاءِ بِهِ قَدِمَ الْقَاهِرَةَ وَوَلِيَ خِلَافَةَ الْحُكْمِ بِهَا عَنْ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ بِهَا ثَمَّةَ ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَتَزَوَّجَ بِهَا بِنْتَ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ يَوْمَئِذٍ فَوَلَدَتْ لَهُ الْمُصَنِّفَ، وَمَدَحَهُ الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ الدَّمَامِينِيُّ بِقَصِيدَةٍ بَلِيغَةٍ يَشْهَدُ لَهُ فِيهَا بِعُلُوِّ الْمَرْتَبَةِ فِي الْعِلْمِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ فِي الْحُكْمِ ثُمَّ رَغِبَ عَنْهَا وَرَجَعَ إلَى الْقَاهِرَةِ، وَأَقَامَ بِهَا مُكِبًّا عَلَى الِاشْتِغَالِ فِي الْعِلْمِ إلَى أَنْ مَاتَ كَذَا ذَكَرَ لِي الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَمَنَاقِبُهُ فِي تَحْقِيقِ الْعُلُومِ الْمُتَدَاوَلَةِ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَمَآثِرُهُ فِي بَذْلِ الْمَعْرُوفِ وَالْفَضَائِلِ عَلَى ضُرُوبِ شُجُونِهَا مَحْفُوظَةٌ مَأْثُورَةٌ فَاكْتَفَيْنَا بِقُرْبِ الْعَهْدِ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ بَسْطِ الْقَوْلِ هُنَا فِي تَرْجَمَتِهِ (غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ وَسَتَرَ عُيُوبَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ كَمَا أَفَادَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا كَانَ شَرَحَهُ مِنْ كِتَابِ الْبَدِيعِ لِابْنِ السَّاعَاتِيِّ إخْبَارُ صِيغَةِ إنْشَاءٍ مَعْنًى كَصِيَغِ الْعُقُودِ قَالَ وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فِي إنْكَارِ كَوْنِهَا إنْشَاءً لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ انْتِفَاءِ الِاتِّصَافِ بِالْجَمِيلِ قَبْلَ حَمْدِ الْحَامِدِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْإِنْشَاءَ يُقَارِنُ مَعْنَاهُ لَفْظَهُ فِي الْوُجُودِ وَيَبْطُلُ مِنْ قَطْعِيَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْحَامِدَ ثَابِتٌ قَطْعًا بَلْ الْحَمَّادُونَ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يُصَاغُ لُغَةً لِلْمُخْبِرِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ مُتَعَلَّقِ إخْبَارِهِ اسْمٌ قَطْعًا فَلَا يُقَالُ لِقَائِلٍ زَيْدٌ ثَابِتٌ لَهُ الْقِيَامُ قَائِمٌ فَلَوْ كَانَ الْحَمْدُ إخْبَارًا مَحْضًا لَمْ يُقَلْ لِقَائِلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَامِدٌ وَلَانْتَفَى الْحَامِدُونَ وَهُمَا بَاطِلَانِ فَبَطَلَ مَلْزُومُهُمَا، وَاللَّازِمُ مِنْ الْمُقَارَنَةِ انْتِفَاءُ وَصْفِ الْوَاصِفِ الْمُعَيَّنِ لَا الِاتِّصَافُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ إظْهَارُ الصِّفَاتِ الْكَمَالِيَّةِ الثَّابِتَةِ لَا ثُبُوتُهَا نَعَمْ يَتَرَاءَى لُزُومُ كَوْنِ كُلِّ مُخْبِرٍ مُنْشِئًا حَيْثُ كَانَ وَاصِفًا لِلْوَاقِعِ، وَمُظْهِرًا لَهُ وَهُوَ تَوَهُّمٌ فَإِنَّ الْحَمْدَ مَأْخُوذٌ فِيهِ مَعَ ذِكْرِ الْوَاقِعِ كَوْنُهُ عَلَى وَجْهِ ابْتِدَاءِ التَّعْظِيمِ وَهَذَا لَيْسَ جُزْءُ مَاهِيَّةِ الْخَبَرِ فَاخْتَلَفَتْ الْحَقِيقَتَانِ وَظَهَرَ أَنَّ الْغَفْلَةَ عَنْ اعْتِبَارِ هَذَا الْقَيْدِ جُزْءَ مَاهِيَّةِ الْحَمْدِ هُوَ مَنْشَأُ الْغَلَطِ، إذْ بِالْغَفْلَةِ عَنْهُ ظَنَّ أَنَّهُ إخْبَارٌ لِوُجُودٍ خَارِجَ مُطَابِقِهِ وَهُوَ الِاتِّصَافُ وَلَا خَارِجَ لِلْإِنْشَاءِ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ هَذَا خَارِجُ جُزْءِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ وَتَمَامُهُ وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْهُ، وَمِنْ كَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ ابْتِدَاءِ التَّعْظِيمِ لَا خَارِجٌ لَهُ بَلْ هُوَ ابْتِدَاءُ مَعْنَى لَفْظِهِ عِلَّةً لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. وَقَدْ عَرَفْت مِنْهُ مَعْنَى الْحَمْدِ وَلِلنَّاسِ عِبَارَاتٌ شَتَّى فِي بَيَانِهِ لَا يَخْلُو بَعْضُهَا مِنْ نَظَرٍ وَبَحْثٍ فَيَطْلُبُ مَعَ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَالْمَدْحِ فِي مَظَانِّهَا إذْ لَا حَاجَةَ بِنَا هُنَا إلَى الْإِطْنَابِ بِهَا. ثُمَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الِاسْمَ الْجَلِيلَ أَعْنِي اللَّهَ خَاصٌّ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ (وَلَكِنْ هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَمْ عِبْرِيٌّ أَوْ سُرْيَانِيٌّ؟ ثُمَّ عَلَى أَنَّهُ عَرَبِيٌّ هَلْ هُوَ عَلَمٌ أَوْ صِفَةٌ؟ ثُمَّ عَلَى أَنَّهُ عَلَمٌ هَلْ هُوَ مُشْتَقٌّ أَوْ الْخَالِقُ لِلْعَالَمِ الْمُسْتَحِقُّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ بَلْ هُوَ أَخُصُّ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ كَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَا أَنَّهُ عِبْرِيٌّ أَوْ سُرْيَانِيٌّ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو زَيْدٍ الْبَلْخِيُّ ثُمَّ عَلَى أَنَّهُ عَرَبِيٌّ هَلْ هُوَ عَلَمٌ أَوْ صِفَةٌ فَقِيلَ صِفَةٌ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ أَنَّهُ عَلَمٌ ثُمَّ عَلَى أَنَّهُ عَلَمٌ هَلْ هُوَ مُشْتَقٌّ أَوْ غَيْرُ مُشْتَقٍّ فَقِيلَ مُشْتَقٌّ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي الْمَادَّةِ الَّتِي اُشْتُقَّ مِنْهَا، وَفِي أَنَّ عَلَمِيَّتِهِ حِينَئِذٍ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ أَوْ الْغَلَبَةِ. وَقِيلَ غَيْرُ مُشْتَقٍّ بَلْ هُوَ عَلَمٌ مُرْتَجَلٌ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ أَصْلٍ أُخِذَ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ وَالْخَلِيلُ وَالزَّجَّاج وَابْنُ كَيْسَانَ وَالْحَلِيمِيُّ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ ثُمَّ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ سَمِعْت أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ هُوَ اللَّهُ، وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَأَكْثَرُ الْعَارِفِينَ حَتَّى إنَّهُ لَا ذِكْرَ عِنْدَهُمْ لِصَاحِبِ مَقَامٍ فَوْقَ الذِّكْرِ بِهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا وَجْهُ تَخْصِيصِ الْحَمْدِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْحَمْدَ عَلَيْهِ جَرْيًا عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي لِلْعُدُولِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ سَالِمٍ مِنْ الْمُعَارِضِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ ذِكْرِ اللَّهِ أَهَمُّ نَظَرًا إلَى ذَاتِهِ يُعَارِضُهُ كَوْنُ الْمَقَامِ مَقَامُ الْحَمْدِ لِلَّهِ. (الَّذِي أَنْشَأَ) فِي الصِّحَاحِ أَنْشَأَهُ اللَّهُ خَلْقَهُ، وَالِاسْمُ النَّشْأَةُ وَالنَّشَاءَةُ بِالْمَدِّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، وَأَنْشَأَ يَفْعَلُ كَذَا أَيْ ابْتَدَأَ (هَذَا الْعَالَمَ) الْمُشَاهَدَ عُلْوِيَّهُ وَسُفْلِيَّهُ، وَمَا بَيْنَهُمَا لِذَوِي الْبَصَائِرِ وَالْأَبْصَارِ عَلَى مَمَرِّ السِّنِينَ وَالْأَعْصَارِ ثُمَّ قِيلَ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعِلْمِ فَإِطْلَاقُهُ حِينَئِذٍ عَلَى السَّمَوَاتِ

وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ لِمَا فِي هَذِهِ مِنْ ذَوِي الْعِلْمِ مِنْ الثِّقْلَيْنِ وَالْمَلَائِكَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ، وَقِيلَ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَامَةِ؛ لِأَنَّ فَاعِلًا كَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْآلَةِ الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا الشَّيْءُ كَالطَّابِعِ وَالْخَاتَمِ فَهُوَ كَالْآلَةِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى صَانِعِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ اسْمٌ لِكُلِّ مَا سِوَى اللَّهُ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ مِنْ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ فَإِنَّهَا لِإِمْكَانِهَا وَافْتِقَارِهَا إلَى مُؤَثِّرٍ وَاجِبٍ لِذَاتِهِ تَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ، وَلَعَلَّ عَلَى هَذَا مَا فِي الصِّحَاحِ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالْخَلْقِ أَيْ الْمَخْلُوقِ (الْبَدِيعِ) وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً مُشَبَّهَةً مِنْ بَدَعَ بَدَاعَةً وَبُدُوعًا صَارَ غَايَةً فِي وَصْفِهِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمُبْتَدَعُ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ الْمُخْتَرَعُ لَا عَلَى مِثَالٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ عَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ الْبَدِيعُ (بِلَا مِثَالٍ سَابِقٍ) تَصْرِيحًا بِلَازِمِينَ لِإِنْشَاءِ الْعَالَمِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُبْتَدَأَ لِلْفَاعِلِ الْمُطْلَقِ غَيْرُ مَسْبُوقٍ إلَيْهِ وَلَا مُتَقَدِّمٍ فِي الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ مَا يُقَدَّرُ مُتَعَلَّقُهُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [الواقعة: 35] بِخِلَافِهِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ فِي هَذَا الْقَوْلِ تَصْرِيحٌ بِلَازِمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُهُ بِلَا مِثَالٍ سَابِقٍ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا ضَيْرَ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَنْسَبُ بِمَا سَيَأْتِي كَمَا سَنُشِيرُ إلَيْهِ. وَقَدْ يُقَالُ الْإِنْشَاءُ وَالْإِبْدَاعُ إيجَادُ الشَّيْءِ بِلَا سَبْقِ مَادَّةٍ وَزَمَانٍ وَلَا تَوَسُّطِ آلَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُقَابِلُ التَّكْوِينَ لِكَوْنِهِ مَسْبُوقًا بِالْمَادَّةِ وَالْإِحْدَاثِ لِكَوْنِهِ مَسْبُوقًا بِالزَّمَانِ، وَعِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي هَذَا نَظَرٌ يُنَوِّرُهُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [الأنعام: 98] {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ} [العنكبوت: 20] {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] (وَأَنَارَ لِبَصَائِرِ الْعُقَلَاءِ طُرُقَ دَلَالَتِهِ عَلَى وُجُودِهِ وَتَمَامِ قُدْرَتِهِ) أَيْ جَعَلَ أَنْوَاعَ الْأَدِلَّةِ الْأَنْفَسِيَّةِ وَالْآفَاقِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ وُجُودِهِ بِالذَّاتِ وَشُمُولِ كَمَالِ قُدْرَتِهِ لِسَائِرِ الْمُمْكِنَاتِ وَاضِحَةً جَلِيَّةً لِذَوِي الِاسْتِبْصَارِ مِنْ عُقَلَاءِ الْعِبَادِ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ عِنْدَ الْخَاصَّةِ مِنْ أُولِي الرَّشَادِ مِنْ ضَرُورَاتِ الدِّينِ بَلْ وَمِنْ عَيْنِ الْيَقِينِ، وَأَحْسَنُ بِقَوْلِ الْعَارِفِ أَبِي إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمَ الْخَوَّاصِ لَقَدْ وَضَحَ الطَّرِيقُ إلَيْك حَقًّا ... فَمَا أَحَدٌ أَرَادَك يَسْتَدِلُّ وَيَقُولُ الْآخَرُ لَقَدْ ظَهَرْت فَلَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ... إلَّا عَلَى أَكْمَهٍ لَا يَعْرِفُ الْقَمَرَا (فَهُوَ إلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ سَائِقٌ) أَيْ إيضَاحُهُ لِلْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ سَائِقٌ لِلْقُلُوبِ الْمُسْتَبْصِرَةِ إلَى الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِوُجُودِهِ الذَّاتِيِّ، وَقُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ، وَمِنْ عُيُونِ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ قِيلَ وَكَانَ مِنْ أَوْتَادِ مِصْرَ: الطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ الْفِكْرُ وَالِاعْتِبَارُ بِحَكَمِهِ وَآيَاتِهِ وَلَا سَبِيلَ لِلْأَلْبَابِ إلَى مَعْرِفَةِ كُنْهِ ذَاتِهِ فَجَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ سُبُلٌ مُتَّصِلَةٌ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَحُجَجٌ بَالِغَةٌ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ، وَالْكَوْنُ جَمِيعُهُ أَلْسُنٌ نَاطِقَةٌ بِوَحْدَانِيِّتِهِ، وَالْعَالَمُ كُلُّهُ كِتَابٌ يَقْرَأُ حُرُوفَ أَشْخَاصِهِ الْمُتَبَصِّرُونَ عَلَى قَدْرِ بَصَائِرِهِمْ. (دَفَعَ نِظَامَهُ) أَيْ اضْطَرَّ نِظَامُ الْعَالَمِ (الْمُسْتَقَرُّ) أَيْ الثَّابِتُ عَلَى أَتَمِّ وُجُوهِ الِانْتِظَامِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَالٍ وَلَا انْخِرَامٍ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنْ ذَوِي النُّهَى وَالْأَحْلَامِ (إلَى الْقَطْعِ بِوَحْدَانِيِّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] ، وَقَدْ أَحْسَنَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ فِي قَوْلِهِ فَوَاعَجَبَا كَيْفَ يُعْصَى الإل ... هـ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ وَلِلَّهِ فِي كُلِّ تَحْرِيكَةٍ ... وَتَسْكِينَةٍ أَبَدًا شَاهِدُ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ (كَمَا أَوْجَبَ) لِذَوِي النَّظَرِ الصَّحِيحِ (تَوَالِي نَعْمَائِهِ تَعَالَى الْمُسْتَمِرُّ) أَيْ تَتَابُعُهَا الدَّائِمُ عَلَى سَائِرِ مَخْلُوقَاتِهِ مَعَ تَلَبُّسِ الْكَثِيرِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِالْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ وَالْجُحُودِ وَالطُّغْيَانِ (الْعِلْمَ) الْقَطْعِيَّ لَهُمْ (بِرَحْمَانِيَّتِهِ) أَيْ

بِاتِّصَافِهِ بِالرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ الَّتِي هِيَ إفَاضَةُ الْإِنْعَامِ أَوْ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ، وَإِلَّا لَبَادُوا عِنْدَ الْخَالِفَةِ وَلَمْ يُمْهَلُوا وَقْتًا مِنْ الزَّمَانِ كَمَا قَالَ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: 45] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ، وَأَنْوَاعِ الْبُرْهَانِ فَسُبْحَانَهُ مِنْ إلَهٍ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا وَغَفَرَ ذُنُوبَ الْمُذْنِبِينَ كَرْمًا وَحِلْمًا. (تَنْبِيهٌ) وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَارٍ عَلَى مِنْوَالِ كَوْنِ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ عَقِبَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ وَاجِبًا أَيْ لَازِمًا حُصُولُهُ عَقِبَهُ إمَّا وُجُوبًا عَادِيًا كَمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَوْ وُجُوبًا عَقْلِيًّا غَيْرَ مُتَوَلِّدٍ مِنْهُ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ وَكَشَفَ الْقِنَاعَ عَنْهُ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ يَعْنِي وَجَبَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعُقَلَاءِ عَقِبَ نَظَرِهِمْ الصَّحِيحِ فِي دَوَامِ تَوَاتُرِ نَعْمَائِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى عَلَى الْعِبَادِ مَعَ كَثْرَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْعِصْيَانِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ بِاتِّصَافِهِ سُبْحَانَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أُصُولِ صِفَاتِهِ الْحُسْنَى وَنُعُوتِهِ الْعُلَى فَاتَّحَدَ هَذَانِ الْمَطْلَبَانِ فِي الْقَطْعِ دَلِيلًا وَمَدْلُولًا. وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ خَرَجَتَا مَخْرَجَ الْبَيَانِ وَالشَّهَادَةِ لِبَدَاعَةِ هَذَا الْعَالَمِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فِيمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ الْبَدِيعُ هُنَا، وَلِجُمْلَةِ وَأَنَارَ لِبَصَائِرِ الْعُقَلَاءِ طُرُقَ دَلَالَتِهِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ لِهَذَا وَلِكَوْنِهِمَا لَا يَصِحُّ تَشْرِيكُهُمَا فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهُمَا مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ إذْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَقَعَا صِلَتَيْنِ لِمَا الْأُولَيَانِ صِلَتَانِ لَهُ فَصَلَهُمَا عَنْهُمَا. وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ إسْنَادَ دَفْعٍ إلَى نِظَامٍ، وَأَوْجَبَ إلَى تَوَالِي إسْنَادٌ مَجَازِيٌّ لِمُلَابَسَةِ السَّبَبِيَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2] ، وَأَنَّ قَوْلَهُ الْمُسْتَمِرَّ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ تُوَالِي كَمَا أَنَّ الْمُسْتَقَرَّ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ نِظَامِهِ وَتَعَالَى جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ ثُمَّ كَمَا أَنَّ لِرَبِّنَا تَعَالَى عَلَيْنَا نِعَمًا يَتَعَذَّرُ إحْصَاؤُهَا كَذَلِكَ لِنَبِيِّنَا أَيْضًا عَلَيْنَا مِنَنٌ يَبْعُدُ اسْتِقْصَاؤُهَا وَهُوَ أَيْضًا الْوَسِيلَةُ الْعُظْمَى إلَيْهِ، وَمَنْ رَامَ إنْجَاحَ مَطَالِبِهِ فَهُوَ كَلٌّ عَلَيْهِ فَلَا جَرَمَ إنْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِتَبْجِيلِهِ وَتَمْجِيدِهِ مَنْسُوقًا عَلَى حَمْدِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ فَقَالَ (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ) وَكَوْنُ الْحَمْدِ فِي صُورَةِ الْجُمْلَةِ الْأَسْمِيَةِ وَالصَّلَاةِ فِي صُورَةِ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ غَيْرَ ضَائِرٍ لِاتِّفَاقِهِمَا هُنَا فِي كَوْنِهِمَا إنْشَاءً وَسَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ هَلْ الْمُشْتَرَكُ عَامٌّ اسْتِغْرَاقِيٌّ فِي مَفَاهِيمِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَوْضُوعَةٌ لِلِاعْتِنَاءِ بِإِظْهَارِ الشَّرَفِ وَتَتَحَقَّقُ مِنْهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ، وَمِنْ غَيْرِهِ بِدُعَائِهِ لَهُ. ثُمَّ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: أَجْمَعُ الْأَقْوَالِ الشَّارِحَةِ لِلرِّسَالَةِ الْإِلَهِيَّةِ أَنَّهَا سِفَارَةٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْخَلْقِ تُنَبِّهُ أُولِي الْأَلْبَابِ عَلَى مَا تَقْصُرُ عَنْهُ عُقُولُهُمْ مِنْ صِفَاتِ مَعْبُودِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَمُسْتَحِثَّاتٌ تُهْدِيهِمْ وَدَوَافِعُ شُبَهٍ تُرْدِيهِمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا غَيْرُ مُرَادِفَةٍ لِلنُّبُوَّةِ وَبَيْنَهُمَا فُرُوقٌ شَهِيرَةٌ، فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ كُلَّ رَسُولٍ نَبِيٌّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ نَقْلِ غَيْرِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ لِنَقْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَمِمَّا قِيلَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرَّسُولَ مَأْمُورٌ بِالْإِنْذَارِ، وَأَنَّهُ يَأْتِي بِشَرْعٍ مُسْتَأْنَفٍ وَلَا كَذَلِكَ النَّبِيُّ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُمِرَ بِالتَّبْلِيغِ، وَأَنَّهُ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ وَالنَّبِيُّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ بَعْضِ وُجُوهِهِ وَالنُّبُوَّةُ، وَالرِّسَالَةُ أَشْرَفُ مَرَاتِبِ الْبَشَرِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَقَعُ بِهِ التَّفْضِيلُ الثَّمَرَةُ وَالْجَدْوَى قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ: وَجَاءَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ تَفْضِيلُ الرِّسَالَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ فَإِنَّهَا تُثْمِرُ هِدَايَةَ الْأُمَّةِ، وَالنُّبُوَّةُ قَاصِرَةٌ عَلَى النَّبِيِّ فَنِسْبَتُهَا إلَى النُّبُوَّةِ كَنِسْبَةِ الْعَالِمِ إلَى الْعَابِدِ، وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يُلَاحِظُ فِي النُّبُوَّةِ جِهَةً أُخْرَى يُفَضِّلُهَا بِهَا عَلَى الرِّسَالَةِ وَكَانَ يَقُولُ النُّبُوَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِإِنْشَاءِ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] فَهَذَا وُجُوبٌ مُتَعَلَّقٌ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرِّسَالَةُ خِطَابٌ يَتَعَلَّقُ بِالْأُمَّةِ، وَالرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَفْضَلُ مِنْ الْأُمَّةِ بِالْخِطَابِ الْمُتَعَلَّقِ بِهِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ جِهَةِ شَرَفِ الْمُتَعَلَّقِ فَإِنَّ النُّبُوَّةَ هُوَ مُتَعَلَّقُهَا، وَالرِّسَالَةَ مُتَعَلَّقُهَا الْأُمَّةُ، وَإِنَّمَا

حَظُّهُ مِنْهَا التَّبْلِيغُ فَهَذَانِ وَجْهَانِ مُتَعَارِضَانِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْحَقِيقَةُ الْوَاحِدَةُ لَهَا شَرَفٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ اهـ. وَقَطَعَ فِي مُؤَلَّفٍ لَهُ بِأَنَّ النُّبُوَّةَ أَفْضَلُ قَائِلًا: لِأَنَّ النُّبُوَّةَ إخْبَارٌ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَنُعُوتِ الْكَمَالِ، وَهِيَ مُتَعَلَّقَةٌ بِاَللَّهِ مِنْ طَرَفَيْهَا، وَالْإِرْسَالُ دُونَهَا أَمْرٌ بِالْإِبْلَاغِ إلَى الْعِبَادِ فَهُوَ مُتَعَلَّقٌ بِاَللَّهِ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ وَبِالْعِبَادِ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِاَللَّهِ مِنْ طَرَفَيْهِ أَفْضَلُ مِمَّا تَعَلَّقَ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّبُوَّةَ رَاجِعَةٌ إلَى التَّعْرِيفِ بِالْإِلَهِ وَبِمَا يَجِبُ لِلْإِلَهِ، وَالْإِرْسَالَ رَاجِعٌ إلَى أَمْرِهِ الرَّسُولَ بِأَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ إلَى عِبَادِهِ أَوْ إلَى بَعْضِ عِبَادِهِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ، وَالنُّبُوَّةُ سَابِقَةٌ عَلَى الْإِرْسَالِ فَإِنَّ قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30] مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: 24] فَجَمِيعُ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: 24] نُبُوَّةٌ، وَمَا أَمَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ التَّبْلِيغِ فَهُوَ إرْسَالٌ، وَأَفَادَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْإِرْسَالَ مِنْ الصِّفَاتِ الشَّرِيفَةِ الَّتِي لَا ثَوَابَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا الثَّوَابُ عَلَى أَدَاءِ الرِّسَالَةِ الَّتِي حَمَلَهَا، وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فَمَنْ قَالَ النَّبِيُّ هُوَ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ اللَّهِ قَالَ يُثَابُ عَلَى إنْبَائِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِ، وَمَنْ قَالَ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ الَّذِي نَبَّأَهُ اللَّهُ قَالَ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى إنْبَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ لِتَعَذُّرِ انْدِرَاجِهِ فِي كَسْبِهِ وَكَمْ مِنْ صِفَةٍ شَرِيفَةٍ لَا يُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا كَالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي لَا كَسْبَ لَهُ فِيهَا وَكَالنَّظَرِ إلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الصِّفَاتِ ثُمَّ لَا شَكَّ فِي أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ. وَأَمَّا أَنَّهُ هَلْ هُوَ مُرْسَلٌ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا فَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ نَفْيَ إرْسَالِهِ إلَيْهِمْ، وَمَشَى عَلَيْهِ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ بَلْ فِي نُسْخَةٍ مِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ فِي تَفْسِيرِهِ أَجْمَعْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ رَسُولًا إلَى الْمَلَائِكَةِ اهـ. فَمَا فِي تَشْنِيفِ الْمَسَامِعِ بِجَمْعِ الْجَوَامِعِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا بَيْنَ فُقَهَاءِ مِصْرَ مَعَ فَاضِلِ دَرْسٍ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ الْمَلَائِكَةُ مَا دَخَلَتْ فِي دَعْوَتِهِ فَقَامُوا عَلَيْهِ مَا لَفَظَهُ. وَذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ الدُّخُولَ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] وَالْمَلَائِكَةُ دَاخِلُونَ فِي هَذَا الْعُمُومِ. اهـ غَلَطٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. وَمُحَمَّدٌ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ الْأَعْلَامِ، وَهَلْ هُوَ مَنْقُولٌ أَوْ مُرْتَجَلٌ فَعَلَى مَا عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْأَعْلَامَ كُلَّهَا مَنْقُولَةٌ، وَمَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ الْمُرْتَجَلِ بِأَنَّهُ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَصْلٌ يَرْجِعُ اسْتِعْمَالُهُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لَفْظٌ مُخْتَرَعٌ أَوْ أَنَّهُ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَمًا وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ نَكِرَةً هُوَ مَنْقُولٌ إمَّا عَنْ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَوْ الْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ كَمَا تَكُونُ اسْمُ مَفْعُولٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْكَثِيرُ قَدْ تَكُونُ مَصْدَرًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 19] ، وَقَوْلُهُمْ جَرَّبْته كُلَّ مُجَرَّبٍ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ مَنْقُولًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الثَّالِثِ فَلِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ صِفَةً قَبْلَ التَّسْمِيَةِ بِهِ، وَعُرِّفَ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ قَالَ الْأَعْشَى إلَى الْمَاجِدِ الْفَرْعِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ وَعَلَى مَا عَنْ الزَّجَّاجِ الْأَعْلَامُ كُلُّهَا مُرْتَجَلَةٌ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى قَصْدِ النَّقْلِ إذْ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ مِنْ الْوَاضِعِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ تَصْرِيحٌ هُوَ مُرْتَجَلٌ. وَعَلَى كَوْنِهِ مُرْتَجَلًا مَشَى ابْنُ مُعْطٍ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْقَائِلِ فِيهِ وَشَقَّ لَهُ مِنْ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ وَلَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ يُقَالُ رَجُلٌ مُحَمَّدٌ، وَمَحْمُودٌ أَيْ كَثِيرُ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ لَكِنْ لَعَلَّ النَّقْلَ أَشْبَهُ. ثُمَّ أَيًّا مَا كَانَ فَكَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّمَا سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُودٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِنْ كَفَرَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْأَرْضِ جَهْلًا أَوْ عِنَادًا، وَهُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ حَمْدًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ أَنْ يُسَمَّى بِهِ أَحَدٌ غَيْرَهُ إلَى أَنْ شَاعَ قُبَيْلَ إظْهَارِهِ لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَسَمَّى قَلِيلٌ مِنْ الْعَرَبِ أَبْنَاءَهُمْ

بِهِ رَجَاءً مِنْ كُلٍّ أَنْ يَكُونَ ابْنُهُ ذَلِكَ ثُمَّ مَنَعَ اللَّهُ كُلًّا مِنْهُمْ أَنْ يَدَّعِيَ النُّبُوَّةَ أَوْ يَدَّعِيَهَا أَحَدٌ لَهُ أَوْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ سَبَبٌ يُشَكِّكُ أَحَدًا فِي أَمْرِهِ. ثُمَّ الْمُفِيدُ لِصِحَّةِ وَصْفِهِ بِمَا مَدَحَهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ (أَفْضَلُ مَنْ عَبَدَهُ مِنْ عِبَادِهِ) الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ الَّتِي مَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْهَا فَقَدْ ضَلَّ طَرِيقَ سَدَادِهِ، وَكَذَا لَا رَيْبَ فِي كَوْنِهِ أَعْلَمَ الْخَلْقِ بِاَللَّهِ وَأَتْقَاهُمْ، وَأَنَّهُ أَرْحَمُ بِأُمَّتِهِ مِنْ الْوَالِدِ الْعَطُوفِ بِأَوْلَادِهِ (وَأَقْوَى مَنْ أَلْزَمَ) بِاللِّسَانِ وَالسِّنَّانِ مَنْ أَمْكَنَهُ تَبْلِيغُهُ (أَوَامِرَهُ) لِيَفُوزَ الْمُلْزَمُ بِذَلِكَ بِالسَّعَادَةِ السَّرْمَدِيَّةِ أَبَدَ آبَادِهِ (وَنَشَرَ أَلْوِيَةَ شَرَائِعِهِ) عَلَى اخْتِلَافِ مَوْضُوعَاتِهَا وَتَبَايُنِ مَحْمُولَاتِهَا فَغَدَتْ عَلَى مَمَرِّ الْأَحْقَابِ مَرْفُوعَةَ الْأَعْلَامِ (فِي بِلَادِهِ) ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ هُنَا دِينَهُ وَشَرْعَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مِنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» بِدَلِيلِ مَا فِي لَفْظٍ آخَرَ لَهُ «مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ فِيهِ رَدٌّ» وَجَمْعُهُ نَظَرٌ إلَى أَنْوَاعِ مُتَعَلَّقَاتِهِ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ ضِدَّ النَّهْيِ، وَعَلَى هَذَا إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ النَّوَاهِيَ اكْتِفَاءً بِأَحَدِ الضِّدَّيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أَيْ وَالْبَرْدَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ لَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِهِ وَنَشَرَ أَلْوِيَةَ شَرَائِعِهِ فِي بِلَادِهِ مِنْ حُسْنِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ التَّخْيِلِيَّةِ الْمُرَشِّحَةِ عَلَى طَرِيقَةِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فَإِنَّهُ أَضْمَرَ فِي النَّفْسِ تَشْبِيهَ الشَّرَائِعِ بِالْمُلُوكِ ذَوِي الْجُيُوشِ وَالرَّايَاتِ بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ السَّلْطَنَةِ، وَنَفَاذًا لِحُكْمٍ فِي مُتَعَلَّقِهِمَا فَإِنَّ الشَّرَائِعَ الْإِلَهِيَّةِ الْمُتَعَلَّقَةِ بِالْمُكَلَّفِينَ نَافِذَةٌ أَحْكَامُهَا فِيهِمْ وَوَاجِبٌ عَلَيْهِمْ طَاعَةُ مُقْتَضَاهَا أَبْلُغُ مِنْ نَفَاذِ أَحْكَامِ الْمُلُوكِ فِي أَتْبَاعِهِمْ وَرَعَايَاهُمْ، وَآكَدُ مِنْ طَاعَةِ الرَّعَايَا لَهُمْ ثُمَّ رَشَّحَ ذَلِكَ تَخْيِيلًا بِذِكْرِ نَشْرِ الْأَلْوِيَةِ فِي الْبِلَادِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ صِفَةُ كَمَالٍ لَهُ. ثُمَّ مَا زَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمًا بِأَعْبَاءِ التَّبْلِيغِ وَدَعْوَةِ الْخَلْقِ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَطَاعَةِ الرَّحْمَنِ بِنَفْسِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ إلَى الْبِلَادِ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ وَالْإِمْكَانِ (حَتَّى افْتَرَّتْ ضَاحِكَةً عَنْ جَذَلٍ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) يُقَالُ افْتَرَّ فُلَانٌ ضَاحِكًا إذَا ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ أَسْنَانُهُ فَضَاحِكَةً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الضَّمِيرِ الَّذِي لِلْبِلَادِ فِي افْتَرَّتْ مِنْ قَبِيلِ الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ لِعَامِلِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} [النمل: 19] . وَعَنْ جَذَلٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ عَنْ فَرَحٍ وَابْتِهَاجٍ مَصْدَرُ جَذِلَ يَجْذَلُ مِنْ حَدِّ عَلِمَ يَعْلَمُ وَهُوَ مُتَعَلَّقٌ بِافْتَرَّتْ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ وَبِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ مُتَعَلَّقٌ بِجَذَلٍ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ أَيْضًا أَيْ حَتَّى تُجَاوِزَ افْتِرَارَ الْبِلَادِ عَنْ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ بِمَا بَسَطَ اللَّهُ فِي بَسْطَتِهَا مِنْ التَّوَسُّطِ فِي الْأُمُورِ اعْتِقَادًا كَالتَّوْحِيدِ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ التَّعْطِيلِ وَالتَّشْرِيكِ، وَالْقَوْلِ بِالْكَسْبِ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ مَحْضِ الْجَبْرِ وَالْقَدْرِ، وَعَمَلًا كَالتَّعَبُّدِ بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ الْبَطَالَةِ وَالتَّرَهُّبِ وَخُلُقًا كَالْجُودِ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ الْبُخْلِ وَالتَّبْذِيرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْ الْإِحْسَانِ فِي الطَّاعَاتِ كَمْيَّةً وَكَيْفِيَّةً، وَفِي مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ، وَمُعَاشَرَتِهِمْ حَتَّى فِي قَتْلِ مَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْغَايَةِ مِنْ حُسْنِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ التَّخْيِلِيَّةِ الْمُرَشِّحَةِ فَإِنَّهُ أَضْمَرَ فِي النَّفْسِ تَشْبِيهَ الْبِلَادِ بِالْعُقَلَاءِ مِنْ بَنِي آدَمَ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلٌّ لِمَظَاهِرِ الْأَحْكَامِ، وَإِقَامَةِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَشَّحَ ذَلِكَ تَخْيِيلًا بِالتَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ النَّاشِئِ عَنْ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ بِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ لَوَازِمِ فَرَحِ الْعُقَلَاءِ عَادَةً وَصِفَةَ كَمَالٍ لَهُمْ فَعَمَّ الْبِلَادَ آثَارُ هَذَا الْجُودِ وَالِامْتِنَانِ (بَعْدَ طُولِ انْتِحَابِهَا عَلَى انْبِسَاطِ بَهْجَةِ الْإِيمَانِ) لِكَثْرَةِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ وَالظُّلْمِ وَالْعِدْوَانِ. ثُمَّ النَّحِيبُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ، وَالِانْبِسَاطُ هُنَا تَرَكَ الِاحْتِشَامَ، وَالْبَهْجَةُ الْحُسْنُ وَهَذَا تَرْشِيحٌ آخَرُ لِلِاسْتِعَارَةِ الْمَاضِيَةِ. الْبَيَانُ (وَلَقَدْ كَانَتْ) الْبِلَادُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ (كَمَا قِيلَ وَكَأَنَّ وَجْهَ الْأَرْضِ خَدُّ مُتَيَّمٍ ... وُصِلَتْ سِجَامُ دُمُوعِهِ بِسِجَامِ) الْمُتَيَّمُ الْعَاشِقُ مَنْ تَيَّمَهُ الْحُبُّ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ عَبْدًا لِمَحْبُوبِهِ وَسَجَمَ الدَّمْعُ سُجُومًا سَالَ وَانْسَجَمَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُحِبُّ عَلَى هَذَا الْحَالِ مِنْ الْحُزْنِ وَالِاكْتِئَابِ لِمَا يَتَوَارَدُ عَلَيْهِ مِنْ أَلْوَانِ الْعَذَابِ فِي مُعَامَلَةِ الْأَحْبَابِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَ مِنْ ذَلِكَ الْجَنَابُ، وَفَقَدَ مَا يُوصِلُهُ إلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ

بَلْ رُبَّمَا يَبْكِي الْمُحِبُّ فِي حَالَةِ الْقُرْبِ مَخَافَةَ الِافْتِرَاقِ كَمَا يَبْكِي حَالَةَ الْبُعْدِ مِنْ شِدَّةِ الِاشْتِيَاقِ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ وَمَا فِي الدَّهْرِ أَشْقَى مِنْ مُحِبٍّ ... وَإِنْ وَجَدَ الْهَوَى حُلْوَ الْمَذَاقِ تَرَاهُ بَاكِيًا أَبَدًا حَزِينًا ... لِخَوْفِ تَفَرُّقٍ أَوْ لِاشْتِيَاقِ فَيَبْكِي إنْ نَأَوْا شَوْقًا إلَيْهِمْ ... وَيَبْكِي إنْ دَنَوْا خَوْفَ الْفِرَاقِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ وَجْهُ هَذَا التَّشْبِيهِ وَحُسْنُ مَا فِيهِ. وَقَدْ سَأَلْتُ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ اسْمِ صَاحِبِ هَذَا الْبَيْتِ فَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَحْضُرُهُ، وَقْتَئِذٍ، وَأَنَّ الْبَيْتَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ نُورِ الطَّرَفِ وَنُورُ الظَّرْفِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ خَتَمَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَادِحَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ثَانِيًا عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ لِمَا عِنْدَهُ مِنْ الشَّغَفِ بِذَلِكَ، وَيَحِقُّ لَهُ ذَلِكَ وَلِيُقْرِنَهَا بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ كَمَا اقْتَرَنَا فِي الْأَمْرِ بِهِمَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَيَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ مَا قِيلَ مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِهَا عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صَحِيحًا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِنَا حَلْبَةُ الْمُجَلِّي وَلِيُقَرِّبَ أَتْبَاعَ الْآلِ وَالصَّحْبِ لَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُمْ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ مَا لَيْسَ لِسَائِرِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَى الْأُمَّةِ بِوَاسِطَتِهِمْ مِنْ الْخَيْرَاتِ، وَأَسْبَابِ الْبَرَكَاتِ وَلَا سِيَّمَا مِنْ تَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمُكَلَّفَيْنِ مَا لَمْ يَصِلْ مِثْلُهُ إلَيْهِمْ بِوَاسِطَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ اللَّاحِقِينَ فَقَالَ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ الْكِرَامِ، وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ هُمْ مَصَابِيحُ الظَّلَّامِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا) . عَلَى أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ فِي الْأَوْسَطِ، وَأَبَا الشَّيْخِ فِي الثَّوَابِ وَغَيْرَهُمَا رَوَوْا بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مِنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ» ، وَفِي لَفْظٍ لِبَعْضِهِمْ مَنْ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا دَامَ فِي كِتَابِهِ، وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يُغْتَنَمُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الضَّعْفُ الْمَذْكُورُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَحَادِيثِ الْفَضَائِلِ وَلَمْ يُضَعَّفْ بِالْوَضْعِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي أَصْلِ الْآلِ فَسِيبَوَيْهِ وَالْبَصْرِيُّونَ أَهْلُ فَأُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ أَلِفًا وَالْكِسَائِيُّ وَيُونُسُ وَغَيْرُهُمَا أَوَّلُ فَقُلِّبَتْ الْوَاوُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلِهَا كَمَا فِي قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ هَذَا الِانْقِلَابَ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ حَتَّى صَارَ مِنْ أَشْهَرِ قَوَاعِدِ التَّصْرِيفِ وَالِاشْتِقَاقِ بِخِلَافِ انْقِلَابِ الْهَاءِ هَمْزَةً حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو شَامَةَ: إنَّهُ مُجَرَّدُ دَعْوًى، وَحُكْمُهُ الْعَرَبُ تَأْبَاهُ إذْ كَيْفَ يُبْدَلُ مِنْ الْحَرْفِ السَّهْلِ وَهُوَ الْهَاءُ حَرْفٌ مُسْتَثْقَلٌ وَهُوَ الْهَمْزَةُ الَّتِي عَادَتُهُمْ الْفِرَارُ مِنْهَا حَذْفًا وَإِبْدَالًا وَتَسْهِيلًا مَعَ أَنَّهُمْ إذَا أَبْدَلُوا الْهَاءَ هَمْزَةً فِي هَذَا الْمَكَانِ فَهِيَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِيهِ بَلْ يَجِبُ قَلْبُهَا أَلِفًا فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى اعْتِقَادِ هَذَا التَّكْثِيرِ مِنْ التَّغْيِيرِ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا يُشْكِلُ بِمَاءٍ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى إبْدَالِ الْهَاءِ فِيهِ هَمْزَةً لِيَقْوَى عَلَى الْإِعْرَابِ. وَأَمَّا أَرَقْت فَالْهَاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنْ الْهَمْزَةِ لَا بِالْعَكْسِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِاخْتِلَافِهِمَا اسْتِعْمَالًا مَعَ عَدَمِ الْمُوجِبِ لِذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنَّ الْآلُ لَمْ يُسْمَعْ إلَّا مُضَافًا إلَى مُعَظَّمٍ ذِي عِلْمٍ عُلِمَ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعًا، وَمَآلًا بِخِلَافِ الْأَهْلِ فَإِنَّهُ يُضَافُ إلَى مُعَظَّمٍ وَغَيْرِ مُعَظَّمٍ ذِي عِلْمٍ وَغَيْرِ ذِي عِلْمٍ عَلَمًا وَنَكِرَةً، وَمِنْ ثَمَّةَ يُقَالُ آلُ مُحَمَّدٍ وَآلُ إبْرَاهِيمَ وَلَا يُقَالُ آلُ ضَعِيفٍ وَلَا آلُ الدَّارِ وَيُقَالُ أَهْلُ ضَعِيفٍ، وَأَهْلُ الدَّارِ، وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي الِاسْتِغَاثَةِ بِاَللَّهِ عَلَى أَصْحَابِ الْفِيلِ وَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِي ... بِ وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَك فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ كَمَا فِي {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] . وَالْأَصْلُ فِي الِاسْمَيْنِ إذَا اتَّحَدَا أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الِاسْتِعْمَالِ إلَّا لِمُوجِبٍ وَلَا مُوجِبَ هُنَا فِيمَا يَظْهَرُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ: إنَّ أَصْلَهُ أَهْلٌ مِنْ أَنَّهُ سُمِعَ فِي تَصْغِيرِهِ أُهَيْلٌ لَا أُوَيْلٌ، وَالتَّصْغِيرُ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا، وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ مُصَغَّرًا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنَّمَا سُمِعَ فِي نَحْو يَا أُهَيْلَ الْحِمَى يَا أُهَيْلَ النَّقَى، وَقَدْ عَرَفْت مِنْ أَنَّهُ لَا يُقَالُ آلُ الدَّارِ بَلْ يُقَالُ أَهْلُهَا أَنَّهُ لَا يُقَالُ آلُ الْحِمَى وَالنَّقَى بَلْ أَهْلُهُمَا فَأُهَيْلُ الْحِمَى وَالنَّقَى تَصْغِيرُ أَهْلٍ حِينَئِذٍ لَا آلٍ وَكَأَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِذَوِي الْخَطَرِ مِنْ ذَوِي الْعِلْمِ الْأَعْلَامِ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ. وَيَبْقَى بَعْدَ هَذَا

عِلَاوَةً عَلَى مَا ذَكَرَ الْكِسَائِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَعْرَابِيًّا فَصِيحًا يَقُولُ أُوَيْلٌ فِي تَصْغِيرِ آلٍ، وَأَمَّا ثَالِثًا فَإِنَّ الْآلُ إذَا ذُكِرَ مُضَافًا إلَى مَنْ هُوَ لَهُ وَلَمْ يُذْكَرْ مَنْ هُوَ لَهُ مَعَهُ مُفْرَدًا أَيْضًا تَنَاوَلَهُ الْآلُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَوَاقِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} [الأعراف: 130] {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] إذْ لَا رَيْبَ فِي دُخُولِ فِرْعَوْنَ فِي آلِهِ فِي كِلْتَا الْآيَتَيْنِ وَكَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ دَاخِلٌ فِيمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ الْأَصْلُ الْمُسْتَتْبَعُ لِسَائِرِ آلِهِ، وَمَا فِيهِمَا أَيْضًا «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ أَبَاهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبَا أَوْفَى هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَهْلُ إذْ لَوْ قِيلَ مَثَلًا جَاءَ أَهْلُ زَيْدٍ لَمْ يَدْخُلْ زَيْدٌ فِيهِمْ ثُمَّ الصَّحِيحُ جَوَازُ إضَافَتِهِ إلَى الْمُضْمَرِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضُوعِ فَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُمْ قَرَابَتُهُ الَّذِينَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِمْ، وَقِيلَ جَمِيعُ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ، وَإِلَى هَذَا مَالَ مَالِكٌ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا الْكِتَابِ. وَالْكِرَامُ جَمْعُ كَرِيمٍ وَهُوَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْجَوَادُ الْكَثِيرُ الْخَيْرِ الْمَحْمُودُ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ الشَّرِيفَةُ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ كُلُّ ذَاتٍ صَدَرَ مِنْهَا مَنْفَعَةٌ وَخَيْرٌ، وَآلُهُ لَمْ يَخْلُو مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ غَالِبًا، وَمِنْ كَرَمِهِمْ عُمُومًا تَحْرِيمُ أَوْسَاخِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ وَدُخُولُهُمْ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْ لَطِيفِ مَا يُؤْثَرُ مِمَّا يُنَاسِبُ هَذَا مَا حَكَى الْخَطِيبُ قَالَ دَخَلَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ عَلَى عَلَوِيٍّ بِبَلْخٍ أَوْ بِالرَّيِّ زَائِرًا لَهُ، وَمُسَلِّمًا عَلَيْهِ فَقَالَ الْعَلَوِيُّ لِيَحْيَى مَا تَقُولُ فِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَقَالَ مَا أَقُولُ فِي طِينٍ عُجِنَ بِمَاءِ الْوَحْيِ وَغُرِسَتْ فِيهِ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَسُقِيَ بِمَاءِ الرِّسَالَةِ فَهَلْ يَفُوحُ مِنْهُ إلَّا مِسْكُ الْهُدَى، وَعَنْبَرُ التَّقْوَى، فَقَالَ الْعَلَوِيُّ لِيَحْيَى إنْ زُرْتنَا فَبِفَضْلِك، وَإِنْ زُرْنَاك فَلِفَضْلِك فَلَكَ الْفَضْلُ زَائِرًا وَمَزُورًا وَالْأَصْحَابُ جَمْعُ صَحْبٍ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْأَشْهَادُ وَاحِدُهُ شَاهِدٌ مِثْلَ صَاحِبٌ وَأَصْحَابُ، وَهُوَ أَشْبَهُ وَسَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْأَكْثَرِ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمًا، وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَمَاتَ قَبْلَهَا عَلَى الْحَنَفِيَّةِ كَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَوْ ارْتَدَّ، وَعَادَ فِي حَيَاتِهِ، وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ مُتَتَبِّعًا لَهُ مُدَّةً يَثْبُتُ مَعَهَا إطْلَاقُ صَاحِبِ فُلَانٍ عُرْفًا بِلَا تَحْدِيدٍ فِي الْأَصَحِّ وَيَذْكُرُ ثَمَّةَ مَزِيدَ تَحْقِيقٍ لِهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي وَصْفِهِمْ بِكَوْنِهِمْ مَصَابِيحَ الظَّلَّامِ إشَارَةٌ عَلَى سَبِيلِ التَّلْمِيحِ إلَى مَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَثَلُ أَصْحَابِي فِي أُمَّتِي مَثَلُ النُّجُومِ فَبِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مَعَ تَخْرِيجِهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ النُّجُومَ تُسَمَّى مَصَابِيحَ أَيْضًا كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5] ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ بَيْنَ الْآلِ وَالْأَصْحَابِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ عَطْفِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (وَبَعْدُ فَإِنِّي بَعْدَ أَنْ صَرَفْت طَائِفَةً مِنْ الْعُمُرِ) أَيْ مُدَّةً مِنْ مُدَّةِ الْحَيَاةِ فِي الدُّنْيَا (فِي طَرِيقَيْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأُصُولِ خَطَرَ لِي أَنْ أَكْتُبَ كِتَابًا مُفْصِحًا عَنْ الِاصْطِلَاحَيْنِ) فِي الْأُصُولِ لِلْفَرِيقَيْنِ كَائِنًا (بِحَيْثُ يَطِيرُ مَنْ أَتْقَنَهُ إلَيْهِمَا بِجَنَاحَيْنِ) أَيْ بِحَيْثُ يَصِلُ مَنْ أَحَاطَ بِمَا فِيهِ دِرَايَةً إلَى مَعْرِفَةِ الِاصْطِلَاحَيْنِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ التَّخْيِلِيَّةِ الْمُرَشِّحَةِ مِنْ اللُّطْفِ وَالْحُسْنِ فَإِنَّهُ شَبَّهَ فِي النَّفْسِ الِاصْطِلَاحَيْنِ بِالْمَكَانِ الرَّفِيعِ بِجَامِعِ عُلُوِّ الْمَقَامِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْعُلُوُّ فِي الْمَكَانِ حِسِّيًّا، وَفِي الِاصْطِلَاحَيْنِ عَقْلِيًّا، وَالْمُتْقِنَ لِلْكِتَابِ بِالطَّائِرِ بِجَامِعِ السَّعْيِ السَّرِيعِ بَيْنَهُمَا الْمُوَصِّلِ لِلْمَطْلُوبِ، وَأَثْبَتَ لِلْمُشَبَّهِ الْجَنَاحَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا قِوَامَ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ إلَّا بِهِمَا تَخْيِيلًا وَتَرْشِيحًا، وَمَا دَعَانِي إلَى قَصْدِ كِتَابَةِ كِتَابٍ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ إلَّا (إذَا كَانَ مَنْ عَلِمْته أَفَاضَ فِي هَذَا الْمَقْصُودِ) أَيْ مَنْ صَنَّفَ كِتَابًا فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحَيْنِ

الْمَذْكُورَيْنِ كَالنِّحْرِيرِ الْعَلَّامَةِ صَاحِبِ الْبَدِيعِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي دِيبَاجَتِهِ: قَدْ مَنَحْتُك أَيُّهَا الطَّالِبُ لِنِهَايَةِ الْوُصُولِ إلَى عِلْمِ الْأُصُولِ هَذَا الْكِتَابَ الْبَدِيعَ فِي مَعْنَاهُ الْمُطَابِقَ اسْمُهُ لِمُسَمَّاهُ لَخَّصْتُهُ لَك مِنْ كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَرَصَّعْته بِالْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ مِنْ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْكِتَابُ يُقَرِّبُ مِنْهُمَا الْبَعِيدَ وَيُؤَلِّفُ الشَّرِيدَ، وَيُعَبِّدُ لَك الطَّرِيقَيْنِ وَيُعَرِّفُك اصْطِلَاحَ الْفَرِيقَيْنِ (لَمْ يُوضِحْهُمَا حَقَّ الْإِيضَاحِ وَلَمْ يُنَادِ مُرْتَادَهُمَا) أَيْ طَالِبَهُمَا بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ يُنَادِي، وَفَاعِلُهُ (بَيَانُهُ إلَيْهِمَا بِحَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) وَهَذَا قَدْ صَارَ فِي الْعُرْفِ مَثَلًا يُسْتَعْمَلُ فِي اشْتِهَارِ التَّبْلِيغِ وَالْإِيقَاظِ لَهُ. وَالْإِفْصَاحُ عَنْ الْمَقْصُودِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ ذَلِكَ فَكَنَّى بِهَذَا الْقَوْلِ عَنْ عَدَمِ بَيَانِ مَنْ صَنَّفَ فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحَيْنِ إيَّاهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ الْمُسْتَوْفِي؛ لِأَنَّك تَارَةً تَرَى بَعْضَ الْمَوَاضِعِ مِنْهُ عَارِيًّا مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا، وَتَارَةً تَرَى بَعْضًا مِنْهُ خَالِيًا مِنْ أَحَدِهِمَا (فَشَرَعْت فِي هَذَا الْغَرَضِ) وَهُوَ كِتَابَةُ كِتَابٍ مُفْصِحٍ عَلَى الِاصْطِلَاحَيْنِ بِحَيْثُ يَطِيرُ مَنْ أَتْقَنَهُ إلَيْهِمَا بِجَنَاحَيْنِ (ضَامًّا إلَيْهِ) أَيْ إلَى بَيَانِ الِاصْطِلَاحَيْنِ (مَا يَنْقَدِحُ) أَيْ يَظْهَرُ (لِي مِنْ بَحْثٍ) وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُهُ (وَتَحْرِيرٍ) أَيْ تَقْوِيمٍ (فَظَهْرَ لِي بَعْدَ) كِتَابَةِ شَيْءٍ (قَلِيلٍ) مِنْ ذَلِكَ (أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْمَشْرُوعُ فِيهِ إذَا تَمَّ (سِفْرٌ) أَيْ كِتَابٌ (كَبِيرٌ، وَعَرَفْت مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ) أَيْ مِنْ مُشْتَغِلِي زَمَانِي (انْصِرَافَ هِمَمِهِمْ) أَيْ تَوَجُّهَهَا جَمْعُ هِمَّةٍ وَهِيَ اسْمٌ مِنْ الِاهْتِمَامِ بِمَعْنَى الِاغْتِمَامِ مِنْ هَمَّ إذَا تَدَافَعَ فِي الْقَصْدِ، وَقِيلَ هِيَ الْبَاعِثُ الْقَلْبِيُّ الْمُنْبَعِثُ مِنْ النَّفْسِ لِمَطْلُوبٍ كَمَالِيٍّ، وَمَقْصُودٍ عَالٍ (فِي غَيْرِ الْفِقْهِ إلَى الْمُخْتَصَرَاتِ، وَإِعْرَاضَهُمْ عَنْ الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَاتِ) وَخُصُوصًا إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمُخْتَصَرَاتِ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ اللُّغَوِيِّ لِلِاخْتِصَارِ وَهُوَ رَدُّ الْكَثِيرِ إلَى الْقَلِيلِ، وَفِيهِ مَعْنَى الْكَثِيرِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَا دَلَّ قَلِيلُهُ عَلَى كَثِيرِهِ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ فَإِنَّ اخْتِيَارَ الْمُخْتَصَرَاتِ حِينَئِذٍ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَصَرَ أَقْرَبُ إلَى الْحِفْظِ، وَأَنْشَطُ لِلْقَارِئِ، وَأَوْقَعُ فِي النَّفْسِ، وَمِنْ ثَمَّةَ تَدَاوَلَ النَّاسُ إعْجَازَ قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] ، وَعَجِبُوا مِنْ وَجِيزِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94] ، وَمِنْ اخْتِصَارِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} [هود: 44] الْآيَةَ. وَقَالُوا إنَّهَا أَخْصَرُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَحْسَنُوا اخْتِصَارَ قَوْلِهِ جَلَّ، وَعَلَا {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} [الزخرف: 71] حَيْثُ جَمَعَ فِي هَذَا اللَّفْظِ الْوَجِيزِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ وَالْمَلْبُوسَاتِ وَغَيْرِهَا وَلِفَضْلِ الِاخْتِصَارِ عَلَى الْإِطَالَةِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَاخْتُصِرَتْ لَيَّ الْحِكْمَةُ اخْتِصَارًا» ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خَيْرُ الْكَلَامِ مَا قَلَّ وَدَلَّ وَلَمْ يَطُلْ فَيُمَلَّ غَيْرَ أَنَّ لِلْإِطَالَةِ مَوْضِعًا تُحْمَدُ فِيهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ كِتَابِ اللَّهِ الْكَرِيمِ مُخْتَصَرًا، وَمِنْ هُنَا اُخْتِيرَتْ الْمُطَوَّلَاتُ أَيْضًا فِي الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَالتَّوَارِيخِ لِتَعَلُّقِ الْغَرَضِ بِاتِّسَاعِ مَا فِيهَا مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ الَّتِي لَا يَجْمَعُهَا ضَابِطٌ فِي الْغَالِبِ. (فَعَدَلْت) بِهَذَا السَّبَبِ عَنْ إتْمَامِ ذَلِكَ (إلَى) تَصْنِيفِ (مُخْتَصَرٍ مُتَضَمِّنٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْغَرَضَيْنِ) يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - غَرَضَهُ الَّذِي هُوَ ذِكْرُ الِاصْطِلَاحَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ مِنْ الْإِيضَاحِ وَالْإِتْقَانِ، وَغَرَضَ أَهْلِ الْعَصْرِ الَّذِي هُوَ الِاخْتِصَارُ فِي الْبَيَانِ (وَافٍ بِفَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِتَحْقِيقِ مُتَعَلَّقِ الْعَزْمَيْنِ) يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِأَحَدِ الْعَزْمَيْنِ الْعَزْمُ عَلَى بَيَانِ الِاصْطِلَاحَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَبِالْآخَرِ الْعَزْمُ عَلَى ضَمِّ مَا يَنْقَدِحُ لَهُ مِنْ بَحْثٍ وَتَحْرِيرٍ إلَى ذَلِكَ، وَمُتَعَلَّقُهُمَا الْبَيَانُ وَالضَّمُّ الْمَذْكُورَانِ وَالْعَزْمُ الْقَصْدُ الْمُصَمَّمُ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِجَزْمِ الْإِرَادَةِ بَعْدَ التَّرَدُّدِ، وَالْبَاءُ فِي بِفَضْلِ اللَّهِ إمَّا بِمَعْنَى مِنْ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَفِي بِتَحْقِيقِ لِلتَّعْدِيَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْمَعْدُولَ إلَيْهِ (مُفْتَقِرٌ إلَى الْجَوَادِ الْوَهَّابِ تَعَالَى أَنْ يَقْرِنَهُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا (بِقَبُولِ أَفْئِدَةِ الْعِبَادِ) وَالْجَوَادُ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَدَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَهُوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْكَثِيرُ الْعَطَاءِ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الْكَرِيمُ، وَأَمَّا كَوْنُ الْوَهَّابِ مِنْ أَسْمَائِهِ

تَعَالَى فَمِمَّا تَظَافَرَ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَهُوَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى الْبَذْلِ الشَّامِلِ وَالْعَطَاءِ الدَّائِمِ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا غَرَضٍ وَلَا عِوَضٍ، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ أَوْ الْأَفْعَالِ، وَالْوَجْهُ الصَّحِيحُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ. (وَأَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِثَوَابِ يَوْمِ التَّنَادِ) أَيْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنَادِي فِيهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِلِاسْتِغَاثَةِ أَوْ يَتَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ، وَأَصْحَابُ النَّارِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّالُ مُشَدَّدَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُشَدَّدَةً فَلِأَنَّهُ يَنِدُّ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ أَيْ يَفِرُّ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} [عبس: 34] الْآيَةَ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّوَايَةُ، وَقِرَاءَةُ السَّبْعَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر: 32] ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْمُصَنَّفُ مُحْتَاجًا إلَى كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي الدُّنْيَا مِنْ التَّصْنِيفِ نَشْرُ الْمُصَنَّفِ وَالتَّحَلِّي بِمَعْرِفَتِهِ، وَهُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِعَلَاقَةِ الْقُلُوبِ بِكِتَابَتِهِ، وَمُدَارَسَتِهِ وَاعْتِقَادِ صِحَّتِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ إفَاضَةُ الْجُودِ وَالْإِحْسَانِ مِنْ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ مُسَبِّبًا ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ عَمَّا عَانَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فِي سَالِفِ الْأَزْمَانِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَقْذُوفًا بِمُقْتَضَى فَضْلِ اللَّهِ الَّذِي يَخُصُّ بِهِ سُبْحَانَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ. قَالَ: (وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَسْأَلُ ذَلِكَ) أَيْ جَعْلَهُ فِي الدُّنْيَا مَقْبُولًا، وَفِي الْآخِرَةِ جَزِيلَ الثَّوَابِ حَبْلًا مَوْصُولًا وَذَلِكَ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَقَعَ إشَارَةً إلَى الْمُثَنَّى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] ، وَقَدَّمَ الْمَفْعُولَ وَهُوَ الِاسْمُ الْجَلِيلُ لِلِاهْتِمَامِ وَالتَّخْصِيصِ (وَهُوَ سُبْحَانَهُ نِعْمَ الْوَكِيلُ) وَكَفَى بِهِ وَكِيلًا، وَكَيْفَ لَا وَهُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ جَمِيعُ الْخَلْقِ، وَقَدْ وَكَلَ أُمُورَ خَلْقِهِ إلَيْهِ وَوَكَلَ عِبَادُهُ الْمُتَوَكِّلُونَ عَلَيْهِ أُمُورَهُمْ إلَيْهِ ثُمَّ هَذَا مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الَّتِي تَظَافَرَ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَعَلَيْهِ تَفْسِيرُهُ بِالْمَوْكُولِ إلَيْهِ الْأُمُورَ مِنْ تَدْبِيرِ الْبَرِّيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَعَلَيْهِ تَفْسِيرُهُ بِالْكَفِيلِ بِالرِّزْقِ وَالْقِيَامِ عَلَى الْخَلْقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَبِالْمُعِينِ وَبِالشَّاهِدِ وَبِالْحَفِيظِ وَبِالْكَافِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ أَفَادَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ الَّذِي وَكَلَ عِبَادُهُ أُمُورَهُمْ إلَيْهِ وَاعْتَمَدُوا فِي حَوَائِجِهِمْ عَلَيْهِ فَهُوَ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ فِيهِ مَعْنَى الْإِضَافَةِ الْخَاصَّةِ إذْ لَا يَكِلُ أَمَرَهُ إلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ إلَّا قَوْمٌ خَاصَّةٌ وَهُمْ أَهْلُ الْعِرْفَانِ، وَإِذَا كَانَ الْوَكِيلُ الَّذِي وَكَلَ أُمُورَ عِبَادِهِ إلَى نَفْسِهِ، وَقَامَ بِهَا وَتَكَفَّلَ بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا كَانَ وَصْفًا فِعْلِيًّا مُضَافًا إلَى الْوُجُودِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَلِيقُ بِغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ شَرْحُ الْعُلَمَاءِ لِهَذَا الِاسْمِ وَيَتَضَمَّنُ أَوْصَافًا عَظِيمَةً مِنْ أَوْصَافِهِ كَحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ الْمُنْفَصِلُ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ قَدَّمَهُ لِلتَّخْصِيصِ. (وَسَمَّيْته بِالتَّحْرِيرِ) لِكَوْنِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى تَقْوِيمِ قَوَاعِدِ هَذَا الْفَنِّ وَتَقْرِيبِ مَقَاصِدِهِ وَتَهْذِيبِ مَبَاحِثِ هَذَا الْعِلْمِ وَكَشْفِ الْقِنَاعِ عَنْ وُجُوهِ خَرَائِدِهِ (بَعْدَ تَرْتِيبِهِ عَلَى مُقَدِّمَةٍ هِيَ الْمُقَدِّمَاتُ) الْآتِي ذِكْرُهَا، وَهِيَ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ بَيَانُ الْمَفْهُومِ الِاصْطِلَاحِيِّ لِلِاسْمِ الَّذِي هُوَ لَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَبَيَانُ مَوْضُوعِهِ أَيْ التَّصْدِيقِ بِأَنَّهُ مَا هُوَ، وَبَيَانُ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَنْطِقِيَّةِ الَّتِي هِيَ جُمْلَةُ مَبَاحِثِ النَّظَرِ وَطُرُقِ مَعْرِفَةِ صَحِيحِهِ وَفَاسِدِهِ وَبَيَانُ اسْتِمْدَادِهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ فَصَارَتْ الْمُقَدِّمَةُ تُقَالُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيَانَاتِ الْأَرْبَعَةِ، وَعَلَى مَجْمُوعِ الْبَيَانَاتِ كَمَا يُقَالُ لِكُلِّ فَرْدٍ إنْسَانٌ وَلِلْكُلِّ الْإِنْسَانُ، وَقَدْ يُقَالُ إنْسَانٌ بِمَعْنَاهُ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ مُقَدِّمَةٌ هِيَ الْمُقَدِّمَاتُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَدِّمَةِ هُنَا مَا يُذْكَرُ أَمَامَ الشُّرُوعِ فِي الْعِلْمِ لِتَوَقُّفِ الشُّرُوعِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَوْ زِيَادَتِهَا عَلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ لَا تَنْفَكُّ عِنْدَ التَّحْقِيقِ عَنْ أَحَدِ هَذَيْنِ كَمَا أَنَّ جُمْلَتَهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُمَا بِطَرِيقِ أَوْلَى سَاغَ أَنْ يُتَرْجَمَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ نَكِرَةٍ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مَعْنًى كُلِّيٍّ تَشْتَرِكُ فِيهِ هَذِهِ الْمَاصَدَقَاتُ فَيَكْفِي فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ اسْمُ الْجِنْسِ النَّكِرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَسْمَاءِ التَّنْكِيرُ عَلَى مَا عُرِفَ ثُمَّ لَا مُوجِبَ هُنَا يُوجِبُ مُخَالَفَتَهُ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ عَلَى الْأَصْلِ لَا يُسْأَلُ عَنْ سَبَبِهِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ الْمُقَدِّمَاتُ عِبَارَةً عَنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الشُّعُورُ بِالْمَعْنَى الْكُلِّيِّ

الشَّامِلِ لَهَا بِحَيْثُ يُعَدُّ كُلٌّ مِنْهَا مِنْ مَاصَدَقَاتِهِ لِاسْتِبْدَادِ كُلٍّ مِنْهَا فِي إفَادَةِ أَحَدِ ذَيْنِك الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَتَمَّ مِنْ بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ تَقَدُّمِ اللَّفْظِ الْحَامِلِ لَهُ أَعْنِي لَفْظَ مُقَدِّمَةٍ تَعَيَّنَ إذْ جُمِعَتْ هَذِهِ الْمَاصَدَقَاتِ، وَوَقَعَتْ تَفْسِيرًا لَهُ أَنْ تُعْرَفَ، وَيَكُونُ التَّعْرِيفُ فِيهَا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ؛ لِتَقَدُّمِ مَدْلُولِهَا مَعْنًى كَمَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران: 36] فَتَأَمَّلْهُ. هَذَا وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ عَلَى مُقَدِّمَةٍ فِي كَذَا كَمَا فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي تَكَلُّفَ كَلَامٍ فِي مَجَازِيَّةِ الظَّرْفِ الْمُفَادِ بِفِي وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَظْهَرُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُقَدِّمَةِ لَيْسَ إلَّا عَيْنُ الْبَيَانِ لِلْأُمُورِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مَعْرِفَتُهَا عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْفَنِّ يُوجِبُ حُصُولَ زِيَادَةِ الْبَصِيرَةِ فِيهِ فَأَسْقَطَ بِذَلِكَ مُؤْنَةَ ذَلِكَ وَنَبَّهَ عَلَى مَا قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُ مِنْ أَنَّهَا هِيَ الْمَذْكُورَاتُ بِعَيْنِهَا أَعْنِي الْبَيَانَاتِ بِمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ. اهـ. فَإِنْ قُلْت: الْمَشْهُورُ كَوْنُ مُقَدِّمَةِ الْعِلْمِ حَدَّهُ وَغَايَتَهُ وَالتَّصْدِيقَ بِمَوْضُوعِهِ فَمَا بَالُ الْمُصَنِّفِ أَسْقَطَ ذِكْرَ الْغَايَةِ وَذَكَرَ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَنْطِقِيَّةِ وَالِاسْتِمْدَادَ؟ . قُلْت: لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ الشَّرِيفُ الْجُرْجَانِيُّ بِأَنَّ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ ذِكْرِهِمْ وَجْهَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مُقَدِّمَةُ الْعِلْمِ مِنْ حَدِّهِ وَغَايَتِهِ وَالتَّصْدِيقِ بِمَوْضُوعِهِ لَمْ يَقْصِدُوا بِهِ بَيَانَ حَصْرِ الْمُقَدِّمَةِ فِيهَا بَلْ تَوْجِيهُ مَا ذُكِرَ فِيهَا حَتَّى وَلَوْ وُجِدَ غَيْرُهَا مُشَارِكًا لَهَا فِي إفَادَةِ الْبَصِيرَةِ سَاغَ ضَمُّهُ وَجَعْلُهُ مِنْهَا. وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا وَلَوْ ظَهَرَ عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ إلَى بَعْضِهَا فِي إفَادَةِ الْبَصِيرَةِ لِسَدِّ غَيْرِهِ مَسَدَهُ جَازَ أَيْضًا إسْقَاطُهُ اسْتِغْنَاءً بِغَيْرِهِ عَنْهُ، وَلَا مِرْيَةَ فِي مُشَارَكَةِ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَنْطِقِيَّةِ وَالِاسْتِمْدَادِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ فِي إفَادَةِ الْبَصِيرَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا احْتِيَاجَ إلَى ذِكْرِ الْغَايَةِ مَعَ ذِكْرِ الْحَدِّ فِي هَذَا الْغَرَضِ كَمَا سَيَتَعَرَّضُ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي، وَيَذْكُرُ عَنْهُ ثَمَّةَ تَوْجِيهِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ حَصْرَ الْمُقَدِّمَةِ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ مِنْ حَصْرِ الْكُلِّ فِي أَجْزَائِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ بَلْ مِنْ حَصْرِ الْكُلِّيِّ فِي جُزْئِيَّاتِهِ أَوْ فِي جُزْئِيَّاتٍ مِنْهَا بِحَسَبِ الِاسْتِيفَاءِ لَهَا وَعَدَمِهِ، كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ الْمُقَدِّمَةُ اسْمُ فَاعِلٍ عَلَى الْمَشْهُورِ قِيلَ مِنْ قَدَّمَ لَازِمًا بِمَعْنَى تَقَدَّمَ كَبَيَّنَ بِمَعْنَى تَبَيَّنَ، وَقِيلَ مُتَعَدِّيًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لِمَا فِيهَا مِنْ سَبَبِ التَّقَدُّمِ كَأَنَّهَا تَقَدَّمَ غَيْرُهَا أَوْ لِإِفَادَتِهَا الشُّرُوعَ بِالْبَصِيرَةِ تَقَدَّمَ مَنْ عَرَّفَهَا مِنْ الشَّارِحِينَ عَلَى مَنْ لَمْ يُعَرِّفْهَا. وَعَنْ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّ فَتْحَ الدَّالِ خَلَفٌ، وَعَنْ غَيْرِهِ جَوَازُهُ إذَا كَانَتْ مِنْ الْمُتَعَدِّي فَلَعَلَّ مَا عَنْ الزَّمَخْشَرِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مِنْ اللَّازِمِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَ هَذَيْنِ تَعَارُضٌ ثُمَّ لَمْ يُبَيِّنْ الزَّمَخْشَرِيُّ وَجْهَ مَنْعِ الْفَتْحِ قِيلَ: وَلَعَلَّهُ أَنَّ فِي الْفَتْحِ إيهَامَ أَنَّ تَقَدُّمَ هَذِهِ الْأُمُورِ إنَّمَا هُوَ بِالْجَعْلِ وَالِاعْتِبَارِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ الذَّاتِيِّ وَهُوَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ هَذِهِ الْأُمُورِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ اسْتِحْقَاقِهَا لِلتَّقَدُّمِ بِحَسَبِ الذَّاتِ كَمَا بَيَّنَ فِي مَوْضِعِهِ اهـ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ عَدَمُ ذِكْرِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، وَيَلْزَمُ مَعَ اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ اللَّازِمِ ذِكْرُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَانْتَفَى عَلَى هَذَا مَا قِيلَ أَنَّ فَتْحَ الدَّالِ فِيهَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ لَفْظًا، وَمَعْنًى ثُمَّ هَلْ هِيَ مَنْقُولَةٌ عَنْ مُقَدِّمَةِ الْجَيْشِ فَيَكُونُ لَفْظُهَا فِي مُقَدِّمَتَيْ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، أَوْ مُسْتَعَارَةٌ مِنْهَا فَتَكُونُ مَجَازًا فِيهِمَا أَوْ كِلَاهُمَا مَوْجُودٌ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ حُذِفَ مَوْصُوفُهَا وَأُطْلِقَتْ عَلَى الطَّائِفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْمَعَانِي أَوْ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ عَلَى سَائِرِ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ، وَالتَّاءُ إمَّا لِلنَّقْلِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ أَوْ لِاعْتِبَارِهِ مُؤَنَّثًا كَمَا قَالُوا: فِي لَفْظِ الْحَقِيقَةِ احْتِمَالَاتٌ، وَرَجَحَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْوَصْفِ أَيْ ذَاتٍ مُؤَنَّثَةٍ ثَبَتَ لَهَا صِفَةُ التَّقْدِيمِ، وَاعْتِبَارُ مَعْنَى التَّقْدِيمِ فِيهَا لِصِحَّةِ إطْلَاقِ الِاسْمِ كَالضَّارِبَةِ فَإِطْلَاقُهَا عَلَى الطَّائِفَةِ الْمَذْكُورَةِ حَقِيقَةٌ إنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مِنْ أَفْرَادِ هَذَا الْمَفْهُومِ، وَمَجَازٌ إنْ كَانَ بِمُلَاحَظَةِ خُصُوصِهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الِاسْمِ وَاعْتِبَارُ مَعْنَى التَّقْدِيمِ لِتَرَجُّحِ الِاسْمِ كَمَا فِي الْقَارُورَةِ فَإِطْلَاقُهَا عَلَى الطَّائِفَةِ إنَّمَا يَكُونُ حَقِيقَةً لَوْ ثَبَتَ وَضْعُ وَاضِعِ اللُّغَاتِ الْمُقَدَّمَةِ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بَلْ الثَّابِتُ إنَّمَا هُوَ وَضْعُهُ لَهَا بِإِزَاءِ مُقَدِّمَةِ الْجَيْشِ (وَثَلَاثِ مَقَالَاتٍ فِي

المقدمة أربعة أمور

الْمَبَادِئِ) أَيْ، وَعَلَى ثَلَاثِ مَقَالَاتٍ أَوَّلُهَا فِي بَيَانِ التَّصَوُّرَاتِ وَالتَّصْدِيقَاتِ الْمَعْدُودَةِ مِنْ مَبَادِئِ هَذَا الْعِلْمِ (وَأَحْوَالِ الْمَوْضُوعِ) أَيْ وَثَانِيهَا فِي بَيَانِ التَّصَوُّرَاتِ وَالتَّصْدِيقَاتِ الرَّاجِعَةِ إلَى أَحْوَالِ مَوْضُوعِ الْعِلْمِ (وَالِاجْتِهَادِ) أَيْ وَثَالِثُهَا فِي بَيَانِ مَاهِيَّةِ الِاجْتِهَادِ، وَمَا يُقَابِلُهُ وَهُوَ التَّقْلِيدُ، وَمَا يَتْبَعُهُمَا مِنْ الْأَحْكَامِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَسَائِلَ الْفَنِّ؛ لِأَنَّ مَسَائِلَ الْفَنِّ مَا لِلْبَحْثِ فِيهَا رُجُوعٌ إلَى مَوْضُوعِهِ، وَمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَكِنْ جَرَتْ عَادَةُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَذْكُرُوهَا عَلَى سَبِيلِ اللَّوَاحِقِ الْمُتَمِّمَةِ لِلْغَرَضِ مِنْهُ إسْعَافًا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ فَقَالَ (وَهُوَ) أَيْ الِاجْتِهَادُ مَعَ مَا يَتْبَعُهُ (مُتَمِّمٌ مَسَائِلَهُ) بَعْضُهَا (فِقْهِيَّةٌ) لِكَوْنِ هَذَا الْبَعْضِ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ كَمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِ وَاجِبٌ عَيْنًا عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَادِثَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ، وَحَرَامٌ فِي مُقَابَلَةِ قَاطِعِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ إلَى آخِرِ أَقْسَامِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ، وَهُوَ بَذْلُ وُسْعِهِ فِي طَلَبِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَكُلٌّ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَبَاقِي مَحْمُولَاتِ أَقْسَامِ مَوْضُوعَاتِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (لِمِثْلِ مَا سَنَذْكُرُ) قَرِيبًا. بَيَانُ الْمَوْضُوعِ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ لَيْسَ مِنْهُ بَلْ مِنْ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَاتِهَا أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ، وَمَحْمُولَاتِهَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ جَارٍ فِي بَعْضِ مَسَائِلَ الِاجْتِهَادِ الْكَائِنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ لِمَا سَنَذْكُرُ نَظَرًا إلَى خُصُوصِ الْجُزْئِيَّةِ الْكَائِنِ لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ الْخُصُوصِ الْكَائِنِ لِغَيْرِهَا (وَاعْتِقَادِيَّةٌ) أَيْ وَبَعْضُهَا مَسَائِلُ اعْتِقَادِيَّةٌ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إلَى مَا عَلَى النَّفْسِ مِنْ الْأُمُورِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ كَمَسْأَلَةٍ لَا حُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ، وَمَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَاتَيْنِ عَقِيدَةٌ دِينِيَّةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ غَايَةُ الْأَمْرِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُمْ لَمْ يُدَوِّنُوا هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْهُمَا بَعْدَ رُجُوعِ الْبَحْثِ عَنْهَا إلَى مَوْضُوعِهِمَا، وَكَانَ مُقْتَضَى مَا فَعَلَهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْمَقَالَاتِ نَظِيرَهُ فَيَقُولُ ثَلَاثُ مَقَالَاتٍ هِيَ الْمَبَادِئُ وَلَكِنْ الْمَقَالَةُ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْقَوْلِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ فَكَانَ الْمَقُولُ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْعِلْمِ مُتَعَلَّقَهُ فَيَثْبُتُ التَّغَايُرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قُلْت لِمَ اخْتَارَ التَّرْتِيبَ عَلَى التَّأْلِيفِ؟ . قُلْت لِيُشِيرَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْصِيصِ إلَى أَنَّهُ وَضَعَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْمُخْتَصَرُ مِنْ الْأَجْزَاءِ مَوَاضِعَهَا اللَّائِقَةَ بِهَا مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الرُّتْبَةِ الْعَقْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا التَّرْتِيبُ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَرْتَبَتِهِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ جَعْلُ الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْوَاحِدِ، وَيَكُونُ لِبَعْضِهَا نِسْبَةٌ إلَى الْبَعْضِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الرُّتْبَةِ الْعَقْلِيَّةِ بِخِلَافِ التَّأْلِيفِ فَإِنَّهُ جَعْلُ الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ كَانَ لِبَعْضِهَا نِسْبَةٌ إلَى بَعْضٍ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَمْ لَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّرْتِيبِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إشَارَةٌ نَاصَّةٌ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ فِي تَرْتِيبِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمُخْتَصَرِ مُرَادًا بِهِ مَضْمُونُ مَا قَامَ فِي النَّفْسِ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَالْمَوَادِّ الَّتِي يَسْتَعْقِبُ تَرْكِيبُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ مَعْلُولُ التَّرْتِيبِ، وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي سَمَّيْته رَاجِعًا إلَى الْمُخْتَصَرِ مُرَادًا بِهِ مَعْنَاهُ الْمُقَرَّرُ لَهُ فِي الْخَارِجِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ إطْلَاقِهِ فَإِنَّ مِثْلَهُ شَائِعٌ بَلْ هُوَ مِنْ التَّحْسِينِ الْمَعْنَوِيِّ الْمُسَمَّى بِالِاسْتِخْدَامِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَدِيعِ فَتَنَبَّهْ لَهُ. [الْمُقَدِّمَةُ أَرْبَعَة أُمُور] [الْأَمْرُ الْأَوَّل مَفْهُومُ اسْم هَذَا الْعِلْمِ وَهُوَ لَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ] (الْمُقَدِّمَةُ) الْمَذْكُورَةُ فَالتَّعْرِيفُ فِيهَا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيّ (أُمُورٌ) أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ عَرَفْت لِمَ قَالَ هَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ فِي أُمُورٍ الْأَمْرُ (الْأَوَّلُ مَفْهُومُ اسْمِهِ) أَيْ اسْمُ هَذَا الْعِلْمِ، وَهُوَ لَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ وَوَجْهُ تَقْدِيمِ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى غَيْرِهِ ظَاهِرٌ (وَالْمَعْرُوفُ كَوْنُهُ) أَيْ اسْمُهُ حَالَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُرَادٍ بِهِ الْمَعْنَى الْإِضَافِيِّ (عِلْمًا، وَقِيلَ) بَلْ اسْمُهُ (اسْمُ جِنْسٍ لِإِدْخَالِهِ اللَّامَ) أَيْ لِصِحَّةِ إدْخَالِ اللَّافِظِ اللَّامَ عَلَيْهِ فَيُقَالُ الْأُصُولُ، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ حَيْثُ قَالَ وَجَعْلُهُ اسْمَ جِنْسِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ عَلَمَ

جِنْسٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَمًا لَمَا دَخَلَتْهُ اللَّامُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَيْسَ) هَذَا الْقَوْلُ بِشَيْءٍ أَوْ لَيْسَ اللَّامُ بِدَاخِلٍ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ مَشَى عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ مِنْ جَوَازِ حَذْفِ الْخَبَرِ فِي بَابِ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا فِي سِعَةِ الْكَلَامِ اخْتِصَارًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ (فَإِنَّ الْعَلَمَ) بِفَتْحِ اللَّامِ هُوَ الِاسْمُ (الْمُرَكَّبُ) الْإِضَافِيُّ مِنْ لَفْظَيْ أُصُولٍ وَالْفِقْهِ (لَا الْأُصُولُ) أَيْ لَا أَحَدِ جُزْأَيْ هَذَا الْمُرَكَّبِ الَّذِي هُوَ لَفْظُ أُصُولٍ فَقَطْ وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي الْعَلَمِيَّةَ إلَّا لِلْمُرَكَّبِ الْمَذْكُورِ حَالَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُرَادٍ بِهِ الْمَعْنَى الْإِضَافِيِّ، وَاللَّامُ لَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ حَالَةَ كَوْنِهِ فَاقِدًا لِلْإِضَافَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ اللَّامَ لَا تُجَامِعُ الْإِضَافَةَ، وَقَدْ تَعْقُبُهَا وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ حِينَئِذٍ نَكِرَةٌ فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ اللَّامُ عَرَّفَتْهُ ثُمَّ لَمَّا كَانَ كَثِيرًا مَا يُطْلَقُ لَفْظُ الْأُصُولِ مُحَلَّى بِاللَّامِ وَيُرَادُ بِهِ هَذَا الْعِلْمُ. وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ سَبَبُ وَهْمِ الْقَائِلِ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ أَشَارَ إلَى وَجْهِ ذَلِكَ فَقَالَ (بَلْ الْأُصُولُ بَعْدَ كَوْنِهِ) فِي الْأَصْلِ لَفْظًا (عَامًا فِي الْمَبَانِي) أَيْ فِي كُلِّ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحِسِّيَّاتِ كَبِنَاءِ الْجِدَارِ عَلَى الْأَسَاسِ أَوْ فِي الْمَعْنَوِيَّاتِ كَبِنَاءِ الْمَسَائِلِ الْجُزْئِيَّةِ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى عُرْفِ اللُّغَةِ يَعْنِي إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِالْأُصُولِ خُصُوصٌ مِنْ الْمَبَانِي فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ صِيغَةً، وَمَعْنًى لِكَوْنِهِ جَمْعًا مُحَلَّى بِاللَّامِ لِلِاسْتِغْرَاقِ (يُقَالُ) لَفْظُ الْأُصُولِ أَيْضًا قَوْلًا (خَاصًّا فِي الْمَبَانِي الْمَعْهُودَةِ لِلْفِقْهِ) الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ هَذَا الْعِلْمِ عَلَى سَبِيلِ الْغَلَبَةِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الْمَبَانِي كَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا أَعْنِي الْأَدِلَّةَ الْكُلِّيَّةَ وَالْقَوَاعِدَ الَّتِي يَتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَتِهَا إلَى قُدْرَةِ الِاسْتِنْبَاطِ كَمَا هُوَ عُرْفُ الْفُقَهَاءِ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهِ (فَاللَّامُ) فِيهِ حِينَئِذٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَوَّلِ حَالَاتِ إرَادَتِهَا بِخُصُوصِهَا مِنْهُ لِأَهْلِ هَذَا الْعُرْفِ (لِلْعَهْدِ) الذِّهْنِيِّ ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَازِمَةً لَهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ كَهِيَ فِي النَّجْمِ لِلثُّرَيَّا يَعْنِي، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَيْضًا أَنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَيْسَ بِاسْمِ جِنْسٍ أَيْضًا بَلْ مِنْ الْأَعْلَامِ الْكَائِنَةِ عَلَى سَبِيلِ الْغَلَبَةِ، وَقُصَارَى مَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْمَانِ عَلَمٌ مَنْقُولٌ لَا بِطَرِيقِ الْغَلَبَةِ هُوَ لَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَعَلَمٌ مَنْقُولٌ بِطَرِيقِ الْغَلَبَةِ وَهُوَ لَفْظُ الْأُصُولِ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الْمَعْرُوفُ كَوْنَ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ أُصُولُ الْفِقْهِ عَلَمًا فَهَلْ هُوَ جِنْسِيٌّ أَوْ شَخْصِيٌّ؟ . فَنَصَّ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ الْجُرْجَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَعْلَامِ الْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّ عِلْمَ أُصُولِ الْفِقْهِ كُلِّيٌّ يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَعَدِّدَةً إذْ الْقَائِمُ مِنْهُ بِزَيْدٍ غَيْرُ مَا قَامَ بِعَمْرٍو شَخْصًا، وَإِنْ اتَّحَدَ مَفْهُومَاهُمَا وَلَمَّا اُحْتِيجَ إلَى نَقْلِ هَذَا اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ الْإِضَافِيِّ جَعَلُوهُ عَلَمًا لِلْعِلْمِ الْمَخْصُوصِ عَلَى مَا عُهِدَ فِي اللُّغَةِ لَا اسْمَ جِنْسٍ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَالْوَجْهُ) فِي عِلْمِيَّةِ أُصُولِ الْفِقْهِ (أَنَّهُ) أَيْ أُصُولُ الْفِقْهِ عِلْمٌ (شَخْصِيٌّ إذْ لَا يَصْدُقُ) أُصُولُ الْفِقْهِ (عَلَى مَسْأَلَةٍ) وَاحِدَةٍ مِنْ مَسَائِلِهِ، وَهَذَا أَمَارَةُ الشَّخْصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَصْدُقُ عَلَى جُزْئِهِ حَقِيقَةً، قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَهَذَا إنَّمَا يَنْفِي كَوْنَهُ اسْمَ جِنْسٍ لَا كَوْنَهُ عَلَمَ جِنْسٍ؛ لِأَنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ الْمُتَّحِدَةِ فِي الذِّهْنِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ثُمَّ هُمْ قَدْ عَامَلُوهُ مُعَامَلَةِ الْمُتَوَاطِئِ فِي إطْلَاقِهِ حَقِيقَةً عَلَى كُلِّ فَرْدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ فَأُصُولُ الْفِقْهِ إذَا كَانَ عَلَمَ جِنْسٍ فَإِنَّمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ الْمُتَّحِدَةِ ذِهْنًا الَّتِي هِيَ مَجْمُوعُ الْإِدْرَاكَاتِ أَوْ الْمُدْرَكَاتِ الْمُتَعَيِّنَةِ فِيهِ، وَأَفْرَادُ هَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا هِيَ الْمَظَاهِرُ الْوُجُودِيَّةُ لِلْحَقِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا مَسَائِلَهُ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ مُسَمَّاهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ بِإِزَائِهَا فَعَدَمُ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا أَنَّهُ لَازِمٌ لِكَوْنِهِ عَلَمَ شَخْصٍ كَذَلِكَ هُوَ لَازِمٌ لِكَوْنِهِ عَلَمَ جِنْسٍ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَيِّنًا لِأَحَدِهِمَا نَافِيًا لِلْآخَرِ نَعَمْ يُمْكِنُ إثْبَاتُ كَوْنِهِ عَلَمَ شَخْصٍ بِشَيْءٍ غَيْرِ هَذَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ حَالَ قِرَاءَتِنَا لِهَذَا الْمَوْضِعِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا حَاصِلُهُ مَزِيدًا عَلَيْهِ مَا يَكْسُوهُ إيضَاحًا وَتَحْقِيقًا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ مَوْضُوعٌ لِأَمْرٍ كُلِّيٍّ يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَعَدِّدَةً مُتَغَايِرَةً قَائِمَةً بِزَيْدٍ، وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِأَمْرٍ خَاصٍّ هُوَ مَجْمُوعُ إحْدَى الْكَثْرَتَيْنِ الْإِدْرَاكَاتِ الْخَاصَّةِ أَوْ الْمُدْرَكَاتِ الْخَاصَّةِ الْآتِي بَيَانُهُمَا أَعْنِي الْكَثْرَةَ

الْحَاضِرَةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي الذِّهْنِ، وَإِنْ تَرَكَّبَتْ مِنْ مَفَاهِيمَ كُلِّيَّةٍ فَمُسَمَّاهُ حِينَئِذٍ إمَّا مَجْمُوعُ أُمُورٍ مُحَقَّقَةٍ خَاصَّةٍ هِيَ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، وَالْعِلْمُ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ مَجْمُوعُ عَيْنِ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ هُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلَّقًا لِإِدْرَاكِ زَيْدٍ، وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ مُدْرِكًا لَهُمْ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ وُقُوعَ هَذَا لَهُ لَا يَقْتَضِي تَعَدُّدًا لَهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَلْ هُوَ حَالَةُ تَعَلُّقِ إدْرَاكِ زَيْدٍ بِهِ هُوَ بِعَيْنِهِ حَالَةَ تَعَلُّقِ إدْرَاكِ عَمْرٍو بِهِ وَهَلُمَّ جَرَّا كَمَا أَنَّ تَصَوُّرَاتِ مُتَصَوِّرِينَ لِزَيْدٍ عَلَمًا وَتَصْدِيقَاتِهِمْ بِأَحْوَالِهِ لَا يَقْتَضِي تَعَدُّدَهُ بَلْ هُوَ هُوَ، سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِهِ تَصَوُّرَاتُهُمْ وَتَصْدِيقَاتُهُمْ بِأَحْوَالِهِ أَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ فَإِنْ قُلْت لَا بَأْسَ بِهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الِاسْمُ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْمُدْرَكَاتِ لِصِحَّةِ تَعَلُّقِ الْإِدْرَاكَاتِ بِهَا أَمَّا إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْإِدْرَاكَاتِ فَكَيْفَ يَسُوغُ ذَلِكَ إذْ يَصِيرُ الْإِدْرَاكُ مُتَعَلَّقَ الْإِدْرَاكِ قُلْت سَوَاغُهُ أَيْضًا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِدْرَاكِ الْمَذْكُورِ مُدْرَكًا، وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ إدْرَاكًا أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ. ثُمَّ هَذَا جَارٍ فِي أَسْمَاءِ سَائِرِ الْعُلُومِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ تَعْرِيفُ مَفْهُومِ هَذَا الِاسْمِ مُخْتَلِفًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ اللَّفْظُ أَوَّلًا عَلَيْهِ وَبِاعْتِبَارِ مَا صَارَ ثَانِيًا إلَيْهِ، وَقَدْ أَفَادُوا تَعْرِيفَهُ عَلَى كِلَيْهِمَا وَافَقَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ مُشِيرًا إلَى صَنِيعِهِمْ هَذَا تَمْهِيدًا لِإِفَادَتِهِ لِذَلِكَ فَقَالَ: (وَالْعَادَةُ تَعْرِيفُهُ مُضَافًا، وَعَلَمًا) أَيْ تَعْرِيفُ مَفْهُومِ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ لَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ اسْمِهِ مُرَكَّبًا إضَافِيًّا لَيْسَ بِعَلَمٍ أَوْ حَالَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ عَلَمًا عَلَى هَذَا الْعِلْمِ أَوْ حَالَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاعْتِبَارَيْنِ إنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ مُرَكَّبٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ حَالُ الْأَجْزَاءِ وَبِاعْتِبَارِ الْعَلَمِيَّةَ مُفْرَدٌ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ حَالُ الْأَجْزَاءِ، ثُمَّ بَدَأَ بِتَعْرِيفِهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ ذَاكِرًا مَعْنَى كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْهِ مِنْ حَيْثُ تَصِحُّ الْإِضَافَةُ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ السَّبِيلُ فِي مِثْلِهِ مُرَاعَاةً لِلتَّقَدُّمِ الْوُجُودِيِّ فَقَالَ: (فَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ فَتَعْرِيفُ مَفْهُومِ اسْمِهِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الِاسْمِ مُرَكَّبًا إضَافِيًّا لَيْسَ بِعَلَمٍ أَنْ يُقَالَ (الْأُصُولُ الْأَدِلَّةُ) فَأَدَاةُ التَّعْرِيفِ فِي الْأُصُولِ لِلْعَهْدِ أَيْ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِنَا أُصُولُ الْفِقْهِ ثُمَّ هِيَ جَمْعُ أَصْلٍ، وَعَنْهُ لُغَةً عِبَارَاتٌ أَحْسَنُهَا مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ آنِفًا إلَيْهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ يُبْتَنَى عَلَيْهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ قَيْدَ الْحَيْثِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَعْرِيفِ الْإِضَافِيَّاتِ إلَّا أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يُحْذَفُ لِشُهْرَةِ أَمْرِهِ وَيُسْتَعْمَلُ اصْطِلَاحًا بِمَعَانٍ الْمُنَاسِبُ مِنْهَا هُنَا الدَّلِيلُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَذْكُرُ وَجْهَهُ قَرِيبًا، وَالْمُرَادُ بِالْأَدِلَّةِ الْأَدِلَّةُ الْكُلِّيَّةُ السَّمْعِيَّةُ الْآتِي بَيَانُهَا، وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الْكُلِّيَّةِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَيْدَ الْحَيْثِيَّةِ مُرَادٌ مِنْهَا كَمَا ذَكَرْنَا حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَدِلَّتُهُ، وَهَذَا أَيْضًا هُوَ الْعُذْرُ فِي تَرْكِ التَّقْيِيدِ لَفْظًا بِالسَّمْعِيَّةِ ثُمَّ الْمُعَيِّنُ أَيْضًا لِذَلِكَ كُلِّهِ إضَافَتُهَا إلَى الْفِقْهِ كَمَا سَيَتَّضِحُ وَجْهُهُ قَرِيبًا فَإِنَّ دَلَائِلَ الْفِقْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ. ثُمَّ فِي هَذَا الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ مَبْنَى الْفِقْهِ، وَمَرْجِعُهُ بَلْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ هُنَا بِمَعْنَى الدَّلِيلِ لَيْسَ مَنْقُولًا عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ السَّابِقِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَاصَدَقَاتِهِ، غَايَتُهُ أَنَّ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْفِقْهِ الَّذِي هُوَ مَعْنًى عَقْلِيٌّ يُعْلَمُ أَنَّ الِابْتِنَاءَ هُنَا عَقْلِيٌّ فَيَكُونُ أُصُولُ الْفِقْهِ مَا يُبْتَنَى هُوَ عَلَيْهِ وَيُسْتَنَدُ إلَيْهِ وَلَا مَعْنَى لِمُسْتَنِدِ الْعِلْمِ وَمُبْتَنَاهُ إلَّا دَلِيلَهُ، وَهُوَ حَسَنٌ نَعَمْ إذَا أُطْلِقَ لَفْظُ الْأُصُولِ مُرَادًا بِهِ هَذَا الْعِلْمَ الْخَاصَّ يَكُونُ عَلَمًا بِطَرِيقِ الْغَلَبَةِ مَنْقُولًا كَمَا حَقَقْنَاهُ سَالِفًا، وَإِنْ انْدَرَجَتْ حَقِيقَتُهُ فِي مُطْلَقِ مُسَمَّى الْأُصُولِ لُغَةً؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الِاسْمِ بِالْأَخَصِّ بَعْدَ كَوْنِهِ لِلْأَعَمِّ الصَّادِقِ عَلَيْهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ نَقْلٌ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ فَلَا تَذْهَلَنَّ عَنْهُ. (وَالْفِقْهُ التَّصْدِيقُ لِأَعْمَالِ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ مَعَ مَلَكَةِ الِاسْتِنْبَاطِ) فَالتَّصْدِيقُ أَيْ الْإِدْرَاكُ الْقَطْعِيُّ سَوَاءٌ كَانَ ضَرُورِيًّا أَوْ نَظَرِيًّا صَوَابًا أَوْ خَطَأً جِنْسٌ لِسَائِرِ الْإِدْرَاكَاتِ الْقَطْعِيَّةِ بِنَاءً عَلَى اشْتِهَارِ اخْتِصَاصِ التَّصْدِيقِ بِالْحُكْمِ الْقَطْعِيِّ كَمَا فِي تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمِنْ ثَمَّةَ سَيَقُولُ

الْمُصَنِّفُ مُشِيرًا إلَى ظَنِّ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَعَلَى مَا قُلْنَا لَيْسَ هُوَ شَيْئًا مِنْ الْفِقْهِ وَلَا الْأَحْكَامِ الْمَظْنُونَةِ إلَّا بِاصْطِلَاحٍ وَلَا يَضُرُّ اسْتِعْمَالُ الْمَنْطِقِيِّينَ إيَّاهُ مُرَادًا بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ؛ لِأَنَّهُمْ قَسَمُوا الْعِلْمَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ إلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ تَقْسِيمًا حَاضِرًا تَوَسُّلًا بِهِ إلَى بَيَانِ الْحَاجَةِ إلَى الْمَنْطِقِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَلِأَعْمَالِ الْمُكَلَّفِينَ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، وَهِيَ حَرَكَاتُ الْبَدَنِ أَوْ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، وَهِيَ قُصُودُهَا وَإِرَادَتُهَا، وَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ فَصْلٌ أَخْرَجَ التَّصْدِيقَ لِغَيْرِ أَعْمَالِهِمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهِمَا بِالْوُجُودِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ فَصْلٌ ثَانٍ أَخْرَجَ التَّصْدِيقَ لِأَعْمَالِهِمْ الَّتِي تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ كَالتَّصْدِيقِ لِطَاعَاتِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ بِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَالِاعْتِقَادُ الْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا بِتَقْدِيرِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَا بِتَشْكِيكِ مُشَكِّكٍ، وَهُوَ إنْ كَانَ مُطَابِقًا فَصَحِيحٌ، وَإِلَّا فَفَاسِدٌ وَسَبَبُهُ الْأَكْثَرِيُّ التَّقْلِيدُ، وَقُوَّتُهُ وَرَخَاوَتُهُ عَلَى حَسَبِ مَرَاتِبِ الْكُبَرَاءِ فِي النُّفُوسِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا نَفْسَ الِاعْتِقَادِ لَهَا وَبِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَصْلٌ ثَالِثٌ أَخْرَجَ التَّصْدِيقَ لِأَعْمَالِهِمْ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ بِمَا لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ عَقْلِيٍّ أَوْ لُغَوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَالْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ آثَارُ خِطَابِهِ تَعَالَى الْمُتَعَلَّقِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ طَلَبًا أَوْ وَضْعًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا فِي أَوَائِلِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْقَطْعِيَّةُ فَصْلٌ رَابِعٌ أَخْرَجَ التَّصْدِيقَ لِأَعْمَالِهِمْ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِقَطْعِيَّةٍ مِنْ الْمَظْنُونَاتِ وَغَيْرِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْقَطْعِيَّةِ مَا لَيْسَ فِي ثُبُوتِهِ احْتِمَالٌ نَاشِئٌ عَنْ دَلِيلٍ، وَمَعَ مَلَكَةِ الِاسْتِنْبَاطِ أَيْ مَعَ حُصُولِهَا لِمَنْ قَامَ بِهِ هَذَا التَّصْدِيقُ فَصْلٌ خَامِسٌ أَخْرَجَ التَّصْدِيقَ الْمَذْكُورَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ هَذِهِ الْمَلَكَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا كَيْفِيَّةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ مُتَسَبِّبَةٌ عَنْ اسْتِجْمَاعِ الْمَآخِذِ وَالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ الَّتِي يَكْفِي الْمُجْتَهِدُ الرُّجُوعَ إلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ الَّتِي بِحَيْثُ تُنَالُ بِالِاسْتِنْبَاطِ أَيْ بِاسْتِخْرَاجِ الْوَصْفِ الْمُؤَثِّرِ مِنْ النُّصُوصِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهِ لِتَعَدِّي ذَلِكَ الْحُكْمِ الْكَائِنِ لِلْمَحَالِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا إلَى الْمَحَالِّ الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِمُسَاوَاتِهَا إيَّاهَا فِي الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْ هَذَا عَرَفْت أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ الِاسْتِنْبَاطِ بِالصَّحِيحِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَآثَرَ لَفْظَ الِاسْتِنْبَاطِ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ وَنَحْوِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا فِي اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ مِنْ النُّصُوصِ مِنْ الْكُلْفَةِ وَالْمَشَقَّةِ الْمَلْزُومَةِ لِمَزِيدِ التَّعَبِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ الْكَثِيرُ لُغَةً فِي اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ وَالتَّعَبُ لَازِمٌ لِذَلِكَ عَادَةً، وَإِشَارَةٌ أَيْضًا إلَى مَا بَيْنَ الْمُسْتَخْرَجِينَ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ، وَهِيَ التَّسَبُّبُ إلَى الْحَيَاةِ مَعَ أَنَّهَا فِي الْعِلْمِ أَتَمُّ فَإِنَّ فِي الْمَاءِ حَيَاةُ الْأَشْبَاحِ، وَفِي الْعِلْمِ حَيَاةُ الْأَشْبَاحِ وَالْأَرْوَاحِ. ثُمَّ قَدْ وَضَحَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنْ كُلًّا مِنْ قَوْلِهِ لِأَعْمَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَمِنْ قَوْلِهِ بِالْأَحْكَامِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِلتَّصْدِيقِ، وَعَدَّاهُ إلَى أَحَدِهِمَا بِاللَّامِ، وَإِلَى الْآخَرِ بِالْبَاءِ؛ لِأَنَّ مِمَّا يُعَبَّرُ عَنْهُ الْحُكْمُ، وَهُوَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعَدَّى إلَى أَحَدِ مَفْعُولَيْهِ بِالْبَاءِ، وَإِلَى الْآخَرِ بِعَلَى فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ وَجَعَلَ الْمُعْدَى إلَيْهِ بِاللَّامِ هُوَ الْأَعْمَالُ وَالْمُعْدَى إلَيْهِ بِالْبَاءِ هُوَ الْأَحْكَامُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ الْمَوْضُوعُ وَالْأَحْكَامُ هِيَ الْمَحْمُولُ، وَمِنْ هُنَا قَدَّمَ الْأَعْمَالَ عَلَى الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَقْدِيمُ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْمَحْمُولِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ مَعَ مَلَكَةِ الِاسْتِنْبَاطِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ التَّصْدِيقِ، ثُمَّ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ لِمَ قَيَّدَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْقَطْعِيَّةِ ثُمَّ قَيَّدَ التَّصْدِيقَ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ بِهَا بِمُصَاحَبَةِ هَذِهِ الْمَلَكَةِ؟ . وَالْجَوَابُ إنَّمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِالْقَطْعِيَّةِ دَفْعًا لِمَا كَانَ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْفِقْهِ هُوَ التَّصْدِيقَ لِعَامَّةِ عَمَلِيَّاتِ الْمُكَلَّفِينَ الْمَذْكُورَةِ بِعَامَّةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِعُمُومِ كُلٍّ مِنْ أَعْمَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ صِيغَةً وَمَعْنًى، وَيَلْزَمُ لِكَوْنِ الْفِقْهِ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى هَذِهِ الصِّرَافَةِ مِنْ الْعُمُومِ أَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يُوجَدْ الْفِقْهُ وَالْفَقِيهُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْكَائِنَةِ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ مَا كُلٌّ مِنْ دَلَالَةِ النُّصُوصِ عَلَيْهِ، وَمِنْ طَرِيقِ وُصُولِهِ إلَى

الْمُكَلَّفِينَ قَطْعِيٌّ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَوَاتِرِ، وَأَنَّ هَذَا مِمَّا يُمْكِنُ إحَاطَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِهِ فَضْلًا عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ. وَمِنْهَا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ إمَّا لِكَوْنِ دَلَالَةِ النُّصُوصِ عَلَيْهِ غَيْرَ قَطْعِيَّةٍ أَوْ لِكَوْنِ طَرِيقِ وُصُولِهِ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ غَيْرَ قَطْعِيٍّ كَالثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ، وَبِخَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ثَابِتٌ بِهِمَا، وَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ الْإِحَاطَةُ بِهِ فَإِنَّ الْوَاقِعَاتِ الْجُزْئِيَّةِ لَا تَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ وَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الضَّبْطِ وَالْعَدِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْتَهِي إلَّا بِانْتِهَاءِ دَارِ التَّكْلِيفِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ قَطْعًا فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ثُمَّ إنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِالتَّصْدِيقِ الْقَطْعِيِّ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ بَلْ ضَمَّ إلَيْهِ مَلَكَةَ الِاسْتِنْبَاطِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ مُفِيدَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ النَّصُّ عَلَيْهَا فِي خُصُوصِ مَحَالِّهَا، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمَنْصُوصِ حَيْثُ تَتَوَفَّرُ شُرُوطُ الْقِيَاسِ، وَأَنَّ الْفَقِيهَ الَّذِي هُوَ الْمُجْتَهِدُ هُوَ الْقَيِّمُ بِكِلَيْهِمَا مَعْرِفَةً تَفْصِيلِيَّةً فِي الْمَنْصُوصَاتِ السَّمْعِيَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا، وَمَلَكَةً لِإِدْرَاكِ مَا سِوَاهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِهَا شَرْعًا وَلَا يَقْدَحُ فِي هَذَا ثُبُوتٌ لَا أَدْرِي فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ مِنْ بَعْضٍ مَنْ لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ مُجْتَهِدًا كَالْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ مَالِكٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ تَعَارُضًا يُوجِبُ الْوَقْفَ أَوْ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي الْحَالِ أَوْ لِعَارِضٍ غَيْرِ هَذَيْنِ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُوَقِّفَةِ لِلْمُجْتَهِدِ عَنْ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَإِذَنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ التَّصْدِيقِ الْمَذْكُورِ بِمَلَكَةِ الِاسْتِنْبَاطِ لِيَقَعَ اسْتِيفَاءُ جُزْأَيْ الْمَعْنَى الْمُتَبَادَرِ مِنْ إطْلَاقِ اللَّفْظِ اصْطِلَاحًا، وَإِلَّا كَانَ التَّعْرِيفُ غَيْرَ تَامٍّ ثُمَّ مِنْ التَّأَمُّلِ فِي هَذَا التَّحْقِيقِ يَنْدَفِعُ أَنْ يَخْتَلِجَ فِي الذِّهْنِ أَنَّ حُصُولَ مَلَكَةِ الِاسْتِنْبَاطِ شَرْطٌ لِلْفِقْهِ لَا شَطْرٌ. وَيَظْهَرُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَدَخَلَ نَحْوَ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ) فِي الْفِقْهِ حَتَّى تَكُونُ النِّيَّةُ وَاجِبَةً فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ مِنْ مَسَائِلِهِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الْمُكَلَّفِينَ الْقَلْبِيَّةِ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ، وَمَحْمُولُهَا حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَهُوَ الْوُجُوبُ، وَقَدْ تَعَلَّقَ التَّصْدِيقُ لَهُ بِالْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى هَذَا دَفْعًا لِوَهْمِ اخْتِصَاصِ الْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ بِأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ، وَإِنَّمَا قَالَ نَحْوَ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى دُخُولِ أَمْثَالِ هَذَا مِمَّا مَوْضُوعُهُ عَمَلٌ مِنْ الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ، وَمَحْمُولُهُ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ كَالْعِلْمِ بِتَحْرِيمِ الْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ (وَقَدْ يُخَصُّ) الْفِقْهُ (بِظَنِّهَا) أَيْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ حَتَّى شَاعَ أَنَّ الْفِقْهَ مِنْ بَابِ الظُّنُونِ، وَهَذَا طَرِيقُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ، وَأَتْبَاعِهِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي ضِمْنِ كَلَامٍ لَهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فَقَالَ: وَالْعِلْمُ مُطْلَقًا بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ جِنْسٌ، وَمَا تَحْتَهُ مِنْ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ نَوْعٌ، وَالْعُلُومُ الْمُدَوَّنَةُ تَكُونُ ظَنِّيَّةً كَالْفِقْهِ، وَقَطْعِيَّةً كَالْكَلَامِ وَالْحِسَابِ وَالْهَنْدَسَةِ اهـ. وَمُلَخَّصُ مَا قَالُوا فِي وَجْهِ هَذَا أَنَّ الْفِقْهَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ إلَّا ظَنًّا لِتَوَقُّفِ إفَادَتِهَا الْيَقِينَ عَلَى نَفْيِ الِاحْتِمَالَاتِ الْعَشَرَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي مَوْضِعِهَا، وَنَفْيُهَا مَا ثَبَتَ إلَّا بِالْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ إنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ قَالُوا وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ فَهُوَ مِمَّا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ اصْطِلَاحًا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَسَيَتَعَرَّضُ الْمُصَنِّفُ لِهَذَا قَرِيبًا. وَنَذْكُرُ مَا قِيلَ فِي وَجْهِهِ وَعَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُقَالُ فِي تَعْرِيفِهِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ بَلْ الظَّنُّ بِذَلِكَ (وَعَلَى مَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّهُ التَّصْدِيقُ إلَخْ (لَيْسَ هُوَ) أَيْ الظَّنُّ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَعْمَالِ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادِ (شَيْئًا مِنْ الْفِقْهِ) أَيْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ لَا يَكُونَ الْفِقْهُ سِوَاهُ (وَلَا الْأَحْكَامَ الْمَظْنُونَةَ) أَيْ وَلَا تَكُونُ نَفْسُ الْأَحْكَامِ الْمَظْنُونَةِ جُزْءًا مِنْ الْفِقْهِ أَيْضًا حَتَّى إنَّ الظَّنَّ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَا مَوْضُوعُهُ عَمَلٌ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَحْمُولُهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مَظْنُونٌ لَا يَكُونُ مِنْ مَسَائِلَ الْفِقْهِ (إلَّا بِاصْطِلَاحٍ) مِنْ الِاصْطِلَاحَاتِ غَيْرِ اصْطِلَاحِنَا الْمَذْكُورِ كَالِاصْطِلَاحِ بِأَنَّ الْفِقْهَ كُلَّهُ ظَنِّيٌّ فَيَكُونُ الْفِقْهُ

هُوَ الظَّنَّ بِالْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ إذَا قُلْنَا إنَّ الِاسْمَ مَوْضُوعٌ بِإِزَاءِ الْإِدْرَاكِ وَالْأَحْكَامِ الْمَظْنُونَةِ إذَا قُلْنَا إنَّ الِاسْمَ مَوْضُوعٌ بِإِزَاءِ الْمُدْرَكِ، وَإِلَى الْإِشَارَةِ إلَى كَوْنِ الْفِقْهِ يُقَالُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ تَعَرَّضَ لَنَفْيِهِمَا تَفْرِيعًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ التَّعْرِيفِ، وَكَالِاصْطِلَاحِ بِأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ قَطْعِيٌّ، وَمِنْهُ مَا هُوَ ظَنِّيٌّ، وَقَدْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ كُلُّ مَنْ ظَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ، وَمِنْ الْأَحْكَامِ الْمَظْنُونَةِ مِنْ الْفِقْهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مُسَمَّى الِاسْمِ بَقِيَ الشَّأْنُ فِي أَيٍّ مِنْ هَذِهِ الِاصْطِلَاحَاتِ أَحْسَنُ أَوْ مُتَعَيِّنٌ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مُتَعَيِّنٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَقِيهِ الْمُجْتَهِدُ لِمَا ذَكَرْنَا وَنَذْكُرُ، وَأَنَّ الثَّالِثَ أَحْسَنُ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْمُدْرَكِ، وَمَا زَالَ الْعَمَلُ فِي التَّدْوِينِ لَهُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى هَذَا، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ جُمْلَةُ الْفِقْهِ بِهَذَا الْمَعْنَى مَا بَقِيَتْ دَارُ التَّكْلِيفِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ حُصُولِهِ أَجْمَعَ بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ، وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ إذْ لَا قَائِلَ بِتَوَقُّفِ وُجُودِ حَقِيقَةِ الِاجْتِهَادِ وَالْمُجْتَهِدِ عَلَيْهِ بِرُمَّتِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي الْوَاقِعِ لِيَنْتَفِيَ بِسَبَبِ انْتِفَاءِ تَمَامِ جُمْلَتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (ثُمَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ) ، وَهُوَ كَوْنُ الْفِقْهِ الظَّنَّ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ وَكَذَا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْفِقْهِ هُوَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ الْمَظْنُونَةَ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ (يَخْرُجُ مَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّةِ) أَيْ يَخْرُجُ مِنْ الْفِقْهِ مَا صَارَ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الْمَعْرُوفِ انْتِسَابُهَا إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ بِحَيْثُ صَارَ التَّصْدِيقُ بِهِ كَالتَّصْدِيقِ الْبَدِيهِيِّ فِي الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ حَتَّى اشْتَرَكَ فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ مِنْ الدِّينِ الْعَوَامُّ الْقَاصِرُونَ وَالنِّسَاءُ النَّاقِصَاتُ كَوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَوَجْهُ الْخُرُوجِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْعِنَادَ بَيْنَ الظَّنِّ وَالْعِلْمِ مَفْهُومًا قَائِمٌ وَكَذَا يَخْرُجُ هَذَا مِنْ الْفِقْهِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ عَلَمًا، وَاشْتَرَطَ فِي كَوْنِهِ مُتَعَلَّقًا بِالْأَحْكَامِ وَالْأَعْمَالِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا أَنْ يَكُونَ عَنْ اسْتِدْلَالٍ قِيلَ: وَالنُّكْتَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفِقْهَ لَمَّا كَانَ لُغَةً: إدْرَاكُ الْأَشْيَاءِ الْخَفِيَّةِ حَتَّى يُقَالُ فَقِهْت كَلَامَك وَلَا يُقَالُ فَقِهْت السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ خُصَّ بِالْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ وَلَا يَخْرُجُ هَذَا مِنْ الْفِقْهِ عَلَى قَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ، وَهُوَ أَوْجُهٌ فَإِنَّهُ يُلْزِمُ الْمُخْرِجَ إخْرَاجَ أَكْثَرِ عِلْمِ الصَّحَابَةِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا مِنْ الْفِقْهِ فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَهُمْ لِتَلَقِّيهِمْ إيَّاهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِسًّا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ بَعْدَ هَذَا فَكَذَا مَا يُفْضِي إلَيْهِ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَالْجَوَابُ عَنْ النُّكْتَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفِقْهَ لُغَةً مَا ذَكَرْت فَقَدْ نَصَّ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ الْفَهْمُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَيْءٍ، وَعَلَى هَذَا لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ فَقِهْت السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ كَمَا لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ فَهِمْتهمَا بِمَعْنَى عَلِمْتهمَا وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَلَعَلَّ الْمَانِعَ أَنَّ الْفَهْمَ إنَّمَا يُذْكَرُ فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَالسَّمَاءُ وَالْأَرْضُ مِنْ الْمَحْسُوسَاتِ وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ اللُّغَوِيِّ وَالِاصْطِلَاحِيِّ فِي خُصُوصِ هَذَا الْوَصْفِ وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَلَيْسَ هُوَ بِلَازِمٍ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِهِ، وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَاشْتِرَاطُهُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي هَذَا فَإِنَّ ظُهُورَهُ إلَى هَذَا الْحَدِّ إنَّمَا هُوَ بِعَارِضِ كَوْنِهِ قَدْ صَارَ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْعُرُوض لَهُ بِمَانِعٍ مِنْ جَعْلِهِ مِنْ الْفِقْهِ، وَكَذَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ قَطْعًا مِنْ الْأَحْكَامِ لِلْأَعْمَالِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ، وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إذَا كَانَ مُصَرِّحًا بِهَذَا اللَّازِمِ لَوْ قَالَ: وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَخْرُجُ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ قَطْعًا لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ حِينَئِذٍ مَا كَانَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. (وَأَمَّا قَصْرُهُ) أَيْ الْفِقْهَ (عَلَى الْيَقِينِ) أَيْ يَقِينِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ بِأَنْ جَعَلَ اسْمًا لَهُ حَيْثُ كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْإِدْرَاكِ (وَجَعَلَ الظَّنَّ فِي طَرِيقِهِ) أَيْ هَذَا الْيَقِينِ، وَهُوَ مُقَدِّمَتَا الْقِيَاسِ الْمُوَصَّلِ إلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَى هَذَا الصَّنِيعِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ، وَمَنْ تَبِعَهُ كَالْبَيْضَاوِيِّ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ تَعَرَّضَ لِاعْتِرَاضِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ تَعْرِيفَ الْفِقْهِ بِالْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِقَوْلِهِ قِيلَ

الْفِقْهُ مِنْ بَابِ الظُّنُونِ يَعْنِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ الْعِلْمُ جِنْسَ تَعْرِيفِهِ أَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ مَشْرُوحًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْعِلْمِ بِهَا عَنْ ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَهَذَا أَمْرٌ قَطْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَهَذَا الْحُكْمُ مَظْنُونُ الْمُجْتَهِدِ قَطْعًا وَكُلُّ مَظْنُونٍ لِلْمُجْتَهِدِ قَطْعًا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا أَمَّا كَوْنُ الصُّغْرَى قَطْعِيَّةً فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ ظَنِّ الْحُكْمِ لَهُ وِجْدَانِيٌّ وَالْإِنْسَانُ يَقْطَعُ بِوُجُودِ ظَنِّهِ كَمَا يَقْطَعُ بِوُجُودِ جُوعِهِ وَعَطَشِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْكُبْرَى قَطْعِيَّةٌ فَقَالُوا لِلدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الظَّنِّ ثُمَّ لَمْ يُعَيِّنْهُ صَاحِبُ الْمَحْصُولِ وَلَا مُخْتَصِرُوهُ، وَعَيَّنَهُ غَيْرُهُمْ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي تَعْيِينِهِ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ الْإِجْمَاعُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ فِي رِسَالَتِهِ ثُمَّ الْغَزَالِيُّ فِي مُسْتَصْفَاهُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ وَدَفَعَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُخْتَارِ نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي قَطْعِيَّتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ سُكُوتِيًّا كَمَا هُوَ قَوْلُ قَوْمٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرَى حُجِّيَّةَ السُّكُوتِيِّ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ قَاطِعًا، وَقَدْ نَقَلَهُ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا، وَالِاسْتِقْرَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِهِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ وَحَيْثُ كَانَتْ هَاتَانِ الْمُقَدِّمَتَانِ قَطْعِيَّتَيْنِ فَالْمَطْلُوبُ، وَهُوَ فَهَذَا الْحُكْمُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا قَطْعِيٌّ غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ الظَّنُّ فِي طَرِيقِهِ كَمَا رَأَيْت مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ مَحْمُولًا فِي الصُّغْرَى مَوْضُوعًا فِي الْكُبْرَى وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِظَنِّيَّةِ الْمُقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَوْنِ الْمُقَدِّمَةِ قَطْعِيَّةً أَوْ ظَنِّيَّةً مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ فَإِنْ ظَنِّيًّا فَظَنِّيَّةٌ، وَإِنْ قَطِيعًا فَقَطْعِيَّةٌ، سَوَاءٌ كَانَ الطَّرَفَانِ ظَنِّيَّيْنِ فِي نَفْسِهِمَا أَوْ قَطْعِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا ظَنِّيًّا وَالْآخَرُ قَطْعِيًّا، وَقَدْ عَلِمْت هُنَا قَطْعِيَّةَ كُلٍّ مِنْ الْحُكْمَيْنِ اللَّذَيْنِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمَا الْمُقَدِّمَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ مِنْ التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ فَيَلْزَمُهُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَمُغَيِّرٌ لِمَفْهُومِهِ) أَيْ فَهَذَا الصَّنِيعُ مُغَيِّرٌ لِمَفْهُومِ الِاسْمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْمَعْنَى الْعِلْمَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْأَحْكَامِ الْمَظْنُونَةِ لِلْمُجْتَهِدِ، وَقَدْ كَانَ هُوَ الْعِلْمُ بِنَفْسِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ، وَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ. ثَانِيهِمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَيَقْصُرُهُ) أَيْ هَذَا الصَّنِيعُ الْفِقْهَ (عَلَى حُكْمٍ) وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِمَا ظَنَّهُ الْمُجْتَهِدُ فَيَصِيرُ الْفِقْهُ كُلُّهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْوَاحِدَةَ، وَقَدْ كَانَ الْعِلْمُ بِأَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ مِنْ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ وَتَحْرِيمٍ وَكَرَاهَةٍ وَإِبَاحَةٍ، وَهَذَانِ اللَّازِمَانِ بَاطِلَانِ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُمَا فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ الْعِلْمُ بِمُقْتَضَى الظَّنِّ بِالْأَحْكَامِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَظْنُونِ فَإِنْ ظَنَّ وُجُوبَهُ عَلِمَ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِنْ ظَنَّ حُرْمَتَهُ عَلِمَ حُرْمَةَ الْعَمَلِ بِهَا وَكَذَا الْبَاقِي وَالتَّعَرُّضُ لِلْوُجُوبِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ لَا يُفِيدُ إلَّا وُجُوبَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الظَّنِّ لَا غَيْرُ، وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ وُجُوبُ اعْتِقَادِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَظْنُونِ فَإِذَا كَانَ النَّدْبُ مَظْنُونًا وَجَبَ اعْتِقَادُ نَدْبِيَّتِهِ، وَهَكَذَا الْبَاقِي؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا دَلَالَةَ لِلْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّعْرِيفُ فَاسِدًا ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّةِ أَنْ يُقَالَ أَوَّلًا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ وَيُرَادُ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْأَحْكَامِ، وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ أَوَّلًا لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى هَذَا بِشَيْءٍ مِنْ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ، وَلَوْ قِيلَ أُطْلِقَ ذَلِكَ وَأُرِيدَ بِهِ هَذَا مَجَازًا فَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَوَّلًا مَمْنُوعٌ إذْ لَا عَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا مُجَوِّزَةً لَهُ وَلَوْ سَلِمَ فَمِثْلُ هَذَا الْمَجَازِ لَيْسَ بِشَهِيرٍ وَلَا قَرِينَةَ ظَاهِرَةً عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي التَّعْرِيفَاتِ وَثَانِيًا الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْأَحْكَامِ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ، وَالْفِقْهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ. وَثَالِثًا إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا الْمَطْلُوبُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُصَوِّبَةِ الْقَائِلِينَ بِكَوْنِ الْأَحْكَامِ تَابِعَةً لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِمْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ ظَنِّهِ وَلَوْ خَطَأً فَلَا يَكُونُ مَنَاطًا لِلْحُكْمِ وَلَا وُجُوبَ اتِّبَاعِهِ مُوَصِّلًا لَهُ إلَى الْعِلْمِ، قَالَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ: وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْأَحْكَامِ أَعَمُّ مِمَّا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ فِي الظَّاهِرِ، وَمَظْنُونُهُ حُكْمُ اللَّهِ ظَاهِرًا طَابَقَ الْوَاقِعَ أَوْ لَا، وَهُوَ الَّذِي نِيطَ بِظَنِّهِ، وَأَوْصَلَهُ وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ إلَى الْعِلْمِ بِثُبُوتِهِ، وَمِنْ هَا هُنَا

يَنْحَلُّ الْإِشْكَالُ بِأَنَّا نَقْطَعُ بِبَقَاءِ ظَنِّهِ، وَعَدَمِ جَزْمِ مُزِيلٍ لَهُ، وَإِنْكَارُهُ بُهْتٌ فَيَسْتَحِيلُ تَعَلُّقُ الْعِلْمِ بِهِ لِتَنَافِيهِمَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ الْبَاقِيَ مُتَعَلَّقٌ بِالْحُكْمِ قِيَاسًا إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْعِلْمِ الْمُتَعَلَّقِ بِهِ مَقِيسًا إلَى الظَّاهِرِ (وَمَا قِيلَ فِي) وَجْهِ (إثْبَاتِ قَطْعِيَّةِ مَظْنُونَاتِ الْمُجْتَهِدِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الرَّاجِحُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَاضِلُ الْعِبْرِيُّ فِي شَرْحِ مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ مِنْ الْقِيَاسِ الْمُرَكَّبِ الْمَفْصُولِ النَّتَائِجِ لِإِنْتَاجِ أَنَّ الْفِقْهَ عِبَارَةٌ عَنْ عِلْمٍ قَطْعِيٍّ مُتَعَلَّقٍ بِمَعْلُومٍ قَطْعِيٍّ، وَهُوَ الْحُكْم الْمَظْنُونُ لِلْمُجْتَهِدِ، وَأَنَّ الظَّنَّ إنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ لَا نَفْسُهُ (مَظْنُونَةٌ) أَيْ الْحُكْمُ الْمَظْنُونُ لِلْمُجْتَهِدِ (مَقْطُوعٌ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ) لِلدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَيْهِ كَمَا سَلَفَ فَهَذِهِ صُغْرَى قَطْعِيَّةٌ (وَكُلُّ مَا قُطِعَ إلَخْ) أَيْ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ (فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ) أَيْ بِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الْعِلْمُ بِهِ فَهَذِهِ كُبْرَى قَطْعِيَّةٌ أَيْضًا فَيَنْتُجُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ لَازِمٌ قَطْعِيٌّ ضَرُورَةً قَطْعِيَّةَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَهُوَ مَظْنُونُ الْمُجْتَهِدِ مَقْطُوعٌ بِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَلَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى مُحْتَاجًا إلَى كَسْبٍ بِقِيَاسٍ آخَرَ تُجْعَلُ كُبْرَى هَذَا الْقِيَاسِ صُغْرَى لِكُبْرَى قِيَاسٍ آخَرَ هَكَذَا كُلُّ مَا قَطَعَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَهُوَ مَعْلُومٌ قَطْعًا، وَكُلُّ مَا هُوَ مَعْلُومٌ قَطْعًا فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ يُنْتِجُ إذَا سَلِمَتْ مُقَدِّمَتَاهُ كُلَّ حُكْمٍ قُطِعَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ فَتَثْبُتُ الْكُبْرَى الْمَذْكُورَةُ حِينَئِذٍ ثُمَّ تُجْعَلُ صُغْرَى الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ صُغْرَى لِقِيَاسٍ آخَرَ، وَهَذِهِ النَّتِيجَةُ كُبَرَاهُ هَكَذَا الْحُكْمُ الْمَظْنُونُ لِلْمُجْتَهِدِ مَقْطُوعٌ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَكُلُّ مَقْطُوعٍ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ يُنْتِجُ إذَا سَلِمَتْ مُقَدِّمَتَاهُ الْحُكْمَ الْمَظْنُونَ لِلْمُجْتَهِدِ مَقْطُوعٌ بِهِ فَتَثْبُتُ الصُّغْرَى حِينَئِذٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ تَمَامَ هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى تَسْلِيمِ مُقَدِّمَتَيْهِ أَوْ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَمَامِهِمَا وَلَمْ يُوجَدْ كُلٌّ مِنْهُمَا بَلْ هُوَ مَسْلَمُ الصُّغْرَى (مَمْنُوعُ الْكُبْرَى) ، وَهِيَ وَكُلُّ مَا قَطَعَ بِوُجُوبِ الْعِلْمِ بِهِ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَا قُطِعَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ يَكُونُ هُوَ نَفْسُهُ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ بِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ، لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ بِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ بَلْ هَذَا هُوَ الثَّابِتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَثَلًا يَقْطَعُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْوِتْرِ عَلَيْهِ وَلَا يَقْطَعُ بِثُبُوتِ وُجُوبِ الْوِتْرِ نَفْسِهِ بَلْ إنَّمَا ظَنَّهُ، وَقَطَعَ بِحُكْمٍ آخَرَ بَعْدَهُ، وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهَذَا الْمَظْنُونِ فَهُوَ نَفْسُهُ مَظْنُونٌ وَلُزُومُ الْعَمَلِ قَطْعِيٌّ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ مَمْنُوعٌ لِظُهُورِ أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا يَظُنُّ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ مَا ذَكَرَ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ مَقْطُوعٌ بِهِ لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ أَعَمُّ مِنْ الْعِلْمِ إذَا الْمُقَلِّدُ قَاطِعٌ وَلَيْسَ بِعَالِمٍ يَعْنِي، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْأَعَمِّ ثُبُوتُ أَخَصًّ بِخُصُوصِهِ، وَإِنْ بَنَى عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَظْنُونٌ لِلْمُجْتَهِدِ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ قَطْعًا كَمَا هُوَ رَأْيُ الْبَعْضِ يَكُونُ ذِكْرُ وُجُوبِ الْعَمَلِ ضَائِعًا لَا مَعْنَى لَهُ أَصْلًا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ وَلَا يَمْنَعُ هَذَا اسْتِرْوَاحًا إلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ حِينَئِذٍ مِنْ الشَّكْلِ الثَّالِثِ هَكَذَا الْحُكْمُ الْمَظْنُونُ لِلْمُجْتَهِدِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَكُلُّ مَا هُوَ مَظْنُونٌ لِلْمُجْتَهِدِ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ يُنْتِجُ بَعْضَ مَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ قَطْعًا فَلَا يُثْبِتُ الْمُدَّعِي، وَهُوَ كُلُّ مَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ الْحُكْمِ الْمَظْنُونِ لِلْمُجْتَهِدِ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ قَطْعًا عَلَى أَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى رَأْيٍ غَيْرِ سَدِيدٍ. هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ مِنْ تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ لِلْفِقْهِ أَنَّهُ مَجْمُوعُ أَمْرَيْنِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَمَلَكَةُ الِاسْتِنْبَاطِ، وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى مِثْلِهِ بِأَنَّ ذِكْرَهَا مِمَّا يُجْتَنَبُ فِي التَّعْرِيفِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهَا فِي نَفْسِهِ وَخُصُوصًا إذَا أُرِيدَ بِهَا الصِّفَةُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا التَّهَيُّؤُ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ مُطْلَقُهُ كَانَ الْفِقْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلًا لِغَيْرِ الْفَقِيهِ لِجَوَازِ حُصُولِ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أُرِيدَ خَاصٌّ مِنْهُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقَرِيبِ فَمُتَفَاوِتُ الْمَرَاتِبِ وَلِهَذَا يُفَضَّلُ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا كُلِّيٌّ ضَابِطٌ لَهَا لِيَكُونَ هُوَ الْمُرَادَ فَلَزِمَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْمَرْتَبَةِ الْمُرَادَةِ مِنْهُ دَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا مَعْلُومٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُرَادُ بِالْمَلَكَةِ أَدْنَى مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الْأَهْلِيَّةُ) لِلِاجْتِهَادِ بِقَرِينَةِ إضَافَتِهَا إلَى الِاسْتِنْبَاطِ، وَهِيَ أَدْنَى الْمَرَاتِبِ الَّتِي بِهَا يَصِيرُ

فِي رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ، وَهِيَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ، وَمَتَى نَزَلَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا (، وَهُوَ) أَيْ أَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ ذَلِكَ (مَضْبُوطٌ) فِي شُرُوطِ مُطْلَقِ الِاجْتِهَادِ كَمَا سَيَأْتِي وَتَقَدَّمَتْ الْعِبَارَةُ الْإِجْمَالِيَّةُ عَنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ مَضْبُوطَةٌ بِأَنْ يُرَادَ بِهَا الِاتِّصَافُ بِشُرُوطِ الِاجْتِهَادِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَنِّ، وَلَا يَضُرُّ لُزُومُ اخْتِلَافِهَا بِالزِّيَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْأَشْخَاصِ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمٌ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَمْ يَصِحَّ إطْلَاقُ الْمُجْتَهِدِ عَلَى أَحَدٍ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ قَطْعًا، وَخَفَاءُ هَذَا عَلَى مَنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِمَعَانِي اصْطِلَاحَاتِ هَذَا الْفَنِّ غَيْرُ ضَائِرٍ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ فَلَا جَهَالَةَ قَادِحَةً فِي صِحَّةِ التَّعْرِيفِ ثُمَّ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ قَدْ بَقِيَ لِهَذَا التَّعْرِيفِ جُزْءٌ آخَرُ كَالصُّورَةِ لَهُ، وَهُوَ الْإِضَافَةُ وَكَمَا تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْجُزْأَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ اللَّذَيْنِ كَالْمَادَّةِ لَهُ يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ هَذَا الْجُزْءِ فَلِمَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ مَعْنَى إضَافَةِ الْمُشْتَقِّ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْأَصْلِ اخْتِصَاصُ الْمُضَافِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْإِضَافَةِ مَثَلًا دَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَيْهَا فَأَصْلُ الْفِقْهِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَبْنِيٌّ لَهُ وَمُسْتَنَدُهُ. (وَعَلَى الثَّانِي) أَيْ وَأَمَّا تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى أَنَّهُ عَلَمٌ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ (فَقَالَ كَثِيرٌ أَمَّا تَعْرِيفُهُ) أَوْ حَدُّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ (لَقَبًا) أَيْ حَالَ كَوْنِ هَذَا الِاسْمِ لَقَبًا لِهَذَا الْعِلْمِ أَوْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ كَذَلِكَ فَعَبَّرُوا بِاللَّقَبِ لَا الْعَلَمِ (لِيُشْعِرُوا بِرَفْعِهِ مُسَمَّاهُ) أَيْ لِيُعْلِمُوا الْوَاقِفِينَ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ بِالتَّنْوِيهِ بِمُسَمَّى هَذَا الْعِلْمِ مَعَ تَمْيِيزِهِ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّقَبَ عَلَمٌ مُشْعِرٌ مَعَ تَمْيِيزِ الْمُسَمَّى بِرِفْعَتِهِ أَوْ ضِعَتِهِ، وَلَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِابْتِنَاءِ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ عَلَى مُسَمَّاهُ، وَهُوَ صِفَةُ مَدْحٍ؛ لِأَنَّ بِالْفِقْهِ فِي الدِّينِ نِظَامَ الْمَعَاشِ وَنَجَاةَ الْمَعَادِ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ عَنْ اسْمِهِ بِالْعَلَمِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى هَذِهِ الرِّفْعَةِ فَإِنَّ مِنْ أَقْسَامِ الْعَلَمِ الِاسْمَ، وَهُوَ إنَّمَا وُضِعَ عَلَى الْمُسَمَّى لِمُجَرَّدِ التَّمْيِيزِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَعْظِيمٍ وَلَا تَحْقِيرٍ. (وَبَعْضُهُمْ عَلَمًا) أَيْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَمًا مَكَانَ لَقَبًا، وَهُوَ الْعَلَّامَةُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ، وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ لَقَبًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ اللَّقَبَ أَخَصُّ مِنْ الْعَلَمِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي اللَّقَبِ قَيَّدَ كَوْنُهُ مُنْبِئًا عَنْ مَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ، وَذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي كَوْنِهِ مُعَرَّفًا تَعْرِيفًا حَدِّيًّا، وَإِلَى شَرْحِ هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ التَّعْرِيفَ) الْحَدِّيَّ إنَّمَا هُوَ (إفَادَةُ مُجَرَّدِ الْمُسَمَّى لَا) إفَادَةُ الْمُسَمَّى (مَعَ اعْتِبَارِ مَمْدُوحِيَّتِهِ) الَّتِي هِيَ وَصْفٌ لَهُ أَيْضًا (وَإِنْ كَانَتْ) الْمَمْدُوحِيَّةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (ثَابِتَةً) لِلْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْحَدِّيَّ إنَّمَا هُوَ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ ثُمَّ إذْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ كَوْنِ الْمَمْدُوحِيَّةِ وَصَفًّا ثَابِتًا لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ لَهُ بِاعْتِبَارِهَا لَمْ يَكُنْ التَّصْرِيحُ بِحَدِّهِ مُقَيَّدًا بِالنَّظَرِ إلَى مُطْلَقِ عَلَمِيَّتِهِ الَّتِي لَا دَلَالَةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ عَلَى الْمَمْدُوحِيَّةِ نَفْيًا لِلْمَمْدُوحِيَّةِ (فَلَا يَعْتَرِضُ) عَلَى صَاحِبِ الْبَدِيعِ (بِثُبُوتِهَا) أَيْ بِأَنَّ الْمَمْدُوحِيَّةَ ثَابِتَةٌ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا وَقَعَ مِنْ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ كَوْنَهُ عَلَمًا لِعِلْمٍ هُوَ صَلَاحُ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَدْحٌ لَهُ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمَدْحِ فَيَكُونُ لَقَبًا وَجَوَابُهُ بِأَنَّ كَوْنَهُ مَدْحًا بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ الْإِضَافِيِّ لَا بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَلْقَابِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِهِ مَدْحًا تَسْمِيَتُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَدْحِ قَبْلَهَا اهـ. فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَدِيعِ لَيْسَ بِمُنْكِرٍ أَنَّهُ يُشْعِرُ بِذَلِكَ، وَأَنَّ اسْمَهُ لَقَبٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَعْرِيفِ مُسَمَّى لَفْظِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ إشْعَارِهِ بِذَلِكَ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَا يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ فَقَطْ وَكَذَلِكَ كُلُّ تَعْرِيفٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَقَبًا أَوْ لَا فَيَتَّجِهُ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَمًا عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ لَقَبًا ثُمَّ يَحْتَاجُ الْكُلُّ إلَى التَّقَصِّي عَمَّا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الشَّخْصِيَّ لَا يُحَدُّ، وَإِنَّمَا طَرِيقُ إدْرَاكِهِ الْحَوَاسَّ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخَذْت الْعَوَارِضَ الْمُشَخِّصَةَ فِيهِ فَهِيَ فِي مَعْرِضِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، وَإِنْ اُقْتُصِرَ عَلَى مُقَوِّمَاتِ الْمَاهِيَّةِ لَمْ يَكُنْ حَدًّا لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَخْصٌ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا عَسَى أَنْ يُقَالَ الْمَحْدُودُ هُنَا هُوَ الْمُسَمَّى الْمَفْهُومُ لِلْعَلَمِ لَا لِلشَّخْصِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُمْ قَالُوا أَمَّا تَعْرِيفُهُ عَلَمًا وَلَقَبًا

وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ عَلَمٌ شَخْصِيٌّ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا إمَّا تَعْرِيفُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَخْصِيٌّ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِّهِ هُنَا مَا يُفِيدُ امْتِيَازُهُ عَنْ جَمِيعِ مَا عَدَاهُ مِنْ أَفْرَادِ مُطْلَقِ الْعِلْمِ الْمَوْجُودَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْمَذْكُورَ لَهُ تَعْرِيفًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُفِيدُ ذَلِكَ وَالْحَدُّ بِهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لَلشَّخْصِيِّ كَمَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمُشَخِّصَاتُ فِي مِثْلِ هَذَا لَيْسَتْ فِي مَعْرِضِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ مَعَ فَرْضِ بَقَاءِ مَاهِيَّتِهِ الْخَاصَّةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُقَوِّمَاتُ لَهَا حَتَّى مَتَى مَا زَالَتْ زَالَتْ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الشَّخْصِيَّاتِ مِنْ الْأَعْيَانِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي تَمْهِيدِ تَحْقِيقٍ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ اخْتِلَافُ التَّعْرِيفِ الْعِلْمِيِّ بِاخْتِلَافِ مَا اسْمُ الْعِلْمِ مَوْضُوعٌ بِإِزَائِهِ فَقَالَ (وَكُلُّ عِلْمٍ كَثْرَةُ الْإِدْرَاكَاتِ وَمُتَعَلِّقَاتهَا) الْإِضَافَةُ فِي كَثْرَة الْإِدْرَاكَاتِ، وَمُتَعَلِّقَاتهَا بَيَانِيَّةٌ أَيْ كُلُّ عِلْمٍ مِنْ الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَتَيْنِ كَثْرَةٌ هِيَ إدْرَاكَاتٌ وَكَثْرَةٌ هِيَ مُتَعَلَّقَاتُ تِلْكَ الْإِدْرَاكَاتِ بِفَتْحِ اللَّامِ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْعِلْمِ إلَى الْمُتَعَلَّقِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّعَلُّقِ بِالْمَعْلُومِ لَا بُدَّ مِنْهَا إمَّا عَلَى أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي حَقِيقَةِ الْعِلْمِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ فِيهَا فَظَاهِرٌ، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهَا عَارِضٌ لَازِمٌ لَهُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْآخَرُ الرَّاجِحُ فَكَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِدْرَاكَاتِ مَا يَعُمُّ التَّصْدِيقَاتِ بِالْمَسَائِلِ، وَيَعُمُّ الْمَبَادِئَ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ لَهَا، وَهُوَ عَلَى مَا قَالُوا مَا لَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرَاتِ أَوْ التَّصْدِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْمَبَادِئَ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلْمِ وَشَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ مُوَافِقٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا سَمِعْته مِنْهُ فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ، وَالْإِدْرَاكُ أَيْ وُصُولُ النَّفْسِ إلَى الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ مِنْ نِسْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا يُقَالُ عَلَى مَا يَعُمُّ التَّصْدِيقَ وَالتَّصَوُّرَ، وَلِهَذَا قَدْ يُقْسَمُ إلَيْهِمَا وَيُجْعَلُ جِنْسًا لَهُمَا، وَهُوَ سَائِغٌ لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ، وَمَا يَعُمُّ التَّصْدِيقَ بِهَلِيَةِ ذَاتِ الْمَوْضُوعِ أَيْضًا مَعَ تَصْرِيحِ بَعْضِ أَعْيَانِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ أَجْزَاءِ الْعُلُومِ؛ لِأَنَّ شَيْخَنَا الْمُصَنِّفَ لَمْ يَخْتَرْهُ كَمَا سَنُشِيرُ إلَيْهِ وَنُقَرِّرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى. وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُتَعَلِّقَاتِ هَذِهِ الْمُدْرِكَاتِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِدْرَاكَاتِ التَّصْدِيقَاتِ وَبِالْمُتَعَلِّقَاتِ الْمَسَائِلَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَقَاصِدَ الْعُلُومِ بِالذَّاتِ هِيَ مَسَائِلُهَا الَّتِي إدْرَاكَاتُهَا تَصْدِيقَاتٌ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الْإِدْرَاكَاتُ التَّصْدِيقِيَّةُ، وَأَمَّا الْمَوْضُوعُ فَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِيَرْتَبِطَ بَعْضُ الْمَسَائِلِ بِبَعْضٍ ارْتِبَاطًا يَحْسُنُ مَعَهُ جَعْلُ تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ عِلْمًا وَاحِدًا، وَالْمَبَادِئُ اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِتَوَقُّفِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ عَلَيْهَا تَوَقُّفَ الْمَقْصُودِ عَلَى الْوَسِيلَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ تُعْتَبَرَ تِلْكَ الْإِدْرَاكَاتُ التَّصْدِيقِيَّةُ عَلَى حِدَةٍ وَتُسَمَّى بِاسْمٍ وَحِينَئِذٍ فَلَعَلَّ مَنْ جَعَلَ الْمَوْضُوعَ وَالْمَبَادِئَ مِنْ أَجْزَاءِ الْعُلُومِ تَسَامَحَ فِي ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى شِدَّةِ احْتِيَاجِ الْمَسَائِلِ إلَيْهِمَا فَنَزَلَا مَنْزِلَةِ الْأَجْزَاءِ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تَشَارَكَتْ الْعُلُومُ كُلُّهَا فِي كَوْنِهَا تَصْدِيقَاتٍ وَأَحْكَامًا بِأُمُورٍ عَلَى أُخْرَى إنَّمَا صَارَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ التَّصْدِيقَاتِ عِلْمًا خَاصًّا بِوَاسِطَةِ أَمْرٍ ارْتَبَطَ بِهِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ مُمْتَازًا عَنْ الطَّوَائِفِ الْأُخَرِ بِحَيْثُ لَوْلَاهُ لَمْ يَعُدَّ عِلْمًا وَاحِدًا وَلَمْ يَسْتَحْسِنُوا إفْرَادَهُ بِالتَّدْوِينِ وَالتَّعْلِيمِ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ أَمَّا مَوْضُوعُ الْعِلْمِ بِأَنْ يَكُونَ مَثَلًا مَوْضُوعَاتُ مَسَائِلِهِ رَاجِعَةٌ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْعَدَدِ لِلْحِسَابِ، وَأَمَّا غَايَتُهُ كَالصِّحَّةِ فِي مَسَائِلِ الطِّبِّ الْبَاحِثِ عَنْ أَحْوَالِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالصِّحَّةِ، وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ مَعًا كَمَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إذْ الْبَحْثُ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ لِاسْتِثْمَارِ الْأَحْكَامِ قَالُوا: وَالْأَصْلُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ فِي جِهَةِ الْوَحْدَةِ هُوَ الْمَوْضُوعُ؛ لِأَنَّ الْمَحْمُولَاتِ صِفَاتٌ مَطْلُوبَةٌ لِذَوَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ فَإِنْ اتَّحَدَ فَذَاكَ، وَإِنْ تَعَدَّدَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنَاسُبِهَا فِي أَمْرٍ وَاتِّحَادِهَا بِحَسَبِهِ إمَّا فِي ذَاتِيٍّ كَأَنْوَاعِ الْمِقْدَارِ الْمُتَشَارِكَةِ فِيهِ لِعِلْمِ الْهَنْدَسَةِ أَوْ عَرَضِيٍّ كَمَوْضُوعَاتِ الطِّبِّ فِي الِانْتِسَابِ إلَى الصِّحَّةِ وَكَأَقْسَامِ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَحْكَامِ إنْ جُعِلَتْ مَوْضُوعًا لِهَذَا الْفَنِّ، وَمِنْ ثَمَّةَ نَرَاهُمْ يَقُولُونَ تَمَايُزُ الْعُلُومِ بِتَمَايُزِ الْمَوْضُوعَاتِ بِأَنْ يَبْحَثَ فِي هَذَا عَنْ أَحْوَالِ شَيْءٍ أَوْ أَشْيَاءَ مُتَنَاسِبَةٍ، وَفِي ذَاكَ عَنْ

أَحْوَالِ شَيْءٍ آخَرَ أَوْ أَشْيَاءَ مُتَنَاسِبَةٍ أُخْرَى وَلَا يَعْتَبِرُونَ رُجُوعَ الْمَحْمُولَاتِ إلَى مَا يَعُمُّهَا فَالْمَوْضُوعُ إمَّا وَاحِدٌ أَوْ فِي حُكْمِهِ كَمَا إذَا قِيسَ الْمُتَعَدِّدُ إلَى وَحْدَةِ الْغَايَةِ. وَذَهَبَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِهَةِ الْوَحْدَةِ هِيَ وَحْدَةُ الْغَايَةِ فَقَالَ (وَلَهَا وَحْدَةُ غَايَةٍ تَسْتَتْبِعُ وَحْدَةُ مَوْضُوعِهَا أَوَّلُ الْمُلَاحَظَةِ، وَفِي التَّحَقُّقِ الِاتِّصَافِي بِالْقَلْبِ) أَيْ وَلِلْإِدْرَاكَاتِ، وَمُتَعَلِّقَاتهَا الَّتِي هِيَ مَعْنَى الْعِلْمِ جِهَةُ وَحْدَةٍ هِيَ غَايَتُهَا الْمَقْصُودَةُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ مِنْ تَحْصِيلِ تِلْكَ الْكَثْرَةِ بَلْ، وَمَنْ وَضَعَ مَوْضُوعَ تِلْكَ الْكَثْرَةِ أَيْضًا لِيَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِ فَتَحْصُلُ الْكَثْرَتَانِ ثُمَّ هَذِهِ الْوَحْدَةُ تَسْتَتْبِعُ وَحْدَةً أُخْرَى هِيَ وَحْدَةُ الْمَوْضُوعِ أَيْ تَجْعَلُ هَذِهِ الْوَحْدَةُ وَحْدَةَ الْمَوْضُوعِ تَابِعَةً لَهَا بَيَانُهُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ وَضْعِ سَائِرِ الْعُلُومِ الَّذِي هُوَ تَعْلِيمُ أَحْوَالِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ ذَاتِ مَعْرِفَةِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ بَلْ مَعْرِفَةُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَعْرِفَتِهَا مِنْ مَقَاصِدَ أُخْرَى مُهِمَّةٍ، فَأَوَّلُ مَا يَقَعُ لِلْإِنْسَانِ مَثَلًا طَلَبُ عِصْمَةِ اللِّسَانِ عَنْ الْخَطَأِ فِيمَا تُسَمِّيهِ الْإِعْرَابَ نَفْيًا لِلنَّقْصِ وَالْعَيْبِ عَنْهُ يَأْخُذُ يَنْظُرُ مَا يُوَصِّلُهُ إلَيْهِ فَيَظْهَرُ لَهُ أَنَّهُ مَعْرِفَةُ مَا يَعْرِضُ مِنْ الْأَحْكَامِ لِلْكَلِمِ الْعَرَبِيَّةِ فِي التَّرْكِيبِ فَيَضَعُ الْكَلِمَ الْعَرَبِيَّةَ لِيَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِهَا مَاذَا يَكُونُ عِنْدَ التَّرْكِيبِ فَمَا وَضَعَ الْمَوْضُوعَ لِيَبْحَثَ عَنْ حَالِهِ إلَّا لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الْعِصْمَةُ الْخَاصَّةُ، وَهِيَ الْغَايَةُ هَذَا فِي أَوَّلِ عُرُوضِ حَاجَتِهِ إلَى الْغَايَةِ ثُمَّ إذَا وَضَعَهُ وَبَحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِ وَاتَّصَفَ بِهَا؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ عِلْمٌ بِأَحْوَالِ أَشْيَاءَ اتَّصَفَ بِنَفْسِ الْغَايَةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْغَايَةَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى ذِي الْغَايَةِ مِنْ حَيْثُ التَّصَوُّرُ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ الِاتِّصَافِيُّ فَالِاتِّصَافُ بِنَفْسِ الْعِلْمِ بِالْأَشْيَاءِ يَكُونُ فِي الْخَارِجِ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَّصِفُ بَعْدَهُ بِالْغَايَةِ مَثَلًا بَعْدَ أَنْ اتَّصَفَ بِالْعِلْمِ بِأَحْوَالِ الْكَلِمِ الْعَرَبِيَّةِ فِي التَّرْكِيبِ اتَّصَفَ بِقُدْرَةٍ عَلَى عِصْمَةِ نَفْسِهِ عَنْ الْخَطَأِ فِي الْإِعْرَابِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ، وَفِي التَّحَقُّقِ الِاتِّصَافِيِّ بِالْقَلْبِ، وَمِنْ هُنَا قَالُوا: غَايَةُ الشَّيْءِ عِلَّةٌ لَهُ فِي الذِّهْنِ مَعْلُولَةٌ لَهُ فِي الْخَارِجِ أَيْ سَابِقَةٌ لَهُ فِي التَّصَوُّرِ فَإِنَّهَا بَاعِثَةٌ لِلْفَاعِلِ عَلَى إيجَادِ ذِي الْغَايَةِ فِي الْخَارِجِ مُتَأَخِّرٌ وُجُودُهَا فِي الْخَارِجِ عَنْ وُجُودِهِ فِيهِ فَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَظْهَرُ ثُمَّ إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ (وَأَسْمَاءُ الْعُلُومِ) الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهِمَا مَوْضُوعَةٌ اصْطِلَاحًا (لِكُلٍّ) مِنْ الْكَثْرَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ أَمْرِ رَبَطَ الْبَعْضَ بِالْبَعْضِ وَجَعَلَ الْمَجْمُوعَ شَيْئًا وَاحِدًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي اسْمَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ النَّحْوُ مَثَلًا يُوضَعُ تَارَةً بِإِزَاءِ الْكَثْرَةِ الْعِلْمِيَّةِ وَبِاعْتِبَارِهِ يُقَالُ هُوَ عِلْمٌ بِأَحْوَالِ الْكَلِمِ إلَخْ، وَتَارَةً بِإِزَاءِ الْمَعْلُومَاتِ، وَهِيَ الْكَثْرَةُ لِلْمُتَعَلَّقَاتِ بِتِلْكَ الْإِدْرَاكَاتِ وَبِاعْتِبَارِهِ يُقَالُ فُلَانٌ يَعْلَمُ النَّحْوَ فَإِنَّ الْمَعْنَى يَعْلَمُ أَحْكَامَ الْكَلِمِ لَا يَعْلَمُ الْعِلْمَ بِأَحْكَامِ الْكَلِمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُوضَعُ مَرَّةً لِهَذِهِ الْكَثْرَةِ وَلَا يُوضَعُ لِلْأُخْرَى، وَمَرَّةً يُوضَعُ لِلْأُخْرَى دُونَ هَذِهِ بَلْ كُلُّ اسْمٍ لِعِلْمٍ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَرْغٌ مَنْ وَضْعِهِ لِكُلٍّ مِنْ الْكَثْرَتَيْنِ بِوَضْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ كُلَّ اسْمِ عِلْمٍ يُسْتَعْمَلُ عَلَى النَّحْوَيْنِ. (وَكَذَا) نَقُولُ اسْتِطْرَادًا (الْقَاعِدَةُ وَالْقَضِيَّةُ) يُقَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا اصْطِلَاحًا لِكُلٍّ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ الْمُتَعَلَّقِ بِهَا الْعُلُومُ الْكَائِنَةُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَبِهِ وَالنِّسْبَةِ، وَمِنْ الْعِلْمِ الْمُتَعَلَّقِ بِالنِّسْبَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ الْمُسَمَّى بِالْحُكْمِ فَإِنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ قَبِيلِ الْإِدْرَاكَاتِ فَهُوَ كَيْفٌ لَا فِعْلٌ لِلنَّفْسِ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَفْكَارَ لَيْسَتْ مُوجِدَةً لِلنَّتَائِجِ بَلْ مُعَدَّاتٍ لِلنَّفْسِ لِقَبُولِ صُوَرِ النَّتَائِجِ الْعَقْلِيَّةِ عَنْ وَاهِبِهَا، وَهُوَ عِنْدَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَالنَّتِيجَةُ هِيَ الْعِلْمُ الثَّالِثُ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ هُوَ إلَّا حُكْمًا بِأَنَّ كَذَا لِكَذَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّفْسِ فِيهِ فِعْلٌ وَتَأْثِيرٌ كَانَ صُورَةً إدْرَاكِيَّةً مُفَاضَةً مِنْ الْوَهَّابِ جَلَّ جَلَالُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمُقَدَّمَتَيْنِ فَلَزِمَ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ فِعْلًا لَهَا كَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت. وَمِنْ إطْلَاقِهِمَا مُرَادًا بِهِمَا الْإِدْرَاكُ إطْلَاقُ الْقَاعِدَةِ عَلَى الْحُكْمِ بِأَنَّ الْمَجَازَ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَقَوْلُهُمْ الْقَضِيَّةُ إمَّا صَادِقَةٌ أَوْ كَاذِبَةٌ، وَمِنْ إطْلَاقِهِمَا مُرَادًا بِهِمَا الْمُدْرَكُ قَوْلُهُمْ الْقَاعِدَةُ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ كُبْرَى لِصُغْرَى سَهْلَةِ الْحُصُولِ وَالْقَضِيَّةُ قَوْلٌ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ ثُمَّ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْجَدِيرَ بِكُلِّ طَالِبِ عِلْمٍ أَنْ يَتَصَوَّرَهُ أَوَّلًا بِحَدِّهِ أَوْ رَسْمِهِ لِيَكُونَ عَلَى

بَصِيرَةٍ أَوْ زِيَادَتِهَا فِي طَلَبِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لِلْعِلْمِ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ جِهَةِ وَحْدَةِ الْمَوْضُوعِ أَوْ الْغَايَةِ أَوْ كِلْتَيْهِمَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ ذَلِكَ الْعِلْمِ تَتَمَيَّزُ عَنْ الْحَقَائِقِ الْأُخَرِ بِتِلْكَ الْجِهَةِ، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ كَوْنُ التَّعْرِيفِ حَقِيقِيًّا أَوْ رَسْمِيًّا، وَإِنَّمَا كَانَ الْجَدِيرُ بِالطَّالِبِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَصَوَّرْهُ بِوَجْهٍ اسْتَحَالَ طَلَبُهُ وَلَوْ تَوَجَّهَ إلَى تَصَوُّرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ الْكَثْرَةِ بِخُصُوصِهِ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ تَعَسَّرَ وَلَوْ انْدَفَعَ إلَى طَلَبِ الْكَثْرَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا جُزْئِيٌّ لِلْمَفْهُومِ الْعَامِّ قَبْلَ ضَبْطِهَا بِجِهَةِ الْوَحْدَةِ لَمْ يَتَمَيَّزْ عِنْدَهُ الْمَطْلُوبُ، وَلَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُؤَدِّيَهُ الطَّلَبُ إلَى غَيْرِهِ فَيَفُوتَ مَا يَعْنِيهِ وَيَضِيعَ عُمُرُهُ فِيمَا لَا يُغْنِيهِ. فَحِينَئِذٍ الْجَدِيرُ بِطَالِبِ عِلْمِ الْأُصُولِ أَنْ يَتَصَوَّرَهُ أَوَّلًا بِحَدِّهِ غَيْرَ أَنَّهُ إذْ كَانَ التَّعْرِيفُ لَهُ اسْمِيًّا، وَأَسْمَاءُ الْعُلُومِ تُقَالُ عَلَيْهَا بِكُلٍّ مِنْ الِاعْتِبَارَيْنِ فَحَسُنَ أَنْ يُعْرَفَ بِالنَّظَرِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (فَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ فَيُقَالُ عَلَى أَنَّ لَفْظَ أُصُولِ الْفِقْهِ مَوْضُوعٌ بِإِزَاءِ الْإِدْرَاكِ (هُوَ) أَيْ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ (إدْرَاكُ الْقَوَاعِدِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ الْفِقْهِ) فَإِدْرَاكٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ مُتَعَلَّقِهِ الْقَوَاعِدَ جِنْسٌ صَالِحٌ؛ لَأَنْ تَكُونَ هِيَ مُتَعَلَّقَةٌ وَغَيْرُهَا مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ وَالْكُلِّيَّاتِ وَبِإِضَافَتِهِ إلَى الْقَوَاعِدِ خَرَجَ إدْرَاكُ الْجُزْئِيَّاتِ، وَمَا عَدَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ، وَالْمُرَادُ بِإِدْرَاكِهَا التَّصْدِيقُ بِهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ أَوْ غَيْرَ مُطَابِقٍ كَمَا سَيَظْهَرُ، وَالْمُرَادُ بِالْقَوَاعِدِ هُنَا الْقَضَايَا الْكُلِّيَّةِ الْمُنْطَبِقَةِ عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا عِنْدَ تَعَرُّفِ أَحْكَامِهَا فَالْمُرَادُ بِهَا حِينَئِذٍ الْمَعْلُومَاتُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا بَيَانُهُ. وَبِقَوْلِهِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَتِهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ الْفِقْهِ خَرَجَتْ الْقَوَاعِدُ الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ لَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى شَيْءٍ لِكَوْنِهَا مَقْصُودَةً لِنَفْسِهَا أَوْ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى غَيْرِ الْفِقْهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الصَّنَائِعِ أَوْ الْعُلُومِ، وَمِنْهُ عِلْمُ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ عِلْمٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى حِفْظِ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَنْبَطَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَوْ هَدْمِهَا لَا إلَى اسْتِنْبَاطِهَا، وَمِنْهُ عِلْمُ الْجَدَلِ فَإِنَّهُ عِلْمٌ بِقَوَاعِدَ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى حِفْظِ رَأْيٍ أَوْ هَدْمِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا فَنِسْبَتُهُ إلَى الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فَإِنَّ الْجَدَلِيَّ إمَّا مُجِيبٌ يَحْفَظُ وَضْعًا أَوْ مُعْتَرِضٌ يَهْدِمُ وَضْعًا نَعَمْ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ فِيهِ مِنْ مَسَائِلَ الْفِقْهِ، وَبَنَوْا نِكَاتَهُ عَلَيْهَا حَتَّى تَوَهَّمَ أَنَّ لَهُ اخْتِصَاصًا بِهِ وَانْطَبَقَ التَّعْرِيفُ عَلَى مُسَمَّى أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ؛ لِإِخْرَاجِ هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ كَمَا فَعَلَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ قُلْت مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِقْهِ هُنَا مَا تَقَدَّمَ فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْحَدِّ إدْرَاكُ الْقَوَاعِدِ الْمُتَوَصَّلِ بِمَعْرِفَتِهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ التَّصْدِيقِ لِأَعْمَالِ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ مَعَ مَلَكَةِ الِاسْتِنْبَاطِ، وَفِيهِ مَا فِيهِ. قُلْت لَا ضَيْرَ فِيهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِاسْتِنْبَاطِ التَّصْدِيقِ الْمَذْكُورِ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِضَمِّ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي تَقَعُ كُبْرَى إلَى الصُّغْرَى السَّهْلَةِ الْحُصُولِ فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ لِيَخْرُجَ الْمَطْلُوبُ الْفِقْهِيُّ مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ وَلَا نَكِيرَ فِي هَذَا غَايَتُهُ أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا لِلْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ ثُمَّ تَرْكِيبُهَا مَعَ غَيْرِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُنْتِجِ لِلْمَطْلُوبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ وَالْأَحْكَامِ، وَمَعْرِفَةِ الشَّرَائِطِ وَالْقُيُودِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي كُلِّيَّةِ الْقَاعِدَةِ وَبِالْجُمْلَةِ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى قِيَامِ مَلَكَةِ الِاسْتِنْبَاطِ بِالْمُحَصَّلِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَنْ هُوَ فِي رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ وَلَا بَأْسَ بِالْقَوْلِ بِاخْتِصَاصِ قِيَامِ هَذَا الْعِلْمِ أَجْمَعَ بِمَنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ حَتَّى إنَّ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَهُوَ إمَّا عَادِمٌ لَهُ أَوْ ذُو حَظٍّ مِنْهُ بِحَسَبِهِ، وَلَا يُقَالُ التَّعْرِيفُ صَادِقٌ عَلَى الْعِلْمِ بِقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَى اسْتِنْبَاطِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِالتَّوَصُّلِ بِمَعْرِفَتِهَا التَّوَصُّلُ الْقَرِيبُ بِمُسَاعَدَةِ بَاءَ السَّبَبِيَّةِ، وَإِطْلَاقُ التَّوَصُّلِ إلَى ذَلِكَ إذْ الْبَعِيدُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الْوَاسِطَةِ، وَمِنْهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ الْفِقْهِ وَكُلٌّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الْكَلَامِيَّةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ إلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَدْلُولَاتِهَا الْوَضْعِيَّةِ وَبِوَاسِطَةِ ذَلِكَ يُقْتَدَرُ عَلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِقَوَاعِدِ الْكَلَامِ إلَى ثُبُوتِ الْكِتَابِ

وَالسُّنَّةِ وَوُجُوبِ صِدْقِهِمَا؛ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى الْفِقْهِ فَإِنْ قِيلَ التَّوَصُّلُ الْمَذْكُورُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَوَاعِدِ الْمَنْطِقِ فَيَكُونُ الْمَنْطِقُ جُزْءًا مِنْ الْأُصُولِ. أُجِيبَ بِأَنَّ وَصْفَ الْقَوَاعِدِ بِالتَّوَصُّلِ يُشْعِرُ بِمَزِيدِ اخْتِصَاصٍ لَهَا بِالْأَحْكَامِ، وَلَا كَذَلِكَ قَوَاعِدُ الْمَنْطِقِ ثُمَّ فِي قَوْلِهِ يُتَوَصَّلُ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ طَرِيقٌ إلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالذَّاتِ لِنَفْسِهِ، وَإِلَى أَنَّ غَايَتَهُ حُصُولُ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعُلُومِ الْآلِيَّةِ كَمَا أَنَّ غَايَةَ الْعِلْمِ الْمَقْصُودِ حُصُولُ نَفْسِهِ قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَ لَهُ غَايَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ أَوْ دُنْيَوِيَّةٌ إذْ لَيْسَ مُسَمَّى الْغَايَةِ إلَّا مَا عَلِمْت اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ، وَإِلَى وَحْدَةِ غَايَتِهِ فَإِنَّ الْغَايَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْهُ هِيَ التَّمَكُّنُ مِنْ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ جَمْعٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ فِي تَعْرِيفِهِ (عَنْ) الْأَدِلَّةِ (التَّفْصِيلِيَّةِ) بَعْدَ قَوْلِهِمْ الْعِلْمُ بِالْقَوَاعِدِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ كَمَا هُوَ تَعْرِيفُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِمَا (تَصْرِيحٌ بِلَازِمٍ) ظَاهِرٍ لِلِاسْتِنْبَاطِ فَإِنَّ اسْتِنْبَاطَ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ فَهُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا هُوَ دَاخِلٌ بِدُونِ ذِكْرِهِ إذْ لَمْ يُوجَدْ عِلْمٌ بِقَوَاعِدَ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ مِنْ أَدِلَّتِهَا الْإِجْمَالِيَّةِ حَتَّى يُحْتَرَزَ بِذِكْرِ التَّفْصِيلِيَّةِ عَنْهُ فَلَا ضَيْرَ فِي تَرْكِهِ بَلْ لَعَلَّ تَرَكَهُ أَدْخَلُ فِي بَابِ التَّحْقِيقِ فِي شَأْنِ الْحُدُودِ. (وَإِخْرَاجُ) عِلْمِ (الْخِلَافِ) عَنْ تَعْرِيفِ عِلْمِ الْأُصُولِ (بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِمْ عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ كَمَا فِي الْبَدِيعِ فَإِنَّ قَوْلَ الْخِلَافِيِّ مَثَلًا ثَبَتَ بِالْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ أَوْ لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ مَعَ الْمُنَافِي وَلَمْ يُبَيِّنْهُ تَمَسُّكٌ بِالدَّلِيلِ الْإِجْمَالِيِّ (غَلَطٌ) فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمُقْتَضِي أَوْ الْمُنَافِي، وَإِنْ أَجْمَلَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ فَيَقُولُ ثَبَتَ مَعَ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ كَذَا أَوْ مَعَ الْمُنَافِي، وَهُوَ كَذَا وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُتَمَسِّكٌ بِالدَّلِيلِ التَّفْصِيلِيِّ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ دَعْوَى أَنَّ هُنَاكَ مُقْتَضِيًا أَوْ نَافِيًا. مِثَالُهُ لَوْ قَالَ الْحَنَفِيُّ الْمُعَلِّلُ: الْوِتْرُ وَاجِبٌ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَهُ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا، وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنِّي الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنِّي الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتَرْ فَلَيْسَ مِنِّي» كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلَوْ قَالَ الْمُعْتَرِضُ الشَّافِعِيُّ: الْوِتْرُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ إذْ لَوْ ثَبَتَ وُجُوبُهُ لَكَانَ مَعَ الْمُنَافِي بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَهُ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا: وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ» فَيَحْتَاجُ الْمُعَلِّلُ إمَّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَوْ يُرَجِّحَ حَدِيثَ الْحَاكِمِ بِأَنَّهُ قَوْلٌ، وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَذْكُرْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا دَلِيلًا تَفْصِيلِيًّا فَظَهَرَ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ عِلْمِ الْخِلَافِ لَمْ يَقَعْ بِقَوْلِهِمْ عَنْ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ بَلْ إنَّمَا وَقَعَ بِمَا فِي الْحَدِّ مِنْ وَصْفِ الْقَوَاعِدِ بِكَوْنِهَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ الْفِقْهِ ثُمَّ نَقُولُ اسْتِطْرَادًا: (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْعِلْمِ بِإِزَاءِ الْإِدْرَاكِ (مَا تَقَدَّمَ مِنْ) تَعْرِيفِ (الْفِقْهِ) تَغْلِيبًا لِأَحَدِ جُزْأَيْهِ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْجُزْءِ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ مَلَكَةُ الِاسْتِنْبَاطِ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ إدْرَاكٌ، وَهُوَ كَالْأَصْلِ فِي حُصُولِ الْمَلَكَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ لِجَمَاعَةٍ كَابْنِ الْحَاجِبِ تَعْرِيفُ الْأُصُولِ بِالْعِلْمِ بِالْقَوَاعِدِ، وَفَسَّرَهُ أَعْيَانٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَشَمْسِ الدِّينِ الْأَصْفَهَانِيِّ وَسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَسَعْدِ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيِّ بِأَنَّهُ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْمُطَابَقَةِ وَالْجَزْمِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِمَا أَفَاضَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ (وَجَعْلِ الْجِنْسَ) فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْإِدْرَاكِ (الِاعْتِقَادَ الْجَازِمَ الْمُطَابِقَ) لِلْوَاقِعِ لِمُوجِبٍ احْتِرَازًا بِالْجَزْمِ عَنْ الظَّنِّ وَبِالْمُطَابَقَةِ عَنْ الْجَهْلِ وَحَذَفُوا هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا لِلْعِلْمِ بِهِمَا (مُشْكِلٌ بِقِصَّةِ الْمُخْطِئِ فِي) عِلْمِ (الْكَلَامِ) فَإِنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْجَعْلِ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ الْإِدْرَاكِ الظَّنِّيِّ لِلْقَوَاعِدِ الْمَذْكُورَةِ، وَمِنْ الْإِدْرَاكِ الْقَطْعِيِّ لَهَا الَّذِي لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ لَكِنْ صَرَّحَ

الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُخَالِفَ، وَإِنْ خُطِّئَ سَوَاءٌ بُدِّعَ فِي اعْتِقَادِهِ، وَفِيمَا يَتَمَسَّكُ بِهِ فِي إثْبَاتِهِ كَالْمُعْتَزِلَةِ أَوْ كُفِّرَ كَالْمُجَسِّمَةِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْكَلَامِ وَلَا عِلْمِهِ الَّذِي يَقْتَدِرُ مَعَهُ عَلَى إثْبَاتِ عَقَائِدِهِ الْبَاطِلَةِ وَلَا مَسَائِلِهِ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ عِلْمُ الْكَلَامِ يُقَالُ لِمَا يُبْحَثُ عَنْ أَحْوَالِ مَوْضُوعِهِ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ حَيْثُ يَثْبُتُ لَهُ مَا يَصِيرُ مَعَهُ عَقِيدَةً دِينِيَّةً أَوْ ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عِلْمُ الْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ أَحْوَالِ مَوْضُوعِهِ كَذَلِكَ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْكَلَامِ، وَهُوَ أَعْلَى الْعُلُومِ، وَأَلْزَمُهَا قَطْعًا بِالْمَسَائِلِ فَفِي الْأُصُولِ أَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ إدْرَاكَ الْمُخْطِئِ لَيْسَ مُطَابِقًا فِي كُلِّ عِلْمٍ فَلَزِمَ أَنْ لَا يُذْكَرَ فِي عِلْمٍ مِنْ الْعُلُومِ لَفْظُ الْعِلْمِ جِنْسًا، وَيُرَادُ بِهِ ذَلِكَ. قُلْت: وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ إنَّمَا وُضِعَتْ بِإِزَاءِ مَا أَدَّى إلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ أَحْوَالِ مَوْضُوعِهَا مِنْ التَّصْدِيقَاتِ أَوْ الْمَسَائِلِ طَابَقَتْ أَوْ لَمْ تُطَابِقْ ثُمَّ هَذَا بَيَانُ الْمُقْتَضِي لِدُخُولِ غَيْرِ الْمُطَابِقِ هُنَا. وَأَمَّا بَيَانُ الْمُقْتَضِي لِدُخُولِ التَّصْدِيقِ الظَّنِّيِّ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلِأَنَّا نَمْنَعُ اشْتِرَاطَهُ) أَيْ الِاعْتِقَادَ الْجَازِمَ الْمُطَابِقَ (فِي الْأُصُولِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِأَنَّ هَذِهِ الْقَوَاعِدَ الَّتِي هِيَ مَسَائِلُ أُصُولِ الْفِقْهِ مِمَّا يَكْفِي الظَّنُّ فِي أَنْ تُنْسَبَ إلَى مَوْضُوعَاتِهَا، وَهِيَ الْكُلِّيَّاتُ الْجَارِيَةُ عَلَى خُصُوصِيَّاتِ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ أَحْكَامُهَا كَالْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ وَتَخْصِيصِ الْعَامِّ يَجُوزُ وَالْمُشْتَرَكِ لَا يَعُمُّ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ الْجَارِيَاتُ عَلَى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] لَا تَقْرَبُوا الزِّنَا لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَخَبَرُ الْقَهْقَهَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. قُلْت: ثُمَّ هُنَا تَنْبِيهَاتٌ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنْ هَذَا الْمَنْعَ الثَّانِيَ الصَّرِيحَ الْمُتَسَلِّطَ عَلَى اشْتِرَاطِ جُمْلَةِ هَذَا الْمُرَكَّبِ التَّقْيِيدِيِّ إنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْجَزْمِ مِنْهُ كَمَا أَنَّ الْمَنْعَ الْأَوَّلَ بِالْقُوَّةِ إنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُطَابَقَةِ مِنْهُ وَلَا رَيْبَ فِي صِحَّةِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِجُمْلَةِ الْمُرَكَّبِ بِدُونِ وُجُودِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ. ثَانِيهَا: إنْ قُلْت كَيْفَ يَسُوغُ هَذَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَمْنَعُ قُلْت لَيْسَ هَذَا بِالْمَنْعِ الْمَمْنُوعِ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْمَنْعِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ خَلَلٍ فِي الْحَدِّ أَوْجَبَ عَدَمَ كَوْنِهِ جَامِعًا، وَمِثْلُهُ لَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ. ثَالِثُهَا: إنْ قُلْت إذَا كَانَ هَذَا الْإِدْرَاكُ الْخَاصُّ طَرِيقًا إلَى الْفِقْهِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ ظَنٌّ لِقَاعِدَةٍ مَظْنُونَةٍ فِي نَفْسِهَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْإِدْرَاكُ الْخَاصُّ الْمُتَعَلَّقُ بِجُزْئِيَّاتِهَا ظَنًّا أَيْضًا، وَأَنْ تَكُونَ جُزْئِيَّاتُ الْقَاعِدَةِ الْمَظْنُونَةِ مَظْنُونَةً أَيْضًا فَلَا يَتِمَّ كَوْنُ الْفِقْهِ التَّصْدِيقَ الْقَطْعِيَّ فَقَدْ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا بِمَا حَاصِلُهُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ، وَمَنَعَ تَمَامَ كَوْنِ الْفِقْهِ التَّصْدِيقَ الْقَطْعِيَّ اصْطِلَاحًا، وَأَفَادَ أَنَّ ظَنَّ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ كَوُجُوبِ الْوِتْرِ وَحُرْمَةِ الْيَرَاعِ وَالشِّطْرَنْجِ وَاسْتِنَانِ الْأَرْبَعِ بِتَسْلِيمَةٍ وَكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَمَا لَا يُحْصَى مِنْ أَفْرَادِ الْأَحْكَامِ الْمَظْنُونَةِ مُتَعَلَّقَاتٌ لِلْفِقْهِ لَا مِنْ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلَّقَاتِ الْفِقْهِ لَيْسَتْ مِنْ ذَاتِهِ ثُمَّ إذْ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ اللَّازِمَ أَنْ لَا يُذْكَرَ فِي تَعْرِيفِ عِلْمٍ مِنْ الْعُلُومِ لَفْظُ الْعِلْمِ جِنْسًا وَيُرَادُ بِهِ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ (فَالْأَوْجَهُ كَوْنُهُ) أَيْ مَعْنَى الْعِلْمِ جِنْسًا فِي تَعْرِيفِ أَيِّ عِلْمٍ كَانَ (أَعَمَّ) مِنْ الْجَازِمِ وَالْمُطَابِقِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا إنْ شَرَطَ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ الْجَزْمَ بِالْمَسَائِلِ وَلَمْ يَكْتَفِ فِيهِ بِالظَّنِّ، وَإِنْ اكْتَفَى بِهِ فَأَحْرَى. ثُمَّ إنَّ الْأُصُولَ لَيْسَتْ كَالْكَلَامِ فَإِنَّ بَعْضَ مَسَائِلِهِ ظَنِّيَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَلِهَذَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى جَعْلِ الْجِنْسِ الْإِدْرَاكَ الْأَعَمَّ مِنْ الْيَقِينِ الْكَائِنِ فِي الْمَسَائِلِ الْإِجْمَاعِيَّةِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ الْكَائِنِ مِنْ الْمُخْطِئِ فِي خِلَافِيَّاتِهِ وَالظَّنِّ الْكَائِنِ فِي الظَّنِّيَّةِ مِنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَعَلَى الثَّانِي) أَيْ وَيُقَالُ فِي تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ بِإِزَاءِ الْمُدْرَكِ (الْقَوَاعِدُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَتِهَا) إلَى اسْتِنْبَاطِ الْفِقْهِ، وَإِنَّمَا حَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مَعَ قُرْبِ الْعَهْدِ حَتَّى لَوْ أُرِيدَ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَعْرِيفِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَجَبَ ذِكْرُ هَذَا الْمَحْذُوفِ ثُمَّ عَرَفْت أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الْقَطْعُ وَلَا الْمُطَابَقَةُ، وَأَنَّ وَصْفَهَا بِكَوْنِهَا يُتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَتِهَا تَوَصُّلًا قَرِيبًا إلَى اسْتِنْبَاطِ الْفِقْهِ مُخْرِجٌ لِمَا عَدَاهَا ثُمَّ لَا بَأْسَ أَنْ يُقَالَ تَوْضِيحًا (وَالْقَوَاعِدُ هُنَا) أَيْ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ (مَعْلُومَاتٌ أَعْنِي الْمَفَاهِيمَ

التَّصْدِيقِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ مِنْ نَحْوِ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ) وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ وَخَبَرِ الْوَاحِدُ يُفِيدُ الظَّنَّ لَا نَفْسَ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ. (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِلَفْظِ الْقَوَاعِدِ الْمَعْلُومَاتُ (قُلْنَا) يُتَوَصَّلُ (بِمَعْرِفَتِهَا) ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ مَعْرُوفَةً مُدْرَكَةً، وَإِلَّا كَانَ الْمَعْنَى يُتَوَصَّلُ بِعِلْمِ الْعِلْمِ كَذَا عَنْ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْإِدْرَاكَاتِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُدْرَكَةً لِلْإِدْرَاكِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فِي نَفْسِهَا إدْرَاكًا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ. وَالْوَجْهُ أَنَّهُ شَخْصِيٌّ بَلْ التَّوَصُّلُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ بِمَعْرِفَتِهَا بَلْ بِرِعَايَتِهَا وَاسْتِعْمَالِ مُقْتَضَيَاتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُدْرِكَاتٍ أَوْ إدْرَاكَاتٍ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا صَالِحَةً لِلتَّوَصُّلِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي سَائِرِ الْآلَاتِ الْمَوْضُوعَةِ لِتَحْصِيلِ مَا وُضِعَتْ لِتَحْصِيلِهِ. نَعَمْ الشَّائِعُ أَنْ يُقَالَ فِيمَا هُوَ مُدْرَكٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ يُتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَتِهِ، وَفِيمَا هُوَ إدْرَاكٌ فِي نَفْسِهِ يُتَوَصَّلُ بِهِ تَحَاشِيًا عَنْ صُورَةِ التَّكْرَارِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ فِي ظَنِّي إنِّي كُنْت قَدْ سَأَلَتْ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَجْهِ تَخْصِيصِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْقَوَاعِدَ هُنَا مَعْلُومَاتٌ مَعَ أَنَّهَا فِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ فَأَجَابَنِي بِمَا مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَوْنِهَا كَذَلِكَ هُنَاكَ لَبْسٌ وَاحْتِمَالٌ بِخِلَافِهَا هُنَا. (وَمَعْنَاهَا) أَيْ الْقَاعِدَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُرَادًا بِهَا الْمَعْلُومُ فَيَنْطَبِقُ عَلَى كُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَاصَدَقَاتِهَا كَغَيْرِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَوَاعِدَ تَضَمَّنَتْهَا، وَالْمُقَيَّدُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمُطْلَقِ (كَالضَّابِطِ وَالْقَانُونِ وَالْأَصْلِ وَالْحَرْفِ) أَيْ مِثْلَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ اصْطِلَاحًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ لِمَعَانٍ غَيْرِ مَا نَذْكُرُهُ مِنْ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ لَهَا أَمَّا مَا عَدَا الْقَانُونَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْقَانُونُ فَلِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ لَفْظٌ سُرْيَانِيٌّ رُوِيَ أَنَّهُ اسْمُ الْمُسَطِّرِ بِلُغَتِهِمْ إمَّا مُسَطِّرُ الْكِتَابَةِ أَوْ الْجَدْوَلِ وَالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ الْمُتَرَادِفَةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِيهِ (قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ كُبْرَى سَهْلَةُ الْحُصُولِ) أَيْ لِقَضِيَّةٍ صُغْرَى سَهْلَةِ الْحُصُولِ فَيَخْرُجُ الْفَرْعُ بِتَرْتِيبِهَا مَعَهَا مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ هَذَا لِلْعِلْمِ بِهِ ثُمَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَا يُقَالُ أَمْرٌ كُلِّيٌّ مُنْطَبِقٌ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ عِنْدَ تَعَرُّفِ أَحْكَامِهَا مِنْهُ فَإِذَنْ مَا فِي الْكِتَابِ أَجْلَى وَأَوْلَى ثُمَّ إنَّمَا وَصَفَ الْقَضِيَّةَ، وَقَدَّمْنَا تَعْرِيفَهَا بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ الْجُزْئِيَّةَ أَوْ الشَّخْصِيَّةَ لَا تُسَمَّى بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَبِكَوْنِهَا كُبْرَى؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقِّقُ لِتَسْمِيَتِهَا بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَبِكَوْنِ صُغْرَاهَا سَهْلَةَ الْحُصُولِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الْكُلِّيِّ عَلَى مَا هُوَ جُزْئِيٌّ لَهُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى سَبَبِ سُهُولَتِهَا بِقَوْلِهِ (لِانْتِظَامِهَا) أَيْ لِكَوْنِ صُغْرَاهَا مُنْتَظِمَةً (عَنْ) أَمْرٍ (مَحْسُوسٍ) وَالْمُرَادُ بِالْفَرْعِ الَّذِي يَخْرُجُ بِجَعْلِهَا كُبْرَى لِتِلْكَ الصُّغْرَى مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ حُكْمُ ذَلِكَ الْجُزْئِيِّ الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ الْكُلِّيَّ ثُمَّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (كَهَذَا نَهْيٌ، وَأَمْرٌ) إلَى مِثَالَيْنِ لِلصُّغْرَى الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْأُصُولِ، وَهُمَا أَنْ يُقَالَ مَثَلًا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] هَذَا أَوْ {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] نَهْيٌ، وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 83] هَذَا أَوْ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] أَمْرٌ إذْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْ {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 83] شَيْءٌ مَحْسُوسٌ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ فَإِذَا ضَمَمْت إلَيْهِ الْقَاعِدَةَ الَّتِي هِيَ وَكُلُّ نَهْيٍ لِلتَّحْرِيمِ وَكُلُّ أَمْرٍ لَلْوُجُوبِ انْتَظَمَتْ مَعَهُ كُبْرَى، وَخَرَجَ بِهَذَا التَّرْتِيبِ الْفَرْعُ، وَهُوَ {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] لِلتَّحْرِيمِ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 83] لِلْوُجُوبِ مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْفِقْهِ قَوْلُنَا كُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَإِذَا وُجِدَ بَيْعٌ لِلْمُوصَى بِهِ انْتَظَمَتْ الصُّورَةُ السَّهْلَةُ الْمُسْنَدَةُ إلَى الْحِسِّ، وَهُوَ قَوْلُنَا هَذَا تَصَرُّفٌ أَوْجَبَ زَوَالَ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ وَتُضَمُّ الْكُبْرَى هَكَذَا وَكُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَيَخْرُجُ الْفَرْعُ هَذَا رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ هُنَا تَنْبِيهٌ وَتَكْمِيلٌ فَالتَّنْبِيهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَعْرِيفَ الْفِقْهِ عَلَى اعْتِبَارِ وَضْعِهِ لِلْكَثْرَةِ الْمُدْرَكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ لِتَعْرِيفِهِ إلَّا لِوُقُوعِهِ جُزْءًا مِنْ تَعْرِيفِ الْأُصُولِ بِالْمَعْنَى الْإِضَافِيِّ وَحَيْثُ عَرَّفَهُ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ وَضْعِهِ لِلْكَثْرَةِ الْإِدْرَاكِيَّةِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ، وَأَنْتَ إذَا أَرَدْت تَعْرِيفَهُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ لِلْكَثْرَةِ الْمُدْرَكَةِ فَلَا يَخْفَى عَلَيْك مِمَّا تَقَدَّمَ

فَعَلَى الْمَنْهَجِ الَّذِي سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ الْمَسَائِلُ الَّتِي مَوْضُوعَاتُهَا أَعْمَالُ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ، وَمَحْمُولَاتُهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ مَعَ مَلَكَةِ الِاسْتِنْبَاطِ، وَعَلَى سَبِيلِ مَنْ خَصَّصَهُ بِالظَّنِّ إبْدَالُ الْقَطْعِيَّةِ بِالظَّنِّيَّةِ، وَعَلَى طَرِيقِ مَنْ جَعَلَ بَعْضَهُ قَطْعِيًّا وَبَعْضَهُ ظَنِّيًّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا التَّكْمِيلُ فَاعْلَمْ أَنَّ اسْمَ الْعِلْمِ كَمَا يُوضَعُ بِإِزَاءِ كُلٍّ مِنْ الْكَثْرَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَيُعَرَّفُ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا يُوضَعُ بِإِزَاءِ الْمَلَكَةِ وَيُعَرَّفُ بِاعْتِبَارِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي شَرْحِ غَيْرِ مَا تَعْرِيفٍ بَلْ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأَفَاضِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعِلْمَ حَقِيقَةٌ فِي الْإِدْرَاكِ مَجَازٌ فِي الْقَوَاعِدِ الْمُدْرَكَةِ إطْلَاقًا لِلْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ، وَلَمْ يُجْعَلْ حَقِيقَةً فِيهَا تَرْجِيحًا لِلْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَكَذَا إطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى الْمَلَكَةِ مَجَازٌ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ أَوْ بِالْعَكْسِ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ إطْلَاقِ الْعِلْمِ عَلَى الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ وَالصِّنَاعَاتِ الْمَلَكَةُ أَوْ الْقَوَاعِدُ مِنْ غَيْرِ اسْتِعَانَةٍ بِقَرِينَةٍ، وَهَذَا آيَةُ النَّقْلِ فَلَفْظُ الْعِلْمِ فِيهِمَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ وَاصْطِلَاحِيَّةٌ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَتَعْرِيفُهُمَا عَلَى مِنْهَاجِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَالَ: الْأُصُولُ الْمَلَكَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الْقَوَاعِدِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَتِهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ الْفِقْهِ هَذَا إنْ أُرِيدَ بِالْفِقْهِ إحْدَى الْكَثْرَتَيْنِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَلَكَةُ قِيلَ إلَى حُصُولِ الْفِقْهِ أَوْ إلَى الْفِقْهِ، وَالْفِقْهُ الْمَلَكَةُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى التَّصْدِيقِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ لِأَعْمَالِ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ وَلِاسْتِنْبَاطٍ. (وَهَذَا) التَّعْرِيفُ (اسْمِيٌّ) وَكَذَا مَا تَقَدَّمَهُ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّصَهُ لِقُرْبِهِ وَظُهُورِ جَرَيَانِ هَذَا فِيمَا قَبْلَهُ أَيْضًا، وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ حُدُودًا اسْمِيَّةً؛ لِأَنَّهَا تَعْرِيفُ مَفْهُومِ الِاسْمِ، وَمَا تَعَقَّلَهُ الْوَاضِعُ فَوَضَعَ الِاسْمَ بِإِزَائِهِ، وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ اسْمِيٌّ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ مَا الَّتِي لِطَلَبِ مَفْهُومِ الِاسْمِ، وَمُتَعَقِّلُ الْوَاضِعِ، وَهُوَ هُنَا لِإِفَادَةِ مَا وُضِعَ الِاسْمُ بِإِزَائِهِ بِلَفْظٍ يَشْتَمِلُ عَلَى تَفْصِيلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْمُ إجْمَالًا، وَمِنْ ثَمَّةَ تَعَدَّدَ فِي الْمَعْنَى كَمَا فِي اللَّفْظِ وَلَوْ كَانَ حَدًّا ذَاتِيًّا تَامًّا لَمْ يَتَعَدَّدْ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ لَهُ حَدَّانِ ذَاتِيَّانِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْعِبَارَةِ بِأَنْ يَذْكُرَ بَعْضَ الذَّاتِيَّاتِ بِالْمُطَابَقَةِ تَارَةً وَبِالتَّضَمُّنِ أُخْرَى بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ جَائِزُ التَّعَدُّدِ نَعَمْ قَدْ يَكُونُ التَّعْرِيفُ الِاسْمِيُّ نَفْسَ حَقِيقَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَعَقِّلُ الْوَاضِعِ نَفْسَ الْحَقِيقَةِ فَيَتَحَدَّ التَّعْرِيفُ الِاسْمِيُّ وَالْحَقِيقِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الشَّيْءِ يَكُونُ اسْمِيًّا وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ يَنْقَلِبُ حَقِيقِيًّا. مَثَلًا: تَعْرِيفُ الْمُثَلَّثِ فِي مَبَادِئِ الْهَنْدَسَةِ بِشَكْلٍ يُحِيطُ بِهِ ثَلَاثَةُ أَضْلَاعٍ تَعْرِيفٌ اسْمِيٌّ وَبَعْدَ الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُودِهِ بِالْبُرْهَانِ الْهَنْدَسِيِّ يَصِيرُ هُوَ بِعَيْنِهِ تَعْرِيفًا حَقِيقِيًّا فَلَا جَرَمَ أَنْ يُقَالَ (وَلَا يُنَافِي) التَّعْرِيفُ الِاسْمِيُّ التَّعْرِيفَ (الْحَقِيقِيَّ) ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافٌ صَرِيحُ فِي جَوَازِ وُجُودِ الْحَقِيقِيِّ وَغَيْرِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ حَيْثُ هُمَا وَلَا فِي جَوَازِ كَوْنِ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي جَوَازِ الْحَقِيقِيِّ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فَقَالَ: (وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ حَيْثُ إنَّهُ هَلْ يَكُونُ (مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ) فِي الْعِلْمِ (وَلَا خِلَافَ فِي خِلَافِهِ كَمَا قِيلَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي خِلَافِ الْحَقِيقِيِّ الْمَذْكُورِ مُقَدِّمَةٌ لِلشُّرُوعِ، وَهُوَ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ مُقَدِّمَةً لَهُ فَإِنَّهُ جَائِزًا لِوُجُودٍ بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا قِيلَ (لِإِمْكَانِ تَصَوُّرِ مَا تَتَّصِفُ بِهِ) النَّفْسُ مِنْ تَصَوُّرٍ أَوْ تَصْدِيقٍ وَلَمَّا كَانَ تَصَوُّرُ التَّصْدِيقِ الَّذِي اتَّصَفَتْ بِهِ النَّفْسُ لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ إذْ لَا خَفَاءَ فِي إمْكَانِ تَصَوُّرِ النِّسْبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَاَلَّتِي لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ التَّصَوُّرِ إذْ قَدْ يُسْتَبْعَدُ تَصَوُّرُهُ بِوَاسِطَةِ أَنَّ حُصُولَ الشَّيْءِ فِي النَّفْسِ هُوَ تَصَوُّرُهُ خَصَّهُ بِإِزَالَةِ الْوَهْمِ فَقَالَ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ (تَصَوُّرًا إذْ الْحُصُولُ لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ تَصَوُّرُ الْحَاصِلِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ نَفْسَ تَصَوُّرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَدَّ تَصَوُّرُ ذَاتِ الْمَحْدُودِ إجْمَالًا وَغَايَةُ حَادِّ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِالْعِلْمِ بِجَمِيعِ مَسَائِلِهِ، وَالِاتِّصَافُ بِالشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَهُ كَالشُّجَاعِ مُتَّصِفٌ بِالشُّجَاعَةِ، وَقَدْ لَا يَتَصَوَّرُهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ يَتَعَلَّقَ مِنْ الْعَالِمِ بِالْمَسَائِلِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّصَوُّرَاتِ تَصَوُّرٌ لَهَا عَلَى سَبِيلِ

الْإِجْمَالِ فَيَكُونُ تَصَوُّرًا مُتَعَلَّقًا بِتَصَوُّرٍ حَاصِلٍ لِيَصِيرَ مُتَصَوَّرًا إجْمَالًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِنْسَانَ، وَإِنْ عَلِمَ الْمَسَائِلَ تَفْصِيلًا لَا يَصِيرُ عَالِمًا دَائِمًا بِتَفْصِيلِهَا فِي مَشَاهِدِ النَّفْسِ فَإِنَّ النَّفْسَ لِبَسَاطَتِهَا لَا تُدْرِكُ الْمُتَعَدِّدَ التَّفْصِيلِيَّ إلَّا عَلَى التَّعَاقُبِ، وَإِذَا تَمَّ كَذَلِكَ صَارَ عِنْدَهَا صُورَةٌ إجْمَالِيَّةٌ مِنْهُ حَاصِلَةٌ فَصَحَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا تَصَوُّرٌ لَهَا اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ التَّصَوُّرَ لَا حَجْرَ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَتَّى التَّصَوُّرِ، وَعَدَمِ التَّصَوُّرِ ثُمَّ كَمَا أَنَّ الْحُصُولَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّصَوُّرَ كَذَلِكَ التَّصَوُّرُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُصُولَ وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ لِلْمُحَقِّقِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ ارْتِسَامَ مَاهِيَّةِ الْعِلْمِ فِي النَّفْسِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ تَرْتَسِمَ فِيهَا بِنَفْسِهَا فِي ضِمْنِ جُزْئِيَّاتِهَا وَذَلِكَ حُصُولُهَا وَلَيْسَ تَصَوُّرُهَا وَلَا مُسْتَلْزِمًا لَهُ عَلَى قِيَاسِ حُصُولِ الشَّجَاعَةِ لِلنَّفْسِ الْمُوجِبَةِ لِاتِّصَافِهَا بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَصَوَّرَهَا وَالثَّانِي أَنْ تَرْتَسِمَ فِيهَا بِمِثَالِهَا وَصُورَتِهَا، وَهَذَا هُوَ تَصَوُّرُهَا لَا حُصُولُهَا عَلَى قِيَاسِ تَصَوُّرِ الشَّجَاعَةِ الَّتِي لَا تُوجِبُ اتِّصَافَ النَّفْسِ بِهَا ثُمَّ أَفَاضَ فِي بَيَانِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فَقَالَ (فَقِيلَ لَا) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَقِيقِيُّ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ (لِأَنَّ الْكَثْرَةَ) الْخَاصَّةَ الْإِدْرَاكِيَّةَ أَوْ الْمُدْرَكِيَّةَ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ، وَقَدْ وُضِعَ الِاسْمُ بِإِزَائِهَا لَهَا جِهَةُ وَحْدَةٍ اعْتِبَارِيَّةٍ هِيَ وَحْدَةُ الْغَايَةِ أَوْ الْمَوْضُوعِ كَمَا سَلَفَ. وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذِهِ الْكَثْرَةَ (بِتِلْكَ الْوَحْدَةِ) الِاعْتِبَارِيَّةِ (لَا تَصِيرُ نَوْعًا حَقِيقِيًّا) ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ يَكُونُ بِذِكْرِ الذَّاتِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ الْجِنْسُ الْكُلِّيُّ لِلْمَحْدُودِ وَالْمُمَيَّزُ الْكُلِّيُّ الدَّاخِلُ، وَهُوَ الْفَصْلُ وَجِهَةُ الْوَحْدَةِ الْمَأْخُوذَةُ فِي تَعْرِيفِ الْعِلْمِ إنَّمَا هِيَ عَارِضَةٌ مِنْ عَوَارِضِ تِلْكَ الْكَثْرَةِ فَلَا يَكُونُ الْمَعْنَى الْمُنْتَزَعُ مِنْ تِلْكَ الْكَثْرَةِ جِنْسًا وَفَصْلًا حَقِيقِيَّيْنِ فَلَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ حَدًّا حَقِيقِيًّا بَلْ رَسْمًا وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَمُقْتَضَى هَذَا) التَّعْلِيلِ (نَفْيُهُ مُطْلَقًا) أَيْ نَفْيُ وُجُودِ الْحَقِيقِيِّ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ وَغَيْرَ مُقَدِّمَةٍ لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَفِيهِ الْخِلَافُ أَيْضًا) . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ الدَّلِيلَ أَعَمُّ مِنْ الدَّعْوَى فَلَوْ صَحَّ لَبَطَلَ مَا الْمُبْطِلُ مُعْتَرَفٌ بِصِحَّتِهِ، وَهُوَ جَوَازُ وُجُودِ الْحَقِيقِيِّ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ مَنْعَ الْجَوَازِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ (بِسَرْدِ الْعَقْلِ كُلَّ الْمَسَائِلِ) أَيْ بِتَصَوُّرِ جَمِيعِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ الْمَحْدُودِ أَوْ بِتَصَوُّرِ جَمِيعِ التَّصْدِيقَاتِ الْمُتَعَلَّقَةِ بِهَا لِمَا عَرَفْت أَنَّ حَقِيقَةَ كُلِّ عِلْمٍ مَسَائِلُهُ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْمَعْلُومَاتِ أَوْ التَّصْدِيقُ بِمَسَائِلِهِ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومَاتِ (وَلَيْسَ) الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ عِبَارَةً عَمَّا ذَكَرْنَا (الْمُقَدِّمَةَ) لِلشُّرُوعِ فِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ حِينَئِذٍ بِمَعْرِفَتِهَا نَفْسِهَا، وَذَلِكَ هُوَ مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ نَفْسِهِ لَا مُقَدِّمَةَ الشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَدٌّ حَقِيقِيٌّ هُوَ مُقَدِّمَةُ الشُّرُوعِ فِيهِ (وَقِيلَ نَعَمْ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ (لِأَنَّ الْإِدْرَاكَاتِ أَوْ مُتَعَلَّقَاتِهَا) أَيْ مُتَعَلَّقَاتِ الْإِدْرَاكَاتِ الَّتِي كُلٌّ مِنْهُمَا نَفْسُ الْعِلْمِ عَلَى تَقْدِيرِ وَضْعِ اسْمِ الْعِلْمِ بِإِزَائِهِ (كَالْمَادَّةِ) لِمُسَمَّى الْعِلْمِ فَيَنْتَزِعُ الْعَقْلُ مِنْهَا وَاحِدًا كُلِّيًّا مُشْتَرَكًا بَيْنَ سَائِرِ الْإِدْرَاكَاتِ أَوْ مُتَعَلَّقَاتِهَا (وَوَحْدَتِهَا) أَيْ وَحْدَةِ الْإِدْرَاكَاتِ أَوْ مُتَعَلَّقَاتِهَا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَهِيَ وَحْدَةُ الْمَوْضُوعِ (الدَّاخِلَةُ) فِي مُسَمَّى الْعِلْمِ اصْطِلَاحًا (كَالصُّورَةِ) لِمُسَمَّى الْعِلْمِ فَيَنْتَزِعُ الْعَقْلُ مِنْهَا كُلِّيًّا خَاصًّا بِذَلِكَ الْمُسَمَّى (فَيَنْتَظِمُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْإِدْرَاكَاتِ أَوْ مُتَعَلَّقَاتِهَا، وَمِنْ وَحْدَتِهَا (جِنْسًا، وَفَصْلًا) بِأَنْ يَكُونَ مَا هُوَ كَالْمَادَّةِ جِنْسًا قَرِيبًا، وَمَا هُوَ كَالصُّورَةِ فَصْلًا قَرِيبًا فَيَتَحَقَّقُ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ (مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ) فِي انْتِظَامِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُمَا حَدًّا حَقِيقِيًّا (إلَى سَرْدِ الْكُلِّ) أَيْ إلَى تَصَوُّرِ كُلِّ الْمَسَائِلِ أَوْ تَصَوُّرِ كُلِّ التَّصْدِيقَاتِ بِهَا عَلَى التَّقْدِيرِ، وَإِذَا أَمْكَنَ تَحَقُّقُهُ بِهَذَا الْوَجْهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِهِ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ فِي الْعِلْمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَانْدَفَعَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَتَضَمَّنَ دَفْعَ الثَّانِيَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا أَمْكَنَ حَدُّ الْعِلْمِ الْحَقِيقِيِّ بِأَمْرَيْنِ كُلِّيَّيْنِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُ بِمَعْرِفَةِ عَيْنِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً؛ وَلِأَنَّ تِلْكَ جُزْئِيَّاتٌ، وَالتَّعْرِيفُ لَيْسَ بِهَا بَلْ بِالْمُنْتَزَعِ الْكُلِّيِّ مِنْهَا كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ الْمُنْتَزَعِ مِنْ زَيْدٍ اهـ. وَفِي انْدِفَاعِ الْأَوَّلِ بِمَا سَبَقَ مَا لَا يَخْفَى بَلْ

الأمر الثاني موضوع أصول الفقه

الْوَجْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ مُطْلَقًا) أَيْ بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ (ذَاتِيًّا لِمَا تَحْتَهُ) أَيْ جِنْسًا لِلْأَنْوَاعِ الَّتِي هِيَ الْيَقِينُ وَالظَّنُّ وَالشَّكُّ وَالْوَهْمُ (وَالْعِلْمُ الْمَحْدُودُ لَيْسَ إلَّا صِنْفًا) مِنْ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ؛ لِأَنَّ وَاضِعَ الْعِلْمِ لَمَّا لَاحَظَ الْغَايَةَ الْمَطْلُوبَةَ لَهُ فَوَجَدَهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَحْوَالِ شَيْءٍ أَوْ أَشْيَاءَ مِنْ جِهَةٍ خَاصَّةٍ وَضَعَهُ لِيَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنْ الْعِلْمِ بِعَارِضٍ كُلِّيٍّ فَصَارَ صِنْفًا، وَقِيلَ لِلْوَاضِعِ صَنَّفَ الْعِلْمَ أَيْ جَعَلَهُ صِنْفًا فَالْوَاضِعُ لِلْعِلْمِ أَوْلَى بِاسْمِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ، وَإِنْ صَحَّ أَيْضًا فِيهِمْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَحِينَئِذٍ (لَمْ يَبْعُدْ كَوْنُهُ) أَيْ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ وُجُودِ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ الَّذِي هُوَ فَرْعُ وُجُودِهِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ خِلَافًا (لَفْظِيًّا مَبْنِيًّا عَلَى) اخْتِلَافِ (الِاصْطِلَاحِ فِي مُسَمَّى) الْحَدِّ (الْحَقِيقِيِّ أَهُوَ ذَاتِيَّاتُ) الْمَاهِيَّةِ (الْحَقِيقِيَّةِ) ، وَهِيَ الثَّابِتَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ (أَوْ مُطْلَقًا) أَيْ أَوْ هُوَ الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ الْأَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَاتِيَّاتِ الْمَاهِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ ذَاتِيَّاتِ الْمَاهِيَّةِ الِاعْتِبَارِيَّةِ، وَهِيَ الْكَائِنَةُ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ كَمَا إذَا اعْتَبَرَ الْوَاضِعُ عِدَّةَ أُمُورٍ فَوَضَعَ بِإِزَائِهَا أَسْمَاءً فَمَنْ اصْطَلَحَ عَلَى الْأَوَّلِ نَفَى وُجُودَ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ لِشَيْءٍ مِنْ الْعُلُومِ؛ لِأَنَّ الْعُلُومَ الْمَحْدُودَةَ كُلَّهَا لَيْسَتْ إلَّا مَاهِيَّاتٍ اعْتِبَارِيَّةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِلْمٍ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَةٍ مِنْ الْإِدْرَاكَاتِ هِيَ عُلُومٌ أَوْ ظُنُونٌ أَوْ مِنْهَا، وَمِنْهَا مُتَعَلَّقَةٌ بِأَشْيَاءَ كَمَا ذَكَرْنَا فَمُيِّزَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ تِلْكَ الْإِدْرَاكَاتِ بِنِسْبَتِهَا إلَى مُتَعَلَّقٍ خَاصٍّ فَعُدَّتْ عِلْمًا عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ كُلُّ عِلْمٍ طَائِفَةً مِنْ الْإِدْرَاكَاتِ الْجُزْئِيَّةِ اُنْتُزِعَ مِنْهَا كُلِّيٌّ عَامٌّ كَالْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَنَحْوِهِ، وَقُيِّدَتْ بِعَارِضٍ كُلِّيٍّ هُوَ جِهَةُ الْغَايَةِ، وَالْمَوْضُوعُ هُوَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ نَفْسِ تِلْكَ الْإِدْرَاكَاتِ الْمُنْتَزَعِ مِنْهَا وَالصِّنْفُ هُوَ النَّوْعُ الْمُقَيَّدُ بِعَارِضٍ كُلِّيٍّ فَهُوَ إذَنْ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ؛ لِأَنَّ مَاهِيَّتَهُ لَيْسَتْ بِحَقِيقِيَّةٍ بَلْ اعْتِبَارِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ دَاخِلٌ وَخَارِجٌ جَعَلَ جُزْأَهُ بِخِلَافِ النَّوْعِ، وَإِذَا انْتَفَى وُجُودُ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ فِي نَفْسِهِ فَقَدْ انْتَفَى كَوْنُهُ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ. وَمَنْ اصْطَلَحَ عَلَى الثَّانِي جَوَّزَ وُجُودَ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ لِلْعُلُومِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَحِينَئِذٍ لَا يَبْعُدُ جَوَازُ وُجُودِهِ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَالتَّعَالِيلُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مِمَّا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ وَلَوْ، وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ أَوْ مَا قَالَهُ الْآخَرُونَ لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ إذْ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ يَقَعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى نَفْيِ وُجُودِهِ مُطْلَقًا، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يَقَعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِ وُجُودِهِ مُطْلَقًا وَلَا بُعْدَ حِينَئِذٍ فِي أَنْ يَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِ كَوْنِهِ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ مُطْلَقًا ذَاتِيٌّ لِمَا تَحْتَهُ مِنْ الْأَنْوَاعِ لَا عَارِضَ لَهَا هُوَ الظَّاهِرُ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَفْهُومَهُ مُعْتَبَرٌ فِيمَا تَحْتَهُ مِنْهَا يَقِينًا وَظَنًّا وَغَيْرُهُمَا لَا يَزِيدُ كُلٌّ مِنْهَا عَلَيْهِ إلَّا بِمَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ فَيَصِيرُ بِهِ نَوْعًا فَانْدَفَعَ مَنْعُ كَوْنِهِ ذَاتِيًّا لِمَا تَحْتَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ لِلْمُحَقِّقِ الشَّرِيفِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ انْقِسَامُ الْعِلْمِ إلَّا مَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالْكَيْفِيَّاتُ لَا تَقْبَلُ التَّقْسِيمَ وَلَا يُبْحَثُ عَنْهَا بِكَمٍّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: التَّقْسِيمُ الْمَنْفِيُّ عَنْهَا تَقْسِيمُ الْكُلِّ إلَى أَجْزَائِهِ، وَمُطْلَقُ الْعِلْمِ كُلِّيٌّ مَعْقُولٌ، وَمَا تَحْتَهُ مِنْ الْمَعَانِي هِيَ جُزْئِيَّاتٌ لَهُ، وَلَا رَيْبَ فِي صِحَّةِ قِسْمَةِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ فَيَجُوزُ السُّؤَالُ عَنْ عَدَدِ جُزْئِيَّاتِ مُطْلَقِ الْعِلْمِ وَانْقِسَامِهِ إلَيْهَا وَحَمْلُهُ بِالْمُوَاطَأَةِ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْأَمْر الثَّانِي مَوْضُوع أُصُولِ الْفِقْهِ] الْأَمْرُ (الثَّانِي) مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي مُقَدِّمَةُ هَذَا الْكِتَابِ عِبَارَةٌ عَنْهَا فِي بَيَانِ مَوْضُوعِهِ (مَوْضُوعُهُ) أَيْ أُصُولِ الْفِقْهِ (الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ الْكُلِّيُّ) فَالدَّلِيلُ سَيَأْتِي بَيَانُهُ مُسْتَوْفًى، وَالسَّمْعِيُّ مَا ثَبَتَ كَوْنُهُ كَذَلِكَ بِالشَّرْعِ فَصَدَقَ عَلَى الْقِيَاسِ كَمَا عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا لَيْسَ بِسَمْعِيٍّ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعُ هَذَا الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَ عَقْلِيًّا صِرْفًا أَوْ حِسِّيًّا مَحْضًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَالْكُلِّيُّ سَيَأْتِي مَعْنَاهُ أَيْضًا، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْجُزْئِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعَ هَذَا الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَفْرَادِ أَنْوَاعِهِ أَوْ أَعْرَاضِهِ أَوْ أَنْوَاعِهَا يَكُونُ مَوْضُوعًا لِمَسَائِلِهِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَسْتَقِيمُ وَصْفُ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ بِهِ، وَهُوَ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ مَوْجُودٌ فِيهِ قُلْت الْكُلِّيُّ الَّذِي لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ هُوَ الْعَقْلِيُّ

وَالْمَنْطِقِيُّ، وَهَذَا الْكُلِّيُّ لَيْسَ بِأَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا هُوَ كُلِّيٌّ طَبِيعِيٌّ، وَهُوَ مِمَّا قَدْ يَكُونُ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ عَلَى مَا عُرِفَ ثُمَّ لَيْسَ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْضُوعُ هَذَا الْعِلْمِ بَلْ (مِنْ حَيْثُ يُوصِلُ الْعِلْمُ بِأَحْوَالِهِ) أَيْ الدَّلِيلُ (إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ (لِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ) الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ، وَإِنَّمَا طَوَى ذِكْرَهُمَا لِلْعِلْمِ بِهِمَا مِمَّا تَقَدَّمَ (أَخْذًا مِنْ شَخْصِيَّاتِهِ) أَيْ حَالَ كَوْنِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مَأْخُوذًا أَيْ مُنْتَزَعًا مِنْ مَاصَدَقَاتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مَوْضُوعَ هَذَا الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ كُلِّ عِلْمٍ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَعْرَاضِهِ اللَّاحِقَةِ لِذَاتِهِ أَوْ مُسَاوِيهِ، وَالْعَارِضُ هُنَا الْخَارِجُ الْمَحْمُولُ، وَقَدْ يَتَجَوَّزُ فِي التَّمْثِيلِ بِمَبْدَئِهِ، وَالذَّاتِيُّ مِنْهُ مَا عُرُوضُهُ بِلَا وَاسِطَةٍ فِي الثُّبُوتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنْ اسْتَدْعَى وَسَطًا فِي التَّصْدِيقِ لِخَفَاءِ ذَلِكَ اللُّزُومِ لَا مَا مَنْشَؤُهُ الذَّاتُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَإِلَّا لَمَا بَحَثُوا عَنْ وُجُودِ النُّفُوسِ وَالْعُقُولِ فِي الْإِلَهِيِّ إذْ لَيْسَ هُوَ مُقْتَضِي ذَوَاتِهَا، وَكَذَا الْأَحْكَامُ السَّبْعَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ بِالْمُسَاوِي أَعَمُّ مِنْ الْمُسَاوِي فِي الصِّدْقِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ فِي الْوُجُودِ حَتَّى إنَّ مَا يُعْرَضُ بِوَاسِطَةِ الْمُبَايِنِ الْمُسَاوِي فِي الْوُجُودِ يَثْبُتُ بِوُجُودِ الْجِسْمِ لِلْجِسْمِ يُبْحَثُ عَنْهُ فِي الْعِلْمِ حَتَّى أَنَّهُ يُبْحَثُ عَنْ الْأَلْوَانِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي مَوْضُوعُهُ الْجِسْمُ الطَّبِيعِيُّ، وَعُرُوضُهُ لِلْجِسْمِ بِوَاسِطَةِ السَّطْحِ فَلَيْسَ الْجِسْمُ أَبْيَضَ إلَّا لِأَنَّ السَّطْحَ أَبْيَضُ، وَلَا شَيْءَ مِنْ الْجِسْمِ بِسَطْحٍ فَإِنْ قِيلَ كَوْنُ الذَّاتِيِّ لَازِمًا لِلذَّاتِ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ مَعَهَا ذِهْنًا، وَإِذَا ثَبَتَ حَيْثُ ثَبَتَ فَلَا بَحْثَ؟ . فَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّازِمَ مِنْ اللُّزُومِ ثُبُوتُهُ مَعَهُ صُورَةً مَعَ صُورَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْرَكًا إذْ حُصُولُ الشَّيْءِ ذِهْنًا لَا يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَهُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْبَحْثِ الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ لَهُ صَادِقًا عَلَيْهِ لُزُومًا، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ ثُبُوتِهِ مَعَهُ حَتَّى إنَّ مَا مِنْ اللُّزُومِ يَكْفِي فِي الْحُكْمِ بِهِ تَصَوُّرُ الْمَلْزُومِ أَوْ الْمَلْزُومِ مَعَ اللَّازِمِ، وَهُمَا الْبَيْنُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَالْبَيْنُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَبْحُوثًا عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي اللَّوَازِمِ الْعَقْلِيَّةِ كَمُسَاوَاةِ الْمُثَلَّثِ لِقَائِمَتَيْنِ فَفِي الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى اهـ. وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ الْكُلِّيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَعْرَاضِهِ اللَّاحِقَةِ لِذَاتِهِ، وَهِيَ كَوْنُهُ مُثَبِّتًا لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ اللَّازِمُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ لَفْظًا لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ أَنْ يُقَيَّدَ بِالْحَيْثِيَّةِ الَّتِي يَقَعُ الْبَحْثُ عَنْ أَعْرَاضِهِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ جِهَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ غَايَةٌ تَتَرَتَّبُ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ شَيْءٍ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ قَيَّدَهُ بِهَا، وَقَدْ انْدَفَعَ بِقَوْلِهِ إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الْإِشْكَالُ الْمَشْهُورُ عَلَى قَوْلِهِمْ إلَى إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَوْضُوعُ الْأُصُولِ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ حَيْثُ إثْبَاتُهَا لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَانَتْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ قَيْدًا لِلْمَوْضُوعِ فَتَكُونُ جُزْءًا مِنْهُ. وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَقَدُّمُهَا عَلَى نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يُبْحَثُ عَنْهَا فِي هَذَا الْعِلْمِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَا بِهِ يَعْرِضُ الشَّيْءَ لِلشَّيْءِ لَا بُدَّ، وَأَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْعَارِضِ عَلَى أَنَّ مَوْضُوعَ الْعِلْمِ مَا يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَعْرَاضِهِ الْمَذْكُورَةِ لَا عَنْهُ وَلَا عَنْ أَجْزَائِهِ حَتَّى احْتَاجُوا إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ هُنَا لَيْسَتْ نَفْسَ الْإِثْبَاتِ بَلْ إمْكَانُهُ، وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْأَعْرَاضِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فِيهِ وَذَهَبَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إلَى أَنَّهَا بَيَانُ الْأَعْرَاضِ الذَّاتِيَّةِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فِيهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ أَعْرَاضٌ مُتَنَوِّعَةٌ، وَإِنَّمَا يُبْحَثُ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ عَنْ نَوْعٍ مِنْهَا فَالْحَيْثِيَّةُ لِبَيَانِ ذَلِكَ النَّوْعِ لَا قَيْدٌ لِلْمَوْضُوعِ (وَبِالْفِعْلِ فِي الْمَسَائِلِ) أَيْ وَالْمَوْضُوعُ بِالْفِعْلِ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْعِلْمِ (أَنْوَاعُهُ) أَيْ الدَّلِيلُ الْكُلِّيُّ السَّمْعِيُّ نَحْوَ الْكِتَابِ يُفِيدُ الْحُكْمَ قَطْعًا إذَا كَانَتْ دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةً. وَقَدْ وَقَعَ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ عَلَى مَوْضُوعِ الْعِلْمِ، وَهُوَ سَهْوٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْبَدِيعِ، وَقَالَ فِيهِ الدَّالُّ عَلَى الْمَوْضُوعِ إذَا أَفَادَ مُسَمًّى كُلِّيًّا فَالْمَوْضُوعُ هُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ وَالْحَمْلُ فِي الْمَسَائِلِ قَلَّمَا يَقَعُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ بَلْ كَمَا أَفَادَنِي الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَالَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ أَنَّ مَوْضُوعَ الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مَوْضُوعًا فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّ مَوْضُوعَ عِلْمِ الْكَلَامِ ذَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ اهـ. يَعْنِي كَمَا هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي الْأُرْمَوِيِّ، وَقَدْ نَظَرَ فِيهِ فِي الْمَوَاقِفِ

مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى مَا يُعْرَفُ ثَمَّةَ. (وَأَعْرَاضُهُ) أَيْ الدَّلِيلِ الذَّاتِيَّةُ كَالْعَامِّ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ (وَأَنْوَاعُهَا) أَيْ الْأَعْرَاضُ الذَّاتِيَّةُ كَالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ حُجَّةً ظَنِّيَّةً فِي الْبَاقِي (فَالْمُرَادُ بِالْأَحْوَالِ) الْمَذْكُورَةِ لِلدَّلِيلِ (مَا يَرْجِعُ إلَى الْإِثْبَاتِ) أَيْ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا عُمُومًا أَوْ خُصُوصًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالْآخِرَةِ (وَهُوَ) أَيْ إثْبَاتُ الْأَحْكَامِ عَرَضٌ (ذَاتِيٌّ لِلدَّلِيلِ) ؛ لِأَنَّ عُرُوضَ الْإِثْبَاتِ لِلدَّلِيلِ بِلَا وَاسِطَةٍ فِي ثُبُوتِهِ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ بِثُبُوتِهِ لَهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانٍ (وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الْإِثْبَاتَ بِعَيْنِهِ) فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْعِلْمِ بَلْ مَا بِهِ الْإِثْبَاتُ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرَ ضَائِرٍ (وَنَظِيرُهُ) أَيْ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَحْمُولَ فِيهِ لَيْسَ الْغَرَضَ الذَّاتِيَّ لِلْمَعْرُوضِ الَّذِي هُوَ الْمَوْضُوعُ بَلْ إنَّمَا هُوَ مَا بِهِ لُحُوقُهُ لِلْمَعْرُوضِ مَا تَقَرَّرَ (فِي الْمَنْطِقِ) مِنْ أَنَّ الْإِيصَالَ إلَى مَجْهُولٍ عَقْلِيٍّ تَصَوُّرِيٍّ أَوْ تَصْدِيقِيٍّ عَارِضٌ ذَاتِيٌّ لِلْمَعْلُومَاتِ التَّصَوُّرِيَّةِ والتصديقية الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ الْمَنْطِقِ مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ إيصَالِهَا إلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ (لَا مَسْأَلَةَ) مِنْ مَسَائِلِ الْمَنْطِقِ (مَحْمُولُهَا الْإِيصَالُ) نَفْسُهُ، وَإِنَّمَا مَحْمُولُ مَسَائِلِهِ مَا بِهِ الْإِيصَالُ. (وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ) الْعَقْلِيِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (خُرُوجُ) الْبَحْثِ عَنْ (عُنْوَانِ الْمَوْضُوعِ) أَيْ وَصْفِهِ الْكَائِنِ بِهِ مَوْضُوعًا مِنْ مَبَاحِثِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعُهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْبَدِيعِ: إنْ أَفَادَ الدَّالُّ عَلَى الْمَوْضُوعِ عُنْوَانًا خَارِجًا فَإِنَّمَا يُبْحَثُ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ عَمَّا صَدَقَ عَلَيْهِ إذَا وُجِدَ مُتَّصِفًا بِهِ إذْ الْمَوْضُوعُ هُوَ الْمُقَيِّدُ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْمُقَيِّدُ لَمْ يُوجَدْ فَإِذَا وُجِدَ مَعَ قَيْدِهِ بُحِثَ حِينَئِذٍ عَنْ أَحْوَالٍ لَهُ أُخْرَى غَيْرِ الْقَيْدِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ يَسْتَدْعِي جَهَالَةَ ثُبُوتِهِ لَهُ فَإِذَا بُحِثَ عَنْ عُنْوَانِهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مُعَرِّفُهُ لِبَحْثٍ فِيمَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ أَوْ فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ مَوْضُوعِيَّتُهُ فَظَهَرَ أَنَّ عَدَمَ الْبَحْثِ يَتَحَقَّقُ مَعَ اعْتِبَارِ الْحَالَةِ قَيْدًا خَارِجًا غَيْرَ مُتَوَقَّفٍ عَلَى اعْتِبَارِهَا جُزْءًا مِنْ الْمَوْضُوعِ فَإِذَا قُلْنَا مَوْضُوعُ الْإِلَهِيِّ الْمَوْجُودِ فَالْبَحْثُ عَنْ أَحْوَالِ غَيْرِ الْوُجُودِ. وَحِينَئِذٍ إذَا قُلْنَا مَوْضُوعُ الْأُصُولِ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْحَثَ عَنْ حُجِّيَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حُجَّةٌ هُوَ كَوْنُهُ دَلِيلًا، وَهُوَ وَصْفُ الْمَوْضُوعِ الْعُنْوَانِيِّ بَلْ إنَّمَا يُبْحَثُ فِيمَا تَحَقَّقَ بِاسْمِ الْحُجَّةِ عَنْ أَحْوَالٍ أُخَرَ مِنْ كَوْنِهِ مُفِيدًا لِكَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ مُقَدَّمًا عَلَى كَذَا عِنْدَ التَّعَارُضِ أَوْ مُؤَخَّرًا (فَالْبَحْثُ عَنْ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ عِلْمِ الْأُصُولِ (بَلْ) الْبَحْثُ عَنْ حُجِّيَّةِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ (مِنْ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَاتِهَا أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِجْمَاعِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا فِي الْقِيَاسِ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ فِعْلٌ لِلْمُجْتَهِدِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ قَرِيبًا (وَمَحْمُولَاتُهَا) الَّتِي هِيَ حُجَّةُ (الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إذْ مَعْنَى) قَوْلِنَا أَنَّ أَحَدَ هَذِهِ (حُجَّةٌ) أَنَّهُ (يَجِبُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ) وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ هَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِذِكْرِهِ قُبَيْلَ الْمُقَدِّمَةِ (وَهُوَ) أَيْ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ حُجِّيَّةِ الْقِيَاسِ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ لَا أَصْلِيَّةٌ إنَّمَا يَتَأَتَّى (فِي الْقِيَاسِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ فِعْلِ الْمُجْتَهِدِ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ أَكْثَرِ عِبَارَاتِهِمْ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي (أَمَّا عَلَى أَنَّهُ الْمُسَاوَاةُ الْكَائِنَةُ) فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ الْحَاصِلِ (عَنْ تَسْوِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْعِلَّةِ) الْمُثِيرَةِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَلَيْسَتْ) الْقَضِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ الَّتِي هِيَ الْقِيَاسُ حُجَّةً (مَسْأَلَةً) أَصْلًا تَعْوِيلًا عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ اصْطِلَاحًا حُكْمٌ خَبَرِيٌّ نَظَرِيٌّ أَوْ حُكْمٌ نَظَرِيٌّ مِنْ الْعُلُومِ الْمَوْضُوعَةِ (لِأَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ حِينَئِذٍ (ضَرُورِيَّةٌ دِينِيَّةٌ) بِمَعْنَى أَنَّهُ مَتَى عُلِمَ أَنَّ مَعْنَى الْقِيَاسِ الْمُسَاوَاةُ الْمَذْكُورَةُ قَطْعٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ بِأَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ، وَتَوَقُّفُ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الِاسْمِ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الضَّرُورَةَ الْمَذْكُورَةَ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَا تَكُونُ ضَرُورِيَّةً دِينِيَّةً مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَكْفُرْ مُنْكِرُهَا، وَيَطْرُقُهُ أَنَّ الضَّرُورِيَّ الدِّينِيَّ مَا هُوَ بِحَالٍ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ الشَّكُّ وَيَسْتَوِي فِي مَعْرِفَتِهِ جَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْهُمْ، وَيَكْفُرُ مُنْكِرُ مُقْتَضَاهُ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِضَرُورِيَّةٍ دِينِيَّةٍ عَلَى

أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ وَخُصُوصًا عَلَى قَاعِدَةِ الْأَشَاعِرَةِ لَا يُعْرَفُ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ فَهِيَ كُلُّهَا نَظَرِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَعْضٌ مِنْهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوَصْفِ أَشْبَهَ الضَّرُورِيَّ فَسُمِّيَ بِهِ وَرُتِّبَ عَلَيْهِ إكْفَارُ مُنْكِرِهِ، وَحُكْمُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَطَرَّقَ إلَيْهِ الشَّكُّ مِنْ بَعْضِ الْعُقَلَاءِ، وَمَنَعَ صِحَّتَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْدُودِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمِلَّةِ وَلَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ فَالْوَجْهُ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ كَمَا أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أَيْضًا إذَا فُسِّرَتْ الْمَسْأَلَةُ اصْطِلَاحًا بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحُكْمِ النَّظَرِيِّ وَالضَّرُورِيِّ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَصْلِيَّةٍ بَلْ كَلَامِيَّةٍ كَمَسْأَلَتَيْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حُجَّةً كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْبَدِيعِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ أَيْضًا مَا فِي التَّلْوِيحِ. فَإِنْ قُلْت فَمَا بَالُهُمْ يَجْعَلُونَ مِنْ مَسَائِلِ الْأُصُولِ إثْبَاتَ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ لِلْأَحْكَامِ وَلَا يَجْعَلُونَ مِنْهَا إثْبَاتَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَذَلِكَ؟ . قُلْت: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالنَّظَرِ فِي الْفَنِّ هُوَ الْكَسْبِيَّاتُ الْمُفْتَقِرَةُ إلَى الدَّلِيلِ، وَكَوْنُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حُجَّةً بِمَنْزِلَةِ الْبَدِيهِيِّ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّ لِتَقَرُّرِهِ فِي الْكَلَامِ وَشُهْرَتِهِ بَيْنَ الْأَنَامِ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَلِهَذَا تَعَرَّضُوا لِمَا لَيْسَ إثْبَاتُهُ لِلْحُكْمِ بَيِّنًا كَالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْأَبْحَاثَ لَيْسَ مَحَلُّهَا هَذَا الْعِلْمَ بِالذَّاتِ (بِخِلَافِ عُمُومِ النَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ فَإِنَّهُ) أَيْ الْعُمُومُ (حَالٌ) أَيْ عَرَضٌ ذَاتِيٌّ (لِلدَّلِيلِ) كَمَا تَقَدَّمَ، وَالنَّكِرَةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عُمُومِهَا وَعَدَمِهِ مِمَّا يَتَحَقَّقُ بِاسْمِ الدَّلِيلِ إذْ لَا بُدَّ أَنْ نُفِيدَ حُكْمًا مَا فَالْبَحْثُ عَنْ عُمُومِهَا إذَا وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ بَحْثٌ أَصْلِيٌّ (فَعَنْ هَلِيَّةِ الْمَوْضُوعِ الْبَسِيطَةِ أَوْلَى) أَيْ ثُمَّ إذَا كَانَ الْبَحْثُ عَنْ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ لَيْسَ مِنْ الْأُصُولِ فَالْبَحْثُ عَنْ وُجُودِ الْمَوْضُوعِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْبَسِيطَةِ، وَهِيَ الَّتِي يُطْلَبُ بِهَا وُجُودُ الشَّيْءِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْمُرَكَّبَةَ، وَهِيَ الَّتِي يُطْلَبُ بِهَا وُجُودُ شَيْءٍ لِشَيْءٍ مِنْ بَابِ الْبَحْثِ عَنْ حَالِ الْمَوْضُوعِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ هَذَا. (وَقَوْلُهُمْ) فِي تَعْلِيلِ كَوْنِ التَّصْدِيقِ بِهَلِيَةِ ذَاتِ الْمَوْضُوعِ جُزْءًا مِنْ الْعِلْمِ (مَا لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُ كَيْفَ يَثْبُتُ لَهُ الْأَحْكَامُ يَقْتَضِي التَّوَقُّفَ) أَيْ تَوَقُّفَ الْبَحْثِ عَنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْوُجُودِ عَلَى إثْبَاتِ الْوُجُودِ لَهُ إذَا كَانَ نَظَرِيًّا (لَا كَوْنُهَا) أَيْ لَا أَنَّهُ يَقْتَضِي كَوْنَ الْقَضَايَا الْبَاحِثَةِ عَنْ هَلِيَّةِ الْمَوْضُوعِ (مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ) الَّذِي جُعِلَ مَوْضُوعُهُ مَا أُثْبِتَ وُجُودُهُ كَيْفَ وَكَوْنُ الشَّيْءِ مَوْضُوعًا أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى وُجُودِهِ فَأَنَّى يَتَحَقَّقُ الشَّيْءُ مَوْضُوعًا لِعِلْمٍ دُونَ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِأَحَدِ الْوُجُودَيْنِ بَلْ بِأَحَدِهِمَا يَتِمُّ كَوْنُهُ مَوْضُوعًا ثُمَّ يُنْظَرُ فِي أَحْوَالٍ أُخَرَ لَهُ، كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الشِّفَاءِ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّصْدِيقَ بِوُجُودِ الْمَوْضُوعِ مِنْ الْمَبَادِئِ التَّصْدِيقِيَّةِ لَا أَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلْمِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْمَوْضُوعِ هُوَ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ طَرِيقُ الْآمِدِيِّ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ هِيَ وَالتَّرْجِيحُ وَالِاجْتِهَادُ؛ لِأَنَّهُ يُبْحَثُ عَنْ أَعْرَاضِهِمَا فِيهِ وَرُدَّ إلَى الْمَشْهُورِ بِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ التَّرْجِيحِ بَحْثٌ عَنْ أَعْرَاضِ الْأَدِلَّةِ بِاعْتِبَارِ تَرَجُّحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ التَّعَارُضِ أَوْ تَسَاقُطِهَا بِهِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، وَعَنْ الِاجْتِهَادِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَدِلَّةَ إنَّمَا يَسْتَنْبِطُ مِنْهَا الْأَحْكَامَ الْمُجْتَهِدُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ أَحْوَالُ الْأَدِلَّةِ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهَا عَلَى الْأَحْكَامِ إمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ تَعَارُضِهَا أَوْ اسْتِنْبَاطِهَا مِنْهَا فَتَكُونُ هِيَ مَوْضُوعَ الْعِلْمِ بِالْحَقِيقَةِ، وَالْبَحْثُ عَنْ التَّرْجِيحِ وَالِاجْتِهَادِ رَاجِعًا إلَيْهَا، وَقِيلَ الْأَدِلَّةُ وَالْأَحْكَامُ وَصَحَّحَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ الْعَوَارِضِ الذَّاتِيَّةِ لِلْأَدِلَّةِ، وَهِيَ إثْبَاتُهَا الْحُكْمَ وَالْعَوَارِضَ الذَّاتِيَّةَ لِلْأَحْكَامِ، وَهِيَ ثُبُوتُهَا بِتِلْكَ الْأَدِلَّةِ وَحَقَّقَ هَذَا الْمُحَقِّقُ ذَلِكَ بِأَنَّا رَجَّعْنَا الْأَدِلَّةَ بِالتَّعْمِيمِ إلَى الْأَرْبَعَةِ وَالْأَحْكَامَ إلَى الْخَمْسَةِ وَنَظَرْنَا فِي الْمَبَاحِثِ الْمُتَعَلَّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ إثْبَاتِ الْأَدِلَّةِ لِلْأَحْكَامِ إجْمَالًا فَوَجَدْنَا بَعْضَهَا رَاجِعَةً إلَى أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ وَبَعْضَهَا إلَى أَحْوَالِ الْأَحْكَامِ فَجَعْلُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْمَقَاصِدِ وَالْآخَرَ مِنْ اللَّوَاحِقِ تَحَكُّمٌ؛ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ مَبَاحِثَ الْأَدِلَّةِ أَكْثَرُ وَأَهَمُّ لَكِنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْأَصَالَةَ وَالِاسْتِقْلَالَ

اهـ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي دَعْوَى التَّحَكُّمِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْبَحْثَ بِالذَّاتِ إنَّمَا يَقَعُ فِي هَذَا الْعِلْمِ عَنْ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مُثَبِّتَةً لِلْأَحْكَامِ، وَأَمَّا الْبَحْثُ عَنْ أَحْوَالِ الْأَحْكَامِ فَلَمْ يَقَعْ إلَّا بِاعْتِبَارِ كَوْنِ أَحْوَالِ الْأَحْكَامِ ثَمَرَةَ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ ثَمَرَةَ الشَّيْءِ أَمْرٌ تَابِعٌ لَهُ مُتَفَرِّعٌ عَلَى تَحَقُّقِهِ لَا أَنَّهُ أَصْلٌ مِثْلُهُ فَذَكَرَهَا فِيهِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَى تَصَوُّرِهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِهَا أَوْ نَفْيِهَا لَا لِكَوْنِ الْأَحْكَامِ مَوْضُوعًا لَهُ أَيْضًا فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَعَلَى) قَوْلِ (مَنْ أَدْخَلَ الْأَحْكَامَ) الشَّرْعِيَّةَ مَعَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ فِي الْمَوْضُوعِيَّةِ لِهَذَا الْعِلْمِ (إذْ يُبْحَثُ عَنْهَا) أَيْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ (مِنْ حَيْثُ تَثْبُتُ بِالْأَدِلَّةِ) السَّمْعِيَّةِ فِي هَذَا الْعِلْمِ كَمَا يُبْحَثُ عَنْ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُثَبِّتُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ فَيَكُونُ مَوْضُوعُهُ كِلْتَيْهِمَا مِنْ الْحَيْثِيَّتَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا (لَا يَبْعُدُ إدْخَالُ الْمُكَلَّفِ الْكُلِّيِّ) أَيْضًا مَعَهُمَا فِي الْمَوْضُوعِيَّةِ لِهَذَا الْعِلْمِ (إذْ يُبْحَثُ عَنْهُ) أَيْ الْمُكَلَّفِ الْكُلِّيِّ فِيهِ (مِنْ حَيْثُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ) الْمَذْكُورَةُ فَكَمَا اُعْتُبِرَتْ الْأَدِلَّةُ وَالْأَحْكَامُ مَوْضُوعًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ عَوَارِضِهِمَا الذَّاتِيَّةِ مِنْ الْحَيْثِيَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ يُعْتَبَرُ الْمُكَلَّفُ الْكُلِّيُّ أَيْضًا مَوْضُوعًا مَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ عَوَارِضِهِ الذَّاتِيَّةِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ. (وَقَدْ وَضَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ) أَيْ جَعَلُوهُ فِي كُتُبِهِمْ الْأَصْلِيَّةِ مَوْضُوعًا (مَعْنًى، وَأَحْوَالُهُ) الْعَارِضَةُ لَهُ أَيْضًا (فِي تَرْجَمَةِ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ) لَهُ، وَهِيَ مَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا اخْتِيَارٌ (وَالْمُكْتَسَبَةِ) أَيْ وَالْعَوَارِضِ الَّتِي كَسَبَهَا الْعَبْدُ أَوْ تَرَكَ إزَالَتَهَا (لِبَيَانِ كَيْفَ تَتَعَلَّقُ بِهِ) الْأَحْكَامُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ جَعْلَهُمْ الْمُكَلَّفَ الْكُلِّيَّ مَوْضُوعًا بِقَوْلِهِ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ بَحْثِهِمْ عَنْ أَهْلِيَّتِهِ لِلْحُكْمِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى هَذَا الْقَوْلِ لَكَانَ هَذَا الصَّنِيعُ مِنْهُمْ كَالشَّاهِدِ لَهُ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَكِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ ذَاهِبٌ فِيمَا عَلِمَهُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بَلْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الذَّاهِبُ إلَى أَنَّ مَوْضُوعَ هَذَا الْعِلْمِ الْأَدِلَّةُ وَالْأَحْكَامُ مُصَرِّحٌ بِانْدِرَاجِ الْمَبَاحِثِ الْمُتَعَلَّقَةِ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمُكَلَّفُ وَالْأَهْلِيَّةُ وَالْعَوَارِضُ الْمَذْكُورَةُ تَحْتَ الْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ إحْدَى مُقَدِّمَتَيْ الدَّلِيلِ عَلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ الْمُسَمَّاةِ بِالْقَوَاعِدِ لِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ بِاخْتِلَافِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَبِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِ الْعَوَارِضِ وَعَدَمِهَا كَانْدِرَاجِ الْمَحْكُومِ بِهِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفُ تَحْتَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ هَذَا مُوجِبًا لِعَدَمِ جَعْلِ الْمُكَلَّفِ الْكُلِّيِّ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَوْضُوعًا أَوْ مَانِعًا مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْأَحْكَامُ لِإِمْكَانِ انْدِرَاجِ أَعْرَاضِهَا فِي مَبَاحِثِ أَعْرَاضِ الْأَدِلَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا فَجَعْلُهَا مَوْضُوعًا دُونَهُ تَحَكُّمٌ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ فِي جَعْلِ الْمُكَلَّفِ الْكُلِّيِّ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَوْضُوعًا مَانِعًا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ مَوْضُوعَ الْعِلْمِ مَا يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَعْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ، وَأَحْوَالِ الْمُكَلَّفِ الْكُلِّيِّ الَّتِي هِيَ الْعَوَارِضُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ بِذَاتِيَّةٍ لَهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِهِ عِنْدَ إفَاضَتِهِ فِي الْكَلَامِ فِيهَا. وَالْأَهْلِيَّةُ وَصْفٌ عُنْوَانِيٌّ لَهُ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ خُرُوجُ الْبَحْثِ عَنْ عُنْوَانِ الْمَوْضُوعِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعُهُ فَلَا يَكُونُ الْبَحْثُ عَنْهَا فِي هَذَا الْعِلْمِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ الْكُلِّيَّ مَوْضُوعُهُ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ بَابِ التَّتْمِيمِ بِذِكْرِ التَّوَابِعِ وَاللَّوَاحِقِ وَكَيْفَ لَا، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِعَارِضٍ لِلْمُكَلَّفِ مَعَ قِيَامِ هَذَا الْوَصْفِ بِهِ كَالصِّغَرِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ كَالسَّفَرِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ وَالْخَطَأِ فَالْمَبَاحِثُ الْمُتَعَلَّقَةُ بِهَا مَسَائِلُ فِقْهِيَّةٍ بِلَا رَيْبٍ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَاتِهَا أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ، وَمَحْمُولَاتِهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا سَنَحَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي اسْتِئْنَافِ بَيَانِ تَحْقِيقٍ لِمَا فِي الْوَاقِعِ مِنْ أَمْرِ الْمَوْضُوعِ فَقَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الْغَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ) الْحُصُولُ لِوَاضِعِ عِلْمٍ لِتَحْصِيلِهَا (لَا تَتَرَتَّبُ إلَّا عَلَى) الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ (أَشْيَاءَ كَانَتْ) تِلْكَ الْأَشْيَاءُ (الْمَوْضُوعُ) لِذَلِكَ الْعِلْمِ الْمَطْلُوبِ

لِتِلْكَ الْغَايَةِ (كَمَا لَوْ تَرَتَّبَتْ غَايَاتٌ عَلَى جُمَلٍ مِنْ أَحْوَالِ) شَيْءٍ (وَاحِدٍ حَيْثُ يَكُونُ) ذَلِكَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ (مَوْضُوعَ عُلُومٍ) مُخْتَلِفَةٍ مَقْصُودَةٍ لِتِلْكَ الْغَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ (يَخْتَلِفُ) ذَلِكَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ الَّذِي هُوَ الْمَوْضُوعُ (فِيهَا) أَيْ تِلْكَ الْعُلُومِ (بِالْحَيْثِيَّةِ) الَّتِي تَعَدَّدَتْ بِهَا مَوْضُوعِيَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا بِالذَّاتِ فَيَكُونُ كَوْنُهُ مَوْضُوعًا لِعِلْمٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُبْحَثُ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ كَذَا غَيْرِ كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِعِلْمٍ آخَرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُبْحَثُ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ غَيْرٍ تِلْكَ الْجِهَةِ فَجَاءَتْ مَوْضُوعَاتُ الْعُلُومِ مِنْهَا مَا هُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ لِعِلْمٍ وَاحِدٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثِيَّتَيْنِ لِعِلْمَيْنِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أُمُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْ حَيْثِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لِعِلْمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِانْفِصَالِ الْمَوْضُوعَاتِ تَمَايُزُ الْغَايَاتِ عِنْدَ مُلَاحَظَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ (وَمِنْ هُنَا) أَيْ، وَمِنْ أَنَّ الْغَايَةَ الْمَطْلُوبَةَ إذَا تَرَتَّبَتْ عَلَى أَشْيَاءَ كَانَتْ هِيَ الْمَوْضُوعُ لِذَلِكَ الْعِلْمِ الَّذِي يُثْمِرُ تِلْكَ الْغَايَةِ (اسْتَتْبَعَتْهُ) أَيْ الْغَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ الْمَوْضُوعُ أَيْ كَانَ تَابِعًا لَهَا ذِهْنًا فِي التَّصَوُّرِ، وَإِنْ كَانَ حُصُولُهَا خَارِجًا تَابِعًا لِحُصُولِهِ كَمَا سَلَفَ بَيَانُهُ وَلِمَا لَزِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ تَرَتَّبَتْ الْغَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ عَلَى أَشْيَاءَ لَيْسَ بَيْنَهَا تَنَاسُبٌ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَ عِلْمِ تِلْكَ الْغَايَةِ أَشَارَ إلَى الْتِزَامِ هَذَا اللَّازِمِ وَحَقِّيَّتِهِ، وَإِنْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّ الْمَوْضُوعَ إذَا كَانَتْ أَشْيَاءُ يُشْتَرَطُ تَنَاسُبُهَا فِي ذَاتِيٍّ أَوْ عَرَضِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. فَقَالَ: (وَلُزُومُ التَّنَاسُبِ) بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ عِلْمٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِسَبَبِ أَنَّ الْغَايَةَ الْمَطْلُوبَةَ إنَّمَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا أَمْرٌ (اتِّفَاقِيٌّ) ، وَهُوَ إنْ اتَّفَقَ أَنْ لَا تَتَرَتَّبَ غَايَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا عَلَى أَشْيَاءَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَنَاسِبَةً لَا لُزُومِيٌّ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ إنْ اتَّفَقَ تَرَتُّبُ الْغَايَةِ الْمَطْلُوبَةِ عَلَى أُمُورٍ مُتَنَاسِبَةٍ فَذَاكَ وَكَانَتْ هِيَ الْمَوْضُوعُ (وَلَوْ اتَّفَقَ تَرَتُّبُهَا) أَيْ الْغَايَةِ الْمَطْلُوبَةِ عَلَى أُمُورٍ (مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ تَنَاسُبِهَا (أُهْدِرَ) أَيْ التَّنَاسُبُ مِنْ الِاعْتِبَارِ فِي صِحَّةِ مَوْضُوعِيَّةِ تِلْكَ الْأُمُورِ حَتَّى كَانَتْ هِيَ الْمَوْضُوعَ لِذَلِكَ الْعِلْمِ الْمُثْمِرِ لِتِلْكَ الْغَايَةِ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمَّا قَرَّرَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ وَجْهَ تَمَايُزِ الْعُلُومِ بِحَسَبِ تَمَايُزِ الْمَوْضُوعَاتِ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمُتَدَاوَلِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ قَالَ: وَهَذَا أَمْرٌ اسْتَحْسَنُوهُ فِي التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ، وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ عَقْلِيًّا مِنْ أَنْ تُعَدَّ كُلُّ مَسْأَلَةٍ عِلْمًا بِرَأْسِهِ، وَتُفْرَدَ بِالتَّدْوِينِ وَلَا مِنْ أَنْ تُعَدَّ مَسَائِلُ غَيْرِ مُتَشَارِكَةٍ فِي مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَنَاسِبَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَوْ لَا عِلْمًا وَاحِدًا وَتُفْرَدَ بِالتَّدْوِينِ (وَبِحَسَبِ اتِّفَاقِ التَّرَتُّبِ) أَيْ تَرَتُّبِ الْغَايَاتِ عَلَى مَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ شَيْءٍ أَوْ أَشْيَاءَ (كَانَتْ) الْعُلُومُ (مُتَبَايِنَةً) إذَا تَبَايَنَتْ مَوْضُوعَاتُهَا (، وَمُتَدَاخِلَةً) إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْضُوعِينَ خُصُوصٌ وَعُمُومٌ فَيَكُونُ الْأَخَصُّ دَاخِلًا تَحْتَ الْأَعَمِّ كَعِلْمَيْ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ (إلَّا فِي لُزُومِ عُرُوضِ عَارِضِ الْمُبَايِنِ لِلْآخَرِ فِي الْبَحْثِ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْعِلْمَانِ مُتَبَايِنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعَاهُمَا مُتَبَايِنَيْنِ أَيْ بَلْ نَقُولُ (فَتَتَدَاخَلُ مَعَ التَّبَايُنِ) حِينَئِذٍ الْعُلُومُ الَّتِي مَوْضُوعَاتُهَا مُتَبَايِنَةٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ (لِلْعُمُومِ الِاعْتِبَارِيِّ) فِي ذَلِكَ الْمَوْضُوعِ الْعَارِضِ عَارَضَهُ لِذَلِكَ الْمَوْضُوعُ الْمُبَايِنُ لَهُ فَيَنْدَرِجُ الْعِلْمُ الْعَارِضُ لِمَوْضُوعِهِ ذَلِكَ الْعَارِضُ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ لَهُ تَحْتَ الْعِلْمِ الْخَاصِّ ذَلِكَ الْعَارِضُ بِمَوْضُوعِهِ (كَالْمُوسِيقَى) أَيْ كَعِلْمِ الْمُوسِيقَى بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ، وَهُوَ لَفْظٌ يُونَانِيٌّ مَعْنَاهُ تَأْلِيفُ الْأَلْحَانِ (مَوْضُوعُهُ النَّغَمُ وَيَنْدَرِجُ) عِلْمُ الْمُوسِيقَى (تَحْتَ عِلْمِ الْحِسَابِ، وَمَوْضُوعُهُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ مَوْضُوعَهُ (الْعَدَدُ) ، وَإِنَّمَا انْدَرَجَ عِلْمُ الْمُوسِيقَى تَحْتَ عِلْمِ الْحِسَابِ (مَعَ تَبَايُنِ مَوْضُوعَيْهِمَا كَمَا قِيلَ إذْ كَانَ الْبَحْثُ فِي النَّغَمِ عَنْ النِّسَبِ الْعَدَدِيَّةِ) الْعَارِضَةِ لِلنَّغَمِ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ، وَهِيَ عَارِضٌ خَاصٌّ لِمَوْضُوعِ عِلْمِ الْحِسَابِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِلْمَيْنِ إنَّمَا يَكُونَانِ مُتَبَايِنَيْنِ لَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا تَحْتَ الْآخَرِ بِسَبَبِ تَبَايُنِ مَوْضُوعَيْهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعُ أَحَدِ الْعِلْمَيْنِ مُقَارِنًا لِأَعْرَاضٍ ذَاتِيَّةٍ خَاصَّةٍ بِمَوْضُوعِ الْآخَرِ. أَمَّا إذَا كَانَ مَوْضُوعُ أَحَدِهِمَا مُقَارِنًا لِأَعْرَاضٍ ذَاتِيَّةٍ خَاصَّةٍ بِمَوْضُوعِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَدْخُلُ الْعِلْمُ الْمُقَارِنُ مَوْضُوعُهُ ذَلِكَ تَحْتَ ذَلِكَ الْعِلْمِ الْآخَرِ كَمَوْضُوعِ

الأمر الثالث المقدمات المنطقية مباحث النظر

الْمُوسِيقَى وَالْحِسَابِ فَإِنَّ مَوْضُوعَ الْمُوسِيقَى النَّغَمُ مِنْ حَيْثُ يَعْرِضُ لَهَا نِسَبٌ عَدَدِيَّةٌ مُقْتَضِيَةٌ لِلتَّأْلِيفِ أَيْ لِتَأْلِيفِ النِّسَبِ وَالنَّغَمِ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْمَسْمُوعَةِ فَلَوْلَا هَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ لَكَانَ جُزْءًا مِنْ الطَّبِيعِيِّ لَكِنْ النِّسَبُ الْعَدَدِيَّةُ أَعْرَاضٌ خَاصَّةٌ لِلْعَدَدِ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعُ عِلْمِ الْحِسَابِ فَيَكُونُ عِلْمُ الْمُوسِيقَى تَحْتَ عِلْمِ الْحِسَابِ مَعَ تَبَايُنِ مَوْضُوعَيْهِمَا؛ لِأَنَّ النَّغَمَ إذَا بُحِثَ فِيهَا عَنْ النِّسَبِ الْعَدَدِيَّةِ فَلَا بُدَّ، وَأَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا ضَرْبٌ مِنْ التَّعَدُّدِ فَكَأَنَّهَا فَرَضَتْ عَدَدًا مَخْصُوصًا فَتَنْدَرِجُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَحْتَ الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعُ عِلْمِ الْحِسَابِ فَظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَذْكُورَ مِنْ قَوْلِهِ كَانَتْ مُتَبَايِنَةً، وَأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهُ عَنْ مُتَدَاخِلَةٍ لِيَتَّصِلَ الِاسْتِثْنَاءُ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَأَنَّ قَوْلَهُ لِلْآخَرِ مُتَعَلِّقٌ بِعُرُوضٍ لَا بِالْمُبَايِنِ. ثُمَّ جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْعُلُومَ إمَّا مُتَدَاخِلَةٌ أَوْ مُتَنَاسِبَةٌ أَوْ مُتَبَايِنَةٌ، وَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِتَدَاخُلِ مَوْضُوعَاتِهَا وَتَنَاسُبِهَا وَتَبَايُنِهَا فَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَاتُهَا مُتَدَاخِلَةً بِأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ أَحَدِ الْعِلْمَيْنِ أَعَمَّ مِنْ مَوْضُوعِ الْعِلْمِ الْآخَرِ أَوْ مَوْضُوعُ أَحَدِهِمَا مِنْ حَيْثُ يُقَارِنُ أَعْرَاضًا خَاصَّةً بِمَوْضُوعِ الْآخَرِ سُمِّيَتْ الْعُلُومُ مُتَدَاخِلَةٌ وَسُمِّيَ الْعِلْمُ الْخَاصُّ مَوْضُوعًا تَحْتَ الْعِلْمِ الْعَامِّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَوْضُوعَاتُ مُتَدَاخِلَةً فَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَكِنْ تَتَعَدَّدُ بِالِاعْتِبَارِ أَوْ كَانَتْ أَشْيَاءَ لَكِنَّهَا تَشْتَرِكُ فِي الْبَحْثِ أَوْ تَنْدَرِجُ تَحْتَ جِنْسٍ وَاحِدٍ سُمِّيَتْ مُتَنَاسِبَةٌ، وَإِلَّا فَمُتَبَايِنَةٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ مِنْ الْخَوَاصِّ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْمُصَنِّفِ تَعَقُّبًا لِكَثِيرٍ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَاعْلَمْ أَنَّ إيرَادَهُمْ) فِي أَوَائِلِ الْكُتُبِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعُلُومِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا (كُلًّا مِنْ الْحَدِّ وَالْمَوْضُوعِ وَالْغَايَةِ لِتَحْصِيلِ الْبَصِيرَةِ لَا يَخْلُو عَنْ اسْتِدْرَاكٍ إلَّا مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةُ بِاسْمٍ خَاصٍّ وَلَمْ يُورِدْهُ لِذَلِكَ) ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَنْهُ مِنْ الْحَوَاشِي فَقَالَ اعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَهُمْ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي التَّعْرِيفَ وَالتَّصْدِيقَ بِالْمَوْضُوعِ وَالْغَايَةِ لَا يَخْلُو عَنْ اسْتِدْرَاكٍ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ إنْ أُخِذَ فِيهِ الْمَوْضُوعُ نَحْوَ بَاحِثٍ عَنْ أَحْوَالِ كَذَا أَعْنِي عَنْ إفْرَادِ التَّصْدِيقِ بِالْمَوْضُوعِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ إذْ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ كَذَا لِذَلِكَ الْمَذْكُورِ بِاسْمِهِ هُوَ الْمَبْحُوثُ عَنْ أَحْوَالِهِ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ الْعِلْمِ بِأَنَّ مَوْضُوعَهُ مَاذَا نَعَمْ لَا يَعْلَمُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُسَمَّى لَفْظِ الْمَوْضُوعِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُخِلّ بِالْمَقْصُودِ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْضُوعِ فِي أَوَائِلِ الْعُلُومِ، وَهُوَ حُصُولُ الْبَصِيرَةِ أَوْ مَزِيدُهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَرَتَّبَتْ عَلَى مَعْرِفَةِ خُصُوصِ مَا يُبْحَثُ فِي هَذَا الْعِلْمِ عَنْ أَحْوَالِهِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُسَمًّى بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ فَإِنَّا لَوْ لَمْ نُسَمِّهِ بِخُصُوصِ اسْمٍ سِوَى أَنَّ كَذَا هُوَ الْمَبْحُوثُ عَنْ أَحْوَالِهِ فِي الْعِلْمِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ. وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ فِي التَّعْرِيفِ الْمَوْضُوعُ اسْتَلْزَمَ مَعْرِفَةَ غَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُمَيِّزِ، وَهُوَ فِي رَسْمِ مَفْهُومِ الْعِلْمِ لَيْسَ إلَّا حَيْثِيَّةُ الْغَايَةِ كَتَعْرِيفِ الْمَوَاقِفِ عِلْمٌ يُقْتَدَرُ مَعَهُ عَلَى إثْبَاتِ الْعَقَائِدِ فَإِنَّ مَلَكَةَ إثْبَاتِهَا هِيَ الْغَايَةُ الْمَقْصُودَةُ أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَ يُقَالُ غَايَتُهُ التَّرَقِّي مِنْ التَّقْلِيدِ إلَى الْإِيقَانِ بِالْعَقَائِدِ، وَقَمْعُ الْمُبْطِلِينَ وَالدَّرَجَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ غَايَةُ الْغَايَةِ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ غَايَةُ أُصُولِ الْفِقْهِ حُصُولُ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ مَعَ أَنَّهُ يَتَأَتَّى فِيهِ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا هُوَ الْغَايَةُ ابْتِدَاءً فَالْعِلْمُ بِهِ لَازِمُ الْعِلْمِ بِالْغَايَةِ الْأُولَى إذْ يَلْزَمُ كَوْنُهُ ذَا مَلَكَةٍ إثْبَاتَ الْعَقَائِدِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ تَعْرِيفَ الْعِلْمِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْضُوعِ، وَهُوَ حَدُّهُ لَا حَاجَةَ مَعَهُ فِي تَحْصِيلِ الْبَصِيرَةِ الْكَائِنَةِ فِي تَصَوُّرِ الْمَوْضُوعِ إلَى إفْرَادِ تَصْدِيقٍ بِهِ، وَمَعَ رَسْمِهِ لَا حَاجَةَ فِي تَحْصِيلِ الْبَصِيرَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ مَعْرِفَةِ غَايَتِهِ إلَى إفْرَادِ تَصْدِيقٍ بِهَا نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا فِي إفَادَةِ لَفْظٍ اصْطِلَاحِيٍّ هُوَ اسْمُ الْمَوْضُوعِ وَالْغَايَةِ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّمُوا ذِكْرَهُ لِهَذَا الْغَرَضِ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِيَزْدَادَ جِدُّ الطَّالِبِ فِي الْغَايَةِ اهـ. نَعَمْ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ لِلْمُحَقِّقِ الشَّرِيفِ وَاعْلَمْ أَنَّ الِامْتِيَازَ الْحَاصِلَ لِلطَّالِبِ بِالْمَوْضُوعِ إنَّمَا هُوَ لِلْمَعْلُومَاتِ بِالْأَصَالَةِ وَلِلْعُلُومِ بِالتَّبَعِ وَالْحَاصِلُ بِالتَّعْرِيفِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ إنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْعِلْمِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْمَعْلُومِ فَالْفَرْقُ أَنَّهُ قَدْ يُلَاحَظُ الْمَوْضُوعُ فِي التَّعْرِيفِ كَمَا فِي تَعْرِيفِ الْكَلَامِ إنْ جُعِلَ تَعْرِيفًا لِمَعْلُومِهِ، وَهُوَ غَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا فِي هَذَا الَّذِي أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ. [الْأَمْر الثَّالِثُ الْمُقَدِّمَاتُ الْمَنْطِقِيَّةُ مَبَاحِثُ النَّظَرِ] الْأَمْرُ

(الثَّالِثُ) مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي مُقَدِّمَةُ هَذَا الْكِتَابِ عِبَارَةٌ عَنْهَا (الْمُقَدِّمَاتُ الْمَنْطِقِيَّةُ) وَنَسَبَهَا إلَى الْمَنْطِقِ؛ لِأَنَّهَا مِنْهُ، وَقَوْلُهُ (مَبَاحِثُ النَّظَرِ) عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْهَا (وَتَسْمِيَةُ جَمْعٍ) مِنْ الْأُصُولِيِّينَ كَالْآمِدِيِّ، وَمَنْ تَابَعَهُ (لَهَا) أَيْ لِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ (مَبَادِئُ كَلَامِيَّةٌ بَعِيدٌ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ ظَاهِرًا، وَعِلْمُ الْكَلَامِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَا (بَلْ الْكَلَامُ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ (كَغَيْرِهِ) مِنْ الْعُلُومُ الْكَسْبِيَّةِ فِي الْحَاجَةِ إلَيْهَا (لِاسْتِوَاءِ نِسْبَتِهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ (إلَى كُلِّ الْعُلُومِ) الْكَسْبِيَّةِ فِي كَوْنِهَا آلَةً لَهَا (وَهُوَ) أَيْ بَيَانُ الِاسْتِوَاءِ الْمَذْكُورِ (أَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ (لَمَّا كَانَ الْبَحْثُ) عَرَضًا (ذَاتِيًّا لِلْعُلُومِ) لِعُرُوضِهِ لَهَا بِلَا وَسَطٍ فِي الثُّبُوتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَهُوَ) أَيْ الْبَحْثُ (الْحَمْلُ بِالدَّلِيلِ) ، وَهَذَا أَوْجَزُ مَا قِيلَ فِي تَعْرِيفِهِ مَعَ الْجَمْعِ وَالْمَنْعِ (وَصِحَّتُهُ) أَيْ الدَّلِيلُ (بِصِحَّةِ النَّظَرِ، وَفَسَادُهُ بِهِ) أَيْ، وَفَسَادُ الدَّلِيلِ بِفَسَادِ النَّظَرِ كَمَا سَيَظْهَرُ (وَجَبَ التَّمْيِيزُ) بَيْنَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ وَالنَّظَرِ الْفَاسِدِ (لِيَعْلَمَ) بِمَعْرِفَتِهِمَا (خَطَأَ الْمَطَالِبِ وَصَوَابَهَا) فَإِنَّ خَطَأَهَا مِنْ فَسَادِ دَلِيلِهَا النَّاشِئِ عَنْ فَسَادِ النَّظَرِ وَصَوَابَهَا عَنْ صِحَّةِ دَلِيلِهَا النَّاشِئِ عَنْ صِحَّةِ النَّظَرِ. فَإِذَا عُرِفَ حَالُ النَّظَرِ عُرِفَ حَالُ الدَّلِيلِ، وَإِذَا عُرِفَ حَالُ الدَّلِيلِ عُرِفَ حَالُ مَا أَدَّى إلَيْهِ فَإِذًا لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ كُلٍّ مِنْ النَّظَرِ، وَقِسْمَيْهِ وَالدَّلِيلِ وَمَا يُفِيدُهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ حَالِ الْمَطْلُوبِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْمَطَالِبِ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ الْكَلَامِيَّةِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَجَعْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ مَبَادِئَ كَلَامِيَّةً لِلْأُصُولِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ مَثَلًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى هَذِهِ الْمَبَاحِثِ لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَا مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ الْخَاصَّةِ بَلْ هِيَ مُقَدِّمَةُ الْعُلُومِ كُلِّهَا، وَحَاجَةُ جَمِيعِ الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ إلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ كَحَاجَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ اهـ. نَعَمْ لَا بَأْسَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ إثْبَاتَ مَسَائِلِ الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ مُحْتَاجٌ إلَى دَلَائِلَ وَتَعْرِيفَاتٍ مُعَيَّنَةٍ، وَالْعِلْمُ بِكَوْنِهَا مُوصِلَةً إلَى الْمَقْصُودِ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْمَبَاحِثِ الْمَنْطِقِيَّةِ أَوْ يَتَقَوَّى بِهَا فَهِيَ تَحْتَاجُ إلَيْهَا تِلْكَ الْعُلُومِ وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنْهَا بَلْ هِيَ عِلْمٌ عَلَى حِيَالِهَا، وَعِلْمُ الْكَلَامِ لَمَّا كَانَ رَئِيسَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمُقَدَّمًا عَلَيْهَا انْتَسَبَتْ إلَيْهِ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا فَعُدَّتْ مَبَادِئَ كَلَامِيَّةٍ لِلْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ. فَإِنَّ حَاصِلَ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةِ لَيْسَتْ لِلتَّخْصِيصِ بَلْ لِاتِّفَاقِ سَبْقِ وُقُوعِهَا مَبَادِئَ لِلْكَلَامِ لِتَقَدُّمِهِ فِي الِاعْتِبَارِ وَالشَّرَفِ عَلَى مَا سِوَاهُ وَالشَّيْءُ يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ، وَحَيْثُ يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ثُمَّ نَقُولُ اسْتِطْرَادًا (وَلَيْسَ فِي الْأُصُولِ مِنْ الْكَلَامِ إلَّا مَسْأَلَةُ الْحَاكِمِ) فَإِنَّهَا مِنْ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ (وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ) مَبَاحِثِ (الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ) لِكَوْنِ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى مَا هُوَ مِنْ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ فَتُلْحَقُ بِهَا فِي كَوْنِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْكَلَامِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ هَذَا الْمَذْكُورِ كَمَسْأَلَةِ الْمُجْتَهِدِ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَمَسْأَلَةِ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ، وَمَا ضَاهَاهُمَا. (وَهَذِهِ) الْمَذْكُورَاتُ (مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ) لِهَذَا الْعِلْمِ لَا مِنْهُ (يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى مَعْرِفَتِهَا (زِيَادَةُ بَصِيرَةٍ) لِمَعْرِفَةِ بَعْضِ مَقَاصِدِ هَذَا الْعِلْمِ تُذْكَرُ فِيهِ لِهَذَا الْغَرَضِ وَلَيْسَ ذِكْرُهَا فِي أَثْنَاءِ الْمَقَاصِدِ لِمُنَاسَبَةٍ حَسَّنَتْهُ ثَمَّةَ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ بِمَانِعٍ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْعِلْمِ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ فِي حَدِّهِ وَغَايَتِهِ وَالتَّصْدِيقِ بِمَوْضُوعِهِ بَلْ إذَا وُجِدَ لِهَذِهِ الْأُمُورِ مُشَارِكٌ فِي إفَادَةِ الْبَصِيرَةِ كَانَ مِنْهَا وَسَاغَ ذِكْرُهُ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ فِيهَا ثُمَّ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ مَبَادِئِ هَذَا الْعِلْمِ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ مَا يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ الْمَسَائِلِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ، وَهِيَ مَعْدُودَةٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. (وَتَصِحُّ) أَنْ تَكُونَ (مَبَادِئَ) لَهُ (عَلَى) اصْطِلَاحِ (الْأُصُولِيِّينَ) ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَبَادِئَ عِنْدَهُمْ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْعِلْمِ أَوْ الشُّرُوعُ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ فَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهِ كَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَهِيَ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنْهَا

عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ وَحِينَئِذٍ فَجَعْلُ هَذِهِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ لَا مِنْ الْمَبَادِئِ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ، وَجَعْلُهَا مِنْ الْمَبَادِئِ عَلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ اخْتِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْمَبَادِئِ لَيْسَ إلَّا. (وَلَمَّا انْقَسَمَ) الدَّلِيلُ (إلَى مَا يُفِيدُ عِلْمًا) قَطْعِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِدَلَالَةِ قَسِيمِهِ عَلَيْهِ أَعْنِي قَوْلَهُ (وَظَنًّا مُيِّزَا) أَيْ الْعِلْمُ وَالظَّنُّ بِمَا يُفِيدُ تَصَوُّرَ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ إذْ وَجَبَ التَّمْيِيزُ (وَتَمَامُهُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ تَمَامَ تَمْيِيزِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى مَا يَنْبَغِي قَدْ يَكُونُ أَيْضًا (بِالْمُقَابِلَاتِ) أَيْ بِذِكْرِ الْمُقَابِلَاتِ لِلشَّيْءِ وَذِكْرِ مَعْنَاهَا مَعَ ذِكْرِ ذَلِكَ الْمُمَيِّزِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ أَمَانًا مِنْ وَهْمِ الِاشْتِبَاهِ وَزِيَادَةَ جَلَاءٍ لِبَيَانِ الْمُقَابِلَاتِ وَالْأَشْبَاهِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نَأْتِيَ بِمُمَيِّزِ كُلٍّ ثُمَّ بِالْمُقَابِلَاتِ وَبَيَانِ مَعْنَاهَا، وَمَا لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِالْمَقَامِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى بَيَانِ الدَّلِيلِ، وَمَا يَتْبَعُهُ لِكَوْنِ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ هُمَا الْمَقْصُودَيْنِ بِالذَّاتِ مِنْ الدَّلِيلِ، وَإِنْ كَانَ سَائِغًا تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِمَا، وَمِنْ ثَمَّةَ قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِمَا لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَيْهِمَا، وَالْوَسَائِلُ قَدْ تُقَدَّمُ عَلَى الْمَطَالِبِ. (فَالْعِلْمُ حُكْمٌ لَا يَحْتَمِلُ طَرَفَاهُ نَقِيضَهُ عِنْدَ مَنْ قَامَ بِهِ لِمُوجِبٍ) أَيْ إدْرَاكِ نِسْبَةٍ مُوجَبَةٍ أَوْ سَالِبَةٍ بَيْنَ مَحْكُومٍ وَمَحْكُومٍ عَلَيْهِ لَا يَحْتَمِلَانِ نَقِيضَ ذَلِكَ الْإِدْرَاكِ عِنْدَ الْمُدْرِكِ كَائِنٌ لِمُوجِبٍ فَحُكْمٌ شَامِلٌ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّ وَالْجَهْلِ، وَمَا كَانَ مِنْ اعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ حُكْمًا وَلَا يَحْتَمِلُ طَرَفَاهُ نَقِيضَهُ عِنْدَ مَنْ قَامَ بِهِ أَيْ لَا يُجَوِّزُ الْحَاكِمُ بِهِ تَعَلُّقَ نَقِيضِ ذَلِكَ بِطَرَفَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُخْرِجٌ لِلظَّنِّ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ دَلِيلٍ ظَنِّيٍّ أَوْ تَقْلِيدًا أَوْ جَهْلًا مُرَكَّبًا؛ لِأَنَّ الظَّنَّ حُكْمٌ يَحْتَمِلُ طَرَفَاهُ نَقِيضَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي الْحَالِ أَوْ فِيهِ، وَفِي الْمَآلِ عِنْدَ الظَّانِّ وَلِمُوجِبٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ مِنْ حِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ بُرْهَانٍ أَوْ عَادَةٍ مُخْرِجٌ لِلْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ مُطْلَقًا وَلِاعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ بِمُسْتَنَدِ لِمُوجِبٍ (فَدَخَلَ) تَحْتَ هَذَا الْحَدِّ الْعِلْمُ (الْعَادِيُّ) ، وَهُوَ مَا مُوجِبُهُ الْعَادَةُ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُخْتَارِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ كَعِلْمِنَا بِأَنَّ الْجَبَلَ الَّذِي شَاهَدْنَاهُ فِيمَا مَضَى حَجَرٌ أَنَّهُ فِي حَالِ غَيْبَتِنَا عَنْهُ حَجَرٌ أَيْضًا لَمْ يَنْقَلِبْ ذَهَبًا؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ أَنَّهُ حُكْمٌ لَا يَحْتَمِلُ طَرَفَاهُ نَقِيضَهُ، وَهُوَ الْحُكْمُ بِكَوْنِهِ ذَهَبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِنْدَنَا لِمُوجِبٍ، وَهُوَ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ بِأَنَّ مَا شُوهِدَ حَجَرًا فِي وَقْتٍ فَهُوَ كَذَلِكَ دَائِمًا، وَإِنْ كَانَ كَوْنُ الْجَبَلِ ذَهَبًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ (لِأَنَّ إمْكَانَ كَوْنِ الْجَبَلِ ذَهَبًا) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (لَا يَمْنَعُ الْجَزْمَ بِنَقِيضِهِ) أَيْ كَوْنَ الْجَبَلِ ذَهَبًا، وَهُوَ الْحُكْمُ بِكَوْنِهِ حَجَرًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (عَنْ مُوجِبِهِ) أَيْ هَذَا الْجَزْمِ الْمَذْكُورِ اتِّفَاقًا فَإِنَّ الْإِمْكَانَ الذَّاتِيَّ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ بِالْغَيْرِ فَلَا يُظَنُّ أَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مُنْطَبِقٍ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ جَامِعًا. وَاعْلَمْ أَنَّ جَعْلَ نَقِيضِ كَوْنِ الْجَبَلِ حَجَرًا كَوْنُهُ ذَهَبًا وَبِالْعَكْسِ تَسَامُحٌ مَشْهُورٌ وَافَقْنَاهُمْ فِي التَّقْرِيرِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخَلَلِ فِي الْمَقْصُودِ، وَإِلَّا فَنَقِيضُ كَوْنِ الْجَبَلِ حَجَرًا إنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ غَيْرَ حَجَرٍ وَكَوْنُهُ ذَهَبًا أَخَصُّ مِنْ نَقِيضِهِ وَنَقِيضُ كَوْنِهِ ذَهَبًا كَوْنُهُ غَيْرَ ذَهَبٍ وَكَوْنُهُ حَجَرًا أَخَصُّ مِنْ نَقِيضِهِ هَذَا (وَالْحَقُّ أَنَّ إمْكَانَ خَرْقِ الْعَادَةِ) الْمُوجِبَةِ لِكَوْنِ الْجَبَلِ السَّابِقِ مُشَاهَدَةً حَجَرِيَّتُهُ حَجَرًا بِأَنْ يَصِيرَ ذَهَبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (الْآنَ) أَيْ فِي حَالِ الْغَيْبَةِ عَنْهُ (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْإِمْكَانَ الْمَذْكُورَ (ثَابِتٌ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي حَقِّ الْجَبَلِ، وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَتْ الْعَادَةُ قَابِلَةً لِلِانْخِرَاقِ بِكَرَامَةِ وَلِيٍّ كَمَا تَقْبَلُهُ بِمُعْجِزَةِ نَبِيٍّ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ (يَسْتَلْزِمُ تَجْوِيزَ النَّقِيضَ) ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَهَبًا (الْآنَ) أَيْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (إذَا لُوحِظَ) النَّقِيضُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْإِمْكَانِ وَشُمُولِ قُدْرَةِ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ، وَإِلَّا كَانَ مُمْتَنِعًا امْتِنَاعًا ذَاتِيًّا لَكِنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُمْكِنٌ إمْكَانًا ذَاتِيًّا وَالْإِمْكَانُ الذَّاتِيُّ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ بِالْغَيْرِ لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مُنَافَاتِهِ لِلْوُجُوبِ بِالْغَيْرِ عَدَمُ تَجْوِيزِ النَّقِيضِ إذْ لَيْسَ كُلُّ جَائِزٍ وَاقِعًا فَلَا يَصْدُقُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْعِلْمِ الْعَادِي، وَإِنَّمَا قَيَّدَ كَوْنَ إمْكَانِ خَرْقِ الْعَادَةِ حِينَئِذٍ مُسْتَلْزِمًا لِتَجْوِيزِ النَّقِيضِ حِينَئِذٍ بِمُلَاحَظَةِ النَّقِيضِ، وَقْتَئِذٍ لِتَوَقُّفِ اسْتِلْزَامِ تَجْوِيزِهِ عَلَى مُلَاحَظَتِهِ؛ لِأَنَّ التَّجْوِيزَ فَرْعُ الْمُلَاحَظَةِ حَتَّى يَكُونَ مَذْهُولًا عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ حِينَ آلَ الْأَمْرُ إلَى خُرُوجِ الْعِلْمِ

الْعَادِي مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ يَتَأَتَّى فِيهِ تَجْوِيزُ النَّقِيضِ كَمَا اقْتَضَاهُ هَذَا التَّحْقِيقُ، وَقَدْ فُرِضَ أَنَّ الْقَطْعِيَّ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ (فَالْحَقُّ أَنَّ الْعِلْمَ كَذَلِكَ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَجْوِيزُ النَّقِيضِ أَنْ يُقَالَ (هُوَ مَا) أَيْ حُكْمُ (مُوجِبِهِ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ كَالْعَقْلِ وَالْخَبَرِ الصَّادِقِ) وَالْحِسِّ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ الْمُوجِبَاتِ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ أَصْلًا لِاسْتِحَالَتِهِ عَلَيْهَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَا مُوجِبُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ عَنْ كَوْنِهِ مُوجِبًا لَهُ فَخَرَجَ الْعَادِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ بِخَرْقِهَا كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ مَا قَالُوا أَنَّ مَعْنَى احْتِمَالِ الْعَادِيَاتِ تَجْوِيزُ النَّقِيضِ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ وُقُوعُ ذَلِكَ النَّقِيضِ بَدَلَهَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ مُحَالٌ لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْعَادِيَةَ مُمْكِنَةٌ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَالْمُمْكِنُ لَا يَسْتَلْزِمُ شَيْءٌ مِنْ طَرَفَيْهِ مُحَالًا لِذَاتِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا جَارٍ فِي جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ الْوَاقِعَةِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْعَادِيَةِ، وَأَنَّ مَعْنَى عَدَمِ احْتِمَالِ الْعِلْمِ لِلنَّقِيضِ هُوَ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يُجَوِّزُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَوْنَ الْوَاقِعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ نَقِيضَ ذَلِكَ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُمْكِنَةِ لِامْتِنَاعِ إمْكَانِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ ثُبُوتُهُ فِي الْعُلُومِ الْعَادِيَةِ كَمَا فِي الْعُلُومِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى الْحِسِّ وَغَيْرِهَا فَكَمَا أَنَّهُ إذَا شَاهَدَ حَرَكَةَ زَيْدٍ وَبَيَاضَ جِسْمٍ لَا يُجَوِّزُ الْعَقْلُ أَلْبَتَّةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَوْنَ زَيْدٍ سَاكِنًا وَالْجِسْمِ أَسْوَدَ بَلْ يَقْطَعُ بِأَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ هَذِهِ النِّسْبَةُ لَا غَيْرُ فَالْعِلْمُ الْعَادِي كَذَلِكَ وَيُوَافِقُهُ مَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَقْرِيرِ دَلِيلِ التَّمَانُعِ مِنْ كِتَابِهِ الْمُسَايَرَةِ: أَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ فِي مَفْهُومِ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ اسْتِحَالَةُ النَّقِيضِ بَلْ مُجَرَّدُ الْجَزْمِ عَنْ مُوجِبٍ بِأَنَّ الْآخَرَ هُوَ الْوَاقِعُ، وَإِنْ كَانَ نَقِيضُهُ لَمْ يَسْتَحِلْ وُقُوعُهُ اهـ. فَإِذَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ نَعْلَمَ كَوْنَ الْجَبَلِ حَجَرًا مُشَاهَدَةً وَبَيْنَ أَنْ نَعْلَمَ ذَلِكَ عَادَةً فِي التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ وَنَفْيُ الِاحْتِمَالِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ الْحَقُّ أَنْ يُقَالَ مَا مُوجِبُهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ نَعَمْ الْعِلْمُ بِالْأُمُورِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ النَّسْخَ لِذَاتِهَا كَالْعِلْمِ بِوُجُوبِ وُجُودِ الْوَاجِبِ لِذَاتِهِ وَبِامْتِنَاعِ شَرِيكِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا التَّجْوِيزُ الْعَقْلِيُّ لِلنَّقِيضِ لَكِنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ نَفْيُ كِلَيْهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ فِي الْقَطْعِيِّ نَفْيُ كِلَيْهِمَا لَأَدَّى إلَى انْحِصَارِ الْقَطْعِيِّ اصْطِلَاحًا فِي الْعِلْمِ بِالْوَاجِبِ وَالْمُمْتَنِعِ لِذَاتَيْهِمَا لَا غَيْرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا كَمَا يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمُصَنِّفِ آنِفًا بَلْ قَدْ ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ يَسْتَعْمِلُونَ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ فِي مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ أَصْلًا كَالْمُحْكَمِ وَالْمُتَوَاتِرِ وَالثَّانِي مَا يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ النَّاشِئَ عَنْ دَلِيلٍ كَالظَّاهِرِ وَالنَّصِّ وَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ مَثَلًا، وَالْأَوَّلُ يُسَمُّونَهُ عِلْمَ الْيَقِينِ وَالثَّانِي عِلْمَ الطُّمَأْنِينَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَالظَّنُّ حُكْمٌ يَحْتَمِلُهُ) أَيْ يَحْتَمِلُ مُتَعَلَّقُهُ الَّذِي هُوَ طَرَفَاهُ نَقِيضَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ احْتِمَالًا (مَرْجُوحًا) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ خَطَرَ بِالْبَالِ لَحَكَمَ بِإِمْكَانِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فَهُوَ صَادِقٌ، وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِبٌ، وَهُوَ صِنْفٌ مِنْ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا وَنُوَافِقُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِمَا يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا يُسَمَّى الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ ظَنَّا إذَا لَمْ يَأْخُذْ الْقَلْبُ بِالرَّاجِحِ وَلَمْ يَطْرَحْ الْآخَرَ أَمَّا إذَا عَقَدَ الْقَلْبُ عَلَى الرَّاجِحِ وَتَرَكَ الْمَرْجُوحَ يُسَمَّى الرَّاجِحُ أَكْبَرَ الظَّنِّ وَغَالِبَ الرَّأْيِ، وَهُوَ غَرِيبٌ بَلْ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الظَّنَّ هُوَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ أَخَذَ الْقَلْبُ بِهِ وَطَرَحَ الْمَرْجُوحَ أَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ وَلَمْ يَطْرَحْ الْآخَرُونَ، وَأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ زِيَادَةٌ عَلَى أَصْلِ الرُّجْحَانِ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْجَزْمُ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ (وَهُوَ) أَيْ وَالِاحْتِمَالُ الْمَرْجُوحُ أَيْ مُلَاحَظَتُهُ هُوَ (الْوَهْمُ) . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ حَافِظَ الدِّينِ النَّسَفِيَّ ذَكَرَ فِي أَوَائِلِ كَشْفِ الْأَسْرَارِ تَقْسِيمًا يَخْرُجُ مِنْهُ تَفْسِيرُ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى تَعَقُّبِ أُمُورٍ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ نَسُوقَهُ لِيُعْلَمَ مَا هُوَ مَحَلُّ التَّعَقُّبِ مِنْهُ عِنْدَ تَعَرُّضِ الْمُصَنِّفِ لَهُ، وَإِذَا أَحَلْنَا عَلَيْهِ تَقَعُ حَوَالَتُنَا عَلَيْهِ رَائِجَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الذِّهْنِ بِأَمْرٍ عَلَى آخَرَ إنْ كَانَ جَازِمًا فَجَهْلٌ إنْ لَمْ يُطَابِقْ وَتَقْلِيدٌ إنْ طَابَقَ وَلَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ، وَعِلْمٌ لَوْ كَانَ لِمُوجِبٍ عَقْلِيٍّ أَوْ حِسِّيٍّ أَوْ مُرَكَّبٍ مِنْهُمَا فَالْأَوَّلُ بَدِيهِيٌّ

إنْ كَفَى تَصَوُّرُ طَرَفَيْهِ لِحُصُولِهِ، وَإِلَّا فِكْرِيٌّ وَالثَّانِي عِلْمٌ بِالْمَحْسُوسَاتِ وَالثَّالِثُ بِالْمُتَوَاتِرَاتِ وَالْحَدْسِيَّاتِ وَالْمُجَرَّبَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازِمًا فَشَكٌّ إنْ تَسَاوَى طَرَفَاهُ، وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ ظَنٌّ، وَالْمَرْجُوحُ وَهْمٌ اهـ. فَصَرَّحَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّكِّ وَالْوَهْمِ حُكْمٌ كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مُعَرِّضًا بِهِ (وَلَا حُكْمَ فِيهِ) أَيْ الْوَهْمِ (لِاسْتِحَالَتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (بِالنَّقِيضِينَ) لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْحُكْمِ بِالطَّرَفِ الرَّاجِحِ مَعَ الْحُكْمِ بِالطَّرَفِ الْمَرْجُوحِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرَاتِ السَّاذَجَةِ (وَالشَّكُّ عَدَمُ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ) نَفْيًا، وَإِثْبَاتًا لِشَيْءٍ (بَعْدَ الشُّعُورِ) بِذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَعْرِضُ لِنِسْبَةِ ذَيْنِك الطَّرَفَيْنِ بَعْدَ تَصَوُّرِهِمَا، وَتَصَوُّرُهَا التَّصَوُّرُ السَّاذَجُ وَالشُّعُورُ أَوَّلُ مَرَاتِبِ وُصُولِ النَّفْسِ إلَى الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ وُقُوفٍ عَلَى تَمَامِهِ، وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (لِلتَّسَاوِي) أَيْ لِكَوْنِ مُتَعَلَّقِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ عِنْدَ مَنْ بِحَيْثُ يَحْكُمُ، وَهُوَ الْمُتَصَوِّرُ الْمَذْكُورُ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ بَعْدَ الشُّعُورِ مِنْ بَابِ التَّصْرِيحِ بِاللَّازِمِ إيضَاحًا، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ (فَيَخْرُجُ) عَنْ الشَّكِّ بِوَاسِطَةِ لُزُومِ الشُّعُورِ الْمَذْكُورِ لَهُ (أَحَدُ قِسْمَيْ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ) ، وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ مَعَ عَدَمِ الشُّعُورِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا فَإِنَّ مِنْ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ مَا يَكُونُ كَذَلِكَ كَمَا فِي خَالِي الذِّهْنِ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الْآخَرُ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ هَذَا فَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ بِالشَّيْءِ مَعَ الشُّعُورِ بِالْحُكْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَاصَدَقَاتِهِ إنَّمَا هِيَ الشَّكُّ وَالْوَهْمُ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ بِالشَّيْءِ مَعَ الشُّعُورِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَشْعُورُ بِهِ طَرَفَاهُ سَوَاءٌ أَوْ مَرْجُوحًا بِالنِّسْبَةِ إلَى طَرَفِهِ الْآخَرِ فَيَخْرُجُ حِينَئِذٍ بِاشْتِرَاطِ التَّسَاوِي أَحَدُ فَرْدَيْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا، وَهُوَ الْوَهْمُ. هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا قَسِيمَ لِلْجَهْلِ الْبَسِيطِ وَرَاءَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَهُوَ خِلَافُ صَرِيحِهِمْ وَإِشَارَتِهِمْ، فَقَدْ عَرَّفُوهُ كَمَا فِي الْمَوَاقِفِ وَغَيْرِهِ بِعَدَمِ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: وَالْجَهْلُ الْبَسِيطُ يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْعِلْمِ لِذَاتَيْهِمَا فَيَكُونُ ضِدًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صِفَةَ إثْبَاتٍ وَلَيْسَ الْجَهْلُ الْبَسِيطُ ضِدَّ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ وَلَا لِلشَّكِّ وَلَا لِلظَّنِّ وَلَا النَّظَرِ بَلْ يُجَامِعُ كُلًّا مِنْهُمَا لَكِنَّهُ يُضَادُّ النَّوْمَ وَالْغَفْلَةَ وَالْمَوْتَ؛ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ الْعِلْمُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَأَخَوَاتِهِ. وَأَمَّا الْعِلْمُ فَإِنَّهُ يُضَادُّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ قِسْمَانِ يَتَنَاوَلُهُمَا جِنْسُ الشَّكِّ أَعْنِي الْحُكْمَ بِشَيْءٍ ثُمَّ مِنْهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَا يَنْطَبِقُ تَعْرِيفُ الشَّكِّ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَمِنْهُمَا مَا يَنْطَبِقُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَقِسْمَانِ لَا يَتَنَاوَلُهُمَا جِنْسُ الشَّكِّ أَصْلًا، وَهُمَا كُلٌّ مِنْ الْحُكْمِ الْجَازِمِ الْغَيْرِ الْمُطَابِقِ وَالْحُكْمِ الرَّاجِحِ الْغَيْرِ الْمُطَابِقِ إذَا لَمْ يَقْتَرِنَا بِاعْتِقَادِ كَوْنِهِمَا فِي الْوَاقِعِ كَذَلِكَ تَوَفَّرَتْ الْعِنَايَةُ عَلَى التَّنْبِيهِ عَلَى خُرُوجِ ذَلِكَ الْقِسْمِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الْجِنْسِ الْمُرْتَفِعِ عَنْ انْطِبَاقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى خُرُوجِ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرِينَ لِلْعِلْمِ بِخُرُوجِهِمَا بِمَعْنَى عَدَمِ دُخُولِهِمَا أَصْلًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَخَرَجَ بَعْضُ أَقْسَامِ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ لِيَتَنَاوَلَ الْوَهْمَ كَمَا ذَكَرْنَا. (وَالْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ الْحُكْمُ غَيْرُ الْمُطَابِقِ) لِلْوَاقِعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ مَعَ اعْتِقَادِ مُطَابَقَتِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ غَيْرَ مَانِعٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْبَسِيطِ فَإِنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ الْمُطَابِقِ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِاعْتِقَادِ مُطَابَقَتِهِ جَهْلٌ بَسِيطٌ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِمْ إيَّاهُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا عَلَيْهِ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الْجَازِمِ الثَّابِتُ الْمُطَابِقُ وَكَمَا يَصْدُقُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِهَذَا الْمَعْنَى بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ يَصْدُقُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِهَا. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ دَعْوَى الْآمِدِيِّ أَنَّ الْبَسِيطَ يُجَامِعُ الْمُرَكَّبَ مَمْنُوعَةٌ لِلْمُعَانَدَةِ بَيْنَهُمَا فِي جُزْءِ الْمَفْهُومِ (وَلَمْ نَشْرِطْ) نَحْنُ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ جِنْسُ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ (جَزْمًا) كَمَا شَرَطَهُ فِي الْمَوَاقِفِ حَيْثُ قَالَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِقَادِ جَازِمٍ غَيْرِ مُطَابِقٍ، وَمَشَى

عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ (لِأَنَّ الظَّنَّ الْمُطَابِقَ لَيْسَ سِوَاهُ) أَيْ الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ وَالْجَزْمُ مُخْرِجٌ لَهُ فَلَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ جَامِعًا لَكِنْ قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الظَّنُّ غَيْرُ الْمُطَابِقِ جَهْلًا مُرَكَّبًا إذَا اعْتَقَدَ مُطَابَقَتَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ بَسِيطٌ وَبِهَذَا تَعْرِفُ أَنَّ مَا فِي الْكَشْفِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الذِّهْنِ بِأَمْرٍ عَلَى أَمْرٍ إنْ كَانَ جَازِمًا فَجَهْلٌ إنْ لَمْ يُطَابِقْ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ بَعْضِ مَاصَدَقَاتِ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ اللَّائِقَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْمَوَاقِفِ تَعْرِيفًا لِلْجَهْلِ الْبَسِيطِ تَعْرِيفًا لِمُطْلَقِ الْجَهْلِ الصَّادِقِ عَلَى الْبَسِيطِ وَالْمُرَكَّبِ، وَأَمَّا هُمَا فَمَا ذَكَرْنَا فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّلْوِيحِ، وَهُوَ أَيْ الْجَهْلُ عَدَمُ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ فَإِنْ قَارَنَ اعْتِقَادَ النَّقِيضِ فَمُرَكَّبٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالشُّعُورِ بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ، وَإِلَّا فَبَسِيطٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الشُّعُورِ اهـ. ثُمَّ إنَّمَا سُمِّيَ الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ مُرَكَّبًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ اعْتِقَادَ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ جَهْلٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَاعْتِقَادُهُ أَنَّهُ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ جَهْلٌ آخَرُ فَقَدْ تَرَكَّبَا مَعًا، وَقَدْ يَتَرَكَّبُ مِنْ ثَلَاثَةٍ كَقَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ وَمِنْ جَاهِلٍ بِي وَهُوَ يَجْهَلُ جَهْلَهُ ... وَيَجْهَلُ عِلْمِي أَنَّهُ بِي جَاهِلُ (وَأَمَّا التَّقْلِيدُ فَلَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ ظَنٌّ فَضْلًا عَنْ الْجَزْمِ كَمَا قِيلَ) ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ قَائِلَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ كَمَا سَيَأْتِي هُوَ الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ بِلَا حُجَّةٍ مِنْهَا فَأَيْنَ الظَّنُّ فَضْلًا عَنْ الْجَزْمِ (بَلْ قَدْ يَقْدِرُ) الْمُقَلِّدُ (عَلَيْهِ) أَيْ ظَنِّ مَا قَلَّدَ فِيهِ أَيْ عَلَى اكْتِسَابِ ظَنٍّ بِهِ (إذَا كَانَ الْمُقَلِّدُ قَرِيبًا) مِنْ مَرْتَبَةِ الِاجْتِهَادِ لِوُجُودِ أَهْلِيَّتِهِ فِي الْجُمْلَةِ لِاكْتِسَابِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّهُ بَعْدَ فَرْضِ أَنَّهُ قَلَّدَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا تُخْرِجُهُ هَذِهِ الْحَالَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْوَاقِعَةِ عَنْ كَوْنِهِ مُقَلِّدًا كَمَا فِي غَيْرِهَا مِمَّا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى ظَنِّ حُكْمِ مَا قَلَّدَ فِيهِ غَيْرَهُ (وَقَدْ لَا) يَقْدِرُ الْمُقَلِّدُ مُطْلَقًا عَلَى اكْتِسَابِ ذَلِكَ أَمَّا الْقَرِيبُ فَلِتَعَارُضِ الْأَمَارَاتِ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْبَعِيدُ فَلِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ لِاكْتِسَابِهِ مِنْ الدَّلِيلِ (وَغَايَتُهُ إذَا) أَيْ وَغَايَةُ الْمُقَلِّدِ إذَا قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ حَالَةَ كَوْنِهِ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى اكْتِسَابِ جَزْمٍ أَوْ ظَنٍّ بِذَلِكَ الْحُكْمِ مِنْ الدَّلِيلِ (حَسَّنَ ظَنَّهُ) أَيْ الْمُقَلِّدُ (بِمُقَلَّدِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ عَنْ هَوًى، وَإِنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ بَعْدَ إفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ وَلَا بِدْعَ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ. (وَقَدْ يَكُونُ) أَيْ يُوجَدُ التَّقْلِيدُ لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ (وَلَا ظَنَّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنْ لَا ظَنَّ عِنْدَ الْمُقَلِّدِ لِلْحُكْمِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مُقَلَّدُهُ أَصْلًا بَلْ قَدْ يُقَلِّدُهُ (مَعَ عِلْمِهِ) أَيْ الْمُقَلِّدُ (أَنَّهُ) أَيْ مُقَلَّدَهُ (مَفْضُولٌ) فِيمَا قَلَّدَهُ فِيهِ وَيَقْدُمُ عَلَى تَقْلِيدِهِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِكَوْنِهِ مُسْقِطًا لِلْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ شَيْءٌ، وَقَعَ فِي الْبَيْنِ فَلْنُرْجِعْ النَّظَرَ إلَى تَعْرِيفَيْ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ الْمَذْكُورَيْنِ فَنَقُولُ (وَخَرَجَ التَّصَوُّرُ مِنْ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ) بِوَاسِطَةِ جَعْلِ الْجِنْسِ فِيهِمَا الْحُكْمُ، وَهَذَا يُفِيدُك أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَدْخُلْ التَّصَوُّرُ بِأَقْسَامِهِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْخُرُوجِ بِالدُّخُولِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَا ضَيْرَ فِي كَوْنِ الْخُرُوجِ مُرَادًا بِهِ الْمَنْعُ مِنْ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنَى مَجَازٌ مَشْهُورٌ ثُمَّ هَذَا الْخُرُوجُ (عَلَى الْأَكْثَرِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْعِلْمَ وَالظَّنَّ مِنْ بَابِ التَّصْدِيقِ (اصْطِلَاحًا) مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ (لَا لِاعْتِبَارِ الْمُوجِبِ) أَيْ لَا أَنَّهُ إنَّمَا خَرَجَ التَّصَوُّرُ عَنْ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ لِذِكْرِ الْمُوجِبِ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقْتَضٍ لِذَلِكَ. (وَيُقَالُ) فِي تَعْرِيفِ الْعِلْمِ أَيْضًا (صِفَةٌ تُوجِبُ تَمْيِيزًا لَا يَحْتَمِلُ) النَّقِيضَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مَعَ شُهْرَتِهِ، وَهَذَا مَعْزُوٌّ إلَى الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورِ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ أَصَحُّ الْحُدُودِ، وَفِي الْمَوَاقِفِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَصِفَةٌ أَيْ مَعْنًى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ يَتَنَاوَلُ الْعِلْمَ وَغَيْرَهُ وَتُوجِبُ أَيْ تَسْتَعْقِبُ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى عَادَةً لِمَحَلِّهَا الَّذِي يَتَّصِفُ بِهَا، وَهُوَ النَّفْسُ تَمْيِيزًا بَيْنَ الْأُمُورِ يُخْرِجُ الصِّفَاتِ الَّتِي تُوجِبُ لِمَحَلِّهَا تَمْيِيزًا عَلَى الْغَيْرِ لَا تَمْيِيزًا، وَهُوَ مَا عَدَا الْإِدْرَاكَاتِ مِنْ الصِّفَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ كَالشَّجَاعَةِ وَغَيْرِ النَّفْسَانِيَّةِ كَالسَّوَادِ مَثَلًا فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تُوجِبُ لِمَحَالِّهَا تَمْيِيزًا عَنْ غَيْرِهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الشُّجَاعَ بِشَجَاعَتِهِ مُمْتَازٌ عَنْ

الْجَبَانِ، وَالْأَسْوَدُ بِسَوَادِهِ مُمْتَازٌ عَنْ الْأَبْيَضِ، وَأَمَّا الْإِدْرَاكَاتُ فَإِنَّهَا تُوجِبُ لِمَحَالِّهَا تَمَيُّزًا عَنْ غَيْرِهَا عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ، وَتُوجِبُ لَهَا أَيْضًا تَمْيِيزًا لِمُدْرَكَاتِهَا عَمَّا عَدَاهَا أَيْ تَجْعَلُهَا بِحَيْثُ تُلَاحَظُ مُدْرَكَاتُهَا وَتَمَيُّزُهَا عَمَّا سِوَاهَا فَظَهَرَ أَنَّ مَعْنَى الْإِيجَابِ مَا يُصَحِّحُ قَوْلَنَا إذَا وُجِدَ وُجِدَ وَلَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ أَيْ لَا يَحْتَمِلُ مُتَعَلَّقُ التَّمْيِيزِ نَقِيضَ ذَلِكَ التَّمْيِيزِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِطُرُوِّ نَقِيضِ هَذَا التَّمْيِيزِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يُطَابِقُ الْوَاقِعَ يُخْرِجُ الصِّفَاتِ الْإِدْرَاكِيَّةِ الَّتِي تُوجِبُ لِمَحَلِّهَا تَمْيِيزًا يَحْتَمِلُ مُتَعَلَّقُهُ نَقِيضَهُ كَالظَّنِّ وَالشَّكِّ وَالْوَهْمِ فَإِنَّ مُتَعَلَّقَ التَّمْيِيزِ الْحَاصِلِ فِيهَا يَحْتَمِلُ نَقِيضَهُ بِلَا خَفَاءٍ، وَالْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطَّلِعَ صَاحِبُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى مَا فِي الْوَاقِعِ فَيَزُولُ عَنْهُ مَا حُكِمَ بِهِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ إلَى نَقِيضِهِ، وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْجَهْلَ الْمُرَكَّبَ لَيْسَ بِتَمْيِيزٍ اهـ. وَالتَّقْلِيدُ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِالتَّشْكِيكِ، وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ بَلْ رُبَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّقِيضِ جَزْمًا، وَمُحَصَّلُ هَذَا كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ أَنَّ الْعِلْمَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِمَحَلِّ مُتَعَلَّقِهِ بِشَيْءٍ تُوجِبُ تِلْكَ الصِّفَةُ إيجَابًا عَادِيًا كَوْنُ مَحَلِّهَا مُمَيِّزًا لِلْمُتَعَلَّقِ تَمْيِيزًا لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ الْمُتَعَلَّقِ نَقِيضَ ذَلِكَ التَّمْيِيزِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ الْعَالِمُ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ الْمُتَفَرِّعَ عَلَى الصِّفَةِ إنَّمَا هُوَ لَهُ لَا لِلصِّفَةِ وَلَا شَكَّ أَنْ تَمْيِيزَهُ إنَّمَا هُوَ لِشَيْءٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ تِلْكَ الصِّفَةُ وَالتَّمْيِيزُ وَذَلِكَ الشَّيْءِ هُوَ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ اهـ. لَكِنْ عَلَى هَذَا لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّجَوُّزِ بِالتَّمْيِيزِ عَنْ مُتَعَلَّقِهِ وَلَا إلَى تَقْدِيرِ مُتَعَلَّقِهِ مُسْنَدًا إلَيْهِ لَا يَحْتَمِلُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحَاصِلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُسْنَدًا إلَى مُتَعَلَّقِهِ مُرَادًا بِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوْ إلَيْهِ نَفْسُهُ حَقِيقَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِطُرُوِّ نَقِيضِهِ بَدَلَهُ عَلَى وَجْهٍ يُطَابِقُ الْوَاقِعَ قَالَ الْفَاضِلُ سَيْفُ الدِّينِ الْأَبْهَرِيُّ: وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْمُتَكَلِّمُونَ تَارَةً مَاهِيَّةُ الْمُمْكِنِ قَابِلَةٌ لِوُجُودِهَا وَتَارَةً وُجُودُ الْمُمْكِنِ قَابِلٌ لِعَدَمِهِ، وَمَآلُ الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ ثُمَّ هَذَا الْحَدُّ يَتَنَاوَلُ التَّصْدِيقَ الْيَقِينِيَّ وَالتَّصَوُّرَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَيَدْخُلُ) أَيْ التَّصَوُّرُ فِي حَدِّ الْعِلْمِ إذْ لَا نَقِيضَ لِلتَّصَوُّرِ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّقِيضِينَ هُمَا الْمَفْهُومَانِ الْمُتَمَانِعَانِ لِذَاتَيْهِمَا، وَلَا تَمَانُعَ بَيْنَ التَّصَوُّرَاتِ فَمَفْهُومَا الْإِنْسَانِ وَاللَّا إنْسَانِ مَثَلًا لَا تَمَانُعَ بَيْنَهُمَا إلَّا إذَا اعْتَبَرَ ثُبُوتَهُمَا لِشَيْءٍ فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ هُنَاكَ قَضِيَّتَانِ مُتَنَافِيَتَانِ صِدْقًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّصَوُّرِ نَقِيضٌ صَدَقَ أَنَّ مُتَعَلَّقَهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ بِوَجْهٍ أَيْضًا فَإِذَا تَصَوَّرْنَا مَاهِيَّةَ الْإِنْسَانِ وَحَصَلَ فِي ذِهْنِنَا صُورَةً مُطَابِقَةً لَهَا فَالتَّمْيِيزُ هُنَا هُوَ تِلْكَ الصُّورَةُ إذْ بِهَا تَمْتَازُ وَتَنْكَشِفُ الْمَاهِيَّةُ وَلَا تَحْتَمِلُ نَقِيضَ ذَلِكَ التَّمْيِيزِ إذْ لَا نَقِيضَ لَهُ. وَعَلَى هَذَا فَالْعِلْمُ بِالْإِنْسَانِ لَيْسَ تِلْكَ الصُّورَةَ بَلْ صِفَةٌ تُوجِبُهَا وَلَا يُقَالُ فَعَلَى هَذَا جَمِيعُ التَّصَوُّرَاتِ عُلُومٌ مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا غَيْرُ مُطَابِقٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُوصَفُ التَّصَوُّرُ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ أَصْلًا فَإِنَّا إذَا رَأَيْنَا مِنْ بَعِيدٍ شَبَحًا هُوَ حَجَرٌ مَثَلًا وَحَصَلَ مِنْهُ فِي أَذْهَانِنَا صُورَةُ إنْسَانٍ فَتِلْكَ الصُّورَةُ صُورَةُ الْإِنْسَانِ وَالْعِلْمُ بِهِ تَصَوُّرِيٌّ وَالْخَطَأُ إنَّمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْعَقْلِ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لِلشَّبَحِ الْمَرْئِيِّ فَالتَّصَوُّرَاتُ كُلُّهَا مُطَابِقَةٌ لِمَا هِيَ تَصَوُّرَاتٌ لَهُ مَوْجُودًا كَانَ أَوْ مَعْدُومًا مُمْكِنًا كَانَ أَوْ مُمْتَنِعًا، وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فِي أَحْكَامِ الْعَقْلِ الْمُقَارَنَةُ لِتِلْكَ التَّصَوُّرَاتِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِلَى مَعْنَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ) لِلْوَاقِعِ (فِي تَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ) حَيَوَانًا (صَهَّالًا) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْوَاقِعِ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ لَا صَهَّالٌ إنَّمَا هُوَ (لِلْحُكْمِ) الْعَقْلِيِّ (الْمُقَارِنِ) لِتَصَوُّرِ الْإِنْسَانَ حَيَوَانًا صَهَّالًا بِأَنَّ الصُّورَةَ الْمُتَصَوَّرَةَ لِلْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ صَهَّالٌ لَا غَيْرُ (أَمَّا الصُّورَةُ) الْحَاصِلَةُ فِي الذِّهْنِ الَّتِي الْعِلْمُ بِهَا تَصَوُّرِيٌّ (فَلَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ نَفْسِهَا، وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِرَدِّ مَا فِي حَاشِيَةِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ عَلَى شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ مُخْتَصَرَ ابْنِ الْحَاجِبِ تَعَقُّبًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّ مَعْنَى لَا نَقِيضَ لِلتَّصَوُّرِ أَنَّهُ لَا نَقِيضَ لِمُتَعَلَّقِهِ؛ لِأَنَّ نَقِيضَ الشَّيْءِ رَفْعُهُ وَسَلْبُهُ فَفِيهِ شَائِبَةُ الْحُكْمِ وَالتَّصْدِيقِ مِنْ أَنَّ هَذَا يُبْطِلُ كَثِيرًا مِنْ قَوَاعِدِ الْمَنْطِقِ وَيُوجِبُ شُمُولَ التَّعْرِيفِ لِجَمِيعِ التَّصَوُّرَاتِ الْغَيْرِ الْمُطَابَقَةِ كَمَا إذَا تَعَقَّلَ الْإِنْسَانُ حَيَوَانًا صَهَّالًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِتَمْيِيزٍ اهـ. نَعَمْ إنْ قِيلَ الْمُتَنَاقِضَانِ

هُمَا الْمَفْهُومَانِ الْمُتَنَافِيَانِ لِذَاتَيْهِمَا وَالتَّنَافِي إمَّا فِي التَّحَقُّقِ وَالِانْتِفَاءِ كَمَا فِي الْقَضَايَا، وَإِمَّا فِي الْمَفْهُومِ بِأَنَّهُ إذَا قِيسَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ كَانَ أَشَدَّ بُعْدًا مِمَّا سِوَاهُ فَيُوجَدُ فِي التَّصَوُّرَاتِ أَيْضًا كَمَفْهُومَيْ الْفَرَسِ وَاللَّا فَرَسِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى قِيلَ رَفَعَ كُلُّ شَيْءٍ نَقِيضَهُ سَوَاءٌ كَانَ رَفَعَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ رَفَعَهُ عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَيًّا مَا كَانَ فَالْمُرَادُ بِالتَّصَوُّرِ الدَّاخِلِ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ مَا لَيْسَ مُتَعَلَّقُهُ مُحْتَمِلًا لِلنَّقِيضِ فَلَا يَضُرُّ مَا هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ خُرُوجِ الْوَهْمِ وَالشَّكِّ مِنْ الْعِلْمِ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ إدْرَاكَ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ مِنْ قَبِيلِ الْعِلْمِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ، وَهُمْ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ فَيُقَيِّدُ التَّمْيِيزَ بِقَوْلِهِ بَيْنَ الْمَعَانِي أَيْ مَا لَيْسَ مِنْ الْأَعْيَانِ الْمَحْسُوسَةِ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ الْأُمُورُ الْعَقْلِيَّةُ كُلِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جُزْئِيَّةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعَانِي مَا يُقَابِلُ الْعَيْنِيَّةَ الْخَارِجِيَّةَ فَيَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْعِلْمِ إدْرَاكُ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ تَمْيِيزًا فِي الْأُمُورِ الْعَيْنِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ الْمَعَانِيَ بِالْكُلِّيَّةِ مَيْلًا إلَى تَخْصِيصِ الْعِلْمِ بِالْكُلِّيَّاتِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْجُزْئِيَّاتِ. هَذَا وَقَدْ تَعَقَّبَ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْمَلْوِيُّ هَذَا التَّعْرِيفَ بِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْقُوَّةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَإِلَّا فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ إمَّا تَصَوُّرٌ، وَإِمَّا تَصْدِيقٌ ضَرُورِيٌّ وَمَطْلُوبٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَفْسَ الصِّفَةِ بَلْ أَثَرُهَا فَعَرَضْته عَلَى شَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَدَافَعَهُ بَعْضَ الْمُدَافَعَةِ ثُمَّ اسْتَحْسَنَهُ، وَأَلْحَقَهُ بِالْكِتَابِ قَائِلًا. (وَالْوَجْهُ) فِي حَدِّ الْعِلْمِ عَلَى وَجْهٍ يَشْمَلُ التَّصَوُّرَ أَنْ يُقَالَ (إنَّهُ تَمْيِيزٌ) لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ (وَإِلَّا فَإِنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى الْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ) الْمُفِيدَةِ لِلتَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ لَا عَلَيْهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنِّي أَقُولُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْعِلْمَ عِبَارَةٌ عَنْ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ ذَاتِ تَعَلُّقٍ بِالْمَعْلُومِ أَمَّا إذَا كَانَ ثَمَّةَ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا حَتَّى إنَّ الْعِلْمَ عِنْدَهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ بِالذَّاتِ، وَمِنْ مَقُولَةِ الْمُضَافِ بِالْعَرَضِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ سِينَا وَغَيْرُهُ فَالْقُوَّةُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ هِيَ نَفْسُ الْعِلْمِ عِنْدَهُ فَلَا يَتِمُّ نَفْيُ كَوْنِ هَذَا تَفْسِيرًا لِلْعِلْمِ عِنْدَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ صَرَّحَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي الْمَوَاقِفِ بِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ قَالَ إنَّهُ نَفْسُ التَّعَلُّقِ يَعْنِي الْمَخْصُوصَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْمَعْلُومِ حَدَّهُ بِأَنَّهُ تَمَيُّزُ مَعْنًى عِنْدَ النَّفْسِ تَمَيُّزًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ اهـ. حَتَّى يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَاتِ، وَمَبْدَؤُهُ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الصَّحَائِفِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الِانْفِعَالِ نَعَمْ يَكُونُ تَقْسِيمُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِ شَيْخِنَا أَنَّهُ تَمْيِيزٌ يُخَالِفُ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّمْيِيزَ فِعْلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ التَّعَرُّضُ لِشُمُولِ هَذَا التَّعْرِيفِ لِلتَّصَوُّرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَمِنْهُ الْحَدُّ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ التَّصَوُّرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا يُكْتَسَبُ بِبُرْهَانٍ وَلَا يُطْلَبُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَلَا يَقْبَلُ الْمَنْعَ وَلَا يُعَارَضُ سَوَاءٌ كَانَ حَدًّا حَقِيقِيًّا أَوْ اسْمِيًّا أَوْ غَيْرَهُمَا وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْحَدَّ بِاعْتِبَارِ عَارِضٍ لَهُ قَدْ يُطْلَبُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَيُعَارَضُ وَيُمْنَعُ أَشَارَ إلَى مَا يُفِيدُ الْمَنَاطُ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ ثُبُوتًا وَانْتِفَاءً فَقَالَ (وَلَا دَلِيلَ) يُطْلَبُ وَيُقَامُ (إلَّا عَلَى نِسْبَةٍ) أَيْ حُكْمِ نِسْبَةٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ ثُبُوتًا أَوْ نَفْيًا لِمَا سَيُعْرَفُ مِنْ مَعْرِفَةِ الدَّلِيلِ. (وَكَذَا الْمُعَارَضَةُ) لَا تَكُونُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُعَارِضًا لِلْآخَرِ إلَّا إذَا كَانَا حُكْمَيْنِ وَتَحَقَّقَ فِيهِمَا بَاقِي الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي وُجُودِ التَّدَافُعِ بَيْنَهُمَا (وَذَلِكَ) أَيْ قِيَامُ الدَّلِيلِ وَالْمُعَارَضَةِ إنَّمَا يَقَعُ فِي صُوَرِ الْمُتَصَوَّرَاتِ (عِنْدَ ادِّعَائِهَا) أَيْ صُوَرِ الْمُتَصَوَّرَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي الذِّهْنِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي الصُّوَرُ الْمَذْكُورَةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَصَوُّرِهَا (صُورَةُ كَذَا كَصُوَرِ الْحُدُودِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحْدُودَاتِ أَيْ كَادِّعَاءِ أَنَّ الصُّورَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ الْأَمْرِ الْفُلَانِيِّ الْمُسَمَّى بِالْحَدِّ هِيَ الْأَمْرُ الْفُلَانِيُّ الْمُسَمَّى بِالْحُدُودِ. (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ يُقْصَدُ الْحُكْمُ بِالْحَدِّ عَلَى الْمَحْدُودِ كَمَا ذَكَرْنَا (تَقْبَلُ) صُوَر الْحُدُودِ (الْمَنْعَ) لِوُجُودِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوضًا لِذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَهُوَ الْحُكْمُ وَكَشْفُ الْقِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّعْرِيفَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ مِنْ التَّصَوُّرَاتِ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَا يُقْصَدُ بِهِ تَصَوُّرُ مَفْهُومَاتٍ غَيْرِ مَعْلُومَةِ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ، وَيُسَمَّى

تَعْرِيفًا بِحَسَبِ الِاسْمِ فَإِذَا عُلِمَ مَثَلًا مَفْهُومُ الْجِنْسِ إجْمَالًا، وَأُرِيدَ تَصَوُّرُهُ بِوَجْهٍ أَكْمَلَ فَإِنْ فَصَلَ نَفْسَ مَفْهُومِهِ بِأَجْزَاءٍ كَانَ ذَلِكَ حَدًّا لَهُ اسْمِيًّا، وَإِنْ ذَكَرَ فِي تَعْرِيفِهِ عَوَارِضَهُ كَانَ لَهُ رَسْمًا اسْمِيًّا. ثَانِيهِمَا مَا يُقْصَدُ بِهِ تَصَوُّرُ حَقَائِقَ مَوْجُودَةٍ وَيُسَمَّى تَعْرِيفًا بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ إمَّا حَدًّا أَوْ رَسْمًا وَكِلَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ لَا يَتَّجِهُ عَلَيْهِ مَنْعٌ؛ لِأَنَّ التَّحْدِيدَ تَصْوِيرٌ وَنَقْشٌ لِصُورَةِ الْمَحْدُودِ فِي الذِّهْنِ وَلَا حُكْمَ فِيهِ أَصْلًا. وَالْحَادُّ إنَّمَا ذَكَرَ الْمَحْدُودَ لِيَتَوَجَّهَ الذِّهْنُ إلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ بِوَجْهٍ مَا ثُمَّ يَرْسِمُ فِيهِ صُورَةً أَتَمَّ مِنْ الْأُولَى لَا لِيَحْكُمَ بِالْحَدِّ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ هُوَ بِصَدَدِ التَّصْدِيقِ بِثُبُوتِهِ لَهُ. مَثَلًا إذَا قَالَ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْإِنْسَانِ بِكَوْنِهِ حَيَوَانًا نَاطِقًا، وَإِلَّا لَكَانَ مُصَدِّقًا لَا مُصَوِّرًا بَلْ إنَّمَا أَرَادَ بِذِكْرِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَوَجَّهَ ذِهْنُك إلَى مَا عَرَفْته بِوَجْهٍ مَا ثُمَّ شَرَعَ فِي تَصْوِيرِهِ بِوَجْهٍ أَكْمَلَ فَمَا مِثْلُهُ إلَّا كَمِثْلِ النَّقَّاشِ إلَّا أَنَّ الْحَادَّ يَنْقُشُ فِي الذِّهْنِ صُورَةً مَعْقُولَةً، وَهَذَا يَنْقُشُ فِي اللَّوْحِ صُورَةً مَحْسُوسَةً فَكَمَا أَنَّهُ إذَا أَخَذَ يَرْسِمُ فِيهِ نَقْشًا لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ مَنْعٌ فَلَا يُقَالُ مَثَلًا لَا نُسَلِّمُ كِتَابَتَك كَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِنْسَانَ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ مَجْرَاهُ فَاتَّضَحَ أَنَّ الْحَدَّ مَعَ الْمَحْدُودِ لَيْسَ قَضِيَّةً فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهَا. وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ فِي أَلْسِنَةِ الْعُلَمَاءِ أَنْ لَا نُسَلِّمَ أَنَّهُ حَدٌّ لِمَا حَدَّدْتُمُوهُ بِهِ فَهَذَا مَنْعٌ عَلَيْهِ فَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ لَهُ مَفْهُومٌ، وَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ وَالْمَنْعُ بِتَوَجُّهٍ عَلَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ فَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ نَاطِقًا بَلْ يَمْنَعُ كَوْنَهُ جَدًّا لِلْإِنْسَانِ أَوْ أَنَّ الْحَيَوَانَ جِنْسٌ لَهُ أَوْ النَّاطِقُ فَصْلٌ لَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الدَّعَاوَى صَادِرَةٌ عَنْهُ ضِمْنًا، وَقَابِلَةٌ لِلْمَنْعِ بِاعْتِبَارِ مَا لَزِمَ عَنْهَا مِنْ الْحُكْمِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَتَّجِهُ أَيْضًا عَلَى الْحَدِّ النَّقْضُ وَالْمُعَارَضَةُ فَإِذَا قِيلَ مَثَلًا الْعِلْمُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْمَوْصُوفِ بِهِ إحْكَامُ الْفِعْلِ يُقَالُ هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَات فَإِنْ سَلَّمَ الْحَادُّ وُجُودَ الْعِلْمِ الْمُتَعَلَّقِ بِهِمَا فَقَدْ اعْتَرَفَ بِبُطْلَانِ حَدِّهِ، وَفَسَادِ نَقْشِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَيُقَالُ أَيْضًا هَذَا مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ الِاعْتِقَادُ الْمُقْتَضِي لِسُكُونِ النَّفْسِ فَإِنْ سَلَّمَ الْحَدُّ الثَّانِي بَطَلَ حَدُّهُ، وَإِلَّا فَلَا إذْ لَا تَعَانُدَ بَيْنَ مَفْهُومَيْ هَذَيْنِ الْحَدَّيْنِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَفْهُومٌ عَلَى حِدَةٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ أَفَادَ مَا يَكُونُ لِلْحَادِّ إذَا مَنَعَ حَدَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ لَهُ دَفْعُهُ فَقَالَ (وَيُدْفَعُ) الْمَنْعُ (فِي الِاسْمِيِّ بِالنَّقْلِ) عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إنْ كَانَ لُغَوِيًّا، وَعَنْ أَهْلِ الشَّرْعِ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ فَإِذَا أَتَى الْحَادُّ بِهِ فَقَدْ تَمَّ مَطْلُوبُهُ (وَفِي) مَنْعِ الْحَدِّ (الْحَقِيقِيِّ الْعَجْزُ لَازِمٌ) لِلْحَادِّ لَكِنْ (لَا لِمَا قِيلَ لَا يُكْتَسَبُ الْحَدُّ) الْحَقِيقِيُّ (بِبُرْهَانٍ) أَيْ بِالْحَدِّ الْأَوْسَطِ مَعَ مَا تَقَيَّدَ بِهِ وَيُقَالُ فِي تَوْجِيهِهِ (لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ) أَيْ لِاسْتِغْنَاءِ الْحَدِّ عَنْ الْبُرْهَانِ (إذْ ثُبُوتُ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ لَهُ) أَيْ لِلشَّيْءِ (لَا يَتَوَقَّفُ) ثُبُوتُهَا (إلَّا عَلَى تَصَوُّرِهِ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الذَّاتِيَّ لِلشَّيْءِ لَا يُعَلَّلُ ثُبُوتُهُ لِلذَّاتِ بِشَيْءٍ فَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ لَهُ تَصَوُّرُهُ وَحَقِيقَةُ الْحَدِّ هِيَ حَقِيقَةُ الْمَحْدُودِ، وَأَجْزَاؤُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ فَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ تَصَوُّرُ الْمَحْدُودِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ الْمُصَنِّفُ التَّعْلِيلَ بِهَذَا (لِأَنَّ الْفَرْضَ جَهَالَةُ كَوْنِهَا) أَيْ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ الَّتِي هِيَ الْحَدُّ (أَجْزَاءَ الصُّورَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ) الَّتِي هِيَ الْمَحْدُودُ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ مَعْلُومًا كَوْنُهَا إيَّاهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى نَظَرٍ وَكَسْبٍ لَكَانَتْ الصُّورَةُ الْإِجْمَالِيَّةُ مِنْ قَبِيلِ الْبَدِيهَاتِ الْمُسْتَغْنِيَةِ عَنْ الْحُدُودِ لَا النَّظَرِيَّاتِ فَكَيْفَ يَكْفِي فِي مَعْرِفَةِ الْحَدِّ مَعْرِفَةُ الْمَحْدُودِ فَإِنْ قِيلَ نِسْبَةُ مَا يُقَالُ أَنَّهُ أَجْزَاءُ الصُّورَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ إلَيْهَا بِالْجُزْئِيَّةِ لَهَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ تَصَوُّرُ الصُّورَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ كَافِيًا فِي ثُبُوتِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ لَهَا فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ. (وَنِسْبَتُهَا) أَيْ وَنِسْبَةُ مَا يُقَالُ أَنَّهُ أَجْزَاءُ الصُّورَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ (إلَيْهَا) أَيْ الصُّورَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ (بِالْجُزْئِيَّةِ) أَيْ بِأَنَّهَا أَجْزَاؤُهَا (مُجَرَّدُ دَعْوَى) يَتَسَلَّطُ عَلَيْهَا الْمَنْعُ وَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يُثْبِتُهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَلَا يُوجِبُهُ) أَيْ ثُبُوتَ أَجْزَاءِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ (إلَّا دَلِيلٌ) يُوجِبُهُ، وَالْمَفْرُوضُ خِلَافَهُ (أَوْ لِلدَّوْرِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلِاسْتِغْنَاءِ أَيْ وَلَا لِمَا قِيلَ لَا يُكْتَسَبُ الْحَدُّ بِبُرْهَانٍ دَفْعًا لِلدَّوْرِ اللَّازِمِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُكْتَسَبًا بِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى ثُبُوتِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ

يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَقُّلِهِمَا فَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَقُّلِهِمَا ثُمَّ تَعَقُّلُ الْمَحْدُودِ مُسْتَفَادٌ مِنْ ثُبُوتِ الْحَدِّ لَهُ فَلَوْ تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْحَدِّ لَهُ عَلَى الدَّلِيلِ يَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَإِنَّمَا مَنَعَ الْمُصَنِّفُ التَّعْلِيلَ بِهَذَا أَيْضًا (لِأَنَّ تَوَقُّفَ الدَّلِيلِ) عَلَى تَعَقُّلِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَحْدُودُ هُنَا إنَّمَا هُوَ (عَلَى تَعَقُّلِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ) مَا؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الِاسْتِدْلَالِ تَصَوُّرُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مَا (وَهُوَ) أَيْ تَعَقُّلُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ (عَلَيْهِ) أَيْ الدَّلِيلِ (بِوَاسِطَةِ تَوَقُّفِهِ) أَيْ تَوَقُّفِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (عَلَى الْحَدِّ بِحَقِيقَتِهِ) الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ الدَّلِيلِ فَلَا دَوْرَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى تَصَوُّرِ الْمَحْدُودِ بِوَجْهٍ وَالْمَحْدُودُ إنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى الدَّلِيلِ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ بِوَاسِطَةِ اسْتِدْعَاءِ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ تَصَوُّرًا بِالْحَدِّ بِحَقِيقَتِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَصَوُّرِ الْمَحْدُودِ بِحَقِيقَتِهِ. فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الدَّلِيلَ تَوَقَّفَ عَلَى تَصَوُّرِ الْمَحْدُودِ بِوَجْهٍ وَتَصَوُّرُ الْمَحْدُودِ بِحَقِيقَتِهِ تَوَقَّفَ عَلَى الدَّلِيلِ لَكِنْ يَطْرُقُ هَذَا أَنَّ الدَّلِيلَ يَجِبُ فِيهِ تَعَقُّلُ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ فَلَوْ أُقِيمَ الْبُرْهَانُ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَقُّلِ الْحَدِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَدٌّ، وَفِيهِ تَعَقُّلُ الْمَحْدُودِ بِحَقِيقَتِهِ فَيَكُونُ تَعَقُّلُ حَقِيقَةِ الْمَحْدُودِ بِالْحَدِّ حَاصِلًا قَبْلَ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِهِ لَهُ فَلَوْ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ لِيُجْعَلَ ذَرِيعَةً إلَى تَصَوُّرِهِ بِالْحَدِّ لَزِمَ الدَّوْرُ (أَوْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ أَمْرًا فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ لِلدَّوْرِ أَيْ وَلَا لِمَا قِيلَ لَا يُكْتَسَبُ الْحَدُّ بِبُرْهَانٍ؛ لِأَنَّ الْبُرْهَانَ يَسْتَلْزِمُ حُصُولَ أَمْرٍ، وَهُوَ الْمَحْكُومُ بِهِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ وَسَطٌ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ (وَبِتَقْدِيرِهِ يَسْتَلْزِمُ عَيْنَهُ) أَيْ وَلَوْ قُدِّرَ فِي الْحَدِّ وَسَطٌ يَسْتَلْزِمُ حُصُولَهُ لِلْمَحْدُودِ لَكَانَ الْوَسَطُ مُسْتَلْزِمًا لِحُصُولِ عَيْنِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ التَّامَّ لَيْسَ أَمْرًا غَيْرَ حَقِيقَةِ الْمَحْدُودِ تَفْصِيلًا، وَفِيهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ بَيِّنٌ فَإِذَا تَصَوَّرَ النِّسْبَةَ بَيْنَهُمَا حَصَلَ الْجَزْمُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبُرْهَانِ إلَّا بَعْدَ تَصَوُّرِهَا الْمُسْتَلْزِمِ لِلْحُكْمِ فَهُوَ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبُرْهَانِ فَيَلْزَمُ الْمَحْذُورُ، وَإِنَّمَا مَنَعَ الْمُصَنِّفُ التَّعْلِيلَ بِهَذَا أَيْضًا (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّعْلِيلُ بِهِ (غَيْرُ ضَائِرٍ) لِدَعْوَى إثْبَاتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ بِالْبُرْهَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَحْذُورَ إنَّمَا لَزِمَ مِنْ دَعْوَى أَنَّ الْحَدَّ عَيْنُ الْمَحْدُودِ، وَهِيَ مِمَّا تُمْنَعُ فَإِنَّ الْحَدَّ يُغَايِرُ الْمَحْدُودَ فِي الْجُمْلَةِ وَلَوْ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ بِالْبُرْهَانِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يَحْصُلُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْبُرْهَانِ مُطْلَقًا. (فَإِنْ قَالَ) الْمُعَلِّلُ بِهَذَا: وَكَيْفَ يَتَّجِهُ دَعْوَى اكْتِسَابِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ بِالْبُرْهَانِ (وَتَعَقُّلُهَا) أَيْ عَيْنِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمَحْدُودُ (يَحْصُلُ بِالْحَدِّ) أَيْ بِتَعَقُّلِهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ أَجْزَاءُ الْمَحْدُودِ وَحَيْثُ تَوَقَّفَ ثُبُوتُهُ لِلْمَحْدُودِ عَلَى تَصَوُّرِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِذَا تَعَقَّلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَدٌّ فَقَدْ حَصَلَ الْمَحْدُودُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى ثُبُوتِهِ لَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ (فَكَالْأَوَّلِ) أَيْ فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا التَّوْجِيهِ لِنَفْيِ اكْتِسَابِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ بِالْبُرْهَانِ كَالْجَوَابِ عَنْ التَّوْجِيهِ لِنَفْيِهِ بِاسْتِغْنَاءِ ثُبُوتِ الْحَدِّ لَهُ عَنْ الْبُرْهَانِ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَتْ أَجْزَاءُ الْحَدِّ مَعْلُومَةَ الِانْتِسَابِ بِالْجُزْئِيَّةِ إلَى الْمَحْدُودِ بِحَيْثُ يُعْلَمُ قَطْعًا مِنْ الْعِلْمِ بِالْمَحْدُودِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا كَسْبٍ لَكِنَّ الْمَفْرُوضَ جَهَالَةُ انْتِسَابِهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْمَحْدُودُ بَدِيهِيَّ التَّصَوُّرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَسْبٍ وَنَظَرٍ، وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ وَجَوَابَهُ مُغْنِيَانِ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ وَالْإِشَارَةُ إلَى جَوَابِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا هُوَ التَّعْلِيلَ الْمُتَّجَهُ عِنْدَهُ لِهَذِهِ الدَّعْوَى مُضْرِبًا عَنْ هَذِهِ التَّعَالِيلِ كُلِّهَا فَقَالَ: (بَلْ لِعَدَمِهِ) أَيْ بَلْ الْعَجْزُ لَازِمٌ لِلْحَادِّ فِي مَنْعِ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ لِعَدَمِ وُجُودِ بُرْهَانٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرَاتِ الْمَحْضَةِ، وَهِيَ لَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْبُرْهَانِ فَالِاقْتِصَارُ فِي تَعْلِيلِهِ عَلَى ذِكْرِ عَدَمِ وُجُودِ الْبُرْهَانِ لَهُ أَوْلَى لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ قَصْرِ الْمَسَافَةِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ هَذِهِ الْمُنَاقَشَاتِ. (فَإِنْ قِيلَ الْمُتَعَجِّبُ يُفِيدُهُ) أَيْ إثْبَاتُ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ بِالْبُرْهَانِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى إثْبَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ النَّاطِقَةِ حَدًّا لِلْإِنْسَانِ (كَنَاطِقٍ) أَيْ مِثْلِ أَنْ يُقَالَ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ

نَاطِقٌ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِنْسَانَ (مُتَعَجِّبٌ وَكُلُّ مُتَعَجِّبٍ) حَيَوَانٌ نَاطِقٌ فَالْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ (قُلْنَا) هَذَا الدَّلِيلُ (يُفِيدُ مُجَرَّدَ ثُبُوتِهِ) أَيْ الْحَدُّ الَّذِي هُوَ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ لِلْمَحْدُودِ الَّذِي هُوَ الْإِنْسَانُ لِلْمُسَاوَاةِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْمُتَعَجَّبِ (وَالْمَطْلُوبُ) لِلْقَائِلِ بِأَنَّ الْحَدَّ يُكْتَسَبُ بِالْبُرْهَانِ (أَخَصُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ بِالْبُرْهَانِ، وَهُوَ (كَوْنُهُ عَلَى وَجْهِ الْجُزْئِيَّةِ) أَيْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَدِّ ثَابِتًا لِلْمَحْدُودِ عَلَى أَنَّهُ جُزْءٌ مَعْلُومٌ مِنْهُ بِالْبُرْهَانِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ لَا يُثْبِتُهُ كَذَلِكَ (فَالْحَقُّ حُكْمُ الْإِشْرَاقِيِّينَ) ، وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ يُؤْثِرُونَ طَرِيقَةَ أَفْلَاطُونَ، وَمَا لَهُ مِنْ الْكَشْفِ وَالْعِيَانِ عَلَى طَرِيقَةِ أَرِسْطُو، وَمَا لَهُ مِنْ الْبَحْثِ وَالْبُرْهَانِ. (لَا يُكْسِبُ الْحَقِيقَةَ إلَّا الْكَشْفُ) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ تُدْرَكُ بِهِ حَقَائِقُ الْأَشْيَاءِ كَإِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ الْمَحْسُوسَةِ بِالْحِسِّ السَّلِيمِ غَيْرِ مَقْدُورٍ لِلْمَخْلُوقِ تَحْصِيلُهُ (وَهُوَ مَعْنَى الضَّرُورَةِ) أَيْ مَا ثَبَتَ بِهَا، وَهُوَ الضَّرُورِيُّ، وَمِنْ ثَمَّةَ فُسِّرَ بِمَا لَا يَكُونُ مَقْدُورًا لِلْمَخْلُوقِ تَحْصِيلُهُ، وَإِلَّا فَالضَّرُورَةُ هُنَا مُفَسَّرَةٌ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَهُوَ لَا يَصْدُقُ ظَاهِرًا عَلَى الْكَشْفِ لَا أَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى الْحَقَائِقِ الْعَيْنِيَّةِ مِمَّا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ بِالْحُدُودِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمَشَّاءُونَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ الْمُؤْثِرُونَ طَرِيقَةَ أَرِسْطُو؛ لِأَنَّهُمْ سَلَّمُوا أَنَّ الشَّيْءَ يُذْكَرُ فِي تَعْرِيفِهِ الذَّاتِيِّ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَسَلَّمُوا أَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ الْمَعْلُومِ، وَالذَّاتِيُّ الْخَاصُّ لَيْسَ بِمَعْهُودٍ لِمَنْ يُعْرَفُ بِهِ فِي مَكَان آخَرَ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ خَاصًّا، وَقَدْ فُرِضَ خَاصًّا هَذَا خَلَفٌ ثُمَّ حَيْثُ يَكُونُ الْحَقُّ فِي بَابِ إحَاطَةِ الْعِلْمِ بِالْمُتَصَوِّرَاتِ بِالْحَقَائِقِ الْعَيْنِيَّةِ مَا سَلَكَهُ الْإِشْرَاقِيُّونَ فَمَنْ هُوَ بِصَدَدِ الْمُعَارَضَةِ لِغَيْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ إمَّا مُوَافِقٌ لَهُ عَلَى أَنَّهُ يُدْرِكَ حَقِيقَةَ مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ بِالْعِبَارَةِ الْمُوَافَقَةِ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَدْرَكَهُ وَحِينَئِذٍ فَبَابُ الْمَنْعِ مَسْدُودٌ لِلتَّسْجِيلِ عَلَى الْمَانِعِ حِينَئِذٍ بِالْمُكَابَرَةِ وَالسَّفْسَطَةِ فِي ضَرُورِيٍّ، وَإِمَّا عَارٍ عَنْ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَعْذُورٌ وَلَا حُجَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ لَعَلَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ مِنْ امْتِنَاعِ الْكَسْبِ فِي التَّصَوُّرَاتِ، وَإِنَّمَا هِيَ بِأَسْرِهَا مِنْ قَبِيلِ الضَّرُورِيَّاتِ اخْتِيَارٌ لِطَرِيقَةِ الْإِشْرَاقِيِّينَ، وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ بِهِ أَلِيقُ. (وَكَذَا مَنْعُ التَّمَامِ) أَيْ وَكَذَا الْعَجْزُ لَازِمٌ لِلْحَادِّ إذَا مَنَعَ مَانِعٌ كَوْنَ الْحَدِّ الَّذِي ذَكَرَهُ لِأَمْرٍ حَقِيقِيٍّ حَدًّا تَامًّا لَهُ بِأَنْ مَنَعَ كَوْنَ الْمَذْكُورِ فِيهِ جَمِيعُ ذَاتِيَّاتِ الْمَحْدُودِ فَإِنَّ الْحَادَّ لَا يَسْتَطِيعُ حِينَئِذٍ دَفْعَهُ بِالْبُرْهَانِ (فَلَوْ قَالَ) الْحَادُّ فِي دَفْعِ هَذَا الْمَنْعِ هَذَا الْمَنْعُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ (لَوْ كَانَ) هَذَا الْحَدُّ غَيْرَ تَامٍّ لِإِخْلَالِهِ بِبَعْضِ ذَاتِيَّاتِ الْمَحْدُودِ (لَمْ نَعْقِلْهَا) أَيْ حَقِيقَةَ الْمَحْدُودِ بِالْكُنْهِ ضَرُورَةَ تَوَقُّفِ تَعَقُّلِهَا بِالْكُنْهِ عَلَى تَعَقُّلِ جَمِيعِ ذَاتِيَّاتِهَا لَكِنَّا عَقَلْنَاهَا بِالْكُنْهِ فَالْمَذْكُورُ فِي حَدِّهَا جَمِيعُ ذَاتِيَّاتِهَا (مَنَعَ نَفْيَ التَّالِي) أَيْ كَانَ لِلْمَانِعِ أَنْ يَمْنَعَ نَفْيَ التَّالِي بِأَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّك عَقَلَتْهَا بِالْكُنْهِ فَتَقَرَّرَ الْعَجْزُ (فَالِاعْتِرَاضُ) عَلَى الْحَدِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَدٌّ (بِبُطْلَانِ الطَّرْدِ) أَيْ طَرْدِهِ بِأَنْ وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ الْمَحْدُودُ كَمَا لَوْ قِيلَ مَثَلًا حَدًّا لِكَلِمَةٍ بِدَالٍّ عَلَى مَعْنَى مُفْرَدٍ غَيْرِ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْخَطِّ، وَعَدَمِ صِدْقِ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِ. (وَالْعَكْسُ) أَيْ وَبِبُطْلَانِ عَكْسِهِ بِأَنْ وُجِدَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ وَلَمْ يَصْدُقْ الْحَدُّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قِيلَ مَثَلًا حَدُّ الْإِنْسَانِ بِحَيَوَانٍ ضَاحِكٍ بِالْفِعْلِ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِعَدَمِ صِدْقِهِ عَلَى إنْسَانٍ لَمْ يَضْحَكْ قَطُّ (بِنَاءً عَلَى الِاعْتِبَارِ فِي الْمَفْهُومِ، وَعَدَمِهِ) فَيَتَوَجَّهُ الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْمُعْتَرِضِ هُنَاكَ شَيْئًا آخَرَ لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَادُّ فِي الْحَدِّ، وَقَدْ وُضِعَ الِاسْمُ لِذَلِكَ الْمَذْكُورِ وَالْمَتْرُوكِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمُسَمَّى فَحَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ لَزِمَ عَدَمُ الِاطِّرَادِ وَيَتَوَجَّهُ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا آخَرَ ذَكَرَهُ الْحَادُّ فِي الْحَدِّ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْمَحْدُودِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيمَا وُضِعَ الِاسْمُ لَهُ فَلَزِمَ مِنْ ذِكْرِهِ فِيهِ عَدَمُ الِانْعِكَاسِ وَحِينَئِذٍ يُطَالَبُ الْحَادُّ لِلْمُعْتَرِضِ بِذَلِكَ الْحَدِّ عَلَى رَأْيِهِ لِيُقَابِلَ أَحَدَ الْحَدَّيْنِ بِالْآخَرِ وَيُعَرِّفَ الْأَمْرَ الَّذِي فِيهِ يَتَفَاوَتَانِ مِنْ زِيَادَةِ أَوْ نُقْصَانٍ وَيُجَرِّدَ النَّظَرَ إلَيْهِ فَيُبْطِلَهُ بِطَرِيقِهِ أَوْ يُثْبِتَهُ بِطَرِيقِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (فَإِنَّمَا يُورِدُ) الِاعْتِرَاضَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (عَلَيْهِ) أَيْ

الْحَدِّ (مِنْ حَيْثُ هُوَ اسْمِيٌّ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَأَتَّى فِيهِ الِاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ، وَعَدَمُهُ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ لِلْحَادِّ قَدْ أَخْرَجْت عَنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ كَذَا، وَهُوَ دَاخِلٌ فِيهِ أَوْ أَدْخَلْته فِيهِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْهُ لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ حَدٌّ حَقِيقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حَدًّا حَقِيقِيًّا حَتَّى يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَى جَمِيعِ ذَاتِيَّاتِ الْمَحْدُودِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ النَّظَرُ مَأْخُوذًا فِي تَعْرِيفِ الدَّلِيلِ قَدَّمَ تَفْسِيرَهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى رُجُوعِ النَّظَرِ إلَيْهِ فَقَالَ (وَالنَّظَرُ حَرَكَةُ النَّفْسِ مِنْ الْمَطَالِبِ أَيْ فِي الْكَيْفِ طَالِبَةٌ لِلْمَبَادِئِ بِاسْتِعْرَاضِ الصُّوَرِ أَيْ تَكَيُّفُهَا بِصُورَةٍ صُورَةٍ لِتَجِدَ الْمُنَاسِبَ، وَهُوَ الْوَسَطُ فَتَرَتُّبُهُ مَعَ الْمَطْلُوبِ عَلَى وَجْهٍ مُسْتَلْزِمٍ) . اعْلَمْ أَنَّ النَّظَرَ يُسْتَعْمَلُ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا بِمَعَانٍ وَاَلَّذِي يَهُمُّنَا شَرْحُهُ هُنَا الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ وَيُرَادِفُ الْفِكْرَ فِي الْمَشْهُورِ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ نَفْسُ الِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْفِكْرَ فِعْلٌ إرَادِيٍّ صَادِرٍ عَنْ النَّفْسِ لِاسْتِحْصَالِ الْمَجْهُولَاتِ بِالْمَعْلُومَاتِ ثُمَّ كَمَا أَنَّ الْإِدْرَاكَ بِالْبَصَرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ مُوَاجِهَةٍ الْمُبْصِرِ وَتَقْلِيبِ الْحَدَقَةِ نَحْوِهِ طَلَبًا لِرُؤْيَتِهِ، وَإِزَالَةِ الْغِشَاوَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْإِبْصَارِ، كَذَلِكَ الْإِدْرَاكُ بِالْبَصِيرَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْمَطْلُوبِ وَتَحْدِيقِ الْعَقْلِ نَحْوِهِ طَلَبًا لِإِدْرَاكِهِ وَتَجْرِيدِ الْعَقْلِ عَنْ الْغَفَلَاتِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْغِشَاوَةِ. ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ النَّظَرَ اكْتِسَابُ الْمَجْهُولَاتِ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِ التَّعَالِيمِ وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ كُلَّ مَجْهُولٍ لَا يُمْكِنُ اكْتِسَابُهُ مِنْ أَيِّ مَعْلُومٍ اُتُّفِقَ بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْلُومَاتٍ مُنَاسَبَةٍ لَهُ وَلَا فِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ مِنْ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ بَلْ لَا بُدَّ هُنَاكَ مِنْ تَرْتِيبٍ مُعَيَّنٍ فِيمَا بَيْنَهَا، وَمِنْ هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَارِضَةٍ لَهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ فَنَقُولُ إذَا أَرَدْنَا تَحْصِيلَ مَجْهُولٍ تَصْدِيقِيٍّ مَشْعُورٍ بِهِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ انْتَقَلَتْ النَّفْسُ مِنْهُ وَتَحَرَّكَتْ فِي الْمَعْقُولَاتِ حَرَكَةً مِنْ بَابِ الْكَيْفِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَيْفِيَّةِ النَّفْسَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ الصُّوَرُ الْمَعْقُولَةُ عَلَى قِيَاسِ الْحَرَكَةِ فِي الْكَيْفِيَّاتِ الْمَحْسُوسَةِ طَالِبَةَ الْمَبَادِئِ لِهَذَا الْمَطْلُوبِ أَعْنِي تَكَيَّفَتْ النَّفْسُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَعَانِي الْمَخْزُونَةِ عِنْدَهَا بَعْدَ وَاحِدٍ بِوَاسِطَةِ اسْتِعْرَاضِهَا، وَمُلَاحَظَتِهَا لِتِلْكَ الْمَعَانِي أَيْ اتَّصَفَتْ بِالْحَالَاتِ الْعَارِضَةِ لَهَا عِنْدَ مُلَاحَظَتِهَا لِلْمَعَانِي الْمَخْزُونَةِ عِنْدَهَا فَإِنَّهَا إذَا لَاحَظَتْ مَعْنًى تَحْصُلُ لَهَا حَالَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهَا مُغَايِرَةٌ لِمَا يَعْرِضُ لَهَا عِنْدَ مُلَاحَظَةِ مَعْنًى آخَرَ وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ طَالِبَةً لِمَبَادِئِ هَذَا الْمَطْلُوبِ إلَى أَنْ تَظْفَرَ بِمُبَادِيهِ أَعْنِي الْأَمْرَ الْمُنَاسِبَ لَهُ الْمُفْضِيَ إلَى الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِهِ، وَهَذَا الْأَمْرُ الْمُنَاسِبُ هُوَ الْحَدُّ الْوَسَطُ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ فَتَتَحَرَّك فِيهِ مُرَتَّبَةُ لَهُ مَعَ طَرَفَيِّ الْمَطْلُوبِ عَلَى وَجْهٍ مُسْتَلْزَمٍ لَهُ اسْتِلْزَامًا قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا وَتَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى الْمَطْلُوبِ مَثَلًا إذَا كَانَ مَطْلُوبُ النَّفْسِ كَوْنَ الْعَالَمِ حَادِثًا انْتَقَلَتْ مِنْهُ وَتَرَدَّدَتْ فِي الْمَعَانِي الْحَاضِرَةِ عِنْدَهَا فَوَجَدَتْ الْمُتَغَيِّرَ مُنَاسِبًا لِكَوْنِهِ مَحْمُولًا عَلَى الْعَالَمِ، وَمَوْضُوعًا لِلْحَادِثِ فَرَتَّبْته فَحَصَلَ الْعَالَمُ مُتَغَيِّرٌ وَكُلُّ مُتَغَيِّرٍ حَادِثٌ ثُمَّ رَجَعْت إلَى أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ فَظَهَرَ أَنَّ هُنَا حَرَكَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَأَنَّ مَا مِنْهُ الْحَرَكَةَ الْأُولَى هُوَ الْمَطْلُوبُ الْمَشْعُورُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَمَا هِيَ فِيهِ هِيَ الصُّوَرُ الْعَقْلِيَّةُ الْمَخْزُونَةُ عِنْدَ الْعَقْلِ، وَمَا هِيَ إلَيْهِ هُوَ الْحَدُّ الْأَوْسَطُ، وَمَا مِنْهُ الْحَرَكَةُ الثَّانِيَةُ هُوَ الْوَسَطُ أَيْضًا، وَمَا هِيَ فِيهِ هِيَ الْحُدُودُ، وَمَا هِيَ إلَيْهِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْمَطْلُوبِ، وَأَنَّ الْحَرَكَةَ الْأُولَى تَحْصُلُ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَادَّةِ أَعْنِي مَبَادِئَ الْمَطْلُوبِ الَّتِي يُوجَدُ مَعَهَا الْفِكْرَةُ بِالْقُوَّةِ وَالثَّانِيَةُ تَحْصُلُ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الصُّورَةِ أَعْنِي التَّرْتِيبَ الَّذِي يُوجَدُ مَعَهُ الْفِكْرُ بِالْفِعْلِ وَحِينَئِذٍ يَتِمُّ الْفِكْرُ بِجُزْأَيْهِ مَعًا، وَإِلَّا فَالْفِكْرُ عَرَضٌ لَا مَادَّةٌ لَهُ ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَوَسِّطَ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَجْهُولَاتِ فِي الِاسْتِحْصَالِ هُوَ مَجْمُوعُ الِانْتِقَالَيْنِ إذْ بِهِ يُتَوَصَّلُ مِنْ الْمَعْلُومِ إلَى الْمَجْهُولِ تَوَصُّلًا اخْتِيَارِيًّا، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ بِوَاسِطَةِ الْجُزْءِ الثَّانِي، وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَعَلَى إنَّ الْفِكْرَ هُوَ ذَلِكَ التَّرْتِيبُ الْحَاصِلُ مِنْ الِانْتِقَالِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَجْهُولِ مِنْ مُبَادِيهِ يَدُورُ عَلَيْهِ

وُجُودًا وَعَدَمًا. وَأَمَّا الِانْتِقَالَانِ فَخَارِجَانِ عَنْ الْفِكْرِ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ لَازِمٌ لَهُ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ قَطْعًا، وَالْأَوَّلُ لَا بَلْ هُوَ أَكْثَرِيُّ الْوُقُوعِ مَعَهُ، وَهَلْ هَذَا النِّزَاعُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى أَوْ إنَّمَا هُوَ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْفِكْرِ لَا غَيْرُ؟ . جَزَمَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ بِالثَّانِي وَظَهَرَ أَيْضًا خُرُوجُ الْحَدْسِ، وَمَا يَتَوَارَدُ عَلَى النَّفْسِ مِنْ الْمَعَانِي بِلَا قَصْدٍ عَنْ حَدِّ النَّظَرِ ثُمَّ بَقِيَ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالصَّحِيحِ، وَهُوَ الْمُشْتَمِلُ عَلَى شَرَائِطِهِ مَادَّةً وَصُورَةً أَوْ شَامِلٌ لَهُ وَلِلْفَاسِدِ، وَهُوَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَذَكَرَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ شَامِلٌ لَهُمَا، وَأَنَّ التَّرْتِيبَ عَلَى وَجْهٍ مُسْتَلْزِمٍ لَا يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ سَيَظْهَرُ أَنَّ فَسَادَ النَّظَرِ قَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْمَادَّةِ فَلَوْ رَتَّبَ مَادَّةً فَاسِدَةً تَرْتِيبًا مُسْتَلْزِمًا كَأَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْعَالَمَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْمُؤَثِّرِ، وَكُلُّ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ قَدِيمٌ حَتَّى أَنْتَجَ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ كَانَ هَذَا نَظَرًا فَاسِدًا، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِوُجُودِ الْأَمْرِ الْمُنَاسِبِ بِحَسَبِ الِاعْتِقَادِ سَوَاءٌ كَانَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ أَوْ لَا كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي الْمَطْلُوبِ نَعَمْ هُوَ خَاصٌّ بِالْمَطَالِبِ التَّصْدِيقِيَّةِ يَقِينِيَّةً كَانَتْ أَوْ ظَنِّيَّةً كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ لِتَجِدَ الْمُنَاسِبَ إلَخْ لَا مَا يَعُمُّهَا وَيَعُمُّ التَّصَوُّرَاتِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَالدَّلِيلُ) لُغَةً فَعِيلُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ الدَّلَالَةِ ثُمَّ ظَاهِرُ الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ وَالْهُدَى وَالرَّشَادُ مُتَرَادِفَاتٌ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: لَكِنَّ مُقْتَضَى قَوْلِ صَاحِبِ الْكَشَّافِ فِيهِ أَنَّ الْهُدَى أَخَصُّ مِنْ الدَّلَالَةِ، وَقَوْلِ صَاحِبِ الْمَصَادِرِ أَنَّ الْإِرْشَادَ أَخُصُّ مِنْهَا قَالُوا وَلِلدَّلِيلِ لُغَةً ثَلَاثَةُ مَعَانٍ (الْمُوصِلُ بِنَفْسِهِ) إلَى الْمَقْصُودِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ الْآمِدِيُّ بِالنَّاصِبِ لِلدَّلِيلِ (وَالذَّاكِرِ لِمَا فِيهِ إرْشَادٌ) إلَى الْمَطْلُوبِ كَاَلَّذِي يَعْرِفُ الطَّرِيقَ بِذِكْرِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ (وَمَا فِيهِ إرْشَادٌ) كَالْعَلَامَةِ الْمَنْصُوبَةِ مِنْ الْأَحْجَارِ أَوْ غَيْرِهَا لِتَعْرِيفِ الطَّرِيقِ فَيُقَالُ عَلَى الْأَوَّلِ الدَّلِيلُ عَلَى اللَّهِ هُوَ اللَّهُ كَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعَارِفُونَ، وَعَلَى الثَّانِي هُوَ الْعَالِمُ بِكَسْرِ اللَّامِ الذَّاكِرُ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعَالَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِمَّا يَصِحُّ أَيْضًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لِعِبَادِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا: إنَّ الدَّلِيلَ عَلَى اللَّهِ هُوَ اللَّهُ لَكِنْ لَا عَلَى قَصْدِ الْحَصْرِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ. وَعَلَى الثَّالِثِ الْعَالَمُ بِفَتْحِ اللَّامِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إرْشَادًا إلَيْهِ وَدَلَالَةً عَلَيْهِ قَالُوا: وَإِطْلَاقُ الدَّلِيلِ عَلَى الدَّالِّ وَالذَّاكِرِ لِلدَّلِيلِ حَقِيقَةٌ، وَعَلَى مَا فِيهِ إرْشَادٌ مَجَازٌ إذْ الْفِعْلُ قَدْ يُنْسَبُ إلَى الْآلَةِ كَمَا يُقَالُ السِّكِّينُ قَاطِعٌ. (وَفِي الِاصْطِلَاحِ) الْخَاصِّ لِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ لَا الْفُقَهَاءِ لَا غَيْرُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ الْبَدِيعِ (مَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِذَلِكَ النَّظَرِ فِيهِ إلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ) فَمَا أَيُّ شَيْءٍ جِنْسٍ شَامِلٍ لِلدَّلِيلِ وَغَيْرِهِ، وَمَا عَدَاهُ فَصْلٌ أَخْرَجَ مَا سِوَاهُ ثُمَّ قَوْلُهُ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ دُونَ مَا يَتَوَصَّلُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ دَلِيلٌ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّوَصُّلُ بِالْفِعْلِ بَلْ يَكْفِي إمْكَانُهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ دَلِيلًا بِعَدَمِ النَّظَرِ فِيهِ أَصْلًا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الصَّلَاحِيَّةُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَعْرُوضُ الدَّلَالَةِ، وَهِيَ كَوْنُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوْ الظَّنَّ إذَا نَظَرَ فِيهِ، وَهَذَا حَاصِلٌ، نَظَرَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَنْظُرْ. وَقَوْلُهُ بِذَلِكَ النَّظَرِ يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ يَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ فَهَذَا التَّعْرِيفُ لِلدَّلِيلِ يَشْمَلُ الدَّلِيلَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ أَيْضًا لَكِنْ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ أَمَّا عَلَى الْأُصُولِيِّينَ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّلِيلُ فَاسِدًا إلَّا بِنَوْعٍ مِنْ التَّجَوُّزِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ فَسَادٌ اهـ. نَعَمْ الْمَذْكُورُ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ تَقْيِيدُ النَّظَرِ بِالصَّحِيحِ قَالُوا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِي نَفْسِهِ سَبَبًا لِلْوُصُولِ وَلَا آلَةً لَهُ، وَإِنْ كَانَ يُفْضِي إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ فَذَلِكَ إفْضَاءٌ اتِّفَاقِيٌّ، وَأَوْرَدَ الْإِفْضَاءُ إلَى الْمَطْلُوبِ يَسْتَلْزِمُ إمْكَانَ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ لَا مَحَالَةَ وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ مَعْنَى التَّوَصُّلِ يَقْتَضِي وَجْهَ الدَّلَالَةِ بِخِلَافِ الْإِفْضَاءِ يَعْنِي التَّوَصُّلَ إلَى الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالْمَطْلُوبِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالنَّظَرِ فِيمَا هُوَ مَعْرُوضُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَنْتَقِلَ الذِّهْنُ بِهَا إلَى الْمَطْلُوبِ الْمُسَمَّاةِ وَجْهَ الدَّلَالَةِ، وَهَذِهِ الْجِهَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي النَّظَرِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْمَطْلُوبِ بِوَاسِطَةِ اعْتِقَادٍ أَوْ ظَنٍّ كَمَا إذَا نَظَرَ

فِي الْعَالَمِ مِنْ حَيْثُ الْبَسَاطَةُ أَوْ فِي النَّارِ مِنْ حَيْثُ التَّسْخِينُ فَإِنَّ الْبَسَاطَةَ وَالتَّسْخِينَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمَا أَنْ يُنْتَقَلَ بِهِمَا إلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَالدُّخَانِ وَلَكِنْ يُؤَدِّي إلَى وُجُودِهِمَا مِمَّنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْعَالَمَ بَسِيطٌ وَكُلُّ بَسِيطٍ لَهُ صَانِعٌ، وَمِمَّنْ ظَنَّ أَنَّ كُلَّ مُسَخَّنٍ لَهُ دُخَانٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْفَاسِدَ قَدْ يُمْكِنُ بِهِ التَّوَصُّلُ إلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ: وَالْحُكْمُ بِكَوْنِ الْإِفْضَاءِ فِي الْفَاسِدِ اتِّفَاقِيًّا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْكَوَاذِبِ ارْتِبَاطٌ عَقْلِيٌّ يَصِيرُ بِهِ بَعْضُهَا وَسِيلَةً إلَى الْبَعْضِ أَوْ يَخُصُّ بِفَسَادِ الصُّورَةِ أَوْ بِوَضْعِ مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ مَكَانَهُ وَأُرِيدَ بِالنَّظَرِ فِيهِ مَا يَتَنَاوَلُ النَّظَرَ فِيهِ نَفْسُهُ، وَفِي صِفَاتِهِ، وَأَحْوَالِهِ فَيَشْمَلُ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي هِيَ بِحَيْثُ إذَا رُتِّبَتْ أَدَّتْ إلَى الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ وَالْمُفْرَدِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ إذَا نُظِرَ فِي أَحْوَالِهِ أَوْصَلَ إلَيْهِ كَالْعَالَمِ وَحَيْثُ أُرِيدَ بِالْإِمْكَانِ الْمَعْنَى الْعَامَّ الْمُجَامِعَ لِلْفِعْلِ وَالْوُجُوبَ انْدَرَجَ فِي الْحَدِّ الْمُقَدِّمَاتُ الْمُتَرَتِّبَةُ وَحْدَهَا. وَأَمَّا إذَا أُخِذَتْ مَعَ التَّرْتِيبِ فَيَسْتَحِيلُ النَّظَرُ فِيهَا إذْ لَا مَعْنَى لِلنَّظَرِ وَحَرَكَةِ النَّفْسِ فِي الْأُمُورِ الْحَاضِرَةِ الْمُرَتَّبَةِ، وَقَوْلُهُ إلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْمُحْتَمِلُ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ احْتِرَازٌ مِمَّا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى مَطْلُوبٍ تَصَوُّرِيٍّ، وَهُوَ الْقَوْلُ الشَّارِحُ حَدًّا وَرَسْمًا تَامَّيْنِ وَنَاقِصَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ اصْطِلَاحًا ثُمَّ حَيْثُ أَطْلَقَ التَّوَصُّلَ إلَى الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ شَمَلَ مَا كَانَ بِطَرِيقِ الْعِلْمِ، وَمَا كَانَ بِطَرِيقِ الظَّنِّ وَانْطَبَقَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ كَالْعَالَمِ الْمُوصِلِ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِي أَحْوَالِهِ إلَى الْعِلْمِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ وَالْغَيْمِ الرَّطْبِ الْمُوصِلِ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِي حَالِهِ إلَى ظَنِّ وُقُوعِ الْمَطَرِ، وَقَدْ يَخُصُّ الدَّلِيلَ بِالْقَطْعِيِّ فَيُقَالُ إلَى الْعِلْمِ بِمَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ وَيُسَمَّى الظَّنُّ حِينَئِذٍ أَمَارَةُ هَذَا، وَقَدْ تَعَقَّبَ شَارِحُ الْعَقَائِدِ هَذَا التَّعْرِيفَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى نَفْسِ الْمَدْلُولِ؛ وَلِأَنَّ اسْتِعْمَالَ " يُمْكِنُ " مُفْسِدٌ إذْ الْمُرَادُ بِالْإِمْكَانِ إمَّا عَامٌّ فَيَكُونُ مَفْهُومُ التَّعْرِيفِ حِينَئِذٍ الدَّلِيلَ هُوَ الَّذِي بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ سَلْبُ التَّوَصُّلَ إلَى الْعِلْمِ بِمَطْلُوبٍ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ أَوْ خَاصٍّ فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ سَلْبَ التَّوَصُّلِ عَنْهُ وَإِثْبَاتَهُ لَهُ لَيْسَا بِضَرُورِيِّينَ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ دَلِيلًا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ شِئْت لِصِدْقِ هَذَا الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لَكِنْ خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَنْسُوبِينَ إلَى التَّحْقِيقِ ثُمَّ قَالَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِعَوْنِ اللَّهِ وَإِلْهَامِهِ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي حَدِّ الدَّلِيلِ هُنَا هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِيهِ التَّصْدِيقُ اهـ. وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - يَقُولُ التَّعَقُّبُ لِلتَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ بِصِدْقِهِ عَلَى الْمَدْلُولِ وَارِدٌ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصْدُقُ عَلَى الْمَدْلُولِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِيهِ التَّصْدِيقُ فَمَا هُوَ جَوَابُهُ عَنْ هَذَا فَهُوَ جَوَابُهُمْ ثُمَّ الْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّجَهٍ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ وَالْمَدْلُولَ مِنْ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ وَالتَّعْرِيفِ لَهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ، وَإِذَنْ لَا نُسَلِّمُ صِدْقَ التَّعْرِيفِ لِلدَّلِيلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْمَدْلُولِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَدْلُولٌ نَعَمْ الْوَجْهُ ذِكْرُ اللُّزُومِ لَا الْإِمْكَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِمْكَانَ الْخَاصَّ أَوْ الْعَامَّ، وَإِنْ أَمْكَنَ التَّمَحُّلُ لِتَوْجِيهِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَعْدَ اللَّتَيَّا وَاَلَّتِي عُدُولًا عَمَّا هُوَ كَالْفَصْلِ الْقَرِيبِ إلَى مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَرَضِ الْعَامِّ، وَأَمَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْإِمْكَانِ بِالْمَعْنَى الْخَاصِّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ دَلِيلًا عَلَى مَا أَرَادَ النَّاظِرُ فَغَيْرُ لَازِمٍ قَطْعًا بَلْ هُوَ إسْرَافٌ ظَاهِرٌ وَغُلُوٌّ مَرْدُودٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (فَهُوَ) أَيْ الدَّلِيلُ اصْطِلَاحًا شَرْعِيًّا (مُفْرَدٌ) بِالْمَعْنَى الَّذِي يُقَابِلُ الْجُمْلَةَ (قَدْ يَكُونُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي الْمَطْلُوبِ كَالْعَالَمِ) فِي الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ الَّذِي هُوَ قَوْلُنَا الْعَالَمُ حَادِثٌ حَتَّى أَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِالنَّظَرِ فِي أَحْوَالِهِ إلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ بِقَوْلِنَا الْعَالَمُ مُتَغَيِّرٌ، وَكُلُّ مُتَغَيِّرٍ حَادِثٌ (أَوْ الْوَسَطُ وَلَوْ مَعْنَى فِي السَّمْعِيَّاتِ) أَيْ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَدُّ الْأَوْسَطُ فِي إثْبَاتِ الْمَطَالِبِ الْخَبَرِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَلَوْ كَانَ كَوْنُهُ الْحَدَّ الْأَوْسَطَ فِيهِ دَلِيلًا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَقَطْ. (وَمِنْهُ) أَيْ الدَّلِيلُ الْمُفْرَدُ (نَحْوَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ) فَإِنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِالنَّظَرِ فِيهِ إلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ هُوَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ بِأَنْ يُقَالَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ أَمْرٌ بِإِقَامَتِهَا وَالْأَمْرُ بِإِقَامَتِهَا يُفِيدُ وُجُوبَهَا فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ يُفِيدُ وُجُوبَهَا، وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنْ آتَوْا الزَّكَاةَ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا كَمَا

يُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظُ نَحْوَ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ كَوْنُ الدَّلِيلِ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ مُفْرَدًا مَحْكُومًا عَلَيْهِ فِي الْمَطْلُوبِ وَبِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى مُفْرَدًا حَدًّا وَسَطًا بَيْنَ طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُفْرَدًا لَفْظًا وَمَعْنًى أَوْ لَفْظًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ لَيْسَ بِمُفْرَدٍ مَعْنًى فَهُوَ مُفْرَدٌ لَفْظًا، وَإِنْ كَانَ جُمْلَةً فِي الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ إذَا أُرِيدَ بِهَا اللَّفْظُ كَانَتْ مُفْرَدًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِإِقَامَتِهَا عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنَى أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ بِإِقَامَتِهَا لَيْسَ بِجُمْلَةٍ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْأَبْهَرِيِّ الدَّلِيلُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ مَا يُجْعَلُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ فِي صُغْرَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْأَصْغَرُ (ذِكْرُ كُلٍّ) مِنْ هَذَيْنِ أَنَّهُ دَلِيلٌ فِي الِاصْطِلَاحِ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ الْمُحَقِّقِ الشَّرِيفِ أَنَّ الدَّلِيلَ اصْطِلَاحًا يَشْمَلُ الْمُفْرَدَ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ إذَا نُظِرَ فِي أَحْوَالِهِ أَوْصَلَ إلَى الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ وَالْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي بِحَيْثُ إذَا رُتِّبَتْ أَدَّتْ إلَى الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ وَالْمُقَدِّمَاتِ الْمُرَتَّبَةِ وَحْدَهَا (إلَّا أَنَّ مَنْ أَفْرَدَ) أَيْ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الدَّلِيلَ مُفْرَدٌ (وَأَدْخَلَ الِاسْتِدْلَالَ فِي مُسَمَّى الدَّلِيلِ) كَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُمَا ذَكَرَا مِنْ أَقْسَامِ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ الِاسْتِدْلَالَ زِيَادَةً عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ فَهُوَ (ذَاهِلٌ) ؛ لِأَنَّ التَّرْكِيبَ لَازِمٌ فِي التَّلَازُمِ، وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّ حَاصِلَهُ عَلَى مَا سَتَعْلَمُ تَرْكِيبٌ اقْتِرَانِيٌّ أَوْ اسْتِثْنَائِيٌّ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ مُرَكَّبٌ فَبَعْضُ الدَّلِيلِ حِينَئِذٍ مُرَكَّبٌ، وَقَدْ كَانَ كُلُّهُ مُفْرَدًا. (وَعِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ) الدَّلِيلُ (مَجْمُوعُ الْمَادَّةِ وَالنَّظَرِ فَهُوَ الْأَقْوَالُ الْمُسْتَلْزِمَةُ) قَوْلًا آخَرَ وَحَذَفَهُ لِلِاعْتِمَادِ عَلَى شُهْرَتِهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَقْوَالِ مَا فَوْقَ قَوْلٍ وَاحِدٍ وَبِالْقَوْلِ الْمُرَكَّبِ التَّامُّ الْمُحْتَمِلُ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْمَعْقُولُ إنْ كَانَ الدَّلِيلُ مَعْقُولًا وَالْمَلْفُوظُ إنْ كَانَ الدَّلِيلُ مَلْفُوظًا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عِنْدَهُمْ كَالْقَوْلِ، وَالْقَضِيَّةُ تُطْلَقُ عَلَى الْمَعْقُولِ وَالْمَسْمُوعِ اشْتِرَاكًا أَوْ حَقِيقَةً وَمَجَازًا، وَبِالِاسْتِلْزَامِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنًا أَوْ غَيْرَ بَيْنٍ ذَاتِيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَبِالْقَوْلِ الْآخَرِ الْمَعْقُولُ؛ لِأَنَّ الْمَسْمُوعَ أَعْنِي التَّلَفُّظَ بِالنَّتِيجَةِ غَيْرُ لَازِمٍ لَا لِلْمَعْقُولِ وَلَا لِلْمَسْمُوعِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُغَايِرُ كُلًّا مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ كُلُّ قَضِيَّتَيْنِ وَلَوْ مُتَبَايِنَتَيْنِ دَلِيلًا لِاسْتِلْزَامِ مَجْمُوعِهِمَا كُلًّا مِنْهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَخْرُجُ الْقَضِيَّةُ الْوَاحِدَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِذَاتِهَا عَكْسَهَا الْمُسْتَوِي، وَعَكْسَ نَقِيضِهَا وَالْقَوْلَانِ فَصَاعِدًا مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ التَّقْيِيدِيَّةِ أَوْ مِنْهَا وَمِنْ التَّامَّةِ، وَقَوْلَانِ مِنْ التَّامَّةِ إذَا لَمْ يَشْتَرِكَا فِي حَدٍّ أَوْسَطَ وَيَدْخُلُ الْقِيَاسُ الْكَامِلُ وَغَيْرُهُ وَالْبَسِيطُ وَالْمُرَكَّبُ وَالْقَطْعِيُّ وَالظَّنِّيُّ الَّذِي هُوَ الْإِمَارَةُ (وَلَا تَخْرُجُ الْأَمَارَةُ وَلَوْ يُزَادُ لِنَفْسِهَا) بَعْدَ الْمُسْتَلْزِمَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ الْأَمَارَةَ وَإِنْ لَمْ تَسْتَلْزِمْ ثُبُوتَ الْمَدْلُولِ لَا تَخْرُجُ بِقَيْدِ الِاسْتِلْزَامِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُقَدِّمَتَانِ. فَوُجُودُ الْقَاضِي فِي الْمَنْزِلِ مَثَلًا، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ قِيَامِ بَغْلَتِهِ مَشْدُودَةً عَلَى بَابِهِ لَكِنْ يَلْزَمُ ظَنُّهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا قُلْت إنْ كَانَتْ بَغْلَةُ الْقَاضِي عَلَى بَابِهِ فَهُوَ فِي الْمَنْزِلِ لَكِنَّهَا عَلَى بَابِهِ يَلْزَمُ قَطْعًا فَهُوَ فِي الْمَنْزِلِ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الشَّرْطِيَّةَ الَّتِي هِيَ الدَّلِيلُ ظَنٌّ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الظَّنُّ قَطْعًا بِالظَّنِّ بِالْمَطْلُوبِ. ثُمَّ مَنْ زَادَ لِنَفْسِهَا لَمْ يَزِدْهُ لِإِخْرَاجِهَا (بَلْ لِيُخْرِجَ قِيَاسَ الْمُسَاوَاةِ) ، وَهُوَ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ مُتَعَلَّقٌ مَحْمُولٌ أَوَّلَاهُمَا مَوْضُوعُ الْأُخْرَى كَ (ا) مُسَاوٍ لِ (ج) وَ (ج) مُسَاوٍ لِ (ب) فَإِنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ (ا) مُسَاوٍ لِ (بِ) لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ كَمَا قَالَ (لِأَنَّهُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِلْزَامَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ مُقَدِّمَةٍ أَجَنِيبَةٍ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مُسَاوٍ لَلْمُسَاوِي لِلشَّيْءِ مُسَاوٍ لِذَلِكَ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِلْزَامُ حَيْثُ تَصْدُقُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ حَيْثُ لَا تَصْدُقُ كَمَا فِي (ا) مُبَايِنٌ لِ (ب) وَ (ب) مُبَايِنٌ لِ (ج) فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ (ا) مُبَايِنٌ لِ (ج) ؛ لِأَنَّ مُبَايِنَ الْمُبَايِنِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُبَايِنًا (وَلَا حَاجَةَ) إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِإِخْرَاجِ هَذَا الْقِيَاسِ مِنْ الدَّلِيلِ (لِأَعَمِّيَّتِهِ) أَيْ الْمُسْتَلْزِمِ مَا كَانَ بِنَفْسِهِ، وَمَا كَانَ بِوَاسِطَةِ مُقَدِّمَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ (فَيَدْخُلُ) قِيَاسُ الْمُسَاوَاةِ فِي الدَّلِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَكُونُ الْمُقَدِّمَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ جُزْءَ الدَّلِيلِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جُزْءَ قِيَاسٍ

وَيُجْعَلُ الدَّلِيلُ أَعَمَّ مِنْ الْقِيَاسِ وَكَشَفَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي مَلْزُومِيَّةِ الْعِلْمِ الثَّالِثِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمُقَدِّمَاتِ الثَّلَاثِ الْمُقَدِّمَتَانِ اللَّتَانِ هُمَا صُورَةُ الشَّكْلِ وَالْأَجْنَبِيَّةُ فَحِينَئِذٍ الدَّلِيلُ تَارَةً يَقُومُ بِمُقَدِّمَتَيْنِ وَتَارَةً بِثَلَاثٍ وَتَارَةً بِأَكْثَرَ كَمَا فِي الْأَقْيِسَةِ الْمُرَكَّبَةِ. ثُمَّ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ مَتَى سَلِمَتْ لَزِمَ عَنْهَا قَوْلٌ آخَرُ فَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَا) حَاجَةَ (لِقَيْدِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ قَيْدَ التَّسْلِيمِ (لِدَفْعِ الْمَنْعِ) عَنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ الْقِيَاسُ (لَا) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ (لِلِاسْتِلْزَامِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ اسْتِلْزَامَ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ لَازِمٌ (لِلصُّورَةِ) أَلْبَتَّةَ ثُمَّ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (فَتَسْتَلْزِمُ) الصُّورَةُ الْقَوْلَ الْآخَرَ (دَائِمًا عَلَى نَحْوِهَا) مِنْ قَطْعٍ أَوْ ظَنٍّ فَإِنْ كَانَتْ الْأَقْوَالُ قَطْعِيَّةَ الثُّبُوتِ اسْتَلْزَمَتْ قَطْعِيًّا، وَإِنْ كَانَتْ ظَنِّيَّةً اسْتَلْزَمَتْ ظَنِّيًّا، وَإِنْ كَانَتْ صَادِقَةً أَنْتَجَتْ صَادِقًا، وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً أُنْتِجَتْ كَاذِبًا، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ الْمُتَقَدِّمُونَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مُعْتَرِفِينَ بِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الِاسْتِلْزَامِ فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَحَقُّقَ اللُّزُومِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ الْمَلْزُومِ وَلَا اللَّازِمِ، أَوْ لَا يَرَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ الْعَالَمُ قَدِيمٌ وَكُلُّ قَدِيمٍ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْمُؤَثِّرِ يَسْتَلْزِمُ الْعَالَمَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْمُؤَثِّرِ إذْ لَوْ تَحَقَّقَ الْأَوَّلُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَحَقَّقَ الثَّانِي قَطْعًا، وَهُوَ مَعْنَى الِاسْتِلْزَامِ وَلَا تَحَقُّقَ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا، وَأَنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ حَيْثُ هُوَ قِيَاسٌ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُقَدِّمَاتُهُ صَادِقَةً مُسَلَّمَةً فَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِهِ خُرُوجُ الْقِيَاسِ الَّذِي مُقَدِّمَاتُهُ كَاذِبَةٌ وَلَا أَنَّ تِلْكَ الْقَضَايَا مُتَحَقِّقَةٌ فِي الْوَاقِعِ، وَأَنَّ اللَّازِمَ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ أَيْضًا (وَلَزِمَ) مِنْ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ النَّظَرِ (سَبْقُ الشُّعُورِ بِالْمَطْلُوبِ) التَّصْدِيقِيِّ النَّظَرِيِّ لِلنَّاظِرِ قَبْلَ النَّظَرِ الْمُسْتَلْزِمِ لِحُصُولِهِ ضَرُورَةَ اسْتِحَالَةِ طَلَبِ الْمَجْهُولِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَذَلِكَ (كَطَرَفَيْ الْقَضِيَّةِ وَكَيْفِيَّتَيْ الْحُكْمِ) أَيْ كَتَصَوُّرِ طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ اللَّذَيْنِ هُمَا الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَالْمَحْكُومُ بِهِ وَالنِّسْبَةُ الَّتِي بَيْنَهُمَا الصَّالِحَةُ مَوْرِدًا لِلْحُكْمِ وَصِفَتِهِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ تَصَوُّرًا سَاذَجًا. (وَالتَّرَدُّدُ فِي ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ وَتَرَدُّدُ النَّاظِرِ إنَّمَا هُوَ كَائِنٌ فِي ثُبُوتِ الْمَحْكُومِ بِهِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ (عَلَى أَيِّ كَيْفِيَّتَيْهِ) مِنْ الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ بِعَيْنِهَا فَهُوَ سَاعٍ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ التَّصْدِيقِيَّ مَعْلُومٌ بِاعْتِبَارِ التَّصَوُّرِ الَّذِي بِهِ يَتَمَيَّزُ عَمَّا عَدَاهُ مَجْهُولٌ بِاعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ بِحَسَبِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ طَلَبُ مَا لَا شُعُورَ بِهِ أَصْلًا وَلَا طَلَبُ مَا هُوَ حَاصِلُ وَلَا عَدَمُ مَعْرِفَةِ أَنَّهُ الْمَطْلُوبُ إذَا حَصَلَ وَلَمَّا أَوْرَدَ عَلَى التَّصَوُّرِ مِثْلَ هَذَا كَمَا هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيّ امْتِنَاعُ اكْتِسَابِ التَّطَوُّرَاتِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ التَّصَوُّرَيَّ يَمْتَنِعُ طَلَبُهُ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَشْعُورٌ بِهِ مُطْلَقًا فَهُوَ حَاصِلٌ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ أَوْ لَيْسَ بِمَشْعُورٍ بِهِ مُطْلَقًا فَطَلَبُهُ مُحَالٌ أَيْضًا لِاسْتِحَالَةِ طَلَبِ مَا هُوَ كَذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ قُطْبِ الدِّينِ شَارِحِ الْمَطَالِعِ أَنَّ هَذَا لَا يُرَادُ إنَّمَا وَقَعَ أَوَّلًا عَلَى الْمَطَالِبِ التَّصَوُّرِيَّةِ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَوْرَدَهُ مَاتِنُ مُخَاطِبًا بِهِ سُقْرَاطَ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّقْسِيمَ غَيْرُ حَاصِرٍ بَلْ هُنَا قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ وَجْهٍ مَجْهُولٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَطْلُبُ مِنْ الْوَجْهِ الْمَعْلُومِ الْوَجْهَ الْمَجْهُولَ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ اسْتِطْرَادًا فَقَالَ (وَالْمَحْدُودُ مَعْلُومٌ) لِلطَّالِبِ (مِنْ حَيْثُ هُوَ مُسَمًّى) لِلَفْظٍ مُعَيَّنٍ عِنْدَهُ مَجْهُولٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَالْحَقِيقَةُ (فَيَطْلُبُ) مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي هُوَ بِهَا مَعْلُومٌ حَقِيقَتَهُ الْمَجْهُولَةِ، وَهِيَ (أَنَّهُ أَيْ مَادَّةٌ مُرَكَّبَةٌ) مِنْ الْمَوَادِّ الْمُرَكَّبَةِ لِيَتَصَوَّرَ أَجْزَاءَهُ مُتَمَيِّزَةً عَنْ غَيْرِهَا وَيُرَتِّبُهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي فَيَتَّضِحُ الْمَحْدُودُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يُمَيِّزُ أَجْزَاءَ الْمَحْدُودِ أَوْ الْمَحْدُودُ مَعْلُومٌ لِلطَّالِبِ بِسَبَبِ الْعِلْمِ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ أَوْ الْعَرَضِيَّةِ مَجْهُولٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَالْحَقِيقَةُ فَيَطْلُبُ مَا هُوَ مَجْهُولٌ لَهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ مَعْلُومٌ لَهُ لِيَصِيرَ الْمَجْهُولُ لَهُ مَعْلُومًا أَيْضًا فَالْوَجْهُ الْمَجْهُولُ، وَهُوَ الذَّاتُ هُوَ الْمَطْلُوبُ وَالْوَجْهُ الْمَعْلُومُ، وَهُوَ بَعْضُ الصِّفَاتِ أَوْ الِاعْتِبَارَاتِ، وَلَوْ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ مُسَمَّى لَفْظٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ فَلَمْ يَلْزَمْ طَلَبُ الْمَجْهُولِ مُطْلَقًا وَلَا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. وَإِنَّمَا قَالَ أَيُّ مَادَّةٍ مُرَكَّبَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَسِيطَ لَا يُكْتَسَبُ بِالْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ كَمَا عَرَفْت يُمَيِّزُ أَجْزَاءَ الْمَحْدُودِ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى مَعْنَاهُ لَا تَعَدُّدَ فِيهَا

وَالْبَسِيطُ لَا أَجْزَاءَ لَهُ فَيَنْتَفِي تَمَيُّزُهَا. فَإِنْ قِيلَ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكْتَسِبَ حَقِيقَةَ الْبَسِيطِ الْمَجْهُولَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ بِالنَّظَرِ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَرَكَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ إلَى الْمَبْدَأِ الَّذِي هُوَ مَعْنًى بَسِيطٌ يَسْتَلْزِمُ الِانْتِقَالَ إلَى الْمَطْلُوبِ فَقَدْ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَنْعِ قَائِلًا (وَتَجْوِيزُ الِانْتِقَالِ إلَى بَسِيطٍ يَلْزَمُهُ الْمَطْلُوبُ لَيْسَ بِهِ) أَيْ بِالنَّظَرِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْعُلُومِ (وَلَوْ كَانَ) الِانْتِقَالُ الْمَذْكُورُ (بِالْقَصْدِ إذْ لَيْسَ النَّظَرُ) بِالْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ فِي الْعُلُومِ (الْحَرَكَةَ الْأُولَى) يَعْنِي الْحَرَكَةَ مِنْ الْمَطَالِبِ إلَى الْمَبَادِئِ، وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهَا أَيْضًا بَلْ النَّظَرُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْعُلُومِ حَرَكَةُ النَّفْسِ مِنْ الْمَطَالِبِ إلَى الْمَبَادِئِ، وَالرُّجُوعُ عَنْهَا إلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ غَايَتُهُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ تَعْرِيفٌ لِلنَّظَرِ الْخَاصِّ بِالتَّصْدِيقِ، وَهَذَا يَعُمُّ النَّظَرَ فِيهِ، وَفِي التَّصَوُّرِ فَهُوَ مَجْمُوعُ الْحَرَكَتَيْنِ ثُمَّ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَ تَعْلِيلِ نَفْيِ كَوْنِ النَّظَرِ الْحَرَكَةَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ (إذْ لَا تَسْتَلْزِمُ) الْحَرَكَةُ الْأُولَى الْحَرَكَةَ (الثَّانِيَةَ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ) يَعْنِي فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِمُ الْأُولَى (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الثَّانِيَةِ تَسْتَلْزِمُ الْأُولَى فَيُسْتَغْنَى بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا عَنْ ذِكْرِ الْأُولَى مَعَهَا (وَقَعَ التَّعْرِيفُ بِهَا) أَيْ بِالثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْأُولَى مَعَهَا بِنَاءً عَلَى اسْتِلْزَامِهَا إيَّاهَا (كَتَرْتِيبِ أُمُورٍ إلَخْ) أَيْ مَعْلُومَةٍ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى اسْتِعْلَامِ مَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الطَّوَالِعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَرَكَتَيْنِ يَسْتَلْزِمُ الْأُخْرَى حَتَّى قَالَ الْمُحَقِّقُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: وَكَثِيرًا مَا يُقْتَصَرُ فِي تَفْسِيرِ النَّظَرِ عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ أَوْ لَوَازِمِهِ اكْتِفَاءً بِمَا يُفِيدُ امْتِيَازُهُ أَوْ اصْطِلَاحًا عَلَى ذَلِكَ فَيُقَالُ هُوَ حَرَكَةُ الذِّهْنِ إلَى مَبَادِئِ الْمَطْلُوبِ أَوْ حَرَكَتُهُ عَنْ الْمَبَادِئِ إلَى الْمَطَالِبِ أَوْ تَرْتِيبِ الْمَعْلُومَاتِ لِلتَّأَدِّي إلَى مَجْهُولٍ اهـ. ثُمَّ اسْتِلْزَامُ كُلٍّ مِنْ الْحَرَكَتَيْنِ لِلْأُخْرَى لَيْسَ دَائِمًا بَلْ أَكْثَرِيٌّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي اسْتِلْزَامِ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى وَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ فِي اسْتِلْزَامِ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ ثُمَّ التَّرْتِيبُ لَيْسَ هُوَ الْحَرَكَةُ الثَّانِيَةُ، وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمُهَا كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْفِكْرَ الْمُرَادِفَ لِلنَّظَرِ بِهَذَا الْمَعْنَى هُوَ التَّرْتِيبُ الْحَاصِلُ مِنْ الْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الِانْتِقَالَانِ فَخَارِجَانِ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ لَازِمٌ لَهُ قَطْعًا، وَالْأَوَّلَ لَازِمٌ أَكْثَرِيٌّ فَلِمَ لَا يَكُونُ هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الْمُدَّعِي أَنَّ النَّظَرَ مَجْمُوعُ الْحَرَكَتَيْنِ فَأَيُّ أَثَرٍ لِتَعْلِيلِ نَفْيِ كَوْنِ النَّظَرِ هُوَ الْحَرَكَةَ الْأُولَى فَقَطْ بِكَوْنِهَا غَيْرَ مُسْتَلْزِمَةٍ لِلثَّانِيَةِ سِوَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي تَعْرِيفِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ. وَمَعْلُومٌ أَنَّا لَسْنَا الْآنَ بِهَذَا الصَّدَدِ فَظَهَرَ أَنَّ الْوَجْهَ حَذْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ الْبَيْنِ. (وَقَدْ ظَهَرَ) مِنْ تَعْرِيفِ النَّظَرِ وَالدَّلِيلِ (أَنَّ فَسَادَ النَّظَرِ) بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا (بِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ) أَيْ بِعَدَمِ دَلَالَةِ مَا يَقَعُ فِيهِ النَّظَرُ عَلَى الْمَطْلُوبِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ لِلْمَطْلُوبِ (فَسَادُ الْمَادَّةِ) كَمَا إذَا جَعَلْت مَادَّةَ الْقِيَاسِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ إنْتَاجُ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ الْعَالَمُ بَسِيطٌ، وَكُلُّ بَسِيطٍ قَدِيمٌ فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ كَاذِبَتَانِ مَعَ أَنَّ الْبَسَاطَةَ لَا يُنْتَقَلُ مِنْهَا إلَى الْقَدَمِ ثَانِيهمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَعَدَمُ ذَلِكَ الْوَجْهِ) أَيْ وَبِعَدَمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْمَطْلُوبِ، وَهُوَ فَسَادُ الصُّورَةِ كَأَنْ لَا يَقَعُ الْقِيَاسُ جَامِعًا لِشَرَائِطِ الْإِنْتَاجِ فَظَهَرَ قُصُورُ مَا فِي الْبَدِيعِ مِنْ قَوْلِهِ، وَمَا عَرَفْت جِهَةَ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَصَحِيحٌ، وَإِلَّا فَفَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مَا يَعْرِفُ جِهَةَ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ قَدْ لَا يَكُونُ صَحِيحًا لِفَقْدِ صُورَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْوَجْهُ الْمُسْتَلْزِمُ (جَعْلَ الْمَادَّةِ عَلَى حَدٍّ مُعَيَّنٍ فِي انْتِسَابِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، وَذَلِكَ) الْحَدُّ الْمُعَيَّنُ (طُرُقٌ) أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ مُلَازَمَةٌ بَيْنَ مَفْهُومَيْنِ ثُمَّ نَفْيُ اللَّازِمِ لِيَنْتَفِيَ الْمَلْزُومُ أَوْ إثْبَاتُ الْمَلْزُومِ لِيَثْبُتَ اللَّازِمُ) أَيْ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ الْقِيَاسُ الِاسْتِثْنَائِيُّ الْمُتَّصِلُ، وَهُوَ مُقَدِّمَتَانِ أَوَّلَاهُمَا شَرْطِيَّةٌ مُتَّصِلَةٌ مُوجَبَةٌ لُزُومِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ أَوْ جُزْئِيَّةٌ إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ كُلِّيًّا أَوْ شَخْصِيَّةٌ حَالُهَا وَحَالُ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّحِدٌ تُفِيدُ تَلَازُمًا بَيْنَ مَفْهُومَيْ جُزْأَيْهَا اللَّذَيْنِ يُسَمَّى أَحَدُهُمَا الْمَلْزُومُ وَالشَّرْطُ وَالْمُقَدَّمُ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ اللَّازِمُ وَالْجَزَاءُ وَالتَّالِي، وَهُوَ الثَّانِي وَأُخْرَاهُمَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ تُفِيدُ نَفْيَ اللَّازِمِ لِيَنْتَفِيَ الْمَلْزُومَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْمَلْزُومِ أَوْ

إثْبَاتَ الْمَلْزُومِ لِيَثْبُتَ اللَّازِمُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ اللَّازِمِ وَالْمُرَادُ بِالْكُلِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ النِّسْبَةُ الْإِيجَابِيَّةُ الِاتِّصَالِيَّةُ بَيْنَ الْمُقَدَّمِ وَالتَّالِي شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْأَوْضَاعِ الْمُمْكِنَةِ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الْمُقَدَّمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الدَّوَامِ مَعَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ وَالتَّصْرِيحِ بِاللَّازِمِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ وَلَا إلَى كُلِّيَّةِ الْمُقَدَّمِ أَوْ التَّالِي بَلْ تَتَحَقَّقُ مَعَ شَخْصِيَّتِهِمَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَالُوا: وَسُوَرُ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ كُلَّمَا وَمَهْمَا، وَمَتَى وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَثْنَى فِيهِ عَيْنُ الْمُقَدَّمِ مَا يَكُونُ بِأَنَّ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَثْنَى فِيهِ نَقِيضُ الْمُقَدَّمِ مَا يَكُونُ بِلَوْ قَالُوا وَلَا يُنْتِجُ اسْتِثْنَاءُ نَقِيضِ الْمُقَدَّمِ نَقِيضَ التَّالِي وَلَا اسْتِثْنَاءُ عَيْنِ التَّالِي عَيْنَ الْمُقَدَّمِ. وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا يَتَنَاوَلُ مَا اللَّازِمُ فِيهِ مُسَاوٍ لِلْمَلْزُومِ وَغَيْرِهِ كَمَا هُمْ مُصَرِّحُونَ بِهِ لَكِنْ تَعْلِيلُهُمْ الْمَنْعَ بِقَوْلِهِمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّالِي أَعَمَّ مِنْ الْمُقَدَّمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْمَلْزُومِ عَدَمُ اللَّازِمِ وَلَا مِنْ وُجُودِ اللَّازِمِ وُجُودُ الْمَلْزُومِ لَا يَقْتَضِي نَفْيَ الْإِنْتَاجِ الْمَذْكُورِ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ اللَّازِمِ وَالْمَلْزُومِ مُسَاوَاةٌ لِعَدَمِ جَرَيَانِ التَّجْوِيزِ الْمَذْكُورِ فِيهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (أَوْ نَفْيُ الْمَلْزُومِ لِنَفْيِ اللَّازِمِ فِي الْمُسَاوَاةِ أَوْ ثُبُوتِ اللَّازِمِ لِثُبُوتِ الْمَلْزُومِ فِيهِ) أَيْ التَّسَاوِي (أَيْضًا) ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ لُزُومَ هَذَا الْخُصُوصِ الْمَادَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ لَا لِنَفْسِ صُورَةِ الدَّلِيلِ، وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ بِمُلَاحَظَةِ لُزُومِ الْمُقَدَّمِ لِلتَّالِي، وَهُوَ مُتَّصِلٌ آخَرُ لَيْسَ بِضَائِرٍ فِي الْمَطْلُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ نَحْوُهُ فِي دُخُولِ قِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقِيَاسِ ثُمَّ لَا بَأْسَ بِإِيضَاحِهِ بِالْأَمْثِلَةِ. (كَانَ) كَانَ هَذَا الْفِعْلُ وَاجِبًا (أَوْ كُلَّمَا) كَانَ هَذَا الْفِعْلُ وَاجِبًا (أَوْ لَوْ كَانَ) هَذَا الْفِعْلُ (وَاجِبًا فَتَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ) عَلَى تَرْكِهِ فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ شَرْطِيَّةٌ مُتَّصِلَةٌ مُوجَبَةٌ لُزُومِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَصْدِيرِهَا بِكُلَّمَا وَشَخْصِيَّةً حَالُهَا وَحَالُ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّحِدٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَصْدِيرِهَا بِأَنَّ وَلَوْ بِفَرْضِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي حَالِ كَذَا فِي كُلٍّ مِنْهَا، وَمِنْ الِاسْتِثْنَاءِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمُقَدِّمَةُ الِاسْتِثْنَائِيَّة نَفْيَ اللَّازِمِ أَعْنِي (لَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ) تَارِكُ هَذَا الْفِعْلِ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ أَنْتَجَ نَفْيَ الْمَلْزُومِ أَعْنِي (فَلَيْسَ) هَذَا الْفِعْلُ وَاجِبًا، وَإِنْ كَانَتْ إثْبَاتُ الْمَلْزُومِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ وَاجِبٌ) أَيْ لَكِنَّ هَذَا الْفِعْلَ وَاجِبٌ أَنْتَجَ إثْبَاتَ اللَّازِمِ أَعْنِي (فَيَسْتَحِقُّ) تَارِكُهُ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ، وَإِنْ كَانَتْ نَفْيَ الْمَلْزُومِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ لَيْسَ) أَيْ لَكِنْ لَيْسَ هَذَا الْفِعْلُ (وَاجِبًا) أَنْتَجَ نَفْيَ اللَّازِمِ أَعْنِي (فَلَا يَسْتَحِقُّ) تَارِكُهُ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ، وَإِنْ كَانَتْ إثْبَاتَ اللَّازِمِ أَعْنِي لَكِنْ يَسْتَحِقُّ (تَارِكُهُ) الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ أَنْتَجَ إثْبَاتَ الْمَلْزُومِ أَعْنِي فَهَذَا الْفِعْلُ وَاجِبٌ، وَهَذَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَيْنَ تَرْكِ الْوَاجِبِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ عَلَيْهِ تَلَازُمًا عَلَى سَبِيلِ الْمُسَاوَاةِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْمِثَالَ الْأَخِيرَ لِإِرْشَادِ مَا قَبْلَهُ إلَيْهِ. (الطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ الِاسْتِثْنَائِيُّ الْمُنْفَصِلُ، وَهُوَ مُقَدِّمَتَانِ أَوَّلَاهُمَا مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ أَوْ جُزْئِيَّةٌ أَوْ شَخْصِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لِتَحَقُّقِ الِانْفِصَالِ بَيْنَ جُزْأَيْهَا فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لِتَرَكُّبِهَا مِنْ الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ أَوْ مُسَاوِي نَقِيضِهِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ صِدْقًا وَلَا يَرْتَفِعَانِ كَذِبًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (عِنَادَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ مَفْهُومِينَ (فِي الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ) وَأُخْرَاهُمَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ لَعَيْنِ أَحَدِهِمَا فَيُنْتِجُ نَقِيضَ الْآخَرِ أَوْ لِنَقِيضِ أَحَدِهِمَا فَيُنْتِجُ عَيْنَ الْآخَرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَفِي وُجُودِ أَحَدِهِمَا عَدَمُ الْآخَرِ، وَفِي عَدَمِهِ وُجُودُهُ) فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لَهُ أَرْبَعُ نَتَائِجَ اثْنَتَانِ بِاعْتِبَارِ اسْتِثْنَاءِ الْعَيْنِ وَاثْنَتَانِ بِاعْتِبَارِ اسْتِثْنَاءِ النَّقِيضِ كَمَا تَرَى فِي قَوْلِنَا دَائِمًا الْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ لَكِنَّهُ زَوْجٌ فَهُوَ لَيْسَ بِفَرْدٍ لَكِنَّهُ فَرْدٌ فَهُوَ لَيْسَ بِزَوْجٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ فَهُوَ فَرْدٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِفَرْدٍ فَهُوَ زَوْجٌ (أَوْ فِي الْوُجُودِ فَقَطْ) أَيْ أَوْ مُقَدِّمَتَانِ أَوَّلَاهُمَا مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ أَوْ جُزْئِيَّةٌ أَوْ شَخْصِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ مَانِعَةٌ الْجَمْعَ؛ لِأَنَّهَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَ جُزْأَيْهَا فِي الصِّدْقِ لِعِنَادٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ لِتَرَكُّبِهَا مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَخَصُّ مِنْ نَقِيضِهِ وَأُخْرَاهُمَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ لَعَيْنِ أَحَدِهِمَا فَيُنْتِجُ نَقِيضُ الْآخَرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَمَعَ وُجُودِ كُلِّ) مِنْ الْجُزْأَيْنِ (عَدَمُ الْآخَرِ) ضَرُورَةَ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا فِي الصِّدْقِ (وَعَدَمُهُ عَقِيمٌ) أَيْ وَاسْتِثْنَاءُ نَقِيضِ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ مُنْتِجٍ لِوُجُودِ الْآخَرِ لِجَوَازِ ارْتِفَاعِ عَيْنَيْهِمَا مِثَالُ الْأَوَّلِ (الْوِتْرُ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ

مَنْدُوبٌ لَكِنَّهُ وَاجِبٌ لِلْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ) عَنْ الْقَرَائِنِ الصَّارِفَةِ عَنْ الْوُجُوبِ (بِهِ) أَيْ بِالْوِتْرِ (فَلَيْسَ مَنْدُوبًا) وَلَوْ قِيلَ لَكِنَّهُ مَنْدُوبٌ أَنْتَجَ فَلَيْسَ وَاجِبًا. وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمِثَالِ الْأَوَّلِ مَعَ قَوْلِهِ لِلْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ بِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي وَضْعُ الْمَنْدُوبِ الْمُقْتَضِي لِرَفْعِ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ الْوَاقِعَ أَمَّا لَوْ قِيلَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَمْ يُنْتِجْ فَهُوَ مَنْدُوبٌ أَوْ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ لَمْ يُنْتِجْ فَهُوَ وَاجِبٌ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا وَلَا مَنْدُوبًا؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْدُوبِ، وَمَا لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ (أَوْ فِي الْعَدَمِ) فَقَطْ أَيْ أَوْ مُقَدِّمَتَانِ أَوَّلَاهُمَا مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ أَوْ جُزْئِيَّةٌ أَوْ شَخْصِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ؛ لِأَنَّهَا يُمْتَنَعُ الْخُلُوُّ مِنْ كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْهَا فِي النَّفْيِ لِمُعَانَدَةٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ لِتَرَكُّبِهَا مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَعَمِّ مِنْ نَقِيضِهِ وَأُخْرَاهُمَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ لِنَقِيضِ أَحَدِهِمَا فَتُنْتِجُ عَيْنَ الْآخَرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَقَلْبُ الْمِثَالِ وَحُكْمُهُ) فَقَلْبُ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ الْوِتْرُ إمَّا لَا وَاجِبٌ أَوْ لَا مَنْدُوبٌ، وَقَلْبُ حُكْمِهِ أَنَّ عَدَمَ كُلٍّ يُنْتِجُ وُجُودُ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَرْتَفِعَانِ وَوُجُودُهُ لَا يُنْتِجُ عَدَمَهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فَإِذَا قُلْت لَكِنَّهُ لَا وَاجِبٌ أَوْ لَا مَنْدُوبٌ لَمْ يُفِدْ بَلْ إذَا قُلْت لَكِنَّهُ وَاجِبٌ أَنْتَجَ لَا مَنْدُوبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَنْتَجَ لَا وَاجِبٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي حُكْمِهِ رَاجِعٌ إلَى مَا قَبْلَهُ لَا إلَى الْمِثَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْلِبْ حُكْمَهُ أَيْضًا فَالْمُرَادُ فَقَلْبُ مِثَالِ مَا قَبْلَهُ، وَقَلْبُ حُكْمِ مَا قَبْلَهُ فَتَنَبَّهْ لَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُلِّيَّةِ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنْ تَكُونَ النِّسْبَةُ الْعِنَادِيَّةُ بَيْنَ الْمُقَدَّمِ وَالتَّالِي عَلَى التَّقَادِيرِ الْمَذْكُورَةِ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْأَوْضَاعِ الْمُمْكِنَةِ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الْمُقَدَّمِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ قَالُوا وَسُوَرُ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ لَفَظَّةٌ دَائِمًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (الطَّرِيقُ الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ الِاقْتِرَانِيُّ، وَهُوَ (انْتِسَابُ الْمُنَاسِبِ، وَهُوَ) أَيْ الْمُنَاسِبُ (الْوَسَطُ لِكُلٍّ مِنْ طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ بِالْوَضْعِ وَالْحَمْلِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْوَسَطُ مَوْضُوعًا لِكُلٍّ مِنْ طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ أَوْ مَحْمُولًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مَوْضُوعًا لِأَحَدِهِمَا مَحْمُولًا لِلْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ مِنْ الْوُجُوهِ الْآتِي بَيَانُهَا؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ لَمَّا كَانَتْ مَجْهُولَةً لِكَوْنِهَا مُكْتَسَبَةً بِالْقِيَاسِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ ثَالِثٍ مُنَاسِبٍ لَهُمَا يُتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ لَهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِسْبَةٌ لِيُعْلَمَ بِسَبَبِهِ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ الْقِيَاسُ الْمَطْلُوبَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَيَلْزَمُ) فِي تَحَقُّقِ هَذَا الطَّرِيقِ (جُمْلَتَانِ خَبَرِيَّتَانِ) أَيْ قَوْلَانِ مُحْتَمِلَانِ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مِنْ حَيْثُ هُمَا (وَهُمَا الْمُقَدِّمَتَانِ) اللَّتَانِ هُمَا جُزْءَا الْقِيَاسِ، وَهُمَا يَكُونَانِ فِي الْحَقِيقَةِ مُرَكَّبَتَيْنِ (مِنْ) حُدُودٍ (ثَلَاثَةٍ) طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ وَالْحَدِّ الْوَسَطِ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَيَشْتَرِكَانِ فِي الْحَدِّ الْوَسَطِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرُ الْحَدُّ الْوَسَطُ اثْنَيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ كَذَلِكَ (لِتَكْرَارِ الْوَسَطِ) فَلَمْ يَكُنْ اثْنَيْنِ فِي الْمَعْنَى، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى (وَيُسَمَّى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي الْمَطْلُوبِ أَصْغَرُ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَغْلَبِ أَخَصُّ وَالْأَخَصُّ أَقَلُّ أَفْرَادًا فَيَكُونُ أَصْغَرَ (وَبِهِ فِيهِ) أَيْ وَيُسَمَّى الْمَحْكُومُ بِهِ فِي الْمَطْلُوبِ حَدًّا (أَكْبَرَ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَغْلَبِ أَعَمُّ، وَالْأَعَمُّ أَكْثَرُ أَفْرَادًا وَالْمُشْتَرَكُ الْمُكَرَّرُ بَيْنَ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ حَدًّا أَوْسَطَ لِتَوَسُّطِهِ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمَطْلُوبِ (وَبِاعْتِبَارِهِمَا) أَيْ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ تُسَمَّى (الْمُقَدِّمَتَانِ) صُغْرَى، وَهِيَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْأَصْغَرِ وَكُبْرَى، وَهِيَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْأَكْبَرِ (وَيَتَصَوَّرُ) عَلَى صِيغَة الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ الِانْتِسَابُ الْمَذْكُورُ (بِأَرْبَعِ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَرِّرَ مَحْمُولٌ فِي الصُّغْرَى مَوْضُوعٌ فِي الْكُبْرَى أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ مَوْضُوعٌ فِي الصُّغْرَى مَحْمُولٌ فِي الْكُبْرَى (أَوْ مَوْضُوعٌ فِيهِمَا) أَيْ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى (أَوْ مَحْمُولٌ) فِيهِمَا فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ. (وَكُلُّ صُورَةٍ تُسَمَّى شَكْلًا) فَإِذَنْ الْأَشْكَالُ أَرْبَعَةٌ إلَّا أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى تُسَمَّى الشَّكْلُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِيَةُ الشَّكْلُ الرَّابِعُ، وَالثَّالِثَةُ الشَّكْلُ الثَّالِثُ، وَالرَّابِعَةُ الشَّكْلُ الثَّانِي (وَقَطْعِيَّةُ اللَّازِمِ) عَنْ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَالنَّتِيجَةُ أَيْضًا (بِقَطْعِيَّتِهِمَا) أَيْ قَطْعِيَّةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى؛ لِأَنَّ لَازِمَ الْقَطْعِيِّ قَطْعِيٌّ (وَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ الْكَائِنُ بِهَذَا الْوَصْفِ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ هُوَ (الْبُرْهَانُ) ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْحُجَّةُ الْقَطْعِيَّةُ بِهِ لِوُضُوحِ دَلَالَتِهَا عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الشُّعَاعُ الَّذِي يَلِي وَجْهَ الشَّمْسِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ

«إنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ تَخْرُجُ مِنْ جَسَدِهِ لَهَا بُرْهَانٌ كَبُرْهَانِ الشَّمْسِ» (وَظَنِّيَّتُهُ) أَيْ اللَّازِمُ (بِظَنِّيَّةِ إحْدَاهُمَا) أَيْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْمُشَارُ إلَيْهِمَا فَضْلًا عَنْ ظَنِّيَّتِهِمَا؛ لِأَنَّ لَازِمَ الظَّنِّيِّ ظَنِّيٌّ (وَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ الْكَائِنُ بِهَذَا الْوَصْفِ مِنْ الظَّنِّيَّةِ هُوَ (الْإِمَارَةُ) نَعَمْ اللُّزُومُ، وَهُوَ الْإِنْتَاجُ قَطْعِيٌّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ اللَّازِمُ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا ثُمَّ تَسْمِيَةُ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ لَازِمًا ظَاهِرٌ، وَمَطْلُوبًا؛ لِأَنَّهُ يُوضَعُ أَوَّلًا ثُمَّ يُرَتَّبُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْهِ وَيَسْتَلْزِمُهُ، وَنَتِيجَةً؛ لِأَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى الْعِلْمَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْحَقُّ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ (الشَّكْلُ الْأَوَّلُ بِحَمْلِهِ فِي الصُّغْرَى وَوَضْعِهِ فِي الْكُبْرَى) أَيْ مَا يَكُونُ الْوَسَطُ فِيهِ مَحْمُولًا فِي صُغْرَاهُ مَوْضُوعًا فِي كُبْرَاهُ. (شَرْطُ اسْتِلْزَامِهِ) أَيْ هَذَا الشَّكْلِ لِلْمَطْلُوبِ بِحَسَبِ كَيْفِيَّةِ مُقَدِّمَاتِهِ وَكَمِيَّتِهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّةِ، وَهُوَ (إيجَابُ صُغْرَاهُ) لِيَنْدَرِجَ الْأَصْغَرُ تَحْتَ الْأَوْسَطِ فَيَحْصُلَ الْإِنْتَاجُ وَلَمْ يَزِدْ الْجُمْهُورُ عَلَى هَذَا وَزَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَوْ كَوْنُهَا فِي حُكْمِ الْإِيجَابِ أَيْ مَا يَسْتَلْزِمُ إيجَابًا بِأَنْ تَكُونَ مُوجَبَةً مُحَصِّلَةً الْمَحْمُولَ أَوْ مَعْدُولَتَهُ أَوْ سَالِبَتَهُ، وَأَنْ تَكُونَ الْكُبْرَى عَلَى وَفْقِهَا فِي جَانِبِ الْمَوْضُوعِ لِيَتَحَقَّقَ التَّلَاقِي، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ جَوَازَ وُقُوعِ الصُّغْرَى سَالِبَةً مَحْضَةً بِشَرْطِ مُسَاوَاةِ طَرَفَيْ الْكُبْرَى وَكَوْنُهَا حِينَئِذٍ مُوجَبَةً كُلِّيَّةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (إلَّا فِي مُسَاوَاةِ طَرَفَيْ الْكُبْرَى) ؛ لِأَنَّ الشَّكْلَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَحْصُلُ فِيهِ أَيْضًا اتِّحَادُ الْوَسَطِ الْمُقْتَضِي لِلْإِنْتَاجِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ ثَانِيهِمَا بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَكُلِّيَّةُ الْكُبْرَى) لِيَعْلَمَ انْدِرَاجَ الْأَصْغَرِ تَحْتَ الْأَوْسَطِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ جُزْئِيَّةً إذْ يَجُوزُ كَوْنُ الْأَوْسَطِ حِينَئِذٍ أَعَمَّ مِنْ الْأَصْغَرِ وَكَوْنُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِي الْكُبْرَى بَعْضًا مِنْ الْأَوْسَطِ غَيْرَ الْأَصْغَرِ فَلَا يَنْدَرِجُ فَلَا يُنْتِجُ كَمَا فِي نَحْوِ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ، وَبَعْضُ الْحَيَوَانِ فَرَسٌ (فَيَحْصُلُ) بِاشْتِرَاطِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لِاسْتِلْزَامِ هَذَا الشَّكْلِ لِلْمَطْلُوبِ مِنْ الضُّرُوبِ الْمُمْكِنَةِ الِانْعِقَادِ فِيهِ (ضُرُوبٌ) أَرْبَعَةٌ مُنْتِجَةٌ وَبِمَا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ زِيَادَةُ خَامِسٍ عَلَيْهَا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ (كُلِّيَّتَانِ مُوجَبَتَانِ) فَيُنْتِجُ كُلِّيَّةً مُوجَبَةً. مِثَالُهُ (كُلُّ جِصٍّ مَكِيلٌ وَكُلُّ مَكِيلٍ رِبَوِيٌّ فَكُلُّ جِصٍّ رِبَوِيٌّ) . الضَّرْبُ الثَّانِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَبِكَيْفِيَّتَيْهِ) أَيْ مَا يَكُونُ بِصِفَتَيْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، وَهُمَا الْإِيجَابُ فِي الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى (وَالصُّغْرَى جُزْئِيَّةٌ) وَالْكُبْرَى بَاقِيَةٌ عَلَى كَمِّيَّتِهَا مِنْ الْكُلِّيَّةِ فَيُنْتِجُ جُزْئِيَّةً مُوجَبَةً. مِثَالُهُ (بَعْضُ الْوُضُوءِ مَنْوِيٌّ وَكُلّ مَنْوِيٍّ عِبَادَةٌ فَبَعْضُ الْوُضُوءِ عِبَادَةٌ) الضَّرْبُ الثَّالِثُ مَا أَفْصَحَ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَكُلِّيَّتَانِ الْأُولَى مُوجَبَةٌ) وَالثَّانِيَةُ سَالِبَةٌ فَيُنْتِجُ كُلِّيَّةً سَالِبَةً مِثَالُهُ (كُلُّ وُضُوءٍ مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ وَلَا مَقْصُودَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةٌ فَلَا وُضُوءَ يُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةٌ) الضَّرْبُ الرَّابِعُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَقَلْبُهُ فِي التَّسَاوِي فَقَطْ) أَيْ قَلْبُ الثَّالِثِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنْ كُلِّيَّتَيْنِ صُغْرَى سَالِبَةٍ وَكُبْرَى مُوجَبَةٍ مُتَسَاوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ فَيُنْتِجُ كُلِّيَّةً سَالِبَةً مِثَالُهُ (لَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِصَهَّالٍ وَكُلُّ صَهَّالٍ فَرَسٌ) فَلَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِفَرَسٍ (وَلَوْ قُلْت) بَدَلَ صَهَّالٍ (حَيَوَانٌ لَمْ يَصِحَّ) لِكَوْنِ الْمَحْمُولِ أَعَمَّ مِنْ الْمَوْضُوعِ فِي الْكُبْرَى فَلَا يَحْصُلُ الِانْدِرَاجُ تَحْتَ الْأَوْسَطِ. الضَّرْبُ الْخَامِسُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَبِكَيْفِيَّتَيْ مَا قَبْلَهُ وَالْأُولَى جُزْئِيَّةٌ) أَيْ مَا يَكُونُ بِصِفَتَيْ مَا قَبْلَ الرَّابِعِ، وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ إيجَابِ الصُّغْرَى وَسَلْبِ الْكُبْرَى إلَّا أَنَّ الصُّغْرَى فِي هَذَا جُزْئِيَّةٌ بِخِلَافِهَا فِي الثَّالِثِ فَإِنَّهَا فِيهِ كُلِّيَّةٌ. وَحَاصِلُهُ مَا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ جُزْئِيَّةٍ مُوجَبَةٍ صُغْرَى وَكُلِّيَّةٍ سَالِبَةٍ كُبْرَى فَيُنْتِجُ سَالِبَةً جُزْئِيَّةً. مِثَالُهُ: بَعْضُ الْمَكِيلِ رِبَوِيٌّ وَلَا شَيْءَ مِنْ الرِّبَوِيِّ بِجَائِزِ التَّفَاضُلِ فَلَيْسَ بَعْضُ الْمَكِيلِ بِجَائِزِ التَّفَاضُلِ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ. هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَلْزَمُ مِنْ قَوَدِ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ زِيَادَةِ ضَرْبٍ خَامِسٍ مُرَكَّبٍ مِنْ كُلِّيَّتَيْنِ صُغْرَى سَالِبَةٍ وَكُبْرَى مُوجَبَةٍ مُتَسَاوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ زِيَادَةُ ضَرْبٍ سَادِسٍ مُرَكَّبٍ مِنْ جُزْئِيَّةٍ سَالِبَةٍ صُغْرَى وَكُلِّيَّةٍ مُوجَبَةٍ كُبْرَى مُتَسَاوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ فَيُنْتِجُ جُزْئِيَّةً سَالِبَةً كَقَوْلِنَا لَيْسَ بَعْضُ الْإِنْسَانِ بِفَرَسٍ وَكُلُّ فَرَسٍ صَهَّالٌ فَلَيْسَ بَعْضُ الْإِنْسَانِ بِصَهَّالٍ لِاتِّحَادِ الْوَسَطِ

الْمُقْتَضِي لِلْإِنْتَاجِ أَيْضًا كَمَا فِي الْخَامِسِ الْمَذْكُورِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَرْتِيبِ هَذِهِ الضُّرُوبِ فِي الْأَوَّلِيَّةِ ثُمَّ مَا بَعْدَهَا بِنَاءً عَلَى تَرْتِيبِهَا الذِّكْرِيِّ هَكَذَا لِلْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الْمَنْطِقِيُّونَ أَنَّ الضَّرْبَ الثَّانِيَ مَا كَانَ مِنْ كُلِّيَّتَيْنِ مُوجَبَةٍ صُغْرَى وَسَالِبَةٍ كُبْرَى فَيُنْتِجُ كُلِّيَّةً سَالِبَةً، وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ مَا كَانَ مِنْ مُوجَبَتَيْنِ جُزْئِيَّةٍ صُغْرَى وَكُلِّيَّةٍ كُبْرَى فَيُنْتِجُ مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً. وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ مَا كَانَ مِنْ جُزْئِيَّةٍ مُوجَبَةٍ وَكُلِّيَّةٍ سَالِبَةٍ فَيُنْتِجُ جُزْئِيَّةً سَالِبَةً، وَادَّعَوْا أَنَّهَا إنَّمَا رُتِّبَتْ هَذَا التَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ هُنَا كَيْفِيَّتَيْنِ إيجَابًا وَسَلْبًا وَالْإِيجَابُ أَشْرَفُ؛ لِأَنَّهُ وُجُودٌ وَالسَّلْبُ عَدَمٌ، وَالْوُجُودُ أَشْرَفُ وَكَمِّيَّتَيْنِ الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةُ أَشْرَفُ؛ لِأَنَّهَا أَضْبَطُ، وَأَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ، وَأَخَصُّ مِنْ الْجُزْئِيَّةِ وَالْأَخَصُّ أَشْرَفُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرٍ زَائِدٍ فَإِذَنْ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ أَشْرَفُ الْمَحْصُورَاتِ وَالسَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ أَخَسُّهَا وَالسَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ أَشْرَفُ مِنْ الْمُوجَبَةِ الْجُزْئِيَّةِ؛ لِأَنَّ شَرَفَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ بِاعْتِبَارِ الْكُلِّيَّةِ وَشَرَفَ الْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ بِحَسَبِ الْإِيجَابِ، وَشَرَفُهُ مِنْ جِهَةٍ وَشَرَفُ الْكُلِّيِّ مِنْ جِهَاتٍ ثُمَّ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْأَقْيِسَةِ نَتَائِجَهَا رُتِّبَتْ الضُّرُوبُ بِاعْتِبَارِ تَرْتِيبِ نَتَائِجِهَا شَرَفًا الْأَشْرَفَ فَالْأَشْرَفَ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرَى عَنْ بَحْثٍ لِمَنْ تَحَقَّقَ فَقَدْ صَارَ مِنْ الْمُسَلَّمَاتِ عِنْدَهُمْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُنَصِّفِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَوَّلِيَّةٍ، وَلَا بِمَا بَعْدَهَا مِنْ الْمَرَاتِبِ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَهَا بِحَرْفِ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ ثُمَّ لَيْسَ لِمِثْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ ثَمَرَةٌ تَظْهَرُ فِي الْحُكْمِ فَتَأَمَّلْ. (وَإِنْتَاجُ) ضُرُوبِ (هَذَا) الشَّكْلِ الْمُنْتِجَةِ (ضَرُورِيٌّ) بُيِّنَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانٍ ثُمَّ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْتِهَاءِ الْمَوَادِّ إلَى ضَرُورِيٍّ يَحْصُلُ التَّصْدِيقُ بِهِ بِلَا كَسْبٍ، كَذَا لَا بُدَّ مِنْ انْتِهَاءِ الصُّوَرِ إلَى ضَرُورِيٍّ قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ، وَهُوَ هَذَا الشَّكْلُ (وَبَاقِيهَا) أَيْ، وَإِنْتَاجُ بَاقِي هَذِهِ الْأَشْكَالِ الْأَرْبَعَةِ (نَظَرِيٌّ) غَيْرُ بَيِّنٍ بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانٍ عَلَيْهِ (فَيُرَدُّ إلَى الضَّرُورِيِّ) عِنْدَ قَصْدِ الْوُقُوفِ عَلَى نَتَائِجِهِ سَرِيعًا بِالْعَكْسِ أَوْ الْخَلَفِ كَمَا سَيَأْتِي تَفَاصِيلُهُ بَلْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ: إنَّ الشَّكْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُنْتِجُ مِنْهَا فِي الْحَقِيقَةِ وَلِذَا كَانَ غَيْرُهُ مَوْقُوفًا فِي إنْتَاجِهِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ، وَعَلَى اشْتِمَالِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُ بِرُجُوعِهِ إلَيْهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَحَقِيقَةُ الْبُرْهَانِ وَجِهَةُ الدَّلَالَةِ مُنْحَصِرَتَانِ فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَلَا إنْتَاجَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا لَهُ وَالْعَقْلُ لَا يَحْكُمُ بِالْإِنْتَاجِ إلَّا بِمُلَاحَظَتِهِ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِهِ أَوْ لَا فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ مِعْيَارَ الْعُلُومِ. وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَيْضًا أَنَّهُ يُنْتِجُ الْمَطَالِبَ الْأَرْبَعَةَ كَمَا رَأَيْت دُونَ مَا سِوَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُنْتِجُ إيجَابًا كُلِّيًّا كَمَا سَتَرَى ثُمَّ لَعَلَّ وَضْعَ الظَّاهِرِ أَعْنِي الضَّرُورِيَّ فِي قَوْلِهِ إلَى الضَّرُورِيِّ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ بِالْإِعْلَامِ بِثُبُوتِ هَذَا الْوَصْفِ لَهُ لِيَتَمَكَّنَ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ فَضْلَ تَمَكُّنٍ. (الشَّكْلُ الثَّانِي بِحَمْلِهِ فِيهِمَا) أَيْ مَا يَكُونُ الْوَسَطُ فِيهِ مَحْمُولًا فِي الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى (شَرْطُهُ) أَيْ اسْتَلْزَمَ هَذَا الشَّكْلُ لِلْمَطْلُوبِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا بِحَسَبِ الْكَيْفِ، وَهُوَ (اخْتِلَافُهُمَا) أَيْ مُقَدِّمَتَيْهِ (كَيْفًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ بِأَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مُوجَبَةً وَالْأُخْرَى سَالِبَةً وَثَانِيهِمَا بِحَسَبِ الْكَمِّ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَكُلِّيَّةُ كُبْرَاهُ) سَالِبَةٌ إنْ كَانَتْ صُغْرَاهُ مُوجَبَةً، وَمُوجَبَةٌ إنْ كَانَتْ صُغْرَاهُ سَالِبَةً (فَلَا يُنْتِجُ) هَذَا الشَّكْلُ حِينَئِذٍ (إلَّا سَلْبًا) كُلِّيًّا أَوْ جُزْئِيًّا كَمَا سَتَرَى وَذَلِكَ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالنَّتِيجَةُ تَتَضَمَّنُ أَبَدًا مَا فِيهِمَا) أَيْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ (مِنْ خِسَّةِ سَلْبٍ وَجُزْئِيَّةٍ) ، وَهَذَا أَتَمُّ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهَا تَتْبَعُ أَخَسَّ الْمُقَدِّمَتَيْنِ ثُمَّ لَمِيَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَبْذُولَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمَنْطِقِيَّةِ فَحِينَئِذٍ (ضُرُوبُهُ) الْمُنْتِجَةُ مِنْ الضُّرُوبِ الْمُمْكِنَةِ الِانْعِقَادِ فِيهِ أَرْبَعَةٌ لَا غَيْرُ. الضَّرْبُ الْأَوَّلُ (كُلِّيَّتَانِ الْأُولَى مُوجَبَةٌ) وَالثَّانِيَةُ سَالِبَةٌ فَيُنْتِجُ سَالِبَةً كُلِّيَّةً مِثَالُهُ (السَّلَمُ رُخْصَةٌ لِلْمَفَالِيسِ وَلَا حَالَ بِرُخْصَةِ) لِلْمَفَالِيسِ أَمَّا أَنَّ الْأُولَى كُلِّيَّةٌ فَلِأَنَّ أَدَاةَ التَّعْرِيفِ فِيهَا لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَأَمَّا أَنَّ الثَّانِيَةَ كُلِّيَّةٌ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ وَلَا سِيَّمَا فِي سِيَاقِ لَا الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْسِ كَمَا فِيمَا هُنَا (فَلَا سَلَمَ حَالَ رَدِّهِ) أَيْ هَذَا الضَّرْبِ إلَى الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ (بِعَكْسِ الثَّانِيَةِ) عَكْسًا

مُسْتَوِيًا، وَهُوَ وَلَا رُخْصَةَ لِلْمَفَالِيسِ بِحَالٍ ثُمَّ تُضَمُّ إلَى الْأُولَى فَيُنْتِجُ الْمَطْلُوبَ الْمَذْكُورَ، وَإِنَّمَا انْعَكَسَتْ عَكْسًا مُسْتَوِيًا هَكَذَا لَمَّا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالسَّالِبَةُ تَنْعَكِسُ كَكَمِّيَّتِهَا بِالِاسْتِقَامَةِ) إذَا كَانَتْ مِمَّا تَنْعَكِسُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْكُتُبِ الْمَنْطِقِيَّةِ، وَهَذِهِ السَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ فِي هَذَا الْمِثَالِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ تَنْعَكِسَ ثُمَّ قَالَ اسْتِطْرَادًا (وَالْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ) تَنْعَكِسُ عَكْسًا مُسْتَوِيًا مُوجَبَةً (جُزْئِيَّةً إلَّا فِي مُسَاوَاةِ طَرَفَيْهَا) فَإِنَّهَا تَنْعَكِسُ كُلِّيَّةً فَكُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ يَنْعَكِسُ إلَى: بَعْضُ الْحَيَوَانِ إنْسَانٌ وَكُلُّ إنْسَانٍ نَاطِقٌ يَنْعَكِسُ إلَى: كُلُّ نَاطِقٍ إنْسَانٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ زَوَائِدِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ الْمَنْطِقِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْمُوجَبَةَ الْكُلِّيَّةَ تَنْعَكِسُ مُطْلَقًا جُزْئِيَّةً وَلَعَمْرِي إنَّهَا لَزِيَادَةٌ حَسَنَةٌ، وَإِنَّ الِاعْتِذَارَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَبْحَثُونَ عَنْ عُكُوسِ الْقَضَايَا عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمَوَادِّ الْجُزْئِيَّةِ فَلِذَا حَكَمُوا بِأَنَّ عَكْسَ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ جُزْئِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهَا فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا بِخِلَافِ الْكُلِّيَّةِ لِتَخَلُّفِهَا عَنْهَا فِي بَعْضِهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَ ذَوِي الْأَنْصَافِ مِنْ أَرْبَابِ الْعُقُولِ. الضَّرْبُ الثَّانِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقَلْبُهُ) أَيْ الضَّرْبُ الْأَوَّلُ كُلِّيَّتَانِ سَالِبَةٌ صُغْرَى، وَمُوجَبَةٌ كُبْرَى فَيُنْتِجُ سَالِبَةً كُلِّيَّةً أَيْضًا مِثَالُهُ لَا شَيْءَ مِنْ الْحَالِ بِرُخْصَةٍ وَكُلُّ سَلَمٍ رُخْصَةٌ فَلَا شَيْءَ مِنْ الْحَالِ بِسَلَمٍ (وَرَدَّهُ) إلَى الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا (بِعَكْسِ الصُّغْرَى) عَكْسًا مُسْتَوِيًا، وَهُوَ لَا شَيْءَ مِنْ الرُّخْصَةِ بِحَالٍ (وَجَعَلَهَا كُبْرَى) وَالْكُبْرَى صُغْرَى فَيَصِيرُ كُلُّ سَلَمٍ رُخْصَةً وَلَا شَيْءَ مِنْ الرُّخْصَةِ بِحَالٍ فَيُنْتِجُ لَا شَيْءَ مِنْ السَّلَمِ بِحَالٍ (ثُمَّ عَكْسُ النَّتِيجَةَ) عَكْسًا مُسْتَوِيًا، وَهُوَ عَيْنُ الْمَطْلُوبِ الْمَذْكُورِ. الضَّرْبُ الثَّالِثُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَكَالْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ الْأُولَى جُزْئِيَّةٌ) هُنَا وَكُلِّيَّةٌ هُنَاكَ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ صُغْرَى وَسَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ كُبْرَى فَيُنْتِجُ سَالِبَةً جُزْئِيَّةً. مِثَالُهُ وَالصُّغْرَى وَالْكُبْرَى مَعْدُولَتَا الْمَحْمُولِ (بَعْضُ الْوُضُوءِ غَيْرُ مَنْوِيٍّ وَلَا عِبَادَةَ غَيْرَ مَنْوِيٍّ فَبَعْضُ الْوُضُوءِ لَيْسَ عِبَادَةً، رَدَّهُ) إلَى الضَّرْبِ الرَّابِعِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ كَرَدِّ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الشَّكْلِ إلَى الضَّرْبِ الرَّابِعِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ بِعَكْسِ الْكُبْرَى عَكْسًا مُسْتَوِيًا، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهَا تَنْعَكِسُ كَنَفْسِهَا بَعْدَ أَنْ تَكُونَ مِمَّا تَنْعَكِسُ، وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ فَتَنْعَكِسُ حِينَئِذٍ سَالِبَةً كُلِّيَّةً مَعْدُولَةَ الْمَوْضُوعِ هَكَذَا وَلَا غَيْرَ مَنْوِيٍّ بِعِبَادَةٍ، وَتُضَمُّ إلَى الصُّغْرَى الْمَذْكُورَةِ فَتُنْتِجُ النَّتِيجَةَ الْمَذْكُورَةَ. الضَّرْبُ الرَّابِعُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَكَالثَّانِي إلَّا أَنَّ أُولَاهُ) أَيْ أُولَى هَذَا (جُزْئِيَّةٌ) ، وَأُولَى الثَّانِي كُلِّيَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ حِينَئِذٍ جُزْئِيَّةٌ سَالِبَةٌ صُغْرَى وَكُلِّيَّةٌ مُوجَبَةٌ كُبْرَى فَتُنْتِجُ سَالِبَةً جُزْئِيَّةً أَيْضًا مِثَالُهُ (بَعْضُ الْغَائِبِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَكُلُّ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعْلُومٌ فَبَعْضُ الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ رَدَّهُ) إلَى الضَّرْبِ الرَّابِعِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ (بِعَكْسِ الثَّانِيَةِ بِعَكْسِ النَّقِيضِ) ، وَهُوَ عِنْدَ قُدَمَاءِ الْمَنْطِقِيِّينَ جَعْلُ نَقِيضِ الْجُزْءِ الثَّانِي أَوَّلًا، وَنَقِيضِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ ثَانِيًا مَعَ بَقَاءِ الْكَيْفِ وَالصِّدْقِ بِحَالِهِمَا، وَعِنْدَ مُتَأَخِّرِيهِمْ جَعْلُ نَقِيضِ الْجُزْءِ الثَّانِي أَوَّلًا، وَعَيْنِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ ثَانِيًا مَعَ الْمُخَالِفِ فِي الْكَيْفِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ صُورَةُ عَكْسِهَا، وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ صُورَةُ عَكْسِهَا وَلَا شَيْءَ مِمَّا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَأَيًّا مَا كَانَ إذَا ضُمَّ إلَى الصُّغْرَى الْمَذْكُورَةِ أَنْتَجَ النَّتِيجَةَ الْمَذْكُورَةَ (وَبِالْخَلْفِ) بِسُكُونِ اللَّامِ أَيْ وَرَدَّ هَذَا الشَّكْلَ إلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِقِيَاسِ الْخَلْفِ (فِي كُلِّ ضُرُوبِهِ) ثُمَّ فَسَّرَ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا بِإِبْدَالِهِ مِنْهُ قَوْلُهُ (جَعَلَ نَقِيضَ الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ) أَيْ نَقِيضُ الْمَطْلُوبِ (الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ هُنَا) أَيْ فِي هَذَا الضَّرْبِ الرَّابِعِ مِنْ هَذَا الشَّكْلِ (صُغْرَى) الشَّكْلِ (الْأَوَّلِ وَتَضُمُّ الْكُبْرَى) مِنْ ضُرُوبِ هَذَا الشَّكْلِ الثَّانِي (إلَيْهَا) أَيْ هَذِهِ الصُّغْرَى الْمَذْكُورَةِ (تَسْتَلْزِمُ) هَذَا الصَّنِيعَ (بِالْأَخِيرَةِ كَذَبَ نَقِيضُ الْمَطْلُوبِ فَالْمَطْلُوبُ حَقٌّ) ، وَإِنَّمَا كَانَ نَقِيضُ الْمَطْلُوبِ فِي هَذَا الضَّرْبِ مُوجَبَةً كُلِّيَّةً؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِ سَالِبَةٌ جُزْئِيَّةٌ، وَهُوَ بَعْضُ الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَنَقِيضُهَا مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ، وَهِيَ كُلُّ غَائِبٍ يَصِحُّ بَيْعُهُ فَإِذَا جُعِلَتْ صُغْرَى لِلضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَضُمَّ إلَيْهَا الْكُبْرَى مِنْ هَذَا الضَّرْبِ يَصِيرُ كُلُّ

غَائِبٍ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَكُلُّ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعْلُومٌ وَيُنْتِجُ كُلُّ غَائِبٍ مَعْلُومٌ، فَتُنَاقِضُ صُغْرَى الضَّرْبِ الْمَذْكُورِ إذْ هِيَ بَعْضُ الْغَائِبِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ فَإِذَنْ الصَّادِقُ هِيَ أَوْ هَذَا اللَّازِمُ لَكِنْ هِيَ صَادِقَةٌ بِالْفَرْضِ فَيَكُونُ الْكَاذِبُ هَذَا اللَّازِمَ، وَكَذِبُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ كَذِبَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ أَوْ كَذِبَ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ صَدَقَتَا كَانَ اللَّازِمُ صَادِقًا وَالْفَرْضُ أَنَّ الْكُبْرَى صَادِقَةٌ، وَهِيَ كُلُّ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعْلُومٌ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْكَاذِبِ الصُّغْرَى الَّتِي هِيَ كُلُّ غَائِبٍ يَصِحُّ بَيْعُهُ فَيَصْدُقُ نَقِيضُهَا، وَهُوَ بَعْضُ الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْجَزْمُ بِصِدْقِ الْمَطْلُوبِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَمَامِ هَذَا التَّقْرِيرِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَسْتَلْزِمُ بِالْأَخِيرَةِ كَذِبَ نَقِيضِ الْمَطْلُوبِ. وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ الضُّرُوبُ الثَّلَاثَةُ الْمَاضِيَةُ إلَّا أَنَّ نَقِيضَ الْمَطْلُوبِ فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِ سَالِبَةٌ جُزْئِيَّةٌ، وَضَمُّ الْكُبْرَى إلَيْهِ يَجْعَلُهُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَإِنَّ نَقِيضَ الْمَطْلُوبِ فِيهِمَا مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِمَا سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ وَضَمُّ الْكُبْرَى إلَيْهِ فِي الثَّانِي يَجْعَلُهُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْأَوَّلِ يَجْعَلُهُ مِنْ الضَّرْبِ الرَّابِعِ مِنْهُ ثُمَّ إنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الطَّرِيقُ خَلَفًا؛ لِأَنَّهُ يُنْتِجُ الْبَاطِلَ عَلَى تَقْدِيرِ حَقِّيَّةِ الْمَطْلُوبِ لَا؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ فِي نَفْسِهِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْخَلَفَ هُنَا الْبَاطِلُ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمُتَمَسِّكَ بِهِ لَمَّا كَانَ مُثْبِتًا لِمَطْلُوبِهِ بِإِبْطَالِ نَقِيضِهِ فَكَأَنَّهُ يَأْتِي مَطْلُوبُهُ لَا عَلَى الِاسْتِقَامَةِ بَلْ مِنْ خَلْفِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَلْفَ هُنَا ضِدُّ الْقُدَّامِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ ثُمَّ إنَّمَا رُتِّبَتْ ضُرُوبُ هَذَا الشَّكْلِ هَذَا التَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَيْنِ الْأَوَّلِينَ يُنْتِجَانِ الْكُلِّيَّ، وَقُدِّمَ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثُ عَلَى الرَّابِعِ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى صُغْرَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الثَّانِي وَالرَّابِعِ. (الشَّكْلُ الثَّالِثُ بِوَضْعِهِ فِيهِمَا) أَيْ مَا يَكُونُ الْوَسَطُ مَوْضُوعًا فِي صُغْرَاهُ وَكُبْرَاهُ (شَرْطُهُ) أَيْ اسْتَلْزَمَ هَذَا الشَّكْلُ لِلْمَطْلُوبِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّةِ، وَهُوَ (إيجَابُ صُغْرَاهُ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ وَثَانِيهِمَا بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ (وَكُلِّيَّةُ إحْدَاهُمَا) أَيْ مُقَدِّمَتَيْهِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَلِمِيَةِ اشْتِرَاطِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مُقَرَّرَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمَنْطِقِيَّةِ فَحِينَئِذٍ (ضُرُوبُهُ) الْمُنْتِجَةُ مِنْ الضُّرُوبِ الْمُمْكِنَةِ الِانْعِقَادِ فِيهِ سِتَّةٌ لَا غَيْرُ. الضَّرْبُ الْأَوَّلُ (كُلِّيَّتَانِ مُوجَبَتَانِ) فَيُنْتِجُ جُزْئِيَّةً مُوجَبَةً، مِثَالُهُ (كُلُّ بُرٍّ مَكِيلٌ وَكُلُّ بُرٍّ رِبَوِيُّ فَبَعْضُ الْمَكِيلِ رِبَوِيٌّ) فَإِنْ قُلْت: لِمَ يُنْتِجُ جُزْئِيًّا مَعَ أَنَّهُ مِنْ مُوجَبَتَيْنِ كُلِّيَّتَيْنِ؟ . فَالْجَوَابُ (لِأَنَّ رَدَّهُ بِعَكْسِ الْأُولَى) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُرَدَّ إلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ كَغَيْرِهِ، وَرَدُّهُ إلَيْهِ إنَّمَا هُوَ بِعَكْسِ الْأُولَى عَكْسًا مُسْتَوِيًا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُخَالَفَةُ لِلْأَوَّلِ، وَإِذَا عُكِسَتْ صَارَتْ جُزْئِيَّةً كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ رَدُّ هَذَا الضَّرْبِ إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْهُ وَكَانَتْ نَتِيجَتُهُ جُزْئِيَّةً، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّكْلِ أَنَّهُ لَا يُنْتِجُ إلَّا جُزْئِيًّا؛ لِأَنَّ هَذَا الضَّرْبَ أَخَصُّ ضُرُوبِهِ، وَهُوَ لَا يُنْتِجُ كُلِّيًّا، وَمَتَى لَمْ يُنْتِجْ الْأَخَصُّ شَيْئًا لَمْ يُنْتِجْهُ الْأَعَمُّ نَعَمْ لَمْ يَرَ الْمُصَنِّفُ لُزُومَ هَذَا فِيهِ فِي سَائِرِ الْمَوَادِّ بَلْ قَالَ (فَلَوْ كَانَتْ) الْأُولَى مِنْ هَذَا الضَّرْبِ (مُتَسَاوِيَةَ الْجُزْأَيْنِ أَنْتَجَ) هَذَا الضَّرْبُ لَازِمًا (كُلِّيًّا) بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِيَارِهِ كَوْنَ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُتَسَاوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ تَنْعَكِسُ كَنَفْسِهَا، وَقَدْ عَرَفْت اتِّجَاهَهُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ رَدُّهُ إلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، مِثَالُهُ كُلُّ إنْسَانٍ نَاطِقٌ، وَكُلُّ إنْسَانٍ ضَاحِكٌ يُنْتِجُ كُلُّ نَاطِقٍ ضَاحِكٌ. الضَّرْبُ الثَّانِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فِي الْكَيْفِ وَكُلِّيَّةِ الثَّانِيَةِ (إلَّا أَنَّ الْأُولَى جُزْئِيَّةٌ) . الضَّرْبُ الثَّانِي فَهُوَ حِينَئِذٍ مُوجَبَتَانِ جُزْئِيَّةٌ صُغْرَى وَكُلِّيَّةٌ كُبْرَى (يُنْتِجُ مِثْلَهُ) أَيْ الْأَوَّلُ مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ، مِثَالُهُ بَعْضُ الْمَكِيلِ بُرٌّ وَكُلُّ مَكِيلٍ رِبَوِيٌّ فَبَعْضُ الْبُرِّ رِبَوِيٌّ (وَيُرَدُّ) إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِعَكْسِ الصُّغْرَى، وَهُوَ ظَاهِرُ الضَّرْبِ الثَّالِثِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَعَكْسُ) الضَّرْبِ (الثَّانِي) فَهُوَ حِينَئِذٍ مُوجَبَتَانِ كُلِّيَّةٌ صُغْرَى وَجُزْئِيَّةٌ كُبْرَى (يُنْتِجُ) مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً (كَالْأَوَّلِ) أَيْ كَمَا يُنْتِجُهَا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي أَيْضًا مِثَالُهُ كُلُّ بُرٍّ مَكِيلٌ وَبَعْضُ الْبُرِّ

رِبَوِيٌّ فَبَعْضُ الْمَكِيلِ رِبَوِيٌّ (وَرَدُّهُ) إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ (بِجَعْلِ عَكْسِ الْكُبْرَى) ، وَهُوَ بَعْضُ الرِّبَوِيُّ بُرٌّ (صُغْرَى) لِلضَّرْبِ الْمَذْكُورِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا أَنْ تَكُونَ كُبْرَاهُ لِجُزْئِيَّتِهَا، وَعَيْنُ الصُّغْرَى كُبْرَاهُ لِيَصِيرَ بَعْضُ الرِّبَوِيُّ بُرًّا وَكُلُّ بُرٍّ مَكِيلٌ فَيُنْتِجُ بَعْضُ الرِّبَوِيِّ مَكِيلٌ (وَعَكْسُ النَّتِيجَةِ) اللَّازِمَةِ لَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَكْسَهَا حِينَئِذٍ عَيْنُ الْمَطْلُوبِ ثُمَّ مِمَّا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَخِرَةِ هُنَا، وَقَرَأْنَاهُ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ (فَلَوْ الصُّغْرَى مُتَسَاوِيَةٌ عُكِسَتْ) وَكَتَبَ عَلَيْهِ مَا صُورَتُهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ عَكْسِ الصُّغْرَى هُنَا لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهَا تَنْعَكِسُ جُزْئِيَّةً فَيَصِيرُ الْأَوَّلُ مِنْ جُزْئِيَّتَيْنِ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَالْمُصَنِّفُ يَرَى مَعَ تُسَاوِي طَرَفَيْ الْقَضِيَّةِ تَنْعَكِسُ الْكُلِّيَّةُ كُلِّيَّةً فَلِذَا قَالَ فَلَوْ الصُّغْرَى إلَخْ وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى عَكْسِ النَّتِيجَةِ اهـ. وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - اسْتِقَامَةُ هَذَا فَإِنَّ مِثَالَ هَذَا وَالصُّغْرَى مُتَسَاوِيَةُ الطَّرَفَيْنِ كُلُّ إنْسَانٍ نَاطِقٌ، وَبَعْضُ الْإِنْسَانِ كَاتِبٌ وَاللَّازِمُ عَنْهُ بَعْضُ النَّاطِقِ كَاتِبٌ فَإِذَا عُكِسَتْ الصُّغْرَى فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْكُبْرَى فِي الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكُبْرَى مِنْ هَذَا الضَّرْبِ مِنْ الشَّكْلِ الثَّالِثِ لَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ كُبْرَى فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَبْقَى عَيْنُ الْكُبْرَى صُغْرَى فَيَصِيرُ بَعْضُ الْإِنْسَانِ كَاتِبًا وَكُلُّ نَاطِقٍ إنْسَانٌ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مِنْ ضُرُوبِ الشَّكْلِ الرَّابِعِ الْمُنْتِجَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا سَيَأْتِي، وَمِنْ ضُرُوبِهِ الْعَقِيمَةِ عَلَى قَوْلِ الْمَنْطِقِيِّينَ. وَأَمَّا عَكْسُهَا فَيَصِيرُ بَعْضُ الْكَاتِبِ إنْسَانًا وَكُلُّ نَاطِقٍ إنْسَانٌ، وَهَذَا كَمَا تَرَى مِنْ ضُرُوبِ الشَّكْلِ الثَّانِي الْعَقِيمَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَقَعَتْ عَنْ ذُهُولٍ عَنْ هَذَا الْمَقَامِ فَسُبْحَانَ مِنْ لَا يَذْهَلُ وَلَا يَغْفُلُ. الضَّرْبُ الرَّابِعُ مَا أَفْصَحَ بِهِ قَوْلُهُ (وَكُلِّيَّتَانِ الثَّانِيَةُ سَالِبَةٌ) وَالْأُولَى مُوجَبَةٌ مِثَالُهُ (كُلُّ بُرٍّ مَكِيلٌ وَكُلُّ بُرٍّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَبَعْضُ الْمَكِيلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا يُنْتِجُ) هَذَا الضَّرْبُ (كَالْأَوَّلِ فِي الْمُسَاوَاةِ وَالْأَعَمِّيَّةِ) يَعْنِي كَمَا يَنْتِجُ الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فِيهِمَا فَإِذَا كَانَ هُنَا جُزْءَ الْأُولَى مُتَسَاوِيَيْنِ أَنْتَجَ كُلِّيًّا كَمَا هُنَاكَ مِثَالُهُ كُلُّ فَرَسٍ صَهَّالٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْفَرَسِ بِإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يُنْتِجُ لَا شَيْءَ مِنْ الصُّهَالِ بِإِنْسَانٍ، وَإِذَا كَانَ هُنَا مَحْمُولُ الْأُولَى أَعُمَّ مِنْ مَوْضُوعِهَا أَنْتَجَ جُزْئِيًّا. وَمِثَالُهُ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّ الْمَكِيلَ أَعَمُّ مِنْ الْبُرِّ ثُمَّ هَذَا الضَّرْبُ يُرَدُّ إلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ (بِعَكْسِ الصُّغْرَى) كَمَا هُنَاكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا الْمُخَالَفَةُ لِلْأُولَى مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ يُرَدُّ فِي الْمُسَاوَاةِ إلَى الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْأَعَمِّيَّةِ إلَى الضَّرْبِ الرَّابِعِ مِنْهُ، وَذَاكَ يُرَدُّ فِي الْمُسَاوَاةِ إلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْأَعَمِّيَّةِ إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي. الضَّرْبُ الْخَامِسُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَكَالرَّابِعِ إلَّا أَنَّ أُولَاهُ جُزْئِيَّةٌ) بِخِلَافِهَا فِي الضَّرْبِ الرَّابِعِ فَهُوَ حِينَئِذٍ جُزْئِيَّةٌ مُوجَبَةٌ صُغْرَى وَكُلِّيَّةٌ سَالِبَةٌ كُبْرَى (يُنْتِجُ سَلْبًا جُزْئِيًّا) مِثَالُهُ بَعْضُ الْمَوْزُونِ رِبَوِيٌّ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمَوْزُونِ يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَبَعْضُ الرِّبَوِيُّ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا (وَيُرَدُّ) إلَى الضَّرْبِ الرَّابِعِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِعَكْسِ الصُّغْرَى؛ لِأَنَّهَا الْمُخَالَفَةُ لِلْأَوْلَى فِيهِ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ مَا رُدَّ الرَّابِعُ الْمَذْكُورُ إلَيْهِ فِي الْأَعَمِّيَّةِ فَنَقُولُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بَعْضُ الرِّبَوِيِّ مَوْزُونٌ وَالْبَاقِي بِعَيْنِهِ مِنْ الْكُبْرَى وَالنَّتِيجَةِ. الضَّرْبُ السَّادِسُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقَلْبُهُ) أَيْ الضَّرْبُ الْخَامِسُ (كَمِّيَّةً) لَا كَيْفِيَّةً فَهُوَ كُلِّيَّةٌ مُوجَبَةٌ صُغْرَى وَجُزْئِيَّةٌ سَالِبَةٌ كُبْرَى (يُنْتِجُ) سَلْبًا جُزْئِيًّا (مِثْلَهُ) أَيْ الْخَامِسِ أَيْضًا مِثَالُهُ (كُلُّ بُرٍّ مَكِيلٌ وَبَعْضُ الْبُرِّ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَبَعْضُ الْمَكِيلِ لَا يُبَاعُ إلَخْ) أَيْ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَلَمَّا كَانَ رَدُّ هَذَا الضَّرْبِ إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِعَكْسِ الْكُبْرَى، وَجَعْلُهَا صُغْرَى وَضَمُّ الصُّغْرَى إلَيْهَا كُبْرَى فَيُنْتِجُ مَا تَنْعَكِسُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَكَانَ مِمَّا يُخَالُ أَنَّهَا لَا تَنْعَكِسُ ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَنْعَكِسَ إنَّمَا تَنْعَكِسُ سَالِبَةً، وَالسَّالِبَةُ لَا تَصْلُحُ صُغْرَى فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ قَرَّرَ الْمُصَنِّفُ رَدَّهُ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ عَكْسَ الْكُبْرَى الْمَذْكُورِ صُغْرَى فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ مَعَ إشَارَةٍ إلَى دَفْعِ هَذَا الْمُخَيَّلِ فَقَالَ: (وَرَدُّهُ بِاعْتِبَارِ الْكُبْرَى مُوجَبَةً سَالِبَةَ الْمَحْمُولِ) أَيْ سُلِبَ مَحْمُولُهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا بِجَعْلِ

السَّلْبِ جُزْءًا لِلْمَحْمُولِ ثُمَّ أُثْبِتَ ذَلِكَ السَّلْبُ لِلْمَوْضُوعِ وَلِمُلَاحَظَةِ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ فِيهَا سُمِّيَتْ مُوجَبَةً سَالِبَةَ الْمَحْمُولِ (وَهِيَ) أَيْ الْمُوجَبَةُ السَّالِبَةُ الْمَحْمُولِ (لَازِمَةٌ لِلسَّالِبَةِ) كَمَا أَنَّ السَّالِبَةَ لَازِمَةٌ لَهَا أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ سَلْبِ الشَّيْءِ عَنْ الشَّيْءِ، وَإِثْبَاتِ سَلْبِهِ لَهُ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَا تَحْتَاجُ هَذِهِ الْمُوجَبَةُ إلَى وُجُودِ الْمَوْضُوعِ كَالسَّالِبَةِ بِخِلَافِ الْمَعْدُولَةِ وَلِهَذَا لَمْ نَجْعَلْهَا فِي حُكْمِ الْمَعْدُولَةِ وَكَمَا تَنْعَكِسُ الْمُوجَبَةُ الْمُحَصِّلَةُ، وَإِنْ كَانَتْ جُزْئِيَّةً تَنْعَكِسُ هَذِهِ السَّالِبَةُ (وَبِجَعْلِ عَكْسِهَا) مُسْتَوِيًا (صُغْرَى) لِلضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ مِنْ مَاصَدَق كَوْنِ الصُّغْرَى فِي حُكْمِ الْإِيجَابِ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَعَكْسُ الْكُبْرَى فِي هَذَا الْمِثَالِ بَعْضُ مَا لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا بُرٌّ فَيُجْعَلُ صُغْرَى (لِكُلِّ بُرٍّ مَكِيلٍ فَيُنْتِجُ مَا يَنْعَكِسُ) مُسْتَوِيًا (إلَى الْمَطْلُوبِ) فَإِنَّهُ يُنْتِجُ بَعْضَ مَا لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا مَكِيلٌ، وَهُوَ يَنْعَكِسُ مُسْتَوِيًا إلَى: بَعْضُ الْمَكِيلِ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَيُبَيِّنُ هَذَا) الضَّرْبَ (وَمَا قَبْلَهُ) مِنْ الضُّرُوبِ الْخَمْسَةِ وَالْأَخْصَرِ، وَيُبَيِّنُ ضُرُوبَهُ (بِالْخَلَفِ) أَيْضًا أَيْ بِقِيَاسِهِ، وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ نَقِيضَ الْمَطْلُوبِ كَمَا أَخَذْته فِي الشَّكْلِ. الثَّانِي (إلَّا أَنَّك تَجْعَلُ نَقِيضَ الْمَطْلُوبِ كُبْرَى) لِصُغْرَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ هُنَا؛ لِأَنَّ الصُّغْرَى دَائِمًا مُوجَبَةٌ، وَنَقِيضَ النَّتِيجَةِ دَائِمًا كُلِّيَّةٌ، وَفِي الشَّكْلِ الثَّانِي تَجْعَلُ صُغْرَى لِكُبْرَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَتَقُولُ فِي هَذَا الضَّرْبِ لَوْ لَمْ يَصْدُقْ بَعْضُ الْمَكِيلِ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا لِصِدْقِ نَقِيضِهِ، وَهُوَ كُلُّ مَكِيلٍ يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَيُجْعَلُ كُبْرَى لِلصُّغْرَى الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ كُلُّ بُرٍّ مَكِيلٌ فَيُنْتِجُ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ كُلُّ بُرٍّ يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا كَانَ كُبْرَى فِي هَذَا الشَّكْلِ، وَهُوَ بَعْضُ الْبُرِّ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَلَا يَجْتَمِعَانِ صِدْقًا لَكِنَّ الْكُبْرَى صَادِقَةٌ بِالْفَرْضِ فَتَعَيَّنَ كَذِبُ هَذَا وَكَذِبُهُ يَسْتَلْزِمُ كَذِبَ مَجْمُوعِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ صَدَقَتَا لَصَدَقَ هُوَ أَيْضًا. وَالْفَرْضُ أَنَّ الصُّغْرَى مِنْهُ صَادِقَةٌ فَلَزِمَ كَوْنُ الْكَاذِبَةِ هِيَ الْكُبْرَى الْآنَ الَّتِي هِيَ نَقِيضُ الْمَطْلُوبِ، وَإِذَا كَذِبَ نَقِيضُ الْمَطْلُوبِ كَانَ الْمَطْلُوبُ صِدْقًا، وَهُوَ الْمُدَّعَى، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ تَخْرِيجُهُ لِمَنْ تَصَوَّرَهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ثُمَّ اعْلَمْ) أَنَّ تَرْتِيبَ ضُرُوبِ هَذَا الشَّكْلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَنِيعُ الْإِمَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُونَ لِمُخْتَصَرِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَفِي الشَّمْسِيَّةِ جَعَلَ مَا هُوَ الضَّرْبُ الثَّانِي هُنَا الضَّرْبَ الثَّالِثَ، وَمَا هُوَ الضَّرْبُ الثَّالِثُ هُنَا الضَّرْبَ الْخَامِسَ، وَمَا هُوَ الضَّرْبُ الرَّابِعُ هُنَا الضَّرْبَ الثَّانِيَ، وَمَا هُوَ الضَّرْبُ الْخَامِسُ هُنَا الرَّابِعَ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ وَالسَّادِسُ فَكَمَا هُنَا، وَمَشَى عَلَى هَذَا شَارِحُوهَا مُعَلِّلِينَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخَصُّ الضُّرُوبِ الْمُنْتِجَةِ لِلْإِيجَابِ وَالثَّانِيَ أَخَصُّ الضُّرُوبِ الْمُنْتِجَةِ لِلسَّلْبِ، وَالْأَخَصُّ أَشْرَفُ، وَقَدَّمَ الثَّالِثَ وَالرَّابِعَ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى كُبْرَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا وَلَا خَلَلَ فِي الْمَقْصُودِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا أَنَّهُ لَعَلَّ الْأُولَى مَا فِي الشَّمْسِيَّةِ (الشَّكْلُ الرَّابِعُ خَالَفَ) الشَّكْلَ (الْأَوَّلِ فِيهِمَا) أَيْ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى بِأَنْ كَانَ الْحَدُّ الْوَسَطُ مَوْضُوعًا فِي الصُّغْرَى مَحْمُولًا فِي الْكُبْرَى، وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ (فَرَدُّهُ) إلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ (بِعَكْسِهِمَا) أَيْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ عَكْسًا مُسْتَوِيًا فَيَجْعَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَوْضُوعَ مَحْمُولًا وَالْمَحْمُولَ مَوْضُوعًا وَيَبْقَيَانِ عَلَى حَالِهِمَا مِنْ التَّرْتِيبِ (أَوْ قَلْبِهِمَا) أَيْ أَوْ بِتَقْدِيمِ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلِ الْمَوْضُوعِ مَحْمُولًا، وَالْمَحْمُولِ مَوْضُوعًا (فَإِذَا كَانَتْ صُغْرَاهُ) أَيْ هَذَا الشَّكْلِ (مُوجَبَةً كُلِّيَّةً أَنْتَجَ مَعَ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ) الَّتِي هِيَ كُبْرَاهُ سَالِبَةً جُزْئِيَّةً (بِرَدِّهِ) إلَى الضَّرْبِ الرَّابِعِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ (بِعَكْسِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ فَقَطْ) أَيْ لَا مَعَ الْقَلْبِ أَيْضًا (لِعَدَمِ السَّلْبِ فِي صُغْرَى) الشَّكْلِ (الْأَوَّلِ) ، وَهُوَ لَازِمٌ لِلْقَلْبِ (وَ) أَنْتَجَ (مَعَ الْمُوجَبَتَيْنِ) الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ كُبْرَيَيْنِ مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً بِرَدِّهِ إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ (بِقَلْبِهِمَا) أَيْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ (ثُمَّ عَكْسُ النَّتِيجَةِ لَا بِعَكْسِهَا لِبُطْلَانِ الْجُزْئِيَّتَيْنِ) فَإِنَّهُ لَا قِيَاسَ عَنْهُمَا، وَهُوَ لَازِمٌ مِنْ عَكْسِهِمَا (فَسَقَطَتْ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ) فِي هَذَا الشَّكْلِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا أَنْ تَكُونَ فِيهِ

صُغْرَى أَوْ كُبْرَى (لِانْتِفَاءِ الطَّرِيقِينَ) اللَّذَيْنِ إنَّمَا يَرْتَدُّ هَذَا الشَّكْلُ إلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِأَحَدِهِمَا، وَهُمَا الْعَكْسُ وَالْقَلْبُ (مَعَهَا) أَيْ السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ أَمَّا انْتِفَاءُ الْعَكْسِ فَلِأَنَّ هَذِهِ السَّالِبَةَ الْجُزْئِيَّةَ لَا تَنْعَكِسُ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ الْقَلْبِ فَلِأَنَّهَا حِينَئِذٍ إنْ كَانَتْ كُبْرَى صَارَتْ صُغْرَى الْأَوَّلِ سَالِبَةً، وَإِنْ كَانَتْ صُغْرَى صَارَتْ كُبْرَى الْأَوَّلِ جُزْئِيَّةً وَكِلَاهُمَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِنْتَاجِ فِيهِ كَمَا عُرِفَ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُوجَبَةَ الْكُلِّيَّةَ إذَا تَسَاوَى طَرَفَاهَا تَنْعَكِسُ كَنَفْسِهَا فَرَّعَ عَلَيْهِ (وَلَوْ تَسَاوَيَا) أَيْ الطَّرَفَانِ (فِي الْكُبْرَى الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ صَحَّ) رَدُّ هَذَا الضَّرْبِ إلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِعَكْسِهِمَا لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَكَانَتْ النَّتِيجَةُ حِينَئِذٍ مُوجَبَةً كُلِّيَّةً (وَإِذَا كَانَتْ الصُّغْرَى) فِي هَذَا الشَّكْلِ (مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً فَيَجِبُ كَوْنُ الْأُخْرَى السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ) ، وَإِلَّا لَكَانَتْ إمَّا مُوجَبَةٌ لِسُقُوطِ السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَتْ كُلِّيَّةً لَزِمَ مِنْهُ جَعْلُ الْجُزْئِيَّةِ الْمُوجَبَةِ كُبْرَى لِلشَّكْلِ الْأَوَّلِ أَيُّ الطَّرِيقَيْنِ سَلَكْت أَمَّا طَرِيقُ الْعَكْسِ فَلِأَنَّ عَكْسَ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ، وَأَمَّا طَرِيقُ الْقَلْبِ فَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الصُّغْرَى مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ فَتَحُلَّ مَحَلَّ الْكُبْرَى وَالْجُزْئِيَّةُ الْمُوجَبَةُ لَا تَصْلُحُ كُبْرَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَتْ جُزْئِيَّةً فَالْجُزْئِيَّتَانِ لَا تَنْتُجَانِ بِنَفْسِهِمَا وَلَا بِعَكْسِهِمَا بِوَجْهٍ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ غَيْرَ مُتَسَاوٍ طَرَفَاهَا. فَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا فَنَقُولُ (وَعَلَى التَّسَاوِي تَجُوزُ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ) أَنْ تَكُونَ كُبْرَى لَلْمُوجَبَةِ الْجُزْئِيَّةِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ لُزُومُ صَيْرُورَةِ كُبْرَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ جُزْئِيَّةً، وَهَذَا الْمَانِعُ قَدْ انْعَدَمَ حِينَئِذٍ لِانْعِكَاسِهَا كُلِّيَّةً إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ بِطَرِيقِ الْعَكْسِ (أَوْ) كَانَتْ الصُّغْرَى فِي هَذَا الشَّكْلِ (السَّالِبَةَ الْكُلِّيَّةَ فَيَجِبُ) حِينَئِذٍ أَنْ تَكُونَ (الْكُبْرَى كُلِّيَّةً مُوجَبَةً لِامْتِنَاعِ خِلَافِ ذَلِكَ) أَمَّا الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ فَلِأَنَّهُ لَوْ قُلِبَتْ حِينَئِذٍ الْمُقَدِّمَتَانِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ عَكْسِ النَّتِيجَةِ، وَهِيَ جُزْئِيَّةٌ سَالِبَةٌ لَا تَنْعَكِسُ وَلَوْ عَكَسْتهمَا صَارَتْ الْكُبْرَى جُزْئِيَّةً فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا السَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ الْقِيَاسُ مِنْ سَالِبَتَيْنِ، وَهُمَا لَا يُنْتِجَانِ أَصْلًا، وَقَدْ عَرَفْت مَعَ هَذَا أَيْضًا سُقُوطَ السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ شَرْطَ إنْتَاجِ هَذَا الشَّكْلِ أَنْ لَا تَكُونَ صُغْرَاهُ سَالِبَةً جُزْئِيَّةً مَعَ شَيْءٍ مِنْ الْمَحْصُورَاتِ الْأَرْبَعِ وَلَا سَالِبَةً كُلِّيَّةً مَعَ مِثْلِهَا، وَلَا مَعَ مُوجَبَةٍ جُزْئِيَّةٍ وَلَا مُوجَبَةٍ جُزْئِيَّةٍ مَعَ مِثْلِهَا وَلَا مَعَ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ وَلَا أَنْ تَكُونَ كُبْرَاهُ سَالِبَةً جُزْئِيَّةً مَعَ إحْدَى الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ فَحِينَئِذٍ (ضُرُوبُهُ) الْمُنْتِجَةِ مِنْ الضُّرُوبِ الْمُمْكِنَةِ الِانْعِقَادِ فِيهِ خَمْسَةٌ لَا غَيْرُ. الضَّرْبُ الْأَوَّلُ (كُلِّيَّتَانِ مُوجَبَتَانِ) يُنْتِجُ مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً، مِثَالُهُ (كُلُّ مَا يَلْزَمُ عِبَادَةً مُفْتَقِرٌ إلَى النِّيَّةِ وَكُلُّ تَيَمُّمٍ يَلْزَمُ عِبَادَةً، لَازِمُهُ كُلُّ تَيَمُّمٍ مُفْتَقِرٌ إلَى النِّيَّةِ بِقَلْبِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ) فَيُقَالُ كُلُّ تَيَمُّمٍ يَلْزَمُ عِبَادَةً وَكُلُّ مَا يَلْزَمُ عِبَادَةً مُفْتَقِرٌ إلَى النِّيَّةِ فَيُنْتِجُ اللَّازِمَ الْمَذْكُورَ (ثُمَّ يَعْكِسُ) عَكْسًا مُسْتَوِيًا (إلَى الْمَطْلُوبِ جُزْئِيًّا بَعْضُ الْمُفْتَقِرِ تَيَمُّمٌ فَإِنْ قُلْت مَا السَّبَبُ) فِي كَوْنِ الْمَطْلُوبِ فِي هَذَا جُزْئِيًّا (وَكُلٌّ مَنْ لُزُومِ الْكُلِّيَّةِ) الْكَائِنَةِ فِي اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ لِلْمَلْزُومِ الْمَذْكُورِ (وَمَعْنَاهَا صَحِيحٌ قِيلَ) إنَّمَا كَانَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذَا جُزْئِيًّا (لِفَرْضِ كَوْنِ الصُّغْرَى مُطْلَقًا) أَيْ فِي أَيْ شَكْلٍ مِنْ الْأَشْكَالِ الْأَرْبَعَةِ قَدْرَ (مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَوْضُوعِ الْمَطْلُوبِ وَالْكُبْرَى مَحْمُولَةٌ) أَيْ وَكَوْنُ الْكُبْرَى مُطْلَقًا مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَحْمُولِ الْمَطْلُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِذَا زَعَمْت أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ) عَلَى الْمَطْلُوبِ الَّذِي هُوَ افْتِقَارُ التَّيَمُّمِ إلَى النِّيَّةِ (بِالرَّابِعِ) أَيْ بِالشَّكْلِ الرَّابِعِ (كَانَ الْمُفْتَقِرُ مَوْضُوعَهُ) أَيْ الْمَطْلُوبُ (وَالتَّيَمُّمُ مَحْمُولُهُ) أَيْ الْمَطْلُوبُ (وَالْحَاصِلُ عِنْدَ الرَّدِّ) إلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ (عَكْسُهُ) ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ مَوْضُوعَ الْمَطْلُوبِ، وَالْمُفْتَقِرُ مَحْمُولَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى عَكْسِهِ (فَيَنْعَكِسُ جُزْئِيًّا) لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْمُوجَبَةَ الْكُلِّيَّةَ تَنْعَكِسُ مُوجَبَةً جُزْئِيَّةَ فَهَذَا سَبَبُ كَوْنِ اللَّازِمِ فِي هَذَا الضَّرْبِ جُزْئِيًّا ثُمَّ نَقُولُ عَلَى وَتِيرَةِ مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ تَسَاوَيَا) أَيْ الطَّرَفَانِ فِي الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ لَازِمُ هَذَا الضَّرْبِ (كَانَ) عَكْسُهُ (كُلِّيًّا) وَلَا يَتَأَتَّى السُّؤَالُ الْمَذْكُورُ. الضَّرْبُ

الثَّانِي مِثْلُهُ أَيْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ (إلَّا أَنَّ الثَّانِيَةَ جُزْئِيَّةً) فَهُوَ مُوجَبَتَانِ كُلِّيَّةٌ صُغْرَى وَجُزْئِيَّةٌ كُبْرَى يُنْتِجُ مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً مِثَالُهُ (كُلُّ عِبَادَةٍ بِنِيَّةٍ وَبَعْضُ الْوُضُوءِ عِبَادَةٌ) يُنْتِجُ بَعْضُ مَا هُوَ بِنِيَّةٍ الْوُضُوءُ (وَالرَّدُّ وَاللَّازِمُ كَالْأَوَّلِ) أَيْ وَرَدُّ هَذَا الضَّرْبِ إلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ وَاللَّازِمُ لَهُ كَالضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الشَّكْلِ إلَّا أَنَّ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ مِنْهُ يُرَدُّ إلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا الضَّرْبُ يُرَدُّ إلَى الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنْهُ فَتُقْلَبُ الْمُقَدِّمَتَانِ إلَى بَعْضِ الْوُضُوءِ عِبَادَةٌ وَكُلُّ عِبَادَةٍ بِنِيَّةٍ فَيُنْتِجُ بَعْضُ الْوُضُوءِ بِنِيَّةٍ ثُمَّ يُعْكَسُ هَذَا اللَّازِمُ إلَى بَعْضِ مَا هُوَ بِنِيَّةٍ الْوُضُوءُ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الضَّرْبُ (الثَّالِثُ كُلِّيَّتَانِ الْأُولَى سَالِبَةٌ) وَالثَّانِيَةُ مُوجَبَةٌ مِثَالُهُ (كُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ وَكُلُّ مَنْدُوبٍ عِبَادَةٌ يُنْتِجُ سَالِبَةً كُلِّيَّةً لَا مُسْتَغْنٍ) عَنْ النِّيَّةِ (بِمَنْدُوبٍ بِالْقَلْبِ وَالْعَكْسِ) أَيْ بِقَلْبِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ لِيَرْتَدَّ إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ عَكَسَ النَّتِيجَةَ إلَى الْمَطْلُوبِ فَيُقَالُ كُلُّ مَنْدُوبٍ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ فَيُنْتِجُ كُلُّ مَنْدُوبِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ وَيُعْكَسُ إلَى لَا مُسْتَغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ بِمَنْدُوبٍ الضَّرْبُ (الرَّابِعُ كُلِّيَّتَانِ الثَّانِيَةُ سَالِبَةٌ) وَالْأُولَى مُوجَبَةٌ (يُنْتِجُ جُزْئِيَّةً سَالِبَةً) مِثَالُهُ (كُلُّ مُبَاحٍ مُسْتَغْنٍ) عَنْ النِّيَّةِ (وَكُلُّ وُضُوءٍ لَيْسَ بِمُبَاحٍ فَبَعْضُ الْمُسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ لَيْسَ بِوُضُوءٍ بِعَكْسِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ) فَتُعْكَسُ الْأُولَى إلَى مُوجَبَةٍ جُزْئِيَّةٍ، وَهِيَ بَعْضُ الْمُسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ مُبَاحٌ. وَالثَّانِيَةُ إلَى وَكُلُّ مُبَاحٍ لَيْسَ بِوُضُوءٍ ثُمَّ تَضُمُّهَا إلَى الْأُولَى فَيَكُونُ الضَّرْبُ الرَّابِعُ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ وَيُنْتِجُ النَّتِيجَةَ الْمَذْكُورَةَ بِعَيْنِهَا، وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ مَاشٍ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَأَمَّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّ الْمُوجَبَةَ الْكُلِّيَّةَ إذَا تَسَاوَى طَرَفَاهَا تَنْعَكِسُ كَنَفْسِهَا فَنَقُولُ (وَلَوْ كَانَ فِي الْمُوجَبَةِ تَسَاوٍ) بَيْنَ طَرَفَيْهَا (كَانَتْ) النَّتِيجَةُ سَالِبَةً (كُلِّيَّةً) لِكُلِّيَّةِ كِلْتَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ عَيْنًا، وَعَكْسًا الضَّرْبُ (الْخَامِسُ جُزْئِيَّةٌ مُوجَبَةٌ وَسَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ كَالرَّابِعِ) أَيْ هُوَ كَالضَّرْبِ الرَّابِعِ مِنْ هَذَا الشَّكْلِ (لَازِمًا وَرَدًّا) إلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَيُنْتِجُ جُزْئِيَّةً سَالِبَةً مِنْ الضَّرْبِ الرَّابِعِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِعَكْسِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ مِثَالُهُ بَعْضُ الْمُبَاحِ مُسْتَغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْوُضُوءِ بِمُبَاحٍ فَبَعْضُ الْمُسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ لَيْسَ بِوُضُوءٍ فَتُعْكَسُ الْأُولَى إلَى بَعْضِ الْمُسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ مُبَاحٌ وَالثَّانِيَةُ إلَى وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمُبَاحِ بِوُضُوءٍ فَيُنْتِجُ اللَّازِمَ الْمَذْكُورَ بِعَيْنِهِ. (وَيُبَيِّنُ الْكُلَّ) أَيْ الضُّرُوبَ الْخَمْسَةَ مِنْ هَذَا الشَّكْلِ (بِالْخَلْفِ) ، وَهُوَ أَنْ تَضُمَّ نَقِيضَ النَّتِيجَةِ إلَى إحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ لِيُنْتِجَ مَا تَنْعَكِسُ إلَى نَقِيضِ الْأُخْرَى غَيْرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْمَضْمُومُ إلَيْهَا نَقِيضُ النَّتِيجَةِ فِي الضَّرْبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الْمُنْتَجَيْنِ لِلْإِيجَابِ هِيَ الصُّغْرَى وَيَكُونُ النَّقِيضُ هُوَ الْكُبْرَى كَمَا فِي الْخَلْفِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الشَّكْلِ الثَّالِثِ، وَفِي الضُّرُوبِ الثَّلَاثَةِ الْأُخَرِ الْمُنْتَجَةِ لِلسَّلْبِ هِيَ الْكُبْرَى وَيَكُونُ نَقِيضُ النَّتِيجَةِ هُوَ الصُّغْرَى كَمَا فِي الْخَلْفِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الشَّكْلِ الثَّانِي فَنَقُولُ فِي مِثَالِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ لَوْ لَمْ يَصْدُقْ بَعْضُ الْمُفْتَقِرِ إلَى النِّيَّةِ تَيَمُّمٌ لَصَدَقَ نَقِيضُهُ، وَهُوَ لَا شَيْءَ مِنْ الْمُفْتَقِرِ إلَى النِّيَّةِ بِتَيَمُّمٍ وَتَضُمُّ كُبْرَى إلَى صُغْرَاهُ، وَهِيَ كُلُّ مَا يَلْزَمُ عِبَادَةُ مُفْتَقِر إلَى النِّيَّةِ فَيُنْتِجُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ لَا شَيْءَ مِمَّا يَلْزَمُ عِبَادَةً بِتَيَمُّمٍ وَتُعْكَسُ إلَى لَا شَيْءَ مِنْ التَّيَمُّمِ يَلْزَمُ عِبَادَةً، وَهَذَا يُنَاقِضُ كُبْرَى هَذَا الضَّرْبِ الْمَرْدُودِ فَإِنَّهَا كُلُّ تَيَمُّمٍ يَلْزَمُ عِبَادَةً فَالصَّادِقُ إحْدَاهُمَا لَكِنْ كُبْرَى هَذَا الضَّرْبِ صَادِقَةٌ بِالْفَرْضِ فَيَكُونُ الْكَاذِبُ هَذَا اللَّازِمُ وَكَذِبُهُ بِكَذِبِ مُقَدِّمَتَيْهِ اللَّتَيْنِ هُمَا الْمَلْزُومُ أَوْ بِكَذِبِ إحْدَاهُمَا وَالْفَرْضُ أَنَّ هَذِهِ الصُّغْرَى صَادِقَةٌ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْكَاذِبَةِ هِيَ الْكُبْرَى الَّتِي هِيَ نَقِيضُ الْمَطْلُوبِ فَالْمَطْلُوبُ حَقٌّ. وَنَقُولُ فِي مِثَالِ الضَّرْبِ الثَّالِثِ لَوْ لَمْ يَصْدُقْ لَا مُسْتَغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ بِمَنْدُوبٍ لَصَدَقَ نَقِيضُهُ، وَهُوَ بَعْضُ الْمُسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ مَنْدُوبٌ فَيَضُمُّ صُغْرَى إلَى كُبْرَاهُ فَيُنْتِجُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بَعْضُ الْمُسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ عِبَادَةٌ وَيَنْعَكِسُ إلَى بَعْضِ الْعِبَادَةِ مُسْتَغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ، وَهَذَا يُنَاقِضُ صُغْرَى هَذَا الضَّرْبِ، وَهِيَ كُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ فَالصَّادِقُ إحْدَاهُمَا لَكِنَّ الصُّغْرَى صَادِقَةٌ

الأمر الرابع استمداد علم أصول الفقه

بِالْفَرْضِ فَيَكُونُ الْكَاذِبُ هَذَا اللَّازِمَ وَكَذِبُهُ بِكَذِبِ كِلْتَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا وَالْفَرْضُ أَنَّ كُبْرَاهُ صَادِقَةٌ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْكَاذِبَةِ هِيَ هَذِهِ الصُّغْرَى الَّتِي هِيَ نَقِيضُ الْمَطْلُوبِ فَالْمَطْلُوبُ حَقٌّ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْإِيضَاحَيْنِ أَخَذَ بِالْبَاقِي ثُمَّ تَرْتِيبُ هَذِهِ الضُّرُوبِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ إنْتَاجِهَا لِبُعْدِهَا عَنْ الطَّبْعِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنْفُسِهَا فَقَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُوجَبَتَيْنِ كُلِّيَّتَيْنِ وَالْإِيجَابُ الْكُلِّيُّ أَشْرَفُ الْأَرْبَعِ ثُمَّ الثَّانِي لِمُشَارَكَتِهِ الْأَوَّلَ فِي إيجَابِ مُقَدِّمَتَيْهِ ثُمَّ الثَّالِثُ لِارْتِدَادِهِ إلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِالْقَلْبِ ثُمَّ الرَّابِعُ لِكَوْنِهِ أَخَصُّ مِنْ الْخَامِسِ ثُمَّ حَصَرَ الضُّرُوبَ الْمُنْتَجَةَ مِنْ هَذَا الشَّكْلِ فِي هَذِهِ رَأَى الْمُتَقَدِّمِينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثَلَاثَةٌ أُخْرَى بَلْ وَزَادَ نَجْمُ الدِّينِ النَّخْجَوانِيُّ فِي كُلٍّ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَرْبَعَةً أُخْرَى، وَفِي الثَّالِثِ سِتَّةً أُخْرَى، وَفِي الرَّابِعِ سَبْعَةً أُخْرَى وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُهُ كَمَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ (تَذْنِيبٌ) . قَالُوا، وَإِنَّمَا وُضِعَتْ الْأَشْكَالُ فِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَلَى النَّظْمِ الطَّبِيعِيِّ، وَهُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَوْضُوعِ الْمَطْلُوبِ إلَى الْحَدِّ الْوَسَطِ ثُمَّ مِنْهُ إلَى مَحْمُولِهِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ الِانْتِقَالُ مِنْ مَوْضُوعِهِ إلَى مَحْمُولِهِ، وَهَذَا لَا يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِيهِ غَيْرُهُ فَوُضِعَ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى ثُمَّ ثُنِيَّ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَشْكَالِ إلَيْهِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي صُغْرَاهُ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَوْضُوعِ الْمَطْلُوبِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ مِنْ الْمَحْمُولِ؛ لِأَنَّ الْمَحْمُولَ إنَّمَا يُطْلَبُ إيجَابًا وَسَلْبًا لَهُ ثُمَّ أَرْدَفَ بِالثَّالِثِ؛ لِأَنَّ لَهُ بِهِ قُرْبًا لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي أَخَسِّ الْمُقَدِّمَتَيْنِ ثُمَّ خَتَمَ بِالرَّابِعِ إذْ لَا قُرْبَ لَهُ بِهِ أَصْلًا لِمُخَالَفَتِهِ إيَّاهُ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَبُعْدِهِ عَنْ الطَّبْعِ جِدًّا. (الطَّرِيقُ الرَّابِعُ الِاسْتِقْرَاءُ تَتَبُّعِ الْجُزْئِيَّاتِ) أَيْ اسْتِقْصَاءِ جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِ كُلِّيٍّ أَوْ أَكْثَرِهَا لِتَعَرُّفِ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامٍ هِيَ بِحَيْثُ تَتَّصِفُ بِهِ هَلْ الْوَاقِعُ أَنَّهَا مُتَّصِفَةٌ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ أَمْ لَا، وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ (فَيُسْتَدَلُّ عَلَى) ثُبُوتِ (الْحُكْمِ الْكُلِّيِّ) الشَّامِلِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (بِثُبُوتِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ (فِيهَا) أَيْ الْجُزْئِيَّاتِ الْمَذْكُورَةِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ اسْتِدْلَالٌ بِحَالِ الْجُزْئِيِّ عَلَى حَالِ الْكُلِّيِّ، وَقَدْ يُقَالُ عَلَى الْغَرَضِ مِنْ هَذَا التَّتَبُّعِ، وَعَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ لَكُلِّيٍّ لِثُبُوتِهِ فِي جُزْئِيَّاتِهِ (وَهُوَ) قِسْمَانِ (تَامٌّ إنْ اُسْتُغْرِقَتْ) الْجُزْئِيَّاتُ بِالتَّتَبُّعِ (يُفِيدُ الْقَطْعَ) كَالْعَدَدِ إمَّا زَوْجٌ، وَإِمَّا فَرْدٌ وَكُلُّ زَوْجٍ يَعُدُّهُ الْوَاحِدُ وَكُلُّ فَرْدٍ يَعُدُّهُ الْوَاحِدُ فَكُلُّ عَدَدٍ يَعُدُّهُ الْوَاحِدُ وَيُسَمَّى أَيْضًا قِيَاسًا مُقَسَّمًا (وَنَاقِصٌ خِلَافُهُ) أَيْ إنْ لَمْ تُسْتَغْرَقْ جُزْئِيَّاتُهُ بِالتَّتَبُّعِ، وَإِنَّمَا تَتَبُّعِ أَكْثَرُهَا لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بَلْ يُفِيدُ الظَّنَّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ أَمِنْ جُزْئِيَّاتِ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ عَلَى خِلَافِ مَا اُسْتُقْرِئَ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ كُلُّ حَيَوَانٍ يُحَرِّكُ عِنْدَ الْمَضْغِ فَكَّهُ الْأَسْفَلَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ وَالْفَرَسَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا نُشَاهِدُهُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ التِّمْسَاحَ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْمَضْغِ يُحَرِّكُ فَكَّهُ الْأَعْلَى، وَأَفَادَنِي الْمُصَنِّفُ إمْلَاءً فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ إنَّمَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ أَحْكَامِ الْجُزْئِيَّاتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعُ بِأَنَّ حُكْمَ الْكُلِّيِّ هَذَا الْجَوَازُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَفْرَادِهِ الْمُقَدَّرَةِ الْوُجُودِ لَوْ وُجِدَتْ كَانَ حُكْمُهَا غَيْرَ هَذَا فَالْجَوَابُ أَنَّ حَاجَتَنَا فِي الشَّرْعِيَّاتِ إنَّمَا هِيَ الْحُكْمُ عَلَى الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ وَاسْتِقْرَاءُ الشَّرْعِ تَامٌّ فَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ قَطْعًا بِخِلَافِ اسْتِقْرَاءِ اللُّغَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ اهـ. ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ طُرُقُ الِاسْتِدْلَالِ الْمَقْبُولِ مُنْحَصِرَةٌ فِي خَمْسَةٍ الْأَرْبَعَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْخَامِسِ مَا يُسَمَّى بِالتَّمْثِيلِ وَكَانَ هَذَا مِنْ أَجْزَاءِ هَذَا الْعِلْمِ لَمْ يَقُلْ الطَّرِيقُ الْخَامِسُ التَّمْثِيلُ بَلْ قَالَ (فَأَمَّا التَّمْثِيلُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الْفِقْهِيُّ الْآتِي فَمِنْ مَقَاصِدِ الْفَنِّ) الْأُصُولِيِّ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّ هُنَا مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْعِلْمِ لِمُنَافَاتِهِ حِينَئِذٍ لِجُزْئِيَّتِهِ، وَإِنْ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ مَا عَدَا الْمَنْطِقَ إذْ لَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ. [الْأَمْرُ الرَّابِعُ اسْتِمْدَاد عِلْم أُصُولُ الْفِقْهِ] الْأَمْرُ (الرَّابِعُ) مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مُقَدِّمَةِ هَذَا الْكِتَابِ (اسْتِمْدَادُهُ) أَيْ مَا مِنْهُ مَدَدُ هَذَا الْعِلْمِ، وَهُوَ أَمْرٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا (أَحْكَامٌ) كُلِّيَّةٌ لُغَوِيَّةٌ (اسْتَنْبَطُوهَا) أَيْ اسْتَخْرَجَهَا أَهْلُ هَذَا الْعِلْمِ مِنْ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِاسْتِقْرَائِهِمْ إيَّاهَا إفْرَادًا وَتَرْكِيبًا.

(لِأَقْسَامٍ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ جَعَلُوهَا) أَيْ عُلَمَاءُ هَذَا الْعِلْمِ الْأَحْكَامَ الْمُسْتَنْبَطَةَ الْمَذْكُورَةَ (مَادَّةً لَهُ) أَيْ جُزْءًا لِهَذَا الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لَيْسَتْ مُدَوَّنَةً قَبْلَهُ) أَيْ تَدْوِينِ هَذَا الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا تُذْكَرُ فِي غُضُونِ اسْتِدْلَالَاتِهِمْ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ كَالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَالتَّبَايُنِ وَالتَّرَادُفِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالظُّهُورِ وَالنُّصُوصِيَّةِ وَالْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ (فَكَانَتْ) هَذِهِ الْأَحْكَامُ حِينَئِذٍ بَعْضًا (مِنْهُ) ، وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى دَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ أَبْعَاضُ عُلُومٍ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ أَيْضًا ثَانِيًا وَيُصَرِّحُ بِنَفْيِهِ ثَالِثًا ثُمَّ اسْتِمْدَادُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ جِهَةِ كُلٍّ مِنْ تَصَوُّرِهَا وَتَصْدِيقِهَا، وَمِنْ ثَمَّةَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهَا مُعَنْوَنًا ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْعِلْم بِمَسْأَلَةٍ فَإِنْ قِيلَ بَعْضُ مَقَاصِدِ هَذَا الْعِلْمِ تَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَلَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْهُ ضَرُورَةَ كَوْنِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ خَارِجًا عَنْ الْمُتَوَقِّفِ فَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْأَحْكَامُ مِنْ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ فَالْجَوَابُ كَمَا قَالَ (وَتَوَقُّفُ إثْبَاتِ بَعْضِ مَطَالِبِهِ) أَيْ مَسَائِلِ هَذَا الْعِلْمِ (عَلَيْهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ تَصَوُّرًا وَتَصْدِيقًا كَالتَّصْدِيقِ مَثَلًا بِأَنَّ الْعُمُومَ يَلْحَقُهُ الْخُصُوصُ (لَا يُنَافِي الْأَصَالَةَ) أَيْ أَنْ يَكُونَ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَطْلَبُ مِنْ جُمْلَةِ أَجْزَاءِ هَذَا الْعِلْمِ (لِجَوَازِ) كَوْنِ (مَسْأَلَةٍ) مِنْ الْعِلْمِ (مَبْدَأً لِمَسْأَلَةٍ) أُخْرَى مِنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ فِي الْمَبْدَئِيَّةِ كَمَا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمِثَالِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى شَيْءٍ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ خَارِجًا عَنْهُ فَإِنَّ الْمُرَكَّبَ يَتَوَقَّفُ عَلَى كُلٍّ مِنْ أَجْزَائِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْ أَجْزَائِهِ بِخَارِجٍ عَنْهُ ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا كَوْنَ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ خَارِجًا عَنْ الْمُتَوَقِّفِ فَهُوَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنْ جُمْلَةِ هَذَا الْعِلْمِ (وَهَذَا) أَيْ: وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْعِلْمُ مُسْتَمَدٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ (لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ) الْكُلِّيَّةَ السَّمْعِيَّةَ (مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ هَذَا الْعِلْمِ (مِنْهَا) أَيْ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ اللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ صِيغَةً وَمَعْنًى. (وَحُمِلَ حُكْمُ الْعَامِّ مَثَلًا وَالْمُطْلَقِ) أَيْ: وَحُمِلَ حُكْمُهُ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَامًّا، وَمُطْلَقًا (لَيْسَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ) أَيْ كَوْنِ الْعَامِّ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ (عَامُّ الْأَدِلَّةِ) الْمَذْكُورَةِ وَلَا بِقَيْدِ كَوْنِ الْمُطْلَقِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ مُطْلَقَ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ لَيْسَ الْحَمْلُ بِاعْتِبَارِ هَذَا التَّقْيِيدِ الْخَاصِّ (بَلْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا) أَيْ بَلْ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ فَيَنْطَبِقُ عَلَى عَامِّ الْكَلَامِ السَّمْعِيِّ، وَمُطْلَقِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ مِنْ مَا صَدَقَاتِ ذَيْنِك حِينَئِذٍ فَانْدَفَعَ أَنْ يُقَالَ الْأَحْكَامُ الْكَائِنَةُ لِأَقْسَامٍ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ إنَّمَا هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي هَذَا الْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا أَحْكَامُ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا مُطْلَقًا فَلَا يَكُونُ هَذَا الْعِلْمُ مُسْتَمَدًّا مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ. وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ قَدْ لَا تَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا خَشْيَةَ تَوَهُّمِ كَوْنِهَا أَجْمَعَ مُجْمَعًا عَلَيْهَا فَقَالَ (وَقَدْ يَجْرِي فِيهَا خِلَافٌ) بَيْنَ الْمُسْتَنْبِطِينَ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ ثَانِي الْأَمْرَيْنِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَأَجْزَاءٌ مُسْتَقِلَّةٌ تَصَوُّرَاتِ الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْوَصْفِ بِالِاسْتِقْلَالِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ تَوَهُّمِ كَوْنِ هَذَا الْعِلْمِ أَبْعَاضَ عُلُومٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِنَا سَالِفًا أَنَّهُ سَيُشِيرُ إلَيْهِ ثَانِيًا، وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْأَجْزَاءَ بِتَصَوُّرَاتِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِإِثْبَاتِهَا وَنَفْيِهَا مِنْ حَيْثُ اسْتِفَادَتُهَا مِنْ أَدِلَّتِهَا مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْعِلْمِ لَا مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ (كَالْفِقْهِ) أَيْ كَمَا أَنَّ الْفِقْهَ يُسْتَمَدُّ مِنْ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ الْمُسْتَقِلَّةِ أَيْضًا (يَجْمَعُهُمَا) أَيْ هَذَا الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِ تَصَوُّرَاتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُمْتَدَّةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا (الِاحْتِيَاجُ) الْكَائِنُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (إلَى تَصَوُّرَاتِ مَحْمُولَاتِ الْمَسَائِلِ) أَيْ مَسَائِلِهِمَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْأُصُولِيِّ مِنْ الْأُصُولِ إثْبَاتُ الْأَحْكَامِ وَنَفْيُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَدْلُولَةٌ لِلْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، وَمُسْتَفَادَةٌ مِنْهَا، وَالْفَقِيهُ مِنْ الْفِقْهِ إثْبَاتُهَا وَنَفْيُهَا مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهَا بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ، وَهِيَ تَقَعُ جُزْءًا مِنْ مَحْمُولَاتِ مَسَائِلِهِمَا كَالْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالْوِتْرِ وَاجِبٌ فَإِنَّ مَعْنَى الْأُولَى أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْوُجُوبِ وَمُفِيدٌ لَهُ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مُتَعَلَّقُ الْوُجُوبِ، وَمَوْصُوفٌ بِهِ فَوَقَعَ الْوُجُوبُ جُزْءًا مِنْ الْمَحْمُولِ فِيهِمَا لَا نَفْسَ الْمَحْمُولِ، وَالْحُكْمُ بِالشَّيْءِ نَفْيًا، وَإِثْبَاتًا

فَرْعُ تَصَوُّرِهِ بِسَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفِقْهِ اسْتِطْرَادٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ (عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْدَادُ الْفِقْهِ إيَّاهَا) أَيْ تَصَوُّرَاتِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ (مِنْهُ) أَيْ عِلْمِ الْأُصُولِ (لِسَبْقِهِ) أَيْ أُصُولِ الْفِقْهِ فِي الِاعْتِبَارِ لِكَوْنِهِ فَرْعًا عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يُدَوَّنْ) عِلْمُ الْأُصُولِ مُسْتَقِلًّا قَبْلَ تَدْوِينِ الْفِقْهِ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ دَوَّنَ الْفِقْهَ وَرَتَّبَ كُتُبَهُ، وَأَبْوَابَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ أَرَادَ الْفِقْهَ فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا نَقَلَهُ الْفَيْرُوزْآبادِي الشَّافِعِيُّ فِي طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِ،. وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْإِيضَاحِ ذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي كِتَابِهِ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ وَكَانَ مُقَدَّمًا فِي أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا يَقَعُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ فَدَعَاهُ فَقَالَ يَا هَذَا أَتَقَعُ فِي رَجُلٍ سَلَّمَ لَهُ النَّاسُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعِلْمِ، وَهُوَ لَا يُسَلِّمُ لَهُمْ الرُّبْعَ فَقَالَ وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ الْفِقْهُ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ، وَهُوَ الَّذِي تَفَرَّدَ بِوَضْعِ السُّؤَالِ فَسَلِمَ لَهُ نِصْفُ الْعِلْمِ ثُمَّ أَجَابَ عَنْ الْكُلِّ وَخُصُوصِهِ لَا يَقُولُونَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِي الْكُلِّ فَإِذَا جَعَلْت مَا وَافَقُوهُ فِيهِ مُقَابَلًا بِمَا خَالَفُوهُ فِيهِ سَلِمَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعِلْمِ لَهُ وَبَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمِيعِ النَّاسِ رُبْعُ الْعِلْمِ فَتَابَ الرَّجُلُ عَنْ وَقِيعَتِهِ فِي أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَيُقَالُ إنَّ أَوَّلَ مِنْ دَوَّنَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ صَنَّفَ فِيهِ كِتَابَ الرِّسَالَةِ بِالْتِمَاسِ ابْنِ الْمَهْدِيِّ (وَيَزِيدُ) هَذَا الْعِلْمُ عَلَى الْفِقْهِ (بِهَا) أَيْ بِتَصَوُّرَاتِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ (مَوْضُوعَاتٍ) لِمَسَائِلِهِ (فِي مِثْلِ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورٌ بِهِ أَوَّلًا وَالْوَاجِبُ إمَّا مُقَيَّدٌ بِالْوَقْتِ أَوْ لَا) فَإِنَّ الْمَوْضُوعَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَسْمَاءٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَيْسَ مِثْلُهُ بِوَاقِعٍ فِي الْفِقْهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ احْتِيَاجُ هَذَا الْعِلْمِ إلَى تَصَوُّرَاتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَكْثَرُ مِنْ احْتِيَاجِ الْفِقْهِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ اسْتِمْدَادَهُ مِنْهَا أَوْفَرُ مِنْ اسْتِمْدَادِ الْفِقْهِ ثُمَّ لَوْ قَالَ: مِثْلُ الْإِبَاحَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَالْإِبَاحَةُ لَيْسَتْ جِنْسًا لِلْوُجُوبِ لَكَانَ أَوْلَى (وَعَنْهُ) أَيْ كَوْنِ هَذَا الْعِلْمِ يَزِيدُ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ مَوْضُوعَاتٍ لِمَسَائِلِهِ (عُدَّتْ) هَذِهِ الْأَحْكَامُ (مِنْ الْمَوْضُوعِ) أَيْ مَوْضُوعِ هَذَا الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَ نَفْسِ الْأَحْكَامِ مَوْضُوعًا لِهَذَا الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَاتِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ تَكُونُ بِحَيْثُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا مَوْضُوعُ الْعِلْمِ، وَقَدْ أَسَلَفْنَا بَيَانَ هَذَا، وَمَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ، وَمَا عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْبَحْثَ عَنْهَا، وَعَنْ الْمُكَلَّفِ الْكُلِّيِّ، وَأَحْوَالِهِ مِنْ بَابِ التَّتْمِيمِ وَاللَّوَاحِقِ فَرَاجِعْهُ ثُمَّ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْآمِدِيَّ وَابْنَ الْحَاجِبِ، وَمَنْ تَابَعَهُمَا ذَكَرُوا أَنَّ اسْتِمْدَادَ هَذَا الْعِلْمِ مِنْ ثَلَاثَةٍ هَذَيْنِ وَالثَّالِثِ عِلْمِ الْكَلَامِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِمَا مِنْهُ الِاسْتِمْدَادُ مَا تَكُونُ الْأَدِلَّةُ مُتَوَقِّفَةً عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ حُجِّيَّتِهَا لِلْأَحْكَامِ أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّ إثْبَاتَ الْأَحْكَامِ أَوْ نَفْيَهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَصَوُّرِهَا أَوْ التَّصْدِيقِ بِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى تَعْلِيلِهِمْ لِهَذِهِ الدَّعْوَى، وَعِلْمُ الْكَلَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَدِلَّةِ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ كَمَا قَرَّرُوهُ فِي كُتُبِهِمْ. وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِمَا مِنْهُ الِاسْتِمْدَادُ مَا بِحَيْثُ يَكُونُ مَادَّةً وَجُزْءًا لِهَذَا الْعِلْمِ وَلَيْسَ عِلْمُ الْكَلَامِ كَذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّةَ نَبَّهَ فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُصُولِ مِنْ الْكَلَامِ إلَّا مَسْأَلَةَ الْحَاكِمِ، وَمَا شَابَهَهَا أَوْ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَا، وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْأُصُولِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا سَلَفَ ثُمَّ إنَّهُ - وَإِنْ كَانَ لَا مُنَاقَشَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ - صَنِيعُ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَدَدَ لِلشَّيْءِ لُغَةً مَا يَزِيدُ بِهِ الشَّيْءُ وَيَكْثُرُ، وَمِنْهُ الْمَدَدُ لِلْجَيْشِ، وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْكَلَامِ. (وَمَا قِيلَ كُلُّهُ أَجْزَاءُ عُلُومٍ بَاطِلٌ) أَيْ، وَقَوْلُ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيّ إنَّ عِلْمَ الْأُصُولِ لَيْسَ عِلْمًا بِرَأْسِهِ بَلْ هُوَ أَبْعَاضُ عُلُومٍ جُمِعَتْ مِنْ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ وَالْجَدَلِ لَيْسَ بِحَقٍّ (وَمَا يُخَالُ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ) أَيْ، وَمَا يُظَنُّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالٍ رَاجِعَةٍ إلَى مَتْنِ الْحَدِيثِ أَوْ طَرِيقِهِ كَالْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ لِعَمَلِ الصَّحَابِيِّ لَا لِرِوَايَتِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَعَدَالَةُ الرَّاوِي وَجَرْحُهُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ كَمَا فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ فَيُظَنُّ أَنَّ عِلْمَ الْأُصُولِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا مُسْتَمَدٌّ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ حَتَّى يَكُونَ الْأُصُولِيُّ فِيهِ عِيَالًا عَلَى الْمُحَدِّثِ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لَيْسَ اسْتِمْدَادًا)

المقالة الأولى في المبادئ اللغوية

أَيْ لَيْسَ الْبَحْثُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي هَذَا الْعِلْمِ اسْتِمْدَادًا لَهُ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ (بَلْ) السَّبَبُ فِي تَوَارُدِ بَحْثِهِمَا عَنْهَا (تَدَاخُلُ مَوْضُوعَيْ عِلْمَيْنِ يُوجِبُ مِثْلَهُ) فَقَدْ عَرَفْت جَوَازَ تَدَاخُلِهِمَا بِاعْتِبَارِ عُمُومِ مَوْضُوعِ أَحَدِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ وَخُصُوصِ مَوْضُوعِ الْآخَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُوجِبُ الْتِقَاءَهُمَا بَحْثًا فِي بَعْضِ الْمَطَالِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عِيَالًا عَلَى الْآخَرِ فِي ذَلِكَ، وَمَوْضُوعَا هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ كَذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالسَّمْعِيُّ) أَيْ الدَّلِيلُ الْكُلِّيُّ السَّمْعِيُّ مُطْلَقًا (مِنْ حَيْثُ يُوَصِّلُ) الْعِلْمُ بِأَحْوَالِهِ إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ لِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ (يَنْدَرِجُ فِيهِ السَّمْعِيُّ النَّبَوِيُّ مِنْ حَيْثُ كَيْفِيَّةُ الثُّبُوتِ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِكَوْنِ هَذَا جُزْئِيًّا مِنْ جُزْئِيَّاتِ ذَاكَ. وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ ذَاكَ مَوْضُوعُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهَذَا مَوْضُوعُ عِلْمِ الْحَدِيثِ فَإِذَنْ عِلْمُ الْحَدِيثِ بَابٌ مِنْ الْأُصُولِ، وَكَوْنُ الْأُصُولِيِّ يَبْحَثُ عَنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مِنْ حَيْثُ الْإِيصَالُ الْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَقْتَضِي نَفْيَ الْبَحْثِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ كَيْفِيَّةُ الثُّبُوتِ، وَكَيْفَ يَقْتَضِيهِ وَالْبَحْثُ مِنْ حَيْثُ الْإِيصَالُ الْمَذْكُورُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الثُّبُوتِ مِنْ صِحَّةٍ وَحُسْنٍ وَغَيْرِهِمَا، وَمِنْ ثَمَّةَ تَخْتَلِفُ صِفَاتُ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ لِلْمُكَلَّفَيْنِ بِاخْتِلَافِ كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ الْأَدِلَّةِ قُوَّةً وَضَعْفًا فَلَا تَتَنَافَى بَيْنَ قَيْدَيْ الْمَوْضُوعَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ تَفَاصِيلِ مَبَاحِثِ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأُصُولِ لَا يُوجِبُ اسْتِمْدَادَهُ إيَّاهَا مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ بَلْ هِيَ مِنْ مَبَاحِثِهِ بِالْأَصَالَةِ أَيْضًا (وَمَبَاحِثُ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَالنَّسْخِ ظَاهِرٌ) أَيْ، وَمَبَاحِثُ هَذِهِ، وَمَا يَتْبَعُهَا ظَاهِرٌ كَوْنُهَا مَبَاحِثَهُ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ وَلَا يُعْلَمُ عِلْمٌ مِنْ الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ كَفِيلٌ بِهَا سِوَاهُ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُصُولِ مِنْهُ إلَّا مَسْأَلَةُ الْحَاكِمِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَأَنَّهَا مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ أَوْ مِنْ الْمَبَادِئِ بِالِاصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّ، وَأَمَّا الْفِقْهُ فَلَيْسَ فِي الْأُصُولِ مِنْهُ إلَّا مَا هُوَ إيضَاحٌ لِقَوَاعِدِهِ فِي صُورَةٍ جُزْئِيَّةٍ أَوْ اسْتِطْرَادٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْجَدَلُ الْمَذْكُورُ فِيهِ أَعْنِي كَيْفِيَّةَ الْإِيرَادِ عَلَى الْأَقْيِسَةِ الْفِقْهِيَّةِ ذَوَاتِ الْعِلَلِ الْجَعْلِيَّةِ مِنْهُ حَادِثٌ بِحُدُوثِهِ فَإِنْ أَفْرَدَ هَذَا الْجَدَلَ فَكَالْفَرَائِضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفِقْهِ وَالْجَدَلِ الْقَدِيمِ جُمَلٌ قَلِيلَةٌ فِي بَيَانِ مَا عَلَى الْمَانِعِ وَالْمُعَلِّلِ مِنْ حِفْظِ وَضْعَيْهِمَا. وَكَذَا مَبَاحِثُ أَقْسَامِ اللَّفْظِ الْآتِي تَفْصِيلُهَا مِنْهُ لِظُهُورِ تَوَقُّفِ الْإِيصَالِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ جُزْءًا مِنْ الْأُصُولِ وَاللَّازِمُ حَقٌّ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ مُسْتَقِلٌّ بِرَأْسِهِ غَيْرُ مُسْتَمَدٍّ مِنْ عِلْمِ مُدَوَّنٍ قَبْلَهُ شَيْئًا يَكُونُ مِنْهُ جُزْءًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَهَذَا أَخِرُ الْكَلَامِ فِي الْمُقَدِّمَةِ. [الْمَقَالَةُ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ] [الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَعْنَى اللُّغَةِ] (الْمَقَالَةُ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ) الْمَبَادِئُ جَمْعُ مَبْدَإٍ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَكَانُ الْبُدَاءَةِ فِي الشَّيْءِ أَوْ زَمَانِهِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يَحِلُّ فِيهِ تَوَسُّعًا مَشْهُورًا كَمَا هُنَا فَإِنَّ الْمُرَادَ مَا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ مَا سِوَاهُ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْعِلْمِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ الْمَنْطِقِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَبَاحِثَ الْمَقْصُودَةَ ذَاتًا لِلْمُصَنِّفِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مِنْ أَجْزَاءِ هَذَا الْعِلْمِ، وَمِنْ ثَمَّةَ تَرَاهُ يُنَبِّهُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهَا مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا وَجْهُ تَقْدِيمِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ عَلَى الْمَقَالَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ كَمَا عُرِفَ مِمَّا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَجْهُ تَسْمِيَتِهَا لُغَوِيَّةً ثُمَّ حَاصِلُ مَا فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ بَيَانُ مَعْنَى اللُّغَةِ وَالْإِشَارَةُ إلَى سَبَبِ وَضْعِهَا، وَبَيَانُ الْوَاضِعِ، وَهَلْ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ لَازِمَةٌ، وَأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ ذِهْنِيٌّ أَوْ خَارِجِيٌّ أَوْ أَعَمُّ مِنْهُمَا وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ، وَهَلْ يَجْرِي الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ، وَانْقِسَامُ اللَّفْظِ إلَى أَقْسَامٍ مُتَعَدِّدَاتٍ مُتَبَايِنَاتٍ، وَمُتَدَاخِلَاتٍ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَاتٍ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهَا بِحَذَافِيرِهَا مُفَصَّلَاتٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُفِيضُ الْجُودِ وَالْخَيْرَاتِ. الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَعْنَى اللُّغَةِ (اللُّغَاتُ الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ) لِلْمَعَانِي، وَحَذَفَهَا لِشُهْرَةِ أَنَّ وَضْعَهَا إنَّمَا هُوَ لِمَعَانِيهَا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ وَاللَّفْظُ صَوْتٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى مَخْرَجِ حَرْفٍ فَصَاعِدًا، وَالْمُرَادُ بِالْوَضْعِ تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى فَيَعُمُّ مَا يَكُونُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِقَرِينَةٍ فَيَتَنَاوَلُ الْحَقَائِقَ وَالْمَجَازَاتِ وَالْمَعْنَى مَا يُقْصَدُ بِاللَّفْظِ ثُمَّ الْأَلْفَاظُ شَامِلَةٌ لِلْمُسْتَعْمَلَاتِ وَالْمُهْمَلَاتِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ، وَالْمَوْضُوعَةُ مُخْرِجَةٌ لِلْمُهْمَلَاتِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَفْسِيرًا لِلْجَمْعِ (ثُمَّ تُضَافُ

المقام الثاني في بيان سبب وضع لغات الأناسي

كُلُّ لُغَةٍ إلَى أَهْلِهَا) أَوْ يَجْرِي عَلَيْهَا صِفَةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِمْ فَيُقَالُ لُغَةُ الْعَرَبِ، وَلُغَةٌ عَرَبِيَّةٌ تَمْيِيزًا لَهَا عَمَّا سِوَاهَا. [الْمَقَامُ الثَّانِي فِي بَيَانِ سَبَبِ وَضْعِ لُغَاتِ الْأَنَاسِيِّ] ِّ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِنْسَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِمَصَالِحِهِ فِي مَعَاشِهِ مِنْ مَأْكُولٍ، وَمَشْرُوبٍ وَمَلْبَسٍ وَمَسْكَنٍ، وَمَا يَلْحَقُ بِهَا مِنْ الْأُمُورِ الْحَاجِيَّةِ، وَفِي مَعَادِهِ مِنْ اسْتِفَادَةِ الْمَعْرِفَةِ وَالْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ التَّشْرِيفِيَّةِ عَنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ الْمُوجَبَةِ لِخَيْرَيْ الدَّارَيْنِ مُفْتَقِرًا إلَى مُعَاضَدَةِ غَيْرِهِ مِنْ بَنِي نَوْعِهِ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَتْ الْمُعَاضَدَةُ لَا تَتَأَتَّى لَهُ إلَّا بِتَعْرِيفِ مَا فِي الضَّمِيرِ، وَالْوَاقِعُ إمَّا بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَحَرَكَةِ الْيَدِ وَالرَّأْسِ أَوْ بِالْمِثَالِ، وَهُوَ الْجِرْمُ الْمَوْضُوعُ عَلَى شَكْلِ الشَّيْءِ لِيَكُونَ عَلَامَةً عَلَيْهِ وَكَانَ فِي الْمِثَالِ عُسْرٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَعَ عَدَمِ عُمُومِهِ إذْ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يَتَأَتَّى لَهُ مِثَالٌ، وَقَدْ يَبْقَى الْمِثَالُ أَيْضًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَاجَةِ فَيَقِفُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يُرِيدُ وُقُوفَهُ عَلَيْهِ وَالْإِشَارَةُ لَا تَفِي بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ أَيْضًا وَكَيْفَ، وَهِيَ لَا تَقَعُ إلَّا فِي الْمَحْسُوسَاتِ أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَاهَا وَالْكِتَابَةُ فِيهَا مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، وَكَانَتْ الْأَلْفَاظُ أَيْسَرَ عَلَى الْعِبَادِ فَإِنَّهَا كَيْفِيَّاتٌ تَحْدُثُ مِنْ إخْرَاجِ النَّفْسِ الضَّرُورِيِّ الْحُصُولِ لِلْإِنْسَانِ الْمُمْتَدِّ لِلطَّبِيعَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا تَكَلُّفٍ مَعَ أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ تُوجَدُ مَعَ وُجُودِهَا وَتَنْقَضِي مَعَ انْقِضَائِهَا، وَأَعَمَّ فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا صَالِحَةٌ لِلتَّعْبِيرِ بِهَا عَنْ كُلِّ مُرَادٍ حَاضِرٍ أَوْ غَائِبٍ مَعْدُومٍ أَوْ مَوْجُودٍ مَعْقُولٍ أَوْ مَحْسُوسٍ قَدِيمٍ أَوْ حَادِثٍ كَانَ الشَّأْنُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْ لُطْفِهِ الظَّاهِرِ تَعَالَى، وَقُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ) أَيْ، وَمِنْ إفَاضَةِ الْإِحْسَانِ بِرِفْقٍ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ عِنْدَ أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْبَصَائِرِ، وَآثَارُ صِفَتِهِ الْأَزَلِيَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْمَقْدُورَاتِ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهَا الْغَالِبَةِ لِعُقُولِ الْعُقَلَاءِ مِنْ الْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ لِشُمُولِهَا كُلَّ الْمُمْكِنَاتِ عَلَى سَائِرِ الْوُجُوهِ مِنْ النُّعُوتِ وَالصِّفَاتِ (الْإِقْدَارُ عَلَيْهَا) أَيْ إعْطَاؤُهُ تَعَالَى إيَّاهُمْ الْقُدْرَةَ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ السَّهْلَةِ الْحُصُولِ عَلَيْهِمْ مَتَى شَأَوْا (وَالْهِدَايَةُ لِلدَّلَالَةِ بِهَا) أَيْ، وَهِدَايَتُهُمْ؛ لَأَنْ يُعْلِمُوا غَيْرَهُمْ بِهَا مَا فِي ضَمَائِرِهِمْ مِنْ الْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ مَتَى أَرَادُوا ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ الْإِقْدَارُ تَرْجِعُ إلَى الْقُدْرَةِ، وَالْهِدَايَةُ إلَى اللُّطْفِ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ (فَخَفَّتْ الْمُؤْنَةُ) بِهَذَا الطَّرِيقِ مِنْ التَّعْرِيفِ لِيُسْرِهِ وَسُهُولَتِهِ (وَعَمَّتْ الْفَائِدَةُ) لِشُمُولِهِ، وَإِحَاطَتِهِ وَوَضْعُ الضَّمِيرِ مَوْضِعِ الظَّاهِرِ فِي قَوْلِهِ، وَمِنْ لُطْفِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَزِيَادَةِ وُضُوحِهِ أَوْ لِأَنَّهُ بَلَغَ مِنْ عِظَمِ الشَّأْنِ إلَى أَنْ صَارَ مُتَعَقِّلَ الْأَذْهَانِ. [الْمَقَامُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ وَاضِعِ اللُّغَةُ] الْمَقَامُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ الْوَاضِعِ، وَفِيهِ مَذَاهِبُ. أَحَدُهَا: وَهُوَ مُخْتَارُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَنَسَبَهُ السُّبْكِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنَّهُ وَقَفَ الْعِبَادَ عَلَيْهَا بِوَحْيِهِ إلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ بِخَلْقِهِ الْأَلْفَاظَ الْمَوْضُوعَةَ فِي جِسْمٍ ثُمَّ إسْمَاعِهِ إيَّاهَا لِوَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ إسْمَاعَ قَاصِدٍ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعَانِي أَوْ بِخَلْقِهِ تَعَالَى الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ لَهُمْ بِهَا، وَمِنْ ثَمَّةَ يُعْرَفُ هَذَا بِالْمَذْهَبِ التَّوْقِيفِيِّ وَلَمَّا كَانَ فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ بَعْضُ تَفْصِيلٍ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْوَاضِعُ لِلْأَجْنَاسِ) أَسْمَاءً، وَأَعْلَامًا لِلْأَعْيَانِ وَالْمَعَانِي مُقْتَرِنَةً بِزَمَانٍ وَغَيْرِ مُقْتَرِنَةٍ بِهِ (أَوَّلًا اللَّهُ سُبْحَانَهُ) هَذَا (قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ) ، وَقَالَ لِلْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ وَاضِعَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَلَقَّاةِ مِنْ السَّمْعِ وَالْأَعْلَامِ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَبَعْضِ الْأَعْلَامِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ سَيُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَارَدَ عَلَى بَعْضِهَا وَضْعَانِ لِلَّهِ أَوَّلًا وَلِلْعِبَادِ ثَانِيًا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا (وَلَا شَكَّ فِي أَوْضَاعٍ أُخَرَ لِلْخَلْقِ عِلْمِيَّةٍ شَخْصِيَّةٍ) حَادِثَةٍ بِإِحْدَاثِهِمْ إيَّاهَا، وَمُوَاضَعَتِهِمْ عَلَيْهَا لَمَّا يَأْلَفُونَ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَكَيْفَ لَا، وَالْوِجْدَانُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ بَلْ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: إنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَا تَتَعَلَّقُ بِاللُّغَةِ وَلَا بِمُوَاضَعَاتِ أَهْلِهَا وَاصْطِلَاحِهِمْ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَبْتَدِئَ فَيُسَمِّي نَفْسَهُ، وَفَرَسَهُ وَغُلَامَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهَا غَيْرَ مَحْظُورٍ عَنْ ذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِالشَّخْصِيَّةِ لِانْتِفَاءِ الْقَطْعِ بِهَذَا الْحُكْمِ لِلْعِلْمِيَّةِ الْجِنْسِيَّةِ (وَغَيْرِهَا) أَيْ وَغَيْرِ هَذِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، وَأَعْلَامِهَا (جَائِزٌ) أَنْ يَتَوَارَدَ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَضْعَانِ سَابِقٌ لِلْحَقِّ وَلَا حَقٌّ لِلْخَلْقِ بِأَنْ يَضَعَ الْبَارِي تَعَالَى اسْمًا مِنْهَا لِمَعْنًى ثُمَّ يَضَعَهُ الْخَلْقُ لِآخَرِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ

الِاسْمُ مِنْ قَبِيلِ الْأَضْدَادِ إنْ كَانَ الْمَعْنَيَانِ مُتَضَادَّيْنِ أَوْ يَضَعُوا لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ اسْمًا آخَرَ أَيْضًا (فَيَقَعُ التَّرَادُفُ) بَيْنَ ذَيْنِك الِاسْمَيْنِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ هَذَا التَّجْوِيزِ فَيَتَحَرَّرُ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ، وَأَعْلَامُهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ. وَإِنَّمَا ذَهَبَ مِنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] فَإِنَّ تَعْلِيمَهُ تَعَالَى آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَمِيعَهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِحَاطَةِ بِهَا ظَاهِرٌ فِي إلْقَائِهَا عَلَيْهِ مُبِينًا لَهُ مَعَانِيهَا إمَّا بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ بِهَا فِيهِ أَوْ إلْقَاءٍ فِي رَوْعِهِ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى سَابِقَةِ اصْطِلَاحٍ لِيَتَسَلْسَلَ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى سَابِقَةِ وَضْعٍ، وَالْأَصْلُ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَضْعُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَ آدَمَ، وَمِمَّنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الزَّمَانِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فَيَكُونُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ثَانِيهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَأَصْحَابُ أَبِي هَاشِمٍ) الْمُعْتَزِلِيِّ الْمَشْهُورِ يُعَبَّرُ عَنْهُمْ بِالْبَهْشَمِيَّةِ يَقُولُونَ الْوَاضِعُ (الْبَشَرُ آدَم وَغَيْرُهُ) بِأَنْ انْبَعَثَتْ دَاعِيَتُهُمْ إلَى وَضْعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا ثُمَّ عَرَفَ الْبَاقُونَ بِتَعْرِيفِ الْوَاضِعِ أَوْ بِتَكْرَارِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَعَ قَرِينَةِ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا أَوْ غَيْرِهَا كَمَا فِي تَعْلِيمِ الْأَطْفَالِ وَيُسَمَّى هَذَا بِالْمَذْهَبِ الِاصْطِلَاحِيِّ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] أَيْ بِلُغَةِ قَوْمِهِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ وَبُعِثَ فِيهِمْ، وَإِطْلَاقُ اللِّسَانِ عَلَى اللُّغَةِ مَجَازٌ شَائِعٌ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ الْعَادِي، وَهُوَ مُرَادٌ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا النَّصِّ أَنَّهُ (أَفَادَ) هَذَا النَّصُّ (نِسْبَتَهَا) أَيْ اللُّغَةِ (إلَيْهِمْ) سَابِقَةً عَلَى الْإِرْسَالِ إلَيْهِمْ (وَهِيَ) أَيْ وَنِسْبَتُهَا إلَيْهِمْ كَذَلِكَ (بِالْوَضْعِ) أَيْ يَتَعَيَّنُ ظَاهِرًا أَنْ تَكُونَ بِوَضْعِهِمْ؛ لِأَنَّهَا النِّسْبَةُ الْكَامِلَةُ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَمْلُ عَلَى الْكَامِلِ (وَهُوَ) أَيْ، وَهَذَا الْوَجْهُ (تَامٌّ عَلَى الْمَطْلُوبِ) أَيْ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ الْوَاضِعَ الْبَشَرُ (وَأَمَّا تَقْرِيرُهُ) أَيْ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا النَّصِّ (دَوْرًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الدُّورُ الْمَمْنُوعُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْوَاضِعُ اللَّهَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَرَّرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (كَذَا دَلَّ) هَذَا النَّصُّ (عَلَى سَبْقِ اللُّغَاتِ الْإِرْسَالَ) إلَى النَّاسِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي إفَادَتِهِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا لِلْقَوْمِ لِسَانٌ أَيْ لُغَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لَهُمْ فَيُبْعَثُ الرَّسُولُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ إلَيْهِمْ (وَلَوْ كَانَ) أَيْ حُصُولُ اللُّغَاتِ لَهُمْ (بِالتَّوْقِيفِ) مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا يُتَصَوَّرُ) التَّوْقِيفُ (إلَّا بِالْإِرْسَالِ) لِلرُّسُلِ إلَيْهِمْ (سَبَقَ الْإِرْسَالُ لِلُّغَاتِ فَيَدُورُ) لِتَقَدُّمِ كُلٍّ مِنْ الْإِرْسَالِ وَاللُّغَاتِ عَلَى الْآخَرِ وَحَيْثُ كَانَ الدَّوْرُ بَاطِلًا كَانَ مَلْزُومُهُ، وَهُوَ كَوْنُ الْوَاضِعِ هُوَ اللَّهَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَلْزُومَ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ (فَغَلَطٌ لِظُهُورِ أَنَّ كَوْنَ التَّوْقِيفِ لَيْسَ إلَّا بِالْإِرْسَالِ إنَّمَا يُوجِبُ سَبْقَ الْإِرْسَالِ عَلَى التَّوْقِيفِ لَا) أَنَّهُ يُوجِبُ سَبْقَ الْإِرْسَالِ (اللُّغَاتِ بَلْ) هَذَا النَّصُّ (يُفِيدُ سَبْقَهَا) أَيْ اللُّغَاتِ عَلَى الْإِرْسَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سَبْقِهَا عَلَيْهِ سَبْقُ التَّوْقِيفِ عَلَيْهِ أَيْضًا لِجَوَازِ وُجُودِهَا بِدُونِهِ فَلَا دَوْرَ. وَحِينَئِذٍ (فَالْجَوَابُ) مِنْ قِبَلِ التَّوْقِيفِيَّةِ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ لِلِاصْطِلَاحِيَّةِ (بِأَنَّ آدَمَ عُلِّمَهَا) بِلَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ وَبُنِيَ لَهُ لِلْعِلْمِ بِالْفَاعِلِ، وَهُوَ اللَّهُ أَيْ عَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ الْأَسْمَاءَ (وَعَلَّمَهَا) آدَم غَيْرَهُ (فَلَا دَوْرَ) إذَا تَعْلِيمُهُ بِالْوَحْيِ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْوَحْيِ عَلَى اللُّغَاتِ لَا تَقَدُّمَ الْإِرْسَالِ إذْ قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ وَحْيٌ بِاللُّغَاتِ وَغَيْرِهَا وَلَا إرْسَالَ لَهُ إلَى قَوْمٍ لِعَدَمِهِمْ وَبَعْدَ أَنْ وُجِدُوا وَتَعْلَمُوا اللُّغَاتِ مِنْهُ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ (وَبِمَنْعِ حَصْرِ) طَرِيقِ (التَّوْقِيفِ عَلَى الْإِرْسَالِ) أَيْ وَالْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ التَّوْقِيفِيَّةِ عَنْ اسْتِدْلَالِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا أَيْضًا (لِجَوَازِهِ) أَيْ التَّوْقِيفِ مِنْ اللَّهِ (بِالْإِلْهَامِ) بِأَنْ أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى فِي رَوْعِ الْعَاقِلِ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ مِنْهُ أَنَّ وَاضِعًا مَا وَضَعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ بِإِزَاءِ هَذِهِ الْمَعَانِي (ثُمَّ دَفْعَهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابُ (بِخِلَافِ الْمُعْتَادِ) أَيْ بِأَنَّ عَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَادُ فِي التَّعْلِيمِ التَّفْهِيمُ بِالْخِطَابِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا لَمْ يَقْطَعْ بِعَدَمِهِ فَلَا أَقِلَّ مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِلظَّاهِرِ مُخَالَفَةً قَوِيَّةً فَلَا يُتْرَكُ الظَّاهِرُ لِمُجَرَّدِهِ. ثُمَّ قَوْلُهُ (ضَائِعٌ) خَبَرُ قَوْلِهِ فَالْجَوَابُ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ضَيَاعِهِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مَا بُنِيَ هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِ مِنْ دَعْوَى الدَّوْرِ لَمْ يَتِمَّ

(بَلْ الْجَوَابُ) مِنْ قِبَلِ التَّوْقِيفِيَّةِ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ لِلِاصْطِلَاحِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ التَّامِّ بِمَطْلُوبِهِمْ (أَنَّهَا) أَيْ الْإِضَافَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] (لِلِاخْتِصَاصِ) أَيْ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهَا فِي التَّعْبِيرِ عَنْ مَقَاصِدِهِمْ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ اللُّغَاتِ (وَلَا يَسْتَلْزِمُ) اخْتِصَاصُهُمْ بِهَا (وَضَعَهُمْ) أَيْ أَنْ يَكُونُوا هُمْ الْوَاضِعِينَ لَهَا (بَلْ يَثْبُتُ مَعَ تَعْلِيمِ آدَمَ بَنِيهِ إيَّاهَا وَتَوَارُثِ الْأَقْوَامِ فَاخْتَصَّ كُلٌّ بِلُغَةٍ) أَيْ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا مُخْتَصِّينَ بِهَا بِعَدَمِ وَضْعِهِ تَعَالَى إيَّاهَا وَتَوْقِيفِهِمْ عَلَيْهَا بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى وَضَعَهَا، وَعَلَّمَهَا لِآدَمَ ثُمَّ آدَم عَلَّمَهَا لِبَنِيهِ ثُمَّ مَا زَالَ الْخَلَفُ مِنْهُمْ يَتَوَارَثُهَا مِنْ السَّلَفِ إلَى أَنْ تَمَيَّزَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِإِرْثِ لُغَةٍ وَاخْتَصَّ بِهَا دُونَ مَنْ سِوَاهُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا يُسَوِّغُ الْإِضَافَةَ وَلَا سِيَّمَا وَالْكَلَامُ الْفَصِيحُ طَافِحٌ بِإِضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَمَا الظَّنُّ بِمِثْلِ هَذَا، وَهَذَا الْجَائِزُ مُعَارِضٌ لِذَلِكَ الْجَائِزِ ثُمَّ يَتَرَجَّحُ هَذَا بِمُوَافَقَتِهِ لِظَاهِرِ {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ} [البقرة: 31] ، وَمُخَالَفَةِ ذَاكَ لِهَذَا الظَّاهِرِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَعَارِضِينَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِهَذَا الْوَجْهِ فَيَتَعَيَّنُ (، وَأَمَّا تَجْوِيزُ كَوْنِ عَلَّمَ) أَيْ كَوْنُ الْمُرَادِ بِعَلَّم آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا (أَلْهَمَهُ الْوَضْعَ) بِأَنْ بَعَثَ دَاعِيَتَهُ لَهُ، وَأَلْقَى فِي رَوْعِهِ كَيْفِيَّتَهُ حَتَّى فَعَلَ وَسَمَّى ذَلِكَ تَعْلِيمًا مَجَازًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} [الأنبياء: 80] ، وَأَطْلَقَ الْأَسْمَاءَ، وَأَرَادَ وَضَعْهَا لِكَوْنِهَا مُتَعَلَّقَةً كَمَا هَذَا تَأْوِيلٌ مِنْ الِاصْطِلَاحِيَّةِ لِدَفْعِ الِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلتَّوْقِيفِيَّةِ (أَوْ مَا سَبَقَ وَضْعُهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ) أَيْ أَوْ أَلْهَمَهُ الْأَسْمَاءَ السَّابِقَ وَضْعُهَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ آدَمَ فَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ جَانًّا قَبْلَ آدَمَ، وَأَسْكَنَهُمْ الْأَرْضَ ثُمَّ أَهْلَكَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ لُغَةً كَمَا هَذَا تَأْوِيلٌ آخَرُ مِنْ الِاصْطِلَاحِيَّةِ لِدَفْعِ الِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلتَّوْقِيفِيَّةِ (فَخَالَفَ الظَّاهِرُ) مِنْ الْآيَةِ مُخَالَفَةً قَوِيَّةً وَنَحْنُ نَدَّعِي الظُّهُورَ، وَالِاحْتِمَالَاتُ الْبَعِيدَةُ لَا تَدْفَعُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ تَعْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى آدَمَ الْأَسْمَاءَ تَعْرِيفُ اللَّهِ إيَّاهُ الْأَلْفَاظَ الْمَوْضُوعَةَ لِمَعَانِيهَا وَتَفْهِيمُهُ بِالْخِطَابِ لَا بِالْإِلْهَامِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وَضْعٍ سَابِقٍ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ الْمُشَارَ إلَيْهِمْ لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَلْزَمْ أَنَّ هَذِهِ اللُّغَاتِ كَانَتْ لَهُمْ وَلَا يُصَارُ إلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ إلَّا بِدَلِيلٍ كَالْإِجْمَاعِ فِي، وَعَلَّمْنَاهُ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا ثُمَّ لَمَّا لَزِمَ مِنْ هَذَا ظَنُّ كَوْنِ اللُّغَاتِ تَوْقِيفِيَّةً وَاشْتُهِرَ أَنْ لَا ظَنَّ فِي الْأُصُولِ نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَقَاصِدِهِ. فَقَالَ (وَالْمَسْأَلَةُ ظَنِّيَّةٌ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ، وَالْمَبَادِئُ فِيهَا تَغْلِيبٌ) أَيْ، وَإِطْلَاقُ الْمَبَادِئِ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْمَقَالَةُ تَغْلِيبٌ لِمَا هُوَ مِنْهَا لِكَثْرَتِهِ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْهَا لِقِلَّتِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَالْمَبْدَئِيَّةُ فِيهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنْ التَّغْلِيبِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ الطُّوفِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ رِيَاضِيَّاتِ الْفَنِّ لَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ اهـ. عَلَى أَنَّ مَبَاحِثَ الْأَلْفَاظِ قَدْ يُكْتَفَى فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ بَلْ قَدْ يُكْتَفَى بِالظَّنِّ فِي الْأُصُولِ كَمَا فِي كَيْفِيَّةِ إعَادَةِ الْمَعْدُومِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأُمُورِ الْمُتَعَلَّقَةِ بِالِاعْتِقَادِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا الْقَطْعُ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ عَنْ أُسْتَاذِهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي دَرْسِهِ مِنْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عِلْمِيَّةٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي بَيَانِ ظَاهِرِيَّةِ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إذْ الظُّنُونُ لَا تُفِيدُ إلَّا فِي الْعَمَلِيَّاتِ. وَقَوْلُهُ (كَاَلَّتِي تَلِيهَا) أَيْ كَمَا أَنَّ الْأُمُورَ السَّابِقَةِ عَلَى هَذِهِ مِنْ تَعْرِيفِ اللُّغَةِ وَبَيَانِ سَبَبِ وَضْعِهَا مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ لِهَذَا الْعِلْمِ، وَالْمَبْدَئِيَّةُ فِيهَا مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا فَفَاعِلُ تَلِيهَا ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَرْجِعُ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَفْعُولُهُ الَّذِي هُوَ الْهَاءُ يَرْجِعُ إلَى الْمَوْصُوفِ الْمُقَدَّرِ بَيْنَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ أَيْ كَالْأُمُورِ الَّتِي تَلِيهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْ كَمَا أَنَّ الْأُمُورَ الْآتِيَةُ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ بَيَانِ هَلْ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مُعْتَبَرَةٌ؟ . وَبَيَانُ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَطُرُقُ مَعْرِفَةِ اللُّغَاتِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ لِهَذَا الْعِلْمِ، وَالْمَبْدَئِيَّةُ فِيهَا مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا فَفَاعِلُ تَلِيهَا ضَمِيرُهُ مُسْتَتِرٌ يَرْجِعُ إلَى الْأُمُورِ الَّذِي هُوَ الْمَوْصُوفُ الْمُقَدَّرُ، وَمَفْعُولُهُ الَّذِي هُوَ الْهَاءُ يَرْجِعُ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ كَالْأُمُورِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ السَّوَابِقَ، وَهَذِهِ

اللَّوَاحِقُ لَيْسَتْ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ هَذَا الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا تُفِيدُ نَوْعَ بَصِيرَةٍ فِيهِ. فَإِذَنْ هَذَا مِنْ النَّوْعِ الْمُسَمَّى بِالتَّوْجِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَدِيعِ ثُمَّ هَذَا مِمَّا يَشْهَدُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ صَدْرَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ الْمَبَادِئَ عَلَى مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ اللُّغَوِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِالِاصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّ (وَكَوْنُ الْمُرَادِ بِالْأَسْمَاءِ الْمُسَمَّيَاتِ بِعَرَضِهِمْ) أَيْ، وَمَا قِيلَ أَيْضًا مِنْ قِبَلِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ دَفْعًا لِاحْتِجَاجِ التَّوْقِيفِيَّةِ بِالْآيَةِ الشَّرِيفَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَسْمَاءِ الْأَلْفَاظَ الْمَوْضُوعَةَ لِمَعَانِيهَا بَلْ الْمُرَادُ بِهَا حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ وَخَوَاصَّهَا بِأَنْ عَلَّمَهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْخَيْلِ كَذَا، وَهِيَ تَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَقَر كَذَا، وَهِيَ تَصْلُحُ لِلْحَرْثِ، وَهَلُمَّ جَرًّا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} [البقرة: 31] ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ لِلسُّؤَالِ عَنْ أَسْمَاءِ الْمَعْرُوضَاتِ فَلَا يَكُونُ الْمَعْرُوضُ نَفْسَ الْأَلْفَاظِ عَلَى أَنَّ عَرْضَهَا مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِهَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ وَبِتَلَفُّظٍ بِهَا يَأْبَاهُ الْأَمْرُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبْكِيتِ؛ وَلِأَنَّ الضَّمِيرَ الَّذِي هُوَ هُمْ لِلْأَسْمَاءِ إذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ غَيْرُهُ، وَهِيَ إنَّمَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ إذَا أُرِيدَ بِهَا الْحَقَائِقُ لِإِمْكَانِهِ حِينَئِذٍ تَغْلِيبًا لِذَوِي الْعِلْمِ عَلَى غَيْرِهِمْ (مُنْدَفِعٌ بِالتَّعْجِيزِ بِ {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ} [البقرة: 31] ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِالْإِنْبَاءِ عَلَى سَبِيلِ التَّبْكِيتِ وَالْإِظْهَارِ لِعَجْزِهِمْ عَنْ الْقِيَامِ بِهِ، وَأَضَافَ فِيهِ الْأَسْمَاءَ إلَى هَؤُلَاءِ، وَهِيَ الْمُسَمَّيَاتُ. وَمَعْلُومٌ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمُسَمَّيَاتِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا الْأَلْفَاظَ الدَّالَّةَ عَلَيْهَا فَكَذَا الْأَسْمَاءُ الَّتِي هِيَ مُتَعَلَّقُ التَّعْلِيمِ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ الْإِلْزَامُ بِطَلَبِهِ الْأَنْبَاءَ بِالْأَسْمَاءِ ثُمَّ إنْبَائِهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ بِهَا؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ إنَّمَا تَكُونُ لَوْ سَأَلَ الْمَلَائِكَةَ عَمَّا عَلَّمَ آدَمَ لَا عَنْ شَيْءٍ آخَرَ، وَالضَّمِيرُ فِي عَرَضَهُمْ لِلْمُسَمَّيَاتِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ ضِمْنًا إذْ التَّقْدِيرُ: أَمَّا أَسْمَاءَ الْمُسَمَّيَاتِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ إلَيْهِ لِدَلَالَةِ الْمُضَافِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسَمًّى، وَعَوَّضَ عَنْهُ اللَّامُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4] كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَمَّا الْأَسْمَاءُ لِلْمُسَمَّيَاتِ فَحَذَفَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ لِدَلَالَةِ الْأَسْمَاءِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْبَاقِينَ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا إشْكَالَ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْأَسْمَاءِ الْأَلْفَاظَ وَبَيْنَ عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ الَّتِي هِيَ مَا أُضِيفَتْ الْأَسْمَاءُ إلَيْهِ أَوْ كَانَتْ مُتَعَلَّقَةً بِهَا هَذَا وَلَا يَبْعُدُ عِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - أَنْ يُقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ اسْتِخْدَامٌ أَعْنِي يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَسْمَاءِ فِي {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ} [البقرة: 31] الْأَلْفَاظَ وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي عَرَضَهُمْ رَاجِعًا إلَى الْأَسْمَاءِ مُرَادًا بِهَا الْمُسَمَّيَاتِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الْمُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ أَيْسَرَ وَأَسْهَلَ (وَبُعْدِ عَلَّمَ الْمُسَمَّيَاتِ) أَيْ، وَمُنْدَفِعٌ أَيْضًا بِبُعْدِ أَنْ يُقَالَ، وَعَلَّمَ آدَمَ الْمُسَمَّيَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ لِلتَّعْلِيمِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْأَعْرَاضِ وَالصِّفَاتِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْأَشْخَاصِ وَالذَّوَاتِ إلَّا بِنَوْعٍ مَقْبُولٍ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ اسْتِقْرَاءُ الِاسْتِعْمَالَاتِ فَلَا يُتْرَكُ الظَّاهِرُ الْقَرِيبُ السَّالِمُ مِنْ تَكَلُّفِ تَأْوِيلٍ لِاحْتِمَالٍ خَفِيٍّ مِنْ غَيْرِ دَلِيلِ. ثَالِثُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَنَقَلَهُ فِي الْحَاصِلِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ، وَفِي الْمَحْصُولِ وَالتَّحْصِيلِ عَنْ جُمْهُورِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ، وَأَتْبَاعُهُ التَّوَقُّفُ وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ هَذَا عَدَمَ الْقَوْلِ بِمُعَيَّنٍ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُمْكِنَةِ فِيهَا، وَقَالُوا فِي وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَذَاهِبِ فِيهَا مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ لِذَاتِهِ، وَشَيْءٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ فَوَجَبَ الْوَقْفُ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ مَعَ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي) عَنْ الْقَطْعِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ (لِعَدَمِ) دَلِيلٍ (الْقَطْعِ) بِذَلِكَ (لَا يَنْفِي الظَّنَّ) بِأَحَدِهَا، وَهُوَ مَا الدَّلِيلُ يُفِيدُ ظَنَّهُ بَلْ يُجَامِعُ الظَّنَّ بِأَحَدِهَا عَدَمُ الْقَطْعِ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يَلْزَمُ الْوَقْفُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ فَقَطْ (وَالْمُبَادِرُ) إلَى الذِّهْنِ وَالْأَحْسَنُ وَلَكِنَّ الْمُبَادِرَ (مِنْ قَوْلِهِ) أَيْ الْقَاضِي (كُلٌّ) مِنْ الْمَذَاهِبِ فِيهَا (مُمْكِنٌ عَدَمُهُ) أَيْ الظَّنِّ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي الِاحْتِمَالِ مِنْ غَيْرِ رُجْحَانٍ لِاحْتِمَالٍ عَلَى آخَرَ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الظَّنِّ بِأَحَدِهَا (مَمْنُوعٌ)

لِوُجُودِ مَا يُفِيدُ ظَنَّ أَحَدِهَا رَاجِحًا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا لَعَلَّهُ دَلِيلُ الْأَشْعَرِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْبَدِيعِ وَالْقَاضِي كُلٌّ مِنْ هَذِهِ مُمْكِنٌ وَالْوُقُوعُ ظَنِّيٌّ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا لَفْظُهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ مِنْهُ بِظَنِّ أَحَدِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الْإِمْكَانِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ يَعْنِي لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ ثُمَّ النَّظَرُ إلَى الْوَاقِعِ يُفِيدُ ظَنَّ وُقُوعِ أَحَدِهَا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُوجِبِ لِلْوَقْفِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا هُوَ عِنْدَهُ فَهُوَ قَائِلٌ بِهِ كَذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَنْ الْقَطْعِ بِهِ وَبِغَيْرِهِ لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَاقِفًا عَنْ الْقَطْعِ بَلْ يَكُونُ قَاطِعًا بِعَدَمِ الْقَطْعِ بِأَحَدِهَا وَلَا يُنَافِيهِ ظَنُّ أَحَدِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنَّ لَوْ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ الْقَطْعَ بِذَلِكَ عَنْ مُلَاحَظَةِ مَا فِي الْوَاقِعِ مُوجِبًا لَهُ فِي نَظَرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ لِمَانِعٍ قَامَ عِنْدَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمَانِعٍ فِي الْوَاقِعِ فَأَخْبَرَ عَمَّا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي فِي هَذِهِ شَيْئًا فَأَطْلَقَ الْوَقْفَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ عَنْ الْقَطْعِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ تَبَادُرِ ذَلِكَ مِنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. رَابِعُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَاضِعُ فِي تَعْرِيفِ النَّاسِ اصْطِلَاحَهُ لِيُوَافِقُوهُ عَلَيْهِ تَوْقِيفِيٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا عَدَاهُ مُمْكِنٌ ثُبُوتُهُ بِكُلٍّ مِنْ التَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ أَوْ هُوَ ثَابِتٌ بِالِاصْطِلَاحِ عَلَى اخْتِلَافِ النَّقْلِ عَنْهُ فِي هَذَا كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَيُعْرَفُ هَذَا بِالْمَذْهَبِ التَّوْزِيعِيِّ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ فِي ضِمْنِ رَدِّهِ بِقَوْلِهِ (وَلَفْظُ كُلَّهَا) فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] (يَنْفِي اقْتِصَارَ الْحُكْمِ عَلَى كَوْنِ مَا وَضَعَهُ سُبْحَانَهُ الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ الِاصْطِلَاحِ) وَالْأَحْسَنُ يَنْفِي اقْتِصَارَ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ الِاصْطِلَاحِ (إذْ يُوجِبُ) لَفْظُ كُلَّهَا (الْعُمُومَ) لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا مَعَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ تُفِيدُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَنَصُّ فِيهِ ثُمَّ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ خَصَّصَ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِقِيَامِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ عَلَيْهِ فَبَقِيَ فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْعُمُومِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ (فَانْتَفَى) بِهَذَا (تَوَقُّفُ الْأُسْتَاذِ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ الْوَاقِعُ بِعَيْنِهِ فِيهِ مِنْ التَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ (كَمَا نُقِلَ عَنْهُ) أَيْ الْأُسْتَاذِ لِعَدَمِ مُوجِبِ التَّوَقُّفِ فِي ذَلِكَ. وَمِنْ النَّاقِلِينَ عَنْهُ هَذَا الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ اصْطِلَاحِيٌّ، وَعَلَى هَذَا يُقَالُ بَدَلُ هَذَا فَانْتَفَى قَوْلُهُ بِالِاصْطِلَاحِ فِي غَيْرِهِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ أَثْبَتَ عِنْدَهُ ثُمَّ لَمَّا كَانَ وَجْهُ قَوْلِهِ دَعْوَى لُزُومِ الدَّوْرِ عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَاءِ التَّوْقِيفِ فِي الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنْ يُقَالَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحِ بِالتَّوْقِيفِ لَتَوَقَّفَ الِاصْطِلَاحُ عَلَى سَبْقِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَالْمَفْرُوضُ أَنَّهُ يُعْرَفُ بِالِاصْطِلَاحِ فَيَلْزَمُ تَوَقُّفُهُ عَلَى سَبْقِ الِاصْطِلَاحِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَهُوَ الدَّوْرُ هَذَا تَقْرِيرُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ، وَأَمَّا الْعَلَّامَةُ، وَمَنْ تَبِعَهُ فَبَنَوْا لُزُومَ الدَّوْرِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ الْعَوْدِ إلَى الِاصْطِلَاحِ الْأَوَّلِ ضَرُورَةَ تَنَاهِي الِاصْطِلَاحَاتِ أَوْ دَعْوَى التَّسَلْسُلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ الِاصْطِلَاحِ بِالتَّوْقِيفِ لَتَوَقَّفَ مَعْرِفَةُ الِاصْطِلَاحِ عَلَى سَبْقِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ بِاصْطِلَاحٍ آخَرَ سَابِقٍ، وَهُوَ عَلَى آخَرَ، وَهَلُمَّ جَرَّا وَالدَّوْرُ وَالتَّسَلْسُلُ بَاطِلَانِ فَمَلْزُومُهُمَا بَاطِلٌ جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا مُصَرِّحًا بِانْتِفَائِهِمَا فَقَالَ (وَإِلْزَامُ الدَّوْرِ أَوْ التَّسَلْسُلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَوْقِيفُ الْبَعْضِ مُنْتَفٍ) ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ تَوَقُّفَ الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ عَلَى الِاصْطِلَاحِ قَوْلُكُمْ الْمَفْرُوضُ أَنَّهُ يُعْرَفُ بِالِاصْطِلَاحِ مَمْنُوعٌ بَلْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِالتَّوْقِيفِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ أَنْ يُعْرَفَ بِالِاصْطِلَاحِ بَلْ بِالتَّرْدِيدِ وَالْقَرَائِنِ كَالْأَطْفَالِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ يُمْكِنُ مَنْعُ تَوَقُّفِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى سَبْقِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ (بَلْ التَّرْدِيدُ مَعَ الْقَرِينَةِ كَافٍ فِي الْكُلِّ) . ثُمَّ لَمَّا لَزِمَ مِنْ سَوْقِ الْمُصَنِّفِ الْجُنُوحُ إلَى الْمَذْهَبِ التَّوْقِيفِيِّ وَكَانَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ لَهُ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا إنَّمَا تُثْبِتُ

المقام الرابع هل يحكم باعتبار المناسبة بين اللفظ ومعناه الموضوع له

بَعْضَ الْمُدَّعَى لِاخْتِصَاصِ الْأَسْمَاءِ بِنَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلِمَةِ الثَّلَاثَةِ أَشَارَ إلَى دَفْعِهِ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ فَقَالَ (وَتَدْخُلُ الْأَفْعَالُ وَالْحُرُوفُ) فِي الْأَسْمَاءِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ} [البقرة: 31] (لِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لُغَةً مَا يَكُونُ عَلَامَةً لِلشَّيْءِ وَدَلِيلًا يَرْفَعُهُ إلَى الذِّهْنِ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَمُلَخَّصُهُ اللَّفْظُ الدَّالُّ بِالْوَضْعِ، وَهَذَا شَامِلٌ لِأَنْوَاعِهَا الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا تَخْصِيصُهُ بِالنَّوْعِ الْمُقَابِلِ لِلْفِعْلِ وَالْحَرْفِ فَاصْطِلَاحٌ حَدَثَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ بَعْدَ وَضْعِ اللُّغَاتِ فَلَا يُحْمَلُ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ أَنَّ الِاسْمَ لُغَةً يَخْتَصُّ بِالنَّوْعِ الْمَذْكُورِ فَالتَّكَلُّمُ بِالْأَسْمَاءِ لِإِفَادَةِ الْمَعَانِي الْمُرَكَّبَةِ إذْ هِيَ الْغَرَضُ مِنْ الْوَضْعِ وَالتَّعْلِيمِ يَتَعَذَّرُ بِدُونِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَدَمَ التَّعَذُّرِ فَحَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ الْوَاضِعَ لِلْأَسْمَاءِ هُوَ اللَّهُ فَكَذَا الْأَفْعَالُ وَالْحُرُوفُ إذْ لَا قَائِلَ بِأَنَّ الْأَسْمَاءَ تَوْقِيفِيَّةٌ دُونَ مَا عَدَاهَا، وَالْقَائِلُ بِالتَّوْزِيعِ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنْ يُقَالَ بِهِ (تَذْنِيبٌ) ثُمَّ قِيلَ لَا فَائِدَةَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقِيلَ بَلْ لَهُ فَائِدَةٌ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ هِيَ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالتَّوْقِيفِ جَعَلَ التَّكْلِيفَ مُقَارِنًا لِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَمَنْ قَالَ بِالِاصْطِلَاحِ أَخَّرَ التَّكْلِيفَ عَنْ الْعَقْلِ مُدَّةَ الِاصْطِلَاحِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [الْمَقَامُ الرَّابِعُ هَلْ يُحْكَمُ بِاعْتِبَارِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ] الْمَقَامُ الرَّابِعُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُحْكَمُ بِاعْتِبَارِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ؟ . فَقَالَ الْمُصَنِّفُ آتِيًا بِمَا هُوَ مِنْ فَصْلِ الْخَطَّابِ عَلَاقَةٌ وَكِيدَةٌ بَيْنَ الْخُرُوجِ مِنْ الْكَلَامِ إلَى آخِرَ الْأَمْرِ (هَذَا) أَوْ مَضَى هَذَا أَوْ هَذَا كَمَا ذَكَرَ (أَمَّا اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَةِ) بَيْنَ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَضْعُ لَفْظٍ لِمَعْنًى إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ (فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِهَا بَيْنَهُمَا (فِي وَضْعِهِ تَعَالَى) أَيْ فِيمَا عُلِمَ أَنَّ وَاضِعَ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَإِنْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَيْنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْأَلْفَاظِ مَعَ مَعَانِيهَا فَلِقُصُورٍ مِنَّا أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ حِكْمَتِهِ وَإِرَادَتِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا (لِلْقَطْعِ بِحِكْمَتِهِ) وَكَيْفَ لَا، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ بَعْضِ آثَارِ مُقْتَضَيَاتِهَا فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ (وَهُوَ) أَيْ اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا (ظَاهِرٌ فِي غَيْرِهِ) أَيْ مَظْنُونٌ وُجُودُهُ فِي غَيْرِ مَا عُلِمَ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَضَعَ الْبَارِي تَعَالَى إيَّاهَا لِمَعَانِيهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حِكْمَةُ الْوَاضِعِ وَرِعَايَةُ التَّنَاسُبِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهَا، فَالظَّاهِرُ وُجُودُهُ. وَقَوْلُهُ (وَالْوَاحِدُ قَدْ يُنَاسِبُ بِالذَّاتِ الضِّدَّيْنِ) جَوَابٌ عَنْ دَخْلٍ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ لِلشَّيْءِ وَضِدِّهِ كَالْجَوْنِ لِلْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ، وَبِمُنَاسَبَتِهِ لِأَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا لِلْآخَرِ. وَإِيضَاحُ الْجَوَابِ أَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ يَجُوزُ أَنْ يُنَاسِبَ بِالذَّاتِ مَعْنَيَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ كُلًّا مِنْ وَجْهٍ فَيَصْدُقُ أَنَّ بَيْنَ كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وُضِعَ اللَّفْظُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَبَيْنَ اللَّفْظِ مُنَاسَبَةً ذَاتِيَّةً، وَكَشْفُ الْغِطَاءِ عَنْ هَذَا أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ اتِّحَادُ الشَّيْئَيْنِ فِي الْمُضَافِ كَاتِّحَادِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فِي بُنُوَّةِ بِكْرٍ، وَاتِّحَادِ مُتَضَادَّيْنِ فِي الْمُضَافِ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ وَلَا مُسْتَبْعَدٍ (فَلَا يُسْتَدَلُّ عَلَى نَفْيِ لُزُومِهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَنْ يَذْكُرُهُ (بِوَضْعِ) اللَّفْظِ (الْوَاحِدِ لَهُمَا) أَيْ لِلضِّدَّيْنِ كَمَا تَوَارَدُوهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِيهَا ثُمَّ لَمَّا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ تَسَاوِي نِسْبَةِ الْأَلْفَاظِ إلَى مَعَانِيهَا، وَأَنَّ الْمُخَصِّصَ لِبَعْضِهَا بِبَعْضِ الْمَعَانِي دُونَ بَعْضٍ هُوَ إرَادَةُ الْوَاضِعِ الْمُخْتَارِ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ غَيْرَهُ، وَقَدْ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الثِّقَاتِ أَنَّ أَهْلَ التَّكَسُّرِ وَبَعْضَ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهُمْ عَبَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصَّيْمَرِيُّ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مُنَاسَبَةٌ طَبِيعِيَّةٌ مُوجِبَةٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْوَضْعِ، يُدْرِكُ ذَلِكَ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا فِي الْقَافَةِ وَيَعْرِفُهُ غَيْرُهُ مِنْهُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ حَكَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُسَمَّيَاتِ مِنْ الْأَسْمَاءِ فَقِيلَ لَهُ مَا مُسَمَّى أَذْغَاغِ، وَهُوَ مِنْ لُغَةِ الْبَرْبَرِ فَقَالَ أَجِدُ فِيهِ يُبْسًا شَدِيدًا، وَأَرَاهُ اسْمَ الْحَجَرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَرَدَّ الْجُمْهُورُ هَذَا الْقَوْلَ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ نَقْلُ اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ الذَّاتِيِّ إلَى مَعْنًى آخَرَ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الذَّاتِيُّ أَصْلًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ثُمَّ ذَكَر السَّكَّاكِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَهْلَ التَّصْرِيفِ وَالِاشْتِقَاقِ عَلَى أَنَّ لِلْحُرُوفِ فِي أَنْفُسِهَا خَوَاصَّ بِهَا تَخْتَلِفُ كَالْجَهْرِ وَالْهَمْسِ وَغَيْرِهِمَا

المقام الخامس المعنى الموضوع له اللفظ

مُسْتَدْعِيَةً فِي حَقِّ عَالِمِهَا إذَا أَخَذَ فِي تَعْيِينِ شَيْءٍ يُرَكِّبُ مِنْهُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُهْمِلُ التَّنَاسُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ قَضَاءٌ لِحَقِّ الْحِكْمَةِ. وَمِنْ ثَمَّةَ تَرَى الْفَصْمَ بِالْفَاءِ الَّذِي هُوَ حَرْفٌ رَخْوٌ لِكَسْرِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبِينَ وَبِالْقَافِ الَّذِي هُوَ حَرْفٌ شَدِيدٌ لِكَسْرِ الشَّيْءِ حَتَّى يَبِينَ، وَأَنَّ لِهَيْئَاتِ تَرْكِيبَاتِ الْحُرُوفِ أَيْضًا خَوَاصَّ يَلْزَمُ فِيهَا مَا يَلْزَمُ فِي الْحُرُوفِ، وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ الْفَعَلَانُ وَالْفَعَلَى بِالتَّحْرِيكِ لِمَا فِي مُسَمَّاهُ كَثْرَةُ حَرَكَةٍ كَالنَّزَوَانِ وَالْحَيَدَى. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَلَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ مِنْ عِدَادِ الْعُلَمَاءِ لَا جَرَمَ أَنْ أَوَّلَ السَّكَّاكِيُّ قَوْلَ عَبَّادٍ بِهَذَا مُجَوِّزًا أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَهُ بِنَوْعٍ مِنْ الرَّمْزِ إلَيْهِ وَوَافَقَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَيْهِ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ ضَابِطٍ فِي الْمُنَاسَبَةِ مِنْ جِهَةٍ خَاصَّةٍ لِيَشْمَلَ مَا ذَكَرَ وَغَيْرَهُ لِمَا عَلَى الْحَصْرِ فِيهِ مِنْ التَّعَقُّبِ لِمَا نَذْكُرُ قَرِيبًا. فَقَالَ: (وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْمُنَاسَبَةِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا بَيْنَ اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ كَمَا فَصَّلْنَاهُ (مُرَادُ الْقَائِلِ بِلُزُومِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الدَّلَالَةِ) أَيْ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَعَانِيهَا فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ إرَادَتَهُ بَلْ وُجِدَ مَا يُعَيِّنُهَا، وَهُوَ حَمْلُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ (وَإِلَّا فَهُوَ ضَرُورِيُّ الْبُطْلَانِ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُرَادَ عَبَّادٍ مِنْ قَوْلِهِ فَقَوْلُهُ ضَرُورِيُّ الْبُطْلَانِ عِنْدَ أُولِي الْعِلْمِ وَالْإِتْقَانِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْحُجَجِ وَالْبُرْهَانِ ثُمَّ يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ هُنَا لِأَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ صَرْفَ قَوْلِ عَبَّادٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ التَّصْرِيفِيُّونَ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ عَبَّادٌ، وَمَنْ وَافَقَهُ قَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْوَضْعِ كَمَا ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْآمِدِيِّ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ أَمَّا إذَا كَانُوا مُصَرِّحِينَ بِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَعْنَى بِذَاتِهِ لِمُنَاسَبَةٍ ذَاتِيَّةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى وَضْعٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا، وَنَقَلَهُ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ عَبَّادٍ، وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ عَنْهُ فَلَا يَتِمُّ وَهُوَ ظَاهِرُ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ يَطْرُقُ مَا عَلَيْهِ التَّصْرِيفِيُّونَ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ اعْتِبَارَ التَّنَاسُبِ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِحَسَبِ خَوَاصِّ الْحُرُوفِ وَالتَّرْكِيبَاتِ يَتَأَتَّى فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ فِي جَمِيعِ كَلِمَاتِ لُغَةٍ وَاحِدَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ فَمَا الظَّنُّ بِاعْتِبَارِهِ فِي جَمِيعِ كَلِمَاتِ اللُّغَاتِ. [الْمَقَامُ الْخَامِسُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ لَهُ اللَّفْظُ] الْمَقَامُ الْخَامِسُ فِي بَيَانِ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ لَهُ اللَّفْظُ هَلْ هُوَ الذِّهْنِيُّ أَوْ الْخَارِجِيُّ أَوْ الْأَعَمُّ مِنْهُمَا، وَقَدْ تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِهَذَا بِقَوْلِهِ (وَالْمَوْضُوعُ لَهُ) اللَّفْظُ (قِيلَ الذِّهْنِيُّ دَائِمًا) كَأَنَّهُ يَعْنِي سَوَاءً كَانَ لَهُ وُجُودٌ فِي الذِّهْنِ بِالْإِدْرَاكِ، وَفِي الْخَارِجِ بِالتَّحَقُّقِ كَالْإِنْسَانِ أَوْ فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ كَبَحْرِ زِئْبَقٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ اللَّفْظُ مُفْرَدًا أَوْ مُرَكَّبًا، وَهَذَا مُخْتَارُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَوَجْهُ أَمَّا فِي الْمُفْرَدِ فَلِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ لِاخْتِلَافِ الذِّهْنِيِّ دُونَ الْخَارِجِيِّ فَإِنَّا إذَا رَأَيْنَا جِسْمًا مِنْ بَعِيدٍ وَظَنَنَّاهُ حَجَرًا سَمَّيْنَاهُ بِهِ فَإِذَا دَنَوْنَا مِنْهُ، وَعَرَفْنَا أَنَّهُ حَيَوَانٌ لَكِنْ ظَنَنَّاهُ طَائِرًا سَمَّيْنَاهُ بِهِ فَإِذَا ازْدَادَ الْقُرْبُ، وَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنْسَانٌ سَمَّيْنَاهُ بِهِ، وَهَذَا آيَةٌ عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ لَلذِّهْنِيِّ، وَأَمَّا فِي الْمُرَكَّبِ فَلِأَنَّ قَامَ زَيْدٌ مَثَلًا يَدُلُّ عَلَى حُكْمِ الْمُتَكَلِّمِ بِأَنَّ زَيْدًا قَائِمٌ، وَهُوَ أَمْرٌ ذِهْنِيٌّ إنْ طَابَقَ كَانَ صِدْقًا، وَإِلَّا كَانَ كَذِبًا لَا عَلَى قِيَامِ زَيْدٍ فِي الْخَارِجِ، وَإِلَّا كَانَ صِدْقًا وَامْتَنَعَ كَذِبُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الِاسْمِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى فِي الذِّهْنِ لِظَنِّ أَنَّهُ فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ لَا لِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِهِ فِي الذِّهْنِ فَالْمَوْضُوعُ لَهُ مَا فِي الْخَارِجِ، وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ تَابِعٌ لِإِدْرَاكِ الذِّهْنِ لَهُ حَسْبَمَا هُوَ كَذَا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْضُوعًا لَلْخَارِجِيِّ لَامْتَنَعَ الْكَذِبُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ إفَادَتُهُ لَلْخَارِجِيِّ قَطْعِيَّةً، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ ظَنِّيَّةً كَالْغَيْمِ الرَّطْبِ لِلْمَطَرِ فَيَخْتَلِفُ الْمَدْلُولُ مَعَ وُجُودِ اللَّفْظِ فَيَكُونُ كَذِبًا ثُمَّ يَلْزَمُ هَذَا الْقَوْلُ أَنْ لَا تَكُونَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَوْجُودَاتِ فِي الْخَارِجِ مُطَابَقَةً وَلَا تَضَمُّنًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهَا حَقِيقَةً. (وَقِيلَ) الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ لَهُ اللَّفْظُ هُوَ (الْخَارِجِيُّ) ، وَمِمَّنْ عَزَى إلَيْهِ هَذَا أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا لِمَعْنَاهُ وُجُودٌ ذِهْنِيٌّ وَخَارِجِيٌّ لَا ذِهْنِيٌّ فَقَطْ ثُمَّ قَدْ تَضَمَّنَ رَدُّ وَجْهِ مَا قَبْلَهُ وَجْهَهُ (وَقِيلَ) الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ لَهُ اللَّفْظُ هُوَ (الْأَعَمُّ) مِنْ الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ، وَنَصَّ الْأَصْفَهَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ

المقام السادس في بيان طرق معرفة اللغات

فِي الْمُفْرَدِ فَالْإِنْسَانُ مَثَلًا مَوْضُوعٌ لِلْحَيَوَانِ النَّاطِقِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الذِّهْنِ أَوْ فِي الْخَارِجِ وَالْوُجُودُ عَيْنًا أَوْ ذِهْنًا خَارِجٌ عَنْ مَفْهُومِهِ زَائِدٌ عَلَى الْمَاهِيَّةِ كَمَا أَنَّ كَوْنَهُ وَاحِدًا أَوْ كَثِيرًا زَائِدٌ عَلَيْهِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْلَاقِ الْحَجَرِ وَالطَّائِرِ وَالْإِنْسَانِ عَلَى الْجِسْمِ الْوَاحِدِ الْمَرْئِيِّ مِنْ بَعِيدٍ ثُمَّ قَرِيبٍ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ اعْتِقَادِ أَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الذِّهْنِ أَوْ فِي الْخَارِجِ قَالَ، وَأَمَّا الْمُرَكَّبُ الْخَبَرِيُّ فَإِنَّمَا يُفِيدُ حُكْمَ الْمُتَكَلِّمِ بِأَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ إيجَابِيَّةٌ أَوْ سَلْبِيَّةٌ وَاقِعَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارُ يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ، وَأَمَّا الْإِنْشَائِيَّةُ فَمَوْضُوعُهُ لِإِنْشَاءِ مَدْلُولِهَا، وَإِثْبَاتِهِ وَلَيْسَ لَهَا خَارِجٌ حَتَّى يُفِيدُ إظْهَارَهُ، وَأَمَّا سَائِرُ الْمُرَكَّبَاتِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُفْرَدَاتِ (وَنَحْنُ) نَقُولُ اللَّفْظُ مَوْضُوعٌ (فِي الْأَشْخَاصِ لَلْخَارِجِيِّ) أَيْ فِي الْأَعْلَامِ الشَّخْصِيَّةِ لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ، وَهُوَ الْمُسَمَّى الْمُتَشَخِّصُ فِي الْخَارِجِ كَمَا يَبْعُدُ أَنْ يَذْهَبَ أَحَدٌ إلَى خِلَافِهِ. وَقَوْلُهُ (وَوُجُوبُ اسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ لِلْوَضْعِ لَا يَنْفِيهِ) جَوَابٌ عَنْ دَخْلٍ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّ الْوَضْعَ لِلشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْضَارِ صُورَتِهِ فِي الذِّهْنِ عِنْدَ إرَادَةِ الْوَضْعِ فَحِينَئِذٍ مَا وَضَعَ اللَّفْظَ لَهُ هُوَ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ لَا الْعَيْنِيَّةُ. وَتَوْضِيحُ الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِحْضَارَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ بَلْ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْخَارِجِيُّ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْوَضْعِ لَهُ وَكَيْفَ يُنَافِيهِ، وَهُوَ طَرِيقٌ إلَيْهِ (وَنَفَيْنَاهُ) أَيْ وَنَفْينَا نَحْنُ فِي أَوَائِلِ بَحْثِ الْمُطْلَقِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْوَضْعَ (لِلْمَاهِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ سِوَى عِلْمِ الْجِنْسِ عَلَى رَأْيٍ) ، وَهُوَ رَأْيُ الْفَارِقِينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِ الْجِنْسِ فِي الْمَعْنَى بِأَنَّ عِلْمَ الْجِنْسِ كَأُسَامَةَ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ الْمُتَّحِدَةِ فِي الذِّهْنِ، وَاسْمَ الْجِنْسِ كَأَسَدٍ مَوْضُوعٌ لِلْفَرْدِ الشَّائِعِ فِي أَفْرَادِهِ وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا هَكَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مُوهِمٌ بِأَنَّ ثَمَّ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ عِلْمَ الْجِنْسِ لَمْ يُوضَعْ لِلْحَقِيقَةِ الْمُتَّحِدَةِ فِي الذِّهْنِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ عِلْمَ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اسْمِ الْجِنْسِ كَمَا سَنُشِيرُ إلَيْهِ فِي الْمُطْلَقِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي حَذْفُ عَلَى رَأْيٍ أَوْ زِيَادَةُ اسْمِ الْجِنْسِ قَبْلَهُ (بَلْ) نَقُولُ: اللَّفْظُ فِي غَيْرِ الْأَعْلَامِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْجِنْسِيَّةِ مَوْضُوعٌ (لِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فِيمَا أَفْرَادُهُ خَارِجِيَّةٌ أَوْ ذِهْنِيَّةٌ) هَذَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا كَانَ وَاضِعُهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمُسَمَّاهُ مُدْرَكٌ فِي الذِّهْنِ مُحَقَّقٌ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ لِمُسَمَّاهُ الْخَارِجِيِّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} [البقرة: 31] الْآيَةَ. فَإِنَّ الْعَرْضَ فِي هَذَا إنَّمَا يَكُونُ لِمَا لَهُ وُجُودٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مُسَمَّيَاتِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهَا، وَعَلَّمَهَا آدَمَ هِيَ الْمَعْرُوضَاتِ، وَمَا الظَّاهِرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَهُ لِمَعْنًى مُدْرَكٍ فِي الذِّهْنِ غَيْرِ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ لِذَلِكَ فِي الذِّهْنِ، وَمَا كَانَ وَاضِعُهُ غَيْرَهُ تَعَالَى فَمِنْهُ مَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلشَّخْصِ الْخَارِجِيِّ كَالْعَلَمِ الشَّخْصِيِّ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الذِّهْنِيَّةِ كَالْعَلَمِ الْجِنْسِيِّ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَيْ شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ، وَهُوَ اسْمُ الْجِنْسِ النَّكِرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [الْمَقَامُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ طُرُقِ مَعْرِفَةِ اللُّغَاتِ] ِ أَعْنِي مَعْرِفَةَ كَوْنِ اللَّفْظِ الْفُلَانِيِّ مَوْضُوعًا لِلْمَعْنَى الْفُلَانِيِّ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهَا) تَنْحَصِرُ فِي أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا (التَّوَاتُرُ كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ) لِمَعَانِيهَا الْمَعْرُوفَةِ (وَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ) لِمَعَانِيهَا (مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ثَبَتَ لَهَا بِالتَّوَاتُرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا أَكْثَرُ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالتَّشْكِيكُ فِيهِ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ بِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَلْفَاظِ دَوَرَانًا عَلَى الْأَلْسُنِ لَفْظُ اللَّهِ، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ أَسُرْيَانِيٌّ هُوَ أَمْ عَرَبِيٌّ، وَعَلَى أَنَّهُ عَرَبِيٌّ أَمَوْضُوعٌ هُوَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ اشْتِقَاقٍ أَوْ مُشْتَقٌّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ أَلِلذَّاتِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَوْ لِبَعْضِ الْمَعَانِي أَوْ لِلْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ أَوْ الْجُزْئِيِّ، وَعَلَى الثَّانِي هَلْ هُوَ مِنْ أَلَهَ أَوْ مِنْ وَلَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا فَمَا الظَّنُّ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَبِأَنَّ الرُّوَاةَ أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ تَتَبُّعِ كَلَامِ الْبُلَغَاءِ، وَالْغَلَطُ عَلَيْهِمْ جَائِزٌ وَبِأَنَّهُمْ مَعْدُودُونَ كَالْخَلِيلِ

المقام السابع القياس هل يجري في اللغة

وَالْأَصْمَعِيِّ لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ فَلَا يَحْصُلُ الْقَطْعُ بِقَوْلِهِمْ (سَفْسَطَةٌ فِي مَقْطُوعٍ) بِهِ أَيْ مُكَابَرَةٌ لِمَا عُلِمَ قَطْعًا بِأَخْبَارِ مَنْ يَمْنَعُ الْعَقْلُ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ قَائِلُهُ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّهُ كَإِنْكَارِ الْبَدِيهِيَّاتِ. (وَالْآحَادُ) أَيْ وَثَانِيهَا أَخْبَارُ الْآحَادِ (كَالْقُرِّ) أَيْ كَإِخْبَارِهِمْ بِأَنَّ الْقُرَّ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ اسْمٌ لِلْبَرْدِ وَالتَّكَأْكُؤُ اسْمٌ لِلِاجْتِمَاعِ وَالِافْرِنْقَاعُ اسْمٌ لِلِافْتِرَاقِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ كَثِيرَ الدَّوْرَانِ فِي الْكَلَامِ، وَهَذَا لَا يَضُرُّهُ أَيْضًا التَّشْكِيكُ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ، وَهُوَ غَيْرُ قَادِحٍ فِيهِ (وَاسْتِنْبَاطُ الْعَقْلِ مِنْ النَّقْلِ) أَيْ وَثَالِثُهَا أَنْ يَسْتَنْبِطَ الْعَقْلُ مِنْ مُقَدِّمَتَيْنِ نَقْلِيَّتَيْنِ حُكْمًا لُغَوِيًّا (كَنَقْلِ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى) بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ لِلْجِنْسِ (يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ) الْمُتَّصِلُ لِأَيِّ فَرْدٍ أَوْ أَفْرَادٍ تُرَادُ (وَأَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ الْمَذْكُورَ (إخْرَاجُ بَعْضِ مَا يَشْمَلُهُ اللَّفْظُ) فَيُعْلَمُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْمَنْقُولَتَيْنِ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ أَيُّ فَرْدٍ أَوْ أَفْرَادٍ تُرَادُ (فَيَحْكُمُ) الْعَقْلُ (بِعُمُومِهِ) أَيْ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ بِضَمِيمَةِ حُكْمِهِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا مَتْنًا وَلَا لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ لَمْ يَجُزْ فِيهِ ذَلِكَ. وَالْمُلَخَّصُ أَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ مِنْ الثَّانِيَةِ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ فَهُوَ عَامٌّ فَتُضَمُّ هَذِهِ النَّقْلِيَّةُ إلَى الْأُولَى فَيُنْتِجُ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ عَامٌّ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْفَاضِلُ الْعِبْرِيُّ: لَوْ بَدَّلْت الثَّانِيَةَ بِهَذِهِ وَجَعَلْت الثَّانِيَةَ دَلِيلًا عَلَيْهَا لَكَانَ أَظْهَرَ فِي الْمَطْلُوبِ. ثُمَّ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ لَمْ يُفْرِدَا هَذَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ، وَأَوْضَحَهُ الْمُحَشَّوْنَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْأَوَّلِينَ إذْ لَا يُرَادُ بِالنَّقْلِ مَا يَكُونُ مُسْتَقِلًّا بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْوَضْعِ مِنْ غَيْرِ مَدْخَلٍ لِلْعَقْلِ فِيهِ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ إذْ صِدْقُ الْمُخْبِرِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ، وَإِنَّهُ عَقْلِيٌّ لَا يُعْرَفُ بِالنَّقْلِ لِاسْتِلْزَامِهِ الدَّوْرَ أَوْ التَّسَلْسُلَ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِالْعَقْلِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ بِمُقَدِّمَةٍ مِنْ الْقِيَاسِ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّقْلِ فِيهِ مَدْخَلٌ، وَهَذَا كَذَلِكَ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَفْرَدَهُ كَالْبَيْضَاوِيِّ لِامْتِيَازِهِ عَنْهُمَا بِأَنَّ مَا يَثْبُتُ بِهِ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً بِمَنْطُوقِ الْعِبَارَةِ بَلْ يَثْبُتُ لَازِمًا لَهَا بِخِلَافِهِمَا ثُمَّ حَيْثُ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ مُنْدَرِجًا فِيهِمَا فَقَدْ يَكُونُ قَطْعِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ ظَنِّيًّا فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. (أَمَّا) الْعَقْلُ (الصِّرْفُ) بِكَسْرِ الصَّادِ أَيْ الْخَالِصُ (فَبِمَعْزِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ أَيْ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ عَنْ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِمَعْرِفَةِ اللُّغَاتِ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ وَضْعِيَّةٌ مُمْكِنَةٌ وَالْعَقْلُ إذَا لَاحَظَ الْمُمْكِنَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِهِ تَرَدَّدَ فِي وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا بِالْقِيَاسِ إلَى ذَاتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ أَمْرٍ آخَرَ إلَيْهِ لِيَجْزِمَ بِأَحَدِ طَرَفَيْهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ إلَّا النَّقْلُ عَلَى أُسْلُوبِ مَا تَقَدَّمَ فَكَانَ الطَّرِيقُ فِيهِ ذَلِكَ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ بِنَقْلِهَا بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ الْمُرَادُ) مِنْ نَقْلِهَا (نَقْلَ قَوْلِ الْوَاضِعِ كَذَا لِكَذَا) أَيْ اللَّفْظُ الْفُلَانِيُّ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْفُلَانِيِّ (بَلْ) الْمُرَادُ مِنْ نَقْلِهَا (تَوَارُثُ فَهْمِ كَذَا) أَيْ الْمَعْنَى الْفُلَانِيِّ (مِنْ كَذَا) أَيْ اللَّفْظِ الْفُلَانِيِّ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَامَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا وَضْعُ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى لِبُعْدِ تَوَارُثِ ذَلِكَ مَعَ انْتِفَاءِ الْوَضْعِ (فَإِنْ زَادَ) الطَّرِيقُ النَّقْلِيُّ الْمُعَرِّفَ لَهَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ بِنَحْوِ اللَّفْظِ الْفُلَانِيِّ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْفُلَانِيِّ (فَذَاكَ) أَيْ فَبِهَا وَنِعْمَتْ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْوُضُوحِ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا ضَيْرَ. [الْمَقَامُ السَّابِعُ الْقِيَاسَ هَلْ يَجْرِي فِي اللُّغَةِ] الْمَقَامُ السَّابِعُ فِي أَنَّ الْقِيَاسَ هَلْ يَجْرِي فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ طَرِيقًا مُثَبِّتًا لَهَا، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ مُفَسِّرًا لِمَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَمُبَيِّنًا لِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فَقَالَ (وَاخْتُلِفَ فِي الْقِيَاسِ أَيْ إذَا سَمَّى مُسَمًّى بِاسْمٍ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمُسَمَّى (مَعْنَى يُخَالُ اعْتِبَارُهُ فِي التَّسْمِيَةِ) أَيْ يُظَنُّ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَعْنَى سَبَبًا لِتَسْمِيَةِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ (لَلدَّوْرَانِ) أَيْ لِأَجْلِ دَوْرَانِ التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ الِاسْمِ مَعَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وُجُودًا وَعَدَمًا فَيَرَى أَنَّهُ مَلْزُومُ التَّسْمِيَةِ، وَأَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ فَأَيْنَمَا وُجِدَ تُوجَدُ (وَيُوجَدُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ يُوجَدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى أَيْضًا (فَهَلْ يَتَعَدَّى الِاسْمُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ (فَيُطْلَقُ) ذَلِكَ الِاسْمُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ (حَقِيقَةً كَالْمُسَمَّى نَقْلًا) أَيْ كَمَا أُطْلِقَ الِاسْمُ عَلَى ذَلِكَ

الْمُسَمَّى الَّذِي ثَبَتَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ نَقْلًا لَا تَعْدِيَةً أَوْ لَا يَتَعَدَّى الِاسْمُ إلَيْهِ بَلْ يَخُصُّ حَقِيقَةَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ إذَا أُطْلِقَ عَلَى غَيْرِهِ مَجَازًا (كَالْخَمْرِ) فَإِنَّهَا اسْمٌ لِلنِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذْ غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ فَهَلْ يُطْلَقُ حَقِيقَةً (عَلَى النَّبِيذِ) مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ الْمَذْكُورِ إلْحَاقًا لَهُ بِهِ فِي الِاسْمِ الْمَذْكُورِ (لِلْمُخَامَرَةِ) أَيْ لِلْمَعْنَى الَّذِي هُوَ التَّخْمِيرُ لِلْعَقْلِ، وَهُوَ تَغْطِيَتُهُ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا الَّذِي دَارَتْ التَّسْمِيَةُ لِلْمُسَمَّى مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَإِنَّ التَّخْمِيرَ لِلْعَقْلِ مَا لَمْ يُوجَدْ فِي مَاءِ الْعِنَبِ لَا يُسَمَّى خَمْرًا بَلْ يُسَمَّى عَصِيرًا وَخَلًّا، وَإِذَا وُجِدَ فِيهِ سُمِّيَ بِهَا. (أَوْ يَخُصُّ) هَذَا الِاسْمَ الَّذِي هُوَ الْخَمْرُ (بِمُخَامِرٍ هُوَ مَاءُ الْعِنَبِ) الْمَذْكُورِ فَلَا يُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى النَّبِيذِ لِانْتِفَاءِ تِلْكَ الذَّاتِ (وَالسَّارِقِ) أَيْ، وَمِثْلُ السَّارِقِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلْآخِذِ مَالِ الْحَيِّ خُفْيَةً مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ فَهَلْ يُطْلَقُ حَقِيقَةً (عَلَى النَّبَّاشِ) ، وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ كَفَنَ الْمَيِّتِ خُفْيَةً مِنْ الْقَبْرِ بَعْدَ دَفْنِهِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْآخِذِ الْمَذْكُورِ إلْحَاقًا لَهُ بِهِ فِي الِاسْمِ الْمَذْكُورِ (لِلْأَخْذِ خُفْيَةً) أَيْ لِهَذَا الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا الَّذِي دَارَتْ التَّسْمِيَةُ لِلْمُسَمَّى مَعَهُ وُجُودًا، وَعَدَمًا فَإِنَّ الْآخِذَ لِمَالِ الْحَيِّ مُجَاهَرَةً لَا يُسَمَّى سَارِقًا بَلْ يُسَمَّى مُكَابِرًا أَوْ غَاصِبًا، وَإِذَا وُجِدَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ يُسَمَّى سَارِقًا أَوْ لَا يُطْلَقُ حَقِيقَةً عَنْ النَّبَّاشِ لِانْتِفَاءِ تِلْكَ الذَّاتِ (وَالزَّانِي) أَيْ، وَمِثْلُ الزَّانِي فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلْمُولِجِ آلَتَهُ فِي قُبُلِ آدَمِيَّةٍ حَيَّةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ بِلَا شُبْهَةٍ فَهَلْ يُطْلَقُ (عَلَى اللَّائِطِ) إلْحَاقًا لَهُ بِهِ فِي الِاسْمِ الْمَذْكُورِ لِلْإِيلَاجِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا الَّذِي دَارَتْ التَّسْمِيَةُ لِلْمُسَمَّى مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا أَوْ لَا يُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى اللَّائِطِ لِانْتِفَاءِ تِلْكَ الذَّاتِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ يَجْرِي فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَنَقَلَ ابْنُ جِنِّي أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ. ثَانِيهِمَا الْمَنْعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ، وَعَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَالْمُخْتَارُ نَفْيُهُ) أَيْ كَوْنُ الْقِيَاسِ طَرِيقًا مُثَبِّتًا لِلُّغَةِ. (قَالُوا) أَيْ الْمُثَبِّتُونَ: الْحُجَّةُ (الدَّوَرَانُ) أَيْ دَارَ الِاسْمُ مَعَ الْمَعْنَى وُجُودًا وَعَدَمًا كَمَا بَيَّنَّا فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ الدَّوَرَانَ يُفِيدُ ظَنَّ الْعِلِّيَّةِ. (قُلْنَا) فِي جَوَابِهِمْ (إفَادَتُهُ) أَيْ الدَّوَرَانُ ذَلِكَ (مَمْنُوعَةٌ) فَإِنَّ فِي كَوْنِهِ طَرِيقًا صَحِيحًا لِإِثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ خِلَافًا يَأْتِي فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ، وَالْحَنَفِيَّةُ عَلَى مَنْعِهِ فَهَذَا الْمَنْعُ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ، وَمَنْ اقْتَفَاهَا (وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ) لِصِحَّتِهِ طَرِيقًا مُثَبِّتًا لِلْمَطْلُوبِ كَمَا هُوَ طَرِيقَةُ غَيْرِهِمْ وَتَنَزُّلًا مِنْهُمْ (إنْ أَرَدْتُمْ) بِقَوْلِكُمْ دَارَ الِاسْمُ مَعَ الْمَعْنَى وُجُودًا أَوْ عَدَمًا أَنَّهُ دَارَ مَعَهُ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي كُلِّ مَحَلٍّ بِأَنْ ثَبَتَ عَنْ الْعَرَبِ أَنَّ الِاسْمَ لِمَا فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَائِنًا مَا كَانَ (فَغَيْرُ الْمَفْرُوضِ) مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ مَحَلًّا لَهُ أَنَّ الِاسْمَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا لِمُسَمًّى ثُمَّ رَأَيْنَا فِيهِ مَعْنًى يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ الِاسْمِ وَوَجَدْنَا ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي مُسَمًّى غَيْرِهِ فَهَلْ يُعَدَّى ذَلِكَ الِاسْمُ إلَى الْغَيْرِ أَيْضًا حُكْمًا عَلَى اللُّغَةِ أَمْ لَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ (لِأَنَّ مَا يُوجَدُ فِيهِ) ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ ثَابِتًا عَنْهُمْ كَوْنُ الِاسْمِ مَوْضُوعًا لِمَا فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى يَكُونُ (مِنْ أَفْرَادِ الْمُسَمَّى) بِذَلِكَ الِاسْمِ أَفَادَ الِاسْتِقْرَاءُ لِكَلَامِهِمْ أَوْ النَّقْلُ عَنْهُمْ أَنَّ الِاسْمَ لِمُشْتَرَكٍ مَعْنَوِيٍّ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَا فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَمَا فِي تَسْمِيَةِ زَيْدٍ فِي ضَرَبَ زَيْدٌ فَاعِلًا لِكَوْنِ تَتَبُّعِ كَلَامِ الْعَرَبِ أَفَادَ أَنَّ كُلَّ مَا أُسْنِدَ الْفِعْلُ أَوْ شَبَهُهُ إلَيْهِ، وَقُدِّمَ عَلَيْهِ عَلَى جِهَةِ قِيَامِهِ بِهِ يُسَمَّى فَاعِلًا وَتَسْمِيَتُهُ ضَارِبًا لِنَقْلِهِمْ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ اسْمٌ لِذَاتٍ قَامَ بِهَا الْفِعْلُ. وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى مَا وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ إطْلَاقُهُ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْدِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَضْعٌ وَتَوْقِيفٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَا أَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِهِ مَسْكُوتٌ عَنْ تَسْمِيَتِهِ فَيُقَاسُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا فِي ذَلِكَ ثُمَّ كَمَا أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ دَعْوَى قِيَاسِ بَعْضِ أَفْرَادِ مُسَمًّى فِي حُكْمِ تَنَاوُلِهَا بِطَرِيقِ الْعُمُومِ عَلَى بَعْضٍ فِي ذَلِكَ لَا يَسُوغُ سَمَاعُ دَعْوَى قِيَاسِ تَسْمِيَةِ بَعْضِ أَفْرَادِ مُسَمًّى بِاسْمٍ مَوْضُوعٍ لِلْمَعْنَى الشَّائِعِ فِيهَا عَلَى بَعْضٍ فِي التَّسْمِيَةِ

بِذَلِكَ الِاسْمِ بِجَامِعِ أَنْ لَيْسَ أَحَدُهَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فِي ذَلِكَ فِي الْفَصْلَيْنِ مَعَ انْتِفَاءِ شَرْطِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَقِيسُ غَيْرَ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ ثَابِتٌ بِعَيْنِ اللَّفْظِ (أَوْ فِي الْأَصْلِ فَقَطْ) أَيْ أَوْ أَرَدْتُمْ بِقَوْلِكُمْ دَارَ الِاسْمُ مَعَ الْمَعْنَى وُجُودًا وَعَدَمًا فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ كَالْخَمْرِ فِي النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَحَالِّ سَلَّمْنَا كَوْنَ الْأَمْرِ فِيهِ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ثُمَّ (مَنَعْنَا كَوْنَهُ) أَيْ الدَّوَرَانِ فِي الْأَصْلِ (طَرِيقًا) مُثَبِّتًا لِتَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمٍ لِمُسَمًّى فِيهِ مَعْنًى يُنَاسِبُ تَسْمِيَتَهُ بِهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ (هُنَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ مَوْضُوعًا لِلْمَجْمُوعِ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَتِلْكَ الذَّاتِ فَيَكُونُ الْخَمْرُ مَوْضُوعًا لِمَجْمُوعِ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ الْمُخَامِرِ لِلْعَقْلِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ جُزْءَ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْهُ، وَمِنْ عَيْنِ الْمَحَلِّ لَا عِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودُ الْمَعْنَى فَقَطْ وُجُودَ الِاسْمِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ مِنْ أَدِلَّةِ الْمُثَبِّتِينَ الْقِيَاسَ ثَبَتَ شَرْعًا فَيَثْبُتُ لُغَةً؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلثُّبُوتِ فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ فِي مَعْنًى يُظَنُّ اعْتِبَارُهُ بِالدَّوَرَانِ أَشَارَ إلَيْهِ وَإِلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (كَذَلِكَ) أَيْ طَرِيقًا صَحِيحًا (فِي الشَّرْعِيَّاتِ) الْعَمَلِيَّاتِ (لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ) أَيْ لِتَعْدِيَتِهِ فِيهَا مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ كَوْنُهُ طَرِيقًا صَحِيحًا (فِي الِاسْمِ) أَيْ فِي تَعْدِيَةِ الِاسْمِ لِمُسَمًّى لُغَةً إلَى آخَرَ لَمْ تُعْلَمْ تَسْمِيَتُهُ بِهِ لُغَةً أَيْضًا (لِأَنَّهُ) أَيْ قِيَاسَ مَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ الْعَمَلِيَّاتِ عَلَى مَا نُصَّ عَلَيْهِ مِنْهَا لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ فِيمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ لِمُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي الْمَعْنَى الْمُصَحِّحِ لِتَعْدِيَتِهِ إلَيْهِ كَمَا يُعْرَفُ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَمْرٌ (سَمْعِيٌّ تُعُبِّدَ بِهِ) أَيْ تَعَبَّدَنَا الشَّارِعُ بِهِ فِي ذَلِكَ بِشُرُوطٍ (لَا) أَنَّهُ أَمْرٌ (عَقْلِيٌّ) يَسْتَوِي فِيهِ الْمُمْكِنَاتُ مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ وَاللُّغَوِيَّاتِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا إلَّا فِي الشَّرْعِيَّاتِ الْعَمَلِيَّاتِ خَاصَّةً، وَأَيْضًا إنَّمَا كَانَ الْقِيَاسُ حُجَّةً فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ إذْ خِلَافُ الظَّاهِرِيَّةِ غَيْرُ قَادِحٍ وَلَا إجْمَاعَ هُنَا، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنْ لَيْسَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْقِيَاسِ فِي الشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ وَاحِدًا. (ثُمَّ) إنْ قِيلَ مُجَرَّدُ تَجْوِيزِ كَوْنِ الِاسْمِ مَوْضُوعًا لِلْمَجْمُوعِ مِنْ الْوَصْفِ وَالذَّاتِ لَا يَقْتَضِي تَرَجُّحَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ حَتَّى يَمْنَعَ صِحَّةَ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً بِمُفْرَدِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ إطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَى مَا فِيهِ ذَلِكَ فَيُقَالُ (تَجْوِيزُ كَوْنِ خُصُوصِيَّةِ الْمُسَمَّى مُعْتَبَرَةً) فِي تَسْمِيَةِ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ (ثَابِتٌ بَلْ ظَاهِرٌ) أَيْ مَظْنُونٌ (بِثُبُوتِ مَنْعِهِمْ طَرْدَ الْأَدْهَمِ وَالْأَبْلَقِ وَالْقَارُورَةِ وَالْأَجْدَلِ وَالْأَخْيَلِ، وَمَا لَا يُحْصَى) مِنْ أَسْمَاءِ مُسَمَّيَاتٍ فِيهَا مَعْنًى يُنَاسِبُ تَسْمِيَتِهَا بِهَا فِيمَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِهَا حَتَّى إنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ الْأَدْهَمَ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِلْفَرَسِ الْأَسْوَدِ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ أَسْوَدُ، وَلَا الْأَبْلَقَ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِلْفَرَسِ الْمُخَطَّطِ بِالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مُخَطَّطٌ بِهِمَا، وَلَا الْقَارُورَةَ الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِمَقَرِّ الْمَائِعَاتِ مِنْ الزُّجَاجِ عَلَى مَا هُوَ مَقَرٌّ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا الْأَجْدَلَ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِلصَّقْرِ لِقُوَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَهُ هَذَا الْوَصْفُ، وَلَا الْأَخْيَلَ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِطَائِرٍ بِهِ خَيَلَانِ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا بِهِ ذَلِكَ، وَلَا السِّمَاكَ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِكُلٍّ مِنْ كَوْكَبَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ مُرْتَفِعَيْنِ عَلَى مَا لَهُ السُّمُوكُ مِنْ غَيْرِهِمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عَلَى الْبَشَرِ إحْصَاؤُهُ فَإِنَّ هَذَا الْمَنْعَ مِمَّا يُفِيدُ ظَاهِرًا أَنَّ ذَوَاتَ الْمُسَمَّيَاتِ الَّتِي بِهَا هَذِهِ الْمَعَانِي جُزْءٌ مِنْ عِلَّةِ تَسْمِيَتِهَا بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِمَنْعِهِمْ وَجْهٌ فِي الظَّاهِرِ (فَظَهَرَ) مِنْ هَذَا (أَنَّ الْمَنَاطَ) لِتَسْمِيَةِ الْمُسَمَّى بِاسْمِهِ الْمُخَيَّلِ كَوْنُهُ لَهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى (فِي مِثْلِهِ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ هُوَ (الْمَجْمُوعُ) مِنْ الذَّاتِ وَالْوَصْفِ الْمَخْصُوصَيْنِ (فَإِثْبَاتُهُ) أَيْ اللُّغَةِ حِينَئِذٍ (بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ إثْبَاتٌ (بِالِاحْتِمَالِ) الْمَرْجُوحِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِمُحْتَمَلٍ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ الْمِيمِيِّ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ إثْبَاتَ اللُّغَةِ بِالِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ غَيْرُ جَائِزِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ حَكَمٌ بِالْوَضْعِ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ ثُمَّ يَقَعُ الْقِيَاسُ ضَائِعًا وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَقِبَ قَوْلِهِ مَنَعْنَا كَوْنَهُ طَرِيقًا هُنَا؛ لِأَنَّهَا جَوَابٌ عَنْ إيرَادٍ مُقَدَّرٍ عَلَى سَنَدٍ مُقَدَّرٍ لِهَذَا الْمَنْعِ كَمَا رَأَيْت فَتَأَمَّلْهُ. ثُمَّ قِيلَ: هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْأَلْفَاظِ وَإِطْلَاقِهَا عَلَى مُسَمَّيَاتٍ أُخَرَ لَا فِي أَحْكَامِهَا فَإِنَّهَا تَثْبُتُ

المقام الثامن في تقسيم اللفظ إلى مهمل ومستعمل

بِالْقِيَاسِ بِلَا خِلَافٍ، وَقِيلَ فِي الْحَقِيقَةِ لَا الْمَجَازِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ أَنَّهُ فِي الْأَلْفَاظِ وَأَحْكَامِهَا وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، ثُمَّ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْحُدُودِ فِي الْجِنَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَالْقَائِلُ بِالْقِيَاسِ يُجَوِّزُ التَّسْمِيَةَ وَيُثْبِتُ حَدَّ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا فِي شَارِبِ النَّبِيذِ وَالنَّبَّاشِ وَاللَّائِطِ بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهَا وَتَنَاوُلِهَا لِمَا يُلْحَقُ بِهَا، وَمَنْ لَا يَقُولُ بِالْقِيَاسِ لَا يُجَوِّزُ التَّسْمِيَةَ وَلَا يُثْبِتُ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا لِعَدَمِ تَنَاوُلِ النُّصُوصِ إيَّاهَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ. وَعِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي نَظَرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ النَّافِينَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا مُصَرِّحُونَ بِثُبُوتِ الْحُدُودِ فِي هَذِهِ الْجِنَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَوَجَّهُوهُ بِمَا لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ كَمَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ. [الْمَقَامُ الثَّامِنُ فِي تَقْسِيمِ اللَّفْظِ إلَى مهمل ومستعمل] الْمَقَامُ الثَّامِنُ فِي أَقْسَامِ اللَّفْظِ، وَهِيَ ضَرْبَانِ مَا تُخْرِجُهُ الْقِسْمَةُ الْأُولَى لَهُ، وَمَا تُخْرِجُهُ غَيْرُهَا، وَلَمَّا كَانَ تَقْدِيمُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ أَوْلَى أَشَارَ إلَيْهِ مُبَيِّنًا لِلْحَيْثِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لَهُ فَقَالَ (وَاللَّفْظُ إنْ وُضِعَ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ نَفْسِهِ بِأَنْ وُضِعَ لِمَعْنًى (فَمُسْتَعْمَلٌ، وَإِنْ) فُرِضَ أَنَّهُ (لَمْ يُسْتَعْمَلْ) قَطُّ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى لِيَكُونَ حَقِيقَةً أَوْ فِي مَعْنَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ مَجَازًا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُوضَعْ لِغَيْرِهِ بَلْ وُضِعَ لِنَفْسِهِ (فَمُهْمَلٌ، وَإِنْ) فُرِضَ أَنَّهُ (اُسْتُعْمِلَ) اسْتِعْمَالًا مَا (كَدَيْزٌ ثَلَاثَةٌ) بِرَفْعِ كِلَيْهِمَا عَلَى الِابْتِدَائِيَّةِ وَالْخَبَرِيَّةِ فَإِنَّ دَيْزًا لَفْظٌ مُهْمَلٌ لِعَدَمِ وَضْعِهِ لِمَعْنًى، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ (وَبِالْمُهْمَلِ) أَيْ وَبِاسْتِعْمَالِ الْمُهْمَلِ فِي نَفْسِهِ (ظَهَرَ وَضْعُ كُلِّ لَفْظٍ لِنَفْسِهِ) وَضْعًا عِلْمِيًّا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (كَوَضْعِهَا لِغَيْرِهِ) أَيْ كَمَا ظَهَرَ وَضْعُ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ لِغَيْرِ نَفْسِهِ مَعَ ذَلِكَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْفَاشِي لَهُ فِي غَيْرِ نَفْسِهِ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ إلَى بَعْضِهَا الْمَفْهُومِ مِمَّا تَقَدَّمَ بِمَعُونَةِ السِّيَاقِ، وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى اكْتِسَابِهِ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ مَجَازًا، وَفِي غَيْرِهِ حَقِيقَةً فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ لَفْظٍ وُضِعَ لِنَفْسِهِ كَمَا وُضِعَ بَعْضُهَا لِغَيْرِهِ (لِأَنَّ الْمَجَازَ يَسْتَلْزِمُ وَضْعًا لِلْمُغَايِرِ) أَيْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَجَازُ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ وَضْعًا لِلشَّيْءِ الْمُغَايِرِ لَهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمَجَازَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الْوَضْعِ لِغَيْرِ الْمُتَجَوَّزِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ (وَهُوَ) أَيْ الْوَضْعُ لِلْمُغَايِرِ (مُنْتَفٍ فِي الْمُهْمَلِ) إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِغَيْرِ نَفْسِهِ (وَلِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ) بَيْنَ مَا اللَّفْظُ بِاعْتِبَارِهِ حَقِيقَةً، وَمَا اللَّفْظُ بِاعْتِبَارِهِ مَجَازًا فِي الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَمَّا فِي الْمُهْمَلِ فَبِطَرِيقِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِغَيْرِهِ أَصْلًا فَالْأَوَّلُ خَاصٌّ بِالْمُهْمَلِ وَالثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَعْمَلِ وَلَا تَحَقُّقَ لِلْمَجَازِ بِدُونِ تَحَقُّقِ عَلَاقَةٍ صَحِيحَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَصَارَ اسْتِعْمَالُهُ فِي نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ مَجَازًا، سَوَاءٌ كَانَ مَوْضُوعًا لِغَيْرِهِ أَوْ لَا لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقِيقَةً اهـ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِغَيْرِهِ فِي نَفْسِهِ مَجَازًا لِوُجُودِ سَابِقَةِ الْوَضْعِ الْمُغَايِرِ، وَالْعَلَاقَةُ الْمُصَحِّحَةُ لِذَلِكَ، وَهِيَ الِاشْتِرَاكُ الصُّورِيُّ بَيْنَهُمَا أَوْ الْمُجَاوَرَةُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِمَعْنَاهُ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ مُرْتَسِمًا مَعَهُ فِي الْخَيَالِ حَصَلَ بَيْنَهُمَا مُجَاوَرَةٌ صَالِحَةٌ لَأَنْ تُجْعَلَ عَلَاقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْفَهَانِيُّ فَلْيُتَأَمَّلْ. فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِغَيْرِهِ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا لِوَضْعِهِ لِغَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيمَا هُوَ الْمُرَادُ بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَثَلًا إذَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تُعَيِّنُ أَحَدَهُمَا كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ تَبَادَرَ الْمُغَايِرُ عِنْدَ ذِكْرِهِ حَتَّى يُحْكَمَ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ كَذَلِكَ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ بِالْحُكْمِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَجِبُ كَوْنُ الدَّلَالَةِ عَلَى مُغَايِرٍ قَبْلَ الْمُسْنَدِ) الْمُفِيدِ ذِكْرُهُ لِأَحَدِهِمَا يَنْفِي ذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَوَّلًا بِمَنْعِ صَيْرُورَةِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا اصْطِلَاحًا بِمُجَرَّدِ هَذَا. وَثَانِيًا سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ، وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ التَّبَادُرِ لَا يَنْفِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْشَأْ مِنْ عَدَمِ وَضْعِهِ لِنَفْسِهِ بَلْ مِمَّا قَالَ (لِعَدَمِ الشُّهْرَةِ وَشُهْرَةِ مُقَابِلِهِ) أَيْ عَدَمِ شُهْرَةِ الْوَضْعِ فِي الْوَضْعِ لِنَفْسِهِ وَشُهْرَةِ الْوَضْعِ فِي مُقَابِلِ الْوَضْعِ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ الْوَضْعُ لِغَيْرِهِ بَلْ قَدْ أَنْكَرَ الْوَضْعَ لِنَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَجَازَ أَنْ يَشْتَهِرَ اللَّفْظُ الَّذِي لَهُ وَضْعَانِ فِي أَحَدِ مَفْهُومِيهِ

بيان الأقسام اللاحقة للفظ المستعمل

فَيَتَبَادَرُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ (وَلَمَّا كَانَ) وَضْعُ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ (غَيْرَ قَصْدِيٍّ) أَيْ غَيْرَ مَقْصُودِ بِالذَّاتِ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ) أَيْ وَضْعَ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ (لَيْسَ إلَّا تَجْوِيزُ اسْتِعْمَالِهِ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِ نَفْسُهُ) بِمَا يُسَوِّغُ الْحُكْمَ بِهِ عَلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّ هَذَا الْوَضْعَ فِي الْمَعْنَى هُوَ قَوْلُ الْوَاضِعِ جَوَّزْت أَنْ تَذْكُرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لِيُحْكَمَ عَلَى ذَوَاتِهَا بِمَا يَصِحُّ عَلَيْهَا مُهْمَلَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَعْمَلَةً فَوَضْعُهَا لِنَفْسِهَا هُوَ هَذَا التَّجْوِيزُ فَقَطْ بِخِلَافِ وَضْعِهَا لِغَيْرِهَا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ إفَادَةُ الْأَحْكَامِ الْكَائِنَةِ لَهَا فِي مَوَاقِعِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا. (لَمْ يُوضَعْ) لِلَّفْظِ كَائِنًا مَا كَانَ (الْأَلْقَابُ الِاصْطِلَاحِيَّةُ) أَيْ الْمَنْسُوبَةُ إلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ (بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا الْوَضْعِ لِانْتِفَاءِ مُقْتَضَيَاتِهَا الِاصْطِلَاحِيَّةِ حِينَئِذٍ (فَلَمْ يَكُنْ كُلُّ مَوْضُوعٍ لِلْمُغَايِرِ مُشْتَرَكًا) مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَضْعَيْنِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ (وَلَمْ يُسَمَّ بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا الْوَضْعِ (عَلَمًا وَلَا اسْمَ جِنْسٍ وَلَا دَالًّا بِالْمُطَابَقَةِ) وَلَا بِالتَّضَمُّنِ وَلَا بِالِالْتِزَامِ لَكِنْ يَطْرُقُ عُمُومَ هَذَا الْمَنْعِ الْمَنْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْضُوعِ لِغَيْرِهِ إذَا اُسْتُعْمِلَ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِمَجَازِيَّتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْعَلَمَ كَمَا سَتَسْمَعُهُ عَلَى الْأَثَرِ مِنْ هَذَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا تَصَدَّى الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ لِتَحْقِيقِ مَعَانِي الْأَفْعَالِ عَلَى وَجْهٍ أَفَادَ التَّصْرِيحَ بِانْقِسَامِ الْوَضْعِ إلَى لِغَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْكَشَّافِ أَيْضًا بِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ عَلَى أَنْفُسِهَا لَيْسَتْ مُسْتَنِدَةً إلَى وَضْعٍ أَصْلًا لِوُجُودِهَا فِي الْأَلْفَاظِ الْمُهْمَلَةِ بِلَا تَفَاوُتٍ وَجَعْلُهَا مَحْكُومًا عَلَيْهَا لَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا أَسْمَاءً؛ لِأَنَّ الْكَلِمَاتِ بِأَسْرِهَا مُتَسَاوِيَةُ الْأَقْدَامِ فِي جَوَازِ الْإِخْبَارِ عَنْ لَفْظِهَا بَلْ هُوَ جَارٍ فِي الْمُهْمَلَاتِ كَقَوْلِك جَسَقٌ مُرَكَّبٌ مِنْ حُرُوفٍ ثَلَاثَةٍ وَدَعْوِي كَوْنِهَا مَوْضُوعَةَ بِإِزَاءِ نَفْسِهَا وَضْعًا قَصْدِيًّا أَوْ غَيْرَ قَصْدِيٍّ مُكَابَرَةٌ فِي قَوَاعِدِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ إثْبَاتَ وَضْعٍ غَيْرَ قَصْدِيٍّ لَا يُسَاعِدُهُ نَقْلٌ وَلَا عَقْلٌ، وَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ ضَرَبَ وَمِنْ أَخَوَاتِهِمَا أَسْمَاءٌ لِأَلْفَاظِهَا الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانِيهَا، وَأَعْلَامٌ لَهَا فَكَلَامٌ تَقْرِيبِيٌّ قَالُوا ذَلِكَ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ فِي تَحْصِيلِ الْمَرَامِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ إجْرَاءُ حُكْمٍ عَلَى لَفْظٍ مَخْصُوصٍ فَإِنْ تَلَفَّظَ بِهِ نَفْسُهُ لَمْ يَحْتَجْ هُنَاكَ إلَى وَضْعٍ وَلَا إلَى دَالٍّ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِتَلَفُّظِهِ وَحُضُورِهِ بِذَلِكَ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ عَمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيَحْضُرهُ فِيهِ فَالْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مُتَشَارِكَةٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهَا أَنْفُسِهَا، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لَفْظًا أَوْ كَانَ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ فَيَنْصِبُ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِيَتَوَجَّهَ الْحُكْمُ إلَيْهِ اهـ. وَكَانَ كَشْفُ الْغِطَاءِ عَنْ الْمُرَادِ بِوَضْعِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَوْضَحْنَاهُ رَافِعًا لِلْخِلَافِ فِي الْمَعْنَى أَشَارَ أَوَّلًا إلَى التَّعَقُّبِ الْمَذْكُورِ مَعَ زِيَادَةٍ فِي تَوْجِيهِهِ ثُمَّ ثَانِيًا إلَى الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ فَقَالَ: (وَالِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ) أَيْ وَضْعَ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ (مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ بَلْ وَلَا وَضْعَ) لِلَّفْظِ لِنَفْسِهِ (لِاسْتِدْعَائِهِ) أَيْ الْوَضْعِ (التَّعَدُّدَ) ضَرُورَةَ اسْتِلْزَامِهِ مَوْضُوعًا، وَمَوْضُوعًا لَهُ وَلَا تَعَدُّدَ عَلَى تَقْدِيرِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ بَلْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ نَفْسُهُ مَدْلُولَهُ وَالدَّالَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَدْلُولِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْوَضْعَ (لِلْحَاجَةِ) إلَى إفَادَةِ الْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِالنَّفْسِ وَغَيْرِهَا (وَهِيَ) أَيْ الْحَاجَةُ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا تَحْصُلُ (فِي الْمُغَايِرِ) أَيْ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ (مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ) أَيْ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْوَضْعِ اصْطِلَاحًا كَمَا يُعْطِيهِ قُوَّةَ كَلَامٍ الْمُعْتَرِضِ (وَمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِهِ لِنَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ الْإِذْنُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ ذَاتِهِ (مُخْلَصٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ إذْ هَذَا الْمُرَادُ لَا يَنْفِيهِ عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ وَلَا الْمُعْتَرِضُ أَيْضًا كَمَا رَأَيْت. وَأُجِيبَ عَنْ اسْتِدْعَائِهِ التَّعَدُّدَ بِأَنَّ تَغَايُرَ الِاعْتِبَارِ كَافٍ فِي كَوْنِ الشَّيْءِ دَالًّا وَمَدْلُولًا، وَيُجَابُ عَنْ انْحِصَارِ الْحَاجَةِ فِي الْمُغَايَرَةِ بِالْمَنْعِ ثُمَّ قُصَارَى الْمُعْتَرِضِ أَنَّهُ يَمْنَعَ تَسْمِيَةَ هَذَا الْمُرَادِ بِالْوَضْعِ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ، وَمِثْلُهُ مُشَاحَّةٌ لَفْظِيَّةٌ يَدْفَعُهَا أَنَّهُ لَا مُنَاقَشَةَ فِي مِثْلِهِ مِنْ الْأُمُورِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمَةِ الْأُولَى لِلَّفْظِ. [بَيَانِ الْأَقْسَامِ اللَّاحِقَةِ لِلَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ] وَلْنَشْرَعْ مِنْ

هُنَا فِي بَيَانِ الْأَقْسَامِ اللَّاحِقَةِ لِلَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ مِنْ حَيْثِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَنَقُولُ (وَالْمُسْتَعْمَلُ) مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَادُ وَالتَّرْكِيبُ (مُفْرَدٌ، وَمُرَكَّبٌ) لِمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْرِيفِهِمَا ثُمَّ تَعْرِيفِهِمَا لُغَةً هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ، وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْته رَأَيْت عَلَى اعْتِبَارِهِ تَقْدِيمَ الْمُفْرَدِ أَوْلَى فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (فَالْمُفْرَدُ مَا لَهُ دَلَالَةٌ) عَلَى مَعْنًى (لِاسْتِقْلَالِهِ بِوَضْعٍ) أَيْ لِاسْتِبْدَادِ مَا لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى مَعْنًى، وَهُوَ اللَّفْظُ بِوَضْعِهِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى (وَلَا جُزْءَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا لَهُ هَذِهِ الدَّلَالَةُ كَائِنٌ (لَهُ) أَيْ لِلْجُزْءِ الْمَذْكُورِ دَلَالَةً (مِثْلَهَا) أَيْ الدَّلَالَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ يَدُلَّ بِالِاسْتِقْلَالِ عَلَى مَعْنًى لِوَضْعِ ذَلِكَ الْجُزْءِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى (وَالْمُرَكَّبُ مَاله ذَلِكَ وَلِجُزْئِهِ) أَيْ مَا لَهُ دَلَالَةٌ بِالِاسْتِقْلَالِ عَلَى مَعْنًى بِالْوَضْعِ لَهُ وَلِجُزْئِهِ أَيْضًا دَلَالَةٌ بِالِاسْتِقْلَالِ عَلَى مَعْنًى بِالْوَضْعِ لَهُ ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ فِي دَلَالَةِ الْجُزْءِ عَلَى الْمَعْنَى أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةٌ لَهُ عَلَى الدَّوَامِ بَلْ يَكْفِي ثُبُوتُهَا لَهُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ (وَلَمْ نَشْرُطْ كَوْنَهُ عَلَى جُزْءِ الْمُسَمَّى) أَيْ وَلَمْ نَشْرُطْ فِي الْمُفْرَدِ بَدَلًا وَلَا جُزْءًا مِنْهُ لَهُ مِثْلُهَا قَوْلُنَا وَلَا جُزْءًا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ الْمُسَمَّى وَلَا فِي الْمُرَكَّبِ بَدَلٌ وَلِجُزْئِهِ مِثْلُهَا قَوْلُنَا وَلِجُزْئِهِ دَلَالَةٌ وَضْعِيَّةٌ عَلَى جُزْءِ الْمُسَمَّى كَمَا شَرْطَهُ الْمَنْطِقِيُّونَ لِاخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحَيْنِ (فَدَخَلَ نَحْوُ عَبْدِ اللَّهِ) حَالَ كَوْنِهِ (عَلَمًا فِي الْمُرَكَّبِ) لِكَوْنِهِ دَالًّا عَلَى مَعْنَاهُ الْعِلْمِيِّ بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَدَلَالَةُ كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْهِ اللَّذَيْنِ هُمَا عَبْدُ وَالِاسْمُ الشَّرِيفُ عَلَى مَعْنًى بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ مُرَادَةً لَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَمَا دَخَلَ فِي الْمُرَكَّبِ الْمُرَكَّبُ الْإِضَافِيُّ عَلَمًا دَخَلَ فِيهِ سَائِرُ الْمُرَكَّبَاتِ مِنْ الْمَزْجِيِّ وَالتَّوْصِيفِيِّ وَالْعَدَدِيِّ وَالْإِسْنَادِيِّ أَعْلَامًا وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَ نَحْوُ عَبْدِ اللَّهِ إشَارَةً إلَى هَذِهِ، وَقَالَ عَلَمًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَمًا كَانَ مُرَكَّبًا اتِّفَاقًا. (وَخَرَجَ) أَيْ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُرَكَّبِ (يَضْرِبُ، وَأَخَوَاتُهُ) بَلْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمُفْرَدِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلُهُ وَأَخَوَاتُهُ يَشْمَلُ الْمَبْدُوءَ بِالْهَمْزَةِ وَالنُّونِ وَالْيَاءِ، وَالْمَذَاهِبُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ الْمَذْكُورُ هُنَا، وَهُوَ الْحَقُّ أَنَّ الْكُلَّ مُفْرَدٌ، وَمُقَابِلُهُ كَوْنُ الْكُلِّ مُرَكَّبًا وَنُسِبَ إلَى الْحُكَمَاءِ. وَالتَّفْصِيلُ قَوْل ابْنِ سِينَا إنَّ الْمَبْدُوءَ بِالْيَاءِ مُفْرَدٌ وَغَيْرُهُ مُرَكَّبٌ وَجْهُ الْحُكَمَاءِ أَنَّهُ يَدُلُّ جُزْؤُهُ، وَهُوَ حَرْفُ الْمُضَارَعَةِ عَلَى مَوْضُوعٍ مُعَيَّنٍ فِي غَيْرِ ذِي الْيَاءِ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ فِي ذِي الْيَاءِ، وَجَوَابُهُ مَا سَنَذْكُرُ مِنْ مَنْعِ دَلَالَةِ الْجُزْءِ أَعْنِي حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ بِانْفِرَادِهِ عَلَى شَيْءٍ بَلْ الْمَجْمُوعُ دَالٌّ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَلَيْسَ لِحَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَضْعٌ عَلَى حِدَتِهِ وَلَا وَجْهَ لِلتَّفْصِيلِ اهـ. يَعْنِي مُوجِبًا لَهُ ثُمَّ إنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ الْمُضَارِعُ مُطْلَقًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُضَارِعُ مَوْضُوعٌ (لِمُجَرَّدِ فِعْلِ الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ) أَوْ لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ فِيهِ (لِمَوْضُوعٍ خَاصٍّ) يَعْنِي لِفِعْلِ الْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ إنْ كَانَ بِالْهَمْزَةِ وَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بِالنُّونِ وَلِفِعْلِ الْمُخَاطَبِ إنْ كَانَ بِالتَّاءِ وَلِفِعْلِ الْغَائِبِ إنْ كَانَ بِالْيَاءِ وَضْعًا تَضَمُّنِيًّا فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا كَلِمَتَيْنِ بِوَضْعَيْنِ فَهِيَ مُفْرَدَاتٌ (بِخِلَافِ ضَرَبْت) بِتَثْلِيثِ التَّاءِ فَإِنَّهُ مُرَكَّبٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ أَوْ الْمُخَاطَبِ أَوْ الْمُخَاطَبَةِ بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَدَلَالَةِ جُزْئِهِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ عَلَى حَدَثٍ مُقْتَرِنٍ بِزَمَانٍ قَبْلَ زَمَانِ الْإِخْبَارِ بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَدَلَالَةِ جُزْئِهِ الَّذِي هُوَ التَّاءُ عَلَى مُتَكَلِّمٍ أَوْ مُخَاطَبٍ أَوْ مُخَاطَبَةٍ مُسْنَدٍ إلَيْهِ بِوَضْعٍ عَلَى حِدَةٍ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِاسْتِقْلَالِ تَائِهِ بِالْإِسْنَادِ) ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِلَّةً فِي اللَّفْظِ (بِخِلَافِ تَاءِ تَضْرِبُ) سَوَاءٌ كَانَتْ لِلْمُخَاطَبَةِ أَوْ لِلْغَائِبَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَالَّةٍ عَلَى مُسْنَدٍ إلَيْهِ بِوَضْعٍ عَلَى حِدَةٍ بَلْ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَانِي عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ فَيَكُونُ مُفْرَدًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِجُزْئِهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَعْنًى بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَسَيَأْتِي الرَّدُّ عَلَى جَعْلِهِ مُرَكَّبًا. (وَقَيَّدَ الْمَنْطِقِيُّونَ) فِي كِلَا تَعْرِيفَيْ الْمُفْرَدِ وَالْمُرَكَّبِ (دَلَالَةَ الْجُزْءِ بِجُزْءِ الْمَعْنَى، وَقَصْدِهَا) فَالْمُفْرَدُ عِنْدَهُمْ مَا لَيْسَ لِلَفْظِهِ جُزْءٌ دَالٌّ عَلَى جُزْءٍ مَعْنَاهُ الْمَقْصُودُ وَالْمَشْهُورُ صِدْقُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مَا لَا جُزْءَ لِلَفْظِهِ كَهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَمَا لِلَفْظِهِ جُزْءٌ لَكِنْ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى مَعْنًى أَصْلًا كَزَيْدٍ، وَمَا لِلَفْظِهِ جُزْءٌ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى لَكِنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ جُزْءًا الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْ اللَّفْظِ حَالَ الْإِطْلَاقِ الْخَاصِّ لَهُ كَعَبْدِ اللَّهِ عَلَمًا فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عَبْدِ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْعُبُودِيَّةِ، وَمِنْ الِاسْمِ الشَّرِيفِ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْأُلُوهِيَّةِ لَيْسَ

جُزْءَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْ جُمْلَةِ اللَّفْظِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ الذَّاتُ الْمُشَخِّصَةُ، وَمَا لِلَفْظِهِ جُزْءٌ دَالٌّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ إلَّا أَنَّ دَلَالَتَهُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ عَلَمًا عَلَى شَخْصٍ إنْسَانِيٍّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ الْمَاهِيَّةُ الْإِنْسَانِيَّةُ مَعَ التَّشَخُّصِ، وَالْمَاهِيَّةُ الْإِنْسَانِيَّةُ مَجْمُوعٌ مَفْهُومَيْ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ فَالْحَيَوَانُ مَثَلًا دَالٌّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى مَفْهُومِهِ، وَمَفْهُومُهُ جُزْءُ الْمَاهِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَهِيَ جُزْءُ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الشَّخْصُ الْإِنْسَانِيُّ فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ أَيْضًا الشَّخْصُ الْإِنْسَانِيُّ؛ لِأَنَّ جُزْءَ الْجُزْءِ جُزْءٌ لَكِنَّ دَلَالَةَ الْحَيَوَانِ عَلَى مَفْهُومِهِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً حَالَ الْعَلَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اللَّفْظِ عَلَمًا الْمَعْنَى الْعِلْمِيُّ، وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ بِالذِّكْرِ حَيْثُ قَالَ (فَعَبْدُ اللَّهِ مُفْرَدٌ، وَالْحَيَوَانُ النَّاطِقُ لِإِنْسَانِ) أَيْ اسْمًا لِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ مُفْرَدٌ أَيْضًا حَالَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَمًا كَمَا ذَكَرْنَا وَصَرَّحَ بِهِ سَالِفًا فِي عَبْدِ اللَّهِ فَيُعْلَمُ بِهِ تَقْيِيدُهُمَا بِهِ أَيْضًا هُنَا، وَإِلَّا كَانَا مُرَكَّبَيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ مِمَّا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ كَوْنُهُمَا مُرَكَّبَيْنِ، وَفِيهِمَا أَيْضًا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ اخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِينَ. وَالْمُرَكَّبُ عِنْدَهُمْ مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ الْمَقْصُودِ وَصِدْقُهُ عَلَى مَا عَدَا مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمُفْرَدُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَإِلْزَامُهُمْ) أَيْ الْمَنْطِقِيِّينَ (بِتَرْكِيبِ نَحْوِ مُخْرِجٍ) وَضَارِبٍ وَسَكْرَانَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبُ (غَيْرُ لَازِمٍ) لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِهَذَا الْإِلْزَامِ إمَّا ظَنُّ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَكُلًّا مِنْ جَوْهَرِهَا، وَمِنْ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِ الْحُرُوفِ عَلَى بَعْضٍ يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ كُلًّا مِنْ الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْهَا، وَمِنْ الْحُرُوفِ الزَّوَائِدِ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ الْمُقْتَضِي لِهَذَا هُوَ الْأَوَّلَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَعَلَى اعْتِبَارِ الْجُزْءِ الْهَيْئَةَ) أَيْ فَأَمَّا عَدَمُ لُزُومِ هَذَا الْإِلْزَامِ لَهُمْ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارَ الْمُلْزِمِ الْجُزْءَ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ الدَّلَالَةُ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى (لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْمَسْمُوعِ بِالِاسْتِقْلَالِ) أَيْ لِذِكْرِهِمْ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْأَجْزَاءِ الْأَلْفَاظُ الْمُرَتَّبَةُ فِي السَّمْعِ الْمُسْتَقِلَّةُ بِذَلِكَ أَيْ الَّتِي بِحَيْثُ يُسْمَعُ بَعْضُهَا قَبْلُ وَبَعْضُهَا بَعْدُ، وَإِنْ نُوقِشُوا فِي هَذِهِ الْإِدَارَةِ مِنْ الْحَدِّ (وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَرْكِيبِ اللَّفْظِ) أَيْ فِي تَرْكِيبِ لَفْظٍ مَعَ لَفْظٍ (ظَاهِرٌ) ؛ لِأَنَّ الْهَيْئَةَ مَعَ الْمَادَّةِ لَيْسَتْ بِأَلْفَاظٍ مُرَتَّبَةٍ فِي السَّمْعِ مُسْتَقِلَّةٍ بِذَلِكَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَادَّةِ بَلْ هُمَا مَسْمُوعَانِ مَعًا، وَهِيَ صِفَةٌ عَارِضَةٌ لِلَّفْظِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَضِي لَهُ الثَّانِيَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَعَلَى اعْتِبَارِهِ) أَيْ، وَأَمَّا عَدَمُ لُزُومِ هَذَا الْإِلْزَامِ لَهُمْ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْمُلْزِمِ الْجُزْءَ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ الدَّلَالَةُ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى (الْمِيمُ) فِي مُخْرِجٍ (وَنَحْوِهِ) أَيْ وَنَحْوِ الْمِيمِ كَالْأَلِفِ فِي ضَارِبٍ (فَلِمَنْعِ دَلَالَتِهِ) أَيْ الْجُزْءِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ (بَلْ) الدَّالُّ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ هُوَ (الْمَجْمُوعُ) مِنْ الْحُرُوفِ الْأُصُولِ وَالزَّوَائِدِ مِنْ غَيْرِ وَضْعِ الْجُزْءِ بِإِزَاءِ الْجُزْءِ إلَّا أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَلْزَمُهُمْ الْقَوْلُ بِتَرْكِيبٍ مُخْرِجٍ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ الْمُوجِبُ لِقَوْلِهِمْ بِتَرْكِيبِ أَضْرِبُ وَنَحْوِهِ مَا فِيهِ مِنْ الزَّوَائِدِ مَعَ بَاقِي الْحُرُوفِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لَهُمْ فِي تَرْكِيبِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ؛ لِأَنَّ الْمِيمَ فِي مُخْرِجٍ وَالْأَلِفَ فِي ضَارِبٍ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَعْنَى الزَّائِدِ عَلَى الْمَصْدَرِ لَيْسَا بِأَقَلَّ مِنْ كُلٍّ مِنْ حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى مَعَانٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَغَيْرِهِ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ قَالُوا بِتَرْكِيبِ أَمْثِلَةِ الْمُضَارِعِ فَكَذَا هَذِهِ إذْ لَا فَارِقَ مُؤَثِّرَ بَيْنَ الْقَبِيلَيْنِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ. كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْلَبُ هَذَا بِأَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُمْ الْقَوْلُ بِإِفْرَادِ أَمْثِلَةِ الْمُضَارِعِ حَيْثُ قَالُوا إنَّ مُخْرِجًا وَضَارِبًا وَنَحْوَهُمَا مُفْرَدَاتٌ؛ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ فِي هَذِهِ مَجْمُوعُهَا وَلَا جُزْءٌ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَكَذَا فِي أَمْثِلَةِ الْمُضَارِعِ الْمَذْكُورَةِ. (وَجَعَلَ تَضْرِبُ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ لِلْمُخَاطَبِ أَوْ الْغَائِبَةِ (مُرَكَّبًا إنْ كَانَ لِلْإِسْنَادِ) أَيْ إنْ كَانَ هَذَا الْجَعْلُ لِعِلَّةِ إسْنَادِ مَعْنَاهُ (إلَى تَائِهِ فَخِلَافُ أَهْلِ اللُّغَةِ) لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنْ لَا إسْنَادَ إلَى حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ، وَكَيْفَ لَا وَكَوْنُ الشَّيْءِ مُسْنَدًا إلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأَسْمَاءِ، وَحُرُوفُ الْمُضَارَعَةِ حُرُوفِ مَبَانٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ حُرُوفَ مَعَانٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ

أقسام المفرد والمركب

أَسْمَاءً (أَوْ لِلْمُسْتَكِنِ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ الْجَعْلُ الْمَذْكُورُ لِعِلَّةِ تَرَكُّبِهِ مَعَ الْمُسْتَتِرِ فِيهِ مِنْ أَنْتَ لِلْمُخَاطَبِ، وَهِيَ لِلْغَائِبَةِ (فَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ فَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ الْمُضَارَعَ إنَّمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِفِعْلِ الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ لِمَوْضُوعٍ خَاصٍّ مِنْ مُتَكَلِّمٍ أَوْ مُخَاطَبٍ أَوْ غَائِبٍ لَا لَهُ مَعَ إسْنَادِهِ إلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِيهِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِيهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إسْنَادِهِ إلَى شَيْءٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَلِذَا لَمْ يُرَكَّبْ أَضْرِبُ وَيَضْرِبُ فِي زَيْدٍ يَضْرِبُ) وَنَضْرِبُ، وَإِنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهَا ضَمِيرٌ مُسْتَكِنٌ هُوَ أَنَا، وَهُوَ وَنَحْنُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ يَضْرِبُ بِكَوْنِهِ فِي زَيْدٍ يَضْرِبُ لِانْتِفَاءِ كَوْنِ يَضْرِبُ فِي يَضْرِبُ زَيْدٌ مُرَكَّبًا بِطَرِيقِ أَوْلَى لِخُلُوِّهِ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِ لِإِسْنَادِهِ إلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ (وَجَوَابُ مُرَكَّبِهِ) أَيْ الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ لِلْغَائِبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (مِنْهُمْ) أَيْ الْمَنْطِقِيِّينَ (مَا ذَكَرْنَا) فَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إلَى زِيَادَتِهِ. ثُمَّ إنَّمَا قَالَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ ابْنَ سِينَا مِنْهُمْ لَمْ يَقُلْ بِتَرْكِيبِهِ بَلْ نَصَّ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْ الْمَنْطِقِيِّينَ إلَى أَنْ يَضْرِبَ لِلْغَائِبِ مُرَكَّبٌ، وَإِنْ اعْتَرَضَ بِهِ بَعْضُهُمْ إلْزَامًا لَكِنْ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ الْمُضَارَعِ لِلْغَائِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ سِينَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَجَزَمَ بِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ لَا بِالْعَكْسِ لَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ كَوْنِ يَضْرِبُ، وَأَخَوَاتُهُ مُرَكَّبَةً عِنْدَهُمْ لِانْتِفَاءِ التَّعْلِيلَيْنِ الْمَذْكُورِينَ أَنْ لَوْ كَانَا أَوْ أَحَدُهُمَا مُسَاوِيًا لِلْمُدَّعِي وَلَا عِلَّةَ لَهُ غَيْرُهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُضَارِعُ عِنْدَهُمْ مُرَكَّبًا لِكَوْنِ حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ فِيهِ أَجْزَاءً مَسْمُوعَةً مُرَتَّبَةً دَالَّةً عَلَى الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَكَوْنُهَا عِنْدَكُمْ مَعْشَرَ أَهْلِ اللُّغَةِ لَيْسَتْ أَجْزَاءً؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ وَضْعًا مُسْتَقِلًّا لِهَذِهِ الْمَعَانِي بَلْ الصِّيَغُ الَّتِي هِيَ فِي أَوَائِلِهَا كُلٌّ مِنْهَا بِمَجْمُوعِهَا وُضِعَ بِإِزَاءِ مَجْمُوعِ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ لِلْجُزْءِ بِإِزَاءِ الْجُزْءِ عِنْدَكُمْ. وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ عِبَارَاتِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْيَاءَ لِلْغَائِبِ، وَالتَّاءَ لِلْمُخَاطَبِ، وَالْهَمْزَةَ لِلْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ وَالنُّونَ لَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّسَامُحِ وَالتَّسَاهُلِ عِنْدَكُمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ لَا يَضُرُّنَا فِي إثْبَاتِ أَنَّهَا أَجْزَاءٌ لَهَا دَالَّةٌ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا عَلَى اصْطِلَاحِنَا فَإِنَّا لَا نَشْتَرِطُ فِي تَحَقُّقِ الْجُزْءِ سِوَى كَوْنِهِ مَسْمُوعًا مُرَتَّبًا دَالًّا عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ لِلْوَضْعِ فِيهِ مَدْخَلٌ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا فِي هَذِهِ الْأَحْرُفِ، وَدَارَ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا عَلَى أَنَّ الإستراباذي الشَّهِيرَ بِالرَّضِيِّ ذَهَبَ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ إلَى أَنَّ الْمُضَارَعَ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ حُرُوفُ الْمُضَارَعَةِ، وَمَا بَعْدَهَا صَارَتَا فِي شِدَّةِ الِامْتِزَاجِ كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِنْ ثَمَّةَ سَكَنَ أَوَّلُ أَجْزَائِهِ فَأُعْرِبَ إعْرَابَهَا قُلْت وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا دَفْعُ مَا قِيلَ الزَّوَائِدُ فِي الْمُضَارِعِ، وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى مَعْنًى لَكِنْ هَذَا الْقَدْرُ لَا يَقْتَضِي التَّرْكِيبَ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِيهِ أَنْ لَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى الْبَاقِي مِنْ الْمَعْنَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِابْتِدَاءُ بِهِ فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَفْظًا دَالًّا عَلَى أَنَّهُ قَدْ أُجِيبَ بِمَنْعِهِ فَإِنَّ الْمُرَكَّبَ يَكْفِي فِيهِ دَلَالَةُ جُزْءٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا دَلَالَةُ الْبَاقِي مِنْ اللَّفْظِ عَلَى الْبَاقِي مِنْ الْمَعْنَى فَمِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ حَدُّ الْمُرَكَّبِ. قُلْت: وَبِهَذَا أَيْضًا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ تَعْرِيفُ الْمُفْرَدِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ إنْ قَامَ زَيْدٌ مُفْرَدًا؛ لِأَنَّ جُزْأَهُ، وَهُوَ الْقَافُ مِنْ قَامَ وَكَذَا الزَّايُ مِنْ زَيْدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْجُزْءِ الْقَرِيبِ فَتَنَبَّهْ لَهُ، ثُمَّ هَذَا اصْطِلَاحٌ وَلَا مُشَاحَّةَ فِيهِ بِاصْطِلَاحِ غَيْرِ أَهْلِهِ نَعَمْ يَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلُ بِتَرْكِيبِ مُخْرِجٍ وَضَارِبٍ وَنَحْوِهِمَا مَا لَمْ يَبْدُوَا مَانِعٌ مِنْهُ وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [أَقْسَام الْمُفْرَدِ وَالْمُرَكَّبِ] (وَيَنْقَسِمُ كُلٌّ مِنْ الْمُفْرَدِ وَالْمُرَكَّبِ) إلَى مَا تَقِفُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَ بِبَيَانِ أَقْسَامِ الْمُرَكَّبِ لِقِلَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَقْسَامِ الْمُفْرَدِ (فَالْمُرَكَّبُ إنْ أَفَادَ نِسْبَةً تَامَّةً) ، وَهِيَ تَعَلُّقٌ لِأَحَدِ جُزْأَيْهِ بِالْآخَرِ يُفِيدُ الْمُخَاطَبُ مَعْنًى يَصِحُّ السُّكُوتُ عَلَيْهِ (بِمُجَرَّدِ ذَاتِهِ) أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ لَاحِقٍ بِهِ مُحَصِّلٍ لِهَذِهِ الْإِفَادَةِ أَوْ مَانِعٍ مِنْهَا (فَجُمْلَةُ) أَيْ فَهُوَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ إنْ بُدِئَ بِاسْمٍ كَزَيْدٍ قَائِمٌ، وَإِنَّ زَيْدًا عَالِمٌ، وَفِعْلِيَّةُ إنْ بُدِئَ بِفِعْلٍ نَحْوَ قَامَ مُحَمَّدٌ

وَيَا عَبْدَ اللَّهِ، وَإِنْ أَكْرَمَتْنِي أَكْرَمْتُك وَيُقَالُ لِهَذِهِ شَرْطِيَّةٌ، وَأَمَامُك أَوْ فِي الدَّارِ مِنْ زَيْدٍ أَمَامُك أَوْ فِي الدَّارِ وِفَاقًا لِلْبَصْرِيِّينَ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي تَقْدِيرِهِمْ مِثْلُهُ بِنَحْوِ حَصَلَ أَوْ اسْتَقَرَّ وَيُقَالُ لِهَذِهِ ظَرِيفَةٌ وَخِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ فِي تَقْدِيرِهِمْ إيَّاهُ بِنَحْوِ حَاصِلٌ أَوْ مُسْتَقِرٌّ فَجَعَلُوهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُفْرَدِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ السَّرَّاجِ بِجَعْلِهِ قِسْمًا بِرَأْسِهِ لَا مِنْ الْمُفْرَدِ وَلَا مِنْ الْجُمْلَةِ (أَوْ نَاقِصَةً) أَيْ، وَإِنْ أَفَادَ نِسْبَةً نَاقِصَةً، وَهِيَ تَعَلُّقٌ لِأَحَدِ جُزْأَيْهِ بِالْآخَرِ غَيْرُ مُفِيدٍ مَا يَصِحُّ السُّكُوتُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ ذَاتِهِ. (فَالتَّقْيِيدِيُّ) أَيْ فَهُوَ الْمُرَكَّبُ التَّقْيِيدِيُّ لِتَقْيِيدِ كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْهِ بِالْآخَرِ، وَالنَّاقِصُ لِنُقْصَانِ نِسْبَتِهِ عَنْ نِسْبَةِ الْأَوَّلِ فَيَشْمَلُ سَائِرَ الْمُرَكَّبَاتِ حَاشَا الْإِسْنَادِيِّ (وَمُفْرَدٌ أَيْضًا) أَيْ، وَهُوَ مُفْرَدٌ أَيْضًا فِي اصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّينَ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ عِنْدَهُمْ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ عَلَى هَذَا كَمَا هُوَ مُرَادُهُمْ بِهِ فِي تَقْسِيمِ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ إلَى مُفْرَدٍ وَجُمْلَةٍ، وَعَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ اسْتِطْرَادًا بِقَوْلِهِ (وَكَذَا فِي مُقَابَلَةِ الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَقْسِيمِ الِاسْمِ إلَيْهِ وَإِلَيْهِمَا، وَفِي مُقَابَلَةِ الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ جَمْعُ سَلَامَةَ لِغَيْرِ الْمُؤَنَّثِ كَمَا هُوَ مُرَادُهُمْ بِهِ فِي بَابِ الْإِعْرَابِ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ (وَالْمُضَافِ) أَيْ، وَعَلَى مَا هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُضَافِ إلَى غَيْرِهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ كَمَا هُوَ مُرَادُهُمْ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ الْمُنَادِي الْمُفْرَدُ الْمَعْرِفَةُ يُبْنَى عَلَى مَا يُرْفَعُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا بِاسْمِ الْفَاعِلِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ كَقَائِمٍ فَإِنَّهُ يُفِيدُ نِسْبَةً نَاقِصَةً مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ تَقْيِيدِيٍّ فَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَنَحْوَ قَائِمٍ) مِنْ الصِّفَاتِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ (لَا يَرِدُ) عَلَى الْمُرَكَّبِ (؛ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ) لِصِدْقِ تَعْرِيفِ الْمُفْرَدِ عَلَيْهِ (وَأَيْضًا) لَيْسَ بِمُفِيدٍ نِسْبَةً نَاقِصَةً وَضْعًا بَلْ هُوَ وَضْعًا (إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ) بِالْمَعْنَى الَّذِي اُشْتُقَّ هُوَ مِنْهُ (فَتَلْزَمُ النِّسْبَةُ) أَيْ نِسْبَتُهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ (عَقْلًا) ضَرُورَةَ أَنَّ الْوَصْفَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِمَوْصُوفٍ (لَا مَدْلُولِ اللَّفْظِ) أَيْ لَا أَنَّ النِّسْبَةُ الْمُشَارِ إلَيْهَا مَقْصُودَةُ الْإِفَادَةِ مِنْ لَفْظِهِ مَدْلُولًا لَهُ فَلَا نِسْبَةَ وَضْعِيَّةً فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا تَامَّةً وَلَا نَاقِصَةً ثُمَّ لَوْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْفَاعِلِ الْمَخْبَرُ بِهِ عَنْ الْمُبْتَدَأِ الْمُسْنَدِ إلَى ضَمِيرٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ مَعَ الضَّمِيرِ جُمْلَةً كَالْفِعْلِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ فِي جَوَابِهِ (وَحَالَ وُقُوعِهِ) أَيْ اسْمُ الْفَاعِلِ (خَبَرًا فِي نَحْوِ زَيْدٌ قَائِمٌ نِسْبَتُهُ إلَى الضَّمِيرِ) الْمُسْتَتِرِ فِيهِ، وَهُوَ هُوَ الرَّاجِعُ إلَى زَيْدٍ (لَيْسَتْ تَامَّةً بِمُجَرَّدِ ذَاتِهِ) أَيْ قَائِمٌ (بَلْ التَّامَّةُ) نِسْبَتُهُ (إلَى زَيْدٍ) فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ ضَمِيرِهِ جُمْلَةٌ (وَلِذَا) أَيْ وَلَكَوْن نِسْبَةِ قَائِمٍ إلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِيهِ لَيْسَتْ بِتَامَّةٍ (عُدَّ) قَائِمٌ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ ضَمِيرِهِ (مُفْرَدًا) لَا جُمْلَةً كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَا فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ لِمُصَنِّفِهِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَمَالِي الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَةِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْجُمْلَةَ هِيَ الَّتِي تَسْتَقِلُّ بِالْإِفَادَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَنْسُوبِ وَالْمَنْسُوبِ إلَيْهِ، وَاسْمُ الْفَاعِلِ مَعَ ضَمِيرِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ لَفْظُهُ بِاخْتِلَافِ الْعَوَامِلِ، وَهُوَ حُكْمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَبَّرَ ابْنُ مَالِكٍ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ لِتَسَلُّطِ الْعَوَامِلِ عَلَى أَوَّلِ جُزْأَيْهِ الثَّانِي أَنَّ وَضْعَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُعْتَمِدًا عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ عَلَى أَنْ يُفِيدَ فِي ذَاتِ تَقَدُّمَ ذِكْرِهَا فَيَسْتَقِلُّ مَعَ الْمُعْتَمِدِ عَلَيْهِ بِالْإِفَادَةِ فَاسْتِعْمَالُهُ مُبْتَدَأً مُسْتَقِلًّا بِفَاعِلِهِ خُرُوجٌ عَنْ وَضْعِهِ اهـ. عَلَى أَنَّ مِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْفِعْلَ مَعَ مَرْفُوعِهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَيْسَ بِجُمْلَةٍ حَالَ كَوْنِهِ خَبَرًا أَيْضًا قَالَ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي نَحْوِ زَيْدٌ قَامَ أَبُوهُ خَبَرَانِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْفِعْلُ مَعَ مَرْفُوعِهِ حَالَ كَوْنِهِ مُنْفَرِدًا جُمْلَةً تَامَّةً اسْتَصْحَبُوا إطْلَاقَ الْجُمْلَةِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَالْمُشْتَقُّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعَ مَرْفُوعِهِ جُمْلَةً تَامَّةً ضَرُورَةَ احْتِيَاجِهِ إلَى ضَمِيمَةٍ أُخْرَى لَمْ يَجْعَلُوهُ جُمْلَةً، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الْفِعْلِ مَعَ مَرْفُوعِهِ جُمْلَةً دُونَ اسْمِ الْفَاعِلِ مَعَ مَرْفُوعِهِ. هَذَا كُلُّهُ عَلَى اصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّينَ (وَعَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ) أَيْ وَأَمَّا عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ (فِي اعْتِبَارِهِ) أَيْ اعْتِبَارِهِمْ الضَّمِيرَ (الرَّابِطَةَ) الْغَيْرَ الزَّمَانِيَّةِ فِي الْقَضَايَا الْحَمْلِيَّةِ لِيَرْتَبِطَ بِهَا الْمَحْمُولُ بِالْمَوْضُوعِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ وُقُوعِ النِّسْبَةِ أَوْ لَا، وُقُوعُهَا سُمِّيَ بِهَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى النِّسْبَةِ الرَّابِطَةِ بَيْنَهَا تَسْمِيَةً لِلدَّالِّ بِاسْمِ الْمَدْلُولِ فَيَكُونُ اسْمُ الْفَاعِلِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ قَائِمٌ لَيْسَ بِجُمْلَةٍ (أَظْهَرُ)

لِانْتِفَاءِ الْإِسْنَادِ إلَيْهِ أَصْلًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَإِسْنَادُهُ) أَيْ اسْمُ الْفَاعِلِ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ (لَيْسَ إلَّا إلَى زَيْدٍ) لَا إلَى هُوَ الرَّابِطَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَبِهِ؛ لِأَنَّهَا نِسْبَةٌ يَرْتَبِطَانِ بِهَا مَعْقُولَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا حَاصِلَةٌ بَيْنَهُمَا آلَةٌ لِتَعْرِفَ حَالَهُمَا فَلَا يَكُونُ مَعْنًى مُسْتَقِلًّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ أَوْ بِهِ فَفَائِدَتُهَا كَمَا قَالَ (وَهُوَ) أَيْ الضَّمِيرُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ هُوَ الَّذِي (يُفِيدُ أَنَّ مَعْنَاهُ) أَيْ اسْمِ الْفَاعِلِ مَحْمُولٌ (لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (وَإِلَّا اسْتَقَلَّ كُلٌّ بِمَفْهُومِهِ) أَيْ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ غَيْرَ مُفِيدٍ هَذَا اسْتَبَدَّ كُلٌّ مِنْ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ بِمَفْهُومِهِ عَنْ الْآخَرِ (فَلَمْ يَرْتَبِطْ) كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ فَيَنْبَغِي كَوْنُهُمَا قَضِيَّةً بَلْ يَكُونَانِ مِنْ قَبِيلِ تَعْدَادِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي حَقُّهَا أَنْ يَنْعَقَ بِهَا وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ (وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ) مِنْ هَذَا (طَرْدُهُ) أَيْ اعْتِبَارُ الضَّمِيرِ (فِي الْجَامِدِ) مِنْ الْأَخْبَارِ كَمَا فِي الْمُشْتَقِّ مِنْهَا لِعَيْنِ هَذَا الْمَعْنَى (وَقَدْ يَلْتَزِمُ) طَرْدُ اعْتِبَارِ الضَّمِيرِ فِي الْجَامِدِ أَيْضًا (كَالْكُوفِيِّينَ) فَإِنَّهُمْ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ مُشْتَقًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُشْتَقٍّ فِيهِ ضَمِيرٌ، وَيَتَأَوَّلُونَ غَيْرَ الْمُشْتَقِّ بِالْمُشْتَقِّ؛ لِيَحْتَمِلَ الضَّمِيرَ فَيَتَأَوَّلُونَ زَيْدٌ أَسَدٌ بِشُجَاعٍ، وَأَخُوك بِمُوَاخِيك وَغَيْرَهُمَا بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ بَلْ عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّ الْجَامِدَ يَتَحَمَّلُ الضَّمِيرَ، وَإِنْ لَمْ يُؤَوَّلْ بِمُشْتَقٍّ، وَقَدْ يُعْزَى إلَى الْكُوفِيِّينَ وَالرُّمَّانِيِّ أَيْضًا، وَهُوَ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ. ثُمَّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ لِمُصَنِّفِهِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا انْتِسَابُهُ إلَى الْكِسَائِيّ دُونَ تَقْيِيدٍ فَعِنْدِي اسْتِبْعَادُ إطْلَاقِهِ إذْ هُوَ مُجَرَّدٌ عَنْ الدَّلِيلِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ حَكَمَ بِذَلِكَ فِي جَامِدٍ عُرِفَ لِمُسَمَّاهُ مَعْنًى مُلَازِمٌ لَا انْفِكَاكَ عَنْهُ كَالْإِقْدَامِ وَالْقُوَّةِ لِلْأَسَدِ وَالْحَرَارَةِ وَالْحُمْرَةِ لِلنَّارِ اهـ. فَيَتَحَصَّلُ أَنَّ لِتَحَمُّلِ الْجَامِدِ الضَّمِيرِ نَظَرَيْنِ التَّأْوِيلُ بِالْمُشْتَقِّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَقَاءُ عَلَى مَدْلُولِهِ وَلَمْحُ الْمَعْنَى الْمُلَازِمِ لِلْمُسَمَّى، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ الْكِسَائِيّ،. وَقَالَ الإستراباذي: وَأَمَّا الْجَامِدُ فَإِنْ كَانَ مُؤَوَّلًا بِالْمُشْتَقِّ نَحْوَ: هَذَا الْقَاعُ عَرْفَجٌ كُلُّهُ أَيْ غَلِيظٌ تَحَمَّلَ الضَّمِيرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَوَّلًا بِهِ لَمْ يَتَحَمَّلْهُ خِلَافًا لِلْكِسَائِيِّ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ مَعْنَى زَيْدٌ أَخُوكَ مُتَّصِفٌ بِالْأُخُوَّةِ، وَهَذَا زَيْدٌ مُتَّصِفٌ بِالزَّيْدِيَّةِ أَوْ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِكَذَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ عَرَضَ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْنَادِ بَعْدَ إنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا بُدَّ مِنْ رَابِطٍ، وَهُوَ الَّذِي يُقَدِّرُهُ أَهْلُ الْمَنْطِقِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ فَالْجَامِدُ كُلُّهُ عَلَى هَذَا مُتَحَمِّلٌ لِلضَّمِيرِ عِنْدَ الْكِسَائِيّ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُشَابِهْ الْفِعْلَ لَمْ يَرْفَعْ الظَّاهِرَ كَالْمُشْتَقِّ وَلِذَا لَمْ يَجْرِ عَلَى ذَلِكَ الضَّمِيرُ تَابِعٌ لِخَفَائِهِ فَإِذًا لَا ضَيْرَ فِي الْتِزَامِ مُلْتَزِمٍ لِهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ بَلْ لِمَا عَلَيْهِ الْكِسَائِيُّ (وَإِنْ كَانَ) الْتِزَامُ طَرْدِهِ عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ (عَلَى غَيْرِ مَهِيعِهِمْ) أَيْ عَلَى خِلَافِ طَرِيقِ الْكُوفِيِّينَ فَإِنَّ الْمَنْطِقِيِّينَ لَا يَلْتَزِمُونَ تَحَمُّلَ الْمُشْتَقِّ لَهُ فَضْلًا عَنْ الْجَامِدِ بَلْ إنْ كَانَ مَلْفُوظًا فِيهَا وَيُسَمُّونَ الْقَضِيَّةَ حِينَئِذٍ ثُلَاثِيَّةً، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَلْفُوظٍ لِشُعُورِ الذِّهْنِ بِهِ قَالُوا هُوَ مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ وَسَمَّوْا الْقَضِيَّةَ حِينَئِذٍ ثُنَائِيَّةً نَعَمْ الشَّأْنُ فِي صَلَاحِيَّةِ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِ دَلِيلًا عَلَى الرَّبْطِ إذْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ الرَّبْطُ أَمْرٌ خَفِيٌّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ دَلِيلُهُ ظَاهِرًا وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا مَعَ أَفَادَّةِ مَا عَدَلَ إلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلِخَفَائِهِ وَالدَّالُّ ظَاهِرٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الدَّالَّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لِدَلَالَةٍ عَلَى الْمَدْلُولِ (قِيلَ الرَّابِطُ) لِلْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ (حَرَكَةُ الْإِعْرَابِ) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ فَإِنَّهَا ضَمَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي آخِرِ الِاسْمِ الْمُفْرَدِ الْمُعْرَبِ، وَيُلْحَقُ بِهَا فِي هَذَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ وَاوٍ وَأَلِفٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَاضِعَ كَمَا وَضَعَ الْأَلْفَاظَ لِإِفَادَةِ الْمَقَاصِدِ الْبَاطِنَةِ وَغَيْرِهَا وَضَعَ الْإِعْرَابَ لِإِفَادَةِ الْمَعَانِي الطَّارِئَةِ عَلَى بَعْضِهَا بِالتَّرْكِيبِ تَوْفِيَةً لِكَمَالِ الْمَقْصُودِ مَعَ الِاخْتِصَارِ لَكِنْ كَمَا قَالَ (وَلَا يُفِيدُ) كَوْنُ الدَّلِيلِ عَلَى الرَّبْطِ حَرَكَةَ الْإِعْرَابِ فِي سَائِرِ الْقَضَايَا (إذْ تَخْفَى) هَذِهِ الْحَرَكَةُ (فِي الْمَبْنِيِّ وَالْمُعْتَلِّ) مَقْصُورًا كَانَ أَوْ مَنْقُوصًا بَلْ وَفِي الْمُعْرَبِ بِهَا إذَا وُقِفَ عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ. (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ) أَيْ الرَّابِطَ بَيْنَهُمَا (فِعْلُ النَّفْسِ) ، وَهُوَ الْحُكْمُ النَّفْسِيُّ بِالْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ ثُبُوتًا أَوْ نَفْيًا (وَدَلِيلُهُ) أَيْ فِعْلُ النَّفْسِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُبَطَّنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِتَوْقِيفٍ مِنْ الرَّابِطِ (الضَّمُّ الْخَاصُّ) أَيْ التَّرْكِيبُ الْخَاصُّ

الْمَوْضُوعُ نَوْعُهُ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الرَّبْطِ لِعُمُومِهِ، وَأَمَّا الْحَرَكَةُ (فَعِنْدَ ظُهُورِهَا) لِفَقْدِ مَانِعٍ مِنْهُ (يَتَأَكَّدُ الدَّالُّ) لِتَعَدُّدِهِ حِينَئِذٍ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِمَانِعٍ (انْفَرَدَ) الضَّمُّ الْخَاصُّ بِالدَّلَالَةِ عَلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الرَّبْطِ، وَبِهِ كِفَايَةٌ. (وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ وَضْعِ الْمُفْرَدَاتِ لَيْسَ إلَّا إفَادَةُ الْمَعَانِي التَّرْكِيبِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا الْكَافِلَةُ بِبَيَانِ الْمُرَادَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالذَّاتِ مِنْ وَضْعِ الْأَلْفَاظِ لَا الْمُعَانِي الْإِفْرَادِيَّةِ لَهَا لِلُزُومِ الدَّوْرِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِتَوَقُّفِ فَهْمِهَا حِينَئِذٍ عَلَى إفَادَةِ الْأَلْفَاظِ لَهَا، وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِوَضْعِ الْأَلْفَاظِ لَهَا، وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى فَهْمِ الْمَعَانِي الْمُفْرَدَةِ فَإِنْ قِيلَ فَمِثْلُ هَذَا يَجِيءُ فِي إفَادَتِهَا النَّسَبَ وَالْمَعَانِيَ التَّرْكِيبِيَّةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فَهْمَهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِوَضْعِ الْأَلْفَاظِ لَهَا، وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِهَا أُجِيبَ بِمَنْعِ تَوَقُّفِ إفَادَتِهَا الْمَعَانِيَ التَّرْكِيبِيَّةَ عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْأَلْفَاظِ مَوْضُوعَةً لِتِلْكَ الْمَعَانِي الْمُرَكَّبَةِ بَلْ الْعِلْمُ بِالنِّسَبِ وَالتَّرْكِيبَاتِ الْجُزْئِيَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ، وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ وَالتَّرْكِيبَاتِ الْكُلِّيَّةِ فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ. هَذَا وَذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْأَصْفَهَانِيُّ إلَى أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ وَضْعَ الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ لِمَعَانِيهَا الْمُفْرَدَةِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَهَا مِنْهَا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا وَوَضَعَ الْأَلْفَاظَ الْمُفْرَدَةَ لِمَعَانِيهَا الْمُفْرَدَةِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَهَا مِنْهَا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا، وَوَضَعَ الْأَلْفَاظَ الْمُرَكَّبَةَ لِمَعَانِيهَا الْمُرَكَّبَةِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَهَا مِنْهَا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا إلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُتَكَلِّمِ الْأَلْفَاظَ الْمُفْرَدَةَ لِمَعَانِيهَا الْمُفْرَدَةِ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى إفَادَةِ النَّسَبِ وَالتَّرْكِيبَاتِ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَكَفِّلَةُ بِجَدْوَى الْمُخَاطَبَاتِ، وَهُوَ حَسَنٌ لَا مَحْذُورَ فِيهِ (وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ إنْ دَلَّ عَلَى مُطَابَقَةِ خَارِجٍ) أَيْ وَالْمُرَكَّبُ الَّذِي هُوَ جُمْلَةٌ خَبَرٌ إنْ فُهِمَ مِنْهُ نِسْبَةٌ بَيْنَ طَرَفَيْهِ مُطَابِقَةٌ لِلنِّسْبَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِأَنْ تَكُونَا ثُبُوتِيَّتَيْنِ أَوْ سَلْبِيَّتَيْنِ (وَأَمَّا عَدَمُهَا) أَيْ مُطَابَقَةِ النَّفْسِيَّةِ لِلْخَارِجِيَّةِ بِأَنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ثُبُوتِيَّةً وَالْأُخْرَى سَلْبِيَّةً (فَلَيْسَ مَدْلُولًا وَلَا مُحْتَمَلَ اللَّفْظِ إنَّمَا يَجُوزُ الْعَقْلُ أَنَّ مَدْلُولَهُ) أَيْ اللَّفْظُ (غَيْرُ وَاقِعٍ) بِأَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ كَاذِبًا، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ الْخَبَرَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى الصِّدْقِ، وَأَمَّا الْكَذِبُ فَلَيْسَ بِمَدْلُولِهِ بَلْ هُوَ نَقِيضُهُ، وَقَوْلُهُمْ يَحْتَمِلُهُ لَا يُرِيدُونَ أَنَّ الْكَذِبَ مَدْلُولُ لَفْظِ الْخَبَرِ كَالصِّدْقِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا أَنْ لَا يَكُونَ مَدْلُولُهُ ثَابِتًا فِي الْخَارِجِ لَا أَنَّ احْتِمَالَ عَدَمِ الثُّبُوتِ مَدْلُولٌ لَهُ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَعَانِيهَا وَضْعِيَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ تَقْتَضِي اسْتِلْزَامَ الدَّلِيلِ لِلْمَدْلُولِ اسْتِلْزَامًا عَقْلِيًّا لِيَسْتَحِيلَ التَّخَلُّفُ كَمَا فِي دَلَالَة الْأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ. (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ الْمُرَكَّبُ الَّذِي هُوَ الْجُمْلَةُ عَلَى مُطَابَقَةِ خَارِجٍ بِأَنْ كَانَ لَا خَارِجَ لِنِسْبَتِهِ (فَإِنْشَاءٌ وَلَا حُكْمَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرِ، وَفَسَّرَ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ (أَيْ إدْرَاكُ أَنَّهَا) أَيْ نِسْبَتُهُ (وَاقِعَةٌ أَوَّلًا) دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ بِهِ هُنَا النِّسْبَةُ فَإِنَّهُ مِمَّا يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ عَلَيْهِمَا، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّعُ أَنْ يُقَالَ (فَلَيْسَ كُلُّ جُمْلَةٍ قَضِيَّةٌ) لِصِدْقِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ لِإِفَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِسْبَةً تَامَّةً بِمُجَرَّدِ ذَاتِهِ، وَعَدَمُ صِدْقِ الْقَضِيَّةِ عَلَى الْإِنْشَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ لِعَدَمِ الْخَارِجِ لِنِسْبَتِهِ، وَكُلُّ قَضِيَّةٍ جُمْلَةٌ (وَالْكَلَامُ يُرَادِفُهَا) أَيْ الْجُمْلَةَ (عِنْدَ قَوْمٍ) مِنْ النَّحْوِيِّينَ مِنْهُمْ الزَّمَخْشَرِيُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُفَصَّلِ (وَأَعَمُّ) مِنْهَا مُطْلَقًا (عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ كَاللُّغَوِيِّينَ) أَيْ كَمَا عِنْدَهُمْ لِنَقْلِ الْآمِدِيِّ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ أَكْثَرَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ جَمِيعِهِمْ أَنَّ الْكَلِمَةَ الْمُرَكَّبَةَ مِنْ حَرْفَيْنِ فَصَاعِدًا كَلَامٌ قَالَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ فَهُوَ إذَنْ مَا انْتَظَمَ مِنْ الْحُرُوفِ الْمَسْمُوعَةِ الْمُتَوَاضِعِ عَلَيْهَا الصَّادِرَةِ عَنْ مُخْتَارٍ وَاحِدٍ فَمَا انْتَظَمَ أَيْ تَأَلَّفَ وَالتَّأْلِيفُ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْأَجْسَامِ لَكِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمُتَأَلِّفِ مِنْ الْحُرُوفِ تَشْبِيهًا بِهَا كَالْجِنْسِ وَالْبَاقِي كَالْفَصْلِ فَخَرَجَ بِمِنْ الْحُرُوفُ، وَالْمُرَادُ حَرْفَانِ فَصَاعِدًا الْمُتَأَلِّفُ مِنْ حَرْفٍ وَاحِدٍ وَحَرَكَتِهِ وَبِالْمَسْمُوعَةِ الْمَكْتُوبَةُ وَالْمَعْقُولَةُ، وَبِالْمُتَوَاضَعِ عَلَيْهَا الْمُهْمَلُ وَبِالصَّادِرَةِ عَنْ مُخْتَارٍ الْمَسْمُوعَةُ مِنْ الْجَمَادَاتِ وَبِوَاحِدٍ الصَّادِرَةُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ مُخْتَارٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ صَدَرَتْ بَعْضُ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي

أقسام اللفظ المفرد

إطْلَاقِ لَفْظِ الْكَلَامِ عَلَى كَلِمَاتٍ مُجْتَمَعَةٍ غَيْرِ مُنْتَظِمَةِ الْمَعَانِي كَزَيْدٍ بَلْ فِي فَقِيلَ يُسَمَّى كَلَامًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ كَلِمَاتِهِ وُضِعَ لِمَعْنًى وَيُسَمَّى كَلَامًا عِنْدَهُمْ فَالْمَجْمُوعُ أَوْلَى، وَقِيلَ لَا يُسَمَّى كَلَامًا ذَكَرَهُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ قُلْت وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَّجَهُ. وَفِي الصِّحَاحِ الْكَلَامُ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَهَذِهِ النُّقُولُ تُفِيدُ إطْلَاقَ الْكَلَامِ عَلَى الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمْلَةَ لَا يُقَالُ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ عَلَى الْكَلِمَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَإِذَنْ الْكَلَامُ أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا، وَهِيَ أَخَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ أَنْ لَا يُطْلَقُ الْكَلَامُ عِنْدَهُمْ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ الَّذِي عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِثْلَ ق وع إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَمًا، وَفِيهِ بُعْدٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ لَكِنْ لَا مَعَ قَصْرِ النَّظَرِ عَلَيْهِ بَلْ مَعَ مُلَاحَظَةِ كَلِمَةٍ أُخْرَى مُقَدَّرَةٍ فِيهِ، وَهُوَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَكَثِيرًا مَا يُعْطَى لِلْمُقَدَّرِ حُكْمُ الْمَلْفُوظِ ثُمَّ لَا يَضُرُّ فِي أَعَمِّيَّتِهِ إطْلَاقُ الْجُمْلَةِ عَلَى مِثْلِ هَذَا أَيْضًا ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّ الْكَلَامَ بِاصْطِلَاحِ اللُّغَوِيِّينَ أَعَمُّ مِنْهُ بِاصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُ الْبَدِيعِ، وَأَهْلِ اللُّغَةِ الْمُرَكَّبُ مِنْ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ مُرَادُهُ بِهِمْ النَّحْوِيُّونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُوهُ نَعَمْ إنْ سَلِمَ قَوْلُ ابْنِ عُصْفُورٍ الْكَلَامُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ الْجَمَلِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُفِيدَةً أَوْ غَيْرَ مُفِيدَةٍ عَكَّرَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْكَلَامَ وَالْجُمْلَةَ مُتَسَاوِيَانِ لَكِنْ لَعَلَّ مَا تَقَدَّمَ أَثْبَتُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَأَخَصُّ) مِنْهَا مُطْلَقًا، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْهُ مُطْلَقًا (عِنْدَ آخَرِينَ) مِنْهُمْ ابْنُ مَالِكٍ، وَمَشَى عَلَيْهِ الإستراباذي وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّهُ الِاصْطِلَاحُ الْمَشْهُورُ فَقَالُوا الْكَلَامُ مَا تَضَمَّنَ الْإِسْنَادَ الْأَصْلِيَّ وَكَانَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، وَالْجُمْلَةُ مَا تَضَمَّنَ الْإِسْنَادُ الْأَصْلِيُّ سَوَاءٌ كَانَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ أَوْ لَا فَالْمَصْدَرُ وَالصِّفَاتُ الْمُسْنَدَةُ إلَى فَاعِلِهَا لَيْسَتْ كَلَامًا وَلَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّ إسْنَادَهَا لَيْسَ أَصْلِيًّا، وَالْجُمْلَةُ الْوَاقِعَةُ خَبَرًا أَوْ وَصْفًا أَوْ حَالًا أَوْ شَرْطًا أَوْ صِلَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ جُمْلَةً وَلَيْسَتْ بِكَلَامٍ؛ لِأَنَّ إسْنَادَهَا لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَعَمُّ مِنْهُ إذْ شَرْطُهُ الْإِفَادَةُ بِخِلَافِهَا وَلِهَذَا تَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ جُمْلَةُ الشَّرْطِ جُمْلَةُ الصِّلَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مُفِيدًا فَلَيْسَ كَلَامًا اهـ. وَهَذَا كَمَا تَرَى يُفِيدُ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِخُصُوصِ الْكَلَامِ اشْتِرَاطُ الْإِفَادَةِ فِيهِ دُونَ الْجُمْلَةِ لَا اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْإِسْنَادِ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ فِيهِ دُونَهَا، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ، وَقَدْ صَرَّحَ سِيبَوَيْهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مَا يُطْلَقُ حَقِيقَةً إلَّا عَلَى الْجُمَلِ الْمُفِيدَةِ اهـ. فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاشْتِرَاطِ الْإِفَادَةِ فِي الْكَلَامِ اشْتِرَاطُهَا فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَالَةَ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْإِفَادَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْجُمْلَةِ أَصْلًا ثُمَّ عَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِالتَّرَادُفِ بَيْنَهُمَا أَنَّ كِلَيْهِمَا لَا يُقَالُ: حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ إلَّا عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمُفِيدِ، وَقَوْلُهُمْ جُمْلَةُ الشَّرْطِ وَالصِّلَةِ وَنَحْوُهُمَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْإِفَادَةِ فِيهَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ. وَنَظِيرُهُ تَسْمِيَتُهُمْ الْمُضَارَعَ الدَّاخِلَ عَلَيْهِ لَمْ الْمُقْتَضِيَةُ قَلْبَهُ مَاضِيًا مُضَارَعًا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْجُمْلَةَ أَعَمُّ مِنْ الْكَلَامِ اصْطِلَاحًا هُوَ الصَّوَابُ لَاحْتَاجُوا إلَى الْجَوَابِ فَلْيُتَأَمَّلْ. [أَقِسَام اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ] [الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ] وَقَدْ آنَ الشُّرُوعُ فِي بَيَانِ انْقِسَامَاتِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ أَقْسَامِهِ خَاصًّا بِهِ كَمَا عَسَى أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ فَنَقُولُ: (وَلِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ وَدَلَالَتِهِ، وَمُقَايَسَتِهِ لِمُفْرَدٍ آخَرَ وَمَدْلُولِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ وَإِطْلَاقِهِ وَتَقْيِيدِهِ انْقِسَامَاتٌ) خَمْسَةٌ بِعِدَّةِ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ الَّتِي أَوَّلُهَا اعْتِبَارُ الذَّاتِ، وَآخِرُهَا اعْتِبَارُ الِاسْتِعْمَالِ (فِي فُصُولٍ) خَمْسَةٍ بِعِدَّتِهَا أَيْضًا، وَأَمَّا الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ أَوْصَافِ بَعْضِ أَقْسَامِ انْقِسَامِهِ بِالِاعْتِبَارِ الرَّابِعِ كَمَا سَتَرَى فَالْوَجْهُ إسْقَاطُهُمَا هُنَا. (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ غَيْرِهِ أَوَّلًا وَجَمِيعُ مَا تَضْمَنَّهُ هَذَا الْفَصْلُ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَمَّا هُمْ فَاكْتَفَوْا بِالْإِشَارَةِ إلَى مَا يَهُمُّهُمْ مِنْهُ فِيمَا يَكُونُونَ بِصَدَدِهِ ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الْمُشْتَقُّ لَا يُعْلَمُ

مِنْ حَيْثُ هُوَ مُشْتَقٌّ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الِاشْتِقَاقِ فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نُصَدِّرَ هَذَا الْفَصْلِ بِبَيَانِهِ ثُمَّ نَأْتِي عَلَى مَا فِيهِ. فَنَقُولُ الِاشْتِقَاقُ اصْطِلَاحًا يُقَالُ عَلَى أُمُورٍ أَحَدُهَا عَلَى مَا حَرَّرَهُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وِفَاقًا لَلْبَصْرِيِّينَ مُوَافَقَةُ غَيْرِ مَصْدَرٍ لَهُ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ مُرَتَّبَةً، وَفِي الْمَعْنَى مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَى الْمَصْدَرِ كَضَرْبٍ وَضَارِبٍ فَالْمَصْدَرُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ وَالْآخَرُ مُشْتَقٌّ فَإِذَا اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ مِنْ الْوَاضِحِ اُحْتِيجَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ لَا إلَى عَمَلِهِ فَعُرِفَ بِحَسَبِ الْعِلْمِ فَيُقَالُ هُوَ أَنْ يُوجَدَ بَيْنَ مَصْدَرٍ وَغَيْرِهِ مُوَافَقَةٌ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ مُرَتَّبَةً، وَفِي الْمَعْنَى مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَى الْمَصْدَرِ فَيُعْرَفُ ارْتِدَادُ غَيْرِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَصْدَرِ، وَأَخْذُهُ مِنْهُ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ الِاحْتِيَاجُ إلَى عَمَلِهِ عُرِفَ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فَيُقَالُ هُوَ أَخْذُ لَفْظٍ مِنْ مَصْدَرٍ بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ مُرَتَّبَةً، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَيْهِ. ثَانِيهَا مُوَافَقَةُ لَفْظَيْنِ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ مَعَ مُوَافَقَةٍ أَوْ مُنَاسَبَةٍ فِي الْمَعْنَى كَجَذْبٍ وَالْجَبْذِ ثَالِثُهَا مُنَاسَبَةُ لَفْظَيْنِ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ وَالْمَعْنَى كَالثَّلْبِ وَالثَّلْمِ وَالنَّعِيقِ وَالنَّهِيقِ وَتُسَمَّى هَذِهِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَأَكْبَرُ، وَقَدْ تُسَمَّى أَصْغَرُ وَصَغِيرًا وَأَكْبَرُ، وَقَدْ تُسَمَّى أَصْغَرُ، وَأَوْسَطُ وَأَكْبَرُ وَلَا مُشَاحَّةَ، وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِاشْتِقَاقٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ حَظُّ الْأُصُولِيِّ كَمَا سَيُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ قَسَّمَ اللَّفْظَ الْمُفْرَدَ بِاعْتِبَارِهِ فَقَالَ (هُوَ مُشْتَقٌّ مَا وَافَقَ مَصْدَرًا بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةٍ) فَمَا وَافَقَ مَصْدَرًا شَامِلٌ لِلْمَطْلُوبِ وَغَيْرِهِ وَبِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ، وَمَعْنَاهُ أَيْ مَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ الْحَدَثُ الْخَاصُّ مُخْرِجٌ لِمَا وَافَقَ مَصْدَرًا بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ لَا بِمَعْنَاهُ كَضَرَبَ بِمَعْنَى بَيْنَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الضَّرْبِ بِمَعْنَى السَّيْرِ فِي الْأَرْضِ أَوْ بِمَعْنَاهُ لَا بِحُرُوفِهِ كَنَصَرَ بِمَعْنَى أَعَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِعَانَةِ، وَالْمُرَادُ مُوَافَقَتُهُ فِي جَمِيعِهَا مَعَ تَرْتِيبِهَا بِأَنْ يَشْتَمِلَ الْمُشْتَقُّ عَلَى مِثْلِ جَمِيعِهَا كَذَلِكَ كَمَا فِي الْأَصْلِ لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ نَحْوُ خَفْ مِنْ الْخَوْفِ فَإِنَّ الْوَاوَ مُقَدَّرَةٌ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ بَعْدَ انْقِلَابِهَا أَلِفًا لِعَارِضِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّرْتِيبَ لِلْعِلْمِ بِهِ بِقَرِينَةٍ. وَمَعْنَاهُ وَقَيَّدَ الْحُرُوفَ بِالْأُصُولِ، وَهِيَ مَا تُقَابَلُ بِالْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَاللَّامِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْهُ نَحْوُ الِاسْتِبَاقِ مِنْ السَّبْقِ فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لِلزَّوَائِدِ فِي السَّبْقِ فَضْلًا عَنْ الْمُوَافَقَةِ فِيهَا وَنَحْوَ دَخَلَ مِنْ الدُّخُولِ، وَمَعَ زِيَادَةٍ يَعْنِي فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ فِي اللَّفْظِ زِيَادَةٌ أَمْ لَا كَفَرِحٍ مِنْ فَرِحَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَاشِيَةً وَنَبَّهَ عَلَى وَجْهِ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ (هِيَ فَائِدَةُ الِاشْتِقَاقِ) فَهِيَ عِلَّةٌ غَائِبَةٌ لَهُ فِي الْمَعْنَى ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ (فَالْمَقْتَلُ) حَالَ كَوْنِهِ (مَصْدَرًا) مِيمِيًّا (مَعَ الْقَتْلِ أَصْلَانِ مَزِيدٌ) ، وَهُوَ الْمَقْتَلُ (وَغَيْرُ مَزِيدٍ) ، وَهُوَ الْقَتْلُ هَذَا إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْمَقْتَلِ زِيَادَةُ تَقْوِيَةٍ فِي مَعْنَاهُ الثَّابِتِ لِلْقَتْلِ (وَإِنْ اُعْتُبِرَ بِهِ) أَيْ بِالْمَقْتَلِ (زِيَادَةُ تَقْوِيَةٍ) فِي مَعْنَاهُ الثَّابِتِ لِلْقَتْلِ (فَمُشْتَقٌّ مِنْهُ) أَيْ فَالْمَقْتَلُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَتْلِ حِينَئِذٍ لِمُوَافَقَتِهِ إيَّاهُ فِي حُرُوفِهِ الْأُصُولِ بِتَرْتِيبِهَا، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةِ الْمَقْتَلِ فِي الْمَعْنَى عَلَى الْقَتْلِ بِالتَّقْوِيَةِ فِيهِ، وَفِي اللَّفْظِ أَيْضًا، وَهِيَ الْمِيمُ وَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الِاشْتِقَاقُ الْوَاقِعُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ مِنْ الْقَتْلِ. ثُمَّ بَقِيَ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أُمُورٍ. أَحَدُهَا لَمْ يَقُلْ مَا وَافَقَ أَصْلًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا لَهُ عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْفِعْلَ أَصْلٌ فِيهِ وَرَأْيُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْمَصْدَرَ أَصْلٌ فِيهِ بَلْ قَالَ مَصْدَرًا فَيَكُونُ تَعْرِيفًا لَهُ عَلَى رَأْيِ الْبَصْرِيِّينَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الصَّحِيحُ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَقَدْ بَيْنَ وَجْهَهُ فِي مَوْضِعِهِ. ثَانِيهَا الْمُرَادُ بِالْمَصْدَرِ أَعَمُّ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ وَالْمُقَدَّرِ فَتَدْخُلُ الْأَفْعَالُ الَّتِي لَمْ يُسْتَعْمَلْ لَهَا مَصَادِرُ كَنِعْمَ وَبِئْسَ وَتَبَارَكَ وَالصِّفَاتِ الَّتِي لَا مَصَادِرَ لَهَا وَلَا أَفْعَالَ كَرِبْعَةٍ وَحَزَوَّرَ وَكَفَاخِرٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فَتُقَدَّرُ الْمَصَادِرُ لَهَا تَقْدِيرًا، وَالتَّعَقُّبُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُشْتَقَّةٍ مِنْ مَصَادِرَ أُهْمِلَتْ فَيُحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِهَا، وَإِنَّمَا أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْمُشْتَقِّ لَوْ تَمَّ لَا يَنْفِي الْوُجُودَ مُطْلَقًا. ثَالِثُهَا ثُمَّ أَسْمَاءُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَفْعَالِ، الْمُشْتَقَّةُ مِنْ الْمَصَادِرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي التَّكْمِلَةِ، وَعَبْدُ الْقَاهِرِ فِي شَرْحِهَا وَالسِّيرَافِيُّ لِكَوْنِهَا

جَارِيَةً عَلَى سُنَنِهَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْمَصَادِرِ نَفْسِهَا كَمَا هَذَا التَّعْرِيفُ مَاشٍ عَلَيْهِ، وَمَا وَقَعَ مِنْ إطْلَاقِ اشْتِقَاقِهَا مِنْ الْفِعْلِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ؛ لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ يُسَمِّي الْمَصْدَرَ فِعْلًا وَحَدَثًا كَمَا ذَكَرَهُ الإستراباذي أَوْ عَلَى التَّجَوُّزِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ وَغَيْرُهُ تَنْبِيهًا عَلَى الْحُرُوفِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الِاشْتِقَاقِ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَصَادِرِ كَالْقَبُولِ يَشْتَمِلُ عَلَى حَرْفٍ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ، وَعَكَسَ هَذَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ لَنَا أَنْ نَشْتَقَّهَا مِنْ الْفِعْلِ لِأَصَالَتِهِ الْقَرِيبَةِ، وَمِنْ الْمَصْدَرِ لِأَصَالَتِهِ الْبَعِيدَةِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعِيدِ مَعَ وُجُودِ الْقَرِيبِ مَجَازٌ، وَإِلَى الْقَرِيبِ حَقِيقَةٌ كَمَا فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ. رَابِعُهَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاشْتِقَاقِ مِنْ الْمَصْدَرِ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَهُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَهُ فَيُشْتَقُّ مِنْ النُّطْقِ مُرَادًا بِهِ لِدَلَالَةِ النَّاطِقِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الْحَالُ نَاطِقَةٌ بِكَذَا. خَامِسُهَا كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُشْتَقِّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي مَعْنَاهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرِ لَفْظِهِ حَرَكَةً وَلَوْ اعْتِبَارًا بِإِبْدَالٍ أَوْ سُكُونٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ حَرْفًا بِحَذْفٍ أَوْ إبْدَالٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ حَرَكَةً وَحَرْفًا مَعًا. وَقَدْ بَلَّغَهُ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ تِسْعَةَ أَقْسَامٍ وَكَمَّلَهَا الْبَيْضَاوِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا بَأْسَ أَنْ نَذْكُرُهَا مَعَ أَمْثِلَتِهَا الصَّحِيحَةِ لَهَا إسْعَافًا مُقَدِّمِينَ أَمَامَهَا أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَرَكَةِ وَاحِدَةً بِالشَّخْصِ بَلْ جِنْسُهَا وَاحِدَةٌ كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ، وَكَذَا الْحَرْفُ وَالْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا، وَأَنَّ حَرَكَةَ الْإِعْرَابِ، وَهَمْزَةَ الْوَصْلِ لَا اعْتِدَادَ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَرَكَةَ الْإِعْرَابِيَّةَ طَارِئَةٌ عَلَى الصِّيغَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا مُتَبَدِّلَةٌ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الْعَامِلِ، وَهَمْزَةُ الْوَصْلِ تَسْقُطُ فِي الدَّرَجِ فَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ لَا غَيْرُ نَحْوُ عَلِمَ مِنْ الْعِلْمِ وَحَرْفٌ لَا غَيْرُ نَحْوُ كَاذِبٍ مِنْ الْكَذِبِ بِكَسْرِ الذَّالِ، وَمَا زِيدَا مَعًا فِيهِ نَحْوُ ضَارِبٍ مِنْ الضَّرْبِ، وَمَا نَقَصَ فِيهِ حَرَكَةٌ لَا غَيْرُ نَحْوُ سَفْرٍ بِسُكُونِ الْفَاءِ مِنْ السَّفَرِ بِفَتْحِهَا وَحَرْفٌ لَا غَيْرُ نَحْوُ صَهِلٍ بِكَسْرِ الْهَاءِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الصَّهِيلِ، وَمَا نَقَصَا مَعًا فِيهِ نَحْوُ صَبَّ مِنْ الصَّبَابَةِ، وَمَا زِيدَ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرَكَةٌ نَحْوُ حَذِرٍ بِكَسْرِ الذَّالِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْحَذَرِ، وَمَا زِيدَ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرْفٌ نَحْوُ صَاهِلٍ مِنْ الصَّهِيلِ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرْفٌ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرَكَةٌ نَحْوُ أَكْرَمَ مِنْ الْكَرَمِ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرْفٌ نَحْوُ رَجَعَ مِنْ الرَّجْعِيِّ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرَكَةٌ نَحْوُ مَنْصُورٍ مِنْ النَّصْرِ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرْفٌ نَحْوُ مُكَلِّمٍ اسْمُ فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ مِنْ التَّكْلِيمِ، وَمَا نَقَصَ مِنْهُ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَزِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ نَحْوُ عِدْ أَمْرٌ مِنْ الْوَعْدِ، وَمَا نَقَصَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَزِيدَ فِيهِ حَرْفٌ نَحْوُ كَالٍّ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْكَلَالِ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَنَقَصَا مِنْهُ نَحْوُ مَقَامٍ مِنْ الْإِقَامَةِ ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَا تَحْتَهُ أَقْسَامٌ فَإِنَّ الْحَرَكَةَ تَحْتَهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَلَوْ اُعْتُبِرَ نَقْصُهَا وَزِيَادَتُهَا مُنْفَرِدَيْنِ، وَمُجْتَمَعَيْنِ مُتَنَوِّعَاتٌ حَسَبِ تَنَوُّعِهَا لَكَثُرَتْ الْأَقْسَامُ جِدًّا إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَلْحَظُوا هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي التَّقْسِيمِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الِانْتِشَارِ مَعَ قِلَّةِ الْجَدْوَى. (وَجَامِدٌ خِلَافُهُ) أَيْ مَعْنَاهُ خِلَافُ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ فَهُوَ مَا لَيْسَ بِمُوَافِقٍ لِمَصْدَرٍ بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ كَرَجُلٍ، وَأَسَدٍ (وَالِاشْتِقَاقُ الْكَبِيرُ لَيْسَ مِنْ حَاجَةِ الْأُصُولِيِّ) ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الِاشْتِقَاقِ إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْرِفُ بِهِ أَنَّ مَبْدَأَ اشْتِقَاقِ اللَّفْظِ الْمُشْتَقِّ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَهَذِهِ الْحَاجَةُ مُنْدَفِعَةٌ بِمَعْرِفَةِ الِاشْتِقَاقِ الْمُسَمَّى بِالْأَصْغَرِ أَوْ الصَّغِيرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْكَبِيرِ وَالْأَكْبَرِ أَيْضًا فِي هَذَا الْعِلْمِ (وَالْمُشْتَقُّ) قِسْمَانِ (صِفَةٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَاتٍ مُبْهَمَةٍ مُتَّصِفَةٍ بِمُعِينٍ) أَيْ مَا فُهِمَ مِنْهُ ذَاتٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ وَصِفَةُ مُعَيَّنَةٌ كَضَارِبٍ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا لَهُ الضَّرْبُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إنْسَانًا بَلْ جِسْمًا أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الشَّيْئِيَّةِ لَمْ يُقَدَّرُ مَوْصُوفُهُ شَيْءٌ (فَخَرَجَ) بِقَيْدِ الْإِبْهَامِ فِي الذَّاتِ (اسْمُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) كَالْمَقْتَلِ لِزَمَانِ الْقَتْلِ، وَمَكَانِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ صِفَةً (لِأَنَّ الْمَقْتَلَ مَكَانٌ أَوْ زَمَانٌ فِيهِ الْقَتْلُ) لَا شَيْءَ مَا فِيهِ الْقَتْلُ فَلَا إبْهَامَ فِي الذَّاتِ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَصِحُّ مَكَانُ أَوْ زَمَانُ مَقْتَلٍ كَمَا يَصِحُّ مَكَانُ أَوْ زَمَانُ مَقْتُولٍ فِيهِ (قِيلَ تَتَحَقَّقُ الْفَائِدَةُ

فِي نَحْوِ الضَّارِبِ جِسْمٌ فَلَمْ يَكُنْ جُزْءًا، وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ كَالْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا دَلِيلٌ ذُكِرَ عَلَى لُزُومِ إبْهَامِ الذَّاتِ فِي الْمُشْتَقِّ الصِّفَةِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَنَا الضَّارِبُ جِسْمٌ مُفِيدٌ فَلَوْ كَانَ الْجِسْمُ مُعْتَبَرًا جُزْءًا مِنْ الضَّارِبِ لَمْ يُفِدْ لِاسْتِفَادَةِ ذَلِكَ مِنْ مُجَرَّدِ ضَارِبٍ كَمَا لَمْ يُفِدْ قَوْلُنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ لِاعْتِبَارِ الْحَيَوَانِ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِ الْإِنْسَانِ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلِقَائِلٍ مَنْعَ الْفَرْقِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِتَبَادُرِ الْجَوْهَرِ مِنْهُ) أَيْ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَسْتَدِلَّ بِتَبَادُرِ الْجَوْهَرِ مِنْ ضَارِبٍ فَيُفْهَمُ مِنْهُ بِاسْتِقْلَالِهِ كَمَا يُفْهَمُ الْحَيَوَانُ مِنْ إنْسَانٍ اسْتِقْلَالًا ثُمَّ إنْ لَمْ يُفِدْ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ كَذَلِكَ الضَّارِبُ جِسْمٌ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَتِمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ إبْهَامُ الذَّاتِ ثُمَّ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَلِيلٍ اقْتَرَحَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَوْجَهُ صِحَّةُ الْحَمْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَيْنِ وَالْمَعْنَى) أَيْ وَالدَّلِيلُ الْأَوْجَهُ لِإِبْهَامِ الذَّاتِ فِي مَفْهُومِ الْوَصْفِ أَنَّ الْوَصْفَ يَصِحُّ حَمْلُهُ حَقِيقَةً عَلَى الْجِسْمِ كَزَيْدٍ مَلِيحٌ، وَعَلَى الْمَعْنَى كَالْعِلْمِ حَسَنٌ وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ فَلَوْ أَفَادَتْ الصُّورَةُ مَادَّةً خَاصَّةً بِالْجَوْهَرِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى أَوْ مَادَّةٍ خَاصَّةٍ بِالْعَرْضِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى الْعَيْنِ. وَمَعْلُومٌ أَنْ لَيْسَ لِكُلِّ وَصْفٍ جُزْئِيٍّ وَضْعٌ بَلْ الْوَضْعُ كُلِّيٌّ وَاحِدٌ لِكُلِّ وَصْفٍ فَظَهَرَ أَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَعْتَمِدُ ذَاتًا أَيْ مَوْصُوفًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ فِي التَّرْكِيبِ (وَغَيْرِ صِفَةِ خِلَافِهِ) أَيْ مَعْنَى الصِّفَةِ، وَهُوَ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مُبْهَمَةٍ مُتَّصِفَةٍ بِمُعَيَّنٍ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مِنْهُ أَسْمَاءَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. (تَتْمِيمٌ) ثُمَّ الْمُشْتَقُّ قَدْ يَطَّرِدُ كَأَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ، وَأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، وَأَسْمَاءِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْآلَةِ، وَقَدْ لَا يَطَّرِدُ كَالْقَارُورَةِ الدُّبْرَانِ وَالْعَيُّوقِ وَالسِّمَاكِ، وَالْمَنَاطُ فِيهِمَا أَنَّ وُجُودَ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي مَحَلِّ التَّسْمِيَةِ بِالْمُشْتَقِّ إنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَاخِلٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَجُزْءٌ مِنْ الْمُسَمَّى حَتَّى كَانَ الْمُرَادُ ذَاتًا مَا بِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ لِمَعْنَى الْأَصْلِ إلَيْهَا فَهَذَا الْمُشْتَقُّ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ ذَاتٍ كَذَلِكَ أَيْ لِمَعْنَى الْأَصْلِ مَعَهَا تِلْكَ النِّسْبَةُ، اللَّهُمَّ إلَّا لِمَانِعٍ كَمَا فِي الْفَاضِلِ فَإِنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. وَإِنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُصَحِّحٌ لِلتَّسْمِيَةِ بِالْمُشْتَقِّ مُرَجِّحٌ لَهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ مِنْ غَيْرِ دُخُولِ الْمَعْنَى فِي التَّسْمِيَةِ وَكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ الْمُسَمَّى حَتَّى كَانَ الْمُرَادُ ذَاتًا مَخْصُوصَةً فِيهَا الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ فِي تِلْكَ الذَّاتِ بَلْ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِهَا فَهَذَا الْمُشْتَقُّ لَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الذَّوَاتِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُسَمَّاهُ تِلْكَ الذَّاتِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ السَّكَّاكِيُّ حَيْثُ قَالَ، وَإِيَّاكَ وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَ تَسْمِيَةِ إنْسَانٍ لَهُ حُمْرَةٌ بِأَحْمَرَ وَبَيْنَ وَصْفِهِ بِأَحْمَرَ فَتَزِلَّ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى فِي التَّمْسِيَةِ لِتَرْجِيحِ الِاسْمِ عَلَى غَيْرِهِ حَالَ تَخْصِيصِهِ بِالْمُسَمَّى وَاعْتِبَارِهِ فِي الْوَصْفِ لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ لِهَذَا نَفْعٌ فِي بَابِ الْقِيَاسِ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى بَصِيرَةٍ (مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَقُّ لِذَاتٍ) وَصْفٌ مِنْ مَصْدَرٍ (وَالْمَعْنَى) الَّذِي لِلْمَصْدَرِ (قَائِمٌ بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهِ (وَقَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ: مَعْنَى كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا خَلْقُهُ) الْكَلَامَ اللَّفْظِيَّ (فِي الْجِسْمِ) كَاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَالشَّجَرَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنْهَا مُوسَى (وَأَلْزَمُوا) عَلَى هَذَا (جَوَازَ) إطْلَاقِ (الْمُتَحَرِّكِ وَالْأَبْيَضِ) مَثَلًا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لِخَلْقِهِ هَذِهِ الْأَعْرَاضَ فِي مَحَالِّهَا لَكِنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ عَلَى امْتِنَاعِ إطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَيْهِ تَعَالَى قَطْعًا (وَدُفِعَ عَنْهُمْ) هَذَا الْإِلْزَامُ (بِالْفَرْقِ) بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَمَا أَلْزَمُوا بِهِ (بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْمُتَكَلَّمُ لَهُ) أَيْ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ صِفَةً لَهُ - تَعَالَى - قَطْعًا (وَامْتَنَعَ قِيَامُهُ) أَيْ الْكَلَامِ (بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ الْأَصْوَاتُ وَالْحُرُوفُ لَا الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ، وَهِيَ حَادِثَةٌ فَلَا تَكُونُ قَائِمَةً بِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَاتُهُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - مُتَعَالٍ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا (فَلَزِمَ أَنَّ مَعْنَاهُ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ (فِي حَقِّهِ خَالِقُهُ) أَيْ الْكَلَامِ فِي الْجِسْمِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُتَحَرِّكُ وَالْأَبْيَضُ وَنَحْوُهُمَا فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا وَهَذَا الدَّفْعُ مَذْكُورٌ لِلْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ لِمُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ (وَلَيْسَ) هَذَا الدَّفْعُ (بِشَيْءٍ) يُعْتَدُّ بِهِ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ (لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ

فِي الْحُكْمِ اللُّغَوِيِّ) أَيْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَفْصِيلٌ (بَيْنَ مَنْ يَمْتَنِعُ الْقِيَامُ بِهِ) أَيْ قِيَامُ مَعْنَى الْوَصْفِ بِهِ عَقْلًا وَشَرْعًا (فَيَجُوزُ) أَنْ يُطْلَقَ الْوَصْفُ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ وَمَعْنَاهُ قَائِمٌ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ بَيْنَ مَنْ لَا يَمْتَنِعُ قِيَامُ الْوَصْفِ بِهِ (فَلَا) يَجُوزُ إطْلَاقُ الْوَصْفِ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ (بَلْ لَوْ امْتَنَعَ) قِيَامُ مَعْنَى الْوَصْفِ بِشَيْءٍ (لَمْ يُصَغْ لَهُ) أَيْ امْتَنَعَ صَوْغُ الْوَصْفِ لَهُ لُغَةً (أَصْلًا) لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُجْرَى عَلَى شَيْءٍ وَصْفٌ، وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوصَفَ بِأَمْرٍ مِنْ سَائِرِ الْأُمُورِ الْمُمْتَنَعِ اتِّصَافُهُ بِهَا (فَحَيْثُ صِيغَ) لَهُ - تَعَالَى - وَصْفٌ مِنْ هَذَا الْمَصْدَرِ مَوْضُوعٌ لِمَنْ يَقُومُ بِهِ مَعْنَى هَذَا الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ (لَزِمَ قِيَامُهُ) أَيْ قِيَامُ مَعْنَى الْكَلَامِ (بِهِ تَعَالَى) لَا أَنَّهُ - تَعَالَى - يُوصَفُ بِهَا وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ وَتُجَابُ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّهُ لَا مُلْجِئَ إلَى هَذَا الْمُحْتَمَلِ الْمُمْتَنِعِ فَإِنَّ الْكَلَامَ يُطْلَقُ حَقِيقَةً وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي حَقِّهِ - سُبْحَانَهُ - عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ - تَعَالَى - مُنَافِيَةٌ لِلسُّكُوتِ وَالْآفَةِ ثُمَّ لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ اسْتِبْعَادًا أَنْ يُنَازِعَ هَؤُلَاءِ الْعُقَلَاءُ فِي هَذَا الْأَصْلِ اللُّغَوِيِّ بِحَذَافِيرِهِ، وَإِشَارَةً إلَى تَجْوِيزِ أَخْذِ خِلَافِهِمْ فِيهِ مِنْ خِلَافِهِمْ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْكَلَامِيَّةِ، وَفِي كَلَامِ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ مَا يُعَضِّدُ كِلَيْهِمَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (فَلَوْ ادَّعَوْهُ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ إطْلَاقَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَيْهِ - تَعَالَى، وَالْمَعْنَى غَيْرُ قَائِمٍ بِهِ (مَجَازًا) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خَالِقُهُ فَيَكُونُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِاسْمِ الْمُتَعَلَّقِ لِامْتِنَاعِ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ (ارْتَفَعَ الْخِلَافُ فِي الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ) لِمُوَافَقَتِهِمْ حِينَئِذٍ الْعَامَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَقُّ لِذَاتٍ وَصْفٌ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِادِّعَاءُ (أَقْرَبُ) مِنْ إثْبَاتِ خِلَافِهِمْ لِبُعْدِهِ مِنْ الْعُقَلَاءِ الْعَارِفِينَ بِالْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ (غَيْرَ أَنَّهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (نَقَلُوا اسْتِدْلَالَهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى مَا نُسِبَ إلَيْهِمْ مِنْ تَجْوِيزِ أَنْ يُشْتَقَّ لِشَيْءٍ وَصْفٌ وَالْمَعْنَى بِغَيْرِهِ (بِإِطْلَاقِ ضَارِبٍ حَقِيقَةً) عَلَى مُسَمًّى (وَهُوَ) أَيْ الضَّرْبُ قَائِمٌ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى، فَإِنَّ هَذَا صَرِيحٌ مِنْهُمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ (وَأُجِيبَ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ) أَيْ الضَّرْبُ (التَّأْثِيرُ، وَهُوَ) أَيْ التَّأْثِيرُ قَائِمٌ (بِهِ) أَيْ بِالضَّارِبِ لَا التَّأْثِيرُ الْقَائِمُ بِالْمَضْرُوبِ وَهُوَ أَثَرُ الضَّرْبِ وَأَوْرَدَ لَوْ كَانَ التَّأْثِيرُ غَيْرَ الْأَثَرِ لَكَانَ أَثَرًا أَيْضًا لِصُدُورِهِ عَنْ الْفَاعِلِ فَيَفْتَقِرُ إلَى تَأْثِيرٍ آخَرَ فَيَعُودُ الْكَلَامُ إلَيْهِ وَيَتَسَلْسَلُ، وَدُفِعَ بِأَنَّ التَّأْثِيرَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَثَرِ فَهُوَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لِكَوْنِهِ نِسْبَةً فَلَا يَسْتَدْعِي تَأْثِيرًا آخَرَ فَلَا يَتَسَلْسَلُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسَلْسُلِ فَهُوَ فِي الِاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ فِيهَا لَيْسَ بِمُحَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِ الِاعْتِبَارِ، فَإِنْ قِيلَ: التَّأْثِيرُ لَيْسَ بِأَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ لِتَحَقُّقِهِ، فَرَضَهُ فَارِضٌ أَوْ لَا؛ إذْ لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَمَا وُجِدَ الْأَثَرُ، وَلَيْسَ غَيْرُ التَّأْثِيرِ لِمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْمَطْلُوبُ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّأْثِيرَ فِي غَيْرِ التَّأْثِيرِ مُغَايِرٌ لِلْأَثَرِ الَّذِي هُوَ تَأْثِيرٌ فِيهِ وَأَمَّا التَّأْثِيرُ فِي التَّأْثِيرِ فَهُوَ نَفْسُهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْثِيرٍ مُغَايِرٍ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَنَقَلَ الْأُصُولِيُّونَ اسْتِدْلَالَ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَبِأَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ (ثَبَتَ الْخَالِقُ لَهُ) أَيْ اللَّهُ - تَعَالَى (بِاعْتِبَارِ الْخَلْقِ وَهُوَ) أَيْ الْخَلْقُ (الْمَخْلُوقُ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمان: 11] وَالْمَخْلُوقُ لَيْسَ قَائِمًا بِذَاتِهِ (لَا) أَنَّ الْخَلْقَ هُوَ (التَّأْثِيرُ وَإِلَّا قَدُمَ الْعَالَمُ إنْ قَدُمَ) أَيْ وَإِلَّا لَوْ كَانَ الْخَلْقُ هُوَ التَّأْثِيرَ قَدُمَ الْعَالَمُ إنْ كَانَ التَّأْثِيرُ قَدِيمًا إمَّا؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدِيمٌ. وَالتَّأْثِيرُ فُرِضَ قَدِيمًا فَالْأَثَرُ وَهُوَ الْعَالَمُ كَذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ تَخَلُّفِ الْأَثَرِ عَنْ الْمُؤَثِّرِ الْحَقِيقِيِّ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِمَا فِي الْأَزَلِ وُجُودُ الْعَالَمِ، وَإِمَّا لِأَنَّ التَّأْثِيرَ نِسْبَةٌ، وَالنِّسْبَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمُنْتَسِبِينَ وَهُمَا الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ فَلَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً مَعَ أَنَّهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْمَخْلُوقِ لَكَانَ الْمَخْلُوقُ قَدِيمًا بِطَرِيقٍ أَوْلَى (وَإِلَّا تَسَلْسَلَ) أَيْ وَإِلَّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ إنْ لَمْ يَكُنْ التَّأْثِيرُ قَدِيمًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حَادِثٌ مُحْتَاجٌ إلَى خَلْقٍ آخَرَ أَيْ تَأْثِيرٍ آخَرَ لِأَنَّ كُلَّ حَادِثٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَأْثِيرِ مُؤَثِّرٍ فَيَعُودُ الْكَلَامُ إلَى ذَلِكَ التَّأْثِيرِ وَيَتَسَلْسَلُ

وَكِلَاهُمَا مُحَالٌ فَيَثْبُتُ الْمَطْلُوبُ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَال (مُثْبِتٌ لِجُزْءِ الدَّعْوَى) لَا لَهَا كُلِّهَا؛ لِأَنَّ كَمَالَهَا - كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِحَّةُ صَوْغِ الْوَصْفِ لِذَاتٍ وَلَيْسَ الْمَعْنَى قَائِمًا بِهَا بَلْ هُوَ قَائِمٌ بِغَيْرِهَا وَإِذَا كَانَ الْخَلْقُ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، وَبَعْضُهُ جَوَاهِرُ صَدَقَ جُزْءُ الدَّعْوَى، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ قَائِمًا بِالذَّاتِ، وَلَا يَصْدُقُ الْجُزْءُ الْآخَرُ مِنْ الدَّعْوَى، وَهُوَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَخْلُوقِ جَوَاهِرَ تَقُومُ بِنَفْسِهَا لَا بِغَيْرِهَا فَلَمْ يُشْتَقُّ الْوَصْفُ لِذَاتٍ. وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهَا بَلْ وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَيَتَضَمَّنُ لَيْسَ قَائِمًا بِهَا، وَهُوَ جُزْءُ الدَّعْوَى فَأَثْبَتَ الدَّلِيلُ عَدَمَ قِيَامِهِ بِالذَّاتِ وَلَمْ يَثْبُتْ قِيَامُهُ بِغَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الْمَطْلُوبُ وَثَانِيًا بِقَوْلِهِ (أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى خَلْقِهِ كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ تَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ بِالْإِيجَادِ وَهُوَ) أَيْ تَعَلُّقُ قُدْرَتِهِ بِالْإِيجَادِ لِلْمَخْلُوقَاتِ (إضَافَةُ اعْتِبَارٍ يَقُومُ بِهِ) أَيْ بِالْخَالِقِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَمَا اشْتَقَّ لَهُ الْخَالِقُ إلَّا بِاعْتِبَارٍ قِيَامِ الْخَلْقِ بِهِ، وَقَوْلُهُ (لَا صِفَةٌ مُتَقَرِّرَةٌ لِيَلْزَمَ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ أَوْ قِدَمَ الْعَالَمِ) دَفْعٌ لِمَا يُرَادُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْرِيرِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى خَلْقِهِ تَعَلُّقَ قُدْرَتِهِ، وَتَعَلُّقُهَا حَادِثٌ وَهُوَ قَائِمٌ بِهِ لَزِمَ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ أَوْ قِدَمَ الْعَالَمِ فَقَالَ: إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ تَعَلُّقُهَا يُوجِبُ وَصْفًا حَقِيقِيًّا يَقُومُ بِهِ - تَعَالَى - لَكِنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ إضَافَةً مِنْ الْإِضَافَاتِ، وَهِيَ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ (وَأَوْرَدَ - إنْ قَامَتْ بِهِ النِّسْبَةُ - الِاعْتِبَارَ فَهُوَ مَحَلٌّ لِلْحَوَادِثِ) لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ (وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِهِ ثَبَتَ مَطْلُوبُهُمْ وَهُوَ الِاشْتِقَاقُ لِذَاتٍ وَلَيْسَ الْمَعْنَى بِهِ) أَيْ قَائِمًا بِالْمُشْتَقِّ (مَعَ أَنَّ الْوَجْهَ أَمْ لَا يَقُومُ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارِيَّ لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ فَلَا يَقُومُ بِهِ حَقِيقَةً) . وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (لَكِنْ كَلَامُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (أَنَّهُ يَكْفِي فِي الِاشْتِقَاقِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الِانْتِسَابِ) الَّذِي هُوَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِالْإِيجَادِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ (فَلِيَكُنْ) هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الِانْتِسَابِ (هُوَ الْمُرَادَ بِقِيَامِ الْمَعْنَى فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ هَذَا الْجَوَابُ) النَّاطِقُ بِأَنَّ مَعْنَى خَلْقِهِ كَوْنُهُ - تَعَالَى - تَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ بِإِيجَادِهِ (يَنْبُو عَنْ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ يَبْعُدُ عَنْ كَلَامِ مُتَأَخِّرَيْهِمْ مِنْ عَهْدِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ (فِي صِفَاتِ الْأَفْعَالِ) لِلَّهِ - تَعَالَى - قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَا أَفَادَتْ تَكْوِينًا كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ وَالْمُحْيِي وَالْمُمِيتِ فَإِنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهَا صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ مُغَايِرَةٌ لِلْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ (غَيْرَ أَنَّا بَيَّنَّا فِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسَايِرَةِ) فِي الْعَقَائِدِ الْمُنَجِّيَةِ فِي الْآخِرَةِ (أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُفِيدُ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ وَأَنَّهُ) أَيْ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ (قَوْلٌ مُسْتَحْدَثٌ) وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ سِوَى مَا أَخَذُوهُ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ - تَعَالَى - خَالِقًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ وَرَازِقًا قَبْلَ أَنْ يَرْزُقَ وَذَكَرُوا لَهُ أَوْجُهًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ وَالْأَشَاعِرَةُ يَقُولُونَ لَيْسَتْ صِفَةُ التَّكْوِينِ عَلَى فُصُولِهَا سِوَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِمُتَعَلَّقٍ خَاصٍّ فَالْخَلْقُ: الْقُدْرَةُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَخْلُوقِ وَالتَّرْزِيقُ تَعَلُّقُهَا بِإِيصَالِ الرِّزْقِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ مَعْنَاهَا لَا يَنْفِي هَذَا وَيُوجِبُ كَوْنَهَا صِفَاتٍ أُخْرَى لَا تَرْجِعُ إلَى الْقُدْرَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ وَالْإِرَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَلِيلٍ لَهُمْ ذَلِكَ، وَأَمَّا نِسْبَتُهُمْ ذَلِكَ إلَى الْمُتَقَدِّمِينَ فَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ فِي كَلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَا فَهِمَهُ الْأَشَاعِرَةُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا لَيْسَ مُنْذُ خَلَقَ الْخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ الْخَالِقِ وَلَا بِأَحْدَاثِ الْبَرِّيَّةِ اسْتَفَادَ اسْمَ الْبَارِي لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلَا مَرْبُوبَ وَمَعْنَى الْخَالِقِ وَلَا مَخْلُوقَ وَكَمَا أَنَّهُ مُحْيِي الْمَوْتَى اسْتَحَقَّ هَذَا الِاسْمَ قَبْلَ إحْيَائِهِمْ كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الْخَالِقِ قَبْلَ إنْشَائِهِمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اهـ فَقَوْلُهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تَعْلِيلٌ وَبَيَانٌ لِاسْتِحْقَاقِ اسْمِ الْخَالِقِ قَبْلَ الْمَخْلُوقِ فَأَفَادَ أَنَّ مَعْنَى الْخَالِقِ قَبْلَ الْخَلْقِ وَاسْتِحْقَاقَ اسْمِهِ بِسَبَبِ قِيَامِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَاسْمُ الْخَالِقِ، وَلَا مَخْلُوقَ فِي الْأَزَلِ لِمَنْ لَهُ قُدْرَةُ الْخَلْقِ فِي الْأَزَلِ وَهَذَا مَا تَقُولُهُ الْأَشَاعِرَةُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ هُنَا (وَقَوْلُهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى (خَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ إلَخْ) أَيْ وَرَازِقٌ قَبْلَ أَنْ يَرْزُقَ (بِالضَّرُورَةِ يُرَادُ بِهِ) أَيْ بِالْخَالِقِ لَهُ (قُدْرَةُ الْخَلْقِ) الَّتِي هِيَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ (وَإِلَّا قِدَمُ الْعَالَمُ) أَيْ وَإِلَّا لَوْ أُرِيدَ بِهِ

الْخَلْقُ بِالْفِعْلِ لَا أَنَّهُ لَهُ قُدْرَةُ الْخَلْقِ لَزِمَ قِدَمُ الْعَالَمِ وَوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ ظَاهِرٌ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا (وَبِالْفِعْلِ تَعَلُّقُهَا) أَيْ وَيُرَادُ بِصِفَةِ الْخَلْقِ بِالْفِعْلِ الصِّفَةُ الِاعْتِبَارِيَّةُ، وَهِيَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَادِ بِالْمَقْدُورِ (وَهُوَ) أَيْ وَالتَّعَلُّقُ الْمَذْكُورُ (عُرُوضُ الْإِضَافَةِ) وَهِيَ النِّسْبَةُ الْإِيجَادِيَّةُ (لِلْقُدْرَةِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى مَقْدُورٍ مَخْصُوصٍ (وَيَلْزَمُ) مِنْ كَوْنِ التَّعَلُّقِ عِبَارَةً عَمَّا ذَكَرْنَا (حُدُوثُهُ) أَيْ التَّعَلُّقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ إحَاطَةِ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَاتِ وَالِاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ كَكَوْنِ الْبَارِي - تَعَالَى - وَتَقَدَّسَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ وَمَذْكُورًا بِأَلْسِنَتِنَا وَمَعْبُودًا لَنَا وَمُحْيِيًا وَمُمِيتًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَتِمُّ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ تَمَامِ الْجَوَابِ السَّالِفِ (وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ) أَيْ وَلَوْ فُرِضَ تَصْرِيحُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِصِفَةِ الْخَلْقِ الْخَلْقُ بِالْفِعْلِ لَا الْقُدْرَةُ عَلَى الْخَلْقِ (فَقَدْ نَفَاهُ الدَّلِيلُ) وَهُوَ لُزُومُ قِدَمِ الْعَالَمِ وَالْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ (مَسْأَلَةٌ الْوَصْفُ حَالَ الِاتِّصَافِ) أَيْ إطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ وُصِفَ بِهِ فِي حَالَةِ قِيَامِ مَعْنَى الْوَصْفِ بِهِ (حَقِيقَةٌ) اتِّفَاقًا كَضَارِبٍ لِمُبَاشِرِ الضَّرْبِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ سَيُوصَفُ بِهِ قَبْلَ قِيَامِ مَعْنَاهُ بِهِ (مَجَازٌ) اتِّفَاقًا كَالضَّارِبِ لِمَنْ لَمْ يَضْرِبْ وَسَيَضْرِبُ (وَبَعْدَ انْقِضَائِهِ) أَيْ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِهِ ثُمَّ زَالَ مَعْنَاهُ عَنْهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَجَازٌ مُطْلَقًا حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا (ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بَقَاؤُهُ) أَيْ مَعْنَى الْوَصْفِ بَعْدَ تَمَامِ وُجُودِهِ (مُمْكِنًا) بِأَنْ كَانَ حُصُولُهُ دَفْعِيًّا كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ (فَمَجَازٌ وَإِلَّا حَقِيقَةٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهُ مُمْكِنًا بِأَنْ كَانَ حُصُولُهُ تَدْرِيجِيًّا كَالْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ الَّتِي لَا ثَبَاتَ لِأَجْزَائِهَا كَالتَّكَلُّمِ وَالتَّحَرُّكِ فَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ. (كَذَا شُرِحَ بِهِ) أَيْ بِمَعْنَى هَذَا التَّقْرِيرِ (وَضْعُهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا مَعْنَاهُ (هَلْ يُشْتَرَطُ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً بَقَاءُ الْمَعْنَى ثَالِثُهَا إنْ كَانَ مُمْكِنًا اُشْتُرِطَ) وَالْوَاضِعُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّارِحُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الشَّارِحُ (قَاصِرٌ) عَنْ مُطَابَقَةِ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ بَلْ مُنَاقِضٌ لِبَعْضِ مَا تَضَمَّنَهُ (إذْ يُفِيدُ إطْلَاقُ الِاشْتِرَاطِ) أَيْ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَعْنَى فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا فِي الْمَشْرُوحِ (الْمَجَازِيَّةَ حَالَ قِيَامِ جُزْءٍ فِيمَا يُمْكِنُ) أَيْ مَجَازِيَّةُ إطْلَاقِ الْوَصْفِ عَلَى مَنْ بَقِيَ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْنَى فِيمَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ؛ إذْ بَقَاءُ جُزْئِهِ لَيْسَ بَقَاءَهُ (وَالشَّرْحُ) يُفِيدُ (الْحَقِيقِيَّةَ) أَيْ حَقِيقِيَّةَ إطْلَاقِ الْوَصْفِ عَلَى مَنْ بَقِيَ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْنَى فِيمَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ لِاعْتِبَارِهِ الِانْقِضَاءَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الِانْقِضَاءُ مَعَ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْ الْمُنْقَضِي وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ. هَذَا وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَاضِي وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لِدُخُولِهَا فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُشْتَقَّاتِ مَعَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمَاضِي بِاعْتِبَارِ مَا مَضَى وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ حَقَائِقُ بِلَا نِزَاعٍ، وَيُسْتَثْنَى الْمُضَارِعُ؛ إذْ قِيلَ: إنَّهُ مُشْتَرَكٌ أَوْ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى هَذَا أَحَدٌ مِنْ مَشْهُورِي شَارِحِي كَلَامِهِ (الْمَجَازُ) أَيْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ إطْلَاق الْوَصْفِ عَلَى مَنْ زَالَ عَنْهُ مَعْنَاهُ بَعْدَ قِيَامِهِ بِهِ مَجَازٌ وَهُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ (يَصِحُّ فِي الْحَالِ نَفْيُهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُنْقَضِي (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِمَاضٍ أَوْ حَالٍ أَوْ اسْتِقْبَالٍ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْهُ ثُمَّ انْقَضَى (وَهُوَ دَلِيلُهُ) أَيْ وَصِحَّةُ النَّفْيِ مُطْلَقًا مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ كَمَا أَنَّ عَدَمَ صِحَّتِهِ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ (لَا يُنَافِي الثُّبُوتَ الْمُنْقَضِيَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَنْفِي مُقْتَضَاهُ) أَيْ مُقْتَضَى نَفْسِهِ (مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ) أَيْ الْإِطْلَاقِ (حَقِيقَةً) وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ دَفَعَ بِهِ الِاسْتِدْلَالَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ أَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ إذَا كَانَ مُنَافِيًا لِلثُّبُوتِ الْمُنْقَضِي لَكِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ. وَمُلَخَّصُ الْجَوَابِ أَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ وَإِنْ لَمْ يُنَافِ الْمُنْقَضِيَ لَا يَنْفِي مُقْتَضَى نَفْسِهِ مِنْ ثُبُوتِ الْمَجَازِيَّةِ (نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ) مِنْ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ فِي: زَيْدٌ لَيْسَ ضَارِبًا إذَا كَانَ قَدْ ضَرَبَ بِالْأَمْسِ وَانْقَضَى (نَفْيُ ثُبُوتِ الضَّرْبِ فِي الْحَالِ) بِأَنْ أُرِيدَ لَيْسَ ضَارِبًا فِي الْحَالِ (وَهُوَ) أَيْ نَفْيُ ثُبُوتِ الضَّرْبِ فِي الْحَالِ (نَفْيُ الْمُقَيَّدِ) أَيْ الضَّرْبِ

الْمُقَيَّدِ بِالْحَالِ كَمَا رَأَيْت لَمْ يَتَمَشَّ لِأَهْلِ الْمَجَازِ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّحَّةَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ وَكَيْفَ لَا وَلَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ إلَّا هَذَا فَحَذْفُ جَوَابِ لَوْ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ السِّيَاقِ وَالسِّبَاقِ (لَكِنْ) لَيْسَ الْمُرَادُ هَذَا مِنْ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ بَلْ (الْمُرَادُ صِدْقُ: زَيْدٌ لَيْسَ ضَارِبًا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ التَّقْيِيدِ) بِشَيْءٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ لَكِنْ هَذَا أَيْضًا مِمَّا لَحِقَهُ الْمَنْعُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَأُجِيبَ بِمَنْعِ صِدْقِ) النَّفْيِ (الْمُطْلَقِ عَلَى إطْلَاقِهِ) فَلَا يُجْدِي الِاسْتِرْوَاحُ إلَيْهِ (قَالُوا) ثَانِيًا (لَوْ كَانَ) الْإِطْلَاقُ (حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ لَكَانَ) حَقِيقَةً أَيْضًا (بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَتَحَكُّمٌ) أَيْ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ فَهُوَ تَحَكُّمٌ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لِهَذِهِ التَّفْرِقَةِ. (بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ صِحَّتَهُ) أَيْ كَوْنِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً بِسَبَبِ الِاتِّصَافِ بِهِ (فِي الْحَالِ إنْ تَقَيَّدَ) الْقَوْلُ بِهَا (بِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الِاتِّصَافِ فِي الْحَالِ (فَمَجَازٌ فِيهِمَا) لِانْتِقَاءِ الثُّبُوتِ فِيهِمَا (وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ فِيهِمَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ الْقَوْلُ بِهَا بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ فَإِطْلَاقُهُ بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ حَقِيقَةٌ كَإِطْلَاقِهِ بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ (وَغَيْرُهُ) أَيْ اعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ (تَحَكُّمٌ) لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ لَيْسَ الْإِطْلَاقُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ اتِّفَاقًا فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ (الْجَوَابُ) نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّتِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ ثُمَّ نَمْنَعُ لُزُومَ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ (لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ (عَدَمُ التَّقَيُّدِ) بِغَيْرِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لِجَوَازِ تَقَيُّدِهِ بِالثُّبُوتِ) أَيْ بِثُبُوتِ مَعْنَى ذَلِكَ الْوَصْفِ (قَائِمًا أَوْ مُنْقَضِيًا) فَيَكُونُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ لِوُجُودِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَهُ مُنْقَضِيًا كَمَا يَكُونُ حَقِيقَةً لِوُجُودِهِ قَائِمًا وَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ لَهُ قَائِمًا أَوْ مُنْقَضِيًا (الْحَقِيقَةَ) أَيْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْوَصْفِ عَلَى مَنْ زَالَ عَنْهُ بَعْدَ قِيَامِهِ بِهِ حَقِيقَةٌ وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ سِينَا وَالْجِبَائِيَّيْنِ (أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى) صِحَّةِ إطْلَاقِ (ضَارِبٌ أَمْسِ) عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ الضَّرْبُ بِالْأَمْسِ وَانْقَضَى. (وَالْأَصْلُ) فِي الْإِطْلَاقِ (الْحَقِيقَةُ، عُورِضَ) هَذَا الدَّلِيلُ (بِإِجْمَاعِهِمْ) أَيْ أَهْلِ اللُّغَةِ (عَلَى صِحَّتِهِ) أَيْ إطْلَاقُ ضَارِبٌ (غَدًا وَلَا حَقِيقَةَ) بَلْ هُوَ مَجَازٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ الْوَاقِعِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ أَنَّهُ (خَصَّ الْأَصْلَ) فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيَّةَ فِي: ضَارِبٌ أَمْسِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجْرَى هَذَا الْأَصْلُ فِيهِ (لِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ) عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي: ضَارِبٌ غَدًا لِلْإِجْمَاعِ (عَلَى مَجَازِيَّةِ الثَّانِي) يَعْنِي: ضَارِبٌ غَدًا فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَجَازِيَّةِ الْأَوَّلِ أَعْنِي: ضَارِبٌ أَمْسِ وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ حَذْفُ (وَلَيْسَ مِثْلُهُ فِي الْآخَرِ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ لَيْسَ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ الْإِطْلَاقُ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ دَلِيلُ تَخْصِيصِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَنَا: الْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهِ فِيهِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ بَعْدَهُ حَقِيقَةٌ اهـ. وَإِنَّمَا اُتُّفِقَ هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي النُّسَخِ مَكَانَ وَحَاصِلُهُ إلَخْ مَا نَصُّهُ وَقَدْ يُقَالُ: قَدْ يُخَصُّ الْأَصْلُ لِدَلِيلٍ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَجَازِيَّةِ الثَّانِي دَلِيلُهُ اهـ وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ حَسَنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَمَّا وَقَعَ التَّغْيِيرُ إلَى هَذَا وَقَعَ الذُّهُولُ عَنْ حَذْفِهِ ثُمَّ هُوَ مِمَّا يَصْلُحُ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ حَقِيقَةً كَوْنُهُ بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ حَقِيقَةً فَلْيُتَأَمَّلْ (قَالُوا) ثَانِيًا (لَوْ لَمْ يَصِحَّ) كَوْنُ إطْلَاقِ الْوَصْفِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مَعْنَاهُ (حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ الْمُؤْمِنُ لِغَافِلٍ وَنَائِمٍ) حَقِيقَةً لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُبَاشِرَيْنِ لِلْإِيمَانِ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ فُسِّرَ بِالتَّصْدِيقِ أَوْ بِغَيْرِهِ (وَالْإِجْمَاعُ أَنَّهُ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ (لَا يَخْرُجُ بِهِمَا) أَيْ بِالْغَفْلَةِ وَالنَّوْمِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا (أُجِيبَ أَنَّهُ) أَيْ بِإِطْلَاقِ الْمُؤْمِنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (مَجَازٌ) بِدَلِيلِ عَدَمِ اطِّرَادِهِ (لِامْتِنَاعِ كَافِرٍ لِمُؤْمِنٍ لِكُفْرٍ تَقَدَّمَ) أَيْ لِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ كَافِرٍ عَلَى مُؤْمِنٍ تَقَدَّمَ كُفْرُهُ (وَإِلَّا كَانَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ كُفَّارًا حَقِيقَةً) كَمَا أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ حَقِيقَةً (وَكَذَا النَّائِمُ لِلْيَقْظَانِ) يَكُونُ حَقِيقَةً كَمَا أَنَّ الْيَقْظَانَ كَذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ وَإِلَّا لَزِمَ الِاتِّصَافُ بِالْمُتَقَابَلِينَ حَقِيقَةً وَهُوَ بَاطِلٌ

(قِيلَ) أَيْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ مَا مَعْنَاهُ (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ مِنْ الْمُؤْمِنِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ (لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ) أَيْ مَحَلُّهُ (اسْمُ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ لَا) بِمَعْنَى الثُّبُوتِ وَلَا مَا جَرَى مَجْرَاهُ كَمَا (فِي مِثْلِ الْمُؤْمِنِ) وَالْكَافِرِ وَالنَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ وَالْحُلْوِ وَالْحَامِضِ (وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ طَرَيَانٌ) وَالْأَوْلَى مِمَّا يُعْتَبَرُ فِي بَعْضِهِ الِاتِّصَافُ بِهِ مَعَ عَدَمِ طَرَيَانِ الْمُنَافِي وَفِي بَعْضِهِ الِاتِّصَافُ بِهِ بِالْفِعْلِ أَلْبَتَّةَ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ هَذَا الْقَائِلِ، وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (وَقَدْ يُقَالُ لَوْ سَلِمَ) أَيْ هَذَا الْوَصْفُ مِنْ مُؤْمِنٍ وَنَحْوِهِ مِنْهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ (فَالْجَوَابُ) مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الْمَجَازِ لِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ (الْحَقُّ أَنَّهُ إذَا أَجْمَعَ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُؤْمِنَ (إذَا لَمْ يَخْرُجْ بِهِمَا) أَيْ بِالنَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ (عَنْ الْإِيمَانِ) إذَا لُوحِظَ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ (أَوْ عَنْ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا) إذَا لُوحِظَتْ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِالْإِيمَانِ (بِاعْتِرَافِكُمْ) مُتَعَلِّقٌ بِ يَخْرُجُ (بَلْ حُكْمُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ أَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ (مَادَامَ الْمَعْنَى) كَالْإِيمَانِ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ (مُودَعًا حَافِظَةَ الْمُدْرِكَ) الَّذِي هُوَ الْمُؤْمِنُ فِي هَذَا الْمِثَالِ (كَانَ) ذَلِكَ الْمَعْنَى (قَائِمًا بِهِ) أَيْ بِالْمُدْرِكِ (مَا لَمْ يَطْرَأْ حُكْمٌ يُنَاقِضُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى (بِلَا شَرْطِ دَوَامِ الْمُشَاهَدَةِ) وَالْمُلَاحَظَةِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى. (فَالْإِطْلَاقُ) لِلْمُؤْمِنِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ نَوْمِهِ وَغَفْلَتِهِ إطْلَاقٌ لَهُ (حَالَ قِيَامِ الْمَعْنَى وَهُوَ) أَيْ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ حَالَ قِيَامِ الْمَعْنَى بِهِ إطْلَاقٌ (حَقِيقِيٌّ اتِّفَاقًا فَلَمْ يُفِدْ) الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ) وَهُوَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى (شَيْئًا) مِنْ مَطْلُوبِكُمْ (وَبِهِ) أَيْ وَبِهَذَا (يَبْطُلُ الْجَوَابُ) الْمُتَقَدِّمُ (بِأَنَّهُ) أَيْ إطْلَاقَ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْغَافِلِ وَالنَّائِمِ (مَجَازٌ) وَإِنْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَابَعَهُ الشَّارِحُونَ وَأَرْدَفَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا هُوَ عَلَى إطْلَاقِ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِمَا فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَلَا، وَإِجْرَاءُ أَحْكَامِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى النَّائِمِ مَثَلًا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ ظَاهِرٌ (وَإِثْبَاتُهُ) أَيْ كَوْنُ الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ مَجَازًا (بِامْتِنَاعِ كَافِرٍ لِمُؤْمِنٍ صَحَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ إلَخْ) أَيْ تَقَدَّمَ كُفْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا (بَاطِلٌ) فَإِنَّ هَذَا الِامْتِنَاعَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِطْلَاقُ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ (بَلْ صِحَّتُهُ) أَيْ إطْلَاقُ كَافِرٍ عَلَى مَنْ آمَنَ بَعْدَ كُفْرِهِ (لُغَةً: اتِّفَاقُ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ) أَيْ: الْإِطْلَاقَ لُغَةً (حَقِيقَةٌ) أَوْ مَجَازٌ. (وَالْمَانِعُ) مِنْ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالًا حَقِيقَةً وَمَجَازًا أَمْرٌ (شَرْعِيٌّ) كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّحْصِيلِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ حُرْمَةُ نَبْزِ الْمُؤْمِنِ وَلَا سِيَّمَا الصَّحَابِيَّ بِهَذَا الذَّمِّ الَّذِي طَهَّرَهُ اللَّهُ مِنْهُ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ بَلْ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ (وَإِذَا لَهُمْ) أَيْ وَإِذْ لَمْ يَكُنْ خِلَافَ اللُّغَةِ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِ كَافِرٍ عَلَى مَنْ آمَنَ بَعْدَ كُفْرٍ فَلِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ (ادِّعَاءُ كَوْنِهِ) أَيْ إطْلَاقِ كَافِرٍ عَلَى مَنْ آمَنَ بَعْدَ كُفْرٍ (حَقِيقَةً) أَيْ إطْلَاقًا حَقِيقِيًّا لُغَوِيًّا (مَعَ صِحَّةِ إطْلَاقِ الضِّدِّ) وَهُوَ مُؤْمِنٌ فِي هَذَا الْمِثَالِ عَلَيْهِ (كَذَلِكَ) أَيْ إطْلَاقًا حَقِيقِيًّا لُغَوِيًّا أَيْضًا (وَلَا يَمْتَنِعُ) هَذَا (إلَّا لَوْ قَامَ مَعْنَاهُمَا) أَيْ الضِّدَّيْنِ (فِي وَقْتِ الصِّحَّتَيْنِ) أَيْ صِحَّةِ إطْلَاقِ كَافِرٍ حَقِيقَةً وَصِحَّةِ إطْلَاقِ مُؤْمِنٍ حَقِيقَةً عَلَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ بِهِ (وَلَيْسَ الْمُدَّعَى) فِي هَذَا (سِوَى كَوْنِ اللَّفْظِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى حَقِيقَةً وَأَيْنَ هُوَ) أَيْ إطْلَاقُ لَفْظِ الضِّدِّ (مِنْ قِيَامِهِ) أَيْ مَعْنَى الضِّدِّ (فِي الْحَالِ لِيَجْتَمِعَ الْمُتَنَافِيَانِ أَوْ يَلْزَمَ قِيَامُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ إلْزَامُ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ كَوْنَهُ كَافِرًا حَقِيقَةً مُؤْمِنًا حَقِيقَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ إطْلَاقُ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ نَفْسِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إحْدَى الْحَقِيقَتَيْنِ لَا يُقَارِنُهَا وُجُودُ مَعْنًى بَلْ يَثْبُتُ حَالَ انْتِفَائِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ كَوْنِهِ كَافِرًا حَقِيقَةً مُؤْمِنًا حَقِيقَةً سِوَى صِحَّةِ الْإِطْلَاقَيْنِ الْحَقِيقِيَّيْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُمْتَنِعٍ إلَّا لَوْ اسْتَلْزَمَ اجْتِمَاعَ مَعْنَاهُمَا وَهُوَ مُنْتَفٍ قُلْت وَعَلَى ذَا لَا يُسْتَبْعَدُ جَرَيَانُ هَذَا فِي النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ وَالْحُلْوِ وَالْحَامِضِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَيَنْتَفِي مَا نُظِرَ فِي تَعْلِيلِ مَنْعِ

إطْلَاقِ الْكَافِرِ عَلَى مُسْلِمٍ تَقَدَّمَ كُفْرُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ امْتِنَاعَ الشَّيْءِ مَتَى دَارَ إسْنَادُهُ بَيْنَ عَدَمِ الْمُقْتَضِي، وَوُجُودِ الْمَانِعِ كَانَ إسْنَادُهُ إلَى عَدَمِ الْمُقْتَضِي أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْنَدَ إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ لَكَانَ الْمُقْتَضِي وُجِدَ وَتَخَلَّفَ أَثَرُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَيَكُونُ عَلَى هَذِهِ دَعْوَى امْتِنَاعِ الْكَافِرِ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ وُجُودُ مَعْنَى الْوَصْفِ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى امْتِنَاعِهِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَقِيقَةِ بِصَدَدِ مَنْعِ عَدَمِ الْمُقْتَضِي؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى عِنْدَهُمْ. نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تَمَامُ أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ الِادِّعَاءُ الْمَذْكُورُ إذَا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعٌ عَلَى الْمَنْعِ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وُجُودُهُ حَيْثُ قَالَ: لَا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْقَائِمِ قَاعِدًا وَالْقَاعِدِ قَائِمًا لِلْقُعُودِ وَالْقِيَامِ السَّابِقِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ اللِّسَانِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ لَوْ اتَّحَدَ الزَّمَانُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ قُلْنَا الْكَلَامُ فِي اللُّغَةِ، وَبُطْلَانُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لُغَةً لَكِنَّ شَيْخَنَا الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ، وَأَنَّهُ لَا مَانِعَ عَقْلِيٌّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ لَوْ ادَّعَوْهُ فَلَا ضَيْرَ عَلَيْهِ (قَالُوا) ثَالِثًا (لَوْ اُشْتُرِطَ لِكَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (حَقِيقَةً بَقَاءُ الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ لِأَكْثَرِ الْمُشْتَقَّاتِ حَقِيقَةٌ كَضَارِبٍ وَمُخَيَّرٍ) وَالْوَجْهُ حَذْفُ ضَارِبٍ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ بَقَاءَ الْمَعْنَى لَوْ كَانَ شَرْطًا لِلْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَقَّاتِ مِنْ الْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ حَقِيقَةٌ فَإِنَّهَا كَمَا تَقَدَّمَ يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَعَانِيهَا دَفْعَةً فِي زَمَانٍ، وَلَا تَجْتَمِعُ أَجْزَاءُ مَعَانِيهَا فِي آنٍ؛ لِأَنَّهَا تَدْرِيجِيَّةُ التَّحَقُّقِ لَا يَحْصُلُ الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَوَّلُ وَهَلُمَّ جَرًّا فَانْتَفَى أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى كَوْنِهَا قَارَّةً فِيهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَقِيقَةً فِيمَا مَضَى لِعَدَمِ حُصُولِ مَعَانِيهَا وَلَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لِانْقِضَائِهَا فَلَا يَكُونُ لَهَا حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ أَصْلًا. وَهَذَا بِخِلَافِ الضَّرْبِ فَإِنَّهُ دَفْعِيُّ الْحُصُولِ كَمَا سَيُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا وَقَعَ ذِكْرُهُ نَظَرًا لِذِكْرِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ إيَّاهُ مَعَ الْمَشْيِ وَالْحَرَكَةِ وَالتَّكَلُّمِ تَمْثِيلًا لِلْمَصَادِرِ الَّتِي يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَعَانِيهَا فِي آنٍ (بَلْ لِنَحْوِ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ) أَيْ بَلْ إنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ حَقِيقَةً لِلْمُشْتَقَّاتِ مِنْ الْمَصَادِرِ الْآنِيَةِ وَهِيَ الَّتِي تَجْتَمِعُ أَجْزَاءُ مَعَانِيهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَتَبْقَى كَعَالِمٍ وَقَائِمٍ وَنَاصِرٍ أَوْ تُوجَدُ دَفْعَةً كَضَارِبٍ بِأَنْ تُطْلَقَ عَلَى مَنْ قَامَتْ بِهِ حَالَ قِيَامِهَا بِهِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَالْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ بَقَاءَ الْمَعْنَى (يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً (إنْ أَمْكَنَ) بَقَاؤُهُ (وَإِلَّا فَوُجُودُ جُزْءٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقَاءُ الْمَعْنَى فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةُ وُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْنَى مَعَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُشْتَقَّاتِ الْمَذْكُورَةِ حَقِيقَةٌ أَصْلًا لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِ هَذَا الْقَدْرِ فِيهَا ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ مُطْلَقِ الِاشْتِرَاطِ أُورِدَ كَيْفُ يَصِحُّ هَذَا مِنْهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْجَوَابِ عَنْ الدَّلِيلِ إبْطَالُهُ، وَبَيَانُ عَدَمِ إفَادَتِهِ مَطْلُوبَ الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ مُوَافَقَتِهِ مَذْهَبَ الْمُجِيبِ، وَهَذَا مَا يُقَالُ: الْمَانِعُ لَا مَذْهَبَ لَهُ. وَقِيلَ: هَذَا تَخْصِيصٌ لِلدَّعْوَى بِصُورَةِ الْإِمْكَانِ وَرُجُوعٌ إلَى الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا) التَّفْصِيلَ (يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادَ مُطْلَقِ الِاشْتِرَاطِ) أَيْ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَعْنَى فِي كَوْنِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقِيًّا عَنْ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ مِمَّا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ مَجَازٌ (ضَرُورَةً) وَإِلَّا لَزِمَ اللَّازِمُ الْبَاطِلُ الْمُتَقَدِّمُ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ نَحْوُ مُخْبِرٍ يُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً أَصْلًا (لَا) أَنْ يَكُونَ الِاشْتِرَاطُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ مَعَ كَوْنِهِ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ مَجَازًا (مَذْهَبًا ثَالِثًا) لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً بَعْدَ الِانْقِضَاءِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فَلَيْسَ هُنَا فِي التَّحْقِيقِ سِوَى مَذْهَبَيْنِ يَجْتَمِعَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَالَ الِاتِّصَافِ وَيَفْتَرِقَانِ فِيمَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ثُمَّ أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ (فَهُوَ) أَيْ مُطْلَقُ الِاشْتِرَاطِ (وَإِنْ قَالَ: يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمَعْنَى) لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ لَا يُرِيدُ بِهِ بَقَاءَ كُلِّهِ بَلْ (يُرِيدُ وُجُودَ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَعْنَى (فَلَفْظُ مُخْبِرٍ وَضَارِبٍ إذَا أُطْلِقَ فِي حَالِ الِاتِّصَافِ بِبَعْضِ الْإِخْبَارِ)

الفصل الثاني انقسام اللفظ المفرد باعتبار دلالته

بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِمُبَاشَرَةِ الضَّرْبِ فِي الْجُمْلَةِ (يَكُونُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ حَالَ الِاتِّصَافِ بِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْهُ (يُقَالُ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحَالِ (إنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْحَالَ (حَالُ اتِّصَافِهِ بِالْإِخْبَارِ وَالضَّرْبِ عُرْفًا وَإِذَا كَانَ) ذَلِكَ الْحَالُ. (كَذَلِكَ) أَيْ يُقَالُ فِيهِ: إنَّهُ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ الْوَصْفِ (وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ) أَيْ الْمُطْلَقُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْمُرَادِ خُصُوصًا (وَمِنْ الْمُسْتَبْعَدِ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ: لَفْظُ ضَارِبٍ فِي حَالِ الضَّرْبِ مَجَازٌ) لِعَدَمِ قِيَامِ جَمِيعِهِ بِهِ حِينَئِذٍ (وَأَنَّهُ) أَيْ الضَّارِبَ (لَمْ يُسْتَعْمَلْ قَطُّ حَقِيقَةً) كَمَا هُوَ لَازِمُ ظَاهِرِ إطْلَاقِ الِاشْتِرَاطِ كَمَا بَيَّنَّاهُ (وَكَثِيرٌ مِثْلُ هَذَا فِي كَلَامِ الْمُولَعِينَ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ الْمُغْرَيْنَ (بِإِثْبَاتِ الْخِلَافِ وَنَقْلِ الْأَقْوَالِ لِمَنْ تَتَبَّعَ) ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ مَصْرُوفٍ عَنْ ظَاهِرِهِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِلْمَذْهَبِ الْمُفَصَّلِ فَإِنَّ الْمُفَصَّلَ مُصَرِّحٌ بِاشْتِرَاطِ وُجُودِ بَقَاءِ كُلِّ الْمَعْنَى إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ وَجُزْءٌ مِنْهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيِّ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُ جُزْءٍ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مُمْكِنَ الْبَقَاءِ أَوْ لَا كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ شَارِحِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَلَا يُقَالُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُطْلِقِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُفَصِّلِ بَعْدَ إلْغَاءِ تَفْصِيلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِي حَالِ وُجُودِ بَعْضِهِ يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ مُتَّصِفٌ بِهِ عُرْفًا سَوَاءٌ كَانَ مُمْكِنَ الْبَقَاءِ أَوْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّارِحِينَ الْمَذْكُورِينَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا تَفْصِيلَ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُسَامَحَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي الْمَصَادِرِ الزَّمَانِيَّةِ اعْتِبَارُهَا فِي الْآنِيَةِ أَيْضًا لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ فِي الْأُولَى عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُسَامَحَةِ فِيهَا دُونَ الثَّانِيَةِ. وَأَيْضًا مَذْهَبُ الْمُفَصِّلِ يُفِيدُ أَنَّ إطْلَاقَ مَا لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ حَقِيقِيٌّ وَمَذْهَبُ مُطْلِقِ الِاشْتِرَاطِ يُفِيدُ أَنَّهُ مَجَازِيٌّ نَعَمْ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَلَا غَيْرِهِ لِيَتَنَاوَلَ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَعْدَ حَمْلِهِ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ وَكَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَمَنْ قَالَ: قَامَ زَيْدٌ مَثَلًا إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُتَكَلِّمٌ حَقِيقَةً عِنْدَ مُقَارَنَةِ الدَّالِ فَقَطْ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فَإِنَّ هَذِهِ مُضَايَقَةٌ وَمُشَاحَّةٌ لَا تَوْسِعَةً وَمُسَامَحَةٌ (ثُمَّ الْحَقُّ أَنَّ ضَارِبًا لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ جُزْءُ مَعْنَاهُ كَمَا قِيلَ (لِأَنَّ الْمَوْجُودَ تَمَامُ الْمَعْنَى وَإِنْ انْقَضَى كَثِيرٌ مِنْ الْأَمْثَالِ) أَيْ بَلْ الدَّاخِلُ فِي الْوُجُودِ تَمَامُ مَعْنَاهُ لِأَنَّ تَمَامَ مَعْنَاهُ هُوَ كَوْنُهُ مُتَّصِفًا بِالتَّأْثِيرِ فِي الْغَيْرِ بِالْإِيلَامِ، وَتَمَامُ هَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي الضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ فَالْبَاقِي بَعْدَهَا، وَلَوْ ضَرْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ مِائَةِ ضَرْبَةٍ تَمَامُ مَعْنَاهُ أَيْضًا، وَمَا انْقَضَى قَبْلَ الْأَخِيرَةِ وَبَعْدَ الْأُولَى تَكْرَارٌ لِتَمَامِ الْمَعْنَى (لَا يُقَالُ فَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ لَمْ يَسْلَمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ لِلْمَجَازِ (الْحَقِيقَةُ تَقْدِيمًا لِلتَّوَاطُؤِ عَلَى الْمَجَازِ) لِأَنَّهُ دَارَ اللَّفْظُ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا أَوْ مُتَوَاطِئًا أَيْ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ بِاعْتِبَارِ مَا قَامَ بِهَا أَوْ وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْوُجُودِ أَعَمُّ مِنْ قِيَامِهِ حَالَ الْإِطْلَاقِ أَوْ انْقِضَائِهِ. وَالتَّوَاطُؤُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا أَنَّ الْمَجَازَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاشْتِرَاطِ اللَّفْظِيِّ (لَا) أَنَّ الْوَجْهَ (التَّوَقُّفُ) عَنْ الْجَزْمِ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ (كَظَاهِرِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ) وَهُوَ الْآمِدِيُّ ثُمَّ ابْنُ الْحَاجِبِ بِنَاءً عَلَى تَعَارُضِ أَدِلَّتِهِمَا، وَزَعْمِ انْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ كَذَلِكَ (لِعَدَمِ لَازِمِهِ) أَيْ التَّوَاطُؤِ (وَهُوَ) أَيْ لَازِمُهُ (سَبَقَ الْأَحَدَ الدَّائِرَ) فِي الثُّبُوتِ الْقَائِمِ وَالْمُنْقَضِي إلَى الْفَهْمِ (لِسَبْقِهِ) أَيْ الْمَعْنَى إلَى الْفَهْمِ (بِاعْتِبَارِ الْحَالِ مِنْ نَحْوِ: زَيْدٌ قَائِمٌ) وَإِذَا كَانَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ فِي نَحْوِ إطْلَاقِ زَيْدٌ قَائِمٌ وَضَارِبٌ قِيَامَ قِيَامِهِ وَضَرْبَهُ فِي الْحَالِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ وَضْعُهُ لِلْمُحَالِ فَيَتَرَجَّحُ الْمَجَازُ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ [الْفَصْلُ الثَّانِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ] (الْفَصْلُ الثَّانِي) فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ (فِي الدَّلَالَةِ) لِلْمُفْرَدِ (وَظُهُورِهَا وَخَفَائِهَا تَقْسِيمَاتٍ) ثَلَاثَةً، وَالتَّقْسِيمُ إظْهَارُ الْوَاحِدِ الْكُلِّيِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَادِّ فَيَلْزَمُ مِنْهُ امْتِنَاعُ تَقْسِيمِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَكَوْنُ الْمُقَسَّمُ أَعَمَّ مِنْ كُلِّ قِسْمٍ

مُطْلَقًا (التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ) فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ مِنْ حَيْثُ هِيَ (اللَّفْظُ الْمُفْرَدُ) الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى (إمَّا دَالٌّ) عَلَيْهِ (بِالْمُطَابَقَةِ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ بِتَمَامِهِ (أَوْ التَّضَمُّنِ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مَعًا (أَوْ الِالْتِزَامِ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِمَلْزُومِهِ (وَالْعَادَةُ) الْعَمَلِيَّةُ لِلْمَنْطِقِيِّينَ (التَّقْسِيمُ فِيهَا) أَيْ فِي الدَّلَالَةِ (وَيَسْتَتْبِعُهُ) أَيْ، وَيَكُونُ اللَّفْظُ تَبَعًا لِلدَّلَالَةِ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ لِتَعَدِّيهِ مِنْهَا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ نَحْنُ فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِكَوْنِهِ بِالذَّاتِ لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَمَا أَنَّ سَائِرَ إخْوَتِهِ مِنْ الْفُصُولِ الْآتِيَةِ لَهُ بِالذَّاتِ بِاعْتِبَارَاتٍ أُخَرَ أَيْضًا ثُمَّ يَقَعُ التَّقْسِيمُ لَهُ أَوَّلًا، وَبِالذَّاتِ فِيهَا وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ (وَالدَّلَالَةُ كَوْنُ الشَّيْءِ مَتَى فُهِمَ فُهِمَ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ التَّلَازُمُ) بَيْنَهُمَا (بِعِلَّةِ الْوَضْعِ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ الشَّيْءِ لِلْغَيْرِ أَيْ جَعْلِهِ بِإِزَائِهِ بِحَيْثُ إذَا فُهِمَ الشَّيْءُ فُهِمَ الْغَيْرُ (فَوَضْعِيَّةٌ) أَيْ فَدَلَالَةُ الشَّيْءِ عَلَى الْغَيْرِ وَضْعِيَّةٌ (أَوْ بِالْعَقْلِ) أَيْ أَوْ كَانَ التَّلَازُمُ بَيْنَهُمَا بِإِيجَابِ الْعَقْلِ الصِّرْفِ فِي ذَلِكَ (فَعَقْلِيَّةٌ) أَيْ فَدَلَالَةٌ الشَّيْءِ عَلَى الْغَيْرِ عَقْلِيَّةٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْهَا) أَيْ الْعَقْلِيَّةِ (الطَّبِيعِيَّةُ) وَهِيَ مَا اقْتَضَى التَّلَفُّظُ بِمَلْزُومِهَا الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ طَبْعَ اللَّافِظِ عِنْدَ عُرُوضِ الْمَعْنَى لَهُ كَدَلَالَةِ أَحْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى أَذَى الصَّدْرِ (إذْ دَلَالَةُ أَحْ عَلَى الْأَذَى دَلَالَةُ الْأَثَرِ عَلَى مُبْدِئِهِ) أَيْ مُؤَثِّرِهِ (كَالصَّوْتِ وَالْكِتَابَةِ وَالدُّخَانِ) أَيْ كَدَلَالَةِ الصَّوْتِ الْمَسْمُوعِ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ عَلَى وُجُودِ مُصَوِّتِهِ ثَمَّةَ وَالْكِتَابَةِ عَلَى كَاتِبِهَا وَالدُّخَانِ عَلَى النَّارِ فَإِنَّ هَذِهِ الدَّلَالَاتِ عَقْلِيَّةٌ لِأَنَّهَا دَلَالَةُ الْأَثَرِ عَلَى مُؤَثِّرِهِ فَكَذَا هَذِهِ؛ لِأَنَّ أَحْ أَثَرُ عُرُوضِ وَجَعِ صَدْرِ اللَّافِظِ، فَإِذَنْ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ قَسِيمَةً لِلْعَقْلِيَّةِ كَمَا فَعَلُوهُ عَنْ آخِرِهِمْ (وَالْوَضْعِيَّةُ) قِسْمَانِ (غَيْرُ لَفْظِيَّةٍ كَالْعُقُودِ) جَمْعُ عَقْدٍ وَهُوَ مَا يُعْقَدُ بِالْأَصَابِعِ عَلَى كَيْفِيَّاتٍ خَاصَّةٍ أَيْ كَدَلَالَتِهَا عَلَى كَمِّيَّاتٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْعَدَدِ (وَالنُّصُبِ) جَمْعُ نَصْبَةٍ وَهِيَ الْعَلَامَةُ الْمَنْصُوبَةُ لِمَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ أَيْ كَدَلَالَتِهَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَاتَيْنِ دَلَالَةٌ وَضْعِيَّةٌ غَيْرُ لَفْظِيَّةٍ (وَلَفْظِيَّةٌ) وَهِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِالنَّظَرِ فِي الْعُلُومِ لِانْضِبَاطِهَا وَشُمُولِهَا لِمَا يُقْصَدُ إلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي وَهِيَ (كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ إذَا أُرْسِلَ فُهِمَ الْمَعْنَى لِلْعِلْمِ بِوَضْعِهِ) أَيْ كَوْنِ اللَّفْظِ كُلَّمَا أُطْلِقَ فُهِمَ مِنْهُ مَعْنَاهُ لِلْعِلْمِ بِتَعْيِينِهِ بِنَفْسِهِ بِإِزَاءِ مَعْنَاهُ الْمَفْهُومِ مِنْهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَمِيعَ مَا وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ أَوْ جُزْأَهُ أَوْ لَازِمَهُ. وَمَا قِيلَ إنَّمَا قَالَ مَنْ قَالَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِالْوَضْعِ وَلَمْ يَقُلْ بِوَضْعِهِ لَهُ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ التَّعْرِيفِ دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ، فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يُقَالُ الْعِلْمُ بِالْوَضْعِ الَّذِي هُوَ نِسْبَةٌ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ الْمَعْنَى كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ اللَّفْظِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّ فَهْمَ الْمَعْنَى لِأَجْلِ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فَلَوْ صَحَّ هَذَا لَزِمَ تَوَقُّفُ كُلٍّ مِنْ فَهْمِ الْمَعْنَى وَالْعِلْمِ بِالْوَضْعِ عَلَى الْآخَرِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّا نَقُولُ: فَهْمُ الْمَعْنَى فِي حَالِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ السَّابِقِ بِالْوَضْعِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ السَّابِقَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ الْمَعْنَى فِي الْحَالِ بَلْ عَلَى فَهْمِهِ فِي الزَّمَانِ السَّابِقِ، وَأَيْضًا فَهْمُ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ وَلَيْسَ الْعِلْمُ بِالْوَضْعِ مَوْقُوفًا عَلَى فَهْمِهِ مِنْ اللَّفْظِ بَلْ عَلَى فَهْمِهِ مُطْلَقًا فَظَهَرَ تَغَايُرُ الْفَهْمَيْنِ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِحَسَبِ الزَّمَانِ، وَفِي الْجَوَابِ الثَّانِي بِحَسَبِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَلَا دَوْرَ ثَمَّ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الدَّلَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ طَبِيعِيَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ طَبِيعِيَّةٍ؛ إذْ لَا وَضْعَ فِيهَا وَلِاسْتِوَاءِ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ فِي ذَلِكَ الْفَهْمِ إنْ كَانَ هُنَاكَ وَضْعٌ (وَأُورِدَ سَمَاعُهُ) أَيْ اللَّفْظِ الدَّالِّ بِالْوَضْعِ (حَالَ كَوْنِ الْمَعْنَى مُشَاهَدًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَإِنَّ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ ثَابِتَةٌ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ إذَا أُطْلِقَ اللَّفْظُ وَلَمْ يُفْهَمْ الْمَعْنَى فَبَطَلَ عَكْسُ التَّعْرِيفِ اهـ لِأَنَّ فَهْمَ الْمَفْهُومِ مُحَالٌ؛ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْمَعْنَى مُرْتَسِمٌ عِنْدَهُ بِوَاسِطَةِ الْمُشَاهَدَةِ. (وَأُجِيبَ بِقِيَامِ الْحَيْثِيَّةِ) أَيْ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ الْحَدِّ حَالَ كَوْنِ الْمَعْنَى مُشَاهَدًا لِبَقَاءِ قِيَامِ الْحَيْثِيَّةِ بِاللَّفْظِ حِينَئِذٍ أَيْضًا (وَهِيَ) أَيْ الْحَيْثِيَّةُ هِيَ (الدَّلَالَةُ) قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِاتِّجَاهِ تَسَلُّطِ الْمَنْعِ عَلَى كَوْنِهَا حَقِيقَةَ الدَّلَالَةِ بَلْ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّهَا شَرْطُ تَحَقُّقِهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَالْحَقُّ الِانْقِطَاعُ

بِالسَّمَاعِ ثُمَّ التَّجَدُّدُ عَنْهُ) أَيْ وَالْجَوَابُ الْحَقُّ مَنْعُ انْتِفَاءِ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَطْلَقَ اللَّفْظَ وَلَمْ يُفْهَمْ الْمَعْنَى، قُلْنَا: مَمْنُوعٌ قَوْلُهُ: لِأَنَّ فَهْمَ الْمَفْهُومِ مُحَالٌ قُلْنَا مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ فَهْمُ الْمَعْنَى، وَيَذْهَبُ انْتِقَاشُهُ مِنْ النَّفْسِ عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَضْعًا لَكِنَّهُ يَنْقَطِعُ حَالَتَئِذٍ لِلذُّهُولِ عَنْهُ بِالِالْتِفَاتِ إلَى الْمَسْمُوعِ ثُمَّ يَتَجَدَّدُ فَهْمُهُ ثَانِيًا عَنْ سَمَاعِ اللَّفْظِ فَيَكُونُ إدْرَاكًا ثَانِيًا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ الْأَوَّلِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يُحَقِّقُ صِحَّةَ دَعْوَى قِيَامِ الْحَيْثِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَالْجَوَابُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ بِدَعْوَى قِيَامِهَا، وَهَذَا بَيَانٌ لِذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَلِلدَّلَالَاتِ) الْوَضْعِيَّةِ اللَّفْظِيَّةِ (إضَافَاتٌ) ثَلَاثٌ: إضَافَةٌ (إلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ وَجُزْئِهِ) أَيْ وَإِضَافَةٌ إلَى جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ (وَلَازِمِهِ) أَيْ وَإِضَافَةٌ إلَى لَازِمِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ (إنْ كَانَا) أَيْ إنْ وُجِدَ الْجُزْءُ وَاللَّازِمُ، وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُطَابَقَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ التَّضَمُّنَ وَالِالْتِزَامَ دَائِمًا، وَالْأَمْرُ عَلَى مَا أَشَارَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسَمَّى اللَّفْظِ بَسِيطًا كَالْوَحْدَةِ وَالنُّقْطَةِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَلَا تَضَمُّنَ لِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَيْضًا أَنَّ الِالْتِزَامَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّضَمُّنَ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْبَسِيطَ إذَا كَانَ لَهُ لَازِمٌ ذِهْنِيٌّ كَانَ ثَمَّةَ الْتِزَامٌ بِلَا تَضَمُّنٍ. وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُسَمَّى لَازِمٌ بَيِّنٌ يُلْزِمُ فَهْمُهُ فَهْمَهُ، وَلِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّا نَعْقِلُ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْ جَمِيعِ الْأَغْيَارِ فَانْتَفَى زَعْمُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ بِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ تَسْتَلْزِمُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَيْضًا أَنَّ التَّضَمُّنَ لَا يَسْتَلْزِمُ الِالْتِزَامَ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُسَمَّى الْمُرَكَّبِ لَازِمٌ كَذَلِكَ وَلِلْعِلْمِ بِأَنَّا نَعْقِلُ كَثِيرًا مِنْ الْمَعَانِي الْمُرَكَّبَةِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ نَعَمْ التَّضَمُّنُ وَالِالْتِزَامُ مُسْتَلْزِمَانِ لِلْمُطَابَقَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ إلَّا مَعَهَا بِالِاتِّفَاقِ (وَلَهَا) أَيْ وَلِلدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَاللَّفْظِيَّةِ (مَعَ كُلٍّ) مِنْ هَذِهِ الْإِضَافَاتِ (اسْمٌ فَمَعَ الْأَوَّلِ) أَيْ فَلَهَا مُضَافَةً إلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَمَامُهُ اسْمٌ هُوَ (دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ) لِمُوَافَقَةِ الْمَعْنَى اللَّفْظَ (وَمَعَ الثَّانِي) أَيْ وَلَهَا مُضَافَةً إلَى جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْؤُهُ اسْمٌ هُوَ (دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ) لِتَضَمُّنِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ إيَّاهُ (وَكَذَا الِالْتِزَامُ) أَيْ وَكَذَا لَهَا مُضَافَةً إلَى اللَّازِمِ الْخَارِجِ عَنْ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَازِمُهُ اسْمٌ هُوَ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ لِاسْتِلْزَامِهِ لَهُ. (وَيَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَهَا) أَيْ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ (انْتِقَالَيْنِ وَاحِدٌ) مِنْ اللَّفْظِ (إلَى الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيِّ وَالتَّضَمُّنِيِّ) مَعًا (لِأَنَّ فَهْمَهُ) أَيْ الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الدَّلَالَةُ التَّضَمُّنِيَّةُ (فِي ضِمْنِهِ) أَيْ فِي ضِمْنِ فَهْمِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِلْمَعْنَى الْمُرَكَّبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يُلَاحَظُ مُلَاحَظَةً وَاحِدَةً إجْمَالِيَّةً فَلَيْسَ ثَمَّةَ إلَّا فَهْمٌ وَاحِدٌ لَهُمَا فَالدَّلَالَةُ عَلَى الْكُلِّ لَا تُغَايِرُ الدَّلَالَةَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَجْزَاءِ مُغَايَرَةً بِالذَّاتِ بَلْ بَيْنَهُمَا تَغَايُرٌ بِالْإِضَافَةِ وَالِاعْتِبَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْفَهْمَ الْوَاحِدَ إنْ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ وَاعْتُبِرَ بِالْقِيَاسِ إلَيْهِ سُمِّيَ فَهْمَ الْكُلِّ، وَدَلَالَةُ الْمُطَابِقَةِ إنْ أُضِيفَ إلَى أَحَدِ الْأَجْزَاءِ وَاعْتُبِرَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سُمِّيَ فَهْمَ ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَدَلَالَةَ التَّضَمُّنِ وَاسْتُوْضِحَ ذَلِكَ بِمَا إذَا وَقَعَ بَصَرُك عَلَى زَيْدٍ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدِمَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنَّك تَرَاهُ وَتَرَى أَجْزَاءً بِرُؤْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ نَسَبْت هَذِهِ الرُّؤْيَةَ إلَى زَيْدٍ تُسَمَّى رُؤْيَتَهُ وَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ تُسَمَّى رُؤْيَةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ (لَا كَظَنِّ شَارِحِ الْمَطَالِعِ) قُطْبِ الدِّينِ الْفَاضِلِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى جُزْءِ مَا وُضِعَ هُوَ لَهُ ثُمَّ مِنْهُ إلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ هُوَ لَهُ وَأَنَّ الْمُطَابَقَةَ تَابِعَةٌ لِلتَّضَمُّنِ فِي الْفَهْمِ لِسَبْقِ الْجُزْءِ فِي الْوُجُودَيْنِ لِظُهُورِ مَنْعِ الْأَوَّلِ وَسَبْقِ الْجُزْءِ فِي الْوُجُودَيْنِ مُطْلَقَةً لَا دَائِمَةً؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ فِي تَذَكُّرِ الْمَعْنَى عِنْدَ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى فَهْمِهِ مِنْهُ وَالِالْتِفَاتِ إلَيْهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِعِلَّةِ سَمَاعِ اللَّفْظِ وَالْعِلْمِ بِوَضْعِهِ لَهُ وَذَلِكَ عِلَّةُ الِانْتِقَالِ لِلْمَجْمُوعِ فَيَثْبُتُ كَذَلِكَ. ثُمَّ مُقْتَضَاهُ فَهْمُ الْجُزْءِ مَرَّتَيْنِ بِالِاسْتِقْلَالِ وَفِي ضِمْنِ الْكُلِّ لَكِنْ الْوِجْدَانُ يَنْفِي الْأَوَّلَ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ تَعَقُّلِ الْمُرَكَّبِ مِنْ مُفِيدِهِ تَفْصِيلًا حَيْثُ يَلْزَمُ فِيهِ سَبْقُ الْجُزْءِ كَذَا أَفَادَهُ

الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (يَلِيهِ) أَيْ هَذَا الِانْتِقَالَ انْتِقَالٌ (آخَرُ) مِنْ الْمُطَابِقِيِّ أَوْ التَّضَمُّنِيِّ إنْ كَانَ هُوَ الْمَلْزُومَ (إلَى الِالْتِزَامِيِّ) فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّفْظِ وَاسِطَةٌ بِخِلَافِهِمَا ثُمَّ هَذَا الِانْتِقَالُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ يَلْزَمُ (لُزُومًا) ذِهْنِيًّا لَا انْفِكَاكَ لَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ اللُّزُومَ بَيْنَ أَحَدِهِمَا وَبَيْنَهُ مَشْرُوطٌ أَنْ يَكُونَ (بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ) وَهُوَ كَوْنُ اللَّازِمِ يَحْصُلُ فِي الذِّهْنِ كُلَّمَا حَصَلَ الْمُسَمَّى فِيهِ (فَانْتَفَى لُزُومُ الِالْتِزَامِيِّ مُطْلَقًا لِلُزُومِ تَعَقُّلِ أَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْأَعَمِّ) أَيْ فَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا انْتِفَاءُ كَوْنِ الْمُطَابَقَةِ تَسْتَلْزِمُ الِالْتِزَامَ دَائِمًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ الْمُطَابَقَةُ يَلْزَمُهَا الِالْتِزَامُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مَاهِيَّةٍ لَازِمًا بَيِّنًا، وَأَقَلُّهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ غَيْرَهَا وَالدَّالُّ عَلَى الْمَلْزُومِ دَالٌّ عَلَى اللَّازِمِ الْبَيِّنِ بِالِالْتِزَامِ، وَإِيضَاحُ الِانْتِفَاءِ أَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ اللُّزُومِ فِي اللَّازِمِ الْبَيِّنِ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ لِلُّزُومِ، وَهُوَ مَا يُحْكَمُ بِهِ مِنْ اللُّزُومِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كُلَّمَا تَعَقَّلَا سَوَاءٌ كَانَ حُصُولُ اللَّازِمِ فِي الذِّهْنِ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ حُصُولِ الْمَلْزُومِ فِيهِ أَوْ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي الْقَرَائِنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ اللُّزُومُ بَيْنَهُمَا مِمَّا يُثْبِتُهُ الْعَقْلُ أَوْ عُرْفٌ عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ بِاللُّزُومِ بَيْنَهُمَا يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ اعْتِبَارَ اللُّزُومِ فِي اللَّازِمِ الْبَيِّنِ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ اللُّزُومُ الذِّهْنِيُّ. وَأَمَّا الْخَارِجِيُّ وَهُوَ كَوْنُ اللَّازِمِ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِ الْمُسَمَّى فِي الْخَارِجِ تَحَقُّقُهُ أَيْضًا فِيهِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ كَالْعَمَى يَدُلُّ عَلَى الْمَلَكَةِ كَالْبَصَرِ دَلَالَةً الْتِزَامِيَّةً؛ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْبَصَرِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا مَعَ عَدَمِ اللُّزُومِ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُعَانَدَةِ فِيهِ (هَذَا) كُلُّهُ (عَلَى) اصْطِلَاحِ (الْمَنْطِقِيِّينَ فَلَا دَلَالَةَ لِلْمَجَازَاتِ عَلَى الْمَجَازِيَّةِ) أَيْ فَلَا دَلَالَةَ مِنْ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ لِلْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ (بَلْ يَنْتَقِلُ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ (إلَيْهَا) أَيْ إلَى مَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ (بِالْقَرِينَةِ) أَيْ بِسَبَبِ اسْتِعَانَةِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ إلَيْهَا (فَهِيَ) أَيْ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةُ (مُرَادَاتٌ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ (لَا مَدْلُولَاتٌ لَهَا) أَيْ لِلْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ (فَلَا تُورَدُ) الْمَجَازَاتُ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ كَمَا أَوْرَدَهَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ لِانْتِفَاءِ الْغَرَضِ مِنْ إيرَادِهَا حِينَئِذٍ (إذْ يَلْتَزِمُونَهُ) أَيْ عَدَمَ دَلَالَةِ الْمَجَازَاتِ عَلَى مَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَعْرِيفِهِمْ الدَّلَالَةَ (وَلَا ضَرَرَ) عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ (إذْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ) نَفْيُ دَلَالَةِ الْمَجَازِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ (نَفْيَ فَهْمِ الْمُرَادِ) الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِيَمْتَنِعَ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لِحُصُولِ فَهْمِهِ بِالْقَرِينَةِ الْمُفِيدَةِ لَهُ ثُمَّ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (فَلَيْسَ لِلْمَجَازِ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ دَلَالَةٌ مُطَابِقَةٌ فِيهِمَا كَمَا قِيلَ) قَالَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ. وَلَفْظُهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي الْجُزْءِ أَوْ اللَّازِمِ مَعَ قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ إرَادَةِ الْمُسَمَّى لَمْ يَكُنْ تَضَمُّنًا أَوْ الْتِزَامًا بَلْ مُطَابَقَةً لِكَوْنِهَا دَلَالَةً عَلَى تَمَامِ الْمَعْنَى أَيْ مَا عُنِيَ بِاللَّفْظِ وَقُصِدَ (بَلْ) إنَّمَا فِي الْمَجَازِ فِي الْجُزْءِ أَوْ اللَّازِمِ (اسْتِعْمَالٌ) لِلَّفْظِ فِي جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوْ لَازِمِهِ (يُوجِبُ الِانْتِقَالَ مَعَهُ) أَيْ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ الْمُطَابِقِيِّ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقِيُّ (إلَى كُلٍّ) مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَجَازِيَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (فَقَطْ الْقَرِينَةُ) الْمُفِيدَةُ لِذَلِكَ (وَدَلَالَةٌ تَضَمُّنِيَّةٌ وَالْتِزَامِيَّةٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ (تَبَعًا لِلْمُطَابِقِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ) فِيهِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ كُلَّ مَجَازٍ لَهُ دَلَالَةٌ مُطَابِقَةٌ لِافْتِقَارِهِ إلَى الْوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حَقِيقَةٍ، وَالدَّلَالَةُ تَتْبَعُ الْوَضْعَ لَا الْإِرَادَةَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ اهـ وَمِنْ ثَمَّةَ تَنَزَّلَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ إلَيْهِ عَقِبَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا (وَهَذَا لِأَنَّ بَعْدَ الْوَضْعِ لَا تَسْقُطُ الدَّلَالَةُ عَنْ الْوَضْعِيِّ فَكَذَا لَا تَسْقُطُ عَنْ لَازِمِهِ فَتَتَحَقَّقُ) الدَّلَالَةُ الْمُطَابِقِيَّةُ (لِتَحَقُّقِ عِلَّتِهَا وَهُوَ) أَيْ تَحَقُّقُ عِلَّتِهَا (الْعِلْمُ بِالْوَضْعِ) لِذَلِكَ الْمَعْنَى (وَالْمُرَادُ غَيْرُ مُتَعَلَّقِهَا) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَجَازِيِّ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُتَعَلَّقِ تِلْكَ الدَّلَالَةِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهُ وَحَاصِلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْبَدِيعِ أَنَّ جَمِيعَ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ إلَّا التَّضَمُّنِيَّ وَالِالْتِزَامِيَّ مُرَادَاتٌ بِاللَّفْظِ بِالْقَرِينَةِ لَا مَدْلُولَاتٌ لَهُ حَتَّى لَوْ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى مُرَكَّبٍ

ذِي لَازِمٍ ذِهْنِيٍّ فِي مَجَازِيٍّ غَيْرِهِمَا مَعَ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ مَدْلُولَاتِهِ كَانَ لِهَذَا اللَّفْظِ ثَلَاثُ دَلَالَاتٍ عَلَى غَيْرِ الْمَقْصُودِ وَكَانَ الْمَقْصُودُ غَيْرَ مَدْلُولٍ لَهُ بَلْ مُرَادٍ بِهِ وَأَمَّا إذَا تَجَوَّزَ بِهِ فِي التَّضَمُّنِيِّ أَوْ الِالْتِزَامِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِيهِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْضُوعٌ لِمَا هُمَا جُزْؤُهُ وَلَازِمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَادَاهُمَا مَدْلُولَانِ تَضَمُّنِيٌّ وَالْتِزَامِيٌّ فَتَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا تَجُوزُ بِهِ فِيهِمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجَازٌ فِيهِمَا بَلْ مِنْ حَيْثُ هُمَا جُزْءٌ وَلَازِمٌ لِمَوْضُوعِهِ أَمَّا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مُطَابَقَةً فَلَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ دَلَالَاتٌ بَعْضُهَا مُرَادٌ وَبَعْضُهَا لَا اهـ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَجْهَ عَدَمُ تَقْيِيدِ قَوْلِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ وَيَرِدُ عَلَيْهِمْ أَنْوَاعُ الْمَجَازَاتِ بِاَلَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةُ لَوَازِمَ ذِهْنِيَّةً لِلْمُسَمَّيَاتِ لِيَخْرُجَ اسْتِعْمَالُ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ وَالْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ الذِّهْنِيِّ كَمَا قَيَّدَهُ الْمُحَشُّونَ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَأَمَّا الْأُصُولِيُّونَ فَمَا لِلْوَضْعِ دَخْلٌ فِي الِانْتِقَالِ) أَيْ وَأَمَّا الدَّلَالَةُ الْوَضْعِيَّةُ عِنْدَهُمْ فَمَا لِلْوَضْعِ دَخْلٌ فِي الِانْتِقَالِ فِيهَا مِنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ (فَتَحَقَّقُ) الدَّلَالَةُ الْوَضْعِيَّةُ عِنْدَهُمْ (فِي الْمَجَازِ) أَيْضًا قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ لِلْوَضْعِ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ دَخْلًا فِي فَهْمِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يُتَصَوَّرْ (وَالِالْتِزَامِيَّة بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ) أَيْ وَتَتَحَقَّقُ الدَّلَالَةُ الْوَضْعِيَّةُ فِي الِالْتِزَامِيَّةِ أَيْضًا، وَاللُّزُومُ فِيهَا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ السَّالِفِ بَيَانُهُ كَمَا هُوَ الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ؛ لِأَنَّ لِلْوَضْعِ دَخْلًا فِيهَا وَأَمَّا تَحَقُّقُهَا فِي التَّضَمُّنِيَّةِ فَبِطَرِيقٍ أَوْلَى وَلَا خِلَافَ فِي تَحَقُّقِهَا فِي الْمُطَابَقَةِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَذْكُرْهُمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ بِحُجِّيَّةِ الْمَفَاهِيمِ الْمُخَالِفَةِ بِنَاءً عَلَى أَنْ لَا مُوجِبَ لِلِانْتِقَالِ لِعَدَمِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمُخَالِفِ وَعَدَمِ لُزُومِهِ لِلْمَوْضُوعِ (تَنْبِيهٌ) ثُمَّ هَذِهِ الدَّلَالَاتُ تَتَأَتَّى فِي اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ دَلَالَةَ الْمُرَكَّبَاتِ عَلَى مَعَانِيهَا التَّرْكِيبِيَّةِ وَضْعِيَّةٌ بِحَسَبِ النَّوْعِ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى ذِكْرٍ (ثُمَّ اخْتَلَفَ الِاصْطِلَاحُ) لِلْأُصُولِيِّينَ فِي أَصْنَافِ الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَأَسْمَائِهَا (وَفِي ثُبُوتِ بَعْضِهَا أَيْضًا فَالْحَنَفِيَّةُ، الدَّلَالَةُ) الْوَضْعِيَّةُ قِسْمَانِ (لَفْظِيَّةٌ وَغَيْرُ لَفْظِيَّةٍ وَهِيَ) أَيْ غَيْرُ اللَّفْظِيَّةِ (الضَّرُورِيَّةُ وَيُسَمُّونَهَا) أَيْ الضَّرُورِيَّةَ (بَيَانَ الضَّرُورَةِ) أَيْ الْحَاصِلَ بِسَبَبِهَا فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ كَأُجْرَةِ الْخِيَاطَةِ وَهَذَا أَحَدُ أَقْسَامِ الْبَيَانِ الْخَمْسَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى (وَهُوَ) أَيْ بَيَانُ الضَّرُورَةِ (أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ كُلُّهَا دَلَالَةُ سُكُوتٍ مُلْحَقٌ بِاللَّفْظِيَّةِ) فِي الِاعْتِبَارِ، وَحَصْرُهُ فِيهَا اسْتِقْرَائِيٌّ قَالُوا: وَسُمِّيَ هَذَا الْقِسْمُ بِهَذَا الِاسْمُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لِلْبَيَانِ فِي الْأَصْلِ هُوَ النُّطْقُ، وَهَذَا يَقَعُ بِمَا هُوَ ضِدُّهُ، وَهُوَ السُّكُوتُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ الْآتِي تَفْصِيلُهَا الْقِسْمُ (الْأَوَّلُ مَا يَلْزَمُ مَنْطُوقًا) أَيْ لَازِمُ مَسْكُوتٍ عَنْهُ لِمَلْزُومٍ مَذْكُورٍ وَلَهُ مُثُلٌ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فَإِنَّ هَذَا نَاصٌّ عَلَى انْحِصَارِ إرْثُهُ فِيهِمَا، وَاخْتِصَاصُ الْأُمِّ بِالثُّلُثِ مِنْهُ، وَهُوَ مَلْزُومٌ مَنْطُوقٌ بِهِ وَلَهُ لَازِمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَهُوَ لِأَبِيهِ الثُّلُثَانِ طَوَى ذِكْرَهُ إيجَازًا لِلْعِلْمِ وَبِهِ وَإِلَّا لَمْ يَنْحَصِرْ إرْثُهُ فِيهِمَا وَبَقِيَ نَصِيبُ الْأَبِ مَجْهُولًا، وَسِيَاقُ النَّصِّ يَأْبَاهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ (دَلَّ سُكُوتُهُ) أَيْ النَّصِّ عَنْ ذِكْرِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى (أَنَّ لِلْأَبِ الْبَاقِيَ) لَا أَنَّ مُجَرَّدَ السُّكُوتِ، أَوْ تَخْصِيصَ الْأُمِّ بِالثُّلُثِ بَيَانٌ لِنَصِيبِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ نَصِيبُ الْأُمِّ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بِصَدْرِ الْكَلَامِ لَمْ يُعْرَفْ نَصِيبُ الْأَبِ بِالسُّكُوتِ بِوَجْهٍ (وَدَفَعْته مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ) أَيْ وَمِنْهَا قَوْلُ رَبِّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِغَيْرِهِ دَفَعْت هَذَا النَّقْدَ إلَيْك مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ رِبْحِهِ فَيَقْبَلُ الْغَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدُ شَرِكَةٍ فِي الرِّبْحِ الْحَاصِلِ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ، وَبَيَانُ مِقْدَارِ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ وَهُوَ مَلْزُومٌ مَنْطُوقٌ بِهِ وَلَهُ لَازِمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَهُوَ " وَلِي " نِصْفُهُ طَوَى ذِكْرَهُ اخْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِهِ لِعَدَمِ مُسْتَحِقٍّ آخَرَ مَعَ كَوْنِهِ نَمَا مِلْكُهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ صَحِيحًا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَقَضَى فِيهِ بِأَنَّهُ (يُفِيدُ) السُّكُوتَ فِيهِ عَنْ ذِكْرِ نَصِيبِ الْمَالِكِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ (أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْمَالِكِ وَكَذَا فِي قَلْبِهِ اسْتِحْسَانًا)

أَيْ وَمِنْهَا قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ دَفَعْته إلَيْك مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَيَقْبَلُ الْغَيْرُ ذَلِكَ، فَالْقِيَاسُ فَسَادُ هَذَا الْعَقْدِ لِعَدَمِ بَيَانِ نَصِيبِ الْمُحْتَاجِ إلَى بَيَانِ نَصِيبِهِ، وَهُوَ الْمُضَارِبُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْبَاقِي لَهُ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: دَفَعْته إلَيْك مُضَارَبَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَالِاسْتِحْسَانُ وَهُوَ الصَّحِيحُ صِحَّةُ هَذَا الْعَقْدِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُفِيدُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الرِّبْحِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَبَيَانَ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَهُوَ مَلْزُومٌ مَنْطُوقٌ بِهِ وَلَهُ لَازِمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَهُوَ وَلَك نِصْفُهُ طَوَى ذِكْرَهُ اخْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيَانًا لِكَوْنِ الْبَاقِي لِلْآخَرِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ كَمَا فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ دَلَّ السُّكُوتُ عَنْ بَيَانِ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ نَصِيبُهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَقَوْلِهِ دَفَعْته إلَيْك مُضَارَبَةً مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ عَلَيْهِ الْقِسْمُ (الثَّانِي دَلَالَةُ حَالِ السَّاكِتِ) الَّذِي وَظِيفَتُهُ الْبَيَانُ مُطْلَقًا أَوْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِسَبَبِ سُكُوتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ (كَسُكُوتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَمْرٍ يُشَاهِدُهُ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لَيْسَ مُعْتَقَدَ كَافِرٍ، وَلَا سَبَقَ تَحْرِيمُهُ كَالْمُعَامَلَاتِ الَّتِي كَانَ النَّاسُ يَتَعَامَلُونَهَا وَالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ الَّتِي كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهَا، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ نَهْيٌ عَنْهَا وَلَا نَكِيرٌ عَلَى فَاعِلِيهَا فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ لِضَرُورَةِ حَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ النَّاسَ عَلَى مُنْكَرٍ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ لِلْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ، وَصَفَهُ اللَّهُ بِالْقِيَامِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَقَالَ {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف: 157] (وَسَيَأْتِي فِي السُّنَّةِ) بَيَانٌ مُسْتَقْصًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَسُكُوتُ الصَّحَابَةِ عَنْ تَقَوُّمِ مَنَافِعِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ) وَهُوَ وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَةٍ مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ عَقْدِ نِكَاحٍ ثُمَّ تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ أَمَةً لِلْغَيْرِ فَإِنَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ تَقَوُّمِ مَنَافِعِ بَدَنِ الْوَلَدِ بِوُجُوبِ قِيمَتِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمَغْرُورِ مَعَ حُكْمُهُمْ بِرَدِّ الْجَارِيَةِ عَلَى مَوْلَاهَا وَبِوُجُوبِ الْعُقْرِ عَلَى الْمَغْرُورِ لِلْمَوْلَى وَبِكَوْنِ وَلَدِهِ مِنْهَا حُرًّا بِالْقِيمَةِ (يُفِيدُ عَدَمَ تَقَوُّمِ الْمَنَافِعِ) وَأَنَّهَا بِالْإِتْلَافِ فِي غَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا شُبْهَتِهِ لَا تَضَمُّنٍ بِدَلَالَةِ حَالِهِمْ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ جَاءَ طَالِبًا لِحُكْمِ الْحَادِثَةِ غَيْرَ عَالَمٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَهُمْ عَالِمُونَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ بَيَانُهُ فَكَانَ السُّكُوتُ دَلِيلَ النَّفْيِ؛ إذْ لَا يُظَنُّ بِهِمْ السُّكُوتُ عَنْ وَاجِبٍ لِجَاهِلٍ بِهِ وَالْمُفِيدُ لِسُكُوتِهِمْ عَنْهُ عِدَّةُ آثَارٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَلْفَاظِ أَخْرَجَ بَعْضَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَبَعْضَهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - طَوَيْنَا ذِكْرَهَا مَخَافَةَ التَّطْوِيلِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مُخَالَفَةٌ فِي ذَلِكَ بَلْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرُّ الْأَصْلِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ السَّلَفِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَمِنْ هُنَا حُكِيَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (سُكُوتُ الْبِكْرِ) عِنْدَ اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ أَوْ رَسُولِهِ إلَيْهَا فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ مُعَيَّنٍ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ أَوَّلًا عَلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ أَوْ عِنْدَ بُلُوغِهَا ذَلِكَ عَنْ الْوَلِيِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ فِي الْمَبْلَغِ بِعُرْفٍ فِي مَبَاحِثِ السُّنَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى فَإِنَّ سُكُوتَهَا فِي إحْدَى هَاتَيْنِ الْحَالَيْنِ يُفِيدُ الْإِجَازَةَ بِدَلَالَةِ حَالِهَا، وَهِيَ الْحَيَاءُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْإِجَازَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِي الرِّجَالِ وَالْوَقَاحَةِ كَمَا أَشَارَتْ إلَيْهِ «عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ قَالَ نَعَمْ، قُلْت: إنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِيُ فَتَسْكُتُ قَالَ: سُكُوتُهَا إذْنُهَا» وَلَا تَمْتَنِعُ عَادَةً مِنْ التَّصْرِيحِ بِالرَّدِّ لَا سِيَّمَا وَغَالِبُ حَالِهِنَّ إظْهَارُ النَّفْرَةِ عِنْدَ فَجْأَةِ السَّمَاعِ. وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ تَجْدِيدَ الْعَقْدِ عِنْدَ الزِّفَافِ فِيمَا إذَا زُوِّجَتْ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْهَا عَدَمُ الرَّدِّ هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِكْرِ مَنْ إذْنُهَا مُعْتَبَرٌ فِي ذَلِكَ شَرْعًا فَتَخْرُجُ الصَّغِيرَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ وَالْمَجْنُونَةُ كَمَا أَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الثَّيِّبَ الْمُعْتَبَرَ إذْنُهَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا إجَازَةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا

بِهِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ (وَفِي ادِّعَاءِ أَكْبَرِ وَلَدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ بُطُونِ أَمَتِهِ نَفْيٌ لِغَيْرِهِ) وَحَقُّ الْعِبَارَةِ وَسُكُوتُهُ عَنْ دَعْوَةِ وَلَدَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةِ بُطُونِ أَمَتِهِ بَعْدَ الدَّعْوَةِ الْأَكْبَرُ فَإِنَّهُ نَفْيٌ لَهُمَا أَيْ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا سُكُوتُ الْمَوْلَى عَنْ دَعْوَةِ وَلَدَيْنِ أَنَّهُمَا مِنْهُ فِيمَا إذَا أَتَتْ أَمَتُهُ بِثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ ثَلَاثَةٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ دَعْوَتِهِ أَكْبَرَهُمْ فَإِنَّ سُكُوتَهُ عَنْ دَعْوَتِهِمَا نَفْيٌ لِنَسَبِهِمَا بِدَلَالَةِ حَالِ الْمَوْلَى، وَهِيَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِنَسَبِ وَلَدٍ هُوَ مِنْهُ فَرْضٌ كَمَا أَنَّ نَفْيَ نَسَبِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ عَنْ نَفْسِهِ فَرْضٌ أَيْضًا فَكَانَ سُكُوتُهُ عَنْ بَيَانِهِ بَعْدَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مِنْهُ دَلِيلَ النَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْهُ كَالتَّصْرِيحِ بِالنَّفْيِ (وَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ) أَيْ نَسَبِ غَيْرِ الْأَكْبَرِ مِنْهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا وَلَدَا أُمِّ وَلَدِهِ بِدَعْوَةِ الْأَكْبَرِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِدَعْوَتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَنَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَةٍ لِكَوْنِهَا فِرَاشًا. وَمِنْ هُنَا قَالَ زُفَرُ: يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا أَيْضًا (لِمُقَارَنَةِ النَّفْيِ الِاعْتِرَافَ بِالْأُمُومَةِ) أَيْ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُ غَيْرِ الْأَكْبَرِ إذَا لَمْ يُقَارِنْ نَفْيَهُ ثُبُوتُ أُمُومَتِهَا لَكِنَّهُ مُقَارَنَةٌ بِسُكُوتِهِ عَنْ الِاعْتِرَافِ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ، وَدَعْوَتُهُ الْأَكْبَرَ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ وِلَادَتِهِمَا بَلْ بَعْدَهَا فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَقْتَ وِلَادَتِهِمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِرَاشَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا مِنْ وَقْتِ الدَّعْوَةِ فَكَانَ انْفِصَالُهُمَا قَبْلَ ظُهُورِ الْفِرَاشِ فِيهَا فَيَكُونَانِ وَلَدَيْ الْأَمَةِ فَيَحْتَاجُ ثُبُوتُ نَسَبِهِمَا إلَى الدَّعْوَةِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ دَعْوَةِ الْأَكْبَرِ بِلَفْظِ الْأَكْبَرِ ابْنِي أَوْ بِلَفْظِ هَذَا ابْنِي فَانْتَفَى تَوَهُّمُ أَنَّ نَفْيَ مَا سِوَاهُ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ ثُمَّ إيرَادُ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِهِ ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ الْوَضْعَ إنَّمَا كَانَ فِي دَعْوَةِ الْأَكْبَرِ وَالسُّكُوتِ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْأَصْغَرَ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ نَفْيًا لِلْأَوَّلَيْنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى عِنْدَ الْكُلِّ وَفِيمَا لَوْ ادَّعَى الْأَوْسَطَ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ نَفْيًا لِلْأَكْبَرِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى عِنْدَ الْكُلِّ وَلِلْأَصْغَرِ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ نَفْيًا لَهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ ثُمَّ إنَّمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِثَلَاثَةِ بُطُونٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُمْ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَاعْتِرَافُهُ بِأَحَدِهِمْ اعْتِرَافٌ بِالثَّانِي ضَرُورَةً كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ الْقِسْمُ (الثَّالِثُ: اعْتِبَارُهُ) أَيْ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ سُكُوتِ السَّاكِتِ دَلَالَةً كَالنُّطْقِ (لِدَفْعِ التَّغْرِيرِ) أَيْ لِضَرُورَةِ دَفْعِ وُقُوعِ النَّاسِ فِي الْغُرُورِ (كَدَلَالَةِ سُكُوتِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (عِنْدَ رُؤْيَةِ عَبْدِهِ يَبِيعُ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا أَوْ يَشْتَرِي مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ الْحَاجَةُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ (عَنْ النَّهْيِ) عَنْ ذَلِكَ (عَلَى الْإِذْنِ) فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ إذْنًا فِيهَا أَفْضَى إلَى ضَرَرِ النَّاسِ لِاسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَى إذْنِهِ فَلَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ مُعَامَلَتِهِ فَإِذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ وَقَالَ الْمَوْلَى مَحْجُورٌ عَلَيْهِ يَتَأَخَّرُ إلَى وَقْتِ عِتْقِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَقَدْ لَا يَقَعُ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ وَالْغُرُورِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَصِحَّ الْحَجْرُ الْخَاصُّ بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ نَعَمْ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ إجَازَةً لِبَيْعِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُهُ أَذِنَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ ثُمَّ هَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ إذْنًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لِفَرْطِ الْغَيْظِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَحْجُورٌ شَرْعًا، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً. قُلْنَا تُرَجَّحُ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ بِرَدِّ تَصَرُّفِهِ وَإِظْهَارِ نَهْيِهِ إذَا لَمْ يَرْضَ (وَسُكُوتُ الشَّفِيعِ) أَيْ وَكَدَلَالَةِ سُكُوتِ الشَّفِيعِ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ عَلَى إسْقَاطِهَا لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْغُرُورِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ سُكُوتُ الشَّفِيعِ إسْقَاطًا لَهَا لِنَقْضِهِ لَوْ وَقَعَ ظَنًّا مِنْهُ أَنْ لَا غَرَضَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ جَعَلَ سُكُوتَهُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى إسْقَاطِهَا هَذَا مَا قَالُوهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَبَ فِي الشُّفْعَةِ ثَلَاثَةٌ: طَلَبُ مُوَاثَبَةِ أَنْ يَطْلُبُهَا كَمَا عُلِمَ بِالْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ أَوْ لَا وَطَلَبَ تَقْرِيرَ أَنْ يَنْهَضَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَشْهَدَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ

تَفْصِيلٍ وَطَلَبِ خُصُومَةٍ وَتَمَلُّكِ أَنْ يَرْفَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي إلَى الْقَاضِي وَيَطْلُبَ قَضَاءَهُ لَهُ بِهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الثَّالِثَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ بَلْ إنَّمَا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْخُصُومَةِ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَجْلِسٌ فَلَمْ يُخَاصِمْ حَتَّى مَضَى تَبْطُلُ وَالرِّوَايَةُ الظَّاهِرَةُ عَنْهُ لَا تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ أَبَدًا كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْهِدَايَةِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ شَهْرًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَخَرَجَ هَذَا الطَّلَبُ عَنْ كَوْنِ مُجَرَّدِ السُّكُوتِ مُبْطِلًا لَهُ وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الثَّانِي مُقَدَّرَةٌ بِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ، وَعَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ عَلَى الْفَوْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَطْلُبَهَا عَلَى فَوْرِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآخَرُونَ أَنْ يَطْلُبَهَا فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَاخْتِيَارُ الْكَرْخِيُّ وَجَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَكُونُ الْمُرَادُ السُّكُوتَ عَنْ الطَّلَبِ الثَّانِي مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ، وَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الطَّلَبِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ مُرَادًا بِكَوْنِ السُّكُوتِ مُبْطِلَهُ، هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مُنْدَرِجٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَعْنِي ثُبُوتَ الْبَيَانِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ اهـ وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى سُكُوتِ الشَّفِيعِ عَنْ الطَّلَبِ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ طَلَبَ التَّقْرِيرِ ثُمَّ هُنَا تَنْبِيهَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِسُكُوتِ الْبِكْرِ وَالشَّفِيعِ نَصُّوا عَلَى مَضْمُونِهِمَا أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ بِسُكُوتِهِمَا السُّكُوتُ الِاخْتِيَارِيُّ حَتَّى لَوْ أَخَذَ فَهْمًا لَا يَكُونُ إجَازَةً إذَا رَدَّتْ وَطَلَبَ فِي فَوْرٍ زَوَالَ ذَلِكَ. ثَانِيهُمَا: لَا فَرْقَ فِي كَوْنِ سُكُوتِهِمَا إجَازَةً فِي حَقِّهَا، وَإِسْقَاطًا لِلشُّفْعَةِ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِكَوْنِهِ إجَازَةً وَإِسْقَاطًا أَوْ لَا وَيَظْهَرُ جَرَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي سُكُوتِ الْمَوْلَى عِنْدَ رُؤْيَةِ عَبْدِهِ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قِيَاسًا عَلَيْهِمَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ الْقِسْمُ (الرَّابِعُ الثَّابِتُ ضَرُورَةُ الطُّولِ فِيمَا تُعُورِفَ) أَيْ دَلَالَةُ السُّكُوتِ عَلَى تَعْيِينِ مَعْدُودٍ تُعُورِفَ حَذْفُهُ ضَرُورَةَ طُولِ الْكَلَامِ بِذِكْرِهِ مَعَ وُجُودِ مَعْطُوفٍ عَلَى عَدَدِهِ يُفِيدُهُ عُرْفًا وَهُوَ قِسْمَانِ مَا كَانَ مُبَيَّنًا بِنَفْسِهِ كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَمَا كَانَ مِقْدَارًا شَرْعِيًّا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (كَمِائَةٍ وَدِرْهَمٍ أَوْ وَدِينَارٍ أَوْ وَقَفِيزٍ) مِنْ بُرٍّ مَثَلًا فَالسُّكُوتُ عَنْ مُمَيِّزِ الْمِائَةِ فِي هَذِهِ يَدُلُّ عُرْفًا عَلَى أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَفِي الثَّانِي مِنْ الدَّنَانِيرِ وَفِي الثَّالِثِ مِنْ الْقُفْزَانِ (بِخِلَافِ) لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ (وَعَبْدٌ) وَمِائَةٌ (وَثَوْبٌ) فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ فِي هَذَيْنِ لَيْسَ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَلَا الْمُمَيِّزُ مِمَّا تُعُورِفَ حَذْفُهُ فَلَا يَدُلُّ السُّكُوتُ فِيهِمَا عُرْفًا عَلَى أَنَّهُ الْمِائَةُ مِنْ الْعَبِيدِ وَلَا مِنْ الثِّيَابِ فَيَلْزَمُهُ عَبْدٌ وَثَوْبٌ وَتَفْسِيرُ الْمِائَةِ إلَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ فِي أَنَّ الْبَيَانَ قَدْ يَكُونُ بِالسُّكُوتِ لِضَرُورَةِ طُولِ الْكَلَامِ كَمَا فِي عَطْفِ الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ عَلَى الْكَامِلَةِ نَحْوِ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ حَتَّى قَالَ: يُطَلَّقَانِ كَقَوْلِنَا: خَالَفَ فِي بِنَاءِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي جَمِيعِهَا يَلْزَمُهُ مَا بَعْدَ الْمِائَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَتَفْسِيرُ الْمِائَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُبْهَمَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَصْلُحُ مُبَيِّنًا لَهَا فَإِنَّ الْعَطْفَ لَا يَصْلُحُ بَيَانًا لَهَا لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّغَايُرِ وَمَبْنَى التَّفْسِيرِ عَلَى الِاتِّحَادِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيَانًا فِي مِائَةٍ وَدِرْهَمٍ لَكَانَ بَيَانًا فِي مِائَةٍ وَعَبْدٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا هُنَا بِخِلَافِ مِائَةٍ وَثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَوْ وَثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ أَحَدَ الْمُبْهَمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالدَّرَاهِمِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا لِحَاجَةِ كُلٍّ إلَيْهِ قُلْنَا: حَذْفُ تَمْيِيزِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مُتَعَارَفٌ فِي الْعَدَدِ إذَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُفَسِّرٌ لَهُ ضَرُورَةَ طُولِ الْكَلَامِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ كَمَا فِي بِعْته بِمِائَةٍ وَدِرْهَمٍ وَهَلُمَّ جَرًّا يُرَادُ بِالْجَمِيعِ الدَّرَاهِمُ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِجَامِعِ الْعُرْفِ فِيهِمَا كَذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالثَّوْبُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلَا مِقْدَارٌ شَرْعِيٌّ لِانْتِفَاءِ الْعُرْفِ فِيهِ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا كَثُبُوتِ مَا ذَكَرْنَا بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي عَقْدٍ خَاصٍّ وَهُوَ الْمُسْلِمُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْبَيْعُ بِالثِّيَابِ الْمَوْصُوفَةِ مُؤَجَّلًا قُلْت: وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ أَلْفٌ

وَعَبْدٌ فَعَلَيْهِ عَبْدٌ وَأَلْفٌ مِمَّا يَشَاءُ، وَلَوْ قَالَ: وَشَاةٌ أَوْ وَبَعِيرٌ، أَوْ وَفَرَسٌ، أَوْ وَثَوْبٌ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ مِنْ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالثِّيَابِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْعَبِيدَ؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ وَالْإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالثِّيَابَ أُقَسِّمُهَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَلَا أُقَسِّمُ الرَّقِيقَ (تَنْبِيهٌ) فَإِنْ قُلْت: ظَهَرَ أَنَّ الدَّلَالَةَ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ مُجَرَّدِ السُّكُوتِ بَلْ مِنْهُ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ فِعْلٍ فَمَا وَجْهُ نِسْبَتِهَا إلَى السُّكُوتِ حَتَّى كَانَتْ غَيْرَ لَفْظِيَّةٍ، قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِتَنْزِيلِ مَا أَفَادَهَا مِنْ مَجْمُوعِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ مَعَ السُّكُوتِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةٍ ذَاتِ أَجْزَاءٍ وَمِنْ شَأْنِ مَا كَانَ عِلَّتُهُ ذَاتَ أَجْزَاءٍ أَنْ يُنْسَبَ إلَى آخِرِهَا وُجُودًا، وَالسُّكُوتُ مَعَ غَيْرِهِ هُنَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ تَمْشِيَةَ هَذَا غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَإِخْوَتِهِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ ثُمَّ ظَاهِرٌ أَنَّ جَمِيعَ أَقْسَامِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَسَيَأْتِي عَدُّهَا مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَحِينَئِذٍ فَيَظْهَرُ كَوْنُهَا فِي الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَفْظِيَّةً أَيْضًا، وَإِلَّا فَكَوْنُهَا فِيهِمَا غَيْرَ لَفْظِيَّةٍ وَفِي الْمَوَاضِعِ الْآتِيَةِ لَفْظِيَّةً مَحْضُ اصْطِلَاحٍ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَاللَّفْظِيَّةُ عِبَارَةٌ وَإِشَارَةٌ وَدَلَالَةٌ وَاقْتِضَاءٌ) وَلَهُمْ فِي تَوْجِيهِ الْحَصْرِ فِيهَا وُجُوهٌ، وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي عَلَى مَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيهَا أَنَّ الدَّلَالَةَ اللَّفْظِيَّةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً بِنَفْسِ اللَّفْظِ أَوْ لَا. وَالْأُولَى إمَّا أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً مِنْهُ وَهِيَ الْعِبَارَةُ أَوْ لَا وَهِيَ الْإِشَارَةُ، وَالثَّانِيَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى مَسْكُوتٍ عَنْهُ يُفْهَمُ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ وَهِيَ الدَّلَالَةُ أَوْ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ اللَّفْظِ أَوْ صِدْقُهُ عَلَيْهِ وَهِيَ الِاقْتِضَاءُ أَوْ لَا وَهِيَ التَّمَسُّكُ الْفَاسِدُ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ لِلدَّلَالَةِ حَقِيقَةً وَيَتَعَدَّى بِوَاسِطَتِهَا إلَى اللَّفْظِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَبِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا التَّقْسِيمِ فِي الدَّلَالَةِ (يَنْقَسِمُ اللَّفْظُ إلَى دَالٍّ بِالْعِبَارَةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَدَالٍّ بِالْإِشَارَةِ وَدَالٍّ بِالدَّلَالَةِ وَدَالٍّ بِالِاقْتِضَاءِ (فَعِبَارَةُ النَّصِّ أَيْ اللَّفْظِ) الْمَفْهُومُ الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَعْنَى الْمُقَابِلِ لِلظَّاهِرِ أَوْ بِغَيْرِهِ مُفَسَّرًا أَوْ مُحْكَمًا، وَسَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا عَامًّا أَوْ خَاصًّا، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ إطْلَاقًا شَائِعًا ثُمَّ الْعِبَارَةُ لُغَةً تَفْسِيرُ الرُّؤْيَا وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الدَّلَالَةِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُفَسِّرُ مَا فِي الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ مَسْتُورٌ كَمَا أَنَّ عِبَارَةَ الرُّؤْيَا تُفَسِّرُ عَاقِبَتَهَا الْمَسْتُورَةَ فَظَهَرَ أَنَّ إضَافَتَهَا إلَى النَّصِّ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ عَيْنِ الشَّيْءِ وَكُلِّهِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ بَلْ إضَافَتُهَا إلَيْهِ بِمَعْنَى اللَّامِ وَأَنَّهَا مِنْ أَوْصَافِ الدَّلَالَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ (دَلَالَتُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (عَلَى الْمَعْنَى) حَالَ كَوْنِهِ (مَقْصُودًا أَصْلِيًّا) مِنْ ذِكْرِهِ (وَلَوْ لَازِمًا) أَيْ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِلَّفْظِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْمَعْنَى مَقْصُودًا أَصْلِيًّا مِنْ ذِكْرِ لَفْظِهِ هُوَ (الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي النَّصِّ) الْمُقَابِلِ لِلظَّاهِرِ (أَوْ) دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعْنَى حَالَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا (غَيْرَ أَصْلِيٍّ) مِنْ ذِكْرِهِ. (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْمَعْنَى مَقْصُودًا غَيْرَ أَصْلِيٍّ هُوَ (الْمُعْتَبَرُ) عِنْدَهُمْ (فِي الظَّاهِرِ) الْمُقَابِلِ لِلنَّصِّ (كَمَا سَيُذْكَرُ) كُلٌّ مِنْهُمَا فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى (فَفُهِمَ إبَاحَةُ النِّكَاحِ وَالْقَصْرُ عَلَى الْعَدَدِ) أَيْ الْأَرْبَعِ بِشَرْطِ اجْتِمَاعِهِنَّ فِي حَقِّ الْحُرِّ (مِنْ آيَةِ فَانْكِحُوا) أَيْ مِنْ مَجْمُوعِ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَإِلَّا قَالَ مِنْ فَانْكِحُوا (مِنْ الْعِبَارَةِ) لِأَنَّ لَفْظَهَا دَالٌّ عَلَى طَلَبِ نِكَاحِ مَنْ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَتِهَا عَلَى النِّكَاحِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِبَاحَةُ كَمَا عُرِفَ وَعَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَرْبَعِ لِلْحُرِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ أَيْضًا (وَإِنْ كَانَتْ) الْآيَةُ (ظَاهِرًا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ مَنْ ذَكَرْنَا وَنَصًّا فِي الثَّانِي وَهُوَ قَصْرُ إبَاحَتِهِ عَلَى الْأَرْبَعِ مُجْتَمَعَاتٍ لِلْحُرِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ لَيْسَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا بَلْ الْحُكْمُ الثَّانِي وَذَكَرَ الْأَوَّلَ لِلثَّانِي وَسَتَقِفُ عَلَى تَوْجِيهِهِ فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي. (وَكَذَا حُرْمَةُ الرِّبَا وَحِلُّ الْبَيْعِ وَالتَّفْرِقَةُ مِنْ آيَةِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] أَيْ وَكَذَا فُهِمَ إبَاحَةُ الْبَيْعِ وَحُرْمَةُ الرِّبَا وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا بِحِلِّ الْبَيْعِ وَحُرْمَةِ الرِّبَا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] مِنْ عِبَارَةِ النَّصِّ لِأَنَّ لَفْظَ هَذِهِ الْآيَةِ دَالٌّ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي كُلٍّ مِنْ إبَاحَةِ

الْبَيْعِ وَحُرْمَةِ الرِّبَا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا وَفِي التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ نَصًّا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهَا وَذِكْرُ لَا وَلِأَنَّ لَهَا (وَالتَّفْرِقَةُ) بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ (لَازِمٌ مُتَأَخِّرٌ) عَنْهُمَا بِخِلَافِ حِلِّ الْبَيْعِ وَحُرْمَةِ الرِّبَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَدْلُولٌ مُطَابِقِيٌّ لِلَّفْظِ الْمُفِيدِ لَهُ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمَعْنَى الْعِبَارِيِّ يَكُونُ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِلَّفْظِ (لَمْ يُقَيَّدْ) الْمَعْنَى (بِالْوَضْعِيِّ) فَيَخْرُجُ بَلْ قُلْنَا: وَلَوْ لَازِمًا لِيَكُونَ نَصًّا فِي دُخُولِهِ. (وَيُقَالُ) فِي تَعْرِيفِهَا كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَتْبَاعُهُ (مَا سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ) قَالَ جَمْعٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَوَافَقَهُمْ الْمُصَنِّفُ (وَالْمُرَادُ) أَنْ يُسَاقَ لَهُ مُطْلَقًا أَيْ (سَوْقًا أَصْلِيًّا أَوْ غَيْرَ أَصْلِيٍّ وَهُوَ) أَيْ غَيْرُ أَصْلِيٍّ (مُجَرَّدُ قَصْدِ التَّكَلُّمِ بِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (لِإِفَادَةِ مَعْنَاهُ) تَتْمِيمًا لِأَمْرٍ لَمْ يُسْقَ الْكَلَامُ لَهُ، وَالْأَصْلِيُّ مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ مَعَ الْقَصْدِ الْمَذْكُورِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمُرَادِ السَّوْقَ الْمُطْلَقَ (عَمَّمْنَا الدَّلَالَةَ لِلْعِبَارَةِ فِي الْآيَتَيْنِ) آيَةَ {فَانْكِحُوا} [النساء: 3] وَآيَةَ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] مُوَافَقَةً لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ، وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ جَعَلَ الدَّلَالَةَ عَلَى التَّفْرِقَةِ عِبَارَةً؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ بِالسَّوْقِ، وَعَلَى الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إشَارَةً؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ بِهِ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّوْقِ فِي تَعْرِيفِ الْعِبَارَةِ كَوْنُ الْمَعْنَى هُوَ الْمَقْصُودَ لَهُ فَتَكُونُ الْعِبَارَةُ وَالنَّصُّ وَاحِدًا عِنْدَهُ وَالْعِبَارَةُ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ النَّصِّ عِنْدَ غَيْرِهِ (وَدَلَالَتُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (عَلَى مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ) أَيْ بِاللَّفْظِ (أَصْلًا إشَارَةٌ) وَهِيَ لُغَةً الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ بِهَا لِأَنَّ السَّامِعَ لِإِقْبَالِهِ عَلَى مَا سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ كَأَنَّهُ غَفَلَ عَمَّا فِي ضِمْنِهِ فَهُوَ يُشِيرُ إلَيْهِ قَالُوا وَنَظِيرُ الْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ مِنْ الْمَحْسُوسِ أَنْ يَنْظُرَ إنْسَانٌ إلَى مُقْبِلٍ عَلَيْهِ فَيُدْرِكَهُ وَيُدْرِكَ غَيْرَهُ بِلَحْظِهِ يَمْنَةً وَيَسَرَةً فَإِدْرَاكُهُ الْمُقْبِلَ كَالْعِبَارَةِ وَغَيْرُهُ كَالْإِشَارَةِ. (وَقَدْ يُتَأَمَّلُ) أَيْ وَيَحْتَاجُ فِي الْوُقُوفِ عَلَى الْمَعْنَى الْإِشَارِيِّ إلَى تَأَمُّلٍ فُقِدَ لِلتَّحْقِيقِ فَإِنَّهُمْ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ السَّمْعَ حَتَّى قِيلَ الْإِشَارَةُ مِنْ الْعِبَارَةِ كَالْكِنَايَةِ مِنْ الصَّرِيحِ وَالظَّاهِرُ وَالْإِشَارَةُ وَإِنْ اسْتَوَيَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَلَامَ لَمْ يُسَقْ لَهُمَا قَدْ افْتَرَقَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الظَّاهِرَ يَعْرِفُهُ السَّامِعُ أَوَّلَ الْوَهْلَةِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِيهِ، وَالْإِشَارَةُ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِنَوْعِ تَأَمُّلٍ وَاسْتِدْلَالٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزَادَ عَلَى الْكَلَامِ أَوْ يُنْقَضَ مِنْهُ ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِغُمُوضٍ يَزُولُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ فَهِيَ إشَارَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى زِيَادَةِ تَأَمُّلٍ فَهِيَ إشَارَةٌ غَامِضَةٌ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ فَكَمَا أَنَّ إدْرَاكَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالنَّظَرِ مَعَ إدْرَاكِ الْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ كَمَالِ قُوَّةِ الْإِبْصَارِ كَذَا فَهْمُ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالْكَلَامِ فِي ضِمْنِ الْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ كَمَالِ قُوَّةِ الذَّكَاءِ وَصَفَاءِ الْقَرِيحَةِ وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِفَهْمِ الْإِشَارَةِ الْخَوَاصُّ وَتُعَدُّ مِنْ مَحَاسِنِ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ وَسَتَتَحَقَّقُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا الْتِزَامِيَّةً فَإِذَنْ هِيَ دَلَالَةٌ الْتِزَامِيَّةٌ لِمَعْنَى اللَّفْظِ لَمْ تُقْصَدْ بِسَوْقِهِ وَيَحْتَاجُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا إلَى تَأَمُّلٍ (كَالِاخْتِصَاصِ بِالْوَالِدِ نَسَبًا مِنْ آيَةِ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: 233] دُونَ الْأُمِّ) أَيْ كَاخْتِصَاصِ الْأَبِ بِكَوْنِ الِانْتِسَابِ إلَيْهِ دُونَ الْأُمِّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ فَيَجِبُ كَوْنُ الْوَالِدِ أَخَصَّ بِالْوَلَدِ مِمَّنْ سِوَاهُ، وَذَلِكَ بِالِانْتِسَابِ ثُمَّ هُوَ لَيْسَ الْمَقْصُودَ مِنْ سَوْقِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْ سَوْقِهَا إيجَابُ نَفَقَةِ الْوَالِدَاتِ وَكِسْوَتِهِنَّ عَلَى الْوَالِدِ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهَا الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ. (فَثَبَتَتْ أَحْكَامٌ مِنْ انْفِرَادِهِ بِنَفَقَتِهِ وَالْإِمَامَةُ وَالْكَفَاءَةُ وَعَدَمُهُمَا) أَيْ فَظَهَرَ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِصَاصِ فِي انْفِرَادِ الْوَالِدِ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ لَمَّا كَانَ مُخْتَصًّا بِالْمَوْلَى لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي نَفَقَتِهِ، وَفِي تَعْدِيَةِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ لِلْأَبِ مَعَ ثَمَرَاتِهَا إلَيْهِ إذَا كَانَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَبُ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَكُفْءً لِلْقُرَشِيَّةِ لِاسْتِجْمَاعِهِ شَرَائِطَهُمَا الَّتِي مِنْهَا كَوْنُهُ قُرَشِيًّا تَعَدَّى إلَى الِابْنِ كَوْنُهُ كَذَلِكَ إذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ بَقِيَّةُ شَرَائِطِهِمَا وَلَوْ كَانَ الْأَبُ غَيْرَ أَهْلٍ وَكُفْءٍ لَهُمَا لِكَوْنِهِ جَاهِلًا غَيْرَ قُرَشِيٍّ كَانَ الِابْنُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الِابْنُ جَاهِلًا وَهَذَا مُطَّرِدٌ (مَا لَمْ يُخْرِجْهُ الدَّلِيلُ) أَيْ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ

الدَّلِيلُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ مُقْتَضَى اخْتِصَاصِهِ بِالنَّسَبِ عَنْهَا كَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَإِنَّ الِابْنَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِيهِمَا وَإِنْ اتَّصَفَ الْأَبُ بِضِدِّ مَا الْأُمُّ عَلَيْهِ مِنْهُمَا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالِاسْتِقْرَاءِ (وَزَوَالِ مِلْكِ الْمُهَاجِرِ عَنْ الْمُخَلَّفِ مِنْ لَفْظِ الْفُقَرَاءِ) أَيْ وَكَزَوَالِ مِلْكِ الْمُهَاجِرِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عَمَّا خَلَّفَهُ ثَمَّةَ مِنْ الْأَمْوَالِ بِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَيْهَا وَإِحْرَازِهِمْ إيَّاهَا مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْفَقِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] مَعَ وُجُودِهَا بِمَكَّةَ وَانْتِفَاءِ كُلِّ مُزِيلٍ لِمِلْكِهَا مَا عَدَا اسْتِيلَاءَ الْكُفَّارِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ - حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً - مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ أَوْ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ لَا مَنْ بَعُدَتْ يَدُهُ عَنْ الْمَالِ كَمَا أَنَّ الْغَنِيَّ - حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً - مَنْ هُوَ مَالِكٌ لِلْمَالِ لَا مَنْ قَرُبَتْ يَدُهُ مِنْهُ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ بِغَنِيٍّ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَمْوَالٌ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَابْنُ السَّبِيلِ الْمَالِكُ لِلْمَالِ فِي وَطَنِهِ غَنِيٌّ، وَإِنْ بَعُدَتْ يَدُهُ عَنْهُ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ. وَهَذَا لَيْسَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِنَظْمِهَا بَلْ الْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ اسْتِحْقَاقِ الْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ سَهْمًا مِنْ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] بَدَلٌ مِنْ {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمِيزَانِ وَمَشَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ حُذِفَ عَاطِفُهُ وَهُوَ الْوَاوُ كَمَا حَكَاهُ فِي التَّيْسِيرِ وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ بَابُهُ الشِّعْرَ فَقَدْ خُرِّجَتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْهَا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} [الغاشية: 8] كَمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهَا الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ عَلَى هَذَا أَيْضًا، هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ (وَالْوَجْهُ أَنَّهُ) أَيْ زَوَالَ مِلْكِ الْمُهَاجِرِ عَنْ الْمُخَلَّفِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ ثَمَّةَ مِنْ لَفْظِ الْفُقَرَاءِ فِي الْآيَةِ (اقْتِضَاءٌ) أَيْ مُقْتَضًى عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّلْوِيحِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِهَذَا الْوَصْفِ مُتَقَدِّمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ اقْتَضَاهُ صِحَّةُ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِمْ (لِأَنَّ صِحَّةَ إطْلَاقِ الْفَقِيرِ) عَلَى الْإِنْسَانِ (بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْأَمْوَالِ) الَّتِي يَتَحَقَّقُ بِمِلْكِهَا الْغِنَى لَهُ فِي وَقْتٍ (مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الزَّوَالِ) أَيْ زَوَالِ مِلْكِهِ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ زَوَالُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ سَابِقًا عَلَى صِحَّةِ إطْلَاقِ الْفَقِيرِ عَلَيْهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْفَقْرُ بِدُونِهِ حِينَئِذٍ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَيْضًا انْتِفَاءُ جَعْلِهِ إشَارَةً مِنْ قَبِيلِ جُزْءِ الْمَوْضُوعِ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَدَمَ مِلْكِ مَا خَلَّفُوهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ جُزْءٌ مِنْ مَعْنَى الْفَقْرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُدَّعَى ثُبُوتُهُ إشَارَةً إنَّمَا هُوَ زَوَالُ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوهُ، وَلَيْسَ هَذَا جُزْءًا مِنْ عَدَمِ مِلْكِهِمْ لِشَيْءٍ أَصْلًا أَوْ لِأَدْنَى شَيْءٍ بَلْ هُوَ لَازِمٌ مُتَقَدِّمٌ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لِمَا خَلَّفُوهُ وَمَا دُفِعَ بِهِ هَذَا مِنْ أَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوا لَيْسَ إلَّا كَوْنُهُمْ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهَا. وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهَا جُزْءًا مِنْ كَوْنِهِمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا أَصْلًا، وَأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَازِمٌ مُتَقَدِّمٌ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ وَلَيْسَ زَوَالُ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوا عِلَّةً لِكَوْنِهِمْ فُقَرَاءَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ غَيْرُهُمْ بَلْ كَوْنُهُمْ فُقَرَاءَ عِلَّةٌ لِزَوَالِ مِلْكِهِمْ عَمَّا كَانَ لَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُصَادَرَةِ وَالتَّعَسُّفِ الظَّاهِرِ (وَدَلَالَةُ لَفْظِ الثَّمَنِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى انْعِقَادِ بَيْعِ الْكَلْبِ) أَيْ وَكَدَلَالَتِهِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ وَكَسْبَ الْحَجَّامِ وَحُلْوَانَ الْكَاهِنِ مِنْ السُّحْتِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ التَّلْوِيحِ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ هَذَا يُفِيدُ الْمَنْعَ مِنْ تَنَاوُلِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي تَصَوُّرَهُ، وَتَصَوُّرُهُ بِانْعِقَادِ بَيْعِهِ وَلَيْسَ هُوَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ مِنْ سِيَاقِهِ. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَنْعُ مِنْ تَنَاوُلِ الْعِوَضِ الْمَالِيِّ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْمُبَادَلَةِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْعِبَارِيُّ لَهُ وَعِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - فِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ إنْ ثَبَتَ بِهَذَا إنَّمَا يَثْبُتُ مُقْتَضًى لَا إشَارَةً لِأَنَّ تَحَقُّقَ الثَّمَنِ عَنْهُ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ تَحَقُّقِ بَيْعِهِ الَّذِي صَارَ بِهِ مَبِيعًا وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْعِوَضِ عَنْهُ ثَمَنًا فَهُوَ لَازِمٌ لِلثَّمَنِ مُتَقَدِّمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ اسْتَدْعَى اعْتِبَارُهُ صِحَّةَ إطْلَاقِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ قِيلَ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِ بَيْعِهِ صَحِيحًا فَإِنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ

الْحَقِيقِيِّ شَرْعًا وَهُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ شَرْعًا الْمُعْتَاضُ بِهِ عَمَّا هُوَ كَذَلِكَ بِإِذْنِ الشَّارِعِ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ ثُمَّ أَنَّى يَتِمُّ مَعَ قَوْلِهِ: سُحْتٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ خَبِيثٌ، وَإِشْرَاكُهُ مَعَ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ فِي هَذَا الْوَصْفِ، وَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ فَاسِدًا حَتَّى كَانَ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ بِالْقَبْضِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَجْرِيدِ النَّظَرِ إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي بَابِ النَّهْيِ كَمَا سَيُعْرَفُ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فَهُوَ خِلَافُ الْمُصَرَّحِ بِهِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَكَوْنُ أَدِلَّةٍ خَارِجِيَّةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تُفِيدُ كَوْنَ بَيْعِهِ جَائِزًا مِنْ غَيْرِ فَسَادٍ لَا يُوجِبُ كَوْنَ لَفْظِ الثَّمَنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشْبَاهِهِ مُشِيرًا أَوْ مُقْتَضِيًا ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَآيَةُ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} [البقرة: 187] عَلَى الْإِصْبَاحِ جُنُبًا) أَيْ وَكَدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] الْآيَةَ عَلَى جَوَازِ أَنْ يُصْبِحَ الْمُبَاشِرُ فِي لَيْلِ رَمَضَانَ جُنُبًا صَائِمًا لِإِبَاحَةِ هَذَا النَّصِّ الْمُبَاشَرَةَ لَهُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي غَيْرِهِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ طُلُوعَ الْفَجْرِ عَلَيْهِ جُنُبًا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاغْتِسَالِ قَبْلَهُ حِينَئِذٍ ثُمَّ هُوَ مُكَلَّفٌ بِالصَّوْمِ مِنْ طُلُوعِهِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ وَصْفَا الْجَنَابَةِ وَالصَّوْمِ، وَيَسْتَلْزِمُ هَذَا أَيْضًا عَدَمَ مُنَافَاتِهِمَا، وَهَذَا لَيْسَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ إبَاحَةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْعِبَارِيُّ ثُمَّ الصَّرِيحُ الصَّحِيحُ مِنْ السُّنَّةِ مُؤَكِّدٌ لِهَذِهِ الْإِشَارَةِ الْقُرْآنِيَّةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ (وَظَهَرَ) مِنْ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ لِلْإِشَارَةِ السَّالِمَةِ مِنْ التَّعَقُّبِ (أَنَّهَا) أَيْ الْإِشَارَةَ الدَّالَّةَ (الِالْتِزَامِيَّةُ) لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ بِسَوْقِهِ وَيَحْتَاجُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا إلَى تَأَمُّلٍ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (وَإِنْ خَفِيَ) اللُّزُومُ حَتَّى احْتَاجَ إلَى تَأَمُّلٍ وَجَرَى فِيهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يَشْرِطُونَ فِي الِالْتِزَامِيَّةِ اللَّازِمَ الْبَيِّنَ فَضْلًا عَنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ بَلْ الثُّبُوتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ احْتَاجَ إلَى تَأَمُّلٍ وَفِكْرٍ أَوْ لَا، وَأَنَّ الْمَعْنَى الْإِشَارِيَّ لَازِمٌ مُتَأَخِّرٌ لِمَعْنَى اللَّفْظِ غَيْرُ مَسُوقٍ لَهُ يَحْتَاجُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ إلَى تَأَمُّلٍ فَحِينَئِذٍ لَا إشَارَةَ إلَّا مَعَ عِبَارَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (فَإِنْ لَمْ يُرِدْ) بِاللَّفْظِ (سِوَاهُ) أَيْ اللَّازِمِ (فَكَانَ) اللَّفْظُ فِي ذَلِكَ الْمُرَادِ (مَجَازًا) حِينَئِذٍ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ (لَزِمَ) أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى اللَّازِمِ (عِبَارَةً لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالسَّوْقِ) لَا إشَارَةً لِأَنَّ الْمَعْنَى الْإِشَارِيَّ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِالسَّوْقِ أَصْلًا (وَكَذَا فِي الْجُزْءِ) أَيْ وَكَذَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي جُزْءِ مَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ سِوَاهُ حَتَّى كَانَ مَجَازًا فِيهِ لَا تَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا عِبَارَةً لِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ بِالسَّوْقِ، وَالْمَعْنَى الْإِشَارِيُّ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِهِ أَصْلًا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَكَذَا كُلُّ مَعْنًى مَجَازِيٍّ وَلَوْ كَانَ مَدْلُولَ الْإِشَارَةِ إذَا اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِيهِ صَارَ عِبَارَةً فِيهِ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْصُودًا بِاللَّفْظِ اهـ فَتَنْفَرِدُ الْعِبَارَةُ عَنْ الْإِشَارَةِ (وَإِنْ دَلَّ) اللَّفْظُ (عَلَى حُكْمٍ مَنْطُوقٍ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ (لِمَسْكُوتٍ لِفَهْمِ مَنَاطِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ (بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ فَدَلَالَةٌ) أَيْ فَتِلْكَ الدَّلَالَةُ تُسَمَّى الدَّلَالَةَ، وَدَلَالَةَ النَّصِّ وَدَلَالَةَ مَعْنَى النَّصِّ لِفَهْمِهَا مِنْهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الدَّلَالَةُ مَا ثَبَتَ بِمَعْنَى النَّصِّ لُغَةً لَا اسْتِنْبَاطًا فَخَرَجَ بِمَعْنَى النَّصِّ الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ لِثُبُوتِهِمَا بِالنَّظْمِ، وَالْمَحْذُوفُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَذْكُورِ وَبِلُغَةِ الْمُقْتَضَى لِثُبُوتِهِ بِمَعْنَاهُ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَبِ " لَا اسْتِنْبَاطًا ": الْقِيَاسُ إلَّا أَنَّ عِنْدِي لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَغَايُرِ الدَّلَالَةِ وَالْقِيَاسِ كَمَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فَلِخُرُوجِهِ بِلُغَةِ اللَّهُمَّ إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّصْرِيحِ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْمَنَارِ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ لَهُ فِي الْمَنَارِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ قَوْلُ آخَرِينَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي رِسَالَتِهِ وَاخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ وَسَمَّوْهَا قِيَاسًا جَلِيًّا فَظَاهِرٌ ثُمَّ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِلْقَطْعِ بِتَوَارُثِ ثُبُوتِ دَلَالَةِ النَّصِّ قَبْلَ شَرْعِيَّةِ الْقِيَاسِ حَتَّى قِيلَ: يَجِبُ حَمْلُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ صُورَتَهُ صُورَةُ قِيَاسٌ شَرْعِيٌّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَقْيِسَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَقِيسُ مَعْلُومًا لُغَةً بِخِلَافِهِ فِي بَقِيَّةِ الْأَقْيِسَةِ وَقِيلَ النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ وَعِنْدِي فِيهِ

نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إثْبَاتُ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ بِالْقِيَاسِ. وَيَصِحُّ بِدَلَالَةِ النَّصِّ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي تَحَقُّقِهَا بَيْنَ إنْ (كَانَ) الْمَسْكُوتُ (أَوْلَى) بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ مَنَاطِهِ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكُوتُ أَوْلَى بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ مَنَاطِهِ بَلْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِيهِ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ الْأَوْلَوِيَّةَ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي التَّعَرُّضُ لَهُ مَعَ رَدِّهِ (كَدَلَالَةِ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ) فَإِنَّ الْمَعْنَى الْعِبَارِيَّ لَهُ تَحْرِيمُ خِطَابِ الْوَلَدِ لِلْوَالِدَيْنِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّبَرُّمِ وَالتَّضَجُّرِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى الْمَقْصُودِ بِالنَّهْيِ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَهُوَ الْأَذَى وَتَثْبُتُ بِدَلَالَتِهِ حُرْمَةُ ضَرْبِهِمَا أَوْ شَتْمِهِمَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى مِنْ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ لَهُمَا نَظَرًا إلَى عِلَّةِ تَحْرِيمِهِ الْمَفْهُومَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ، وَهُوَ الْإِيذَاءُ فَإِنَّ الْإِيذَاءَ فِيهِمَا فَوْقَ الْإِيذَاءِ بِالتَّأْفِيفِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِمْ: مَا ثَبَتَ بِمَعْنَى النَّصِّ الْمَعْنَى الَّذِي يُنْتَقَلُ إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ مَنْ هُوَ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى اجْتِهَادٍ، وَأَنَّ تَحْرِيمَ التَّلَفُّظِ بِأُفٍّ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ الْأَذَى لَا لِعَيْنِ أُفٍّ حَتَّى لَوْ كَانَ قَوْمٌ يَسْتَعْمِلُونَهُ لِنَوْعِ إكْرَامٍ أَوْ تَرَحُّمٍ لَا لِلْكَرَاهَةِ وَالتَّضَجُّرِ لَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُ قَوْلِهِ، وَلَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ. وَسَيَأْتِي مِثَالُ مَا يَكُونُ السُّكُوتُ عَنْهُ مُسَاوِيًا لِلْمَنْطُوقِ بِهِ فِي حُكْمِهِ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي مَنَاطِهِ (وَأَمَّا) أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ (عَلَى مُجَرَّدِ لَازِمِ الْمَعْنَى كَدَلَالَةِ الضَّرْبِ عَلَى الْإِيلَامِ) مِنْ قَبِيلِ دَلَالَةِ مَعْنَى النَّصِّ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ بِصُورَةٍ مَعْقُولَةٍ وَهُوَ قَرْعُ جِسْمٍ بِآخَرَ وَمَعْنًى مَقْصُودٍ، وَهُوَ الْأَذَى (فَغَيْرُ مَشْهُورٍ) عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الضَّرْبِ قَدْ لَا يَكُونُ الْإِيلَامَ كَضَرْبِ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ تَصْفِيقًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِيلَامَ إذَا اُسْتُعْمِلَ بِآلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ صَالِحٍ لَهُ لِقَصْدِ التَّأْدِيبِ أَوْ التَّعْذِيبِ نَعَمْ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِهِ عُرْفًا وَعَلَيْهِ تَتَخَرَّجُ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ (وَعَلَى مَسْكُوتٍ يَتَوَقَّفُ صِدْقُهُ عَلَيْهِ كَرَفْعِ الْخَطَأِ أَوْ صِحَّتُهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ اقْتِضَاءً) أَيْ وَإِنْ دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى شَيْءٍ مَسْكُوتٍ عَنْهُ يَتَوَقَّفُ صِدْقُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ الْمَسْكُوتِ كَالْحَدِيثِ الْمُتَدَاوَلِ لِلْفُقَهَاءِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» فَإِنَّ صِدْقَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدَّرٍ هُوَ حُكْمُ أَيْ رُفِعَ عَنْهُمْ حُكْمُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ لَمْ يُرْفَعَا عَنْهُمْ لِوُقُوعِهِمَا مِنْهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِهِمَا الْأُخْرَوِيِّ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ الْعُثُورِ بِرِوَايَتِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّهُ رُوِيَ بِمَعْنَاهُ أَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ فِي فَوَائِدِهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصَفَّى أَنْبَأَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنْبَأَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «رَفَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ فِيهِ تَسْوِيَةُ الْوَلِيدِ فَقَدْ رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَأَدْخَلَ بَيْنَ عَطَاءٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ اهـ. قُلْت وَلَا ضَيْرَ وَإِنْ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُعْرَفُ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ اهـ وَعَلَّمَ عَلَيْهِ لِأَبِي دَاوُد فَقَدْ قَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْوَلِيدِ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَ عَلَيْهِ لِلسِّتَّةِ قُلْت إذَا قَالَ الْوَلِيدُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَوْ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَلَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ؛ لِأَنَّهُ يُدَلِّسُ عَنْ كَذَا بَيَّنَ، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا فَهُوَ حُجَّةٌ اهـ فَإِنَّهُ هُنَا قَالَ: حَدَّثَنَا ثُمَّ عَلَى هَذَا لَمْ يَتِمَّ دَعْوَى تَفَرُّدِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَيْضًا فَتَنَبَّهْ لَهُ أَوْ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْكَلَامِ شَرْعِيًّا عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنَى بِأَلْفٍ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي مَسْأَلَةٍ لِلْمُقْتَضَى وَأَحْكَامِهِ فَتِلْكَ الدَّلَالَةُ اقْتِضَاءٌ وَسُمِّيَتْ بِهِ لِطَلَبِ الْكَلَامِ لَهَا صِدْقًا أَوْ تَصْحِيحًا وَالِاقْتِضَاءُ الطَّلَبُ (وَالشَّافِعِيَّةُ قَسَّمُوهَا) أَيْ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ (إلَى مَنْطُوقِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ عَلَى حُكْمٍ لِمَذْكُورٍ) سَوَاءٌ ذُكِرَ الْحُكْمُ كَفِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى حُكْمٍ مَذْكُورٍ، وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِمَذْكُورٍ وَهُوَ الْغَنَمُ أَوَّلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْحُكْمُ (غَيْرَ مَذْكُورٍ كَفِي السَّائِمَةِ مَعَ قَرِينَةِ الْحُكْمِ) الدَّالَّةِ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ سَائِلٌ: أَفِي الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ الزَّكَاةُ أَمْ فِي السَّائِمَةِ؟ فَيَقُولُ الْمُجِيبُ: فِي

انقسام دلالة اللفظ إلى المنطوق والمفهوم

السَّائِمَةِ فَإِنَّ سُؤَالَهُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِي الْجَوَابِ هُوَ الْحُكْمُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ فِي السُّؤَالِ وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ (وَمَفْهُومُ دَلَالَتِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (لَا فِيهِ) أَيْ لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ (عَلَى حُكْمِ الْمَذْكُورِ) أَيْ عَلَى إثْبَاتِهِ (لِمَسْكُوتٍ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُ) أَيْ أَوْ عَلَى نَفْيِ حُكْمٍ مَذْكُورٍ عَنْ مَسْكُوتٍ ثُمَّ الْمَنْطُوقُ وَإِنْ كَانَ مَفْهُومًا مِنْ اللَّفْظِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ نُطْقًا خُصَّ بِاسْمِ الْمَنْطُوقِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ مُعَرَّفًا بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا ثُمَّ كَوْنُهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الدَّلَالَةِ هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (وَقَدْ يَظْهَرُ أَنَّهُمَا قِسْمَانِ لِلْمَدْلُولِ) أَيْ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْقَوْمِ أَنَّ الْمَنْطُوقَ وَالْمَفْهُومَ وَصْفَا الْمَدْلُولِ لَا دَلَالَةُ اللَّفْظِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ هُنَا لِلتَّكْثِيرِ اهـ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِذَلِكَ كَمَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ فِي جَمَاعَةٍ وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ لَهَا أَوْ مَجَازِيٌّ لَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَهِيَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ هُنَا عِبَارَاتُهُمْ الْمُفِيدَةُ كَوْنُهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الْمَدْلُولِ كَقَوْلِ الْآمِدِيِّ الْمَنْطُوقُ مَا فُهِمَ مِنْ اللَّفْظِ نُطْقًا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَالْمَفْهُومُ مَا فُهِمَ مِنْ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النُّطْقِ. [انْقِسَامِ دَلَالَةُ اللَّفْظ إلَى الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ] (فَالدَّلَالَةُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَا مِنْ أَقْسَامِ الْمَدْلُولِ (دَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ وَدَلَالَةُ الْمَفْهُومِ لِأَنْفُسِهِمَا) أَيْ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ (وَالْمَنْطُوقُ) قِسْمَانِ (صَرِيحٌ دَلَالَتُهُ) أَيْ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى دَلَالَةٌ نَاشِئَةٌ (عَنْ الْوَضْعِ) أَيْ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ (وَلَوْ تَضَمُّنًا) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ وَغَيْرِ صَرِيحِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ (عَلَى مَا يَلْزَمُ) مَا وُضِعَ لَهُ (وَيَنْقَسِمُ) غَيْرُ الصَّرِيحِ (إلَى مَقْصُودٍ) لِلْمُتَكَلِّمِ (مِنْ اللَّفْظِ فَيَنْحَصِرُ) فِي قِسْمَيْنِ بِالِاسْتِقْرَاءِ (فِي الِاقْتِضَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا) أَيْ السَّاعَةَ (وَالْإِيمَاءُ قِرَانُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (بِمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ) أَيْ اللَّفْظُ بِمَعْنَى مَضْمُونِهِ (عِلَّةً لَهُ) أَيْ لِلْمَقْرُونِ بِهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَا (كَانَ) ذَلِكَ الْقِرَانُ (بَعِيدًا) مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَخُصُوصًا الشَّارِعَ، وَحَاصِلُهُ اقْتِرَانُ الْوَصْفِ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَصْفُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ لَكَانَ قِرَانُهُ بِهِ بَعِيدًا فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيلِ دَفْعًا لِلِاسْتِبْعَادِ (وَيُسَمَّى تَنْبِيهًا كَقِرَانِ) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَعْتِقْ بِوَاقَعْتُ) وَالْمَعْرُوفُ وَقَعْت فِي قَوْلِ سَائِلِهِ هَلَكْت وَقَعْت عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ كَمَا هُوَ هَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّ الْوِقَاعَ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً لِوُجُوبِ الْإِعْتَاقِ لَكَانَ تَرْتِيبُ ذِكْرِهِ عَلَيْهِ بَعِيدًا، وَوَجْهُ تَسْمِيَةِ هَذَا الْقِسْمِ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ ظَاهِرٌ ثُمَّ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَأَبْحَاثٌ تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي الْقِيَاسِ (وَغَيْرُ مَقْصُودٍ) لِلْمُتَكَلِّمِ مِنْ اللَّفْظِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ (وَهُوَ الْإِشَارَةُ وَيُقَالُ دَلَالَةُ الْإِشَارَةِ وَكَذَا مَا قَبْلَهُ) وَهُوَ الْإِيمَاءُ يُقَالُ لَهُ دَلَالَةُ الْإِيمَاءِ (كَدَلَالَةِ مَجْمُوعِ) قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وقَوْله تَعَالَى {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] أَنَّ أَقَلَّ) مُدَّةِ (الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَآيَةِ لَيْلَةِ الصِّيَامِ) أَيْ وَكَدَلَالَةِ مَجْمُوعِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] الْآيَةَ (عَلَى جَوَازِ الْإِصْبَاحِ جُنُبًا وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ كَوْنِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَجَوَازِ الْإِصْبَاحِ جُنُبًا (مَقْصُودًا بِاللَّفْظِ بَلْ لَزِمَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمِثَالَيْنِ أَمَّا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى لِبَيَانِ الْمُدَّةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ تَعَبِ الْوَالِدَةِ بِالْوَلَدِ وَهِيَ مُدَّتَا أَكْثَرِ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِ الرَّضَاعِ تَنْبِيهًا لَهُ عَلَى حَقِّهَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْفِصَالَ وَإِنْ كَانَ الْفِصَامَ فَقَدْ عَبَّرَ بِهِ هُنَا عَنْ الرَّضَاعِ التَّامِّ الْمُنْتَهِي بِهِ كَمَا يُعَبَّرُ بِالْأَمَدِ عَنْ الْمُدَّةِ، وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ لِبَيَانِ أَنَّ فِطَامَهُ فِي انْقِضَاءِ عَامَيْنِ ثُمَّ لَزِمَ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا كَوْنُ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ كَوْنُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ حَوْلَيْنِ مِنْ ثَلَاثُونَ شَهْرًا بَقِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَتَكُونُ هِيَ مُدَّةَ الْحَمْلِ ضَرُورَةً قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَلَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ ثَلَاثُونَ شَهْرًا تَوْقِيتًا لَهُمَا مَعًا عَلَى سَبِيلِ التَّبْغِيضِ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الرَّضَاعِ سَنَتَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ " {ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] " مُدَّةٌ لَهُمَا مَعًا، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَيَبْقَى مَا عَدَاهَا مُدَّةَ الرَّضَاعِ وَأَمَّا إذَا قِيلَ: إنَّهَا تَوْقِيتٌ لِكُلٍّ عَلَى حِدَةٍ كَمَا فِي لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَفِيزُ بُرٍّ إلَى سَنَةٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فَإِنَّ السَّنَةَ

أقسام المفهوم

تَكُونُ أَجَلًا لِكُلٍّ إلَّا أَنَّهُ وُجِدَ الْمُنَقِّصُ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ قَدْرَ مَا يَتَحَوَّلُ ظِلُّ عَمُودِ الْمِغْزَلِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَمِنْ هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا: أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ فَتَبْقَى مُدَّةُ الْفِصَالِ عَلَى ظَاهِرِهَا كَمَا ذُكِرَ هَذَا دَلِيلًا لِلْإِمَامِ عَلِيٍّ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الرَّضَاعِ سَنَتَانِ وَنِصْفُ سَنَةٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَأَمَّا فِي الْمِثَالِ الثَّانِي فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَكَدَلَالَةِ) مَا يُعْزَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ (تَمْكُثُ) إحْدَاهُنَّ (شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تُصَلِّي) جَوَابًا لِقَائِلٍ وَمَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ لَمَّا قَالَ فِي وَصْفِ النِّسَاءِ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ (عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ) يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا أَقَلُّ الطُّهْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّطْرِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِفَادَةِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِهِ بَيَانُ نُقْصَانِ دِينِهِنَّ، وَأَمَّا أَنَّ كُلًّا مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قُصِدَ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي نُقْصَانِ دِينِهِنَّ، وَالْمُبَالَغَةُ تَقْتَضِي ذِكْرَ أَكْثَرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرَضُ فَحِينَئِذٍ لَوْ كَانَ زَمَانُ تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ زَمَانُ الصَّلَاةِ وَهُوَ وَزَمَانُ الطُّهْرِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَذَكَرَهُ قَضَاءً لِحَقِّ الْمُبَالَغَةِ ثُمَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ (لَوْ تَمَّ) كَوْنُ الْمُرَادِ بِالشَّطْرِ هُنَا النِّصْفَ (لَكِنْ الْقَطْعُ بِعَدَمِ إرَادَةِ حَقِيقَةِ النِّصْفِ بِهِ) أَيْ بِالشَّطْرِ هُنَا (لِأَنَّ أَيَّامَ الْإِيَاسِ وَالْحَبَلِ وَالصِّغَرِ مِنْ الْعُمُرِ، وَمُعْتَادَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ لَا تَكَادُ تُوجَدُ وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْعُمُومِ بِوُجُودِهِ فِي فَرْدٍ نَادِرٍ، وَاسْتِعْمَالُ الشَّطْرِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الشَّيْءِ) أَيْ بَعْضٍ مِنْهُ (شَائِعٌ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] وَمَكَثْت شَطْرًا مِنْ الدَّهْرِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ) أَيْ بَعْضِ الْعُمْرِ هُوَ (الْمُرَادَ بِهِ) أَيْ بِشَطْرِ عُمْرِهَا هُنَا تَوَسُّعًا فِي الْكَلَامِ وَاسْتِكْثَارًا لِلْقَلِيلِ، وَفِي تَقْرِيرِ وَجْهِ دَلَالَتِهِ مَا يُوَافِقُهُ ثُمَّ هَذَا بَعْدَ ثُبُوتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَالَهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَا يُعْرَفُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ ثُمَّ النَّوَوِيُّ مَعَ زِيَادَةِ بَاطِلٍ بِخِلَافِ دَلِيلِ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (تَنْبِيهٌ) ثُمَّ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ جَعَلُوا مَا سَمَّاهُ مَشَايِخُنَا عِبَارَةً وَإِشَارَةً وَاقْتِضَاءً مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ إلَّا أَنَّ الْآمِدِيَّ لَمْ يَجْعَلْ الْمَنْطُوقَ غَيْرَ الصَّرِيحِ مِنْ الْمَنْطُوقِ، وَلَا مِنْ الْمَفْهُومِ بَلْ قَسِيمًا لَهُمَا وَالْبَيْضَاوِيُّ جَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَفْهُومِ، وَلَعَلَّ قَوْلَ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَفْهُومِ وَغَيْرِ الصَّرِيحِ مِنْ الْمَنْطُوقِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ جُنُوحٍ إلَيْهِ [أَقْسَام الْمَفْهُومُ] (وَالْمَفْهُومُ) يَنْقَسِمُ (إلَى مَفْهُومِ مُوَافَقَةٍ وَهُوَ فَحْوَى الْخِطَابِ) أَيْ مَعْنَاهُ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ (وَلَحْنُهُ) وَهُوَ مَعْنَاهُ أَيْضًا يُسَمَّى تَنْبِيهَ الْخِطَابِ أَيْضًا وَهُوَ (مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَالَةِ) أَيْ دَلَالَةِ النَّصِّ (إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (مَنْ شَرَطَ أَوْلَوِيَّةَ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ) مِنْ الْمَنْطُوقِ فِي كَوْنِهِ ثَابِتًا بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ عَلَى مَا فِي بُرْهَانِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَشَارِحُو كَلَامِهِ وَعَزَاهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا وَجْهَ لَهُ) أَيْ لِهَذَا الشَّرْطِ (إذْ بَعْدَ فَرْضِ فَهْمِ ثُبُوتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (لِلْمَسْكُوتِ كَذَلِكَ) أَيْ كَفَهْمِ ثُبُوتِهِ لِلْمَنْطُوقِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ (وَلَا وَجْهَ لِإِهْدَارِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ) نَعَمْ إنْ كَانَ هَذَا شَرْطًا مِنْهُمْ لِمُجَرَّدِ تَسْمِيَتِهَا اصْطِلَاحًا بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ كَمَا اصْطَلَحَ بَعْضُهُمْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ الدَّلَالَةَ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِفَحْوَى الْخِطَابِ وَعَلَى مَا هُوَ مُسَاوٍ لَهُ فِيهِ بِلَحْنِ الْخِطَابِ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِهِ فَكَالْأُولَى اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَعِبَارَتُهُمْ) أَيْ بَعْضِ الشَّارِطِينَ لِمَا سَيَظْهَرُ وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُنْتَهَى (تَنْبِيهٌ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى) مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَلْبُهُ) أَيْ وَبِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى (مِثْلُ) قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ اسْتَوْدَعَهُ قُرَشِيٌّ أَلْفًا وَمِائَتَيْ أُوقِيَّةٍ ذَهَبًا فَأَدَّاهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا اُؤْتُمِنَ عَلَى دِينَارٍ مَثَلًا

يُؤَدِّهِ إلَى الْمُؤْتَمِنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لِأَنَّ مُؤَدِّيَ الْكَثِيرِ مُؤَدِّي الْقَلِيلِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى (وَقَدْ يَكْتَفِي بِالْأَوَّلِ) وَهُوَ تَنْبِيهٌ بِالْأَدْنَى كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ (عَلَى أَنْ يُرَادَ) بِالْأَدْنَى (الْأَدْنَى مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ) الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وَبِالْأَعْلَى الْأَكْثَرُ مُنَاسَبَةً لَهُ فَالْحُكْمُ فِي مَنْعِ التَّأْفِيفِ الْإِكْرَامُ وَالتَّأْفِيفُ أَقَلُّ مُنَاسَبَةً بِهِ مِنْ الضَّرْبِ، وَفِي أَدَاءِ الْقِنْطَارِ الْأَمَانَةُ. وَفِي عَدَمِ أَدَاءِ الدِّينَارِ عَدَمُ الْأَمَانَةِ (فَالْقِنْطَارُ أَقَلُّ مُنَاسَبَةً بِالتَّأْدِيَةِ مِنْ الدِّينَارِ، وَالدِّينَارُ أَقَلُّ مُنَاسَبَةً بِعَدَمِهَا مِنْهُ) أَيْ بِعَدَمِ التَّأْدِيَةِ مِنْ الدِّينَارِ فَشَمِلَ تَنْبِيهُهُ بِالْأَدْنَى جَمِيعَ الصُّوَرِ وَهَذَا تَدْقِيقٌ لَحَظَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْعَلَّامَةِ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ التَّنْبِيهَ بِالْأَعْلَى اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ الْمُتَعَلِّمِ (وَلِاعْتِبَارِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُسَاوِيَ) أَيْ وَلِكَوْنِ الشَّرْطِ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ مُسَاوَاةُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِلْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمَنْطُوقِ (أَثْبَتُوا الْكَفَّارَةَ) كَمَا عَلَى الْمُظَاهِرِ عَلَى الصَّائِمِ (بَعْدَ الْأَكْلِ) أَوْ الشُّرْبِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ مُبِيحٍ شَرْعِيٍّ وَلَا شُبْهَةٍ مُلْحَقَةٍ بِهِ (كَالْجِمَاعِ) أَيْ كَمَا أَوْجَبَهَا النَّصُّ بِالْجِمَاعِ الْعَمْدِ كَذَلِكَ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِهَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ (لِتَبَادُرِ أَنَّهَا) أَيْ الْكَفَّارَةَ (فِيهِ) أَيْ فِي الْجِمَاعِ الْعَمْدِ مِنْ غَيْرِ مُبِيحٍ شَرْعِيٍّ مُسْقِطٍ لَهَا (لِتَفْوِيتِ الرُّكْنِ اعْتِدَاءً) أَيْ لِعَقْلِيَّةِ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُنَاطَ بِهِ فِي النَّصِّ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ الَّتِي مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا أَكْثَرُ هُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الصَّوْمِ عَمْدًا عُدْوَانًا بِالْإِخْلَالِ بِرُكْنِهِ الَّذِي هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي هِيَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ. فَإِنَّ هَذَا كَمَا يُوجَدُ بِالْجِمَاعِ يُوجَدُ بِهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَمَا هُوَ مُتَبَادَرٌ إلَى فَهْمِ كُلِّ مَنْ عَرَفَ مَعْنَى الصَّوْمِ شَرْعًا، وَسَمِعَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ لَا الْوِقَاعُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَإِنَّهُ وَقَعَ عَلَى مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ السَّائِلُ فِي النَّصِّ وَمِنْ ثَمَّةَ أَثْبَتْنَا بَقَاءَ الصَّوْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ نَاسِيًا فِي الْجِمَاعِ نَاسِيًا، وَهَذَا مِمَّا وَافَقَنَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ قَاضٍ بِتَسَاوِي الْكَفِّ عَنْ الْجَمِيعِ فِي الرُّكْنِيَّةِ شِدَّةً وَأَشَدِّيَّةً لَا بِأَشَدِّيَّةِ رُكْنِيَّةِ الْكَفِّ عَنْ الْجِمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّتِهِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَيَلْزَمُهُ الْمُوَافَقَةُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ هِيَ الشَّرْطُ وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَطْلُوبِ كَمَا يَظْهَرُ لِمَنْ يَقِفُ عَلَيْهِ مَعَ التَّأَمُّلِ وَالْإِنْصَافِ (وَلَمَّا انْقَسَمَ) مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ (إلَى قَطْعِيٍّ) وَهُوَ مَا يَكُونُ فِيهِ التَّعْلِيلُ بِالْمَعْنَى، وَكَوْنُهُ أَشَدَّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ قَطْعِيَّيْنِ (كَمَا سَبَقَ) فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] لِفَهْمِ كُلِّ عَارِفٍ بِاللُّغَةِ قَطْعًا أَنَّ حُرْمَةَ التَّأْفِيفِ مُعَلَّلَةٌ بِإِكْرَامِ الْوَالِدَيْنِ وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْهُمَا، وَأَنَّ حُرْمَةَ الضَّرْبِ أَنْسَبُ فِي ذَلِكَ مِنْ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ (وَظَنِّيٍّ) هُوَ مَا يَكُونُ فِيهِ التَّعْلِيلُ بِالْمَعْنَى وَكَوْنُهُ أَشَدَّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ ظَنِّيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا ظَنِّيًّا (كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إذَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ) الَّتِي هِيَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ لِمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (فِي) الْقَتْلِ (الْخَطَأِ) لِلْمُسْلِمِ بِأَنْ رَمَى شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا أَوْ رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ (وَغَيْرِ الْغَمُوسِ) أَيْ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ الَّتِي هِيَ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ الشَّخْصُ أَهْلَهُ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فِي حَقِّ الْمُسْتَطِيعِ وَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ عَلَى الْحَانِثِ بِالْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ، وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَفْعَلَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ بِالنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ. (فَفِيهِمَا) أَيْ فَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْخَطَأِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَفَّارَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ حَالٍّ أَوْ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ فِيهَا الْكَذِبَ (أَوْلَى) مِنْ وُجُوبِ الْأُولَى فِي الْخَطَأِ وَالثَّانِيَةِ فِي الْمُنْعَقِدَةِ (لِفَهْمِ الْمُتَعَلَّقِ) أَيْ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْمَحَلَّيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِيهِمَا (بِالزَّجْرِ) عَنْ ارْتِكَابِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَاحْتِيَاجُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعِدْوَانِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ إلَى الزَّاجِرِ أَشَدُّ مِنْ احْتِيَاجِ الْخَطَأِ وَالْمُنْعَقِدَةِ إلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرٌ ظَنِّيٌّ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُوَافِقْهُ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ بَلْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْمَنَاطَ لَهَا فِيهِمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ

بِقَوْلِهِ (لَا بِتَدَارُكِ مَا فُرِّطَ بِالثَّوَابِ) أَيْ تَلَافِي مَا فُرِّطَ مِنْ التَّثْبِيتِ فِي الرَّمْيِ وَالتَّحَفُّظِ عَنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ الْيَمِينِ أَوْ بِعَدَمِ ارْتِكَابِ مَا يَلْزَمُ الْحِنْثُ بِسَبَبِهِ بِجَبْرِهِ بِمَا فِي فِعْلِهِ ثَوَابٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَخْلُو عَنْهُ. وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْمَعْنَى الْعِبَادَةُ فِيهَا أَغْلَبُ أَمْ الْعُقُوبَةُ حَتَّى لَا يَكُونَ وُجُوبُهَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَالْغَمُوسِ مُسَاوِيًا لِوُجُوبِهَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَالْمُنْعَقِدَةِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْبَلَا التَّدَارُكَ وَالتَّلَافِيَ بِهَذَا الْقَدْرِ لِعَظْمِهِمَا وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى فَلَا جَرَمَ (جَازَ الِاخْتِلَافُ فِيهَا) أَيْ فِي دَلَالَةِ النَّصِّ الَّتِي هِيَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ (وَالْخَطَأِ) فِيهَا أَيْضًا إذَا كَانَتْ ظَنِّيَّةً (كَمَا ذَكَرْنَا) الْآنَ فِي مَنَاطِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ إذْ لَا بِدَعَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْمَظْنُونَاتِ وَخَطَأِ بَعْضِهَا وَلَا سِيَّمَا الْمُتَعَارِضَةِ مِنْهَا (وَلِذَا) أَيْ وَلِجَوَازِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَظْنُونِ مِنْهَا (فَرَّعَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وُجُوبَ الْحَدِّ بِاللِّوَاطَةِ عَلَى دَلَالَةِ نَصِّ وُجُوبِهِ بِالزِّنَا بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْحَدِّ بِالزِّنَا (بِسَفْحِ الْمَاءِ) أَيْ إرَاقَةِ الْمَنِيِّ (فِي مَحَلٍّ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى) أَيْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ أَصْلًا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ وَتَمِيلُ إلَيْهِ لِلِّينِ وَالْحَرَارَةِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي اللِّوَاطَةِ مَعَ أَنَّهَا أَبْلَغُ فِي تَضْيِيعِ الْمَاءِ لِانْتِفَاءِ تَوَهُّمِ الْحَبَلِ فِيهَا بِخِلَافِ الزِّنَا. (وَالْحُرْمَةُ قَوِيَّةٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَيْضًا أَنَّ حُرْمَتَهَا أَقْوَى مِنْ حُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مُؤَبَّدَةٌ لَا تَنْكَشِفُ بِحَالٍ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الزِّنَا فَإِنَّهَا قَدْ تَنْكَشِفُ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ بِالْعَقْدِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَيَلْحَقُ وُجُوبُ الْحَدِّ بِهَا بِوُجُوبِهِ بِالزِّنَا دَلَالَةً، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (وَالْإِمَامُ) أَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُ وُجُوبَ حَدِّهِ فِيهَا لِانْتِفَاءِ وُجُوبِهِ فِيهَا دَلَالَةً فَإِنَّهُ (يَقُولُ السَّفْحُ) فِي الزِّنَا (أَشَدُّ ضَرَرًا) مِنْ السَّفْحِ فِيهَا (إذْ هُوَ) أَيْ السَّفْحُ فِيهِ (إهْلَاكُ نَفْسٍ مَعْنًى) وَمِنْ ثَمَّةَ قَرَنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتْلِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] لِأَنَّ إلْقَاءَ الْبَذْرِ فِي مَحَلٍّ صَالِحٍ مُفْضٍ إلَى النَّبَاتِ ظَاهِرًا، وَالْوَلَدُ مِنْ جِنْسِ النَّبَاتِ فَيَنْبُتُ وَإِذَا نَبَتَ وَلَيْسَ لَهُ مُرَبٍّ وَلَا قَيِّمٌ لِكَوْنِ النِّسَاءِ عَاجِزَاتٍ عَنْ الِاكْتِسَابِ وَالْإِنْفَاقِ غَالِبًا يَهْلِكُ وَيَضِيعُ فَيُفْضِي الزِّنَا إلَى الْإِتْلَافِ بِالْآخِرَةِ (وَهُوَ) أَيْ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ بِنَاءً (عَلَى اعْتِبَارِهِ) أَيْ إهْلَاكِ نَفْسٍ مَعْنًى (الْمُنَاطَ) فِي وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الزِّنَا (لَا مُجَرَّدَهُ) أَيْ لَا مُجَرَّدَ سَفْحِ الْمَاءِ الْمُنَاطِ فِيهِ لِحِلِّ سَفْحِ الْمَاءِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ بِالْعَزْلِ كَمَا أَفَادَتْهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ فَلَا يُؤَثِّرُ هَذَا فِي هَذَا الْحُكْمِ. وَالْأَوَّلُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي اللِّوَاطَةِ فَلَمْ يُسَاوِ تَضْيِيعُ الْمَاءِ فِيهَا تَضْيِيعَهُ فِي الزِّنَا فِي الْمُنَاسَبَةِ لِهَذَا الْحُكْمِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَبْلَغَ مِنْهُ (وَالشَّهْوَةُ أَكْمَلُ) فِي الزِّنَا مِنْهَا أَيْضًا (لِأَنَّهَا) أَيْ الشَّهْوَةَ فِيهِ (مِنْ الْجَانِبَيْنِ) الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهَا لِمَيَلَانِ طَبْعِهِمَا إلَيْهِ بِخِلَافِ اللِّوَاطَةِ فَإِنَّ الشَّهْوَةَ فِيهَا مِنْ جَانِبِ الْفَاعِلِ فَقَطْ؛ إذْ الْمَفْعُولُ بِهِ يَمْتَنِعُ عَنْهَا بِطَبْعِهِ عَلَى مَا هُوَ أَصْلُ الْجِبِلَّةِ السَّلِيمَةِ فَيَكُونُ الزِّنَا أَغْلَبَ وُجُودًا، وَأَسْرَعَ حُصُولًا فَيَكُونُ إلَى الزَّاجِرِ أَحْوَجَ فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَيْهَا دَلَالَةً (وَهَذَا) الْقَوْلُ (أَوْجَهُ) مِنْ قَوْلِهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا (وَالتَّرْجِيحُ) الَّذِي ذَكَرَاهُ (بِزِيَادَةِ قُوَّةِ الْحُرْمَةِ) فِي اللِّوَاطَةِ عَلَى الْحُرْمَةِ فِي الزِّنَا (سَاقِطٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَى إيجَابِ الْحَدِّ أَلَا يُرَى أَنَّ حُرْمَةَ الدَّمِ وَالْبَوْلِ فَوْقَ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ حُرْمَتَهَا لَا تَزُولُ أَبَدًا أَوْ حُرْمَةُ الْخَمْرِ تَزُولُ بِالتَّخْلِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِشُرْبِهِمَا كَمَا يَجِبُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ. (وَكَذَا قَوْلُهُمَا بِإِيجَابِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ) أَيْ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِإِيجَابِ الْقَتْلِ بِالْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ الَّذِي لَا تَحْتَمِلُهُ الْبِنْيَةُ كَالْحَجَرِ الْعَظِيمَةِ وَالْخَشَبَةِ الْجَسِيمَةِ عَمْدًا عُدْوَانًا بِدَلَالَةِ وُجُوبِهِ بِالْقَتْلِ بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ مِنْ سَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِعَدَمِ إيجَابِهِ بِالْمُثْقَلِ (لِظُهُورِ تَعَلُّقِهِ) أَيْ الْقَتْلِ بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ (بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ) لَا بِمُجَرَّدِ إتْلَافِ الْبِنْيَةِ بِمَا يُفَرِّقُ أَجْزَاءَهَا؛ لِأَنَّ الْآلَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْمُوجِبِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قُلْنَا: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَمُّدِ الصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ الْأَكْلَ أَوَالشُّرْبَ لِمَا يَصْلُحُ غِذَاءً أَوْ دَوَاءً بِدَلَالَةِ نَصِّ الْوِقَاعِ، وَلَمْ نَقِفْ عِنْدَ كَوْنِ آلَةِ الْإِفْسَادِ وَالْهَتْكِ فِي مُوجِبِيَّتِهَا فِي النَّصِّ الْوِقَاعَ (وَيَتَحَقَّقُ) الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ (بِمَا لَا تَحْتَمِلُهُ الْبِنْيَةُ) مِنْ الْمُثْقَلِ كَمَا

يَتَحَقَّقُ بِمَا يُفَرِّقُ أَجْزَاءَهَا بَلْ رُبَّمَا كَانَ أَبْلَغَ بِالْمُثْقَلِ؛ لِأَنَّهُ يُزْهِقُ الرُّوحَ بِنَفْسِهِ وَالْجَارِحَ بِوَاسِطَةِ السِّرَايَةِ. (فَادِّعَاءُ قُصُورِهِ) أَيْ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ (فِي الْعَمْدِيَّةِ) كَمَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (مَرْجُوحٌ) كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى اللَّبِيبِ الْمُنْصِفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقَوْلُ بِأَنَّ مِنْ الدَّلَالَةِ قِسْمًا ظَنِّيًّا تَنَازَعَتْهُ آرَاءُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ أَفْهَامُ الْعُلَمَاءِ الْمُبَرَّزِينَ مَعَ أَنَّ الدَّلَالَةَ مَا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى رَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ مُشْكِلٍ لِظُهُورِ عَدَمِ صِدْقِ هَذَا عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا يُوجِبُ تَوَارُدَ الْأَفْهَامِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خَفَاءٍ وَلَا اخْتِلَافٍ كَمَا فِي الْقِسْمِ الْقَطْعِيِّ فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ مَا حَصَرَهَا فِيهِ أَوْ ذُكِرَ شَيْءٌ فِي بَيَانِهَا يُصَحِّحُ صِدْقَهَا عَلَى هَذَا أَيْضًا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ (وَإِلَى مَفْهُومِ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ دَلَالَتُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (عَلَى) ثُبُوتِ (نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِلْمَسْكُوتِ وَيُسَمَّى دَلِيلَ الْخِطَابِ وَهُوَ أَقْسَامٌ مَفْهُومُ الصِّفَةِ عِنْدَ تَعْلِيقٍ بِمَوْصُوفٍ بِمُخَصِّصٍ) فَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ الْمَوْصُوفِ بِمَا يُنْقِصُ شُيُوعَ مَعْنَاهُ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِ لَهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَبِمُخَصِّصٍ عَلَى بِنَاءِ اسْمِ الْفَاعِلِ مُتَعَلِّقٌ بِمَوْصُوفٍ، وَهُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ بِوَصْفٍ مُخَصِّصٍ (لَا كَشْفٍ) أَيْ لَا يُوصَفُ كَاشِفٌ عَنْ مَعْنَى الْمَوْصُوفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: 19] {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} [المعارج: 20] {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 21] وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ثَعْلَبٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظَاهِرٍ لَمَّا سَأَلَهُ مَا الْهَلَعُ: قَدْ فَسَّرَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَلَا يَكُونُ تَفْسِيرٌ أَبْيَنَ مِنْ تَفْسِيرِهِ وَهُوَ الَّذِي إذَا نَالَهُ شَرٌّ أَظْهَرَ شِدَّةَ الْجَزَعِ. وَإِذَا نَالَهُ خَيْرٌ بَخِلَ بِهِ، وَمَنَعَ النَّاسَ (وَمَدْحٍ وَذَمٍّ) أَيْ: وَلَا بِوَصْفٍ مَادِحٍ وَلَا ذَامٍّ وَلَا مُتَرَحِّمٍ عَلَى الْمَوْصُوفِ أَيْضًا نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ الْعَالِمُ، أَوْ الْجَاهِلُ أَوْ الْفَقِيرُ إذَا كَانَ زَيْدٌ مُتَعَيِّنًا قَبْلَ ذِكْرِهَا وَلَا بِوَصْفٍ مُؤَكِّدٍ، وَهُوَ مَا مَوْصُوفُهُ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنَاهُ كَأَمْسِ الدَّابِرِ لَا يَعُودُ فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَا مَوْصُوفَاتِهَا مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ أَحَدُهَا بَلْ لِقَصْدِ إفَادَةِ اتِّصَافِهَا بِهَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَالتَّرَحُّمِ وَالتَّأْكِيدِ (وَمَخْرَجِ الْغَالِبِ كَاَللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) أَيْ وَلَا بِوَصْفٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَوَصْفِ الرَّبَائِبِ بِاَللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] وَهُنَّ جَمْعُ رَبِيبَةٍ بِنْتُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ مِنْ آخَرَ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرُبُّهَا غَالِبًا كَمَا يَرُبُّ وَلَدَهُ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ حَتَّى سُمِّيَتْ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرُبَّهَا وَإِنَّمَا لَحِقَتْهُ الْهَاءُ مَعَ أَنَّهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ اسْمًا فَإِنَّ كَوْنَهُنَّ فِي حُجُورِ أَزْوَاجِ الْأُمَّهَاتِ هُوَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِنَّ فَوَصْفُهُنَّ بِهِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ (فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ فَلَا يَدُلُّ هَذَا الْكَلَامُ الْمُفِيدُ لِتَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِمْ عِنْدَ عَدَمِ كَوْنِهِنَّ فِي حُجُورِهِمْ وَلَعَلَّ فَائِدَةَ ذِكْرِهِ كَمَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ تَقْوِيَةُ الْعِلَّةِ وَتَكْمِيلُهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّ الرَّبَائِبَ إذَا دَخَلْتُمْ بِأُمَّهَاتِهِنَّ، وَهُنَّ فِي احْتِضَانِكُمْ أَوْ بِصَدَدِهِ قَوِيَ الشَّبَهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فَصَارَتْ أَحِقَّاءَ بِأَنْ تُجْرُوهَا مُجْرَاهُمْ ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَإِلَّا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعْلُهُ شَرْطًا حَتَّى إنَّ الْبَعِيدَةَ عَنْ الزَّوْجِ لَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ وَأَسْنَدَهُ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي الْعَكْسَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ لَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْحَقِيقَةِ تَدُلُّ الْعَادَةُ عَلَى ثُبُوتِهِ لَهَا فَالْمُتَكَلِّمُ يَكْتَفِي بِدَلَالَتِهَا عَلَى ثُبُوتِهِ لَهَا عَنْ ذِكْرِهِ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لِانْحِصَارِ غَرَضِهِ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةً فَغَرَضُ الْمُتَكَلِّمِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ إفْهَامُ السَّامِعِ ثُبُوتَهَا لِلْحَقِيقَةِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ لِخُلُوِّ الْقَيْدِ عَنْ الْفَائِدَةِ لَوْلَاهُ، وَهُوَ إذَا كَانَ الْغَالِبُ يُفْهَمُ مِنْ النُّطْقِ بِاللَّفْظِ أَوَّلًا لِغَلَبَتِهِ فَذِكْرُهُ بَعْدَهُ يَكُونُ تَأْكِيدًا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْمُتَّصِفِ بِهِ. وَهَذِهِ فَائِدَةٌ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْقَيْدِ فِيهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْمَفْهُومِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْغَالِبِ وَأَجَابَ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ الْغَالِبَ مُلَازِمٌ لِلْحَقِيقَةِ فِي الذِّهْنِ فَذِكْرُهُ مَعَهَا عِنْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا لِحُضُورِهِ فِي ذِهْنِهِ لَا لِتَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي أُرَاهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ التَّعْلِيقَ بِالْمَفْهُومِ

لَكِنْ ظُهُورُهُ أَضْعَفُ مِنْ ظُهُورِ غَيْرِهِ (وَجَوَابِ سُؤَالٍ عَنْ الْمَوْصُوفِ) أَيْ وَلَا بِوَصْفٍ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ عَنْ مَوْصُوفٍ بِهِ كَمَا لَوْ قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ فَقَالَ «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» فَإِنَّ تَقْيِيدَهُ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِيهَا بِالسَّائِمَةِ هُنَا لِبَيَانِ الْجَوَابِ فِي مَحَلِّ السُّؤَالِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي غَيْرِهَا (وَبَيَانِ الْحُكْمِ لِمَنْ هُوَ لَهُ) أَيْ وَلَا بِوَصْفٍ خَرَجَ مَخْرَجَ بَيَانِ الْحُكْمِ لِمَنْ يَكُونُ الْغَرَضُ بَيَانَ الْحُكْمِ لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ غَنَمٌ سَائِمَةٌ لَا غَيْرُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» . فَإِنَّ تَقْيِيدَ إيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهَا بِالسَّائِمَةِ بَيَانٌ لِحُكْمِهَا بِهَذَا الْوَصْفِ دُونَ غَيْرِهِ لِمَنْ هِيَ لَهُ (لِتَقْدِيرِ جَهْلِ الْمُخَاطَبِ بِحُكْمِهِ) أَيْ لِتَقْدِيرِ الْمُتَكَلِّمِ جَهْلَ الْمُخَاطَبِ بِحُكْمِ الْمَوْصُوفِ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَوْصُوفًا بِهِ فَضْلًا عَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِجَهْلِ الْمُخَاطَبِ بِهِ (أَوْ ظَنِّ الْمُتَكَلِّمِ) أَيْ: أَوْ لِتَقْدِيرِ ظَنِّ الْمُتَكَلِّمِ عِلْمَ الْمُخَاطَبِ بِحَالِ السُّكُوتِ عَنْهُ كَظَنِّهِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْمَعْلُوفَةِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ (أَوْ جَهْلِهِ) أَيْ أَوْ لِتَقْدِيرِ جَهْلِ الْمُتَكَلِّمِ بِحَالِ الْمَسْكُوتِ كَالْمَعْلُوفَةِ فِيمَا مَثَّلْنَا إذَا كَانَ قَائِلُهُ غَيْرَ الشَّارِعِ إذْ لَا اخْتِصَاصَ لِلْمَفْهُومِ بِكَلَامِ الشَّارِعِ حَتَّى يَمْتَنِعَ هَذَا فِيهِ (وَخَوْفٍ يَمْنَعُ ذِكْرَ حَالِهِ) أَيْ وَلَا بِوَصْفٍ يَكُونُ السَّبَبُ فِي ذِكْرِ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ خَوْفًا يَمْنَعُ ذِكْرَهُ حَالَ الْمَسْكُوتِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَهُوَ مُوَافَقَتُهُ لِلْمَنْطُوقِ فِيهِ كَقَوْلِ قَرِيبِ الْإِسْلَامِ لِعَبْدِهِ بِحُضُورِ الْمُسْلِمِينَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا عَلَى الْفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمُرَادُهُ وَغَيْرِهِمْ وَتَرَكَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُتَّهَمَ بِالنِّفَاقِ (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِمَّا يَكُونُ فَائِدَةُ ذِكْرِهِ غَيْرَ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْمَفْهُومِ مَشْرُوطَةٌ بِانْتِفَاءِ ظُهُورِ مَا عَدَا نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ مِنْ الْفَوَائِدِ فَإِذَا ظَهَرَتْ فَائِدَةُ غَيْرِهِ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهَا ثُمَّ مَثَّلَ لِمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْمَفْهُومُ لِفَرْضِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ بِقَوْلِهِ (كَفِي السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ يُفِيدُ) الْوَصْفُ بِالسَّوْمِ (نَفْيَهُ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الزَّكَاةُ (عَنْ الْعَلُوفَةِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْمَعْلُوفَةِ ثُمَّ كَوْنُ هَذَا مِثَالًا لِمَفْهُومِ الصِّفَةِ مَحْكِيٌّ عَنْ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ وَذَكَرَ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ لِاخْتِلَالِ الْكَلَامِ بِدُونِهِ كَاللَّقَبِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى السَّوْمِ الزَّائِدِ عَلَى الذَّاتِ مَعَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ مُلَاحَظُ الْإِرَادَةِ تَقْدِيرًا وَلِلْمُقَدَّرِ حُكْمُ الْمَذْكُورِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ عَلَى كَوْنِهِ أَمْرًا خَاصًّا كَالْغَنَمِ تَعَيَّنَ وَجَاءَ فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا فِيهِ إذَا كَانَ مَذْكُورًا وَهُوَ أَنَّ مُحَقِّقِي الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْطُوقَ لَا يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي نَوْعٍ آخَرَ فَالْمَفْهُومُ أَوْلَى أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّبَعِ لَهُ وَآخَرِينَ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَهَا عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بِصِفَةٍ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمُ يَتْبَعُ عِلَّتَهُ فِي طَرَفَيْ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ عَلَى كَوْنِهِ أَمْرًا خَاصًّا كَانَ الظَّاهِرُ الْقَصْدَ إلَى مَا يَعُمُّ الْأَجْنَاسَ كَالْأَنْعَامِ لِصَلَاحِيَّةِ الْقَصْدِ وَفَقْدِ الْمَانِعِ مِنْهُ، وَوُجُودِ مَانِعٍ مِنْ غَيْرِهِ؛ إذْ لَيْسَ كَوْنُ جِنْسٍ مُعَيَّنٍ مُرَادًا دُونَ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَحِينَئِذٍ يُفِيدُ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مِنْ سَائِرِهَا (وَالشَّرْطُ) أَيْ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لِحُكْمٍ مُعَلَّقٍ (عَلَى شَرْطٍ) لِمَذْكُورٍ عَلَى نَقِيضِهِ فِي الْمَسْكُوتِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] فَلَا نَفَقَةَ لِمُبَانَةٍ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْحَامِلِ مِنْ الْمُبَانَاتِ كَمَا هُوَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ لِهَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ نَقِيضُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُبَانَةِ ذَاتَ حَمْلٍ لِمَذْكُورٍ هُوَ ذَاتُ الْحَمْلِ فِي الْمَسْكُوتِ وَهُوَ الْمُبَانَةُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ لِمُطَلَّقَةٍ غَيْرِهَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ النَّفَقَةَ فِي الْعِدَّةِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ لَا (وَالْغَايَةُ) أَيْ وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لِحُكْمٍ (عِنْدَ مَدِّهِ) أَيْ الْحُكْمِ (إلَيْهَا) أَيْ الْغَايَةِ عَلَى نَقِيضِ الْحُكْمِ بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (فَتَحِلُّ) لِلْأَوَّلِ (إذَا نَكَحَتْ) غَيْرَهُ كَمَا هُوَ مَفْهُومُ الْغَايَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ خُرُوجِهَا

مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي بَعْدَ الْغَايَةِ وَالْحِلِّ نَقِيضُ الْحُكْمِ الْمَمْدُودِ إلَيْهَا هَذَا مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُهُمْ وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَى أَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا بَعْدَهَا مَنْطُوقٌ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا فَقَوْلُهُ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إضْمَارٍ لِضَرُورَةِ تَتْمِيمِ الْكَلَامِ فَهُوَ إمَّا ضِدُّ مَا قَبْلَهُ أَوْ غَيْرُهُ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ فَيُقَدَّرُ حَتَّى تَنْكِحَ فَتَحِلَّ قَالَ: وَالْإِضْمَارُ بِمَنْزِلَةِ الْمَلْفُوظِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُضْمَرُ لِسَبْقِهِ إلَى فَهْمِ الْعَارِفِ بِاللِّسَانِ وَأُجِيبَ بِمَنْعِ وَضْعِ اللُّغَةِ لِذَلِكَ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَدِيعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْعَدَدُ) أَيْ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لِحُكْمٍ (عِنْدَ تَقْيِيدِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (بِهِ) أَيْ بِالْعَدَدِ عَلَى نَقِيضِ الْحُكْمِ فِيمَا عَدَا الْعَدَدَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِ الزَّائِدِ عَلَى الثَّمَانِينَ؛ لِأَنَّهُ نَقِيضُ وُجُوبِ الْجَلْدِ الْمُقَيَّدِ بِالْعَدَدِ فِيمَا عَدَاهُ ثُمَّ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ أَنَّ الْمَشْرُوطَ وَالْمَحْدُودَ وَالْمَعْدُودَ مَوْصُوفَةٌ فِي الْمَعْنَى بِمَضْمُونِ الشَّرْطِ وَالْحَدِّ وَالْعَدَدِ (فَرَجَعَ الْكُلُّ) الْمَاضِي ذِكْرُهُ مِمَّا عَدَا الصِّفَةَ (إلَى الصِّفَةِ مَعْنًى) لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ النَّعْتَ بَلْ الْمُتَعَرِّضَ لِقَيْدٍ فِي الذَّاتِ نَعْتًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ بَلْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ: حَصَرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ فِي وُجُوهٍ مِنْ التَّخْصِيصِ التَّخْصِيصِ بِالصِّفَةِ وَالْعَدَدِ وَالْحَدِّ أَيْ الْغَايَةِ وَالتَّخْصِيصِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ثُمَّ قَالَ لَكِنْ لَوْ عَبَّرَ مُعَبِّرٌ عَنْ جَمِيعِهَا بِالصِّفَةِ لَكَانَ مُنْقَدِحًا فَإِنَّ الْمَحْدُودَ وَالْمَعْدُودَ مَوْصُوفًا بِعَدَدِهِمَا وَحْدَهُمَا، وَالْمَخْصُوصُ بِالْكَوْنِ فِي مَكَان وَزَمَانٍ مَوْصُوفٍ بِالِاسْتِقْرَارِ فِيهِمَا قُلْت إلَّا أَنَّهُ وَإِنْ رَجَعَ الْجَمِيعُ إلَيْهَا لَمْ يُعْطَ سَائِرَ أَحْكَامِهَا فَقَدْ قَالُوا قَالَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ مِنْ اللُّغَوِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ كُلُّ مَنْ قَالَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ وَبَعْضُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ كُلٌّ مَنْ قَالَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَبَعْضُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَقَالُوا: أَقْوَى الْأَقْسَامِ مَفْهُومُ الْغَايَةِ ثُمَّ مَفْهُومُ الشَّرْطِ ثُمَّ مَفْهُومُ الصِّفَةِ، وَعِبَارَةُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَالصِّفَةُ الْمُنَاسِبَةُ فَمُطْلَقُ الصِّفَةِ غَيْرُ الْعَدَدِ فَالْعَدَدُ، وَقَالُوا: وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي التَّرْجِيحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى (وَالِاتِّفَاقُ) بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِهِ عَلَى (أَنَّهُ ظَنِّيٌّ) إلَّا أَنَّ بَيْنَ أَقْسَامِهِ تَفَاوُتًا فِي الظَّنِّ كَمَا ذَكَرْنَا (وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ تَعْلِيقٌ بِجَامِدٍ) أَيْ دَلَالَةُ تَعْلِيقِ حُكْمٍ بِاسْمِ جَامِدٍ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ (كَفِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ غَيْرِ الْغَنَمِ (وَالْفِرَقُ) مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الْقَوْلِ بِهِ (سِوَى شُذُوذٍ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ، وَالْحَنَفِيَّةُ يَنْفُونَهُ) أَيْ اعْتِبَارَ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (بِأَقْسَامِهِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فَقَطْ) فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْخَبَّازِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيِّ أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فِي خِطَابَاتِ الشَّارِعِ فَأَمَّا فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ، وَفِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ يَدُلُّ اهـ. وَتَدَاوَلَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَيَتَرَاءَى أَنَّ عَلَيْهِ مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ مَالِكٌ: عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ كَانَ إقْرَارًا بِالْمِائَةِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ عَدَمُ لُزُومِ شَيْءٍ فِي: مَا لَكَ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ، وَلَا أَقَلُّ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْحَنَفِيَّةِ مُعْظَمُهُمْ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ أَنَّ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَالْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُعَارَضًا بِمَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ، وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِالذِّكْرِ حُكْمُهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَا وَصْفَيْنِ فَخَصَّ أَحَدَهُمَا بِالذِّكْرِ أَوْ ذَا أَوْصَافٍ كَثِيرَةٍ فَخَصَّ بَعْضَهَا بِهِ ثُمَّ عَلَّقَ بِهِ الْحُكْمَ، وَكَذَا كَانَ يَقُولُ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنُ وَيُعْزَى ذَلِكَ إلَى أَصْحَابِنَا ثُمَّ يُقَدَّمُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَرْخِيِّ عَلَى مَا فِي الْمِيزَانِ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِ شَيْخِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْكَرْخِيِّ، وَفِي الْبَدَائِعِ مُشِيرًا إلَى مَا أَخْرَجَ السِّتَّةُ عَنْ ابْن عُمَرَ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنَا أَنْ

نَلْبَسَ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ قَالَ لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْعَمَائِمَ» الْحَدِيثَ فَإِنْ قِيلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضَرْبُ إشْكَالٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ فَأَجَابَ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ، وَهَذَا حَيْدٌ عَنْ الْجَوَابِ أَوْ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي مَذْكُورٍ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ أَجْوِبَةً مِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا خَصَّ الْمِخْيَطَ عُلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى حُكْمٍ فِي مَذْكُورٍ إنَّمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيْدٌ عَنْ الْجَوَابِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ صِيَانَةً لِمَنْصِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَوَابِ عَنْ غَيْرِ السُّؤَالِ عَلَى أَنَّ التَّنْصِيصَ إنَّمَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ عِنْدَنَا فِي غَيْرِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَأَمَّا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ. فَأَفَادَ مَا تَرَى مِنْ التَّقْيِيدِ ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فَقَطْ يُفِيدُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُمْ لَا يَنْفُونَهُ فِي اللُّغَةِ كَمَا لَا يَنْفُونَهُ فِي الْعُرْفِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ فِي النِّضَالِ فِي هَذَا الْمَجَالِ ثُمَّ لَمَّا كَانُوا مُوَافِقِينَ عَلَى غَالِبِ أَحْكَامِ الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ مُوهِمًا كَوْنَهُمْ قَائِلِينَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِيهَا حَتَّى وَقَعَ لِصَاحِبِ الْمَطْلَبِ فَعَزَا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ لِإِسْقَاطِهِ الزَّكَاةَ فِي الْمَعْلُوفَةِ أَشَارَ إلَى الْمُسْتَنَدِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ مَعَ اسْتِطْرَادِ بَيَانِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا فِي الْمِثَالِ لِمَفْهُومِ الشَّرْطِ بِحُكْمِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِيهِ فَقَالَ (وَيُضِيفُونَ حُكْمَ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ وَمَفْهُومِ الشَّرْطِ (إلَى الْأَصْلِ) أَيْ مَا هُوَ الْحُكْمُ لَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا يُخَالِفُونَهُ (إلَّا لِدَلِيلٍ) يَقْتَضِي مُخَالَفَتَهُ (وَالْأَخِيرَيْنِ) أَيْ مَفْهُومِ الْغَايَةِ وَمَفْهُومِ الْعَدَدِ (إلَى الْأَصْلِ الَّذِي قَرَّرَهُ السَّمْعُ) فَيَقُولُونَ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَعْلُوفَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِيهَا وَلَا فِي الْمَعْلُوفَةِ ثُمَّ الشَّارِعُ أَوْجَبَهَا فِي السَّائِمَةِ كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُسْنَدُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ: وَفِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، وَسَكَتَ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ فَبَقِيَ حُكْمُهَا عَلَى مَا كَانَ لِفَقْدِ مَا يُوجِبُ خِلَافَهُ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ النَّفْيَ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ وَالْعَوَامِلِ وَالْبَقَرَةِ الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ» فَفِي كَوْنِهِ نَصًّا فِي الْمَطْلُوبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ نَظَرٌ (وَيَمْنَعُونَ نَفْيَ النَّفَقَةِ) لِلْمُبَانَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِحَامِلٍ فَيَقُولُونَ: تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمُبَانَةِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ النِّكَاحِ لِلدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ وَيَقُولُونَ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِمُطَلِّقِهَا بِنِكَاحِ غَيْرِهِ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ الشَّرْعِيَّ إذَا خَرَجَتْ مِنْ عِدَّتِهِ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ الْكَائِنِ قَبْلَ هَذَا كُلِّهِ فِيهَا الَّذِي أَقَرَّهُ السَّمْعُ بِعُمُومَاتٍ مُتَنَاوِلَةٍ لَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَبِعَدَمِ حِلِّ ضَرْبِ الْقَاذِفِ بِسَبَبِ الْقَذْفِ مَا يَزِيدُ عَلَى الثَّمَانِينَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ الْكَائِنِ قَبْلَ ارْتِكَابِ هَذَا السَّبَبِ الَّذِي أَقَرَّهُ السَّمْعُ بِالْعُمُومَاتِ الْمُفِيدَةِ لِلْمَنْعِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْأَذَى الْمُتَنَاوِلَةِ لَهُ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا فَائِدَةُ وَصْفِ الْأَصْلِ فِي هَذَيْنِ بِهَذَا الْوَصْفِ هَذَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ عِنْدَنَا مِنْ قَبِيلِ الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الشَّيْءِ انْتِهَاءٌ لَهُ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِمُقَابَلَةٍ فَلَفْظُ الْغَايَةِ أَفَادَ انْتِهَاءَ الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِهِ وَلَزِمَ مِنْهُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَهَا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ مِنْ سَوْقِ الْكَلَامِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُعَدُّ مَفْهُومُ الْغَايَةِ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (وَأَلْحَقَ بَعْضُ مَشَايِخِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (بِالْمَفْهُومِ) الْمُخَالِفِ فِي النَّفْيِ (دَلَالَةَ الِاسْتِثْنَاءِ) فَقَالُوا: لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى ثُبُوتِ ضِدِّ حُكْمِ الصَّدْرِ لِمَا بَعْدَ إلَّا (وَالْحَصْرِ) أَيْ وَدَلَالَةَ الْحَصْرِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ فِي مِثْلِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالْعَالِمُ زَيْدٌ) غَيْرُ مُرَادٍ بِتَعْرِيفِ الْعَالِمِ عَهْدٌ، وَمِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِالْأَوَّلِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَبِالثَّانِي صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَأَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَعَدُوّهُمَا مِنْ قَبِيلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (عِنْدَنَا عِبَارَةٌ وَمَنْطُوقٌ إلَّا فِي حَصْرِ اللَّامِ وَالتَّقْدِيمِ) كَالْعَالِمِ زَيْدٌ وَصَدِيقِي بَكْرٌ فَإِنَّ

دَلَالَتَهُ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ لَيْسَ بِهَذَا الطَّرِيقِ (فَمَا بِالْأَدَاتَيْنِ) أَيْ فَأَمَّا إفَادَةُ النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ مِنْ الْحَصْرِ بِإِنَّمَا وَبِمَا أَوْ لَا أَوْ لَمْ وَإِلَّا (ظَاهِرٌ) غَايَتُهُ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً، وَقَدْ يَكُونُ ادِّعَاءً (وَسَيُعْرَفُ) هَذَا وَكَذَا مَا قَبْلَهُ فِي مَوَاضِعِهِ (وَقَدْ نَفَوْا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (الْيَمِينَ عَنْ الْمُدَّعِي بِحَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ (بِوَاسِطَةِ الْعُمُومِ) فِي قَوْلِهِ: «وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَإِنَّهُ يُفِيدُ حَصْرَ الْيَمِينِ فِي جِنْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَلَمْ يَبْقَ يَمِينٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي ضَرُورَةَ الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّ الْحَصْرَ يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَحَاصِلُ هَذَا تَضْعِيفُ نِسْبَةِ نَفْيِ دَلَالَةِ الْحَصْرِ عَلَى النَّفْيِ إلَى الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ مَشْحُونٌ بِاعْتِبَارِهِ (وَقِيلَ الْعَدَدُ اتِّفَاقٌ) أَيْ اعْتِبَارُ مَفْهُومِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا (لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ) فِي دَفْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الصَّيْدِ كَالسِّبَاعِ لِأَنَّهَا جُبِلَتْ عَلَى الْأَذَى فَدَخَلَتْ فِي الْفَوَاسِقِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَلَنَا أَنَّ السَّبُعَ صَيْدٌ لِتَوَحُّشِهِ وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالْأَخْذِ لِجِلْدِهِ أَوْ لِيُصَادَ بِهِ أَوْ لِدَفْعِ أَذَاهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْفَوَاسِقِ مُمْتَنِعٌ (لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ) الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ» فَإِنَّ جَوَازَ قَتْلِ غَيْرِهَا إلْحَاقًا بِهَا يَنْفِي فَائِدَةَ تَخْصِيصِ اسْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْدَادِ الْمُحِيطَةِ بِالْمُلْحَقِ وَغَيْرِهِ أَوْ ذَكَرَهُ بِاسْمٍ عَامٍّ مِثْلِ يُقْتَلُ كُلُّ عَادٍ مُنْتَهِبٍ. (وَالْحَقُّ أَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ) أَيْ نَفْيَ حِلِّ قَتْلِ مَا سِوَى هَذِهِ الْخَمْسِ مِمَّا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ ابْتِدَاءً عِنْدَنَا إذَا قُلْنَا بِهِ إنَّمَا هُوَ (بِالْأَصْلِ) الَّذِي أَفَادَهُ السَّمْعُ مِنْ عَدَمِ حِلِّ ذَلِكَ بِالتَّلَبُّسِ بِالْإِحْرَامِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] لَا بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ لِلْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَرِدُ حِلُّ قَتْلِ الذِّئْبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الصَّيْدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا حِلُّ قَتْلِ الْحَيَّةِ وَسَائِرِ الْهَوَامِّ وَالْحَشَرَاتِ؛ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى الْحِلِّ الْأَصْلِيِّ لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا لِلْمُحْرِمِ، وَازْدَادَ حِلُّ قَتْلِ بَعْضِهَا تَأْكِيدًا بِالنَّصِّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ الذِّئْبُ وَالْحَيَّةُ، وَلَيْسَ الشَّأْنُ إلَّا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَا اسْتَثْنَى حِلَّ قَتْلِهِ مِمَّا عَرَضَ لَهُ التَّحْرِيمُ بِالْإِحْرَامِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورُ (يَكْفِي إلْزَامًا) لِلشَّافِعِيِّ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ يَعْنِي أَنَّك تَقُولُ بِحُجِّيَّةِ هَذَا الْمَفْهُومِ فَإِلْحَاقُك غَيْرَ الْخَمْسَةِ بِهَا يَكُونُ إبْطَالًا لَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا (عَلَى مَا ظُنَّ) لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَنْفَصِلُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَائِلٌ بِتَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَفْهُومِ (لَكِنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ (قَدْ زَادُوا عَلَى الْخَمْسِ) فَأَجَازُوا لِلْمُحْرِمِ قَتْلَ الذِّئْبِ فَأَبْطَلُوا الْعَدَدَ، فَإِنْ قِيلَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ أَوْجَبَ نَفْيَ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ. قُلْنَا: وَكَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي السَّبُعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قُلْت إلَّا أَنَّ جَوَازَ قَتْلِ الذِّئْبِ ابْتِدَاءً قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَرَضِيِّ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَإِلَّا فَفِي شَرْحِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ لَا تُبِيحُونَ قَتْلَ الذِّئْبِ قِيلَ لَهُ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ» فَذَكَرَ الْخَمْسَ مَا هُنَّ فَذِكْرُهُ الْخَمْسَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْخَمْسِ حُكْمُهُ غَيْرُ حُكْمِهِنَّ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْخَمْسِ مَعْنًى اهـ ثُمَّ إنَّمَا يَتِمُّ التَّعَقُّبُ بِجَوَازِ قَتْلِهِ ابْتِدَاءً عَلَى قَوْلِهِ بِهِ إذَا كَانَ صَيْدًا كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَيْدًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَدَّمْنَاهُ وَكِلَاهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَالنَّمِرُ وَالْفَهْدُ يَحِلُّ قَتْلُهَا وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَصِلْ لِأَنَّ عِلَّةَ إبَاحَةِ قَتْلِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ هِيَ الِابْتِدَاءُ بِالْأَذَى وَالْعَدْوُ عَلَى النَّاسِ غَالِبًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ بَلْ أَشَدُّ فَكَانَ وُرُودُ النَّصِّ فِي تِلْكَ وُرُودًا فِي هَذِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ فَإِنَّ الْمَسْطُورَ فِيهَا أَنَّهُ يَقْتُلُ سَائِرَ السِّبَاعِ إذَا صَالَتْ عَلَيْهِ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ خِلَافًا لِزُفَرَ لَا إذَا لَمْ تَصِلْ حَتَّى لَوْ قَتَلَهَا حِينَئِذٍ كَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ اللَّهُمَّ إلَّا الْأَسَدَ عَلَى مَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ. ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورِ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَمَّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُ مَا سِوَى الْخَمْسِ مِنْ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ

بِالْأَصْلِ، وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى رَأْيِهِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ قَتْلُ الذِّئْبِ أَوْ وَالسَّبُعِ ابْتِدَاءً بِلَا جَزَاءٍ وَلَا يَحِلُّ قَتْلُ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الصُّيُودِ الْبَرِّيَّةِ سِبَاعًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا فَلِمُشَارَكَتِهِمْ الشَّافِعِيَّ فِي اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ إبْطَالُ الْعَدَدِ فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ عَنْهُ فَهُوَ جَوَابُهُ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ قَتْلُ مَا سِوَاهُنَّ مِنْ السِّبَاعِ الْمَذْكُورَةِ ابْتِدَاءً بِلَا جَزَاءٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَأَظْهَرُ لِعَدَمِ تَأَتِّي الدَّفْعِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ لِاتِّحَادِ الْمَذْهَبَيْنِ هَذَا، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: وَقَدْ كُنْت أَسْمَعُ كَثِيرًا مِنْ شُيُوخِنَا يَقُولُونَ فِي الْمَخْصُوصِ بِعَدَدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ فَحُكْمُهُ بِخِلَافِهِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» أَنَّهُ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ مَا عَدَاهُنَّ وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّتْ لِي مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ غَيْرُ مُبَاحٍ، وَأَحْسَبُ مُحَمَّدَ بْنَ شُجَاعٍ قَدْ احْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا وَلَسْت أَعْرِفُ جَوَابَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي ذَلِكَ اهـ. قُلْت: وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ ظَاهِرٌ فِي هَذَا أَيْضًا وَهُوَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ثُمَّ لَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَافَقَ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخَ عَلَى هَذَا، وَأَمَّا إلْحَاقُ كُلٍّ مِنْهُمْ قَتْلَ الذِّئْبِ بِالْخَمْسِ، وَمِنْ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ قَتْلَ السِّبَاعِ بِهَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَلِظَنِّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَدَدُ لِكَوْنِ الثَّابِتِ دَلَالَةً ثَابِتًا بِالنَّصِّ وَيَعْزُبُ أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي أَنَّهُ أَبْطَلَ خُصُوصَ الْخَمْسِ وَيَجِيءُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُ لَذَكَرَ عَدَدًا يُحِيطُ بِهِ مَعَهَا أَوْ اسْمًا عَامًّا يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ عَدَمُ اتِّفَاقِ مَشَايِخِنَا عَلَى اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْعَدَدِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ قَالَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْجُمْلَةِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَيْضَاوِيِّ فَلَا تَتِمُّ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى اعْتِبَارِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ. (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ (صَحَّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ) بِلَفْظِ الْمُصَغَّرِ بِلَا هَاءٍ فِي آخِرِهِ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ الْكُوفِيُّ كَمَا ذَكَرَ الْأَكْثَرُ، أَوْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بِلَفْظِ الْمُصَغَّرِ بِهَاءٍ فِي آخِرِهِ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى كَمَا فِي بُرْهَانِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ (فَهْمُهُ) أَيْ مَفْهُومُ الصِّفَةِ (مِنْ لَيِّ الْوَاجِدِ وَمَطْلِ الْغَنِيِّ) أَيْ مِنْ الْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالطَّبَرَانِيُّ «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» وَلَيُّهُ بِفَتْحِ اللَّامِ مَطْلُهُ وَهُوَ مُدَافَعَتُهُ وَالتَّعَلُّلُ فِي أَدَاءِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ وَحِلُّ عِرْضِهِ أَنْ يَقُولَ مَطَلَنِي وَعُقُوبَتُهُ الْحَبْسُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَذَكَرَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ عَنْهُ حِلَّ عِرْضِهِ أَنْ يَشْكُوَهُ، فَقَالَ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَيَّ مَنْ لَيْسَ بِوَاجِدٍ لَا يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ، وَمِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» فَقَالَ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِظُلْمٍ (وَكَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ) فَهْمُ مَفْهُومِ الصِّفَةِ مِنْ الْمُقَيَّدِ بِهَا (نَقَلَهُ عَنْهُ خَلْقٌ) كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ (وَهُمَا) أَيْ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ (عَالِمَانِ بِاللُّغَةِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَهْمَهُمَا ذَلِكَ لُغَةً؛ لِأَنَّ أَهْلَهَا لَا يَفْهَمُونَ مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً لَا اجْتِهَادًا، وَإِنْ كَانَ احْتِمَالًا جَائِزًا؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِقَوْلِ أَئِمَّتِهَا مَعْنَاهُ كَذَا، وَهَذَا التَّجْوِيزُ قَائِمٌ فِيهِ غَيْرُ قَادِحٍ فِي إفَادَتِهِ ظَنُّ ذَلِكَ ثُمَّ فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ دَلِيلُ الْمَفْهُومِ اللُّغَةُ لَا الْعُرْفُ الْعَامُّ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَلَا الشَّرْعُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ. (وَعُورِضَ) قَوْلُهُمَا (بِقَوْلِ الْأَخْفَشِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ) الْمُفِيدِ أَنَّ الْمُقَيَّدَ بِالصِّفَةِ لَا يَدُلُّ التَّقْيِيدُ بِهَا عَلَى نَفْيِ حُكْمِهِ عَمَّا عَدَاهُ وَهُمَا إمَامَانِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، أَمَّا مُحَمَّدٌ فَنَاهِيك بِهِ، وَقَدْ رَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ قَالَ: تَرَكَ أَبِي ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقْت خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا عَلَى النَّحْوِ وَالشَّعْرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا عَلَى الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ ثُمَّ إنَّهُ لَجَدِيرٌ بِمَا قِيلَ وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ ... كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارٌ وَأَمَّا الْأَخْفَشُ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا أَيَّ الْأَخَافِشِ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُورِينَ هُوَ أَبُو الْخَطَّابِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ شَيْخُ سِيبَوَيْهِ أَوْ أَبُو الْحَسَنِ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ صَاحِبُ سِيبَوَيْهِ أَوْ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ صَاحِبُ ثَعْلَبٍ وَالْمُبَرِّدِ فَلَا ضَيْرَ لِأَنَّ كُلًّا إمَامٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ فَلَا يَنْهَضُ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِ ذَيْنِك الْإِمَامَيْنِ مَعَ مُعَارَضَةِ

قَوْلِ ذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ (وَلَوْ ادَّعَى السَّلِيقَةَ فِي الشَّافِعِيِّ فَالشَّيْبَانِيُّ مَعَ تَقَدُّمِ زَمَانِهِ أَوْ الْعِلْمِ وَصِحَّةِ النَّقْلِ لِلِاتِّبَاعِ فَكَذَا) أَيْ فَإِنْ زَعَمَ زَاعِمٌ تَرَجَّحَ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ الْقَائِلَ بِهِ ذُو طَبْعٍ سَلِيمٍ وَفَهْمٍ مُسْتَقِيمٍ أَوْ أَنَّهُ غَزِيرُ الْعِلْمِ وَأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ أَيْضًا فِي الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَائِلِ بِنَفْيِهِ مَعَ عِلَاوَةٍ فِي جِهَةِ مُحَمَّدٍ لَهَا مَدْخَلٌ فِي تَرَجُّحِ جَانِبِهِ عَلَى مُعَارِضِهِ فِي مِثْلِ هَذَا وَهُوَ تَقَدُّمُ زَمَانِهِ عَلَى زَمَانِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَى أَبِي عُبَيْدٍ أَيْضًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَالشَّافِعِيُّ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ وَتُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ عَنْ سَبْعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ إذْ فِي مُتَقَدِّمِ الزَّمَانِ مِنْ إدْرَاكِ صِحَّةِ الْأَلْسِنَةِ مَا لَيْسَ فِي مُتَأَخِّرِهِ وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَغْنَى الصَّدْرُ الْأَوَّلُ عَنْ تَدْوِينِ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَوُجِدَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِيمَا يَلِي زَمَانَهَا أَوْ فِي آخِرِهِ ثُمَّ مَازَالَ تَشْتَدُّ حَتَّى صَارَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ، وَمَا اسْتَفَاضَ مِنْ السَّبَبِ فِي تَدْوِينِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ لِلنَّحْوِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ شَاهِدُ صِدْقٍ لِذَلِكَ ثُمَّ كِلَاهُمَا مِمَّنْ تُلْمِذَ لَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ وَخُصُوصًا الشَّافِعِيَّ حَتَّى ذَكَرَ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حَمَلْت عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَقُرَى بَخْتِيٍّ كُتُبًا وَأَسْنَدَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْت سَمِينًا أَخَفَّ رُوحًا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَمَا رَأَيْت أَفْصَحَ مِنْهُ كُنْت إذْ رَأَيْته يَقْرَأُ كَأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَتِهِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الطَّبَقَاتِ وَرَوَى الرَّبِيعُ قَالَ: كَتَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى مُحَمَّدٍ وَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ كُتُبًا يَنْسَخُهَا فَأَخَّرَهَا عَنْهُ قُولُوا لِمَنْ لَمْ تَرَ عَيْ ... نُ مَنْ رَآهُ مِثْلَهُ وَمَنْ كَأَنَّ مَنْ رَآ ... هـ قَدْ رَأَى مَنْ قَبْلَهُ الْعِلْمُ يَنْهَى أَهْلَهُ ... أَنْ يَمْنَعُوهُ أَهْلَهُ لَعَلَّهُ يَبْذُلُهُ ... لِأَهْلِهِ لَعَلَّهُ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَا رَأَيْت أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِوَاسِطَةِ قَائِلِهِ (فَإِنْ قِيلَ الْمُثْبِتُ أَوْلَى) بِالْقَبُولِ مِنْ النَّافِي عِنْدَ التَّعَارُضِ؛ لِأَنَّ النَّافِيَ إنَّمَا يَنْفِي لِعَدَمِ الْوِجْدَانِ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُودِ إلَّا ظَنًّا وَالْمُثْبِتُ يُثْبِتُ لِلْوِجْدَانِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُودِ قَطْعًا فَيَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهِ. (قُلْنَا ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ الْمُثْبِتِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ النَّافِي عِنْدَ التَّعَارُضِ إنَّمَا هُوَ (فِي نَقْلِ الْحُكْمِ عَنْ الشَّارِعِ وَنَفْيِهِ أَمَّا هُنَا) أَيْ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ اللُّغَوِيِّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (فَلَا أَوْلَوِيَّةَ) لِلْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي (وَسَيَظْهَرُ) وَجْهُهُ قَرِيبًا وَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ (قَالُوا) أَيْ الْمُثْبِتُونَ لِلْمَفْهُومِ مُطْلَقًا (لَوْ لَمْ يَدُلَّ) تَخْصِيصُ الْمُقَيَّدِ بِوَصْفٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ غَايَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (خَلَا التَّخْصِيصُ) بِذَلِكَ (عَنْ فَائِدَةٍ) لِأَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ فَائِدَةِ غَيْرِهِ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ لِفَرْضِ بَلَاغَةِ الْكَلَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ، وَخُصُوصًا إنْ كَانَ كَلَامَ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (أُجِيبَ بِمَنْعِ انْحِصَارِ الْفَائِدَةِ فِيهِ) أَيْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ؛ إذْ كُلٌّ مِنْ تَقْوِيَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَذْكُورِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ خُرُوجُهُ بِتَخْصِيصٍ، وَمِنْ نَيْلِ ثَوَابِ الِاجْتِهَادِ بِالْقِيَاسِ فَائِدَةٌ ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ صُورَةٍ لَكِنْ فِي هَذَا كَلَامٌ سَيَتَعَرَّضُ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَذْكُرُ مَا يَظْهَرُ فِيهِ (وَبِأَنَّهُ) أَيْ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ (إثْبَاتُ اللُّغَةِ أَيْ وَضْعُ التَّخْصِيصِ) بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ (لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ جُعِلَ مَوْضُوعًا لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (مُفِيدٌ وَهُوَ) أَيْ إثْبَاتُ اللُّغَةِ (بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْوَضْعُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالنَّقْلِ أَوْ بِاسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ مِنْهُ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَوَضْعُ بِالرَّفْعِ تَفْسِيرُ: " إثْبَاتُ اللُّغَةِ " وَالْبَاءُ فِي بِأَنَّهُ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ. (وَتَحْقِيقُ الِاسْتِدْلَالِ) الْمَذْكُورِ (يَدْفَعُهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابَ (وَهُوَ) أَيْ تَحْقِيقُهُ (أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ) أَيْ التَّتَبُّعَ لِكَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ (دَلَّ عَنْهُمْ أَنَّ مَا مِنْ

التَّخْصِيصِ) بِوَصْفٍ أَوْ غَيْرِهِ (ظَنُّ أَنْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ سِوَى كَذَا) مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةً لَهُ فِي كَلَامِ الْعُقَلَاءِ (تَعَيَّنَ) ذَلِكَ مُرَادًا مِنْهُ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا التَّحْقِيقِ (أَنَّ وَضْعَ التَّخْصِيصِ) بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ (لِفَائِدَةٍ) مُعْتَبَرَةٍ لِلْعُقَلَاءِ (فَإِنْ ظُنَّتْ) الْفَائِدَةُ أَمْرًا (غَيْرَ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ فَهِيَ) أَيْ فَالْفَائِدَةُ الْمَظْنُونَةُ هِيَ الْمَوْضُوعُ لَهَا التَّخْصِيصُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُظَنَّ فِي التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ غَيْرَ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (حُمِلَ) التَّخْصِيصُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفِيدَهُ) أَيْ مُفِيدَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلسَّامِعِ فَائِدَةٌ فَالْفَائِدَةُ الْمُرَادَةُ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (نَقْلُ اللَّفْظِ) أَيْ اللَّفْظِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْوَاضِعِ أَوْ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ وُضِعَ لِذَلِكَ (وَلَا مَعْنَى لَهُ لِاخْتِلَافِ الْفَهْمِ) لِأَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُ وُضِعَ التَّخْصِيصُ بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ دَالًّا عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ وَعَدَمُ الظُّهُورِ يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِفْهَامِ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةٌ أُخْرَى لِشَخْصٍ وَتَظْهَرُ لِآخَرَ (فَكَانَ) التَّخْصِيصُ حِينَئِذٍ (وَضْعًا لِلْإِفَادَةِ مُؤَدِّيًا لِلْجَهْلِ) بِالْمَوْضُوعِ لَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ. (وَالِاسْتِقْرَاءُ إنَّمَا يُفِيدُ وُجُودَ الِاسْتِعْمَالِ) أَيْ اسْتِعْمَالِ الْمُخَصَّصِ بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ فِي مَعْنَاهُ وَحُكْمُهُ مَنْفِيًّا حُكْمُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسْكُوتَاتِ (ثُمَّ غَايَةُ مَا يُعْلَمُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الِاسْتِعْمَالِ (انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ، الْكَلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ وَلَا كَلَامَ فِي وُجُودِ الِانْتِفَاءِ عَنْ الْمَسْكُوتِ فِي الْجُمْلَةِ، إنَّمَا النِّزَاعُ بَعْدَ وُجُودِهِ فِي تِلْكَ الْمَوَادِّ (فِي أَنَّهُ) أَيْ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (مَدْلُولُ اللَّفْظِ أَوْ الْأَصْلِ أَوْ عِلْمِ الْوَاقِعِ) أَيْ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ خَارِجٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ (لَا يُفِيدُ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُهُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ (الِاسْتِقْرَاءَ وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ كَوْنُهُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ الِاسْتِقْرَاءَ (نَفَاهُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَعَ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَالْمُرَادَاتِ لَمْ تَخْفَ عَنْهُمْ) فَإِنَّ مَا كَانَ مُفِيدُهُ الِاسْتِقْرَاءَ لَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ مِنْ أَئِمَّةِ ذَلِكَ بَلْ يَشْتَرِكُونَ فِي مَعْرِفَتِهِ (وَهَذَا) أَيْ: إنَّمَا لَمْ يُفِدْهُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ الِاسْتِقْرَاءَ (لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا انْتَفَى فِيهِ الْحُكْمُ عَنْ الْمَسْكُوتِ يُوَافِقُ الْأَصْلَ) الْمُقَرَّرَ لَهُ قَبْلَ ظُهُورِ تَعَلُّقِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْمُخَصِّصِ. (وَالِاسْتِقْرَاءُ يُفِيدُهُ) أَيْ اسْتِقْرَاءُ الْمِثْلِ يُفِيدُ مُوَافَقَةَ الْأَصْلِ مِنْهَا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَلَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» فَإِنَّ عَدَمَ الظُّلْمِ، وَحِلُّ الْعِرْضِ وَالْعُقُوبَةِ هُوَ الْأَصْلُ، وَهُوَ الثَّابِتُ عِنْدَ عَدَمِ الْغِنَى (فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ إثْبَاتِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (بِاللَّفْظِ) لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى الِانْتِفَاءِ يُقَالُ لَهُ: لِمَ لَمْ يَكُنْ لِدَلَالَةِ الْأَصْلِ عَلَيْهِ؛ إذْ كَانَ الْأَصْلُ الْعَدَمَ (وَفِيهِ) أَيْ وَفِي إثْبَاتِهِ بِاللَّفْظِ (النِّزَاعُ وَإِذْ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الدَّلِيلَ) لِلِانْتِفَاءِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (الْفَهْمُ) لَهُ (وَفِي مُفِيدِهِ) أَيْ الْفَهْمِ (احْتِمَالٌ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ احْتِمَالِ كَوْنِهِ اللَّفْظَ أَوْ النَّظَرَ إلَى الْأَصْلِ أَوْ عِلْمَ الْوَاقِعِ (اتَّحَدَ حَالُ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ) فَيَجِبُ أَنْ لَا يَثْبُتَ ذَلِكَ وَلَا يُنْفَى إلَّا بِنَقْلِ اللُّغَةِ بِطَرِيقِهَا فِيهِ. (فَإِنْ أُجِيبَ عَنْ الْمَنْعِ) أَيْ عَنْ الْجَوَابِ الْقَائِلِ بِمَنْعِ انْحِصَارِ الْفَائِدَةِ فِي النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ بِتَسْلِيمِ الْمَنْعِ ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ (وَضْعُ التَّخْصِيصِ لِلْفَائِدَةِ وَضْعُ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ) بَيْنَ أَفْرَادِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِإِفَادَةِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ لَغْوًا (وَكُلُّ فَائِدَةِ فَرْدٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ (تَتَعَيَّنُ) أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُرَادَةَ (بِالْقَرِينَةِ) الْمُعَيِّنَةِ لَهَا (فِي الْمَوْرُودِ وَهِيَ) أَيْ الْقَرِينَةُ الْمُعَيِّنَةُ لِلْفَائِدَةِ الَّتِي هِيَ النَّفْيُ عَنْ الْمَسْكُوتِ (عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةٍ) غَيْرِ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ لُزُومُ عَدَمِ الْفَائِدَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ النَّفْيُ عَنْ الْمَسْكُوتِ هُوَ الْفَائِدَةَ حِينَئِذٍ مِنْ ذَلِكَ (فَيَجِبُ) النَّفْيُ عَنْ الْمَسْكُوتِ حِينَئِذٍ (مَدْلُولًا لَفْظِيًّا) ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَاطِئَ يَدُلُّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ بِاللَّفْظِ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفَرْدَ هُوَ الْمُرَادُ (قُلْنَا: لَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ) بِخُصُوصِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ (فَلَيْسَ) النَّفْيُ عَنْ الْمَسْكُوتِ مَدْلُولًا (لَفْظِيًّا بَلْ) الدَّلَالَةُ (لِلْقَرِينَةِ) الْمُعَيِّنَةِ لَهُ قُلْت لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ: إنْ تَمَّ هَذَا فَإِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ لَا عَلَى الْأُصُولِيِّينَ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ مَدْلُولُ اللَّفْظِ. وَلَا يَنْزِلُ إرَادَةُ فَرْدٍ مُعَيَّنٍ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ بِقَرِينَةٍ مُعَيِّنَةٍ لَهُ بِاللَّفْظِ الْمُؤَدِّي لَهُ عَلَى إرَادَةِ

مَجَازِيٍّ لِلَّفْظِ بِقَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إلَيْهِ فِي كَوْنِهِ مَدْلُولًا لَفْظِيًّا فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى نَفْيِ انْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ عَلَى غَيْرِ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (وَالثَّابِتُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِقَرِينَةِ الْغَيْرِ) أَيْ غَيْرِ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (لَا عَدَمُهَا) أَيْ قَرِينَةِ غَيْرِ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالْقَرِينَةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْقَرِينَةِ إذْ مِنْ الْجَائِزِ وُجُودُهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِهَا لِفَقْدِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ (فَيَكُونُ) الْمُتَوَاطِئُ (مُجْمَلًا فِي الْمَسْكُوتِ وَغَيْرِهِ) لِخَفَاءِ الْمُرَادِ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ كَوْنُهُ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَلَى الْمُعَيِّنِ لَهُ (لَا مُوجِبًا فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْكُوتِ (شَيْئًا كَرَجُلٍ بِلَا قَرِينَةٍ فِي زَيْدٍ) فَإِنَّ رَجُلًا مُجْمَلٌ فِي زَيْدٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ يَتَوَقَّفُ كَوْنُهُ الْمُرَادَ بِهِ عِنْدَ إطْلَاقِهِ عَلَى قَرِينَةٍ تُعَيِّنُهُ وَلَا يُوجِبُهُ بِخُصُوصِهِ مُجَرَّدُ إطْلَاقِهِ لِكَوْنِهِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ (فَإِنْ قِيلَ) لَا نُسَلِّمُ كَوْنَ الثَّابِتِ عَدَمَ الْعِلْمِ بِقَرِينَةِ غَيْرِ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ لَا عَدَمَ الْقَرِينَةِ (بَلْ) عَدَمُ الِاطِّلَاعِ عَلَى قَرِينَةِ مَا سِوَاهُ (ظَاهِرٌ فِي عَدَمِهَا) أَيْ قَرِينَةِ غَيْرِ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (بَعْدَ فَحْصِ الْعَالِمِ) عَنْ الْقَرِينَةِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ. (قُلْنَا) ظُهُورُ عَدَمِهَا (مَمْنُوعٌ، وَإِلَّا) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الظُّهُورُ مَمْنُوعًا (لَمْ يَتَوَقَّفْ فِي حُكْمٍ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الْأَئِمَّةِ) أَيْ لَكِنْ ثَبَتَ التَّوَقُّفُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ ظُهُورِهَا قُلْت لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ عَدَمِ التَّوَقُّفِ فِي حُكْمٍ أَصْلًا لِظُهُورِ قَرِينَةِ مَا سِوَى النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ، وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لِلظُّهُورِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ الْمُسَاوِي وَالرَّاجِحِ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْمُدَّعَى، وَإِنَّمَا الْمُدَّعَى مُجَرَّدُ الظُّهُورِ (فَإِنْ قِيلَ) التَّوَقُّفُ (نَادِرٌ) فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ الظُّهُورِ. (قُلْنَا: فَمَوَاضِعُ الْخِلَافِ كَثِيرَةٌ تُفِيدُ عَدَمَ الْوُجُودِ بِالْفَحْصِ لِلْعَالِمِ) أَيْ تَفَحُّصُ الْمُخْطِئِ فِي ذَلِكَ الْخِلَافِ مَعَ أَنَّهُ عَالِمٌ مُجْتَهِدٌ، وَإِلَّا لَمْ يُخَالِفْ فَانْتَفَى الظُّهُورُ قُلْت: إلَّا أَنَّهُ يَطْرُقُ هَذَا أَيْضًا أَنَّ الْخِلَافَ مِنْ الْمُخْطِئِ الْفَاحِصِ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ عَنْ عَدَمِ الْوُجُودِ بَعْدَ الْفَحْصِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ظَفِرَ بِالْقَرِينَةِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ لِعَارِضٍ هُوَ عِنْدَهُ أَرْجَحُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَ كَمَا عِنْدَهُ، وَهَذَا كَثِيرٌ بَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْطُوقَاتِ الدَّلَائِلِ فَضْلًا عَنْ مَفَاهِيمِهَا الْمُحْتَمَلَةِ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ فَحْصَ الْعَالِمِ مَعَ عَدَمِ الْوِجْدَانِ ظَاهِرٌ فِي انْتِفَاءِ قَرِينَةِ غَيْرِ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ حَتَّى يُلْزِمُ النَّفْيُ عَنْهُ الْمَسْكُوتَ (فِي غَيْرِ الشَّارِعِ اقْتَصَرَ) أَيْ وَجَبَ أَنْ يَقْتَصِرَ الْحُكْمُ عَنْ الْمَسْكُوتِ عِنْدَ عَدَمِ الظُّهُورِ عَلَى كَلَامِ غَيْرِ الشَّارِعِ (فَقُلْنَا بِهِ) أَيْ بِالِاقْتِصَارِ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الشَّارِعِ (مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ لِلُزُومِ الِانْتِفَاءِ) أَيْ انْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ (لَوْلَاهُ) أَيْ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (أَمَّا الشَّارِعُ فَلِلْقَطْعِ بِقَصْدِهَا) أَيْ الْفَائِدَةِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّارِعِ فِي تَخْصِيصِهِ (يَجِبُ تَقْدِيرُهَا) أَيْ الْفَائِدَةِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهَا غَيْرَ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهَا إيَّاهُ لِجَوَازِ كَوْنِهَا غَيْرَهُ مِمَّا لَمْ يَظْهَرْ. وَالْعِلْمُ وَاقِعٌ بِسَعَةِ اعْتِبَارَاتِ الشَّرْعِ بِمَا يَقْصُرُ عَنْ دَرْكِهِ الْعَقْلُ (فَلَا يَلْزَمُ الِانْتِفَاءُ) أَيْ انْتِفَاءُ الْفَائِدَةِ (لَوْلَا الِانْتِفَاءُ) أَيْ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (فَإِثْبَاتُهُ) أَيْ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ هُوَ الْفَائِدَةُ الْمُرَادَةُ حِينَئِذٍ (إقْدَامٌ عَلَى تَشْرِيعِ حُكْمٍ بِلَا مُلْجِئٍ) أَيْ مُوجِبٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ كَانَ لُزُومَ انْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ مِنْ تَخْصِيصِهِ لَوْلَا انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ، وَهَذَا الْمُوجِبُ مُنْتَفٍ هُنَا؛ لِأَنَّا نَحْكُمُ بِإِرَادَةِ فَائِدَةٍ غَيْرَ أَنَّا لَا نَعْلَمُهَا إذْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى تَعْيِينِهَا دَلِيلٌ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (فَإِنْ قِيلَ) : نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (ظَنِّيٌّ) فَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ ظَنُّ أَنْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ سِوَاهُ (قُلْنَا) : كَوْنُهُ ظَنِّيًّا مُسَلَّمٌ لَكِنْ ظَنُّهُ (ظَنُّ) الْفَرْدِ (الْمُعَيَّنِ) مِنْ أَفْرَادِ الْمُتَوَاطِئِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِهَا، وَذَلِكَ (عِنْدَ انْتِفَاءِ مُعَيِّنِهِ مَمْنُوعٌ) ؛ إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ حِينَئِذٍ وَهَذَا الظَّنِّيُّ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعَيِّنَ لَهُ كَمَا قَالَ (وَعَلِمْت أَنَّهُ) أَيْ الْمُعَيِّنَ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (لُزُومُ انْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ) عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَائِهِ (وَانْتِفَاءَهُ) أَيْ وَعَلِمْت انْتِفَاءَ لُزُومِ انْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ هُوَ فَائِدَةَ التَّخْصِيصِ لِسَعَةِ اعْتِبَارَاتِ الشَّارِعِ بِمَا يَقْصُرُ الْعَقْلُ عَنْ دَرْكِهَا فَلَا يُجْدِي مُجَرَّدُ ظَنِّ أَنْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ سِوَى ثُبُوتِهِ (وَانْدَفَعَ بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّ

مُفِيدَ كَوْنِ الْفَائِدَةِ الْمُرَادَةِ مِنْ التَّخْصِيصِ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ هُوَ اللَّفْظُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْوَاضِعِ أَوْ أَهْلِ اللُّغَةِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا وَمِنْ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِقَصْدِ الْفَائِدَةِ فِي التَّخْصِيصِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَجِبُ تَقْدِيرُهَا لِاتِّسَاعِ دَائِرَةِ اعْتِبَارَاتِهِ فَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاؤُهَا فِي كَلَامِهِ لَوْلَا أَنْ يَكُونَ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (قَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُثْبِتِينَ لِلْمَفْهُومِ أَيْضًا (تَثْبُتُ دَلَالَةُ الْإِيمَاءِ دَفْعًا لِلِاسْتِبْعَادِ) كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ (فَالْمَفْهُومُ) أَيْ فَلْتَثْبُتْ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (لِدَفْعِ عَدَمِ الْفَائِدَةِ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ هُوَ الْفَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ (أَوْلَى) لِأَنَّ الْحَذَرَ مِنْ لُزُومِ غَيْرِ الْمُفِيدِ أَجْدَرُ مِنْ لُزُومِ الْبَعِيدِ وَفِي قَوْلِهِ: (وَلَوْ جَعَلَ) هَذَا (إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِ الْوَضْعِ بِالْفَائِدَةِ) إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ افْتِرَاقِ حَالِ هَذَا فِي الِانْدِفَاعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَى الْمَطْلُوبِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ وُجُوبًا ثَانِيًا لِلْجَوَابِ الْقَائِلِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إثْبَاتُ الْوَضْعِ بِالْفَائِدَةِ بَلْ بِالِاسْتِقْرَاءِ عَنْ اعْتِرَاضِ النَّافِينَ بِأَنَّ فِي الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ إثْبَاتَ الْوَضْعِ بِالْفَائِدَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ شَارِحِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ حَتَّى يَكُونَ تَقْرِيرُهُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: لَا نُسَلِّمُ بُطْلَانَ إثْبَاتِ الْوَضْعِ بِالْفَائِدَةِ، وَالسَّنَدُ أَنَّهُ جَازَ ذَلِكَ تَفَادِيًا عَنْ لُزُومِ الْمُسْتَبْعَدِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ تَفَادِيًا عَنْ لُزُومِ الْمُمْتَنِعِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَاءِ إلَى أَنْ لِلْقَوْمِ فِي ذَلِكَ طَرِيقَيْنِ، وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ كَوْنِ الْوَصْفِ الْمُقْتَرِنِ بِحُكْمِ الصَّالِحِ لِعَلِيَّتِهِ دَالًّا عَلَيْهَا دَفْعًا لِاسْتِبْعَادِ اقْتِرَانِهِ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى تَعْيِينِهِ لَهُ مُعَيِّنٌ مَعَ إفْضَاءِ الْقَوْلِ بِهِ إلَى نِسْبَةِ الْوَاضِعِ الْحَكِيمِ إلَى إيقَاعِ السَّامِعِينَ فِي الْجَهْلِ، وَأَيْضًا نَمْنَعُ انْتِفَاءَ الْفَائِدَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَاءِ الْمَفْهُومِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِدَلَالَةِ الْإِيمَاءِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِيهِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ. (وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ) مِنْ النَّافِينَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الْمُثْبِتِينَ لَوْ لَمْ يَدُلَّ التَّخْصِيصُ بِالْوَصْفِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ غَيْرِهِ لَخَلَا عَنْ الْفَائِدَةِ (بِأَنَّ تَقْوِيَةَ دَلَالَتِهِ) أَيْ الْمَوْصُوفِ (عَلَى الثُّبُوتِ فِي الْمَوْصُوفِ) أَيْ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهِ فِي أَفْرَادِهِ الْمُتَّصِفَةِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ تَخْصِيصُهَا مِنْهُ بِالِاجْتِهَادِ (فَائِدَةٌ) ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَيْضًا فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةُ ذِكْرِهَا النَّفْيَ عَنْ الْمَسْكُوتِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: يُفِيدُ التَّقْوِيَةَ الْمَذْكُورَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْعَامِّ دُونَهَا أَمْكَنَ تَخْصِيصُهُ بِالِاجْتِهَادِ فَفِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَعْلُوفَةَ تَخْصِيصًا فَإِذَا ذَكَرَ السَّائِمَةَ زَالَ هَذَا الْوَهْمُ (وَكَذَا ثَوَابُ الْقِيَاسِ) أَيْ ثَوَابُ الِاجْتِهَادِ فِي إلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ بِالْمَذْكُورِ بِمَعْنًى جَامِعٍ بَيْنَهُمَا فَائِدَةٌ ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَيْضًا فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةُ ذِكْرِهَا النَّفْيَ عَنْ الْمَسْكُوتِ فَإِذَنْ لَا يَتَحَقَّقُ مَفْهُومُ الصِّفَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ (فَدُفِعَ الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنَّ تَقْوِيَةَ الدَّلَالَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَائِدَةٌ ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَفْهُومِهَا (بِأَنَّهُ) أَيْ جَوَازَ التَّخْصِيصِ فِي الْمَوْصُوفِ (فَرْعُ عُمُومِ الْمَوْصُوفِ فِي نَحْوِ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ وَلَا قَائِلَ بِهِ) أَيْ بِعُمُومِ الْمَوْصُوفِ فِي مِثْلِ الْغَنَمِ الْمَوْصُوفَةِ بِالسَّائِمَةِ حَتَّى تَكُونَ الْغَنَمُ مُتَنَاوِلَةً لِلسَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ وَإِنْ كَانَ الْغَنَمُ بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِأَحَدِهِمَا عَامًّا مُتَنَاوِلًا لَهُمَا فَيَجِبُ رَدُّهُ. (وَلَوْ ثَبَتَ) الْعُمُومُ (فِي مَادَّةٍ) كَالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَثَلًا (فَصَارَ الْمَعْنَى فِي الْغَنَمِ سِيَّمَا السَّائِمَةَ) زَكَاةٌ (خَرَجَ عَنْ النِّزَاعِ) لِأَنَّ النِّزَاعَ فِيمَا لَا شَيْءَ يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فِيهِ سِوَى مُخَالَفَةِ الْمَسْكُوتِ لِلْمَذْكُورِ وَدَفَعَ التَّخْصِيصَ فَائِدَةٌ سِوَاهَا (وَالثَّانِي) أَيْ وَدُفِعَ أَنَّ ثَوَابَ الِاجْتِهَادِ فِي إلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ بِالْمَذْكُورِ بِجَامِعٍ بَيْنَهُمَا فَائِدَةٌ ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ صُورَةٍ (بِأَنَّا شَرَطْنَا فِي دَلَالَتِهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (عَدَمَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَنَاطِ وَالرُّجْحَانِ وَسَيَدْفَعُ هَذَا) أَيْ عَدَمَ مُسَاوَاةِ الْمَسْكُوتِ لِلْمَنْطُوقِ فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِحُكْمِهِ، وَعَدَمَ كَوْنِهِ أَوْلَى مِنْ الْمَنْطُوقِ بِهِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ حِينَئِذٍ، وَهُوَ أَنْ لَا يَظْهَرَ أَوْلَوِيَّةٌ فِي

الْمَسْكُوتِ، وَلَا مُسَاوَاةَ، (وَنَقْضُهُ) أَيْ دَلِيلِ مُثْبِتِيهِ لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا (بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ) أَيْ بِأَنَّهُ يَجِيءُ فِيهِ أَيْضًا مِثْلُهُ بِأَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا فَيَلْزَمُ أَنْ يُعْتَبَرَ، وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ إلَّا عِنْدَ شُذُوذٍ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ ذِكْرَ اللَّقَبِ (لِيَصِحَّ الْأَصْلُ) فَإِنَّهُ يَخْتَلُّ بِإِسْقَاطِهِ، وَعَدَمُ الِاخْتِلَالِ أَعْظَمُ فَائِدَةً فَلَمْ يَصْدُقْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَفْهُومُ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ مُفِيدًا وَهُوَ الْمُقْتَضِي لِإِثْبَاتِ الْمَفْهُومِ فَتَنْتَفِي دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ، وَتَعَقَّبَ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ إيَّاهُ بِأَنَّهُ لَوْ حَذَفَ فِي السَّائِمَةِ مِنْ: فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ لَاخْتَلَّ الْكَلَامُ فَلَمْ يَبْقَ الْفَرْقُ قَائِمًا اهـ غَيْرُ مُتَّجَهٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَخْتَلُّ الْكَلَامُ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ بِحَذْفِهَا إذَا كَانَ الْمَوْصُوفُ مَذْكُورًا، وَهُوَ فِي هَذَا غَيْرُ مَذْكُورٍ ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَنَّهُ الْأَوْجَهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت ثَمَّةَ أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ عِنْدَ السُّبْكِيّ (وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ (الْمُزَيَّفَةِ) أَيْ الْمُضَعِّفَةِ لِمَفْهُومِ الصِّفَةِ (لَوْ لَمْ يَكُنْ) ذِكْرُ الصِّفَةِ (لِلْحَصْرِ) أَيْ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ وَنَفْيِهِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (لَزِمَ اشْتِرَاكُ الْمَسْكُوتِ وَالْمَذْكُورِ فِي الْحُكْمِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ اخْتِصَامِهِ بِالْمَذْكُورِ بَيْنَ اشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ لَكِنْ اللَّازِمُ الَّذِي هُوَ الِاشْتِرَاكُ (مُنْتَفٍ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَسْكُوتِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمَذْكُورِ (بَلْ) كَوْنُهُ لِلْمَسْكُوتِ أَيْضًا (مُحْتَمَلٌ) فَتَعَيَّنَ الْحَصْرُ (وَدُفِعَ) هَذَا الدَّلِيلُ (بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذِكْرَ الْوَصْفِ لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ تَعَيَّنَ الِاشْتِرَاكُ (بَلْ اللَّازِمُ عَدَمُ الدَّلَالَةِ عَلَى اخْتِصَاصٍ وَلَا اشْتِرَاكَ بَلْ) الدَّلَالَةُ (عَلَى مُجَرَّدِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْمَذْكُورِ) وَهَذَا وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْحَصْرِ وَالِاشْتِرَاكِ فَدَعْوَى عَدَمِهَا مَمْنُوعٌ (وَلِلْإِمَامِ) أَيْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ اسْتِدْلَالٌ (قَرِيبٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ، وَهُوَ ذِكْرُ الْوَصْفِ (لَوْ لَمْ يُفِدْ الْحَصْرَ) أَيْ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ وَنَفْيَهُ عَنْ الْمَسْكُوتِ (لَمْ يُفِدْ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ) بِالْمَذْكُورِ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِلْحَصْرِ فِيهِ إلَّا اخْتِصَاصُهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ. فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَمْ يَحْصُلْ (لَكِنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ (يُفِيدُهُ) أَيْ الِاخْتِصَاصَ (فِي الْمَذْكُورِ) بِهِ فَيُفِيدُ الْحَصْرَ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَجَوَابُهُ مَنْعُ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ عَدَمِ إفَادَتِهِ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِالْمَذْكُورِ (بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ) هَذَا الْكَلَامُ (الْحُكْمَ عَلَى الْمَذْكُورِ لَا اخْتِصَاصَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ (مَعَ مَا فِي تَرْكِيبِهِ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ مِنْ الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ (إذْ هُوَ) فِي الْمَعْنَى (لَوْ لَمْ يُفِدْ الْحَصْرَ لَمْ يُفِدْ الْحَصْرَ) غَايَتُهُ أَنَّ لَفْظَ الِاخْتِصَاصِ أَوْضَحُ دَلَالَةً مِنْ الْحَصْرِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ فِي تَالِي هَذِهِ الشَّرْطِيَّةِ تَفْصِيلٌ لَيْسَ فِي مُقَدَّمِهَا فَلَا يُعَدُّ مِنْ اسْتِلْزَامِ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ وَفِي نَقِيضِ تَالِيهَا تَفْصِيلٌ لَيْسَ فِي نَقِيضِ مُقَدَّمِهَا فَلَا يُعَدُّ مِنْ الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بَلْ هُوَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ التَّفْصِيلِ عَلَى الْجُمْلَةِ اهـ ثُمَّ إنَّمَا قَالَ: وَلِلْإِمَامِ قَرِيبٌ مِنْهُ مَعَ أَنَّ حَاصِلَهُمَا وَاحِدٌ لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ. (وَمَا رُوِيَ لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ) أَيْ وَمِنْ أَدِلَّةِ مُثْبِتِيهِ عَلَى مَفْهُومِ الْعَدَدِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ «لَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَرَفَةَ ابْنِ سَلُولَ قَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَدْ نَهَاك رَبُّك أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ» وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ قَتَادَةَ وَالطَّبَرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا بِلَفْظِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِمَ أَنَّ حُكْمَ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ خِلَافُ حُكْمِهَا (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ ذِكْرَ السَّبْعِينَ فِي الْآيَةِ (لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ ذِكْرَهَا لِلْمُبَالَغَةِ) فِي الْكَثْرَةِ عَلَى عَادَةِ ذِكْرِهِمْ إيَّاهَا فِي مَعْرِضِ التَّكْثِيرِ (وَاتِّحَادِ الْحُكْمِ) أَيْ وَلِلْعِلْمِ بِاتِّحَادِ الْحُكْمِ، وَهُوَ عَدَمُ الْمَغْفِرَةِ (فِي الزَّائِدِ) عَلَيْهَا، وَفِيهَا (فَكَيْفَ يَفْهَمُ) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الِاخْتِلَافَ) بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّائِدِ عَلَيْهَا فِي الْحُكْمِ (فَلَأَزِيدَنَّ تَأْلِيفٌ وَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ) أَيْ اخْتِلَافَ السَّبْعِينَ وَالزَّائِدِ عَلَيْهَا فِي الْحُكْمِ (جَائِزٌ) فِي جِنْسِ هَذَا الْمَقَامِ (إنْ ثَبَتَ يَجِبُ

كَوْنُهُ مِنْ خُصُوصِ الْمَادَّةِ وَهُوَ قَبُولُ دُعَائِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ فَعِلْمٌ مُبْتَدَأً وَيَجِبُ خَبَرُهُ. وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ أَجَابَ بِجَوَابَيْنِ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ الْأَوَّلِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ السَّبْعِينَ كِنَايَةٌ عَنْ السَّبْعِينَ فَمَا زَادَ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ حُكْمُ الزَّائِدِ مِثْلَ حُكْمِ السَّبْعِينَ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ فَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ فَقَوْلُهُ لَأَزِيدَنَّ تَأْلِيفٌ لِقُلُوبِ أَقَارِبِهِمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِإِظْهَارِ الْحَدَبِ عَلَيْهِمْ وَبُلُوغِ الْغَايَةِ فِي طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ، وَلَا يُقَالُ فَهُوَ حِينَئِذٍ شُغْلٌ بِمَا لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الِاسْتِغْفَارِ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مَطْلُوبٌ مَعَ أَنَّهُ يُفِيدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّأْلِيفِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالثَّانِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالسَّبْعِينَ خُصُوصُهَا فَيُعْلَمُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ السَّبْعِينَ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا جَائِزٌ فَعُلِمَ أَنَّهُ جَائِزٌ حَتَّى زَادَ عَلَيْهَا جَازَ كَوْنُهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْأَصْلِ مِنْ قَبُولِ دُعَائِهِ لَا اللَّفْظِ اهـ هَذَا وَقَدْ ذَهِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَسَاطِينِ عَنْ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَأَنْكَرُوا صِحَّتَهُ بِالتَّصْمِيمِ فَلَا يُتَّبَعُونَ فِيهِ {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] «وَقَوْلُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ لِعُمَرَ مَا بَالُنَا نَقْصُرُ، وَقَدْ أَمِنَّا فِي الشَّرْطِ فَقَالَ عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ» ) أَيْ وَمِنْ أَدِلَّةِ مُثْبِتِيهِ الْمُزَيَّفَةِ عَلَى مَفْهُومِ الشَّرْطِ هَذَا الْمَرْوِيُّ فَإِنَّ عُمَرَ وَيَعْلَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَهِمَا تَقْيِيدَ قَصْرِ الصَّلَاةِ بِحَالِ الْخَوْفِ وَعَدَمِ قَصْرِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ، وَأَقَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْلَا إفَادَتُهُ ذَلِكَ لُغَةً لَمَا كَانَا ثَمَّ هَذَا مُخْرِجُ لَفْظِ أَكْثَرِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ وَمُسْنَدَيْ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى وَالْبَاقِي فِيهَا مَعْنًى وَفِي آخِرِهِ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ. (وَالْجَوَابُ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَازَمَ فَهْمَهُمَا عَدَمُ الْقَصْرِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْخَوْفِ؛ إذْ مِنْ الْجَائِزِ (جَوَازُ بِنَائِهِمَا) الْعَجَبَ مِنْ الْقَصْرِ (عَلَى الْأَصْلِ) فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّفَرِ الْوَاقِعِ فِيهِ الْخَوْفُ (وَهُوَ الْإِتْمَامُ، وَإِنَّمَا خُولِفَ) الْأَصْلُ فِيهَا (فِي الْخَوْفِ) بِالْآيَةِ وَلِهَذَا ذَكَرَاهَا عِنْدَ التَّعَجُّبِ أَيْ الْقَصْرُ حَالَ الْخَوْفِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْآيَةِ فَمَا بَالُ حَالِ الْأَمْنِ لَمْ يَبْقَ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا مِنْ الْإِتْمَامِ قُلْت إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا: الْأَصْلُ فِيهَا الْقَصْرُ وَالْإِتْمَامُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ بِعَارِضِ الْإِقَامَةِ حَتَّى لَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُ الرُّبَاعِيَّةَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَرْبَعًا إنْ أَتَى بِالْقَعْدَةِ الْأُولَى أَسَاءَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَيَشْهَدُ لَهُمْ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَيُشْكِلُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَهُوَ الْحَامِلُ لِبَعْضِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَصْرِ فِيهَا قَصْرُ الْأَحْوَالِ لَا الذَّاتِ يَعْنِي إبَاحَةَ الصَّلَاةِ بِالْإِيمَاءِ مَعَ تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحَاتِ لَا أَعْدَادَ الرَّكَعَاتِ وَالْحَدِيثُ يَنْبُو عَنْهُ سِيَاقًا وَنَصًّا، وَاَلَّذِي سَنَحَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ غَفَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنْ يُقَالَ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ -: لَمَّا تَقَرَّرَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْإِقَامَةِ كَانَ مَظِنَّةَ أَنْ يَكُونَ فِي السَّفَرِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اخْتِلَافِ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ فِي الْأَحْكَامِ فَأَبَانَتْ الْآيَةُ اخْتِلَافَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ وَسَمَّتْ تَقْرِيرَ الْحَالَةِ الْأُولَى قَصْرًا نَظَرًا إلَى مَا اسْتَقَرَّ الْحَالُ عَلَيْهِ إقَامَةً وَخَرَجَ التَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِمْ وَقْتَ نُزُولِهَا، وَإِنَّمَا تَعَجَّبَا لِظَنِّهِمَا ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ الْغَيْرِ الْخَائِفِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ عَدَمِ اخْتِلَافِ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ فِي الْأَحْكَامِ، وَمِنْ كَوْنِ الشَّرْطِ غَيْرَ خَارِجٍ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَكَانَ تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا - كَمَا وَقَعَتْ فِي الْإِقَامَةِ مُطْلَقًا - صَدَقَةً مِنْ اللَّهِ، وَصَدَقَةُ اللَّهِ لَا تُرَدُّ فَانْزَاحَ الْإِشْكَالُ (وَإِنَّ فِي الْقَوْلِ بِهِ تَكْثِيرَ الْفَائِدَةِ) أَيْ وَمِنْ أَدِلَّةِ مُثْبِتِيهِ الْمُزَيَّفَةِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا هَذَا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ بِخِلَافِ عَدَمِ الْقَوْلِ بِهِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ، وَمَا كَثُرَتْ فَائِدَتُهُ رَاجِحٌ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِمُلَاءَمَتِهِ لِغَرَضِ الْعُقَلَاءِ (وَنُقِضَ) هَذَا الدَّلِيلُ نَقْضًا إجْمَالِيًّا (بِلُزُومِ الدَّوْرِ) وَالْمُعْتَرِضِ بِهِ الْآمِدِيُّ وَحَاصِلُهُ: لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَزِمَ

أَنْ تَتَوَقَّفَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَفْهُومِ عَلَى تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ، وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَفْهُومِ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى النَّفْيِ تَتَوَقَّفُ عَلَى وَضْعِهِ لَهُ، وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ وَضْعَهُ لَهُ مُعَلَّلًا بِتَكْثِيرِهَا فَيَكُونُ عِلَّةً لِوَضْعِهِ لَهُ، وَالْمَعْلُولُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى عِلَّتِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ تَكْثِيرَ الْفَائِدَةِ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الثُّبُوتِ لِلْمَنْطُوقِ وَالنَّفْيِ عَمَّا عَدَاهُ فَمَتَى لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى الثُّبُوتِ لِلْمَنْطُوقِ لَا غَيْرُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَكْثِيرُهَا، وَهَذَا دَوْرٌ ظَاهِرٌ. (وَلَيْسَ) هَذَا النَّقْضُ (بِشَيْءٍ) قَادِحٍ فِي صِحَّةِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ (لِظُهُورِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ) أَيْ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (وَتَعَقُّلُهَا) أَيْ تَعَقُّلُ الْوَاضِعِ كَثْرَةَ الْفَائِدَةِ (وَاقِعَةٌ) فِي وَضْعِ اللَّفْظِ لِلنَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ مَعَ الثُّبُوتِ لِلْمَذْكُورِ ثُمَّ وَضْعُهُ لِذَلِكَ لَا حُصُولُ كَثْرَةِ الْفَائِدَةِ الْمُسَبَّبِ عَنْ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ (وَتَحَقُّقُهَا) أَيْ: وَحُصُولُ كَثْرَةِ الْفَائِدَةِ فِي الْخَارِجِ (وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الدَّلَالَةِ الَّتِي هِيَ فَرْعُ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ فَلَا دَوْرَ لِاخْتِلَافِ جِهَتَيْ التَّوَقُّفِ (بَلْ الْجَوَابُ) عَنْ النَّقْضِ الْمَذْكُورِ (مَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالْفَائِدَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكُوتُ مُخَالِفًا لَزِمَ حُصُولُ الطَّهَارَةِ قَبْلَ السَّبْعِ فِي طُهُورِ إنَاءِ أَحَدِكُمْ) أَيْ وَمِنْ أَدِلَّةِ مُثْبِتِيهِ الْمُزَيَّفَةِ عَلَى مَفْهُومِ الْعَدَدِ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكُوتُ مُخَالِفًا لِلْمَذْكُورِ فِي حُكْمِهِ لَلَزِمَ حُصُولُ طَهَارَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا فِيمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» (وَالتَّحْرِيمُ) أَيْ وَحُصُولُ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الشَّخْصِ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ مُوجِبٌ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّحْرِيمِ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الرَّضَاعِ فِي مُدَّتِهِ (قَبْلَ الْخَمْسِ فِي خَمْسِ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمْنَ) أَيْ قَبْلَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ فِيمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ فَيَكُونُ الثَّابِتُ الْإِثْبَاتَ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا (وَيَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ) حِينَئِذٍ فِي كِلَيْهِمَا لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْ الطَّهَارَةِ وَالتَّحْرِيمِ قَبْلَ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ، وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ، فَإِثْبَاتُ السَّبْعِ الطَّهَارَةَ وَالْخَمْسِ التَّحْرِيمَ كَذَلِكَ وَهُوَ يُنَاقِضُ النَّصَّ الْمُفِيدَ لِكُلٍّ مِنْ إثْبَاتِ السَّبْعِ الطَّهَارَةَ وَالْخَمْسِ التَّحْرِيمَ (وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدُلَّ اللَّفْظُ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ لَزِمَ حُصُولُ الطَّهَارَةِ وَالتَّحْرِيمِ قَبْلَ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ فِيهِمَا (بَلْ اللَّازِمُ) فِيهِمَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (عَدَمُ الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الطَّهَارَةِ وَالتَّحْرِيمِ) قَبْلَ وُجُودِ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ (وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ) مِنْ التَّحْرِيمِ قَبْلَ الْخَمْسِ (لَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ) فِيمَنْ قَامَ بِهِ هَذَا الْأَثَرُ (عَدَمَ التَّحْرِيمِ) لَكِنْ الْفَرْضُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ عَدَمُ التَّحْرِيمِ (فَيَبْقَى) هَذَا الْأَصْلُ فِيهِ مُسْتَمِرًّا (إلَى وُجُودِ مَا عُلِّقَ بِهِ) وَهُوَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ (ضِدُّهُ) وَهُوَ التَّحْرِيمُ (وَكَذَا صَارَتْ النَّجَاسَةُ مُتَقَرِّرَةً بِالدَّلِيلِ فَيَبْقَى كَذَلِكَ) أَيْ إنَّمَا يَلْزَمُ طَهَارَةُ الْإِنَاءِ قَبْلَ السَّبْعِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ الْمُتَقَرِّرُ لَهُ بَعْدَ الْوُلُوغِ فِيهِ النَّجَاسَةَ بِدَلِيلِهَا، وَهُوَ الْعِلْمُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْوُلُوغِ الطَّهَارَةَ لَكِنْ الْأَصْلُ الْمُتَقَرِّرُ لَهُ إنَّمَا هُوَ ذَلِكَ فَتَبْقَى النَّجَاسَةُ مُسْتَمِرَّةً إلَى وُجُودِ مَا عُلِّقَ بِهِ، وَهُوَ الْغَسْلُ سَبْعًا ضِدُّهَا، وَهُوَ الطَّهَارَةُ هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّافِعِيَّةِ. (وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالتَّحْرِيمُ) بِالرَّضَاعِ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُمْ عَلَى خَمْسٍ بَلْ يَثْبُتُ (بِقَلِيلِهِ، وَالطَّهَارَةُ قَبْلَهُ) أَيْ طَهَارَةُ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى السَّبْعِ بَلْ تَثْبُتُ قَبْلَ السَّبْعِ (بِالثَّلَاثِ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي إشَارَتِهِ وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى نَقْلِ بَعْضِهِمْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبَهَا، وَاسْتِحْبَابُ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَهَا وَبِغَلَبَةِ ظَنِّ زَوَالِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَبَرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَوْقِيتَ فِي غَسْلِهَا بَلْ الْعِبْرَةُ فِيهِ لِأَكْبَرِ الرَّأْيِ وَلَوْ مَرَّةً وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضُهُمْ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ (وَهُمَا) أَيْ تَوَقُّفُ

التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ عَلَى خَمْسٍ، وَطَهَارَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ الْكَلْبُ عَلَى سَبْعٍ عِنْدَهُمْ (مَنْسُوخَانِ اجْتِهَادًا) مِنْهُمْ (بِالتَّرْجِيحِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ بِسَبَبِ تَرْجِيحِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُعَارِضِ فَإِنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ تَعَارَضَ فِيهِ دَلِيلَانِ فَرَجَّحَ الْمُجْتَهِدُ أَحَدَهُمَا يَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ الْقَوْلُ بِمَنْسُوخِيَّةِ الْآخَرِ، وَإِلَّا كَانَ تَرْكًا لِدَلِيلٍ صَحِيحٍ عَنْ الشَّارِعِ فَتَأَمَّلْ اهـ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ: وَالْمُعَارِضُ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ فِي طَهَارَةِ الْإِنَاءِ بِالثَّلَاثِ مَا رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُهْرِقْهُ وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» مَعَ مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ أَهْرَاقَهُ ثُمَّ غَسَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ الْأَوَّلِ قَوْلَ ابْنِ عَدِيٍّ لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ وَالْكَرَابِيسِيُّ لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا غَيْرَ هَذَا فَقَدْ قَالَ أَيْضًا: لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: صَدُوقٌ فَاضِلٌ ثُمَّ كَمَا مَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بِالضَّعْفِ وَالصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَجُوزُ صِحَّةُ مَا حُكِمَ بِضَعْفِهِ ظَاهِرًا، وَثُبُوتُ كَوْنِ مَذْهَبِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ قَرِينَةً تُفِيدُ أَنَّ هَذَا مِمَّا أَجَادَهُ الرَّاوِي الْمُضَعَّفُ، وَحِينَئِذٍ فَيُعَارِضُ حَدِيثَ السَّبْعِ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعَ حَدِيثِ السَّبْعِ دَلَالَةَ التَّقَدُّمِ بِمَا كَانَ مِنْ التَّشْدِيدِ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ أَوَّلَ الْأَمْرِ حَتَّى أَمَرَ بِقَتْلِهَا، وَالتَّشْدِيدُ فِي سُؤْرِهَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ إذْ ذَاكَ، وَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُ ذَلِكَ. فَإِذَا عَارَضَ قَرِينَهُ مُعَارِضٌ كَانَ التَّقَدُّمَةُ لَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بِالسَّبْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَبِغَلَبَةِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ هَذَا مَعَ زِيَادَةٍ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنْ لَيْسَ الْغَسْلُ مِنْهَا تَعَبُّدِيًّا بَلْ لِأَجْلِهَا فَيَكُونُ الْمَنَاطُ ظَنَّ زَوَالِهَا كَمَا فِي الطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ الْغَيْرِ الْمَرْئِيَّاتِ، وَوُقُوعُ غَسْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَلَاثًا جَارِيًا مَجْرَى الْغَالِبِ لَا أَنَّهُ ضَرْبَةُ لَازِبٍ كَمَا قَالُوا مِثْلَهُ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ وَالْمُعَارِضُ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ فِي تَحْرِيمِ قَلِيلِ الرَّضَاعِ إطْلَاقُ الْكِتَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] وَالسُّنَّةُ كَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . وَيُقَدَّمُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ لِقَطْعِيَّتِهِ، وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْقَوَادِحِ سَنَدًا وَمَتْنًا بِخِلَافِ حَدِيثِ الْخَمْسِ فَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ مُنْكَرٌ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَحَالَتْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَلَا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهِ، وَلَا إثْبَاتُهُ فِي الْمُصْحَفِ؛ إذْ الْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ (أَوْ نَقْلًا) أَيْ أَوْهَمَا مَنْسُوخَانِ نَقْلًا، وَالْمُفِيدُ لِلنَّسْخِ نَقْلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَعَلُّقِ طَهَارَةِ الْإِنَاءِ بِغَسْلِهِ سَبْعًا مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ عَمَلُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: ظَنِّيَّةُ خَبَرِ الْوَاحِدِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ رَاوِيهِ فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى رَاوِيهِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْعِيٌّ حَتَّى يَنْسَخَ بِهِ الْكِتَابَ إذَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ فِي مَعْنَاهُ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ إلَّا لِقَطْعِهِ بِالنَّاسِخِ؛ إذْ الْقَطْعِيُّ لَا يُتْرَكُ إلَّا لِقَطْعِيٍّ فَبَطَلَ تَجْوِيزُهُمْ تَرْكَهُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ نَاسِخٍ فِي اجْتِهَادِهِ الْمُحْتَمِلِ لِلْخَطَأِ، وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ كَانَ تَرْكُهُ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ بِلَا شُبْهَةٍ فَيَكُونُ الْآخَرُ مَنْسُوخًا بِالضَّرُورَةِ غَيْرَ أَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ الثَّلَاثِ لَا يَكُونُ الِاقْتِصَارُ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ مِنْهُ جَارِيًا مَجْرَى الْغَالِبِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ ضَرْبَةُ لَازِبٍ بِخِلَافِهِ عَلَى غَيْرِ تَقْدِيرِ لُزُومِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَالْمُفِيدُ لِلنَّسْخِ نَقْلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَعَلُّقِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَا رَوَى الْمَشَايِخُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا قِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّ الرَّضْعَةَ لَا تُحَرِّمُ قَالَ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ آلَ أَمْرُ الرَّضَاعِ إلَى أَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْقَلِيلَ يُحَرِّمُ ثُمَّ تَكُونُ هَذِهِ الْآثَارُ صَالِحَةً لِنَسْخِ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَهُمْ وَإِنْ لَمْ تُكَافِئْهُ فِي صِحَّةِ السَّنَدِ ظَاهِرًا لِانْقِطَاعِهِ بَاطِنًا لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ ثُبُوتِ قَوْلِ الرَّافِضَةِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُثْبِتْهُ الصَّحَابَةُ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ مَعْدُودٌ بُطْلَانُهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فَتَقْوَى هَذِهِ الْآثَارُ عَلَى نَسْخِهِ وَيَقَعُ الْقَطْعُ

بِمَضْمُونِهَا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ ثُمَّ إذَا كَانَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَا قَدَّمْنَاهُ (فَاللَّازِمُ حَقٌّ) أَيْ جَوَابُهُمْ عَنْ هَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ أَنَّ حُصُولَ الطَّهَارَةِ قَبْلَ السَّبْعِ بِالثَّلَاثِ أَوْ بِغَلَبَةِ ظَنِّ زَوَالِهَا وَالتَّحْرِيمُ قَبْلَ وُجُودِ خَمْسِ رَضَعَاتٍ حَقٌّ (فَيَسْقُطَانِ) أَيْ الدَّلِيلَانِ الْمَذْكُورَانِ (تَنْبِيهٌ) وَلَوْ حُوِّلَ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُورُ فِي السَّبْعِ إلَى الثَّلَاثِ بَعْدَ الْقَوْلِ بِلُزُومِهَا عِنْدَ مَشَايِخِنَا لِيَتِمَّ عَلَى قَوْلِهِمْ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِثْلُ مَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي السَّبْعِ وَتَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ مِمَّا بَيَّنَّاهُ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ بَعْدَ مَا فِيهِمَا إنَّمَا يَتَمَشَّيَانِ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ بِأَنَّ دَلِيلَ الْمَفْهُومِ الشَّرْعُ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ الْأَكْثَرِ ثُمَّ قَدْ كَانَ الْأَحْسَنُ ذِكْرَهُمَا وَلَاءَ قَوْلِهِ وَمَا رُوِيَ لَأَزِيدَنَّ عَلَى سَبْعِينَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّهَا أَدِلَّةٌ عَلَى مَفْهُومِ الْعَدَدِ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ) مِنْ الْحُجَّةِ (فِي نَفْيِ الْمَفْهُومِ) أَيْ فِي عَدَمِ الْقَوْلِ بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (عَدَمُ مَا يُوجِبُهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِهِ (إذْ عُلِمَ أَنَّ الْأَوْجُهَ) الْمَذْكُورَةَ لِإِثْبَاتِهِ (لَمْ تُفِدْهُ) أَيْ إثْبَاتَهُ (وَأَيْضًا الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمُصَيِّرَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْقَوْلِ بِهِ إنَّمَا هُوَ (عِنْدَ عَدَمِ فَائِدَةٍ أُخْرَى) سِوَاهُ لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالذِّكْرِ (وَهِيَ لَازِمَةٌ) أَيْ لَكِنْ الْفَائِدَةُ الَّتِي لَيْسَتْ إيَّاهُ لَازِمَةٌ لَهُ أَبَدًا فِي كُلِّ صُورَةٍ (إذْ ثَوَابُ الِاجْتِهَادِ لِلْإِلْحَاقِ) أَيْ لِإِلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ بِالْمَذْكُورِ فِي حُكْمِهِ بِجَامِعٍ بَيْنَهُمَا إنْ أَمْكَنَ (فَائِدَةٌ لَازِمَةٌ) لَهُ كَمَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ لَا تَحَقُّقَ لَهُ أَصْلًا كَمَا سَلَفَ (وَالدَّفْعُ) لِهَذَا (بِأَنَّ شَرْطَهُ) أَيْ الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ (عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ) وَالرُّجْحَانُ فِي الْمَنَاطِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ مَعَ ظُهُورِهِ (فَعِنْدَهَا) أَيْ الْمُسَاوَاةِ أَوْ الرُّجْحَانِ ذَلِكَ الْمَحَلُّ (غَيْرُ) مَحَلِّ (النِّزَاعِ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (لَيْسَ بِشَيْءٍ) يَقْوَى عَلَى دَفْعِهِ (لِأَنَّ فَائِدَةَ الثَّوَابِ) أَيْ الْفَائِدَةَ الَّتِي هِيَ الثَّوَابُ (تَلْزَمُ الِاجْتِهَادَ) السَّائِغَ مُطْلَقًا كَمَا عُرِفَ (أَوْصَلَ) الِاجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدَ (إلَى ظَنِّ الْمُسَاوَاةِ) أَيْ مُسَاوَاةِ الْمَسْكُوتِ فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْكُوتِ أَيْضًا (أَوْ) أَوْصَلَهُ (إلَى عَدَمِهَا) أَيْ الْمُسَاوَاةِ الْمَذْكُورَةِ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يُوصِلْهُ إلَى أَحَدِهِمَا (ثُمَّ يَنْتَفِي الْحُكْمُ) لِلْمَذْكُورِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ (بِالْأَصْلِ) وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّ الْمُصِيبَ أَكْثَرُ أَجْرًا ثُمَّ لَمَّا كَانَ هُنَا مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الِاجْتِهَادُ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ التَّخْصِيصِ وَعَدَمُ مُسَاوَاةِ الْمَسْكُوتِ لِلْمَذْكُورِ فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِحُكْمِهِ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَيَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ؛ إذْ لَا قِيَاسَ مَعَ انْتِفَائِهَا، قَدَّرَهُ مُجِيبًا عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (وَعَدَمُ الْمُسَاوَاةِ لَيْسَ لَازِمًا بَيِّنًا لِكُلِّ تَخْصِيصٍ لِيَمْتَنِعَ الِاجْتِهَادُ لِاسْتِكْشَافِ حَالِ الْمَسْكُوتِ) لِظُهُورِ عَدَمِهَا لِسَامِعِهِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ فَيَكُونُ حَالُ الْمَسْكُوتِ مَكْشُوفًا بِدُونِ الِاجْتِهَادِ حِينَئِذٍ لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِي تَسْلِيمِ كَوْنِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ لَيْسَ لَازِمًا بَيِّنًا لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ التَّخْصِيصِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ تَأَمُّلًا ثُمَّ هَذَا مَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهِ بِقَوْلِهِ وَسَيُدْفَعُ (وَلَهُمْ) أَيْ وَلِلْحَنَفِيَّةِ كَأَنَّهُمْ ذَكَرُوا بِذِكْرِ نَفْيِ الْمَفْهُومِ إذْ هُوَ يَسْتَلْزِمُ النَّافِيَ (غَيْرُهُ) أَيْ هَذَا الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ (أَدِلَّةٌ مَنْظُورٌ فِيهَا) غَالِبُهَا فِي الْحَقِيقَةِ اعْتِرَاضَاتٌ (مِنْهَا انْتِفَاؤُهُ) أَيْ الْمَفْهُومِ (فِي الْخَبَرِ نَحْوِ فِي الشَّامِ غَنَمٌ سَائِمَةٌ) فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمَعْلُوفَةِ فِيهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ قَطْعًا (مَعَ عُمُومِ أَوْجُهِ الْإِثْبَاتِ) لَهُ فِي الْخَبَرِ كَمَا فِي الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهَا مُتَوَاطِئَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُلْجِئَ لِلْقَوْلِ بِهِ لُزُومُ عَدَمِ الْفَائِدَةِ لِلتَّخْصِيصِ لَوْلَاهُ، وَهَذَا قَائِمٌ فِي الْخَبَرِ كَمَا فِي الْإِنْشَاءِ فَحَيْثُ انْتَفَى فِي الْخَبَرِ انْتَفَى فِي الْإِنْشَاءِ فَانْتَفَى أَصْلًا. (وَأُجِيبَ) بِوَجْهَيْنِ (بِالْتِزَامِهِ) أَيْ الْمَفْهُومِ فِي الْخَبَرِ أَيْضًا (إلَّا لِدَلِيلٍ) خَارِجِيٍّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ فِيهِ (وَمِنْهُ) أَيْ: وَمِنْ الْخَبَرِ الَّذِي دَلَّ الدَّلِيلُ الْخَارِجِيُّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْمَفْهُومِ فِيهِ (الْمِثَالُ) الْمَذْكُورُ فَإِنَّ الْعِلْمَ مُحِيطٌ بِوُجُودِ الْمَعْلُوفَةِ فِي الشَّامِ (وَبِالْفَرْقِ) بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ (بِأَنَّ كَوْنَ الْمَسْكُوتِ فِي الْخَبَرِ غَيْرُ مُخْبَرٍ عَنْهُ) كَمَا هُوَ الْحَالُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ فِيهِ (لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) لِلْمَسْكُوتِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِخْبَارِ عَنْ الشَّيْءِ عَدَمُهُ فِي الْخَارِجِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ فِيهِ مَا لَمْ يُخْبَرْ عَنْهُ قَطُّ (بِخِلَافِ الْأَمْرِ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْإِنْشَاءِ

(فَإِنَّهُ لَا خَارِجَ لَهُ) أَيْ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ، وَهُوَ النِّسْبَةُ الْخَارِجِيَّةُ (يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ غَيْرَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مَعَ جَوَازِ كَوْنِهِ حَاصِلًا فِي الْخَارِجِ (فَإِذَا انْتَفَى تَعَرُّضُهُ) أَيْ الْأَمْرِ وَنَحْوِهِ (لِلْمَسْكُوتِ يَنْتَفِي الْحُكْمُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَسْكُوتِ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَدُفِعَ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْتِزَامُ الْمَفْهُومِ فِي الْخَبَرِ (بِأَنَّهُ مُكَابَرَةٌ وَالثَّانِي) وَهُوَ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ (بِإِفَادَتِهِ السُّكُوتَ عَنْ الْمَسْكُوتِ وَهُوَ) أَيْ السُّكُوتُ عَنْ الْمَسْكُوتِ (قَوْلُ النَّافِينَ) فَإِنَّ حَاصِلَ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْحُكْمَ مُنْتَفٍ عَنْ الْمَسْكُوتِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُهُ فِيهِ فَعَدَمُ ثُبُوتِهِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ النَّفْيَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى اللَّفْظِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ النَّافِينَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالدَّافِعُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ. (وَمِنْهَا) أَيْ الْأَدِلَّةِ الْمَنْظُورِ فِيهَا (لَوْ ثَبَتَ الْمَفْهُومُ) أَيْ اعْتِبَارُهُ (ثَبَتَ التَّعَارُضُ) فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ كَثِيرًا (لِثُبُوتِ الْمُخَالَفَةِ كَثِيرًا) لِمُقْتَضَى الْمَفْهُومِ بِثُبُوتِ مِثْلِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ فِي الْمَسْكُوتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] فَإِنَّ مُقْتَضَى الْمَفْهُومِ حِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، وَغَيْرُهُ مِنْ السَّمْعِيَّاتِ كَالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ يَثْبُتُ حُرْمَتَهُ كَذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ التَّعَارُضُ (خِلَافُ الْأَصْلِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ) فَلَا يَجُوزُ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَمَا أَوْجَبَ كَثْرَةَ التَّعَارُضِ فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ إلَّا اعْتِبَارُ الْمَفْهُومِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يُبَالِيَ بِلُزُومِ كَثْرَةِ التَّعَارُضِ فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ إذَا أَدَّى إلَى خِلَافِ الْأَصْلِ قُلْنَا (فَإِنْ أُقِيمَ) الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهِ (فَبَعْدَ صِحَّتِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ (كَانَ دَلِيلُنَا) عَلَى بُعْدِهِ (مُعَارِضًا) لَهُ فَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُ اعْتِبَارِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ الْمُعَارَضَةِ فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ؛ إذْ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ وُجُودِ مُعَارِضِهِ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُرَجَّحْ عَلَيْهِ فَقَالَ (وَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ يَخْرُجُ عَنْ الْأَصْلِ بَعْدَ صِحَّتِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ وَيُعَارِضُهُ مَا يُوَافِقُ الْأَصْلَ (يُقَدَّمُ) الْمُخَرَّجُ عَلَى الْمُوَافِقِ (وَإِلَّا لَزِمَ مِثْلُهُ فِي حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ) لِأَنَّ وَضْعَ الْأَدِلَّةِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ التَّكَالِيفِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا، وَالتَّكْلِيفُ مُطْلَقًا خِلَافُ الْأَصْلِ (وَيُدْفَعُ) مِنْ قِبَلِ الْحَنَفِيَّةِ (بِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ التَّرْجِيحَ مُثْبِتٌ خِلَافَ الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ (عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا) أَيْ الدَّلِيلَيْنِ (فِي اسْتِلْزَامِ الْمَطْلُوبِ وَأَدِلَّتُكُمْ) عَلَى اعْتِبَارِهِ (بَيِّنًا أَنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَهُ) أَيْ الْمَفْهُومِ. (وَمِثْلُهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ مِنْ مَقْبُولِ الْأَدِلَّةِ كَعَدَمِ فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ لَوْلَاهُ وَمُزَيَّفُهَا كَتَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ مِنْ جَانِبِ الْمُثْبِتِ وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ عَنْهَا مِنْ جَانِبِ النَّافِي يَكُونُ (فِي الشَّرْطِ) أَيْ فِي مَفْهُومِهِ (مِنْ الْجَانِبَيْنِ) الْمُثْبِت وَالنَّافِي مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِحَدِيثِ يَعْلَى (وَشَرْطُهُ) أَيْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ (مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ خُرُوجِهِ) أَيْ الْمُقَيِّدِ وَهُوَ الشَّرْطُ هُنَا (مَخْرَجَ الْغَالِبِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33] كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ (وَنَحْوُهُ) أَيْ هَذَا الشَّرْطِ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ مَعَهُ مَفْهُومُ الشَّرْطِ كَالْخَوْفِ (وَيَخُصُّهُ) أَيْ مَفْهُومَ الشَّرْطِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُثْبِتَةِ لَهُ عَلَى قَوْلِ مُثْبِتِيهِ (قَوْلُهُمْ: إنَّهُ) أَيْ الشَّرْطَ (سَبَبٌ) لِلْجَزَاءِ، وَالْجَزَاءُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ وَانْتِفَاءُ السَّبَبِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمُسَبَّبِ مُتَّحِدًا كَانَ السَّبَبُ أَوْ مُتَعَدِّدًا (فَعَلَى اتِّحَادِهِ ظَاهِرٌ) لِامْتِنَاعِ الْمُسَبَّبِ بِدُونِ سَبَبِهِ (وَعَلَى جَوَازِ التَّعَدُّدِ) أَيْ تَعَدُّدِ السَّبَبِ كَمَا فِي الْمُسَبَّبَاتِ النَّوْعِيَّةِ (الْأَصْلُ عَدَمُ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ (فَإِذَا انْتَفَى) السَّبَبُ الْمَذْكُورُ (انْتَفَى مُطْلَقًا) أَيْ مُطْلَقُ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ حَتَّى يَثْبُتَ وُجُودُهُ وَهَذَا مَعْنَى (مُلَاحَظَةً لِلنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ الْوُجُودِ) أَيْ وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ لِلْجَزَاءِ. وَالْفَرْضُ عَدَمُهُ (مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا اسْتَقْصَى الْبَحْثَ عَنْ آخَرَ فَلَمْ يُوجَدْ) آخَرُ (فَإِنَّ احْتِمَالَ وُجُودِهِ) أَيْ آخَرَ حِينَئِذٍ (يَضْعُفُ فَيَتَرَجَّحُ الْعَدَمُ) أَيْ عَدَمُ آخَرَ (وَالْمَفْهُومُ ظَنِّيٌّ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاحْتِمَالُ) الْمَرْجُوحُ فَيَنْتَفِي الْمُسَبَّبُ ظَاهِرًا حِينَئِذٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِ قَطْعًا كَمَا فِي الِاتِّحَادِ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْمَطْلُوبِ وَتَعَقَّبَ

الْمُصَنِّفُ هَذَا بِقَوْلِهِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا رُجُوعٌ عَنْ أَنَّهُ) أَيْ مَفْهُومَ الشَّرْطِ (مَدْلُولُ اللَّفْظِ إلَى إضَافَتِهِ إلَى انْتِفَاءِ السَّبَبِ وَهُوَ) أَيْ وَالْقَوْلُ بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ هُوَ (قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ (يَبْقَى عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيُّ فِي التَّحْقِيقِ وَالْأَقْرَبُ لَهُمْ) أَيْ لِمُثْبِتِيهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ (إضَافَتُهُ) أَيْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ (إلَى شَرْطِيَّةِ اللَّفْظِ الْمُفَادَةِ لِلْأَدَاةِ) بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مَا يَنْتَفِي الْجَزَاءُ بِانْتِفَائِهِ فَيَكُونُ) انْتِفَاءُ الْجَزَاءِ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (مَدْلُولًا) لَفْظِيًّا حِينَئِذٍ (لِلْأَدَاةِ مَنَعَ كَوْنَ الشَّرْطِ سِوَى مَا جُعِلَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ) أَيْ مَنَعَ كَوْنَهُ غَيْرَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَدَاةٌ دَالَّةٌ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْأَوَّلِ وَمُسَبَّبِيَّةِ الثَّانِي ذِهْنًا أَوْ خَارِجًا سَوَاءٌ كَانَ عِلَّةً لِلْجَزَاءِ كَإِنْ كَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُودٌ، أَوْ مَعْلُولًا كَإِنْ كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا فَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا كَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ. (وَالِانْتِفَاءُ) أَيْ انْتِفَاءُ الْجَزَاءِ (لِلِانْتِفَاءِ) أَيْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِهِ) أَيْ الشَّرْطِ (بَلْ) انْتِفَاءُ الْجَزَاءِ (لَازِمٌ لِتَحَقُّقِهِ) أَيْ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ قَدْ يَخْتَلِفُ عَنْهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَيَجِيءُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنَّ انْتِفَاءَ الْجَزَاءِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ لِعَدَمِ دَلِيلِ ثُبُوتِهِ (وَيَتَّحِدُ) قَوْلُ مُثْبِتِيهِ (بِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ) إنَّ عَدَمَ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ هُوَ الْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ كَمَا فِيمَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ هَذَا، وَفِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ مُشِيرًا إلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَا يُوجِبُهُ عِنْدَنَا بَلْ عَدَمُ الْحُكْمِ مُبْقًى عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ حِينَئِذٍ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ غَيْرُ طَالِقٍ فَدَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَائِلٌ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِالطَّلَاقِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ وَبِمِثْلِهِ لَا تَزُولُ حُقُوقُ الْعِبَادِ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهَا بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَالِكٌ لِنَوَاصِي الْعِبَادِ مُطَاعٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ تَجِبُ طَاعَتُهُ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فَجَازَ إثْبَاتُ حُقُوقِهِ بِمِثْلِهِ. وَلِذَا لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ: لَا تُعْتِقْ عَبْدِي الْأَسْوَدَ لَا يَكُونُ أَمْرًا بِإِعْتَاقِ عَبِيدِهِ الْبِيضِ وَالشُّقْرِ وَنَحْوِهِمَا وَمَعَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَصْفِ عِنْدَهُ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ أَعْتِقْ عَبِيدِي الْبِيضَ ثُمَّ قَالَ أَعْتِقْ عَبِيدِي السُّودَ قَبْلَ إعْتَاقِهِ أَنْ يَنْعَزِلَ عَنْ وَكَالَتِهِ الْأُولَى وَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ الْعَزْلِ فَلَهُ وَجْهٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَقْوَى مِنْ الْمَفْهُومِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بِأَمْرٍ مُسَاوٍ لَهُ كَانَ عِلَّةً أَوْ لَمْ يَكُنْ كَزِنَا الْمُحْصَنِ مَعَ الرَّجْمِ أَوْ كَالرَّجْمِ مَعَ إحْصَانِ الزَّانِي أَوْ بِالْإِبْدَالِ كَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ فَقْدِ الْمَاءِ فَإِنَّ الْمُتَعَلِّقَاتِ فِيهَا دَائِرَةٌ مَعَ الْمُعَلَّقِ بِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا بِالِاتِّفَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْرِيرِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَإِذَنْ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ الْحُكْمُ مَتَى عُلِّقَ بِأَمْرٍ ابْتِدَاءً بِصِلَةِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْأَمْرُ مُسَاوِيًا لَهُ وَلَا شَرْطًا عَقْلِيًّا كَالْعِلْمِ لِلْإِرَادَةِ وَلَا يَكُونُ الْمُعَلَّقُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ الْمُعَلَّقُ حَالَ كَوْنِهِ مُعَلَّقًا عِلَّةً مُجَوِّزَةً لِلْحُكْمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ نَفْيُهُ عَلَى نَفْيِهِ وَيَنْعَقِدُ عِلَّةً مُجَوِّزَةً. (وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ النَّفْيَ) أَيْ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْمَشْرُوطِ (حُكْمٌ شَرْعِيٌّ عِنْدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مِنْ مَدْلُولِ الدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ الْمَذْكُورِ (وَعَدَمٌ أَصْلِيٌّ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِعَدَمِ تَعَرُّضِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ (فَلَا يَخُصُّ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] بِمَفْهُومِ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} [النساء: 25] الْآيَةَ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الِاتِّصَالُ كَقَوْلِهِ وَلَا يَنْسَخُ عَلَى قَوْلِنَا الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخٌ خِلَافًا لَهُ) أَيْ فَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْفَائِدَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عِنْدَنَا عُمُومُ وقَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] مَخْصُوصًا بِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] وَإِنْ تَنَزَّلْنَا إلَى أَنَّ اتِّصَالَ الْمُخَصَّصِ بِالْمُخَصِّصِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّخْصِيصِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا مَنْسُوخًا بِهِ عَلَى قَوْلِنَا فِي الْمُخَصَّصِ

الْمُتَرَاخِي أَنَّهُ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ فِي الْقَدْرِ الْمُعَارِضِ لَهُ فِي مُقْتَضَاهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ عَدَمٌ أَصْلِيٌّ وَحِلُّ نِكَاحِ مَنْ عَدَا الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ النِّسَاءِ الْمُتَنَاوِلِ لِلْأَمَةِ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ حُكْمٌ ثُبُوتِيٌّ شَرْعِيٌّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَدَمَ الْأَصْلِيَّ لَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا وَلَا نَاسِخًا فَيَجُوزُ عِنْدَنَا نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ عَمَلًا بِالْعُمُومِ الْمَذْكُورِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عُمُومُ الْآيَةِ الْأُولَى مَخْصُوصًا بِمَفْهُومِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمُؤْمِنَاتِ لِلتَّشْرِيفِ لَا لِلشَّرْطِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 49] الْآيَةَ فَإِنَّ الْمُسْلِمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ (وَمَا قِيلَ مِنْ بِنَاءِ الْخِلَافِ) فِي أَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ وَهُوَ الِانْتِفَاءُ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ هَلْ هُوَ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ أَمْ لَا أَنَّهُ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ عَزْوًا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِ) مُوجِبًا لِلْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَنَا لَا مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ فَقَطْ (فَعَدَمُ الْحُكْمِ) عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ ثَابِتٌ (بِالْأَصْلِ عِنْدَنَا) وَهُوَ عَدَمُ سَبَبِهِ لَا بِعَدَمِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ لَمَّا كَانَ مُتَحَقِّقًا قَبْلَ التَّعْلِيقِ. وَكَانَ الشَّرْطُ مَانِعًا مِنْ انْعِقَادِ سَبَبِهِ اسْتَمَرَّ الْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ سَبَبِهِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَ وُجُودِهِ، فَيَكُونُ عَدَمُ الْحُكْمِ مُضَافًا إلَى عَدَمِ سَبَبِهِ لَا إلَى عَدَمِ الشَّرْطِ (وَمِنْ الْحُكْمِ عِنْدَهُ) أَيْ وَمَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ) أَيْ الْحُكْمِ لَا مَانِعَ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ لِلطَّلَاقِ، وَلِهَذَا يَقَعُ بِهِ لَوْلَا التَّعْلِيقُ، وَإِذَا كَانَ سَبَبًا شَرْعِيًّا لَهُ وَجَبَ تَرَتُّبُهُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِ فَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ بِوَاسِطَةِ التَّعْلِيقِ ظَهَرَ أَنَّ تَأْثِيرَ تَعْلِيقِهِ فِي تَأْخِيرِ حُكْمِهِ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا فِي مَنْعِ انْعِقَادِهِ بَعْدَ وُجُودِهِ حِسًّا كَالتَّأْجِيلِ فَإِنَّهُ مُؤَخَّرٌ لِلْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ إلَى حِينِ الْأَجَلِ لَا مَانِعٌ سَبَبَهُ عَنْ الِانْعِقَادِ. وَهُوَ وُجُوبُ الدَّيْنِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّاهُ قَبْلَ الْأَجَلِ صَحَّ وَكَشَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ تَأْثِيرَهُ فِي تَأْخِيرِ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا فِي مَنْعِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ سَبَبًا لَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَالْإِضَافَةِ فِي الطَّلَاقِ الْمُضَافِ نَحْوِ هِيَ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْحُكْمِ دُونَ انْعِقَادِ السَّبَبِ أَيْضًا فَيَكُونُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُضَافًا إلَى عَدَمِ الشَّرْطِ لَا إلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ عَدَمُ السَّبَبِ وَهُوَ نَظِيرُ التَّعْلِيقِ الْحِسِّيِّ فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْقِنْدِيلِ بِحَبَلٍ مِنْ السَّقْفِ يُوجِبُ وُجُودَهُ فِي الْهَوَاءِ وَيَمْنَعُ وُصُولَهُ إلَى الْأَرْضِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ثِقَلِهِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ السُّقُوطِ بِالْإِعْدَامِ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي حُكْمِهِ، وَهُوَ السُّقُوطُ فَكَذَا التَّعْلِيقُ إذَا دَخَلَ عَلَى عِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِهَا، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ حُكْمِهَا لَا غَيْرُ حَتَّى إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا حُكْمُهَا كَالْقِنْدِيلِ إذَا انْقَطَعَ الْحَبْلُ انْجَذَبَ إلَى أَسْفَلَ وَعَمِلَ الثِّقَلُ عَمَلَهُ وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ حِسًّا فَلَا يُعْقَلُ إعْدَامُهُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّ ثُبُوتَهُ عُرِفَ بِالشَّرْعِ فَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَانِعِ الْحُكْمِيِّ، وَهُوَ الشَّرْطُ وَسَيَجِيءُ وَجْهُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مُفَصَّلًا. (وَانْبَنَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْمَبْنَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْفُرُوعِ الْآتِيَةِ فَانْبَنَى عَلَى أَصْلِنَا (صِحَّةُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ) أَيْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ فِي الطَّلَاقِ وَبِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي الْعَتَاقِ (عِنْدَنَا) حَتَّى لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِأَمَةِ الْغَيْرِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَ الْأَجْنَبِيَّةَ وَمَلَكَ الْأَمَةَ طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ (وَعَدَمُهُ عِنْدَهُ) أَيْ وَانْبَنَى عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ اعْتِبَارُ هَذَا التَّعْلِيقِ فِيهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَتَّى لَا تَطْلُقَ بِمُجَرَّدِ تَزَوُّجِهِ بِهَا وَلَا تُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ إيَّاهَا وَإِيضَاحُ الْوَجْهِ فِيهِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَلِأَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَهُ انْعِقَادُ السَّبَبِ فِي الْحَالِ حَالَةَ التَّعْلِيقِ مَعَ تَأْخِيرِ الْحُكْمِ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ مَحَلِّهِ، وَالْمِلْكُ غَيْرُ قَائِمٍ حَالَتَئِذٍ فَلَا انْعِقَادَ لِلسَّبَبِ

حِينَئِذٍ فَكَانَ هَذَا لَغْوًا كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلِأَمَةِ الْغَيْرِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ،. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا فَلِأَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَنَا عَدَمُ انْعِقَادِ السَّبَبِ بِالتَّعْلِيقِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ الْمَحَلُّ بَلْ كَانَ قَبْلَ الشَّرْطِ يَمِينًا، وَمَحَلُّ الِالْتِزَامِ بِالْيَمِينِ الذِّمَّةُ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ ثُمَّ الْمِلْكُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِإِيجَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا قَبْلَهُ، وَالْمِلْكُ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ هُنَا مُتَيَقَّنٌ، فَإِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ فِيمَا هُوَ حَاصِلٌ حَالَةَ التَّعْلِيقِ غَيْرُ ثَابِتٍ يَقِينًا حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ بَلْ ظَاهِرٌ بِالِاسْتِصْحَابِ فَفِيمَا هُوَ ثَابِتٌ يَقِينًا حَالَةَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوْلَى، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (بَلْ الصِّحَّةُ) أَيْ صِحَّةُ تَعْلِيقِهِمَا بِالْمِلْكِ (أَوْلَى مِنْهَا) أَيْ مِنْ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِمَا (حَالَةَ قِيَامِهِ) أَيْ الْمِلْكِ بِأَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ (لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِ الْمَحَلِّ عِنْدَ الشَّرْطِ) فِي هَذَا دُونَ غَيْرِهِ (وَكَذَا) انْبَنَى عَلَى هَذَا الْمَبْنَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمِ هَذَا الْفَرْعِ، وَهُوَ (تَعْجِيلُ الْمَنْذُورِ الْمُعَلَّقِ) بِشَرْطٍ قَبْلَ الشَّرْطِ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَقُلْنَا (يَمْتَنِعُ عِنْدَنَا) التَّعْجِيلُ بِهِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ عَنْ نَذْرِهِ قَبْلَ شِفَائِهِ ثُمَّ شُفِيَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ حِينَئِذٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِنَا يَكُونُ أَدَاءً قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِهِ يَكُونُ أَدَاءً بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ وَهُوَ جَائِزٌ. (تَنْبِيهٌ) ثُمَّ هَكَذَا وَقَعَ ذِكْرُ هَذَا الْخِلَافِ فِي حُكْمِ هَذَا الْفَرْعِ لِلْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَهُ غَيْرُ مَا شَارِحٍ مِنْ جِهَتِهِ بِالنَّذْرِ الْمَالِيِّ كَمِثَالِنَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَدَنِيِّ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ فِيهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا وَقَعَ لَهُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَيُذْكَرُ وَجْهُهُ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَهُوَ شَاهِدٌ بِصِحَّتِهِ هُنَا فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ خِلَافًا لَهُ فِي الْمَالِيِّ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ مَا قِيلَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ الشَّافِعِيُّ سَبَبًا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهِ فِي الْخِلَافِيَّةِ) الَّتِي هِيَ هَلْ يَدُلُّ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ دَلَالَةً لَفْظِيَّةً أَمْ لَا قُلْنَا: لَا وَقَالَ: نَعَمْ إنَّمَا هُوَ (مَعْنَى لَفْظِ الشَّرْطِ) وَهُوَ مَا يَنْتَفِي الْجَزَاءُ بِانْتِفَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ مَا هُوَ الْأَقْرَبُ لَهُمْ (لَا الْجَزَاءُ وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ) فِي أَنَّ الشَّرْطَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِ كَقَوْلِنَا أَوْ مِنْ الْحُكْمِ فَقَطْ كَقَوْلِهِ (هُوَ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي يَثْبُتُ سَبَبِيَّتُهُ شَرْعًا لِحُكْمٍ إذَا جُعِلَ جَزَاءً لِشَرْطٍ) أَيْ لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَدَاةٌ دَالَّةٌ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْأَوَّلِ وَمُسَبَّبِيَّةِ الثَّانِي (هَلْ يَسْلُبُهُ) أَيْ الْجَعْلَ الْمَذْكُورَ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ (سَبَبِيَّتَهُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ) . فَقُلْنَا: نَعَمْ وَقَالَ: لَا فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَهَذَا (كَأَنْتِ طَالِقٌ وَحُرَّةٌ جُعِلَ) كُلٌّ مِنْهُمَا شَرْعًا (سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالرَّقَبَةِ وَلَوْلَا السِّيَاقُ وَالسِّبَاقُ لَفَسَّرْنَاهُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ فَقَطْ جَاعِلِينَ أَنْتِ طَالِقٌ سَبَبَ زَوَالِهِ بِطَرِيقِ الصَّرَاحَةِ، وَأَنْتِ حُرَّةٌ سَبَبَ زَوَالِهِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ (فَإِذَا دَخَلَ الشَّرْطُ) عَلَيْهِمَا كَإِنْ دَخَلْت (مَنَعَ) دُخُولَهُ عَلَيْهِمَا (الْحُكْمَ) وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا غَيْرُ مِنْ الْوُجُودِ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ (عِنْدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ لَا انْعِقَادُ السَّبَبِ مِنْ السَّبَبِيَّةِ حَالَتَئِذٍ (وَعِنْدَنَا مَنَعَ سَبَبِيَّتَهُ) أَيْ كَوْنَهُ سَبَبًا حِينَئِذٍ إلَى حِينِ وُجُودِ الشَّرْطِ قَصْدًا، وَحُكْمُهُ إلَى وَقْتَئِذٍ أَيْضًا تَبَعًا (فَتَفَرَّعَتْ الْخِلَافِيَّاتُ) الْمَذْكُورَةُ عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا وَجْهَ تَفْرِيعِهَا عَلَيْهِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَظَهَرَ أَنَّ مَحَلَّ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ مِمَّا اُعْتُبِرَ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعًا كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا بَلْ هُوَ نَفْسُ الْحُكْمِ الْخَبَرِيِّ كَ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] أَوْ غَيْرِهِ كَإِذَا جَاءَ فَأَكْرِمْهُ يُفِيدُ نَفْيَ إكْرَامِهِ إنْ لَمْ يَجِئْ فَكَيْفَ يُبْنَى مَا هُوَ أَوْسَعُ دَائِرَةً عَلَى مَا هُوَ بَعْضُ صُوَرِهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُبْتَنَى عَلَى مَا ذَكَرَ مَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ نَفْسَ الْحُكْمِ اهـ. وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ مَحَلَّ كَلَامِ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْمَشْرُوطِ لَفْظًا بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ مِمَّا اُعْتُبِرَ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعًا كَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَمْ لَا، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُفْصِحْ عَنْ هَذَا كَمَا أَفْصَحَ فِي مَحَلِّ

كَلَامِ الشَّافِعِيِّ اكْتِفَاءً بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلُهُ، وَالْمَدْلُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الدَّلِيلِ، وَأَيْضًا هَذَا أَمْرٌ لُغَوِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ اعْتِبَارُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ عَلَى تَصَرُّفٍ لَفْظِيٍّ مِنْ حَيْثُ يُوجِبُ أَمْرًا شَرْعِيًّا هُوَ كَذَا أَمْ لَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مَا يُفِيدُ كَوْنَ أَحَدِهِمَا مَبْنَى الْآخَرِ فَلْيُرَاجَعْ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عَنْ عَدَمِهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَوْ يَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ قَبْلَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا مَبْنِيٌّ كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ الشُّرُوطَ بِدُونِ الشَّرْطِ، وَالْمَشْرُوطُ يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ، وَالتَّعْلِيقُ قَيَّدَهُ بِتَقْدِيرِ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَدَمِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْعَدَمِ. وَأَصْحَابُنَا اعْتَبَرُوا الْمَشْرُوطَ مَعَ الشَّرْطِ فَهُمَا كَلَامٌ وَاحِدٌ يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَى تَقْدِيرٍ وَسَاكِتٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَزِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ انْعَقَدَ سَبَبًا عِنْدَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا، وَإِنَّمَا التَّعْلِيقُ أَخَّرَ حُكْمَهُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا عِنْدَنَا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا يَتَفَرَّعَانِ) أَيْ هَذَانِ الْقَوْلَانِ (مَعًا عَلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ الْجَزَاءِ مِنْ التَّرْكِيبِ الشَّرْطِيِّ مُفِيدًا حُكْمَهُ) أَيْ حَالَ كَوْنِ الْجَزَاءِ مُفِيدًا حُكْمَ نَفْسِهِ (عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ) الْمُمْكِنَةِ لَهُ مِنْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَغَيْرِهِمَا (خَصَّصَهُ) أَيْ عُمُومَ التَّقَارِيرِ (الشَّرْطُ بِإِخْرَاجِ مَا سِوَى مَا تَضَمَّنَهُ) حُكْمُ الْجَزَاءِ مِنْ عُمُومِ التَّقَادِيرِ الثَّابِتِ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ (عَنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ) الْكَائِنِ لَهُ حَالَ كَوْنِهِ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الشَّرْطِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الشَّرْطَ قَصْرُ عُمُومِ التَّقَادِيرِ الَّتِي لِحُكْمِ الْجَزَاءِ عَلَى بَعْضِهَا، وَهُوَ مَا قُيِّدَ مِنْهَا بِالشَّرْطِ فَصَارَ التَّرْكِيبُ الشَّرْطِيُّ دَالًّا عَلَى حُكْمِ الْجَزَاءِ الْمُقَيَّدِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ وَعَلَى عَدَمِ حُكْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا سِوَاهُ (فَيَكُونُ النَّفْيُ) أَيْ نَفْيُ حُكْمِ الْجَزَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ (مُضَافًا إلَيْهِ) أَيْ الشَّرْطِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّرْطَ (دَلِيلُ التَّخْصِيصِ) فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الثُّبُوتِ وَالِانْتِفَاءِ حُكْمًا شَرْعِيًّا ثَابِتًا بِاللَّفْظِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا، وَيَكُونُ الشَّرْطُ مَانِعًا مِنْ حُكْمِ الْجَزَاءِ إلَى حِينِ الشَّرْطِ لَا مِنْ انْعِقَادِهِ سَبَبًا. وَهَذَا ظَاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّكَّاكِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ، لَا أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْجَزَاءُ وَحْدَهُ، وَالشَّرْطُ قَيْدٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الظَّرْفِ وَالْحَالِ حَتَّى إنَّ الْجَزَاءَ إنْ كَانَ خَبَرًا فَالشَّرْطِيَّةُ خَبَرِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً فَإِنْشَائِيَّةٌ أَوْ غَيْرَ مُفِيدٍ حُكْمًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَضْلًا عَنْ الْحُكْمِ عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ بَلْ إنَّمَا مَجْمُوعُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَلَامٌ وَاحِدٌ دَالٌّ عَلَى رَبْطِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَثُبُوتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الِانْتِفَاءِ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ، وَكُلٌّ مِنْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ جُزْءٌ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِمَعْنَى هَذَا وَبِمَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَأَهْلُ النَّظَرِ يَمْنَعُونَ إفَادَتَهُ شَيْئًا) أَيْ إفَادَةَ جَزَاءِ الشَّرْطِ فَائِدَةً تَامَّةً (حَالَ وُقُوعِهِ) جَزَاءً لِلشَّرْطِ بِدُونِهِ (بَلْ هُوَ) أَيْ الْجَزَاءُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ وُقُوعِهِ جَزَاءً لِلشَّرْطِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُفِيدٍ فَائِدَةً تَامَّةً بِدُونِهِ (كَزَايِ زَيْدٍ) مِنْ زَيْدٍ حَالَ كَوْنِهِ (جَزَاءَ الْكَلَامِ الْمُفِيدِ) وَإِنْ كَانَ الزَّايُ مِنْ زَيْدٍ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى أَصْلًا بِخِلَافِ الْجَزَاءِ (فَضْلًا عَنْ إيجَابِهِ عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ) أَيْ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ حَتَّى يَكُونَ تَخْصِيصًا وَقَصْرًا لَهُ عَلَى بَعْضِهَا (وَالْمَجْمُوعُ) أَيْ بَلْ مَجْمُوعُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ عِنْدَهُمْ (يُفِيدُ حُكْمًا مُقَيَّدًا بِالشَّرْطِ فَإِنَّمَا دَلَالَتُهُ) أَيْ الْمَجْمُوعِ (عَلَى الْوُجُودِ) أَيْ وُجُودِ الْحُكْمِ (عِنْدَ وُجُودِهِ) أَيْ الشَّرْطِ لَيْسَ إلَّا (فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ) الشَّرْطُ (بَقِيَ مَا قَيَّدَ وُجُودَهُ) مِنْ الْحُكْمِ (بِوُجُودِهِ) أَيْ الشَّرْطِ مُسْتَمِرًّا (عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ) الْكَائِنِ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِعَدَمِ دَلِيلِ ثُبُوتِهِ لَا أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّظْمِ فَمَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْأَوَّلِ، وَأَصْحَابُنَا إلَى الثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ: لَوْ كَانَ مَعْنَى: إنْ ضَرَبَنِي زَيْدٌ ضَرَبْته أَضْرِبْهُ فِي وَقْتِ ضَرْبِهِ إيَّايَ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا إلَّا إذَا تَحَقَّقَ الضَّرْبُ مَعَ ذَلِكَ الْقَيْدِ فَإِذَا فُرِضَ انْتِفَاءُ الْقَيْدِ أَعْنِي وَقْتَ ضَرْبِهِ إيَّاكَ لَمْ يَكُنْ الضَّرْبُ الْمُقَيَّدُ بِهِ وَاقِعًا فَيَكُونُ الْخَبَرُ الدَّالُّ عَلَى وُقُوعِهِ كَاذِبًا سَوَاءٌ وُجِدَ مِنْك ضَرْبٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَذَلِكَ

بَاطِلٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَضْرِبْك وَلَمْ تَضْرِبْهُ، وَكُنْت بِحَيْثُ إنْ ضَرَبَك ضَرَبْته عُدَّ كَلَامُك هَذَا صَادِقًا عُرْفًا وَلُغَةً وَإِذَا وَقَعَ الْجَزَاءُ إنْشَاءً كَإِنْ جَاءَك زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ كَانَ مُؤَوَّلًا أَيْ إنْ جَاءَك فَأَنْتَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِهِ أَوْ يَسْتَحِقُّ هُوَ أَنْ تُؤْمَرَ بِإِكْرَامِهِ عَلَى قِيَاسِ تَأْوِيلِهِ إذَا وَقَعَ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ يَظْهَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ لِمَنْ تَأَمَّلَ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ، وَهُوَ شَهِيدٌ. ثُمَّ تَقَدَّمَ مَنْعُ كَوْنِ الِانْتِفَاءِ لِلِانْتِفَاءِ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ مُؤَخَّرًا لِلْحُكْمِ فَقَطْ وَوُعِدَ رَدُّهُ وَسَيَحْصُلُ الْوَفَاءُ بِهِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، ثُمَّ لَمَّا نَظَّمَ كَثِيرٌ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ جَوَازَ تَعْجِيلِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالْمَالِ مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتِهِمْ قَبْلَ الْحِنْثِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَعَ إبْطَالِهِ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ وَتَجْوِيزِهِ تَعْجِيلَ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ عِنْدَهُ يَنْعَقِدُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَأَثَرُ الشَّرْطِ فِي تَأْخِيرِ حُكْمِهِ إلَى زَمَانِ وُجُودِهِ لَا غَيْرُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِالظَّاهِرِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ وَذَكَرَهُ هُنَا مَقْرُونًا بِاعْتِذَارٍ لَهُمْ فِيهِ ثُمَّ بِالتَّعَقُّبِ لَهُ فَقَالَ (وَأَمَّا تَفْرِيعُ تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ الْمَالِيَّةِ) أَيْ جَوَازِ تَعْجِيلِهَا لِلْيَمِينِ (قَبْلَ الْحِنْثِ) عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا فَعَلُوهُ (فَقُبِلَ) لِأَنَّهُ مَبْنَاهُ (بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ حَلَفَ فَلْيُكَفِّرْ إنْ حَنِثَ (وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) فَإِنَّ سَائِرَ التَّكَالِيفِ الْمَنُوطَةِ بِأَسْبَابِهَا يَتَأَتَّى فِيهَا مِثْلُ هَذَا وَلَا قَائِلَ بِأَنَّهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَالْوَجْهُ عَدَمُ ذِكْرِهِ مِنْ أَفْرَادِهِ ثُمَّ إنَّمَا قَيَّدَهَا بِالْمَالِيَّةِ لِمُوَافَقَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى أَنَّ الْبَدَنِيَّةَ، وَهِيَ الصَّوْمُ قَبْلَ الْحِنْثِ لَا يَجُوزُ، وَفَرَّقَ لَهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تَأْثِيرَ الشَّرْطِ فِي تَأْخِيرِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَالْحَقُّ الْمَالِيُّ لِلَّهِ - تَعَالَى - يَنْفَصِلُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَنْ نَفْسِ وُجُوبِهِ لِتَغَايُرِ الْمَالِ وَالْفِعْلِ فَجَازَ اتِّصَافُ الْمَالِ بِنَفْسِ الْوُجُوبِ، وَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ كَمَا فِي الْحَقِّ الْمَالِيِّ لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ الْحَقِّ الْبَدَنِيِّ لِلَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَنْ نَفْسِ وُجُوبِهِ بَلْ نَفْسُ وُجُوبِهِ وُجُوبُ أَدَائِهِ فَلَوْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ أَدَائِهِ هُنَا انْتَفَى الْوُجُوبُ فَلَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ. وَمِنْ ثَمَّةَ جَازَ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ (وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ قَوْلِهِ) أَيْ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُنَا (لِعَقْلِيَّةِ سَبَبِيَّةِ الْحِنْثِ) لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ (لَا الْيَمِينِ) أَيْ دُونَ عَقْلِيَّةِ سَبَبِيَّةِ الْيَمِينِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي التَّحْقِيقِ لِسَتْرِ مَا وَقَعَ مِنْ الْإِخْلَالِ بِتَوْفِيرِ مَا يَجِبُ لِاسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى وَتَلَافِيهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْحِنْثِ لَا عَنْ الْيَمِينِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَأَيْضًا أَقَلُّ مَا فِي السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْمُسَبَّبِ، وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ عَدَمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَكُونُ مُفْضِيَةً إلَيْهِ (وَإِنْ أُضِيفَتْ) الْكَفَّارَةُ (إلَيْهِ) أَيْ الْحَلِفِ (فِي النَّصِّ) أَيْ قَوْلِهِ ذَلِكَ: كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ فَإِنَّهَا مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى شَرْطِهِ تَوَسُّعًا (كَإِضَافَةِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) أَيْ الْإِضَافَةِ الَّتِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ (عِنْدَنَا) فَإِنَّ عِنْدَنَا الْفِطْرَ شَرْطُهَا وَسَبَبُهَا رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبُهَا فَالْحِنْثُ شَرْطُ وُجُوبِهَا لِلْقَطْعِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَهُ وَإِلَّا وَجَبَتْ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ، وَالْمَشْرُوطُ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شُرُوطِهِ فَلَا تَقَعُ وَاجِبَةً قَبْلَهُ فَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ، وَلَا عِنْدَ ثُبُوتِهِ بِفِعْلٍ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا. وَمَا وَقَعَ مِنْ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ كَالزَّكَاةِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ - تَعَالَى - عَلَى الْعِبَادِ هُوَ الْعِبَادَةُ وَهُوَ فِعْلٌ يُبَاشِرُهُ الْمَرْءُ بِخِلَافِ هَوَى النَّفْسِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ - تَعَالَى بِإِذْنِهِ، وَالْمَالُ آلَةٌ يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ كَمَنَافِعِ الْبَدَنِ فَيَكُونُ الْمَالِيُّ كَالْبَدَنِيِّ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوُجُوبِ الْأَدَاءُ، وَأَنَّ تَعْلِيقَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِيَّةِ فِيهِمَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ قَدْ يَنْفَصِلُ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ فِي الْبَدَنِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا صَامَ فِي رَمَضَانَ جَازَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ نَقُولُ: (وَوَجْهُهُ) أَيْ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ سَبَبِيَّةِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ لِحُكْمِهِ (أَوَّلًا أَنَّ السَّبَبَ) لِلْحُكْمِ هُوَ (الْمُفْضِي إلَى الْحُكْمِ) وَالطَّرِيقُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ (وَالتَّعْلِيقُ) أَيْ وَتَعْلِيقُ الْجَزَاءِ

الْمَفْرُوضِ سَبَبِيَّتُهُ فِي نَفْسِهِ لِحُكْمٍ بِشَرْطٍ (مَانِعٍ مِنْ الْإِفْضَاءِ) أَيْ إفْضَائِهِ إلَى حُكْمِهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ (لِمَنْعِهِ) أَيْ التَّعْلِيقِ (مِنْ الْمَحَلِّ) أَيْ وُصُولِ الْمُعَلَّقِ إلَى مَحَلِّهِ وَهُوَ وُقُوعُ حُكْمِهِ فِي الْحَالِ. (وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَصِيرُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ أَسْبَابًا) لِعَدَمِ الْإِفْضَاءِ كَمَا لَا تَكُونُ قَبْلَ تَمَامِهَا أَسْبَابًا كَمُجَرَّدِ إيجَابِ الْبَيْعِ فِيمَا يَمْلِكُهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ ذَلِكَ الْمَبِيعَ (فَضَعَّفَ قَوْلَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (السَّبَبُ) لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَنْتِ طَالِقٌ وَالشَّرْطُ) الَّذِي هُوَ إنْ دَخَلْت (لَمْ يَعْدَمْهُ) أَيْ كَوْنُهُ سَبَبًا (فَإِنَّمَا أَخَّرَ) الشَّرْطَ (الْحُكْمُ) أَيْ حُكْمُ السَّبَبِ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ سَبَبَ الْحُكْمِ مَا يَكُونُ مُفْضِيًا إلَيْهِ، وَالشَّرْطُ هُنَا قَدْ حَالَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ سَبَبًا (وَأُورِدَ) عَلَيْنَا إذَا كَانَ مَثَلًا إنْ دَخَلْت مَانِعًا مِنْ وُصُولِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى مَحَلِّهِ مَا لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ (فَيَجِبُ أَنْ يَلْغُوَ) أَنْتِ طَالِقٌ فِيهِ فَلَا يَقَعُ وَإِنْ دَخَلَتْ (كَالْأَجْنَبِيَّةِ) أَيْ كَمَا لَوْ قَالَهُ مُنَجَّزًا لِأَجْنَبِيَّةٍ بِجَامِعِ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ فِيهِمَا (وَأُجِيبَ لَوْ لَمْ يَرْجُ) الْوُصُولَ إلَى مَحَلٍّ بِأَنْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ لَا يُرْجَى الْوُقُوفُ عَلَيْهِ (لَغَا كَطَالِقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ) فَإِنَّ مَشِيئَتَهُ - تَعَالَى - فِيمَا لَا يُعْلَمُ وُقُوعُهُ لَا عِلْمَ لِلْعِبَادِ بِتَعَلُّقِهَا بِهِ فَنَحْنُ قَائِلُونَ بِالْمُوجِبِ فِي هَذَا (وَغَيْرِهِ) وَهُوَ مَا كَانَ مَرْجُوَّ الْوُصُولِ إلَى مَحَلِّهِ (بِعَرْضِيَّةِ السَّبَبِيَّةِ) لِحُكْمِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِوُجُودِ شَرْطِهِ (فَلَا يَلْغُو تَصْحِيحًا) لَهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الصَّلَاحِيَّةِ كَشَطْرِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ بِعُرْضَةِ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا بِوُجُودِ الشَّطْرِ الْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَلْغُ مَا دَامَ ذَلِكَ مَرْجُوًّا لَهُ (وَثَانِيًا) أَيْ وَوَجْهُ قَوْلِنَا ثَانِيًا: أَنَّ السَّبَبَ إذَا عُلِّقَ بِالشَّرْطِ (تَوَقَّفَ عَلَى الشَّرْطِ) ضَرُورَةً (فَصَارَ) السَّبَبُ الْمُعَلَّقُ بِهِ (كَجُزْءِ سَبَبٍ) لِمَا مَرَّ، وَجُزْءُ السَّبَبِ لَا يَكُونُ سَبَبًا. وَمِنْ هُنَا زَعَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ التَّعْلِيقَ صَيَّرَ الْمَجْمُوعَ مِنْ الشَّرْطِ وَمَا كَانَ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا قَبْلَهُ عِنْدَنَا وَرَدَّهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا عِنْدَهُ وُجُودُ الشَّيْءِ وَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا، وَالسَّبَبُ مَا بِهِ الشَّيْءُ، وَيَكُونُ مُؤَثِّرًا فَلَا يَصِيرُ الشَّرْطُ جُزْءًا لِلسَّبَبِ لِتَنَافِي مُوجِبِهِمَا وَهَذَا (بِخِلَافِ) مَا أَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ التَّعْلِيقَ بِهِ مِنْ (الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ) فِيهِ الثَّمَنُ (وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ وَالْمُضَافِ كَطَالِقٍ غَدًا) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (سَبَبٌ فِي الْحَالِ) أَمَّا فِي الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ فِيهِ الثَّمَنُ (لِأَنَّ الْأَجَلَ دُخُولُهُ عَلَى الثَّمَنِ) لِيُفِيدَ تَأْخِيرَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ (لَا) عَلَى (الْبَيْعِ) فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ مِنْ الِانْعِقَادِ، وَلَا لِحُكْمِهِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ، وَثُبُوتُ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ عَنْ الثُّبُوتِ؛ إذْ لَا وَجْهَ لِتَأْثِيرِ الشَّيْءِ فِيمَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كَمْيَّةِ مُدَّتِهِ فَمُسَلَّمٌ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ دَاخِلٌ عَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ لَكِنْ لِأَمْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ هُنَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَالْخِيَارُ) أَيْ شَرْعِيَّتُهُ نَصًّا فِي الْبَيْعِ ثَابِتٌ (بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِدَفْعِ الْغَبْنِ) أَيْ النَّقْصِ الْمُتَوَهَّمِ فِيهِ بِاسْتِيفَاءِ النَّظَرِ وَالتَّرَوِّي فِي اخْتِيَارِ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ فِي زَمَانِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ إجْمَاعًا، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي أَقْصَى مُدَّتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْقِيَاسُ (لِأَنَّ إثْبَاتَ مِلْكِ الْمَالِ) الَّذِي هُوَ الْبَيْعُ (لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَرَ) أَيْ التَّعْلِيقَ بِمَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ (لِصَيْرُورَتِهِ قِمَارًا) وَهُوَ حَرَامٌ ثُمَّ حَيْثُ شُرِعَ وَكَانَ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ التَّمَكُّنَ مِنْ دَفْعِ الْغَبْنِ الْوَاقِعِ فِيهِ (فَاكْتَفَى بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الشَّرْطِ (فِي الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمِ الْبَيْعِ، وَهُوَ لُزُومُهُ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْبَيْعُ أَيْضًا فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ سَبَبًا وَيَتَرَاخَى الْحُكْمُ إلَى سُقُوطِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ مَتَى أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِأَيْسَرِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُصَارُ إلَى أَعْلَاهُمَا. وَالشَّافِعِيُّ مُوَافِقُنَا عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَلَكِنْ لَمَّا شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُصَرَّاةِ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِي الْبَيْعِ، وَرُوِيَ «أَنَّهُ جَعَلَ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِيمَا ابْتَاعَ» انْتَهَيْنَا إلَى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. هَذَا التَّحْقِيقُ أَحَدُ الْجَوَابَيْنِ عَنْ هَذَا (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ انْعِقَادَ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ سَبَبًا فِي الْحَالِ مَعَ تَأَخُّرِ الْحُكْمِ إلَى سُقُوطِهِ (مُقْتَضَى اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ بِعَلَى

لِتَعْلِيقِ مَا بَعْدَهُ) أَيْ مَا يُذْكَرُ بَعْدَ اللَّفْظِ عَلَى بِمَا قَبْلَهُ (فَقَطْ فَآتِيك عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي الْمُعَلَّقُ إتْيَانُ الْمُخَاطَبِ) عَلَى إتْيَانِ الْمُتَكَلِّمِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ بِإِنْ وَأَخَوَاتِهَا كَمَا تَرَى فِي آتِيك إنْ أَتَيْتنِي فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ إتْيَانُ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى إتْيَانِ الْمُخَاطَبِ وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ (فَبِعْتُك عَلَى أَنِّي) أَوْ أَنَّك أَوْ أَنَّنَا (بِالْخِيَارِ أَيْ فِي الْفَسْخِ فَهُوَ) أَيْ الْفَسْخُ (الْمُعَلَّقُ وَالْبَيْعُ مُنْجَزٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ) الَّذِي هُوَ اللُّزُومُ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ (دَفْعًا لِلضَّرَرِ) عَمَّنْ لَهُ الْخِيَارُ (لَوْ تَصَرَّفَ) مَنْ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ دُونَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْبَيْعُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمُوجِبِ لِتَعَلُّقِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الثَّانِي ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ لِمَا ذَكَرْنَا (بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) فَإِنَّ كُلًّا (إسْقَاطٌ مَحْضٌ يَحْتَمِلُهُ) أَيْ الشَّرْطُ لِعَدَمِ أَدَائِهِ إلَى الْقِمَارِ فَيُعْمَلُ فِيهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا عَلَى السَّبَبِ فَلَا يَتَأَخَّرُ حُكْمُهُ عَنْهُ، وَيَكُونُ تَعْلِيقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا هُوَ الْكَامِلُ؛ إذْ الْأَصْلُ الْكَمَالُ، وَالنُّقْصَانُ لِعَارِضٍ وَلَا عَارِضَ هُنَا (وَإِنْ كَانَ الْعَتَاقُ إثْبَاتًا لَكِنَّهُ لَيْسَ إثْبَاتًا لِمِلْكِ الْمَالِ) بَلْ إثْبَاتُ قُوَّةٍ شَرْعِيَّةٍ هِيَ قُدْرَةٌ عَلَى تَصَرُّفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ مِنْ الْوِلَايَاتِ كَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَإِنْكَاحِ نَفْسِهِ وَابْنَتِهِ الْمَمْنُوعِ مِنْهَا بِالرِّقِّ فَلَا يَكُونُ دُخُولُ الشَّرْطِ عَلَيْهِ مُؤَدِّيًا إلَى الْقِمَارِ (فَبَطَلَ إيرَادُ أَنَّهُ إثْبَاتٌ أَيْضًا) كَمَا فِي التَّلْوِيحِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ دُخُولِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ فَلَا يَلْحَقُ الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ بِهِمَا فِي أَنَّ الشَّرْطَ دَاخِلٌ عَلَيْهِمَا ثُمَّ هُنَا أَمْرَانِ يَحْسُنُ التَّنَبُّهُ لَهُمَا الْأَوَّلُ مَنْعُهُمْ صِحَّةَ تَعْلِيقِ مَا هُوَ إثْبَاتُ مِلْكِ الْمَالِ لِشُبْهَةٍ بِالْقِمَارِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ فَعُلِّلَ الشَّبَهُ بِهِ فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ بِدُخُولِهِ عَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ تَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقِمَارُ مَا حُرِّمَ لِمَعْنَى الْخَطَرِ بَلْ بِاعْتِبَارِ تَعْلِيقِ الْمِلْكِ بِمَا لَمْ يَضَعْهُ الشَّارِعُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَضَعْ ظُهُورَ الْعَدَدِ الْفُلَانِيِّ فِي وَرَقَةٍ مَثَلًا لِلْمِلْكِ، وَالْخَطَرُ طَرْدٌ فِي ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ: اعْتَبَرْنَاهُ فِي الْحُكْمِ تَعْلِيلًا لِخِلَافِ الْأَصْلِ اهـ. وَأَقُولُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ سَلَّمْنَا أَنَّ الْقِمَارَ حُرِّمَ لِكَوْنِ الشَّارِعِ لَمْ يَضَعْهُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ تَعَبُّدِيٍّ مَحْضٍ بَلْ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرٍ مَعْقُولٍ يَصْلُحُ مَنَاطًا لِلتَّحْرِيمِ فَإِذْ لَمْ يَظْهَرْ أَنَّهُ الْخَطَرُ فَلَعَلَّهُ مَا فِيهِ مِنْ إذْهَابِ الْمَالِ لَا فِي مُقَابَلَةِ غَرَضٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ، وَتَمَلُّكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ كَذَلِكَ ثُمَّ كَوْنُ الْخَطَرِ فِيهِ أَمْرًا طَرْدِيًّا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ عِلَّةً لِفَسَادِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ فِي بَابِ إثْبَاتِ مِلْكِ الْمَالِ بِالنَّظَرِ إلَى النَّهْيِ عَنْ أُمُورٍ أُخْرَى اشْتَمَلَ عَلَيْهَا وَخُيِّلَ فِيهَا عِلِّيَّتُهُ لِلتَّحْرِيمِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْحَصَاةِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النَّهْيِ عَنْهَا فَقَالَ: وَمَعْنَى النَّهْيِ كُلٌّ مِنْ الْجَهَالَةِ وَتَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى إذَا وَقَعَ حَجَرِي عَلَى ثَوْبٍ فَقَدْ بِعْته مِنْك أَوْ بِعْتنِيهِ بِكَذَا اهـ غَيْرَ أَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ مَنْعَ التَّعْلِيقَ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الْمَالِ كَالْبَيْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الْخَطَرِ الْمُفْضِي إلَى الْفَسَادِ شَرْعًا لَا إلَى الْقِمَارِ كَمَا قَالُوهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَحْثَ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ دَعْوَى كَوْنِ احْتِمَالِهِ الْخَطَرَ مُفْضِيًا إلَى الْقِمَارِ لَيْسَ غَيْرُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ الثَّانِي أَنَّ الْمُفَسَّرَ بِإِثْبَاتِ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْإِعْتَاقُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّلْوِيحِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ فَإِنَّهُمَا مُفَسَّرَانِ بِخُلُوصٍ حُكْمِيٍّ عَمَّا كَانَ ثَابِتًا فِيهِ بِالرِّقِّ، وَيَلْزَمُهُ ثُبُوتُ قُوَّةٍ شَرْعِيَّةٍ لِقُدْرَتِهِ بِسَبَبِ هَذَا عَلَى مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَعَنْ هَذَا يُقَالُ: إنَّهُ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ تَسَامَحُوا بِإِطْلَاقِ الْعَتَاقِ مَوْضِعَ الْإِعْتَاقِ وَأَجْرَوْا عَلَيْهِ مَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ لِلْإِعْتَاقِ مَلْزُومًا وَلَازِمًا مِنْ أَنَّهُ إسْقَاطٌ، وَإِثْبَاتٌ لِظُهُورِ الْمُرَادِ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَوَافَقَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا الْإِضَافَةُ فَمُسَلَّمٌ كَوْنُهَا غَيْرَ مَانِعَةٍ كَوْنَ الْمُضَافِ سَبَبًا فِي الْحَالِ لَكِنْ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُ التَّعْلِيقِ بِهَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ امْتِنَاعُ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ وَعَدَمِ نُزُولِ الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ (وَالتَّعْلِيقُ يَمِينٌ وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ تُعْقَدُ (لِلْبِرِّ إعْدَامُ مُوجِبِ الْمُعَلَّقِ) لَا وُجُودِهِ (فَلَا يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ) أَيْ فَلَا يَصِلُ الْمُعَلَّقُ بِالتَّعْلِيقِ إلَى الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ اسْتِحَالَةَ أَنْ يَكُونَ مَانِعُ الشَّيْءِ طَرِيقًا إلَيْهِ كَمَا تَرَاهُ ظَاهِرًا فِي إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَمَّا الْإِضَافَةُ

فَلِثُبُوتِ حُكْمِ السَّبَبِ فِي وَقْتِهِ) أَيْ لِتَعَيُّنِ زَمَانِ وُقُوعِهِ (لَا لِمَنْعِهِ) أَيْ الْحُكْمِ مِنْ الْوُقُوعِ فَالْغَرَضُ مِنْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَعْيِينُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِوُقُوعِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ لَا مَنْعُهَا مِنْ الْوُقُوعِ (فَيَتَحَقَّقُ) فِي الْإِضَافَةِ (السَّبَبُ بِلَا مَانِعٍ إذْ الزَّمَانُ) الْمُضَافُ إلَيْهِ (مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ) لِلْحُكْمِ أَوْ السَّبَبِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي نَفْيِ أَحَدِهِمَا، وَلَا وُجُودَ فَلَا يَسْتَقِيمُ إلْحَاقُ التَّعْلِيقِ بِهَا فِي ذَلِكَ (وَيَرِدُ) عَلَى إطْلَاقِ مَا عُلِّلَ بِهِ مَنْعُ التَّعْلِيقِ مِنْ سَبَبِيَّةِ الْمُعَلَّقِ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ لَكِنْ (كَوْنُ الْيَمِينِ تُوجِبُ الْإِعْدَامَ) لِمُوجِبِ الْمُعَلَّقِ إنَّمَا هُوَ (فِي الْمَنْعِ) أَيْ إذَا كَانَتْ لِلْمَنْعِ مِنْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ. (أَمَّا الْحَمْلُ) أَيْ أَمَّا إذَا كَانَتْ لِلْحَمْلِ عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (فَلَا) تُوجِبُ الْإِعْدَامَ لِمُوجِبِ الْمُعَلَّقِ (كَإِنْ بَشَّرْتنِي بِقُدُومِ وَلَدِي فَأَنْتَ حُرٌّ) وَكَيْفَ لَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ غَرَضَ الْمُتَكَلِّمِ فِي هَذَا حَثُّ عَبْدِهِ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى إدْخَالِ الْمَسَرَّةِ عَلَيْهِ بِإِخْبَارِهِ بِوُصُولِ مَحْبُوبِهِ إلَيْهِ، لَا مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ إطْلَاقُ كَوْنِ التَّعْلِيقِ مَانِعًا مِنْ إفْضَاءِ الْمُعَلَّقِ إلَى الْحُكْمِ، وَالْإِطْلَاقُ هُوَ الْمَطْلُوبُ (فَالْأَوْلَى) فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ كَوْنِ الْإِضَافَةِ غَيْرَ مَانِعَةٍ مِنْ سَبَبِيَّةِ الْمُضَافِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَكَوْنِ التَّعْلِيقِ مَانِعًا مِنْهُ سَبَبِيَّةَ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (الْفَرْقُ بِالْخَطَرِ وَعَدَمِهِ) أَيْ بِأَنَّ فِي وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ خَطَرًا أَيْ تَرَدُّدًا بِخِلَافِ الْمُضَافِ. قُلْت: وَلَعَلَّ تَوْجِيهَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّعْلِيقِ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا فِي الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شَكًّا فِي تَحَقُّقِ الْمُعَلَّقِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ سَابِقَةِ الْعَدَمِ، وَفِي الْإِضَافَةِ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا إلَى مَا هُوَ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمُضَافَ وُجِدَ وَفُرِّعَ مِنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى، وَأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَعْقُبْهُ حُكْمُهُ لَا غَيْرُ لِعُرُوضِ هَذَا الْعَارِضِ فَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِيهِ الْإِعْدَامُ، فَلَا يَسْتَقِيمُ إلْحَاقُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي لَازِمِ مَا هُوَ مُقْتَضَى الْأَصْلِ فِيهِ إلَّا بِمُقْتَضٍ، وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالْأَصْلِ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي شَرْحٍ لِلْبَزْدَوِيِّ. فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قُلْت الْحُكْمُ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى عِلَّتِهِ إمَّا فِي الْحَالِ أَوْ مُتَرَاخِيًا فِي الْإِضَافَةِ، وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَإِنْ قُلْت فِي الْإِضَافَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ عِنْدَ وُجُودِ الْوَقْتِ الْمُسْتَقْبَلِ إذَا بَقِيَ الْمَحَلُّ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ فَلَا يُمْكِنُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى عِلَّتِهِ يَقِينًا. قُلْت: الْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ بَقَاؤُهُ فَإِذَنْ الْحُكْمُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى عِلَّتِهِ فِي الْإِضَافَةِ ظَاهِرًا فَإِنْ قُلْت فَفِيمَا إذَا عُلِّقَ بِأَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ يَنْبَغِي أَنْ تَنْعَقِدَ الْعِلَّةُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى عِلَّتِهِ قَطْعًا كَمَا فِي الْإِضَافَةِ بَلْ أَوْلَى قُلْت: إلَّا أَنَّ ثَمَّ مَانِعًا آخَرَ، وَهُوَ عَدَمُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ، وَالْعِلَّةُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي مَحَلِّهَا لَكِنْ يَطْرُقُ هَذَا الْفَرْقَ - أَيْضًا - أَنَّهُ كَمَا قَالَ (ثُمَّ يَقْتَضِي) هَذَا الْفَرْقُ (كَوْنَ) أَنْتَ حُرٌّ (يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ كَإِنْ قَدِمَ فِي يَوْمٍ) عَيَّنَهُ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَنْتَ حُرٌّ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ أَنْتَ حُرٌّ فِيهِ سَبَبًا لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْقُدُومَ فِيهِمَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ (وَيَسْتَلْزِمُ) التَّسَاوِيَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (عَدَمُ جَوَازِ التَّعْجِيلِ) بِالصِّرْفَةِ (فِيمَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ صَدَقَةٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَعْجِيلٌ قَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لِوُجُودِ الْخَطَرِ فِي الْمُضَافِ، وَالتَّعْجِيلُ قَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلْوَاجِبِ بَعْدَ وُجُوبِهِ (وَإِنْ كَانَ) هَذَا النَّذْرُ مَذْكُورًا (بِصُورَةِ إضَافَةٍ) كَمَا رَأَيْت لَكِنْ ظَاهِرُ إطْلَاقِ قَوْلِهِمْ: الْمُضَافُ سَبَبٌ فِي الْحَالِ، وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ حُكْمِهِ قَبْلَ وُجُودِ الزَّمَانِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَالْمُعَلَّقُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فِي الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ حُكْمِهِ قَبْلَ وُجُودِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنْ يُفَارِقَ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ. قَوْلُهُ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَنْتَ حُرٌّ فِي الْأَوَّلِ سَبَبًا لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ، وَفِي الثَّانِي لَيْسَ بِسَبَبٍ فِي الْحَالِ، وَأَنْ يَجُوزَ التَّعْجِيلُ فِي لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، وَلَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ فِي: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ، وَهَذَا الْفَرْعُ الْأَخِيرُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (وَكَوْنُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ كَإِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ) أَيْ وَيَقْتَضِي هَذَا الْفَرْقُ أَيْضًا تَسَاوِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي حُكْمِ الثَّانِيَةِ الَّذِي هُوَ

عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ خُصُوصِ الْمَادَّةِ وَذَلِكَ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ أَنْتَ حُرٌّ وَارْتِفَاعِ الْمَانِعِ الْمَفْرُوضِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِعَدَمِ الْخَطَرِ) فِي كُلٍّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَدِ وَالْمَوْتِ أَمْرٌ كَائِنٌ أَلْبَتَّةَ (فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْغَدِ) فِي الْأُولَى (كَمَا يَمْتَنِعُ قَبْلَ الْمَوْتِ) فِي الثَّانِيَةِ (لِانْعِقَادِهِ) أَيْ أَنْتَ حُرٌّ فِي كُلٍّ (سَبَبًا) لِحُرِّيَّةِ الْمُخَاطَبِ (فِي الْحَالِ عَلَى مَا عُرِفَ) مِنْ صَلَاحِيَّتِهِ سَبَبًا نَاجِزًا لِلتَّحْرِيرِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا مُفْضِيًا إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ. (لَكِنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ (يُجِيزُونَ بَيْعَهُ) فِي الْأُولَى (قَبْلَ الْغَدِ، وَالْأَجْوِبَةُ) الْمَذْكُورَةُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (عَنْهُ) أَيْ عَنْ جَوَازِ بَيْعِهِ فِي الْأُولَى قَبْلَ الْغَدِ وَمَنْعِ بَيْعِهِ فِي الثَّانِيَةِ مُطْلَقًا (لَيْسَتْ بِشَيْءٍ) يُفِيدُ فَرْقًا مُؤَثِّرًا بَيْنَهُمَا لِهَذِهِ التَّفْرِقَةِ بَلْ حَيْثُ خُصِّصَتْ الدَّعْوَى بِجَعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَى مَا لَا خَطَرَ فِيهِ مِثْلُ الْمُضَافِ فِي ثُبُوتِ سَبَبِهِ فِي الْحَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْخَطَرِ فِيهِمَا فَلَا جَرَمَ أَنْ ذَكَرَهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُتَعَقِّبًا لَهَا فَمِنْهَا مَنْعُ كَوْنِ الْغَدِ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ لِجَوَازِ قِيَامِ الْقِيَامَةِ قَبْلَ الْغَدِ وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِمَجِيءِ الْغَدِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِ السَّاعَةِ مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمَا أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ مَجِيءُ الْغَدِ مُحَقَّقٌ كَالْمَوْتِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَغْلَبِ فَيَلْحَقُ الْفَرْدُ النَّادِرُ بِهِ وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ هَذَا اعْتِرَافٌ بِالْإِيرَادِ عَلَى أَنَّ كَوْنَ التَّعْلِيقِ بِمِثْلِ مَجِيءِ الْغَدِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا، وَمِنْهَا أَنَّ التَّعْلِيقَ الَّذِي هُوَ التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ، وَالْوَصِيَّةُ خِلَافُهُ فِي الْحَالِ كَالْوَارِثَةِ. وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَالتَّدْبِيرُ الْمُطْلَقُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فَلَمْ يَتِمَّ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ أَيْضًا قُلْت: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِلْفَارِقِ بِهَذَا الْفَرْقِ أَنْ يَلْتَزِمَ كَوْنَ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ كَإِنْ قَدِمَ فِي يَوْمِ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فِي كَوْنِ أَنْتَ حُرٌّ لَيْسَ سَبَبًا لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَحَقِّيَّةِ اسْتِلْزَامِهِ عَدَمَ جَوَازِ التَّعْجِيلِ بِالصَّدَقَةِ فِي مِثْلِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي شَرْحٍ لِلْبَزْدَوِيِّ فَإِنْ قُلْت فَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ مِتُّ أَوْ إنْ مِتُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْإِضَافَةِ قُلْت نَعَمْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِضَافَةِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ وَعَكْسُهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ قُدُومِ زَيْدٍ أَوْ حِينَ دُخُولِك الدَّارَ اهـ. أَقُولُ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُمْ الْحَوَالَةُ بِشَرْطِ مُطَالَبَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةٌ وَالْكَفَالَةُ بِشَرْطِ عَدَمِ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَمَا فِي نِكَاحِ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَتَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِشَرْطٍ مَعْلُومٍ لِلْحَالِ يَجُوزُ وَيَكُونُ تَحْقِيقًا بِأَنْ قَالَ لِلْآخَرِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك فَقَالَ قَدْ زَوَّجْتهَا قَبْلَ هَذَا مِنْ فُلَانٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْخَاطِبُ فَقَالَ أَبُو الْبِنْتِ: إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ فَقَدْ زَوَّجْتهَا مِنْك وَقَبِلَ الْآخَرُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ زَوَّجَهَا يَنْعَقِدُ هَذَا النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَحْقِيقٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ السَّمَاءُ فَوْقَنَا، أَوْ الْأَرْضُ تَحْتَنَا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا، وَمَا فِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ قَالَ لِغَرِيمِهِ إنْ كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ فَقَدْ أَبْرَأْتُك وَلِلطَّالِبِ عَلَيْهِ كَذَا دِينَارًا صَحَّ الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عُمِلَ فِيهِ بِجَانِبِ الْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ فَلَا بِدَعَ فِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ: الْإِضَافَةُ لَا تَمْنَعُ سَبَبِيَّةَ الْمُضَافِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا لَا خَطَرَ فِيهِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا وَالتَّعْلِيقُ مَانِعٌ مِنْ سَبَبِيَّةِ الْمُعَلَّقِ فِي الْحَالِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ فِيهِ خَطَرٌ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ هَذَا وَإِنَّمَا لَمْ أَقُلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِانْعِقَادِهِ سَبَبًا فِي الْحَالِ عَلَى مَا عُرِفَ يَعْنِي فِي بَابِ التَّدْبِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَزَوَالِهِ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ لَهُمَا وَالْمَوْتُ سَالِبٌ لِهَذِهِ الْأَهْلِيَّةِ فَامْتَنَعَ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ حَالَ حَيَاتِهِ سَبَبًا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَزِمَتْ سَبَبِيَّتُهُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا انْتَفَتْ أَصْلًا لَكِنَّهَا لَمْ تَنْتَفِ شَرْعًا فَثَبَتَ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ يُفِيدُ أَنَّ سَبَبِيَّةَ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ إنَّمَا تُثْبِتُ ضَرُورَةَ زَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ إذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ

وَحِينَئِذٍ يُقَالُ: عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فِي ثُبُوتِ السَّبَبِيَّةِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا فِي مَسْأَلَةِ التَّدْبِيرِ لِلضَّرُورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ الْمَذْكُورِ؛ إذْ لَيْسَ مَوْتُ الْقَائِلِ بِمَظْنُونٍ قَبْلَ الْغَدِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مُحَقَّقًا وَيَكُونُ الْجَوَابُ بِهَذَا لِمَنْ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْفَرْعَ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّدْبِيرِ دَافِعًا لِلْإِشْكَالِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمَاضِيَةِ ثُمَّ أَنَّى يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ بِالْخَطَرِ وَعَدَمِهِ مُسْتَلْزِمًا الْمُسَاوَاةَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ لِإِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْغَدِ كَمَا قَبْلَ الْمَوْتِ مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ جَعْلِ الْمَنَاطِ فِي مَسْأَلَةِ التَّدْبِيرِ عَدَمَ الْخَطَرِ بَلْ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ قَوْلِ الْمُدَبَّرِ شَرْعًا، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْمَقِيسَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ فِي نَحْوِ قَوْلِنَا: الْمُعَلَّقُ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَالْعِلَّةِ، وَفِي الْمُضَافِ) أَيْ وَبِالسَّبَبِ فِي قَوْلِنَا: الْمُضَافُ سَبَبٌ فِي الْحَالِ (بِسَبَبِ الْمُفْضِي وَهُوَ) أَيْ السَّبَبُ الْمُفْضِي (السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ) كَمَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ فِيهِمَا ذَلِكَ (لَا خِلَافَ) فِي الْمَعْنَى بَيْنَ نَفْيِ السَّبَبِيَّةِ عَنْ الْمُعَلَّقِ، وَاثِبَاتِهَا لِلْمُضَافِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا تَقَابُلُ الْإِثْبَاتِ وَالسَّلْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ عَنْ الْمُعَلَّقِ لَيْسَ الْمُثْبِتَ لِلْمُضَافِ بَلْ غَيْرَهُ حَتَّى يَصِحَّ نَفْيُ السَّبَبِيَّةِ عَنْهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي نَفَيْتهَا بِهِ عَنْ الْمُعَلَّقِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ (وَارْتَفَعَتْ الْإِشْكَالَاتُ) السَّالِفَةُ فَيُقَالُ: عَدَمُ جَوَازِ التَّعْجِيلِ فِي إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ لِعَدَمِ وُجُودِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ وَجَوَازِ التَّعْجِيلِ فِي لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ لِوُجُودِ السَّبَبِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا فِي تَعْجِيلِ زَكَاةِ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَجَوَازِ بَيْعِ الْعَبْدِ قَبْلَ الْغَدِ فِي: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ لِعَدَمِ وُجُودِ عِلَّةِ عِتْقِهِ. ثُمَّ كَانَ مُقْتَضَى هَذَا جَوَازَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ قَبْلَ الْمَوْتِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا مَنَعَتْ السُّنَّةُ مِنْ بَيْعِهِ لَزِمَ لِضَرُورَةِ ذَلِكَ انْعِقَادُ السَّبَبِيَّةِ لَهُ فِي الْحَالِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ (وَصِدْقُ الْمُضَافِ لَيْسَ سَبَبًا أَيْضًا فِي الْحَالِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى) وَهُوَ الْعِلَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِانْتِفَاءِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ (إلَّا أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ) لَهُمَا (حَيْثُ قَالُوا: الْمُضَافُ سَبَبٌ فِي الْحَالِ) لِحُكْمِهِ (فَجَازَ تَعْجِيلُهُ) أَيْ حُكْمُهُ إذَا كَانَ عِبَادَةً سَوَاءٌ كَانَتْ بَدَنِيَّةً أَوْ مَالِيَّةً أَوْ مُرَكَّبَةً مِنْهُمَا كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِيمَا عَدَا الْمَالِيَّةَ وَلِزُفَرَ فِي الْكُلِّ. (وَالْمُعَلَّقُ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْحَالِ) لِحُكْمِهِ (فَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ) أَيْ حُكْمِهِ مُطْلَقًا بِالِاتِّفَاقِ (بِنَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ الْخِلَافِ بَيْنَ نَفْيِ السَّبَبِيَّةِ عَنْ الْمُعَلَّقِ وَإِثْبَاتِهَا لِلْمُضَافِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ اللَّوَازِمُ يُوجِبُ اخْتِلَافَ دَلَائِلِهَا الَّتِي هِيَ الْمَلْزُومَاتُ هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِ هَذَا الْكَلَامِ، وَلِي فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَالْمَعْرُوفُ الْمُتَدَاوَلُ بَيْنَ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ: الْمُعَلَّقُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فِي الْحَالِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّبَبِ حَقِيقَةً لِانْتِفَاءِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ الْإِفْضَاءُ إلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ وُجُوبٌ، وَلَا وُجُودٌ، وَلَا يُعْقَلُ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَلِ، وَلَا مِنْ قَبِيلِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّبَبِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ فِي مَوْضِعِهِ نَعَمْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عِلَّةٌ مَجَازًا لِكَوْنِهِ عِلَّةً اسْمًا، وَلَهُ شَبَهٌ بِالْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَسَبَبٌ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَيْضًا، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ سَبَبٌ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَسْبَابِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الْعِلَلِ، وَأَنَّ الْإِيجَابَ الْمُضَافَ عِنْدَهُمْ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَهُوَ يُشْبِهُ السَّبَبَ فَمِنْ أَيْنَ لِهَذَا الْقَائِلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ: مَا ذَكَرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ مُنْتَفِيَةً عَنْ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ الشَّرْطِ إذْ لَا مُوجِبَ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى أَنَّهَا مُنْتَفِيَةٌ مَعَ عَدَمِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي هِيَ عِلَّةٌ مَعْنًى وَحُكْمًا مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ أَيْضًا عِنْدَنَا مَعَ أَنَّا لَسْنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ إلَّا بِصَدَدِ بَيَانِ مَا فِيهِ الْخِلَافُ لَا الْوِفَاقُ وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَاحَظَ تَقْرِيرَ كَشْفِ الْأَسْرَارِ وَمَا حَذَا حَذْوَهُ لِقَوْلِنَا: الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ بِمَا يُوهِمُ هَذَا كَمَا يُعْرَفُ ثَمَّةَ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ مَا قَرَّرُوهُ مِنْ تَقْسِيمِ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ إلَى الْأَقْسَامِ الْمَعْرُوفَةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ بِمِثْلِهَا

كَمَا سَيَأْتِي اسْتِيفَاؤُهُ إذَا أَفَضْت النَّوْبَةُ إلَيْهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَعَلَى تَقْدِيرِ مَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ: الْمُعَلَّقُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فِي الْحَالِ وَالْمُضَافُ سَبَبٌ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَدَقَ أَيْضًا أَنَّ الْمُضَافَ لَيْسَ سَبَبًا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لِلسَّبَبِ الْمَنْفِيِّ فِي " الْمُعَلَّقُ لَيْسَ سَبَبًا " لَا يَصْدُقُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ سَبَبٌ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لِلسَّبَبِ الْمُثْبِتِ فِي " الْمُضَافُ سَبَبٌ " لِوُجُودِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا عَرَفْت ثُمَّ لَيْسَ غَرَضُ الْقَائِلِ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يَمْنَعُ السَّبَبِيَّةَ مِنْ إلْحَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالْمُضَافِ فِي ذَلِكَ إلَّا إلْزَامَ الْقَائِلِ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِهِ يَمْنَعُ السَّبَبِيَّةَ فِي الْحَالِ لَا إلْزَامُهُ بِإِثْبَاتِ السَّبَبِيَّةِ فِي الْمُعَلَّقِ كَمَا الْمُخَالِفُ قَائِلٌ بِذَلِكَ فِي الْمُضَافِ بِالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ بِالسَّبَبِيَّةِ فِي الْمُضَافِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الَّذِي ظَنَّهُ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ لَا يَتَأَتَّى هَذَا ثُمَّ مِنْ هُنَا اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُمَا فَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْفَارِقَ بَيْنَهُمَا الْمَانِعُ مِنْ إلْحَاقِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إنَّمَا هُوَ الْخَطَرُ وَعَدَمُهُ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا ضَيْرَ فِي الْتِزَامِ مَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ قَدْ وَضَحَ انْتِفَاءُ النَّظِيرِيَّةِ بَيْنَ تَعْلِيقِ الْقِنْدِيلِ وَالتَّعْلِيقِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ بَانَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَوْجُودِ وَالْمُمْتَنِعِ بَلْ فِي مَعْدُومٍ يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ، وَالتَّعْلِيقُ الْحِسِّيُّ إنَّمَا يَكُونُ لِأَمْرٍ مَوْجُودٍ فَالتَّعْلِيقُ فِيهِ لَا يَكُونُ لِابْتِدَاءِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بَلْ نَقْلًا لَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَمَعَ انْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ لَا تَصِحُّ الْمُقَايَسَةُ بَلْ نَظِيرُهُ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ الرَّمْيُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلٍ وَلَكِنْ بِعَرْضِ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا إذَا اتَّصَلَ بِالْمَحَلِّ فَإِذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ تُرْسٌ مَنَعَ الرَّمْيَ مِنْ انْعِقَادِهِ عِلَّةً لِلْقَتْلِ لَا أَنَّهُ مَنَعَ الْقَتْلَ مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ (مَسْأَلَةٌ مِنْ الْمَفَاهِيمِ) الْمُخَالِفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (مَفْهُومُ اللَّقَبِ نَفَاهُ الْكُلُّ إلَّا بَعْضَ الْحَنَابِلَةِ وَشُذُوذًا) كَابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَكَالدَّقَّاقِ وَالصَّيْرَفِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (وَهُوَ) أَيْ مَفْهُومُ اللَّقَبِ (إضَافَةُ نَقِيضِ حُكْمٍ) مُسَمًّى (مُعَبَّرٍ عَنْهُ) أَيْ الْمُسَمَّى، وَجَازَ حَذْفُهُ أَوَّلًا وَعَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ ثَانِيًا لِقَرِينَةٍ (بِاسْمِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (عَلَمًا أَوْ جِنْسًا إلَى مَا سِوَاهُ) أَيْ الْمُسَمَّى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ خَبَرًا أَوْ طَلَبًا (وَقَدْ يُقَالُ: الْعَلَمُ وَالْمُرَادُ الْأَعَمُّ) أَيْ يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الْعَلَمِ، وَيُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ نَوْعَيْهِ عَلَمَ الشَّخْصِ، وَعَلَمَ الْجِنْسِ وَاسْمَ الْجِنْسِ وَهُوَ مَا لَيْسَ بِصِفَةٍ مَجَازًا مَشْهُورًا عِنْدَ أَهْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَهُمْ الْحَنَفِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا: التَّنْصِيصُ عَلَى الشَّيْءِ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ كَمَا تَجَوَّزَ غَيْرُهُمْ فِي إطْلَاقِ اللَّقَبِ مُرِيدًا بِهِ الِاسْمَ الْأَعَمَّ مِنْهُ، وَهُوَ مَا يَشْمَلُهُ وَالْكُنْيَةَ وَالِاسْمَ الْقَسِيمَ لَهُمَا وَاسْمَ الْجِنْسِ. وَإِذَا ظَهَرَ الْمُرَادُ فَلَا مُشَاحَّةَ ثُمَّ الْمَشْهُورُ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَسْمَاءِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَجْنَاسِ وَحَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي أَسْمَاءِ الْأَنْوَاعِ كَالْغَنَمِ لَا الْأَشْخَاصِ كَزَيْدٍ (وَالْمُعَوَّلُ) فِي نَفْيِهِ (عَدَمُ الْمُوجِبِ) لِلْقَوْلِ بِهِ كَمَا مَضَى فِي نَفْيِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ مُطْلَقًا (وَلِلُزُومِ ظُهُورِ الْكُفْرِ) فَضْلًا عَنْ الْكَذِبِ (مِنْ نَحْوِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ رِسَالَةُ غَيْرِهِ قِيلَ وَوَقَعَ الْإِلْزَامُ بِهِ لِلدَّقَّاقِ فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ بِبَغْدَادَ فَتَوَقَّفَ (وَفُلَانٌ مَوْجُودٌ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ وُجُودِ وَاجِبِ الْوُجُودِ - تَعَالَى (وَهُوَ) أَيْ لُزُومُ الْكُفْرِ مِنْ هَذَيْنِ وَأَضْرَابِهِمَا (مُنْتَفٍ) بِالْإِجْمَاعِ قَطْعًا فَالْقَوْلُ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَأُورِدَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا تَحَقَّقَ شَرَائِطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ هُنَا مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ كَوْنِ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ لِقَصْدِ الْإِخْبَارِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُجُودِ فُلَانٍ وَلَا طَرِيقَ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِالِاسْمِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَحَقَّقُ مَفْهُومُ اللَّقَبِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ حَاصِلَةٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. وَإِنَّمَا قَالَ: ظُهُورُ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ بِحَسَبِ الظُّهُورِ لَا الْقَطْعِ (وَاسْتَدَلَّ) عَلَى نَفْيِهِ (بِلُزُومِ انْتِفَاءِ الْقِيَاسِ) عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِهِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ الْقِيَاسُ حَقٌّ فَالْمُفْضِي إلَى إبْطَالِهِ بَاطِلٌ فَالْقَوْلُ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ بَاطِلٌ، بَيَانُ اللُّزُومِ أَنَّ النَّصَّ الدَّالَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ إنْ تَنَاوَلَ الْفَرْعَ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالنَّصِّ وَإِلَّا دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِيهِ قَضَاءً لِحَقِّ الْمَفْهُومِ؛ إذْ الْفَرْضُ حَقِّيَّتَهُ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا قِيَاسَ (وَالْجَوَابُ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّصَّ إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْ الْفَرْعَ وَقِيلَ بِانْتِفَاءِ

الْحُكْمِ فِيهِ يَنْتَفِي الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَسْتَدْعِي مُسَاوَاةَ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهِ فِي الْأَصْلِ فَلَا جَرَمَ (إذَا ظَهَرَ الْمُسَاوَاةُ) بَيْنَهُمَا فِيهِ فَقَدْ ظَهَرَتْ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا فَيَتَعَارَضَانِ لِاقْتِضَاءِ كُلٍّ غَيْرَ مَا يَقْتَضِيهِ الْآخَرُ ثُمَّ (قُدِّمَ) الْقِيَاسُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا (لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ) فَلَمْ يَلْزَمْ إبْطَالُ الْقِيَاسِ وَلَا نَفْيُ الْمَفْهُومِ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ: (لَوْ قَالَ لِمُخَاصِمِهِ: لَيْسَتْ أُمِّي زَانِيَةً أَفَادَ) قَوْلُهُ هَذَا (نِسْبَتَهُ) أَيْ الزِّنَا (إلَى أُمِّهِ) أَيْ الْمُخَاصِمِ وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَائِلِ إذَا كَانَتْ عَفِيفَةً، وَلَوْلَا أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ لَمَا تَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ نِسْبَةُ الزِّنَا إلَيْهَا، وَلَمَا وَجَبَ الْحَدُّ عِنْدَهُمَا إذْ لَا مُوجِبَ لِلتَّبَادُرِ وَالْحَدِّ وَغَيْرِهِ. (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمُتَبَادِرَ الْمَذْكُورَ (بِقَرِينَةِ الْحَالِ) وَهِيَ الْخِصَامُ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْأَذَى وَالتَّقْبِيحِ فِيمَا يُورَدُ فِيهِ غَالِبًا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَفْهُومِ الَّذِي يَكُونُ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِيهِ لُغَةً بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُفِيدَ نِسْبَةِ الزِّنَا إلَيْهَا لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فَكَانَ فِي ثُبُوتِهَا شُبْهَةٌ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ بِمِثْلِهَا ثُمَّ لَمَّا مَضَى عُدَّ دَلَالَةُ إنَّمَا عَلَى الْحَصْرِ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَكَانَ الظَّاهِرُ خِلَافَهُ تَرْجَمَ بَيَانَهُ بِمَسْأَلَةٍ جَعَلَ مَوْضُوعَهَا أَحَدَ جُزْأَيْ مَعْنَى الْحَصْرِ وَهُوَ النَّفْيُ عَنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْآخَرَ الَّذِي هُوَ الْإِثْبَاتُ لِلْمَذْكُورِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَيْهِ مَنْطُوقًا فَقَالَ (مَسْأَلَةٌ النَّفْيُ فِي الْحَصْرِ بِإِنَّمَا لِغَيْرِ الْآخَرِ) أَيْ نَفْيُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمَحْصُورِ فِيهِ وَهُوَ مَا يُذْكَرُ آخِرًا عَنْ غَيْرِهِ بِإِنَّمَا (قِيلَ بِالْمَفْهُومِ) قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي جَمَاعَةٍ (وَقِيلَ بِالْمَنْطُوقِ) قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْغَزَالِيُّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْأَرْجَحُ وَنَسَبَ لِلْحَنَفِيَّةِ عَدَمَهُ) أَيْ النَّفْيِ عَنْ غَيْرِ الْمَحْصُورِ فِيهِ وَأَنَّهَا تُفِيدُ الْإِثْبَاتَ لَا غَيْرُ. (فَإِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ قَائِمٌ) فِي عَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى نَفْيِ غَيْرِ الْقِيَامِ عَنْ زَيْدٍ إذْ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي: إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ مِنْ التَّأْكِيدِ مَا يَزِيدُ عَلَى: إنَّ زَيْدًا قَائِمٌ ثُمَّ هَذَا مُخْتَارُ الْآمِدِيِّ وَأَبِي حَيَّانَ وَنَسَبَهُ إلَى النَّحْوِيِّينَ الْبَصْرِيِّينَ وَنَسَبَهُ إلَى الْحَنَفِيَّةِ صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَتَكَرَّرَ مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنِيفَةِ (نِسْبَتُهُ) أَيْ الْحَصْرِ إلَى إنَّمَا مَعْنَى لَهَا كَمَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ وَالْكَافِي وَجَامِعِ الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهَا (وَأَيْضًا لَمْ يُجِبْ أَحَدٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِمَنْعِ إفَادَتِهَا) أَيْ إنَّمَا الْحَصْرَ (فِي الِاسْتِدْلَالِ «بِإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَلَى شَرْطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ) بِمَا مُلَخَّصُهُ: الْوُضُوءُ عَمَلٌ، وَلَا عَمَلَ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَلَا وُضُوءَ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَمَّا الصُّغْرَى فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الْكُبْرَى فَلِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (بَلْ بِتَقْدِيرِ الْكَمَالِ أَوْ الصِّحَّةِ) أَيْ بَلْ إنَّمَا أَجَابُوا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ حَقِيقَةَ عُمُومِ الْأَعْمَالِ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِلْقَطْعِ بِوُجُودِ بَعْضِهَا بِلَا نِيَّةٍ كَعَمَلِ السَّاهِي فَالْمُرَادُ حُكْمُهَا، وَهُوَ إمَّا أُخْرَوِيٌّ وَهُوَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْكَمَالِ، أَوْ دُنْيَوِيٌّ، وَهُوَ الِاعْتِبَارُ الشَّرْعِيُّ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالصِّحَّةِ وَالْأُخْرَوِيُّ مُرَادٌ اتِّفَاقًا فَلَا يَجُوزُ إرَادَةُ الدُّنْيَوِيِّ مَعَهُ أَيْضًا إمَّا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالِاقْتِضَاءِ وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ. وَهَذَا طَرِيقُ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَإِمَّا لِأَنَّ اللَّفْظَ صَارَ مَجَازًا عَنْ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِوُجُودِ الصِّحَّةِ، وَلَا ثَوَابَ وَالْفَسَادِ، وَلَا عِقَابَ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِالْوَضْعِ النَّوْعِيِّ، وَالْمُشْتَرَكُ لَا عُمُومَ لَهُ، وَهَذَا طَرِيقُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَأَخِيهِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ فَلَا يَصِحُّ التَّشَبُّثُ بِالْحَدِيثِ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ يُطْرَقُ هَذَا الْجَوَابُ مُنِعَ كَوْنُ الثَّوَابِ مُرَادًا اتِّفَاقًا، وَإِنْ اُتُّفِقَ عَلَى عَدَمِ الثَّوَابِ بِدُونِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مُوَافَقَةَ الْحُكْمِ لِلدَّلِيلِ لَا تَقْتَضِي إرَادَتَهُ وَثُبُوتَهُ بِهِ لِيَلْزَمَ عُمُومُ الْمُقْتَضَى أَوْ الْمُشْتَرَكِ، وَأَيْضًا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِأَثَرِ الشَّيْءِ وَلَازِمِهِ فَيَعُمُّ الْجَوَازَ وَالْفَسَادَ وَالثَّوَابَ وَالْإِثْمَ كَمَا يَعُمُّ الْحَيَوَانُ الْفَرَسَ وَالْإِنْسَانَ، فَإِرَادَةُ النَّوْعَيْنِ لَا تَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ، وَكَانَ الْتِزَامُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْمَالِ صِحَّتُهَا - كَمَا قَالَهُ الْمُخَالِفُ - هُوَ الْوَجْهَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ضَرَرٌ فِي مَطْلُوبِ الْحَنَفِيَّةِ تَمَّمَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَقَالَ: (وَهُوَ) أَيْ تَقْدِيرُ الصِّحَّةِ (الْحَقُّ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَجَازُ الْأَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ الْكَمَالِ إلَيْهَا وَلَمْ يَقُمْ مَا يُقَدِّمُهُ عَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ. وَإِنَّمَا

قُلْنَا: لَا يَضُرُّهُمْ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ فِي الْحَدِيثِ مَخْصُوصَةٌ بِمَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ فَاللَّازِمُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ عِبَادَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ حَتَّى كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: الْوُضُوءُ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَالْوُضُوءُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَلِلْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَقُولُوا إنْ كَانَ الْمُرَادُ: كُلُّ وُضُوءٍ عِبَادَةٌ فَلَا نُسَلِّمُهَا، أَوْ بَعْضُ الْوُضُوءِ عِبَادَةٌ فَنُسَلِّمُهَا، وَنَقُولُ: (وَلَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ عِبَادَةٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ لَكِنْ مَنَعُوا تَوَقُّفَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى وُضُوءٍ هُوَ عِبَادَةٌ كَبَاقِي الشُّرُوطِ) فَيَسْلُكُونَ فِي الْجَوَابِ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ وَلِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَحْثٌ ذَكَرْته فِي حَلَبَةِ الْمُجَلِّي فَعَدَمُ مَنْعِهِمْ كَوْنَ إنَّمَا تُفِيدُ الْحَصْرَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِهِمْ بِإِفَادَتِهَا ذَلِكَ قُلْت لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَطْلُوبُ الْمُخَالِفِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ لَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِانْتِهَاضِ تَعْرِيفِ الْأَعْمَالِ بِهِ، فَإِنَّ أَدَاةَ التَّعْرِيفِ فِيهَا لِلْعُمُومِ لِعَدَمِ الْعَهْدِ، وَعَلَيْهِ مَشَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْجَوَابِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إفَادَةِ إنَّمَا لِلْحَصْرِ حَيْثُ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَأَمَّا «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» «وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَالْحَصْرُ بِغَيْرِ إنَّمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُمُومِ. وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى افْتِرَاضِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِدُونِ إنَّمَا كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ ثَابِتَةٌ رَوَاهَا الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَ هَذِهِ الْعِلَاوَةِ نَعَمْ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ وَجَامِعِ الْأَسْرَارِ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِهَا فِي الْحَدِيثِ مُفِيدَةً لِذَلِكَ (لَنَا) عَلَى إنَّمَا لِلْحَصْرِ، وَأَنَّهَا لِلنَّفْيِ عَنْ غَيْرِ الْآخِرِ مَنْطُوقًا أَنَّهُ (يُفْهَمُ مِنْهُ) أَيْ إنَّمَا (الْمَجْمُوعُ) مِنْ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مُتَبَادِرٌ مِنْ مَوَارِدَ لَا تُحْصَى كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] (فَكَانَ) إنَّمَا لَفْظًا مَوْضُوعًا (لَهُ) أَيْ لِلْمَجْمُوعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفَهْمِ تَبَعُهُ لِلْوَضْعِ ثُمَّ كَمَا أَنَّهُ لِلْإِثْبَاتِ مَنْطُوقًا فَلِلنَّفْيِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ مَعْنًى وَاحِدٌ مُطَابِقِيٌّ لَهَا فَلَا تَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَى النَّفْيِ مَفْهُومًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْ مَعْنَاهُ تَضَمُّنًا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ يُفِيدُ النَّفْيَ مَنْطُوقًا، وَأَدَاتُهُ الْمَعْهُودُ إفَادَتُهَا إيَّاهُ كَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ (وَكَوْنُ النَّافِي الْمَعْهُودِ) لِإِفَادَةِ النَّفْيِ مَنْطُوقًا كَمًّا وَلَا (مُنْتَفِيًا لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَهُ) أَيْ كَوْنُهَا دَالَّةً عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْآخِرِ مَنْطُوقًا (لِأَنَّ مُوجِبَ الِانْتِقَالِ) أَيْ انْتِقَالِ الْفَهْمِ مِنْ النَّافِي إلَى مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ النَّفْيُ مَنْطُوقًا هُوَ (الْوَضْعُ) أَيْ وَضْعُ اللَّفْظِ لَهُ، وَالْمَعْلُومُ ذَلِكَ لِلْفَاهِمِ بِقَرِينَةِ التَّبَادُرِ (لَا بِشَرْطِ لَفْظٍ خَاصٍّ) حَتَّى إذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يُفِيدَهُ أَدَاةٌ مَخْصُوصَةٌ لِوَضْعِهَا لَهُ خَاصَّةً جَازَ أَنْ يُفِيدَهُ غَيْرُهَا لِوَضْعِهِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مَعًا، وَكَمَا كَانَ الْفَهْمُ عَلَى ذَاكَ الْوَجْهِ دَلِيلَ الْوَضْعِ لَهُ فَكَذَا يَكُونُ الْفَهْمُ هُنَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَلِيلَ الْوَضْعِ لَهُمَا كَذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ: هَذَا لَا يَكْفِي لِلْمَطْلُوبِ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ إنَّمَا النَّفْيُ عَنْ الْغَيْرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِوَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ بِالذَّاتِ لِيَكُونَ مُسْتَفَادًا مِنْهُ مَنْطُوقًا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِوَضْعِهِ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ فَيَكُونُ مُسْتَفَادًا مِنْهُ مَفْهُومًا وَمَعَ الِاحْتِمَالِ يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَال؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَا قَدَّمْنَاهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مَنْطُوقٌ (وَكَوْنُ فَهْمِهِ) أَيْ النَّفْيِ مِنْهُ (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ كَوْنُهُ بِالْمَنْطُوقِ (لِجَوَازِهِ) أَيْ فَهْمِهِ (بِالْمَفْهُومِ لَا يَنْفِي الظُّهُورَ) ، وَنَحْنُ إنَّمَا نَقُولُ هُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ ثُمَّ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِالْمَفْهُومِ. (وَلَوْ ثَبَتَ) كَوْنُهُ كَذَلِكَ (كَانَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ) لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (وَهُوَ) أَيْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ (مَنْفِيٌّ) اتِّفَاقًا أَوْ إلْزَامًا فَلَا يَصِحُّ لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ حِينَئِذٍ أَصْلًا، فَإِنْ قُلْت: مِثْلُ جَوَازِ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ لَا قَاعِدٌ بِخِلَافِ مَا زَيْدٌ إلَّا قَائِمٌ لَا قَاعِدٌ، وَمِثْلُ: إنَّ صَرِيحَ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ إصْرَارِ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْإِنْكَارِ بِخِلَافِ إنَّمَا مِنْ الْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَفْهُومٌ لَا مَنْطُوقٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ قُلْت: الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ نَفْيُ حُسْنِ مُجَامَعَةِ لَا الْعَاطِفَةِ لِلنَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ لَا نَفْيِ الصِّحَّةِ، وَتَصْرِيحُ الْمِفْتَاحِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ مُتَعَقَّبٌ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ دَعْوَى مُسْتَنَدِهِ إلَى الْوَضْعِ فَلَا بُدَّ

مِنْ ذِكْرِهَا وَبَيَانِهَا وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمَعْنَى فَلِمَ لَا يَجُوزُ إجْرَاؤُهُ عَلَى التَّأْكِيدِ عَلَى أَنَّ جَارَ اللَّهِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي الْكَشَّافِ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران: 14] أَيْ الْمُزَيَّنُ لَهُمْ حُبُّهُ مَا هُوَ إلَّا شَهَوَاتٌ لَا غَيْرُ اهـ. عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهُ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ عِلْمُ الْبَلَاغَةِ لَا الْعَرَبِيَّةِ؛ إذْ لَا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى، وَمِنْ ثَمَّةَ سَاغَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنَّفِينَ مِنْ الْأَعْيَانِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِيمَا هُوَ مُفَادُهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ بِحَسَبِ الْوَضْعِ لُغَةً، وَمِمَّا يَزِيدُهُ وُضُوحًا أَنَّ السَّكَّاكِيَّ شَرَطَ فِي صِحَّةِ مُجَامَعَةِ النَّفْيِ بِلَا الْعَاطِفَةِ لِإِنَّمَا أَنْ لَا يَكُونَ الْوَصْفُ بَعْدَ إنَّمَا مِمَّا لَهُ فِي نَفْسِهِ اخْتِصَاصٌ بِالْمَوْصُوفِ الْمَذْكُورِ وَعَلَّلُوهُ بِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الِاخْتِصَاصِ فَهَذَا يُفِيدُ أَنْ لَيْسَ عِلَّةُ الْمَنْعِ كَوْنَ النَّفْيِ مَنْطُوقًا، وَلَا عِلَّةُ الْجَوَازِ كَوْنَهُ مَفْهُومًا عَلَى مَا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ مِنْ بَحْثٍ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَيْضًا انْدِفَاعُ التَّشَبُّثِ بِالْإِمَارَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْمَفْهُومِ لَا بِالْمَنْطُوقِ عَلَى أَنَّا لَسْنَا نَقُولُ: النَّفْيُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إنَّمَا مَنْطُوقًا كَالْمُسْتَفَادِ مِنْ مَا فِي سَائِرِ الْوُجُوهِ، وَإِنْ قَالُوا: السَّبَبُ فِي إفَادَتِهَا الْقَصْرَ تَضَمُّنُهَا مَعْنَى مَا وَإِلَّا لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ: لَمْ يَعْنُوا بِهِ أَنَّ الْمَعْنَى فِي إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى فِي مَا وَإِلَّا بِعَيْنِهِ وَأَنَّ سَبِيلَهُمَا سَبِيلُ اللَّفْظَيْنِ يُوضَعَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّيْءِ مَعْنَى الشَّيْءِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ قُلْت: وَمِمَّا يَشْهَدُ بِهَذَا اخْتِلَافُ مَا وَلَا بِمَعْنَى لَيْسَ وَلِنَفْيِ الْجِنْسِ وَلَيْسَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَمَا عُرِفَ فِي الْعَرَبِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِأَنَّ النَّفْيَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَفْهُومٌ، وَلَا مَنْطُوقٌ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَنْعُ كَوْنِ النَّفْيِ فِي إنَّمَا غَيْرَ صَرِيحٍ، وَالْإِيجَابِ فِيهَا صَرِيحًا وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى ذَلِكَ بَلْ الْوَجْهُ أَنَّ كُلًّا مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ (تَنْبِيهٌ) وَالْأَصَحُّ أَنَّ أَنَمَّا بِالْفَتْحِ كَإِنَّمَا بِالْكَسْرِ (وَأَمَّا الْحَصْرُ بِاللَّامِ لِلْعُمُومِ) أَيْ الَّتِي لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ الدَّاخِلَةِ عَلَى أَحَدِ جُزْأَيْ الْكَلَامِ سَوَاءٌ كَانَ صِفَةً كَالْعَالِمِ أَوْ اسْمَ جِنْسٍ كَالرَّجُلِ مُقَدَّمًا فِي الذِّكْرِ أَوْ مُؤَخَّرًا فِي الْجُزْءِ الْآخَرِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْهُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ عَلَمًا كَانَ كَزَيْدٍ أَوْ غَيْرَ عَلَمٍ كَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ كَمَا أَشَارَ إلَى جُمْلَةِ هَذَا بِقَوْلِهِ (وَالْآخَرُ أَخَصُّ كَالْعَالِمِ وَالرَّجُلِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ) لِفَهْمِ ذَلِكَ مِنْهُ ظَاهِرًا حَتَّى إنَّ مَنْ خَالَفَ فِيهِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَا لَا يَحْسُنُ ارْتِكَابُهُ (وَلَوْ نَفَى الْمَفْهُومَ) الْمُخَالِفَ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ كَمَا سَيَظْهَرُ (بِخِلَافِ) مَا اشْتَمَلَ عَلَى مُسْنَدٍ وَمُسْنَدٍ إلَيْهِ أَحَدُهُمَا عَلَمٌ، وَالْآخَرُ صِفَةٌ مُعَرَّفَةٌ بِالْإِضَافَةِ نَحْوُ (صَدِيقِي زَيْدٌ) فَإِنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْحَصْرَ إذَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ لَا (إذَا أُخِّرَ) الِاسْمُ الصِّفَةُ عَنْ الْعَلَمِ كَأَنْ يُؤَخَّرَ صَدِيقِي عَنْ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ حِينَئِذٍ (لِانْتِفَاءِ عُمُومِهِ) أَيْ عُمُومِ الِاسْمِ الصِّفَةِ الْمُضَافِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَصَدِيقِي فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَإِذَا لَمْ يَحْسُنْ الِاخْتِلَافُ فِي حَصْرِ مَا فِيهِ اللَّامُ كَمَا ذَكَرْنَا لَزِمَ أَنْ لَا يَحْسُنَ الِاخْتِلَافُ فِي إفَادَةِ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ مُرَكَّبٌ مِنْ إثْبَاتٍ وَنَفْيٍ (وَيَنْدَرِجُ) كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُعَرَّفِ وَصَدِيقِي فِي التَّرْكِيبِ الْخَاصِّ دَالًّا عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ مَعْنَى الْحَصْرِ (فِي بَيَانِ الضَّرُورَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ إذْ ثُبُوتُ الْجِنْسِ بِرُمَّتِهِ لِوَاحِدٍ بِالضَّرُورَةِ يَنْتَفِي عَنْ غَيْرِهِ) فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ جَعْلُ جَمِيعِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْعَالِمُ هُوَ زَيْدٌ وَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ زَيْدٌ هُوَ جَمِيعُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْعَالِمُ فِي: زَيْدٌ الْعَالِمُ، وَالْعَالِمُ زَيْدٌ نَفْيُ وُجُودِ مَا صَدَقَ لِلْعَالِمِ غَيْرِ زَيْدٍ وَمَا صَدَقَ لِزَيْدٍ غَيْرِ الْعَالِمِ ضَرُورَةَ فَرْضِ صِدْقِ كَوْنِ جَمِيعِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ زَيْدٌ هُوَ الْعَالِمُ وَجَمِيعِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْعَالِمُ هُوَ زَيْدٌ نَعَمْ إفَادَةُ الْحَصْرِ فِيهِمَا كَغَيْرِهِمَا قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً إمَّا مُطْلَقًا كَ: اللَّهُ الْخَالِقُ، وَالْخَالِقُ اللَّهُ وَخَالِقِي اللَّهُ، وَإِمَّا بِالنَّظَرِ إلَى عُرْفٍ خَاصٍّ مِثْلُ: وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقَدْ يَكُونُ مُبَالَغَةً وَادِّعَاءً كَمَا هُوَ كَثِيرٌ بَثِيرٌ فِي الْمُحَاوَرَاتِ الْخَطَابِيَّةِ إمَّا بِجَعْلِ مَا عَدَا الْمَقْصُورَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ بَلَغَ مِنْ النُّقْصَانِ مَبْلَغًا انْحَطَّ بِهِ عَنْهُ، وَعَنْ أَنْ يُسَمَّى بِهِ فَهُوَ فِيمَا عَدَا الْمَقْصُورَ عَلَيْهِ كَالْعَدَمِ، وَإِمَّا بِجَعْلِ الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ قَدْ ارْتَقَى فِي الْكَمَالِ إلَى حَدٍّ

صَارَ مَعَهُ كَأَنَّهُ الْجِنْسُ كُلُّهُ، وَنَحْنُ لَمْ نَدَّعِ إفَادَةَ اللَّامِ الْمَذْكُورَةِ لِلْحَصْرِ إفَادَتَهَا لَهُ حَقِيقَةً مُطْلَقًا فِي كُلِّ مَوْرِدٍ بَلْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ التَّفْصِيلِيِّ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا الْقَوْلُ بِالْحَصْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّامَ لِلْحَقِيقَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَعَدَمُ صِحَّةِ نَفْيِ كَوْنِ اللَّامِ فِي مِثْلِ: الْعَالِمُ زَيْدٌ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ لِعَدَمِ صِحَّةِ كُلُّ عَالِمٍ زَيْدٌ، وَإِنَّ قَوْلَ الْمَانِعِ لِإِفَادَتِهِ الْحَصْرَ إنَّمَا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ بِمَعْنَى أَنَّ زَيْدًا هُوَ الْكَامِلُ وَالْمُنْتَهِي فِي الْعِلْمِ كَمَا نَصَّ سِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الرَّجُلِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَمَعْنَاهُ الْكَامِلُ فِي الرُّجُولِيَّةِ يُفِيدُ كَوْنَ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي مِثْلِهِ لَفْظِيًّا، وَأَنَّ قَوْلَ الْمَانِعِ أَيْضًا لَوْ أَفَادَ الْعَالِمُ زَيْدٌ الْحَصْرَ لَأَفَادَ عَكْسُهُ أَيْضًا صَحِيحٌ مُلْتَزَمٌ. وَمَنْعُ صِحَّةِ اللَّازِمِ مَمْنُوعٌ، وَدَعْوَى مَنْعِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ بَلْ إنَّمَا التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُعَرَّفَ إنْ جُعِلَ مُبْتَدَأً فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْخَبَرِ وَإِنْ جُعِلَ خَبَرًا فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمُبْتَدَأِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي، وَأَشَرْنَا إلَيْهِ آنِفًا ثُمَّ مِمَّنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا كَيْفَمَا دَارَ يُفِيدُ الِانْحِصَارَ السَّكَّاكِيُّ وَالطِّيبِيُّ (وَتَكَرَّرَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مِثْلُهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ (فِي نَفْيِ الْيَمِينِ عَنْ الْمُدَّعَى بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ) فَفِي الْهِدَايَةِ جَعْلُ جِنْسِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ، وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ وَفِي الِاخْتِيَارِ جَعْلُ جِنْسِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَذَلِكَ يَنْفِي رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي (وَغَيْرِهِ) أَيْ: وَفِي غَيْرِ نَفْيِ الْيَمِينِ عَنْ الْمُدَّعِي، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَقُودُ إلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ لِكَوْنِ أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ الشَّرْعِيِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا» عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَبَطَلَ عَدُّ كَوْنِ الْحَصْرِ فِي مِثْلِ الْعَالِمُ زَيْدٌ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ. وَنَفْيُ قَوْلِ مَشَايِخِنَا بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ هَذَا، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَحَاصِلُ مَا أَرَادَهُ أَنَّهُ خَالَفَ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي طَرِيقِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْمُعَرَّفِ فَيُفِيدُ الْحَصْرَ وَتَأْخِيرِهِ فَلَا يُفِيدُهُ كَزَيْدٌ الْعَالِمُ وَحَكَمَ بِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي إفَادَةِ الْحَصْرِ بِنَاءً عَلَى نِسْبَةِ الْحَصْرِ لِلضَّرُورَةِ بِسَبَبِ الْعُمُومِ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمُنْكِرِ فَإِذَا كَانَ كُلُّ يَمِينٍ عَلَى الْمُنْكِرِ لَزِمَ أَنْ لَا يَبْقَى يَمِينٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا الْمُوجِبُ لَا يَخْتَلِفُ بِتَقْدِيمِ مَعْرُوضِهِ وَتَأْخِيرِهِ ثُمَّ هَذَا الْمُوجِبُ، وَهُوَ الْعُمُومُ مُنْتَفٍ فِي صَدِيقِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا ذَاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِصَدَاقَتِي فَلَا عُمُومَ فِيهِ نَفْسِهِ فَلَزِمَ أَنْ لَا حَصْرَ إذَا تَأَخَّرَ فَفَارَقَ ذَا اللَّامِ حَيْثُ جَعَلَهُ فِي التَّأْخِيرِ يُفِيدُهُ وَسَكَتَ عَنْ تَقَدُّمِهِ، وَمَفْهُومُ شَرْطِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ حِينَئِذٍ، وَإِذْ بَيَّنَ أَنْ لَا عُمُومَ فِيهِ كَإِنْ حَصَرَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ أَلْبَتَّةَ وَهِيَ عِنْدَهُ التَّقْدِيمُ فَإِنَّهُ يُفِيدُهُ كَمَا فِي {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] لِأَنَّ صَدِيقِي مَوْضِعُهُ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ زَيْدِ فَإِذَا قُدِّمَ كَانَ الْحَصْرُ فَائِدَةَ التَّقْدِيمِ اهـ. قُلْت: وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا إنْ جُعِلَ صَدِيقِي زَيْدٌ مُفِيدًا لِلْحَصْرِ بِمَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ فِي مِثْلِهِ أَنَّ الِاسْمَ مُتَعَيِّنٌ لِلِابْتِدَاءِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الذَّاتِ، وَالصِّفَةُ مُتَعَيِّنَةٌ لِلْخَبَرِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَمْرٍ نِسْبِيٍّ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُبْتَدَأِ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ، وَمَعْنَى الْخَبَرِ الْمَنْسُوبُ وَالذَّاتُ هِيَ الْمَنْسُوبُ إلَيْهَا، وَالصِّفَةُ هِيَ الْمَنْسُوبُ فَسَوَاءٌ قِيلَ: زَيْدٌ صَدِيقِي أَوْ صَدِيقِي زَيْدٌ يَكُونُ زَيْدٌ مُبْتَدَأً وَصَدِيقِي خَبَرًا لَكِنْ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُبْتَدَأَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمُقَدَّمُ كَائِنًا مَا كَانَ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ مُعَرِّفَةً لِكَوْنِ الْخَبَرِ الْمُقَدَّمِ وَأَجَابُوا: بِأَنَّا لَا نَجْعَلُ اسْمَ الصِّفَةِ مُبْتَدَأً إلَّا حَالَ كَوْنِهِ مُرَادًا بِهِ الذَّاتُ الَّذِي لَهُ تِلْكَ الصِّفَةُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الذَّاتَ وُصِفَتْ بِانْتِسَابِ أَمْرٍ نِسْبِيٍّ إلَيْهِ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ تَعَيُّنَهُ لِيَكُونَ مُسْنَدًا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَلَا نَجْعَلُ اسْمَ الذَّاتِ كَزَيْدٍ خَبَرًا إلَّا حَالَ كَوْنِهِ مُرَادًا بِهِ مَفْهُومٌ مُسَمًّى بِزَيْدٍ فَيَكُونُ الْوَصْفُ مُسْنَدًا إلَى الذَّاتِ دُونَ الْعَكْسِ وَمِنْ ثَمَّةَ عُلِّقَ الظَّرْفُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ} [الأنعام: 3] أَيْ الْمَعْبُودُ فِيهَا أَوْ الْمَعْرُوفُ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (وَالتَّشْكِيكُ بِتَجْوِيزِ كَوْنِهِ) أَيْ الْمَحْصُورِ بِاللَّامِ (لِوَاحِدٍ وَلِآخَرَ غَيْرُ مَقْبُولٍ) رَدٌّ لِمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ لِلْبَدِيعِ مِنْ أَنَّ الْوَجْهَ فِي أَنَّ " الْعَالِمُ زَيْدٌ " يُفِيدُ الْحَصْرَ دُونَ " زَيْدٌ الْعَالِمُ " بَعْدَ الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّامَ

التقسيم الثاني في اللفظ المفرد باعتبار ظهور دلالته

فِي الْعَالِمِ لِلْحَقِيقَةِ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِنَا: الْعَالِمُ زَيْدٌ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ زَيْدٌ فَيَنْحَصِرُ فِيهِ بِالضَّرُورَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا ذَاتٌ مُعَيَّنَةٌ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا بِكَوْنِهِ عَيْنَهَا فَكَانَتْ مَخْصُوصَةً بِهِ إذْ لَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِهِ لَمَا كَانَ عَيْنَهَا بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَهُوَ زَيْدٌ الْعَالِمُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْعَالِمُ ثَابِتٌ لَهُ وَثُبُوتُهُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَيْنَهُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ صِفَةً لِغَيْرِهِ اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ الْقَبُولِ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَقَدْ حُكِيَ) فِي إفَادَةِ مِثْلِ: الْعَالِمُ زَيْدٌ الْحَصْرَ أَيْ جُزْأَهُ الَّذِي هُوَ النَّفْيُ عَنْ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي ثُبُوتِ الْإِيجَابِ نُطْقًا كَمَا قُلْنَا مِثْلَهُ فِي إنَّمَا: ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ حَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهَا (نَفْيُهُ) أَيْ الْحَصْرِ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ إلَى الْمَذْهَبِ (وَإِثْبَاتُهُ مَفْهُومًا) أَيْ وَثَانِيهَا أَنَّهُ يُفِيدُهَا مَفْهُومَهُ (وَمَنْطُوقًا) أَيْ وَثَالِثُهَا أَنَّهُ يُفِيدُ مَنْطُوقًا (وَاسْتُبْعِدَ) هَذَا (لِعَدَمِ النُّطْقِ بِالنَّافِي) ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (وَعَلِمْت فِي إنَّمَا أَنْ لَا أَثَرَ لَهُ) أَيْ لِعَدَمِ النُّطْقِ بِالنَّافِي فِي كَوْنِ النَّفْيِ ثَابِتًا بِاللَّفْظِ مَنْطُوقًا فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِبْعَادُ نَظَرًا إلَى هَذَا الْوَجْهِ (بَلْ وَجْهُهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِبْعَادِ (عَدَمُ لَفْظٍ يَتَبَادَرُ مِنْهُ) النَّفْيُ (لِأَنَّ اللَّامَ لِلْعُمُومِ فَقَطْ) أَوْ لِلْحَقِيقَةِ فَقَطْ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَيْسَ النَّفْيُ جُزْأَهُ (فَإِنَّمَا يَثْبُتُ) النَّفْيُ عَنْ الْغَيْرِ فِيهِ (لَازِمًا لِإِثْبَاتِهِ) أَيْ الْعُمُومِ لِوَاحِدٍ لَا غَيْرُ أَوْ الْحَقِيقَةِ لَهُ وَهَذَا (بِخِلَافِ إنَّمَا) فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِهَا النَّفْيُ فَكَانَ جُزْءَ مَعْنَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ لَمَّا كَانَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحَصْرَ بِاللَّامِ لِلْعُمُومِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَأَمَّا الْمَنْطِقِيُّونَ فَيَأْخُذُونَ بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ فَيَجْعَلُونَهُ فِي قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ أَيْ: بَعْضُ الْمَنْطِقِ زِيدَ عَلَى مَا هُوَ قَانُونُ الِاسْتِدْلَالِ قَدَّرَهُ الْمُصَنِّفُ مُجِيبًا عَنْهُ بِقَوْلِهِ (وَمَا نُسِبَ إلَى الْمَنْطِقِيِّينَ مِنْ جَعْلِهِمْ إيَّاهُ) أَيْ ذَا اللَّازِمِ الَّتِي لِلْعُمُومِ (جُزْئِيًّا يَنْفِيهِ مَا حُقِّقَ مِنْ أَنَّ السُّورَ مَا دَلَّ عَلَى كَمْيَّةِ الْمَوْضُوعِ) إنْ كُلِّيًّا فَكُلِّيٌّ وَإِنْ جُزْئِيًّا فَجُزْئِيٌّ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْأَسْوَارِ لَمْ يَقْصِدُوا بِهِ الِانْحِصَارَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَذُو اللَّامِ) الَّتِي لِلْعُمُومِ (مُسَوَّرٌ بِسُوَرِ الْكُلِّيَّةِ) لِكَوْنِهِ دَالًّا عَلَى الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ، وَكُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَهُوَ سُورُ الْكُلِّيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْإِشَارَاتِ [التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ] (التَّقْسِيمُ الثَّانِي) فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ (بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ إلَى ظَاهِرٍ وَنَصٍّ وَمُفَسَّرٍ وَمُحْكَمٍ فَمُتَأَخِّرٍ وَالْحَنَفِيَّةُ مَا) أَيْ اللَّفْظُ الَّذِي (ظَهَرَ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيُّ) لِلسَّامِعِ (بِمُجَرَّدِهِ) أَيْ اللَّفْظِ أَيْ بِنَفْسِ سَمَاعِهِ بِلَا قَرِينَةٍ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ حَالَ كَوْنِهِ (مُحْتَمِلًا) لِغَيْرِ مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا (إنْ لَمْ يُسَقْ) الْكَلَامُ (لَهُ أَيْ لَيْسَ) سَوْقُ مَعْنَاهُ الْمَذْكُورِ (الْمَقْصُودَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فَهُوَ) أَيْ اللَّفْظُ الْمُفْرَدُ (بِهَذَا الِاعْتِبَارِ) وَهُوَ كَوْنُ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ ظَاهِرًا لِلسَّامِعِ بِنَفْسِ سَمَاعِ اللَّفْظِ مَعَ احْتِمَالِهِ لِغَيْرِهِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا غَيْرَ مَسُوقٍ لَهُ هُوَ (الظَّاهِرُ) اصْطِلَاحًا مِنْ الظُّهُورِ وَهُوَ الْوُضُوحُ فَالْمَعْرُوفُ الِاصْطِلَاحِيُّ، وَمَا فِي التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ فَلَا يَلْزَمُ تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، وَتَقْيِيدُ الظُّهُورِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ احْتِرَازٌ عَمَّا ظَهَرَ الْمُرَادُ بِهِ لَا بِنَفْسِ اللَّفْظِ كَالْمُجْمَلِ إذَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ (وَبِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ) أَيْ وَاللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِاعْتِبَارِ وُضُوحِ مَعْنَاهُ الْمَسُوقِ لَهُ بِوَاسِطَةِ السَّوْقِ لَهُ زِيَادَةً عَلَى ظُهُورِهِ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِهِ (مَعَ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ) إنْ كَانَ عَامًّا (وَالتَّأْوِيلِ) إنْ كَانَ خَاصًّا (النَّصُّ) اصْطِلَاحًا، وَإِنَّمَا كَانَ السَّوْقُ مُفِيدًا لِزِيَادَةِ الْوُضُوحِ؛ لِأَنَّ اهْتِمَامَ الْمُتَكَلِّمِ بِبَيَانِ مَا قَصَدَهُ بِالسَّوْقِ أَتَمُّ، وَاحْتِرَازُهُ عَنْ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ فِيهِ أَكْمَلُ، وَمِنْ هُنَا نَاسَبَ أَنْ يُسَمَّى هَذَا نَصًّا إمَّا مِنْ نَصَصْت الشَّيْءَ رَفَعْته؛ لِأَنَّ فِي ظُهُورِهِ ارْتِفَاعًا عَلَى ظُهُورِ الظَّاهِرِ، أَوْ مِنْ نَصَصْت الدَّابَّةَ إذَا اسْتَخْرَجْت مِنْهَا بِالتَّكْلِيفِ سَيْرًا فَوْقَ سَيْرِهَا الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّ فِي ظُهُورِهِ زِيَادَةً حَصَلَتْ بِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ لَا بِنَفْسِ الصِّيغَةِ كَالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ سَيْرِ الدَّابَّةِ بِتَكْلِيفِهَا إيَّاهَا لَا بِنَفْسِهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ (وَيُقَالُ) النَّصُّ (أَيْضًا لِكُلِّ سَمْعِيٍّ) كَائِنٍ مَا كَانَ قَوْلًا شَائِعًا وَالْمُمَيَّزُ بَيْنَ الْمُرَادَيْنِ مِنْ إطْلَاقِهِ الْقَرِينَةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي (وَمَعَ عَدَمِ احْتِمَالِهِ

غَيْرَ النَّسْخِ) أَيْ وَاللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فَوْقَ ظُهُورِ النَّصِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ النَّسْخِ (الْمُفَسَّرِ) اصْطِلَاحًا وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ الظَّاهِرَ وَالنَّصَّ فِي ظُهُورِهِمَا الْمَذْكُورِ، وَكَانَ التَّفْسِيرُ مُبَالَغَةَ الْفَسْرِ، وَهُوَ الْكَشْفُ سُمِّيَ بِهِ حَمْلًا لَهُ عَلَى كَمَالِهِ الَّذِي هُوَ الِانْكِشَافُ بِلَا شُبْهَةٍ (وَيُقَالُ) : الْمُفَسَّرُ (أَيْضًا لَمَّا بُيِّنَ) الْمُرَادُ مِنْهُ (بِقَطْعِيٍّ) كَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ (مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ) لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ خَفَاءِ دَلَالَتِهِ مَا عَدَا الْمُتَشَابِهَ مِنْهَا وَهُوَ الْخَفِيُّ وَالْمُشْكِلُ وَالْمُجْمَلُ لِمَا سَتَعْلَمُ مِنْ أَنَّ الْمُتَشَابِهَ لَا يَلْحَقُهُ الْبَيَانُ فِي هَذَا الدَّارِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا أَنَّ الْمُفَسَّرَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فِي الْحُكْمِ كَالنَّصِّ، وَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُفَسَّرِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَبَيْنَهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَعَمُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَتَنَاوَلُ مَا بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ مِمَّا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ خَفَاءٌ كَمَا يَتَنَاوَلُ مَا بَيَانُهُ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ وَأَخَصُّ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ سَوَاءٌ احْتَمَلَ مَعَ ذَلِكَ النَّسْخَ، أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ أَمْ لَا وَهُوَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَعَمُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي يَتَنَاوَلُ مَا بَيَانُهُ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ وَالنَّسْخَ كَمَا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا بَيَانُهُ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ، وَأَخَصُّ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مَا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فَتَأَمَّلْهُ لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُفَسَّرَ عِنْدَهُمْ اللَّفْظُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فَوْقَ ظُهُورِ النَّصِّ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَأَنَّهُ لَا إطْلَاقَ لَهُ عَلَى مَا يُخَالِفُ هَذَا اصْطِلَاحًا، وَأَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى مَا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْتَمِلَ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّيِّ عَلَى فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْمُفَسَّرُ فَمَا ازْدَادَ وُضُوحًا عَلَى النَّصِّ سَوَاءٌ كَانَ بِمَعْنًى فِي النَّصِّ أَوْ بِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ مُجْمَلًا فَلَحِقَهُ بَيَانٌ قَاطِعٌ فَانْسَدَّ بِهِ بَابُ التَّأْوِيلِ أَوْ عَامًّا فَلَحِقَهُ مَا انْسَدَّ بِهِ بَابُ التَّخْصِيصِ مَأْخُوذٌ مِمَّا ذَكَرْنَا اهـ. وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فَاضِلٌ مِنْ شَارِحِيهِ: يَعْنِي الْمُجْمَلَ الَّذِي لِحَقِّهِ الْبَيَانُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَصِيرُ مُفَسَّرًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَعْنَى الَّذِي عُرِفَ بِبَيَانِ الْمُجْمَلِ قَابِلًا لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ اهـ وَيَعْنِي وَأَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلنَّسْخِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ نَفْسُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ هَذَا، وَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَنْهُ وَكَذَا كَوْنُ مَا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى مَعَهُ احْتِمَالُ التَّأْوِيلِ وَالتَّخْصِيصِ نَوْعًا مِنْ الْمُفَسَّرِ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّقْوِيمِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا يُخَالِفُهُمْ فِي هَذَا نَعَمْ فِي مِيزَانِ الْأُصُولِ: وَأَمَّا حَدُّهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَأَهْلِ الْأُصُولِ مَا ظَهَرَ بِهِ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ لِلسَّامِعِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ لِانْقِطَاعِ احْتِمَالِ غَيْرِهِ بِوُجُودِ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عَلَى الْمُرَادِ، وَكَذَا يُسَمَّى مُبَيَّنًا وَمُفَصَّلًا لِهَذَا ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يُسَمَّى الْخِطَابُ وَالْكَلَامُ مُفَسَّرًا وَمُبَيَّنًا بِأَنْ كَانَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ مِنْ الْأَصْلِ بِأَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا كَمَا يَقَعُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ وَالْمُشْكِلِ وَالْمُجْمَلِ الَّذِي صَارَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ مَعْلُومًا لِلسَّامِعِ بِوَاسِطَةِ انْقِطَاعِ الِاحْتِمَالِ وَالْإِشْكَالِ اهـ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُفَسَّرَ لَهُ مَعْنَيَانِ لَكِنْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى لَهُ عِنْدَ التَّفْصِيلِ نَوْعَانِ مَا كَانَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ مِنْ الْأَصْلِ بِأَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا، وَمَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرَ مَكْشُوفٍ أَوَّلًا ثُمَّ صَارَ مَكْشُوفًا بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْبَيَانِ الْقَطْعِيِّ الْمُزِيلِ لِاحْتِمَالِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِاشْتِرَاطِ احْتِمَالِ النَّسْخِ إمَّا بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْآنَ فِي اصْطِلَاحِهِمْ، وَإِمَّا لِلْعِلْمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْفَصْلُ الْمُمَيِّزُ لَهُ مِنْ الْمُحْكَمِ إنْ كَانَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ. (وَإِنْ) بُيِّنَ الْمُرَادُ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ (بِظَنِّيٍّ) كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ (فَمُؤَوَّلٌ) اصْطِلَاحًا سُمِّيَ

بِهِ إمَّا لِمَا فِيهِ مِنْ صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِ حَالِهِ أَوْ مِنْ رُجُوعِهِ مِنْ بَعْضِ احْتِمَالَاتِهِ إلَى بَعْضٍ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ، وَالتَّأْوِيلُ لُغَةً يَدُورُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُؤَوَّلَ مَحْصُورٌ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالنَّصَّ إذَا حُمِلَ عَلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ صَارَ مُؤَوَّلًا بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَالْمُرَادُ: إذَا حُمِلَ عَلَى مُحْتَمَلٍ لَهُ غَيْرِ ظَاهِرٍ مِنْهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا مَزِيدُ كَلَامٍ فِي التَّقْسِيمِ الثَّالِثِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ (وَمَعَ عَدَمِهِ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ وَاللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فَوْقَ ظُهُورِ مَعْنَى الْمُفَسَّرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ فِي زَمَانِ حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الْمُحْكَمُ) وَهُوَ (حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ) خَاصَّةٌ لِلْأُصُولِيِّينَ (فِي الْمُحْكَمِ لِنَفْسِهِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ (وَالْكُلُّ) أَيْ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مُحْكَمٌ لِغَيْرِهِ) لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ النَّسْخَ بِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ (يَلْزَمُهُ) أَيْ إطْلَاقَ الْمُحْكَمِ عَلَيْهِ لَا الْمُحْكَمَ لِعَيْنِهِ مِنْهَا (التَّقْيِيدُ) لِغَيْرِهِ (عُرْفًا) خَاصًّا أُصُولِيًّا تَمْيِيزًا بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَصْلِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْإِتْقَانُ عَلَى وَجْهٍ يُؤْمَنُ فِيهِ التَّبْدِيلُ وَالِانْتِقَاضُ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَوَّلِ أَبْلَغُ وَأَقْوَى فَجُعِلَ الْمُطْلَقُ لِلْأَكْمَلِ وَالتَّقْيِيدُ لِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ يَجِبُ التَّنَبُّهُ هُنَا لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا قَدْ عُرِفَ أَنَّ زِيَادَةَ الْوُضُوحِ فِي النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ بِكَوْنِهِ مَسُوقًا لِبَيَانِ الْمُرَادِ. وَأَمَّا زِيَادَةُ الْوُضُوحِ فِي الْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ فَيَكُونُ بِوُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ كَأَنْ كَانَ الْكَلَامُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَلَا النَّسْخَ أَوْ لَحِقَهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ قَاطِعٌ لِاحْتِمَالِ التَّأْوِيلِ أَوْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَمْنَعُ التَّخْصِيصَ أَوْ يُفِيدُ الدَّوَامَ وَالتَّأْبِيدَ ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ ثَانِيهمَا إنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُحْكَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُفَسَّرِ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ كَمَا هُوَ صَنِيعُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ لَا زِيَادَةَ الْوُضُوحِ كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلْأَحْكَامِ وَعَدَمِ احْتِمَالِ النَّسْخِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمُفَسَّرَ إذَا بَلَغَ مِنْ الْوُضُوحِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْغَيْرَ أَصْلًا فَلَا مَعْنًى لِزِيَادَةِ الْوُضُوحِ عَلَيْهِ نَعَمْ يَزْدَادُ قُوَّةً بِوَاسِطَةِ تَأْكِيدٍ وَتَأْيِيدٍ يَنْدَفِعُ عَنْهُ احْتِمَالُ النَّسْخِ وَالِانْتِقَاضِ وَمِنْ ثَمَّةَ تُعُقِّبَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِهَذَا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قُلْت لَيْسَ بَيْنَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ مُخَالَفَةٌ فِي الْمَقْصُودِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ أَقْسَامُ هَذَا التَّقْسِيمِ ثَلَاثَةً لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لِمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ الدَّلَالَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَقْسَامِ مِنْ حَيْثُ الْأَظْهَرِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الْمُحْكَمُ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ الْوُضُوحِ عَلَى الْمُفَسَّرِ لَا يَكُونُ قَسِيمًا لَهُ مِنْ حَيْثُ الْأَوْضَحِيَّةِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُحْكَمُ مَا ظَهَرَ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ مُنَاسِبَةٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَكَذَا زِيَادَةُ الْوُضُوحِ هُنَا بِاعْتِبَارِ لَازِمِهَا وَهُوَ زِيَادَةُ الْقُوَّةِ وَمِنْ هُنَا عَبَّرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ عَنْ زِيَادَةِ الْوُضُوحِ بِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْوُضُوحِ إنَّمَا هِيَ مَطْلُوبَةٌ لِلَازِمِهَا هَذَا لَا لِنَفْسِهَا ثُمَّ الْمَنْعُ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا بَلَغَ مِنْ الْوُضُوحِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْغَيْرَ لَا مَعْنًى لِزِيَادَةِ الْوُضُوحِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ فِي اخْتِلَافِ مَرَاتِبِ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ فِي الْأَوْضَحِيَّةِ بَعْدَ اتِّفَاقِهَا فِي الْوُضُوحِ وَإِنْ بَلَغَتْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ. وَيُؤَكِّدُهُ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَنَّ فِي تَرَادُفِ الْمُؤَكِّدَاتِ لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ زِيَادَةِ الْجَلَاءِ لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ يَشْهَدُ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ التَّلْوِيحِ فَإِنَّهُ فِيهِ صَرِيحٌ ثُمَّ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ عِبَارَةً عَمَّا ذَكَرْنَا (فَهِيَ مُتَبَايِنَةٌ) لِأَنَّ فِي كُلٍّ قَيْدًا يُضَادُّ مَا فِي الْآخَرِ فَلَا تَجْتَمِعُ فِي لَفْظٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٌ (وَلَا يَمْتَنِعُ الِاجْتِمَاعُ) أَيْ اجْتِمَاعُ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ (فِي لَفْظٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا سِيقَ لَهُ وَعَدَمِهِ) أَيْ فِي لَفْظٍ لَهُ مَعْنَيَانِ سِيقَ لِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يُسَقْ لِلْآخَرِ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ نَصًّا وَإِلَى الثَّانِي ظَاهِرًا (كَمَا تُفِيدُهُ الْمُثُلُ) لَهُمَا مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فَإِنَّهُ (ظَاهِرٌ

فِي الْإِبَاحَةِ) لِلْبَيْعِ (وَالتَّحْرِيمُ) لِلرِّبَا (إذْ لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ) أَيْ لَهُمَا مِنْ حَيْثُ هُمَا وَقَدْ فُهِمَا مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هُمَا ظَاهِرٌ كَمَا أَنَّهُ (نَصٌّ) فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا بِحِلِّ الْبَيْعِ وَتَحْرِيمِ الرِّبَا (بِاعْتِبَارٍ خَارِجٍ هُوَ رَدُّ تَسْوِيَتِهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ بَيْنَ الرِّبَا وَالْبَيْعِ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ مَسُوقٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدَعُونَهَا بَلْ وَجَعَلُوا الرِّبَا أَصْلًا فِي مُسَاوَاةِ الْبَيْعِ لَهُ فِي الْحِلِّ مُبَالَغَةً مِنْهُمْ فِي اعْتِقَادِ حِلِّهِ فَقَالُوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ} [النساء: 3] الْآيَةَ ظَاهِرٌ فِي الْحِلِّ) أَيْ حِلِّ النِّكَاحِ بِلَا قَيْدٍ بِعَدَدٍ لِفَهْمِهِ مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ مَعَ كَوْنِ الْكَلَامِ غَيْرَ مَسُوقٍ لَهُ كَمَا تَعْلَمُ. (نَصٌّ) فِي الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الْأَرْبَعُ (بِاعْتِبَارٍ خَارِجٍ هُوَ قَصْرُهُ) أَيْ الْحِلِّ (عَلَى الْعَدَدِ إذْ السَّوْقُ لَهُ) أَيْ لِلْعَدَدِ فَإِنَّهُ - تَعَالَى - بَدَأَ بِذِكْرِ أَوَّلِ الْعَدَدِ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ مَا يَلِيهِ ثُمَّ مَا يَلِيهِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِبَيَانِ مَا لَيْسَ بِعَدَدٍ وَعَلَّقَهُ بِخَوْفِ الْجَوْرِ وَالْمَيْلِ حَيْثُ قَالَ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حِلَّ النِّكَاحِ كَانَ مَعْلُومًا قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا تُفِيدُهُ التَّفَاسِيرُ (فَيَجْتَمِعَانِ) أَيْ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ (دَلَالَةً) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ لَهُ مُطَابَقَةً وَالْتِزَامًا أَوْ تَضَمُّنًا وَالْتِزَامًا إذَا أَمْكَنَا فِيهِ (ثُمَّ الْقَرِينَةُ تُعَيِّنُ الْمُرَادَ بِالسَّوْقِ وَهُوَ) أَيْ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الْمَعْنَى (الِالْتِزَامِيُّ) لِذَلِكَ اللَّفْظِ (فَيُرَادُ الْآخَرُ) وَهُوَ الْمُطَابِقِيُّ أَوْ التَّضَمُّنِيُّ لَهُ مَدْلُولًا (حَقِيقِيًّا) لَهُ (لَا أَصْلِيًّا) أَيْ لَا مَعْنَى لَهُ مُرَادًا بِالسَّوْقِ ثُمَّ فَسَّرَ الْآخَرَ بِقَوْلِهِ (أَعْنِي الظَّاهِرِيَّ) وَإِنَّمَا كَانَ ظَاهِرِيًّا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ غَيْرُ مَسُوقٍ لَهُ، وَالظَّاهِرُ يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ (وَيَصِيرُ الْمَعْنَى النَّصِّيُّ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِمَجْمُوعِ الظَّاهِرَيْنِ) فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا فِي الْحِلِّ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ لِمَجْمُوعِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَكُلٌّ مِنْهُمَا ظَاهِرٌ فِي مَعْنَاهُ وَقِسْ عَلَى هَذَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِقَصْدِ إفَادَةِ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي لَفْظِ كَوْنِهِ ظَاهِرًا وَنَصًّا بِاعْتِبَارَيْنِ قَالَ فِي التَّقْسِيمِ: فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَبِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ النَّصُّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ إذَا أَمْكَنَ فِي لَفْظٍ الِاعْتِبَارَانِ كَانَ نَصًّا وَظَاهِرًا بِهِمَا (وَمِثَالُ انْفِرَادِ النَّصِّ) عَنْ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى " {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1] لِظُهُورِ مَفْهُومِهِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ مَعَ كَوْنِهِ مَسُوقًا لَهُ، وَاحْتِمَالُهُ التَّخْصِيصَ (وَكُلُّ لَفْظٍ سِيقَ لِمَفْهُومِهِ) مَعَ ظُهُورِهِ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَاحْتِمَالِهِ التَّخْصِيصَ أَوْ التَّأْوِيلَ (أَمَّا الظَّاهِرُ فَلَا يَنْفَرِدُ) عَنْ النَّصِّ (إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُسَاقَ اللَّفْظُ لِغَرَضٍ) فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيَّ فَهُوَ نَفْسُ النَّصِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمَعْنَى الظَّاهِرِيِّ فَلَمْ يَنْفَرِدْ الظَّاهِرُ (وَمَثَّلُوا) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ (الْمُفَسَّرَ كَالْمُتَقَدِّمِينَ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ} [الحجر: 30] الْآيَةَ وَيَلْزَمُهُمْ) أَيْ الْمُتَأَخِّرِينَ (أَنْ لَا يَصِحَّ) هَذَا مِثَالًا لَهُ (لِعَدَمِ احْتِمَالِ النَّسْخِ) ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا يَحْتَمِلُهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي (وَثُبُوتُهُ) أَيْ احْتِمَالِ النَّسْخِ (مُعْتَبَرٌ) فِي الْمُفَسَّرِ (لِلتَّبَايُنِ) أَيْ لِأَجْلِ تَبَايُنِ الْأَقْسَامِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ مُحْكَمٌ وَحِينَئِذٍ (فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْمُفَسَّرُ فِي مُفِيدِ حُكْمٍ) شَرْعِيٍّ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِنَسْخِ مَعْنَى اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ عَنْ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْمُفَسَّرَ " {الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] " مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى " فَسَجَدَ " وَلَا أَنَّ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ جَمْعٌ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ وَبِقَوْلِهِ: " كُلُّهُمْ " ازْدَادَ وُضُوحًا فَصَارَ نَصًّا وَبِقَوْلِهِ: " أَجْمَعُونَ " انْقَطَعَ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ فَصَارَ مُفَسَّرًا وَقَوْلُهُ: فَسَجَدَ إخْبَارٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ فَيَكُونُ مُحْكَمًا قُلْت: وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ الْمُفَسَّرُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُفْرَدِ بَلْ مِنْ أَقْسَامِ الْمُرَكَّبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُخْرِجُهُ هَذَا التَّقْسِيمُ ثُمَّ الْمِثَالُ الَّذِي لَا مُنَاقَشَةَ فِيهِ عَلَى رَأْيِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] لِأَنَّ كَافَّةً سَدَّ بَابَ التَّخْصِيصِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلنَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَلَيْسَ بِخَبَرٍ وَهَذَا (بِخِلَافِ الْمُحْكَمِ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِي مُفِيدِ حُكْمٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحُكْمِ (نَفْيُهُ) أَيْ احْتِمَالِ النَّسْخِ أَيْضًا فَوْقَ نَفْيِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ، وَنَفْيُ احْتِمَالِ النَّسْخِ يَصْدُقُ بِكَوْنِ الْمَعْنَى لَا يَحْتَمِلُ تَبْدِيلًا أَصْلًا كَمَا يَصْدُقُ بِكَوْنِهِ

يَحْتَمِلُهُ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ قَامَ دَلِيلُ انْتِفَائِهِ (وَالْأَوْلَى) فِي التَّمْثِيلِ (نَحْوُ «الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ» مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَلِكَوْنِهِ مُفِيدًا حُكْمًا شَرْعِيًّا عَمَلِيًّا غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلنَّسْخِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لَفْظٍ دَالٍ عَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلنَّسْخِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي نَفْسِهِ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ فَهُوَ لَيْسَ بِمُفِيدٍ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَمَلِيٍّ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُفِيدُ ذَلِكَ (وَالْمُتَقَدِّمُونَ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (الْمُعْتَبَرُ فِي الظَّاهِرِ ظُهُورُ) الْمَعْنَى (الْوَضْعِيِّ بِمُجَرَّدِهِ) أَيْ سَمَاعِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لَهُ سَوَاءٌ (سِيقَ) اللَّفْظُ (لَهُ) أَيْ لِمَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يُسَقْ لَهُ (وَ) الْمُعْتَبَرُ (فِي النَّصِّ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ مَعْنَى اللَّفْظِ مَسُوقًا لَهُ (مَعَ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ) وَهُوَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فَوُضِعَ الْمُظْهَرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِزِيَادَةِ تَمْكِينِهِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ سَوَاءٌ (احْتَمَلَ التَّخْصِيصَ) إنْ كَانَ عَامًّا (وَالتَّأْوِيلَ) إنْ كَانَ خَاصًّا (أَوْ لَا) يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهُمَا (وَ) الْمُعْتَبَرُ (فِي الْمُفَسَّرِ) بَعْدَ اشْتِرَاطِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ (عَدَمُ الِاحْتِمَالِ) لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ (احْتَمَلَ النَّسْخَ أَوْ لَا) يَحْتَمِلُ. (وَ) الْمُعْتَبَرُ (فِي الْمُحْكَمِ عَدَمُهُ) أَيْ احْتِمَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ مُتَمَايِزَةٌ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، وَاعْتِبَارُ الْحَيْثِيَّةِ (مُتَدَاخِلَةٌ) بِحَسَبِ الْوُجُودِ فَيَجُوزُ صِدْقُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْبَاقِيَةِ لَا مُتَبَايِنَةٌ (وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي الْمُفَسَّرِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ النَّسْخَ سَنَدٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي التَّبَايُنِ) بَيْنَ الْأَقْسَامِ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلتَّبَايُنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحْكَمِ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْبَاقِيَةِ (إذْ لَا فَصْلَ بَيْنَ الْأَقْسَامِ) فِي التَّبَايُنِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ بَعْضَهَا مُتَبَايِنٌ، وَبَعْضُهَا مُتَدَاخِلٌ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِقَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ هَذَا (يَبْعُدُ نَفْيُ التَّبَايُنِ عَنْ كُلِّ الْمُتَقَدِّمِينَ) عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ التَّلْوِيحِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ وَقَدْ أَفَادَ قَوْلُهُ هَذَا التَّبَايُنَ. (وَلِعَدَمِ التَّبَايُنِ) بَيْنَهَا عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ (مَثَّلُوا الظَّاهِرَ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا} [النساء: 1] {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] الْآيَةَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] الْآيَةَ (وَبِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعَ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ) أَيْ مَعَ ظُهُورِ مَعَانِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَظُهُورِ كَوْنِهَا مَسُوقَةً لِمَعَانٍ تُقْصَدُ بِهَا فَلَوْ قَالُوا بِالتَّبَايُنِ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ بِالسَّوْقِ وَعَدَمِهِ لَمْ يُمَثِّلُوا لِلظَّاهِرِ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ لِوُجُودِ السَّوْقِ فِيهَا (وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ) أَيْ صَاحِبُ الْبَدِيعِ (فِي) تَمْثِيلِ (النَّصِّ) عَلَى إبَاحَةِ الْعَدَدِ (عَلَى مَثْنَى إلَى رُبَاعَ) مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَعَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا بِحِلِّ الْبَيْعِ وَتَحْرِيمِ الرِّبَا عَلَى (وَحَرَّمَ الرِّبَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] (وَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ انْكِحُوا وَاسْمِ الْعَدَدِ) فِي الْآيَةِ (لَا يَسْتَقِلُّ نَصًّا) عَلَى إبَاحَةِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ (إلَّا بِمُلَاحَظَةِ الْآخَرِ) مِنْهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (فَالْمَجْمُوعُ) مِنْهُمَا هُوَ (النَّصُّ) عَلَى إبَاحَةِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ قُلْت: وَكَذَا كُلٌّ مِنْ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] لَا يَسْتَقِلُّ نَصًّا عَلَى التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا بِمُلَاحَظَةِ الْآخَرِ فَإِنَّمَا النَّصُّ عَلَيْهَا الْمَجْمُوعُ مِنْهُمَا (وَالشَّافِعِيُّ الظَّاهِرُ مَا) أَيْ لَفْظُ (لَهُ دَلَالَةٌ ظَنِّيَّةٌ) أَيْ رَاجِحَةٌ عَلَى مَعْنًى نَاشِئَةٌ (عَنْ وَضْعٍ) لَهُ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ صَارِفَةٌ عَنْهُ (أَوْ عُرْفٍ) عَامٍّ بِأَنْ يَكُونَ دَالًّا عَلَى مَا نُقِلَ إلَيْهِ وَاشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ (كَالْغَائِطِ) لِلْخَارِجِ الْمُسْتَقْذَرِ مِنْ الْمَسْلَكِ الْمُعْتَادِ (وَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَنْقُولُ إلَيْهِ (مَجَازًا) لِلَّفْظِ (بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ) كَهَذَا الْمَعْنَى لِلْغَائِطِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ لَهُ لِأَنَّ مَجَازِيَّتَهُ اللُّغَوِيَّةَ لَا تُنَافِي ظَاهِرِيَّتَهُ الْعُرْفِيَّةَ الْعَامَّةَ، أَوْ عُرْفٌ خَاصٌّ كَالصَّلَاةِ لِلْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الشَّرْعِ فَيَخْرُجُ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ النَّصُّ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُشْتَرَكُ لِأَنَّ دَلَالَتَهُمَا مُسَاوِيَةٌ، وَالْمُؤَوَّلُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مَرْجُوحَةٌ (وَيَسْتَلْزِمُ) الظَّاهِرُ (احْتِمَالًا مَرْجُوحًا) لِغَيْرِ مَعْنَاهُ بِالضَّرُورَةِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ: الظَّاهِرُ هُوَ الَّذِي يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا (فَالنَّصُّ قِسْمٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ بِهَذَا الْمَعْنَى (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ)

وَالْأَوْلَى فَالنَّصُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قِسْمٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَيْدٌ لِلنَّصِّ. (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ الظَّاهِرِ (مَا كَانَ سَوْقُهُ لِمَفْهُومِهِ) الْمُطَابِقِيِّ فَهُوَ نَصٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِظُهُورِهِ فِيهِ، وَسَوْقُهُ لَهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِغَرَضِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ دَلَالَةً رَاجِحَةً عَنْ وَضْعٍ أَوْ عُرْفٍ وَيَنْفَرِدُ ظَاهِرُهُمْ عَنْ نَصِّ الْحَنَفِيَّةِ فِي لَفْظٍ لَهُ مَعْنًى مُطَابِقِيٌّ لَمْ يُسَقْ لَهُ وَالْتِزَامِيٌّ سِيقَ لَهُ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا وَقَدْ ظَهَرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ظَاهِرُ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا سِيقَ لَهُ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَمْ يُسَقْ لَهُ فَصَدَقَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ نَصٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهَذَا إذَا أُرِيدَ بِالْمَعْنَى الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ الظَّاهِرِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُطَابِقِيِّ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِلَّا فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيُّ فَالْوَجْهُ مَا كَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَهُوَ مَا لَفْظُهُ، وَهُوَ قِسْمٌ مِنْ النَّصِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ الظَّاهِرُ بِهَذَا الْمَعْنَى قِسْمٌ مِنْ النَّصِّ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَفَادَهُ حَاشِيَةٌ عَلَيْهِ أَنَّ النَّصَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ وَعُرِفَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِهِ وَلَا يُشْكِلُ أَنَّهُ قَدْ يُقْصَدُ بِسَوْقِ اللَّفْظِ إفَادَةُ مَعْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْغَرَضَ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا مَرَّ مِنْ الْقَصْدِ إلَى رَدِّ التَّسْوِيَةِ فَلَزِمَ انْقِسَامُ النَّصِّ قِسْمَيْنِ اهـ. (وَإِنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ (فِي قَطْعِيَّةِ دَلَالَتِهِ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ مِنْ ظَاهِرِ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِي هُوَ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ نَصِّ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ النُّسْخَةُ أَوَّلًا (وَظَنِّيَّتُهَا) أَيْ دَلَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ: قَطْعِيَّةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: ظَنِّيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ لِاخْتِلَافِ مُرَادِهِمْ بِالْقَطْعِيَّةِ وَالظَّنِّيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ: (وَالْوَجْهُ أَنَّهُ) وَالْأَحْسَنُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ اخْتِلَافَهُمْ (لَفْظِيٌّ فَالْقَطْعِيَّةُ لِلدَّلَالَةِ وَالظَّنِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ الْإِرَادَةِ فَلَا اخْتِلَافَ) فَمُرَادُ الْحَنَفِيَّةِ الْقَطْعُ بِثُبُوتِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى وَلَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ؛ إذْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِوَضْعِهِ لِلْمَعْنَى يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهِ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنَى الدَّلَالَةِ، وَمُرَادُ الشَّافِعِيَّةِ ظَنُّ إرَادَةِ الْمَعْنَى بِاللَّفْظِ فَإِنَّ الْفَهْمَ عَنْ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ، وَإِنْ ثَبَتَ قَطْعًا لَكِنْ كَوْنُ الْمَعْنَى مُرَادًا غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُرَادِ غَيْرَ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ فَلَا خِلَافَ كَمَا لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْوَضْعِيِّ مَا لَمْ يَنْفِهِ دَلِيلٌ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قُلْت: وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ الْقَطْعُ بِالْإِرَادَةِ أَيْضًا تَبَعًا لِلْقَطْعِ بِالدَّلَالَةِ حَيْثُ لَا مُوجِبَ لِلْمُخَالَفَةِ، وَأَنَّ هَذَا التَّجْوِيزَ لِكَوْنِهِ لَا عَنْ دَلِيلٍ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِلْقَطْعِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (وَاسْتَمَرُّوا) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (عَلَى إيرَادِ الْمُؤَوَّلِ قَرِينًا لَهُ) أَيْ لِلظَّاهِرِ وَسَيُعْرَفُ تَعْرِيفُ الْمُؤَوَّلِ (فَيُقَالُ: الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ كَالْخَاصِّ وَالْعَامِّ لِإِفَادَةِ الْمُقَابَلَةِ فَيَلْزَمُ فِي الظَّاهِرِ عَدَمُ الصَّرْفِ) عَنْ مَعْنَاهُ كَمَا يَلْزَمُ فِي الْمُؤَوَّلِ الصَّرْفُ عَنْهُ تَحْقِيقًا لِلْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ (اجْتَمَعَا) أَيْ الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ لَكِنْ بِاعْتِبَارَيْنِ لِإِمْكَانِهِ حِينَئِذٍ فَالْمَنْقُولُ لِعَلَاقَةٍ، وَلَمْ يَشْتَهِرْ كَالْأَسَدِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي مُؤَوَّلَةٌ، وَإِنْ اُشْتُهِرَ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَنْقُولِ كَالصَّلَاةِ فَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ (إذْ) اللَّفْظُ (الْمَصْرُوفُ) عَنْ مَعْنَاهُ الرَّاجِحِ إلَى مَعْنًى مَرْجُوحٍ (لَا تَسْقُطُ دَلَالَتُهُ عَلَى الرَّاجِحِ) أَيْ عَلَى الْمَعْنَى الرَّاجِحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد: 38] (فَيَكُونُ) الْمَصْرُوفُ (بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ كَوْنِهِ دَالًّا عَلَى الرَّاجِحِ (ظَاهِرًا وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ بِإِرَادَةِ الْمَرْجُوحِ مُؤَوَّلًا) قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الظَّاهِرِ عَدَمُ الصَّرْفِ أَصْلًا، وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي الْحَقَائِقِ لَا غَيْرُ بَلْ قَدْ وَقَدْ وَلَا ضَيْرَ فِي الِاجْتِمَاعِ بِاعْتِبَارَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ تَقَابُلَهُمَا اعْتِبَارِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ (وَتَقَدَّمَ الْمُؤَوَّلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ ظَنِّيٌّ فَمُؤَوَّلٌ (وَلَا يُنْكِرُ إطْلَاقَهُ) أَيْ الْمُؤَوَّلِ (عَلَى الْمَصْرُوفِ) عَنْ ظَاهِرِهِ بِمُقْتَضًى (أَيْضًا أَحَدٌ) فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ حَنَفِيٌّ وَلَا شَافِعِيٌّ (وَالنَّصُّ) عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى (بِلَا احْتِمَالٍ) لِغَيْرِهِ فَيُوَافِقُ مَا فِي الْمَنْخُولِ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالٌ لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ كَمَا فِي

الْمُسْتَصْفَى لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ احْتِمَالَهُ النَّسْخَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ النَّصِّيَّةِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ مَا دَلَّ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (كَالْمُفَسَّرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا النَّصِّ) عِنْدَهُمْ (فَإِنَّهُ) أَيْ النَّصَّ عِنْدَهُمْ (يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ) بِاتِّفَاقِهِمْ (وَعَلِمْت) قَرِيبًا (أَنَّهُ) أَيْ احْتِمَالَهُ الْمَجَازَ (لَا يُنَافِي الْقَوْلَ بِقَطْعِيَّتِهِ) أَيْ النَّصِّ بِخِلَافِ الْمُفَسَّرِ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ بِتَخْصِيصٍ وَلَا بِتَأْوِيلٍ فَالنَّصُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الْمُفَسَّرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (وَقَدْ يُفَسِّرُونَ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (الظَّاهِرَ بِمَا لَهُ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ فَالنَّصُّ) عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ (قِسْمٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ بِهَذَا الْمَعْنَى (عِنْدَهُمْ) لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْوَاضِحَةَ أَعَمُّ مِنْ الظَّنِّيَّةِ وَالْقَطْعِيَّةِ وَالْمُبَيَّنُ أَخَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْوَاضِحَةَ لَا تَقْتَضِي سَابِقَةَ احْتِيَاجٍ إلَى الْبَيَانِ ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فَانْتَفَى قَوْلُ الْكَرْمَانِيُّ فَلَا يَبْقَى حِينَئِذٍ فَرْقٌ بَيْنَ الْمُبَيَّنِ وَالظَّاهِرِ (وَالْمُحْكَمُ) عِنْدَهُمْ (أَعَمُّ) مِنْ الظَّاهِرِ، وَالنَّصُّ (يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُنَافِي التَّأْوِيلَ أَيْضًا فَهُوَ) أَيْ الْمُحْكَمُ (عِنْدَهُمْ مَا اسْتَقَامَ نَظْمُهُ لِلْإِفَادَةِ وَلَوْ بِتَأْوِيلٍ) وَعِبَارَةُ السُّبْكِيّ الْمُتَّضِحُ الْمَعْنَى (وَالْحَنَفِيَّةُ أَوْعَبُ وَضْعًا لِلْحَالَاتِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ؛ وَلِذَا كَثُرَتْ الْأَقْسَامُ عِنْدَهُمْ، فَكَانَتْ أَقْسَامُ مَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ أَرْبَعَةً مُتَبَايِنَةً عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ إلَّا قِسْمَانِ فِي الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْمُحْكَمَ أَعَمُّ مِنْ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْخَارِجِ مُحْكَمٌ غَيْرُ نَصٍّ وَلَا ظَاهِرٍ بَلْ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْمُحْكَمُ أَحَدُهُمَا، وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَالَاتِ حَالَةُ احْتِمَالِ غَيْرِ الْوَضْعِيِّ، وَحَالَةُ سَوْقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ مَفْهُومِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَحَالَةُ عَدَمِ سَوْقِهِ لِمَفْهُومِهِ، وَحَالَةُ عَدَمِ احْتِمَالِ النَّسْخِ وَاحْتِمَالُهُ فَوَضَعُوا لِلَّفْظِ الدَّالِّ مَعَ كُلِّ حَالَةٍ أَوْ حَالَتَيْنِ اسْمًا (وَمَوْضِعُ الِاشْتِقَاقِ) لِأَسْمَائِهَا (يُرَجِّحُ قَوْلَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي الْمُحْكَمِ) أَنَّهُ مَا لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا وَلَا تَأْوِيلًا، وَلَا نَسْخًا لِمُنَاسَبَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِهِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ بَقِيَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ مُفَسَّرًا، وَفِي الْمَحْصُولِ الْمُفَسَّرُ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا مَا احْتَاجَ إلَى التَّفْسِيرِ وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ وَثَانِيهِمَا الْكَلَامُ الْمُبْتَدَأُ الْمُسْتَغْنِي عَنْ التَّفْسِيرِ لِوُضُوحِهِ اهـ. وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الْمُحْكَمَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَ مِنْهُ لَا يُخَالِفُهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَأَمَّا الْأَوَّلُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَفِي تَعْيِينِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ النِّسْبَةِ تَأَمُّلٌ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ أَكْثَرُ اسْتِيعَابًا لِوَضْعِ الْأَسْمَاءِ لِلَّفْظِ بِاعْتِبَارِ حَالَاتِهِ الْمُتَفَاوِتَةِ فِي الْوُضُوحِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ ثُمَّ هَذَا (تَنْبِيهٌ) عَلَى تَفْصِيلٍ وَتَمْثِيلٍ لِلتَّأْوِيلِ وَسَمَهُ بِهِ لِسَبْقِ الشُّعُورِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَالًا (وَقَسَّمُوا) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (التَّأْوِيلَ إلَى قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ وَمُتَعَذِّرٍ غَيْرِ مَقْبُولٍ قَالُوا وَهُوَ) أَيْ الْمُتَعَذِّرُ (مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُتَعَذِّرَ (لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِهِ) أَيْ التَّأْوِيلِ (وَهُوَ) أَيْ التَّأْوِيلُ مُطْلَقًا فَيَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ (حَمْلُ الظَّاهِرِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ) إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ أَصْلًا لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مَا يَحْتَمِلُهُ مَرْجُوحًا وَقَالُوا: حَمْلُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ التَّأْوِيلُ، وَتَعْيِينُ أَحَدِ مَدْلُولَيْ الْمُشْتَرَكِ لَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا، وَعَلَى الْمُحْتَمَلِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الظَّاهِرِ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَا يَكُونُ تَأْوِيلًا أَصْلًا، وَالْمَرْجُوحُ؛ لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مُحْتَمِلِهِ الرَّاجِحِ ظَاهِرٌ (إلَّا أَنْ يُعْرَفَ) التَّأْوِيلُ (بِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَقَطْ) فَيَكُونُ مِنْ أَقْسَامِهِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ (ثُمَّ ذَكَرُوا) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (مِنْ الْبَعِيدَةِ تَأْوِيلَاتٌ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرٍ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (أَيْ ابْتَدِئْ نِكَاحَ أَرْبَعٍ) أَيْ انْكِحْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَفَارِقْ بَاقِيَهُنَّ إنْ كُنْت تَزَوَّجْتهنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا (أَوْ أَمْسِكْ الْأَرْبَعَ الْأُوَلَ) وَفَارِقْ الْأَوَاخِرَ مِنْهُنَّ إنْ كُنْت عَقَدْت عَلَيْهِنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ لِوُقُوعِهِ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَ فَاسِدًا، وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّهُ كَمَا قَالَ (فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُخَاطَبَ بِمِثْلِهِ مُتَجَدِّدٌ فِي الْإِسْلَامِ بِلَا بَيَانٍ) لِهَذَا الْمَرَامِ الْخَفِيِّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَفْهَامِ؛ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ الْإِمْسَاكِ الِاسْتِدَامَةُ دُونَ الِاسْتِئْنَافِ، وَمِنْ الْفِرَاقِ انْقِطَاعُ النِّكَاحِ لَا عَدَمُ التَّجْدِيدِ مَعَ أَنَّهُ

لَمْ يُنْقَلْ تَجْدِيدٌ قَطُّ لَا مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ كَثْرَةِ إسْلَامِ الْكُفَّارِ الْمُتَزَوِّجِينَ، وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ وَأَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ: أَمْسِكْ أَيَّتَهُمَا شِئْت» مِثْلُهُ أَيْضًا أَيْ ابْتَدِئْ نِكَاحَ مَنْ شِئْت مِنْهُمَا إنْ كُنْت تَزَوَّجْتَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ يَبْطُلُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ فَقَطْ ثُمَّ هَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ لَمْ يُحْفَظْ فَقَدْ حُفِظَ مَعْنَاهُ، وَهُوَ اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْت كَمَا هُوَ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ مَنْ يَقُولُ مَعْنَى أَمْسِكْ هَذَا أَنَّهُ أَيْضًا مَعْنَى اخْتَرْ. ثُمَّ هَذَا (أَبْعَدُ) مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعَ وَجْهَيْ الْبُعْدِ الْمَاضِيَيْنِ وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِأَيَّتِهِمَا شِئْت فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] كَمَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ (إطْعَامُ طَعَامِ سِتِّينَ) مِسْكِينًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكْفِيرِ دَفْعُ حَاجَةِ الْمِسْكِينِ (وَحَاجَةُ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا حَاجَةُ سِتِّينَ) مِسْكِينًا فَإِذَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا عَنْهَا أَجْزَأَهُ، وَإِنَّمَا بَعُدَ؛ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ مَا لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْمُضَافِ، وَإِلْغَاءُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ (مَعَ إمْكَانِ قَصْدِهِ) أَيْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ (لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَتِهِمْ وَتَضَافُرِ قُلُوبِهِمْ) أَيْ تَظَاهُرِهَا وَتَعَاضُدِهَا (عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ) أَيْ لِلْمُكَفِّرِ (وَعُمُومِ الِانْتِفَاعِ) أَيْ وَشُمُولِ الْمَنْفَعَةِ لِلْجَمَاعَةِ (دُونَ الْخُصُوصِ) لِوَاحِدٍ. (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي نَحْوِ «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ) كَمَا هُوَ هَكَذَا فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلَى مَا فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (أَيْ مَالِيَّتُهَا) أَيْ الشَّاةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ إلَى مَالِيَّتِهَا كَالْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا بَعُدَ (إذْ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ الشَّاةُ) نَفْسُهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوَاجِبَ مَالِيَّتُهَا حِينَئِذٍ فَلَا تَجِبُ هِيَ فَلَا تَكُونُ مُجْزِئَةً وَهِيَ مُجْزِئَةٌ اتِّفَاقًا، وَأَيْضًا يَرْجِعُ الْمَعْنَى، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ إيجَابُ الشَّاةِ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ الشَّاةِ بِالْإِبْطَالِ (وَكُلُّ مَعْنًى اُسْتُنْبِطَ مِنْ حُكْمٍ فَأَبْطَلَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى ذَلِكَ الْحُكْمُ (بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ إبْطَالَ أَصْلِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِبُطْلَانِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ اجْتِمَاعُ صِحَّتِهِ وَبُطْلَانِهِ وَإِنَّهُ مُحَالٌ فَتَنْتَفِي صِحَّتُهُ فَيَكُونُ بَاطِلًا. (تَنْبِيهٌ) ثُمَّ إنَّمَا قَالَ فِي نَحْوِ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ لِجَرَيَانِ مِثْلِهِ فِي نَحْوِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَهَلُمَّ جَرًّا مِمَّا هُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَالِيَّةُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى لَا عَيْنُهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَيْضًا (وَمِنْهَا) أَيْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ لَهُمْ (حَمْلُ) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» إلَخْ) أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ (عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ) وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُنَّ (أَوْ) أَنْ فَنِكَاحُهَا (بَاطِلٌ أَيْ يَئُولُ إلَى الْبُطْلَانِ غَالِبًا لِاعْتِرَاضِ الْوَلِيِّ) بِمَا يُوجِبُهُ مِنْ عَدَمِ كَفَاءَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَاحِشٍ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (مَالِكَةٌ لِبُضْعِهَا) وَرِضَاهَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ (فَكَانَ) تَصَرُّفُهَا فِيهِ (كَبَيْعِ سِلْعَةٍ لَهَا) وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ إمَّا بِحَمْلِ عُمُومِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَلَى خُصُوصٍ مِنْهُ، وَهُوَ الْأَمَةُ قِنَّةً كَانَتْ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً، وَالْحُرَّةُ الصَّغِيرَةُ وَالْمَعْتُوهَةُ وَالْمَجْنُونَةُ مَعَ إبْقَاءِ: " بَاطِلٌ " عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِمَّا بِإِبْقَاءِ عُمُومِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مَعَ حَمْلِ: " بَاطِلٌ " عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِأَصْنَافِهَا وَالصَّغِيرَةِ الْعَاقِلَةِ لَيْسَ بَاطِلًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بَلْ مَوْقُوفٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ بَاطِلٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَحْمُولًا أَيْضًا عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ، وَهُوَ تَامٌّ فِيمَا عَدَا الْمَجْنُونَةَ وَالْمَعْتُوهَةَ لَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَهُمَا بَاطِلٌ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ الْمَهْرُوبُ مِنْهُ كَمَا يَلْزَمُ أَيْضًا فِي إبْقَاءِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَلَى الْعُمُومِ وَإِبْقَاءِ " بَاطِلٌ " عَلَى حَقِيقَتِهِ وَسَيَأْتِي فِي هَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ أَوْجَهُ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى ثُمَّ إنَّمَا بَعُدَ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ ظُهُورَ قَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّعْمِيمَ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ (مَعَ إمْكَانِ قَصْدِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُمُومَ (لِمَنْعِ اسْتِقْلَالِهَا بِمَا لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ اسْتِقْلَالُهَا بِهِ)

فَإِنَّ نِكَاحَهَا مِنْهُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الْعُرْفُ (وَمِنْهَا) أَيْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ (حَمْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ مَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» عَلَى الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْرَدَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِسَنَدِهِ فِي بَحْثِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَرَجَّحَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ الْمَوْقُوفَ اهـ مُخْتَصَرًا ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مَبَاحِثِ الْمُؤَوَّلِ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُخْرِجْهُ شَيْخُنَا كَذَلِكَ بَلْ سَاقَهُ بِأَلْفَاظِ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَخْرَجَ لَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ انْقَلَبَ الْإِسْنَادُ عَلَى رِوَايَةِ " فَإِنَّهُ " أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ فَقَالَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَسَاقَهُ بِلَفْظِ «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قُلْت: لَكِنَّ الرَّاوِيَ عَنْ الْمُفَضَّلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ جِدًّا اهـ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَرَوْهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الضَّعِيفَ رَاجَعَ سُنَنَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ فَلَمْ يَرَهُ فِيهِمَا بِهَذَا اللَّفْظِ نَعَمْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِأَلْفَاظٍ مِنْهَا لَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ الَّذِي قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ حَيْثُ يَكُونُ مِنْ رِجَالِهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ فَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ،. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ،. وَقَالَ أَحْمَدُ: سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرْجِ فِي الضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ وَإِنَّمَا بَعُدَ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِمَا وُجُوبُهُ بِعَارِضٍ نَادِرٍ (وَحَمْلُهُمْ) أَيْ وَمِنْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ حَمْلُهُمْ {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] (عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ ذِي الْقُرْبَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ) مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ (سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ حَاجَتِهِ، وَلَا خَلَّةَ مَعَ الْغَنِيِّ وَإِنَّمَا بَعُدَ لِتَعْطِيلِ لَفْظِ الْعُمُومِ (مَعَ ظُهُورِ أَنَّ الْقَرَابَةَ) الَّتِي لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَدْ تُجْعَلُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ مَعَ الْغِنَى تَشْرِيفًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَّ بَعْضُهُمْ) كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ (حَمْلَ) الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] الْآيَةَ عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ) لَهَا حَتَّى يَجُوزَ الصَّرْفُ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَوَاحِدٌ مِنْهُ فَقَطْ لَا الِاسْتِحْقَاقُ حَتَّى يَجِبَ الصَّرْفُ إلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ أَيْضًا لِكَوْنِ اللَّامِ ظَاهِرًا فِي الْمِلْكِيَّةِ. ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنَّفُ فِي الْجَوَابِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ تَرْتِيبِهَا فَقَالَ (وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنْ بُعْدَ التَّأْوِيلِ لَا يَقْدَحُ فِي الْحُكْمِ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى) الدَّلِيلِ (الْمُرَجِّحِ) لِلتَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ الظَّاهِرِ لِيَصِيرَ بِهِ رَاجِحًا عَلَيْهِ، وَإِذَا تَمَهَّدَ هَذَا (فَأَمَّا الْأَخِيرُ) وَهُوَ بَعْدَ حَمْلِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ لَهَا (فَدُفِعَ بِأَنَّ السِّيَاقَ، وَهُوَ رَدٌّ لَمْزِهِمْ) أَيْ طَعْنِهِمْ وَعَيْبِهِمْ (الْمُعْطَيْنَ وَرِضَاهُمْ عَنْهُمْ إذَا أَعْطَوْهُمْ وَسَخَطَهُمْ إذَا مُنِعُوا يَدُلُّ أَنَّ الْمَقْصُودَ) مِنْ قَوْلِهِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] الْآيَةَ (بَيَانُ الْمَصَارِفِ لِدَفْعِ وَهَمِ أَنَّهُمْ) أَيْ الْمُعْطِينَ (يَخْتَارُونَ فِي الْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ) وَتَقْرِيرُهُ هَكَذَا مُوَافِقٌ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَهُوَ رَدُّ لَمْزِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِضَاهُمْ عَنْهُ إذَا أَعْطَاهُمْ وَسَخَطِهِمْ إذَا لَمْ يُعْطِهِمْ لِأَنَّ النَّصَّ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58] إلَخْ ثُمَّ مِنْ الدَّافِعِينَ بِهَذَا الْغَزَالِيُّ (وَرُدَّ) هَذَا الدَّفْعُ (بِأَنَّهُ) أَيْ السِّيَاقَ (لَا يُنَافِي الظَّاهِرَ) أَيْ ظَاهِرَ اللَّامِ (أَيْضًا مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يُصْرَفُ) السِّيَاقُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ فَلْيَكُنْ لَهُمَا جَمِيعًا كَمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ) أَيْ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] الْآيَةَ (مِنْ الْعُمُومِ) أَيْ عُمُومِ الصَّدَقَاتِ وَعُمُومِ الْفُقَرَاءِ وَالْبَاقِي بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ يَسْتَحِقُّهَا جَمِيعُ الْفُقَرَاءِ وَمَنْ شَارَكَهُمْ (مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا) لِتَعَذُّرِهِ وَمَنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ (وَلِتَعَذُّرِهِ) أَيْ الْعُمُومِ الْمَذْكُورِ (حَمَلُوهُ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ الْعُمُومَ فِيهِمْ (عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) مِنْ الثَّمَانِيَةِ إذَا كَانَ الْمُفَرِّقُ لِلزَّكَاةِ غَيْرَ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ وَوُجِدُوا (وَهُوَ) أَيْ حَمْلُهُمْ هَذَا (بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ) فِي

الْفُقَرَاءِ وَمَنْ شَارَكَهُمْ (مُرَادٌ مَعَ اللَّامِ وَالِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِغْرَاقُ (مُنْتَفٍ) فَتَبْقَى الْجَمْعِيَّةُ، وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ وَرُدَّ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ كَمَا فِي لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَإِلَّا لَغَا التَّعْرِيفُ لِحَمْلِ لَا أَتَزَوَّجُ نِسَاءً عَلَى ثَلَاثَةٍ (وَكَوْنُهُ) أَيْ اللَّامِ (لِلتَّمْلِيكِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ أَبْعَدُ يَنْبُو عَنْهُ الشَّرْعُ، وَالْعَقْلُ) إذْ لَا تَمْلِيكَ إلَّا لِمُعَيَّنٍ مَعَ عَدَمِهِ تَأْتِيهِ فِي {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] لِعَدَمِ اللَّامِ وَعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْمِلْكِ فِي الظَّرْفِ (فَالْمُسْتَحِقُّ اللَّهُ - تَعَالَى - وَأَمَرَ بِصَرْفِ مَا يَسْتَحِقُّهُ إلَى مَنْ كَانَ مِنْ الْأَصْنَافِ فَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْأَصْنَافُ (بِهَذَا) الْقَدْرِ وَهُوَ أَمْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِصَرْفِ مَا يَسْتَحِقُّهُ إلَيْهِمْ (مُسْتَحِقِّينَ فَبِلَا مِلْكٍ وَدُونَ اسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةَ) عَلَى زَوْجِهَا لِتَعَيُّنِهَا دُونَهُمْ (وَلَا تَمْلِكُ) النَّفَقَةَ (إلَّا بِالْقَبْضِ) . فَكَذَا الزَّكَاةُ لَا تُمْلَكُ بِدُونِهِ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِأَحَدٍ إلَّا بِالصَّرْفِ إلَيْهِ (وَلَنَا آثَارٌ صِحَاحٌ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ صَرِيحَةٌ فِيمَا قُلْنَا) كَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرِيُّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَحُذَيْفَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ رَوَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرِيُّ (وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ (خِلَافُهُ) أَيْ مَا قُلْنَا (وَلَا رَيْبَ فِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ) وَكَيْفَ لَا. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ الذَّهَبِيَّةَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا مُعَاذٌ مِنْ الْيَمَنِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ فَقَطْ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ وَزَيْدِ الْخَيْرِ ثُمَّ أَتَاهُ مَالٌ آخَرُ فَجَعَلَهُ فِي صِنْفِ الْغَارِمِينَ فَقَطْ حَيْثُ قَالَ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ حِينَ أَتَاهُ وَقَدْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ كَفَالَةً أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَك بِهَا» وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ «أَنَّهُ أَمَرَ لَهُ بِصَدَقَةِ قَوْمِهِ» وَأَمَّا شَرْطُ الْفَقْرِ) فِي ذِي الْقُرْبَى (فَقَالُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ أَوْسَاخَ النَّاسِ إلَى قَوْلِهِ وَعَوَّضَكُمْ عَنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ» وَالْمُعَوَّضُ عَنْهُ) الَّذِي هُوَ الزَّكَاةُ إنَّمَا هُوَ (لِلْفَقِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ حَقٌّ فِيهِ لَا لِلْغَنِيِّ إلَّا بِعَارِضِ عَمَلٍ عَلَيْهَا فَكَذَا الْعِوَضُ وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُحْفَظْ نَعَمْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ «أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ إنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ الْأَيْدِي، وَإِنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ لِمَا يُغْنِيكُمْ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ فَجُعِلَ لَهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ وَفِي كَوْنِ هَذِهِ مُفِيدَةً كَوْنَهُ عِوَضًا عَنْهَا لِمَنْ كَانَ مَصْرِفًا لَهَا لَا غَيْرُ نَظَرٌ. فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَفْظُ الْعِوَضِ إنَّمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ التَّابِعِينَ ثُمَّ كَوْنُ الْعِوَضِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضُ مَمْنُوعٌ، وَقَالَ هُنَا قَالُوا: وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إلَى اسْتِوَاءِ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ فِيهِ لَكِنْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَأَمَّا الْأَوَّلَانِ) وَهُمَا مَسْأَلَتَا إسْلَامِ الرَّجُلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَإِسْلَامِهِ عَلَى أُخْتَيْنِ (فَالْأَوْجَهُ خِلَافُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ) الْمَاضِي كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (وَهُوَ) أَيْ خِلَافُ قَوْلِهِمْ (قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ) وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْأُولَى يَخْتَارُ أَيَّ أَرْبَعٍ شَاءَ مِنْهُنَّ وَيُفَارِقُ مَا عَدَاهُنَّ وَفِي الثَّانِيَةِ يَخْتَارُ أَيَّتَهُمْ. شَاءَ وَيُفَارِقُ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ إلَّا أَنَّ فِي الْمَبْسُوطِ: وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ: لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَانَ الْجَوَابُ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَوَجْهُ كَوْنِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْجَهَ عُرِفَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَا يَدْفَعُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ «وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ الثَّقَفِيِّ اخْتَرْ أَرْبَعًا، وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ» يَحْتَمِلُ اخْتَرْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَيَحْتَمِلُ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ اخْتَرْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَالْحَدِيثُ حِكَايَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ نَعَمْ إنْ تَمَّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَتْ قَالَ مَكْحُولٌ: كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ

مَعْنَاهُ قَبْلَ نُزُولِ حُرْمَةِ الْجَمْعِ فَوَقَعَتْ الْأَنْكِحَةُ صَحِيحَةً مُطْلَقًا ثُمَّ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاخْتِيَارِ الْأَرْبَعِ لِتَجْدِيدِ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ، وَلَمَّا كَانَتْ الْأَنْكِحَةُ صَحِيحَةً فِي الْأَصْلِ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَطَلِّقْ سَائِرَهُنَّ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ اهـ لَمْ يَحْتَاجَا إلَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَاتُّجِهَ قَوْلُهُمَا عَلَى قَوْلِهِ: لَكِنْ الشَّأْنُ فِي ذَلِكَ وَكَيْفَ وَغَيْلَانُ أَسْلَمَ يَوْمَ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ تَمَامَ هَذَا الدَّفْعِ. (وَأَمَّا) حَمْلُ (لَا صِيَامَ) الْحَدِيثَ عَلَى مَا ذُكِرَ (فَلِمُعَارِضٍ) لَهُ (صَحَّ فِي النَّفْلِ) وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ» ثُمَّ قُدِّمَ هَذَا لِرُجْحَانِهِ فِي الثُّبُوتِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مُثْبِتٌ وَذَاكَ نَافٍ (وَفِي رَمَضَانَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالرُّؤْيَةِ) أَيْ وَصَحَّ فِي أَدَاءِ صِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ» كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (قَالَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ» وَهُوَ) أَيْ الصَّوْمُ الْمَأْمُورُ بِهِ (بَعْدَ تَعَيُّنِ الشَّرْعِيِّ) فِيهِ (مَقْرُونٌ بِدَلَالَةٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا أَيْضًا (أَنَّهُ) أَيْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ «مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ» ) وَالْمَحْفُوظُ مَا تَقَدَّمَ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا ضَيْرَ (فَلَوْ اتَّحَدَ حُكْمُ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ) أَيْ الْأَكْلِ (فِيهِ) أَيْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ صِيَامِهِ شَرْعًا (لَقَالَ: لَا يَأْكُلْ أَحَدٌ) لِأَنَّ فِيهِ مَعَ الِاخْتِصَارِ نَفْيَ ظَنِّ مُخَالَفَةِ الْقِسْمَيْنِ فِي الْحُكْمِ. (ثُمَّ هُوَ) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَقْتَئِذٍ (وَاجِبٌ مُعَيَّنٌ) لِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا رَمَضَانُ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَذَلِكَ (فَلَمْ يَبْقَ) تَحْتَ لَا صِيَامَ (إلَّا) الصِّيَامُ (غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَعَمِلُوا بِهِ) أَيْ بِلَا صِيَامٍ (فِيهِ) أَيْ الصِّيَامِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ (مِنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ) وَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ التَّطَوُّعِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الصَّنِيعُ (أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ بَعْضِ الْأَدِلَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ) كَهَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ أَوْلَى مِنْ الْإِهْمَالِ (وَأَمَّا النِّكَاحُ) أَيْ كَوْنُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (فَلِضَعْفِ الْحَدِيثِ بِمَا صَحَّ مِنْ إنْكَارِ الزُّهْرِيِّ) الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى (رِوَايَتَهُ) أَيْ الْحَدِيثِ عَنْهُ فَقَدْ أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ. (وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَدِيٍّ) فَلَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ (فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَقُلْت لَهُ: إنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى حَدَّثَنَا بِهِ عَنْك فَقَالَ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهَمَ عَلَيَّ وَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَانَ) خَيْرًا (فَصَمَّمَ) الزُّهْرِيُّ عَلَى الْإِنْكَارِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظِ (فِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ) مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ (إنْكَارٌ) مِنْهُ لِرِوَايَتِهِ (لَا شَكَّ) فِيهَا حَتَّى لَا يَقْدَحَ فِي الْحَدِيثِ قُلْت فَيَنْتَفِي مَا ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ طَعَنَ فِي هَذَا الْمَحْكِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ إلَّا ابْنَ عُلَيَّةَ وَسَمَاعُ ابْنِ عُلَيَّةَ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ كُتُبَهُ عَلَى كُتُبِ ابْنِ أَبِي دَاوُد اهـ. فَإِنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ إمَامٌ حُجَّةٌ حَافِظٌ فَقِيهٌ كَبِيرُ الْقَدْرِ،. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَمَا أَحَدٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ إلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ إلَّا ابْنَ عُلَيَّةَ وَبِشْرَ بْنَ الْمُفَضَّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَذِبًا بَلْ مَا فِي الْمِيزَانِ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ كَانَ ابْنُ عُلَيَّةَ ثِقَةً وَرِعًا تَقِيًّا يُبْعِدُ هَذَا عَنْ ابْنِ مَعِينٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ أَحَدُ الْأَعْلَامِ الثِّقَاتِ مُجْمَعٌ عَلَى ثِقَتِهِ كَمَا لَا يَقْدَحُ فِي هَذَا أَيْضًا مَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ فَقَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ لَهُ كُتُبٌ مُدَوَّنَةٌ لَيْسَ هَذَا فِيهَا فَإِنَّ عَدَمَ ذِكْرِهِ فِيهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا عَنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعَ ثِقَةِ الرَّاوِي عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: الْأَشْبَهُ أَنَّ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهَمَ عَلَيَّ لَيْسَ جَزْمًا بِتَكْذِيبِهِ كَمَا أَنَّ مُجَرَّدَ نَفْيِ مَعْرِفَتِهِ لَيْسَ صَرِيحًا فِيهِ

فَلَا يَجْرِي فِيهِ مَا يَجْرِي فِي الْجَزْمِ الصَّرِيحِ بَلْ مَا يَجْرِي فِي النِّسْيَانِ عَلَى أَنَّهُ تَابَعَ سُلَيْمَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَهُمَا، وَإِنْ ضُعِّفَا فَمُتَابَعَتُهُمَا لَا تَعْرَى عَنْ تَأْيِيدٍ لِكَوْنِ ذَاكَ الْإِنْكَارِ نِسْيَانًا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ. (أَوْ لِمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَصَحُّ) مِنْهُ (رِوَايَةُ مُسْلِمٍ) وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» وَهِيَ) أَيْ الْأَيِّمُ لُغَةً (مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ حَقٌّ فِي نَفْسِهَا سِوَى التَّزْوِيجِ فَجَعَلَهَا) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَحَقَّ بِهِ) أَيْ بِالتَّزْوِيجِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَلِيِّ (فَهُوَ) أَيْ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ دَائِرٌ (بَيْنَ أَنْ يُحْمَلَ) بَاطِلٌ فِيهِ (عَلَى أَوَّلِ الْبُطْلَانِ أَوْ يُتْرَكَ) الْعَمَلُ بِهِ (لِلْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ) عَلَيْهِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْأَوَّلِ الْجَمْعُ بَيْنِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ لَقُدِّمَ عَلَى الثَّانِي لَكِنْ حَيْثُ لَزِمَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ تَعَيَّنَ الثَّانِي (وَأَمَّا الْحَمْلُ) لِ " أَيُّمَا امْرَأَةٍ (عَلَى الْأَمَةِ وَمَا ذُكِرَ) مَعَهَا كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ (فِي «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ) كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ (أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ) أَيْ نَفَاذُ قَوْلٍ (فَيَخْرُجُ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَمَا ذُكِرَ) مَعَهُمْ مِنْ الْمَجْنُونَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ مَنْ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ النِّكَاحِ عَلَى إذْنِهِ عَنْ الصِّحَّةِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ، وَيَدْخُلُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا وِلَايَةً (وَإِذْ دَلَّ) الْحَدِيثُ السَّابِقُ (الصَّحِيحُ عَلَى صِحَّةِ مُبَاشَرَتِهَا) أَيْ الْحُرَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِلنِّكَاحِ (لَزِمَ كَوْنُهُ) أَيْ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ (لِإِخْرَاجِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُرَاهِقَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ) وَالْمَجْنُونَةِ أَيْضًا بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ (وَتَخْصِيصُ الْعَامِّ لَيْسَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الْبَعِيدَةِ) وَكَيْفَ وَمَا مِنْ عَامٍّ إلَّا، وَقَدْ خُصَّ وَلَا سِيَّمَا (وَقَدْ أَلْجَأَ إلَيْهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ (الدَّلِيلُ) فَيَتَعَيَّنُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُخَصُّ حَدِيثُ أَيُّمَا امْرَأَةٍ بِمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ الْكُفْءِ وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ حَقِيقَتُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ مَا بَاشَرَتْهُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَوْ حُكْمُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُصَحِّحُهُ وَيُثْبِتُ لِلْوَلِيِّ حَقَّ الْخُصُومَةِ فِي فَسْخِهِ كُلُّ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي إطْلَاقَاتِ النُّصُوصِ، وَيَجِبُ ارْتِكَابُهُ لِدَفْعِ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهَا فَيَثْبُتُ مَعَ الْمَنْقُولِ الْوَجْهُ الْمَعْنَوِيُّ، وَهُوَ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا، وَهُوَ نَفْسُهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْمَالِ فَيَجِبُ تَصْحِيحُهُ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى (وَأَمَّا الزَّكَاةُ) أَيْ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ الْمُتَقَدِّمُ فِي الزَّكَاةِ (فَمَعَ الْمَعْنَى النَّصُّ) لَهُمْ فِيهِ (أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ الْمَعْنَى (فَلِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالدَّفْعِ إلَى الْفَقِيرِ إيصَالٌ لِرِزْقِهِمْ) أَيْ الْفُقَرَاءِ (الْمَوْعُودِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ رِزْقُهُمْ (مُتَعَدِّدٌ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَكِسْوَةٍ) وَغَيْرِهَا؛ إذْ الرِّزْقُ مَا يَسُوقُهُ اللَّهُ إلَى الْحَيَوَانِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ (فَقَدْ وَعَدَهُمْ) اللَّهُ (أَصْنَافًا) مِنْ الرِّزْقِ (وَأَمَرَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ مَالِهِ) عَزَّ وَجَلَّ (صِنْفٌ وَاحِدٌ أَنْ يُؤَدِّيَ مَوَاعِيدَهُ) تَعَالَى إلَى أَهْلِهَا (فَكَانَ) أَمْرُهُ بِذَلِكَ (إذْنًا بِإِعْطَاءِ الْقَيِّمِ) ضَرُورَةً (كَمَا فِي مِثْلِهِ مِنْ الشَّاهِدِ وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَمْرُ كَذَا (لَمْ تَبْطُلْ الشَّاةُ بَلْ) يَبْطُلُ (تَعَيُّنُهَا) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسُوغُ غَيْرُهَا مِمَّا هُوَ فِي مِقْدَارِ مَالِيَّتِهَا (وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ بُطْلَانِ تَعَيُّنِهَا (بُطْلَانُ عَدَمِ إجْزَاءِ غَيْرِهَا وَصَارَتْ مَحَلًّا) لِلدَّفْعِ (هِيَ وَغَيْرُهَا فَالتَّعْلِيلُ وَسِعَ الْمَحَلَّ) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لَا أَنَّهُ أَبْطَلَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ التَّعْلِيلُ) حَيْثُ كَانَ (إلَّا لِتَوْسِعَتِهِ) أَيْ الْمَحَلِّ (وَأَمَّا النَّصُّ فَمَا عَلَّقَ الْبُخَارِيُّ) فِي صَحِيحِهِ جَزْمًا (وَتَعْلِيقَاتُهُ) كَذَلِكَ (صَحِيحَةٌ) وَوَصَلَهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ (مِنْ قَوْلِ مُعَاذٍ ائْتُونِي بِخَمِيسٍ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا هُوَ الصَّوَابُ لَا الصَّادِ قَالَ الْخَلِيلُ: ثَوْبٌ طُولُهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: كِسَاءٌ قَيْسُهُ ذَا ثُمَّ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ سُمِّيَ بِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ أَوَّلُ مَنْ أَمَرَ بِعَمَلِهِ (أَوْ لَبِيسٍ) مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ الْمَلْبُوسِ الْخَلَقِ (مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ) وَمَا فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِأَنَسٍ الَّذِي رَفَعَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ

التقسيم الثالث للمفرد باعتبار الخفاء في الدلالة

بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا» الْحَدِيثَ فَانْتَقَلَ فِي الْقِيمَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ فَعَلِمْنَا أَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ خُصُوصَ عَيْنِ السِّنِّ الْمُعَيَّنِ، وَإِلَّا لَسَقَطَ إنْ تَعَذَّرَ أَوْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَدْفَعَهُ (فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الشَّاةِ وَالْجَذَعَةِ) وَغَيْرِهِمَا (كَانَ لِتَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَى أَرْبَابِ الْمَوَاشِي) مِنْ غَيْرِهَا (لَا لِتَعَيُّنِهَا: وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي الْكَفَّارَةِ مِثْلُهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهُمَا مَسْأَلَتَا إسْلَامِ الرَّجُلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَعَلَى أُخْتَيْنِ، وَهُوَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْجَهِ، وَإِنَّمَا الْأَوْجَهُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إذَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا لَا يُجْزِئُهُ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَغَايَةُ مَا يُعْطِيهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ بِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ يَتَكَرَّرُ الْمِسْكِينُ حُكْمًا فَكَانَ تَعَدُّدًا حُكْمًا، وَتَمَامُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُرَادٌ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ السِّتِّينَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَجَازٌ فَلَا مَصِيرَ إلَيْهِ إلَّا بِمُوجِبِهِ اهـ وَلَا مُوجِبَ لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ [التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ الْخَفَاء فِي الدَّلَالَةِ] (التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ) لِلْمُفْرَدِ (مُقَابِلُ) التَّقْسِيمِ (الثَّانِي) لَهُ؛ لِأَنَّهُ (بِاعْتِبَارِ الْخَفَاءِ) فِي الدَّلَالَةِ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَ بِاعْتِبَارِ الظُّهُورِ فِيهَا (فَمَا كَانَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ خَفَاءِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ اللَّفْظُ فِيهِ (يُعَارِضُ غَيْرَ الصِّيغَةِ فَالْخَفِيُّ) أَيْ فَاللَّفْظُ الَّذِي هُوَ مُتَّصِفٌ بِالْخَفَاءِ فِي مَعْنَى خَفِيَ هُوَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ فِيهِ بِسَبَبٍ عَارِضٍ لَهُ غَيْرِ صِيغَتِهِ هُوَ الْخَفِيُّ اصْطِلَاحًا وَقَيَّدَ بِغَيْرِ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ الْخَفَاءَ إذَا كَانَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ فَاللَّفْظُ أَحَدُ الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ، وَأُورِدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَفِيُّ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخَفَاءَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ فَوْقَ الْخَفَاءِ بِعَارِضٍ فَلَوْ كَانَ الْخَفِيُّ مَا يَكُونُ خَفَاؤُهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ لَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِ مَرَاتِبِ الْخَفَاءِ فَلَمْ يَكُنْ مُقَابِلًا لِلظَّاهِرِ (وَهُوَ) أَيْ الْخَفِيُّ (أَقَلُّهَا) أَيْ أَقْسَامِ هَذَا التَّقْسِيمِ (خَفَاءً كَالظَّاهِرِ فِي الظُّهُورِ) أَيْ كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي أَقَلُّ أَقْسَامِهِ ظُهُورًا (وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ الْخَفِيِّ اصْطِلَاحًا (لَفْظٌ) وُضِعَ (لِمَفْهُومٍ عَرَضَ فِيمَا) أَيْ فِي مَحَلٍّ (هُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلُّ (بِبَادِئِ الرَّأْيِ مِنْ أَفْرَادِهِ) أَيْ الْمَفْهُومِ (مَا) أَيْ عَارِضٌ (يَخْفَى بِهِ) أَيْ بِالْعَارِضِ (كَوْنُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ. (مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَفْرَادِهِ، وَيُوجِبُ اسْتِمْرَارَ ذَلِكَ الْخَفَاءِ الْعَارِضِ فِيهِ (إلَى قَلِيلِ تَأَمُّلٍ) فَيَزُولُ الْخَفَاءُ حِينَئِذٍ (وَيَجْتَمِعَانِ) الْخَفِيُّ، وَالظَّاهِرُ (فِي لَفْظٍ) وَاحِدٍ (بِالنِّسْبَةِ) إلَى مَفْهُومِهِ وَبَعْضُ الْمَحَالِّ (كَالسَّارِقِ ظَاهِرٌ فِي مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ) وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْآخِذُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مِقْدَارَهَا خِفْيَةً عَمَّنْ هُوَ مُتَصَدٍّ لِلْحِفْظِ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْمَالِ الْمُتَمَوَّلِ مِنْ حِرْزٍ بِلَا شُبْهَةٍ (خَفِيٌّ فِي النَّبَّاشِ) أَيْ آخِذِ كَفَنِ الْمَيِّتِ مِنْ الْقَبْرِ خُفْيَةً بِنَبْشِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ (وَالطَّرَّارِ) وَهُوَ الْآخِذُ لِلْمَالِ الْمَخْصُوصِ مِنْ الْيَقْظَانِ فِي غَفْلَةٍ مِنْهُ بِطُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ. وَإِنَّمَا خَفِيَ فِيهِمَا (لِلِاخْتِصَاصِ) أَيْ اخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمَا (بِاسْمٍ) غَيْرِ السَّارِقِ يُعْرَفُ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ فِي كَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِ السَّارِقِ (إلَى ظُهُورِ أَنَّهُ) أَيْ إلَى أَنْ يُتَأَمَّلَ قَلِيلًا فِي وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ (فِي الطَّرَّارِ لِزِيَادَةٍ) فِي الْمَعْنَى وَهُوَ حِذْقٌ فِي فِعْلِهِ وَفَضْلٌ فِي جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسَارِقُ الْأَعْيُنَ الْمُسْتَيْقِظَةَ الْمُرْصَدَةَ لِلْحِفْظِ لِغَفْلَةٍ وَالسَّارِقُ يُسَارِقُ النَّائِمَةَ أَوْ الْغَائِبَةَ (فَفِيهِ) أَيْ فَيَكُونُ فِي الطَّرَّارِ (حَدُّهُ) أَيْ السَّارِقِ (دَلَالَةً) أَيْ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ لِثُبُوتِهِ فِيهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ سَارِقٌ كَامِلٌ يَأْخُذُ مَعَ حُضُورِ الْمَالِكِ وَيَقَظَتِهِ فَلَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى السَّارِقِ مِمَّنْ انْقَطَعَ حِفْظُهُ بِعَارِضِ نَوْمِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ عَنْهُ (لَا قِيَاسًا) عَلَيْهِ حَتَّى يُورَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحُدُودَ لَا تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِهِ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةٍ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا غَيْرَ أَنَّ إطْلَاقَ قَطْعِهِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِيهِ تَفْصِيلٌ يُعْرَفُ فِي الْفِقْهِ. (وَالنَّبَّاشُ لِنَقْصٍ فَلَا) أَيْ وَأَنَّ الِاخْتِصَاصَ فِي النَّبَّاشِ لِنَقْصٍ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ قُصُورُ مَالِيَّةِ الْمَأْخُوذِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا تَجْرِي فِيهِ الرَّغْبَةُ وَالضِّنَةُ وَالْكَفَنُ

يَنْفِرُ عَنْهُ كُلُّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَفَنٌ بِهِ مَيِّتٌ إلَّا نَادِرًا مِنْ النَّاسِ مَعَ عَدَمِ مَمْلُوكِيَّتِهِ لِأَحَدٍ أَوْ تَحَقُّقِ شُبْهَةٍ فِيهَا وَنُقْصَانِ الْحِرْزِ وَعَدَمِ الْحَافِظِ لَهُ، وَإِنَّمَا يُسَارِقُ مَنْ لَعَلَّهُ يَهْجُمُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَارَّةِ غَيْرَ حَافِظٍ، وَلَا قَاصِدٍ فَلَا يُحَدُّ حَدَّ السَّرِقَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَانَ بِالْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ لَا يَفِي بِهَذَا فَمَا الظَّنُّ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ يَكُونُ تَعَدِّيهِ لِلْحُكْمِ الَّذِي فِي الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ بِالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ فِي الْفَرْعِ دُونَهُ فِي الْأَصْلِ، وَأَمَّا السَّمْعِيُّ فِي ذَلِكَ فَأَكْثَرُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنْ صَلَحَ مِنْهُ شَيْءٌ لِلْحُجِّيَّةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى وُقُوعِهِ سِيَاسَةً لِمُعْتَادِهِ لَا حَدًّا، وَبِهِ نَقُولُ ثُمَّ عَلَى الصَّحِيحِ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْقَبْرُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ لِمَا ذَكَرْنَا. (وَمَا) كَانَ مِنْ خَفَاءِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ اللَّفْظُ فِيهِ (لِتَعَدُّدِ الْمَعَانِي الِاسْتِعْمَالِيَّة) لِلَّفْظِ (مَعَ الْعِلْمِ بِالِاشْتِرَاكِ) أَيْ بِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهَا (وَلَا مُعَيِّنَ) لِأَحَدِهَا (أَوْ تَجْوِيزِهَا) أَيْ أَوْ مَعَ تَجْوِيزِ الْمَعَانِي الِاسْتِعْمَالِيَّة لِلَّفْظِ (مَجَازِيَّةً) لَهُ (أَوْ بَعْضِهَا) أَيْ أَوْ تَجْوِيزِ بَعْضِ الْمَعَانِي الِاسْتِعْمَالِيَّة لَهُ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ (إلَى تَأَمُّلٍ) بَعْدَ الطَّلَبِ فَذَلِكَ اللَّفْظُ (مُشْكِلٌ) اصْطِلَاحًا مِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ إذَا دَخَلَ فِي أَشْكَالِهِ وَأَمْثَالِهِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَصْدُقُ الْمُشْكِلُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ. قُلْنَا: نَعَمْ (وَلَا يُبَالِي بِصِدْقِهِ) أَيْ الْمُشْكِلِ (عَلَى الْمُشْتَرَكِ) فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْهُ لِعَدَمِ التَّنَافِي؛ إذْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ جِهَتَيْنِ (كَ أَنَّى) أَيْ مِثَالِ الْمُشْكِلِ لَفْظُ أَنَّى (فِي أَنَّى شِئْتُمْ) بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} [البقرة: 223] فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ (لِاسْتِعْمَالِهِ كَأَيْنَ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَنَّى لَكِ هَذَا} [آل عمران: 37] (وَكَيْفَ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة: 259] فَاشْتَبَهَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ عَلَى السَّامِعِ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ (إلَى أَنْ تُؤُمِّلَ) بَعْدَ الطَّلَبِ لَهُمَا وَالْوُقُوفِ عَلَيْهِمَا فِي مَوْقِعِهَا هَذَا (فَظَهَرَ الثَّانِي) وَهُوَ كَيْفَ دُونَ أَيْنَ (بِقَرِينَةِ الْحَرْثِ، وَتَحْرِيمِ الْأَذَى) أَيْ وَدَلَالَةِ تَحْرِيمِ الْقُرْبَانِ فِي الْأَذَى الْعَارِضِ وَهُوَ الْحَيْضُ فَإِنَّهُ فِي الْأَذَى اللَّازِمِ أَوْلَى فَيَقْتَضِي التَّخْيِيرَ فِي الْأَوْصَافِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ مُقْبِلَةً أَوْ مُدْبِرَةً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْتِيُّ وَاحِدًا وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ وَهُوَ أَنَّ الطَّلَبَ النَّظَرُ أَوَّلًا فِي مَعَانِي اللَّفْظِ وَضَبْطِهَا. وَالتَّأَمُّلُ اسْتِخْرَاجُ الْمُرَادِ مِنْهَا، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الطَّلَبَ كَمَا ذَكَرُوهُ لِاسْتِلْزَامِ التَّأَمُّلِ تَقَدُّمَ الطَّلَبِ عَلَيْهِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا أَشَدُّ خَفَاءً مِنْ الْخَفِيِّ، وَسَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَقَلُّ خَفَاءً مِنْ الْمُجْمَلِ وَالْمُتَشَابِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ مُقَابِلُهُ النَّصَّ (وَمَا) كَانَ مِنْ خَفَاءِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ اللَّفْظُ فِيهِ (لِتَعَدُّدٍ) فِي مَعْنَاهُ (لَا يُعْرَفُ) الْمُرَادُ مِنْهُ (إلَّا بِبَيَانٍ) مِنْ الْمُطْلَقِ (كَمُشْتَرَكٍ) لَفْظِيٍّ (تَعَذَّرَ تَرْجِيحُهُ) فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ (كَوَصِيَّةٍ لِمَوَالِيهِ) فَإِنَّ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ (حَتَّى بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ لِمَوَالِيهِ (فِيمَنْ لَهُ الْجِهَتَانِ) مَنْ أَعْتَقُوهُ وَمَنْ أَعْتَقَهُمْ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِبَقَاءِ الْمُوصَى لَهُ مَجْهُولًا بِنَاءً عَلَى تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ تَرْجِيحِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ وَإِلَّا فَهُنَا رِوَايَاتٌ مِنْهَا أَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ جَوَازَهَا وَتَكُونُ لِلْفَرِيقَيْنِ (أَوْ إبْهَامُ مُتَكَلِّمٍ) وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ أَوْ مَا أَبْهَمَ الْمُتَكَلِّمُ مُرَادَهُ مِنْهُ (لِوَضْعِهِ) أَيْ ذَلِكَ اللَّفْظِ (لِغَيْرِ مَا عُرِفَ) مُرَادًا مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ وَضْعِهِ (كَالْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالرِّبَا) الْمَوْضُوعَةِ لِلْمَعَانِي الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَهْلِهَا قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِالْوَضْعِ لَهَا. وَاللَّفْظُ الْغَرِيبُ قَبْلَ تَفْسِيرِهِ كَالْهَلُوعِ (مُجْمَلٌ) مِنْ أَجْمَلَ الْحِسَابَ رَدَّهُ إلَى الْجُمْلَةِ أَوْ الْأَمْرِ أَبْهَمَهُ ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا أَشَدَّ خَفَاءً مِنْ الْمُشْكِلِ لِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى مَعْنَاهُ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُجْمَلِ فَإِنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ كَانَ مُقَابِلُهُ الْمُفَسَّرَ (وَمَا) كَانَ مِنْ خَفَاءِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ اللَّفْظُ فِيهِ بِحَيْثُ (لَمْ يُرْجَ مَعْرِفَتُهُ فِي الدُّنْيَا مُتَشَابِهٌ) اصْطِلَاحًا مِنْ التَّشَابُهِ بِمَعْنَى الِالْتِبَاسِ (كَالصِّفَاتِ) الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ لِلَّهِ تَعَالَى (فِي نَحْوِ الْيَدِ) وَالْوَجْهِ الظَّاهِرُ

مِنْ نَحْوِ الْيَدِ (وَالْعَيْنِ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] (وَالْأَفْعَالِ كَالنُّزُولِ) الْوَارِدِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى الثُّلُثُ الْأَخِيرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ السَّمْعِيُّ الْقَاطِعُ عَلَى ثُبُوتِهِ لِلَّهِ - تَعَالَى - مَعَ الْقَطْعِ بِامْتِنَاعِ مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنْ تَفْوِيضِ عِلْمِهِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَالسُّكُوتِ عَنْ التَّأْوِيلِ مَعَ الْجَزْمِ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّنْزِيهِ وَاعْتِقَادِ عَدَمِ إرَادَةِ الظَّوَاهِرِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحُدُوثِ وَالتَّشْبِيهِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْأَسْلَمُ (وَكَالْحُرُوفِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ) ك الم وَص وَحم وَإِطْلَاقُ الْحُرُوفِ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ مَجَازٍ كَأَنَّهُ لِقَصْدِ رِعَايَةِ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ مَدْلُولَاتِهَا حُرُوفٌ ائْتِسَاءً بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُمْ أَوْ أُرِيدَ بِهَا الْكَلِمَاتُ مِنْ إطْلَاقِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ - تَعَالَى - اسْتَأْثَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِعِلْمِهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَوَكِيعٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهَا أَسْرَارٌ بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَرُمُوزٌ لَمْ يَقْصِدْ اللَّهُ بِهَا إفْهَامَ غَيْرِهِ؛ إذْ يَبْعُدُ الْخِطَابُ بِمَا لَا يُفِيدُ اهـ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اسْتِئْثَارَ اللَّهِ - تَعَالَى - بِعِلْمِهَا يَدْفَعُ كَوْنَهَا أَسْرَارًا بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ عَدَمُ عِلْمِ الْخَلْقِ بِمَعْنَاهَا لَا يُوجِبُ أَنْ لَا تُفِيدَ شَيْئًا وَأَنْ لَا يَكُونَ لِذِكْرِهَا مَعْنًى أَصْلًا؛ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَتُهُ طَلَبَ الْإِيمَانِ بِهَا وَأَنْ يَكُونَ التَّحَدِّي وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْإِعْجَازِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا أَشَدَّهَا خَفَاءً كَانَ مُقَابِلُهُ الْمُحْكَمَ ثُمَّ قِيلَ نَظِيرُ الْخَفِيِّ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ مَنْ اخْتَفَى مِنْ طَالِبِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرِ زِيِّهِ وَلَا اخْتِلَاطِهِ بَيْنَ أَشْكَالِهِ فَيَعْثُرُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّأَمُّلِ، وَنَظِيرُ الْمُشْكِلِ مَنْ اغْتَرَبَ عَنْ وَطَنِهِ وَدَخَلَ بَيْنَ أَشْكَالِهِ فَيَطْلُبُ مَوْضِعَهُ ثُمَّ يَتَأَمَّلُ فِي أَشْكَالِهِ لِيَقِفَ عَلَيْهِ. وَنَظِيرُ الْمُجْمَلِ مَنْ اغْتَرَبَ عَنْ وَطَنِهِ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَنَالُ بِالطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ بِدُونِ الْخَبَرِ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَنَظِيرُ الْمُشَابِهِ الْمَفْقُودُ الَّذِي لَا طَرِيقَ لِدَرْكِهِ أَصْلًا (وَظَهَرَ) مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ (أَنَّ الْأَسْمَاءَ الثَّلَاثَةَ) الْمُشْكِلَ وَالْمُجْمَلَ وَالْمُتَشَابِهَ لَمَّا سُمِّيَتْ بِهِ دَائِرَةٌ (مَعَ الِاسْتِعْمَالِ لَا) مُجَرَّدِ (الْوَضْعِ كَالْمُشْتَرَكِ) أَيْ كَمَا أَنَّ اسْمَ الْمُشْتَرَكِ يَدُورُ مَعَ مُجَرَّدِ وَضْعِهِ لِمَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا عَلَى الْبَدَلِ (وَالْخَفِيِّ) أَيْ وَاسْمِ الْخَفِيِّ (مَعَ عُرُوضِ التَّسْمِيَةِ وَالشَّافِعِيُّ مَا خَفِيَ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِنَفْسِ الصِّيغَةِ أَوْ بِعَارِضٍ عَلَيْهَا (مُجْمَلٌ، وَالْإِجْمَالُ فِي مُفْرَدٍ لِلِاشْتِرَاكِ) كَالْعَيْنِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ مَعَانِيهِ (أَوْ الْإِعْلَالِ) كَمُخْتَارٍ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِإِعْلَالِهِ بِقَلْبِ يَائِهِ الْمَكْسُورَةِ أَوْ الْمَفْتُوحَةِ أَلِفًا (أَوْ جُمْلَةِ الْمُرَكَّبِ) نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] لِتَرَدُّدِ جُمْلَةِ الْمُرَكَّبِ الَّتِي هِيَ الْمَوْصُولُ مَعَ صِلَتِهِ بَيْنَ الزَّوْجِ كَمَا حَمَلَهُ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ عَلَيْهِ. وَمِنْ حُجَّتِهِمْ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَلِيُّ الْعُقْدَةِ الزَّوْجُ وَبَيْنَ الْوَلِيِّ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ مَالِكٌ (وَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ) مِنْهُ إذَا تَقَدَّمَهُ أَمْرَانِ أَنْ يَصْلُحَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ قِيلَ: كَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ لِتَرَدُّدِ ضَمِيرِ جِدَارِهِ بَيْنَ عَوْدِهِ إلَى: " أَحَدُكُمْ " كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَجِدُ الْوَاضِعُ بُدًّا مِنْهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ لَهُ أَرْبَعَةُ حِيطَانٍ لَهُ مِنْهَا وَاحِدٌ وَالْبَاقِي لِغَيْرِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ إنْ امْتَنَعَ وَبَيْنَ عَوْدِهِ إلَى الْجَارِ نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إنْ امْتَنَعَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ قُلْت: وَالْحَقُّ أَنَّ ظَاهِرَ السِّيَاقِ يُعَيِّنُ رُجُوعَهُ إلَى " أَحَدُ " ثُمَّ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى مُخَصِّصٍ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ بِهِ أَلْيَقُ فَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ. وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَيُّهُمَا أَفْضَلُ مَنْ بِنْتُهُ فِي بَيْتِهِ (وَتَقْيِيدُ الْوَصْفِ وَإِطْلَاقُهُ فِي نَحْوِ) زَيْدٌ (طَبِيبٌ مَاهِرٌ) لِتَرَدُّدِ مَاهِرٌ بَيْنَ رُجُوعِهِ إلَى: " طَبِيبٌ " فَيَتَقَيَّدُ الْوَصْفُ بِالْمَهَارَةِ بِكَوْنِهَا فِي الطِّبِّ خَاصَّةً وَبَيْنَ رُجُوعِهِ إلَى زَيْدٍ فَيَكُونُ مَوْصُوفًا بِالْمَهَارَةِ مُطْلَقًا لَا أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِصِفَةٍ أُخْرَى كَمَا ذَكَرَ

الْأَصْفَهَانِيُّ (وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكُلَّ) أَيْ إجْمَالَ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمِثْلِ (فِي مُفْرَدٍ بِشَرْطِ التَّرْكِيبِ) قُلْت: لَكِنْ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْإِجْمَالَ فِي اللَّفْظِ لِاشْتِرَاكِهِ أَوْ لِإِعْلَالِهِ فِي مُفْرَدٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْكِيبِ فَالْوَجْهُ اسْتِثْنَاءُ مَا كَانَ هَكَذَا مِنْ اشْتِرَاطِهِ (وَعِنْدَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (الْمُتَشَابِهُ لَكِنْ مُقْتَضَى) كَلَامِ (الْمُحَقِّقِينَ تُسَاوِيهِمَا) أَيْ الْمُجْمَلِ وَالْمُتَشَابِهِ (لِتَعْرِيفِهِمْ الْمُجْمَلَ بِمَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ) قِيلَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ يَكُونُ فِيهِمَا وَالدَّلَالَةُ أَعَمُّ مِنْ اللَّفْظِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَدَلَالَةُ الْفِعْلِ عَقْلِيَّةٌ. وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ مَا وَلَمْ يَقُلْ لَفْظٌ وَخَرَجَ بِلَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ الْمُهْمَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ وَالْمُبَيَّنُ لِاتِّضَاحِهَا (وَبِمَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ مَعْنًى أَنَّهُ الْمُرَادُ) وَهَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَعَلَّهُ بِالْعِنَايَةِ مَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقِيلَ: اللَّفْظُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ وَحِينَئِذٍ فَلِلْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَرَادَ بِالْمُعْتَرَضِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ (وَعَلَيْهِ اعْتِرَاضَاتٌ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ) مَا فِي الْكِتَابِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ مَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَصَحِيحٌ أَنَّ عَلَيْهِ اعْتِرَاضَاتٍ مِثْلَ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُهْمَلِ وَلَفْظِ الْمُسْتَحِيلِ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ بِمُجْمَلٍ، وَغَيْرُ مُنْعَكِسٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ الْمُجْمَلِ أَحَدُ مَحَامِلِهِ لَا بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ شَيْءٌ فَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهِ وَالْمُجْمَلُ قَدْ يَكُونُ فِعْلًا كَقِيَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلْجَوَازِ وَالسَّهْوِ وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْحَدِّ؛ إذْ لَيْسَ لَفْظًا وَحِينَئِذٍ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ بَلْ هِيَ وَارِدَةٌ ظَاهِرًا. وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِالْعِنَايَةِ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعُ وَبِالشَّيْءِ مَا يَصِحُّ إطْلَاقُ لَفْظِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ لُغَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْخَارِجِ وَبِفَهْمِ الشَّيْءِ فَهْمُهُ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ لَا مُجَرَّدُ الْخُطُورِ بِالْبَالِ، وَالْمَقْصُودُ تَعْرِيفُ الْمُجْمَلِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَتْنِ، وَهُوَ لَا مَحَالَةَ لَفْظٌ قُلْت: وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى أَنَّ الْمُعَرَّفَ الْأَوَّلُ إنَّمَا قَالَ مَا وَلَمْ يَقُلْ لَفْظُ لِيَتَنَاوَلَ الْفِعْلَ الْمُجْمَلَ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ يَكُونُ فِيهِ أَيْضًا بَلْ حَيْثُ كَانَ التَّعْرِيفُ لِلْمُجْمَلِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَتْنِ يَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ مِنْ الْفِعْلِ الْمُجْمَلِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (وَالْمُتَشَابِهُ) أَيْ وَلِتَعْرِيفِهِمْ إيَّاهُ (بِغَيْرِ الْمُتَّضِحِ الْمَعْنَى) فَهَذَا تَسَاوٍ ظَاهِرٌ بَلْ اتِّحَادٌ (وَجَعَلَ الْبَيْضَاوِيُّ إيَّاهُ) أَيْ الْمُتَشَابِهَ (مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمُؤَوَّلِ) حَيْثُ قَالَ: وَالْمُشْتَرَكُ بَيْنَ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ الْمُحْكَمُ وَبَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمُؤَوَّلِ الْمُتَشَابِهُ، وَفَسَّرَ الشَّارِحُونَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ بِالرُّجْحَانِ وَيَمْتَازُ النَّصُّ بِأَنَّهُ رَاجِحٌ مَانِعٌ مِنْ النَّقِيضِ دُونَ الظَّاهِرِ وَبَيْنَ الْأَخِيرَيْنِ بِعَدَمِ الرُّجْحَانِ وَيَمْتَازُ الْمُؤَوَّلُ بِأَنَّهُ مَرْجُوحٌ دُونَ الْمُجْمَلِ فَيَكُونُ الْمُتَشَابِهُ مَا لَيْسَ بِرَاجِحٍ لَا مَا لَمْ يَتَّضِحْ مَعْنَاهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ غَيْرِهِ (مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُؤَوَّلَ ظَهَرَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَرْجُوحِ بِالْمُوجِبِ) لَهُ فَصَارَ مُتَّضِحُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ رَاجِحًا (لَا يُقَالُ: يُرِيدُهُ) أَيْ كَوْنُ الْمُؤَوَّلِ غَيْرَ مُتَّضِحِ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرَ رَاجِحٍ (فِي نَفْسِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُوجِبِ) لَا إرَادَةُ الْمَعْنَى الْمَرْجُوحِ لَهُ. وَإِنَّمَا لَا يُقَالُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُؤَوَّلَ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَوْنِ الْمُرَادِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّضِحِ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرَ رَاجِحٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّضِحِهِ أَوْ غَيْرَ رَاجِحِهِ فِي نَفْسِهِ (ظَاهِرٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُوجِبِ لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُتَشَابِهٌ) لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ جِنْسٌ لَهُ صَادِقٌ عَلَيْهِ (وَأَيْضًا يَجِيءُ مِثْلُهُ) أَيْ هَذَا (فِي الْمُجْمَلِ) فَيُقَالُ: الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّضِحِ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرَ رَاجِحِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّضِحِهِ أَوْ رَاجِحِهِ فِي نَفْسِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُجْمَلُ الَّذِي لَحِقَهُ بَيَانٌ مُجْمَلًا؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ وَاضِحِ الْمَعْنَى وَلَا رَاجِحِهِ (لَكِنْ مَا لَحِقَهُ بَيَانٌ خَرَجَ عَنْ الْإِجْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ وَسُمِّيَ مُبَيَّنًا عِنْدَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (وَالْحَنَفِيَّةِ) قَالُوا: (إنْ كَانَ) الْبَيَانُ (شَافِيًا بِقَطْعِيٍّ فَمُفَسَّرٌ) أَيْ فَالْمُجْمَلُ حِينَئِذٍ مُفَسَّرٌ كَبَيَانِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ (أَوْ) كَانَ الْبَيَانُ شَافِيًا (بِظَنِّيٍّ فَمُؤَوَّلٌ) أَيْ فَالْمُجْمَلُ حِينَئِذٍ مُؤَوَّلٌ كَبَيَانِ مِقْدَارِ الْمَسْحِ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (أَوْ) كَانَ الْبَيَانُ (غَيْرَ شَافٍ خَرَجَ) الْمُجْمَلُ (عَنْ الْإِجْمَالِ إلَى الْإِشْكَالِ) لِأَنَّ خَفَاءَ الْإِشْكَالِ دُونَ الْإِجْمَالِ كَبَيَانِ الرِّبَا بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ

فِي الصَّحِيحَيْنِ (فَجَازَ طَلَبُهُ) أَيْ بَيَانُهُ حِينَئِذٍ (مِنْ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ) ؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْمُشْكِلِ مِمَّا يُكْتَفَى فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْإِجْمَالِ. (فَلِذَا) أَيْ لِلِاتِّفَاقِ الْمَذْكُورِ (رُدَّ مَا ظُنَّ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ الْمُقْتَرِنَ بِبَيَانٍ) لِلْمُرَادِ مِنْهُ (مُجْمَلٌ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهِ مُبَيَّنٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُقَارِنِ) وَالظَّانُّ الْأَصْفَهَانِيُّ وَالرَّادُّ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَلَفْظُهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَمْ يُعْرَفْ اصْطِلَاحٌ عَلَى ذَلِكَ بَلْ كَلَامُ الْقَوْمِ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ الْمُبَيَّنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبَيَّنٌ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ مِنْهُ مُرَادُهُ بَلْ إنَّمَا عُرِفَ بِالْبَيَانِ (وَالْحَاصِلُ أَنَّ لُزُومَ الِاسْمَيْنِ) الْمُبَيَّنِ وَالْمُجْمَلِ (بِاعْتِبَارِ مَا ثَبَتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِلَّفْظِ مِنْ الْبَيَانِ أَوْ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ الْبَيَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا (فَالْمُجْمَلُ أَعَمُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) مِنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ كَوْنَهُ أَعَمَّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (أَنَّ بَعْضَ أَقْسَامِهِ) أَيْ الْمُجْمَلِ (يُدْرَكُ) بَيَانُهُ (عَنْ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ، وَبَعْضُهُ) أَيْ الْمُجْمَلِ (لَا) يُدْرَكُ بَيَانُهُ (إلَّا مِنْهُ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ (إذْ لَا يُنْكَرُ جَوَازُ وُجُودِ إبْهَامٍ كَذَلِكَ) أَيْ لَا يُدْرَكُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ (وَكَذَا الْمُتَشَابِهُ) بَعْضُ أَقْسَامِهِ يُدْرَكُ عَنْ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ، وَبَعْضُهَا لَا أَيْضًا لِتُسَاوِيهِمَا (إلَّا أَنَّهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةَ (وَالْأَكْثَرَ عَلَى إمْكَانِ دَرْكِهِ) أَيْ الْمُتَشَابِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ مُتَشَابِهٌ فِي الدُّنْيَا (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) حَيْثُ قَالُوا: لَا يُمْكِنُ دَرْكُهُ فِيهَا أَصْلًا، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ وَشَمْسَ الْأَئِمَّةِ اسْتَثْنَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَا أَنَّ الْمُتَشَابِهَ وَضَحَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّ الرَّاسِخَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ. (وَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ) بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ (فِي وُجُودِ قِسْمٍ) مِنْ أَقْسَامِ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ خَفَاءِ دَلَالَتِهِ (كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ انْقِطَاعِ رَجَاءِ مَعْرِفَتِهِ فِي الدُّنْيَا (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَحْثٌ عَنْ) وُجُودِ (قِسْمٍ شَرْعِيٍّ) أَيْ مِنْ الْخِطَابَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ الْخِطَابُ بِمَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ إلَّا فِي الْآخِرَةِ هَلْ هُوَ وَاقِعٌ مِنْهُ - تَعَالَى - أَوْ لَا (لَا لُغَوِيٌّ اُسْتُتْبِعَ) أَيْ اُسْتُطْرِدَ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ (فَجَازَ عِنْدَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (اتِّبَاعُهُ طَلَبًا لِلتَّأْوِيلِ وَامْتَنَعَ عِنْدَنَا فَلَا يَحِلُّ وَلَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ امْتِنَاعِ الْخِطَابِ بِمَا لَا يُفْهَمُ ابْتِلَاءً لِلرَّاسِخِينَ بِإِيجَابِ اعْتِقَادِ الْحَقِّيَّةِ) أَيْ حَقِّيَّةِ مَا أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْهُ عَلَى الْإِبْهَامِ (وَتَرْكِ الطَّلَبِ) لِلْوُقُوفِ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا (تَسْلِيمًا عَجْزًا) أَيْ اسْتِسْلَامًا لِلَّهِ وَاعْتِرَافًا بِالْقُصُورِ عَنْ دَرْكِ ذَلِكَ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الْحُكْمَ لِلَّهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَلِأَنَّ الِابْتِلَاءَ فِي الْوَقْفِ مِنْ حَيْثُ التَّسْلِيمُ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهِ وَاعْتِقَادُ حَقِّيَّةِ مَا أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِدُونِ الْوُقُوفِ عَلَى مُرَادِهِ عُبُودِيَّةً وَالْإِمْعَانُ فِي الطَّلَبِ ائْتِمَارٌ بِالْأَمْرِ وَهُوَ عِبَادَةٌ وَالْعُبُودِيَّةُ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا الرِّضَا بِمَا يَفْعَلُ الرَّبُّ - سُبْحَانَهُ - وَالْعِبَادَةُ فِعْلُ مَا يُرْضِي الرَّبَّ، وَالْعِبَادَةُ تَسْقُطُ فِي الْعُقْبَى وَالْعُبُودِيَّةُ لَا فَظَهَرَ أَنْ لَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ امْتِنَاعِ هَذَا عَقْلًا (بَلْ) إنَّمَا النِّزَاعُ (فِي وُقُوعِهِ) أَيْ الْخِطَابِ بِمَا لَا يُفْهَمُ ابْتِلَاءً لِلرَّاسِخِينَ كَمَا ذَكَرْنَا (فَالْحَنَفِيَّةُ نَعَمْ) هُوَ وَاقِعٌ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] (عَطْفُ جُمْلَةٍ) اسْمِيَّةٍ الْمُبْتَدَأُ مِنْهَا الرَّاسِخُونَ (خَبَرُهُ يَقُولُونَ؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - ذَكَرَ أَنَّ مِنْ الْكِتَابِ مُتَشَابِهًا يَبْتَغِي تَأْوِيلَهُ قِسْمٌ وَصَفَهُمْ بِالزَّيْغِ فَلَوْ اقْتَصَرَ) عَلَى هَذَا (حُكِمَ بِمُقَابِلِهِمْ قِسْمٌ بِلَا زَيْغٍ لَا يَبْتَغُونَ) تَأْوِيلَهُ (عَلَى وِزَانِ {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ} [النساء: 175] اقْتَضَى مُقَابِلَهُ) وَهُوَ {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 26] فَلَهُمْ كَذَا وَكَذَا (فَتَرَكَهُ) إيجَازُ الدَّلَالَةِ قَسِيمُهُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أُسْلُوبٌ مِنْ الْأَسَالِيبِ الْبَلَاغِيَّةِ (فَكَيْفَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَعْنِي " الرَّاسِخُونَ " وَصَحَّتْ جُمْلَةُ التَّسْلِيمِ) وَهِيَ: " يَقُولُونَ آمَنَا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا " (خَبَرًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ " الرَّاسِخُونَ (فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ) وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هَذَا أَبُو حَيَّانَ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] " جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ. (فَإِنْ قِيلَ قِسْمُ الزَّيْغِ الْمُتَّبِعُونَ)

{مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران: 7] وَالتَّأْوِيلِ، فَالْقِسْمُ الْمَحْكُومُ بِمُقَابَلَتِهِ بِنَفْيِ الْأَمْرَيْنِ) ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَالتَّأْوِيلِ جَمِيعًا لَا يَنْفِي أَحَدَهُمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ذَمُّ مَنْ اتَّبَعَهُ ابْتِغَاءَ التَّأْوِيلِ فَقَطْ (قُلْنَا قِسْمُ الزَّيْغِ بِابْتِغَاءِ كُلٍّ) مِنْ الْوَصْفَيْنِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ (لَا الْمَجْمُوعُ؛ إذْ الْأَصْلُ اسْتِقْلَالُ الْأَوْصَافِ) عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَمِّ مَنْ اتَّبَعَهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ فَقَطْ بِأَنْ يُجْرِيَهُ عَلَى الظَّاهِرِ بِلَا تَأْوِيلٍ فَكَذَا مَنْ اتَّبَعَهُ ابْتِغَاءَ التَّأْوِيلِ فَقَطْ (وَلِأَنَّ جُمْلَةَ يَقُولُونَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الرَّاسِخُونَ عَطْفًا عَلَى اللَّهِ لَا قَسِيمًا لِقَوْلِهِ {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7] (حَالٌ) مِنْ الرَّاسِخُونَ (وَمَعْنَى مُتَعَلَّقِهَا) أَيْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ حِينَئِذٍ (يَنْبُو عَنْ مُوجِبِ عَطْفِ الْمُفْرَدِ لِأَنَّ مِثْلَهُ فِي عَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ يُقَالُ لِلْعَجْزِ وَالتَّسْلِيمِ) وَهَذَا التَّقْدِيرُ يُنَافِيهِ (وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ وَأَمَّا الرَّاسِخُونَ) فَيَقُولُونَ لِيُوَافِقَ قَسِيمَهُ فَحُذِفَتْ أَمَّا مِنْهُ لِدَلَالَةِ ذِكْرِهَا ثَمَّةَ عَلَيْهَا هُنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تُوجَدُ مُفَصَّلَةً إلَّا وَتُثَنَّى أَوْ تُثَلَّثُ ثُمَّ حُذِفَتْ الْفَاءُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِهَا وَحِينَئِذٍ يُقَالُ. (فَإِذَا ظَهَرَ الْمَعْنَى وَجَبَ كَوْنُهُ عَلَى مُقْتَضَى الْحَالِ الْمُخَالِفِ لِمُقْتَضَى الظَّاهِرِ) كَمَا هُوَ شَأْنُ الْبَلَاغَةِ (مَعَ أَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ لِلْعَامِلِ، وَلَيْسَ عِلْمُهُمْ) أَيْ الرَّاسِخُونَ بِتَأْوِيلِهِ (مُقَيَّدًا بِحَالِ قَوْلِهِمْ {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِمْ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُنَافِي كَوْنَ يَقُولُونَ جُمْلَةً حَالِيَّةً مِنْ الرَّاسِخِينَ ثُمَّ إيضَاحُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْآيَةَ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ وَالتَّقْسِيمِ، فَالْجَمْعُ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} [آل عمران: 7] وَالتَّقْسِيمُ قَوْلُهُ {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] وَالتَّفْرِيقُ قَوْلُهُ {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7] فَلَا بُدَّ مِنْ جَعْلِ قَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران: 7] قَسِيمًا لَهُ كَأَنَّهُ قِيلَ فَأَمَّا الزَّائِغُونَ فَيَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ. وَأَمَّا الرَّاسِخُونَ فَيَتَّبِعُونَ الْمُحْكَمَ وَيَرُدُّونَ الْمُتَشَابِهَ إلَى الْمُحْكَمِ إنْ قَدَّرُوا وَإِلَّا فَيَقُولُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ جِيءَ بِقَوْلِهِ {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} [البقرة: 269] تَذْيِيلًا وَتَعْرِيضًا بِالزَّائِغِينَ وَمَدْحًا لِلرَّاسِخَيْنِ يَعْنِي مَنْ لَمْ يَذَّكَّرْ، وَلَمْ يَتَّعِظْ وَيَتَّبِعْ هَوَاهُ فَلَيْسَ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الرَّاسِخُونَ: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] وَمَا ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ هَذَا فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ بِمَا يُعْرَفُ ثَمَّةَ لَا يَدْفَعُ ظُهُورَ هَذَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَحَاطَ عِلْمًا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّوْجِيهِ مَعَ الْإِنْصَافِ (وَأَيَّدَ حَمْلَنَا قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِنْ تَأْوِيلُهُ إلَّا عِنْدَ اللَّهِ) وَقِرَاءَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ كَمَا أَخْرَجَهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعُزِيَتْ إلَى أُبَيِّ أَيْضًا. (فَلَوْ لَمْ تَكُنْ) قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ (حُجَّةً) مُسْتَقِلَّةً (صَلَحَتْ مُؤَيِّدًا) لِمَا قَدَّمْنَاهُ (عَلَى وِزَانِ ضَعِيفِ الْحَدِيثِ) الَّذِي ضَعْفُهُ لَيْسَ بِسَبَبِ فِسْقِ رَاوِيهِ (يَصْلُحُ شَاهِدًا) لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ عَلَى وَفْقِهِ بِإِجْمَاعٍ ظَنِّيٍّ أَوْ قِيَاسٍ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُثْبِتًا) لِذَلِكَ الْحُكْمِ لَوْ انْفَرَدَ (فَكَيْفَ وَالْوَجْهُ مُنْتَهِضٌ عَلَى الْحُجِّيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى) أَيْ حُجِّيَّةِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ إذَا صَحَّتْ عَمَّنْ نُسِبَتْ إلَيْهِ مِنْ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا مِثْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ إذْ لَا تَنْزِلُ عَنْ كَوْنِهَا خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقْرَؤُهَا رِوَايَةً عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي يَعْنِي فِي مَبَاحِثِ الْكِتَابِ وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «تَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] إلَى قَوْلِهِ {أُولُو الأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ» وَمَا أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] انْتَهَى عِلْمُهُمْ إلَى أَنْ آمَنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ هَذَا وَقَدْ أُورِدَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وُضُوحُ الْمُتَشَابِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ يَتَرَاءَى مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ إنْ وَجَبَ

عَلَى {إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] كَمَا هُوَ مُخْتَارُهُمَا مُوَافَقَةً لِلسَّلَفِ فَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَعْلَمَهُ الرَّسُولُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] كَمَا هُوَ مُخْتَارُ الْخَلَفِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الرَّسُولُ مَخْصُوصًا بِعِلْمِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْوَقْفِ عَلَى إلَّا اللَّهُ وَمَا يَعْلَمُ أَحَدٌ تَأْوِيلَهُ بِدُونِ تَعْلِيمِ اللَّهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: 65] أَيْ لَا يَعْلَمُ بِدُونِ تَعْلِيمِ اللَّهِ إلَّا اللَّهُ فَيَكُونُ إلَّا حِينَئِذٍ بِمَعْنَى غَيْرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مَخْصُوصًا بِالتَّعْلِيمِ بِدُونِ إذْنٍ بِالْبَيَانِ لِغَيْرِهِ فَيَبْقَى غَيْرَ مَعْلُومٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي حَصْرَ الْعِلْمِ عَلَى اللَّهِ، وَإِذَا صَارَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَالِمًا بِالْمُتَشَابِهَاتِ النَّازِلَةِ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ بِالتَّعْلِيمِ لَا يَسْتَقِيمُ الْحَصْرُ وَكَانَ يُقَالُ: تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيمُ حَاصِلًا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَلَا يَكُونُ الرَّسُولُ عَالِمًا بِالْمُتَشَابِهِ قَبْلَ نُزُولِهَا فَيَسْتَقِيمُ الْحَصْرُ بِقَوْلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ وَبِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى حَصْرِ الْعِلْمِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَى مَنْ عَلَّمَهُ اللَّهُ بِالتَّأْوِيلِ الَّذِي ذُكِرَ أَلَا تَرَى أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ تُوجِبُ حَصْرَ عِلْمِ الْغَيْبِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى، ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْلَمَهُ غَيْرُ اللَّهِ بِتَعْلِيمِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26] {إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] فَكَذَا هُنَا كَذَا فِي الْكَشْفِ وَلَا يَعْرَى عَنْ بَحْثٍ لِمَنْ تَحَقَّقَ ثُمَّ بَقِيَ مَنْ الرَّاسِخُ فِي الْعِلْمِ؟ فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ فَقَالَ مَنْ بَرَّتْ يَمِينُهُ وَصَدَقَ لِسَانُهُ وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ وَمَنْ عَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ فَذَلِكَ مِنْ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ» (وَجَرَتْ عَادَةُ الشَّافِعِيَّةِ بِاتِّبَاعِ الْمُجْمَلِ بِخِلَافٍ فِي جُزْئِيَّاتٍ أَنَّهَا مِنْهُ فِي مَسَائِلَ الْأُولَى التَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إلَى الْأَعْيَانِ) كَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَالتَّحْلِيلُ الْمُضَافُ إلَيْهَا نَحْوُ {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] (عَنْ الْكَرْخِيِّ وَالْبَصْرِيِّ) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (إجْمَالُهُ وَالْحَقُّ) كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ (ظُهُورُهُ) أَيْ أَنَّهُ ظَاهِرٌ (فِي مُعَيَّنٍ لَنَا الِاسْتِقْرَاءُ فِي مِثْلِهِ) مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إلَى الذَّوَاتِ تُفِيدُ عُرْفًا أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْهَا حَتَّى إنَّ الْمُرَادَ مِنْ إضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَيْهَا (إرَادَةُ مَنْعِ الْفِعْلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَعْيَانِ (حَتَّى كَانَ) الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ (مُتَبَادِرًا) أَيْ سَابِقًا إلَى الْفَهْمِ عُرْفًا (مِنْ: حُرِّمَتْ الْحَرِيرُ وَالْخَمْرُ وَالْأُمَّهَاتُ) وَهُوَ اللُّبْسُ فِي الْحَرِيرِ وَالشُّرْبُ فِي الْخَمْرِ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ فِي الْأُمَّهَاتِ وَالتَّبَادُرُ دَلِيلُ الظُّهُورِ (فَلَا إجْمَالَ قَالُوا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ فِعْلٍ) يَتَعَلَّقُ بِهَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ تَكْلِيفٌ هُوَ بِمَا هُوَ مَقْدُورُ الْعَبْدِ، وَمَقْدُورُهُ الْفِعْلُ لَا الْعَيْنُ فَإِنْ قُدِّرَ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا فَمُحَالٌ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا الِامْتِنَاعَ عَنْهَا مَعَ أَنَّ التَّقْدِيرَ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِالْبَعْضِ فَيُقَدِّرُ هُوَ لَا الْجَمِيعُ لِأَنَّ مَا يُقَدَّرُ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (وَلَا مُعِينَ) لِلْبَعْضِ فَيَلْزَمُ الْإِجْمَالُ (قُلْنَا تَعَيَّنَ) الْبَعْضُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَيْنِ (بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ سَبْقِهِ إلَى الْفَهْمِ عُرْفًا وَعَادَةً ثُمَّ هُنَا بَحْثٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ حَقِيقِيٌّ أَوْ مَجَازِيٌّ فَإِنْ كَانَ ذَاكَ الْفِعْلُ حَرَامًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ مَنْشَأُ حُرْمَتِهِ عَيْنَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَحُرْمَةِ أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِنَفْسِ الْمَالِ بَلْ لِكَوْنِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ فَالْأَكْلُ كُلُّ مُحَرَّمٍ، وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُ حَلَالًا بِأَنْ يَأْكُلَهُ مَالِكُهُ أَوْ يُؤْكِلَهُ غَيْرَهُ فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مَجَازِيٌّ إمَّا مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ أَوْ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ ذَاكَ الْفِعْلُ حَرَامًا لِعَيْنِهِ وَهُوَ مَا يَكُونُ مَنْشَأُ حُرْمَتِهِ عَيْنَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَحُرْمَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ مَجَازٌ أَيْضًا كَالْأَوَّلِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَنْبَغِي كَوْنُهُ عَلَى قَوْلِهِمْ: مَجَازًا عَقْلِيًّا إذْ لَمْ يَتَجَوَّزْ فِي لَفْظِ حُرِّمَتْ وَلَا فِي لَفْظِ الْخَمْرِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجِيءُ مِثْلُهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فَالْمَحَلُّ أَصْلٌ، وَالْفِعْلُ تَبَعٌ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَحَلَّ أُخْرِجَ أَوَّلًا مِنْ قَبُولِ الْفِعْلِ وَمُنِعَ ثُمَّ صَارَ الْفِعْلُ مُخَرَّجًا وَمَمْنُوعًا مِنْ الِاعْتِبَارِ تَبَعًا فَحَسُنَ نِسْبَةُ الْحُرْمَةِ وَإِضَافَتُهَا إلَى الْمَحَلِّ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْفِعْلِ شَرْعًا حَتَّى كَأَنَّهُ الْحَرَامُ نَفْسُهُ وَيَطْرُقُهُ مَا تَقَدَّمَ

آنِفًا مِنْ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ إلَّا لِلْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ فَتَعْلِيقُهُ بِالْعَيْنِ تَجَوُّزٌ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مَثَلًا أَنْ تَكُونَ حُرْمَةُ الْخَمْرِ أَقْوَى مِنْ حُرْمَةِ مَالِ الْغَيْرِ لَكِنْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَنَحْوَهَا يَجِبُ تَنَاوُلُهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِنْ أُضِيفَ الْحُرْمَةُ إلَى عَيْنِهَا، وَمَالُ الْغَيْرِ لَا يَجِبُ تَنَاوُلُهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بَلْ الصَّبْرُ أَوْلَى وَإِنْ مَاتَ نَعَمْ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ هَذَا التَّقْرِيرُ إظْهَارُ فَائِدَةِ الْعُدُولِ عَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ النِّسْبَةُ إلَى الْفِعْلِ إلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ النِّسْبَةُ إلَى الْعَيْنِ وَهِيَ قَصْدُ الْمُبَالَغَةِ فِي الِانْتِهَاءِ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَزْدَوِيُّ مَعَ تَوْجِيهٍ مِنْ عِنْدِهِ مُصَحِّحٍ لَهُ إنْ تَمَّ، وَإِلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْبَدِيعِ فَقَالَ: (وَادِّعَاءُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ (الْحَقِيقَةَ) فِيمَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ (لِقَصْدِ إخْرَاجِ الْمَحَلِّ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ تَصْحِيحُهُ بِادِّعَاءِ تَعَارُفِ تَرْكِيبِ مَنْعِ الْعَيْنِ لِإِخْرَاجِهَا عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْفِعْلِ الْمُتَبَادِرِ لَا مُطْلَقًا) فَإِنَّ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] لَا يُفِيدُ إخْرَاجَهَا عَنْ مَحَلِّيَّةِ كُلِّ فِعْلٍ لِلِابْنِ مِنْ تَقْبِيلِ رَأْسِهَا إكْرَامًا وَنَظَرِهِ إلَيْهَا رَحْمَةً وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَفِيهِ) أَيْ وَفِي هَذَا الِادِّعَاءِ (زِيَادَةُ بَيَانِ سَبَبِ الْعُدُولِ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ إلَى التَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ) كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَدِيعِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ سَلَّمَ الْعُرْفُ أَوْ اللُّغَةُ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْإِشْكَالُ اهـ قُلْت: وَقَدْ نَصَّ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى تَسْلِيمِ كَوْنِهِ مَجَازًا فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةً فِي الْعُرْفِ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَلِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ لَا إجْمَالَ فِي {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ (إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِهِ) أَيْ هَذَا التَّرْكِيبِ (عُرْفٌ يُصَحِّحُ إرَادَةَ الْبَعْضِ كَمَالِكٍ أَفَادَ) هَذَا التَّرْكِيبُ (مَسْحَ مُسَمَّاهُ) أَيْ الرَّأْسَ (وَهُوَ) أَيْ مُسَمَّى الرَّأْسِ (الْكُلُّ أَوْ كَانَ) فِيهِ عُرْفٌ يُصَحِّحُ إرَادَةَ الْبَعْضِ مِنْهُ (أَفَادَ) هَذَا التَّرْكِيبُ (بَعْضًا مُطْلَقًا وَيَحْصُلُ) الْبَعْضُ الْمُطْلَقُ (فِي ضِمْنِ الِاسْتِيعَابِ) أَيْ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ الِاسْتِيعَابِ وَهُوَ مَسْحُ بَعْضٍ مِنْهُ أَيِّ بَعْضٍ كَانَ لِصِدْقِ الْبَعْضِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ (فَلَا إجْمَالَ) لِظُهُورِهِ فِي بَعْضٍ مُطْلَقٍ (ثُمَّ ادَّعَى مَالِكٌ عَدَمَهُ) أَيْ الْعُرْفِ الْمُصَحِّحِ إرَادَةَ الْبَعْضِ (فَلَزِمَ الِاسْتِيعَابُ) لِاتِّضَاحِ دَلَالَتِهِ بِالْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كِلَيْهِمَا مَمْنُوعٌ ثُمَّ لَوْ لَمْ يَكُنْ رَادًّا لَهُ إلَّا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ» لَكَفَى (وَالشَّافِعِيَّةُ ثُبُوتُهُ) أَيْ الْعُرْفِ الْمُصَحِّحِ إرَادَةَ الْبَعْضِ (فِي نَحْوِ مَسَحْت يَدِي بِالْمِنْدِيلِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ بِبَعْضِهِ فَلَزِمَ التَّبْعِيضُ. (أُجِيبَ) عَنْ هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ التَّبْعِيضَ فِي مِثْلِهِ هُوَ (الْعُرْفُ فِيمَا هُوَ آلَةٌ لِذَلِكَ) أَيْ فِيمَا كَانَ مَدْخُولُ الْبَاءِ آلَةَ الْفِعْلِ كَالْيَدِ فِي هَذَا وَمَدْخُولُهَا فِي الْآيَةِ الْمَحَلُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ) أَيْ التَّبْعِيضَ فِي هَذَا (لَيْسَ لِلْعُرْفِ) الْمَذْكُورِ (بَلْ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمَسْحَ فِيهِ (لِلْحَاجَةِ وَهِيَ) أَيْ الْحَاجَةُ (مُنْدَفِعَةٌ بِبَعْضِهِ) أَيْ الْمِنْدِيلِ عَادَةً (فَتُعْلَمُ إرَادَتُهُ) أَيْ الْبَعْضِ عُرْفًا بِهَذَا السَّبَبِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا كَانَ مُفِيدًا لِلتَّبْعِيضِ فِي مِثْلِهِ لِهَذَا الْعِلْمِ فَلَا يَتِمُّ نَفْيُ كَوْنِهِ لِلْعُرْفِ نَعَمْ إسْنَادُهُ إلَيْهِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ الْقَرِيبَةِ مَعَ الْبَعِيدَةِ (قَالُوا) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (الْبَاءُ لِلتَّبْعِيضِ) وَقَدْ دَخَلْت عَلَى الرَّأْسِ فَتَقَيَّدَ كَوْنُ الْمَفْرُوضِ مَسْحَ بَعْضِهِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَعَلَيْهِ مُعْظَمُهُمْ (أُجِيبَ بِإِنْكَارِهِ) أَيْ التَّبْعِيضِ (كَابْنِ جِنِّي) بِسُكُونِ الْيَاءِ مُعَرَّبُ كُنِّي بَيْنَ الْكَافِ وَالْجِيمِ. (وَاعْلَمْ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ) النَّحْوِيِّينَ كَالْفَارِسِيِّ وَالْقُتَبِيِّ وَابْنِ مَالِكٍ (ادَّعَوْهُ فِي نَحْوِ شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ) ... مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجٌ أَيْ شَرِبَ السُّحُبُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ مِنْ لُجَجٍ خُضْرٍ، وَالْحَالُ أَنَّ لَهُنَّ تَصْوِيتًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَابْنُ جِنِّي يَقُولُ فِي سِرِّ الصِّنَاعَةِ: لَا يَعْرِفُهُ أَصْحَابُنَا) وَرُدَّ بِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَعْلُومَةٍ نَحْوُ الْعَرَبُ لَمْ تَنْصِبْ الْفَاعِلَ وَظَنِّيَّةٍ عَنْ اسْتِقْرَاءٍ صَحِيحٍ نَحْوُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمٌ مُتَمَكِّنٌ آخِرُهُ وَاوٌ لَازِمَةٌ قَبْلَهَا ضَمَّةٌ وَشَائِعَةٍ

غَيْرِ مُنْحَصِرَةٍ نَحْوُ لَمْ يُطَلِّقْ زَيْدٌ امْرَأَتَهُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَهَذَا هُوَ الْمَرْدُودُ، وَكَلَامُ ابْنِ جِنِّي مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ شَدِيدُ الِاطِّلَاعِ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ وَسَيَحْكِي الْمُصَنِّفُ إنْكَارَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَقِّقِي الْعَرَبِيَّةِ وَأَنَّ الْبَاءَ فِي هَذَا زَائِدَةٌ، وَأَنَّ زِيَادَتَهَا اسْتِعْمَالٌ كَثِيرُ مُتَحَقِّقٌ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَالْأَجْوَدُ تَضْمِينُ شَرِبْنَ مَعْنَى رَوَيْنَ (وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ) أَيْ كَوْنَهَا لِلتَّبْعِيضِ (ضَعِيفٌ لِلْخِلَافِ الْقَوِيِّ) فِي كَوْنِهَا لَهُ (وَلِأَنَّ الْإِلْصَاقَ مَعْنَاهَا) وَالْأَحْسَنُ وَلِأَنَّ مَعْنَاهَا الْإِلْصَاقُ (الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لَهَا مُمْكِنٌ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْمَعْنَى: أَلْصَقُوا الْمَسْحَ بِالرَّأْسِ (فَيَلْزَمُ) كَوْنُهُ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا (وَيَثْبُتُ التَّبْعِيضُ اتِّفَاقِيًّا لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ الْمُلْصَقِ) الَّذِي هُوَ آلَةُ الْمَسْحِ عَادَةً، وَهِيَ الْيَدُ الْمُلْصَقَ بِهِ وَهُوَ الرَّأْسُ كَمَا يَأْتِي مَزِيدُ إيضَاحِهِ (لَا) أَنَّ التَّبْعِيضَ يَثْبُتُ لَهَا (مَدْلُولًا وَجْهُ الْإِجْمَالِ أَنَّ الْبَاءَ إذَا دَخَلَتْ فِي الْآلَةِ تُعِدِّي الْفِعْلَ إلَى الْمَحَلِّ فَيَسْتَوْعِبُهُ) أَيْ الْفِعْلُ الْمَحَلَّ (كَمَسَحْت يَدِي بِالْمِنْدِيلِ) فَالْيَدُ كُلُّهَا مَمْسُوحَةٌ (وَفِي قَلْبِهِ) أَيْ إذَا دَخَلَتْ فِي الْمَحَلِّ (يَتَعَدَّى) الْفِعْلُ (إلَى الْآلَةِ فَيَسْتَوْعِبُهَا) أَيْ الْفِعْلُ الْآلَةَ (وَخُصُوصُ الْمَحَلِّ هُنَا) وَهُوَ الرَّأْسُ (لَا يُسَاوِيهَا) أَيْ الْآلَةَ الَّتِي هِيَ الْيَدُ (فَلَزِمَ تَبْعِيضُهُ) أَيْ الْمَحَلِّ ضَرُورَةَ نُقْصَانِهَا عَنْهُ فِي الْمِقْدَارِ (ثُمَّ مُطْلَقُهُ) أَيْ التَّبْعِيضِ (لَيْسَ بِمُرَادٍ وَإِلَّا اُجْتُزِئَ) أَيْ: اُكْتُفِيَ (بِالْحَاصِلِ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ عِنْدَ مَنْ لَا يَشْرُطُ التَّرْتِيبَ وَالْكُلُّ) يَعْنِي مَنْ شَرَطَ التَّرْتِيبَ وَمَنْ لَمْ يَشْرُطْهُ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الِاجْتِزَاءِ بِذَلِكَ (فَلَزِمَ كَوْنُهُ) أَيْ الْبَعْضِ (مِقْدَارًا، وَلَا مُعَيَّنَ) لِكَمْيَّتِهِ. (فَكَانَ) الْبَعْضُ (مُجْمَلًا فِي الْكَمْيَّةِ الْخَاصَّةِ، وَقَدْ يُقَالُ: عَدَمُ الِاجْتِزَاءِ لِحُصُولِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضِ (تَبَعًا لِتَحْقِيقِ غَسْلِ الْوَجْهِ لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْإِطْلَاقِ اللَّازِمِ) لِلْإِلْصَاقِ فَلَا إجْمَالَ (وَالْحَقُّ أَنَّ التَّبْعِيضَ اللَّازِمَ) لِلْإِلْصَاقِ (مَا بِقَدْرِ الْآلَةِ) لِلْمَسْحِ الَّتِي هِيَ الْيَدُ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّبْعِيضَ (جَاءَ ضَرُورَةَ اسْتِيعَابِهَا) أَيْ الْآلَةِ (وَهِيَ) أَيْ الْآلَةُ (غَالِبًا كَالرُّبْعِ فَلَزِمَ) الرُّبْعُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا الْإِجْمَالُ، وَلَا الْإِطْلَاقُ مُطْلَقًا (وَكَوْنُهُ) أَيْ الرُّبْعِ (النَّاصِيَةَ) وَهِيَ الْمُقَدَّمُ مِنْ الرَّأْسِ (أَفْضَلُ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَاءِ (الثَّالِثَةُ لَا إجْمَالَ فِي نَحْوِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» ) الْحَدِيثَ، وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ بِمَعْنَاهُ خِلَافًا لَلْبَصْرِيِّينَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ (لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي مِثْلِهِ) أَيْ هَذَا التَّرْكِيبِ (قَبْلَ الشَّرْعِ رَفْعُ الْعُقُوبَةِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إرَادَتِهِ) أَيْ رَفْعَهَا (شَرْعًا) فَإِنْ قِيلَ فَيَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْعِقَابِ وَقَدْ رُفِعَ قُلْنَا لَا (وَلَيْسَ الضَّمَانُ عُقُوبَةً) إذْ يُفْهَمُ مِنْ الْعِقَابِ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْإِيذَاءُ وَالزَّجْرُ، وَالضَّمَانُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ (بَلْ) يَجِبُ (جَبْرُ الْحَالِ الْمَغْبُونِ) الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ (قَالُوا) أَيْ الْمُجْمِلُونَ الْمَفْهُومُونَ مِمَّا تَقَدَّمَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُمْ فِي هَذِهِ أَوَّلًا وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْإِبْهَامِ كَمَا فِي غَيْرِهَا (الْإِضْمَارُ) لِمُتَعَلِّقِ الرَّفْعِ (مُتَعَيِّنٌ) كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ وَلَا مُوجِبَ لِجَمِيعِهِ (وَلَا مُعَيَّنَ) لِبَعْضٍ بِخُصُوصِهِ فَلَزِمَ الْإِجْمَالُ (أُجِيبَ عَيَّنَهُ) أَيْ الْبَعْضَ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ رَفْعُ الْعُقُوبَةِ (الْعُرْفُ الْمَذْكُورُ) (الرَّابِعَةُ لَا إجْمَالَ فِيمَا يُنْفَى مِنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ مَحْذُوفَةَ الْخَبَرِ كَ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ) فَمَا زَادَ أَخْرَجَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْحَاكِمُ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ (إلَّا بِطَهُورٍ) وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَاَلَّذِي فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ لِابْنِ السَّكَنِ «أَلَا لَا صَلَاةَ إلَّا بِوُضُوءٍ» (خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ (لَنَا أَنْ ثَبَتَ) أَنَّ الصِّحَّةَ جُزْءٌ مَفْهُومٌ (الِاسْمُ الشَّرْعِيُّ) وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (وَلَا عُرْفَ) لِلشَّارِعِ (يَصْرِفُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ كَوْنِ الْمُرَادِ الْمَفْهُومَ الشَّرْعِيَّ (لَزِمَ تَقْدِيرُ الْوُجُودِ) لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُودِ الشَّرْعِيِّ هُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا فِي «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الصِّحَّةِ جُزْءَ مَفْهُومِ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ (فَإِنْ تُعُورِفَ صَرْفُهُ) أَيْ النَّفْيِ شَرْعًا فِي مِثْلِ ذَلِكَ (إلَى الْكَمَالِ لَزِمَ) تَقْدِيرُهُ كَمَا فِي «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: هُوَ صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُتَعَارَفْ صَرْفُهُ شَرْعًا فِي مِثْلِ ذَلِكَ إلَى الْكَمَالِ (لَزِمَ تَقْدِيرُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ)

أَيْ تَقْدِيرَهَا (أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الذَّاتِ) الَّتِي هِيَ الْحَقِيقَةُ الْمُتَعَذِّرَةُ مِنْ تَقْدِيرِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ كَالْعَدَمِ فِي عَدَمِ الْجَدْوَى بِخِلَافِ مَا لَمْ يَكْمُلْ كَمَا فِي «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلَا يَضُرُّ هَذَا الْحَنَفِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ فَقَضَوْا حَقَّهُ بِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِهَا (وَهَذَا) أَيْ: لُزُومُ تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (تَرْجِيحٌ لِإِرَادَةِ بَعْضِ الْمَجَازَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ) عَلَى بَعْضٍ بِالْمُقْتَضَى لَهُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (لَا إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ) السَّالِفِ فِي بَحْثِ الْمَفْهُومِ عَدَمُ جَوَازِهِ (قَالُوا) : أَيْ الْمُجْمِلُونَ (الْعُرْفُ) شَرْعًا فِيهِ (مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ) بِشَهَادَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ (فَلَزِمَ الْإِجْمَالُ قُلْنَا: مَمْنُوعٌ) ذَلِكَ وَلَا شَهَادَةَ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ (بَلْ) الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَاخْتِلَافُ التَّقْدِيرِ (لِاقْتِضَاءِ الدَّلِيلِ فِي خُصُوصِيَّاتِ الْمَوَارِدِ) (الْخَامِسَةُ لَا إجْمَالَ فِي الْقَطْعِ وَالْيَدِ فَلَا إجْمَالَ فِي {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَشِرْذِمَةٌ نَعَمْ) أَيْ فِي الْقَطْعِ، وَالْيَدِ إجْمَالٌ (فَنَعَمْ) أَيْ فَالْآيَةُ الشَّرِيفَةُ مُجْمَلَةٌ فِيهِمَا (لَنَا أَنَّهُمَا) أَيْ الْقَطْعَ وَالْيَدَ (لُغَةً لِجُمْلَتِهَا) أَيْ الْيَدِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ (إلَى الْمَنْكِبِ) وَهُوَ مُجْتَمَعُ رَأْسِ الْكَتِفِ وَالْعَضُدِ (وَالْإِبَانَةُ) أَيْ لِفَصْلِ الْمُتَّصِلِ (قَالُوا) أَيْ الْمُجْمِلُونَ (يُقَالُ) الْيَدُ (لِلْكُلِّ) أَيْ لِمَا مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَا مِنْهَا إلَى الْمِرْفَقِ (وَإِلَى الْكُوعِ) أَيْ وَيُقَالُ لِمَا مِنْهَا إلَى طَرَفِ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ (وَالْقَطْعُ لِلْإِبَانَةِ وَالْجَرْحِ) أَيْ شَقُّ الْعُضْوِ مِنْ غَيْرِ إبَانَةٍ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ (وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ) وَلَا مُرَجِّحَ فَكَانَا مُجْمَلَيْنِ. (وَالْجَوَابُ) الْمَنْعُ (بَلْ) كُلٌّ مِنْ الْيَدِ وَالْقَطْعِ (مَجَازٌ فِي) الْمَعْنَى (الثَّانِي) لَهُمَا وَهُوَ مَا مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْكُوعِ فِي الْيَدِ وَكَذَا فِيمَا مِنْهَا إلَى الْمِرْفَقِ، وَالْجَرْحِ فِي الْقَطْعِ (لِلظُّهُورِ) أَيْ لِظُهُورِ لَفْظِ الْيَدِ وَلَفْظِ الْقَطْعِ (فِي الْأَوَّلَيْنِ) وَهُوَ مَا مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ فِي الْيَدِ وَالْإِبَانَةِ فِي الْقَطْعِ (فَلَا إجْمَالَ وَاسْتَدَلَّ) بِمُزَيَّفٍ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ عَدَمِ الْإِجْمَالِ فِي الْيَدِ وَالْقَطْعِ وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (يَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ) اللَّفْظِيَّ فِيمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الْمَعَانِي (وَالتَّوَاطُؤُ) أَيْ وَأَنْ يَكُونَ مُتَوَاطِئًا فِيهَا لِوَضْعِ لَفْظِهِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا (وَالْمَجَازُ) أَيْ وَأَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً لِأَحَدِهَا مَجَازًا لِلْبَاقِي (وَالْإِجْمَالُ عَلَى أَحَدِهَا) أَيْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ (وَعَدَمُهُ) أَيْ الْإِجْمَالِ (عَلَى اثْنَيْنِ) مِنْهَا وَهُمَا التَّوَاطُؤُ لِحَمْلِهِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَالْمَجَازُ لِحَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الْإِجْمَالِ (أَوْلَى) لِأَنَّ وُقُوعَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ مِنْ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ فَيُظَنُّ عَدَمُ الْإِجْمَالِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (وَدُفِعَ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِتَعْيِينِ مَا وُضِعَ لَهُ الْيَدُ بِالتَّرْجِيحِ بِعَدَمِ الْإِجْمَالِ عَلَى أَنَّ نَفْيَ الْإِجْمَالِ فِي الْآيَةِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّوَاطُؤِ مَمْنُوعٌ إذْ الْحَمْلُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَا يُتَصَوَّرُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إضَافَةُ الْقَطْعِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ (إلَّا عَلَى إرَادَةِ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ) أَيْ الْإِطْلَاقُ (مُنْتَفٍ إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْأَمْرَ بِقَطْعِ مَا شَاءَ الْإِمَامُ مِنْ بَعْضِهَا أَوْ كُلِّهَا كَمَا هُوَ اللَّازِمُ مِنْ إرَادَةِ الْإِطْلَاقِ (فَكَانَ) مَحَلُّ الْقَطْعِ (مَحَلًّا مُعَيَّنًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْيَدِ (وَلَا مُعَيَّنَ، وَالْحَقُّ لَا تَوَاطُؤَ، وَإِلَّا نَاقَضَ كَوْنَهُ لِلْكُلِّ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُتَوَاطِئًا كَانَ كُلِّيًّا يَصْدُقُ عَلَى كَثِيرِينَ فَتَكُونُ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ مَا صَدَقَاتِ لَفْظِ الْيَدِ فَيَصْدُقُ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ بِخُصُوصِهِ اسْمُ الْيَدِ حَقِيقَةً كَالْأُصْبُعِ، وَهَذَا يُنَافِي كَوْنَهُ لِلْكُلِّ الْمُعَيَّنِ الَّذِي أَوَّلُهُ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ وَآخِرُهُ الْمَنْكِبُ فَإِنَّ مَا بَيْنَ ذَلِكَ يَكُونُ أَجْزَاءَ الْمُسَمَّى، وَعَلَى التَّوَاطُؤِ جُزْئِيَّاتُهُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَقَدْ أُضِيفَ إلَيْهِ الْقَطْعُ (لَكِنْ نَعْلَمُ إرَادَةَ الْقَطْعِ فِي خُصُوصٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْكُلِّ لَا إرَادَةُ الْقَطْعِ مِنْ الْمَنْكِبِ، وَلَا الْإِطْلَاقُ لِلْحَاكِمِ بِأَنْ يَقْطَعَ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ شَاءَ (وَلَا مُعَيَّنَ) لِذَلِكَ الْخُصُوصِ (فَإِجْمَالُهُ فِيهِ) أَيْ فَكَانَ الْقَطْعُ مُجْمَلًا فِي حَقِّ الْمَحِلِّ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَأَمَّا إلْزَامُ أَنْ لَا مُجْمَلَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَتِمُّ هَذَا التَّوْجِيهُ لِلْإِجْمَالِ فِي الْيَدِ وَالْقَطْعِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ مُجْمَلٍ إلَّا يَجْرِي فِيهِ هَذَا بِعَيْنِهِ (فَدُفِعَ) هَذَا الْإِلْزَامُ (بِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ جَرَيَانَ هَذَا التَّوْجِيهِ فِي كُلِّ مُجْمَلٍ (إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ) الْإِجْمَالُ بِدَلِيلِهِ (لَكِنْ تَعَيُّنُهُ) أَيْ الْإِجْمَالِ (ثَابِتٌ بِالْعِلْمِ بِالِاشْتِرَاكِ

وَالْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ) وَهِيَ كُلُّهَا مُجْمَلَةٌ لِصِدْقِ الْمُجْمَلِ عَلَيْهَا (السَّادِسَةُ لَا إجْمَالَ فِيمَا لَهُ مُسَمَّيَانِ لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ بَلْ) ذَلِكَ اللَّفْظُ إذَا صَدَرَ عَنْ الشَّرْعِ (ظَاهِرٌ فِي الشَّرْعِيِّ) فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّهْيِ وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَثَانِيهَا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ مُجْمَلٌ فِيهِمَا (وَثَالِثُهَا لِلْغَزَالِيِّ فِي النَّهْيِ مُجْمَلٌ) وَفِي الْإِثْبَاتِ لِلشَّرْعِيِّ (وَرَابِعُهَا) لِقَوْمٍ مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ هُوَ (فِيهِ) أَيْ فِي النَّهْيِ (لِلُّغَوِيِّ) وَفِي الْإِثْبَاتِ لِلشَّرْعِيِّ (لَنَا عُرْفُهُ) أَيْ الشَّرْعِ (يَقْضِي بِظُهُورِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (فِيهِ) أَيْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ (الْإِجْمَالُ) فِيهِمَا (يَصْلُحُ لِكُلٍّ) مِنْهُمَا وَلَمْ يَظْهَرْ لِأَحَدِهِمَا، وَأُجِيبَ بِظُهُورِهِ فِي الشَّرْعِيِّ بِمَا ذَكَرْنَا (الْغَزَالِيُّ الشَّرْعِيُّ مَا وَافَقَ أَمْرَهُ) أَيْ الشَّرْعِ (وَهُوَ) أَيْ مَا وَافَقَ أَمْرَهُ (الصَّحِيحُ) فَالشَّرْعِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا يَتَأَتَّى فِي الْإِثْبَاتِ (وَيَمْتَنِعُ فِي النَّهْيِ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ (أُجِيبَ لَيْسَ الشَّرْعِيُّ الصَّحِيحَ بَلْ) إنَّمَا هُوَ (الْهَيْئَةُ) أَيْ مَا يُسَمِّيهِ الشَّرْعُ بِذَلِكَ الِاسْمِ مِنْ الْهَيْئَاتِ الْمَخْصُوصَةِ صَحَّتْ أَوْ لَمْ تَصِحَّ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ «قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُجْمَلًا فِي الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَالدُّعَاءِ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ غَيْرُ مَنْهِيَّةٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ قُلْت عَلَى أَنَّ امْتِنَاعَ الشَّرْعِيِّ فِي النَّهْيِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِي اللُّغَوِيِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي تَوْجِيهِ الرَّابِعِ لَا مُجْمَلًا (وَالرَّابِعُ مِثْلُهُ) أَيْ وَتَوْجِيهُ الْقَوْلِ الرَّابِعِ كَتَوْجِيهِ الثَّالِثِ (غَيْرَ) أَنَّهُ يُقَالُ (إنَّهُ) أَيْ اللَّفْظَ (فِي النَّهْيِ لِلُّغَوِيِّ؛ إذْ لَا ثَالِثَ) لِلُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ (وَقَدْ تَعَذَّرَ الشَّرْعِيُّ) لِلُزُومِ صِحَّتِهِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ كَبَيْعِ الْحُرِّ فَتَعَيَّنَ اللُّغَوِيُّ فَلَا إجْمَالَ (وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّ الشَّرْعِيَّ لَيْسَ الصَّحِيحَ، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الدُّعَاءُ، وَبُطْلَانُهُ ظَاهِرٌ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ (فَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَاعْتَبَرُوا وَصْفَ الصِّحَّةِ فِي الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى مَا يُعْرَفُ) فِي النَّهْيِ (فَالصِّحَّةُ فِي الْمُعَامَلَةِ تَرَتُّبُ الْآثَارِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِ الْفَسْخِ، وَالْفَسَادُ عِنْدَهُمْ) تَرَتُّبُ الْآثَارِ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ وُجُوبِ الْفَسْخِ (وَإِنْ كَانَ) الصَّحِيحُ (عِبَادَةً فَالتَّرَتُّبُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ اعْتَبَرُوا فِي الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ الصِّحَّةَ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ، وَهِيَ تَرَتُّبُ الْآثَارِ وَاسْتِتْبَاعُ الْغَايَةِ وَهَذَا الْقَدْرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَ تَمَامَ مَعْنَى الصِّحَّةِ مُطْلَقًا بَلْ فِي الْعِبَادَاتِ أَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَالصِّحَّةُ عِنْدَهُمْ ذَلِكَ مَعَ قَيْدِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَطْلُوبِ التَّفَاسُخِ فَأَمَّا تَرَتُّبُ الْآثَارِ فَقَطْ فِيهِمَا فَهُوَ الْفَسَادُ عِنْدَهُمْ لِفَرْقِهِمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، وَالْبَاطِلُ وَهُوَ مَا لَا تَرَتُّبَ فِيهِ أَصْلًا فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِي الِاسْمِ تَرَتُّبَ الْأَثَرِ الْمَطْلُوبِ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ تَارَةً وَتَارَةً بَعْضُ الصِّحَّةِ (فَيُرَادُ) بِالِاسْمِ الشَّرْعِيِّ (فِي النَّفْيِ الصُّورَةُ مَعَ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ وَيَكُونُ مَجَازًا شَرْعِيًّا فِي جُزْءِ الْمَفْهُومِ) حَتَّى يَكُونَ اسْمُ الصَّلَاةِ فِي لَا صَلَاةَ لِلْأَفْعَالِ الْمَعْلُومَةِ مَعَ النِّيَّةِ لَا غَيْرُ (السَّابِعَةُ إذَا حَمَلَ الشَّارِعُ لَفْظًا شَرْعِيًّا عَلَى آخَرَ وَأَمْكَنَ فِي وَجْهِ التَّشْبِيهِ مُجْمَلَانِ شَرْعِيٌّ وَلُغَوِيٌّ لَزِمَ الشَّرْعِيُّ كَ «الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ لَكُمْ فِيهِ الْكَلَامَ فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ» كَمَا هُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (يَصِحُّ ثَوَابًا أَوْ لِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ) فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ وَكُلٌّ مِنْ الثَّوَابِ وَاشْتِرَاطِهَا هُوَ الْمَعْنَى (الشَّرْعِيُّ أَوْ لِوُقُوعِ الدُّعَاءِ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّوَافِ (وَهُوَ) أَيْ وُقُوعُ الدُّعَاءِ فِيهِ هُوَ الْمَعْنَى (اللُّغَوِيُّ وَالِاثْنَانِ جَمَاعَةٌ) كَمَا هُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ «اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ (فِي ثَوَابِهَا) أَيْ الْجَمَاعَةِ (وَسُنَّةُ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ) عَلَيْهِمْ (وَالْمِيرَاثُ) حَتَّى يَحْجُبَ الِاثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ كَالثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا وَهَذَا هُوَ الشَّرْعِيُّ (أَوْ يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الِاثْنَيْنِ أَنَّهُمَا جَمَاعَةٌ (لُغَةً) . وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ إلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ (لَنَا عُرْفُهُ) أَيْ الشَّارِعِ (تَعْرِيفُ الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ بُعِثَ لِبَيَانِهَا (وَأَيْضًا لَمْ يُبْعَثْ لِتَعْرِيفِ

الفصل الثالث في المفرد باعتبار مقايسته إلى مفرد آخر

اللُّغَةِ) فَيُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبَعْثَةِ (قَالُوا) أَيْ الْمُجَمِّلُونَ: وَكَانَ الْأَحْسَنُ سَبْقَ ذِكْرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ (يَصِحُّ) اللَّفْظُ (لَهُمَا وَلَا مُعَرِّفَ) لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ (قُلْنَا) : مَمْنُوعٌ بَلْ (مَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّ عُرْفَ الشَّارِعِ تَعْرِيفُ الْأَحْكَامِ لَا اللُّغَةِ (مُعَرِّفٌ) أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ. (الثَّامِنَةُ إذَا تَسَاوَى إطْلَاقُ لَفْظٍ لِمَعْنًى وَلِمَعْنَيَيْنِ فَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ اللَّفْظُ (مُجْمَلٌ) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَيَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ وَقِيلَ يَتَرَجَّحُ الْمَعْنَيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً (كَالدَّابَّةِ لِلْحِمَارِ لَهُ) أَيْ لِلْحِمَارِ (مَعَ الْفَرَسِ وَمَا رُجِّحَ بِهِ) الْقَوْلُ بِظُهُورِهِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ (مِنْ كَثْرَةِ الْمَعْنَى) أَيْ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ أَكْثَرُ فَائِدَةً فَالظَّاهِرُ أَرَادَ بِهِمَا (إثْبَاتَ الْوَضْعِ بِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ) وَقَدْ عُرِفَ بُطْلَانُهُ كَذَا قَالُوهُ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُ هَذَا إثْبَاتَ الْوَضْعِ بِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ (غَلَطٌ بَلْ) هُوَ (إرَادَةُ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ) لِلَّفْظِ (بِهَا) أَيْ بِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِبَاطِلٍ (نَعَمْ هُوَ) أَيْ هَذَا التَّرْجِيحُ (مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْحَقَائِقَ لِمَعْنًى أَغْلَبُ) مِنْهَا لِمَعْنَيَيْنِ فَجَعْلُهُ مِنْ الْأَكْثَرِ أَظْهَرُ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُجْمِلِينَ: اللَّفْظُ (يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَةَ) أَيْ الِاشْتِرَاكَ اللَّفْظِيَّ وَالتَّوَاطُؤَ وَالْمَجَازَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى وَالْمَعْنَيَيْنِ (كَمَا فِي وَالسَّارِقُ) أَيْ كَمَا تَحْتَمِلُهَا الْيَدُ وَالْقَطْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعَانِيهِمَا فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ، وَوُقُوعُ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْأَقْرَبُ فَيَظُنُّ عَدَمَ الْإِجْمَالِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (انْدَفَعَ) هُنَا أَيْضًا بِمَا انْدَفَعَ بِهِ ثَمَّةَ مِنْ أَنَّهُ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ بِعَدَمِ الْإِجْمَالِ، وَهُوَ بَاطِلٌ هَذَا. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَكُونُ مُجْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى وَإِلَى الْمَعْنَيَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَحَدَهُمَا فَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدَهُمَا كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُجْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِوُجُودِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَيُعْمَلُ بِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ أَيْضًا وَإِنَّمَا يَكُونُ مُجْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ [الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ مُقَايَسَتِهِ إلَى مُفْرَدٍ آخَرَ] (الْفَصْلُ الثَّالِثُ) فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ مُقَايَسَتِهِ إلَى مُفْرَدٍ آخَرَ (هُوَ بِالْمُقَايَسَةِ إلَى آخَرَ إمَّا مُرَادِفٌ) لِلْآخَرِ وَقَوْلُهُ: (مُتَّحِدٌ مَفْهُومُهُمَا) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّرَادُفَ تَوَارُدُ كَلِمَتَيْنِ فَصَاعِدًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ بِأَصْلِ الْوَضْعِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَخَرَجَ بِقَيْدِ الِانْفِرَادِ التَّابِعُ وَالْمَتْبُوعُ وَبِأَصْلِ الْوَضْعِ الدَّالَّةُ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ مَجَازًا وَالدَّالُّ بَعْضُهَا مَجَازًا وَبَعْضُهَا حَقِيقَةً وَبِوَحْدَةِ الْمَعْنَى مَا يَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَالتَّأْكِيدِ وَالْمُؤَكِّدِ وَبِوَحْدَةِ الْجِهَةِ الْحَدُّ وَالْمَحْدُودُ فَمِنْ هُنَا قِيلَ الْمُتَرَادِفُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ دَالٌّ بِالْوَضْعِ عَلَى مَدْلُولِ لَفْظٍ آخَرَ مُفْرَدٍ دَالٍّ بِالْوَضْعِ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّرَادُفِ الَّذِي هُوَ رُكُوبُ وَاحِدٍ خَلْفَ آخَرَ كَأَنَّ الْمَعْنَى مَرْكُوبٌ، وَاللَّفْظَانِ رَاكِبَانِ عَلَيْهِ (كَالْبُرِّ وَالْقَمْحِ) لِلْحَبِّ الْمَعْرُوفِ (أَوْ مُبَايِنٌ) لِلْآخَرِ، وَقَوْلُهُ (مُخْتَلِفُهُ) أَيْ الْمَفْهُومُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّبَايُنَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَعْنَى؛ إذْ الْمُبَايَنَةُ الْمُفَارَقَةُ وَمَتَى اخْتَلَفَ الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ الْمَرْكُوبُ وَاحِدًا فَتَتَحَقَّقُ الْمُفَارَقَةُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَرْكُوبَيْنِ (تَوَاصَلَتْ) مَعَانِيهِمَا بِأَنْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهَا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اسْمًا لِلذَّاتِ وَالْآخَرُ صِفَةً لَهَا (كَالسَّيْفِ وَالصَّارِمِ) فَإِنَّ السَّيْفَ اسْمٌ لِلذَّاتِ الْمَعْرُوفَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ كَالَّةً أَمْ لَا وَالصَّارِمُ مَدْلُولُهُ شَدِيدُ الْقَطْعِ، وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي سَيْفٍ قَاطِعٍ أَوْ أَحَدُهُمَا صِفَةً وَالْآخَرُ صِفَةَ الصِّفَةِ كَالنَّاطِقِ وَالْفَصِيحِ فَإِنَّ النَّاطِقَ صِفَةُ الْإِنْسَانِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فَصِيحًا وَقَدْ لَا يَكُونُ فَالْفَصِيحُ صِفَةُ النَّاطِقِ وَتَجْمِيعُ الثَّلَاثَةِ فِي زَيْدٌ مُتَكَلِّمٌ فَصِيحٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ تَفَاصَلَتْ لِعَدَمِ إمْكَانِ اجْتِمَاعِهَا كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ (مَسْأَلَةُ: الْمُتَرَادِفُ وَاقِعٌ خِلَافًا لِقَوْمٍ

قَوْلُهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ لَوْ وَقَعَ لَزِمَ تَعْرِيفُ الْمُعَرَّفِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الثَّانِيَ يُعَرِّفُ مَا عَرَّفَهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُحَالٌ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ: (لَا فَائِدَةَ فِي تَعْرِيفِ الْمُعَرَّفِ لَوْ صَحَّ لَزِمَ امْتِنَاعُ تَعَدُّدِ الْعَلَامَاتِ) ؛ لِأَنَّ كِلَا الْمُتَرَادِفَيْنِ عَلَامَةٌ عَلَى الْمَعْنَى يَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ بِهِمَا بَدَلًا لَا مَعًا وَاللَّازِمُ مَمْنُوعٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ (ثُمَّ فَائِدَتُهُ) أَيْ التَّرَادُفِ (التَّوَصُّلُ إلَى الرَّوِيِّ) وَهُوَ الْحَرْفُ الَّذِي تُبْنَى عَلَيْهِ الْقَصِيدَةُ وَيَلْزَمُ فِي كُلِّ بَيْتٍ إعَادَتُهُ فِي آخِرِهِ فَإِنَّ أَحَدَ الْمُتَرَادِفَيْنِ قَدْ يَصْلُحُ لِلرَّوِيِّ كَالْإِنْسَانِ دُونَ الْآخَرِ كَالْبَشَرِ كَمَا فِي قَوْلِ الْحَمَاسِيِّ كَأَنَّ رَبَّك لَمْ يَخْلُقْ لِخَشْيَتِهِ ... سِوَاهُمْ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إنْسَانَا (وَأَنْوَاعُ الْبَدِيعِ) كَالتَّجْنِيسِ (إذْ قَدْ يَتَأَتَّى بِلَفْظٍ دُونَ آخَرَ) كَمَا فِي: رَحْبَةٌ رَحَبَةٌ إذْ لَوْ قِيلَ وَاسِعَةٌ عُدِمَ التَّجَانُسُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَأَيْضًا فَالْجُلُوسُ وَالْقُعُودُ وَالْأَسَدُ وَالسَّبُعُ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ كَوْنُهُ مِنْ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ) كَمَا يَتَأَتَّى فِي السَّيْفِ وَالصَّارِمِ (أَوْ الصِّفَاتِ) كَمَا فِي الْمُنْشِئِ وَالْكَاتِبِ (أَوْ الصِّفَةِ وَصِفَتِهَا كَالْمُتَكَلِّمِ وَالْفَصِيحِ يُحَقِّقُهُ) أَيْ التَّرَادُفُ (فَلَا يَقْبَلُ) وُقُوعُهُ (التَّشْكِيكَ) بِأَنْ يُقَالَ: مَا يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ بَابٍ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ لَكِنْ وَقَعَ الِالْتِبَاسُ بِشِدَّةِ الِاتِّصَالِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي فَظُنَّ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمَعْنًى وَاحِدٍ (مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ إيقَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْمُتَرَادِفَيْنِ (بَدَلَ الْآخَرِ إلَّا لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا هُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ (إذْ لَا حَجْرَ فِي التَّرْكِيبِ لُغَةً بَعْدَ صِحَّةِ تَرْكِيبِ مَعْنَى الْمُتَرَادِفَيْنِ) كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ مِنْ لُغَةٍ لَا مِنْ لُغَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَفِي الْمَحْصُولِ إنَّهُ الْحَقُّ (قَالُوا لَوْ صَحَّ) وُقُوعُ كُلٍّ بَدَلَ الْآخَرِ (لَصَحَّ خَدَّايَ أَكْبَرُ) فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَ اللَّهُ أَكْبَرُ؛ لِأَنَّهُ مُرَادِفُهُ (قُلْنَا الْحَنَفِيَّةُ يَلْتَزِمُونَهُ) أَيْ أَنَّهُ صَحِيحٌ (وَالْآخَرُونَ) الْمَانِعُونَ لَهُ مِنْ الْمُجَوِّزِينَ إنَّمَا هُوَ (لِلْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ) وَهُوَ التَّعَبُّدُ بِاللَّفْظِ الْمُتَوَارَثِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ الْجَوَازِ انْتِفَاءُ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ (وَأَمَّا كَوْنُ اخْتِلَاطِ اللُّغَتَيْنِ مَانِعًا مِنْ التَّرْكِيبِ بَعْدَ الْفَهْمِ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ (فَبِلَا دَلِيلٍ سِوَى عَدَمِ فِعْلِهِمْ) أَيْ الْعَرَبِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ (وَقَدْ يَبْطُلُ) هَذَا (بِالْمُعَرَّبِ) وَهُوَ لَفْظٌ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي مَعْنًى وُضِعَ لَهُ فِي غَيْرِ لُغَتِهِمْ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يُرَكَّبُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْكَلِمَاتِ الْعَرَبِيَّةِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِلَاطُ اللُّغَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ (وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَجَمِيَّةِ) بِالتَّعْرِيبِ لِيَنْتَفِيَ الِاخْتِلَاطُ فَإِنْ قِيلَ بَلْ أَخْرَجُوهُ عَنْهَا بِشَهَادَةِ تَغْيِيرِهِمْ لَفْظَهُ فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ (وَالتَّغْيِيرِ) لِلَفْظِهِ مَادَّةً وَهَيْئَةً (لِعَدَمِ إحْسَانِهِمْ النُّطْقَ بِهِ أَوْ التَّلَاعُبِ لَا قَصْدًا لِجَعْلِهِ عَرَبِيًّا، وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ التَّعْرِيبَ قَصْدٌ لِجَعْلِ الْمُعَرَّبِ مِنْ لُغَتِهِمْ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ كَوْنُ اخْتِلَاطِ اللُّغَتَيْنِ مَانِعًا مِنْ التَّرْكِيبِ (لَا يَسْتَلْزِمُ) عَدَمُ فِعْلِهِمْ (الْحُكْمَ بِامْتِنَاعِهِ) أَيْ اخْتِلَاطُ اللُّغَتَيْنِ لِيَلْزَمَ مِنْهُ امْتِنَاعُ إيقَاعِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَرَادِفَيْنِ بَدَلَ الْآخَرِ (إلَّا مَعَ عَدَمِ عِلْمِ الْمُخَاطَبِ) بِمَعْنَى ذَلِكَ اللَّفْظِ الْمُرَادِفِ مِنْ لُغَةٍ أُخْرَى (مَعَ قَصْدِ الْإِفَادَةِ) لَهُ بِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ الْمُخْتَلِطِ، وَنَحْنُ لَا نَرَى جَوَازَهُ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا بَلْ هُوَ حِينَئِذٍ كَضَمِّ مُهْمَلٍ إلَى مُسْتَعْمَلٍ لَا الْمَنْعُ مُطْلَقًا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَهُ فِي لُغَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا جَوَازَ وُقُوعِهِ إفْرَادًا وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي هَذَا ثُمَّ كَمَا قِيلَ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُجَوِّزَ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْقُرْآنِ فَبَاطِلٌ قَطْعًا، وَإِنْ أَرَادَ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي، وَإِنْ أَرَادَ فِي الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ فَهُوَ إمَّا عَلَى الْخِلَافِ أَوْ الْمَنْعِ رِعَايَةً لِخُصُوصِيَّةِ الْأَلْفَاظِ فِيهَا وَإِنْ أَرَادَ فِي غَيْرِهَا فَهُوَ صَوَابٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ لُغَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ (مَسْأَلَةٌ وَلَيْسَ مِنْهُ)

أَيْ الْمُتَرَادِفِ (الْحَدُّ وَالْمَحْدُودُ أَمَّا التَّامُّ فَلِاسْتِدْعَائِهِ تَعَدُّدَ الدَّالِّ عَلَى أَبْعَاضِهِ) أَيْ الْمَحْدُودِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ التَّامَّ مُرَكَّبٌ يَدُلُّ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَحْدُودِ بِأَوْضَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَدَلَالَتُهُ عَلَيْهَا تَفْصِيلِيَّةٌ وَالْمَحْدُودُ يَدُلُّ عَلَيْهَا بِوَضْعٍ وَاحِدٍ فَدَلَالَتُهُ إجْمَالِيَّةٌ فَهُمَا، وَإِنْ دَلَّا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ لَا يَدُلَّانِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ (وَأَمَّا النَّاقِصُ فَإِنَّمَا مَفْهُومُهُ الْجُزْءُ الْمُسَاوِي) لِلْمَحْدُودِ وَهُوَ الْفَصْلُ لِإِتْمَامِ مَاهِيَّةِ الْمَحْدُودِ (فَلَا تَرَادُفَ) لِعَدَمِ اتِّحَادِهِمَا (اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ لَا يُلْتَزَمَ الِاصْطِلَاحُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِفْرَادِ) فِي التَّرَادُفِ فَيَكُونَ الْحَدُّ التَّامُّ وَالْمَحْدُودُ مُتَرَادِفَيْنِ (فَهِيَ) أَيْ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (لَفْظِيَّةٌ) حِينَئِذٍ لِرُجُوعِ الْخِلَافِ فِيهَا إلَى اشْتِرَاطِ الْإِفْرَادِ وَعَدَمِهِ فِي الْمُتَرَادِفَيْنِ فَلَوْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ لَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَا مُتَرَادِفَيْنِ، وَلَوْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ قُلْت: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ رُجُوعَ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا فِي مِثْلِ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ اتِّحَادَ الْجِهَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ نَعَمْ يَتِمُّ فِي مِثْلِ الْإِنْسَانُ قَاعِدٌ وَالْبَشَرُ جَالِسٌ، وَأَمَّا الْحَدُّ اللَّفْظِيُّ فَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِهِ مَعَ الْمَحْدُودِ مُتَرَادِفَيْنِ (وَلَا التَّابِعُ مَعَ الْمَتْبُوعِ) فِي مِثْلِ (حَسَنٌ بَسَنٌ) شَيْطَانٌ لَيْطَانٌ عَطْشَانُ نَطْشَانُ جَائِعٌ نَائِعٌ مِنْ الْمُتَرَادِفِ (قِيلَ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّابِعَ (إذَا أُفْرِدَ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ) كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَأَنَّى يَكُونُ مُرَادِفًا لِمَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى مُعَيَّنٍ أُفْرِدَ أَوْ لَمْ يُفْرَدْ وَهُوَ الْمَتْبُوعُ (فَإِنْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ) أَيْ التَّابِعِ (مَشْرُوطَةً) بِذِكْرِهِ مَعَ مَتْبُوعِهِ (فَهُوَ حَرْفٌ) لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْحُرُوفِ، وَلَا تَرَادُفَ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْحَرْفِ ثُمَّ نَقُولُ (وَلَيْسَ) بِحَرْفٍ إجْمَاعًا فَهَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ صَحِيحٍ (وَقِيلَ) كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَدِيعِ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ (لَفْظٌ بِوَزْنِ الْأَوَّلِ لِازْدِوَاجِهِ لَا مَعْنَى لَهُ) وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْأَوَّلِ (وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ) أَيْ التَّابِعَ لَفْظٌ يُذْكَرُ (لِتَقْوِيَةِ مَتْبُوعٍ خَاصٍّ) فِي دَلَالَتِهِ عَلَى مَعْنَاهُ بِزِنَتِهِ وَهُوَ الْمَسْمُوعُ تَابِعًا لَهُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي تَعْرِيفِهِ (لَزِمَ نَحْوُ زَيْدٌ بَسَنٌ) أَيْ جَوَازُ مِثْلِ هَذَا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مَتْبُوعُهُ الْخَاصُّ وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ وَالْأَوْلَى نَحْوُ جَمَلٌ بَسَنٌ (وَأَمَّا التَّأْكِيدُ) بِكُلٍّ وَأَجْمَعَ وَتَصَارِيفِهِ (كَأَجْمَعِينَ فَلِتَقْوِيَةِ) مَدْلُولٍ (عَامٍّ سَابِقٍ) عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَصِحُّ التَّأْكِيدُ بِهِمَا إلَّا لِذِي أَجْزَاءٍ يَصِحُّ افْتِرَاقُهَا حِسًّا أَوْ حُكْمًا (فَوَضْعُهُ) أَيْ هَذَا التَّأْكِيدِ (أَعَمُّ مِنْ) وَضْعِ (التَّابِعِ) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ مَتْبُوعٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ لَهُ بِخِلَافِ التَّابِعِ (فَلَا تَرَادُفَ) بَيْنَ الْمُؤَكِّدِ وَالْمُؤَكَّدِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ مَعْنَاهُمَا (وَمَا قِيلَ الْمُرَادِفُ لَا يَزِيدُ مُرَادِفَهُ قُوَّةً) كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدِيعِ بِلَفْظِ الْمُرَادِفِ لَا يَزِيدُ مُرَادِفَهُ إيضَاحًا وَالْمُؤَكِّدُ خِلَافُهُ (مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَكُونُ) الْمُرَادِفُ مَعَ مُرَادِفِهِ (أَقَلَّ مِنْ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ) وَهُوَ مِمَّا يُفِيدُ مُؤَكِّدَهُ قُوَّةً حَتَّى يَنْدَفِعَ بِهِ تَوَهُّمُ التَّجَوُّزِ وَالسَّهْوِ ثُمَّ الَّذِي يَتَلَخَّصُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّابِعِ وَالْمُرَادِفِ وَالْمُؤَكِّدِ أَنَّ التَّابِعَ يُشْتَرَطُ فِيهِ زِنَةُ الْأَوَّلِ دُونَهُمَا وَذِكْرُ مَتْبُوعٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَهُ دُونَهُمَا نَعَمْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمُؤَكَّدِ قَبْلَ الْمُؤَكِّدِ وَلَا تَرْتِيبَ لَازِمٌ فِي الْمُتَرَادِفَيْنِ وَيُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَرَادِفَيْنِ مُنْفَرِدًا بِخِلَافِ الْمُؤَكِّدِ فَإِنَّ مِنْهُ مَا لَا يُسْتَعْمَلُ كَذَلِكَ كَأَجْمَعَ ثُمَّ هَذَا فِيمَا عَدَا أَكْتَعَ وَأَتْبَعَ وَأَبْصَعَ بِمُهْمَلَةٍ وَمُعْجَمَةٍ فَأَمَّا هِيَ فَإِتْبَاعٌ لِأَجْمَعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ حَتَّى نَصَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَهَا بِدُونِهِ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ تَكُونُ الْمُقَايَسَةُ) بَيْنَ الِاسْمَيْنِ (بِالذَّاتِ لِلْمَعْنَى فَيَكْتَسِبُهُ) أَيْ الْمَعْنَى (الِاسْمُ لِدَلَالَتِهِ) أَيْ الِاسْمِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَعْنَى (فَالْمَفْهُومُ بِالنِّسْبَةِ إلَى) مَفْهُومٍ (آخَرَ إمَّا مُسَاوٍ) لَهُ (يَصْدُقُ كُلٌّ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْآخَرُ) كَالْإِنْسَانِ وَالنَّاطِقِ فَيَصْدُقُ

الفصل الرابع في المفرد باعتبار مدلوله

كُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ عَلَى كُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ نَاطِقٌ وَبِالْعَكْسِ الْكُلِّيُّ (أَوْ مُبَايِنٌ) لَهُ (مُبَايَنَةً كُلِّيَّةً لَا يَتَصَادَقَانِ) أَصْلًا كَالْحَجَرِ وَالْإِنْسَانِ (أَوْ) مُبَايِنٌ لَهُ مُبَايَنَةً (جُزْئِيَّةً يَتَصَادَقَانِ) فِي مَادَّةٍ (وَيَتَفَارَقَانِ) فِي مَادَّتَيْنِ (كَالْإِنْسَانِ وَالْأَبْيَضِ وَالْعَامِّ وَالْمَجَازِ وَلَا وَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوبٍ) فَيَصْدُقُ الْإِنْسَانُ وَالْأَبْيَضُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْأَبْيَضِ وَالْإِنْسَانُ لَا الْأَبْيَضُ عَلَى الزِّنْجِيِّ وَالْأَبْيَضُ لَا الْإِنْسَانُ عَلَى الثَّلْجِ وَالْعَامُّ وَالْمَجَازُ عَلَى الْعَامِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا، وَالْعَامُّ لَا الْمَجَازُ عَلَى الْعَامِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ، وَالْمَجَازُ لَا الْعَامُّ عَلَى الْمَجَازِ الْخَاصِّ، وَلَا وَاجِبٌ لَا مَنْدُوبٌ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَلَا وَاجِبٌ لَا لَا مَنْدُوبٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَلَا مَنْدُوبٌ لَا لَا وَاجِبٌ عَلَى الْوَاجِبِ (وَإِمَّا أَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْآخَرِ (مُطْلَقًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْآخَرِ (وَعَلَى غَيْرِهِ) صِدْقًا كُلِّيًّا (كَالْعِبَادَةِ) تَصْدُقُ (عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ) وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ لَهَا (وَالْحَيَوَانُ) يَصْدُقُ (عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ) وَسَائِرِ أَنْوَاعِهِ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ لَهَا (وَنَقِيضَا الْمُتَسَاوِيَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ) فَيَصْدُقُ كُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ لَا إنْسَانٌ عَلَى كُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ لَا نَاطِقٌ وَبِالْعَكْسِ الْكُلِّيُّ (وَ) نَقِيضَا (الْمُتَبَايِنَيْنِ مُطْلَقًا) أَيْ مُبَايَنَةً كُلِّيَّةً أَوْ جُزْئِيَّةً (مُتَبَايِنَانِ مُبَايَنَةً جُزْئِيَّةً كَلَا إنْسَانٍ وَلَا أَبْيَضَ وَلَا إنْسَانٍ وَلَا فَرَسٍ إلَّا أَنَّهَا) أَيْ الْمُبَايَنَةَ الْجُزْئِيَّةَ (فِي الْأَوَّلِ) أَيْ لَا إنْسَانٌ وَلَا أَبْيَضُ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا مِمَّا بَيْنَ عَيْنَيْهِمَا مُبَايَنَةٌ جُزْئِيَّةٌ (تَخُصُّ الْعُمُومَ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ الثَّانِي) أَيْ لَا إنْسَانٌ وَلَا فَرَسٌ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا مِمَّا بَيْنَ عَيْنَيْهِمَا مُبَايَنَةٌ كُلِّيَّةٌ (فَقَدْ يَكُونُ) تَبَايُنُ نَقِيضِهِمَا تَبَايُنًا (كُلِّيًّا كَلَا مَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ عَلَى) تَقْدِيرِ (نَفْيِ الْحَالِ) وَهُوَ صِفَةٌ لِمَوْجُودٍ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي نَفْسِهَا وَلَا مَعْدُومَةٍ كَالْأَجْنَاسِ وَالْفُصُولِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى مَعْلُومٍ أَنَّهُ لَا مَوْجُودٌ وَلَا مَعْدُومٌ وَقَدْ يَكُونُ تَبَايُنُ نَقِيضِهِمَا تَبَايُنًا جُزْئِيًّا كَلَا إنْسَانٍ وَلَا فَرَسٍ (وَمَا بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ يَتَعَاكَسُ نَقِيضَاهُمَا فَنَقِيضُ الْأَعَمِّ) كَلَا عِبَادَةٍ (أَخَصُّ مِنْ نَقِيضِ الْأَخَصِّ) كَلَا صَلَاةٍ (وَنَقِيضُ الْأَخَصِّ أَعَمُّ مِنْ نَقِيضِ الْأَعَمِّ) وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ [الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِهِ] [التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ تَعَدَّى الْمُفْرَدِ إِلَيَّ كُلِّي وجزئي] (الْفَصْلُ الرَّابِعُ) فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِهِ (وَفِيهِ تَقَاسِيمُ) التَّقْسِيمُ (الْأَوَّلُ وَيَتَعَدَّى إلَيْهِ) أَيْ الْمُفْرَدِ (مَنْ مَعْنَاهُ إمَّا كُلِّيٌّ لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ فَقَطْ) أَيْ مُجَرَّدَ ذَلِكَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا سِوَاهُ (مِنْ الشَّرِكَةِ فِيهِ) أَيْ شَرِكَةِ غَيْرِهِ فِي مَعْنَاهُ فَدَخَلَ مَا بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مِمَّا امْتَنَعَ وُجُودُ مَعْنَاهُ أَصْلًا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَمَا أَمْكَنَ وَلَمْ يُوجَدْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَبَحْرِ زِئْبَقٍ وَمَا وُجِدَ فَرْدٌ مِنْهُ قَطْعًا وَامْتَنَعَ غَيْرُهُ كَالْإِلَهِ أَيْ الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ وَمَا وُجِدَ فَرْدٌ مِنْهُ قَطْعًا وَأَمْكَنَ غَيْرُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَصْلًا كَالشَّمْسِ أَيْ الْكَوْكَبِ النَّهَارِيِّ الْمُضِيءِ كَمَا دَخَلَ مَا أَمْكَنَ عَقْلًا وَوُجِدَتْ أَفْرَادُهُ قَطْعًا كَالْإِنْسَانِ ثُمَّ هُوَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا حَقِيقِيٌّ، وَهُوَ مَا صَلُحَ أَنْ يَنْدَرِجَ تَحْتَهُ شَيْءٌ آخَرُ بِحَسَبِ فَرْضِ الْعَقْلِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ الِانْدِرَاجُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ لَا وَسُمِّيَ بِالْحَقِيقِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْجُزْئِيِّ الْحَقِيقِيِّ الْآتِي مُقَابَلَةَ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ ثَانِيهِمَا إضَافِيٌّ وَهُوَ مَا انْدَرَجَ تَحْتَهُ شَيْءٌ آخَرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَخُصَّ بِالْإِضَافِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ أَظْهَرُ مِنْهَا فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْهُ وَمُقَابِلٌ لِلْجُزْئِيِّ الْإِضَافِيِّ الْآتِي تَقَابُلَ التَّضَايُفِ (أَوْ جُزْئِيٌّ حَقِيقِيٌّ يَمْنَعُ) تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ شَرِكَةَ غَيْرِهِ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْعِلْمُ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ كُلِّيًّا لِكَوْنِهِ فِي الْغَالِبِ جُزْءًا مِنْ الْجُزْئِيِّ الَّذِي هُوَ كُلٌّ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَالثَّانِي جُزْئِيًّا لِكَوْنِهِ فَرْدًا مِنْ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ جُزْؤُهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَحَقِيقِيًّا؛ لِأَنَّ

جُزْئِيَّتَهُ بِالنَّظَرِ إلَى حَقِيقَتِهِ الْمَانِعَةِ مِنْ الشَّرِكَةِ (بِخِلَافِ) الْجُزْئِيِّ (الْإِضَافِيِّ كُلُّ أَخَصَّ تَحْتَ أَعَمَّ) كَالْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ شَرِكَةَ غَيْرِهِ فِيهِ وَسُمِّيَ هَذَا جُزْئِيًّا أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِضَافِيًّا لِأَنَّ جُزْئِيَّتَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَخَصَّ تَحْتَ أَعَمَّ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الْإِضَافِيِّ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ تَعْرِيفٌ لَهُ لَا تَعْرِيفُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ الْجُزْئِيُّ الْإِضَافِيُّ أَعَمُّ مِنْ الْحَقِيقِيِّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُلِّيَّيْنِ الْعُمُومُ مِنْ وَجْهٍ لِصِدْقِ الْجُزْئِيِّ الْإِضَافِيِّ عَلَى الْجُزْئِيِّ الْحَقِيقِيِّ بِدُونِهِمَا وَصِدْقِهِمَا بِدُونِهِ فِي الْمَفْهُومَاتِ الشَّامِلَةِ وَتَصَادُقِ الْكُلِّيِّ عَلَى الْكُلِّيَّاتِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَبَيْنَ الْجُزْئِيِّ الْحَقِيقِيِّ وَبَيْنَهُمَا الْمُبَايَنَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَالْكُلِّيُّ إنْ تَسَاوَى أَفْرَادُ مَفْهُومِهِ فِيهِ) أَيْ فِي مَفْهُومِهِ (فَمُتَوَاطِئٌ) مِنْ التَّوَاطُؤِ وَهُوَ التَّوَافُقُ لِتَوَافُقِ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ فِيهِ (كَالْإِنْسَانِ أَوْ تَفَاوَتَتْ) أَفْرَادُ مَفْهُومِهِ فِيهِ (بِشِدَّةٍ وَضَعْفٍ كَالْأَبْيَضِ) فَإِنَّ اللَّوْنَ الْمُفَرِّقَ لِلْبَصَرِ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ فِي الثَّلْجِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْعَاجِ (وَالْمُسْتَحَبِّ) فَإِنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ دَلِيلُ نَدْبٍ يَخُصُّهُ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ مَنْ بِعَرَفَاتٍ مِنْ الْحَاجِّ أَقْوَى مِنْهُ فِي صَوْمِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَأَبْلَغُ ثَوَابًا (فَمُشَكِّكٌ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ (لِلتَّرَدُّدِ فِي وَضْعِهِ) أَيْ لِكَوْنِهِ مُوجِبًا لِلنَّاظِرِ التَّرَدُّدَ فِي أَنَّ وَضْعَ لَفْظِهِ (لِلْخُصُوصِيَّاتِ) أَيْ لِأَصْلِ الْمَعْنَى مَعَ الشِّدَّةِ فِي الْبَعْضِ وَالضَّعْفِ فِي الْبَعْضِ (فَمُشْتَرَكٌ) لَفْظِيٌّ بَيْنَهُمَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْبَيَاضَ الْمَأْخُوذَ مَعَ خُصُوصِيَّةِ الشِّدَّةِ مَثَلًا مَعْنًى، وَالْمَأْخُوذَ مَعَ خُصُوصِيَّةِ الضَّعْفِ مَعْنًى آخَرُ وَالْفَرْضُ أَنَّ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّاتِ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى لَفْظِ الْبَيَاضِ (أَوْ) وَضْعُهُ (لِلْمُشْتَرَكِ) أَيْ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ التَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَهُمَا (فَمُتَوَاطِئٌ وَلِهَذَا) بِعَيْنِهِ. (قِيلَ بِنَفْيِهِ) أَيْ التَّشْكِيكِ (لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَحَدُهُمَا) وَهُوَ أَنَّ التَّفَاوُتَ مَأْخُوذٌ فِي الْمَاهِيَّةِ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَلَا اشْتِرَاكَ مَعْنًى لِاخْتِلَافِ الْمَاهِيَّةِ حِينَئِذٍ أَوْ غَيْرُ مَأْخُوذٍ فِيهَا فَلَا تَفَاوُتَ فَيَكُونُ مُتَوَاطِئًا (وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ عَلَى تَسْمِيَةٍ مُتَفَاوِتٌ) بِالشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ فِي أَفْرَادِهِ بِاعْتِبَارِ حُصُولِهِ فِيهَا وَصِدْقِهِ عَلَيْهَا (بِهِ) أَيْ بِالْمُشَكِّكِ (وَالتَّفَاوُتُ وَاقِعٌ فَكَيْفَ يُنْفَى) الْمُشَكِّكُ حِينَئِذٍ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْفَى الْمُشَكِّكُ (بِنَفْيِ مُسَمَّاهُ فَإِنَّ مَا بِهِ) التَّفَاوُتُ (كَخُصُوصِيَّةِ الثَّلْجِ) وَهِيَ شِدَّةُ تَفْرِيقِهِ لِلْبَصَرِ (إنْ أُخِذَتْ فِي مَفْهُومِهِ) أَيْ الْمُشَكِّكِ (فَلَا شَرِكَةَ) لِغَيْرِهِ مَعَهُ فِيهِ (فَلَا تَفَاوُتَ وَلَزِمَ الِاشْتِرَاكُ) اللَّفْظِيُّ كَمَا بَيَّنَّا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَا بِهِ التَّفَاوُتُ غَيْرَ مَأْخُوذٍ فِي مَفْهُومِهِ (فَلَا تَفَاوُتَ) لِأَفْرَادِهِ فِي مَفْهُومِهِ (وَلَزِمَ التَّوَاطُؤُ قُلْنَا مَا بِهِ) التَّفَاوُتُ (مُعْتَبَرٌ فِيمَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةِ لَا فِي نَفْسِهِ) أَيْ الْمَفْهُومِ الَّذِي وُضِعَ لَهُ الِاسْمُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ آنِفًا. (وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ كُلَّ خُصُوصِيَّةٍ مَعَ الْمَفْهُومِ نَوْعٌ) كَمَا أَسْلَفْنَاهُ (وَيَسْتَلْزِمُ أَنَّ مُسَمَّى الْمُشَكِّكِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ لَا يَكُونُ إلَّا جِنْسًا وَمَا بِهِ التَّفَاوُتُ فُصُولٌ تُحَصِّلُهُ) أَيْ الْجِنْسَ (أَنْوَاعًا فَمِنْ الْمَاهِيَّاتِ الْجِنْسِيَّةِ مَا فُصُولُ أَنْوَاعِهَا مَقَادِيرُ مِنْ الشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ وَذَلِكَ) أَيْ مَا فُصُولُ أَنْوَاعِهِ الْمَقَادِيرُ الْمَذْكُورَةُ وَاقِعٌ (فِي مَاهِيَّاتِ الْأَعْرَاضِ وَلِذَا يَقُولُونَ الْمَقُولُ بِالتَّشْكِيكِ) عَلَى أَشْيَاءَ عَارِضٌ لَهَا (خَارِجٌ) عَنْهَا لَا مَاهِيَّةَ لَهَا وَلَا جُزْءَ مَاهِيَّةٍ لِامْتِنَاعِ اخْتِلَافِهِمَا (وَمِنْهَا خِلَافُهُ) أَيْ وَمِنْ الْمَاهِيَّاتِ الْجِنْسِيَّةِ الْعَرَضِيَّةِ مَا لَيْسَ فُصُولُهَا مَقَادِيرَ مِنْهَا كَفَصْلِ نَفْسِ مَاهِيَّةِ الْمُشَكِّكِ الَّذِي يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ مُشَكِّكٍ آخَرَ هُوَ جِنْسٌ يَنْدَرِجُ مَعَهُ تَحْتَ جِنْسٍ أَعَمَّ كَفَصْلِ نَفْسِ السَّوَادِ الَّذِي يُمَيِّزُهُ عَنْ الْبَيَاضِ وَعَكْسِهِ وَهُوَ قَوْلُنَا: قَابِضٌ لِلْبَصَرِ فِي السَّوَادِ وَمُفَرِّقٌ لِلْبَصَرِ

التقسيم الثاني مدلول المفرد إما لفظ كالجملة والخبر أو غيره

فِي الْبَيَاضِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِمِقْدَارٍ خَاصٍّ مِنْ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَهُوَ فَصْلُ الْمَاهِيَّةِ الْعَرَضِيَّةِ نَفْسِهَا مُنْدَرِجٌ كُلٌّ مِنْهُمَا تَحْتَ جِنْسٍ أَعَمَّ مِنْهُمَا هُوَ اللَّوْنُ. كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (ثُمَّ وَضَعَهَا اسْمُ الْمُشَكِّكِ لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِمَا فُصُولُ أَنْوَاعِهِ مَقَادِيرُ مِنْ الشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ مِنْ الْمَاهِيَّاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ فُصُولَ أَنْوَاعِهِ مَقَادِيرُ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ نَفْسَهَا لَهَا فَصْلٌ فِي نَفْسِهَا غَيْرُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا [التَّقْسِيمُ الثَّانِي مَدْلُولُ المفرد إمَّا لَفْظٌ كَالْجُمْلَةِ وَالْخَبَرِ أَوْ غَيْرُهُ] (التَّقْسِيمُ الثَّانِي مَدْلُولُهُ) أَيْ الْمُفْرَدِ (إمَّا لَفْظٌ كَالْجُمْلَةِ وَالْخَبَرِ) فَإِنَّ مَدْلُولَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُرَكَّبٌ خَاصٌّ كَ زَيْدٌ قَائِمٌ وَقَدْ عَرَفْت فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجُمْلَةَ أَعَمُّ مِنْ الْخَبَرِ (وَالِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ) فَإِنَّ مَدْلُولَهَا أَلْفَاظٌ خَاصَّةٌ مِنْ نَحْوِ زَيْدٌ وَعَلِمَ وَقَدْ (عَلَى نَوْعِ تَسَاهُلٍ؛ إذْ الْأَلْفَاظُ مَاصَدَقَاتُ مَدْلُولِهِ) أَيْ الْمُفْرَدِ (الْكُلِّيَّ) لَا نَفْسَ مَدْلُولِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (إلَّا أَنْ يُرَادَ كُلُّ جُمْلَةٍ مُتَحَقِّقَةٍ خَارِجًا) فَيَكُونُ مَدْلُولُهَا اللَّفْظَ الْخَاصَّ بِلَا تَسَاهُلٍ حِينَئِذٍ ضَرُورَةَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِأَمْرٍ مُعَيَّنٍ فِي الْخَارِجِ لَا لِلْمُرَكَّبِ الْكُلِّيِّ الصَّادِقِ عَلَى مِثْلِ: زَيْدٌ قَائِمٌ وَغَيْرُهُ (أَوْ غَيْرُهُ) عَطْفٌ عَلَى " لَفْظٌ " أَيْ أَوْ غَيْرُ لَفْظٍ وَحِينَئِذٍ (فَإِمَّا لَا يَدُلُّ) اللَّفْظُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَدْلُولِهِ (إلَّا بِضَمِيمَةٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى اللَّفْظِ (لِوَضْعِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (لِمَعْنًى جُزْئِيٍّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ فَهُوَ الْحَرْفُ كَمِنْ وَإِلَى) فِي نَحْوِ سِرْت مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَزِمَ كَوْنُ ذِكْرِهِمَا شَرْطَ دَلَالَتِهِ (بِخِلَافِ) الْأَسْمَاءِ (اللَّازِمَةِ لِلْإِضَافَةِ) إلَى غَيْرِهَا كَ ذُو وَقَبْلُ وَبَعْدُ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ مِنْ صَاحِبٍ وَسَبْقٍ وَتَأَخُّرٍ فَالْتُزِمَ ذِكْرُ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ لِبَيَانِهِ لَا لِتَوَقُّفِ مَعْنَاهَا فِي حَدِّ ذَاتِهِ عَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي وُضِعَتْ الْأَلْفَاظُ لَهَا قِسْمَانِ غَيْرُ إضَافِيٍّ وَالْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لَهُ اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ وَإِضَافِيٌّ تَارَةً يُعْتَبَرُ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَاحَظَ تَعَلُّقُهُ بِالْغَيْرِ، وَتَوَقُّفُ تَعَقُّلِهِ عَلَى تَعَقُّلِ الْغَيْرِ، وَاللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إمَّا اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ وَتَارَةً يُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إضَافَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْغَيْرِ مُتَوَقِّفٌ تَعَقُّلُهَا عَلَى تَعَقُّلِ الْغَيْرِ وَاللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ حَرْفٌ، وَلَمَّا كَانَ الْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مَعَ غَيْرِهِ فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ ذِكْرِ الْغَيْرِ؛ مَثَلًا مَفْهُومُ الِابْتِدَاءِ مَفْهُومٌ إضَافِيٌّ فَإِذَا اعْتَبَرْت الِابْتِدَاءَ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ تَعَلُّقِهِ بِالْغَيْرِ يَكُونُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ اسْمًا إنْ كَانَ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ مِثْلُ ابْتِدَاءٍ وَمُبْتَدَأٍ وَإِنْ كَانَ مُقْتَرِنًا بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ مِثْلُ ابْتَدَأَ وَيَبْتَدِئُ وَابْتَدِئْ فَهُوَ فِعْلٌ وَإِذَا اعْتَبَرْته مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ابْتِدَاءٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحَلِّ الْمَخْرُوجِ عَنْهُ فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ حَرْفٌ مِثْلُ " مِنْ " نَحْوُ خَرَجْت مِنْ الْبَصْرَةِ (أَوْ يَسْتَقِلُّ) اللَّفْظُ (بِالدَّلَالَةِ) عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ ضَمِيمَةٍ إلَيْهِ (لِعَدَمِ ذَلِكَ) أَيْ وَضْعِهِ لِمَعْنًى جُزْئِيٍّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ. وَحِينَئِذٍ (فَإِمَّا لَا يَكُونُ مَعْنَاهُ حَدَثًا مُقَيَّدًا بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ) الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ (بِهَيْئَةٍ) خَاصَّةٍ لِلَّفْظِ لِعَدَمِ وَضْعِهِ لَهُ بَلْ لِوَضْعِهِ لِمَعْنًى غَيْرِ مُقْتَرِنٍ بِأَحَدِهَا (فَهُوَ الِاسْمُ كَالِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ فَالْكَافُ وَعَنْ وَعَلَى حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ لَهُ وُضِعَ لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ) وَهُوَ الْمِثْلُ (يُسْتَعْمَلُ فِيهِ اسْمًا كَبِكَابْنِ الْمَاءِ) فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقِيسِ وَرُحْنَا بِكَابِنِ الْمَاءِ يُجْنَبُ وَسْطَنَا ... تُصَوَّبُ فِيهِ الْعَيْنُ طَوْرًا وَتَرْتَقِي فَالْكَافُ فِيهِ اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلِ بِشَهَادَةِ دُخُولِ الْجَارِ عَلَيْهَا أَيْ بِفَرَسٍ مِثْلِ ابْنِ الْمَاءِ، وَهُوَ الْكُرْكِيُّ شَبَّهَ بِهِ فَرَسَهُ فِي خِفَّتِهِ وَطُولِ عُنُقِهِ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ اسْمًا إلَّا فِي الشِّعْرِ كَمَا هُوَ مَعْزُوٌّ إلَى سِيبَوَيْهِ وَالْمُحَقِّقِينَ

التقسيم الثالث تقسيم اللفظ بحسب اللغة والصيغة

أَوْ تَكُونُ فِيهِ وَفِي سَعَةِ الْكَلَامِ كَمَا هُوَ مَعْزُوٌّ إلَى كَثِيرٍ مِنْهُمْ الْأَخْفَشُ وَالْفَارِسِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَلَعَلَّهُ الْأَظْهَرُ (وَ) وُضِعَ (لِخُصُوصٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ (كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ وَهُوَ التَّشْبِيهُ (فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ حَرْفًا كَ جَاءَ الَّذِي كَعَمْرٍو) أَيْ الَّذِي اسْتَقَرَّ كَعَمْرٍو. وَحَرْفِيَّتُهَا فِي مِثْلِ هَذَا مُتَعَيِّنَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الصِّلَةُ بِالْمُفْرَدِ عَلَى تَقْدِيرِهَا اسْمًا رَاجِحَةٌ عِنْدَ الْأَخْفَشِ وَالْجُزُولِيِّ وَابْنِ مَالِكٍ مُجَوِّزِينَ أَنْ تَكُونَ مَعَ مَدْخُولِهَا مُضَافًا وَمُضَافًا إلَيْهِ عَلَى إضْمَارِ مُبْتَدَإٍ كَمَا فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ تَخْرِيجٌ لِلْفَصِيحِ عَلَى الشَّاذِّ (وَقِسْ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ عَنْ وَعَلَى (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا فَقُلْ وَعَنْ لَهُ وَضْعٌ لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ وَهُوَ الْجَانِبُ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ اسْمًا كَمَا فِي قَوْلِهِ فَلَقَدْ أُرَانِي لِلرِّمَاحِ دَرِيئَةً ... مِنْ عَنْ يَمِينِي مَرَّةً وَأَمَامِي وَوَضْعٌ لِلْمَعْنَى الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ حَرْفًا كَمَا فِي مِثْلِ سَافَرْت عَنْ الْبَلَدِ وَعَلَى لَهُ وَضْعٌ لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ وَهُوَ الْفَرْقُ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ اسْمًا كَمَا فِي قَوْلِ كَعْبٍ غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَمَا تَمَّ ظَمَؤُهَا وَوَضْعٌ لِلْمَعْنَى الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ وَهُوَ الِاسْتِعْلَاءُ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ حَرْفًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [المؤمنون: 22] خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ نُحَاةِ الْعَرَبِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ حَرْفًا، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَهُوَ زَعْمٌ بَعِيدٌ ثُمَّ الْأَشْبَهُ أَنَّ عَلَى حَيْثُ كَانَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَ الِاسْمِ وَالْحَرْفِ مَعَ أَنَّ الِاسْمَ مِنْ الْعُلُوِّ وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، وَأَصْلُهُ وَاوٌ بِخِلَافِ الْحَرْفِ يَزِيدُ عَلَى الْكَافِ وَعَنْ بِوَضْعٍ آخَرَ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ مُقَيَّدٍ بِالزَّمَانِ الْمَاضِي وَهُوَ الْعُلُوُّ فِيهِ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ فِعْلًا مَاضِيًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} [القصص: 4] فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَ الْحَرْفِ وَالِاسْمِ وَالْفِعْلِ، وَلَا يَكُونُ كَوْنُهُ مِنْ الْعُلُوِّ وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَإِنَّهَا فِي الْأَصْلِ وَاوٌ مَانِعًا مِنْ ذَلِكَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ (أَوْ يَكُونُ) مَعْنَاهُ حَدَثًا مُقَيَّدًا بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ بِهَيْئَةٍ خَاصَّةٍ لَهُ (فَالْفِعْلُ) بِأَقْسَامِهِ مِنْ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَأَمْرِ الْمُخَاطَبِ، ثُمَّ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْهَيْئَةِ الْخَاصَّةِ فِي بَيَانِ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ دَفْعُ وُرُودِ نَحْوِ ضَارِبٍ غَدًا عَلَى عَكْسِ بَيَانِ الِاسْمِ، وَطَرْدُ بَيَانِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَوْلَاهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى حَدَثٍ مُقَيَّدٍ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى حَدَثٍ مُقَيَّدٍ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ [التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ تَقْسِيم اللَّفْظَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَالصِّيغَةِ] (التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ قَسَّمَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَمَنْ وَافَقَهُ (اللَّفْظَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَالصِّيغَةِ) قِيلَ وَهُمَا هُنَا مُتَرَادِفَتَانِ، وَالْمَقْصُودُ تَقْسِيمُ النَّظْمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ نَفْسِهِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ، وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ قَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (أَيْ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ إلَى خَاصٍّ وَعَامٍّ وَمُشْتَرَكٍ وَمُؤَوَّلٍ) لِأَنَّ الصِّيغَةَ الْهَيْئَةُ الْعَارِضَةُ لِلَّفْظِ بِاعْتِبَارِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِ الْحُرُوفِ عَلَى بَعْضٍ وَاللُّغَةُ هِيَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَادَّةُ اللَّفْظِ، وَجَوْهَرُ حُرُوفِهِ بِقَرِينَةِ انْضِمَامِ الصِّيغَةِ إلَيْهَا، وَالْوَاضِعُ كَمَا عَيَّنَ حُرُوفَ ضَرَبَ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى الْمَخْصُوصِ عَيَّنَ هَيْئَتَهُ بِإِزَاءِ مَعْنَى الْمُضِيِّ فَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ إلَّا بِوَضْعِ الْمَادَّةِ وَالْهَيْئَةِ فَعَبَّرَ بِذِكْرِهِمَا عَنْ وَضْعٍ اللَّفْظِ وَوُجِّهَ التَّقْسِيمُ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَعْنَوِيَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَظِمًا أَوْ مُنْفَرِدًا وَالثَّانِي الْخَاصُّ، وَالْأَوَّلُ الْعَامُّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَيَاهُ مُتَسَاوِيَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّامِعِ أَوْ لَا فَإِنْ تَسَاوَيَا فَهُوَ الْمُشْتَرَكُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُؤَوَّلُ

(وَاعْتُرِضَ) أَيْ وَاعْتَرَضَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (بِأَنَّ الْمُؤَوَّلَ وَلَوْ) كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا تَرَجَّحَ (مِنْ الْمُشْتَرَكِ) بَعْضَ وُجُوهِهِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ لَا مُطْلَقِ الْمُؤَوَّلِ (لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ بَلْ عَنْ رَفْعِ إجْمَالٍ بِظَنِّيٍّ فِي الِاسْتِعْمَالِ) كَمَا تَقَدَّمَ (فَهِيَ) أَيْ أَقْسَامُ هَذَا التَّقْسِيمِ (ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إنْ كَانَ مُسَمَّاهُ مُتَّحِدًا، وَلَوْ بِالنَّوْعِ) كَرَجُلٍ وَفَرَسٍ (أَوْ مُتَعَدِّدًا مَدْلُولًا عَلَى خُصُوصِ كَمِّيَّتِهِ) أَيْ كَمِّيَّةِ عَدَدِهِ (بِهِ) أَيْ بِلَفْظِهِ (فَالْخَاصُّ فَدَخَلَ الْمُطْلَقُ وَالْعَدَدُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ) فِي الْخَاصِّ فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْمُطْلَقُ لِانْطِبَاقِ كَوْنِ مُسَمَّاهُ مُتَّحِدًا وَلَوْ بِالنَّوْعِ عَلَيْهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا مُفَصَّلَةً وَالْعَدَدُ لِانْطِبَاقِ كَوْنِ مُسَمَّاهُ مُتَعَدِّدًا مَدْلُولًا عَلَى خُصُوصِ كَمِّيَّتِهِ بِهِ عَلَيْهِ (وَإِنْ تَعَدَّدَ) الْمَعْنَى (بِلَا مُلَاحَظَةِ حَصْرٍ فَإِمَّا بِوَضْعِ وَاحِدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ فَاللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُلَاحِظْ الْوَاضِعُ فِي الْوَضْعِ حَصْرَ مَعْنَاهُ فِي كَمِّيَّةٍ بَلْ وَضَعَ اللَّفْظَ لِمَجْمُوعِ الْمُتَعَدِّدِ كَائِنًا مَا كَانَ عَدَدُهُ وَضْعًا وَاحِدًا هُوَ (الْعَامُّ) فَهُوَ لَفْظٌ وُضِعَ وَضْعًا وَاحِدًا لِمَعْنًى مُتَعَدِّدٍ لَمْ يُلَاحَظْ حَصْرُهُ فِي كَمِّيَّةٍ (أَوْ) بِوَضْعٍ (مُتَعَدِّدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ فَاللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى مُتَعَدِّدٍ بِوَضْعٍ مُتَعَدِّدٍ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ حَصْرٍ لِكَمِّيَّتِهِ هُوَ (الْمُشْتَرَكُ) فَهُوَ لَفْظٌ وُضِعَ وَضْعًا مُتَعَدِّدًا لِمَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلَمْ يُلَاحَظْ حَصْرُهَا فِي كَمِّيَّةٍ فَصَدَقَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَقَعُ بِلَا مُلَاحَظَةِ حَصْرٍ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ لَا لِلِاحْتِرَاسِ اهـ. يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِّ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُثَنَّى وَالْعَدَدِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَالزَّيْدِينَ، وَالْمِائَةَ مَثَلًا لَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ وُضِعَ وَضْعًا وَاحِدًا لِمَعْنًى مُتَعَدِّدٍ لَكِنَّهُ لُوحِظَ حَصْرُهُ فِي الْكَمِّيَّةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِلَفْظِهِ وَهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْخَاصِّ (فَيَدْخُلُ فِي الْعَامِّ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ) كَرِجَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ لَفْظٌ وُضِعَ وَضْعًا وَاحِدًا لِمَعْنًى مُتَعَدِّدٍ وَلَمْ يُلَاحَظْ حَصْرُهُ فِي كَمِّيَّةٍ فَلَا يَكُونُ وَاسِطَةً بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ هَذَا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعَامِّ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا الْبُخَارِيِّينَ (وَعَلَى اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ) فِيهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَشَايِخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ (فَمُتَّحِدُ الْوَضْعِ إنْ اسْتَغْرَقَ فَالْعَامُّ، وَإِلَّا فَالْجَمْعُ) أَيْ فَيُقَالُ: وَإِنْ تَعَدَّدَ بِلَا مُلَاحَظَةِ حَصْرٍ فَإِمَّا بِوَضْعٍ وَاحِدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ إنْ اسْتَغْرَقَ مَا يَصْلُحُ لَهُ فَالْعَامُّ، وَإِلَّا فَالْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ فَهُوَ حِينَئِذٍ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ (وَأَخْذُ الْحَيْثِيَّةِ) كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّقْسِيمِ (يُبَيِّنُ عَدَمَ الْعِنَادِ بِجُزْءِ الْمَفْهُومِ بَيْنَ الْمُشْتَرَكِ وَالْعَامِّ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي لَيْسَ مُوجِبُ الْعِنَادِ بَيْنَ الْمُشْتَرَكِ وَالْعَامِّ ذَاتِيًّا دَاخِلًا وَهُوَ الْفَصْلُ كَمَا هُوَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ لِتَكُونَ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ أَقْسَامَ تَقْسِيمٍ حَقِيقِيٍّ وَاحِدٍ فَتَتَبَايَنُ بِالذَّاتِ كَمَا هُوَ حَقِيقَةُ التَّقْسِيمِ وَهُوَ إظْهَارُ الْوَاحِدِ الْكُلِّيِّ فِي صُوَرٍ مُتَبَايِنَةٍ فَإِنَّهُ سَيَظْهَرُ تَصَادُقُ الْمُشْتَرَكِ مَعَ الْعَامِّ وَمَعَ الْخَاصِّ فَهُوَ تَقْسِيمٌ بِحَسَبِ الِاعْتِبَارِ وَلِذَا أُخِذَتْ الْحَيْثِيَّةُ (وَلِذَا) أَيْ وَلِعَدَمِ الْعِنَادِ بِجُزْءِ الْمَفْهُومِ بَيْنَهُمَا (لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْحَيْثِيَّةِ (فِي تَعْرِيفِهِمَا ابْتِدَاءً) وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عِنَادٌ ذَاتِيٌّ لَذَكَرْت فِيهِ (فَأُلْحِقَ تَقْسِيمَانِ) التَّقْسِيمُ (الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْوَضْعِ وَتَعَدُّدُهُ يُخْرِجُ الْمُنْفَرِدُ) وَهُوَ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى وَاحِدٍ سُمِّيَ بِهِ لِانْفِرَادِ لَفْظِهِ بِمَعْنَاهُ (وَلَمْ يُخْرِجْهُ) أَيْ الْمُنْفَرِدَ (الْحَنَفِيَّةُ عَلَى كَثْرَةِ أَقْسَامِهِمْ) وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيَّةُ (وَ) يَخْرُجُ (الْمُشْتَرَكُ وَفِيهِ) أَيْ فِي الْمُشْتَرَكِ (مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكِ) فِي جَوَازِهِ وَوُقُوعِهِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا غَيْرُ جَائِزٍ. ثَانِيهَا جَائِزٌ غَيْرُ وَاقِعٍ. ثَالِثُهَا جَائِزٌ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ لَا غَيْرَ رَابِعُهَا جَائِزٌ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ لَا غَيْرَ (خَامِسُهَا وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ (لَنَا) عَلَى الْجَوَازِ (لَا امْتِنَاعَ لِوَضْعِ لَفْظٍ مَرَّتَيْنِ

فَصَاعِدًا لِمَفْهُومَيْنِ فَصَاعِدًا عَلَى أَنْ يُسْتَعْمَلَ لِكُلٍّ عَلَى الْبَدَلِ) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ وَهَذَا هُوَ الْمُشْتَرَكُ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ (يَسْتَلْزِمُ) جَوَازُ الْمُشْتَرَكِ (الْعَبَثَ لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ الْوَضْعِ) وَهِيَ فَهْمُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ عَلَى التَّعْيِينِ لِتَسَاوِي نِسْبَةِ الْمَعْنَيَيْنِ إلَى اللَّفْظِ وَنِسْبَتِهِ إلَيْهِمَا وَخَفَاءِ الْقَرَائِنِ (مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْإِجْمَالَ مِمَّا يُقْصَدُ) فَإِنَّ الْوَضْعَ تَابِعٌ لِلْغَرَضِ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْوَاضِعُ، وَهُوَ قَدْ يَقْصِدُ التَّعْرِيفَ الْإِجْمَالِيَّ لِغَرَضِ الْإِبْهَامِ عَلَى السَّامِعِ كَوَضْعِهِ صِيغَةَ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لِسَتْرِ الْفَاعِلِ عَنْ السَّامِعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يَقْصِدُ التَّفْصِيلِيَّ (وَلَنَا عَلَى الْوُقُوعِ ثُبُوتُ اسْتِعْمَالِ الْقَرْءِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتُضَمُّ (لُغَةً لِكُلٍّ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ) عَلَى الْبَدَلِ (لَا يَتَبَادَرُ أَحَدُهُمَا مُرَادًا بِلَا قَرِينَةٍ) مُعَيِّنَةٍ لَهُ دُونَ الْآخَرِ. (وَهُوَ) أَيْ وَاسْتِعْمَالُهُ كَذَلِكَ (دَلِيلُ الْوَضْعِ كَذَلِكَ) أَيْ وَضْعِ لَفْظِهِ مَرَّتَيْنِ لَهُمَا عَلَى الْبَدَلِ (وَهُوَ) أَيْ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ مَرَّتَيْنِ لِمَفْهُومَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ (الْمُرَادُ بِالْمُشْتَرَكِ وَمَا قِيلَ) فِي دَفْعِ هَذَا كَمَا فِي الْبَدِيعِ (جَازَ كَوْنُهُ) أَيْ الْقَرْءِ (لِمُشْتَرَكٍ) أَيْ لِمَعْنًى وَاحِدٍ هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ (أَوْ) جَازَ كَوْنُهُ (حَقِيقَةً) فِي أَحَدِهِمَا (وَمَجَازًا) فِي الْآخَرِ (وَخَفِيَ التَّعْيِينُ) لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْمَجَازِ (وَكَذَا كُلُّ مَا ظُنَّ) مِنْ الْأَلْفَاظِ (أَنَّهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ يُقَالُ فِيهِ هَذَا (ثُمَّ يَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ كَوْنُهُ لِمَعْنًى وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا عَلَى الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ؛ لِأَنَّ التَّوَاطُؤَ أَوْلَى مِنْهُ وَعَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ (مَدْفُوعٌ بِعَدَمِهِ) أَيْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَمَا قِيلَ هُوَ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَرَأْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إذَا جَمَعْته فِيهِ وَالدَّمُ يَجْتَمِعُ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ فِي الْجَسَدِ وَفِي زَمَنِ الْحَيْضِ فِي الرَّحِمِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ. (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْقَرْءِ مَوْضُوعًا (لِنَحْوِ الشَّيْئِيَّةِ وَالْوُجُودِ) فَيَكُونُ هُوَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا (بَعِيدٌ) جِدًّا (وَيُوجِبُ أَنَّ نَحْوَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَالْقُعُودِ وَمَا لَا يُحْصَى) مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ الْوُجُودِيَّةِ (مِنْ أَفْرَادِ الْقَرْءِ) لِاشْتِرَاكِهَا فِيهِ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا (وَاشْتِهَارُ الْمَجَازِ بِحَيْثُ يُسَاوِي الْحَقِيقَةَ) فِي التَّبَادُرِ (وَيَخْفَى التَّعْيِينُ) لِلْمُرَادِ مِنْهُمَا (نَادِرٌ لَا نِسْبَةَ لَهُ بِمُقَابِلِهِ) وَهُوَ أَنْ لَا يَشْتَهِرَ الْمَجَازُ بِحَيْثُ يُسَاوِي الْحَقِيقَةَ فِي التَّبَادُرِ وَيَخْفَى التَّعْيِينُ (فَأَظْهَرُ الِاحْتِمَالَاتِ كَوْنُهُ) أَيْ الْقَرْءِ (مَوْضُوعًا لِكُلٍّ) مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَلَى الْبَدَلِ فَلَا يَعْرُجُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ. (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْقَرْءِ مَوْضُوعًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْبَدَلِ (دَلِيلُ وُقُوعِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ (فِي الْقُرْآنِ) لِوُقُوعِ الْقَرْءِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] (وَالْحَدِيثِ) أَيْضًا لِوُقُوعِهِ فِيمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ قَالَ دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك» وَبِهِ) أَيْ بِالْوُقُوعِ (كَانَ قَوْلُ النَّافِي) لِلْوُقُوعِ (إنْ وَقَعَ) الْمُشْتَرَكُ (مُبَيِّنًا) أَيْ مَقْرُونًا بِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ (طَالَ) الْكَلَامُ (بِلَا فَائِدَةٍ) لِإِمْكَانِ بَيَانِهِ بِمُنْفَرِدٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فَلَا يَطُولُ (أَوْ) وَقَعَ (غَيْرَ مُبَيَّنٍ لَمْ يُفِدْ) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ وَضْعِهِ وَحَاصِلُهُ لُزُومُ مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَكِلَاهُمَا نَقْصٌ يَمْتَنِعُ اشْتِمَالُ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا قُرْآنًا وَسُنَّةً (تَشْكِيكًا بَعْدَ التَّحَقُّقِ) فَلَا يُسْمَعُ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ قَوْلَ النَّافِي هَذَا (بَاطِلٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِاشْتِمَالِ الْإِبْهَامِ ثُمَّ التَّفْسِيرِ عَلَى زِيَادَةِ بَلَاغَةٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي فَنِّهَا. وَأَمَّا الثَّانِي (فَإِنَّ إفَادَتَهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ حِينَئِذٍ فَائِدَةٌ إجْمَالِيَّةٌ (كَالْمُطْلَقِ وَفِي الشَّرْعِيَّاتِ) لَهُ فَائِدَتَانِ أُخْرَيَانِ (الْعَزْمُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الِامْتِثَالِ لِلْمُرَادِ مِنْهُ

(إذَا بَيَّنَ) الْمُرَادَ مِنْهُ (وَالِاجْتِهَادُ فِي اسْتِعْلَامِهِ) أَيْ الْمُرَادِ مِنْهُ (فَيَنَالُ ثَوَابَهُ) أَيْ ثَوَابَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَانْتَفَى نَفْيُ فَائِدَتِهِ (وَاسْتُدِلَّ) لِلْمُخْتَارِ بِدَلِيلٍ مُزَيَّفٍ، وَهُوَ (لَوْ لَمْ يَقَعْ) الْمُشْتَرَكُ اللَّفْظِيُّ (كَانَ الْمَوْجُودُ) أَيْ لَفْظُهُ (فِي الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ) مُشْتَرَكًا (مَعْنَوِيًّا لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَوْجُودَ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ (حَقِيقَةٌ اتِّفَاقًا وَهُوَ) أَيْ: وَكَوْنُهُ مَعْنَوِيًّا فِيهِمَا (مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَوْجُودَ اسْمٌ (لِذَاتٍ لَهُ وُجُودٌ وَهُوَ) أَيْ الْوُجُودُ (فِي الْقَدِيمِ يُبَايِنُ الْمُمْكِنَ) وَالْأَوْلَى بَيَانُهُ أَيْ الْوُجُودِ فِي الْمُمْكِنِ لِكَوْنِهِ فِي الْقَدِيمِ وَاجِبًا وَفِي الْمُمْكِنِ حَادِثًا فَلَا اتِّحَادَ (فَلَا اشْتِرَاكَ) مَعْنَوِيًّا لَهُ فِيهِمَا (وَلَيْسَ بِشَيْءٍ) مُثْبِتٍ لِلْمَطْلُوبِ (لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالْخُصُوصِيَّاتِ وَبِوَصْفِ الْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ لَا يَمْنَعُ الِانْدِرَاجَ تَحْتَ مَفْهُومٍ عَامٍّ) كَالْوُجُودِ (تَخْتَلِفُ أَفْرَادُهُ) فِيهِ شِدَّةً وَضَعْفًا كَمَا تَقَدَّمَ (فَيَكُونُ) الْوُجُودُ مُشْتَرَكًا (مَعْنَوِيًّا) عَلَى سَبِيلِ التَّشْكِيكِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَاجِبِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمُمْكِنِ. (وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا) لِلْمُخْتَارِ بِدَلِيلٍ مُزَيَّفٍ، وَهُوَ أَنَّهُ (لَوْ لَمْ يُوضَعْ) الْمُشْتَرَكُ (خَلَتْ أَكْثَرُ الْمُسَمَّيَاتِ) عَنْ الْأَسْمَاءِ (لِعَدَمِ تَنَاهِيهَا) أَيْ الْمُسَمَّيَاتِ لِكَوْنِهَا مَا بَيْنَ مَوْجُودٍ مُجَرَّدٍ وَمَادِّيٍّ وَمَعْدُومٍ مُمْكِنٍ وَمُمْتَنِعٍ، أَوْ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا الْأَعْدَادَ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ؛ إذْ مَا مِنْ عَدَدٍ إلَّا وَفَوْقَهُ عَدَدٌ (دُونَ الْأَلْفَاظِ) فَإِنَّهَا مُتَنَاهِيَةٌ (لِتَرَكُّبِهَا) أَيْ الْأَلْفَاظِ (مِنْ الْحُرُوفِ الْمُتَنَاهِيَةِ) لِأَنَّ حُرُوفَ لُغَةِ الْعَرَبِ بَلْ أَيِّ لُغَةٍ فُرِضَتْ مُتَنَاهِيَةً قَطْعًا ثُمَّ بَعْضُهَا يُضَمُّ فِي الْوَضْعِ إلَى وَاحِدٍ مِنْ بَاقِيهَا وَإِلَى اثْنَيْنِ إلَى سَبْعَةٍ وَلَا تَرْتَقِي عَنْ السِّبَاعِيِّ، وَتَقَالِيبُ الْحُرُوفِ الْمَضْمُومَةِ بَعْضُهَا مُهْمَلٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَرَّاتُ الضَّمِّ مُتَنَاهِيَةً فَإِذَا وُضِعَ كُلُّ لَفْظٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ الْمَوْضُوعُ لَهُ مُتَنَاهِيًا لِمُسَاوَاتِهِ الْمُتَنَاهِيَ الَّذِي هُوَ الْأَلْفَاظُ وَخَلَتْ الْمَعَانِي الْبَاقِيَةُ عَنْ أَلْفَاظٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا (لَكِنَّهَا) أَيْ الْمُسَمَّيَاتِ (لَمْ تَخْلُ) عَنْ الْأَسْمَاءِ فَلَزِمَ اشْتِرَاكُ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ (أَضْعَفُ) مِمَّا قَبْلَهُ (لِمَنْعِ عَدَمِ تَنَاهِي الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ) وَهِيَ الَّتِي حَقِيقَتُهَا مُخْتَلِفَةٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَالْحَرَكَةِ وَالْبَيَاضِ (وَالْمُتَضَادَّةِ) وَهِيَ الْأُمُورُ الْوُجُودِيَّةُ الَّتِي يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ فَإِنَّ كِلْتَيْهِمَا مُتَنَاهِيَةٌ (وَتَحَقُّقِهِ) أَيْ عَدَمِ التَّنَاهِي (فِي الْمُتَمَاثِلَةِ) وَهِيَ الْمُتَّفِقَةُ الْحَقَائِقِ كَأَفْرَادِ الْأَنْوَاعِ الْحَقِيقِيَّةِ (وَلَا يَلْزَمُ لِتَعْرِيفِهَا) أَيْ الْمُتَمَاثِلَةِ (الْوَضْعُ لَهَا) أَيْ لِلْمُتَمَاثِلَةِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِحَسَبِ خُصُوصِيَّاتِهَا الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ (بَلْ الْقَطْعُ) حَاصِلٌ (بِنَفْيِهِ) أَيْ الْوَضْعِ لَهَا بِحَسَبِ الْخُصُوصِيَّاتِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي اتَّفَقَتْ هِيَ فِيهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْمَعَانِي الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةُ مِنْ الْمُتَخَالِفَةِ وَالْمُتَضَادَّةِ فَغَيْرُ تَنَاهِيهَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ حُصُولَ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْوُجُودِ مُحَالٌ، وَأَمَّا الْأَعْدَادُ فَالدَّاخِلُ مِنْهَا فِي الْوُجُودِ مُتَنَاهٍ عَلَى أَنَّ أُصُولَهَا وَهِيَ الْآحَادُ وَالْعَشَرَاتُ وَالْمِئُونَ وَالْأُلُوفُ مُتَنَاهِيَةٌ، وَالْوَضْعُ لِلْمُفْرَدَاتِ لَا لِلْمُرَكَّبَاتِ ثُمَّ إنَّ الِاشْتِرَاكَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُتَخَالِفَةِ وَالْمُتَضَادَّةِ، وَسَادِسُ الْأَقْوَالِ فِيهِ وَهُوَ مَنْعُهُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ كَمَا عَنْ جَمَاعَةٍ مَمْنُوعٌ بِمَا فِي الْوَاقِعِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ وَسَابِعُهَا وَهُوَ مَنْعُهُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَسْتَفِيدُ السَّامِعُ بِإِطْلَاقِهِ شَيْئًا فَيَصِيرُ عَبَثًا مُنِعَ بِأَنَّهُ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُمَا فَيَسْتَحْضِرُهُمَا بِسَمَاعِهِ ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ الْمُرَادِ مِنْهُمَا، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَعَانِي الْمَعَانِيَ الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا التَّمَاثُلُ فَغَيْرُ تَنَاهِيهَا مُسَلَّمٌ وَبُطْلَانُ التَّالِي مَمْنُوعٌ فَإِنَّ تَفْهِيمَهَا يَحْصُلُ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهَا بِاسْمِ جِنْسِهَا مُطْلَقًا أَوْ مَعَ الْقَرِينَةِ

وَلَا اشْتِرَاكَ فِيهَا (وَإِنْ سَلِمَ) الْوَضْعُ لِلْمُتَمَاثِلَةِ (فَالْوَضْعُ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ) مِنْهَا لَا غَيْرَ (وَهُوَ) أَيْ وَالْمُحْتَاجُ إلَيْهِ (مُتَنَاهٍ وَلَوْ سَلِمَ) أَنَّهُ لَهَا كُلِّهَا (فَخُلُوُّهَا) أَيْ الْمُسَمَّيَاتِ عَنْ الْأَسْمَاءِ (عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ) أَيْ وُجُودِ الْمُشْتَرَكِ وَعَدَمِهِ (مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ) لِلْمُجَوِّزِينَ وَالْمَانِعِينَ (إذْ لَا نِسْبَةَ لِلْمُتَنَاهِي) وَهُوَ الْأَلْفَاظُ (بِغَيْرِ الْمُتَنَاهَى) وَهُوَ الْمَعَانِي أَيْ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ فِي الْقِلَّةِ مِنْهُ فَمَا هُوَ جَوَابُ الْمُجَوِّزِينَ فَهُوَ جَوَابُ الْمَانِعِينَ (وَلَوْ سَلِمَ) الْخُلُوُّ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُودِ الْمُشْتَرَكِ خَاصَّةً (فَبُطْلَانُ الْخُلُوِّ مَمْنُوعٌ وَلَا تَنْتَفِي الْإِفَادَةُ فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ) لَفْظٌ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَعَانِي لَمْ يُوضَعْ لَهَا أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَيْهَا كَأَنْوَاعِ الرَّوَائِحِ وَالطُّعُومِ فَتُفَادُ بِأَلْفَاظٍ مَجَازِيَّةٍ وَبِالْإِضَافَةِ وَبِالْوَصْفِ فَيُقَالُ: رَائِحَةُ كَذَا وَطَعْمُ كَذَا وَرَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَطَعْمٌ طَيِّبٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَأَمَّا تَجْوِيزُ عَدَمِ تَنَاهِي الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُتَنَاهِي) أَيْ مَنْعُ تَنَاهِي الْأَلْفَاظِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ الْحُرُوفِ الْمُتَنَاهِيَةِ لِيَنْدَفِعَ بِهِ لُزُومُ خُلُوِّ الْمُسَمَّيَاتِ عَنْ الْأَسْمَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُشْتَرَكِ (إذَا لَمْ يَكُنْ) التَّرْكِيبُ (بِالتَّكْرَارِ وَالْإِضَافَاتِ كَتَرْكِيبِ الْأَعْدَادِ فَبَاطِلٌ بِأَيِّ اعْتِبَارٍ فُرِضَ) هَذَا التَّجْوِيزُ (وَلَوْ) فُرِضَ (مَعَ الْإِهْمَالِ) فِي بَعْضِ تَقَالِيبِ تَرْكِيبِ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ (إذْ الْإِخْرَاجُ) لِلصَّوْتِ عَلَى وَجْهٍ يُحَصِّلُ الْحُرُوفَ الَّتِي هِيَ مَادَّةُ الْأَلْفَاظِ يَكُونُ (بِضَغْطٍ) أَيْ بِزَحْمَةٍ وَشِدَّةٍ لِلصَّوْتِ (فِي مَحَالَّ) مِنْ الصَّدْرِ وَالْحَلْقِ وَغَيْرِهِمَا (مُتَنَاهِيَةٍ عَلَى أَنْحَاءَ) أَيْ أَنْوَاعٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ لَهُ (مُتَنَاهِيَةٍ) فَكَيْفَ لَا تَكُونُ الْأَلْفَاظُ الْمُرَكَّبَةُ مِنْهَا مُتَنَاهِيَةً وَهِيَ هِيَ (وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ) الْمُتَنَاهِي (لِلْكَثْرَةِ الزَّائِدَةِ) فِيهِ مِنْ التَّرْكِيبِ بِغَيْرِ الْمُتَنَاهِي (التَّقْسِيمُ الثَّانِي بِاعْتِبَارِ الْمَوْضُوعِ لَهُ) اتِّحَادًا وَتَعَدُّدًا (يُخْرِجُ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ) كَمَا يَظْهَرُ (وَتَتَدَاخَلُ) أَقْسَامُ التَّقْسِيمَيْنِ (فَالْمُشْتَرَكُ عَامٌّ وَخَاصٌّ وَالْمُنْفَرِدُ كَذَلِكَ) أَيْ عَامٌّ وَخَاصٌّ بِاعْتِبَارَيْنِ (وَلَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِ الْجَمْعِ) الْمُنَكَّرِ (عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ (عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ) أَيْ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ وَعَدَمِهِ كَمَا فَعَلَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعَامِّ بَلْ هُوَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعَامِّ مُنْدَرِجٌ فِي الْعَامِّ كَمَا قَالَ هُوَ وَعَلَى تَقْدِيرِ اشْتِرَاطِهِ فِيهِ مُنْدَرِجٌ فِي الْخَاصِّ (لِأَنَّ رِجَالًا فِي الْجَمْعِ مُطْلَقٌ كَرَجُلٍ فِي الْوُحْدَانِ) لِأَنَّ رِجَالًا مَعْنَاهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَيَصْدُقُ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةٍ جَمَاعَةٍ عَلَى الْبَدَلِ كَمَا يَصْدُقُ رَجُلٌ عَلَى كُلٍّ رَجُلٍ رَجُلٍ عَلَى الْبَدَلِ فَكَانَ رِجَالٌ مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ، وَالْمُطْلَقُ مُنْدَرِجٌ فِي الْخَاصِّ اتِّفَاقًا (وَالِاخْتِلَافُ بِالْعَدَدِ) كَمَا فِي رِجَالٍ (وَعَدَمِهِ) أَيْ الْعَدَدِ كَمَا فِي رَجُلٍ (لَا أَثَرَ لَهُ) فِي إيجَابِ الِاخْتِلَافِ بِالْإِطْلَاقِ وَعَدَمِهِ (فَالْمُفْرَدُ عَامٌّ، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَفْهُومٍ) فَيُغْنِي ذِكْرُ الِاسْتِغْرَاقِ لِمُقَابَلَتِهِ الْبَدَلِيَّةَ عُرْفًا عَنْ أَنْ يَقُولَ ضَرْبَةً (وَيَدْخُلُ الْمُشْتَرَكُ) فِي الْعَامِّ (لَوْ عَمَّ أَفْرَادَ مَفْهُومٍ أَوْ) عَمَّ (فِي) أَفْرَادِ (الْمَفَاهِيمِ عَلَى) قَوْلِ (مَنْ يُعَمِّمُهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ فِيهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنَّهُ إذَا عَمَّ فِي الْمَفْهُومَيْنِ عَمَّ فِي أَفْرَادِهِمَا ضَرُورَةً إذْ الْمُرَادُ بِلَا شَكٍّ حِينَئِذٍ جَمِيعُ أَفْرَادِ الْمَفَاهِيمِ فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ عَمَّ فِي أَفْرَادِ مَفْهُومٍ فَمَفْهُومٍ مِنْ اسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَفْهُومٍ مُطْلَقٍ يَصْدُقُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا مَفْهُومٌ وَاحِدٌ أَوْ مَفْهُومٌ مَعَهُ مَفْهُومٌ آخَرُ (وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُمُومَ بِاعْتِبَارِ) اسْتِغْرَاقِ (أَفْرَادِ مَفْهُومٍ) فَإِنْ لَمْ يُرَدْ بِهِ فِي مَحَلِّ الِاسْتِعْمَالِ سِوَى مَفْهُومٍ وَاحِدٍ كَانَ عَامًّا بِاعْتِبَارِهِ إنْ دَخَلَهُ مُوجِبُ الْعُمُومِ كَاللَّامِ مَثَلًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَفْهُومَانِ أَوْ الْمَفَاهِيمُ، وَدَخَلَهُ الْمُوجِبُ عَمَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِ الْمَفَاهِيمِ كُلِّهَا وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِك الْعَيْنُ شَيْءٌ يُحِبُّ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

هَذَا عَلَى مَنْ شَرَطَ الِاسْتِغْرَاقَ فِي الْعَامِّ (وَمَنْ لَمْ يَشْرِطْ الِاسْتِغْرَاقَ) فِيهِ (كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ) فَتَعْرِيفُهُ عِنْدَهُ (مَا يَنْتَظِمُ جَمْعًا مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ) وَهَذَا مُخْتَصَرُ تَعْرِيفِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مُرَادًا بِمَا عِنْدَهُمَا لَفْظٌ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ لَا غَيْرَ عِنْدَهُمَا وَمِنْ ثَمَّةَ ذَكَرَاهُ بَدَلَ مَا وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي أَيْضًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجَصَّاصِ وَمُوَافِقِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ خَرَجَ بِمَا يَنْتَظِمُ جَمْعًا أَيْ يَشْمَلُ أَفْرَادَ الْخَاصِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْمُشْتَرَكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَعَانِيَهُ بَلْ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهَا عَلَى السَّوَاءِ. وَاشْتِرَاطُ الِاسْتِغْرَاقِ وَبِقَوْلِهِ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا مُسَمَّيَاتٌ بَلْ لِكُلِّ اسْمِ عَدَدٍ مُسَمًّى خَاصٌّ لَوْ نَقَصَ مِنْهُ وَاحِدٌ أَوْ زِيدَ عَلَيْهِ تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ الْعَامِّ فَإِنَّ لَهُ مُسَمَّيَاتٍ كَثِيرَةً لَا يَتَبَدَّلُ فِيهِ الِاسْمُ، وَلَا يَتَغَيَّرُ الْمُسَمَّى بِالنَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ، وَكَوْنُ الْعُمُومِ فِي الْمَعَانِي إذَا كَانَ الْمُعَرِّفُ مِنْ مَانِعِيهِ فِيهَا وَلَمْ يُصَدِّرْهُ بِلَفْظٍ وَلَا بِمَا مُرِيدًا لَهُ خَاصَّةً بِهَا أَمَّا إذَا صَدَّرَهُ بِلَفْظٍ أَوْ بِمَا مُرِيدًا لَهُ خَاصَّةً بِهَا فَيَكُونُ فَائِدَتُهُ الْأَوَّلَ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُعَرِّفُ مِنْ مُجَوِّزِيهِ فِيهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ تَصْدِيرُهُ بِلَفْظٍ وَلَا بِمَا مُرِيدًا لَهُ خَاصَّةً بِهَا بَلْ بِمَا مَرِيدًا بِهَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فَائِدَتُهُ الْأَوَّلَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ الْمَعَانِي، أَوْ وَالْمَعَانِي وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْجَصَّاصُ هَكَذَا فَإِنَّهُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْعُمُومَ تُوصَفُ بِهِ الْمَعَانِي حَقِيقَةً كَالْأَلْفَاظِ فَانْتَفَى مَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مِنْ تَغْلِيطِهِ فِي ذِكْرِ الْمَعَانِي وَخُصُوصًا بِأَوْ وَتَأْوِيلِهِمْ لَهُ بِمَا هُوَ آبٍ لَهُ كَمَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ الِانْتِظَامُ عِنْدَهُمْ نَوْعَانِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَصِيَغِ الْجُمُوعِ وَبِعُمُومِ الْمَعْنَى كَالْقَوْمِ فَإِنَّهُ لَفْظٌ خَاصٌّ وُضِعَ لِمَعْنًى عَامٍّ وَهُوَ الْجَمَاعَةُ الْمُتَّفِقَةُ الْحَقِيقَةِ مِنْ الرِّجَالِ، وَهَذَا فَائِدَةُ إرْدَافِهِمْ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِهِمْ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ نَحْوَ أَعْلَمَ زَيْدٌ بَكْرًا عَمْرًا خَيْرَ النَّاسِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ انْتَظَمَ جَمْعًا مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَامًّا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ لَفْظٌ وَاحِدٌ (وَكَذَا مَا يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ شُمُولًا) وَهَذَا تَعْرِيفُ صَاحِبِ الْمَنَارِ فَخَرَجَ بِ أَفْرَادًا الْخَاصُّ وَبِ مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ الْمُشْتَرَكُ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا لَكِنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْحُدُودِ وَبِ " شُمُولًا " اسْمُ الْجِنْسِ كَرَجُلٍ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ (وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ) أَيْ الْعَامِّ (عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ بِمَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقًا ضَرْبَةً) كَمَا هُوَ تَعْرِيفُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَمَا دَلَّ كَالْجِنْسِ وَأُورِدَ مَا بَدَلُ لَفْظٍ لِيَتَنَاوَلَ عُمُومَ الْمَعَانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ لَهَا حَقِيقَةً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ فَعَلَى مُسَمَّيَاتٍ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ زَيْدٍ فَبِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُتَعَلِّقُ بَدَلٍ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ عَشَرَةٍ فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى آحَادِهَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ بِمَعْنَى صِدْقِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ آحَادَهَا أَجْزَاؤُهَا لَا جُزْئِيَّاتُهَا فَلَا يَصْدُقُ عَلَى وَاحِدٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ عَشَرَةٌ (فَمُطْلَقًا) قَيْدٌ لِمَا اشْتَرَكَتْ فِيهِ أَيْ بِلَا قَيْدٍ يُفِيدُ ذَلِكَ (لِإِخْرَاجِ) الْأَفْرَادِ (الْمُشْتَرَكَةِ) فِي الْمَفْهُومِ (الْمَعْهُودَةِ) كَالرِّجَالِ فِي نَحْوِ جَاءَنِي رِجَالٌ فَأَكْرَمْت الرِّجَالَ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْأَفْرَادَ الْمُشْتَرَكَةَ الْمَعْهُودَةَ (مَدْلُولَةٌ) لِلَفْظِ الْجَمْعِ لَكِنَّهَا (مُقَيَّدَةٌ بِالْعَهْدِ) . فَهَذَا الْجَمْعُ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ مَعَ تَقَيُّدِهَا بِمَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ عَهْدِهِمْ بِخِلَافِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ مَعَ تَقَيُّدِهَا بِمَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ عَهْدِهِمْ بِخِلَافِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ مُطْلَقًا حَتَّى يَنْشَأَ مِنْهُ اسْتِغْرَاقُهُ لِجَمِيعِ الْمَرَاتِبِ حَيْثُ لَا مَانِعَ دَفْعًا لِلتَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَضَرْبَةً أَيْ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِإِخْرَاجِ نَحْوِ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مُسَمَّيَاتِهِ لَكِنْ لَا دَفْعَةً بَلْ دَفَعَاتٍ عَلَى الْبَدَلِ (وَيَرِدُ) عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ (خُرُوجُ عُلَمَاءِ

الْبَلَدِ) بِقَيْدِ مُطْلَقًا فَيَبْطُلُ عَكْسُهُ (وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ) أَيْ فِي عُلَمَاءِ الْبَلَدِ (عَالِمُ الْبَلَدِ مُطْلَقًا) أَيْ الْعَالِمُ الْمُضَافُ إلَى الْبَلَدِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مُطْلَقٌ (بِخِلَافِ الرِّجَالِ الْمَعْهُودِينَ) فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ (فَهُوَ الرَّجُلُ الْمَعْهُودُ) فَلَمْ يُرَدْ بِهِمْ أَفْرَادُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَعَ خُصُوصِيَّةِ الْعَهْدِ (وَالْحَقُّ أَنْ لَا فَرْقَ) بَيْنَ الرِّجَالِ الْمَعْهُودِينَ وَبَيْنَ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ فِي عَدَمِ الْإِطْلَاقِ (لِأَنَّ عَالِمَ الْبَلَدِ مَعْهُودٌ) بِوَاسِطَةِ إضَافَتِهِ إلَى الْبَلَدِ الْمَعْهُودِ (وَكَوْنُ الْمُرَادِ عَهْدًا اُعْتُبِرَتْ خُصُوصِيَّتُهُ) وَهُوَ الْعَهْدُ الْكَائِنُ بِاللَّامِ فِيهِ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي عَالِمِ الْبَلَدِ (لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فَيَرِدُ) عُلَمَاءُ الْبَلَدِ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ (وَيَرِدُ) أَيْضًا عَلَيْهِ (الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ) فِي الْإِثْبَاتِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِعَامٍّ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمُسَمَّيَاتِ أَجْزَاءٍ مُسَمَّيَاتُ الدَّالِّ عَلَى التَّنْكِيرِ حَتَّى تَكُونَ الْمُسَمَّيَاتُ فِي الْجَمْعِ الْوُحْدَانَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَيَبْطُلُ طَرْدُهُ. (فَإِنْ أُجِيبَ بِإِرَادَةِ مُسَمَّيَاتِ الدَّالِّ) أَيْ جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِ مُسَمَّاهُ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِكُلٍّ مِنْهَا حَتَّى تَكُونَ الْمُسَمَّيَاتُ فِي الْجَمِيعِ الْجُمُوعَ فَيَخْرُجُ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ (فَبَعُدَ حَمْلُهُ) أَيْ مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ (عَلَى أَفْرَادِ مُسَمَّاهُ لِيَصِحَّ وَلَا يُشْعِرُ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْمُرَادِ (اللَّفْظُ) لِأَنَّ ظَاهِرَهُ مَا تَقَدَّمَ (فَبِاعْتِبَارِ إلَخْ) أَيْ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ (مُسْتَدْرَكٍ لِخُرُوجِ الْعَدَدِ) حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِ: مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ (لِأَنَّهَا) أَيْ آحَادَ الْعَدَدِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الْعَدَدُ (لَيْسَتْ أَفْرَادَ مُسَمَّاهُ) أَيْ مُسَمَّى الْعَدَدِ بَلْ أَجْزَاءَ مُسَمَّاهُ، وَإِنَّمَا أَفْرَادُ الْعَشَرَةِ مَثَلًا الْعَشَرَاتُ عَلَى الْبَدَلِ لِصِدْقِ الْعَشَرَةِ مُطْلَقًا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْآحَادِ لَا يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا عَشَرَةٌ فَهِيَ مَدْلُولَاتٌ تَضَمُّنِيَّةٌ لِعَشَرَةٍ لَا أَفْرَادَ لَهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَعَمُّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الدَّالِّ وَمِنْ أَجْزَائِهِ وَعُمُومُ جَمْعِ النَّكِرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَجْزَائِهِ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ هُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الَّذِي يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْمُسَمَّيَاتُ الَّتِي هِيَ جُزْئِيَّاتٌ لَهُ وَيَصْدُقُ حَمْلُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَعُمُومُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ: ضَرْبَةً؛ لِأَنَّهُ بِإِطْلَاقِ وَاحِدٍ لَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ (ثُمَّ أَفْرَادُ الْعَامِّ الْمُفْرَدِ الْوُحْدَانُ وَالْجَمْعِ الْمُحَلَّى الْجُمُوعُ فَإِنْ اُلْتُزِمَ كَوْنُ عُمُومِهِ) أَيْ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى (بِاعْتِبَارِهَا) أَيْ الْجُمُوعِ (فَقَطْ فَبَاطِلٌ لِلْإِطْبَاقِ عَلَى فَهْمِهَا) أَيْ: الْأَفْرَادِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ عُمُومُهُ بِاعْتِبَارِهَا فَقَطْ (فَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ بِهِ) أَيْ بِالْجَمْعِ الْمُحَلَّى (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ (فِي كُلِّ فَرْدٍ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْأَفْرَادِ حِينَئِذٍ كُلٌّ وَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْكُلِّ لَا يُوجِبُهُ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَمَا فِي: الْجَيْشُ يَفْتَحُ الْمَدِينَةَ، وَالْحَبْلُ يَحْمِلُ الْجَرَّةَ لَا يَفْتَحُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَا يَحْمِلُهَا شَعْرَةٌ مِنْهُ لَكِنَّهُ يُوجِبُهُ لُغَةً وَشَرْعًا لِمَا ذُكِرَ وَيُذْكَرُ (وَالْحَقُّ أَنَّ لَامَ الْجِنْسِ تَسْلُبُ الْجَمْعِيَّةَ إلَى الْجِنْسِيَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْأَحْكَامِ اللَّفْظِيَّةِ لِفَهْمِ الثُّبُوتِ) لِلْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِالْجَمْعِ الْمُحَلَّى (فِي الْوَاحِدِ فِي) حَلِفِهِ (لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ) فَيَحْنَثُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَاحِدٍ (وَيُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) أَيْ وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] وَ {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ كُلَّ مُحْسِنٍ وَتَوَّابٍ وَمُتَطَهِّرٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلِامْتِنَاعِ وَصْفِهِ بِالْمُفْرَدِ فَلَا يُقَالُ: لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ الْأَسْوَدَ مَثَلًا مُحَافَظَةً عَلَى التَّشَاكُلِ اللَّفْظِيِّ وَيَكُونُ عُمُومُ هَذَا الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ الْآحَادِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مَجَازِيٍّ تَشْتَرِكُ فِيهِ مُسَمَّيَاتُهُ الَّتِي هِيَ الْجُمُوعُ وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِجِنْسِهَا الْمُفْرَدِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْكُلِّيَّ الَّذِي تَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُسَمَّيَاتُ كَمَا يَكُونُ حَقِيقِيًّا لِلْعَامِّ يَكُونُ مَجَازِيًّا لَهُ أَيْضًا كَمَا فِي عُمُومِ اللَّفْظِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مَجَازِيٍّ لَهُ يَشْتَرِكُ

مباحث العام

فِيهِ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ (ثُمَّ يُورَدُ) عَلَى الْعَامِّ (مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ جَمْعًا (أَنَّ دَلَالَتَهُ) أَيْ الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ (عَلَى الْوَاحِدِ تَضَمُّنِيَّةٌ؛ إذْ لَيْسَ) الْوَاحِدُ مَدْلُولًا (مُطَابِقِيًّا وَلَا خَارِجًا لَازِمًا وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ) أَيْ الْوَاحِدِ (مِنْ مَا صَدَقَاتِهِ) أَيْ الْعَامِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ (لَيْسَ بَدَلِيًّا فَالتَّعْلِيقُ بِهِ) أَيْ بِالْعَامِّ (تَعْلِيقٌ بِالْكُلِّ) أَيْ بِجَمِيعِ مَا يَصْلُحُ لَهُ (وَلَا يَلْزَمُ) مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْكُلِّ التَّعْلِيقُ (فِي الْجُزْءِ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَالْجَوَابُ) سَلَّمْنَا أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ عَلَى الْوَاحِدِ تَضَمُّنًا وَكَانَ مُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْعَامِّ الْمَذْكُورِ تَعْلِيقُهُ بِالْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْؤُهُ لِمَا ذُكِرَ لَكِنْ أَوْجَبَ الدَّلِيلُ أَنْ يَلْزَمَ ذَلِكَ هُنَا وَهُوَ (الْعِلْمُ بِاللُّزُومِ لُغَةً) وَشَرْعًا (فِي خُصُوصِ هَذَا الْجُزْءِ لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْجُزْءَ (جُزْئِيٌّ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّهُ جُزْئِيُّ الْمَفْهُومِ الَّذِي بِاعْتِبَارِ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ يَثْبُتُ الْعُمُومُ) لِسَائِرِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَصْدُقَ عَلَيْهِ وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ (وَقَدْ يُقَالُ الْعَامُّ مُرَكَّبٌ فَلَا يُؤْخَذُ الْجِنْسُ) لَهُ (الْمُفْرَدُ) وَقَدْ أَخَذْته حَيْثُ جَعَلْته الْمُقْسَمَ لَهُ وَلِلْخَاصِّ (وَيُجَابُ بِأَنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ لَيْسَ الْمُرَكَّبَ بَلْ الْمُفْرَدَ (يُشْتَرَطُ التَّرْكِيبُ فَالْعَامُّ) فِي الرَّجُلِ (رَجُلٌ بِشَرْطِ اللَّامِ) كَمَا هُوَ قَوْلُ السَّكَّاكِيِّ (أَوْ بِعِلَّتِهَا) كَمَا هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ (فَالْحَرْفُ) الَّذِي هُوَ اللَّامُ (يُفِيدُ مَعْنَاهُ) أَيْ الْعُمُومَ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمُفْرَدِ الَّذِي هُوَ رَجُلٌ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ إنَّمَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ فِي غَيْرِهِ (أَوْ الْمَقَامِ) أَيْ وَعَلَى الثَّانِي فَالْمَقَامُ يُفِيدُ الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ فِي الْمُفْرَدِ بِشَرْطِ دُخُولِ اللَّامِ عَلَيْهِ، وَأَيًّا مَا كَانَ (فَيَصِيرُ) الْمُفْرَدُ هُوَ (الْمُسْتَغْرِقَ) بَعْدَ اسْتِفَادَتِهِ الِاسْتِغْرَاقَ مِنْ الْحَرْفِ أَوْ الْمَقَامِ بِشَرْطِ دُخُولِ اللَّامِ عَلَيْهِ لَا أَنَّ الْحَرْفَ جُزْءٌ مِنْهُ (وَفِي الْمَوْصُولِ) أَيْ وَكَوْنُ الْمُسْتَغْرِقِ فِي الْمَوْصُولَاتِ هُوَ الْمُفْرَدَ (أَظْهَرُ) مِنْ كَوْنِهِ فِي الْمُحَلَّى هُوَ الْمُفْرَدَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الصِّلَةَ هِيَ الْمُفِيدَةُ لِلْمَوْصُولِ وَصْفَ الْعُمُومِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِجُزْءٍ مِنْهُ (فَيَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ) أَيْ بِالْمَوْصُولِ (عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي قَوْلِهِ) فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ (اللَّفْظُ الْوَاحِدُ) الدَّالُّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا حَيْثُ أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَوْصُولَاتِ بِصِلَاتِهَا لَيْسَتْ لَفْظًا وَاحِدًا وَعَلَيْهِ مُنَاقَشَاتٌ وَمُدَافَعَاتٌ أُخْرَى تُعْرَفُ فِي شَرْحِ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ (وَخَاصٌّ) عَطْفٌ عَلَى عَامٍّ وَهُوَ (مَا لَيْسَ بِعَامٍّ) عَلَى اخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ الِاسْتِغْرَاقِ فِيهِ وَعَدَمُهُ [مباحث الْعَامُّ] [الْبَحْثُ الْأَوَّلُ هَلْ يُوصَفُ بِالْعُمُومِ الْمَعَانِي الْمُسْتَقِلَّةُ كَالْمُقْتَضَى وَالْمَفْهُومِ] ثُمَّ نَقُولُ: (أَمَّا الْعَامُّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ: الْبَحْثُ الْأَوَّلُ هَلْ يُوصَفُ بِهِ) أَيْ بِالْعُمُومِ (الْمَعَانِي) الْمُسْتَقِلَّةُ كَالْمُقْتَضَى وَالْمَفْهُومِ (حَقِيقَةً كَاللَّفْظِ) أَيْ كَمَا يُوصَفُ بِهِ اللَّفْظُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِي مَعْنَاهُ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فِي مُجَرَّدِ اللَّفْظِ كَانَ مُشْتَرَكًا لَا عَامًّا (أَوْ) يُوصَفُ بِهِ الْمَعَانِي (مَجَازًا أَوْ) لَا يُوصَفُ بِهِ الْمَعَانِي (لَا) حَقِيقَةً (وَلَا) مَجَازًا أَقْوَالٌ (وَالْمُخْتَارُ: الْأَوَّلُ وَلَا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ) فِيهِ عَلَى هَذَا كَمَا عَسَى أَنْ يَتَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْقَوْلِ الثَّانِي لِتَرَجُّحِهِ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ دَارَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا فِيهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ الْحَقِيقَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي اللَّفْظِ مَجَازًا فِي الْمَعْنَى، وَالْمَجَازُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ (إذْ الْعُمُومُ شُمُولُ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ فَهُوَ) أَيْ شُمُولُ إلَخْ مُشْتَرَكٌ (مَعْنَوِيٌّ خَيْرٌ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا فِيهِمَا وَمِنْ كَوْنِهِ مَجَازًا فِي الْمَعَانِي (وَكُلٌّ مِنْ الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ مَحَلٌّ) لِشُمُولِ إلَخْ. (وَمَنْشَؤُهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ (الْخِلَافُ فِي مَعْنَاهُ) أَيْ الْعُمُومِ (وَهُوَ شُمُولُ الْأَمْرِ فَمَنْ اعْتَبَرَ وَحْدَتَهُ) أَيْ الْأَمْرِ (شَخْصِيَّةً مَنَعَ الْإِطْلَاقَ الْحَقِيقِيَّ) عَلَى الْمَعْنَى (إذْ لَا يَتَّصِفُ بِهِ) أَيْ بِالْعُمُومِ حِينَئِذٍ (إلَّا) الْمَعْنَى (الذِّهْنِيُّ وَلَا يَتَحَقَّقُ) الْوُجُودُ الذِّهْنِيُّ (عِنْدَهُمْ) أَيْ

البحث الثاني هل الصيغ من أسماء الشرط والاستفهام

الْأُصُولِيِّينَ لِمَا سَنَذْكُرُ (وَكَانَ) أَيْ الْعُمُومُ فِي الْمَعْنَى (مَجَازًا كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَظْهَرْ طَرِيقُهُ) أَيْ الْمَجَازِ (لِلْآخَرِ) الْقَائِلِ لَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَعْنَى لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا (فَمَنَعَهُ) أَيْ وَصْفَهَا بِهِ (وَمُطْلَقًا. وَمَنْ فَهِمَ مِنْ اللُّغَةِ أَنَّهُ) أَيْ الْأَمْرَ الْوَاحِدَ (أَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّخْصِيِّ (وَمِنْ النَّوْعِيِّ وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ أَعَمَّ مِنْهُمَا (الْحَقُّ لِقَوْلِهِمْ مَطَرٌ عَامٌّ) فِي الْأَعْيَانِ (وَخِصْبٌ عَامٌّ) فِي الْأَعْرَاضِ (فِي النَّوْعِيِّ) فَإِنَّ الْأَفْرَادَ وَإِنْ كَثُرَتْ تُعَدُّ وَاحِدًا بِاتِّحَادِ نَوْعِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْمَطَرِ مَثَلًا فِي مَكَان لَيْسَ إلَّا فَرْدًا مِنْ الْمَطَرِ يُبَايِنُ الْمَوْجُودَ فِي مَكَان آخَرَ بِالشَّخْصِ، وَيُمَاثِلُهُ بِالنَّوْعِ، وَالْكُلُّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَطَرٌ حَقِيقَةً لِاشْتِرَاكِ لَفْظِ مَطَرٍ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْأَفْرَادِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ مَطَرٍ فِي قَوْلِنَا: مَطَرٌ عَامٌّ لَيْسَ الْمَطَرَ الْكُلِّيَّ بَلْ الدَّاخِلَ فِي الْوُجُودِ مِنْهُ أَخْبَرَ عَنْهُ بِالْعُمُومِ فَالْمُرَادُ بِالضَّرُورَةِ بِمَطَرٍ عَامٍّ أَفْرَادُ مَفْهُومِ مَطَرٍ وُجِدَتْ فِي أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ كُلُّ فَرْدٍ فِي مَكَانِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَصَوْتٌ عَامٌّ فِي الشَّخْصِيِّ بِمَعْنَى كَوْنِهِ مَسْمُوعًا) لِلسَّامِعِينَ فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ مُتَعَلِّقٌ لِلِاسْتِمَاعَاتِ (أَجَازَهُ) أَيْ وَصْفَ الْمَعَانِي بِهِ (حَقِيقَةً) نَعَمْ قِيلَ: فِي هَذَا تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ الْحَامِلَ لِلصَّوْتِ إذَا صَادَمَ الْهَوَاءَ الْمُجَاوِرَ لَهُ حَدَثَ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ الصَّوْتِ فَالْمَسْمُوعُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ اسْتِمَاعُ زَيْدٍ مِثْلُ الْمَسْمُوعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ اسْتِمَاعُ عَمْرٍو لَا عَيْنُهُ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الشُّمُولِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْعُمُومِ (مُقْتَصِرًا عَلَى الذِّهْنِيِّ وَهُوَ) أَيْ الذِّهْنِيُّ (مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْإِطْلَاقُ) مُطْلَقًا عَلَيْهِ (مَمْنُوعٌ بَلْ الْمُرَادُ) بِالشُّمُولِ (التَّعْلِيقُ الْأَعَمُّ مِنْ الْمُطَابَقَةِ كَمَا فِي الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وَالْحُلُولِ كَمَا فِي الْمَطَرِ وَالْخِصْبِ. وَكَوْنُهُ مَسْمُوعًا كَالصَّوْتِ عَلَى أَنَّ نَفْيَ الذِّهْنِيِّ لَفْظِيٌّ كَمَا يُفِيدُهُ اسْتِدْلَالُهُمْ) أَيْ النَّافِينَ لِلْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَهُمْ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ لَاقْتَضَى تَصَوُّرُ الشَّيْءِ حُصُولَهُ فِي الذِّهْنِ فَيَلْزَمُ كَوْنَ الذِّهْنِ حَارًّا إذَا تَصَوَّرَ الْحَرَارَةَ ضَرُورَةُ حُصُولِهَا فِي الذِّهْنِ حِينَئِذٍ، وَلَا مَعْنَى لِلْحَارِّ إلَّا مَا قَامَتْ بِهِ الْحَرَارَةُ وَكَذَا الْحَالُ فِي الْبُرُودَةِ وَالِاعْوِجَاجِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَاجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ إذَا تَصَوَّرَهُمَا مَعًا وَحَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالتَّضَادِّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا مِنْهُمْ يُفِيدُ الْقَوْلَ بِنَفْيِ عَيْنِ الْمُتَصَوَّرِ بِمَا لَهُ مِنْ الْآثَارِ وَالْأَحْكَامِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي الذِّهْنِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَإِنَّمَا الْحَاصِلُ فِي الذِّهْنِ مُجَرَّدُ صُورَةٍ لِلْمُتَصَوَّرِ مَوْجُودَةٍ فِيهِ بِوُجُودٍ ظِلِّيٍّ مُطَابِقَةٍ لِعَيْنِ الْمُتَصَوَّرِ الْخَارِجِيَّةِ حَيْثُ كَانَ لَهُ وُجُودٌ خَارِجِيٌّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ أَيْضًا، وَإِلَّا امْتَنَعَتْ التَّعَقُّلَاتُ (وَقَدْ اُسْتُبْعِدَ هَذَا الْخِلَافُ؛ لِأَنَّ شُمُولَ بَعْضِ الْمَعَانِي لِمُتَعَدِّدٍ أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ إنَّمَا هُوَ) أَيْ الْخِلَافُ (فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ تَخْصِيصُ الْمَعْنَى الْعَامِّ كَاللَّفْظِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِاسْتِبْعَادُ (اسْتِبْعَادٌ يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْقَوْلُ الثَّانِي؛ إذْ لَا مَعْنَى لِجَوَازِ التَّخْصِيصِ مَجَازًا نَعَمْ صَرَّحَ مَانِعُو تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُخَصُّ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ) أَيْ نَفَى تَخْصِيصَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَعْنَى (لَا يُعَمُّ وَهُوَ) أَيْ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُعَمُّ (يُنَافِي مَا ذَكَرَ) الْمُسْتَبْعِدُ (وَيَتَعَذَّرُ إرَادَةُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَعْنَى (يُعَمُّ وَلَا يُخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ لَا يُعَمُّ) وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يَتَأَتَّى الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ الْمُسْتَبْعِدِ بِهَذِهِ الْإِرَادَةِ لِيُرْتَكَبَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ [الْبَحْثُ الثَّانِي هَلْ الصِّيَغُ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ] (الْبَحْثُ الثَّانِي هَلْ الصِّيَغُ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْمَوْصُولَاتِ وَ) الْمُفْرَدِ (الْمُحَلَّى) بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ (وَ) النَّكِرَةِ (الْمَنْفِيَّةِ وَالْجَمْعِ) الْمُحَلَّى (بِاللَّامِ) الْجِنْسِيَّةِ (وَالْإِضَافَةِ مَوْضُوعَةٌ لِلْعُمُومِ عَلَى الْخُصُوصِ أَوْ) لِلْخُصُوصِ عَلَى الْخُصُوصِ (مَجَازٌ فِيهِ) أَيْ فِي الْعُمُومِ (أَوْ مُشْتَرَكَةٌ) بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ (وَتَوَقَّفَ الْأَشْعَرِيُّ مَرَّةً كَالْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ (وَ) قَالَ

(مَرَّةً بِالِاشْتِرَاكِ) اللَّفْظِيِّ كَجَمَاعَةٍ (وَقِيلَ) الْعُمُومُ (فِي الطَّلَبِ) مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (مَعَ الْوَقْفِ فِي الْأَخْبَارِ وَتَفْصِيلِ الْوَقْفِ إلَى مَعْنًى لَا نَدْرِي) أَوُضِعَتْ لِلْعُمُومِ أَوْ الْخُصُوصِ أَمْ لَا (وَلَا نَعْلَمُ الْوَضْعَ وَلَا نَدْرِي أَحَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ) أَيْ لَكِنْ لَا نَدْرِي أَنَّهَا وُضِعَتْ لِلْعُمُومِ فَتَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ أَوْ لَا فَتَكُونُ مَجَازًا فِيهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا حَقِيقَةً فِيهِ لَا نَدْرِي أَنَّهَا وُضِعَتْ لَهُ فَقَطْ فَتَكُونُ مُنْفَرِدَةً أَمْ لَهُ، وَلِلْخُصُوصِ أَيْضًا فَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَرَّرَهُ الشَّارِحُونَ. أَشَارَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ إلَى فَسَادِهِ وَحَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (لَا يَصِحُّ إذْ لَا شَكَّ فِي الِاسْتِعْمَالِ) لِهَذِهِ الصِّيَغِ كَمَا يَذْكُرُهُ (وَبِهِ) أَيْ وَبِالِاسْتِعْمَالِ لَهَا (يُعْلَمُ وَضْعُهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْهَا فِي الْجُمْلَةِ (فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ) أَيْ الْوَضْعَ لِلْعُمُومِ هُوَ الْوَضْعُ (النَّوْعِيُّ) فَتَكُونُ مَجَازًا فِيهِ (أَوْ الْحَقِيقِيُّ) فَتَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ (فَيَرْجِعُ) الْأَوَّلُ (إلَى الثَّانِي) لِأَنَّهُ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ التَّوَقُّفَ بِمَعْنَى لَا نَدْرِي أَحَقِيقَةٌ فِي الْعُمُومِ أَوْ مَجَازٌ وَهَذَا هُوَ الثَّانِي وَقَدْ أَوْضَحَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الرَّدَّ بِمَا فِيهِ مَزِيدُ تَحْقِيقٍ لَهُ فَقَالَ: لِأَنَّ الثَّانِيَ إذْ كَانَ حَاصِلُهُ الْعِلْمَ بِالْوَضْعِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّهَا أَيْ الصِّيَغَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ كَانَ الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الْمَعْلُومَ الْأَعَمَّ مِنْ وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ مُقَابِلُهُ الْأَوَّلَ وَالْمُعَبِّرَ عَنْهُ فَلَا نَدْرِي هُوَ هَذَا الْوَضْعُ بِعَيْنِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ بِمُطْلَقِ الْوَضْعِ الْمُنْقَسِمِ إلَى وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَوَضْعِ الْمَجَازِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِاسْتِعْمَالِ الصِّيَغِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى إذْ لَوْ عُلِمَ الِاسْتِعْمَالُ قُطِعَ بِأَنَّهُ إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ فَيُقْطَعُ بِثُبُوتِ الْوَضْعِ الْأَعَمِّ مِنْ وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَوَضْعِ الْمَجَازِ لَهَا، وَكَوْنُ إنْسَانٍ فَضْلًا عَنْ عَالِمٍ لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ هَذِهِ الصِّيَغَ اُسْتُعْمِلَتْ لُغَةً، وَلَا شَرْعًا فِي الْعُمُومِ مَعْلُومُ الِانْتِفَاءِ فَلَزِمَ أَنْ لَا تَرَدُّدَ إلَّا فِي كَوْنِهَا حَقِيقَةً فِيهِ أَوْ مَجَازًا فَهُوَ مَحَلُّ الْوَقْفِ وَهُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي (وَلَا تَرَدُّدَ فِي فَهْمِهِ) أَيْ الْعُمُومِ (مِنْ) اسْمِ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَمِنْ الْجَمْعِ الْمُكَسَّرِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ) كَمَا هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» غَيْرَ أَنَّ الْمَحْفُوظَ إنَّا كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ لَا نَحْنُ إلَّا أَنَّ مُفَادَهُمَا وَاحِدٌ وَمِنْ الْمُفْرَدِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] وَمِنْ قَوْله تَعَالَى {لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [العنكبوت: 32] فِي اسْمِ الْجَمْعِ الْمُضَافِ وَفَهِمَهُ) أَيْ الْعُمُومَ (الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً) مِنْ اسْمِ الشَّرْطِ كَمَا (فِي: مَنْ دَخَلَ) دَارِي فَهُوَ حُرٌّ وَاسْمِ الِاسْتِفْهَامِ كَمَا فِي (وَمَا صَنَعْت وَمَنْ جَاءَ) حَيْثُ هُمَا (سُؤَالٌ عَنْ كُلِّ جَاءٍ وَمَصْنُوعٍ) وَمِنْ النَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ كَمَا فِي (وَلَا تَشْتُمْ أَحَدًا إنَّمَا هُوَ) أَيْ التَّرَدُّدُ (فِي أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ (بِالْوَضْعِ) كَقَوْلِ الْعُمُومِ (أَوْ بِالْقَرِينَةِ كَقَوْلِ الْخُصُوصِ) ، وَالْقَرِينَةُ (كَالتَّرْتِيبِ) لِلْحُكْمِ (عَلَى) الْوَصْفِ (الْمُنَاسِبِ) أَيْ الْمُشْعِرِ بِعِلِّيَّتِهِ لَهُ (فِي نَحْوِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] (وَأَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ) فَإِنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَالْإِكْرَامُ مُرَتَّبٌ عَلَى وَصْفٍ مُشْعِرٍ بِعِلِّيَّتِهِ لَهُ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْعِلْمِ (وَمَثَّلَ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (تَمْهِيدُ قَاعِدَةٍ) أَيْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْبَيَانِ لِحُكْمٍ كُلِّيٍّ يَنْطَبِقُ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ، وَإِنْ كَانَ جُزْئِيًّا بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقِهِ الَّذِي اتَّفَقَ وُقُوعُهُ مُتَعَلَّقًا بِهِ (كَرَجْمِ مَاعِزٍ) أَيْ «كَرَجْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاعِزًا لَمَّا أَقَرَّ بِالزِّنَا وَكَانَ مُحْصَنًا» كَمَا فِي

الصَّحِيحَيْنِ. (إذْ عُلِمَ أَنَّهُ شَارِعٌ وَحُكْمِيٌّ عَلَى الْوَاحِدِ) أَيْ وَإِذْ عُلِمَ أَنَّهُ قَالَ: حُكْمِيٌّ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِيٌّ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَمَا هُوَ مُشْتَهِرٌ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَلَمْ نَرَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ لَمْ أَرَ لَهُ سَنَدًا قَطُّ، وَسَأَلْت شَيْخَنَا الْحَافِظَ الْمِزِّيَّ وَشَيْخَنَا الذَّهَبِيَّ فَلَمْ يَعْرِفَاهُ اهـ وَقَدْ جَاءَ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ فَأَخْرَجَ مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رَقِيقَةَ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نِسْوَةٍ نُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ نُبَايِعْك، فَقَالَ: إنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ إنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ وَالطَّبَرِيِّ: «إنَّمَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ» وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَطَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ بِاللَّفْظَيْنِ فَكَمَا أَنَّ رَجْمَ مَاعِزٍ مُفِيدٌ لِلْعُمُومِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ حَالُهُ كَحَالِهِ لِكُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ الْقَرِينَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْخُصُوصَ فَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ مُفِيدِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ (أَوْ ضَرُورَةً مِنْ نَفْيِ النَّكِرَةِ) أَيْ أَوْ كَكَوْنِ الْعُمُومِ ثَبَتَ ضَرُورَةً كَمَا فِي نَفْيِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِفَرْدٍ مُبْهَمٍ كَانَ انْتِفَاؤُهُ بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ. فَكَانَ انْتِفَاءُ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ ضَرُورَةَ انْتِفَائِهِ كَمَا سَيَأْتِي التَّعَرُّضُ لَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (وَأَلْزَمُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِوَضْعِهَا لِلْخُصُوصِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهَا الْعُمُومُ بِالْقَرَائِنِ (أَنْ لَا يُحْكَمَ بِوَضْعِيٍّ لِلَفْظٍ) عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؛ إذْ يَتَأَتَّى فِيهِ تَجْوِيزُ كَوْنِهِ فُهِمَ مِنْهُ بِالْقَرَائِنِ لَا بِالْوَضْعِ فَيَنْسَدُّ بَابُ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِكَذَا وَهُوَ مَفْتُوحٌ (إذْ لَمْ يُنْقَلْ قَطُّ عَنْ الْوَاضِعِ) التَّنْصِيصُ عَلَى الْوَضْعِ حَتَّى يَمْتَنِعَ أَنْ يَطْرُقَهُ هَذَا التَّجْوِيزُ (بَلْ أُخِذَ) أَيْ حُكِمَ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى (مِنْ التَّبَادُرِ) أَيْ تَبَادُرِ الْمَعْنَى (عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) لِلَّفْظِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَمْنَعُ التَّجْوِيزَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّهُ تَجْوِيزٌ لَا يَمْنَعُ الظُّهُورَ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ (وَأَيْضًا شَاعَ) وَذَاعَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (احْتِجَاجُهُمْ) أَيْ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا (بِهِ) أَيْ بِالْعُمُومِ مِنْ الصِّيَغِ الْمُدَّعَى كَوْنُهَا لَهُ وَضْعًا (كَعُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ بِ أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنَى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. قَالَ عُمَرُ: فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْت اللَّهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْت أَنَّهُ الْحَقُّ فَقَدْ فَهِمَ عُمَرُ الْعُمُومَ وَاحْتَجَّ بِهِ وَقَرَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَدَلَ إلَى الِاحْتِجَاجِ فِي الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ إلَّا بِحَقِّهَا (وَأَبِي بَكْرٍ) أَيْ وَكَاحْتِجَاجِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْأَنْصَارِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ) وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ وَتَعَقَّبَهُمْ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْجُودًا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَإِنَّمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي قِصَّةِ السَّقِيفَةِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ إنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ هَذَا الْأَمْرَ إلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ نَعَمْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ فِيهِ انْقِطَاعٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِسَعْدٍ يَعْنِي ابْنَ عُبَادَةَ لَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِقُرَيْشٍ أَنْتُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ. فَلَعَلَّ هَذَا مُسْتَنَدُ مَنْ عَزَا ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَهُ بِالْمَعْنَى اهـ. فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَكَاحْتِجَاجِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ قُرَشِيًّا

بِهِ «وَنَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» ) أَيْ وَكَاحْتِجَاجِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُورَثُ بِهَذَا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْمَحْفُوظَ إنَّا لَا نَحْنُ وَأَنَّهُ لَا ضَيْرَ؛ لِأَنَّ مُفَادَهُمَا وَاحِدٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الِاحْتِجَاجَاتِ بِالْعُمُومِ مِنْ الصِّيَغِ الْمُدَّعَى كَوْنُهَا لِلْعُمُومِ وَضْعًا، وَلَوْلَا أَنَّهَا لِلْعُمُومِ لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ فِي الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ وَلَأُنْكِرَ ذَلِكَ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ (عَلَى وَجْهٍ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ (بِاللَّفْظِ) لَا بِالْقَرَائِنِ فَانْتَفَى أَنْ يُقَالَ: الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ لَا يَنْتَهِضُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِي الْأُصُولِ، وَهُوَ إنَّمَا يَنْتَهِضُ فِي الْفُرُوعِ (وَاسْتُدِلَّ) لِلْمُخْتَارِ بِمُزَيَّفٍ، وَهُوَ (أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ (مَعْنًى كَثُرَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ فَكَغَيْرِهِ) أَيْ فَوَجَبَ الْوَضْعُ لَهُ كَمَا وُضِعَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَعَانِي الْمُحْتَاجِ إلَى التَّعْبِيرِ عَنْهَا (وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ) وَهُوَ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى التَّعْبِيرِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَهُ لَفْظٌ مُنْفَرِدٌ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْمَجَازِ وَالْمُشْتَرَكِ فَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي الْعُمُومِ (الْخُصُوصُ لَا عُمُومَ إلَّا لِمُرَكَّبٍ وَلَا وَضْعَ لَهُ) أَيْ لِلْمُرَكَّبِ (بَلْ) الْوَضْعُ (لِمُفْرَدَاتِهِ وَالْقَطْعُ أَنَّهَا) أَيْ الْمُفْرَدَاتِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ الْعُمُومِ (فَلَا وَضْعَ لَهُ) أَيْ لِلْعُمُومِ (فَصَدَقَ أَنَّهَا) أَيْ الصِّيَغَ (لِلْخُصُوصِ بَيَانُهُ) أَيْ: لَا عُمُومَ إلَّا لِمُرَكَّبٍ (أَنَّ مَعْنَى الشَّرْطِ وَأَخَوَيْهِ) أَيْ النَّفْيِ وَالِاسْتِفْهَامِ (لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِأَلْفَاظٍ لِكُلٍّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَلْفَاظِ (وَضْعٌ عَلَى حِدَتِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ) الْعُمُومُ (بِالْمَجْمُوعِ) مِنْهَا (مَثَلًا مَعْنًى مِنْ عَاقِلٍ) وَالْأَوْلَى عَالِمٌ لِوُقُوعِهِ عَلَى الْبَارِي - تَعَالَى (فَيُضَمُّ إلَيْهِ) اللَّفْظُ (الْآخَرُ بِخُصُوصٍ مِنْ النِّسْبَةِ فَيَحْصُلُ) مِنْ الْمَجْمُوعِ (مَعْنَى الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَبِهِمَا الْعُمُومُ وَصَرَّحَ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِأَنَّ تَضَمُّنَ مَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ طَارِئٌ عَلَى مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّازِمَ) مِنْ لَا عُمُومَ إلَّا لِمُرَكَّبٍ (التَّوَقُّفُ عَلَى التَّرْكِيبِ) أَيْ تَوَقُّفُ ثُبُوتِ الْعُمُومِ عَلَى تَرْكِيبِ الْمُفْرَدِ مَعَ غَيْرِهِ (فَلَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ) الْمُرَكَّبَ هُوَ (الدَّالُّ) عَلَى الْعُمُومِ بَلْ جَازَ كَوْنُ الْمُفْرَدِ بِشَرْطِ التَّرْكِيبِ هُوَ الْعَامَّ وَقَبْلَ حُصُولِ الشَّرْطِ لَهُ مَعْنًى وَضْعِيٌّ إفْرَادِيٌّ غَيْرُ مَعْنَى الْعُمُومِ (وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ) بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّالَّ الْمُرَكَّبَ أَوْ جُزْأَهُ بِشَرْطِ التَّرْكِيبِ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ (وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ قَوْلُ الْوَاضِعِ فِي النَّكِرَةِ) مِنْ حَيْثُ هِيَ جَعَلْتهَا (لِفَرْدٍ) مُبْهَمٍ (يَحْتَمِلُ كُلَّ فَرْدٍ) مُعَيَّنٍ عَلَى الْبَدَلِ (فَإِذَا عُرِفَتْ) لِغَيْرِ عَهْدٍ (فَلِلْكُلِّ ضَرْبَةٌ وَهُوَ) أَيْ وَضْعُهَا هَكَذَا هُوَ (الظَّاهِرُ لِأَنَّا نَفْهَمُهُ) أَيْ الْعُمُومَ (فِي أَكْرِمْ الْجَاهِلَ وَأَهِنْ الْعَالِمَ وَلَا مُنَاسَبَةَ) بَيْنَ الْإِكْرَامِ وَالْجَهْلِ وَبَيْنَ الْإِهَانَةِ وَالْعِلْمِ فَلَمْ يَكُنْ الْعُمُومُ بِالْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مِثْلِهِ الْمُنَاسَبَةُ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ (فَكَانَ) الْعُمُومُ مَعْنًى (وَضْعِيًّا) لِلَّفْظِ (وَغَايَتُهُ) أَيْ الْأَمْرِ (أَنَّ وَضْعَهُ) أَيْ اللَّفْظِ لِلْعُمُومِ (وَضْعُ الْقَوَاعِدِ اللُّغَوِيَّةِ كَقَوَاعِدِ النَّسَبِ وَالتَّصْغِيرِ، وَأَفْرَادُ مَوْضُوعِهَا) أَيْ الْقَوَاعِدِ (حَقَائِقُ) فَهُوَ مِنْ أَحَدِ نَوْعَيْ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَحْثِ الْمَجَازِ (وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ اللَّفْظِ مَوْضُوعًا لِلْعُمُومِ وَضْعًا نَوْعِيًّا (وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ) أَيْ اللَّفْظِ الْعَامِّ (مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا) بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْخُصُوصِ أَيْضًا حَتَّى قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ (وَالْوَجْهُ أَنَّ عُمُومَ غَيْرِ الْمُحَلَّى) بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ (وَ) غَيْرِ (الْمُضَافِ عَقْلِيٌّ) لَا وَضْعِيٌّ (لِجَزْمِ الْعَقْلِ بِهِ) أَيْ بِالْعُمُومِ (عِنْدَ ضَمِّ الشَّرْطِ وَالصِّلَةِ إلَى مُسَمَّى مَنْ وَهُوَ عَاقِلٌ وَ) مُسَمَّى (الَّذِي وَهُوَ ذَاتٌ فَيَثْبُتُ مَا عُلِّقَ بِهِ) أَيْ بِالْمُسَمَّى (لِكُلِّ مُتَّصِفٍ) بِالْمُسَمَّى (لِوُجُودِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ) أَيْ لِوُجُودِ الْمَفْهُومِ الَّذِي نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ فَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ الْأَوَّلِ رَاجِعٌ إلَى مَا وَمَا عُلِّقَ عَلَيْهِ فَاعِلُ صَدَقَ (وَكَذَا النَّكِرَةُ الْمَنْفِيَّةُ) عُمُومُهَا عَقْلِيٌّ (لِأَنَّ نَفْيَ ذَاتِ مَا) الَّذِي هُوَ مَعْنَاهَا (لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ وُجُودِ

ذَاتٍ) كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (وَهَذَا) الْعَقْلِيُّ (وَإِنْ لَمْ يُنَافِ الْوَضْعَ) لَهُ أَيْضًا لِإِمْكَانِ تَوَارُدِهِمَا عَلَيْهِ (لَكِنْ يَصِيرُ) الْوَضْعُ لَهُ (ضَائِعًا) لِاسْتِفَادَتِهِ بِدُونِهِ (وَحِكْمَتُهُ) أَيْ الْوَاضِعِ (تُبْعِدُهُ) أَيْ وُقُوعَهُ (كَمَا لَوْ وَضَعَ لَفْظًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى حَيَاةِ لَافِظِهِ) فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا بَعِيدٌ جِدًّا. (وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ بِلَا) حَالَ كَوْنِهَا (مُرَكَّبَةً) كَلَا رَجُلَ بِالْفَتْحِ (نَصٌّ فِي الْعُمُومِ وَغَيْرِهَا) أَيْ الْمُرَكَّبَةِ كَلَا رَجُلٌ بِالرَّفْعِ (ظَاهِرٌ) فِي الْعُمُومِ (فَجَازَ) فِي غَيْرِهَا (بَلْ رَجُلَانِ وَامْتَنَعَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي كَوْنِهَا مُرَكَّبَةً بَلْ رَجُلَانِ (وَبِعِلَّتِهِ) أَيْ بِعِلَّةِ امْتِنَاعِ بَلْ رَجُلَانِ فِي لَا رَجُلَ وَهِيَ النُّصُوصِيَّةُ لِلتَّرْكِيبِ لِتَضَمُّنِ مَعْنَى مِنْ الزَّائِدَةِ (يَلْزَمُ امْتِنَاعُهُ) أَيْ بَلْ رَجُلَانِ (فِي لَا رِجَالَ) لِلتَّرْكِيبِ وَالنُّصُوصِيَّةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ (فَإِنْ قَالُوا: الْمَنْفِيُّ) فِي لَا رِجَالَ (الْحَقِيقَةُ بِقَيْدِ تَعَدُّدٍ) خَارِجِيٍّ لِأَفْرَادِهَا بِخِلَافِ لَا رَجُلَ فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ فِيهِ الْحَقِيقَةُ مُطْلَقًا. (قُلْنَا: إذَا صَحَّ) فِي الْمُرَكَّبَةِ حَالَ كَوْنِهَا جَمْعًا تَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِقَيْدِ التَّعَدُّدِ الْخَارِجِيِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا فَجَازَ بَلْ رَجُلَانِ لِانْتِفَاءِ هَذَا التَّعَدُّدِ (فَلِمَ لَا يَصِحُّ) تَسَلُّطُهُ عَلَيْهَا مُفْرَدَةً (بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ) فَيَجُوزُ بَلْ رَجُلَانِ أَيْضًا لِانْتِفَاءِ هَذَا الْقَيْدِ (كَجَوَازِهِ) أَيْ: بَلْ رَجُلَانِ (فِي الظَّاهِرِ) أَيْ لَا رَجُلٌ بِالرَّفْعِ، وَإِلَّا فَتَحَكُّمٌ فَإِنْ قِيلَ: الْمَانِعُ هُنَا اللُّغَةُ. قُلْنَا مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَ (وَحُكْمُ الْعَرَبِ بِهِ مَمْنُوعٌ) بَلْ هُوَ كَلَامُ الْمُوَلَّدِينَ؛ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْعَرَبِ امْتِنَاعُ بَلْ رَجُلَانِ فِي لَا رَجُلٌ وَجَوَازُهُ فِي لَا رِجَالٌ (وَالْقَاطِعُ بِنَفْيِهِ) أَيْ الْحُكْمِ بِهِ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ مُؤَنَّثٌ (مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ وَقَدْ خُصَّ) هَذَا أَيْضًا (بِنَحْوِ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُخَصَّ بِشَيْءٍ أَصْلًا لِتَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِعَامَّةِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَا ضَرَرَ) أَيْ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» كَمَا رَوَاهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَأَوْجَبَ كَثِيرًا مِنْ الضَّرَرِ) بِحَقٍّ مِنْ حَدٍّ وَقِصَاصٍ وَتَعْزِيرٍ وَغَيْرِهَا لِمُرْتَكِبِ أَسْبَابِهَا (وَتَنْتَفِي مُنَافَاتُهُ لِإِطْلَاقِ الْأُصُولِ الْعَامَّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ) أَيْ وَبِهَذَا الْبَحْثِ الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَنْتَفِي الْمُنَافَاةُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَبَيْنَ إطْلَاقِ الْأُصُولِيِّينَ جَوَازَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْعَقْلُ فِي خُصُوصِ الْمَادَّةِ أَوْ السَّمْعِ الْقَطْعِيِّ نَحْوُ بِكُلٍّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَوَجْهُ الْمُنَافَاةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانُ أَنَّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ لَمْ يُرَدْ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَامِّ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِ النَّفْيِ لِلْحَقِيقَةِ وَالْجِنْسِ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ هَذَا الْعَامِّ كَمَا لَا يَصِحُّ بَلْ رَجُلَانِ؛ لِأَنَّهُ شَمِلَهُ حُكْمُ النَّفْيِ لِلنُّصُوصِيَّةِ، وَدَخَلَ مُرَادًا فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُرَادٍ وَحَاصِلُ بَحْثِنَا أَنْ لَا رَجُلَ بِالتَّرْكِيبِ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ لَا رَجُلٌ بِالرَّفْعِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي نَفْيِ الْجِنْسِ قَيْدُ الْوَحْدَةِ فَيُقَالُ بَلْ رَجُلَانِ وَكَوْنُ الْمُرَكَّبَةِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا كَالْمُفَسَّرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَمْنُوعٌ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ فِي: لَا رَيْبَ فِيهِ قِرَاءَةُ النَّصْبِ تُوجِبُ الِاسْتِغْرَاقَ وَقِرَاءَةُ الرَّفْعِ تُجَوِّزُهُ غَيْرُ حَسَنٍ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْعُمُومَ فِي الرَّفْعِ غَيْرُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ بَلْ تَجُوزُ إرَادَتُهُ، وَعَدَمُهَا عَلَى السَّوَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مُطْلَقًا تُفِيدُ الْعُمُومَ أَطْبَقَ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ أَخْذُهُمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ اللُّغَةِ وَهُمْ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي أَخْذِ الْمَعَانِي مِنْ قَوَالِبِ الْأَلْفَاظِ ثُمَّ إنْ وَجَدْنَا الْمُتَكَلِّمَ لَمْ يُعَقِّبْ الصِّيغَةَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ حَكَمْنَا بِإِرَادَةِ ظَاهِرِهِ مِنْ الْعُمُومِ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ، وَإِنْ ذَكَرَ مَخْرَجًا هُوَ بَلْ رَجُلَانِ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَصَدَ النَّفْيَ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ أَوْ مَخْرَجًا آخَرَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعَامِّ بَعْضَهُ نَحْوُ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»

وَأَوْجَبَ الْقَتْلَ وَالضَّرْبَ فِي مَوَاضِعَ وَهُوَ ضَرَرٌ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ وَهُوَ مَعْنَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَهُوَ بَيَانُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْعَامِّ بَعْضُهُ وَحِينَئِذٍ فَقِرَاءَةُ كُلٍّ مِنْ النَّصْبِ وَالرَّفْعِ تُوجِبُ الِاسْتِغْرَاقَ غَيْرَ أَنَّ إيجَابَ النَّصْبِ أَقْوَى عَلَى مَا يُقَالُ (فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ بَلْ رَجُلَانِ تَخْصِيصٌ) لِلَا رَجُلٌ الْمُرَكَّبِ (مَعَ أَنَّ حَاصِلَهُ) أَيْ لَا رَجُلٌ الْمُرَكَّبِ عَلَى تَقْدِيرِ تَجْوِيزِ بَلْ رَجُلَانِ مَعَهُ (نَفْيُ الْمُقَيَّدِ بِالْوَحْدَةِ فَلَيْسَ عُمُومُهُ إلَّا فِي الْمُقَيَّدِ بِهَا) أَيْ إلَّا فِي رَجُلٍ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ رَجُلَانِ؛ لِأَنَّهُ بِقَيْدِ التَّعَدُّدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إخْرَاجُهُ فَلَا يَقَعُ تَخْصِيصًا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالتَّخْصِيصِ بِالْمُتَّصِلِ (قُلْنَا التَّخْصِيصُ بِحَسَبِ الدَّلَالَةِ ظَاهِرٌ إلَّا) بِحَسَبِ (الْمُرَادِ) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ تَخْصِيصٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مُخَصِّصٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِرَادَةِ بِالْعَامِّ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا (فَلَا شَكَّ عَلَى) اصْطِلَاحِ (الشَّافِعِيَّةِ) عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ فِي أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ (وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَهُوَ كَالْمُتَّصِلِ) أَيْ: فَبَلْ رَجُلَانِ كَالتَّخْصِيصِ الْمُتَّصِلِ بِاصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْآتِيَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَابِ كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَوْ تَرَكَ هَذَا الْقَيْدَ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ لَا كَهُوَ (وَالتَّخْصِيصِ بِمُسْتَقِلٍّ) أَيْ لَكِنَّ التَّخْصِيصَ اللَّفْظِيَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ تَامٍّ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا تَخْصِيصًا عِنْدَهُمْ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ نَعَمْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ أَنَّ هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَصَرَّحَ فِي الْبَدِيعِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَأَنَّ أَكْثَرَهُمْ عَلَى انْقِسَامِهِ إلَى مُسْتَقِلٍّ وَغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ فَإِذَنْ إنَّمَا لَا يَكُونُ هَذَا تَخْصِيصًا عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَلَعَلَّ كَوْنَهُ تَخْصِيصًا أَوْجَهُ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْخُصُوصِ حَقِيقَةً (الْخُصُوصُ مُتَيَقَّنٌ) إرَادَتُهُ اسْتِقْلَالًا عَلَى تَقْدِيرِ الْوَضْعِ لَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْوَضْعِ لِلْعُمُومِ، وَالْعُمُومُ مُحْتَمَلٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَضْعُ لَهُ وَأَنْ يَكُونَ لِلْخُصُوصِ (فَيَجِبُ) الْخُصُوصُ (وَيُنْفَى الْمُحْتَمَلُ) أَيْ الْعُمُومُ؛ لِأَنَّ الْمُتَيَقَّنَ أَوْلَى مِنْ الْمَشْكُوكِ (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ) وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ بِالنَّقْلِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَبِأَنَّ الْعُمُومَ أَرْجَحُ) مِنْ الْخُصُوصِ (لِلِاحْتِيَاطِ) لِأَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْخُصُوصِ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ الْعُمُومِ مُرَادًا إضَاعَةَ غَيْرِهِ مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ لِدُخُولِ الْخُصُوصِ فِيهِ، وَالْأَحْوَطُ أَوْلَى قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَفِي هَذَا) الْجَوَابِ (إثْبَاتُهَا) أَيْ اللُّغَةِ (بِالتَّرْجِيحِ) أَيْضًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ عَامًّا إذَا وَقَعَ فِي الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ احْتِيَاطًا، وَفِي عَدَمِهِ عَدَمُ الِاحْتِيَاطِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِمَعْنَى الْعُمُومِ وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ لِتَرْجِيحِ إرَادَةِ مَعْنًى لِلَّفْظِ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ كَتَرْجِيحِ إرَادَتِهِ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِيَاطِ عَلَى إرَادَةِ غَيْرِهِ مِمَّا الِاحْتِيَاطُ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ بِالِاحْتِيَاطِ (مَعَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لَا يَسْتَمِرُّ) فِي الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ صُورَةٍ بَلْ فِي الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْخُصُوصِ فِيهِمَا مُخَالَفَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي بَعْضِ مَا أُمِرَ بِهِ وَنُهِيَ عَنْهُ كَأَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ، وَلَا تُكْرِمْ الْجُهَّالَ؛ إذْ لَوْ حَمَلَهُمَا عَلَى الْخُصُوصِ فَتَرَكَ إكْرَامَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَإِكْرَامَ بَعْضِ الْجُهَّالِ أَثِمَ أَمَّا فِي الْإِبَاحَةِ فَلَا يَكُونُ الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ أَحْوَطَ بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْخُصُوصُ أَحْوَطَ كَمَا فِي اشْرَبْ الشَّرَابَ وَكُلْ الطَّعَامَ فَإِنَّهُ إذَا عَمِلَ بِالْعُمُومِ فِيهِمَا أَثِمَ بِتَنَاوُلِ مُحَرَّمٍ مِنْهُمَا فَلَا يَتِمُّ كِلَا الْجَوَابَيْنِ (بَلْ الْجَوَابُ لَا احْتِمَالَ) لِلْوَضْعِ لِلْخُصُوصِ حَقِيقَةً (بَعْدَ مَا ذَكَرْنَا) بَدِيًّا مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْوَضْعِ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً (وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِالْوَضْعِ لِلْخُصُوصِ أَيْضًا بِمَا يُنْسَبُ

البحث الثالث ليس الجمع المنكر عاما

إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ (مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ) حَتَّى هَذَا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ (فَفَرْعُ دَعْوَانَا) أَنَّ الْوَضْعَ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً وَيُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ مَجَازًا؛ إذْ هُوَ مُفِيدٌ أَنَّ الْعُمُومَ أَصْلٌ وَالْخُصُوصَ عَارِضٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُهُ (الِاشْتِرَاكُ ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ لَهُمَا) أَيْ لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ (وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْجَوَابُ لَوْ لَمْ يُثْبِتْ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْوَضْعِ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً وَلِلْخُصُوصِ مَجَازًا (الْمُفَصَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى عُمُومِ التَّكْلِيفِ وَهُوَ) أَيْ عُمُومُهُ (بِالطَّلَبِ) مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الطَّلَبُ عَامًّا لَمْ يَكُنْ التَّكْلِيفُ عَامًّا (قُلْنَا: وَكَذَا الْإِخْبَارُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ خُصُوصٍ مِثْلُ نَحْنُ عَلَيْك) فَإِنَّ هَذَا إخْبَارٌ بِمَا فِيهِ صِيغَةُ خُصُوصٍ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَافُ الْخِطَابِ الْمُفْرَدُ الْمَجْرُورُ، وَذَلِكَ نَحْوُ {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَتَكُونُ عَامَّةً أَيْضًا (لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِهَا (بِحَالِ الْكُلِّ) فَإِنَّا مُكَلَّفُونَ عُمُومًا بِمَعْرِفَتِهَا أَيْضًا لِلِانْقِيَادِ إلَى الطَّاعَاتِ وَالِانْزِجَارِ عَنْ الْمُخَالَفَاتِ فَلَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي التَّكْلِيفِ (وَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ) أَيْضًا فِي الْإِخْبَارِ دُونَ الطَّلَبِ، وَلَا فِيهَا مُطْلَقًا (بَعْدَ اسْتِدْلَالِنَا) لِلْمُخْتَارِ بِمَا تَقَدَّمَ؛ إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَيْهِ [الْبَحْثُ الثَّالِثُ لَيْسَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ عَامًّا] (الْبَحْثُ الثَّالِثُ لَيْسَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ عَامًّا خِلَافًا لِطَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَسَيُعَيِّنُ مِنْهُمْ فَخْرَ الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْكَشْفِ ذَكَرَ أَنَّ عَامَّةَ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ النَّكِرَةَ لَيْسَ بِعَامٍّ لِظُهُورِهِ فِي الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ النَّكِرَةِ، وَكَأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا الْعَامُّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَهُوَ صِيغَةُ كُلِّ جَمْعٍ رَدَّ قَوْلَ الْعَامِّ، وَاخْتَارَ أَنَّ الْكُلَّ عَامٌّ سَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ إلَّا أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ الْقِلَّةِ يَكُونُ لِلْعُمُومِ يَكُونُ الْعُمُومُ فِي مَوْضُوعِهِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ فَصَاعِدًا إلَى الْعَشَرَةِ، وَفِي غَيْرِهِ يَكُونُ الْعُمُومُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى أَنْ يَشْمَلَ الْكُلَّ؛ إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعُمُومِ عِنْدَهُ الِاسْتِغْرَاقُ (لَنَا الْقَطْعُ بِأَنَّ رِجَالًا لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ اسْتِغْرَاقُهُمْ) أَيْ جَمَاعَاتِ الرِّجَالِ (كَرَجُلٍ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَيْضًا عِنْدَ إطْلَاقِهِ اسْتِغْرَاقُهُ لِسَائِرِ الْوُحْدَانِ (فَلَيْسَ) الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ (عَامًّا) كَمَا أَنَّ رَجُلًا كَذَلِكَ. (فَمَا قِيلَ) فِي إثْبَاتِ عُمُومِهِ كَمَا فِي الْبَدِيعِ مَا مَعْنَاهُ (الْمَرْتَبَةُ الْمُسْتَغْرِقَةُ) لِكُلِّ جَمْعٍ (مِنْ مَرَاتِبِهِ) أَيْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ (فَيُحْمَلُ) الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمُسْتَغْرِقَةِ (لِلِاحْتِيَاطِ) لِأَنَّهُ حَمْلٌ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ حِينَئِذٍ (بَعُدَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ الْمُسْتَغْرِقَةِ وَهِيَ الْأَقَلُّ (أَوْلَى لِلتَّيَقُّنِ) بِهِ وَالشَّكِّ فِي غَيْرِهِ وَالْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ وَطَرْحُ الْمَشْكُوكِ أَوْلَى، وَيَتَأَيَّدُ هَذَا فِي التَّكَالِيفِ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ (وَيَكُونُ الِاحْتِيَاطُ لَا يَسْتَمِرُّ) فِي الْمُسْتَغْرِقَةِ (بَلْ يَكُونُ) الِاحْتِيَاطُ (فِي عَدَمِهِ) أَيْ الِاسْتِغْرَاقِ كَمَا فِي الْإِبَاحَةِ (لَيْسَ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ) أَيْ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ (فِي أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ (مَفْهُومُهُ) أَيْ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرِ (وَأَيْنَ الْحَمْلُ عَلَى بَعْضِ مَا صَدَقَاتِهِ) الَّذِي هُوَ الْمَرْتَبَةُ الْمُسْتَغْرِقَةُ (لِلِاحْتِيَاطِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ أَنَّ الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ مَفْهُومُهُ وَضْعًا. (وَأَمَّا إلْزَامُ نَحْوِ رَجُلٍ) لِمُثْبَتٍ عُمُومُهُ بِأَنْ يُقَالَ: هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْجُمُوعِ أَيَّ جَمْعٍ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَرَجُلٍ لِلْوَاحِدِ أَيَّ وَاحِدٍ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ ظَاهِرُ الْعُمُومِ كَمَا أَنَّ رَجُلًا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو (فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ نَحْوَ رَجُلٍ (لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ) الْمَرْتَبَةُ (الْمُسْتَغْرِقَةُ) لِسَائِرِ الْأَفْرَادِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهَا (بِخِلَافِ رِجَالٍ فَإِنَّهُ لِلْجَمْعِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْتَغْرِقِ وَغَيْرِهِ)

أَيْ غَيْرِ الْمُسْتَغْرِقِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُسْتَغْرِقِ (قِيلَ مَبْنَى الْخِلَافِ) فِي أَنَّهُ عَامٌّ أَوْ لَا، وَالْقَائِلُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعُمُومِ فَمَنْ لَا) يَقُولُ بِاشْتِرَاطِهِ (كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ جَعَلَهُ) أَيْ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ (عَامًّا) وَمَنْ يَقُولُ بِاشْتِرَاطِهِ لَمْ يَجْعَلْهُ عَامًّا (وَإِذَنْ) أَيْ وَحِينَ يَكُونُ مَبْنَى ذَاكَ الْخِلَافِ هَذَا الْخِلَافَ (لَا وَجْهَ لِمُحَاوَلَةِ اسْتِغْرَاقِهِ) أَيْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ (بِالْحَمْلِ عَلَى مَرْتَبَةِ الِاسْتِغْرَاقِ) كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ (بَلْ لَفْظِيٌّ) إضْرَابٌ عَنْ هَذَا الْحَمْلِ أَيْ لَيْسَ ذَاكَ الْخِلَافُ خِلَافًا مُتَحَقِّقًا مَبْنِيًّا عَلَى خِلَافٍ آخَرَ أَصْلًا بَلْ لَيْسَ هُنَا خِلَافٌ أَصْلًا. (فَمُرَادُ الْمُثْبِتِ) لِلْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ عُمُومًا كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ (مَفْهُومُ عُمُومٍ) أَيْ لَفْظِ عُمُومٍ (وَهُوَ) أَيْ مَفْهُومُ لَفْظِ عُمُومٍ (شُمُولُ) أَمْرٍ لِأَمْرٍ (مُتَعَدِّدٍ أَعَمَّ مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ) وَنَافِي عُمُومِهِ لَا يُنَازِعُهُ فِي هَذَا (وَمُرَادُ النَّافِي عُمُومُ الصِّيَغِ الَّتِي أَثْبَتْنَا كَوْنَهَا) أَيْ الصِّيَغِ (حَقِيقَةً فِيهِ) أَيْ فِي الْعُمُومِ (وَهُوَ الِاسْتِغْرَاقِيُّ حَتَّى قَبْلَ الْأَحْكَامِ مِنْ التَّخْصِيصِ وَالِاسْتِثْنَاءِ) الْمُتَّصِلِ (وَلَا نِزَاعَ فِي) نَفْيِ (هَذَا) عَنْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ (لِأَحَدٍ) مِنْ مُثْبِتِ عُمُومِهِ (وَلَا فِي عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ قَبُولِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ (فِي رِجَالٍ لَا يُقَالُ: اُقْتُلْ رِجَالًا إلَّا زَيْدًا) عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ مِنْهُمْ (لِأَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ (إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ (لَدَخَلَ) فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ اسْتِثْنَائِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي رِجَالٍ (وَلَوْ قِيلَ) اُقْتُلْ رِجَالًا (وَلَا تَقْتُلْ زَيْدًا كَانَ) وَلَا تَقْتُلْ زَيْدًا (ابْتِدَاءً لَا تَخْصِيصًا) لِرِجَالٍ لِانْتِفَاءِ عُمُومِهِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ بِحَيْثُ يَلْزَمُ شُمُولُهُمْ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْحَاصِلُ ثُبُوتُ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ عُمُومَ الصِّيَغِ اسْتِغْرَاقِيٌّ وَعَلَى أَنَّ عُمُومَ الْمُنَكَّرِ بِمَعْنَى شُمُولِ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ فَأَيْنَ الْخِلَافُ (وَإِذْ بَيَّنَّا أَنَّهُ) أَيْ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ (لِلْمُشْتَرَكِ) بَيْنَ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا (الْجَمْعُ مُطْلَقًا فَفِي أَقَلِّهِ) أَيْ الْجَمْعِ مُطْلَقًا (خِلَافٌ قِيلَ) أَقَلُّهُ حَقِيقَةً (ثَلَاثَةٌ مَجَازٌ لِمَا دُونَهَا) مِنْ اثْنَيْنِ وَوَاحِدٍ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ (الْمُخْتَارُ وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي اثْنَيْنِ أَيْضًا وَقِيلَ) حَقِيقَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ (مَجَازٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الِاثْنَيْنِ (وَقِيلَ) حَقِيقَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى اثْنَيْنِ (لَا) حَقِيقَةً (وَلَا) مَجَازًا وَاعْلَمْ أَنَّ حِكَايَةَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِيهَا تَأَمُّلٌ فَإِنَّ كَوْنَ أَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً مَعْزُوٌّ إلَى أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَئِمَّةُ اللُّغَةِ، وَكَوْنُ أَقَلِّهِ اثْنَيْنِ مَعْزُوٌّ إلَى عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ وَدَاوُد وَالْقَاضِي وَالْأُسْتَاذِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلِينَ لَا يَمْنَعُونَ إطْلَاقَهُ عَلَى اثْنَيْنِ مَجَازًا، وَأَنَّهُمْ وَالْآخِرِينَ لَا يَمْنَعُونَ إطْلَاقَهُ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا أَيْضًا مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ بِشَرْطِهِ، وَيَلْزَمُ الْآخِرِينَ كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِي ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا أَيْضًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ إطْلَاقُهُ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا قَوْلًا آخَرَ مُقَاسِمًا لَهُمَا، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَيَلْزَمُهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ كَذَلِكَ فَبَعِيدٌ جِدًّا قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ. ثُمَّ أَفَاضَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ وَجْهِ الْمُخْتَارِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ وَجْهَ كُلٍّ مِنْ بَاقِي الْأَقْوَالِ فَقَالَ (لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَيْسَ الْأَخَوَانِ إخْوَةً) فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: إنَّ الْأَخَوَيْنِ لَا يَرُدَّانِ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَالْأَخَوَانِ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ بِلِسَانِ قَوْمِك فَقَالَ عُثْمَانُ لَا أَسْتَطِيعُ أَرُدُّ أَمْرًا تَوَارَثَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَكَانَ قَبْلِي وَمَضَى فِي الْأَمْصَارِ فَهَذَا يَصْلُحُ

فِي الْجُمْلَةِ مُتَمَسَّكًا لِنَفْيِ صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا بِأَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الْإِطْلَاقُ جَائِزًا مَا صَحَّ سَلْبُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِذَا قِيلَ (أَيْ حَقِيقَةً لِقَوْلِ زَيْدٍ الْأَخَوَانِ إخْوَةٌ) فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْجُبُ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ بِالْأَخَوَيْنِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَأَنْتَ تَحْجُبُهَا بِالْأَخَوَيْنِ فَقَالَ: إنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْأَخَوَيْنِ إخْوَةً (أَيْ مَجَازًا جَمْعًا) بَيْنَ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ كَانَ دَلِيلًا لِمُطْلِقِيهِ عَلَيْهِمَا مَجَازًا ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَتَسْلِيمُ عُثْمَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ تَمَسُّكَهُ ثُمَّ عُدُولُهُ) أَيْ عُثْمَانَ (إلَى الْإِجْمَاعِ دَلِيلٌ عَلَى الْأَمْرَيْنِ) أَيْ نَفْيِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً وَكَوْنِهِ مَجَازًا فِيهِمَا لَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا عَدَلَ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِمَا يُفِيدُ الْإِجْمَاعَ حَمَلُوا إخْوَةً فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَخَوَيْنِ فَكَانَ مَجَازًا فِيهِ بِالضَّرُورَةِ لِثُبُوتِ نَفْيِ الْحَقِيقَةِ مَعَ وُجُودِ الِاسْتِعْمَالِ بَقِيَ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي الْوَاحِدِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ الْإِنْكَارِ عَلَى مُتَبَرِّجَةٍ) أَيْ مُظْهِرَةٍ زِينَتَهَا (لِرَجُلٍ) أَجْنَبِيٍّ (أَتَتَبَرَّجِينَ لِلرِّجَالِ) فَإِنَّ الْأَنَفَةَ وَالْحَمِيَّةَ مِنْ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهَا الْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ: (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ لَفْظَ الرِّجَالِ هُنَا (مِنْ الْعَامِّ فِي الْخُصُوصِ لَا الْمُخْتَلِفِ مِنْ نَحْوِ رِجَالٍ الْمُنَكَّرِ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ هَذَا (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ كَوْنُ الْجَمْعِ (مَجَازًا فِيهِ) أَيْ فِي الْوَاحِدِ (لِجَوَازِ أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ) أَيْ التَّبَرُّجُ (عَادَتُك لَهُمْ) أَيْ لِلرِّجَالِ (حَتَّى تَبَرَّجْتِ لِهَذَا وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى (مِمَّا يُرَادُ فِي مِثْلِهِ نَحْوُ) قَوْلِ الْقَائِلِ لِمَنْ هُوَ مَظِنَّةُ الظُّلْمِ (أَتَظْلِمُ الْمُسْلِمِينَ) عِنْدَ مُشَاهَدَةِ ظُلْمِهِ وَاحِدًا مِنْهُمْ (وَالْحَقُّ جَوَازُهُ) أَيْ إطْلَاقِ الْجَمْعِ مُرَادًا بِهِ الْوَاحِدُ (حَيْثُ يَثْبُتُ الْمُصَحِّحُ) لِجَوَازِهِ (كَ رَأَيْت رِجَالًا فِي رَجُلٍ يَقُومُ مَقَامَ الْكَثِيرِ) مِنْهُمْ قِيلَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} [النمل: 35] فَإِنَّ الْمُرَادَ وَاحِدٌ وَهُوَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَوْلُهُ {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35] فَإِنَّ الرَّسُولَ وَاحِدٌ بِدَلِيلِ {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} [النمل: 37] (وَحَيْثُ لَا) يَثْبُتُ الْمُصَحِّحُ (فَلَا) يَجُوزُ (وَتَبَادُرُ مَا فَوْقَ الِاثْنَيْنِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (يُفِيدُ الْحَقِيقَةَ فِيهِ) أَيْ فِيمَا فَوْقَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّبَادُرَ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ (وَاسْتِدْلَالُ النَّافِينَ) لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الِاثْنَيْنِ مُطْلَقًا (بِعَدَمِ جَوَازِ: الرِّجَالُ الْعَاقِلَانِ وَالرَّجُلَانِ الْعَاقِلُونَ مَجَازًا) . وَلَوْ صَحَّ لَجَازَ نَعْتُ أَحَدِهِمَا بِمَا يُنْعَتُ بِهِ الْآخَرُ (دُفِعَ بِمُرَاعَاتِهِمْ) أَيْ الْعَرَبِ (مُرَاعَاةَ الصُّورَةِ) أَيْ صُورَةِ اللَّفْظِ بِأَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا مُثَنًّى أَوْ جَمْعًا فَلَا يُنْعَتُ الْمُثَنَّى بِصُورَةِ الْجَمْعِ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَاهُ وَلَا الْعَكْسُ مُحَافَظَةً عَلَى التَّشَاكُلِ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ (وَنُقِضَ) هَذَا الدَّفْعُ (بِجَوَازِ) جَاءَ (زَيْدٌ وَعَمْرٌو الْفَاضِلَانِ وَفِي ثَلَاثَةٍ) أَيْ وَبِجَوَازِ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَبَكْرٌ (الْفَاضِلُونَ) إذَا الْمَوْصُوفُ فِي الْكُلِّ مُفْرَدَاتٌ وَمَا ثَمَّ مُثَنًّى وَلَا مَجْمُوعٌ (وَدَفَعَهُ) أَيْ هَذَا الْبَعْضُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (بِأَنَّ الْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ) أَيْ بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ (كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ) فِي الْأَسْمَاءِ الْمُتَّفِقَةِ صُورَةً وَفِي الِاسْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ كَتَثْنِيَةِ الِاسْمَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ صُورَةً فَيَكُونُ تَعَاطُفُ الْمُفْرَدَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ وَفِي صُورَتِهِ وَتَعَاطُفُ الْمُفْرَدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّثْنِيَةِ، وَفِي صُورَتِهَا (لَيْسَ بِشَيْءٍ) دَافِعٍ لَهُ (إذْ لَا يُخْرِجُهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْمِثَالَيْنِ الْمَنْقُوضِ بِهِمَا (إلَى مُطَابَقَةِ الصُّورَةِ) اللَّفْظِيَّةِ تَثْنِيَةً وَجَمْعًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إنْ كَانَتْ شَرْطًا. (وَالْوَجْهُ اعْتِبَارُ الْمُطَابَقَةِ الْأَعَمِّ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْحُكْمِيَّةِ بِمَا قَدَّمْنَا) مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ مَعْنًى كَمَا هِيَ مَنْفِيَّةٌ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَحِينَئِذٍ جَازَ الْمِثَالَانِ الْأَخِيرَانِ لِوُجُودِ الْمُطَابَقَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَ

الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةِ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَابَقَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مُنْتَفِيَةً بَيْنَهُمَا فِيهِمَا وَلَمْ يَجُزْ الْمِثَالَانِ الْأَوَّلَانِ لِانْتِفَاءِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ فِيهِمَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَيْسَ فِي حُكْمِ رَجُلٍ وَرَجُلٍ لَا غَيْرُ وَلَا عَاقِلَيْنِ فِي حُكْمِ عَاقِلٍ وَعَاقِلٍ لَا غَيْرُ. (وَلَا خِلَافَ فِي نَحْوِ) قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] أَيْ فِي التَّعْبِيرِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ عَمَّا يَنْفَرِدُ مِنْ الشَّيْئَيْنِ إذَا أُضِيفَ إلَيْهِمَا أَوْ إلَى ضَمِيرِهِمَا فِي اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ كَالْقَلْبِ وَالرَّأْسِ وَاللِّسَانِ (ونا) أَيْ وَلَا فِي الضَّمِيرِ الَّذِي يُعَبِّرُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا (وَجَمْعٍ) أَيْ وَلَا فِي لَفْظِ جَمْعٍ (أَنَّهُ) أَيْ هَذَا كُلَّهُ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَلْ جَوَازُ إطْلَاقِهِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وِفَاقٌ فَالْأَوَّلُ قَالُوا حَذَرًا مِنْ اسْتِثْقَالِ جَمْعِ التَّثْنِيَتَيْنِ وَالثَّانِي لِلِاتِّفَاقِ عَلَى كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِتَعْبِيرِ الْمَرْءِ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمْعًا، وَالثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي الِاثْنَيْنِ كَمَا فِيمَا فَوْقَهُمَا (وَلَا) خِلَافَ أَيْضًا فِي أَنَّ (الْوَاوَ فِي ضَرَبُوا مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَالْأَوْلَى وَلَا فِي أَنَّ ضَمَائِرَ الْغَيْبَةِ وَالْخِطَابِ لِلْجَمَاعَةِ مِنْهُ كَمَا فِي الْبَدِيعِ فَيَشْمَلُ نَحْوَ قَامُوا وَقُمْنَ وَقُمْتُمْ وَقُمْتُنَّ هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيْنَ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَجَمْعِ الْكَثْرَةِ فَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هِيَ فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ مُخْتَصٌّ بِالْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا، وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ لَا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ، وَهَذَا أَوْفَقُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ كَثِيرٌ مِنْ الثِّقَاتِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا كَمَا رَأَيْت وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَيَجْمَعُ جُمُوعَ الْقِلَّةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ بِأَفْعُلٍ ثُمَّ أَفْعَالٍ وَأَفْعِلَةٍ ... وَفِعْلَةٍ يُعْرَفُ الْأَدْنَى مِنْ الْعَدَدِ وَسَالِمُ الْجَمْعِ أَيْضًا دَاخِلٌ مَعَهَا ... فَهَذِهِ الْخَمْسُ فَاحْفَظْهَا وَلَا تَزِدْ (تَنْبِيهٌ لَمْ تَزِدْ الشَّافِعِيَّةُ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ عَلَى إثْبَاتِهَا، وَفَصَّلَهَا الْحَنَفِيَّةُ إلَى عَامٍّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ) بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَجْمُوعًا وَالْمَعْنَى مُسْتَوْعَبًا (وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى لِلِاسْتِغْرَاقِ) يَعْنِي عِنْدَ شَارِطِيهِ فِي الْعُمُومِ، وَإِلَّا فَهُوَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَشْرُطْهُ فِيهِ مِنْهُمْ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ: اللَّامُ فِي قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مِثْلُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ، وَمُرَادُهُ الْجُمُوعُ الْمُنَكَّرَةُ (وَ) إلَى عَامٍّ (بِمَعْنَاهُ) فَقَطْ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُفْرَدًا مُسْتَوْعِبًا لِكُلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ (وَهُوَ الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى كَالرَّجُلِ وَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ وَالنِّسَاءِ وَالْقَوْمِ وَالرَّهْطِ وَمَنْ وَمَا وَأَيْ مُضَافَةً وَكُلٌّ وَجَمِيعٌ) وَقَدْ قُسِّمَ هَذَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ مَا يَتَنَاوَلُ مَجْمُوعَ الْأَفْرَادِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِمَجْمُوعِهَا لَا بِكُلِّ فَرْدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ وَحَيْثُ يَثْبُتُ لِلْوَاحِدِ فَلِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّهْطِ اسْمٌ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْقَوْمِ لِجَمَاعَةِ الرِّجَالِ فَاللَّفْظُ فِيهِمَا مُفْرَدٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَيُوَحَّدُ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيعِ آحَادِهِ لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ قَالَ الرَّهْطُ أَوْ الْقَوْمُ الَّذِي يَدْخُلُ الْحِصْنَ فَلَهُ كَذَا فَدَخَلَهُ جَمَاعَةٌ كَانَ النَّفَلُ لِمَجْمُوعِهِمْ وَلَوْ دَخَلَهُ وَاحِدٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا (تَنْبِيهٌ) وَالْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِهِ النِّسَاءَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مُوَافِقٌ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَعَدَّهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي آخَرَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ أَوْ جَمْعٌ فَمَنْ قَالَ: اسْمُ جَمْعٍ عَدَّهُ مِنْ الثَّانِي، وَمَنْ قَالَ: جَمْعٌ عَدَّهُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَالْكَثِيرُ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ، وَفِي ذِكْرِهِ الْقَوْمَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مُوَافِقٌ لِجَمِيعِهِمْ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَوْمَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ قَامَ فَوُصِفَ بِهِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الرِّجَالِ لِقِيَامِهِمْ

بِأُمُورِ النِّسَاءِ ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا تَأْوِيلَ مَا يُقَالُ: إنَّ قَوْمًا جَمْعُ قَائِمٍ كَصُوَّمٍ جَمْعُ صَائِمٍ وَإِلَّا فَفَعْلٌ لَيْسَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ قُلْت: لَكِنْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ يَنْبُو عَنْهُ مَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ جَمْعُ قَائِمٍ كَصُوَّمٍ وَزُوَّرٍ فِي جَمْعِ صَائِمٍ وَزَائِرٍ، أَوْ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ إذَا أَكَلْت طَعَامًا أَحْبَبْت نَوْمًا وَأَبْغَضْت قَوْمًا أَيْ قِيَامًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الثَّانِي مَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مُجْتَمِعًا مَعَ غَيْرِهِ أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْهُ مِثْلُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ فَلَهُ دِرْهَمٌ فَلَوْ دَخَلَهُ وَاحِدٌ اسْتَحَقَّ دِرْهَمًا وَلَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبِينَ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ دِرْهَمًا الثَّالِثُ مَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِكُلٍّ بِشَرْطِ الِانْفِرَادِ وَعَدَمِ التَّعَلُّقِ بِوَاحِدٍ آخَرَ مِثْلُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ أَوَّلًا فَلَهُ دِرْهَمٌ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوَّلًا مُنْفَرِدًا اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ، وَلَوْ دَخَلُوهُ مَعًا لَمْ يَسْتَحِقُّوا شَيْئًا وَمُتَعَاقِبِينَ اسْتَحَقَّ الْوَاحِدُ السَّابِقُ لَا غَيْرُ (فَانْقَسَمَ الْعُمُومُ) بِوَاسِطَةِ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي صِيَغِهِ (إلَى صِيَغِيٍّ وَمَعْنَوِيٍّ) وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ عَامًّا بِصِيغَتِهِ فَقَطْ؛ إذْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِيعَابِ الْمَعْنَى، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نُشْبِعَ الْكَلَامَ مُفَصَّلًا فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ فَنَقُولُ (أَمَّا الْجَمْعُ الْمُحَلَّى فَاسْتِغْرَاقُهُ كَالْمُفْرَدِ لِكُلِّ فَرْدٍ لِمَا تَقَدَّمَ) فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ فِي كُلِّ مَا وَقَعَ فِي التَّنْزِيلِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (وَمَا قِيلَ) كَمَا فِي الْمِفْتَاحِ وَتَلْخِيصِهِ وَغَيْرِهِمَا (اسْتِغْرَاقُ الْمُفْرَدِ أَشْمَلُ) مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ، وَاسْتِغْرَاقُ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ جَمَاعَةٍ جَمَاعَةٍ، وَلَا يُنَافِي خُرُوجَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ. (فَفِي النَّفْيِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يَسْلُبُهُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ إلَى الْجِنْسِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ فَإِنَّمَا يَتَسَلَّطُ النَّفْيُ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ الْمُفْرَدِ فِي النَّفْيِ (أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ بِلَا وَاسِطَةٍ الْجَمْعُ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالنَّفْيِ فَأَشْمَلِيَّتُهُ بِسَبَبِ أَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالْوَاحِدِ فِي الْمُفْرَدِ ابْتِدَاءٌ، وَفِي الْجَمْعِ بِوَاسِطَةٍ تُعَلِّقُهُ بِالْجَمْعِ فَتُعَلَّقُ بِآحَادِهِ بِحُكْمِ اللُّغَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِكَوْنِ اسْتِغْرَاقِهِ أَشْمَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ (فَمَمْنُوعٌ) كَوْنُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ تَعَقَّبَهُمَا بِقَوْلِهِ (وَمَا تَقَدَّمَ) فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى تَعْرِيفِ الْعَامِّ (يَنْفِي كَوْنَهُ) أَيْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْمُفْرَدِ فِي الْجَمْعِ (بِوَاسِطَةِ الْجَمْعِ وَأَشْمَلِيَّتِهِ) أَيْ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْ لَا رِجَالَ كَ لَا رَجُلٌ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ التَّخْصِيصِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَا رَجُلٌ بَلْ رَجُلَانِ كَمَا يَصِحُّ لَا رِجَالَ بَلْ رَجُلَانِ يَنْفِي كَوْنَ اسْتِغْرَاقِ الْمُفْرَدِ (فِي النَّفْيِ) أَشْمَلَ مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ مُخَيَّلًا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّخْصِيصِ فِي لَا رِجَالَ لَا فِي لَا رَجُلٌ. وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُمَا فِيهِ مُتَسَاوِيَا الْأَقْدَامِ (وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ وَاللُّغَةُ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ) مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْجَمْعِ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَجْعُولَةَ دَلِيلًا عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى كَالْمُفْرَدِ يُرَادُ بِهَا اسْتِثْنَاءُ الْمُفْرَدِ (وَعَنْهُ) أَيْ كَوْنِ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لِكُلِّ فَرْدٍ كَالْمُفْرَدِ (قَالُوا) أَيْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ قَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] سَلْبُ الْعُمُومِ) أَيْ نَفْيُ الشُّمُولِ وَرَفْعُ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ وَهُوَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ؛ لِأَنَّهُ نَقِيضُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (لَا عُمُومُ السَّلْبِ) أَيْ شُمُولُ النَّفْيِ لِكُلِّ بَصَرٍ لِيَكُونَ سَلْبًا كُلِّيًّا، وَهُوَ لَا يُدْرِكُهُ بَصَرٌ مِنْ الْأَبْصَارِ ثُمَّ فَسَّرَ شُمُولَ النَّفْيِ أَيْضًا إيضَاحًا فَقَالَ (أَيْ لَا يُدْرِكُهُ كُلُّ بَصَرٍ) كَمَا هُوَ مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ (وَهُوَ) أَيْ سَلْبُ الْعُمُومِ سَلْبٌ (جُزْئِيٌّ) لِأَنَّ نَقِيضَ الْمُوجِبَةِ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ. (فَجَازَ لِبَعْضِهَا) أَيْ الْأَبْصَارِ إدْرَاكُهُ لَكِنْ نُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْآيَةَ وَمَا قَبْلَهَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ

{وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] فَيَكُونُ نَفْيُ إدْرَاكِ الْبَصَرِ مَدْحًا فَيَكُونُ إدْرَاكُهُ نَقْصًا وَعَدَمُ إدْرَاكِ الْبَعْضِ لَا يُزِيلُ النَّقْصَ فَيَكُونُ عُمُومُ السَّلْبِ وَصِدْقُ السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ لَا يُنَافِي صِدْقَ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ أَخَصَّ مِنْ السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ إذْ قَدْ يَصْدُقُ الْأَخَصُّ مَعَ الْأَعَمِّ (نَعَمْ إذَا اُعْتُبِرَ الْجَمْعُ لِلْجِنْسِ) فِي النَّفْيِ وَالْجِنْسُ فِي النَّفْيِ يَعُمُّ (كَانَ) الْمَعْنَى (عُمُومَ السَّلْبِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32] فَإِنَّ التَّعْرِيفَ فِيهِ لِلْجِنْسِ فَيُفِيدُ سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ فَهُوَ - تَعَالَى - لَا يُحِبُّ كُلَّ كَافِرٍ (وَلَوْ اُعْتُبِرَ مِثْلُهُ) أَيْ كَوْنُ الْجَمْعِ لِلْجِنْسِ (فِي الْآيَةِ) عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ فِي إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ (اُدُّعِيَ أَنَّ الْإِدْرَاكَ أَخَصُّ مِنْ الرُّؤْيَةِ) الْمُطْلَقَةِ بِأَنْ يُقَالَ: الْإِدْرَاكُ الرُّؤْيَةُ الْمُكَيَّفَةُ بِكَيْفِيَّةِ الْإِحَاطَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهَا عَنْهُ - تَعَالَى - لِامْتِنَاعِ الْإِحَاطَةِ بِهِ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيُ الْأَعَمِّ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ إدْرَاكُ عَيْنِ الْمَرْئِيِّ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ. فَلَوْ كَانَ الْإِدْرَاكُ إحَاطَةً كَانَ الرُّؤْيَةُ كَذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ وَبِالْجُمْلَةِ فِي الْآيَةِ نِزَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالِاعْتِزَالِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِهَا كَمَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ اللَّامُ الْمُعَرَّفَةُ مِنْ الْمَعَانِي الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهَا مِنْ عَهْدٍ وَجِنْسٍ وَاسْتِغْرَاقٍ فِي الْجَمْعِ الْمُحَلَّى فَقَالَ: (وَالتَّعْيِينُ) أَيْ وَتَعْيِينُ كَوْنِهَا فِي الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ لِلْجِنْسِ (بِمُعَيِّنٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) مُعَيِّنٌ لِأَحَدِهِمَا (وَلَا عَهْدٌ خَارِجِيٌّ وَأَمْكَنَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الِاسْتِغْرَاقِ أَوْ الْجِنْسِ دُونَ الْآخَرِ (تَعَيَّنَ) الْمُمْكِنُ مِنْهُمَا غَيْرَ أَنَّ فِي شَرْحِ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَا شَيْءَ بِيَدِهَا مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ إلَّا عِنْدَ إمْكَانِ الِاسْتِغْرَاقِ لَا عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِذَا تَكُونُ لِلْجِنْسِ فِي لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّفْيِ دُونَ لَأَشْتَرِيَنَّ الْعَبِيدَ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ فَيَحْنَثُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَاحِدٍ بِالْأَوَّلِ وَلَا يَبَرُّ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فِي الثَّانِي بَلْ بِشِرَاءِ ثَلَاثَةٍ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَا يَتَأَتَّى أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ، وَلَا تَكُونُ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَأَمْكَنَ الِاسْتِغْرَاقُ خَاصَّةً لِأَنَّ الظَّاهِرَ جَوَازُ انْفِرَادِهِ لَكِنَّ هَذَا إنْ تَمَّ، وَفِي تَمَامِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجَوَابِ عَمَّا قِيلَ مِنْ تَأْوِيلَاتٍ بَعِيدَةٍ لِلْحَنَفِيَّةِ بِتَعَذُّرِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي إنَّمَا الصَّدَقَاتُ وَسَيُصَرِّحُ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِيهَا لِلْجِنْسِ، وَعَلَى هَذَا فَيَبَرُّ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَاحِدٍ فِي مَسْأَلَةِ لَأَشْتَرِيَنَّ الْعَبِيدَ ثُمَّ يَكُونُ شَرْحُ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا (وَإِنْ أَمْكَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْجِنْسِ وَالِاسْتِغْرَاقِ (قِيلَ) وَقَائِلُهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ تَعَيَّنَ (الْجِنْسُ لِلتَّيَقُّنِ وَقِيلَ) ، وَقَائِلُهُ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا وَغَيْرُهُمْ: تَعَيَّنَ (الِاسْتِغْرَاقُ لِلْأَكْثَرِيَّةِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا (خُصُوصًا فِي اسْتِعْمَالِ الشَّارِعِ) وَأَعَمُّ فَائِدَةً وَأَحْوَطُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ أَحْوَطَ فِي الْإِبَاحَةِ (وَقُرِّرَ) وَالْمُقَرِّرُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (أَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى لِلْمَعْهُودِ وَالِاسْتِغْرَاقِ حَقِيقَةٌ، وَلِلْجِنْسِ مَجَازٌ وَأَنَّهُ) أَيْ الْجِنْسَ (خَلَفٌ) عَنْهُمَا (لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِتَعَذُّرِهِمَا) كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ وَالْخَلَفِ مَعَ الْأَصْلِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِتَعَذُّرِهِمَا (لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ يَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ) مِنْ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعَلَى الْأُسْبُوعِ) فِي الْأَيَّامِ (وَالسَّنَةِ) فِي الشُّهُورِ (عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (لِإِمْكَانِ الْعَهْدِ) فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ (غَيْرَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْهُودِ) فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَعَشَرَةُ شُهُورٍ وَقَالَا: الْأُسْبُوعُ فِي الْأَيَّامِ، وَالسَّنَةُ فِي الشُّهُورِ وَالتَّوْجِيهُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ

حَيْثُ حَطَّ كَلَامُ شَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ لِإِفَادَتِهِ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى التَّوْجِيهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي ضِمْنِهِ قَالَ: نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يُرَجِّحَ قَوْلَهُمَا فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ بِأَنَّ عَهْدَهُمَا أَعْهَدُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَهْدِيَّةَ الْعَشَرَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَادَّةٍ خَاصَّةٍ يَعْنِي: الْجَمْعُ مُطْلَقًا عَهْدٌ لِلْعَشَرَةِ فَإِذَا عَرَضَ فِي خُصُوصِ مَادَّةٍ مِنْ الْجَمْعِ كَالْأَيَّامِ عَهْدِيَّةُ عَدَدٍ غَيْرِهِ كَانَ اعْتِبَارُ هَذَا الْمَعْهُودِ أَوْلَى، وَقَدْ عُهِدَ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةُ، وَفِي الشُّهُورِ الِاثْنَا عَشَرَ فَيَكُونُ صَرْفُ خُصُوصِ هَذَيْنِ الْجَمْعَيْنِ إلَيْهِمَا أَوْلَى بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْجُمُوعِ كَالسِّنِينَ وَالْأَزْمِنَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي مَادَّتَيْهِمَا عَدَدٌ آخَرُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا اسْتَقَرَّ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا مِنْ إرَادَةِ الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ مُغَالَطَةٌ فَإِنَّ السَّبْعَةَ الْمَعْهُودَةَ نَفْسُ الْأَزْمِنَةِ الْخَاصَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِيَوْمِ السَّبْتِ وَيَوْمِ الْأَحَدِ إلَى آخِرِهِ. وَالْكَلَامُ فِي لَفْظِ أَيَّامٍ إذَا أُطْلِقَ هَلْ عُهِدَ مِنْهُ تِلْكَ الْأَزْمِنَةُ الْخَاصَّةُ لِلسَّبْعَةِ لَا شَكَّ فِي عَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ كَثْرَةُ إطْلَاقِ أَيَّامٍ وَشُهُورٍ، وَيُرَادُ يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ إلَى آخِرِهَا عَلَى الْخُصُوصِ بَلْ الْأَزْمِنَةُ الْخَاصَّةُ الْمُسَمَّيَاتُ مُتَكَرِّرَةً وَغَيْرَ مُتَكَرِّرَةٍ وَغَيْرَ بَالِغَةٍ السَّبْعَةَ بِحَسَبِ الْمُرَادَاتِ لِلْمُتَكَلِّمِينَ فَالْجَوَابُ مَنْعُ تَوَقُّفِ انْصِرَافِ اللَّامِ إلَى الْعَهْدِ عَلَى تَقَدُّمِ الْعَهْدِ عَنْ لَفْظِ النَّكِرَةِ بَلْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْعَهْدِ بِالْمَعْنَى عَنْ اللَّفْظِ أَوْ لَا عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا صَارَ الْمَعْنَى مَعْهُودًا بِأَيِّ طَرِيقٍ فُرِضَ ثُمَّ أُطْلِقَ اللَّفْظُ الصَّالِحُ لَهُ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ انْصَرَفَ إلَيْهِ وَقَدْ قَسَّمَ الْمُحَقِّقُونَ الْعَهْدَ إلَى ذِكْرِيٍّ وَعِلْمِيٍّ، وَمُثِّلَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] فَإِنَّ ذَاتَ الْغَارِ هِيَ الْمَعْهُودُ لَا مِنْ لَفْظٍ سَبَقَ ذِكْرُهُ بَلْ مِنْ وُجُودٍ فِيهِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ جَعْلُ مَا سَمَّاهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ أَعَمَّ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ عُهِدَ بِغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُنَا: الْعَامُّ يُخَصُّ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ لَيْسَتْ إلَّا عَمَلًا عَهْدًا مُسْتَمِرًّا ثُمَّ يُطْلَقُ اللَّفْظُ الَّذِي يَعُمُّهَا وَغَيْرَهَا فَيُقَيَّدُ بِهَا لِعَهْدِيَّتِهَا عَمَلًا لَا لَفْظًا وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ (وَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ) فَخَالَعَهَا عَلَى ذَلِكَ (وَلَا شَيْءَ) بِيَدِهَا (لَزِمَهَا ثَلَاثَةٌ) مِنْ الدَّرَاهِمِ لِإِمْكَانِ الْعَهْدِ فِي الدَّرَاهِمِ فَإِنَّ عَلَى مَا فِي يَدِي أَفَادَ كَوْنَ الْمُسَمَّى مَظْرُوفَ يَدِهَا، وَهُوَ عَامٌّ يَصْدُقُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا فَصَارَ بِالدَّرَاهِمِ عَهْدٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ مَا صَدَقَاتِ لَفْظِ مَا وَهُوَ مُبْهَمٌ، وَلَفْظَةُ مِنْ وَقَعَتْ بَيَانًا وَمَدْخُولُهَا، وَهُوَ الدَّرَاهِمُ هُوَ الْمُبَيِّنُ لِخُصُوصِ الْمَظْرُوفِ فَصَارَ كَلَفْظِ الذَّكَرِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران: 36] لِلْعَهْدِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ {مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: 35] وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُهُ فِي كَوْنِ مَدْخُولِ اللَّامِ هُنَا وَقَعَ بَيَانًا لِلْمَعْهُودِ بِخِلَافِهِ فِي {وَلَيْسَ الذَّكَرُ} [آل عمران: 36] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ مَا فِيهِ مُتَعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ لِلْبَيْعَةِ إنَّمَا هُوَ الذَّكَرُ ثُمَّ هُوَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَيَلْزَمُ أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (وَلَا شَكَّ أَنَّ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ الَّذِي اُسْتُدِلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ) وَالْمُسْتَدِلُّ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (بِإِطْبَاقِ الْعَرَبِ عَلَى يَلْبَسُ الْبُرُودَ وَيَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيَخْدُمُهُ الْعَبِيدُ) لِلْقَطْعِ بِأَنْ لَيْسَ الْقَصْدُ إلَى خُصُوصٍ مِنْهَا، وَلَا اسْتِغْرَاقٍ لَهَا (هُوَ الْمُرَادُ بِالْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ؛ إذْ هُوَ) أَيْ الْمَعْهُودُ الذِّهْنِيُّ (الْإِشَارَةُ إلَى الْحَقِيقَةِ بِاعْتِبَارِهَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ (بَعْضَ الْأَفْرَادِ) حَالَ كَوْنِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ (غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِلْعَهْدِيَّةِ الذِّهْنِيَّةِ لِجِنْسِهَا) أَيْ لِعَهْدِ جِنْسِ حَقِيقَةِ الْأَفْرَادِ فِي الذِّهْنِ (وَيَصْدُقُ) الْجِنْسُ (عَلَى الرِّجَالِ مُرَادًا بِهِ عَدَدٌ) أَيْ بَعْضُ الْأَفْرَادِ، فَإِذَا الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا لِلْجِنْسِ وَالْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَاحِدٌ (وَالتَّعْبِيرُ بِالْحِصَّةِ) مِنْ الْحَقِيقَةِ عَنْ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِمْ (غَيْرُ جَيِّدٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ تَجَزُّئِهَا، وَهِيَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ

وَإِنَّمَا لَهَا مَظَاهِرُ مُتَعَدِّدَةٌ تُوجَدُ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَانْدَفَعَ إثْبَاتُ التَّغَايُرِ بَيْنَ تَعْرِيفَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ الْحُضُورُ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ وَإِلَى الْحِصَّةِ مِنْهَا تَعْرِيفُ الْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ بِالْحِصَّةِ الْفَرْدُ مِنْهَا وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ لَا مُجَرَّدُ مَا يَكُونُ أَخَصَّ مِنْهَا، وَلَوْ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ اعْتِبَارِيٍّ حَتَّى يُقَالَ: الْحَقِيقَةُ مَعَ قَيْدِ الْحُضُورِ حِصَّةٌ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ مَعْهُودًا فَلَا يَحْصُلُ الِامْتِيَازُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا يَنْدَفِعُ التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّ مَعْنَى تَعْرِيفِ الْعَهْدِ الْقَصْدُ وَالْإِشَارَةُ إلَى الْحَاضِرِ فِي الذِّهْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَاضِرٌ حُضُورًا حَقِيقِيًّا بِأَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا بِاسْمِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَ انْطَلَقَ رَجُلٌ فَالرَّجُلُ أَوْ الْمُنْطَلِقُ كَذَا أَوْ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِلَا تَجَوُّزٍ وَاعْتِبَارٍ خِطَابِيٍّ كَ أَغْلِقْ الْبَابَ لِمَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ، وَادْخُلْ السُّوقَ لِمَنْ دَخَلَ الْبَلَدَ لِسُوقٍ مُعَيَّنٍ عَهِدْته أَوْ تَقْدِيرِيًّا بِأَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْحَاضِرِ الْمَعْهُودِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْخِطَابِيَّاتِ كَكَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ كَجَوْهَرِيِّ الثَّمَنِ وَالْمَأْكُولَاتِ الْمُعْتَادَةِ الْغَالِبَةِ أَوْ مَحْبُوبًا أَوْ بَدِيعًا أَوْ فَظِيعًا فَيُهْتَمُّ بِشَأْنِهِ فَيُجْعَلُ كَالْحَاضِرِ. وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ يَرْجِعُ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ، وَأَمَّا أَنَّ ذَلِكَ الْحَاضِرَ هُوَ الْحَقِيقَةُ أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ تَعْرِيفِ الْعَهْدِ بَلْ هُوَ اخْتِلَافٌ رَاجِعٌ إلَى مَعْرُوضِ التَّعْرِيفِ، وَهُوَ الْحَاضِرُ لَا إلَى مَعْنَى التَّعْرِيفِ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحُضُورِ فَلَوْ اُعْتُبِرَ خُصُوصِيَّةُ الْحَاضِرِ وَسُمِّيَ الْإِشَارَةُ إلَى حُضُورِ الْحَقِيقَةِ تَعْرِيفَ الْحَقِيقَةِ، وَإِلَى حُضُورِ الْحِصَّةِ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ كَانَ ذَلِكَ امْتِيَازًا بِمُجَرَّدِ اصْطِلَاحٍ، وَالْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ وَامْتِيَازِهَا فِي نَفْسِهَا عَنْ تَعْرِيفِ الْعَهْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَعَنْهُ) أَيْ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ (لِتَعَيُّنِهِ وَجَبَ مِنْ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] جَوَازُ الصَّرْفِ لِوَاحِدٍ وَتَنَصُّفُ الْمُوصَى بِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ) فَنِصْفٌ لَهُ وَنِصْفٌ لَهُمْ (وَأُجْمِعَ عَلَى الْحِنْثِ بِفَرْدٍ فِي الْحَلِفِ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَلَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ) لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَاحِدِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْجَمْعِ حَتَّى إنَّهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الرِّجَالِ غَيْرُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَتْ حَقِيقَةُ الْجِنْسِ مُتَحَقِّقَةً فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِكَثْرَةِ أَفْرَادِهِ، وَالْوَاحِدُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَيُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ (إلَّا بِنِيَّةِ الْعُمُومِ فَلَا يَحْنَثُ أَبَدًا قَضَاءً) وَدِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَزَوُّجِ جَمِيعِ النِّسَاءِ وَعَدَمَ شِرَاءِ جَمِيعِ الْعَبِيدِ مُتَصَوَّرٌ. (وَقِيلَ) لَا يَحْنَثُ (دِيَانَةً) وَيَحْنَثُ قَضَاءً (لِأَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فَهُوَ (كَالْمَجَازِ لَا يُنَالُ إلَّا بِالنِّيَّةِ) فَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ وَمِنْ ثَمَّةَ لَوْ نَوَى التَّخْصِيصَ لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ بَلْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِيمَا لَهُ لَا فِيمَا عَلَيْهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ إجْمَاعُ مَشَايِخِنَا فَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِتَزَوُّجِ ثَلَاثِ نِسْوَةٍ وَشِرَاءِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ (وَمِنْهُ) أَيْ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ (لَا مِنْ الْمَاهِيَّةِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: (شَرِبْت الْمَاءَ وَأَكَلْت الْخُبْزَ وَالْعَسَلَ) وَهُوَ الْمِقْدَارُ الْمَعْلُومُ الْمُقَدَّرُ فِي الذِّهْنِ شُرْبُهُ وَأَكْلُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ (كَ اُدْخُلْ السُّوقَ) لِجُزْئِيٍّ مُحْضَرٍ فِي الذِّهْنِ بِاعْتِبَارِ حُضُورِهِ فِيهِ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ السُّوقُ كَمَا يُطْلَقُ الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ عَلَى كُلٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ لَا بِاعْتِبَارِ عَهْدٍ بِهِ فِي الْخَارِجِ، وَنُقِلَ فِي التَّلْوِيحِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ فِي هَذَا لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ لِكَوْنِهِ إشَارَةً إلَى مُعَيَّنٍ وَلَا مُنَافَاةَ فِي الْمَعْنَى ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ فِي أَحْكَامِ اللَّامِ مُمْتَزِجًا مِمَّا فِي التَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ. وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ اعْتِقَادُ ضَعْفِ بَعْضِهِ وَأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَنْقِيحٍ وَتَحْقِيقٍ اسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ لِإِفَادَةِ هَذَا الْغَرَضِ وَبَيَانِ مَا عِنْدَهُ فِيهِ

فَقَالَ: (وَهَذَا اسْتِئْنَافٌ اللَّامُ لِلتَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةِ إلَى الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ) حَالَ كَوْنِ الْمُرَادِ (مُسَمًّى) حَقِيقِيًّا لَهُ (أَوْ لَا) بِأَنْ يَكُونَ مَعْنًى مَجَازِيًّا لَهُ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِمِثَالِهِ فَقَالَ: (فَالْمُعَرَّفُ فِي) مِثْلِ رَأَيْتُ رَجُلًا يَجُرُّ ثِيَابَهُ (فَأَكْرَمْتُ الْأَسَدَ الرَّجُلَ) لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْأَسَدِ (وَإِنَّمَا تَدْخُلُ) اللَّامُ التَّعْرِيفِيَّةُ الِاسْمَ (النَّكِرَةَ) لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمَعْرِفَةِ مُحَالٌ ضَرُورَةَ اسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ (وَمُسَمَّاهَا) أَيْ النَّكِرَةِ حَالَ كَوْنِهَا (بِلَا شَرْطِ) كَوُقُوعِهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَنَحْوِهِ (فَرْدٍ) مِمَّا تُطْلَقُ عَلَيْهِ (بِلَا زِيَادَةٍ) لِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (فَعَدَمُ التَّعْيِينِ) لِمُسَمَّاهَا (لَيْسَ جُزْءًا لِمَعْنَاهَا، وَلَا شَرْطًا) لِاسْتِعْمَالِهَا فِي مِثْلِ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ (فَاسْتُعْمِلَتْ) النَّكِرَةُ (فِي الْمُعَيَّنِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لَا السَّامِعِ حَقِيقَةً) أَيْ اسْتِعْمَالًا حَقِيقِيًّا (لِصِدْقِ الْمُفْرَدِ) عَلَيْهِ كَمَا عَلَى الشَّائِعِ (فَإِنْ نُسِبَتْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مُسَمَّاهَا (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَ جَاءَ رَجُلٌ ثُمَّ قُلْت: فَأَكْرَمْت الرَّجُلَ (عَرَّفَتْ) اللَّامَ (مَعْهُودًا يُقَالُ ذِكْرِيًّا) لِتَقْدِيمِ ذِكْرِهِ (وَخَارِجِيًّا) أَيْضًا (أَيْ مَا عُهِدَ مِنْ) اللَّفْظِ (السَّابِقِ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُمَا اصْطِلَاحَانِ أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْعَجَمِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ الثَّانِي، وَعِنْدَ آخَرِينَ مِنْ أَبْنَاءِ الْعَرَبِ الْأَوَّلُ (وَلَوْ) عَرَّفَتْ اسْمًا (غَيْرَ مَذْكُورٍ خُصَّ بِالْخَارِجِيِّ {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] وَتَقَدَّمَ فِيمَا نَقَلْنَاهُ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ مُثِّلَ بِهِ لِلْعِلْمِيِّ وَمِمَّنْ مَثَّلَ بِهِ لَهُ ابْنُ هِشَامٍ الْمِصْرِيُّ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي ذَلِكَ (وَإِذَا دَخَلَتْ) اللَّامُ الِاسْمَ (الْمُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ دُونَ السَّامِعِ (عَرَّفَتْ مَعْهُودًا ذِهْنِيًّا وَيُقَالُ: تَعْرِيفُ الْجِنْسِ أَيْضًا لِصِدْقِ الشَّائِعِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ) مِثْلُ شَرِبْت الْمَاءَ وَأَكَلْت الْخُبْزَ وَادْخُلْ السُّوقَ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشُّرْبَ وَالْأَكْلَ وَالدُّخُولَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِفَرْدٍ مِنْ الْمَشْرُوبِ وَالْمَأْكُولِ وَالْمَدْخُولِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا أُرِيدَ بِهَا) أَيْ النَّكِرَةِ (كُلُّ الْأَفْرَادِ عَرَّفَتْ الِاسْتِغْرَاقَ أَوْ) أُرِيدَ بِهَا (الْحَقِيقَةُ بِلَا اعْتِبَارِ فَرْدٍ فَهِيَ لِتَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَاهِيَّةِ) وَالطَّبِيعَةِ (كَ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُخَالُ أَنَّ الِاسْمَ) الْمَدْخُولَ عَلَيْهِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ أَحَدَ هَذَيْنِ (مَجَازٌ فِيهِمَا لِأَنَّهُ) أَيْ الِاسْمَ (لَيْسَ) بِمَوْضُوعٍ (لِلِاسْتِغْرَاقِ وَلَا لِلْمَاهِيَّةِ وَلَا اللَّامَ) مَوْضُوعَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَلَكِنَّ تَبَادُرَ الِاسْتِغْرَاقِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَهْدِ يُوجِبُ وَضْعَهُ) أَيْ الِاسْمِ (لَهُ) أَيْ لِلِاسْتِغْرَاقِ (بِشَرْطِ اللَّامِ كَمَا قَدَّمْنَا) فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى تَعْرِيفِ الْعَامِّ (وَأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ الْعَهْدِ (الْقَرِينَةُ) عَلَى ذَلِكَ. (وَلَوْ أَرَادَهُ) أَيْ هَذَا (قَائِلُ إنَّ الِاسْتِغْرَاقَ مِنْ الْمَقَامِ) كَالسَّكَّاكِيِّ (صَحَّ) لِأَنَّ الِاسْمَ النَّكِرَةَ بِشَرْطِ اللَّامِ أُرِيدَ بِهِ حِينَئِذٍ الْعُمُومُ وَالْمَقَامُ كَشَفَ عَنْ إرَادَتِهِ فَصَحَّ الِاسْتِغْرَاقُ مِنْ الْمَقَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ الْمُفِيدُ لِثُبُوتِهِ بِالِاسْمِ (بِخِلَافِ الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَمْ تَتَبَادَرْ) إلَّا فِي الْقَضَايَا الطَّبِيعِيَّةِ وَهِيَ غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِي الْعُلُومِ فَلَا يَكُونُ تَبَادُرُهَا فِيهَا دَلِيلَ الْوَضْعِ لَهَا كَمَا سَيَأْتِي (فَتَعْرِيفُهَا) أَيْ الْمَاهِيَّةِ (تَعْلِيقُ مَعْنًى حَقِيقِيٍّ لِلَّامِ بِمَجَازِيٍّ لِلِاسْمِ) وَهُوَ الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ (فَاللَّامُ فِي الْكُلِّ) مِنْ الْعَهْدِ وَالِاسْتِغْرَاقِ وَالْحَقِيقَةِ (حَقِيقَةٌ لِتَحْقِيقِ مَعْنَاهَا الْإِشَارَةَ) وَالتَّعْيِينُ لِلْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ (فِي كُلٍّ) مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِحَسَبِهِ (وَاخْتِلَافُهُ) أَيْ وَتَنَوُّعُ مَعْنَاهَا هَذَا التَّنَوُّعَ الْمَذْكُورَ (لَيْسَ إلَّا لِخُصُوصِ الْمُتَعَلَّقِ) أَيْ مَدْخُولِهَا مِنْ كَوْنِهِ فَرْدًا غَيْرَ مُسْتَغْرَقٍ أَوْ مُسْتَغْرَقًا أَوْ الْحَقِيقَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ (فَظَهَرَ أَنَّ خُصُوصِيَّاتِ التَّعْرِيفَاتِ) الْمَذْكُورَةَ (تَابِعٌ لِخُصُوصِيَّاتِ الْمُرَادَاتِ بِاللَّامِ، وَالْمُعَيِّنُ الْقَرِينَةُ) وَأَنَّهُ غَيْرُ قَائِلٍ بِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَجْنَاسِ النَّكِرَاتِ مَوْضُوعَةٌ لِلْحَقَائِقِ الْكُلِّيَّةِ بَلْ إذَا أُرِيدَ

بِرَجُلٍ وَنَحْوِهِ الْحَقِيقَةُ يَكُونُ مَجَازًا وَسَيُحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ. (فَمَا قِيلَ) وَالْقَائِلُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (الرَّاجِحُ مُطْلَقًا الْخَارِجِيُّ) لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ التَّعْيِينِ وَكَمَالُ التَّمْيِيزِ (ثُمَّ الِاسْتِغْرَاقُ لِنُدْرَةِ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَالْمَعْهُودُ الذِّهْنِيُّ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرِينَةٍ) لِلْبَعْضِيَّةِ، وَالِاسْتِغْرَاقُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْإِطْلَاقِ حَيْثُ لَا عَهْدَ فِي الْخَارِجِ خُصُوصًا فِي الْجَمْعِ فَإِنَّ الْجَمْعِيَّةَ قَرِينَةُ الْقَصْدِ إلَى الْأَفْرَادِ دُونَ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ (غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَإِنَّ الْمُرَجِّحَ عِنْدَ إمْكَانِ كُلٍّ مِنْ اثْنَيْنِ فِي الْإِرَادَةِ الْأَكْثَرِيَّةُ اسْتِعْمَالًا أَوْ فَائِدَةً وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ نَحْوَ جَاءَنِي عَالِمٌ فَأَكْرِمْ الْعَالِمَ زِيَادَةُ الْفَائِدَةِ) فِيهِ إنَّمَا هِيَ (فِي الِاسْتِغْرَاقِ حَيْثُ يُكْرَمُ الْجَائِي ضِمْنَ الْعُمُومِ) الْكَائِنِ لِلْعَالِمِ الشَّامِلِ لِلْجَائِي وَغَيْرِهِ (بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْخَارِجِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَمْرًا بِإِكْرَامِ الْجَائِي فَقَطْ) فَيَتَقَدَّمُ الِاسْتِغْرَاقُ عَلَيْهِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِمَزِيدِ الْفَائِدَةِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ عَلَى الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ (قُدِّمَ) الِاسْتِغْرَاقُ (عَلَى الذِّهْنِيِّ إذَا أَمْكَنَّا وَظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنْ لَيْسَ تَعْرِيفُ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ مِنْ فُرُوعِ الْحَقِيقَةِ كَمَا قِيلَ وَلَا أَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ إلَّا لِتَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ كَمَا نُسِبَ إلَى الْمُحَقِّقِينَ غَيْرَ أَنَّ حَاصِلَهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فَذَكَرُوهَا تَسْهِيلًا) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي التَّلْوِيحِ (بَلْ الْمُعَرَّفُ لَيْسَ إلَّا الْمُرَادَ بِالِاسْمِ وَلَيْسَتْ الْمَاهِيَّةُ مُرَادَةً دَائِمًا وَكَوْنُهَا جُزْءَ الْمُرَادِ لَا يُوجِبُ أَنَّهَا الْمُرَادُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُ الْأَحْكَامِ فِي التَّرْكِيبِ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُرَدْ جُزْءًا) مِنْ الْمُسَمَّى حَيْثُ أُرِيدَتْ مِنْ حَيْثُ هِيَ بِهِ حَتَّى كَانَ التَّعْرِيفُ لِلْحَقِيقَةِ (بَلْ) إنَّمَا أُرِيدَتْ بِهِ حِينَئِذٍ (عَلَى أَنَّهَا كُلٌّ) أَيْ تَمَامُ مَا وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ (فَإِنَّهَا إنَّمَا أُرِيدَتْ) فِي حَالَةِ جُزْئِيَّتِهَا لِلْمُسَمَّى حَالَ كَوْنِهَا (مُقَيَّدَةً بِمَا يَمْنَعُ الِاشْتِرَاكَ) فِيهَا بَيْنَ مَدْخُولِهَا وَغَيْرِهِ (وَهِيَ مَعَ الْقَيْدِ نَفْسُ الْفَرْدِ وَهُوَ) أَيْ الْفَرْدُ (الْمُرَادُ بِالتَّعْرِيفِ وَالِاسْمِ، وَالْمَجْمُوعُ) مِنْ الْمَاهِيَّةِ وَالْقَيْدِ (غَيْرُ أَحَدِهِمَا) فَكَانَ الْفَرْدُ غَيْرَ الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ. (هَذَا وَحِينَ صَارَ الْجَمْعُ مَعَ اللَّامِ كَالْمُفْرَدِ كَانَ تَقْسِيمُهُ) أَيْ الْجَمْعِ (مِثْلَهُ) أَيْ الْمُفْرَدِ (إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ) أَيْ الْجَمْعِ (مَجَازًا عَنْ الْجِنْسِ يَبْعُدُ بَلْ) هُوَ (حَقِيقَةٌ لِكُلٍّ) مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْجِنْسِ (لِلْفَهْمِ) أَيْ فَهْمِ الْجِنْسِ مِنْهُ (كَمَا ذَكَرْنَا فِي نَحْوِ: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَيَخْدُمُهُ الْعَبِيدُ وَمَا لَا يُحْصَى) إلَّا أَنَّهُ لَوْ قِيلَ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَهُمَا، وَالْمَجَازُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَهْمُ مِنْ عُرُوضِ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ مُرَادًا بِهِ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا يَعْرِضُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَجَازَاتِ الْمُتَعَارَفَةِ حَتَّى قَدَّمَهَا الْجُمْهُورُ عَلَى الْحَقَائِقِ الْمُسْتَعْمَلَةِ كَمَا سَيَأْتِي لَا لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ لَاحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (وَأَمَّا النَّكِرَةُ فَعُمُومُهَا فِي النَّفْيِ ضَرُورِيٌّ) كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ. (وَكَذَا) عُمُومُهَا ضَرُورِيٌّ (فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ) حَالَ كَوْنِهِ (يَمِينًا لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الشَّرْطِ فَإِذَا قُلْت: إنْ كَلَّمَتْ رَجُلًا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى نَفْيِ كَلَامِ كُلِّ رَجُلٍ؛ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ (لَا الْمَنْفِيِّ) عَطْفٌ عَلَى الْمُثْبَتِ أَيْ فَإِنَّهَا لَا عُمُومَ لَهَا فِيهِ (كَإِنْ لَمْ أُكَلِّمْ رَجُلًا) فَهِيَ طَالِقٌ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَلِفَ فِي الشَّرْطِ الْمَنْفِيِّ (عَلَى الْإِثْبَاتِ) أَيْ إثْبَاتِ الشَّرْطِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْمِثَالِ (لَأُكَلِّمَنَّ رَجُلًا) فَلَا تَعُمُّ لِوُقُوعِهَا فِي الْإِثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةِ الْعُمُومِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ يَمِينًا فَإِنْ كَانَ مُثْبَتًا فَالْيَمِينُ لِلْمَنْعِ، وَالنَّكِرَةُ فِيهِ خَاصٌّ يُفِيدُ الْإِيجَابَ الْجُزْئِيَّ فَيَكُونُ فِي جَانِبِ النَّقِيضِ لِلْعُمُومِ وَالسَّلْبِ الْكُلِّيِّ، وَإِنْ كَانَ مَنْفِيًّا فَالْيَمِينُ لِلْحَمْلِ، وَالنَّكِرَةُ فِيهِ عَامٌّ يُفِيدُ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ فَيَكُونُ فِي جَانِبِ النَّقِيضِ لِلْخُصُوصِ وَالْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ (وَلَا يَبْعُدُ فِي غَيْرِ الْيَمِينِ قَصْدُ الْوَحْدَةِ)

مِنْ النَّكِرَةِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ كَمَا (فِي مِثْلِ إنْ جَاءَك فَأَطْعِمْهُ فَلَا تَعُمُّ) فِيهِ؛ إذْ جَازَ كَوْنُ رَجُلٍ فِيهِ بِقَيْدِ الْفَرْدِيَّةِ وَالِانْفِرَادِ فَلَا يُطْعِمُ رَجُلَيْنِ، وَلَا رَجُلًا بَعْدَ رَجُلٍ (وَفِي غَيْرِهِمَا) أَيْ النَّفْيِ الصَّرِيحِ وَالشَّرْطِ الْمُثْبَتِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّكَ عَرَفْت أَنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ لَيْسَ إلَّا عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ (إنْ وُضِعَتْ بِصِيغَةٍ عَامَّةٍ أَيْ لَا تَخُصُّ فَرْدًا عَمَّتْ كَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ خَيْرٌ) فَإِنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَلَا الْمَعْرُوفُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ قَوْلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْمُتَّصِفَةِ بِمَا يَخُصُّ فَرْدًا فَإِنَّهَا لَا تَعُمُّ فِيهِ نَحْوُ لَا تُجَالِسْ إلَّا رَجُلًا يَدْخُلُ دَارِهِ وَحْدَهُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى فَرْدٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ إنَّمَا تَعُمُّ (مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ) الْعُمُومُ فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ تَعُمَّ (كَ لَقِيت رَجُلًا عَالِمًا) لِتَعَذُّرِ لِقَائِهِ كُلَّ عَالِمٍ عَادَةً (وَوَاللَّهِ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا لَهُ مُجَالَسَةُ كُلِّ عَالِمٍ جَمْعًا وَتَفْرِيقًا) فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ عَالِمَيْنِ كَمَا لَا يَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ عَالِمٍ وَاحِدٍ (وَوَاللَّهِ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا غَيْرَ مُقَيِّدٍ) بِصِفَةٍ عَامَّةٍ (يَحْنَثُ بِرَجُلَيْنِ قِيلَ) مَا مَعْنَاهُ وَالْقَائِلُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ (الْفَرْقُ) بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ (أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَا يَصْدُقُ عَلَى الشَّخْصِ) الْوَاحِدِ أَيْ بِاسْمِ شَخْصٍ نَكِرَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ (لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا وَاحِدًا) ضَرُورَةَ وَحْدَتِهِ فَيَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ رَجُلَيْنِ (فَإِذَا وُصِفَ) الِاسْمُ النَّكِرَةُ الْمُسْتَثْنَى (بِعَامٍّ ظَهَرَ الْقَصْدُ إلَى وَحْدَةِ النَّوْعِ) فَيُخَصُّ ذَلِكَ النَّوْعُ بِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَثْنًى، وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: صِفَةٌ عَامَّةٌ لَا يُزَاحِمُهَا صِفَةٌ مُنَافِيَةٌ لِلْعُمُومِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا وَاحِدًا يَمْتَنِعُ الْعُمُومُ وَأُورِدَ: الْوَحْدَةُ صِفَةٌ عَامَّةٌ أَيْضًا فَيَنْبَغِي فِيمَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ إلَّا إنْسَانًا وَاحِدًا أَنْ يَحْنَثَ بِالتَّكَلُّمِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَأُجِيبَ الْمُسْتَثْنَى وَاحِدٌ فَلَوْ لَمْ يَحْنَثْ أَصْلًا لَمَا كَانَ وَاحِدًا هَذَا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وَزِيَادَةٌ بِقَرِينَةِ كَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِهِ) كَمَا فِي التَّلْوِيحِ (نَقْصٌ) . قَالَ: بَلْ الصَّوَابُ أَنْ لَا يُزَادَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ كَمَا هُوَ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا جَاهِلًا لَهُ أَنْ يُجَالِسَ كُلَّ جَاهِلٍ مَعَ أَنَّهُ وَصْفٌ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ عِنْدَ الْعَقْلِ اهـ ثُمَّ قَدْ قِيلَ عَلَى أَصْلِ الْفَرْقِ: إنَّهُ تَحَكُّمٌ لِخَفَاءِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ وَكَوْنِهَا لِلْوَحْدَةِ وَبَيْنَ كَوْنِهَا مَوْصُوفَةً وَكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ بِصِفَةِ النَّوْعِ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ لَا أُجَالِسُ إلَّا جِنْسَ الرَّجُلِ وَبِالثَّانِي لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْعِلْمِ ثُمَّ كَمَا قَالَ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ اسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِ النَّفْيِ (أَنَّهَا فِي الْإِثْبَاتِ تَعُمُّ بِقَرِينَةٍ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْوَصْفِ بَلْ تَكْثُرُ وَقَدْ يَظْهَرُ عُمُومُهَا مِنْ الْمَقَامِ وَغَيْرِهِ كَ عَلِمَتْ نَفْسٌ وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ) كَمَا هُوَ أَثَرٌ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وَأَكْرِمْ كُلَّ رَجُلٍ وَرَجُلًا لَا امْرَأَةً، وَهِيَ) أَيْ النَّكِرَةُ (فِي غَيْرِ هَذِهِ) الْمَوْضِعِ (مُطْلَقَةٌ) أَيْ دَالَّةٌ عَلَى فَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] كَمَا هُوَ الْمَعْنَى الْوَضْعِيُّ لَهَا لَا عَامَّةٌ لِانْتِفَاءِ مُوجِبِ الْعُمُومِ. (وَمِنْ فُرُوعِهَا) أَيْ النَّكِرَةِ (إعَادَتُهَا) مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً (وَكَذَا الْمَعْرِفَةُ) مِنْ فُرُوعِهَا إعَادَتُهَا مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً أَيْ إعَادَةُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ إمَّا مَعَ كَيْفِيَّتِهِ مَعَ التَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ أَوْ بِدُونِهَا (وَيَلْزَمُ كَوْنُ تَعْرِيفِهَا) أَيْ الْمَعْرِفَةِ حِينَئِذٍ (بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ فِي إعَادَتِهَا نَكِرَةً) وَفِي إعَادَةِ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً أَيْضًا وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ مِنْ التَّعْرِيفِ فِي الْمَعْرِفَةِ نَعَمْ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بِإِعَادَةِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ لَتُصُوِّرَ إعَادَةُ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً بِطَرِيقِ الْإِضْمَارِ حَيْثُ كَانَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إلَى

النَّكِرَةِ مُطْلَقًا أَوْ السَّابِقُ اخْتِصَاصَهَا بِحُكْمِ مَعْرِفَةٍ كَ جَاءَنِي رَجُلٌ، وَهُوَ حَاضِرٌ فَتَنَبَّهْ لَهُ ثُمَّ الْأَقْسَامُ الْمُمْكِنَةُ أَرْبَعَةٌ إعَادَةُ الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةً وَالنَّكِرَةِ نَكِرَةً وَالْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً وَالنَّكِرَةِ مَعْرِفَةً. (وَضَابِطُ الْأَقْسَامِ إنْ نَكَّرَ الثَّانِيَ فَغَيْرُ الْأَوَّلِ) أَيْ فَاحْكُمْ بِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إمَّا نَكِرَةٌ وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَإِمَّا مَعْرِفَةٌ وَالْمَعْرِفَةُ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَعْرِيفَهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مَعْهُودًا سَابِقًا فِي الذِّكْرِ فِي الْأَوَّلِ وَحَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَعْهُودِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي اللَّامِ وَالْإِضَافَةِ فِي الثَّانِي (أَوْ عَرَّفَ فَعَيْنُهُ) أَيْ وَإِنْ عَرَّفَ الثَّانِيَ فَاحْكُمْ بِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إمَّا نَكِرَةٌ، وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالْمَعْرِفَةُ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ هَذَا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَذَكَرَ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ إذَا أُعِيدَتْ النَّكِرَةُ نَكِرَةً فَالثَّانِي مُغَايِرٌ لِلْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَعَيْنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ تَسْتَغْرِقُ الْجِنْسَ، وَالنَّكِرَةُ تَتَنَاوَلُ الْبَعْضَ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْكُلِّ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ وَمَثَّلَ لِإِعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً بِقَوْلِ الْحَمَاسِيِّ صَفَحْنَا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ ... وَقُلْنَا الْقَوْمُ إخْوَانُ عَسَى الْأَيَّامُ أَنْ يُرْجِعْنَ ... قَوْمًا كَاَلَّذِي كَانُوا مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الثَّانِيَ عَيْنُ الْأَوَّلِ وَفِي التَّلْوِيحِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِلِاسْتِغْرَاقِ بَلْ الْعَهْدُ هُوَ الْأَصْلُ، وَعِنْدَ تَقَدُّمِ الْمَعْهُودِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ النَّكِرَةُ عَيْنَهُ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ، وَالْجُزْءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكُلِّ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ إعَادَةَ الْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً مَعَ مُغَايَرَةِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الأنعام: 154] إلَى قَوْلِهِ {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ} [الأنعام: 155] وَقَالَ: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36] وَقَالَ {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الأنعام: 165] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ اهـ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لِلْمُنَاقَشَةِ فِي بَعْضِهِ مَجَالٌ بِالنَّظَرِ إلَى مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ مَا فِي الْكَشْفِ أَرْجَحَ مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ الْأَوَّلُ أَوْضَحُ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ اهـ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَمَّا لَمْ يَطَّرِدْ هَذَا الْأَصْلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْمَوَارِدِ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَخُلُوِّ الْمَقَامِ عَنْ الْقَرَائِنِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ أَكْثَرِيٌّ) لِأَنَّهُ كَمَا يُعَادُ النَّكِرَةُ نَكِرَةً غَيْرَ الْأُولَى، وَالْمَعْرِفَةُ مَعْرِفَةً عَيَّنَ الْأُولَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْآيَةِ وَيُرَجِّحُهُ ظَاهِرًا مَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثُمَّ مِنْ طَرِيقِهِ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] قَالَ «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا مَسْرُورًا فَرِحًا وَهُوَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] » وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنِ مَرْدُوَيْهِ لَهُ مُسْنَدًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْشِرُوا لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» فَقَدْ تُعَادُ النَّكِرَةُ نَكِرَةً عَيْنَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] وَتُعَادُ الْمَعْرِفَةُ مَعْرِفَةً غَيْرَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] الْآيَةَ وَكَمَا تُعَادُ النَّكِرَةُ مَعْرِفَةً عَيْنَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: 15] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] فَقَدْ تُعَادُ مَعْرِفَةً غَيْرَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} [النحل: 88] وَكَمَا تُعَادُ الْمَعْرِفَةُ نَكِرَةً غَيْرَ الْأُولَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} [غافر: 53] {هُدًى} [غافر: 54] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ التَّوْرَاةُ وَالصُّحُفُ الَّتِي أُوتِيَهَا وَالْمُعْجِزَاتُ وَبِالثَّانِي الْإِرْشَادُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْإِضْلَالِ فَقَدْ تُعَادُ نَكِرَةٌ عَيْنُ الْأُولَى كَبَيْتِ الْحَمَاسَةِ فَلَا جَرَمَ إنْ قِيلَ الْأَصْلُ مُسْتَقِيمٌ وَإِنَّمَا الْأَصْلُ قَدْ يُتْرَكُ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْمَوَاضِعِ وَنَظَائِرِهَا كَمَا يُدْرَكُ بِالتَّأَمُّلِ فِيهَا، وَفِيمَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بَيَانُهُ هَذَا ثُمَّ لَعَلَّ الْأَشْبَهَ مَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الِاسْمُ عَامًّا فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْعُمُومِ أَنْ لَا يَكُونَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ عُمُومِ الْأَوَّلِ لِلْأَفْرَادِ سَوَاءٌ كَانَا مَعْرِفَتَيْنِ عَامَّتَيْنِ أَمْ نَكِرَتَيْنِ عَامَّتَيْنِ كَوُقُوعِهِمَا فِي حَيِّزِ النَّفْيِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي عَامًّا، وَالْأَوَّلُ خَاصًّا فَالْأَوَّلُ دَاخِلٌ فِيهِ ضَرُورَةَ اسْتِغْرَاقِ الْعَامِّ لِذَلِكَ الْفَرْدِ، وَكَذَا الْعَكْسُ وَإِنْ كَانَا خَاصَّيْنِ، فَإِنْ كَانَا نَكِرَتَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إيَّاهُ لَكَانَ إعَادَةُ النَّكِرَةِ وَضْعًا لِلظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَلِأَجْلِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فَأَعَادَ ذِكْرَ الرَّجُلِ مُنَكَّرًا كَمَا بَدَأَ بِهِ مُنَكَّرًا مَعَ تَرَدُّدِهِ فِي أَنَّهُ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا وَرَدَ بِهِ مُصَرَّحًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ لَا أَدْرِي أَهُوَ الْأَوَّلُ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَا مُعَرَّفَتَيْنِ بِأَدَاةٍ عَهْدِيَّةٍ فَهُوَ بِحَسَبِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ إلَى الْمَعْهُودِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ. (فَيَنْبَنِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ (إقْرَارُهُ بِمَالٍ مُقَيَّدٍ بِالصَّكِّ) وَهُوَ كِتَابُ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ مُعَرَّبٌ (وَمُطْلَقٍ) عَنْهُ مَسْأَلَةٌ (مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ (غَيْرُ إقْرَارِهِ بِمُقَيَّدٍ) بِالصَّكِّ فِي مَجْلِسٍ (ثُمَّ) إقْرَارِهِ (فِي آخَرَ بِهِ مُنَكَّرًا وَقَلْبُهُ) أَيْ وَغَيْرُ إقْرَارِهِ بِمَالٍ فِي مَجْلِسٍ مُنَكَّرًا ثُمَّ بِهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ مُقَيَّدٍ بِالصَّكِّ فَإِنَّ حُكْمَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ نَقْلًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَإِنَّمَا (خُرِّجَ وُجُوبُ مَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي الْأُولَى (وَمَالٍ اتِّفَاقًا) فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا يَبْعُدُ مِنْ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ الْمُخَرِّجُ لِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ، وَالْحُكْمُ فِي كِلْتَيْهِمَا مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ أَيْضًا مِمَّنْ عَسَاهُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَيْهِ. ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ لَخَّصَ شَرْحَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَقَالَ فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِأَلْفٍ فِي هَذَا الصَّكِّ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا كَذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ عِنْدَ شُهُودٍ آخَرِينَ كَانَ اللَّازِمُ أَلْفًا وَاحِدَةً تَخْرِيجًا عَلَى إعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةً وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُطْلَقٍ عَنْ الصَّكِّ غَيْرِ مُقَيَّدٍ بِسَبَبٍ ثُمَّ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَقَرَّ بِأَلْفٍ عِنْدَ آخَرِينَ أَوْ عِنْدَهُمَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ كَذَلِكَ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ أَلْفَانِ بِنَاءً عَلَى إعَادَةِ النَّكِرَةِ نَكِرَةً كَمَا لَوْ كَتَبَ صَكَّيْنِ كُلًّا بِأَلْفٍ، وَأَشْهَدَ عَلَى كُلٍّ شَاهِدَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ لِلْعُرْفِ عَلَى تَكْرَارِ الْإِقْرَارِ لِلتَّأْكِيدِ، وَلَوْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فِي هَذِهِ لَزِمَهُ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا فِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ لِجَمْعِ الْمَجْلِسِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُقَيَّدٍ بِالصَّكِّ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ فِي آخَرَ عِنْدَ آخَرَيْنِ بِأَلْفٍ مُنَكَّرٍ خُرِّجَ لُزُومُ أَلْفَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى إعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً، وَفِي عَكْسِهَا يَنْبَغِي وُجُوبُ أَلْفٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِالشَّاهِدَيْنِ فِي الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ عِنْدَ شَاهِدٍ وَأَلْفٍ عِنْدَ آخَرَ أَوْ بِأَلْفٍ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ وَأَلْفٍ عِنْدَ الْقَاضِي لَزِمَ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا انْتَهَى؛ لِأَنَّ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لَا يَصِيرُ الْمَالُ مُسْتَحْكَمًا فَفَائِدَةُ إعَادَتِهِ اسْتِحْكَامُهُ بِإِتْمَامِ الْحُجَّةِ وَفَائِدَةُ الْإِعَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي إسْقَاطُ مُؤْنَةِ الْإِثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ عَنْ الْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا قَالَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِسَبَبٍ إذْ لَوْ بَيَّنَ سَبَبًا مُخْتَلِفًا يَلْزَمُ أَلْفَانِ إجْمَاعًا، وَلَوْ بَيَّنَ سَبَبًا مُتَّحِدًا يَلْزَمُ أَلْفٌ بِكُلِّ حَالٍ إجْمَاعًا، وَقُيِّدَ الِاتِّفَاقُ بِتَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ

لِأَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَخْرِيجِ الرَّازِيِّ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ فِي مَجْلِسٍ وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ بِأَلْفَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ أَوْ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ بِأَلْفٍ يَلْزَمُ الْمَالَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ عِنْدَهُمَا (وَأَمَّا مَنْ فَعَلَى الْخُصُوصِ كَسَائِرِ الْمَوْصُولَاتِ) فَأَفَادَ أَنَّ الْمَوْصُولَاتِ لَيْسَتْ عَامَّةً بِالْوَضْعِ بَلْ بِالْوَصْفِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ مَضْمُونُ الصِّلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ الصِّلَةِ فِي حُكْمِ اسْمٍ مَوْصُوفٍ، وَهَذَا الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَسَنَذْكُرُ بَاقِيَهَا قَرِيبًا. (وَالنَّكِرَةِ) أَيْ وَكَالنَّكَرَةِ فِي كَوْنِهَا مَوْضُوعَةً عَلَى الْخُصُوصِ (وَأَخَصُّ مِنْهَا) أَيْ النَّكِرَةِ (لِأَنَّهَا) أَيْ مَنْ (لِعَاقِلٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى عِنْدَ الْأَكْثَرِ) وَلَوْ قِيلَ لِعَالِمٍ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43] فِي قَوْلٍ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْعَالِمِ مُنْفَرِدًا وَمَعَ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ وَقِيلَ: تَخْتَصُّ بِالْمُذَكَّرِ (وَنَصْبُ الْخِلَافِ فِي الشَّرْطِيَّةِ) خَاصَّةً كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ (غَيْرُ جَيِّدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الِاتِّفَاقَ فِي غَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مَوْصُولَةٌ وَاسْتِفْهَامِيَّةٌ وَمَوْصُوفَةٌ كَذَلِكَ أَيْضًا وَمِنْ ثَمَّةَ اُعْتُذِرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّهَا تَمْثِيلًا (وَالِاسْتِدْلَالُ) لِلْأَكْثَرِ ثَابِتٌ (بِالْإِجْمَاعِ عَلَى عِتْقِهِنَّ) أَيْ إمَائِهِ (فِي مَنْ دَخَلَ) دَارِي فَهُوَ حُرٌّ؛ إذْ لَوْلَا ظُهُورُ تَنَاوُلِهِ لَهُنَّ لَمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ (وَالنَّكِرَةُ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ قَدْ تَكُونُ لِغَيْرِهِ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا قَالَ: إنَّ مَنْ أَخَصُّ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْعَاقِلِ عُرِفَ أَنَّ النَّكِرَةَ تَكُونُ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ فَرُبَّمَا يُفْهَمُ أَنَّ وَضْعَهَا مُطْلَقًا لِمَا يَشْمَلُهُمَا فَحَقَّقَ الْمُرَادَ بِأَنَّ النَّكِرَةَ تَكُونُ لِغَيْرِ الْعَاقِلِ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ الَّتِي تُوضَعُ كَمَا تَكُونُ كَذَلِكَ لِلْعَاقِلِ فَلَفْظُ عَاقِلٍ نَكِرَةٌ يَخُصُّ ذَا الْعَقْلِ لِلْمَادَّةِ وَمَجْنُونٌ مِثْلُهُ فِي ضِدِّهِ وَفَرَسٌ لِنَوْعٍ غَيْرِ عَاقِلٍ وَرَجُلٌ لِمَنْ بِحَيْثُ يَعْقِلُ فَلَمْ يُوضَعْ النَّكِرَةُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ بَلْ مِنْهَا وَمِنْهَا فَالْأَعَمُّ جُزْءٌ مِنْ مُطْلَقِ النَّكِرَةِ الَّتِي لَمْ تُوضَعْ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْرَادِ (وَتَسَاوِيهَا) أَيْ النَّكِرَةِ (الَّذِي) وَبَقِيَّةُ الْمَوْصُولَاتِ فِي أَنَّهَا عَلَى الْخُصُوصِ وَالشُّيُوعِ (وَضْعًا وَإِنَّمَا لَزِمَهَا) أَيْ مَنْ الْمَوْصُولَةَ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَوْصُولَاتِ (التَّعْرِيفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَعُمُومُهَا) أَيْ مَنْ (بِالصِّفَةِ) الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَضْمُونُ الصِّلَةِ (وَيَلْزَمُ) عُمُومُهَا (فِي الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَقَدْ تَخُصُّ) حَالَ كَوْنِهَا (مَوْصُولَةً وَمَوْصُوفَةً) فَالْمَوْصُولَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [الأنعام: 25] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ هُنَا أَفْرَادٌ مَخْصُوصُونَ ذَكَرَهُمْ الْمُفَسِّرُونَ. وَالْمَوْصُوفَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} [البقرة: 8] كَمَا هُوَ احْتِمَالٌ حَكَى قَوْلًا فِيهَا هُنَا فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا، وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لَا تَحْرِيرَ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ كَمَا تَخُصُّ مَوْصُولَةً وَمَوْصُوفَةً لِعَدَمِ عُمُومِ مَضْمُونِ صِلَتِهَا وَصِفَتِهَا تَخُصُّ شَرْطِيَّةً وَاسْتِفْهَامِيَّةً بِمَا يُوجِبُ تَخْصِيصَهَا وَكَمَا يَلْزَمُ عُمُومُهَا شَرْطِيَّةً وَاسْتِفْهَامِيَّةً بِوَاسِطَةِ الشَّرْطِ، وَالِاسْتِفْهَامُ قَدْ يُلْزِمُ عُمُومَهَا مَوْصُولَةً وَمَوْصُوفَةً لِعُمُومِ مَضْمُونِ صِلَتِهَا وَصِفَتِهَا ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا مُرَادًا بِهَا الْخُصُوصُ فِي حَالَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً لَهُ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ لِلْعُمُومِ، وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْخُصُوصِ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ. هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْعُمُومِ وَإِنَّمَا الْخُصُوصُ فِيهَا احْتِمَالٌ يَثْبُتُ بِالْقَرِينَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ بَلْ، وَعَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ حَرْفَ مَنْ بِالْفَتْحِ مُحْكَمٌ فِي التَّعْمِيمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَنَارِ أَنَّهَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَفِي مَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ) فَهُوَ حُرٌّ فَشَاءُوا عِتْقَهُمْ (يُعْتَقُونَ وَكَذَا مَنْ شِئْت) مِنْ عَبِيدِي

عِتْقَهُ فَأَعْتِقْهُ (عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا شَاءَ عِتْقَهُمْ (يُعْتِقُهُمْ لِأَنَّ مِنْ لِلْبَيَانِ) وَمَنْ لِلْعُمُومِ فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ (وَعِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَاءَ عِتْقَهُمْ يُعْتَقُ الْكُلُّ (إلَّا الْأَخِيرَ إنْ رَتَّبَ) عِتْقَهُمْ (وَإِلَّا فَمُخْتَارَ الْمَوْلَى) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْهُ بَلْ أَعْتَقَهُمْ دَفْعَةً عَتَقُوا إلَّا وَاحِدًا لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِهِ (لِأَنَّهَا) أَيْ مِنْ (تَبْعِيضٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَأَمْكَنَّا) أَيْ عُمُومُ مَنْ وَتَبْعِيضُ مِنْ (فِي الْأُولَى لِتَعَيُّنِ عِتْقِ كُلٍّ بِمَشِيئَتِهِ فَإِذَا) شَاءَ كُلٌّ عِتْقَ نَفْسِهِ (عَتَقَ كُلٌّ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِهِ فَهُوَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمْ (بَعْضٌ) مِنْ الْعُمُومِ (وَفِي الثَّانِيَةِ) تَعَلَّقَ عِتْقُهُمْ (بِمَشِيئَةِ وَاحِدٍ فَلَوْ أَعْتَقَهُمْ لَا تَبْعِيضَ) بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ وَبِالْعُمُومِ يُعْتِقهُمْ إلَّا وَاحِدًا فَإِنَّ فِي إخْرَاجِ الْوَاحِدِ مِنْ وُقُوعِ الْعِتْقِ عَلَيْهِمْ عَمَلًا بِالتَّبْعِيضِ، وَفِي نُفُوذِ الْعِتْقِ فِيمَنْ سِوَاهُ عَمَلًا بِالْعُمُومِ فَإِنَّ الْبَعْضَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، وَالْعُمُومُ لَا يَبْطُلُ رَأْسًا بِخُرُوجِ وَاحِدٍ مِمَّا شَمِلَهُ فَتَعَيَّنَ هَذَا لِأَنَّ الْعَمَلَ بِكِلَيْهِمَا أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا وَإِهْدَارِ الْآخَرِ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ مَا مَعْنَاهُ (وَهَذَا يَتِمُّ فِي الدَّفْعِيِّ) أَيْ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ الْمَشِيئَةِ بِالْكُلِّ دَفْعَةً؛ لِأَنَّ مَنْ شَاءَ الْمُخَاطَبُ عِتْقَهُ لَيْسَ بَعْضَ الْعَبِيدِ بَلْ كُلَّهُمْ (لَا فِي التَّرْتِيبِ) لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنَّهُ شَاءَ الْمُخَاطَبُ عِتْقَهُ حَالَ كَوْنِهِ بَعْضًا مِنْ الْعَبِيدِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَشِيئَةِ بِكُلٍّ عَلَى الِانْفِرَادِ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ إعْتَاقِ الْكُلِّ تَعَلُّقُ الْمَشِيئَةِ بِالْكُلِّ فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِ الْبَعْضِ لِيَتَحَقَّقَ التَّبْعِيضُ، قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ حَيْثُ لَزِمَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ فِيمَا عَدَا وَاحِدًا وَهُوَ قَدْ أَعْتَقَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ كُلٍّ غَيْرَ الْأَخِيرِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَانْتَفَى الْمَانِعُ وَهُوَ عَدَمُ الْعَمَلِ بِالتَّبْعِيضِ لِقِيَامِ احْتِمَالِ عَدَمِ عِتْقِ الْأَخِيرِ فَنَفَذَ فِيهِمْ الْعِتْقُ، وَوُجِدَ فِي حَقِّ الْأَخِيرِ الْمُقْتَضِي أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يَنْتَفِ الْمَانِعُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ بِعِتْقِهِ يَبْطُلُ التَّبْعِيضُ الْمُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمُومِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَلَمْ يَعْمَلْ الْمُقْتَضِي فِيهِ عَمَلَهُ فَلَمْ يَنْفُذْ فِيهِ الْعِتْقُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُمْ جُمْلَةً فَإِنَّهُ، وَإِنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا الْمُقْتَضِي لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا انْتِفَاءُ الْمَانِعِ بَلْ إنَّمَا وُجِدَ فِيمَا عَدَا وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَكَانَ بَيَانُهُ إلَى الْمُفَوِّضِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِأَثَرِ هَذَا التَّفْوِيضِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّبْعِيضِ وَصَارَ مَا دَامَ بَيَانُهُ مُمْكِنًا مِنْهُ كَالْمُجْمَلِ لَا يُدْرَكُ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ الْمُجْمَلِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ (وَتَوْجِيهُ قَوْلِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا وَجَّهَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ذَاكِرًا أَنَّهُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ (بِأَنَّ الْبَعْضَ مُتَيَقَّنٌ) عَلَى تَقْدِيرَيْ تَبْعِيضِهَا وَبَيَانِهَا فَيَلْزَمُ تَبْعِيضُهَا لِثُبُوتِهِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ دُفِعَ فِي التَّلْوِيحِ بِمَا مَعْنَاهُ هَذَا (لَا يَقْتَضِيهَا تَبْعِيضِيَّةً لِأَنَّهَا) أَيْ التَّبْعِيضِيَّةَ (لِلْبَعْضِ الْمُجَرَّدِ) وَهُوَ الْبَعْضُ الَّذِي يَكُونُ تَمَامَ الْمُرَادِ لَا فِي ضِمْنِ الْكُلِّ نَحْوُ أَكَلْت مِنْ الرَّغِيفِ فَإِنَّ بَعْضَ الرَّغِيفِ هُوَ تَمَامُ الْمُرَادِ (وَلَيْسَ) هَذَا الْبَعْضُ (هُوَ الْمُتَيَقَّنَ) مِنْ الْبَيَانِيَّةِ (بَلْ) الْبَعْضُ الْمُحَقَّقُ مِنْهَا (ضِدُّهُ) أَيْ ضِدُّ هَذَا الْبَعْضِ وَهُوَ الْكَائِنُ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ الَّذِي هُوَ تَمَامُ الْمُرَادِ، وَهُوَ الضَّرُورِيُّ فَلَا يَثْبُتُ التَّبْعِيضُ لِلْمُتَكَلِّمِ فِيهِ بِهَذَا وَأُجِيبَ عَنْ الدَّفْعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: الْبَعْضُ مُتَيَقَّنٌ أَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْبَعْضُ مُتَيَقَّنٌ عَلَى تَقْدِيرَيْ التَّبْعِيضِ وَالْبَيَانِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ قَوْلُهُ: فَإِرَادَةُ الْبَعْضِ مُتَيَقَّنَةٌ، وَإِرَادَةُ الْكُلِّ مُحْتَمَلَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَخَذَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ التَّبْعِيضِ وَالْبَيَانِ وَحَكَمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ، وَمُؤَدَّاهُ كَمُؤَدَّى الْعَمَلِ بِخُصُوصِيَّةِ الْبَعْضِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَوْجِيهٍ آخَرَ لِقَوْلِهِ ذَكَرُوهُ مَدْفُوعٌ فَقَالَ (وَبِأَنَّ وَصْفَ

مَنْ بِمَشِيئَةِ الْمُخَاطَبِ) فِي مَنْ شِئْت مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ (وَصْفٌ خَاصٌّ) لِإِسْنَادِهَا إلَى خَاصٍّ فَيَبْقَى مَعْنَى الْخُصُوصِ مُعْتَبَرًا فِيهَا مَعَ صِفَةِ الْعُمُومِ فَيَتَنَاوَلُ بَعْضًا عَامًّا (وَعُمُومُهَا) أَيْ الْمَشِيئَةِ إنَّمَا هُوَ (بِالْعَامِّ) أَيْ بِوَاسِطَةِ إسْنَادِهَا إلَى الْعَامِّ الَّذِي هُوَ مِنْ (كَمَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي) وَقَدْ وُصِفَتْ بِهَا مَنْ فَأَسْقَطَ الْوَصْفُ بِهَا الْخُصُوصَ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ (دُفِعَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ وَصْفِهَا) أَيْ مَنْ (فِيهِ) أَيْ فِي مَنْ شِئْت مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ (بِكَوْنِهَا) أَيْ مَنْ (مُتَعَلَّقَ مَشِيئَتِهِ) أَيْ الْمُخَاطَبِ (وَهُوَ) أَيْ مُتَعَلَّقُ مَشِيئَتِهِ (عَامٌّ) فَتَعُمُّ الْمَشِيئَةُ بِعُمُومِهِ فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ مِنْ مُتَعَلِّقِ مَشِيئَتِهِ، وَإِنَّمَا مُتَعَلِّقُهَا عِتْقُهُ الَّذِي هُوَ الْمَفْعُولُ قُلْت: لَمَّا كَانَ عِتْقُهُ مَصْدَرًا مُضَافًا إلَيْهَا وَهُوَ إنَّمَا كَانَ مَفْعُولًا بِاعْتِبَارِ إضَافَتِهِ إلَيْهَا قِيلَ بِنَوْعٍ مِنْ الْمُسَامَحَةِ إنَّهَا مُتَعَلَّقُ مَشِيئَتِهِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ (وَأَمَّا مَا فَلِغَيْرِ الْعَاقِلِ) وَحْدَهُ نَحْوُ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (وَلِلْمُخْتَلِطِ) مِمَّنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الحديد: 1] وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِمَنْ يُعْلَمُ إذَا قُصِدَ بِهِ التَّعْظِيمُ كَمَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ نَحْوُ {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] (فَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فِي إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا) فَأَنْتِ طَالِقٌ (لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا بِنَاءً عَلَى عُمُومِ مَا حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَوْ إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا؛ إذْ الْحَمْلُ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ وَأُورِدَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا بِمَعْنَى شَيْءٍ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ إنْ كَانَ شَيْءٌ هُوَ فِي بَطْنِك غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا. قُلْت وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ أَكْثَرُ مِنْهَا مَوْصُوفَةً فَحُمِلَتْ عَلَى الْأَكْثَرِ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا سَوَاءً فَالْأَصْلُ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ (وَفِي طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ الثَّلَاثِ مَا شِئْت لَهَا الثَّلَاثُ عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (وَعِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ (ثِنْتَانِ وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (كَاَلَّتِي قَبْلَهَا) فِي مَنْ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهَا مِنْ بَيَانِيَّةٌ عِنْدَهُمَا تَبْعِيضِيَّةٌ عِنْدَهُ (وَقَوْلُهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ) أَيْ الْكَلَامِ (عَلَى الْبَيَانِ) طَلِّقِي نَفْسَك (مَا شِئْت مِمَّا هُوَ الثَّلَاثُ) وَالْوَجْهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ طَلِّقِي نَفْسَك مَا شِئْت الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ اهـ. يَعْنِي: إذَا كَانَتْ مَا مَعْرِفَةً وَعَدَدًا شِئْت هُوَ الثَّلَاثُ إذَا كَانَتْ مَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً لِأَنَّ ضَابِطَ الْبَيَانِيَّةِ صِحَّةُ وَضْعِ الَّذِي مَكَانَهَا وَوَصْلُهَا بِضَمِيرٍ مَرْفُوعٍ مُنْفَصِلٍ مَعَ مَدْخُولِهَا إذَا كَانَ الْمُبَيَّنُ مَعْرِفَةً وَصِحَّةُ وَضْعِ الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ الْمَرْفُوعِ مَوْضِعَهَا لِتَكُونَ مَعَ مَدْخُولِهَا صِفَةً لِمَا قَبْلَهَا إذَا كَانَ الْمُبَيَّنُ نَكِرَةً حَتَّى إنَّهُ يُقَالُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ وَفِي قَوْله تَعَالَى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31] أَسَاوِرُ هِيَ ذَهَبٌ وَحَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ هَذَا فَهُوَ مُفَوِّضٌ لِلثَّلَاثِ إلَيْهَا (وَطَلِّقِي مَا شِئْت وَافٍ بِهِ) فَلَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى مِنْ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْبَيَانُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُبَيَّنِ (فَالتَّبْعِيضُ) أَيْ فَكَوْنُ التَّبْعِيضِ مُرَادًا مِنْهُ (مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ) عَلَيْهِ (أَظْهَرُ) لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ ضَابِطِ التَّبْعِيضِيَّةِ فِيهَا، وَهُوَ صِحَّةُ وَضْعِ بَعْضٍ مَوْضِعَهَا. (وَأَمَّا كُلٌّ فَلِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَا دَخَلَتْهُ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ) أَيْ مَدْخُولِهَا (غَيْرُهُ) أَيْ مَدْخُولِهَا (فِي الْمُنَكَّرِ) الْمُفْرَدِ نَحْوُ {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] وَالْمُثَنَّى نَحْوُ كُلُّ رَجُلَيْنِ جَمَاعَةٌ وَشَهَادَةُ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَالْمَجْمُوعِ نَحْوُ وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ ... دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الْأَنَامِلُ وَكُلُّ مُصِيبَاتٍ تُصِيبُ فَإِنَّهَا ... سِوَى فُرْقَةِ الْأَحْبَابِ هَيِّنَةُ الْخَطْبِ

وَفِي الْمُعَرَّفِ الْمَجْمُوعِ نَحْوُ {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 95] (وَأَجْزَائِهِ) أَيْ وَلِاسْتِعْرَاقِ أَجْزَاءِ مَا دَخَلَتْهُ (فِي الْمُعَرَّفِ) الْمُفْرَدِ نَحْوُ كُلُّ زَيْدٍ أَوْ الرَّجُلِ حَسَنٌ أَيْ كُلُّ أَجْزَائِهِ (فَكَذَبَ كُلُّ الرُّمَّانِ مَأْكُولٌ) لِأَنَّ قِشْرَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ (دُونَ كُلُّ رُمَّانٍ) مَأْكُولٌ لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْهُ مَأْكُولٌ (وَوَجَبَ لِكُلٍّ مِنْ الدَّاخِلَيْنِ) الْحِصْنَ (فِي كُلُّ مَنْ دَخَلَ) هَذَا الْحِصْنَ (أَوَّلًا) فَلَهُ كَذَا مَا سَمَّاهُ (بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ أَوَّلًا) فَلَهُ كَذَا فَدَخَلَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا جَمِيعًا (لَا شَيْءَ لِأَحَدٍ لِأَنَّ عُمُومَهَا) أَيْ مَنْ (لَيْسَ كَجَمِيعٍ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ قَصْدًا لِيَكُونَ لَهُمْ نَفَلٌ وَاحِدٌ (وَلَا كَكُلٍّ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ لِيَكُونَ لِكُلٍّ نَفَلٌ (بَلْ ضَرُورَةُ إبْهَامِهِ كَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ فَلَا شَرِكَةَ تُصَحِّحُ التَّجَوُّزَ) بِهِ عَنْ جَمِيعٍ أَوْ كُلٍّ، وَأُورِدَ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْ دَلَالَةٌ عَلَى الْعُمُومِ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ إرَادَةَ أَحَدِهِمَا مِنْهُ بِالْقَرِينَةِ، وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا سَبَقَ فِي مَقَامِ التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ فَيَسْتَلْزِمُ مَعْنَى كُلِّ مَنْ دَخَلَ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ لَهُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ لُزُومٍ بِحَسَبِ الْمَقَامِ الْمُوجِبِ لِلْمُشَارَكَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِلِاسْتِعَارَةِ بَيْنَهُمَا وَأُجِيبَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمُشَارَكَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِلِاسْتِعَارَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ نَصٌّ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِصَارِفٍ قَوِيٍّ وَلَا صَارِفَ هُنَا لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ (وَقِيلَ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالْقَائِلُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ (الْأَوَّلُ فَرْدٌ سَابِقٌ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُ بِلَا تَعَدُّدٍ، وَإِضَافَةُ كُلٍّ تُوجِبُهُ) أَيْ التَّعَدُّدَ فِيهِ (فَجَعَلَ) الْأَوَّلَ (مَجَازًا عَنْ جُزْئِهِ وَهُوَ) أَيْ جُزْؤُهُ (السَّابِقُ فَقَطْ) أَيْ بِلَا قَيْدِ الْفَرْدِيَّةِ عَلَى الْغَيْرِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ جَمِيعَ مَا عَدَاهُ أَوْ بَعْضَهُ كَالْمُتَخَلِّفِ لِيُجْرَى فِيهِ التَّعَدُّدُ فَيَصِحُّ إضَافَةُ كُلٍّ الْإِفْرَادِيِّ إلَيْهِ وَيَكُونُ مَنْ فِيهِ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً (فَفِي التَّعَاقُبِ يَسْتَحِقُّ الْأَوَّلُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مَنْ بَعْدَهُ مَسْبُوقٌ وَكَمَالُ السَّابِقِ بِعَدَمِهِ) أَيْ بِعَدَمِ كَوْنِهِ مَسْبُوقًا بِالْغَيْرِ (خُصُوصًا فِي مَقَامِ التَّحْرِيضِ فَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ اسْتِحْقَاقُ كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِبَيْنِ إلَّا الْآخِرَ بِعُمُومِ الْمَجَازِ) وَهُوَ السَّابِقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ النَّفَلَ لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَرَضْ بِهِ لِأَنَّ قَيْدَ عَدَمِ الْمَسْبُوقِيَّةِ بِالْغَيْرِ مُرَادٌ فَلَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى الْأَوَّلِ خَاصَّةً بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ الْحِصْنَ أَوَّلًا فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ حَمْلَ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْحَقِيقِيُّ فَيَسْتَحِقُّ الْأَوَّلُ لَا غَيْرُ إذَا تَعَاقَبُوا وَلَا يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعُ إنْ دَخَلُوا جَمِيعًا لِانْعِدَامِ الْأَوَّلِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمْ لِوُجُودِ الْمُزَاحِمِ لَهُ فِي ذَلِكَ (وَأَمَّا جَمِيعٌ فَلِلْعُمُومِ عَلَى الِاجْتِمَاعِ فَلِلْكُلِّ نَفَلٌ) وَاحِدٌ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إذَا دَخَلُوا جَمِيعًا وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُنَفَّلُهُ الْغَازِي أَيْ يُعْطَاهُ زَائِدًا عَلَى سَهْمِهِ (فِي: جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ أَوَّلًا فَلَهُ كَذَا بِحَقِيقَتِهِ) أَيْ لَفْظِ جَمِيعٍ وَهِيَ الْعُمُومُ الْإِحَاطِيُّ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ (وَلِلْأَوَّلِ فَقَطْ فِي التَّعَاقُبِ بِدَلَالَتِهِ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّ هَذَا التَّنْفِيلَ لِلتَّشْجِيعِ وَالْحَثِّ عَلَى الْمُسَارَعَةِ إلَى الدُّخُولِ أَوَّلًا فَإِذَا اسْتَحَقَّهُ السَّابِقُ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ فَلَأَنْ يَسْتَحِقَّهُ بِصِفَةِ الِانْفِرَادِ أَوْلَى لِأَنَّ الْجُرْأَةَ وَالْجَلَادَةَ فِيهِ أَقْوَى (لَا بِمَجَازِهِ فِي كُلٍّ) أَيْ لَا عَمَلًا بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِجَمِيعٍ. وَهُوَ مَعْنَى كُلٍّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ الْعُمُومَ الْإِحَاطِيَّ (وَإِلَّا) لَوْ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ بِمَجَازِهِ (لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فِي الْإِرَادَةِ لِتَعَذُّرِ عُمُومِ الْمَجَازِ هُنَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِجَمِيعٍ، وَهُوَ الْإِحَاطَةُ بِقَيْدِ الِاجْتِمَاعِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُتَعَدِّدُ

كَالْوَاحِدِ حَتَّى يَجِبَ لِلْكُلِّ نَفَلٌ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى كُلٍّ بَلْ لَوْ دَخَلَتْ الْجَمَاعَةُ مَعًا فِي كُلٍّ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ النَّفَلُ فَلَزِمَ أَنَّهُ لَوْ تُجُوِّزَ بِهِ فِي مَعْنَى كُلٍّ لَمْ يَثْبُتْ لِلْجَمَاعَةِ نَفَلٌ وَلِلْوَاحِدِ مِثْلُهُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ بَلْ بِحَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَعًا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ (وَأَمَّا أَيٌّ فَلِبَعْضِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ) حَالَ كَوْنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ (كُلًّا مَعْرِفَةً وَلَوْ بِاللَّامِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُضَافُ إلَيْهِ كُلًّا مَعْرِفَةً (فَلِجُزْأَيْهِ) أَيْ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كُلِّيًّا نَكِرَةً أَوْ مَعْرِفَةً لَفْظًا كَاَلَّتِي لِلْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ فِي نَحْوِ اشْتَرِ اللَّحْمَ وَادْخُلْ السُّوقَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَبِحَسَبِ مَدْخُولِهَا يَتَعَيَّنُ وَصْفُهَا الْمَعْنَوِيُّ فَامْتَنَعَ أَيُّ الرَّجُلِ عِنْدَك لِعَدَمِ الصِّحَّةِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا تَجُوزُ الْإِضَافَةُ إلَى مِثْلِهِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا جَمْعٌ مُقَدَّرٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا مَعْنَى لِ: أَيُّ أَجْزَاءِ الرَّجُلِ عِنْدَك (وَجَازَ) أَيُّ الرَّجُلِ (أَحْسَنُ) لِصِحَّةِ: أَيُّ أَجْزَائِهِ أَحْسَنُ قَالُوا وَإِنَّمَا جَازَ أَيُّ التَّمْرِ أَكَلْت، وَأَيُّ رَجُلٍ عِنْدَك؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ أَيْ: أَيُّ آحَادِ التَّمْرِ أَكَلْت، وَأَيُّ الرِّجَالِ عِنْدَك (وَهِيَ فِي الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ كَكُلٍّ فِي النَّكِرَةِ فَتَجِبُ الْمُطَابَقَةُ) أَيْ مُطَابَقَةُ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَيْهَا إفْرَادًا وَتَثْنِيَةً وَجَمْعًا تَذْكِيرًا وَتَأْنِيثًا (لِمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ كَ: أَيَّ رَجُلَيْنِ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُمَا، وَأَيَّ رِجَالٍ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُمْ) وَأَيَّ رَجُلٍ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُ، وَأَيَّ امْرَأَةٍ تُكْرِمْ أُكْرِمْهَا، وَأَيَّ امْرَأَتَيْنِ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُمَا، وَأَيَّ نِسَاءٍ تُكْرِمْ أُكْرِمُهُنَّ، وَأَيُّ رَجُلٍ قَامَ، وَأَيُّ رَجُلَيْنِ قَامَا وَأَيُّ رِجَالٍ قَامُوا وَأَيُّ امْرَأَةٍ قَامَتْ وَأَيُّ امْرَأَتَيْنِ قَامَتَا وَأَيُّ نِسَاءٍ قُمْنَ (وَبَعْضٍ فِي الْمَعْرِفَةِ فَيَتَّحِدُ) الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إلَيْهَا مُثَنًّى كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ أَوْ مَجْمُوعًا مُذَكَّرًا أَوْ مُؤَنَّثًا (كَأَيِّ الرَّجُلَيْنِ) أَوْ الْمَرْأَتَيْنِ أَوْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ (تَضْرِبْ أَضْرِبْهُ، وَتَعُمُّ) أَيٌّ (بِالْوَصْفِ) الْعَامِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (فَيَعْتِقُ الْكُلُّ إذَا ضَرَبُوا فِي: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك) فَهُوَ حُرٌّ ضَرَبُوهُ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا لِعُمُومِهَا بِعُمُومِ وَصْفِهَا الَّذِي هُوَ الضَّارِبِيَّةُ لِإِسْنَادِ الضَّرْبِ إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَيْهَا (وَمَنَعُوهُ) أَيْ عِتْقَ الْكُلِّ (فِي) أَيُّ عَبِيدِي (ضَرَبْته إلَّا الْأَوَّلَ) فِي ضَرْبِهِمْ عَلَى التَّرْتِيبِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ لَهُ (أَوْ مَا يُعَيِّنُهُ الْمَوْلَى فِي الْمَعِيَّةِ) لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ فَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ فِي الضَّرْبِ إلَى الضَّارِبِ (لِأَنَّ الْوَصْفَ) الَّذِي هُوَ الضَّارِبِيَّةُ (لِغَيْرِهَا) أَيْ لِغَيْرِ أَيٍّ، وَهُوَ الْمُخَاطَبُ لِإِسْنَادِ الضَّرْبِ إلَيْهِ وَهُوَ خَاصٌّ فَلَا تَعُمُّ لِعَدَمِ اتِّصَافِهَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ. (وَمُنِعَ) كَوْنُهَا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ هُنَا أَيْضًا وَالْمَانِعُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (بِأَنَّهَا) أَيْ أَيًّا (مَوْصُوفَةٌ بالمضروبية، وَكَوْنُ الْمَفْعُولِيَّةِ فَضْلَةً تَثْبُتُ ضَرُورَةَ التَّحَقُّقِ) أَيْ تَحَقُّقِ تَعَدِّي الْفِعْلِ (لَا يُنَافِيهِ) أَيْ الْعُمُومَ لِيُقَالَ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي التَّعْمِيمِ وَكَيْفَ وَالضَّرْبُ صِفَةٌ إضَافِيَّةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْفَاعِلِ وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَصْفٌ لَهُ وَبِالْمَفْعُولِ وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَصْفٌ لَهُ وَلَا امْتِنَاعَ فِي قِيَامِ الْإِضَافِيَّاتِ بِالْمُضَافَيْنِ (وَالْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (بِكَوْنِ الثَّانِي) وَهُوَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته (لِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمْ عُرْفًا) أَيْ لِتَخْيِيرِ الْفَاعِلِ الْمُخَاطَبِ فِي تَعْيِينِهِ (كَ: كُلْ أَيَّ خُبْزٍ تُرِيدُ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَالْوَجْهُ أَيَّ خُبْزِي لِيُطَابِقَ الْمِثَالَ) وَهُوَ أَيُّ عَبِيدِي (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُخَاطَبِ (أَكْلُ الْكُلِّ بَلْ تَعْيِينُ وَاحِدٍ يَخْتَارُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ تَخْيِيرُ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْقَلُ فِي مُتَعَدِّدٍ وَلَا تَعَدُّدَ فِي الْمَفْعُولِ (لَا يُدْفَعُ بِنَحْوِ: أَيَّ عَبِيدِي وَطِئَتْهُ دَابَّتُك) أَوْ عَضَّهُ كَلْبُك كَمَا وَقَعَ فِي التَّلْوِيحِ (لِأَنَّ مَحَلَّ الْعُرْفِ مَا يَصِحُّ فِيهِ التَّخْيِيرُ) لِلْفَاعِلِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ (وَأَمَّا ادِّعَاءُ وَضْعِهَا ابْتِدَاءً لِلْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ بِادِّعَاءِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَعْتِقْ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي

مسألة ليس العام مجملا

ضَرَبَك وَأَيُّ عَبْدٍ) ضَرَبَك كَمَا فِي التَّلْوِيحِ يَعْنِي فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ إلَّا إعْتَاقُ وَاحِدٍ مُتَّصِفٍ بِالضَّارِبِيَّةِ لَهُ فِي الْأَوَّلِ وَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ ضَرَبَهُ فِي الثَّانِي (فَمَمْنُوعٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا بَلْ الْعُمُومُ فِيهِمَا لِلْوَصْفِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَمْنُوعٌ اهـ. وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَقَدْ قِيلَ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لِأَجْلِ أَنَّ كَلِمَةَ أَيٍّ عَامٌّ بِحَسَبِ الْوَضْعِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ أَيٍّ مِنْ جِهَةِ تَوَغُّلِهَا فِي الْإِبْهَامِ بِحَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ مَعْنَاهَا، وَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى الْمَعْرِفَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَارَتْ قَرِيبَةً مِنْ الْعُمُومِ حَتَّى صَارَ عُمُومُهَا عِنْدَ اتِّصَافِهَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ مُطَّرِدًا بِخِلَافِ سَائِرِ النَّكِرَاتِ؛ وَلِذَا اخْتَلَفُوا فِي عُمُومِ سَائِرِ النَّكِرَاتِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ عَلَاءَ الدِّينِ الشِّيرَازِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّ النَّكِرَةَ الْمَوْصُوفَةَ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ لَا تَعُمُّ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: جَاءَنِي رَجُلٌ عَالِمٌ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ وَهِيَ غَيْرُ عَامَّةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا قَوْلُهُ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَإِنَّمَا تَعُمُّ إذَا انْضَمَّ دَلِيلٌ آخَرُ بِحَسَبِ الْمَقَامِ مِنْ كَوْنِ الصِّفَةِ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوُ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ» وَكَوْنُ الْمَقَامِ لِلْإِبَاحَةِ نَحْوُ: كُلْ أَيَّ خُبْزٍ تُرِيدُ أَوْ لِلتَّحْرِيضِ نَحْوُ أَيُّ رَجُلٍ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ فَلَهُ كَذَا وَقَوْلُهُ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَهُوَ حُرٌّ مِنْ التَّحْرِيضِ فَيَعُمُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته فَمَقَامُ الْمَنْعِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا تُطِيقُ أَنْ تَضْرِبَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي فَإِنْ وَقَعَ ضَرْبُك عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي فَالضَّرَرُ عَلَيَّ لَازِمٌ بِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ، وَعَلَى هَذَا إذَا أَخْرَجَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ مَنْفِيٍّ تَكُونُ النَّكِرَةُ الْمُخْرَجَةُ عَامَّةً؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ فَتَعُمُّ لِكَوْنِهَا فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ نَحْوُ: لَا أُكَلِّمُ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَلِّمَ جَمِيعَ رِجَالِ الْكُوفَةِ وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ مَسْأَلَةُ الْإِيلَاءِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْجَامِعِ وَهِيَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا إلَّا يَوْمًا أَقْرَبُكُمَا فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا بِهَذَا الْكَلَامِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فَأَوْجَبَ الْعُمُومَ فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَقْرَبَهُمَا أَبَدًا فِي كُلِّ يَوْمٍ يَأْتِي بِلَا شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ (وَرَدُّ أَخْذِ خُصُوصِهَا) أَيْ أَيٍّ (وَضْعًا مِنْ إفْرَادِ الضَّمِيرِ فِي: أَيُّ الرِّجَالِ أَتَاكَ، وَصِحَّةُ الْجَوَابِ) أَيْ وَمِنْ صِحَّتِهِ (بِالْوَاحِدِ) مِثْلُ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو (بِالنَّقْصِ بِمَنْ، وَمَا) وَغَيْرُ خَافٍ كَوْنُهُ مُتَعَلِّقًا بِ رَدُّ (يَعْنِي لِأَنَّهُمَا اسْتِغْرَاقِيَّانِ وَضْعًا مَعَ إفْرَادِ ضَمِيرِهِمَا وَجَوَابِهِمَا) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ أَيْضًا (مَمْنُوعٌ بَلْ وَضْعُهُمَا أَيْضًا عَلَى الْخُصُوصِ كَالنَّكِرَةِ وَعُمُومُهُمَا بِالصِّفَةِ كَمَا مَرَّ، وَعَدَمُ عِتْقِ أَحَدٍ فِي أَيُّكُمْ حَمَلَ هَذِهِ، وَهِيَ حِمْلٌ وَاحِدٌ فَحَمَلُوهَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ) لِعِتْقِهِ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (حَمْلَ وَاحِدٍ) لَهَا بِكَمَالِهَا (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الشَّرْطَ حَمْلُ الْوَاحِدِ لَهَا بِكَمَالِهَا (عَتَقَ الْكُلُّ فِي التَّعَاقُبِ) لِوُجُودِهِ فِي حَمْلِ كُلٍّ (وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَمْلُ وَاحِدٍ) بِأَنْ كَانَ لَا يُطِيقُ حَمْلَهَا وَاحِدٌ فَحَمَلَهَا وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ عَتَقُوا أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ مِنْ الثَّانِي، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ صَيْرُورَتُهَا مَحْمُولَةً إلَى مَوْضِعِ حَاجَتِهِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِمُطْلَقِ فِعْلِ الْحَمْلِ مِنْهُمْ، وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُطِيقُ حَمْلَهَا وَاحِدٌ، فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ جَلَادَتِهِمْ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِحَمْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَمَامَهَا لَا بِمُطْلَقِ الْحَمْلِ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنَّهُ لَوْ انْخَرَقَتْ الْعَادَةُ لَهُمْ بِأَنْ حَمَلَهَا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى التَّعَاقُبِ أَنْ لَا يُعْتَقَ إلَّا الْأَوَّلُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِحَمْلِهِ فَيَنْتَهِي حُكْمُ التَّعْلِيقِ بِهِ حَتَّى يَصِيرَ حَمْلُ غَيْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ كَحَمْلِ أَجْنَبِيٍّ عَبَثًا أَوْ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ عِتْقُ الْكُلِّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ لَيْسَ الْعَامُّ مُجْمَلًا] (مَسْأَلَةٌ لَيْسَ الْعَامُّ مُجْمَلًا خِلَافًا لِعَامَّةِ الْأَشَاعِرَةِ) عَلَى مَا فِي التَّلْوِيحِ (وَنَقْلِ بَعْضِهِمْ) وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ

(دَلِيلُهُ) أَيْ الْإِجْمَالِ (أَعْدَادُ الْمَجْمُوعِ مُخْتَلِفَةٌ) فَإِنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلُّ عَدَدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ، وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلُّ عَدَدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ (فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ) فِي الْمُرَادِ بِهِ (إلَى مُعَيِّنٍ يُفِيدُ) هَذَا النَّقْلُ (أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ لَا الْعَامِّ مُطْلَقًا) لِعَدَمِ جَرَيَانِ هَذَا فِيمَا سِوَى الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ (وَمُعَمِّمُهُ) أَيْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ (مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يُصَرِّحُ بِنَفْيِهِ) أَيْ الْإِجْمَالِ (وَجَوَابُهُمْ) أَيْ مُعَمِّمِيهِ مِنْهُمْ عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ (وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى) الْمَرْتَبَةِ (الْمُسْتَغْرِقَةِ) لِكُلِّ جَمْعٍ مِنْ مَرَاتِبِهِ (عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ) فِي مَسْأَلَةٍ خَاصَّةٍ بِهِمْ (فَلَا إجْمَالَ وَبِالْحَمْلِ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ) وَهُوَ أَقَلُّ الْجَمْعِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ كَمَا هُوَ جَوَابُ غَيْرِهِمْ (فَلَا إجْمَالَ) أَيْضًا. (وَقَدْ يَنْقُلُ) دَلِيلَ الْإِجْمَالِ (الْعَامِّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْكَثِيرِ لِلْإِطْلَاقِ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (وَالْأَصْلُ) فِي الْإِطْلَاقِ (الْحَقِيقَةُ) فَاشْتَبَهَ الْمُرَادُ بِهِ (فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ إلَى دَلِيلِ الْعُمُومِ) فَيُعْمَلُ بِهِ حِينَئِذٍ أَوْ الْخُصُوصِ فَيُعْمَلُ بِهِ حِينَئِذٍ (فَيُقَيِّدُ) هَذَا (أَنَّهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِالْإِجْمَالِ (قَوْلُ الْقَائِلِ بِاشْتِرَاكِ الصِّيغَةِ) بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَوْلُ بِاشْتِرَاكِهَا بَيْنَهُمَا (أَحَدُ قَوْلَيْ الْأَشْعَرِيِّ وَنِسْبَتُهُ) أَيْ الْإِجْمَالِ (إلَى الْأَشْعَرِيَّةِ غَيْرُ وَاقِعٍ بَلْ إلَى الْأَشْعَرِيِّ) أَيْضًا (لِتَوَقُّفِهِ فِي الصِّيَغِ) الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْعُمُومِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لَهُ خَاصَّةً (لِلِاشْتِرَاكِ لَهُ) أَيْ لِلْأَشْعَرِيِّ أَيْ لِقَوْلِهِ بِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا (أَوْ لَا لَهُ) أَيْ لِلِاشْتِرَاكِ بَلْ لِكَوْنِهِ لَا يُدْرَى كَوْنُهَا مَوْضُوعَةً لِلْعُمُومِ أَوْ الْخُصُوصِ (فِي) قَوْلٍ (آخَرَ) لِلْأَشْعَرِيِّ. (وَإِذًا فَمَعْلُومٌ تَفَرُّعُ التَّوَقُّفِ عَلَى مَذْهَبِ الِاشْتِرَاكِ) بَيْنَهُمَا كَائِنًا مَنْ كَانَ الْقَائِلُ بِهِ (وَالْوَقْفُ) فِي كَوْنِهَا لِلْخُصُوصِ أَوْ الْعُمُومِ (إلَى الْمُعَيِّنِ) لِلْمُرَادِ مِنْ خُصُوصٍ أَوْ عُمُومٍ (وَقَدْ أُفْرِدَ الْمَبْنَى) لِهَذَا الْخِلَافِ، وَهُوَ أَنَّ الصِّيَغَ الْمُسْتَعْمَلَةَ لِلْعُمُومِ هَلْ هِيَ خَاصَّةٌ بِهِ أَوْ بِالْخُصُوصِ أَوْ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا (بِالْبَحْثِ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَعَ إبْطَالِ الِاشْتِرَاكِ وَالْوَقْفِ (فَيُسْتَغْنَى بِهِ) أَيْ بِإِفْرَادِ الْمَبْنَى بِالْبَحْثِ (عَنْ هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ لِتَفَرُّعِهَا عَلَيْهِ (وَتُفَارِقُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (مَسْأَلَةَ مَنْعِ الْعَمَلِ بِهِ) أَيْ بِالْعَامِّ (قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ بِأَنَّ الْبَحْثَ) الْمُتَوَقِّفَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَعْنِي قَوْلَ الْإِجْمَالِ لِلِاشْتِرَاكِ (يُظْهِرُ الْمُرَادَ مِنْ الْمَفَاهِيمِ) الْوَضْعِيَّةِ لِغَرَضِ الِاشْتِرَاكِ (وَهُنَاكَ) أَيْ وَالْبَحْثُ فِي مَسْأَلَةِ تَوَقُّفِ الْعَمَلِ بِهِ عَلَى الْعَمَلِ عَنْ الْمُخَصِّصِ يُظْهِرُ (إرَادَةَ الْمَفْهُومِ الْمُتَّحِدِ) فِي الْوَضْعِ وَهُوَ الْعُمُومُ أَيْ أَنَّهُ ثَابِتٌ (لَا الْمَجَازِ) أَيْ لَا إرَادَةَ أَنَّهُ مُخَصِّصٌ أَوْ بِالْعَكْسِ. (وَلَوْ جَعَلْت هَذِهِ) الْمَسْأَلَةَ (إيَّاهَا) أَيْ مَسْأَلَةَ وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ لِلْعَامِّ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهِ (أَشْكَلَ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِيهَا) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصِ الْعَامِّ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي (بِخِلَافِ هَذِهِ) فَإِنَّهَا لَمْ يُنْقَلْ فِيهَا الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ نَقَلُوا فِيهَا الْخِلَافَ كَمَا عَلِمْت. (فَإِنْ قِيلَ) : الْإِجْمَاعُ الْمَذْكُورُ مُسْتَبْعَدٌ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ الْوَارِدَ إلَى الْمُجْتَهِدِ (إنْ اشْتَهَرَ الْمَجَازُ أَعْنِي الْخُصُوصَ) فِيهِ يَعْنِي كَوْنَهُ مَجَازًا فِي الْبَعْضِ لِكَوْنِهِ مَخْصُوصًا (فَلَا إجْمَاعَ عَلَى التَّوَقُّفِ) بَلْ يُعْمَلُ بِالْخُصُوصِ (وَإِلَّا فَكَذَلِكَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ فِيهِ فَلَا إجْمَاعَ عَلَى التَّوَقُّفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ، وَهِيَ الْعُمُومُ (فَالْجَوَابُ قَدْ يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِيهِ) أَيْ الْخُصُوصِ بِاشْتِبَاهِ الْقَرَائِنِ (وَالْمُزَاحَمَةِ) أَيْ مُزَاحَمَةِ مَا يُوجِبُ الِاحْتِمَالَ (فَيَلْزَمُ حُكْمُ الْمُجْمَلِ) وَهُوَ التَّوَقُّفُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِطَرِيقَةٍ (وَهُوَ) أَيْ التَّرَدُّدُ فِي الْخُصُوصِ (ثَابِتٌ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ بِسَبَبِ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ) حَتَّى هَذَا (وَجَوَابُهُ) أَيْ الْإِجْمَالِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ دَلِيلِهِ الِاشْتِرَاكَ فِي كَوْنِهَا لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ أَوْ الْوَقْفِ

الإجماع على منع العمل بالعام قبل البحث عن المخصص

فِي ذَلِكَ (بَطَلَ الِاشْتِرَاكُ وَالْوَقْفُ كَمَا تَقَدَّمَ) فِي الْبَحْثِ الثَّانِي (وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - الْمُوَفِّقُ) [الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ] (مَسْأَلَةُ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ) وَمِنْ نَاقِلِيهِ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (وَهُوَ) أَيْ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ (إمَّا لِعَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ) يُتَمَسَّكُ بِهِ ابْتِدَاءً مَا لَمْ يَظْهَرْ مُخَصِّصٌ (لِقَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: إنَّهُ) أَيْ قَوْلَ الصَّيْرَفِيِّ (لَيْسَ مِنْ مَبَاحِثِ الْعُقَلَاءِ بَلْ صَدَرَ عَنْ غَبَاوَةٍ وَعِنَادٍ، وَإِمَّا لِتَأْوِيلِهِ) أَيْ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ كَمَا ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ (بِوُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَصِّصِ فَإِنْ ظَهَرَ) الْمُخَصِّصُ (تَغَيَّرَ) اعْتِقَادُ الْعُمُومِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ (اسْتَمَرَّ) اعْتِقَادُ الْعُمُومِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ يُقَالُ الْفَرْقُ) بَيْنَ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصِهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ قَبْلَهُ (تَحَكُّمٌ) لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ إنَّمَا هُوَ لِلْعَمَلِ فَإِيجَابُ اعْتِقَادِهِ يُوجِبُ إيجَابَ الْعَمَلِ بِهِ فَلَا يُفِيدُ هَذَا التَّأْوِيلُ رُجُوعَهُ إلَى الْإِجْمَاعِ (وَكَلَامُ الْبَيْضَاوِيِّ) وَهُوَ يَسْتَدِلُّ بِالْعَامِّ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْمُخَصِّصُ، وَابْنُ سُرَيْجٍ أَوْجَبَ طَلَبَهُ أَوَّلًا (لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ التَّأْوِيلَ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ بِهَذَا (قَوْلُ الْإِمَامِ وَمِثْلُهُ) أَيْ الْعَامِّ فِي مَنْعِ الْعَمَلِ بِهِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ (كُلُّ دَلِيلٍ يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ) أَيْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِدَلِيلٍ مَا قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ وُجُودِ مُعَارِضٍ (وَهَذَا لِأَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ (لَا يَتِمُّ دَلِيلًا) مُوجِبًا لِلْعَمَلِ (إلَّا بِشَرْطِ عَدَمِهِ) أَيْ الْمُعَارِضِ (فَيَلْزَمُ الِاطِّلَاعُ عَلَى الشَّرْطِ) وَهُوَ عَدَمُ الْمُعَارِضِ (فِي الْحُكْمِ بِالْمَشْرُوطِ) وَهُوَ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُنَا أُمُورٌ لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ إلَّا بِمَعْرِفَتِهَا فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَهَا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ قَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ مَمْنُوعَةٌ فَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ بِالْخِلَافِ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَمَنْ يَطُولُ تَعْدَادُهُ، وَعَلَيْهِ جَرَى الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ اهـ وَقَدَحَ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ فِيهِ أَيْضًا مَعَ مُخَالَفَةِ الصَّيْرَفِيِّ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ فَكَيْفَ يَنْعَقِدُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَهُ لَعَرَفَهُ فَلَمْ يُخَالِفْهُ لِأَنَّهُ أَقْعَدُ بِمَعْرِفَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يُخَالِفْهُ مِنْ بَعْدِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْحَاكِي لَهُ لَكِنْ خَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ كَمُصَنِّفِي الْحَاصِلِ وَالتَّحْصِيلِ وَالْمِنْهَاجِ فَإِنَّهُمْ اخْتَارُوا جَوَازَ الْعَمَلِ بِهِ وَالتَّمَسُّكَ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مُخَصِّصٌ وَأَسْنَدُوا إيجَابَ طَلَبِهِ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ اهـ. وَأَضَافَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إلَيْهِ الْإِصْطَخْرِيَّ وَابْنَ خَيْرَانِ وَالْقَفَّالَ الْكَبِيرَ ثُمَّ قَالَ: وَزَعَمَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَرُفْقَتُهُ أَنَّ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ: وَعَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنْ يَطْلُبُوا دَلِيلًا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْحَتْمِ وَغَيْرِهِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ دَلِيلًا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مُوجَبِ اللَّفْظِ الْأَمْرُ الثَّانِي قَالَ السُّبْكِيُّ أَيْضًا: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ فِي الْحَالِ، وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا نَقَلَهُ مَنْ ذَكَرْنَا، وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي النَّقْلِ عَنْهُ عَلَى وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ فِي الْحَالِ اهـ فَانْتَفَى تَأْوِيلُ الْعَلَّامَةِ بِمَا عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الْفَاضِلَ الْكَرْمَانِيَّ قَالَ بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ: قُلْت وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي رِسَالَةِ الشَّافِعِيِّ، وَالْكَلَامُ إذَا كَانَ عَامًّا ظَاهِرًا كَانَ عَلَى عُمُومِهِ وَظُهُورِهِ حَتَّى يَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ انْتَهَى، وَقَدْ قَالَ السُّبْكِيُّ: ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَذَكَرَ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَذَكَرَ هَذَا بِعَيْنِهِ وَكَأَنَّ الْكَرْمَانِيَّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ فَتَوَارَدَاهُ الْأَمْرُ الثَّالِثُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: مَثَارُ الْخِلَافِ التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ التَّخْصِيصَ مَانِعٌ أَوْ عَدَمَهُ شَرْطٌ فَالصَّيْرَفِيُّ يَقُولُ إنَّهُ مَانِعٌ فَيُتَمَسَّكُ بِهِ مَا لَمْ يَنْهَضْ

مسألة صيغة جمع المذكر السالم هل يشمل النساء وضعا

الْمَانِعُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَابْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ عَدَمُهُ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ انْتَهَى وَالشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ الْأَمْرُ الرَّابِعُ قَالَ السُّبْكِيُّ أَيْضًا: وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَذَا كُلُّ دَلِيلٍ مَعَ مُعَارِضِهِ فَهِيَ طَرِيقَةُ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ وَعَلَيْهَا جَرَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَيْثُ قَالَ: وَهَكَذَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي لَفْظِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إذَا وَرَدَا مُطْلَقَيْنِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عِنْدَ سَمَاعِ الْحَقِيقَةِ طَلَبُ الْمَجَازِ، وَإِنْ وَجَبَ عِنْدَ سَمَاعِ الْعَامِّ الْبَحْثُ عَنْ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ تَطَرُّقَ التَّخْصِيصِ إلَى الْعُمُومَاتِ أَكْثَرُ، وَأَيَّدَهُ بِتَوْجِيهٍ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ شَبَّهَ الْعَامَّ بِالْحَقِيقَةِ فَقَدْ أَتَى بِسَاقِطٍ مِنْ الْقَوْلِ الْأَمْرُ الْخَامِسُ: حَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ الِاتِّفَاقَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْعَامِّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ لِتَأَكُّدِ انْتِفَاءِ احْتِمَالِ الْمُخَصِّصِ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْعَامِّ إذْ ذَاكَ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ فِيمَا وَرَدَ لِأَجْلِهِ مِنْ الْوَقَائِعِ وَهُوَ قَطْعِيُّ الدُّخُولِ عَنْ الْأَكْثَرِ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ قَبْلَ الْعَمَلِ: (وَالْخِلَافُ فِي قَدْرِ الْبَحْثِ، وَالْأَكْثَرُ) أَنَّهُ يَبْحَثُ (إلَى أَنْ يَغْلِبَ ظَنُّ عَدَمِهِ) أَيْ الْمُخَصِّصِ (وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ إلَى الْقَطْعِ بِهِ) أَيْ بِعَدَمِهِ (لَنَا لَوْ شُرِطَ) الْقَطْعُ بِهِ (بَطَلَ) الْعَمَلُ بِأَكْثَرِ الْعُمُومَاتِ الْمَعْمُولِ بِهَا اتِّفَاقًا؛ إذْ الْقَطْعُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَالْغَايَةُ عَدَمُ الْوِجْدَانِ عِنْدَ الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُودِ (قَالُوا) أَيْ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ (إذَا كَثُرَ بَحْثُ الْمُجْتَهِدِ) عَنْ الْمُخَصِّصِ (وَلَمْ يَجِدْ قَضَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ الْوُجُودِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَقَدْ يَجِدُ) الْمُجْتَهِدُ الْمُخَصِّصَ (بَعْدَ الْكَثْرَةِ) أَيْ كَثْرَةِ بَحْثِهِ عَنْهُ وَحُكْمِهِ بِالْعُمُومِ (ثُمَّ يَزِيدُ) فِي الْبَحْثِ اسْتِظْهَارًا فِي أَمْرِهِ فَيَظْهَرُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ (فَيَرْجِعُ) عَنْ الْحُكْمِ بِالْعُمُومِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ أَقِفْ فِيمَا وَصَلَ النَّاظِرُ الْقَاصِرُ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى صَرِيحٍ لَهُمْ فِيهَا نَعَمْ أُصُولُهُمْ تُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الصَّيْرَفِيُّ وَلَا سِيَّمَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُعْظَمُهُمْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مُوجِبَهُ قَطْعِيٌّ كَمُوجِبِ الْخَاصِّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ [مَسْأَلَةُ صِيغَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ هَلْ يَشْمَلُ النِّسَاءَ وَضْعًا] (مَسْأَلَةُ صِيغَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ) السَّالِمِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ كَغَيْرِهِ مَعَ كَوْنِهِ الْمُرَادَ؛ لِأَنَّهُ اُخْتُصَّ فِي الْعُرْفِ بِهِ مِنْ إطْلَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لُغَةً عَلَى نَحْوِ: قَوْمٌ قِيَامٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الصِّيغَةُ الَّتِي يَصِحُّ إطْلَاقُهَا عَلَى الذُّكُورِ خَاصَّةً الْمَوْضُوعَةُ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ لَهُمْ وَلِلْإِنَاثِ كَمَا سَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ (وَنَحْوُ الْوَاوِ فِي فَعَلُوا) وَيَفْعَلُونَ وَافْعَلُوا (هَلْ يَشْمَلُ النِّسَاءَ وَضْعًا نَفَاهُ الْأَكْثَرُ إلَّا فِي تَغْلِيبٍ) وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ (خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ) وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْمَوْضُوعَةَ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً كَالرِّجَالِ لَا تَتَنَاوَلُ النِّسَاءَ، وَجَمْعُ الْمُؤَنَّثِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُذَكَّرَ كَالْإِنَاثِ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَنَّ الصِّيغَةَ الْمَوْضُوعَةَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الذُّكُورِ كَالنَّاسِ تَتَنَاوَلُهُمَا. (لِلْأَكْثَرِ {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إذْ لَوْ كَانَ مَدْلُولُ الْمُسْلِمَاتِ دَاخِلًا فِي مَدْلُولِ الْمُسْلِمِينَ لَمَا حَسُنَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ تَكْرَارٌ بِلَا فَائِدَةٍ فَإِنْ قِيلَ: بَلْ لَهُ فَائِدَةٌ وَهِيَ التَّنْصِيصُ وَالتَّأْكِيدُ؛ كَعَطْفِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى عَلَى الصَّلَوَاتِ، قُلْنَا: يُعَارِضُهَا فَائِدَةُ الِابْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ أَعْنِي التَّأْسِيسَ ثُمَّ تَقَدَّمَ عَلَى فَائِدَةِ التَّكْرَارِ كَمَا قَالَ: (وَفَائِدَةُ الِابْتِدَاءِ أَوْلَى مِنْ النُّصُوصِيَّةِ بَعْدَ التَّنَاوُلِ ظَاهِرًا) ؛ إذْ الْإِفَادَةُ خَيْرٌ مِنْ الْإِعَادَةِ، وَلَا يُقَالُ: الْإِفَادَةُ بِطَرِيقِ النُّصُوصِيَّةِ دُونَ الظُّهُورِ تَأْسِيسٌ لَا تَأْكِيدٌ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ هَذَا إلَّا تَقْوِيَةً لِمَدْلُولِ الْأَوَّلِ تَدْفَعُ تَوَهُّمَ التَّجَوُّزِ وَعَدَمِ الشُّمُولِ وَهُوَ مَعْنَى التَّأْكِيدِ (وَسَبَبُهُ) أَيْ وَلِلْأَكْثَرِ أَيْضًا سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ (وَهُوَ «قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ مَا نَرَى اللَّهَ ذَكَرَ إلَّا

الرِّجَالَ» فَأُنْزِلَتْ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ سَلَمَةَ وَمِنْ طَرِيقِ أُمِّ عِمَارَةَ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ) إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ وَأَنَّ التِّرْمِذِيَّ حَسَّنَهُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لَنَا لَا نُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ كَمَا يُذْكَرُ الرِّجَالُ قَالَتْ فَلَمْ يَرُعْنِي مِنْهُ ذَاتَ يَوْمٍ إلَّا وَنِدَاؤُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَيُّهَا النَّاسُ قَالَتْ: وَأَنَا أُسَرِّحُ رَأْسِي فَلَفَفْت شَعْرِي ثُمَّ دَنَوْت مِنْ الْبَابِ فَجَعَلْت سَمْعِي عِنْدَ الْجَرِيدِ فَسَمِعْته يَقُولُ إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35] » هَذِهِ الْآيَةَ بَلْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَوَّلَهُ هَكَذَا انْتَهَى وَلَا ذِكْرَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ عُمَارَةَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ نَعَمْ هُوَ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِهَا بِلَفْظِ «أَنَّهَا أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ مَا أَرَى كُلَّ شَيْءٍ إلَّا لِلرِّجَالِ، وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35] » الْآيَةَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ يَعْنِي الرَّاوِيَ لَهُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَرْفُوعًا وَذَكَرَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ سَأَلَتْ أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ نَحْوَ سُؤَالِ أُمِّ عُمَارَةَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا ضَيْرَ فَإِنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُنَّ نَفَيْنَ ذِكْرَهُنَّ مُطْلَقًا (فَقَرَّرَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (النَّفْيَ) وَلَوْ كُنَّ دَاخِلَاتٍ لَمْ يُصَدِّقْ نَفْيَهُنَّ وَلَمْ يُقْرِرْهُنَّ عَلَيْهِ بَلْ مَنَعَهُنَّ مِنْهُ (وَهُنَّ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ) نَعَمْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ «دَخَلَ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَ قَدْ ذَكَرَكُنَّ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ نُذْكَرْ بِشَيْءٍ أَمَا فِينَا مَا يُذْكَرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] » الْآيَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْهُ نَحْوَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا تَقَدَّمَ رَاجِحًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُعَكِّرٌ لِلْمَطْلُوبِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (قَالُوا) أَيْ الْحَنَابِلَةُ (صَحَّ) إطْلَاقَهُ (لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ) ك: {اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البقرة: 38] خِطَابًا لِآدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ (كَمَا لِلْمُذَكَّرِ فَقَطْ، وَالْأَصْلُ) فِي الْإِطْلَاقِ (الْحَقِيقَةُ أُجِيبَ يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ) اللَّفْظِيُّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (وَالْمَجَازُ خَيْرٌ) مِنْهُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّهُ لِلرِّجَالِ وَحْدَهُمْ حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْكُلِّ (وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ) ، وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ (مَنْ يُورِدُ دَلِيلَهُمْ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ (هَكَذَا الْمَعْرُوفُ) مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ (تَغْلِيبُ الذُّكُورِ) عَلَى الْإِنَاثِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا بِاتِّفَاقٍ، وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِدُخُولِ النِّسَاءِ فِيهِ (وَيُجِيبُ بِكَوْنِهِ إذًا مَجَازًا وَأَنَّهُ خَيْرٌ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ) أَيْ إيرَادُ دَلِيلِهِمْ هَكَذَا (بَعِيدٌ) مِنْهُمْ (إذْ اعْتِرَافُهُمْ بِالتَّغْلِيبِ اعْتِرَافٌ بِالْمَجَازِ) لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ (وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ) مِنْ إيرَادِ دَلِيلِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ إيرَادِهِ عَلَى مَا قَالَهُ هَذَا الْمُحَقِّقُ (فَالِانْفِصَالُ) عَنْ دَلِيلِهِمْ (بِكَوْنِ الْمَجَازِ خَيْرًا إنَّمَا هُوَ فِي اللَّفْظِيِّ وَيُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُمْ الْمَعْنَوِيَّ أَيْ هُوَ) أَيْ جَمْعُ الْمُذَكَّرِ (لِلْأَحَدِ الدَّائِرِ فِي عُقَلَاءِ الْمُذَكَّرِينَ مُنْفَرِدِينَ أَوْ مَعَ الْإِنَاثِ فَلَا يَتِمُّ) الِانْفِصَالُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَوِيَّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجَازِ (وَيَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ لِلْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ (شُمُولُ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِالصِّيغَةِ) لَهُنَّ أَيْضًا كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 83] وَقَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] (فَإِنْ قِيلَ) شُمُولُهَا لَهُنَّ (بِخَارِجٍ) كَالْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ «إنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» وَالْإِجْمَاعُ (مَنَعَ)

كَوْنَ شُمُولِهَا لَهُنَّ بِخَارِجٍ؛ إذْ لَا مُعَيِّنَ لِذَلِكَ (فَإِنْ اُسْتُدِلَّ بِعَدَمِ دُخُولِهِنَّ فِي الْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِمَا) كَحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78] {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] (لِعَدَمِهِ) أَيْ دُخُولِهِنَّ فِي أَحْكَامٍ أُخَرَ حَتَّى إنَّهُ يَحْتَاجُ ثُبُوتُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهَا فِي حَقِّهِنَّ إلَى دَلِيلٍ غَيْرِ الصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ (فَقَدْ يُقَالُ بَلْ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ دُخُولِهِنَّ فِيمَا لَمْ يَدْخُلْنَ فِيهِ مِنْ أَحْكَامِ الصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ (بِخَارِجٍ) عَنْهَا. (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ دُخُولِهِنَّ فِيمَا لَمْ يَدْخُلْنَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ بِخَارِجٍ (أَوْلَى مِنْ دُخُولِهِنَّ) فِيمَا دَخَلْنَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ (بِهِ) أَيْ بِخَارِجٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ دُخُولِهِنَّ الْمَذْكُورِ (أَقَلُّ) مِنْ دُخُولِهِنَّ الْمَذْكُورِ (وَإِسْنَادُ الْأَقَلِّ إلَى الْخَارِجِ أَوْلَى) مِنْ إسْنَادِ الْأَكْثَرِ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ خِلَافِ الظَّاهِرِ (خُصُوصًا بَعْدَ تَرْجِيحِ الْمَعْنَوِيِّ) عَلَى اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ. ثُمَّ الْخَارِجُ الْمُخْرِجُ لَهُنَّ مِنْ الْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ وَحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ الْإِجْمَاعُ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً: مَمْلُوكٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. . وَقَالَ النَّوَوِيُّ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «عَنْ عَائِشَةَ اسْتَأْذَنْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجِهَادِ فَقَالَ جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ» وَمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ عَنْهَا «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ قَالَ نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنِ جَمْعِ الْوَاحِدِ الْمَعْنَوِيَّ (إلَى الِاسْتِدْلَالِ) لِدُخُولِهِنَّ حَقِيقَةً (بِالْإِيصَاءِ لِنِسَاءٍ وَرِجَالٍ) بِشَيْءٍ (ثُمَّ قَوْلِهِ أَوْصَيْت لَهُمْ) بِكَذَا حَيْثُ يَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي لَهُمْ ثُمَّ يُدْفَعُ بِأَنَّ تَقَدُّمَ الْجَمْعَيْنِ الْخَاصَّيْنِ قَرِينَةُ إرَادَةِ الْكُلِّ مَجَازًا كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَوِيِّ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ تَرَجَّحَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ (فَقَوْلُهَا) أَيْ أُمِّ سَلَمَةَ نَقْلًا عَنْهُنَّ بِنَاءً عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا مَعْنَاهُ (مَا نَرَى اللَّهَ ذَكَرَهُنَّ) فَإِنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِنَّ مَا ذَكَرَ إلَّا الرِّجَالَ (أَيْ) مَا ذَكَرَهُنَّ (بِاسْتِقْلَالٍ) وَقَوْلُهَا نَفْسِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا لَنَا لَا نُذْكَرُ أَيْ مُسْتَقِلَّاتٍ، وَقَوْلُ أُمِّ عُمَارَةَ وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ أَيْ مُسْتَقِلَّاتٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (وَلَا يَخْفَى عَدَمُ تَحَقُّقِ الْخِلَافِ فِي نَحْوِ: زَيْدُونَ) لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً. وَهَذَا مَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ (إلَّا بِفَرْضِ امْرَأَةٍ مُسَمَّاةٍ بِزَيْدٍ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ بِالذُّكُورِ (وَأَمَّا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ كَ: مُسْلِمُونَ فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ) لِلْأَكْثَرِ (لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ الْمُذَكَّرِ وَالْجَمْعُ لِتَضْعِيفِ الْوَاحِدِ وَهُوَ مُسْلِمٌ) وَمُسْلِمٌ غَيْرُ مُسْلِمَةٍ (وَلَهُمْ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ (دَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (بِأَنَّ الْجَمْعَ لِلتَّضْعِيفِ) لِلْوَاحِدِ (لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي كَوْنِهِ) أَيْ الْوَاحِدِ الْمُضَعَّفِ (الْوَاحِدَ الْمُذَكَّرَ لَيْسَ غَيْرُ) أَوْ وَالْمُؤَنَّثَ أَيْضًا (وَتَسْمِيَتُهُ) أَيْ هَذَا الْجَمْعِ (بِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ اصْطِلَاحٌ) لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَا لِلْعَرَبِ فَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ. (فَإِنْ قِيلَ) : لَوْ كَانَ مُسْلِمُونَ جَمْعًا لِمُسْلِمَةٍ أَيْضًا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ فِيهِ الْوَاحِدُ فَلَمْ يَكُنْ جَمْعَ تَصْحِيحٍ ثُمَّ يُقَالُ اسْتِبْعَادًا (فَأَيْنَ تَذْهَبُ التَّاءُ فِي مُسْلِمَةٍ الَّتِي هِيَ مِنْ آحَادِهِ قِيلَ مَذْهَبُهَا فِي صَوَاحِبَ أَوْ طَلَحُونَ عَلَى رَأْيِ أَئِمَّةِ الْكُوفَةِ) وَابْنِ كَيْسَانَ إلَّا أَنَّهُ فَتَحَ اللَّامَ فِي طَلَحُونَ قِيَاسًا عَلَى أَرَضُونَ، وَإِنْ مَنَعَهُ الْبَصْرِيُّونَ، وَقَالُوا: إنَّمَا يُجْمَعُ عَلَى طَلْحَاتٍ كَمَا هُوَ الْمَسْمُوعُ وَالْحَرْفُ أَنَّ الْخُلُوَّ مِنْ تَاءِ التَّأْنِيثِ الْمُغَايِرَةِ لِمَا فِي عِدَةٍ وَثُبَةٍ عَلَمَيْنِ شَرْطٌ لِهَذَا الْجَمْعِ فَقَالَ

مسألة هل المشترك عام استغراقي في مفاهيمه

الْبَصْرِيُّونَ: نَعَمْ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ لَا ثُمَّ قَدْ عَرَفْت مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا ذَهَبَتْ مَذْهَبَهَا فِي طَلَحُونَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَمْعُ تَصْحِيحٍ بِخِلَافِ صَوَاحِبَ. (وَالْوَجْهُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِتَسْمِيَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ مِنْ كُلِّ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ اسْتِدْلَالٌ بِإِجْمَاعِهِمْ) عَلَى ذَلِكَ فَتَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ (وَإِلَّا لَقَالُوا: جَمْعُ الْمُخْتَلِطِ) لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ (وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّغْلِيبِ فِي التَّسْمِيَةِ بَلْ) كَانَ (يَجِبُ) أَنْ يَقُولُوا: جَمْعُ الْمُخْتَلِطِ (دَفْعًا لِمُوهِمٍ فَحَيْثُ قَالُوهُ) أَيْ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ (كَانَ) هَذَا الْجَمْعُ (ظَاهِرًا فِي الْخُصُوصِ) بِالذُّكُورِ (وَيُدْفَعُ) هَذَا بِأَنَّهُ (لَمَّا لَزِمَهُ) أَيْ لَفْظَ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ (الذُّكُورُ حَيْثُ كَانَ) جَمْعُ الذُّكُورِ (لِلْأَعَمِّ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الذُّكُورِ (مُنْفَرِدِينَ أَوْ مُخْتَلِطِينَ كَانَ نِسْبَتُهُ) أَيْ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ (إلَيْهِمْ) أَيْ الذُّكُورِ (أَوْلَى مِنْ الْمُخْتَلِطِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الِاخْتِلَاطَ هَذَا الْجَمْعُ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (تَرَجَّحَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْضًا، وَفِي الْبَدِيعِ: وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَابِلَةُ يَدْخُلْنَ تَبَعًا (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْقَوْلِ بِتَنَاوُلِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْإِنَاثَ (فُرِّعَ أَمِّنُونِي عَلَى بَنِيَّ تَدْخُلُ بَنَاتُهُ) ثُمَّ كَرَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ الْحَنَابِلَةِ مُرَجِّحًا لِقَوْلِ الْأَكْثَرِ فَقَالَ (وَالْأَظْهَرُ خُصُوصُهُ) أَيْ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ بِالذُّكُورِ (لِتَبَادُرِ خُصُوصِهِمْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ، وَالتَّبَادُرُ عِنْدَهُ بِدُونِهَا مِنْ أَمَارَاتِ الْحَقِيقَةِ (وَدُخُولُ الْبَنَاتِ) فِي الْأَمَانِ عَلَى الْبَنِينَ (لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْأَمَانِ حَيْثُ كَانَ مِمَّا تَصِحُّ إرَادَتُهُ) أَيْ الْأَمَانِ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْأَمَانِ عَلَيْهِمْ تَبَعًا حَقْنًا لِلدَّمِ أَوْ بِعُمُومِ الْمَجَازِ فِي الْبَنِينَ بِالْأَوْلَادِ. [مَسْأَلَةٌ هَلْ الْمُشْتَرَكُ عَامٌّ اسْتِغْرَاقِيٌّ فِي مَفَاهِيمِهِ] (مَسْأَلَةٌ هَلْ الْمُشْتَرَكُ عَامٌّ اسْتِغْرَاقِيٌّ فِي مَفَاهِيمِهِ فَالْحُكْمُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (يَتَعَلَّقُ بِكُلٍّ مِنْهَا) أَيْ مَفَاهِيمِهِ (لَا الْمَجْمُوعِ) مِنْهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ بِحَيْثُ لَا يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْ مَعَانِيهِ مَنَاطُ الْحُكْمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّ الْإِفْرَادِيِّ وَالْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْإِفْرَادِيَّ جُزْءٌ مِنْ الْمَجْمُوعِيِّ، وَمِنْ ثَمَّةَ يَصِحُّ: كُلُّ وَاحِدٍ يُشْبِعُهُ رَغِيفٌ بِالْمَعْنَى الْإِفْرَادِيِّ دُونَ الْمَجْمُوعِيِّ، وَلَا يَصِحُّ: كُلُّ وَاحِدٍ يَحْمِلُ هَذَا الْحَجَرَ الْعَظِيمَ بِالْمَعْنَى الْإِفْرَادِيِّ دُونَ الْمَجْمُوعِيِّ فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ حَقِيقَةً وَلَا فِي جَوَازِهِ مَجَازًا إنْ وُجِدَتْ عَلَاقَةٌ مُصَحِّحَةٌ، وَلَا فِي صِحَّةِ إرَادَةِ كُلٍّ مِنْ مَعَانِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ بِأَنْ يُطْلَقَ تَارَةً وَيُرَادَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِيهِ وَيُطْلَقَ تَارَةً وَيُرَادَ مَعْنًى غَيْرُ ذَاكَ، وَلَا فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً وَلَا فِي صِحَّةِ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَحَدُ مَعَانِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَهُوَ مَا لَا يَتَجَاوَزُهَا، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَقَالَ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ: حَقِيقَةٌ، وَقَالَ آخَرُونَ مَجَازٌ (فَعَنْ الشَّافِعِيِّ نَعَمْ) أَيْ يَجُوزُ حَقِيقَةً نَقَلَهُ أَمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ (وَالْحَنَفِيَّةُ لَا) يَجُوزُ حَقِيقَةً (وَلَا مَجَازًا) وَوَافَقَهُمْ الْبَصْرِيَّانِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو هَاشِمٍ وَغَيْرُهُمْ (فَقِيلَ) : عَدَمُ الْجَوَازِ (لُغَةً كَالْغَزَالِيِّ) وَأَبِي الْحُسَيْنِ وَفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ لَا عَقْلًا (وَقِيلَ) : عَدَمُ الْجَوَازِ (عَقْلًا) وَهُوَ مُخْتَارُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (الْآمِدِيُّ يَصِحُّ مَجَازًا) وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ فَلَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا اهـ نَعَمْ ذَهَبَ إلَى هَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (وَقِيلَ) يَصِحُّ (فِي النَّفْيِ فَقَطْ حَقِيقَةً وَعَلَيْهِ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ (فَرَّعَ فِي وَصَايَا الْهِدَايَةِ) فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالٍ أَعْتَقُوهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَوْلَى النِّعْمَةِ وَالْآخَرَ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ؛ لِأَنَّهُ مَقَامُ النَّفْيِ فَلَا تَنَافِيَ فِيهِ (وَفِي الْمَبْسُوطِ: حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ مَوْلَاك وَلَهُ أَعْلَوْنَ وَأَسْفَلُونَ

أَيَّهُمْ كَلَّمَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِي النَّفْيِ يَعُمُّ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ (وَالْقَاضِي وَالْمُعْتَزِلَةِ) عَلَى مَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي الْبَدِيعِ، وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ (يَصِحُّ حَقِيقَةً) وَعَلَيْهِ ظَاهِرُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَتَكُونُ لِلْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّ الِاسْمَ يَنْتَظِمُهُمَا وَمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلسُّبْكِيِّ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ أَعْلَى وَمَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ (فَإِنْ) كَانَتْ صِحَّةُ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً (لِلْعُمُومِ) أَيْ لِعُمُومِهِ فِي مَفَاهِيمِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ ذِكْرِ الْبَدِيعِ إيَّاهُمْ مَعَ الشَّافِعِيِّ (فَكَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ) بَلْ هُوَ هُوَ فَيَكُونُ الْعَامُّ عَلَى قَوْلِهِمْ قِسْمَيْنِ مُتَّفِقَ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ عُمُومُ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ وَمُخْتَلِفَ الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ (أَوْ لِلِاشْتِرَاكِ فِي كُلِّهَا) أَيْ مَفَاهِيمِهِ (وَكُلٍّ مِنْهَا) أَيْ مَفَاهِيمِهِ أَيْ لِوَضْعِهِ لِمَجْمُوعِهَا وَلِكُلٍّ مِنْهَا أَيْضًا وَعَلَى هَذَا مَشَى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ (أَوْ لَيْسَ) الْمُشْتَرَكُ (كَذَلِكَ) أَيْ مُشْتَرَكًا فِي الْكُلِّ وَكُلٍّ مِنْ الْمَفَاهِيمِ بَلْ مَوْضُوعٌ لِكُلٍّ مِنْهَا لَا غَيْرُ لَا لِلْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ لِعَدَمِ النِّزَاعِ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ (فَمُبَايِنٌ لَهُ) أَيْ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ هَذَا عَيْنُ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا مُجْمَلٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ ظَاهِرٌ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (فَلَيْسَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَخَصَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي (كَمَا قِيلَ) قَالَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ (حَقِيقَةٌ) فِي كُلٍّ مِنْ مَعَانِيهِ (يَتَوَقَّفُ السَّامِعُ فِي الْمُرَادِ بِهَا) أَيْ بِحَقِيقَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعَانِيهِ (إلَى الْقَرِينَةِ) الْمُعَيِّنَةِ لَهُ لِإِجْمَالِهِ فِي مَعَانِيهِ (وَمَذْهَبُهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (لَا يَتَوَقَّفُ) السَّامِعُ فِي الْمُرَادِ بِهَا إلَى الْقَرِينَةِ لِظُهُورِهِ فِي مَعَانِيهِ (وَالْمَذْهَبُ هُوَ الْمَجْمُوعُ) مِنْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً يَتَوَقَّفُ السَّامِعُ فِي الْمُرَادِ بِهَا إلَى الْقَرِينَةِ إنْ كَانَ هُوَ مَذْهَبَ الْقَاضِي أَوْ مِنْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً لَا يَتَوَقَّفُ السَّامِعُ فِي الْمُرَادِ بِهَا إلَى الْقَرِينَةِ إنْ كَانَ هُوَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ (لَا مُجَرَّدُ كَوْنِهِ حَقِيقَةً، وَوُجُودُ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي (هُوَ صِحَّةُ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِمَا لَا يُوجِبُ الْأَخَصِّيَّةَ) لِأَحَدِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ (كَكُلِّ مُتَبَايِنَيْنِ تَحْتَ جِنْسٍ) كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ الْمُنْدَرِجَيْنِ تَحْتَ الْحَيَوَانِ (وَعَنْ الشَّافِعِيِّ يُعَمَّمُ احْتِيَاطًا) نَقَلَهُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ (وَهُوَ أَوْجَهُ النَّقْلَيْنِ عَنْهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ عُمُومَ الْمُشْتَرَكِ (حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ فَصَاعِدًا (فَظُهُورُهُ) أَيْ عُمُومِهِ (فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلٍّ مِنْ مَعَانِيهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ الْإِفْرَادِيِّ لَهَا (فَرْعُ كَوْنِهِ) أَيْ عُمُومِهِ (حَقِيقَةً فِيهِ) أَيْ فِي الْكُلِّ (أَيْضًا وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ عُمُومِهِ حَقِيقَةً فِي الْكُلِّ (بِوَضْعِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (لَهُ) أَيْ لِلْكُلِّ (أَيْضًا فَلَزِمَ) كَوْنُ الْكُلِّ مَدْلُولًا لِلْمُشْتَرَكِ (مَفْهُومًا آخَرَ) لَهُ أَيْضًا فَإِذَا هُوَ مُجْمَلٌ إلَّا أَنَّهُ كَمَا قَالَ (فَتَعْمِيمُهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (اسْتِعْمَالٌ فِي أَحَدِ مَفَاهِيمِهِ) وَهُوَ الْكُلُّ (لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ اسْتِعْمَالِهِ فِي هَذَا (الِاحْتِيَاطَ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ فِي عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا أَصْلًا تَعْطِيلُهُ وَفِي الْحَمْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ (جَعَلَهُ) أَيْ الشَّافِعِيُّ الِاحْتِيَاطَ (كَالْقَرِينَةِ) لِكَوْنِ الْكُلِّ هُوَ الْمُرَادُ فَقَالَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَيْضًا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّرَدُّدِ فِي كَوْنِهِ مُجْمَلًا أَوْ عَامًّا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَيْسَ لَهُ مَوَالٍ إلَّا مِنْ أَعْلَى أَوْ مِنْ أَسْفَلَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَالْوَقْفُ عَلَيْهِ قَالَ وَالِدُهُ: هَذَا إنْ جَعَلْنَاهُ مُجْمَلًا فَإِنَّ انْحِصَارَ الْأَمْرِ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ يَكُونُ قَرِينَةً، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ عَامٌّ أَوْ كَالْعَامِّ فَإِذَا حَدَثَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَوَالٍ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى يَدْخُلُونَ فِي

الْوَقْفِ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَهُ أَوْلَادٌ ثُمَّ حَدَثَ آخَرُ يُشَارِكُهُمْ اهـ. (وَالْجَمْعُ كَالْوَاحِدِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ) أَيْ وَجَمْعُ الْمُشْتَرَكِ بِاعْتِبَارِ مَعَانِيهِ كَالْعُيُونِ لِلْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مَعَانِي الْعَيْنِ كَالْمُفْرَدِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَوَازِ إطْلَاقِهِ عَلَى مَعَانِيهِ دَفْعَةً، وَعَدَمُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَمَنْ أَجَازَ فِي الْمُفْرَدِ ذَلِكَ أَجَازَ جَمْعَهُ بِاعْتِبَارِهَا كَذَلِكَ، وَمَنْ مَنَعَ فِي الْمُفْرَدِ ذَلِكَ مَنَعَ جَمْعَهُ بِاعْتِبَارِهَا كَذَلِكَ، وَمَنْ فَصَلَ ثَمَّةَ فَصَلَ هُنَا؛ لِأَنَّ جَمْعَ الِاسْمِ جَمْعُ مَا اقْتَضَاهُ فَإِنْ كَانَ الِاسْمُ مُتَنَاوِلًا لِمَعَانِيهِ كَانَ الْجَمْعُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ سِوَى أَحَدِ مَعَانِيهِ فَكَذَا جَمْعُهُ (وَأَجَازَهُ) أَيْ جَمْعَهُ بِاعْتِبَارِ مَعَانِيهِ (آخَرُونَ مَعَ مَنْعِهِ) أَيْ إطْلَاقِهِ عَلَى مَعَانِيهِ دَفْعَةً (فِي الْمُفْرَدِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْجَمْعَ (فِي قُوَّةِ الْمُتَعَدِّدِ بِالْعَطْفِ) فَكَأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ كُلُّ مُفْرَدٍ فِي مَعْنًى وَقَدْ يُجَابُ بِالْمَنْعِ أَوَّلًا، وَبِأَنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ تَعْدِيدُ الْأَفْرَادِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ تَعْدِيدُ أَفْرَادِ نَوْعٍ وَاحِدٍ بِشَهَادَةِ الِاسْتِقْرَاءِ ثَانِيًا، وَمِنْ هَذَا يُخَرَّجُ الْجَوَابُ عَنْ جَوَازِهِ قِيَاسًا عَلَى الْعِلْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ عَنْ هَذَا بِلُزُومِ اللَّبْسِ عَلَى تَقْدِيرِهِ دُونَ الْعِلْمِ، وَالتَّثْنِيَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْجَمْعِ ثُمَّ لِلنَّحْوِيَّيْنِ فِيهِمَا مَذْهَبَانِ الْجَوَازُ، وَعَلَيْهِ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ عَيْنَانِ إحْدَاهُمَا عَارَتْ وَثَانِيَةٌ ... غَارَتْ فَدَمْعَى عَلَى الْعَيْنَيْنِ مَسْكُوبُ فَالْمُرَادُ بِهِمَا الْجَارِحَةُ وَهِيَ الَّتِي عَارَتْ بِالْمُهْمَلَةِ وَعَيْنُ الْمَاءِ وَهِيَ الَّتِي غَارَتْ بِالْمُعْجَمَةِ وَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْأَيْدِي ثَلَاثَةٌ فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى» وَالْمَنْعُ، قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَشَرْطُ تَعْمِيمِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ فِي مُفَاهَمِيهِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُفْرَدًا أَوْ مُثَنًّى أَوْ مَجْمُوعًا (إمْكَانُ الْجَمْعِ) بَيْنَهُمَا فَلَا تُعَمَّمُ صِيغَةُ افْعَلْ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةً فِي كُلٍّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالتَّهْدِيدِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَقْتَضِي الْفِعْلَ، وَالتَّهْدِيدُ يَقْتَضِي التَّرْكَ (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ التَّعْمِيمِ (فِي الْمَجْمُوعِ) مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، وَأَشَارَ إلَى مَا أَسْلَفْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّ النِّزَاعِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ إلَّا بِهِ) أَيْ بِالْمَجْمُوعِ عَلَى تَقْدِيرِ جَرَيَانِهِ فِيهِ (عَلَى خِلَافِ الْعَامِّ) فَإِنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ فِيهِ بِكُلٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ (وَ) الِاتِّفَاقُ أَيْضًا (عَلَى مَنْعِ كَوْنِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي مَفْهُومَيْهِ (حَقِيقَةً) فِي أَحَدِهِمَا (وَمَجَازًا) فِي الْآخَرِ (لَنَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا) أَيْ مَعْنَيَيْ الْمُشْتَرَكِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا فِي مَعْنَيَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ (حَتَّى تَبَادَرَ طَلَبُ الْمُعَيِّنِ) لِأَحَدِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ طَلَبُ الْمُعَيِّنِ (مُوجِبُ الْحُكْمِ بِأَنَّ شَرْطَ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (لُغَةً كَوْنُهُ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ مَعْنَيَيْهِ (فَانْتَفَى ظُهُورُهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (فِي الْكُلِّ) أَيْ مَعْنَيَيْهِ مَعًا (وَمَنْعُ سَبْقِ ذَلِكَ) أَيْ إرَادَةِ أَحَدِهِمَا لَا بِخُصُوصِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ (مُكَابَرَةٌ تَضْمَحِلُّ بِالْقَرْضِ) عَلَى أَهْلِ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فَيُسْأَلُونَ أَيَّ شَيْءٍ يَفْهَمُونَ إذَا أُطْلِقَ لَفْظُ عَيْنٍ؟ هَلْ يَفْهَمُونَ إرَادَةَ الْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَكَذَا وَكَذَا؟ أَوْ يَفْهَمُونَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَ أَحَدَهَا وَيَتَوَقَّفُونَ فِي تَعْيِينِهِ إلَى أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ (وَإِلْزَامُ كَوْنِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا) لَا لَفْظِيًّا عَلَى تَقْدِيرِ سَبْقِ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ أَيْضًا (مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ اللَّفْظِيَّ (مَا) أَيْ اللَّفْظُ الَّذِي (تَعَدَّدَتْ أَوْضَاعُهُ لِلْمَفَاهِيمِ) وَهَذَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَعْنَوِيِّ (وَشَرْطُ كَوْنِ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (فِي الْإِثْبَاتِ فِي بَعْضِهَا) أَيْ بِحَيْثُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِثْبَاتِ فِي بَعْضِ الْمَفَاهِيمِ

(كَالْمَعْنَوِيِّ لِلْأَفْرَادِ فَلَزِمَ فِيهِمَا) أَيْ الْمَعْنَوِيِّ وَاللَّفْظِيِّ (تَبَادُرُ الْأَحَدِ وَالتَّوَقُّفُ إلَى الْمُعَيِّنِ فَاشْتَرَكَا) أَيْ الْمَعْنَوِيُّ وَاللَّفْظِيُّ (فِي لَازِمٍ) هُوَ التَّبَادُرُ وَالتَّوَقُّفُ الْمَذْكُورَانِ (مَعَ تَبَايُنِ الْحَقِيقَتَيْنِ) أَيْ حَقِيقَتَيْهِمَا فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَذَا اللَّازِمِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ بِخُصُوصِهِ (وَأَيْضًا اتِّفَاقُ الْمَانِعِينَ لِوُجُودِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (عَلَى تَعْلِيلِهِ) أَيْ الْمَنْعِ لِوُجُودِهِ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ (مُخِلٌّ بِالْفَهْمِ وَالْمُجِيبِينَ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَالَ مِمَّا يُقْصَدُ اتِّفَاقُ الْكُلِّ عَلَى نَفْيِ ظُهُورِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي مَعْنَيَيْهِ فَصَاعِدًا (وَأَيْضًا لَوْ عَمَّ) الْمُشْتَرَكُ فِي مَعْنَيَيْهِ فَصَاعِدًا (كَانَ مَجَازًا) فِي أَحَدِهِمَا (لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ أَحَدَهُمَا (عَامٌّ مَخْصُوصٌ لَا يُقَالُ ذَلِكَ) أَيْ إنَّمَا يَكُونُ مَجَازًا فِي أَحَدِهِمَا إذَا عَمَّ فِيهِمَا (لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا لَهُ) أَيْ لِأَحَدِهِمَا أَيْضًا (لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ مَوْضُوعًا لِأَحَدِهِمَا (مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ) لِوَضْعِهِ لِلْكُلِّ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ (فَيَلْزَمُ التَّوَقُّفُ فِي الْمُرَادِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ (إلَى الْقَرِينَةِ) الْمُعَيِّنَةِ لِمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُمَا (فَلَا يَكُونُ) الْمُشْتَرَكُ (ظَاهِرًا فِي الْكُلِّ) كَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ (فَلَوْ عَمَّ) الْمُشْتَرَكُ (فَلِغَيْرِهِ) أَيْ فَلِغَيْرِ كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِلْعُمُومِ (كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ) أَيْ عُمُومَهُ (احْتِيَاطٌ لِلْعِلْمِ) أَيْ لِيَقَعَ الْعِلْمُ (بِفِعْلِ الْمُرَادِ) أَيْ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمُشْتَرَكِ (قُلْنَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْكُلِّ لِلِاحْتِيَاطِ (إلَّا بِالْعِلْمِ بِشَرْعِ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ) إذْ الْمَشْرُوعُ أَنَّهُ لِوَاحِدٍ لَا لِلْكُلِّ (وَهُوَ) أَيْ شَرْعُ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ (حَرَامٌ، وَالتَّوَقُّفُ إلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ الْإِجْمَالِيِّ وَاجِبٌ) فَبَطَلَ كَوْنُهُ عَامًّا فِي مَعْنَيَيْهِ فَصَاعِدًا حَقِيقَةً (وَأَمَّا بُطْلَانُهُ) أَيْ عُمُومِهِ فِي مَعَانِيهِ (مَجَازًا فَلِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِ مُعَانِيهِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهُ وَالْمَجَازُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ عَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَهَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ (وَالْجُزْءُ فِي الْكُلِّ مَشْرُوطٌ بِالتَّرَكُّبِ الْحَقِيقِيِّ، وَكَوْنُهُ إذَا انْتَفَى الْجُزْءُ انْتَفَى الِاسْمُ عَنْ الْكُلِّ عُرْفًا كَالرَّقَبَةِ عَلَى الْكُلِّ) أَيْ كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ (بِخِلَافِ الظُّفُرِ) أَيْ إطْلَاقِهِ أَوْ الْأُصْبُعِ عَلَى الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي الْإِنْسَانُ عُرْفًا بِانْتِفَاءِ الظُّفُرِ أَوْ الْأُصْبُعِ (وَنَحْوِ الْأَرْضِ لِمَجْمُوعِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) أَيْ وَبِخِلَافِ إطْلَاقِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِصِحَّتِهِ لِعَدَمِ التَّرَكُّبِ الْحَقِيقِيِّ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ تَعْمِيمَ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعَانِيهِ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إطْلَاقِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ (لَمْ يُوضَعْ لِمَجْمُوعِهَا) أَيْ الْمَفَاهِيمِ (لِيَكُونَ كُلُّ مَفْهُومٍ جُزْءَ مَا وُضِعَ) الْمُشْتَرَكُ (لَهُ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ الْمَجَازِ) أَيْ أَنَّهُ يَعُمُّ فِي مَفَاهِيمِهِ مَجَازًا لِانْتِفَاءِ الْوَضْعِ الْحَقِيقِيِّ فِي الْمَجَازِ (وَأَمَّا صِحَّتُهُ) أَيْ عُمُومِهِ حَقِيقَةً (فِي النَّفْيِ) كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ (فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ مَا يُسَمَّى بِاللَّفْظِ) فَيَتَنَاوَلُ سَائِرَ مُسَمَّيَاتِهِ لَكِنَّ الْفَاضِلَ الْأَبْهَرِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي صِحَّةِ هَذَا وَمَجَازِيَّتِهِ كَمَا يُؤَوَّلُ الْعِلْمُ بِمَا يُسَمَّى بِهِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ فِيمَا يُظْهِرُ (الْمُصَحِّحُونَ حَقِيقِيَّةَ وَضْعِ الْكُلِّ) مِنْ الْمَفَاهِيمِ (فَإِذَا قُصِدَ الْكُلُّ) أَيْ جَمِيعُهَا بِهِ (كَانَ) مُسْتَعْمَلًا لَهُ (فِيمَا وُضِعَ لَهُ قُلْنَا: اسْمُ الْحَقِيقَةِ) إنَّمَا يَثْبُتُ لِلَّفْظِ (بِالِاسْتِعْمَالِ لَا بِالْوَضْعِ فَإِذَا شُرِطَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَدَمُ الْجَمْعِ) بَيْنَ مَفَاهِيمِهِ فِي الْإِرَادَةِ مِنْهُ دَفْعَةً لُغَةً (امْتَنَعَ) اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجَمِيعِ (لُغَةً فَلَوْ اُسْتُعْمِلَ) فِي الْجَمِيعِ (كَانَ خَطَأً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً) فِيهِ وَحِينَئِذٍ (فَيَمْتَنِعُ وُجُودُهُ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجَمِيعِ (فِي لِسَانِ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ، وَدَلِيلُ الِاشْتِرَاطِ) الْمَذْكُورِ (مَا قَدَّمْنَا) مِنْ تَبَادُرِ الْأَحَدِ

مِنْ مَعَانِيهِ لَكِنْ عَلَى هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُفْرَدِ مَا سَيَأْتِي مَعَ جَوَابِهِ وَإِلَى التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ الشِّعْرِ وَالْحَدِيثِ (قَالُوا) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ فِي دَفْعِ الِامْتِنَاعِ (وَقَعَ) اسْتِعْمَالُهُ كَذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، قَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} [الأحزاب: 56] {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ} [الحج: 18] الْآيَةَ وَهِيَ) أَيْ الصَّلَاةُ (مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَمِنْ غَيْرِهِ الدُّعَاءُ فَهُوَ) أَيْ لَفْظُ يُصَلُّونَ (مُشْتَرَكٌ) وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ بِكُلٍّ مِنْ مَعْنَيَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (وَالسُّجُودُ فِي الْعُقَلَاءِ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ) عَلَى الْأَرْضِ (وَمِنْ غَيْرِهِمْ) هُوَ (الْخُضُوعُ) فَهُوَ إذًا مُشْتَرَكٌ اُسْتُعْمِلَ بِكُلٍّ مِنْ مَعْنَيَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا (قُلْنَا: إذَا لَزِمَ كَوْنُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (حَقِيقَةً فِي مَعْنَيَيْنِ وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (لِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمَعْنَيَيْنِ (لَزِمَ) كَذَلِكَ لَا مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا؛ لِأَنَّ التَّوَاطُؤَ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَهُنَا كَذَلِكَ (فَالسُّجُودُ) أَيْ مَعْنَاهُ (الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَ سُجُودِ الْعُقَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ هُوَ (الْخُضُوعُ الشَّامِلُ) لِلِاخْتِيَارِيِّ وَالْقَهْرِيِّ (قَوْلًا وَفِعْلًا) وَهُوَ انْقِيَادُ الْمَخْلُوقِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَصَرُّفِهِ فِيهِ (فَهُوَ) أَيْ الْخُضُوعُ (مُتَوَاطِئٌ فَيَسْجُدُ لَهُ يَخْضَعُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ) أَيْ الْخُضُوعُ (لِجِنْسِيَّتِهِ يَخْتَلِفُ صُورَةً فَفِي الْعُقَلَاءِ بِالْوَضْعِ، وَفِي غَيْرِهِمْ بِغَيْرِهِ) أَيْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا يُفِيدُ مَعْنَى الْخُضُوعِ (فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ الْقَهْرِيُّ شَمِلَ الْكُلَّ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ الِاخْتِيَارِيُّ وَلَمْ يَتَأَتَّ فِي غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ (وَكَذَا الصَّلَاةُ مَوْضُوعَةٌ لِلِاعْتِنَاءِ) بِالْمُصَلَّى عَلَيْهِ (بِإِظْهَارِ الشَّرَفِ) وَرَفْعِ الْقَدْرِ لَهُ (وَيَتَحَقَّقُ) الِاعْتِنَاءُ الْمَذْكُورُ (مِنْهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ وَمِنْ غَيْرِهِ بِدُعَائِهِ لَهُ تَقْدِيمًا لِلِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ عَلَى اللَّفْظِيِّ أَوْ يَجْعَلُ) ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ لِلَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الشَّامِلُ لِلْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ (مَجَازًا فِيهِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ السُّجُودِ وَالصَّلَاةِ عَلَى التَّوْزِيعِ فَالسُّجُودُ لِلْخُضُوعِ مَجَازًا وَالصَّلَاةُ لِإِظْهَارِ الِاعْتِنَاءِ مَجَازًا (فَيَعُمُّ) الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ فِيهِمَا وَهُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ فِي السُّجُودِ وَالدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ (وَأَمَّا أَهْلُ التَّفْسِيرِ فَعَلَى إضْمَارِ خَبَرٍ لِلْأَوَّلِ) فِي آيَةِ الصَّلَاةِ أَيْ إنَّ اللَّهَ يُصَلِّي وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ فَحُذِفَ يُصَلِّي لِدَلَالَةِ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفٌ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَرَّرَ اللَّفْظَ مُرَادًا بِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ فِي حُكْمِ الْمَلْفُوظِ، وَهَذَا جَائِزٌ اتِّفَاقًا (وَعَلَيْهِ) أَيْ مَنْعِ تَعْمِيمِ الْمُشْتَرَكِ (تَفَرَّعَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ لِمَوَالِيهِ وَهُمْ لَهُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ) كَمَا قَدَّمْنَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعُمَّهُمَا اللَّفْظُ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بَقِيَ الْمُوصَى لَهُ مَجْهُولًا فَبَطَلَتْ وَقِيَاسُ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْ السُّبْكِيّ فِي مَسْأَلَتِهِمْ فِي الْوَقْفِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (مَسْأَلَةُ الْمُقْتَضَى) بِفَتْحِ الضَّادِ (مَا اسْتَدْعَاهُ صِدْقُ الْكَلَامِ كَرَفْعِ الْخَطَأِ أَوْ النِّسْيَانِ أَوْ) مَا اسْتَدْعَاهُ (حُكْمٌ) لِلْكَلَامِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْحُكْمُ الْكَلَامَ (شَرْعًا) فَهَذَانِ مُقْتَضِيَانِ بِكَسْرِ الضَّادِ وَأَمَّا الْمُقْتَضَى فِيهِمَا فَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا (فَإِنْ تَوَقَّفَا) أَيْ الصِّدْقُ وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورَانِ (عَلَى خَاصٍّ بِعَيْنِهِ أَوْ عَامٍّ لَزِمَ) ذَلِكَ الْخَاصُّ أَوْ الْعَامُّ (وَمُنِعَ عُمُومُهُ) أَيْ الْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ (هُنَا) أَيْ فِيمَا إذَا تَوَقَّفَ عَلَى عَامٍّ (لِعَدَمِ كَوْنِهِ لَفْظًا) كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ كَالْمَلْفُوظِ) فِي إفَادَةِ الْمَعْنَى (وَقَدْ تَعَيَّنَ) الْمُقَدَّرُ بِصِفَةِ الْعُمُومِ بِالدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَهُ فَيَكُونُ عَامًّا (وَأَيْضًا هُوَ) أَيْ الْمُقَدَّرُ (ضَرُورِيٌّ لِفَرْضِ التَّوَقُّفِ) أَيْ تَوَقُّفِ

الْكَلَامِ صِدْقًا أَوْ صِحَّةً شَرْعِيَّةً (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُقَدَّرِ (وَإِلَّا) فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهِ صِدْقًا أَوْ صِحَّةً شَرْعِيَّةً (فَغَيْرُ الْمَفْرُوضِ وَلَوْ كَانَ) تَوَقُّفُ الصِّدْقِ أَوْ الْحُكْمِ شَرْعًا (عَلَى أَحَدِ أَفْرَادِهِ) أَيْ الْعَامِّ (لَا يُقَدَّرُ مَا يَعُمُّهَا) أَيْ أَفْرَادَهُ (بَلْ إنْ اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهَا وَلَا مُعَيِّنَ) لِأَحَدِهَا (فَمُجْمَلٌ) أَيْ الْمُقَدَّرِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُجْمَلِ (أَوْ لَا) تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا (فَالدَّائِرُ) بَيْنَهَا أَيْ فَوَاحِدٌ مِنْهَا وَنُسِبَ إلَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُقَدِّرُ مَا يَعُمُّهَا (لَنَا) فِي أَنَّهُ لَا يُقَدِّرُ مَا يَعُمُّهَا أَنَّهُ (إضْمَارُ الْكُلِّ بِلَا مُقْتَضٍ) فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا يُقَدَّرُ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (قَالُوا) أَيْ الْمُعَمِّمُونَ: إضْمَارُ مَا يَعُمُّهَا كَرَفْعِ حُكْمِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ عُمُومًا فِي أَفْرَادِهِ لِيَشْمَلَ كُلَّ حُكْمٍ لَهُمَا حَيْثُ لَمْ تَرْتَفِعْ ذَاتُهُمَا (أَقْرَبُ) مَجَازٍ (إلَى الْحَقِيقَةِ) كَرَفْعِ ذَاتِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ مِنْ سَائِرِ الْمَجَازَاتِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِي رَفْعِ أَحْكَامِهَا رَفْعَهَا، وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ (قُلْنَا إذَا لَمْ يَنْفِهِ) أَيْ الْمَجَازَ الْأَقْرَبَ كَنَفْيِ عُمُومِ أَحْكَامِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ (الدَّلِيلُ) وَلَكِنْ هُنَا نَفَاهُ، وَهُوَ إضْمَارُ الْكُلِّ بِلَا مُقْتَضٍ (وَكَوْنُ الْمُوجِبِ لِلْإِضْمَارِ فِي الْبَعْضِ) مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ (يَنْفِي الْكُلَّ لِمَا قُلْنَا) مِنْ كَوْنِهِ بِلَا مُقْتَضٍ أَيْضًا (فَفِي الْحَدِيثِ أُرِيدَ حُكْمُهَا) أَيْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ (وَمُطْلَقُهُ) أَيْ حُكْمِهَا (يَعُمُّ حُكْمَيْ الدَّارَيْنِ) الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (وَلَا تَلَازُمَ) بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ (إذْ يَنْتَفِي الْإِثْمُ) وَهُوَ حُكْمُ الْآخِرَةِ (وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ) وَهُوَ حُكْمُ الدُّنْيَا كَمَا فِي إتْلَافِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ خَطَأً (فَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْأُخْرَوِيَّ مُرَادٌ تَوَقَّفَ) عَنْ الْعَمَلِ بِهِ لِإِجْمَالِهِ فِيهِمَا (وَإِذْ أُجْمِعَ) عَلَى أَنَّ الْأُخْرَوِيَّ مُرَادٌ (انْتَفَى الْآخَرُ) وَهُوَ الدُّنْيَوِيُّ (فَفَسَدَتْ الصَّلَاةُ بِنِسْيَانِ الْكَلَامِ وَخَطَئِهِ) مُطْلَقًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَلِغَيْرِهِمْ تَفَاصِيلُ تُعْرَفُ فِي فُرُوعِهِمْ (وَالصَّوْمُ بِالثَّانِي) أَيْ بِالْمُفْسِدِ خَطَأً كَسَبْقِ الْمَاءِ إلَى بَطْنِهِ فِي الْمَضْمَضَةِ (لَا الْأَوَّلُ) أَيْ بِفِعْلِ الْمُفْسِدِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ نِسْيَانًا (بِالنَّصِّ) وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (وَلَوْ صَحَّ قِيَاسُهُ) أَيْ الْخَطَأِ (عَلَيْهِ) أَيْ النِّسْيَانِ فِي عَدَمِ إفْسَادِ الصَّوْمِ بِجَامِعِ عَدَمِ الْقَصْدِ إلَى الْجِنَايَةِ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ إذَا لَمْ يُسْرِفْ فِيهِمَا خِلَافًا لِأَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ بَلْ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَدَلِيلٌ آخَرُ) لَا مِنْ حَدِيثِ «رَفْعِ الْخَطَأِ» وَإِنَّمَا قَالَ لَوْ صَحَّ لِلنَّظَرِ فِي صِحَّتِهِ فَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ الْمُؤَثِّرِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَحْصُلُ الْفَسَادُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَعَ التَّذَكُّرِ وَعَدَمِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي حَالَةِ الْخَطَأِ بِخِلَافِ حُصُولِهِ بِهِمَا مَعَ عَدَمِ التَّذَكُّرِ وَقِيَامِ مُطَالَبَةِ الطَّبْعِ بِالْمُفْطِرَاتِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عُذِرَ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ مِثْلُهُ فِيمَا لَمْ يَكْثُرْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (وَأَمَّا الصَّلَاةُ) أَيْ قِيَاسُهَا (عَلَى الصَّوْمِ) فِي عَدَمِ الْفَسَادِ بِفِعْلِ الْمُفْسِدِ نِسْيَانًا (فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّ عُذْرَهُ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (وَلَا مُذَكِّرَ) لَهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ عُذْرَهُ (مَعَهُ) أَيْ الْمُذَكِّرِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ؛ لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ مِنْهُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْعُذْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُذَكِّرِ ثُبُوتُهُ مَعَ الْمُذَكِّرِ (وَجَبَ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ نَاسِيًا) لِوُجُودِ الْمُذَكِّرِ لَهُ وَهُوَ التَّلَبُّسُ بِهَيْئَةِ الْإِحْرَامِ. (وَفِي الثَّانِي) أَيْ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ (لَزِمَ التَّرْكِيبَ شَرْعًا حُكْمٌ) هُوَ (صِحَّةُ الْعِتْقِ) عَنْ الْآمِرِ (وَسُقُوطُ الْكَفَّارَةِ) عَنْهُ إنْ نَوَى عِتْقَهُ عَنْهَا فَيَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِ الْمِلْكِ لِلْآمِرِ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ عَنْهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْمِلْكِ بِالنَّصِّ، وَالْمِلْكُ يَقْتَضِي

سَبَبًا، وَهُوَ هُنَا الْبَيْعُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ عَنِّي بِأَلْفٍ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا مُتَقَدِّمًا لِمَعْنَى الْكَلَامِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَيَقْتَضِي) هَذَا الْحُكْمُ (سَبْقَ تَقْدِيرِ اشْتَرَيْت عَبْدَك بِأَلْفٍ فِي الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ فِي قَوْلِ الْآمِرِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ عَلَى هَذَا (وَبِعْته فِي الْمُتَأَخِّرِ) أَيْ وَتَقْدِيرُ سَبْقِ بِعْته فِي قَوْلِ الْمَأْمُورِ أَعْتِقْهُ عَنْك عَلَى هَذَا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِمْ مَعَ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ بَلْ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكْفِيَ فِي الْمَطْلُوبِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَمَّا بِعَيْنِهِ فَتَوْكِيلُ الْبَائِعِ فَقَطْ لَا يُجْزِئُ) فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ قَوْلُ الْمَأْمُورِ أَعْتِقْهُ سَبْقَ بِعْته؛ لِأَنَّهُ شَطْرُ الْعَقْدِ فَلَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ إذَا كَانَا صَرِيحَيْنِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لَمَّا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لَوْلَا أَنَّهُ ضِمْنِيٌّ) إذْ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا فَلَا ضَيْرَ فِي ثُبُوتِهِ بِلَا قَبُولٍ، وَإِنْ كَانَ رُكْنًا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْبَلُ السُّقُوطَ كَمَا فِي بَيْعِ التَّعَاطِي، وَإِذَا صَحَّ بَيْعًا مُجَرَّدُ قَطْعِ ثَوْبٍ جَوَابًا لِقَوْلِ مَالِكِهِ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَاقْطَعْهُ فَلَا يَبْعُدُ صِحَّةُ هَذَا بِدُونِ ذِكْرِ الْقَبُولِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي هَذَا الْبَيْعِ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ الْقَصْدِيِّ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ حَتَّى صَحَّ هَذَا فِي الْآبِقِ فَيُعْتَقُ عَنْ الْآمِرِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ بَعْضُ لَوَازِمِهِ مِنْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشُرُوطِ الْمُقْتَضَى، وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فَيُعْتَبَرُ فِي الْآمِرِ أَهْلِيَّتُهُ لِلْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ لَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ بِهِ. وَلَا يُقَالُ يُشْكِلُ كَوْنُ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِطَلِّقِي نَفْسَك إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَاهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقًا وَهُوَ جِنْسٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُعَمَّمَ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ الثَّلَاثُ مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ مُقْتَضًى؛ لِأَنَّا نَقُولُ (وَلَيْسَ مِنْ الْمُقْتَضَى) بِالْفَتْحِ مَا اقْتَضَاهُ (طَلِّقِي) نَفْسَك مِنْ الْمَصْدَرِ (لِأَنَّ الْجِنْسَ) الَّذِي هُوَ طَلَاقٌ (مَذْكُورٌ لُغَةً إذْ هُوَ) أَيْ طَلِّقِي (أَوْجِدِي طَلَاقًا) ؛ لِأَنَّهُ لِطَلَبِ الطَّلَاقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى تَصَوُّرِ وُجُودِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ الْإِيجَازُ وَالتَّطْوِيلُ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّ مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ ثَابِتًا لُغَةً لَا اقْتِضَاءً (فَصَحَّتْ نِيَّةُ الْعُمُومِ) فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ مُصَرِّحًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَقَلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ. (وَنُقِضَ) هَذَا (بِطَالِقٍ) فَإِنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ يَتَضَمَّنُ الْمَصْدَرَ كَالْفِعْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يُصَحِّحُوهُ حَتَّى لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمَصْدَرَ (الْمَذْكُورَ) لُغَةً لَا اقْتِضَاءً فِي أَنْتِ طَالِقٌ (طَلَاقٌ هُوَ وَصْفُهَا) أَيْ الْمُطَلَّقَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بِطَالِقٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ (وَتَعَدُّدُهُ) أَيْ وَصْفُهَا بِهِ (بِتَعَدُّدِ فِعْلِهِ) يَعْنِي الْمُطَلِّقَ أَيْ (تَطْلِيقَهُ) ؛ لِأَنَّ وَصْفَهَا بِهِ أَثَرُ تَطْلِيقِهِ. (وَثُبُوتُهُ) أَيْ تَطْلِيقِهِ (مُقْتَضَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ الْوُقُوعُ تَصْدِيقًا لَهُ) أَيْ ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّ اتِّصَافَ الْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ يَتَوَقَّفُ شَرْعًا عَلَى تَطْلِيقِ الزَّوْجِ إيَّاهَا سَابِقًا؛ لِيَكُونَ صَادِقًا فِي وَصْفِهِ إيَّاهَا بِهِ فَيَكُونُ ثَابِتًا اقْتِضَاءً (فَلَا يَقْبَلُ الْعُمُومَ وَيُدْفَعُ) هَذَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ (بِأَنَّهُ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ (إنْشَاءٌ شَرْعًا يَقَعُ بِهِ) الطَّلَاقُ (وَلَا مُقَدِّرَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّقْدِيرَ الْمَذْكُورَ (فَرْعُ الْخَبَرِيَّةِ الْمَحْضَةِ) الَّتِي يَثْبُتُ التَّقْدِيرُ بِاعْتِبَارِهَا (وَلَا تَصِحُّ فِيهِ) أَيْ فِي أَنْتِ طَالِقٌ (الْجِهَتَانِ) الْإِنْشَائِيَّةُ وَالْخَبَرِيَّةُ مَعًا كَمَا قِيلَ إخْبَارٌ مِنْ وَجْهٍ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ (لِتَنَافِي لَازِمَيْ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ) أَيْ احْتِمَالِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الَّذِي هُوَ لَازِمُ الْخَبَرِ وَعَدَمُ احْتِمَالِهِمَا الَّذِي هُوَ لَازِمُ الْإِنْشَاءِ (وَالثَّابِتُ لَهُ) أَيْ لِأَنْتِ طَالِقٌ إنَّمَا هُوَ (لَازِمُ الْإِنْشَاءِ) وَهُوَ عَدَمُ احْتِمَالِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَهُوَ إنْشَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَقَدْ

يَلْتَزِمُ) كَوْنُهُ إنْشَاءً وَيُجَابُ عَدَمُ صِحَّةِ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فِيهِ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ إخْبَارًا ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْإِنْشَاءِ الشَّرْعِيِّ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى مَا عُرِفَ أَنَّهُ نُقِلَ إلَيْهِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إنَّمَا نُقِلَ إلَى وُقُوعِ وَاحِدَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْهَا إلَّا بِسَمْعٍ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (غَيْرَ أَنَّ الْمُتَحَقَّقَ تَعْيِينُهُ بِرُمَّتِهِ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ بِجُمْلَتِهِ (إنْشَاءً لِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ فَتَعَدِّيهَا) أَيْ الْوَاحِدَةِ إلَى مَا فَوْقَهَا يَكُونُ (بِلَا لَفْظٍ) مُفِيدٍ لِذَلِكَ، وَهُوَ لَا يَقَعُ بِهَذَا (بِخِلَافِ طَلِّقِي) فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إلَى شَيْءٍ بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ (لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ فَتَصِحُّ) نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَمَّا كَانَ هُنَا مَظِنَّةُ أَنْ يُقَالَ يُشْكِلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِنِيَّتِهَا بِطَالِقٌ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِنِيَّتِهَا بِطَالِقٍ طَلَاقًا فَإِنَّ طَلَاقًا مُنْتَصِبٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرُ طَالِقٍ أَشَارَ إلَى جَوَابِهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: (وَفِي الثَّلَاثِ) أَيْ وَفِي وُقُوعِهَا بِنِيَّتِهَا (بِطَالِقٍ طَلَاقًا رِوَايَةٌ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (بِالْمَنْعِ) أَيْ بِمَنْعِ وُقُوعِهَا، وَإِنَّمَا يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَلَا إشْكَالَ وَثَانِيًا بِقَوْلِهِ (وَعَلَى التَّسْلِيمِ) لِوُقُوعِهَا بِهِ كَمَا هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ (هُوَ) أَيْ وُقُوعُهَا بِهِ (عَلَى إرَادَةِ التَّطْلِيقِ بِطَلَاقًا مَصْدَرُ الْمَحْذُوفِ) فَإِنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ التَّطْلِيقُ كَالسَّلَامِ وَالْبَلَاغِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّبْلِيغِ فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الثَّلَاثُ حِينَئِذٍ مَعْمُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَالِقٌ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك طَلَاقًا ثَلَاثًا لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِنَّمَا يَتِمُّ) الْقَوْلُ بِوُقُوعِهَا بِطَلَاقًا (بِإِلْغَاءِ طَالِقٍ مَعَهُ) أَيْ مَعَ طَلَاقًا فِي حَقِّ الْإِيقَاعِ (كَمَا مَعَ الْعَدَدِ) فِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْعَدَدُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُلْغَ فِي حَقِّهِ بَلْ (وَقَعَ بِهِ) أَيْ بِطَالِقٍ (وَاحِدَةٌ لَزِمَ ثِنْتَانِ بِالْمَصْدَرِ، وَهُوَ) أَيْ وُقُوعُ ثِنْتَيْنِ بِالْمَصْدَرِ (مُنْتَفٍ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْحُرَّةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى التَّوَحُّدِ مُرَاعًى فِيهِ، وَهُوَ بِالْفَرْدِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْجِنْسِيَّةِ وَالْمُثَنَّى بِمَعْزِلٍ عَنْهُمَا، وَهَذَا يُقَوِّي رِوَايَةَ الْمَنْعِ أَيْضًا وَيَجِبُ كَوْنُ طَالِقٍ الطَّلَاقَ مِثْلَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا فِي الْمُنْكَرِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ) يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ (بِتَأْوِيلٍ وَقَعَ عَلَيْك) التَّطْلِيقُ فَيَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ. (وَمَا قِيلَ فَمَا يُمْنَعُ مِثْلُهُ فِي طَالِقٍ) بِأَنْ يُرَادَ أَنْتِ ذَاتٌ وَقَعَ عَلَيْك التَّطْلِيقُ فَتَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ أَيْضًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ (وَيُجَابُ بِعَدَمِ إمْكَانِ التَّصَرُّفِ فِيهِ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ (إذَا نُقِلَ لِلْإِنْشَائِيَّةِ) أَيْ إلَيْهَا شَرْعًا كَمَا تَقَدَّمَ (فَكَانَ عَيْنُ اللَّفْظِ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ (لِعَيْنِ الْمَعْنَى الْمَعْلُومِ نَقْلُهُ إلَيْهِ، وَهُوَ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَنْقُولُ إلَيْهِ هُوَ الطَّلْقَةُ (الْوَاحِدَةُ) عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الْعَدَدِ (وَالثِّنْتَانِ وَالثَّلَاثُ مَعَ الْعَدَدِ) بِخِلَافِ طَلَاقٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. (وَلَيْسَ مِنْ الْمُقْتَضَى الْمَفْعُولُ) بِهِ الْمَطْوِيُّ ذِكْرُهُ لِفِعْلٍ مُتَعَدٍّ وَاقِعٍ بَعْدَ نَفْيٍ أَوْ شَرْطٍ كَمَا (فِي نَحْوِ لَا آكُلُ، وَإِنْ أَكَلْت) فَعَبْدِي حُرٌّ (إذْ لَا يُحْكَمُ بِكَذِبِ مُجَرَّدِ أَكَلْت) وَلَا آكُلُ (فَلَمْ يَتَوَقَّفْ صِدْقُهُ) أَيْ أَكَلْت وَكَذَا لَا آكُلُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَفْعُولِ بِهِ (وَلَا) يُحْكَمُ (بِعَدَمِ صِحَّةِ شَرْعِيَّةٍ) لِأَكَلْت وَلَا لِلْآكِلِ بِدُونِ الْمَفْعُولِ بِهِ (فَنَخُصُّهُ) أَيْ هَذَا الْمَفْعُولَ بِهِ (بِاسْمِ الْمَحْذُوفِ، وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَحْذُوفُ (وَإِنْ قَبِلَ الْعُمُومَ لَا يَقْبَلُ عُمُومُهُ التَّخْصِيصَ إذْ لَيْسَ) هَذَا الْمَحْذُوفُ أَمْرًا (لَفْظِيًّا وَلَا فِي حُكْمِهِ) أَيْ اللَّفْظِيِّ لِتَنَاسِيهِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ إذْ لَيْسَ الْغَرَضُ إلَّا الْإِخْبَارَ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّي قَدْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِهَذَا الْغَرَضِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مِنْ الْعُمُومَاتِ مَا لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَلْيَكُنْ هَذَا مِنْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى. (فَلَوْ نَوَى مَأْكُولًا دُونَ آخَرَ لَمْ تَصِحَّ) نِيَّتُهُ قَضَاءً اتِّفَاقًا وَلَا (دِيَانَةً خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ) وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اخْتَارَهَا الْخَصَّافُ (وَالِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ التَّخْصِيصِ

(فِي بَاقِي الْمُتَعَلِّقَاتِ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) حَتَّى لَوْ نَوَى لَا يَأْكُلُ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان دُونَ آخَرَ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ اتِّفَاقًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ عُمُومَهُمَا عَقْلِيٌّ إذْ هُمَا مَحْذُوفَانِ لَا مُقَدَّرَانِ فَلَا يَتَجَزَّآنِ وِفَاقًا (وَالْتِزَامُ الْخِلَافِ) فِي الْعُمُومِ (فِيهَا) أَيْ فِي بَقِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا بِجَامِعِ الْمَفْعُولِيَّةِ كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ (غَيْرُ صَحِيحٍ) بَلْ قَالَ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ: الْتِزَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عُمُومَ الْمَفْعُولِ فِيهِ فِي نَحْوِ لَا آكُلُ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ إذْ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ حَذْفَ الْمَفْعُولِ فِيهِ قَدْ يَكُونُ لِلتَّعْمِيمِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِهِ بَلْ حَذْفُهُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْعِلْمِ بِهِ أَوْ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ. اهـ. لَكِنْ قَرَّرَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ الْتِزَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِمَا نَصَّهُ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ وَنَوَى زَمَنًا مُعَيَّنًا أَوْ مَكَانًا صَحَّتْ يَمِينُهُ هَذَا مَذْهَبُنَا، وَدَعْوَى الْإِمَامِ الرَّازِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ مَمْنُوعَةٌ، وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ وَزَادَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت التَّكْلِيمَ شَهْرًا أَنَّهُ يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ. (وَالْفَرْقُ) بَيْنَ الْمَفْعُولِ بِهِ وَظَرْفَيْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عَلَى مَا ذَكَرُوا (بِأَنَّ الْمَفْعُولَ فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ (إذْ لَا يُعْقَلُ) مَعْنَى الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي (إلَّا بِعَقْلِيَّتِهِ) أَيْ الْمَفْعُولِ بِهِ فَجَازَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْبَعْضُ بِخِلَافِ الظَّرْفَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ قَدْ يُعْقَلُ مَعَ الذُّهُولِ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا فِي الْوَاقِعِ فَلَمْ يَكُونَا دَاخِلَيْنِ تَحْتَ الْإِرَادَةِ فَلَمْ يَقْبَلَا التَّخْصِيصَ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دُخُولِهِمَا تَحْتَ الْإِرَادَةِ (مَمْنُوعٌ وَنَقْطَعُ بِتَعَقُّلِ مَعْنَى الْمُتَعَدِّي مِنْ غَيْرِ إخْطَارِهِ) أَيْ الْمَفْعُولِ بِهِ بِالْبَالِ (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ الْمَفْعُولُ بِهِ (لَازِمٌ لِوُجُودِهِ) أَيْ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي (لَا مَدْلُولُ اللَّفْظِ) لِيَتَجَزَّأَ بِالْإِرَادَةِ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمَذْكُورِ (بَقِيَ أَنْ يُقَالَ لَا آكُلُ) مَعْنَاهُ (لَا أُوجِدُ أَكْلًا) وَأَكْلًا عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ (فَيَقْبَلُهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُصَرِّحًا بِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ وَقَدْ تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: (وَالنَّظَرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ لَاحَظَ الْأَكْلَ الْجُزْئِيَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَأْكُولِ الْخَاصِّ) الَّذِي لَمْ يُرِدْهُ (إخْرَاجًا) لَهُ مِنْ الْأَكْلِ الْعَامِّ لَا الْمَأْكُولِ نَفْسِهِ (صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ (أَوْ) لَاحَظَ (الْمَأْكُولَ) الْخَاصَّ إخْرَاجًا مِنْ الْمَأْكُولِ الْمُطْلَقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (فَلَا) يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ الَّتِي يُعْقَلُ الْفِعْلُ بِدُونِهَا (غَيْرَ أَنَّا نَعْلَمُ بِالْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ) أَيْ هَذَا الْكَلَامِ (عَدَمَ مُلَاحَظَةِ الْحَرَكَةِ الْخَاصَّةِ) الَّتِي هِيَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْفِعْلِ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الْأَكْلُ. (وَإِخْرَاجُهَا) أَيْ الْحَرَكَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْأَكْلِ الْمُطْلَقِ (بَلْ) الْمُرَادُ إخْرَاجُ (الْمَأْكُولِ) الْخَاصِّ مِنْ الْمَأْكُولِ الْمُطْلَقِ (وَعَلَى مِثْلِهِ) أَيْ مَا هُوَ مَعْلُومٌ عَادَةً (يُبْنَى الْفِقْهُ فَوَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ لَاحَظَ الْمَأْكُولَ الْخَاصَّ إخْرَاجًا لَهُ مِنْ الْمَأْكُولِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ غَيْرُ عَامٍّ فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَمَا تَقَدَّمَ (بِخِلَافِ الْحَلِفِ لَا يَخْرُجُ) حَالَ كَوْنِهِ (مَخْرَجًا لِلسَّفَرِ مَثَلًا) مِنْ الْخُرُوجِ بِالنِّيَّةِ (حَيْثُ يَصِحُّ) إخْرَاجُهُ مِنْهُ تَخْصِيصًا (لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُتَنَوِّعٌ إلَى سَفَرٍ وَغَيْرِهِ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ) بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا (وَالْعَادَةُ مُلَاحَظَتُهُ) أَيْ النَّوْعِ مِنْهُ (فَنِيَّةُ بَعْضِهِ) أَيْ خُرُوجِ نَوْعٍ مِنْهُ (نِيَّةُ نَوْعٍ) فَصَحَّتْ (كَأَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي الثَّلَاثَ) حَيْثُ يَصِحُّ نِيَّتُهَا؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) الْمَذْكُورُ فِي عِبَارَةِ كَثِيرِ الْفِعْلِ الْمُثْبَتِ لَيْسَ بِعَامٍّ أَوْ لَا يَعُمُّ فِي أَقْسَامِهِ وَجِهَاتِهِ فَعَمَّمَ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ الْعُمُومِ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ لَيْسَ مَا يُقَابِلُ الْقَوْلَ بَلْ الْفِعْلُ الْمُصْطَلَحُ، وَهُوَ اللَّفْظُ الْخَاصُّ الْمَعْرُوفُ فَقَالَ (إذَا نُقِلَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

بِصِيغَةٍ لَا عُمُومَ لَهَا كَصَلَّى فِي الْكَعْبَةِ) ، وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ بِلَالٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (لَا يَعُمُّ) فِعْلُهُ (بِاعْتِبَارٍ) مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ نَقْلَ فِعْلِهِ بِالصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ (إخْبَارٌ عَنْ دُخُولٍ جُزْئِيٍّ فِي الْوُجُودِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِشَخْصِيَّتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ بِسَبَبِ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ (وَأَمَّا نَحْوُ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ) كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِقَائِلِهِ. وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إمَامَةِ جِبْرِيلَ مَا لَفْظُهُ: ثُمَّ صَلَّى بِي الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ سَائِلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ فَسَاقَهُ مَا لَفْظُهُ ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» (فَإِنَّمَا يَعُمُّ الْحُمْرَةَ وَالْبَيَاضَ عِنْدَ مَنْ يُعَمِّمُ الْمُشْتَرَكَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ) تَعْمِيمُهُ (تَكَرُّرَ الصَّلَاةِ بَعْدَ كُلٍّ) مِنْ الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ (كَمَا فِي تَعْمِيمِ الْمُشْتَرَكِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِكُلٍّ عَلَى الِانْفِرَادِ لِخُصُوصِ الْمَادَّةِ) هُنَا (وَهُوَ كَوْنُ الْبَيَاضِ دَائِمًا بَعْدَ الْحُمْرَةِ فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ صَلَّى بَعْدَهُمَا صَلَاةً وَاحِدَةً فَلَا تَعُمُّ فِي الصَّلَاةِ بِطَرِيقِ التَّكْرَارِ فَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ صَلَاتِهَا بَعْدَ الْحُمْرَةِ فَقَطْ. وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ نَحْوِ) مَا عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد «وَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ» أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (مِنْ التَّكْرَارِ) لِصَلَاتِهِ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ وَلِجَمْعِهِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ سَفَرًا، وَهَذَا آيَةُ الْعُمُومِ ثُمَّ هُوَ بَيَانٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ (فَمِنْ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ) لَا مِنْ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَقِيلَ مِنْ كَانَ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ (وَقِيلَ مِنْ الْمَجْمُوعِ مِنْهُ) أَيْ إسْنَادِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ (وَمِنْ قِرَانٍ كَانَ لَكِنْ نَحْوُ بَنُو فُلَانٍ يُكْرِمُونَ الضَّيْفَ وَيَأْكُلُونَ الْحِنْطَةَ يُفِيدُ أَنَّهُ عَادَتُهُمْ) فَيَظْهَرُ أَنَّ التَّكْرَارَ مِنْ مُجَرَّدِ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ فَلَا جُرْمَ إنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُفِيدَ لِلِاسْتِمْرَارِ هُوَ لَفْظُ الْمُضَارِعِ وَكَانَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مُضِيِّ ذَلِكَ الْمَعْنَى (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِفَادَةَ) أَيْ إفَادَةَ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ التَّكْرَارُ (اسْتِعْمَالِيَّةٌ لَا وَضْعِيَّةٌ) وَأَكْثَرِيَّةٌ أَيْضًا لَا كُلِّيَّةٌ فَلَا يَقْدَحُ عَدَمُ ذَلِكَ فِيمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فِي شَأْنِ خَرْصِ نَخْلِ خَيْبَرَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ» الْحَدِيثَ لِكَوْنِ خَيْبَرَ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَعَبْدُ اللَّهِ قُتِلَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا أَنَّ مُجَرَّدَ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ قَدْ يُفِيدُ التَّكْرَارَ اسْتِعْمَالًا عُرْفِيًّا كَذَلِكَ مُجَرَّدُ كَانَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يُفِيدُهُ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ» وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ، وَإِسْنَادُ الْمُضَارِعِ إذَا اجْتَمَعَا كَانَا مُتَعَاضِدَيْنِ عَلَى إفَادَةِ التَّكْرَارِ غَالِبًا، وَإِنَّ تَصْحِيحَ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ عَدَمَ دَلَالَةِ كَانَ عَلَى التَّكْرَارِ عُرْفًا كَمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعًا مُنْتَفٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَمِنْهُ) أَيْ وَمِمَّا لَا يَعُمُّ بِاعْتِبَارِ مَا (أَنْ لَا يَعُمَّ الْأُمَّةَ، وَلَوْ بِقَرِينَةٍ كَنَقْلِ الْفِعْلِ خَاصًّا بَعْدَ إجْمَالٍ فِي عَامٍّ بِحَيْثُ يُفْهَمُ أَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلَ (بَيَانٌ) لِإِجْمَالِ ذَلِكَ الْعَامِّ (فَإِنَّ الْعُمُومَ لِلْمُجْمَلِ لَا لِنَقْلِ الْفِعْلِ) الْخَاصِّ، وَقَدْ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ شَرْحَ هَذَا فَقَالَ لَمَّا وَقَعَ لِلْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ أَنَّ مِثْلَ الْقَرِينَةِ بِقَوْلِهِ كَوُقُوعِهِ بَعْدَ إجْمَالٍ أَوْ إطْلَاقٍ أَوْ عُمُومٍ

فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ بَيَانٌ لَهُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْعُمُومِ وَعَدَمِهِ وَكَانَ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ عَامًّا تَبَعًا نَفَاهُ الْمُصَنِّفُ وَقَصَرَ الْعُمُومَ عَلَى الْمُجْمَلِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ لَمَّا كَانَ بِصِيغَةٍ لَيْسَتْ عَامَّةً لَا يَصِيرُ عَامًّا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ عَدَمَ الْعَمَلِ بِذَلِكَ الْمُجْمَلِ زَالَ بِالْفِعْلِ الْمُبَيَّنِ مَثَلًا إذَا قَالَ الرَّاوِي قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الْكُوعِ بَعْدَ اقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا فَهَذِهِ حِكَايَةُ فِعْلٍ بَعْدَ عُمُومٍ فِيهِ إجْمَالٌ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ عَلَى قَوْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ هُوَ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِجْمَالِ، وَأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِمَا مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْأَصَابِعِ، وَحَاصِلُهُ بَيَانُ مَجَازٍ أَوْ قَالَ صَلَّى فَقَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَهُوَ إجْمَالٌ فِي عَامٍّ فَفِي هَذَا وَنَحْوِهِ لَا يُفِيدُ تَكَرُّرُ الْفِعْلِ أَصْلًا وَلَكِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ فَيَزُولُ ذَلِكَ الْإِجْمَالُ الْكَائِنُ فِيمَا تَعَلَّقَ بِالْعَامِّ فَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ حِينَئِذٍ أَمَّا أَنَّ الْفِعْلَ صَارَ عَامًّا فَلَا وَلَا نَقَلَهُ (وَكَذَا نَحْوُ) قَوْلِ الرَّاوِي صَلَّى فَقَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ مَعَ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَإِنَّ الْعُمُومَ لِقَوْلِهِ صَلُّوا إلَخْ لَا لِصَلَّى فَقَامَ إلَخْ (وَتَوْجِيهُ الْمُخَالِفِ) الْقَائِلِ بِعُمُومِهِ لِلْأُمَّةِ (بِعُمُومِ نَحْوِ سَهَا فَسَجَدَ) أَيْ قَوْلُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فِي صَلَاتِهِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ «وَفَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْتَسَلْنَا» كَمَا هُوَ لَفْظُ عَائِشَةَ بَعْدَ قَوْلِهَا «إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا حَتَّى كَانَ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ عَامًّا لِلْأُمَّةِ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ لَهُمْ (مِنْ خَارِجٍ) عَنْ مَفْهُومِ اللَّفْظِ الْمَحْكِيِّ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ الْآمِدِيُّ وَلِعُمُومِ السُّجُودِ جَوَابٌ خَاصٌّ، وَهُوَ إنَّمَا عَمَّ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ السَّهْوُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رَتَّبَ السُّجُودَ عَلَى السَّهْوِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْعِلِّيَّةِ (وَأَمَّا حِكَايَةُ قَوْلٍ لَهُ) أَيْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا يُدْرَى عُمُومُهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ) ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِحِكَايَةٍ «كَقَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ» ) كَمَا أَسْنَدَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى جَابِرٍ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ وَلَكِنَّهُ شَاذُّ الْمَتْنِ «وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ) كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (مَسْأَلَةٌ أُخْرَى) ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ (فَيَجِبُ) (الْحَمْلُ) لِلَّفْظِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُ (عَلَى الْعُمُومِ) فَتَكُونُ الشُّفْعَةُ لِكُلِّ جَارٍ، وَالنَّهْيُ عَنْ كُلِّ بَيْعٍ فِيهِ غَرَرٌ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالْمَعْدُومِ (خِلَافًا لِلْكَثِيرِ) ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الصَّحَابِيَّ (عَدْلٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ وَالْمَعْنَى) عُمُومًا وَخُصُوصًا (فَالظَّاهِرُ الْمُطَابَقَةُ) بَيْنَ نَقْلِهِ وَمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْكَثِيرِ (يَحْتَمِلُ غَرَرًا وَجَارًا خَاصَّيْنِ كَجَارِ شَرِيكٍ فَاجْتَهَدَ فِي الْعُمُومِ فَحَكَاهُ أَوْ أَخْطَأَ فِيمَا سَمِعَهُ احْتِمَالٌ لَا يَقْدَحُ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ عِلْمِهِ وَعَدَالَتِهِ، وَالظَّاهِرُ لَا يُتْرَكُ لِلِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَتِهِ فَيُؤَدِّي إلَى تَرْكِ كُلِّ ظَاهِرٍ (وَجَعْلُهُمَا) أَيْ «قَضَى بِالشُّفْعَةِ» «وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» (مِنْ حِكَايَةِ فِعْلٍ ظَاهِرٍ فِي الْعُمُومِ) كَمَا تَنَزَّلَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَالنَّهْيَ قَوْلٌ يَكُونُ مَعَهُ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَضَى حِكَايَةُ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ وَنَهَى حِكَايَةُ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ. (مَسْأَلَةٌ قِيلَ) وَالْقَائِلُ ابْنُ الْحَاجِبِ: (نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ فِي {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ) لِجَمِيعِ وُجُوهِ الْمُسَاوَاةِ (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ) كَذَلِكَ (بَلْ لَا يَخْتَلِفُ فِي دَلَالَتِهِ) أَيْ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ

(عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عُمُومِهِ (وَكَذَا نَفْيُ كُلِّ فِعْلٍ) عَامٍّ فِي وُجُوهِهِ (كَلَا آكُلُ) فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي وُجُوهِ الْأَكْلِ (وَلَا) يَخْتَلِفُ أَيْضًا (فِي عَدَمِ صِحَّةِ إرَادَتِهِ) أَيْ الْعُمُومِ فِي نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ (لِقَوْلِهِمْ) أَيْ الْحَاكِينَ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْعُمُومِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي جَوَابِ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَصْدُقُ) عُمُومُ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ فِي لَا يَسْتَوِي (إذْ لَا بُدَّ) بَيْنَ كُلِّ أَمْرَيْنِ (مِنْ مُسَاوَاةٍ) مِنْ وَجْهٍ وَأَقَلُّهُ الْمُسَاوَاةُ فِي سَلْبِ مَا عَدَاهُمَا عَنْهُمَا فَلَزِمَ عَدَمُ عُمُومِ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ هَذَا مَقُولُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ (الْمُرَادُ) مِنْ عُمُومِ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ (مُسَاوَاةٌ يَصِحُّ نَفْيُهَا وَمَا سِوَاهُ) أَيْ الْمُسَاوَاةِ الَّتِي يَصِحُّ نَفْيُهَا بِمَعْنَى التَّسَاوِي (مَخْصُوصٌ بِالْعَقْلِ) ، وَهَذَا مَقُولُ قَوْلِ الْمُجِيبِينَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى دَلَالَةِ الْعُمُومِ، وَإِنَّ هَذَا الْعُمُومَ الْمَدْلُولَ غَيْرُ مُرَادٍ عَلَى صِرَافَتِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (فَالِاسْتِدْلَالُ) عَلَى عُمُومِ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ (بِأَنَّهُ) أَيْ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ (نَفْيٌ عَلَى نَكِرَةٍ يَعْنِي الْمَصْدَرَ) الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْفِعْلُ الْمَنْفِيُّ فَيَعُمُّ كَسَائِرِ النَّكِرَاتِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ اسْتِدْلَالٌ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ) لِمَا سَمِعْت مِنْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي الْعُمُومِ لَفْظًا وَلَا فِي عَدَمِ إرَادَةِ صِرَافَتِهِ (إنَّمَا هُوَ) أَيْ النِّزَاعُ (فِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عُمُومِهِ) أَيْ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ (بَعْدَ تَخْصِيصِ الْعَقْلِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ) أَيْ تَخْصِيصِهِ (هَلْ يَخُصُّ أَمْرَ الْآخِرَةِ فَلَا يُعَارَضُ) الْمُرَادُ مِنْهُ (آيَاتِ الْقِصَاصِ الْعَامَّةِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] الْآيَةَ (فَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ أَوْ يَعُمُّ الدَّارَيْنِ) الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (فَيُعَارِضُ) الْمُرَادُ مِنْهُ آيَاتِ الْقِصَاصِ حَتَّى يَخُصَّهَا وَحِينَئِذٍ (فَلَا يُقْتَلُ) الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ هَلْ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ إلَى خُصُوصِ أَمْرِ الْآخِرَةِ أَوْ لَا فَتَعُمُّ الدَّارَيْنِ؟ . (قَالَ بِهِ) أَيْ بِالْعُمُومِ (الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِخُصُوصِ أَمْرِ الْآخِرَةِ (لِقَرِينَةِ تَعْقِيبِهِ بِذِكْرِ الْفَوْزِ {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20] ثُمَّ فِي الْآثَارِ مَا يُؤَيِّدُهُ) أَيْ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْهَا (حَدِيثُ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَاللَّامِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا يَاءٌ تَحْتَانِيَّةٌ مِنْ مَشَاهِيرِ التَّابِعِينَ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَيَّنَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ قَالَ «قَتَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ» الْحَدِيثَ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَقَالَ: «أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَأَعَلَّهُ، وَاسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ فِيهِ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا. (وَنَحْوُ) مَا رَوَى الْمَشَايِخُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا إلَخْ) أَيْ وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَلَمْ يَجِدْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُخَرِّجُونَ، وَإِنَّمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ فِيهِ أَبُو الْجَنُوبِ، وَهُوَ مُضَعَّفٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّتُنَا فَدَمُهُ كَدَمِنَا وَدِيَتُهُ كَدِيَتِنَا (فَظَهَرَ) مِنْ هَذَا التَّحْرِيرِ (أَنَّ الْخِلَافَ فِي تَطْبِيقِ كُلٍّ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ عَلَى دَلِيلٍ تَفْصِيلِيٍّ) فَهِيَ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ لَا أَصْلِيَّةٌ. (مَسْأَلَةُ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى لِلرَّسُولِ بِخُصُوصِهِ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} [الزمر: 65] قَدْ نُصِبَ فِيهِ خِلَافٌ) وَمِنْ نَاصِبِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ (فَالْحَنَفِيَّةُ) وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ وَأَحْمَدُ (يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ وَالشَّافِعِيَّةُ لَا) يَتَنَاوَلُهُمْ (مُسْتَدِلِّينَ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (بِالْقَطْعِ مِنْ اللُّغَةِ بِأَنَّ مَا لِلْوَاحِدِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ وَبِأَنَّهُ لَوْ عَمَّهُمْ كَانَ إخْرَاجُهُمْ تَخْصِيصًا، وَلَا قَائِلَ بِهِ وَلَيْسَ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّ مُرَادَ الْحَنَفِيَّةِ) بِعُمُومِهِ إيَّاهُمْ (أَنَّ أَمْرَ مِثْلِهِ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِمَّنْ لَهُ مَنْصِبُ الِاقْتِدَاءِ وَالْمَتْبُوعِيَّة يَفْهَمُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَمْرِهِ (أَهْلُ اللُّغَةِ شُمُولَ

مسألة خطاب الواحد لا يعم غيره لغة

أَتْبَاعِهِ عُرْفًا) لَا مَدْلُولًا وَضْعِيًّا لِذَلِكَ اللَّفْظِ (كَمَا إذَا قِيلَ لِأَمِيرٍ ارْكَبْ لِلْمُنَاجَزَةِ) ، وَهِيَ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ الْمُحَارَبَةُ وَبِالْحَاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُقَاتَلَةُ (غَيْرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ مَنْصِبُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا بِدَلِيلٍ) يُفِيدُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِهِ (لِأَنَّهُ بُعِثَ لِيُؤْتَسَى بِهِ فَكُلُّ حُكْمٍ خُوطِبَ هُوَ بِهِ عَمَّ عُرْفًا، وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمَ (لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَعْوَانٍ كَالْمُنَاجَزَةِ، وَإِذَا) أَيْ، وَإِذَا كَانَ عُمُومُهُ عُرْفًا (يَلْتَزِمُونَ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (أَنَّ إخْرَاجَهُمْ) أَيْ الْأُمَّةِ مِنْ خِطَابِهِ بِخُصُوصِهِ (تَخْصِيصٌ فَإِنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ (كَمَا يَرِدُ عَلَى الْعَامِّ لُغَةً يَرِدُ عَلَى الْعَامِّ عُرْفًا وَاسْتِدْلَالُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِعُمُومِ ذِكْرِ الْمَتْبُوعِ بِخُصُوصِهِ الْأَتْبَاعَ (بِنَحْوِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] فَأَفْرَدَهُ بِالْخِطَابِ وَأَمَرَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالْعُمُومِ فَدَلَّ أَنَّ مِثْلَهُ خِطَابٌ عَامٌّ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ (وَبِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُمَّهُمْ لَكَانَ خَالِصَةً لَك) بَعْدَ قَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50] إلَى قَوْلِهِ {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50] (غَيْرُ مُفِيدٍ) ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْعُمُومِ وَكَوْنَهُ خَاصًّا بِهِ ثَابِتٌ بِتَخْصِيصِهِ بِالْخِطَابِ وَالتَّالِي مُنْتَفٍ (وَ {زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا لِيَكُونَ شَامِلًا لِلْأُمَّةِ، وَلَوْ كَانَ خِطَابُهُ خَاصًّا بِهِ وَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى الْأُمَّةِ لَمَا حَصَلَ الْغَرَضُ (لِبَيَانِ التَّنَاوُلِ الْعُرْفِيِّ) لَهُمْ (لَا اللُّغَوِيِّ) فَاسْتِدْلَالُهُمْ مُبْتَدَأٌ، وَهَذَا خَبَرُهُ. وَحِينَئِذٍ (فَأَجْوِبَتُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ (الَّتِي حَاصِلُهَا أَنَّ الْفَهْمَ) أَيْ فَهْمَ الْأُمَّةِ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ (بِغَيْرِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ طَائِحَةٌ) أَيْ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ لَا يَعُمُّ غَيْرَهُ لُغَةً فَكَوْنُ الْعُمُومِ بِخَارِجٍ لَا يَضُرُّهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ، فَقَالَ: (غَيْرَ أَنَّ نَفْيَ الْفَائِدَةِ مُطْلَقًا) عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ (مِمَّا يُمْنَعُ لِجَوَازِ كَوْنِهَا) أَيْ الْفَائِدَةِ (مَنْعَ الْإِلْحَاقِ) أَيْ إلْحَاقِ الْأُمَّةِ بِهِ فِي ذَلِكَ قِيَاسًا كَمَا كَانَ يُلْحَقُ بِهِ لَوْ لَمْ يُرِدْ خَالِصًا ثُمَّ أَفَادَ بِأَنَّ هَذَا الْمَنْعَ غَيْرُ ضَائِرٍ، فَقَالَ: (وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى نَفْيِ الْفَائِدَةِ مُطْلَقًا (فِي الْوَجْهِ) أَيْ وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ لَهُمْ (وَيَكْفِي) فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُمْ بِهَا (أَنَّ {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] ظَاهِرٌ فِي فَهْمِ الْعُمُومِ) لَهُمْ مِنْ قَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} [الأحزاب: 50] (لَوْلَاهُ) أَيْ لَفْظُ خَالِصَةً ثُمَّ لَمَّا كَانَ اسْتِدْلَالُهُمْ بِمِثْلِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] قَدْ دُفِعَ أَيْضًا بِأَنَّ ذِكْرَ النَّبِيِّ لِلتَّشْرِيفِ وَالْخِطَابَ بِمَا بَعْدَهُ لِلْجَمِيعِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ يَا فُلَانُ افْعَلْ أَنْتَ وَأَتْبَاعُك كَذَا إنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا يُقَالُ افْعَلْ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْأَتْبَاعِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَفْعِهِ أَيْضًا، فَقَالَ (وَكَوْنُ إفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ لِلتَّشْرِيفِ لَا يُنَافِي الْمَطْلُوبَ) ، وَهُوَ عُمُومُهُمْ عُرْفًا (فَمِنْ التَّشْرِيفِ أَنْ خَصَّهُ) أَيْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِهِ) أَيْ بِالْخِطَابِ (وَالْمُرَادُ أَتْبَاعُهُ مَعَهُ) عَلَى أَنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يُبْطِلُ الْمُدَّعَى (وَعُرِفَ) مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ (أَنَّ وَضْعَهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (الْخِطَابَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ هَلْ يَعُمُّ لَيْسَ بِجَيِّدٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَقُولُونَ خِطَابُ وَاحِدٌ مِنْ آحَادِ الْأُمَّةِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ مَنْصِبُ الِاقْتِدَاءِ يَعُمُّ سَائِرَهُمْ عُرْفًا بَلْ هَذَا مَوْضُوعُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ. [مَسْأَلَةُ خِطَابِ الْوَاحِدِ لَا يَعُمُّ غَيْرَهُ لُغَةً] (مَسْأَلَةُ خِطَابِ الْوَاحِدِ لَا يَعُمُّ غَيْرَهُ لُغَةً وَنُقِلَ عَنْ الْحَنَابِلَةِ عُمُومُهُ، وَمُرَادُهُمْ خِطَابُ الشَّارِعِ لِوَاحِدٍ بِحُكْمٍ يُعْلَمُ عِنْدَهُ) أَيْ خِطَابِهِ (تَعَلُّقُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ (بِالْكُلِّ إلَّا بِدَلِيلٍ) يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ قَالُوا (كَقَوْلِهِ حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ) وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَحْثِ الثَّانِي مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمَا يَسُدُّ مَسَدَّهُ (وَفَهِمَ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ حُكْمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مسألة الخطاب الذي يعم العبيد لغة

عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمُهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ (حَتَّى حَكَمُوا عَلَى غَيْرِ مَاعِزٍ بِمَا حَكَمَ بِهِ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّجْمِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَاعِزٍ حَتَّى قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَيْضًا «رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَرَجَمَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَحَكَوْا عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ (وَلِعُمُومِ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ) «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثْت إلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَبُو دَاوُد لَكِنْ بِتَقْدِيمِ الْأَحْمَرِ عَلَى الْأَسْوَدِ أَيْ إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَقِيلَ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] إذَا كَانَ هَذَا مُرَادَ الْحَنَابِلَةِ (فَكَلَامُ الْخِلَافِيِّينَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (كَاَلَّتِي قَبْلَهَا) مِنْ حَيْثُ عَدَمِ التَّوَارُدِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ. وَلِلشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيّ هُنَا كَلَامٌ يَزِيدُ هَذَا الْمَقَامَ وُضُوحًا لَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ التَّعْمِيمَ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ الصِّيغَةِ لُغَةً وَلَا أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحْكُمْ بِالتَّعْمِيمِ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ التَّخْصِيصُ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ التَّعْمِيمَ مُنْتَفٍ لُغَةً ثَابِتٌ شَرْعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَلَا أَعْتَقِدُ أَنَّ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ الْخِلَافُ إلَى أَنَّ الْعَادَةَ هَلْ تَقْضِي بِالِاشْتِرَاكِ بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ فَهْمُ أَهْلِ الْعُرْفِ إلَيْهَا أَوَّلًا فَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ لَا قَضَاءَ لِلْعَادَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا لَا قَضَاءَ لِلُّغَةِ، وَإِنَّمَا الْخَلْقُ فِي الشَّرْعِ شَرَعٌ، وَهُمْ يَقُولُونَ الْعَادَةُ تَقْضِي بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ عَادَةَ أَهْلِ اللِّسَانِ يُخَاطِبُونَ الْوَاحِدَ وَيُرِيدُونَ الْجَمَاعَةَ، وَهُوَ يُرْشِدُ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ يَرُدُّ إلَى أَنَّهُ هَلْ صَارَ عُرْفُ الشَّرْعِ أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا خُوطِبَ فَالْمُرَادُ الْجَمَاعَةُ فَكَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَوْ لَا فَهُمْ يَقُولُونَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ مِنْ الشَّرْعِ اسْتِوَاءُ النَّاسِ فِي شَرْعِهِ كَانَ خِطَابُ الْوَاحِدِ خِطَابًا مَعَ الْكُلِّ وَكَأَنَّهُ إذَا قَالَ يَا زَيْدُ قَائِلٌ يَا أَيُّهَا النَّاسُ وَيَكُونُ الدَّالُّ عَلَى مَعْنَى النَّاسِ لَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا النَّاسُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَالثَّانِي زَيْدٌ إذَا تَقَدَّمَ مِنْ اللَّافِظِ بِهِ أَنَّهُ إذَا أَنْطَقَ بِهِ أَرَادَ بِهِ النَّاسَ كُلَّهُمْ. وَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فَمَعْنَى النَّاسِ يَدُلُّ عَلَى لَفْظِهِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَلَفْظُ يَا زَيْدُ شَرْعًا وَنَحْنُ نَقُولُ يَا زَيْدُ بَاقٍ عَلَى دَلَالَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ سَوَاءٌ سَبَقَ قَبْلَ ذِكْرِهِ مِنْ قَائِلِهِ أَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ حُكْمُهُ أَمْ لَا، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ لَمْ يَضَعْ يَا زَيْدُ لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صَيْرُورَتُهُمْ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الَّذِي يَعُمُّ الْعَبِيدَ لُغَةً] (مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الَّذِي يَعُمُّ الْعَبِيدَ لُغَةً) كَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] (هَلْ يَتَنَاوَلُهُمْ شَرْعًا فَيَعُمُّهُمْ حُكْمُهُ؟ . الْأَكْثَرُ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَالرَّازِيُّ الْحَنَفِيُّ) يَتَنَاوَلُهُمْ شَرْعًا فَيَعُمُّهُمْ حُكْمُهُ (فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ) ثُمَّ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ مِثْلَ النَّاسِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ حُكْمًا يَحْتَاجُ فِي قِيَامِهِ بِهِ إلَى صَرْفِ زَمَانٍ يَتَنَاوَلُهُمْ بَلْ فِيمَا إذَا تَضَمَّنَ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِقِيَامِ مُهِمَّاتِ السَّادَاتِ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ (أَنَّ الْخِلَافَ فِي إرَادَتِهِمْ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ وَعَدَمِهَا) أَيْ إرَادَتِهِمْ بِهِ (وَاسْتِدْلَالِ النَّافِي) لِتَنَاوُلِهِمْ (بِمَا ثَبَتَ شَرْعًا مِنْ كَوْنِ مَنَافِعِهِ مَمْلُوكَةً لِسَيِّدِهِ فَلَوْ تَنَاوَلَهُمْ نَاقَضَ) أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِصَرْفِهَا إلَى سَيِّدِهِ، وَإِلَى غَيْرِهِ (دَلِيلُ عَدَمِ الْإِرَادَةِ) أَيْ إرَادَتِهِمْ شَرْعًا بِهِ، وَهَذَا خَبَرُ اسْتِدْلَالِ النَّافِي (وَأَمَّا قَوْلُهُمْ) أَيْ النَّافِينَ (خَرَجَ) الْعَبْدُ (وَمِنْ نَحْوِ الْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ

وَالْحَجِّ) وَالتَّبَرُّعَاتِ وَبَعْضِ الْأَقَارِيرِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ الْخِطَابِ بِمُفِيدِهَا لِتَنَاوُلِهِمْ (فَلَوْ كَانَ دَاخِلًا أَيْ مُرَادًا كَانَ تَخْصِيصًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (فَتَجُوزُ بِالتَّخْصِيصِ عَنْ النَّسْخِ) إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنْ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ خَرَجَ مِنْ الْجِهَادِ إلَّا لَمْ يُرِدْ بِخِطَابِهِ فَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ وَعَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ لَوْ كَانَ مُرَادًا مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْرَارِ كَانَ خُرُوجًا مِنْ هَذَا الْخِطَابِ نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ بَعْدَ الْإِرَادَةِ فَقَوْلُهُمْ كَانَ تَخْصِيصًا أَخَفُّ الْأَحْوَالِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَجَوُّزًا أَوْ تَسَاهُلًا وَحِينَئِذٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْجَوَابُ بِأَنَّ خُرُوجَهُ بِدَلِيلٍ يَلْزَمُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يُرِدْ لِدَلِيلٍ فَضْلًا عَنْ إرَادَتِهِ ثُمَّ نَسْخُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْعَبْدِ (وَحَاصِلُهُ أَنَّ اللَّازِمَ التَّخْصِيصُ الِاصْطِلَاحِيُّ بِدَلِيلِهِ لَا النَّسْخُ) . يَعْنِي أَنَّ اللَّازِمَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهِمْ فِي الْإِرَادَةِ لَيْسَ إلَّا التَّخْصِيصُ الِاصْطِلَاحِيُّ، وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْعَامِّ لَمْ يَكُنْ مُرَادًا مِنْهُ وَاللَّازِمُ مِنْ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرُوهُ حَيْثُ قَالُوا خَرَجَ فَلَوْ أُرِيدَ كَانَ تَخْصِيصًا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ ثُمَّ أُخْرِجَ يَكُونُ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا فَقَوْلُ مَنْ قَالَ تَخْصِيصًا خَطَأٌ عَلَى مَا هُوَ تَرْكِيبُ الدَّلِيلِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا قَامَ دَلِيلُ الْإِخْرَاجِ فَلَا مَحِيصَ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ وَقَدْ قَامَ فَكَانَ خُرُوجُهُمْ تَخْصِيصًا لَهُمْ عَنْ الْعَامِّ بِدَلِيلِهِ وَبِهِ ثَبَتَ أَنَّهُمْ لَمْ يُرَادُوا بِالْعَامِّ ابْتِدَاءً فَضْلًا عَنْ أَنَّهُمْ أُرِيدُوا ثُمَّ نُسِخَ عَنْهُمْ كَمَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الدَّلِيلُ أَوْ أَنَّهُمْ خَصُّوا وَالتَّخْصِيصُ خِلَافُ الْأَصْلِ بَلْ خُصُّوا وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَقَدْ يُقَرَّرُ) الْوَجْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا (دَلَّ) (عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (فِي بَعْضِهَا) أَيْ الْأَحْكَامِ (وَعَلَيْهَا فِي بَعْضِهَا) أَيْ وَعَلَى إرَادَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ (فَالْمُثْبَتُ يُعْتَبَرُ بِالتَّنَاوُلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُطَابَقَتُهُ) أَيْ التَّنَاوُلِ (الْإِرَادَةَ وَالنَّافِي عَرْضُ الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَتَوَقَّفَ دُخُولُهُمْ إلَى الدَّلِيلِ أَوْ قَامَ) الدَّلِيلُ (عَلَى عَدَمِهَا) أَيْ الْإِرَادَةِ (وَهُوَ) أَيْ الدَّلِيلُ الْقَائِمُ عَلَى عَدَمِهَا (مَالِكِيَّةُ السَّيِّدِ لَهَا) أَيْ مَنَافِعِهِ. (وَالرَّازِيُّ يَمْنَعُهُ) أَيْ عَدَمَ إرَادَتِهِمْ (فِي حُقُوقِهِ) تَعَالَى (وَالدَّلِيلُ) عَلَى إرَادَتِهِمْ فِيهَا (الْأَكْثَرِيَّةُ) فَإِنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ مِنْ أَحْكَامِ الْخِطَابِ الَّتِي فِي حَقِّ اللَّهِ أَكْثَرُ مِمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ فِيهَا فَنِسْبَةُ دُخُولِهِ إلَى الْأَكْثَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللُّغَةِ، وَخُرُوجُهُ إلَى الْأَقَلِّ كَمَا هُوَ خِلَافُ ظَاهِرِهَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمُخَالَفَةِ الظَّاهِرَةِ (فَوَجَبَ التَّفْصِيلُ) بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَغَيْرِهِ (وَانْتَظَمَ مَنْعُ عُمُومِ مَمْلُوكِيَّةِ مَنَافِعِهِ) لِلسَّيِّدِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ بَلْ قَدْ اسْتَثْنَى وَقْتَ تَضَايُقِ الْعِبَادَاتِ حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ السَّيِّدُ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ حِينَ تَضَايَقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَطَاعَهُ لَفَاتَتْهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَعَدَمُ صَرْفِ مَنْفَعَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى السَّيِّدِ وَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ اسْتِخْدَامُهُ فِيهِ (فَانْدَفَعَ الْأَوَّلُ) أَيْ التَّنَاقُضُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَنَافِعِهِ لِمَالِكِهِ، وَتَنَاوَلَ الْخِطَابُ لَهُ؛ لِاخْتِلَافِ الْوَقْتَيْنِ فَتَرَجَّحَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةُ خِطَابِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - الْعَامِّ كَيَا عِبَادِي يَا أَيُّهَا النَّاسُ شَمِلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إرَادَتُهُ كَمَا تَنَاوَلَهُ لُغَةً عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مَصْدَرًا بِالْقَوْلِ صَرِيحًا أَوْ غَيْرَ صَرِيحٍ كَبَلِّغْ أَوَّلًا، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِشَمْلِهِ إرَادَتَهُ (وَقِيلَ لَا) يَشْمَلُهُ إرَادَتُهُ (لِأَنَّ كَوْنَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مُبَلِّغَهُ) أَيْ الْخِطَابِ لِلْأُمَّةِ (مَانِعٌ) مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا كَانَ مُبَلِّغًا وَمُبَلَّغًا بِخِطَابٍ وَاحِدٍ (وَلِذَا) الْمَانِعُ مِنْ شُمُولِ إرَادَتِهِ بِالْخِطَابِ الْمَذْكُورِ (خَرَجَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ أَحْكَامٍ عَامَّةٍ) أَيْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا (كَسُنِّيَّةِ الضُّحَى) فَإِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ لِلْأُمَّةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَشْبَهِ وَقَدْ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ

أَعْيَانِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ إلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَالْأَوْجَهُ عَدَمُهُ فَإِنَّ الْخُصُوصِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ مَفْقُودٌ بَلْ وَجَاءَ مِمَّا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ مَا يُعَارِضُهُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ وَقَدْ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُدَاوِمُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى مَخَافَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَى الْأُمَّةِ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَكَانَ يَفْعَلُهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ. (وَحِلُّ أَخْذِ الصَّدَقَةِ) فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ تَنْزِيهًا لَهُ وَتَشْرِيفًا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» وَلَا يَقْدَحُ فِي الِاخْتِصَاصِ تَحْرِيمُهَا عَلَى آلِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ فَالْخَاصَّةُ عَائِدَةٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ حِلِّ الْأَخْذِ (وَالزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ) أَيْ وَحِلُّ تَزَوُّجِهِ بِمَا فَوْقَ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى التِّسْعِ فَإِنَّهُ مَاتَ عَنْ تِسْعٍ كَمَا رَوَاهُ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ عَنْ أَنَسٍ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَارَةِ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَيْفَ لَا، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ «مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ مَا شَاءَ وَزَادَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ إلَّا ذَاتُ مَحْرَمٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ. (وَالْجَوَابُ الْمُبَلِّغُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْعِبَادِ مَشْمُولًا بِهَا لِيُسْمِعَهُمْ إيَّاهَا) ، وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حَاكٍ تَبْلِيغَ جِبْرِيلَ الْخِطَابَ الَّذِي هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ (فَلَا مُوجِبَ لِخُرُوجِهِ، وَهُوَ مَشْمُولٌ بِهِ لُغَةً فَمَا تَحَقَّقَ خُرُوجُهُ مِنْهُ لَزِمَ كَوْنُهُ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ فِيهِ، فَتَفْصِيلُ الْحَلِيمِيِّ) وَالصَّيْرَفِيِّ (بَيْنَ أَنْ يَكُونَ) الْخِطَابُ الْعَامُّ (مُتَعَلِّقَ قَوْلٍ كَقُلْ يَا عِبَادِي فَيَمْنَعُ) شُمُولُهُ إيَّاهُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقَ قَوْلٍ (فَلَا) يَمْنَعُ (مُنْتَفٍ) لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَجَابَ فِي الْبَدِيعِ بِأَنَّ جَمِيعَ الْخِطَابَاتِ الْوَارِدَةِ مُقَدَّرَةٌ بِنَحْوِ قُلْ قَالَ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ بَحْثًا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِ مَا أَنُزِلَ إلَيْهِ وَالْمُقَدَّرُ كَالْمَلْفُوظِ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: وَرُدَّ بِالْمَنْعِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَ الْمُقَدَّرُ كَالْمَلْفُوظِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ كَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] لَيْسَ خِطَابًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ) أَيْ لِلْمَعْدُومِينَ الَّذِينَ سَيُوجَدُونَ بَعْدَ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَانِ الْخِطَابِ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ) أَيْ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ (لَهُمْ) أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ (بِخَارِجٍ) مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ (دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ خِطَابٍ عُلِّقَ بِالْمَوْجُودِينَ حُكْمًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو الْيُسْرِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ) أَيْ الْخِطَابُ الشَّفَاهِيُّ (خِطَابٌ لَهُمْ) أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَيْضًا (لَنَا الْقَطْعُ بِعَدَمِ التَّنَاوُلِ) أَيْ تَنَاوُلِ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ لَهُمْ (لُغَةً) قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَإِنْكَارُهُ مُكَابَرَةٌ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: وَهُوَ حَقٌّ (قَالُوا لَمْ تَزَلْ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ فِي الْأَعْصَارِ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ) أَيْ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ (عَلَى الْمَوْجُودِينَ) فِي أَعْصَارِهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ مَعْدُومِينَ فِي زَمَانِ الْخِطَابِ، وَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى الْعُمُومِ لَهُمْ (أُجِيبَ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ) أَيْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَيْهِمْ (لِتَنَاوُلِهِمْ) أَيْ لِتَنَاوُلِ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ إيَّاهُمْ (لِجَوَازِ كَوْنِهِ) أَيْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَيْهِمْ (لِعِلْمِهِمْ) أَيْ الْعُلَمَاءِ (بِثُبُوتِ حُكْمِ مَا تَعَلَّقَ بِمَنْ قَبْلَهُمْ) أَيْ بِالْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْخِطَابِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ فَيُذْكَرُ لِبَيَانِ عُمُومِ الْحُكْمِ لَهُمْ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِأُولَئِكَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْخِطَابِ. (وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ (لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ) الْخِطَابُ الشَّفَاهِيُّ (بِهِمْ) أَيْ بِمَنْ بَعْدَ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَئِذٍ (لَمْ يَكُنْ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(مُرْسَلًا إلَيْهِمْ) وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِرْسَالِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ بَلِّغْ أَحْكَامِي وَلَا تَبْلِيغَ إلَّا بِهَذِهِ الْعُمُومَاتِ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ اللَّازِمِ فَبِالْإِجْمَاعِ (فَظَاهِرُ الضَّعْفِ) لِلْمَنْعِ الظَّاهِرِ لِكَوْنِهِ لَا تَبْلِيغَ إلَّا بِهَذِهِ الْعُمُومَاتِ الَّتِي هِيَ خِطَابُ الْمُشَافَهَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي التَّبْلِيغِ الْمُشَافَهَةُ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِحُصُولِهِ لِلْبَعْضِ شِفَاهًا وَلِلْبَعْضِ بِنَصْبِ الدَّلَائِلِ وَالْأَمَارَاتِ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الَّذِينَ شَافَهَهُمْ. (وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا نُصِرَ الْخِطَابُ فِي الْأَزَلِ لِلْمَعْدُومِ) ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ تَكْلِيفِ الْمَعْدُومِ الْآتِيَةِ صَدَرَ الْفَصْلُ الرَّابِعُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي نَصْرُهُ فِيهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْأَزَلُ مَا لَا أَوَّلَ لَهُ (وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّظْمَ الْقُرْآنِيَّ يُحَازِي دَلَالَةً) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةِ الْمَعْنَى (الْقَائِمِ بِهِ تَعَالَى قَوِيَ قَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ بَلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ: ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْعُمُومَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: وَهُوَ قَرِيبٌ (وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّعَلُّقَ فِي الْأَزَلِ يَدْخُلُهُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ عَلَى مَا عُرِفَ) مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَعْدُومَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُوجَدُ بِشَرَائِطِ التَّكْلِيفِ يُوَجَّهُ عَلَيْهِ حُكْمٌ فِي الْأَزَلِ بِمَا يَفْهَمُهُ وَيَفْعَلُهُ فِيمَا لَا يَزَالُ. (وَالْكَلَامُ فِي النَّظْمِ الْخَالِي عَنْهُ) أَيْ عَنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَهُوَ تَوْجِيهُ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ إلَى الْغَيْرِ لِلتَّفْهِيمِ، وَهَذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ وُجُودِ الْمُخَاطَبِ فَيَقْوَى قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَيَبْعُدُ كَوْنُ الْحَقِّ عُمُومَ التَّنَاوُلِ لَفْظًا بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّةِ وَقُرْبِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةُ الْمُخَاطِبِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ (دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِثْلُ) قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101] وَأَكْرِمْ مَنْ أَكْرَمَك وَلَا تُهِنْهُ) فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِذَاتِهِ وَالْآمِرُ النَّاهِي إذَا أَكْرَمَ غَيْرَهُ كَانَ الْغَيْرُ مَأْمُورًا بِإِكْرَامِهِ مَنْهِيًّا عَنْ إهَانَتِهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ (وَقِيلَ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ (الْمُخَاطَبَ يُخْرِجُهُ) مِنْ ذَلِكَ (وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ، وَأَمَّا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَمَخْصُوصٌ بِالْعَقْلِ) ، وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ قَرَّرَ وَجْهًا لِلْمَانِعِينَ لِدُخُولِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ دَاخِلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ تَعَالَى خَالِقًا لِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ وَكُلٌّ مِنْ وَجْهِ الْمُلَازَمَةِ وَبُطْلَانِ اللَّازِمِ ظَاهِرٌ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَاهُ تَعَالَى لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى امْتِنَاعِ خَلْقِ الْقَدِيمِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنِ دُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ وَخُرُوجِهِ عَنْهُ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ. قُلْتُ: عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْمُعِينِ النَّسَفِيَّ شَنَّعَ عَلَى الْقَائِلِ بِهَذَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ خُرُوجَ مَا يُوجِبُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ بِقَضِيَّةِ اللُّغَةِ دُخُولُهُ فِيهِ هُوَ التَّخْصِيصُ دُونَ خُرُوجِ مَا لَا يَقْتَضِي ظَاهِرُ اللَّفْظِ دُخُولَهُ فِيهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَكِنْ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَشْيَاءِ لَا يُفْهَمُ دُخُولُهُ فِيهِ ثُمَّ وَجَّهَ ذَلِكَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الشَّيْءَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ، وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَعِنْدَ تَعَيُّنِ الْبَعْضِ مُرَادًا يَخْرُجُ مَا وَرَاءَهُ مِنْ حُكْمِ الْخِطَابِ وَلَا يُعَدُّ تَخْصِيصًا وَقَدْ تَعَيَّنَ الْبَعْضُ الَّذِي هُوَ الْحَادِثُ وَقَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: الشَّيْءُ يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ شَاءَ أُطْلِقَ بِمَعْنَى شَاءَ تَارَةً وَحِينَئِذٍ يَتَنَاوَلُ الْبَارِي تَعَالَى كَمَا قَالَ {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ} [الأنعام: 19] وَبِمَعْنَى مُشِيءٍ أُخْرَى أَيْ مُشِيءٌ وُجُودَهُ وَمَا شَاءَ اللَّهُ وُجُودَهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْجُمْلَةِ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20] {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] فَهُمَا عَلَى عُمُومِهِمَا بِلَا مَثْنَوِيَّةٍ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَمَّا قَالُوا الشَّيْءُ مَا يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ، وَهُوَ يَعُمُّ الْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ أَوْ مَا يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ وَيُجْبَرَ عَنْهُ فَيَعُمُّ الْمُمْتَنِعَ أَيْضًا لَزِمَهُمْ التَّخْصِيصُ بِالْمُمْكِنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ انْتَهَى، وَحِينَئِذٍ فَالتَّشَبُّثُ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلْمَانِعِينَ إنَّمَا يَتَّجِهُ

عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا غَيْرُ، وَحِينَئِذٍ يُجَابُونَ بِالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (مَسْأَلَةُ الْعَامِّ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ كَ {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] (يَعُمُّ) اسْتِعْمَالًا كَمَا هُوَ عَامٌّ مَوْضِعًا (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى مَنَعَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (الِاسْتِدْلَالَ بِ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] الْآيَةَ (عَلَى وُجُوبِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (فِي الْحُلِيِّ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْآيَةِ إلْحَاقُ الذَّمِّ بِمَنْ يَكْنِزُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا بَيَانُ التَّعْمِيمِ، وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ الْمُتَنَاوَلَاتِ اللُّغَوِيَّةِ (لَنَا عَامٌّ بِصِيغَتِهِ) مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ (قَالُوا: عُهِدَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ (ذِكْرُ الْعَامِّ مَعَ عَدَمِ إرَادَتِهِ) أَيْ الْعُمُومِ (مُبَالَغَةً) فِي الْحَثِّ عَلَى الطَّاعَةِ وَالزَّجْرِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ. (وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا) أَيْ الْمُبَالَغَةَ (لَا تُنَافِيهِ) أَيْ الْعُمُومَ (إذَا كَانَتْ) الْمُبَالَغَةُ (لِلْحَثِّ بِخِلَافِ نَحْو قَتَلْتُ النَّاسَ كُلَّهُمْ) مِمَّا لَمْ يُقْصَدْ فِيهِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْحَثِّ بَلْ قُصِدَتْ مُطْلَقًا فَإِنَّ الْعُمُومَ قَدْ يُنَافِيهِ، هَذَا وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ مَقْصُورَةً عَلَى مَا سِيقَ لِلْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ بَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ لِغَرَضٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ مِثْلُ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] لَا يُوجِبُهُ) أَيْ الْأَخْذَ (مِنْ كُلِّ نَوْعٍ) مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ (عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ) كَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ (خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ لَهُ) أَيْ الْكَرْخِيِّ (يَصْدُقُ بِأَخْذِ صَدَقَةٍ) وَاحِدَةٍ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِمْ (أَنَّهُ أَخَذَ صَدَقَةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ) ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِأَخْذِهِ صَدَقَةٌ مَا، إذْ هِيَ نَكِرَةٌ مُثْبَتَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَالِ وَمَهْمَا أَخَذَ مِنْ مَالٍ وَاحِدٍ ذَلِكَ صَدَقَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الْأَمْوَالِ لِكَوْنِ الْمَالِ جُزْأَهَا، وَإِذَا صَدَقَ ذَلِكَ فَقَدْ امْتَثَلَ (وَهُمْ) أَيْ الْأَكْثَرُ (يَمْنَعُونَهُ) أَيْ صَدَقَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً بِأَخْذِ صَدَقَةٌ وَاحِدَةٍ مِنْهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ لَفْظَ أَمْوَالٍ (جَمْعٌ مُضَافٌ فَالْمَعْنَى مِنْ كُلِّ مَالٍ) صَدَقَةٍ (فَيَعُمُّ) الْمَأْخُوذَ (بِعُمُومِهِ) أَيْ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ (أُجِيبَ عُمُومُ كُلٍّ تَفْصِيلِيٍّ) أَيْ لِاسْتِغْرَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدًا مُفَصَّلًا (بِخِلَافِ الْجَمْعِ) فَإِنَّ عُمُومَهُ اسْتِغْرَاقِيٌّ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ التَّفْصِيلِ (لِلْفَرْقِ الضَّرُورِيِّ بَيْنَ لِلرِّجَالِ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِكُلِّ رَجُلٍ) عِنْدِي دِرْهَمٌ حَتَّى يَلْزَمَ فِي الْأَوَّلِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ لِلْجَمِيعِ وَفِي الثَّانِي دَرَاهِمُ بِعِدَّةِ الرِّجَالِ (وَهَذَا) الْجَوَابُ (يُشِيرُ إلَى أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لَيْسَ كَالْمُفْرَدِ) ، وَإِلَّا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْفَرْقِ (وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُ اسْتِغْرَاقِهِ لَيْسَ كَالْمُفْرَدِ (خِلَافُ الْمَنْصُورِ بَلْ هُوَ) أَيْ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى فِي الْعُمُومِ (كَالْمُفْرَدِ) كَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَإِنْ صَحَّ إرَادَةُ الْمَجْمُوعِ بِهِ) أَيْ بِالْجَمْعِ الْمُحَلَّى (لَا كُلُّ فَرْدٍ بِالْقَرِينَةِ) الْمُعَيَّنَةِ لَهَا كَهَذِهِ الدَّارُ لَا تَسَعُ الرِّجَالَ لِلْعِلْمِ بِاتِّسَاعِهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ لَا لِلْمَجْمُوعِ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَقِيقَةُ بِالْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهَا كَفُلَانٍ يَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيَا هِنْدُ لَا تُكَلِّمِي الرِّجَالَ فَقَوْلُهُ بِالْقَرِينَةِ مُتَعَلِّقٌ بِصَحَّ (وَقَدْ يُنْصَرُ) كَوْنُ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لَيْسَ كَالْمُفْرَدِ (بِالْفَرْقِ بَيْنَ: لِلْمَسَاكِينِ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِلْمِسْكِينِ) عِنْدِي دِرْهَمٌ عِنْدَ قَصْدِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهِ بِتَبَادُرِ إرَادَةِ الْمَجْمُوعِ فِي الْجَمْعِ وَكُلُّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ فِي الْمُفْرَدِ (قَبْلَ مُلَاحَظَةِ اسْتِحَالَةِ انْقِسَامِهِ) أَيْ الدِّرْهَمِ (عَلَى الْكُلِّ) الْمُوجِبَةِ لِانْتِفَاءِ إرَادَةِ اسْتِغْرَاقِ كُلِّ جَمْعٍ جَمْعٌ فِي الْجَمْعِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ فِي تَقْرِيرِ الْفَرْقِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى: أَنَّهُ لَيْسَ لِأَجْلِ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ كُلِّ وَاحِدٍ زَائِدٌ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ بَلْ لِأَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَى الْأَنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ الْحَقَائِقِ فَلَمْ يُقْصَدْ لِجَمْعِهِ الْأَنْوَاعَ، وَاللَّامُ الدَّاخِلَةُ فِيهِ لِجِنْسِ الْجَمْعِ لَا لِاسْتِغْرَاقِ الْمَجْمُوعِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ اللَّامَ

مَوْضُوعَةٌ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ، وَالِاسْتِغْرَاقُ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ الْمَقَامِ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَحُمِلَتْ اللَّامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَمَّا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْحَقِيقَةُ إلَّا فِي ضِمْنٍ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا حُمِلَ الرِّجَالُ هُنَا عَلَى أَقَلِّ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] عَلَى مَرْتَبَةٍ تَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ كَمَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ. اهـ. وَقَدْ عَرَفْت مَا فِي بَعْضِ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ. (وَبِتَبَادُرِ صِدْقِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ أَخْذِ صَدَقَةٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى أَخْذِ صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا (فَالْحَقُّ أَنَّ عُمُومَهَا) أَيْ الْجُمُوعِ (مَجْمُوعِيٌّ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ إفْرَادَ الْجَمْعِ الْعَامِّ الْوُحْدَانُ) كَمَا سَلَفَ فِي أَوَائِلِ الْكَلَامِ فِي الْعَامِّ (فَإِنَّهُ) أَيْ ذَاكَ (لَا يُنَافِيهِ) أَيْ هَذَا (وَلُزُومُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَوْ مُطْلَقًا) أَيْ شَرْعِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (لِكُلٍّ) مِنْ الْآحَادِ فِيهِ (ضَرُورَةُ عَدَمِ تَجَزِّي الْمَطْلُوبِ وَغَيْرِهِ) مِنْ الْمَوَانِعِ (كَ {يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] لِلْعِلْمِ بِحُبِّ كُلِّ مُحْسِنٍ. (وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ) أَيْ عُمُومَ الْجَمْعِ فِي الْآحَادِ عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ (مُقْتَضَى أَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ اللُّغَةِ) مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ فَلَا يُنَافِي مَا سَلَفَ فِي الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْجَمْعِ الْعَامِّ تَعَلُّقُهُ بِكُلِّ فَرْدٍ مَعَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْكُلِّ لَا يَلْزَمُ فِي الْجُزْءِ لِلْعِلْمِ بِاللُّزُومِ لُغَةً فِي خُصُوصِ هَذَا الْجُزْءِ؛ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ وَجْهٍ (وَصُورَةُ هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْجَمْعُ الْمُضَافُ لِجَمْعٍ كَمِنْ أَمْوَالِهِمْ لَا يُوجِبُ الْجَمْعَ فِي كُلِّ فَرْدٍ خِلَافًا لِزُفَرَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ إيجَابَهُ فِي كُلِّ فَرْدٍ (وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُضَافَ إلَى الْجَمْعِ مُضَافٌ إلَى كُلِّ فَرْدٍ، وَهُوَ) أَيْ الْمُضَافُ هُنَا (جَمْعٌ فَيَلْزَمُ فِي حَقِّ كُلٍّ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِكُلٍّ) مِنْ الْأَفْرَادِ. (وَمَفْزَعُهُمْ) أَيْ مَلْجَأُ الْحَنَفِيَّةِ (فِي دَفْعِهِ) أَيْ وَجْهِهِ (الِاسْتِعْمَالُ الْمُسْتَمِرُّ نَحْوُ {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح: 7] وَكَرَكِبُوا دَوَابَّهُمْ يُفِيدُ نِسْبَةَ آحَادِهِ) أَيْ الْمُضَافِ (إلَى آحَادِهِ) أَيْ الْمُضَافِ إلَيْهِ (فَفِي الْآيَةِ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ كُلٍّ لَا مِنْ كُلِّ مَالِ كُلٍّ وَيُدْفَعُ) هَذَا الدَّفْعُ (أَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ يُفِيدُ انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ فِيمَا ذُكِرَ (لِخُصُوصِ الْمَادَّةِ) أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام: 31] إخْبَارٌ بِحَمْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوِزْرِ لَا وِزْرًا وَاحِدًا وَأَنَّهُ يَصِحُّ: قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ الْكَافِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ كُلُّ مُسْلِمٍ كَافِرًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (لَكِنَّهُ) أَيْ هَذَا الدَّفْعَ لِلدَّفْعِ (إبْطَالُ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ لَا يَدْفَعُ الْمَطْلُوبَ وَقَدْ بَقِيَ مَا قُلْنَا) مِنْ كَوْنِ الْحَقِّ أَنَّ عُمُومَ الْجَمْعِ مَجْمُوعِيٌّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَلَيْهِ يُوجَدُ الِامْتِثَالُ بِأَخْذِ صَدَقَةٍ مِنْ مَالِ كُلٍّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تُفِيدُ انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ (فَرْعٌ) مَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (إذَا دَخَلْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدَيْنِ فَطَالِقَتَانِ فَدَخَلَتْ كُلٌّ دَارًا وَوَلَدَتْ كُلٌّ وَلَدًا طَلُقَتْ) فِي نَظَائِرَ لِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ تُعْرَفُ ثَمَّةَ (مَسْأَلَةٌ إذَا عَلَّلَ) الشَّارِعُ (حُكْمًا) فِي مَحَلٍّ بِعِلَّةٍ (عَمَّ) الْحُكْمُ (فِي مَحَالِّهَا) أَيْ الْعِلَّةِ شَرْعًا (بِالْقِيَاسِ) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَقِيلَ) عَنْهُ عَمَّ لُغَةً (بِالصِّيغَةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لَا يَعُمُّ) أَصْلًا، وَإِلَيْهِ مَالَ الْغَزَالِيُّ (لَنَا) تَعْلِيلُ الشَّارِعِ حُكْمًا بِعِلَّةٍ (ظَاهِرٌ فِي اسْتِقْلَالِ الْوَصْفِ) بِالْعِلِّيَّةِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهَا لِوُجُوبِ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ (فَتَجْوِيزُ كَوْنِ الْمَحَلِّ جُزْءًا) مِنْ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّقَ الشَّارِعُ عَلَيْهَا الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ (فَلَا يَتَعَدَّى) ؛ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ حِينَئِذٍ (كَقَوْلِ الْقَاضِي احْتِمَالٌ) لَا يَقْدَحُ فِي الظُّهُورِ فَلَا يُتْرَكُ بِهِ الظَّاهِرُ، وَقَدْ يُقَالُ هُوَ لَا يُنْكِرُ الظُّهُورَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِهِ هُنَا كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ فَإِنَّمَا يَنْهَضُ فِي دَفْعِهِ الْحُجَّةَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ، وَالْجَوَابُ لَا ضَيْرَ فَإِنَّ الْحُجَّةَ بِالْعَمَلِ بِهِ قَائِمَةٌ كَمَا عُرِفَ (ثُمَّ لَا صِيغَةَ عُمُومٍ)

مسألة الاتفاق على عموم مفهوم الموافقة

كَقَوْلِ الْمُعَمِّمِينَ بِالصِّيغَةِ (فَانْفَرَدَ التَّعْمِيمُ بِالْعِلَّةِ قَالُوا) أَيْ الْمُعَمِّمُونَ بِالصِّيغَةِ (حُرِّمَتْ الْخَمْرُ؛ لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ كَحَرَّمْت الْمُسْكِرَ) فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وَالثَّانِي يَعُمُّ كُلَّ مُسْكِرٍ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَكَذَا الْأَوَّلُ. (قُلْنَا) إنَّمَا الْأَوَّلُ مِثْلُ الثَّانِي (فِي عُمُومِ الْحُكْمِ) وَلَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومٌ عُمُومَ الْحُكْمِ فِي الْأَوَّلِ (كَوْنُهُ بِالصِّيغَةِ) كَمَا فِي الثَّانِي (لِانْتِفَائِهَا) أَيْ الصِّيغَةِ فِي الْأَوَّلِ وَوُجُودِهَا فِي الثَّانِي [مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى عُمُومِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ] (مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى عُمُومِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ دَلَالَةُ النَّصِّ وَكَذَا إشَارَةُ النَّصِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا دَلَالَةُ اللَّفْظِ، وَاخْتُلِفَ فِي عُمُومِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ قَائِلِيهِ نَفَاهُ الْغَزَالِيُّ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ فَقِيلَ) الْخِلَافُ (لَفْظِيٌّ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (لِثُبُوتِ نَقِيضِ الْحُكْمِ) لِلْمَنْطُوقِ (فِي كُلِّ مَا سِوَى مَحَلِّ النُّطْقِ اتِّفَاقًا وَمُرَادُ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ (لَمْ يَثْبُتْ) فِي الْأَفْرَادِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْمَفْهُومُ (بِالْمَنْطُوقِ) بَلْ الْمَفْهُومُ بِوَاسِطَةِ الْمَنْطُوقِ (وَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ) أَيْ فِي أَنَّ ثُبُوتَ نَقِيضِ الْحُكْمِ فِي الْأَفْرَادِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْمَفْهُومُ لَيْسَ بِالْمَنْطُوقِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ يَرْجِعُ إلَى تَفْسِيرِ الْعَامِّ فَمَنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَفْهُومِ عُمُومٌ، وَمَنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ فِي الْجُمْلَةِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ أَوْ لَا كَانَ لَهُ عُمُومٌ (لَكِنْ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ) فِي الْمُسْتَصْفَى (مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ قَدْ يَظُنُّ لِلْمَفْهُومِ عُمُومًا وَيَتَمَسَّكُ بِهِ) أَيْ بِعُمُومِهِ (وَفِيهِ) أَيْ وَفِي أَنَّ لَهُ عُمُومًا (نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ لَفْظٌ) تَتَشَابَهُ دَلَالَتُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ، وَالنَّحْوِيُّ لَيْسَ يَتَمَسَّكُ بِلَفْظٍ بَلْ بِسُكُوتٍ وَقَدْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا مُخْتَصَرًا بِقَوْلِهِ: (وَالتَّمَسُّكُ بِالْمَفْهُومِ تَمَسُّكٌ بِسُكُوتٍ) فَإِذَا قَالَ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ فَنَفْيُ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ لَيْسَ بِلَفْظٍ حَتَّى يَعُمَّ اللَّفْظُ أَوْ يَخُصَّ وَقَوْلُهُ: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ لَا بِلَفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِعُمُومِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُمُومَ لِلْأَلْفَاظِ لَا لِلْمَعَانِي. اهـ (ظَاهِرٌ فِي تَحَقُّقِهِ) أَيْ الْخِلَافِ (وَبِنَائِهِ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ (مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ خَاصَّةً) فَلَا تَعُمُّ، وَهُوَ قَوْلُهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ (أَوَّلًا) مِنْ عَوَارِضِهَا خَاصَّةً فَتَعُمُّ خَاصَّةً كَمَا قَالَ غَيْرُهُ (وَحُقِّقَ تَحَقُّق الْعُمُومِ) فِي الْمَفْهُومِ. (وَإِنَّ النِّزَاعَ فِي أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ (مَلْحُوظٌ لِلْمُتَكَلِّمِ) بِمَنْزِلَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ (فَيُقْبَلُ حُكْمُهُ) أَيْ الْعُمُومِ (مِنْ التَّخْصِيصِ) وَتُجْزِئُ الْإِرَادَةُ (أَوَّلًا) أَيْ أَوْ غَيْرُ مَلْحُوظٍ لَهُ (بَلْ هُوَ لَازِمٌ عَقْلِيٌّ ثَبَتَ تَبَعًا لِمَلْزُومِهِ) ، وَهُوَ الْمَنْطُوقُ (فَلَا يَقْبَلُهُ) أَيْ التَّخْصِيصُ وَالتَّجْزِئَةُ فِي الْإِرَادَةِ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ عَقْلًا لَا مَدْخَلَ لِلْإِرَادَةِ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ لَازِمًا عَقْلِيًّا (مُرَادُ الْغَزَالِيِّ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ وَيُتَمَسَّكُ بِهِ إلَخْ أَيْ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهِ ذَلِكَ) فَيَكُونُ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ فِي بِهِ عَائِدًا عَلَى نَفْسِ الْمَفْهُومِ لَا عَلَى عُمُومِهِ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا مُسْتَغْنٍ عَنْ قَوْلِهِ إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا حُقِّقَ هَذَا وَالْمُحَقِّقُ لَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (لِاسْتِبْعَادِ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَقِيضُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِكُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَعَلِمَتْ أَنَّ لَفْظَ الْغَزَالِيِّ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ) أَيْ هَذَا الْمُحَقِّقِ (وَجَازَ أَنْ يَقُولَ) الْغَزَالِيُّ (بِثُبُوتِ النَّقِيضِ) أَيْ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ (عَلَى الْعُمُومِ وَيَنْسُبُهُ إلَى الْأَصْلِ لَا لِلْمَفْهُومِ كَطَرِيقِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَفْهُومِ (عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فِي بَحْثِ الْمَفْهُومِ فَلَمْ يُوجِبْ الْإِثْبَاتَ لِكُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ تَأْوِيلُ لَفْظِهِ بِمَا ذُكِرَ فَيَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ قُلْتُ عَلَى أَنَّ حَمْلَ قَوْلِهِ وَيُتَمَسَّكُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ يَنْبُو عَنْهُ كُلَّ النُّبُوِّ قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ فَلْيُنْظَرْ. (مَسْأَلَةٌ: قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ فَرْعًا فِقْهِيًّا مَعَ) عِلْمِهِمْ بِالْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي فِي التَّارِيخِ الْأَوْسَطِ لِلْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد رِوَايَةُ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ (قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ

فِي عَهْدِهِ» فَاخْتُلِفَ فِي مَبْنَاهُ) أَيْ هَذَا الْفَرْعِ (فَالْآمِدِيُّ) وَالْغَزَالِيُّ (عُمُومُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْمَعْطُوفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لَهُمْ) أَيْ لِلشَّافِعِيَّةِ (وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ: بِكَافِرٍ مَعَ ذُو عَهْدٍ، وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ (بِكَافِرٍ) بَعْدَ (فِي عَهْدِهِ) (لَمْ يُقْتَلْ) ذُو عَهْدٍ (بِمُسْلِمٍ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ نَفْيًا لِقَتْلِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، وَإِذْ كَانَ عُمُومُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْمَعْطُوفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (فَأَمَّا) يَكُونُ (لُغَةً عَلَى مَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ الْمَعْطُوفُ جُمْلَةٌ نَاقِصَةٌ فَيُقَدَّرُ خَبَرُ الْأَوَّلِ فِيهَا تَجَوُّزًا بِهِ) أَيْ بِالْخَبَرِ (عَنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ) فَإِنَّ بِكَافِرٍ لَيْسَ بِخَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ بَلْ هُوَ جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ (فَنَحْو ضَرَبْتُ زَيْدًا يَوْمَ الْجُمُعَة وَعَمْرًا يَلْزَمُ تَقْيِيدَ عَمْرٍو بِهِ) أَيْ ضَرْبِهِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ (ظَاهِرًا) فَلَا يَضُرُّ الْتِزَامُهُ إذَا أُورِدَ (وَوَجْهُهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِلْزَامِ لُغَةً (أَنَّ الْعَطْفَ لِتَشْرِيكِ الثَّانِي فِي الْمُتَعَلَّقِ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْكَائِنِ لِلْعَامِلِ مَعَ الْعَامِلِ (وَهُوَ) أَيْ وَتَشْرِيكُهُ فِيهِ (عَدَمُ قَتْلِهِ) أَيْ ذِي عَهْدٍ (بِكَافِرٍ، وَإِنْ شَرَكَهُ النُّحَاةُ فِي الْعَامِلِ، وَلَمْ يَأْخُذُوا الْقَيْدَ) الْكَائِنَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَعْطُوفِ أَيْضًا (لَكِنَّ هَذَا) أَيْ التَّشْرِيكَ فِي الْمُتَعَلَّقِ أَيْضًا (حَقٌّ، وَهُوَ لَازِمُهُمْ) أَيْ النُّحَاةِ (فَإِنَّ الْعَامِلَ مُقَيَّدٌ بِالْفَرْضِ فَشَرِكَتُهُ) أَيْ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْعَامِلِ (تُوجِبُ تَقَيُّدَهُ) أَيْ الثَّانِي بِذَلِكَ الْقَيْدِ (مِثْلُهُ) أَيْ الْأَوَّلِ (وَإِمَّا) يَكُونُ (بِمُنْفَصِلٍ شَرْعِيٍّ هُوَ لُزُومُ عَدَمِ قَتْلِ الذِّمِّيِّ بِمُسْلِمٍ لَوْلَاهُ) أَيْ شَرِكَتُهُ مَعَهُ فِي الْمُتَعَلَّقِ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْكَافِرُ (مَخْصُوصٌ بِالْحَرْبِيِّ لِقَتْلِهِ) أَيْ ذِي الْعَهْدِ (بِالذِّمِّيِّ فَانْتَفَى اللَّازِمُ) ، وَهُوَ عُمُومُ الثَّانِي (فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ، وَهُوَ عُمُومُ الْأَوَّلِ) فَلَا يُحْمَلُ عَلَى عَدَمِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِكَافِرٍ مُطْلَقًا. (وَقِيلَ) قَالَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ بَلْ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ (تَخْصِيصُ الْمَعْطُوفِ يُوجِبُهُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (وَهَذَا) الْقَوْلُ (لَازِمٌ لِلْأَوَّلِ) الَّذِي قَالَهُ الْآمِدِيُّ (لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ) أَيْ الْمَعْطُوفِ (نَفْيُ عُمُومِهِ، وَهُوَ) أَيْ نَفْيُ عُمُومِهِ (انْتِفَاءُ اللَّازِمِ فِي الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ فِي الْأَوَّلِ هُوَ عُمُومُ الْمَعْطُوفِ (وَنَفْيُ اللَّازِمِ مَلْزُومٌ لِنَفْيِ الْمَلْزُومِ) ، وَهُوَ عُمُومُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ فَيَنْتَفِي عُمُومُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ؛ لِانْتِفَاءِ عُمُومِ الْمَعْطُوفِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ تَخْصِيصَ الْمَعْطُوفِ يُخَصِّصُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالتَّعَقُّبِ لِقَوْلِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ تِلْكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ بِرَأْسِهَا (وَقَدْ يُقَالُ) فِي تَقْرِيرِ هَذَا تَخْصِيصُ الثَّانِي (يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ الْأَوَّلِ بِمَا خُصَّ بِهِ) الثَّانِي (وَلَا شَكَّ أَنَّهُ) أَيْ تَخْصِيصَ الثَّانِي بِالْحَرْبِيِّ (مُرَادٌ) لِئَلَّا يَلْزَمَ مِنْهُ أَنْ لَا يُقْتَلَ ذِمِّيٌّ بِذِمِّيٍّ، وَحَيْثُ يُخَصَّصُ الثَّانِي بِالْحَرْبِيِّ فَالْأَوَّلُ كَذَلِكَ (فَيَصِيرُ الْحَدِيثُ دَلِيلًا لِلْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْمَعْنَى لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِحَرْبِيٍّ وَلَا ذِمِّيٌّ بِحَرْبِيٍّ وَيَلْزَمُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ حَرْبِيٍّ فَيَدْخُلُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِيِّ الذِّمِّيُّ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ قَالُوا بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ) ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ فِي مِثْلِهِ (وَقِيلَ قَلْبُهُ) أَيْ يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصُ الْأَوَّلِ تَخْصِيصَ الثَّانِي (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (لَا يَصِحُّ مَبْنِيُّ الْفَرْعِ) الْمَذْكُورِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ فِي الْأَوَّلِ (نَعَمْ لَا تَلَازُمَ) بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ (فَقَدْ يَعُمَّانِ) أَيْ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ (وَقَدْ يَعُمُّ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ، وَكَوْنُ الْعَطْفِ لِلتَّشْرِيكِ يَصْدُقُ إذَا شَرَّكْت بَعْضَ أَفْرَادِ الْمَعْطُوفِ فِي الْمُقَيَّدِ الْمُتَعَلِّقِ بِكُلِّ الْأَوَّلِ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعَطْفِ لِلتَّشْرِيكِ فِي الْعَامِلِ الْمُقَيَّدِ اسْتِوَاءُ الْمُتَعَاطِفَيْنِ فِي الْعُمُومِ الصِّرْفِ أَوْ التَّخْصِيصِ بَلْ يَصْدُقُ التَّشْرِيكُ إذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ عَامًّا

مَخْصُوصًا تَعَلَّقَ بِهِ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَامِّ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي لَمْ يُخَصَّصْ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ بِكُلِّ الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ بِبَعْضِ أَفْرَادِهِ الَّتِي شُرِّكَتْ هِيَ الْبَاقِيَةُ تَحْتَ الْعَامِّ الْمَعْطُوفِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَطْفُ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْطُوفِ شَارَكَ الْمُرَادَ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْمُرَادُ بِالْمُتَعَاطِفِينَ نَفْسِهِمَا (فَظَهَرَ) بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لَهُمْ (أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يُعَارِضُ آيَاتِ الْقِصَاصِ الْعَامَّةَ، وَإِنْ خُصَّ مِنْهَا الْحَرْبِيُّ لِتَخْصِيصِ كَافِرِ الْأَوَّلِ بِالْحَرْبِيِّ، وَالْمُحَقِّقُونَ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنُ) لَا الْحَرْبِيِّ مُطْلَقًا (لِيُفِيدَ) قَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ (إذْ غَيْرُهُ) أَيْ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ، وَهُوَ الْحَرْبِيُّ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَأْمَنٍ (مِمَّا عُرِفَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ كَالصَّلَاةِ) أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِهِ (فَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ) كَمَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ كَافِرِ الْأَوَّلِ بِهِ مُوجِبٌ لِتَخْصِيصِ كَافِرِ الثَّانِي بِهِ أَيْضًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ تَخْصِيصَ الْأَوَّلِ بِدَلِيلٍ يُوجِبُهُ فِي الثَّانِي بِعَيْنِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ نَاقِصٌ فَيُقَدَّرُ مَا فِي الْأَوَّلِ فِيهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ قَتْلِ الذِّمِّيِّ بِالذِّمِّيِّ وَتَخْصِيصُ الثَّانِي بِدَلِيلِهِ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْأَوَّلِ دَلَالَةً قَرِيبَةً فَلَا يُوجِبُهُ لُغَةً، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ (وَاَلَّذِي فِي هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ (مِنْ مَبَاحِثِ الْعُمُومِ كَوْنُ الْعَطْفِ عَلَى عَامٍّ لِعَامِلِهِ مُتَعَلِّقَ عَامٍّ يُوجِبُ تَقْدِيرَ لَفْظِهِ) أَيْ لَفْظَ الْمُتَعَلِّقِ الْعَامِّ (فِي الْمَعْطُوفِ ثُمَّ يُخَصُّ أَحَدُهُمَا بِخُصُوصِ الْآخَرِ، وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُخَصَّ أَحَدُهُمَا بِخُصُوصِ الْآخَرِ (اخْتَلَفَ الْعَامِلُ وَفِيهِ) أَيْ لُزُومِ اخْتِلَافِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (مَا سَمِعْت) مِنْ عَدَمِ لُزُومِ اتِّحَادِ كَمِّيَّتَيْ الْمُتَعَاطِفَيْنِ فِي الْأَفْرَادِ الْمُتَنَاوَلَةِ، وَأَنَّ اخْتِلَافَهَا لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّا فَرَضْنَا تَقْدِيرَ قَيْدِ الْعَامِلِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُنَافِيهِ اخْتِلَافُ كَمِّيَّتِهِمَا إذْ يَصْدُقُ أَنَّهُ شَرَكَ الْمُرَادَ بِأَحَدِهِمَا الْمُرَادَ بِالْآخَرِ فِي الْعَامِلِ الْمُقَيَّدِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا ثُمَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَزِيدُ كَلَامٍ لَمْ نُطَوِّلْ بِهِ إيثَارًا لِلِاقْتِصَارِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ الْمَرَامِ. (مَسْأَلَةٌ الْجَوَابُ غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ) عَنْ سُؤَالٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُفِيدًا بِدُونِهِ كَنَعَمْ وَلَا (يُسَاوِي السُّؤَالَ فِي الْعُمُومِ اتِّفَاقًا وَفِي الْخُصُوصِ قِيلَ كَذَلِكَ) أَيْ يُسَاوِيهِ فِي الْخُصُوصِ أَيْضًا اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ قِيلَ هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ نَعَمْ كَانَ عَامًّا وَلَوْ قِيلَ هَلْ يَجُوزُ لِي الْوُضُوءُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ نَعَمْ كَانَ خَاصًّا (وَقِيلَ يَعُمُّ) الْجَوَابُ فِيهِ (عِنْدَ الشَّافِعِيِّ) حَتَّى كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ إلَّا عَلَى جَوَازِ التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ الْبَحْرِ لِكُلِّ أَحَدٍ (لِتَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ) أَيْ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ فِي حِكَايَةِ الْحَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ كَمَا هُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا صَرِيحُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَشَارِحِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَهَبَ إلَيْهِ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ الْمَحْكِيِّ الْمَذْكُورِ عَنْهُ لِتَنَاوُلِهِ الْجَوَابَ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ لَكِنَّهُ وَهْمٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا فِيمَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُورِدْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَمْثِلَتِهِ إلَّا مَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بَلْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: الْعُمُومُ فَرْعُ اسْتِقْلَالِ الْكَلَامِ بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ يُفْرَضُ الِابْتِدَاءُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ سُؤَالٍ فَإِذْ ذَاكَ يَسْتَمْسِكُ بَعْضٌ بِاللَّفْظِ وَآخَرُونَ بِالسَّبَبِ فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِقْلَالُ دُونَ تَقَدُّمِ سُؤَالٍ، وَالسُّؤَالُ خَاصٌّ بِهِ فَالْجَوَابُ تَتِمَّةٌ لَهُ وَكَالْجُزْءِ مِنْهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى ادِّعَاءِ الْعُمُومِ بِهِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ وَجْهُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّ الْجَوَابَ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ يَتْبَعُ السُّؤَالَ فِي الْخُصُوصِ (وَلَا مَعْنَى لِلُزُومِ الْعُمُومِ) فِي الْجَوَابِ (لِتَرْكِهِ) أَيْ الِاسْتِفْصَالِ (إلَّا فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ وَالْمُرَادُ عُمُومُ الْمُكَلَّفِينَ) أَيْ

لَكِنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ عُمُومُ الْجَوَابِ لِلْمُكَلَّفِينَ أَوْ خُصُوصُهُ بِبَعْضِهِمْ (وَالْقَطْعُ أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ لِلْمُكَلَّفِينَ (إنْ ثَبَتَ فِي نَحْوِ) نَعَمْ جَوَابًا لِقَوْلِهِ (أَيَحِلُّ لِي كَذَا فَبِقِيَاسٍ) لَهُمْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ عِلَّتِهِ فِيهِمْ كَمَا فِيهِ (أَوْ بِنَحْوِ وَحُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ) حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ النُّصُوصِ الْمُفِيدَةِ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا (لَا مِنْ نَعَمْ) فَقَطْ، وَهَذَا لَا يُنَافِي خُصُوصَهُ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخُصُوصِ. (وَأَمَّا) الْجَوَابُ (الْمُسْتَقِلُّ الْعَامُّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ فَلِلْعُمُومِ) عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَقِلِّ مَا يَكُونُ وَافِيًا بِالْمَقْصُودِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ السَّبَبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ سُؤَالًا، نَحْوَ مَا رَوَى أَحْمَدُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَالنَّتْنُ وَلَحْمُ الْكِلَابِ فَقَالَ إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ وَلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» أَوْ حَادِثَةٌ كَمَا لَوْ شَاهَدَ مَنْ رَمَى إهَابَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) عَلَى مَا نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ الَّذِي صَحَّ عِنْدِي مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَكِنَّهُ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا إنَّمَا يَصْنَعُهُ الْأَلْفَاظُ وَمَشَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَبَيَّنَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي مَنَاقِبِهِ، وَهْمَ نَاقِلِ الْأَوَّلِ عَنْهُ بِمَا يُعْرَفُ ثَمَّةَ نَعَمْ قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْقَفَّالُ وَالدَّقَّاقُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ إلَيَّ كَانَ وُقُوعَ حَادِثَةٍ (لَنَا أَنَّ التَّمَسُّكَ بِاللَّفْظِ، وَهُوَ عَامٌّ) وَلَا مَانِعَ مِنْ إجْرَائِهِ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنْ قِيلَ بَلْ ثَمَّ مَانِعٌ، وَهُوَ خُصُوصُ السَّبَبِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَخُصُوصُ السَّبَبِ لَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ غَيْرِهِ) أَيْ ذِي السَّبَبِ بِالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي عُمُومَهُ فَكَيْفَ يُخَرَّجُ غَيْرُهُ. (وَتَمَسَّكَ أَصْحَابُهُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ بِهَا) أَيْ بِالْأَجْوِبَةِ الْعَامَّةِ الْوَارِدَةِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ (كَآيَةِ السَّرِقَةِ، وَهِيَ فِي رِدَاءِ صَفْوَانَ أَوْ الْمِجَنِّ) كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّفَاسِيرِ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُبَيْرِقٍ سَارِقِ الدِّرْعِ الَّذِي ذُكِرَتْ قِصَّتُهُ فِي الْآيَاتِ الَّتِي مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ فِيهَا {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} [النساء: 108] بَلْ سِيَاقُ قِصَّةِ الْقَطْعِ فِي رِدَاءِ صَفْوَانَ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ يُفِيدُ تَأَخُّرَ وُقُوعِهَا عَنْ نُزُولِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ الْمَخْزُومِيَّةَ الَّتِي سَرَقَتْ وَذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ إنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَآيَةُ الظِّهَارِ فِي سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ) كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَيْضًا وَتَعَقَّبُوهُ بِأَنَّهَا إنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَزَوْجَتِهِ خَوْلَةَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ أَوَّلُ ظِهَارٍ فِي الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَامْرَأَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: وَلَيْسَ يَبْعُدُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ حَدِيثِ «سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ ثُمَّ أُسْنِدَ إلَيْهِ قَالَ كُنْت امْرَأً أُصِيبُ مِنْ النِّسَاءِ مَا لَا يُصِيبُ غَيْرِي فَدَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَخِفْت أَنْ يَقَعَ مِنِّي شَيْءٌ فِي لَيْلَتِي فَيُتَابَعَ بِي حَتَّى أُصْبِحَ فَظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ الشَّهْرُ فَبَيْنَمَا هِيَ تَخْدُمُنِي إذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَمَا لَبِثْت أَنْ نَزَوْت عَلَيْهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ خَرَجْت إلَى قَوْمِي فَقَصَصْت عَلَيْهِمْ خَبَرِي وَقُلْت لَهُمْ امْشُوا مَعِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا لَا وَاَللَّهِ مَا نَمْشِي مَعَك إنَّا نَخَافُ أَنْ يَنْزِلَ فِيك الْقُرْآنُ أَوْ يَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيك بِمَقَالَةٍ يَلْزَمُنَا عَارُهَا فَانْطَلَقْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ قُلْت أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ قُلْت أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ قُلْت أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاحْكُمْ فِي بِمَا أَرَاك اللَّهُ فَهَا أَنَا ذَا صَابِرٌ نَفْسِي قَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً» ، الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ثُمَّ قَالَ فَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ سَلَمَةَ وَقَعَتْ عَقِبَ قِصَّةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِمَا وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ قَوْمِ سَلَمَةَ نَخْشَى أَنْ يَنْزِلَ فِيك قُرْآنٌ فَإِنَّ فِيهِ وَفِي سُؤَالِ سَلَمَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ آيَةَ الظِّهَارِ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ. انْتَهَى. قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يُبْعِدُهُ تَضَافُرُ الرِّوَايَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى أَنَّ زَوْجَةَ أَوْسٍ لَمَّا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَرِحَتْ أَوْ فَلَمْ تَرِمْ مَكَانَهَا حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ، ثُمَّ الْآيَةُ نَفْسُهَا فَإِنَّهَا مُشِيرَةٌ إلَى أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا مُجَادَلَةُ زَوْجَةِ الْمُظَاهِرِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَكْوَاهَا إلَى اللَّهِ وَلَمْ يُنْقَلْ هَذَا كُلُّهُ إلَّا فِي زَوْجَةِ أَوْسٍ ثُمَّ لَيْسَ فِي قَوْلِ قَوْمِ سَلَمَةَ نَخْشَى أَنْ يَنْزِلَ فِيك قُرْآنٌ وَلَا فِي سُؤَالِ سَلَمَةَ إشَارَةٌ رَاجِحَةٌ إلَى أَنَّ آيَةَ الظِّهَارِ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ وَلَا بِظَاهِرٍ أَيْضًا أَنَّ الْمَخْشِيَّ وُقُوعَهُ مِنْ النُّزُولِ كَانَ بَيَانَ حُكْمِ الظِّهَارِ وَلَا مِنْ الْبَعِيدِ أَنْ يَكُونَ الْمَخْشِيُّ نُزُولَهُ فِيهِ هُوَ التَّوْبِيخَ لَهُ وَنَحْوَهُ، وَمِنْ ثَمَّةَ أَرْدَفُوهُ بِقَوْلِهِمْ أَوْ يَتَكَلَّمُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيك بِمَقَالَةٍ يَلْزَمُنَا عَارُهَا وَلَا أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ قَدْ نَزَلَتْ وَخَفِيَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ حُكْمُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مُبَادَرَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَيَانِ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ انْتِظَارِ الْوَحْيِ وَلَا التَّوَقُّفِ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَآيَةُ اللِّعَانِ فِي هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَوْ عُوَيْمِرٍ) كَمَا كِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَسِيَاقُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى «عُوَيْمِرٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَاصِمٍ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ سَلْ لِي عَنْ ذَلِكَ يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ عَاصِمًا سَأَلَهُ فَكَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْهُ وَأَنَّ عُوَيْمِرًا قَالَ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُ فِي وَسَطِ النَّاسِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ قَدْ أُنْزِلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ عَاصِمًا لَمَّا سَأَلَ لِعُوَيْمِرٍ تَخَلَّلَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ عُوَيْمِرٍ بِنَفْسِهِ قِصَّةُ هِلَالٍ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَلَمَّا جَاءَ عُوَيْمِرٌ قِيلَ لَهُ قَدْ أُنْزِلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك بِاعْتِبَارِ شُمُولِ الْآيَةِ كُلَّ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا كُلٌّ مِنْهُمَا ثُمَّ قَوْلُ أَنَسٍ كَانَ أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ الْحَدِيثَ، يُفِيدُ أَنَّ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ كَانَ فِي هِلَالٍ قَبْلَ عُوَيْمِرٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَالُوا: لَوْ كَانَ) الْجَوَابُ عَامًّا لِلسَّبَبِ وَغَيْرِهِ (لَجَازَ تَخْصِيصُ السَّبَبِ بِالِاجْتِهَادِ) مِنْ عُمُومِ الْجَوَابِ كَغَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِهِ لِتَسَاوِيهَا فِي الْعُمُومِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَأُجِيبَ) بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ (بِأَنَّهُ) أَيْ تَخْصِيصَ السَّبَبِ بِالِاجْتِهَادِ (خُصَّ مِنْ جَوَازِ التَّخْصِيصِ لِلْقَطْعِ بِدُخُولِهِ) أَيْ الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ فِي إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ قَطْعًا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِيهَا (لَمْ يَكُنْ) الْجَوَابُ (جَوَابًا) لَهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا بُعْدَ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ خَاصٍّ فَيَصِيرُ كَالنَّصِّ فِيهِ وَالظَّاهِرُ فِي غَيْرِهِ فَيُمْكِنُ إخْرَاجُ غَيْرِهِ دُونَهُ. (وَأُجِيبَ أَيْضًا بِمَنْعِ بُطْلَانِ اللَّازِمِ) ، وَهُوَ جَوَازُ تَخْصِيصِ السَّبَبِ بِالِاجْتِهَادِ (فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَخْرَجَ وَلَدَ الْأَمَةِ) الْمَوْطُوءَةِ (مِنْ عُمُومِ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ) فَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا بِدَعْوَاهُ (مَعَ وُرُودِهِ) أَيْ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» (فِي وَلِيدَةِ زَمْعَةَ) وَكَانَتْ أَمَةً مَوْطُوءَةً لَهُ وَلَا بَأْسَ بِسَوْقِهِ إيضَاحًا لِلْمَرَامِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إلَيْكَ فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ ابْنُ أَخِي عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ أَخِي وَابْنُ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ. ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَحِقَ بِاَللَّهِ تَعَالَى» (وَلَيْسَ) هَذَا الْجَوَابُ (بِشَيْءٍ) دَافِعٌ لِدَلِيلِ الْمُخَصِّصِينَ (فَإِنَّ السَّبَبَ الْخَاصَّ وَلَدُ زَمْعَةَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ) مِنْ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» (فَالْمُخْرِجُ نَوْعُ السَّبَبِ) ، وَهُوَ وَلَدُ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ (مَخْصُوصًا مِنْهُ) أَيْ نَوْعِ السَّبَبِ (السَّبَبُ) الْخَاصُّ، وَهُوَ وَلَدُ زَمْعَةَ (وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ) أَيْ أَبَا حَنِيفَةَ (لَمْ يُخْرِجْ نَوْعَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةِ (لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ فَالْفِرَاشُ الْمَنْكُوحَةُ) ، وَهِيَ الْفِرَاشُ الْقَوِيُّ يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ بِمُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ وَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ (وَأُمُّ الْوَلَدِ) ، وَهِيَ فِرَاشٌ ضَعِيفٌ إنْ كَانَتْ حَائِلًا فَيَجُوزُ تَزْوِيجُهَا، وَفِرَاشٌ مُتَوَسِّطٌ إنْ كَانَتْ حَامِلًا فَيَمْتَنِعُ تَزْوِيجُهَا، وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا بِلَا دَعْوَةٍ وَيَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْفُرُشُ ثَلَاثَةٌ: قَوِيٌّ، وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ. وَمُتَوَسِّطٌ، وَهِيَ أُمُّ الْوَلَدِ. وَضَعِيفٌ، وَهِيَ الْأَمَةُ الْمَوْطُوءَةُ الَّتِي لَمْ يَثْبُتْ لَهَا أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ (وَإِطْلَاقُ الْفِرَاشِ عَلَى وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ بَعْدَ قَوْلِ عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْأَمَةِ مُطْلَقًا فِرَاشًا لِجَوَازِ كَوْنِهَا) أَيْ وَلِيدَةَ زَمْعَةَ (كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَقَدْ قِيلَ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (وَدَلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظِ وَلِيدَةٍ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ عَلَى أَنَّهُ مُنِعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَثْبَتَ نَسَبَهُ لِقَوْلِهِ هُوَ لَك) أَيْ مِيرَاثٌ مِنْ أَبِيك وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقُلْ هُوَ أَخُوكَ وَمَا فِي رِوَايَةِ هُوَ أَخُوك يَا عَبْدُ فَمُعَارَضَةٌ بِهَذِهِ، وَهَذِهِ أَرْجَحُ؛ لِأَنَّهَا الْمَشْهُورَةُ الْمَعْرُوفَةُ. (وَقَوْلُهُ: «احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ» ) إذْ لَوْ كَانَ أَخَاهَا شَرْعًا لَمْ يَجِبْ احْتِجَابُهَا مِنْهُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ «وَأَمَّا أَنْتِ فَاحْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَك بِأَخٍ» (قَالُوا لَوْ عَمَّ) الْجَوَابُ فِي السَّبَبِ وَغَيْرِهِ (كَانَ نَقْلُ الصَّحَابَةِ السَّبَبَ بِلَا فَائِدَةٍ) إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ سِوَى التَّخْصِيصِ (وَهُوَ) أَيْ وَنَقْلُهُمْ السَّبَبَ بِلَا فَائِدَةٍ (بَعِيدٌ) ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يَعْتَنِي بِنَقْلِ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ (أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ) أَيْ السَّبَبِ (لِيَمْنَعَ تَخْصِيصَهُ) بِالِاجْتِهَادِ (أَجَلُّ فَائِدَةً، وَنَفْسُ مَعْرِفَةِ الْأَسْبَابِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الْأَغَالِيطِ) . فَائِدَةٌ: أَيْضًا (قَالُوا لَوْ قَالَ لَا أَتَغَدَّى جَوَابُ تَغَدَّ عِنْدِي لَمْ يَعُمَّ) قَوْلُهُ " أَتَغَدَّى " كُلَّ تَغَدٍّ وَنُزِّلَ عَلَى التَّغَدِّي عِنْدَهُ (إذْ لَمْ يُعَدَّ كَاذِبًا بِتَغَدِّيهِ عِنْدَ غَيْرِهِ أُجِيبَ بِأَنَّ تَخْصِيصَهُ) لِعُمُومِ كُلَّ تَغَدٍّ (يُعْرَفُ فِيهِ) ، وَهُوَ عُرْفُ الْمُحَاوَرَةِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَغَدَّى عِنْدَهُ (لَا بِالسَّبَبِ) وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْ الدَّلِيلِ لِمَانِعٍ لَا يَقْدَحُ فِيهِ فَانْتَفَى قَوْلُ زُفَرَ بِعُمُومِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ حَالِفًا عَلَى ذَلِكَ حَنِثَ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الْجَوَابِ الْيَوْمَ ثُمَّ تَغَدَّى عِنْدَ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَحْنَثُ لِظُهُورِ إرَادَةِ الِابْتِدَاءِ دُونَ الْجَوَابِ حَمْلًا لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِلْغَاءِ نَعَمْ إنْ نَوَى الْجَوَابَ صُدِّقَ دِيَانَةً لِاحْتِمَالِهِ. (قَالُوا: لَوْ عَمَّ) الْجَوَابُ السَّبَبَ الْمَسْئُولَ عَنْهُ وَغَيْرَهُ (لَمْ يَكُنْ) الْجَوَابُ (مُطَابِقًا) لِلسُّؤَالِ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ خَاصٌّ، وَالْجَوَابُ عَامٌّ، وَأَنَّهُ يَجِبُ نَفْيُ مِثْلِهِ عَنْ الشَّارِعِ (قُلْنَا) الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ بَلْ (طَابَقَ) الْجَوَابُ السُّؤَالَ بِكَشْفِهِ عَنْ مَعْنَاهُ وَتَبْيِينِ حُكْمِهِ (وَزَادَ) عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ، وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ وَكَيْفَ لَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:

البحث الرابع الاتفاق على إطلاق قطعي الدلالة على الخاص وعلى احتماله

{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18] وَصَحَّحَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» (قَالُوا لَوْ عَمَّ) الْجَوَابُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ غَيْرَهُ (كَانَ) الْعُمُومُ (تَحَكُّمًا بِأَحَدِ مَجَازَاتٍ مُحْتَمَلَةٍ) ثَلَاثَةٍ (نُصُوصِيَّةٍ عَلَى السَّبَبِ فَقَطْ) أَيْ كَوْنُ عُمُومِ الْجَوَابِ نَصًّا فِي الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ الْخَاصِّ الَّذِي لِأَجْلِهِ وَرَدَ الْعَامُّ دُونَ غَيْرِهِ. (أَوْ) نُصُوصِيَّةٍ عَلَى السَّبَبِ (مَعَ الْكُلِّ) أَيْ سَائِرِ الْأَفْرَادِ الَّتِي هُوَ ظَاهِرٌ فِيهَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْجَمِيعِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَصٌّ فِي بَعْضٍ وَظَاهِرٌ فِي الْبَاقِي. (أَوْ) نُصُوصِيَّةٍ عَلَى السَّبَبِ مَعَ (الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ الَّتِي هُوَ ظَاهِرٌ فِيهَا (قُلْنَا: لَا مَجَازَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَجَازَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ (بِالِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَعْنَى) الَّذِي لَمْ يُوضَعْ اللَّفْظُ لَهُ (لَا بِكَيْفِيَّةِ الدَّلَالَةِ) مِنْ الظُّهُورِ وَالنُّصُوصِ (وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ) اللَّفْظُ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ (فِي الْكُلِّ) أَيْ فَرْدِهِ السَّبَبِيِّ وَبَاقِي أَفْرَادِهِ (فَهُوَ حَقِيقَةٌ) فِي الْعُمُومِ (وَأَيْضًا نَمْنَعُ نُصُوصِيَّتَهُ) أَيْ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ (بَلْ تَنَاوُلُهُ لِلسَّبَبِ كَغَيْرِهِ) مِنْ الْأَفْرَادِ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِخَارِجٍ) عَنْ اللَّفْظِ، وَهُوَ لُزُومُ انْتِفَاءِ الْجَوَابِ (الْقَطْعُ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ) أَيْ الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ (مِنْ الْحُكْمِ) . لَكِنْ عَلَى هَذَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخَارِجَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ (مُحَقِّقٌ لِلنُّصُوصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ النُّصُوصِيَّةَ (أَبَدًا لَا تَكُونُ مِنْ ذَاتِ اللَّفْظِ إلَّا إنْ كَانَ) اللَّفْظُ (عَلَمًا إنْ لَمْ يَتَجَوَّزْ بِهَا) أَيْ بِالْأَعْلَامِ فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهَا فَهِيَ كَغَيْرِهَا إنَّمَا تَكُونُ نُصُوصِيَّتُهَا بِخَارِجٍ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا فَرْضُ مَا هُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ فَخْرَ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ صَرَّحَا بِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ، وَالتَّجَوُّزُ بِهَا فَرْعُ كَوْنِهَا حَقِيقَةً. قُلْتُ: مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمَجَازَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةَ كَمَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ عَلَى أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّهَا بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ لَا تَخْرُجُ عَنْهَا كَمَا سَيُذْكَرُ فِي مَحَلِّهِ ثُمَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ الْأَعْلَامِ فَلَا يَتِمُّ هَذَا الْجَوَابُ وَفِيمَا قَبْلَهُ كِفَايَةٌ. [الْبَحْثُ الرَّابِعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى إطْلَاقِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَاصِّ وَعَلَى احْتِمَالِهِ] (الْبَحْثُ الرَّابِعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى إطْلَاقِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَاصِّ وَعَلَى احْتِمَالِهِ) أَيْ الْخَاصِّ (الْمَجَازَ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لَهُ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الِاتِّفَاقُ عَلَى احْتِمَالِ الْخَاصِّ الْمَجَازَ (الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ بِنَفْيِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ) الْمَعْنَى (الْحَقِيقِيِّ) لِلْخَاصِّ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِنَفْيِهَا يَمْنَعُ احْتِمَالَهُ إيَّاهُ إلَّا أَنَّ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَلْزُومًا وَلَازِمًا بَحْثًا يُوجِبُ مَنْعَهُ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا (وَإِنَّ هَذَا الْقَطْعَ) الْمَنْسُوبَ إلَى دَلَالَةِ الْخَاصِّ (لَا يُنَافِي الِاحْتِمَالَ مُطْلَقًا) ، وَإِنَّمَا يُنَافِي الِاحْتِمَالَ النَّاشِئَ عَنْ دَلِيلٍ (وَاخْتُلِفَ فِي إطْلَاقِهِ) أَيْ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ (عَلَى الْعَامِّ فَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ (وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ جُمْهُورُ مَشَايِخِ الْعِرَاقُ وَعَامَّة الْمُتَأَخِّرِينَ. (نَعَمْ) أَيْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ بَلْ ذَكَرَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَوَّاهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ (وَأَبُو مَنْصُورٍ) الْمَاتُرِيدِيُّ (وَجَمَاعَةٌ) ، وَهُمْ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ (كَالْأَكْثَرِ لِكَثْرَةِ إرَادَةِ بَعْضِهِ) أَيْ الْعَامِّ مِنْ إطْلَاقِهِ (سَوَاءٌ سُمِّيَ) كَوْنُ بَعْضِهِ مُرَادًا (تَخْصِيصًا اصْطِلَاحِيًّا أَوْ لَا كَثْرَةَ تُجَاوِزُ الْحَدَّ، وَتَعْجِزُ عَنْ الْعَدِّ حَتَّى اُشْتُهِرَ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ، وَهَذَا) الْعَامُّ أَيْضًا (مِمَّا خُصَّ بِنَحْوِ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 255] لِعَدَمِ تَخْصِيصِ مَا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ الْعُمُومِ (فِي قِلَّةٍ مِمَّا لَا يُحْصَى وَمِثْلُهُ) أَيْ وُجُودِ هَذِهِ الْكَثْرَةِ (يُورِثُ الِاحْتِمَالَ فِي) الْعَامِّ (الْمُعَيَّنِ) جَرْيًا عَلَى مَا هُوَ الْكَثِيرُ الْغَالِبُ (فَيَصِيرُ) كَوْنُ الْمُرَادِ

جَمِيعَ مَدْلُولِهِ (ظَنِّيًّا فَبَطَلَ) بِهَذَا دَفْعُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى ظَنِّيَّةِ الْعَامِّ بِكَثْرَةٍ بَلْ بِأَكْثَرِيَّةِ تَخْصِيصِهِ، وَهُوَ (مَنْعُ كَثْرَةِ تَخْصِيصِهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ تَخْصِيصَهُ عِنْدَنَا إنَّمَا يَكُونُ (بِمُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ، وَهُوَ) أَيْ الْمُسْتَقِلُّ الْمُقَارِنُ (قَلِيلٌ) فَلَا يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِي الْعَامِّ التَّخْصِيصُ، وَإِنَّمَا بَطَلَ (لِأَنَّهُمْ) أَيْ الظَّنِّيِّينَ (يَمْنَعُونَ اقْتِصَارَهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِمُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا يَكُونُ بِذَلِكَ (فَالْمُؤَثِّرُ فِي ظَنِّيَّتِهِ) أَيْ فِي الْمُوجِبِ لِظَنِّيَّةِ الْعَامِّ إنَّمَا هُوَ (كَثْرَةُ إرَادَةِ الْبَعْضِ فَقَطْ لَا مَعَ اعْتِبَارِ تَسْمِيَتِهِ تَخْصِيصًا فِي الِاصْطِلَاحِ) وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ تَخْصِيصًا وَعَلَى رَأَيْنَا أَطْلَقْنَاهُ عَلَيْهِ فَإِنْ وَافَقْتُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَبِهَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ إطْلَاقَهُ عَلَيْهِ اصْطِلَاحًا مِنْكُمْ فَلَا يَضُرُّ فِي الْمَقْصُودِ. (قَالُوا) أَيْ الْقَطْعِيُّونَ: (وُضِعَ) الْعَامُّ (لِمُسَمًّى فَالْقَطْعُ بِلُزُومِهِ) أَيْ الْمُسَمَّى لَهُ (عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) كَالْخَاصِّ ثُمَّ قَالُوا إيرَادًا وَجَوَابًا (فَإِنْ قِيلَ إنْ أُرِيدَ) بِالْقَطْعِ بِلُزُومِهِ (لُزُومَ تَنَاوُلِهِ) أَيْ اللَّفْظِ لَهُ (فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ) ؛ لِأَنَّ التَّنَاوُلَ ثَابِتٌ لِلْكُلِّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْوَضْعَ فَلَا يَدُلُّ لُزُومُ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ وَالْقَطْعِ بِهِ عَلَى كَوْنِهِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ لِثُبُوتِهِ قَطْعًا حَالَ ظَنِّيَّةِ الْعَامِّ، وَهُوَ مَا بَعْدَ التَّخْصِيصِ وَالْقَطْعِ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيعِ مَا وُضِعَ لَهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (أَوْ إرَادَتِهِ) أَيْ لُزُومِهَا (فَمَمْنُوعٌ إذْ تَجْوِيزُ إرَادَةِ الْبَعْضِ قَائِمٌ فَيُمْنَعُ الْقَطْعَ، قِيلَ الْمُرَادُ) بِالْقَطْعِ بِلُزُومِهِ الْقَطْعُ بِإِرَادَةِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ، وَهُوَ (مَا) أَيْ قُطِعَ (كَقَطْعِيَّةِ الْخَاصِّ) ، وَهُوَ الْقَطْعُ الَّذِي لَا احْتِمَالَ فِيهِ عَنْ دَلِيلٍ (لَا مَا يَنْفِي احْتِمَالَهُ) أَيْ الْعَامِّ أَصْلًا (لِتَحَقُّقِهِ) أَيْ الِاحْتِمَالِ لَا عَنْ دَلِيلٍ (فِي الْخَاصِّ مَعَ قَطْعِيَّتِهِ اتِّفَاقًا) فَانْتَفَى كَوْنُ التَّجْوِيزِ الْمَذْكُورِ مُنَافِيًا لِلْقَطْعِ فِيهِ (فَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ) فِي قَطْعِيَّةِ الْعَامِّ (أَنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ (كَالْخَاصِّ) فِي الْقَطْعِيَّةِ (أَوْ أَحَطَّ فَلَا يُفِيدُ الِاسْتِدْلَال) عَلَى قَطْعِيَّةِ الْعَامِّ (بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ إرَادَةُ بَعْضِهِ بِلَا قَرِينَةٍ كَانَ تَلْبِيسًا أَوْ تَكْلِيفًا بِغَيْرِ الْمَقْدُورِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُسْعِ الْوُقُوفُ عَلَى الْإِرَادَةِ الْبَاطِنَةِ وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِمَا فِي الْوُسْعِ، وَإِنَّمَا لَا يُفِيدُ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا عَلَى ذَلِكَ (لِلُزُومِ مِثْلِهِ فِي الْخَاصِّ) ، وَهُوَ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُهُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ إذْ هَذَا الْقَطْعُ لَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ كَمَا بَيَّنَّا (مَعَ أَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ أَمَّا مَنْعُهَا عَلَى تَقْدِيرِ اللَّازِمِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ لُزُومُ التَّلْبِيسِ فِي إطْلَاقِ الْعَامِّ (فَلِأَنَّ الْمُدَّعَى خَفَاؤُهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ (لَا نَفْيُهَا) أَيْ إنَّمَا يَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَعْضَهُ وَنَصَبَ قَرِينَةً غَيْرَ أَنَّهَا خَفِيَتْ عَلَيْنَا وَلَا تَلْبِيسَ بَعْدَ نَصْبِ الْقَرِينَةِ، وَسَتَسْمَعُ مَا عَلَى هَذَا مِنْ التَّعَقُّبِ. (وَأَمَّا الثَّانِي) أَيْ وَأَمَّا مَنْعُهَا عَلَى تَقْدِيرِ اللَّازِمِ الثَّانِي، وَهُوَ التَّكْلِيفُ بِغَيْرِ الْمَقْدُورِ (فَإِنَّمَا يَلْزَمُ) التَّكْلِيفُ بِغَيْرِ الْمَقْدُورِ (لَوْ كُلِّفَ) بِالْعَمَلِ (بِالْمُرَادِ) بِالْعَامِّ (لَكِنَّهُ) أَيْ التَّكْلِيفَ بِهِ مُنْتَفٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا كُلِّفَ بِالْعَمَلِ (بِمَا ظَهَرَ مِنْ اللَّفْظِ) مُرَادًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُرَادٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَالِاسْتِدْلَالِ) عَلَى ظَنِّيَّةِ الْعَامِّ (بِكَثْرَةِ الِاحْتِمَالِ فِي الْعَامِّ إذْ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَامِّ (مَا فِي الْخَاصِّ) مِنْ احْتِمَالِ الْمَجَازِ (مَعَ احْتِمَالِ إرَادَةِ الْبَعْضِ مَدْفُوعٌ) كَمَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (بِأَنَّ كَوْنَ حَقِيقَةٍ لَهَا مَعْنَيَانِ مَجَازِيَّانِ وَأُخْرَى وَاحِدٌ لَا يَحُطُّهُ) أَيْ مَا لَهُ مَجَازَانِ (عَنْهُ) أَيْ مَا لَهُ مَجَازٌ وَاحِدٌ (لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِمَّا لَهُ مُجَازَانِ وَمَا لَهُ مَجَازٌ (حَالَ إطْلَاقِهِ احْتِمَالٌ مَجَازٌ وَاحِدٌ فَتَسَاوَيَا) فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ لِلْمَجَازِ أَصْلًا (قُلْنَا) نَحْنُ مَعْشَرَ الظَّنِّيِّينَ (حِينَ آلَ) الِاخْتِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَعْشَرَ الْقَطْعِيِّينَ فِي الْمُرَادِ بِقَطْعِيَّةِ دَلَالَةِ الْعَامِّ عَلَى مَعْنَاهُ (إلَى أَنَّهُ كَالْخَاصِّ)

فِيهَا كَمَا هُوَ مُرَادُكُمْ (أَوْ دُونَهُ) كَمَا هُوَ مُرَادُنَا (فَإِنَّمَا يُرَجَّحُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ) عِنْدَنَا (بِقُوَّةِ احْتِمَالِ الْعَامِّ إرَادَةَ الْبَعْضِ لِتِلْكَ الْكَثْرَةِ) أَيْ كَثْرَةِ إرَادَةِ بَعْضِهِ مِنْ إطْلَاقِهِ (وَنُدْرَةُ مَا فِي الْخَاصِّ) مِنْ احْتِمَالِ إرَادَةِ الْمَجَازِ (لِنُدْرَةِ) أَنْ يُرَادَ بِنَحْوِ " جَاءَ زَيْدٌ " رَسُولُ زَيْدٍ أَوْ (كِتَابُ زَيْدٍ بِزَيْدٍ. فَصَارَ التَّحْقِيقُ أَنَّ إطْلَاقَ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى الْخَاصِّ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ) فِيهِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ (بِخِلَافِ الْعَامِّ) فَإِنَّ إرَادَةَ الْبَعْضِ مِنْ إطْلَاقِهِ كَثِيرٌ بَلْ أَكْثَرِيٌّ فَلَا يَتَّحِدَانِ مَرْتَبَةً (قَوْلُهُمْ) أَيْ الْقَطْعِيِّينَ (لَا عِبْرَةَ بِهِ) أَيْ بِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ فِي الْعَامِّ (أَيْضًا إذْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ) فَصَارَ الْعَامُّ كَالْخَاصِّ (قُلْنَا) مَمْنُوعٌ (بَلْ نَشَأَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ دَلِيلٍ (وَهُوَ) أَيْ الدَّلِيلُ (غَلَبَةُ وُقُوعِهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ فِي الْعَامِّ (فَتُوجِبُ) غَلَبَةُ وُقُوعِهِ (الظَّنِّيَّةَ فِي الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ أُرِيدَ) بِالدَّلِيلِ فِي لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ (دَلِيلُ إرَادَةِ الْبَعْضِ فِي) الْعَامِّ (الْمُعَيَّنِ) أَيْ لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلُ إرَادَةِ الْبَعْضِ فِي الْعَامِّ الْمُعَيَّنِ (خَرَجَ) ، وَهَذَا الْعَامُّ (عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَهُوَ) أَيْ مَحَلُّهُ (ظَنِّيَّةُ إرَادَةِ الْكُلِّ) أَيْ كَوْنُ الْكُلِّ مُرَادًا ظَنِّيٌّ أَوْ قَطْعِيٌّ كَالْخَاصِّ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَهَذِهِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ مَا خَرَجَ عَنْهُ وَبَيْنَ مَا خَرَجَ إلَيْهِ، وَهُوَ (إلَى الْقَطْعِ بِإِرَادَةِ الْبَعْضِ) فَيَصِيرُ فِي تَحَقُّقِ إرَادَةِ الْبَعْضِ مِنْهُ أَوْ الْكُلِّ فَقَالَ قَائِلٌ تَحَقَّقَ فِي الْعَامِّ الْمُعَيَّنِ إرَادَةُ بَعْضِهِ وَقَالَ آخَرُ بَلْ كُلُّهُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ ظَنِّيَّتِهِ مِنْ الْقَطْعِيِّينَ (مَنْعُ تَجْوِيزِ إرَادَةِ الْبَعْضِ بِلَا مُخَصِّصٍ مُقَارِنٍ) مُسْتَقِلٍّ (لِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ هَذَا التَّجْوِيزِ (مَا سَيُذْكَرُ فِي اشْتِرَاطِ مُقَارَنَةِ الْمُخَصِّصِ) مِنْ الْإِيقَاعِ فِي الْكَذِبِ أَوْ طَلَبِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ. (وَمِثْلُهُ) أَيْ وَيَجِيءُ مِثْلُهُ (فِي الْخَاصِّ) إذَا لَمْ يُقْرَنْ بِمَا يُفِيدُ غَيْرَ ظَاهِرِهِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الظَّنِّيِّينَ (يَحْتَمِلُ) الْعَامُّ (الْمَجَازَ أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَمَّا الْوَاقِعُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ تَظْهَرُ فَتُوجِبُ) الْقَرِينَةُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ ظَاهِرِهِ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْحَالُ فِي احْتِمَالِ الْعَامِّ الْمَجَازَ هَذَا التَّفْصِيلَ (فَكَوْنُ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ بِنَفْيِ الْقَرِينَةِ) الصَّارِفَةِ عَنْ الْحَقِيقِيِّ إلَى الْمَجَازِيِّ فِي الْخَاصِّ كَمَا تَقَدَّمَ (مَمْنُوعٌ بَلْ إذَا لَمْ تَظْهَرْ) الْقَرِينَةُ (قُطِعَ بِنَفْيِهَا) وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا مَنْعُ كَوْنِهَا نُصِبَتْ وَخَفِيَتْ، وَإِنَّ الْمُصَنِّفَ مَعَ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ. (وَثَمَرَتُهُ) أَيْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْعَامَّ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْخَاصِّ فِي ثُبُوتِ الدَّلَالَةِ أَوْ مِثْلُهُ فِيهِ تَظْهَرُ (فِي الْمُعَارَضَةِ وَوُجُوبِ نَسْخِ الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا) أَيْ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ (الْمُتَقَدِّمَ) فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْخَاصَّ أَقْوَى قَدَّمُوهُ عَلَى الْعَامِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَلَمْ يُجَوِّزُوا نَسْخَهُ بِالْعَامِّ لِرُجْحَانِ الْخَاصِّ عَلَيْهِ وَالْقَائِلُونَ بِتَسَاوِيهِمَا لَمْ يُقَدِّمُوا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ إذَا تَعَارَضَا إلَّا بِمُرَجِّحٍ وَجَوَّزُوا نَسْخَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (وَلِذَا) أَيْ تَسَاوِيهِمَا (نُسِخَ طَهَارَةُ بَوْلِ الْمَأْكُولِ) الْمُسْتَفَادَةِ مِمَّا عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ أَوْ قَالَ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلِقَاحٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ وَاجِبُ الِاجْتِنَابِ مُحَرَّمُ التَّدَاوِي بِهِ فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» (وَهُوَ) أَيْ النَّصُّ الْمُفِيدُ طَهَارَتَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا أَيْ اللِّقَاحِ (خَاصٌّ بِاسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ) أَيْ بِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً ، وَهُوَ عَامٌّ؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّعَدِّيَةِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالْبَوْلُ مُحَلَّى بِاللَّامِ لِلْجِنْسِ فَيَعُمُّ كُلَّ بَوْلٍ وَقَدْ أَمَرَ بِطَلَبِ النَّزَاهَةِ مِنْهُ وَالطَّاهِرُ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِنْزَاهِ مِنْهُ هَذَا إنْ كَانَ الْأَمْرُ بِاسْتِنْزَاهِ الْبَوْلِ مُتَأَخِّرًا عَنْ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ كَمَا قِيلَ

البحث الخامس يرد على العام التخصيص

(أَوْ رُجِّحَ) الِاسْتِنْزَاهُ عَلَى حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ إنْ لَمْ يُعْلَمْ تَأَخُّرُهُ عَنْهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ (بَعْدَ الْمُعَارَضَةِ لِلِاحْتِيَاطِ) فِي الْعَمَلِ بِالْمُحَرَّمِ. (وَأَمَّا وُجُوبُ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ فَبَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ) إلَى الْقَطْعِ أَوْ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَدَمِهِ حَتَّى يَجِبَ الْعَمَلُ بِهِ (اتِّفَاقٌ لِبُعْدِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِمَا لَمْ يُعْتَقَدْ مُطَابِقًا لَهُ) أَيْ لِاعْتِقَادِهِ (وَأَمَّا قَبْلَهُ) أَيْ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ (فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ كَلَامِ الصَّيْرَفِيِّ) عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ (يُفِيدُ أَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ (كَذَلِكَ) أَيْ اتِّفَاقٌ أَيْضًا وَكَيْفَ لَا وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ ثَمَّةَ (وَالنَّظَرُ يَقْتَضِي إذْ تَوَقَّفَ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى الْبَحْثِ تَوَقُّفَ اعْتِقَادِهِ) أَيْ وُجُوبِ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ لِمَا سَلَفَ ثَمَّةَ مِنْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَهُ تَحَكُّمٌ مَعَ بَيَانِ وَجْهِهِ فَلْيُرَاجَعْ وَقَدْ ظَهَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ أَيْضًا مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مَشَايِخِنَا يُوَافِقُ مَا عَنْ الصَّيْرَفِيِّ وَلَا سِيَّمَا كَلَامَ الْقَطْعِيِّينَ مِنْهُمْ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ) فِي الزِّيَادَاتِ (فِيمَنْ أَوْصَى بِخَاتَمٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ) أَوْصَى مَفْصُولًا (بِفَصِّهِ لِآخَرَ الْفَصُّ بَيْنَهُمَا) وَالْحَلْقَةُ لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً (مِنْ بَابِ الْخَاصِّ) ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ عَنْهُ إمَّا بِخَاتَمِي أَوْ هَذَا الْخَاتَمِ أَوْ الْخَاتَمِ الْفُلَانِيِّ، وَكُلٌّ مِنْهَا مِنْ الْخَاصِّ (لَا الْعَامِّ) وَكَيْفُ يَكُونُ عَامًّا وَتَعْرِيفُ الْعَامِّ غَيْرُ صَادِقٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْفَصُّ مِنْهُ كَجُزْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ مَثَلًا فَكَمَا لَا يَصِيرُ الْإِنْسَانُ بِاعْتِبَارِ أَجْزَائِهِ عَامًّا فَكَذَا الْخَاتَمُ (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الْخَاتَمَ (نَظِيرٌ) لِلْعَامِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ اسْمَهُ يَشْمَلُ الْفَصَّ كَشُمُولِ الْعَامِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْعَامُّ تَوَسُّعًا. (وَخَالَفَهُ) أَيْ مُحَمَّدًا (أَبُو يُوسُفَ فَجَعَلَهُ) أَيْ الْفَصَّ (لِلثَّانِي) كَمَا فِي الْهَدَايَا وَالْإِيضَاحِ وَالْمَنْظُومَةِ وَغَالِبِ شُرُوحِ الزِّيَادَاتِ، وَظَاهِرُ التَّقْوِيمِ وَأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ قَوْلُ الْكُلِّ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ لِأَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُثْبِتْ خِلَافَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا عُلِمَ مِنْ رِوَايَةِ الْإِمْلَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَلْقَةَ لِلْأَوَّلِ وَالْفَصَّ لِلثَّانِي إذَا كَانَ مَوْصُولًا، وَجْهُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُلْزِمُهُ شَيْئًا فِي الْحَيَاةِ، وَالْكَلَامُ الثَّانِي بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْمَوْصُولُ وَالْمَفْصُولُ فِيهِ سَوَاءً، كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ وَالْخِدْمَةِ أَوْ الْغَلَّةِ لِآخَرَ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَتَنَاوَلُهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَمِنْ ثَمَّةَ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ فَكَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي تَخْصِيصًا، وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ مَوْصُولًا أَمَّا إذَا كَانَ مَفْصُولًا كَانَ مُعَارِضًا لِلْأَوَّلِ، وَهُمَا فِي إيجَابِ الْحُكْمِ سَوَاءٌ فَثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِيهِ وَلَيْسَ الثَّانِي رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِإِنْسَانِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ أَيْضًا لِآخَرَ حَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ رُجُوعًا حَتَّى يَكُونَ لِلثَّانِي خَاصَّةً بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الرَّقَبَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ الْخِدْمَةَ أَوْ الْغَلَّةَ عَلَى سَبِيلِ الْجُزْئِيَّةِ لَهَا بَلْ لِكَوْنِهَا وَصْفًا تَابِعًا، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ التَّنَاوُلِ اللَّفْظِيِّ بِشَيْءٍ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُمَا مِنْهَا فَإِذَا أَوْجَبَ الْخِدْمَةَ أَوْ الْغَلَّةَ لِلْغَيْرِ اخْتَصَّ بِهَا لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ الْمُسَاوِي لَهُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [الْبَحْثُ الْخَامِسُ يَرِدُ عَلَى الْعَامِّ التَّخْصِيصُ] (الْبَحْثُ الْخَامِسُ يَرِدُ عَلَى الْعَامِّ التَّخْصِيصُ فَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ) ، وَهُمْ الْكَرْخِيُّ وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ (بَيَانُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ (أُرِيدَ بَعْضُهُ بِمُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ) فَاحْتُرِزَ

بِمُسْتَقِلٍّ، وَهُوَ مَا كَانَ مُسْتَبِدًّا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِصَدْرِ الْكَلَامِ عَنْ غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ، وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ وَبِمُقَارِنٍ (أَيْ مَوْصُولٍ) بِالْعَامِّ أَيْ مَذْكُورٍ عَقِبَهُ (فِي) الْمُخَصِّصِ (الْأَوَّلِ) ، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَارَنَةِ الْمَعِيَّةُ فَإِنَّهَا بِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُرَادَةٍ هُنَا مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِي فِعْلٍ خَاصٍّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ قَوْلٍ عَامٍّ عَمَّا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (فَإِنْ تَرَاخَى) الْبَيَانُ الْمَذْكُورُ عَنْهُ (فَنَاسِخٌ لَا) فِي الْمُخَصِّصِ (الثَّانِي) ، وَهَلُمَّ جَرَّا، قَالَ الْمُصَنِّفُ (: وَالْوَجْهُ أَنَّ الثَّانِيَ) ، وَهَلُمَّ جَرَّا إذَا تَرَاخَى (نَاسِخٌ أَيْضًا إلَّا الْقِيَاسُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَرَاخِيهِ) أَيْ مُقْتَضَاهُ لِعُمُومِ عِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِلْمَقِيسِ الْمُوجِبَةِ لِمُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْوَجْهُ هَذَا الْجَرَيَانَ الْمُوجِبَ لِاشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي الْأَوَّلِ فِيمَا بَعْدَهُ فَعَلَى مَا ذَكَرُوا يَجُوزُ الْإِلْحَاقُ بِالْمُخَصِّصِ الثَّانِي الْمُتَأَخِّرِ، وَتَعَدِّيَةُ الْإِخْرَاجِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَحْثًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ وَالنَّاسِخُ لَا يُعَلَّلُ. (وَصَرَّحَ الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّ تَفَرُّعَ عَدَمِ جَوَازِ ذِكْرِ بَعْضٍ) مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ (دُونَ بَعْضٍ عَلَى مَنْعِ تَأْخِيرِ الْمُخَصِّصِ ضَرُورِيٌّ) مِنْ الْعِلْمِ بِعِلَّةِ مَنْعِ تَأْخِيرِ الْمُخَصِّصِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ كَوْنَ الثَّانِي إذَا تَرَاخَى يَكُونُ نَاسِخًا ثُمَّ عُطِفَ عَلَى تَرَاخٍ (أَوْ جُهِلَ) تَرَاخِيهِ كَمَا جُهِلَ أَيْضًا مُقَارَنَتُهُ (فَحُكْمُ التَّعَارُضِ) يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَدْرِ الْمُعَارِضِ لَهُ مِنْ الْعَامِّ (كَتَرْجِيحِ الْمَانِعِ) مِنْهُمَا أَيَّامًا كَانَ عَلَى الْمُبِيحِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ التَّرْجِيحُ فَالْحُكْمُ (الْوَقْفُ) كَمَا فِي الْبَدِيعِ أَوْ التَّسَاقُطُ كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ. (وَوَجَبَ نَسْخُ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ) كَقَلْبِهِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِي الْبَدِيعِ جُعِلَ هَذَا قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَجَمْعٌ مِنْ مَشَايِخِنَا الْخَاصُّ مُبَيِّنٌ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْخَاصُّ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا أَوْ مَجْهُولًا أَوْ وَرَدَا مَعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُوهُ وَذَكَرَ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ أَنَّ كَوْنَ الْخَاصِّ الْوَارِدِ بَعْدَ الْعَامِّ مُخَصِّصًا مَحَلَّهُ إذَا وَرَدَ قَبْلَ حُضُورِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ أَمَّا إذَا وَرَدَ بَعْدَ حُضُورِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَاسِخًا؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَحِينَئِذٍ فَلَا نَأْخُذُ بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا نَأْخُذُ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ، وَأَمَّا الْعَامَّانِ مِنْ وَجْهٍ الْخَاصَّانِ مِنْ وَجْهٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِمَا فِي التَّعَارُضِ. هَذَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مَنْ زَادَ لَفْظِيٌّ بَعْدَ مُسْتَقِلٍّ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِ اللَّفْظِيِّ كَالْعَقْلِ. (وَالشَّافِعِيَّةُ) أَيْ أَكْثَرُهُمْ (وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَصَرَ الْعَامَّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ وَقِيلَ) عَلَى بَعْضِ (مُسَمَّيَاتِهِ) كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ بِنَاءً (عَلَى إرَادَةِ أَجْزَاءِ مُسَمَّاهُ) كَمَا حَكَاهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الشَّارِحِينَ تَنْزِيلًا لِأَجْزَائِهِ مَنْزِلَةَ مُسَمَّيَاتٍ لَهُ إذْ لَا مُسَمَّيَاتِ لِلَّفْظِ الْوَاحِدِ بَلْ مُسَمَّاهُ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، وَهُوَ كُلُّ وَاحِدٍ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْمُرَادِ هَذَا (يُحَقِّقُ مَا أَسْلَفْنَاهُ) فِي الْكَلَامِ عَلَى تَعْرِيفِ الْعَامِّ (أَنَّ دَلَالَتَهُ) أَيْ الْعَامِّ (عَلَى الْأَفْرَادِ تَضَمُّنِيَّةٌ أَوْ) إرَادَةُ (الْآحَادِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الْمُشْتَرَكِ) بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الَّذِي يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْمُسَمَّيَاتُ الَّتِي هِيَ جُزْئِيَّاتٌ لَهُ وَيَصْدُقُ حَمْلُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ (، وَإِضَافَةُ الْمُسَمَّيَاتِ إلَيْهِ) أَيْ الْعَامِّ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ هَذَا (بِعُمُومِ نِسْبَتِهِ فَإِنَّهَا) أَيْ الْآحَادَ (مُسَمَّيَاتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِهِ) أَيْ

بِالْعَامِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بَعْضُ أَفْرَادِهِ لَكَانَ أَوْضَحَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا أَوْلَى ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي صِدْقِهِ عَلَى الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ ابْتِدَاءُ الْخُصُوصِ وَالْعَامِّ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ إرَادَةِ الْعُمُومِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَخْصُوصَ عُمُومُهُ مُرَادٌ تَنَاوُلًا لَا حُكْمًا وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ عُمُومُهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لَا حُكْمًا وَلَا تَنَاوُلًا. (وَيَكُونُ) التَّخْصِيصُ (بِمُسْتَقِلٍّ كَالْعَقْلِيِّ وَالسَّمْعِيِّ الْمُنْفَصِلِ، وَمُتَّصِلٍ، وَالْعَامُّ فِيهِ) أَيْ فِي تَعْرِيفِ التَّخْصِيصِ (حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ (حُكْمٌ عَلَى الْمُسْتَغْرِقِ) بِإِرَادَةِ بَعْضِهِ لَا مَجَازٌ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ خُصِّصَ الْعَامُّ، وَهَذَا عَامٌّ مُخَصَّصٌ وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِنَفْيِ مَا ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَامٌّ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ فِي غَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ (فَمُخْرِجُ الْبَعْضِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا أَوْ لَا (مُخَصِّصَ) أَيْ الدَّالَّ عَلَى إخْرَاجِ الْبَعْضِ مِنْ عَقْلٍ أَوْ حِسٍّ أَوْ لَفْظٍ أَوْ عَادَةٍ يُقَالُ لَهُ مُخَصِّصٌ مَجَازًا مَشْهُورًا تَسْمِيَةً لِلدَّلِيلِ بِاسْمِ الْمَدْلُولِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَيْضًا مُعْتَقِدُ ذَلِكَ مِنْ مُجْتَهِدٍ أَوْ مُقَلِّدٍ. (وَيُقَالُ) : التَّخْصِيصُ (لِقَصْرِ اللَّفْظِ مُطْلَقًا) أَيْ عَامًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ) ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ لِصِدْقِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ (وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَصْرَ إذْ لَا يَنْفِي النَّسْخَ) بَلْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَنَسْخِ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَامُّ لَكِنْ أَجَابَ الْأَبْهَرِيُّ بِمَنْعِ وُرُودِهِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي الْبَعْضِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُورًا عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ حِينَ أُطْلِقَ بَلْ أُرِيدَ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ رُفِعَ الْبَعْضُ أَوْ انْتَهَى حُكْمُهُ عَلَى اخْتِلَافِ تَعْرِيفِ النَّسْخِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْعَامِّ حِينَ أُطْلِقَ إلَّا الْبَعْضَ إمَّا بِحَسَبِ الْحُكْمِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِمَّا بِحَسَبِ الذَّاتِ كَمَا فِي غَيْرِهِ (وَمَنْعُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (شُذُوذٌ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ (لَوْ صَحَّ صَحَّتْ إرَادَتُهُ) أَيْ مَا قَضَى الْعَقْلُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْعَامِّ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الْخَارِجَ بِالْعَقْلِ مِنْ مُسَمَّيَاتِهِ، وَإِطْلَاقَ اللَّفْظِ لُغَةً عَلَى مُسَمَّيَاتِهِ صَحِيحٌ لُغَةً، وَأَمَّا انْتِفَاءُ اللَّازِمِ فَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَاقِلٍ أَنْ يُرِيدَ مَا يُخَالِفُ صَرِيحَ الْعَقْلِ فَإِذَا قُلْنَا {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] فُهِمَ مِنْهُ لُغَةً أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ نَفْسِهِ أَمَّا لَوْ أَرَادَ مُرِيدٌ بِهِ نَفْسَهُ كَانَ الْمُرِيدُ مُخْطِئًا لُغَةً كَمَا هُوَ مُخْطِئٌ عَقْلًا فَيَكُونُ خُرُوجُهُ بِاللُّغَةِ مُوَافِقًا لِلْعَقْلِ لَا بِالْعَقْلِ (وَلَكَانَ) الْعَقْلُ (مُتَأَخِّرًا) عَنْ الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ، وَالْبَيَانُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُبَيَّنِ. (وَالْعَقْلُ مُتَقَدِّمٌ وَلَصَحَّ نَسْخُهُ) أَيْ كَوْنُ الْعَقْلِ نَاسِخًا؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ أَيْضًا وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ أَيْضًا (أُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ) فِي الْكُلِّ (بَلْ اللَّازِمُ) فِي الْأَوَّلِ (دَلَالَتُهُ) أَيْ الْعَامِّ عَلَى مَا قَضَى الْعَقْلُ بِإِخْرَاجِهِ (وَهِيَ ثَابِتَةٌ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَتَأَخَّرَ بَيَانُهُ) أَيْ وَاللَّازِمُ فِي الثَّانِي تَأَخُّرُ بَيَانِ الْعَقْلِ عَنْ الْعَامِّ (لَا ذَاتِهِ) أَيْ الْعَقْلِ (وَلِعَجْزِ الْعَقْلِ عَنْ دَرْكِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ لِلْحُكْمِ) فِي الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ بَيَانُ مُدَّةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَنَظَرُ الْعَقْلِ مَحْجُوبٌ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمُخَصِّصِ فَإِنَّ خُرُوجَ الْبَعْضِ عَنْ الْخِطَابِ قَدْ يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ فَافْتَرَقَا (وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ) أَيْ لَوْ صَحَّ لَصَحَّتْ إرَادَتُهُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (أَيْضًا بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لِلْمُفْرَدِ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ) فِي قَوْلِنَا {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] بَعْدَ التَّرْكِيبِ (وَيَصِحُّ إرَادَةُ الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعُ الْمُسَمَّيَاتِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا شَيْءٌ (بِهِ) أَيْ بِكُلِّ شَيْءٍ (إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي التَّرْكِيبِ وَنُسِبَ إلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ) نِسْبَتُهُ، وَهِيَ الْمَخْلُوقِيَّةُ (إلَى الْكُلِّ) أَيْ إلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ (مَنَعَهَا) أَيْ الْعَقْلُ إرَادَةً الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَالِقَ نَفْسِهِ (وَهُوَ) أَيْ مَنْعُ الْعَقْلِ إرَادَتَهُ هُوَ (مَعْنَى تَخْصِيصِ الْعَقْلِ وَدُفِعَ أَيْضًا) هَذَا الْجَوَابُ وَدَافَعَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّ التَّحْقِيقَ صِحَّتُهَا) أَيْ إرَادَةُ الْكُلِّ (فِي التَّرْكِيبِ أَيْضًا لُغَةً

غَيْرَ أَنَّهُ يُكَذِّبُ) التَّرْكِيبَ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ الْوَاقِعَ (وَهُوَ) أَيْ وَكَذَّبَهُ (غَيْرُهَا) أَيْ صِحَّتُهَا فَالْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ لُزُومُ الْكَذِبِ لَا غَيْرُ، وَدَفَعَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الدَّفْعَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ) مِنْ تَخْصِيصِ الْعَقْلِ (حُكْمُ الْعَقْلِ بِإِرَادَةِ الْبَعْضِ لِامْتِنَاعِهِ) أَيْ حُكْمِهِ (فِي الْكُلِّ) أَيْ بِإِرَادَةِ الْكُلِّ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ) فَلَمْ تَصِحَّ إرَادَةُ الْكُلِّ فِي التَّرْكِيبِ لُغَةً أَيْضًا لِامْتِنَاعِ إرَادَةِ اللُّغَةِ مَا يَمْنَعُ الْعَقْلُ إرَادَتَهُ ثُمَّ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِشَيْءٍ فِي مِثْلِهِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ شَيْءٍ لُغَةً، وَإِلَّا فَقَدْ أَفَدْنَاك فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَاطَبِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْمُعِينِ النَّسَفِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِالْعَقْلِ فَالْجَوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ: (تَعَارَضَا) الْعَامُّ وَالْعَقْلُ (فَتَسَاقَطَا) هَرَبًا مِنْ التَّحَكُّمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِلَا مُرَجِّحٍ (أَوْ يُقَدَّمُ الْعَامُّ؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْأَحْكَامِ النَّقْلُ لَا الْعَقْلُ قُلْنَا فِي إبْطَالِهِ) أَيْ الْعَقْلِ (إبْطَالٌ) أَيْ النَّقْلِ (لِأَنَّ دَلَالَتَهُ) أَيْ النَّقْلِ (فَرْعُ حُكْمِهِ) أَيْ الْعَقْلِ (بِهَا) أَيْ بِدَلَالَتِهِ (فَإِذَا حَكَمَ) الْعَقْلُ (بِأَنَّهَا) أَيْ دَلَالَتَهُ (عَلَى وَجْهِ كَذَا) كَالْخُصُوصِ هُنَا (لَزِمَ) حُكْمُهُ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَأَيْضًا يَجِبُ تَأْوِيلُ الْمُحْتَمَلِ) إذَا عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمُحْتَمَلُ هُنَا (النَّقْلُ) ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ ظَاهِرِهِ، وَهُوَ الْخُصُوصُ بِخِلَافِ الْعَقْلِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ النَّقْلِ بِالتَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْلِ هَذَا وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُنَازِعُ فِي أَنَّ مَا يُسَمَّى مُخَصِّصًا بِالْعَقْلِ خَارِجٌ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ اللَّفْظَ هَلْ يَشْمَلُهُ فَمَنْ قَالَ يَشْمَلُهُ سَمَّاهُ تَخْصِيصًا وَمَنْ قَالَ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ لَا يُسَمِّيهِ مُخَصِّصًا. وَحُمِلَتْ دَعْوَى أَبِي حَامِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ مُخَصِّصٌ عَلَى أَنَّ مَا يُسَمَّى مُخَصِّصًا خَارِجٌ لَا عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى مُخَصِّصًا فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَشْهُورٌ (وَآخَرُونَ) أَيْ وَمَنَعَ التَّخْصِيصَ قَوْمٌ آخَرُونَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِالْعَقْلِ أَوْ غَيْرِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (كَذِبٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي فَيَصْدُقُ نَفْيُهُ فَلَا يَصْدُقُ هُوَ وَإِلَّا صَدَقَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ مَعًا (قُلْنَا يَصْدُقُ) نَفْيُ التَّخْصِيصِ (مَجَازًا) نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَيَصْدُقُ ثُبُوتُهُ حَقِيقَةً نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى فَلَا تَتَّحِدُ جِهَةُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. (قِيلَ) الْقَائِلُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: (يُزَادُ أَوْ بِدَاءٌ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ، وَهُوَ ظُهُورُ الْمَصْلَحَةِ بَعْدَ خَفَائِهَا لِيَشْمَلَ الْإِنْشَاءَ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ (خَصَّ) الِامْتِنَاعُ (الْخَبَرَ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَذِبُ (وَلَيْسَ) الِامْتِنَاعُ بِخَاصٍّ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا (لَكِنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ إلَّا فِي الْخَبَرِ) وَالْمُصَرِّحُ الْآمِدِيُّ (وَاعْتَرَضَ أَبُو إِسْحَاقَ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الشِّيرَازِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمَشْهُورُ (مَنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ) أَيْ الْخِلَافَ (فِي الْأَمْرِ أَيْضًا) . قُلْت فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ لِنَفْيِهِ فِي الْإِنْشَاءِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ إذْ الْمُثْبَتُ يَجُوزُ وُقُوعُهُ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ كِلَيْهِمَا وَالنَّافِي يَمْنَعُهُ فِي كِلَيْهِمَا فَإِذَا انْتَفَى وُقُوعُهُ فِي الْإِخْبَارِ لَزِمَ انْتِفَاؤُهُ فِي الْإِنْشَاءِ أَيْضًا؛ وَلِأَنَّ الْإِنْشَاءَ فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت أَكْرِمْ كُلَّ رَجُلٍ فَكَأَنَّك قُلْت كُلُّ رَجُلٍ أَنْتَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِهِ فَإِذَا خَصَّصْت وَقُلْت إلَّا الْفَاسِقَ فَكَأَنَّك قُلْت لَيْسَ كُلُّ رَجُلٍ أَنْتَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِهِ فَيَلْزَمُ الْكَذِبُ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ مَعَ أَنَّ فِي هَذَا مِنْ التَّعَسُّفِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ مُلَخَّصُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ أَوْ الْبِدَاءُ إذَا أَرَادَ الْعُمُومَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَبَدًا، أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْهُ وَنَصَبَ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ فَلَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ بِهِ

عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ أَمَّا فِي الْخَبَرِ فَكَمَا قَالَ. (وَالْقَاطِعُ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِشَيْءٍ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ شَيْءٍ لُغَةً كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ وَالْمُمْتَنِعَ ثُمَّ يَكُونُ مَخْصُوصًا فِي الْآيَتَيْنِ بِالْمُمْكِنِ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ الْخَلْقِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَاتِهِ وَسَائِرِ الْمُمْتَنِعَاتِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَقَدْ أَسْلَفْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَاطَبِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ مَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ الشَّيْءَ فِيهِمَا بِمَعْنَى الْمَشْيِ وَأَنَّهُ فِيهِمَا عَلَى عُمُومِهِ وَمَا قَالَهُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَخُصُوصًا عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى عُمُومَ الْمُشْتَرَكِ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْإِثْبَاتِ وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ لَا حُجَّةَ فِي الْآيَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ أَصْلًا فَضْلًا أَنْ يَكُونَا دَلِيلَيْنِ قَطْعِيَّيْنِ فِيهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. وَأَمَّا فِي الْإِنْشَاءِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ إرَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِي هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ كَمَا فِيمَا قَبْلَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَلَنَا فِي) مَنْعِ (التَّرَاخِي أَنَّ إطْلَاقَهُ) أَيْ الْعَامِّ (بِلَا مَخْرَجِ إفَادَةِ إرَادَةِ الْكُلِّ فَمَعَ عَدَمِهَا) أَيْ إرَادَةِ الْكُلِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (يَلْزَمُ إخْبَارُ الشَّارِعِ) فِي الْخَبَرِ (وَإِفَادَتُهُ) فِي الْإِنْشَاءِ (مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَذَلِكَ كَذِبٌ) فِي الْخَبَرِ (وَطُلِبَ لِلْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ) فِي الْإِنْشَاءِ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فَالتَّرَاخِي مُنْتَفٍ (وَهَذَا) الدَّلِيلُ بِعَيْنِهِ (يَجْرِي فِي الْمُخَصِّصِ الثَّانِي) ، وَهَلُمَّ جَرَّا (كَالْأَوَّلِ) فَلَا جَرَمَ أَنْ قُلْنَا: وَالْوَجْهُ نَفْيُ التَّرَاخِي أَيْضًا فِي الثَّانِي، وَهَلُمَّ جَرَّا (وَمُقْتَضَى هَذَا) الدَّلِيلِ أَيْضًا (وُجُوبُ وَصْلِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ) بِالْعَامِّ (مِنْ) الْبَيَانِ (الْإِجْمَالِيِّ كَقَوْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ أَوْ التَّفْصِيلِيِّ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ) الْبَيَانُ التَّفْصِيلِيُّ (فِي) الْمُخَصِّصِ (الْأَوَّلِ) أَيْ الْإِجْمَالِيِّ إذَا وَقَعَ (إلَى) وَقْتِ (الْحَاجَةِ) إلَيْهِ لِلْحَاجَةِ إلَى الِامْتِثَالِ (بَعْدَهُ) أَيْ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْبَيَانَ التَّفْصِيلِيَّ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ الْعَامُّ مَوْصُولًا بِالْإِجْمَالِيِّ (بَيَانُ الْمُجْمَلِ) ، وَهُوَ جَائِزُ التَّأْخِيرِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى الْفِعْلِ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ (وَلَا يَبْعُدُ إرَادَتُهُمُوهُ) أَيْ إرَادَةُ الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبَ وَصْلِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ أَوْ التَّفْصِيلِيِّ بِاشْتِرَاطِهِمْ مُقَارَنَةَ الْمُخَصِّصِ الْأَوَّلِ لِلْعَامِّ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِوَصْلِ الْإِجْمَالِيِّ بِهِ (كَهَذَا الْعَامِّ مُرَادًا بَعْضُهُ) أَوْ مَخْصُوصٌ (وَبِهِ) أَيْ وَبِكَوْنِ مُرَادِهِمْ هَذَا بِذَاكَ (تَنْتَفِي اللَّوَازِمُ الْبَاطِلَةُ) مِنْ الْكَذِبِ وَطَلَبِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ عَلَى تَقْدِيرِ تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ مُطْلَقًا وَلَا سِيَّمَا الْأَوَّلُ لِمَا يُقَارِنُهُ مِنْ الْقَرِينَةِ الْمُصَرِّحَةِ إجْمَالًا أَوْ تَفْصِيلًا بِأَنَّ الْعُمُومَ غَيْرُ مُرَادٍ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الشَّأْنُ فِي هَذَا بَعْدَ إرَادَتِهِمْ إيَّاهُ فِي الْإِجْمَالِيِّ حَيْثُ لَا تَفْصِيلِيَّ مُقَارِنٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَنُقِلَ عَادَةً وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ وُجِدَ عَامٌّ مُخَرَّجٌ مِنْهُ خُرُوجًا مُتَرَاخِيًا مَا نُسَمِّيهِ تَخْصِيصًا مَعَ عَدَمِ اقْتِرَانِهِ بِبَيَانٍ إجْمَالِيٍّ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ (وَإِلْزَامُ الْآمِدِيِّ) وَغَيْرِهِ الْحَنَفِيَّةَ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الْمُخَصِّصِ لِلْعَامِّ (امْتِنَاعَ تَأْخِيرِ النَّسْخِ بِجَامِعِ الْجَهْلِ بِالْمُرَادِ) بِالْعَامِّ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْمُخَصِّصِ وَبِمُدَّةِ الْمَنْسُوخِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالنَّاسِخِ وَلَا يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ النَّسْخِ فَكَذَا التَّخْصِيصُ (لَيْسَ لَازِمًا؛ لِأَنَّ) الْجَهْلَ (الْبَسِيطَ غَيْرُ مَذْمُومٍ) فِي الْجُمْلَةِ (وَلِذَا طُلِبَ عِنْدَنَا فِي الْمُتَشَابِهِ) فَقُلْنَا يَجِبُ اعْتِقَادُ حَقِيقَتِهِ، وَتَرْكُ طَلَبِ تَأْوِيلِهِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ (بِخِلَافِ) الْجَهْلِ (الْمُرَكَّبِ) فَإِنَّهُ مَذْمُومٌ لَمْ يُطْلَبْ، وَالْأَوَّلُ هُوَ اللَّازِمُ فِي النَّسْخِ، وَالثَّانِي هُوَ اللَّازِمُ فِي تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ عَنْ الْعَامِّ فَلَمْ يُوجَدْ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا (وَلِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ الْمُطَابِقِ) لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي الْمَنْسُوخِ (إلَى سَمَاعِ النَّاسِخِ) بِخِلَافِ الْعَامِّ الْمُتَرَاخِي عَنْهُ مُخَصِّصُهُ إلَى سَمَاعِ مُخَصِّصِهِ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى

الْآخَرُ فِي التَّرَاخِي وَمَنْعِهِ. (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُجَوِّزِينَ لِلتَّرَاخِي فِيهِ كَالشَّافِعِيَّةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْعَامِّ، وَإِرَادَةِ بَعْضِهِ مِنْهُ بِلَا قَرِينَةٍ إفَادَةُ الشَّارِعِ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ (بَلْ) إطْلَاقُهُ (لِتَفْهِيمِ إرَادَةِ الْعُمُومِ عَلَى احْتِمَالِ الْخُصُوصِ إنْ أُرِيدَ الْمَجْمُوعُ) مِنْ تَفْهِيمِ إرَادَةِ الْعُمُومِ وَتَجْوِيزِ التَّخْصِيصِ (مَعْنَى الصِّيغَةِ) الْعَامَّةِ (فَبَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَمْ تُوضَعْ لِلْمَجْمُوعِ قَطْعًا (أَوْ هُوَ) أَيْ مَعْنَى الصِّيغَةِ (الْأَوَّلُ) أَيْ تَفْهِيمُ إرَادَةِ الْعُمُومِ (وَالِاحْتِمَالُ) أَيْ احْتِمَالُ الْخُصُوصِ ثَابِتٌ (بِخَارِجٍ) عَنْ مَفْهُومِ اللَّفْظِ، وَهُوَ كَثْرَةُ تَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ (لَزِمَ أَنْ تُعَيِّنَهُ) أَيْ هَذَا الِاحْتِمَالُ (قَرِينَةٌ لَازِمَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ) الْخَارِجَ (تَعَقُّلُهُ) أَيْ الْعَامِّ (لَا يُفِيدُ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ لِلَّفْظِ (وَلُزُومُهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ لِلَّفْظِ (مَمْنُوعٌ إلَّا إنْ كَانَتْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَلَبَةِ التَّخْصِيصِ فِي بَحْثِ الْقَطْعِيَّةِ، وَعَلِمْت أَنَّهَا) أَيْ كَثْرَةَ التَّخْصِيصِ (إنَّمَا تُفِيدُ) عَدَمَ الْقَطْعِ (فِي الْعَامِّ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي خُصُوصِ) الْعَامِّ (الْمُسْتَعْمَلِ) فَيَسْتَمِرُّ لُزُومُ الْمَنْعِ لِدَعْوَى الْقَرِينَةِ اللَّازِمَةِ لَهُ (قَالُوا) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ لِلتَّرَاخِي (وَقَعَ فَإِنْ فَاتَ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (خُصَّ بِهِ) أَيْ بِمَنْطُوقِهِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْحَامِلِ وَالْحَائِلِ مَعَ التَّرَاخِي بَيْنَهُمَا (قُلْنَا الْأُولَى مُتَأَخِّرَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ شَاءَ بَاهَلْته أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ) ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَيُوَضِّحُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مَنْ شَاءَ لَاعَنْته لَأُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ أُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَكَانَ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيًّا يَقُولُ هِيَ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ فَقَالَ ذَلِكَ (فَيَكُونُ) إخْرَاجُ الْحَوَامِلِ بِآيَةِ سُورَةِ الطَّلَاقِ مِنْ آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ (نَسْخًا) لَا تَخْصِيصًا (وَكَذَا {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] (بَعْدَ {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ حَجَجْت فَدَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ لِي يَا جُبَيْرُ تَقْرَأُ الْمَائِدَةَ قُلْت نَعَمْ فَقَالَتْ أَمَا إنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ إخْرَاجُ الْكِتَابِيَّاتِ مِنْ الْمُشْرِكَاتِ نَسْخًا. (وَكَذَا جَعْلُ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ نَفَّلَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ السَّهْمِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَزَادَ أَحْمَدُ أَوْ الرَّضْخُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا (أَوْ بِرَأْيِ الْإِمَامِ) كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَسَلَبُ الْمَقْتُولِ ثِيَابُهُ وَسِلَاحُهُ وَمَرْكَبُهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْآلَةِ وَمَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ (بَعْدَ) قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ فَيَكُونُ اخْتِصَاصُ الْمُقَاتِلِ بِالسَّلَبِ نَسْخًا. (وَكُلُّ مُتَرَاخٍ) مُخَرَّجٌ مِنْ عُمُومٍ سَابِقٍ بَعْضُهُ يَكُونُ نَاسِخًا لِذَلِكَ الْبَعْضِ لَا مُخَصِّصًا (قَالُوا) أَيْضًا قَوْله تَعَالَى قَالَ تَعَالَى لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [المؤمنون: 27] وَتَرَاخَى إخْرَاجُ ابْنِهِ) كَنْعَانَ بِقَوْلِهِ {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] (قُلْنَا هُوَ) أَيْ تَرَاخَى إخْرَاجُ ابْنِهِ (بَيَانُ الْمُجْمَلِ) وَالْمُجْمَلُ يَجُوزُ تَرَاخِي بَيَانِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَهْلَ (شَاعَ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ كَالزَّوْجَةِ وَالْأَتْبَاعِ الْمُوَافِقِينَ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا} [القصص: 29] (وَبَيَّنَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] إرَادَتَهُ أَحَدَ الْمَفْهُومَيْنِ، وَهُوَ الْمُتَّبِعُونَ أَوْ هُوَ) أَيْ الْبَيَانُ الْمُتَأَخِّرُ (لِاسْتِثْنَاءٍ مَجْهُولٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ أَهْلُك، وَهُوَ (إلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ) الْقَوْلُ مِنْهُمْ فَهُوَ بَيَانٌ مُجْمَلٌ أَيْضًا، وَعَلَى اصْطِلَاحِ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ بَيَانِ بَعْضِ الْمُرَادِ بِالتَّخْصِيصِ الْإِجْمَالِيِّ لِلْعُمُومِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِالْأَهْلِ الْأَهْلُ إيمَانًا وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْأَهْلُ قَرَابَةً فَإِنْ أُرِيدَ هُنَا الْأَهْلُ إيمَانًا لَمْ يَتَنَاوَلْ الِابْنَ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ وَيَكُونُ قَوْلُهُ إلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا. (وَقَوْلُهُ {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] لِظَنِّ إيمَانِهِ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْآيَةِ) أَيْ طُغْيَانِ الْمَاءِ وَغَزَارَةِ فَيْضِهِ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَوْ ظَنِّ إيمَانِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ عَلَى مَا قِيلَ وَرُبَّمَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود: 46] كَمَا هُوَ احْتِمَالٌ فِي الْآيَةِ (أَوْ ظَنِّ إرَادَةِ النَّسَبِ) بِالْأَهْلِ، وَهَذَا تَكْمِيلٌ لِتَقْرِيرِ الْجَوَابِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أُرِيدَ هُنَا الْأَهْلُ قَرَابَةً تَنَاوَلَ الْأَهْلُ الِابْنَ الْكَافِرَ لَكِنْ اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ {إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} [هود: 40] وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ وَقَوْلُهُ {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] لِظَنِّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَهْلِ الَّذِينَ سَبَقَ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ وَقَوْلُهُ {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] أَيْ الَّذِينَ لَمْ يَسْبِقْ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ وَالْمُرَادُ بِسَبْقِ الْقَوْلِ مَا سَبَقَ مِنْ قَضَائِهِ بِإِهْلَاكِ الْكُفَّارِ، وَهَذَا تَكْمِيلٌ لِتَقْرِيرِ الْجَوَابِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي (وَأَمَّا {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] (فَعُمُومُهُ فِي مَعْبُودِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ) ، وَهُمْ قُرَيْشٌ، وَهُوَ الْأَصْنَامُ كَمَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ (فَلَمْ يَتَنَاوَلْ عِيسَى وَالْمَلَائِكَةَ) حَتَّى يُقَالَ إنَّهُمْ أُخْرِجُوا مُتَرَاخِيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] الْآيَاتِ فَيَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِجَوَازِ تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ. (وَاعْتِرَاضُ ابْنِ الزِّبَعْرَى) بِكَسْرِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ فَتْحُ الزَّايِ وَأَصْلُهُ الْبَعِيرُ الْكَثِيرُ الشَّعْرُ فِي الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: السَّيِّئُ الْخُلُقُ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ كَانَ مِنْ أَعْيَانِ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفُحُولِ الشُّعَرَاءِ وَكَانَ يُهَاجِي الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَلَهُ أَشْعَارٌ يَعْتَذِرُ فِيهَا مِمَّا سَبَقَ مِنْهُ مَذْكُورَةٌ فِي السِّيرَةِ لِابْنِ إِسْحَاقَ (جَدَلٌ مُتَعَنِّتٌ عَلَى حِكَايَةِ الْأُصُولِيِّينَ) ، وَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ مِمَّا أَسْنَدَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْك {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ عُبِدَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْمَلَائِكَةُ وَعِيسَى وَعُزَيْرٌ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ مَعَ آلِهَتِنَا فَنَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] وَنَزَلَتْ {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا} [الزخرف: 57] إلَى قَوْلِهِ {خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] » ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَكَوْنُهُ جَدَلٌ مُتَعَنِّتٌ ظَاهِرٌ مِنْ هَذَا وَمِمَّا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْآمِدِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ كَالْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ «مَا أَجْهَلَك بِلُغَةِ قَوْمِك» لِمَا لَا يَعْقِلُ فَقَالَ السُّبْكِيُّ: فَشَيْءٌ لَا يُعْرَفُ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: لَا أَصْلَ لَهُ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ وَلَا وَاهِيَةٍ (وَأَمَّا عَلَى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَنَّهُ سَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَذَا لِكُلِّ مَا عُبِدَ فَقَالَ نَعَمْ» فَلَا) يَكُونُ جَدَلٌ مُتَعَنِّتٌ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ نَقَضَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلَ السُّهَيْلِيِّ السَّابِقِ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَفِي صِحَّتِهِ) أَيْ هَذَا الْمَرْوِيِّ (بُعْدٌ) مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالْوَاحِدِيُّ بِلَفْظِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَهَذَا لِآلِهَتِنَا أَوْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَالَ أَلَسْت تَزْعُمُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ عِبَادٌ صَالِحُونَ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدٌ صَالِحٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا عَبْدٌ صَالِحٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَذِهِ النَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى، وَهَذِهِ الْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا وَقَدْ عَبَدْت

الْمَلَائِكَةُ قَالَ فَضَجَّ أَهْلُ مَكَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الأنبياء: 101] الْآيَةَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى. فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُنْكَرَةٌ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ قَاضٍ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِجَرِيمَةٍ صَادِرَةٍ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَدْعُ إلَيْهَا وَلَا رَضِيَ بِهَا فَكَيْفَ يُصَرِّحُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يُنَافِيهِ وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يُعَدُّ مِنْ الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ فَالْوَجْهُ هُوَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ. (قَالُوا فِيهِ) أَيْ فِي نَسْخِ الْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ بِالْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ (إبْطَالُ الْقَاطِعِ بِالْمُحْتَمَلِ) ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَيَتَعَيَّنُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِهِ (قُلْنَا) هَذَا (مَبْنِيٌّ عَلَى ظَنِّيَّةِ دَلَالَةِ الْعَامِّ، وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُهُ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ (مَمْنُوعٌ) بَلْ هُوَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا إبْطَالُ الْقَاطِعِ بِالْقَاطِعِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ الْعَامَّ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ (فَلَا مُخَصِّصَ فِي الشَّرْعِ بِخَاصٍّ) مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (بِالِاسْتِقْرَاءِ بَلْ بِعَامٍّ خُصُوصُهُ بِالنِّسْبَةِ) إلَى مَا هُوَ مُخَصَّصٌ بِهِ (كَلَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ) أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ الشَّارِعُ هَذَا مَعَ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] أَوْ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» فَإِنَّ ذَاكَ عَامٌّ فِي نَفْسِهِ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا قُلْت كَمَا لَوْ قَالَ الشَّارِعُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ بِعَيْنِهِ لَا يَحْضُرُنِي عَنْهُ بَلْ مَعْنَاهُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي آثَارِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ النِّسَاءُ إذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ لَا يُقْتَلْنَ وَلَكِنْ يُحْبَسْنَ وَيُدْعَيْنَ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ (وَمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] {وَالْمُحْصَنَاتُ} [النساء: 24] فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَامٌّ فِي نَفْسِهِ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ مُخَصَّصٌ بِهِ عَلَى قَوْلِهِمْ (فَاللَّازِمُ إبْطَالُ ظَنِّيٍّ بِظَنِّيٍّ) وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْبَدِيعِ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ الِاسْتِقْلَالَ مَعَ الِاتِّصَالِ فِي أَوَّلِ مُخَصِّصٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ إذَا كَانَ مَعْلُومًا فَالْعَامُّ فِيمَا وَرَاءَهُ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ لِعَدَمِ قَبُولِ التَّعْلِيلِ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي، وَهُوَ مَعْلُومُ الْعُمُومِ بِخِلَافِ الْمُسْتَقِلِّ الْمُتَّصِلِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْعَامِّ مِنْ الْقَطْعِ إلَى الِاحْتِمَالِ لِشَبَهِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ حُكْمًا وَبِالنَّاسِخِ صِيغَةً، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ إفَادَةِ هَذَا: إنَّ الْمُوجِبَ لِظَنِّيَّةِ الْعَامِّ إذَا كَانَ مُخَصِّصًا عِنْدَ الْقَائِلِ بِقَطْعِيَّتِهِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ الْمُخَصِّصِ مُسْتَقِلًّا. (وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الِاسْتِقْلَالِ) فِي الْمُخَصِّصِ (فَلِتَغَيُّرِ دَلَالَتِهِ) أَيْ لِأَجْلِ تَغَيُّرِ دَلَالَةِ الْعَامِّ مِنْ الْقَطْعِ (إلَى الظَّنِّ لَا يَحْتَاجُهُ الْقَائِلُ بِظَنِّيَّتِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) كَأَبِي مَنْصُورٍ وَمَنْ مَعَهُ لِكَوْنِ دَلَالَتِهِ ظَنِّيَّةً بِدُونِ التَّخْصِيصِ عِنْدَهُ فَإِنَّمَا يَحْتَاجُهُ الْقَائِلُ بِقَطْعِيَّتِهِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ لِيَكُونَ تَغَيُّرُهُ مِنْهَا إلَى الظَّنِّيَّةِ بِوَاسِطَتِهِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ اقْتِرَانَ الْعَامِّ بِغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَيَدُلُّ الْبَعْضُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى الظَّنِّيَّةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي كُلٍّ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا اقْتَرَنَ بِمُخَرَّجٍ مُجْمَلٌ أَبْطَلَ حُجِّيَّتَهُ فَضْلًا عَنْ قَطْعِيَّتِهِ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ مَا لَمْ يَلْحَقْهُ بَيَانٌ وَبِمُبَيَّنٍ يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ أَخْرَجَهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى الظَّنِّيَّةِ مُسْتَقِلًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ وَبِمُبَيَّنٍ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى الظَّنِّيَّةِ مُسْتَقِلًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ. وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الْمُخْرِجَ لَهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى الظَّنِّيَّةِ مَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ مُخَرَّجٍ لِبَعْضٍ مِنْهُ مُعَيَّنٍ قَابِلِ التَّعْلِيلِ وَأَمَّا الْمُتَرَاخِي فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا لَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيلَ؛ لِكَوْنِهِ نَسْخًا وَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُخْرِجَهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إنْ كَانَ قَطْعِيًّا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَعْنِي الْمُخَرَّجَ إجْمَالٌ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ: (وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَغَيُّرِهِ) أَيْ الْعَامِّ (بِالْعَقْلِ) مِنْ الْقَطْعِ (إلَى الظَّنِّ كَخُرُوجِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مِنْ خِطَابِ الشَّرْعِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ)

الْعَقْلُ (مَجْهُولًا) بِأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مِمَّا يَمْتَنِعُ عَلَى الْكُلِّ دُونَ الْبَعْضِ مِثْلُ الرِّجَالُ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حُجِّيَّتُهُ فِي الْبَاقِي مَا لَمْ يَلْحَقْهُ بَيَانٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْقَطْعِ إلَى الظَّنِّ وَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ. (تَفْصِيلُ الْمُتَّصِلِ إلَى خَمْسَةٍ الْأَوَّلُ الشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُودُ) أَيْ وُجُودُ الشَّيْءِ بِأَنْ يُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ (وَلَا دَخْلَ لَهُ فِي التَّأْثِيرِ وَالْإِفْضَاءِ فَخَرَجَ جُزْءُ السَّبَبِ) ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ لَكِنْ لَهُ دَخْلٌ فِي الْإِفْضَاءِ إلَيْهِ (وَالْعِلَّةُ) ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ الْمَعْلُولُ لَكِنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِيهِ (وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ مَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ دُونَهُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ) الْمَشْرُوطُ (عِنْدَهُ) أَيْ الشَّرْطِ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَوْرِيٌّ لِتَوَقُّفِ تَعَقُّلِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، وَ (دُفِعَ دَوْرُهُ بِإِرَادَةِ مَاصَدَق عَلَيْهِ الْمَشْرُوطُ أَيْ الشَّيْءُ) ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ فِي تَعَقُّلِهِ إلَى الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا الْمَوْقُوفُ عَلَى تَعَقُّلِ الشَّرْطِ هُوَ تَعَقُّلُ مَفْهُومِ الْمَشْرُوطِ بِوَصْفِهِ الْعُنْوَانِيِّ (وَيُرَدُّ) عَلَى طَرْدِهِ (جُزْءُ السَّبَبِ الْمُتَّحِدِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ الْمُسَبِّبُ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّ جُزْءَ السَّبَبِ الْمُتَّحِدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ دُونَهُ لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ، وَجُزْءُ السَّبَبِ الْمُتَّحِدِ لَيْسَ عَدَمَ الْمُسَبِّبِ لِعَدَمِهِ بَلْ لِعَدَمِهِ وَعَدَمِ تَعَدُّدِ السَّبَبِ (وَقِيلَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ كَالْوُضُوءِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ فِي الصَّلَاةِ) . وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ إذَا قُلْنَا الْوُضُوءُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ لَمْ نُرِدْ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الصَّلَاةِ فِي الشَّيْءِ بَلْ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ فِي الصَّلَاةِ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِ الْأَبْهَرِيِّ وَأَمَّا كَوْنُ الْوُضُوءِ شَرْطًا لِلصَّلَاةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ شَرْطٌ لِتَأْثِيرِ الصَّلَاةِ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ الصِّحَّةُ وَأَنَّهُ شَرْطٌ لِتَأْثِيرِ الْمُصَلِّي أَوْ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِهَا (وَيَرِدُ) عَلَى عَكْسِهِ (الْحَيَاةُ لِلْعِلْمِ الْقَدِيمِ) فَإِنَّهَا شَرْطٌ لِتَحَقُّقِهِ لَا لِتَأْثِيرِهِ فِي الْحُكْمِ الْمَعْلُولِ بِهِ، وَهُوَ الْعَالَمِيَّةُ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ لِحُكْمِهَا لَا يَكُونُ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ اتِّفَاقًا هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِالْقَدِيمِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي حَاشِيَتِهِ وَيَنْدَفِعُ بِهِ أَيْضًا قَوْلُ الْمُحَقِّقِ الْكَرْمَانِيِّ: أَيْ شَرْطٌ لِذَاتِ الْقَدِيمِ فِي وُجُودِ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْمَشْرُوطَ الذَّاتَ لَا الْعِلْمَ لِيَظْهَرَ لِلَّفْظِ الْقَدِيمِ فَائِدَةٌ، وَإِلَّا فَلَا تَأْثِيرَ أَصْلًا لِلْعِلْمِ إذْ لَيْسَ هُوَ صِفَةٌ مُؤَثِّرَةٌ وَلِلْمُعَرِّفِ أَنْ يَقُولَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِنَا الشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التَّأْثِيرُ شَرْطُ الْمُؤَثِّرِ لَا الشَّرْطُ مُطْلَقًا. انْتَهَى عَلَى مَا فِي هَذِهِ مِنْ الْعِنَايَةِ مَا فِيهَا مِنْ الْعِنَايَةِ. هَذَا وَقَدْ جَزَمَ بِهَذَا التَّعْرِيفِ صَاحِبُ الْمَحْصُولِ بِزِيَادَةٍ لَا ذَاتِهِ وَالْبَيْضَاوِيُّ بِزِيَادَةِ لَا وُجُودِهِ أَيْ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْمُؤَثِّرِ احْتِرَازًا عَنْ عِلَّتِهِ وَجُزْئِهَا وَشَرْطِهَا وَجُزْءِ نَفْسِ الْمُؤَثِّرِ؛ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا أَنَّ وُجُودَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا أَيْضًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِنَّ وُجُودَ الْمُؤَثِّرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَلْ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُهُ كَالْإِحْصَانِ فَإِنَّ تَأْثِيرَ الزِّنَا فِي الرَّجْمِ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا نَفْسُ الزِّنَا فَلَا؛ لِأَنَّ الْبِكْرَ قَدْ يَزْنِي وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَ التَّأْثِيرِ عَلَى وُجُودِ الْمُؤَثِّرِ تَوَقُّفٌ قَرِيبٌ، وَتَوَقُّفُهُ عَلَى عِلَّتِهِ وَجُزْئِهَا وَشَرْطِهَا تَوَقُّفٌ بَعِيدٌ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ الْأَوَّلُ (وَهُوَ) أَيْ الشَّرْطُ (عَقْلِيٌّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ) فَإِنَّ الْعَقْلَ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْحَيَاةِ (وَشَرْعِيٌّ كَالطَّهَارَةِ) لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ هُوَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ (فَأَمَّا اللُّغَوِيُّ) ، وَهُوَ مَدْخُولُ أَدَاةِ الشَّرْطِ كَدُخُولِ الدَّارِ مِنْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ كَذَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ وَضَعُوا هَذَا التَّرْكِيبَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ مَا دَخَلَتْ إنْ عَلَيْهِ هُوَ الشَّرْطُ وَالْآخَرُ الْمُعَلَّقُ بِهِ هُوَ الْجَزَاءُ

(فَإِنَّمَا هُوَ الْعَلَامَةُ) لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى ظُهُورِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَحَسْبُ نَعَمْ صَارَ اسْتِعْمَالُهُ فِي السَّبَبِيَّةِ غَالِبًا كَمَا فِي هَذَا الْمِثَالِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَسْمِيَةُ نَحْوِ إنْ جَاءَ فَأَكْرِمْهُ، وَإِنْ دَخَلْت فَطَالِقٌ بِهِ) أَيْ بِالشَّرْطِ (مَعَ أَنَّهُ سَبَبٌ جَعْلِيٌّ) لِلثَّانِي (لِصَيْرُورَتِهِ عَلَامَةً عَلَى الثَّانِي) أَيْ الْجَزَاءِ. (وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ) هَذَا شَرْطًا (فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ الْمُسَبِّبُ بَعْدَهُ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي شَرْطٍ شَبِيهٍ بِالسَّبَبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَتْبِعُ الْوُجُودَ، وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لِلْمُسَبِّبِ أَمْرٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ سِوَاهُ حَتَّى إذَا وُجِدَ فَقَدْ وُجِدَتْ الْأَسْبَابُ وَالشُّرُوطُ كُلُّهَا فَيُوجَدُ الْمَشْرُوطُ فَيُفْهَمُ مِنْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ إلَّا الدُّخُولُ وَلِذَا قِيلَ الشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ إذْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ (وَقَدْ يَتَّحِدُ) الشَّرْطُ أَيْ يَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا (وَقَدْ يَتَعَدَّدُ مَعْنًى) لَا لَفْظًا أَوْ وَلَفْظًا (جَمْعًا) بِأَنْ يَتَوَقَّفَ الْمَشْرُوطُ عَلَى حُصُولِهِمَا جَمِيعًا (وَبَدَلًا) بِأَنْ يَحْصُلَ بِحُصُولِ أَيِّهِمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ بِأَوْ أَوْ لَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (وَكَذَا الْجَزَاءُ) يَتَّحِدُ وَيَتَعَدَّدُ مَعْنَى جَمْعًا حَتَّى يَلْزَمَ حُصُولُ كِلَيْهِمَا وَبَدَلًا حَتَّى يَلْزَمَ حُصُولُ أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ التَّرْكِيبُ (فَهِيَ تِسْعَةٌ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى أَدَاةٍ بَلْ مَعْنًى) حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ إحْدَى كُلٍّ مِنْ ثَلَاثَتَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فِي الْأُخْرَى، وَالْأَمْثِلَةُ ظَاهِرَةٌ (وَلِذَا) أَيْ وَلِانْقِسَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ (اخْتَلَفَ لَوْ دَخَلَتْ إحْدَاهُمَا فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْتُمَا) الدَّارَ (فَطَالِقَانِ) عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (أَتَطْلُقُ) الدَّاخِلَةُ (لِلِاتِّحَادِ عُرْفًا) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ دُخُولُ إحْدَاهُمَا وَالْجَزَاءُ طَلَاقُهَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ عُرْفًا مِنْ مِثْلِهِ أَنَّ طَلَاقَ كُلٍّ مَشْرُوطٌ بِدُخُولِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ لِكُلٍّ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَكُونُ مِنْ اتِّحَادِ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ (أَوْ لَا) تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا (حَتَّى تَدْخُلَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ دُخُولُهُمَا) جَمِيعًا فَالشَّرْطُ مُتَعَدِّدٌ جَمْعًا فَتَطْلُقَانِ حِينَئِذٍ جَمِيعًا، وَهَذَا ثَانِي الْأَقْوَالِ (أَوْ تَطْلُقَانِ) جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ الْأُخْرَى (لِأَنَّهُ) أَيْ دُخُولَهُمَا الَّذِي هُوَ (الشَّرْطُ) مُتَعَدِّدٌ (بَدَلًا) ، وَهَذَا ثَالِثُ الْأَقْوَالِ (وَنَحْوُ) أَنْتِ (طَالِقٌ إنْ دَخَلْت) إنْ دَخَلْت (شَرْطٌ لِلْمُتَقَدِّمِ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ (مَعْنًى لِلْقَطْعِ بِتَقَيُّدِهِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِ (بِهِ) أَيْ بِأَنْ دَخَلْت (وَعِنْدَ النُّحَاةِ) إنْ دَخَلْت شَرْطٌ (لِمَحْذُوفٍ مَدْلُولٍ عَلَى لَفْظِهِ) بِالْمُتَقَدِّمِ (فَلَمْ يَجْزِمْ) الْمُتَقَدِّمَ (بِهِ) أَيْ بِالشَّرْطِ (عَلَى تَقَيُّدِهِ) أَيْ مَعَ تَقَيُّدِ الْمُتَقَدِّمِ بِالشَّرْطِ. (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُتَقَدِّمُ (لَفْظًا) أَوَّلًا فَإِنَّ التَّقْيِيدَ ثَانِيًا لَا يُنَافِيهِ هَذَا مُحَصَّلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ للإستراباذي إذَا تَقَدَّمَ عَلَى أَدَاةِ الشَّرْطِ مَا هُوَ جَوَابٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلَيْسَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بِجَوَابٍ لَهُ لَفْظًا؛ لِأَنَّ لِلشَّرْطِ صَدْرُ الْكَلَامِ بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَيْهِ وَكَالْعِوَضِ مِنْهُ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: بَلْ هُوَ جَوَابٌ فِي اللَّفْظِ أَيْضًا لَمْ يَنْجَزِمْ وَلَمْ يُصَدَّرْ بِالْفَاءِ لِتَقَدُّمِهِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ جَوَابٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ ثُمَّ قَالَ جَوَابٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى اتِّفَاقًا لِتَوَقُّفِ مَضْمُونِهِ عَلَى حُصُولِ الشَّرْطِ، وَلِهَذَا لَمْ يُحْكَمْ بِالْإِقْرَارِ فِي لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَعِنْدَ الْبَصْرِيَّةِ لَا يُقَدَّرُ مَعَ هَذَا الْمُقَدَّمِ جَوَابٌ آخَرُ لِلشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَوَابًا لِلشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ يُغْنِي عَنْهُ فَهُوَ مِثْلُ اسْتِحَارُك الَّذِي هُوَ كَالْعِوَضِ مِنْ الْمُقَدَّرِ إذَا ذَكَرْت أَحَدَهُمَا لَمْ تَذْكُرْ الْآخَرَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْمُقَدَّمُ هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي كَانَ مَرْتَبَتُهُ التَّأَخُّرَ عَنْ الشَّرْطِ فَقُدِّمَ عَلَى أَدَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْجَوَابُ لَوَجَبَ جَزْمُهُ وَلَلَزِمَ الْفَاءَ فِي نَحْوِ أَنْتَ مُكْرَمٌ إنْ أَكْرَمْتنِي، وَلَجَازَ ضَرَبْت غُلَامَهُ إنْ ضَرَبْت زَيْدًا عَلَى أَنَّ ضَمِيرَ غُلَامِهِ

لِزَيْدٍ فَمَرْتَبَةُ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بَعْدَ الشَّرْطِ وَعِنْدَ الْكُوفِيَّةِ قَبْلَ الْأَدَاةِ. اهـ. وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ تَقَيُّدِهِ بِهِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ أَطْلَقَ لَفْظًا ثَمَّ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَلَفْظًا وَلَمْ يَجْزِمْ لِلتَّقَدُّمِ وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ بَلْ هُوَ لَفْظًا لِمَحْذُوفٍ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِالْأَوَّلِ لَا يُجَامِعُهُ ذِكْرًا وَيُحْذَفُ مَا سِوَى هَذَا نَعَمْ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ جُمْهُورَ الْبَصْرِيِّينَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ بِجَوَابٍ لَهُ لَا مَعْنًى وَلَا لَفْظًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: مُكَابَرَةٌ وَعِنَادٌ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ أُكْرِمُك إنْ دَخَلْت إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى إكْرَامٍ مُقَيَّدٍ بِالدُّخُولِ وَلِذَا لَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَمْ يُكْرِمْ لَمْ يُعَدَّ كَاذِبًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا بِهِ لَكَانَ كَاذِبًا بِتَرْكِ الْإِكْرَامِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ (فَإِذَا تَعَقَّبَ) الشَّرْطُ (جُمَلًا) مُتَعَاطِفَةً كَلَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ وَلَا أَلْبَسُ إنْ فَعَلْت كَذَا (قَيَّدَهَا) جَمِيعًا (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ) فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ فِيمَا قَبْلَهَا (عِنْدَهُمْ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لِصَدَارَتِهِ مُقَدَّرٌ تَقْدِيمُهُ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا سَيَأْتِي، وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ يُقَدَّرُ تَقْدِيمُهُ عَلَى مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ فَلَوْ كَانَ لِلْأَخِيرَةِ قُدِّمَ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْجَمِيعِ، وَعِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ الْآتِيَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهَلْ يَجِبُ فِيهِ الِاتِّصَالُ اتِّفَاقًا؟ . فَقِيلَ نَعَمْ وَعَلَيْهِ مَشَى السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَقِيلَ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَلَيْهِ مَشَى السُّبْكِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ. (الثَّانِي الْغَايَةُ) وَلَفْظُهَا إلَى وَحَتَّى نَحْوُ (أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَى أَنْ يَدْخُلُوا) أَوْ حَتَّى يَدْخُلُوا كَذَا أَطْلَقُوا وَلَا رَيْبَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ أَنْ لَيْسَ مُرَادُهُمْ غَايَةَ لَوْ لَمْ يُؤْتَ بِهَا لَمْ يَدُلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهَا كَ {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] ؛ لِأَنَّ زَمَنَ طُلُوعِهِ لَيْسَ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى يَشْمَلَهُ سَلَامٌ هِيَ وَلَا غَايَةَ يَكُونُ اللَّفْظُ شَامِلًا لَهَا، وَهِيَ جَارِيَةٌ مَجْرَى التَّأْكِيدِ لِشُمُولِهِ نَحْوُ قَطَعْت أَصَابِعَهُ كُلَّهَا مِنْ الْخِنْصَرِ إلَى الْإِبْهَامِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَاتَيْنِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بَلْ لِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ فِيمَا قَبْلَهَا لَا لِتَخْصِيصِهِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ غَايَةٌ تَقَدَّمَهَا عُمُومٌ يَشْمَلُهَا لَوْ لَمْ يَأْتِ كَالْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ يَأْتِ لَكَانَ الْمَطْلُوبُ إكْرَامَهُمْ دَخَلُوا أَوْ لَمْ يَدْخُلُوا ثُمَّ يَأْتِي فِي هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَا يَخْفَى عَدَمُ صِدْقِ تَعْرِيفِ التَّخْصِيصِ عَلَى إخْرَاجِ الشَّرْطِ وَالْغَايَةِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِكْرَامَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ (لِكُلِّ تَمِيمٍ عَلَى تَقْدِيرٍ) ، وَهُوَ أَنْ لَا يَدْخُلُوا كُلُّهُمْ (لَا قَصْرَ عَلَى بَعْضِهِمْ دَائِمًا) دَخَلُوا أَوْ لَمْ يَدْخُلُوا (وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ إخْرَاجِ الشَّرْطِ وَالْغَايَةِ (تَخْصِيصُ عُمُومِ التَّقَادِيرِ عَنْ أَنْ يَثْبُتَ مَعَهَا) أَيْ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا (الْحُكْمُ) فَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ اُطْلُبْ إكْرَامَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِتَقْدِيرٍ دُونَ آخَرَ، وَهَذَا مَعْنَى إفَادَتِهِ عُمُومَ التَّقَادِيرِ فَإِذَا قَالَ إنْ دَخَلُوا أَوْ إلَى أَنْ يَدْخُلُوا خَصَّصَ التَّقَادِيرَ وَقَصَرَهَا عَلَى تَقْدِيرِ الدُّخُولِ فِي الشَّرْطِ وَعَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْغَايَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْإِكْرَامُ لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْغَايَةِ وَلَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الشَّرْطِ (وَقَدْ يَتَّفِقُ تَخْصِيصُ الْآخَرِ) أَيْ بَنِي تَمِيمٍ بِأَنْ يَدْخُلَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ يُقْصِرُ عُمُومَهُ عَلَى الدَّاخِلِينَ فِي الشَّرْطِ وَعَلَى غَيْرِ الدَّاخِلِينَ فِي الْغَايَةِ (وَقَدْ لَا) يَتَّفِقُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ بَنُو تَمِيمٍ بِأَنْ يَدْخُلَ الْكُلُّ فِي الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يُكْرِمُ الْكُلَّ فَلَا يَتَخَصَّصُ بِالْبَعْضِ، وَأَمَّا فِي الْغَايَةِ فَإِنَّمَا يُقَالُ أَكْرِمْ تَمِيمًا إلَى أَنْ يَجْبُنُوا أَوْ يَدْخُلُوا حَالَةَ عَدَمِ الْجُبْنِ وَعَدَمِ الدُّخُولِ فَلَا يَتَخَصَّصُ بِبَعْضِهِمْ حَالَةَ التَّكَلُّمِ فَيُكْرِمُ الْكُلَّ ثُمَّ كُلُّ مَنْ جَبُنَ أَوْ دَخَلَ خُصَّ وَلَوْ لَمْ يَجْبُنْ أَحَدٌ، وَلَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ اسْتَمَرَّ عُمُومُ الْآخَرِ فَاللَّازِمُ دَائِمًا إنَّمَا هُوَ تَخْصِيصُ التَّقَادِيرِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَقَدْ يَتَضَادَّانِ) أَيْ الشَّرْطُ وَالْغَايَةُ (تَخْصِيصًا) يَعْنِي إذَا اتَّحَدَتْ كَيْفِيَّتَا التَّرْكِيبِ الشَّرْطِيِّ وَالْغَائِيِّ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ تَضَادَّ

تَخْصِيصُهُمَا كَمَا رَأَيْت فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ فِيمَا إذَا قَالَ أَكْرِمْهُمْ إنْ دَخَلُوا الْمُخَرَّجُ عَنْ الْإِكْرَامِ غَيْرُ الدَّاخِلِينَ، وَفِي إلَى أَنْ يَدْخُلُوا الْمُخَرَّجُ مِنْهُ الدَّاخِلُونَ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّتَاهُمَا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِأَنْ قَالَ إلَى أَنْ لَا يَدْخُلُوا، وَإِنْ دَخَلُوا لَمْ يَتَضَادَّا؛ لِأَنَّ فِيهِمَا مَعًا يُخْرِجُهُمْ عَنْ الْإِكْرَامِ عَدَمُ الدُّخُولِ، وَلِهَذَا قَالَ وَقَدْ يَتَضَادَّانِ (وَتَجْرِي أَقْسَامُ الشَّرْطِ) وَالْمَشْرُوطِ التِّسْعَةِ الْمَاضِيَةِ (فِي الْغَايَةِ) وَالْمُغْيَا أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ كُلٌّ مِنْ الْغَايَةِ وَالْمُغْيَا قَدْ يَكُونُ مُتَّحِدًا وَمُتَعَدِّدًا عَلَى الْجَمْعِ وَعَلَى الْبَدَلِ وَتَرَكَّبَ فَتَأْتِي الْأَقْسَامُ التِّسْعَةُ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِاتِّصَالِ بِمَا هِيَ غَايَةٌ لَهُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَهِيَ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَوْدُ إلَى الْجَمِيعِ أَوْ إلَى الْأَخِيرَةِ، وَالْمَذَاهِبُ الْمَذَاهِبُ وَالْمُخْتَارُ الْمُخْتَارُ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ. (الثَّالِثُ الصِّفَةُ أَكْرِمْ الرِّجَالَ الْعُلَمَاءَ) فَقَصَرَ الْعُلَمَاءَ الرِّجَالَ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَهُوَ الْعُلَمَاءُ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ إذْ لَوْلَاهُ لَعَمَّ الْعُلَمَاءَ وَغَيْرَهُمْ، وَيَجِبُ فِيهَا الِاتِّصَالُ بِالْمَوْصُوفِ (وَفِي تَعَقُّبِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (مُتَعَدِّدًا كَتَمِيمٍ وَقُرَيْشٍ الطِّوَالِ) فَعَلُوا كَذَا خِلَافٌ فِي تَقْيِيدِهِ الْأَخِيرِ أَوْ الْمَجْمُوعِ (كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْأَوْجَهُ الِاقْتِصَارُ) عَلَى الْأَخِيرِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِخْرَاجَ بِالصِّفَةِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالْبَدَلِ يُسَمَّى تَخْصِيصًا) كَمَا تَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ (أَوْ لَا) يُسَمَّى تَخْصِيصًا (لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ لِنَفْيِ الْمَفْهُومِ) الْمُخَالِفِ عِنْدَهُمْ (وَلَيْسَ) الْإِخْرَاجُ بِأَحَدِهَا (تَخْصِيصًا إلَّا بِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (الرَّابِعُ بَدَلُ الْبَعْضِ) مِنْ الْكُلِّ نَحْوَ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ (الْعُلَمَاءَ مِنْهُمْ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُونَ وَصَوَّبَهُ وَالِدُهُ؛ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ فَلَا تَحَقُّقَ فِيهِ لِمَحَلٍّ يَخْرُجُ مِنْهُ فَلَا تَخْصِيصَ بِهِ. قُلْت: وَسَبَقَهُ إلَى النَّظَرِ فِيهِ بِمَعْنَى هَذَا الْأَصْبَهَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ كَالزَّمَخْشَرِيِ أَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِ بَدَلِ الْغَلَطِ لَيْسَ فِي حُكْمِ الْمُهْدَرِ الْمُطْرَحِ بَلْ هُوَ لِلتَّمْهِيدِ وَالتَّوْطِئَةِ وَلِيُفَادَ بِمَجْمُوعِهِمَا فَضْلُ تَأْكِيدٍ وَتَبَيُّنٍ لَا يَكُونُ فِي الْأَفْرَادِ فَلَا يَتِمُّ مَا ذَكَرَهُ. (الْخَامِسُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ وَالْمُرَادُ) بِهِ هُنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (أَدَوَاتُ الْإِخْرَاجِ لَا الْإِخْرَاجُ الْخَاصُّ، وَإِنْ كَانَ) الْإِخْرَاجُ الْخَاصُّ (يُرَادُ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ (كَالْمُسْتَثْنَى) أَيْ كَمَا يُرَادُ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَيْضًا الْمُخْرَجُ أَوْ الْمَذْكُورُ بَعْدَ إلَّا (إذْ الْكَلَامُ فِي تَفْصِيلِ مَا هُوَ) أَيْ الَّذِي الْإِخْرَاجُ الْخَاصُّ يَتَحَقَّقُ (بِهِ لَا) فِي نَفْسِ (التَّخْصِيصِ الْخَاصِّ، وَهُوَ) أَيْ الْمَعْنَى الْمُرَادُ هُنَا بِالِاسْتِثْنَاءِ (إلَّا غَيْرُ الصِّفَةِ، وَأَخَوَاتُهَا) ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِغَيْرِ الصِّفَةِ لِدُخُولِهَا صِفَةً فِي الْمُخَصِّصِ الْوَصْفِيِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وَالْمَشْهُورُ مِنْ أَخَوَاتِهَا غَيْرُ وَسِوَى وَعَدَا وَخَلَا وَحَاشَا وَلَيْسَ وَلَا يَكُونُ وَلَا سِيَّمَا وَبَيْدَ وَبَلْهَ وَلِمَا، عَلَى مَا فِي بَعْضِهَا مِنْ خِلَافٍ يُعْرَفُ فِي فَنِّ الْعَرَبِيَّةِ (وَأَنَّهَا) أَيْ إلَّا غَيْرُ الصِّفَةِ وَأَخَوَاتُهَا (تُسْتَعْمَلُ فِي إخْرَاجِ مَا بَعْدَهَا) حَالَ كَوْنِهِ (كَائِنًا بَعْضُ مَا قَبْلَهَا عَنْ حُكْمِهِ) أَيْ مَا قَبْلَهَا (وَهَذَا الْإِخْرَاجُ يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا، وَ) يُسْتَعْمَلُ (فِي إخْرَاجِهِ) أَيْ مَا بَعْدَهَا حَالَ كَوْنِهِ (كَائِنًا خِلَافُهُ) أَيْ مَا قَبْلَهَا (عَنْ حُكْمِهِ) أَيْ مَا قَبْلَهَا (وَيُسَمَّى) هَذَا الْإِخْرَاجُ اسْتِثْنَاءً (مُنْقَطِعًا) إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا إلَّا وَغَيْرُ وَسِوَى وَقِيلَ وَبَيْدَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ وَبَاقِي الْأَدَوَاتِ لَا تَكُونُ فِي الْمُنْقَطِعِ. (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى (مِمَّا يُقَارِنُهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (كَثِيرًا) لِمُلَابَسَتِهِ إيَّاهُ وَكَوْنُهُ مِنْ تَوَابِعِهِ حَتَّى يَسْتَحْضِرَ بِذِكْرِهِ أَوْ بِذِكْرِ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ (كَجَاءُوا) أَيْ الْقَوْمُ مَثَلًا (إلَّا حِمَارًا) ؛ لِأَنَّهُ

لَيْسَ مِنْهُمْ بَلْ مِنْ تَوَابِعِهِمْ بِحَيْثُ يُسْتَحْضَرُ بِذِكْرِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ (وَمِنْهُ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ ... (إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ ؛ لِأَنَّهُ حَصَرَ الْأَنِيسَ) فِيهِمَا فَاسْتَحْضَرَهُمَا بِذِكْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُؤَانِسُ وَيُلَازِمُ الْمَكَانَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِنْسَانِ أَوْ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ خَلَّفَتَا أَهْلَ الْبَلْدَةِ فِيهَا فَكَانَتَا بِمَنْزِلَةِ أَهْلِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ، وَالْيَعَافِيرُ جَمْعُ يَعْفُورٍ قِيلَ الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ وَقِيلَ تَيْسٌ مِنْ تُيُوسِ الظِّبَاءِ، وَالْعِيسُ جَمْعُ عَيْسَاءَ إبِلٌ بِيضٌ فِي بَيَاضِهَا ظُلْمَةٌ خَفِيَّةٌ وَقِيلَ يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنْ الشُّقْرَةِ، وَقِيلَ الْجَرَادُ قِيلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ الشَّاعِرِ؛ لِأَنَّ خُلُوَّ الْبَلْدَةِ مِنْ الْأَنِيسِ وَكَوْنَهَا مَأْوَى الْيَعَافِيرِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْوَحْشِيَّاتِ يَقْتَضِي ذَلِكَ. (بِخِلَافِ إلَّا الْأَكْلَ) أَيْ لَا يُقَالُ جَاءُوا إلَّا الْأَكْلَ (أَوْ) كَوْنُ الْمُسْتَثْنَى (يَشْمَلُهُ حُكْمُهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (كَصَوَّتَتْ الْخَيْلُ إلَّا الْحَمِيرَ) أَوْ الْبَعِيرَ؛ لِأَنَّ التَّصْوِيتَ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَاتِ كُلَّهَا (بِخِلَافِ صَهَلَتْ) الْخَيْلُ إلَّا الْحَمِيرَ أَوْ الْبَعِيرَ فَإِنَّ الصَّهِيلَ لَا يَشْمَلُهَا فَلَا يَجُوزُ (أَوْ) كَوْنُ الْمُسْتَثْنَى (ذُكِرَ) قَبْلَهُ (حُكْمٌ يُضَادُّهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى (كَمَا نَفَعَ إلَّا مَا ضَرَّ) وَمَا زَادَ إلَّا مَا نَقَصَ، قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: قَالَ سِيبَوَيْهِ مَا الْأُولَى نَافِيَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَصْدَرِيَّةٌ وَفَاعِلُ زَادَ وَنَفَعَ مُضْمَرٌ، وَمَفْعُولُهُمَا مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ مَا زَادَ فُلَانٌ شَيْئًا إلَّا نُقْصَانًا وَمَا نَفَعَ فُلَانٌ إلَّا مَضَرَّةً فَالْمُسْتَثْنَى، وَهُوَ النُّقْصَانُ وَالْمَضَرَّةُ حُكْمٌ مُخَالِفٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالنَّفْعُ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَقَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي، وَالْمَعْنَى لَكِنَّ النُّقْصَانَ فِعْلٌ أَوْ لَكِنَّ النُّقْصَانَ أَمْرُهُ وَشَأْنُهُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ السِّيرَافِيُّ وَلَيْسَ مَا زَادَ شَيْئًا غَيْرُ النُّقْصَانِ لِيَكُونَ مُتَّصِلًا مُفَرَّغًا. وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (أَمَّا مَا زَادَ إلَّا مَا نَقَصَ فَيَحْتَمِلُ الِاتِّصَالَ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ النُّقْصَانَ (زِيَادَةُ حَالٍ بَعْدَ التَّمَامِ) ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ السَّرَّاجِ، وَإِنَّمَا حَسُنَ هَذَا الْكَلَامُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ مَا زَادَ دَلَّ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ عَلَى حَالِهِ إلَّا مَا نَقَصَ. اهـ. ثُمَّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا نَفَعَ إلَّا مَا ضَرَّ لَا يَحْتَمِلُ الِاتِّصَالَ بِنَحْوِ هَذَا التَّقْدِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا سِيَّانِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ فِيهِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ دَلَّ قَوْلُهُ مَا نَفَعَ عَلَى هُوَ عَلَى حَالِهِ إلَّا مَا ضَرَّ،. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: إذَا قُلْت مَا زَادَ فَكَأَنَّك قُلْت مَا عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ ثُمَّ اسْتَثْنَيْت مِنْ الْعَارِضِ النَّقْصَ، وَإِذَا قُلْت مَا نَفَعَ فَكَأَنَّك قُلْت مَا أَفَادَ شَيْئًا إلَّا ضَرًّا ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ شَرْطِ الْمُنْقَطِعِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ الْمُسْتَثْنَى الْمُنْقَطِعُ الْمُسْتَعْمَلُ لَا يَكُونُ إلَّا مِمَّا يُسْتَحْضَرُ بِوَجْهٍ مَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ ذِكْرِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 77] ؛ لِأَنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِهِ لِقَوْلِهِمْ {إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الشعراء: 97] {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 98] وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْعِبَادَةِ مُذَكِّرٌ بِالْإِلَهِ الْحَقِّ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يَكُونُ الْمُنْقَطِعُ غَيْرَ بَعْضٍ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَضْعًا فَلَهُ حَظٌّ مِنْ الْبَعْضِيَّةِ مَجَازًا وَلِذَلِكَ قُبِلَ لَهُ مُسْتَثْنًى فَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِعْمَالُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَمَثَّلَ لِكُلٍّ بِبَعْضِ الْمُثُلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَالْمُلَخَّصُ أَنَّ شَرْطَهُ تَقْدِيرُ دُخُولِهِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِوَجْهٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ كَابْنِ السَّرَّاجِ وَآخَرُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَقَسَمُوهُ إلَى مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الِاتِّصَالُ مَجَازًا فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّصْبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعَرَبِ وَيَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ عِنْدَ تَمِيمٍ، وَإِلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الِاتِّصَالُ أَصْلًا فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّصْبُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعَرَبِ. (وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِخْرَاجِ إفَادَةُ عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْحُكْمِ اشْتَهَرَ) لَفْظُ الْإِخْرَاجِ (فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَعْنَى (اصْطِلَاحًا)

فَلَا ضَيْرَ فِي ذِكْرِهِ فِي التَّعْرِيفِ مُرَادًا بِهِ هَذَا الْمَعْنَى (إذْ حَقِيقَتُهُ) أَيْ الْإِخْرَاجِ إنَّمَا يَكُونُ (بَعْدَ الدُّخُولِ، وَهُوَ) أَيْ الْإِخْرَاجُ حَقِيقَةً (مِنْ الْإِرَادَةِ بِحُكْمِ الصَّدْرِ مُنْتَفٍ) لِلُزُومِ النَّسْخِ فِي الْإِنْشَاءِ وَالتَّنَاقُضِ فِي الْخَبَرِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ (وَمِنْ التَّنَاوُلِ) أَيْ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ (لَا يُمْكِنُ) أَيْضًا فَإِنَّ تَنَاوُلَهُ بَاقٍ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِعِلَّةِ وَضْعِهِ لِتَمَامِ الْمَعْنَى، وَهِيَ قَائِمَةٌ مُطْلَقًا عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ الْخُرُوجُ هُنَا مَجَازٌ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ هُوَ الْحَرَكَةُ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَالْخُرُوجِ بِالْعَكْسِ ثُمَّ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِثْنَاءِ هُنَا الْأَدَوَاتِ (فَقِيلَ) الِاسْتِثْنَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى (مُشْتَرَكٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْإِخْرَاجَيْنِ الْمُسَمَّى أَحَدُهُمَا مُتَّصِلًا وَالْآخَرُ مُنْقَطِعًا (لَفْظِيٌّ) لِإِطْلَاقِهِ عَلَى كُلِّ مِنْهُمَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا وَانْتِفَاءٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا مَعْنًى وَعَدَمُ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا (قِيلَ مُتَوَاطِئٌ) أَيْ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُطْلَقُ الْمُخَالَفَةِ وَالتَّوَاطُؤُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ (وَالْمُخْتَارُ) أَنَّهُ فِي الْمُتَّصِلِ حَقِيقَةٌ، وَ (فِي الْمُنْقَطِعِ مَجَازٌ) وَنَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَسَيَأْتِي وَجْهُهُ. (قَالُوا) وَمِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ: (فَعَلَى التَّوَاطُؤِ أَمْكَنَ حَدُّهُ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ (مَعَ الْمُتَّصِلِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا مُجَرَّدِ الْمُخَالَفَةِ الْأَعَمِّ مِنْ الْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ) وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ " مُجَرَّدَ " بِالْجَرِّ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ الْمُشْتَرَكِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْكَرْمَانِيُّ لَفْظَ الْأَعَمِّ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ فَيَجِبُ تَأْنِيثُهُ لِجَرَيَانِهِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَيَمْتَنِعُ فِيهِ مِنْ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَعَمَّ صِفَةٌ لِمُجَرَّدٍ وَأَنَّ مِنْ لِبَيَانِ الْمُخَالَفَةِ لَا صِلَةً لِلْأَعَمِّ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. (فَيُقَالُ مَا دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةٍ بِإِلَّا غَيْرُ الصِّفَةِ إلَخْ) أَيْ وَأَخَوَاتِهَا فَمَا دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةٍ شَامِلٌ لِأَنْوَاعِ التَّخْصِيصِ وَبِإِلَّا غَيْرُ الصِّفَةِ وَأَخَوَاتِهَا يَخْرُجُ سَائِرُ أَنْوَاعِهِ، وَقَدْ عَرَفْت وَجْهَ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الصِّفَةِ، وَالْمُرَادُ بِأَخَوَاتِهَا (وَعَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ) لَفْظِيٌّ بَيْنَهُمَا (أَوْ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ) حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ (لَا يُمْكِنُ) حَدُّ الْمُنْقَطِعِ مَعَ الْمُتَّصِلِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ (لِأَنَّ مَفْهُومَيْهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ بِهَذَا الْمَعْنَى (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا فِيهِمَا أَوْ حَقِيقَةً فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازًا فِي الْمُنْقَطِعِ (حَقِيقَتَانِ) أَيْ مَاهِيَّتَانِ (مُخْتَلِفَتَانِ فَيُحَدُّ كُلٌّ بِخُصُوصِهِ فَيُزَادُ) عَلَى الْحَدِّ السَّابِقِ (فِي الْمُنْقَطِعِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ لِإِخْرَاجِ الْمُتَّصِلِ) ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَةٍ مَعَ إخْرَاجٍ لَكِنْ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ الْحَدَّ السَّابِقَ صَالِحٌ لِلْمُتَّصِلِ وَحَدُّهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ مَعَ إخْرَاجٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولُوا وَفِي الْمُتَّصِلِ مَعَ إخْرَاجٍ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا) أَيْ امْتِنَاعَ الْجَمْعِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فِي تَعْرِيفٍ وَاحِدٍ (إنَّمَا هُوَ فِي تَعْرِيفِ مَاهِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ التَّعْرِيفُ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجَيْنِ الْمُسَمَّيَيْنِ بِالْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ) لِلِاخْتِلَافِ الْمَانِعِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ. (وَ) لَا شَكَّ (بِأَنَّ) أَيْ فِي أَنَّ (وَضْعَ لَفْظٍ مَرَّتَيْنِ لِشَيْئَيْنِ) حَتَّى كَانَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَهُمَا (أَوْ) وَضْعَ لَفْظٍ (مَرَّةً لِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ حَتَّى كَانَ مُتَوَاطِئًا (أَوْ) وَضْعَ لَفْظٍ مَرَّةً (لِأَحَدِهِمَا وَيُتَجَوَّزُ بِهِ فِي الْآخَرِ لَا يَتَعَذَّرُ تَعْرِيفُهُ عَلَى تَقْدِيرٍ وَالْكَلَامُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ) هُنَا (إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ) وَقَدْ قِيلَ فِيهِ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَلَا يَتَعَذَّرُ تَعْرِيفُهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْهَا (فَيُقَالُ مَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ كَائِنًا بَعْضَ مَا قَبْلَهُ أَوْ) كَائِنًا (خِلَافَهُ) أَيْ مَا قَبْلَهُ (بِحُكْمِهِ) أَيْ مَا قَبْلَهُ دَلَالَةٌ كَائِنَةٌ (عَنْ وَضْعَيْنِ) وُضِعَ مَرَّةً لَأَنْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ كَائِنًا بَعْضَ مَا قَبْلَهُ وَوُضِعَ مَرَّةً لَأَنْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ مِنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهُ، هَذَا (عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَيُتْرَكُ لَفْظُ الْوَضْعِ) أَيْ عَنْ وَضْعَيْنِ (عَلَى التَّوَاطُؤِ، وَ) يُقَالُ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ مَا دَلَّ

عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ حَالَ كَوْنِهِ (كَائِنًا بَعْضَهُ) أَيْ مَا قَبْلَهُ (بِحُكْمِهِ) أَيْ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِإِرَادَةٍ (بِوَضْعِهِ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى (لَهُ) أَيْ لِهَذَا الْمَعْنَى (فَقَطْ) فَيَنْطَبِقُ هَذَا عَلَى الْمُتَّصِلِ (وَخِلَافُهُ بِالْقَرِينَةِ) أَيْ مَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ كَائِنًا خِلَافَ مَا قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ حُكْمِهِ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ الْمُفِيدَةِ لِإِرَادَةِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ مِنْهُ فَيَنْطَبِقُ عَلَى الْمَجَازِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَخِلَافُهُ بِحُكْمِهِ بِالْقَرِينَةِ لَكَانَ أَوْلَى (ثُمَّ لَا يَخْفَى صِدْقُ تَعْرِيفِنَا عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَدَاةِ الَّتِي الِاسْتِثْنَاءُ هُنَا بِمَعْنَاهَا (عَلَى التَّقَادِيرِ) الثَّلَاثَةِ (بِلَا حَاجَةٍ إلَى خِلَافِهِ) مِنْ التَّعَارِيفِ لَهُ بِهَذَا الْمَعْنَى (وَقَوْلُهُ) أَيْ الْمُعَرَّفِ الْأَوَّلِ (بِإِلَّا إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ إلَّا وَأَخَوَاتِهَا مَعَ مَا دَلَّ غَيْرُ إنْ) ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدَّالَّ بِوَاسِطَةِ شَيْءٍ هُوَ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ (وَلَيْسَ) هُمَا غَيْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّالَّ إنَّمَا هُوَ إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا. (وَقَوْلُهُ فِي الْمُنْقَطِعِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ، إنْ) أَرَادَ (مُطْلَقًا لَمْ يَصْدُقْ) التَّعْرِيفُ (عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ أَفْرَادَهُ (مُخْرَجَةٌ مِنْ الْحُكْمِ) الَّذِي لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. (وَالْإِخْرَاجُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِقِسْمَيْهِ) الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ (لَيْسَ إلَّا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحُكْمِ (وَحَمْلُهُ) أَيْ الْإِخْرَاجِ (عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْجِنْسِ فَقَطْ، وَأَنَّهُ الِاصْطِلَاحُ بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ زَيْدًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْقَوْمِ وَلَا يَصْطَلِحُ عَلَى بَاطِلٍ، وَإِنْ أُرِيدَ التَّجَوُّزُ بِالْجِنْسِ عَنْ حُكْمِهِ أَوْ أُضْمِرَ) الْحُكْمُ (صَارَ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ مِنْ حُكْمِ الْجِنْسِ وَعَادَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاقِعَ إخْرَاجُ مَا بَعْدَ إلَّا مُطْلَقًا) أَيْ مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ لَا (مِنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا) سَوَاءٌ كَانَ جِنْسًا لَهُ أَوْ لَا (وَعَدَمُهُ) أَيْ الْإِخْرَاجِ (مِنْ نَفْسِ الْجِنْسِ) أَمَّا فِي الْمُتَّصِلِ فَلِأَنَّ التَّنَاوُلَ بَاقٍ، وَأَمَّا فِي الْمُنْقَطِعِ فَلِعَدَمِ الدُّخُولِ الَّذِي الْإِخْرَاجُ فَرْعُهُ. (وَوَجْهُ الْمُخْتَارِ) مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ (بِأَنَّ عُلَمَاءَ الْأَمْصَارِ رَدُّوهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ بِهَذَا الْمَعْنَى (إلَى الْمُتَّصِلِ، وَإِنْ) كَانَ الِاتِّصَالُ (خِلَافَ الظَّاهِرِ فَحَمَلُوا لَهُ أَلْفًا إلَّا كُرًّا) مِنْ الْبُرِّ (عَلَى قِيمَتِهِ) أَيْ الْكُرِّ مِنْهُ لِشُمُولِ الْقِيمَةِ لَهُ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمُنْقَطِعِ ظَاهِرًا لَمْ يَرْتَكِبُوا مُخَالَفَةَ ظَاهِرٍ حَذَرًا عَنْهَا. وَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا: إنَّهُ لَا يُمْنَعُ الِاشْتِرَاكُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ قَدْ يَكُونُ أَحَدُ مَعْنَيَيْهِ أَظْهَرَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَيُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ وَكَأَنْ لِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَوَجْهُ الْمُخْتَارِ ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ بَلْ أَرْدَفَهُ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَقَالَ (وَلِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْ نَحْوِ جَاءَ الْقَوْمُ إلَّا، قَبْلَ ذِكْرِ زَيْدٍ أَوْ حِمَارٍ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ حُكْمِهِمْ فَيُشْرَأَبُّ) أَيْ فَيُتَطَلَّعُ (إلَى أَنَّهُ أَيُّهُمْ وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي إخْرَاجِ الْأَعَمِّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ (مِنْ حُكْمِهِ) أَيْ الْأَعَمِّ (لَمْ يَتَبَادَرْ مُعَيَّنٌ، لَا يُقَالُ جَازَ) تَبَادُرُ الْمُتَّصِلِ (لِعُرُوضِ شُهْرَةٍ أَوْجَبَتْ الِانْتِقَالَ إلَيْهِ) أَيْ الْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ عُرُوضَ الشُّهْرَةِ فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ الْحَقِيقِيَّيْنِ (نَادِرٌ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ قَبْلَ فِعْلِيَّتِهِ) أَيْ تَحَقُّقِهِ بِالْفِعْلِ، وَالْفَرْضُ جَوَازُهُ لَا تَحَقُّقُهُ (وَإِلَّا) لَوْ اُعْتُبِرَ جَوَازُ عُرُوضِ الشُّهْرَةِ مُوجِبًا لِلتَّبَادُرِ (بَطَلَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ إمْكَانِهِمَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِأَنْ يُقَالَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَبَادَرُ الْمَجَازِيَّ لِعُرُوضِ شُهْرَتِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْحَقِيقِيَّ. (وَغَيْرُ ذَلِكَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ كَأَنْ يَنْفِيَ الِاشْتِرَاكَ فَإِذَا أَثْبَتَ بِتَبَادُرِ الْمَفَاهِيمِ عَلَى السَّوَاءِ وَالتَّوَقُّفِ فِي الْمُرَادِ قِيلَ جَازَ كَوْنُ تَبَادُرِهَا بِعُرُوضِ شُهْرَةٍ فِي الْمَجَازِ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقِيَّ. اهـ. وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ. (وَقَالَ الْغَزَالِيُّ) وَالْقَاضِي فِي التَّعْرِيفِ (فِي الْمُتَّصِلِ قَوْلٌ ذُو صِيَغٍ مَخْصُوصَةٍ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ بِهِ لَمْ يُرِدْ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ إفَادَةَ جِنْسِهِ) ، وَهُوَ قَوْلُ (أَنَّهُ) أَيْ التَّعْرِيفَ (لِغَيْرِ) الْمَعْنَى

(الْمَصْدَرِيِّ) الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاجُ بَلْ هُوَ لِلْأَدَاةِ (وَمَخْصُوصَةٌ أَيْ مَعْهُودَةٌ، وَهِيَ إلَّا وَأَخَوَاتُهَا) كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ وَالْأَصْفَهَانِيّ (وَإِلَّا نُسِبَ أَنْ يُقَالَ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ الشَّرْطُ) أَيْ أَدَاتُهُ فِي نَحْوِ أَكْرِمْ النَّاسَ إنْ عَمِلُوا (لَا التَّخْصِيصُ بِهِ) أَيْ بِالشَّرْطِ (وَالْمَوْصُولُ) حَالَ كَوْنِهِ (وَصْفًا) مُخَصِّصًا، نَحْوَ أَكْرِمْ النَّاسَ الَّذِينَ عَلِمُوا (وَالْمُسْتَقِلُّ) نَحْوَ لَا تُكْرِمْ زَيْدًا بَعْدَ أَكْرِمْ الْقَوْمَ لَا التَّخْصِيصُ بِهِمَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِظُهُورِ أَنَّ التَّعْرِيفَ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الْأَدَوَاتِ لِلتَّخْصِيصِ بِهَا الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاجُ (وَدُفِعَ الْأَوَّلَانِ) أَيْ الشَّرْطُ وَالْمَوْصُولُ وَصْفًا، وَالدَّافِعُ ابْنُ الْحَاجِبِ (بِأَنَّهُمَا لَا يُخَرِّجَانِ الْمَذْكُورَ) ، وَهُوَ الْعُلَمَاءُ فِي مِثَالَيْهِمَا (بَلْ) يُخَرِّجَانِ (غَيْرَهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ مَنْ عَدَا الْعُلَمَاءَ (وَتَقَدَّمَ التَّحْقِيقُ فِيهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يُخْرِجُ مَا بَعْدَهُ بَلْ مُخْرِجُ بَعْضَ التَّقَادِيرِ، وَالْعَامُّ الْآخَرُ فَإِنَّ قَوْلَكَ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ عَلِمُوا يُخْرِجُ غَيْرَ الْعُلَمَاءِ، وَالْوَصْفُ مِثْلُهُ إذَا عُرِفَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّهُمَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا التَّعْرِيفُ (وَالْمُسْتَقِلُّ لَمْ يُوضَعْ لِإِفَادَةِ الْمُخَالَفَةِ، وَإِنَّمَا تُفْهَمُ) الْمُخَالَفَةُ (بِمُلَاحَظَتِهِمَا) أَيْ الْمُسْتَقِلِّ وَالْمُخَصَّصِ بِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُمَا لُزُومًا عَقْلِيًّا إنْ كَانَ الْقَائِلُ مِمَّنْ لَا يُنَاقِضُ نَفْسَهُ لَا وَضْعِيًّا أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ لَمْ يَجِئْ الْقَوْمُ وَلَمْ يَجِئْ زَيْدٌ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى مُخَالَفَةٍ أَصْلًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ. (وَعَلَى عَكْسِهِ شَخْصٌ جَاءُوا إلَّا زَيْدًا وَسَائِرُهَا) أَيْ وَشَخْصُ كُلٍّ مِنْ بَاقِي أَدَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَا صِيَغٍ (وَرُدَّ) هَذَا وَرَادُّهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ) ذُو صِيَغٍ وَكُلُّ اسْتِثْنَاءٍ ذُو صِيغَةٍ مِنْ الصِّيَغِ أَيْ وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْهُ ذُو صِيغَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قُوَّةِ اللَّفْظِ، قَالَ: وَالْمُنَاقَشَةُ فِي مِثْلِهِ مَعَ مِثْلِهِ لَا تَحْسُنُ كُلَّ الْحُسْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) كَمَا يَظْهَرُ بَعْدُ، عَلَى أَنَّ هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُنَاقَشَةَ فِيهِ تَحْسُنُ فِي الْجُمْلَةِ (وَ) لَا يَخْفَى (عَدَمُ وُرُودِهِ) أَيْ هَذَا إلَّا يُرَادُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ (عَلَى كَوْنِهِ تَعْرِيفًا لِلْأَدَوَاتِ بِقَيْدِ الْعُمُومِ وَعَلَى كَوْنِهِ) تَعْرِيفًا (لِمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَدَاةُ الِاسْتِثْنَاءِ لِيَكُونَ الْمِثَالُ) الْمَذْكُورُ فِي الْإِيرَادِ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى إلَّا (مِنْ أَفْرَادِ الْمُعَرَّفِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ إذَا كَانَ تَعْرِيفًا لِأَدَوَاتِهِ بِقَيْدِ الْعُمُومِ فَإِنَّ إلَّا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُعَرَّفِ بَلْ الْمُعَرَّفُ (صَادِقٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى إلَّا فِيهِ (إذْ الْجِنْسُ) فِي تَعْرِيفِهِ (قَوْلٌ كُلِّيٌّ لَا يَتَحَقَّقُ خَارِجًا إلَّا ضِمْنَ أَدَاةٍ، وَهُوَ) أَيْ الْجِنْسُ (نَفْسُهُ ذُو الصِّيَغِ وَيَصْدُقُ عَلَى الْكُلِّيِّ الْكَائِنِ فِي ضِمْنٍ إلَّا) الَّذِي هُوَ جُزْئِيٌّ (فِي الْمِثَالِ) الْمَذْكُورِ (ذَلِكَ) أَيْ الْكُلِّيُّ الْمُطْلَقُ الَّذِي هُوَ الْجِنْسُ، وَهُوَ فَاعِلُ يَصْدُقُ ثُمَّ الْحَقُّ أَنَّهُ إذْ كَانَ الْمُرَادُ بِصِيَغٍ صِيَغًا مُعَيَّنَةً هِيَ أَدَوَاتُ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْإِيرَادَاتِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ وَالْأَصْفَهَانِيُّ فَقَدْ كَانَ الْأَنْسَبُ التَّعَرُّضَ لِنَفْيِ وُرُودِهَا مُعَلِّلًا بِهَذَا. نَعَمْ يَرِدُ أَنَّ هَذَا تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ أَخْفَى مِنْهُ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. (وَقِيلَ: لَفْظٌ مُتَّصِلٌ بِجُمْلَةٍ لَا تَسْتَقِلُّ دَالٌّ عَلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا صِفَةٍ وَلَا غَايَةٍ) ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مُخْتَارُ الْآمِدِيِّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ مَكَانَ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ إلَخْ بِحَرْفِ إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَقَالَ: اُحْتُرِزَ بِلَفْظٍ عَنْ غَيْرِ اللَّفْظِ مِنْ الدَّلَالَاتِ الْمُخَصِّصَةِ الْحِسِّيَّةِ أَوْ الْعَقْلِيَّةِ وَبِمُتَّصِلٍ عَنْ الدَّلَائِلِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَبِلَا يَسْتَقِلُّ عَنْ مِثْلِ قَامَ الْقَوْمُ، وَلَمْ يَقُمْ زَيْدٌ، وَبِدَالٍّ عَنْ الصِّيَغِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِعَلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ غَيْرُ مُرَادٍ عَنْ الْأَسْمَاءِ الْمُؤَكَّدَةِ وَالنَّعْتِيَّةِ مِثْلُ جَاءَ الْقَوْمُ الْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ وَبِحَرْفِ إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا عَنْ مِثْلِ قَامَ الْقَوْمُ دُونَ زَيْدٍ كَذَا

ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ لِلِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ لَهُ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فَاحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِ الشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَالْغَايَةِ لِصِدْقِ الْحَدِّ بِدُونِهِ عَلَى الْغَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَعَلَى الْوَصْفِ فِي نَحْوِ {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ اللَّهِ وَعَلَى الشَّرْطِ فِي نَحْوِ أَكْرِمْ النَّاسَ إنْ لَمْ يَكُونُوا جُهَّالًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْجُهَّالِ وَتَعْرِيفُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ إنَّمَا هُوَ لَهُ بِمَعْنَى الْمُسْتَثْنَى فَكَيْفَ يَكُونُ عَيْنَ مَا فِي الْكِتَابِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَعَلَى طَرْدِهِ) يَرِدُ (قَامُوا لَا زَيْدٌ) لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِ الْآمِدِيِّ (وَدُفِعَ بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِإِفَادَةِ عَدَمِ الْإِرَادَةِ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْ مِنْ مُلَاحَظَتِهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ لُزُومًا عَقْلِيًّا لَا وَضْعِيًّا بِدَلِيلِ جَاءَ عُمَرُ وَلَا زَيْدٌ لِامْتِنَاعِ إرَادَةِ زَيْدٍ مِنْ عُمَرَ وَلِعَدَمِ إمْكَانِ دُخُولِهِ فِيهِ (وَعَلَى عَكْسِهِ) يَرِدُ (الْمُفَرَّغُ لِلْفَاعِلِ) نَحْوَ مَا جَاءَ إلَّا زَيْدٌ فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِعَدَمِ اتِّصَالِهِ بِجُمْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ وَالْفِعْلُ وَحْدَهُ مُفْرَدٌ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ وُرُودُ هَذَا عَلَى تَعْرِيفِ الْآمِدِيِّ أَيْضًا (وَدُفِعَ بِأَنَّ مَا قَبْلَهُ) أَيْ إلَّا زَيْدٌ (فِي تَقْدِيرِهَا) أَيْ الْجُمْلَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجُمْلَةِ وَمَا يُقَدَّرُ بِهَا (وَهَذَا عَلَى مَنْ يُقَدِّرُ فَاعِلًا عَامًّا) وَيَجْعَلُ مَا بَعْدَ إلَّا مِنْهُ فَيَقُولُ التَّقْدِيرُ مَا جَاءَ أَحَدٌ إلَّا زَيْدٌ (وَلَعَلَّ الْمُعَرَّفَ يَرَاهُ) فَإِنَّهُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَعْنَى أَمَّا مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ فَاعِلًا عَامًّا بَلْ يَقُولُ زَيْدٌ هُوَ الْفَاعِلُ فَالدَّفْعُ عَلَى قَوْلِهِ مَدْفُوعٌ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَيْضًا مَدْفُوعٌ (ثُمَّ يَفْسُدُ) عَكْسُهُ أَيْضًا (بِأَنَّ كُلَّ مُسْتَثْنًى مُتَّصِلٌ مُرَادٌ بِالْأَوَّلِ) ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْهُ ثُمَّ يُسْنَدُ إلَى الْبَاقِي فَصُدِّقَ الْحَدُّ لَا الْمَحْدُودُ (وَيُدْفَعُ بِمَنْعِهِ) أَيْ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُرَادٌ بِالْأَوَّلِ وَفِي هَذَا الْمَنْعِ نَظَرٌ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُرَادٌ بِحَسَبِ دَلَالَةِ لَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَيْهِ (فَغَيْرُ مُرَادٍ بِالْحُكْمِ) أَيْ بِحُكْمِهِ أَقُولُ: وَالتَّحْقِيقُ أَنْ لَا وُرُودَ لِهَذَا أَصْلًا عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ لِيَحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَلِكَ فَلْيُتَدَبَّرْ. (وَهَذَا) التَّعْرِيفُ (أَيْضًا لِمَا لَهُ) التَّعْرِيفُ (الْأَوَّلُ) أَيْ تَعْرِيفُ الْغَزَالِيِّ، وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كُلٍّ، لَا لِلْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاجُ لِمُنَافَاةِ جِنْسِ هَذَا، وَهُوَ اللَّفْظُ لِذَلِكَ كَمُنَافَاةِ جِنْسِ الْأَوَّلِ لَهُ (فَلَا يَكُونُ الْأُولَى) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُقَالَ فِي تَعْرِيفِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: (إخْرَاجٌ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفُ (عَلَى غَيْرِ مَهِيعِهِ) أَيْ طَرِيقِ كُلٍّ مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ السَّابِقَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِالضَّرُورَةِ إنَّمَا هُوَ لَهُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ اللَّهُمَّ (إلَّا عَلَى مَعْنَى الْأَوَّلِ تَعْرِيفُ الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ التَّخْصِيصُ الْخَاصُّ) ، وَهُوَ مَا يَكُونُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا (وَتُرِكَ مَا بِهِ) التَّخْصِيصُ أَيْ الْمُخَصِّصُ (وَلَيْسَ) هَذَا (كَذَلِكَ) أَيْ أَوْلَى هُنَا (فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ) أَيْ الْمُخَصِّصِ الْمُتَّصِلِ الْمُسَمَّى بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا فِي نَفْسِ التَّخْصِيصِ إذْ الْكَلَامُ فِي بَيَانِ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ (وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُعَرَّفُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ مَاهِيَّتَيْ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةً فِيهِمَا مُشْتَرَكًا أَوْ مُتَوَاطِئًا إلَّا اصْطِلَاحًا) نَحْوِيًّا. (وَنَظَرُ الْأُصُولِيِّ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ) إنَّمَا هُوَ (مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ وَيُمْكِنُ تَعْرِيفُهُمَا لَا مِنْ حَيْثُ هُمَا مَدْلُولَا لَفْظٍ أَصْلًا أَوْ مَدْلُولَا لَفْظٍ لُغَوِيٍّ هُوَ الْأَدَوَاتُ فَالِاسْتِثْنَاءُ أَيْ مَا تُفِيدُهُ إلَّا وَأَخَوَاتُهَا الْمَعْرُوفَةُ إخْرَاجٌ بِهَا أَيْ مُنِعَ مِنْ الدُّخُولِ اُشْتُهِرَ) الْإِخْرَاجُ (فِيهِ) أَيْ الْمَنْعِ (عَنْ الْحُكْمِ أَوْ الصَّدْرِ مَعَهُ) أَيْ الْحُكْمِ، وَحَاصِلُهُ مَنْعُ دُخُولِ مَا بَعْدَ إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا بِهَا فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا أَوْ وَصَدْرُهُ أَيْضًا فَقَدْ شَمِلَ الْمُتَّصِلَ

وَالْمُنْقَطِعَ تَعْرِيفٌ وَاحِدٌ. (مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ أَنَّ مَا بَعْدَ إلَّا مُخَرَّجٌ مِنْ حُكْمِ الصَّدْرِ أَيْ لَمْ يُرِدْ) مَا بَعْدَهَا (بِهِ) أَيْ بِحُكْمِ الصَّدْرِ (فَالْمُقَرُّ بِهِ لَيْسَ إلَّا سَبْعَةٌ فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ دَلَالَتِهِ) أَيْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى سَبْعَةٍ (فَالْأَكْثَرُ أُرِيدَ سَبْعَةً) بِعَشَرَةٍ (وَإِلَّا قَرِينَتُهُ) أَيْ هَذَا الْمُرَادِ الَّذِي هُوَ الْجُزْءُ بِاسْمِ الْكُلِّ (وَالِاتِّفَاقُ أَنَّ التَّخْصِيصَ كَذَلِكَ) أَيْ يَكُونُ الْمُخَصِّصُ قَرِينَةً عَلَى الْمُرَادِ بِالْمُخَصِّصِ كَمَا فِي اُقْتُلْ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُرَادُ الْحَرْبِيُّونَ بِدَلِيلٍ يُخْرِجُ الذِّمِّيَّ (وَقِيلَ أُرِيدَ عَشَرَةٌ) بِعَشَرَةٍ (ثُمَّ أَخْرِجْ) مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بِإِلَّا ثَلَاثَةٌ فَدَلَّ إلَّا عَلَى الْإِخْرَاجِ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى الْعَدَدِ الْمُسَمَّى بِهَا حَتَّى بَقِيَ سَبْعَةٌ (ثُمَّ حُكِمَ عَلَى الْبَاقِي) ، وَهُوَ سَبْعَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَالْمُرَادُ أُرِيدَ) بِعَشَرَةٍ (عَشَرَةٌ وَحُكِمَ عَلَى سَبْعَةٍ فَإِرَادَةُ الْعَشَرَةِ) بِعَشَرَةٍ (بَاقٍ بَعْدَ الْحُكْمِ) عَلَى سَبْعَةٍ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ هَذَا (رَجَعَ إلَى إرَادَةِ سَبْعَةٍ بِهِ) أَيْ بِلَفْظِ عَشَرَةٍ (مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا) أَيْ سَبْعَةٍ (فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَا فَائِدَةَ لَهُ وَاخْتَارَهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) ، وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَالَ: (لِلْقَطْعِ بِاسْتِثْنَاءِ نِصْفِهَا فِي اشْتَرَيْتُ الْجَارِيَةَ إلَّا نِصْفَهَا فَكَانَ) جَمِيعُ الْجَارِيَةِ (مَرَّ إذَا) مِنْ الْجَارِيَةِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِلَفْظِ الْجَارِيَةِ جَمِيعَهَا بَلْ نِصْفُهَا (كَانَ) الِاسْتِثْنَاءُ لِنِصْفِهَا (مِنْ نِصْفِهَا فَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ) ، وَهُوَ بَاطِلٌ (أَوْ) كَانَ (الْمُخَرَّجُ الرُّبْعَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِي مِنْ النِّصْفِ بَعْدَ إخْرَاجِ النِّصْفِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النِّصْفِ (الرُّبُعُ وَيَتَسَلْسَلُ أَيْ يَنْتَهِي إلَى إخْرَاجِ الْجُزْءِ غَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْ ثُمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالرُّبْعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الثُّمُنَ؛ لِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ إخْرَاجِ النِّصْفِ مِنْ الرُّبُعِ، وَهَلُمَّ جَرَّا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَابِ هَذَيْنِ: (وَعَلِمْتَ أَنَّ الْإِخْرَاجَ مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ الْإِرَادَةِ) أَيْ إرَادَةِ الْمُسْتَثْنَى بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (عِنْدَهُمْ، وَإِلَّا نِصْفُهَا بَيَانُ إرَادَةِ النِّصْفِ بِلَفْظِهَا) أَيْ الْجَارِيَةِ فَلَا يَكُونُ إلَّا نِصْفُهَا مُسْتَغْرِقًا (وَلَا يَتَسَلْسَلُ لِعَدَمِ حَقِيقَةِ الْإِخْرَاجِ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا (وَأَيْضًا الضَّمِيرُ) فِي نِصْفِهَا (لِلْجَارِيَةِ) قَطْعًا، إذْ الْمُرَادُ نِصْفُ جَمِيعِهَا قَطْعًا (وَيُدْفَعُ) هَذَا (بِأَنَّ الْمَرْجِعَ) لِضَمِيرِ نِصْفِهَا (اللَّفْظُ) أَيْ لَفْظُ الْجَارِيَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الضَّمِيرَ (لِرَبْطِ لَفْظٍ بِلَفْظٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُمَا لَا) أَنَّ الْمَرْجِعَ (الْمُسَمَّى) الْحَقِيقِيَّ لِلَّفْظِ (فَيَرْجِعُ) ضَمِيرُ نِصْفِهَا (إلَى لَفْظِ الْجَارِيَةِ مُرَادًا بِهِ بَعْضُهَا) الَّذِي هُوَ النِّصْفُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ (وَأَيْضًا إجْمَاعُ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ (إخْرَاجُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ) وَلَوْ أُرِيدَ الْبَاقِي مِنْ الْجَارِيَةِ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ كُلٌّ وَلَا بَعْضٌ وَلَا إخْرَاجٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَابِهِ (وَعَرَفْتَ أَنَّهُ) أَيْ الْإِخْرَاجَ (مَنَعَ دُخُولَهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى (فِي الْكُلِّ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (فَالْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى) ، وَهُوَ مَوْجُودٌ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ (وَأَيْضًا تَبْطُلُ النُّصُوصُ) إذْ مَا مِنْ لَفْظٍ مِنْهَا مَوْضُوعٍ لِمَعْنًى لَهُ أَجْزَاءٌ أَوْ جُزْئِيَّاتٌ إلَّا اسْتِثْنَاءً بَعْضُهُ مُمْكِنٌ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْبَاقِي فَلَا يَكُونُ نَصًّا فِي الْكُلِّ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ نَحْوَ عَشَرَةٍ نَصٌّ فِي مَدْلُولِهِ (قُلْنَا: النَّصُّ وَالظَّاهِرُ سَوَاءٌ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِمَا فَلَا نُصُوصِيَّةَ بِمَعْنَى رَفْعِ الِاحْتِمَالِ مُطْلَقًا إلَّا بِخَارِجٍ، وَلَيْسَ الْعَدَدُ بِمُجَرَّدِهِ مِنْهُ فَالْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ كَوْنَ اللَّفْظِ نَصًّا فِي مَعْنًى بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ خِلَافَهُ، وَهُوَ الْمُفَسَّرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ قَطُّ مِنْ ذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ ذَاتِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّاهِرِ إذْ الْمُتَحَقِّقُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَفْظٌ عَلِمْنَا وَضْعَهُ لِمَعْنًى وَفِي الظَّاهِرِ احْتِمَالُ أَنْ يَتَجَوَّزَ فَلَوْلَا اقْتِرَانُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ بِخَارِجٍ يَنْفِي أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ كَانَ مِثْلَهُ، إذْ لَا أَثَرَ لِذَاتِ اللَّفْظِ فِي مَنْعِ التَّجَوُّزِ بِهِ وَلَا لِلْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ فَلَمْ يَثْبُتُ النَّصُّ، وَهُوَ الْمُفَسَّرُ لِلَفْظِ الْمَلَائِكَةِ لَوْلَا كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ وَلَا لِطَائِرٍ لَوْلَا

قَوْله تَعَالَى {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] وَحِينَئِذٍ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُجَرَّدَ لَفْظِ الْعَدَدِ مِثْلُ عَشَرَةٍ مِنْ النَّصِّ بِمَعْنَى انْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ وَمُجَرَّدِهِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ سَبْعَةٌ لَا يَبْطُلُ بِهِ نَصٌّ بِمَعْنَى مَا لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِهِ فِي غَيْرِهِ نَعَمْ قَدْ يَقْوَى الِاحْتِمَالُ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي عَلِمْنَا لَهَا وَضْعًا دُونَ بَعْضٍ. وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ كَثْرَةِ التَّجَوُّزِ بِذَلِكَ الْبَعْضِ، وَنُدْرَتِهِ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ كَالْعَامِّ كَثُرَ التَّجَوُّزُ بِهِ فِي الْبَعْضِ بِخِلَافِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ وَنَحْوِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو نَدَرَ أَنْ يُرَادَ بِزَيْدٍ كِتَابُهُ أَوْ صَاحِبُهُ الْعَزِيزُ عَلَيْهِ وَبِعَشَرَةٍ سَبْعَةٌ فَقَدْ يُقَالُ لَا احْتِمَالَ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الِاحْتِمَالَ لِنُدْرَتِهِ لَا يُلَاحَظُ فَلَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ غَيْرَهُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِعْلِيَّتُهُ فَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ بُدٌّ مِنْ اعْتِبَارِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَتَحَقَّقُ فِعْلِيَّةُ ذَلِكَ الْقَلِيلِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي لَمْ يُعْقَلْ مُلَاحَظَتُهُ. انْتَهَى. وَقَدْ أَجَادَ فِيمَا أَفَادَ (وَأَمَّا إسْقَاطُ مَا بَعْدَهَا) أَيْ وَأَمَّا الدَّلِيلُ الْخَامِسُ لِابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّا نُسْقِطُ مَا بَعْدَ إلَّا مِمَّا قَبْلَهَا (فَيَبْقَى الْبَاقِي) مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيُسْنَدُ إلَيْهِ الْحُكْمُ (وَهُوَ) أَيْ إسْقَاطُ مَا بَعْدَهَا مِمَّا قَبْلَهَا (فَرْعُ إرَادَةِ الْكُلِّ) مِمَّا قَبْلَهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْقُولٌ وَاللَّفْظُ دَالٌّ عَلَيْهِ فَوَجَبَ تَقْدِيرُهُ (فَقَوْلُ الْأَكْثَرِ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِسْقَاطَ) أَيْ أَنَّ مَعْنَى إسْقَاطِ مَا بَعْدَهَا مِمَّا قَبْلَهَا (ذِكْرُ مَا لَمْ يَرِدْ) بِالْحُكْمِ، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ بَعْدَهَا (وَنِسْبَتُهُ) أَيْ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ (لِلْمُسَمَّى) الْمَوْضُوعِ لَهُ الْعَشَرَةُ (لِيُعْرَفَ الْبَاقِي) مِنْهُ، وَهُوَ السَّبْعَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ (أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَدْلُولِهِ) فَلَا يَكُونُ الْكُلُّ مُرَادًا (وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْأَوَّلُ) أَيْ قَوْلُ الْأَكْثَرِ (وَهُوَ أَقَلُّ تَكَلُّفًا) مِنْ الثَّانِي (تَعَيَّنَ؛ وَلِأَنَّ الثَّانِيَ خَارِجٌ عَنْ قَانُونِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ) أَيْ قَانُونُ الِاسْتِعْمَالِ (إيقَاعُ اللَّفْظِ فِي التَّرْكِيبِ لِيَحْكُمَ عَلَى وَضْعَيْهِ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ (أَوْ مُرَادُهُ) أَيْ أَوْ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِهِ مَجَازًا (أَوْ بِهِمَا) أَيْ أَوْ لِيَحْكُمَ بِالْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ أَوْ بِالْمُرَادِ مِنْهُ (وَلَا مُوجِبَ) لِلْخُرُوجِ عَنْ قَانُونِ الِاسْتِعْمَالِ (فَوَجَبَ نَفْيُهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي لِخُرُوجِهِ عَنْ قَانُونِ الِاسْتِعْمَالِ (وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ لِمَدْلُولِ سَبْعَةٍ كَسَبْعَةٍ) وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَرُدَّ بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ اللُّغَةِ إذْ لَا تَرْكِيبَ مِنْ) أَلْفَاظٍ (ثَلَاثَةٍ فِي غَيْرِ الْمَحْكِيِّ، وَالْأَوَّلُ غَيْرُ مُضَافٍ وَلَا مُعْرَبٍ وَلَا حَرْفٍ) وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُوجَدُ مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ إذَا كَانَ مَحْكِيًّا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَبَرَقَ نَحْرُهُ وَشَابَ قَرْنَاهَا، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَحْكِيٍّ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِنْهُ مُضَافًا أَوْ مُعْرَبًا أَوْ حَرْفًا، وَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ مَوْجُودَانِ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَلَا رَجُلَ ظَرِيفٌ وَالثَّانِي لَا يَحْضُرُنِي أَحَدٌ ذَكَرَهُ وَلَا مِثَالُهُ وَعَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ لَيْسَ أَحَدَهَا. (وَ) رُدَّ أَيْضًا (بِلُزُومِ عَوْدِ الضَّمِيرِ) فِي نَحْوِ إلَّا نِصْفَهَا (عَلَى جُزْءِ الِاسْمِ) الَّذِي هُوَ الْجَارِيَةُ فِي اشْتَرَيْت الْجَارِيَةَ إلَّا نِصْفَهَا (وَهُوَ) أَيْ جُزْءُ الِاسْمِ (كَزَايِ زَيْدٍ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ) أَيْ جُزْءِ الِاسْمِ فِي الِاسْمِ عَلَى مَعْنًى فَيَمْتَنِعُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ قَوْلَ الْقَاضِي (أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ) السَّابِقَيْنِ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مُفْرَدَاتِهِ) أَيْ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ بَاقِيَةٌ (فِي مَعَانِيهَا) الْإِفْرَادِيَّةِ (وَقَوْلُهُ بِإِزَاءِ سَبْعَةٍ) إنَّمَا هُوَ (بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ وَلِذَا شَبَّهَ) فَقَالَ كَسَبْعَةٍ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ (فَانْتَفَى مَا بَنَاهُ بَعْضُهُمْ) ، وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ قَوْلِ الْقَاضِي (مِنْ أَنَّ تَخْصِيصَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَدَدًا (كَمَفْهُومِ اللَّقَبِ) أَيْ كَتَخْصِيصِهِ (الْمُقْتَضَى أَنْ لَا إخْرَاجَ أَصْلًا، وَجْهُهُ) أَيْ الْحَقُّ، وَهُوَ رَدُّ قَوْلِ الْقَاضِي إلَى أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ (أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ إلَّا عَلَى سَبْعَةٍ فَإِمَّا بِاعْتِبَارِهَا) أَيْ السَّبْعَةِ (مَدْلُولًا مَجَازِيًّا لِلتَّرْكِيبِ) وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ

لَهُ الْعَشَرَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِإِخْرَاجِ الْعَشَرَةِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ (أَوْ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ الْمُتَبَادَرُ) أَيْ أَوْ بِاعْتِبَارِ السَّبْعَةِ أَمْرًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مَعْنَى مَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ الْمُتَبَادَرِ إلَى الْفَهْمِ كَمَا يُطْلَقُ الطَّائِرُ الْوَلُودُ عَلَى الْخُفَّاشِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِهِ (فَيَكُونُ التَّرْكِيبُ حَقِيقَةً فِيهَا) أَيْ فِي السَّبْعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهَا بِهِ كَمَا يُعَبَّرُ عَنْ النَّوْعِ بِالْأَجْزَاءِ الْعَقْلِيَّةِ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ أَوْ الْخَارِجِيَّةِ فَيُعَبَّرُ عَنْ الْإِنْسَانِ بِالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ وَالْبَدَنِ وَالنَّفْسِ وَعَنْ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ الْمُرَكَّبِ فَيُعَبَّرُ عَنْ السَّبْعَةِ بِأَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثَةٌ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْمَجْمُوعَ وُضِعَ لَهَا وَضْعًا وَاحِدًا. قُلْت: وَهَذَا صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي التَّقْرِيبِ حَيْثُ قَالَ إذَا خُصَّ بِاسْتِثْنَاءٍ مُتَّصِلٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ حَقِيقَةٌ فِيمَا بَقِيَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اتِّصَالَ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ بِغَيْرِهِ، وَيُؤَثِّرُ فِي مَعْنَى لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْكَلَامِ إذَا اتَّصَلَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَانَ لَهُ بِالِاتِّصَالِ تَأْثِيرٌ لَيْسَ لَهُ بِالِانْفِرَادِ ثُمَّ قَالَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا حُكْمَ اللَّفْظِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ بِاقْتِرَانِهِ اسْمًا لِقَدْرِ مَا بَقِيَ وَلَوْ عُدِمَ لَكَانَ عَامًّا. انْتَهَى. وَهُوَ مُصَرِّحٌ أَيْضًا بِالْمُوَافَقَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانُ تَغْيِيرٍ ثُمَّ الْأَمْرُ (هَذَا وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ) بَلْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْهُمْ وَخُصُوصًا الْمُتَأَخِّرُونَ (قَالُوا: إخْرَاجُ الِاسْتِثْنَاءِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ) ، وَهُوَ أَنْ يُثْبِتَ لِلْمُسْتَثْنَى حُكْمًا مُخَالِفًا لِصَدْرِ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْعَامِّ إذَا خُصَّ مِنْهُ بَعْضُهُ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ حُكْمُ الْعَامِّ فِيمَا خُصَّ مِنْهُ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ فِيهِ صُورَةً، وَهُوَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ (وَعِنْدَنَا بَيَانٌ مَحْضٌ) لِكَوْنِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِصَدْرِ الْكَلَامِ وَارِدًا عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَهُوَ مَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى فَتَقْدِيرُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ عِنْدَهُ إلَّا ثَلَاثَةٌ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ وَعِنْدَنَا لِفُلَانٍ عَلَيَّ سَبْعَةٌ (ثُمَّ أَبْطَلُوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَوْنَهُ إخْرَاجًا بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ (بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ) إخْرَاجُهُ بِهَا (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ (لَا يُوجِبُ) الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْإِقْرَارُ (إلَّا فِي سَبْعَةٍ ثَبَتَ مَا لَيْسَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ فَإِنَّ الْعَشَرَةَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا) أَيْ السَّبْعَةِ فَقَطْ (حَقِيقَةً) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَا مَجَازًا) ؛ لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَشَرَةِ سِوَى الْعَدَدِيَّةِ، وَهِيَ عَامَّةٌ لَا تَصْلُحُ لِلتَّجَوُّزِ وَلَا صُورِيَّةٌ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْكُلُّ وَالْجُزْءُ وَشَرْطُ التَّجَوُّزِ بِهِ كَوْنُ الْجُزْءِ مُخْتَصًّا بِالْكُلِّ لِيَصِحَّ إطْلَاقُ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ اللَّازِمِ الْمُخْتَصِّ وَلَيْسَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ سَبْعَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَذَلِكَ إذْ كَمَا يَصْلُحُ جُزْءًا لَهَا يَصْلُحُ جُزْءًا لِلْعِشْرِينَ وَمَا فَوْقَهُ مَثَلًا. (بِخِلَافِ الْعَامِّ) الْمَخْصُوصِ إذَا مَنَعَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ فِيهِ الْحُكْمَ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ صُورَةً (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ ثُبُوتُهُ مَا لَيْسَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ لِبَقَاءِ الِاسْمِ دَالًّا عَلَى الْبَاقِي بِلَا خَلَلٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي تَقْدِيرِ قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَدُفِعَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مُبْطِلًا لِلنُّصُوصِيَّةِ وَالْأَشْبَهُ مَا تَقَدَّمَ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلَوْ سُلِّمَ) جَوَازُ التَّجَوُّزِ بِالْعَشَرَةِ عَنْ السَّبْعَةِ قِيلَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ كُلِّهِ وَلِأَجْلِ دَفْعِ هَذَا الِاحْتِمَالِ يُقَالُ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا يَخُصُّ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ الْبَاقِي مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُدَّعَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فَالْأَشْبَهُ كَمَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْعَلَاقَةَ الْمُجَوِّزَةَ لِلتَّجَوُّزِ بِاسْمِ الْعَدَدِ عَنْ جُزْئِهِ مُطْلَقًا كَوْنُ الْجُزْءِ لَازِمًا لِلْكُلِّ سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْبَاقِي أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا فَدَعْوَى الِاخْتِصَاصِ فِيهِ مَمْنُوعَةٌ (فَالْمَجَازُ مَرْجُوحٌ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ (فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ) مَعَ إمْكَانِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ الْكُلُّ، وَيَكُونَ

تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْبَعْضِ (كَذَا نَقَلَهُ) أَيْ هَذَا الْإِبْطَالَ بِالْمَعْنَى (مُتَأَخِّرٌ) ، وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَنَّهُ) عُطِفَ عَلَى الضَّمِيرِ فِي نَقَلَهُ أَيْضًا مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّأْنَ (عَلَى الْقَائِلِ) لَهُ عَلَيَّ (عَشَرَةٌ) إلَّا ثَلَاثَةٌ سَبْعَةٌ، وَالتَّكَلُّمُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ يَكُونُ (فِي سَبْعَةٍ) أَيْ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا فَقَطْ لَا عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ هَذَا لَفْظُهُ، وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مَعْنَى هَذَا كَمَا عَمَّا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ (فَتَكُونُ الثَّلَاثَةُ مَسْكُوتَةً، وَكَأَنَّ هَذَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ (إلْزَامٌ) لِلشَّافِعِيِّ (وَإِلَّا فَالشَّافِعِيُّ لَا يَجْعَلُهَا مَسْكُوتَةً) بَلْ يَجْعَلُ لَهَا مِنْ الْحُكْمِ ضِدَّ مَا لِلصَّدْرِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ هَذَا الْمُتَأَخِّرِ (مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَصَاحِبِ التَّحْقِيقِ وَصَاحِبِ الْمَنَارِ وَشَارِحِيهِ وَالْبَدِيعِ (نَقَلَهُ) أَيْ الْإِبْطَالَ (بِالْآيَةِ هَكَذَا لَوْ كَانَ) عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ (عَلَى الْمُعَارَضَةِ ثَبَتَ فِي قَوْله تَعَالَى) {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] حُكْمُ الْأَلْفِ بِجُمْلَتِهَا ثُمَّ عَارَضَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ حُكْمُ الْأَلْفِ (فِي الْخَمْسِينَ فَيَلْزَمُ كَذِبُ الْخَبَرِ فِي أَحَدِهِمَا) وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُتَعَالٍ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. (وَهَذَا) التَّوْجِيهُ (هُوَ الْأَلْيَقُ بِمَعْنَى الْمُعَارَضَةِ) ، وَهُوَ الْمُنَافَاةُ (وَإِلَّا فَالْحُكْمُ عَلَى سَبْعَةٍ) فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ (وَتِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسِينَ) فِي {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] (بِالْإِثْبَاتِ لَا يُعَارِضُهُ نَفْيُهُ) أَيْ الْحُكْمُ بِالْإِثْبَاتِ (عَنْ ثَلَاثَةٍ) فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ (وَخَمْسِينَ) فِي {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] لِعَدَمِ تَوَارُدِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ (وَبَنَوْهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَوْنَهُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ (عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَقَلْبُهُ) أَيْ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ (مَنْقُولًا عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَعَلَى أَنَّ التَّوْحِيدَ) ، وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى وَوَحْدَانِيِّتِهِ (فِي كَلِمَتِهِ) أَيْ التَّوْحِيدِ، وَهِيَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (بِالنَّفْيِ) لِلْأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ (وَالْإِثْبَاتِ) أَيْ، وَإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ وَحْدَهُ (وَإِلَّا كَانَتْ) كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ (مُجَرَّدَ نَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَكْفِي فِي الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِنَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ، وَإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ (فَالْتَزَمَتْهُ) أَيْ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ إلَّا النَّفْيَ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى (الطَّائِفَةُ الْقَائِلُونَ مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (مَا بَعْدَ إلَّا مَسْكُوتٌ، وَأَنَّ التَّوْحِيدَ مِنْ النَّفْيِ الْقَوْلِيِّ وَالْإِثْبَاتِ الْعِلْمِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ) أَيْ الْكُفَّارَ فِي الْجُمْلَةِ (لَمْ يُنْكِرُوا أُلُوهِيَّتَهُ تَعَالَى) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (بَلْ أَشْرَكُوا فَبِالنَّفْيِ عَنْ غَيْرِهِ يَنْتَفِي) الشِّرْكُ (وَيَحْصُلُ التَّوْحِيدُ فَلَا تَكُونُ) كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ (مِنْ الدَّهْرِيِّ إيَّاهُ) أَيْ تَوْحِيدً الِإِنْكَارِهِ وُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى، وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا قِيلَ بَلْ يَكُونُ؛ لِأَنَّ الدَّهْرِيَّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِوُجُودِهِ تَعَالَى فَهُوَ قَائِلٌ بِصَانِعٍ، وَهُوَ إمَّا الدَّهْرُ أَوْ الْأَفْلَاكُ أَوْ الْأَنْجُمُ أَوْ الْفُصُولُ الْأَرْبَعُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ ضَلَالَتِهِ فَإِذَا نَفَى الْجَمِيعَ لَزِمَ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِهِ تَعَالَى. (وَالْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ ذَهَبُوا إلَى الْحُكْمِ (فِيمَا بَعْدَ إلَّا بِالنَّقِيضِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِنَقْلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إلَخْ) أَيْ إثْبَاتٍ وَقَلْبَهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (وَلَا يَسْتَلْزِمُ) هَذَا (كَوْنَ الْإِخْرَاجِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ مَحَلِّ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا) مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى سَبْعَةٍ وَعَلَى تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ بِالْإِثْبَاتِ لَا يُعَارِضُهُ نَفْيُهُ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَعَنْ خَمْسِينَ. (وَنُقِلَ أَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ (تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا) بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ الِاسْمُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَيْضًا (لَا يُنَافِيهِ) أَيْ كَوْنُهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيًا وَقَلْبِهِ (فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا) أَيْ النَّقْلَيْنِ (فَيَصْدُقُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ مَجْمُوعِ التَّرْكِيبِ وَنَفْيٍ

وَإِثْبَاتٍ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَنَحْوَ لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ) وَتَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ فِي ذَيْلِ الْمُجْمَلِ أَنَّهُ رُوِيَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا (يُفِيدُ ثُبُوتَهَا) أَيْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ (مَعَ الطَّهُورِ فِي الْجُمْلَةِ) ، وَهِيَ الصَّلَاةُ الْجَامِعَةُ لِبَقِيَّةِ شُرُوطِهَا وَجَمِيعِ أَرْكَانِهَا الْخَالِيَةِ عَنْ الْمُفْسِدِ لَهَا لَا كُلُّ صَلَاةٍ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ لَا صَلَاةَ سَلْبًا كُلِّيًّا بِمَعْنَى لَا شَيْءَ مِنْ الصَّلَاةِ بِجَائِزَةٍ، وَهُوَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَوْضُوعِ فِي قُوَّةِ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ الْمَعْدُولِ الْمَحْمُولِ فَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِثْنَاءُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ. وَالْفَرْضُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَيَلْزَمُ تَعَلُّقُ إثْبَاتِ مَا نُفِيَ عَنْ الصَّدْرِ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّدْرِ فَيَكُون الْمَعْنَى كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ جَائِزَةٌ حَالَ اقْتِرَانِهَا بِطَهُورٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِ بَعْضِ الصَّلَاةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِطَهُورٍ كَالصَّلَاةِ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَبِدُونِ النِّيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَغَايَتُهُ) أَيْ هَذَا (تَكَلُّمٌ بِعَامٍّ مَخْصُوصٍ) بِدَلِيلِهِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ مَوْضُوعَ هَذَا الْقَوْلِ إنَّمَا جَاءَ عُمُومُهُ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ نَكِرَةً وَاقِعَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَهَذَا الْمُقْتَضَى مُنْتَفٍ فِي الْإِثْبَاتِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ بِعَيْنِهِ مَوْجُودًا فِيهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا صَلَاةَ جَائِزَةٌ إلَّا فِي حَالِ الِاقْتِرَانِ بِالطَّهُورِ فَإِنَّ فِيهَا يَنْتَفِي هَذَا الْحُكْمُ وَيَثْبُتُ نَقِيضُهُ، وَهُوَ جَوَازُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إذْ نَقِيضُ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ الْإِيجَابُ الْجُزْئِيُّ، وَهُوَ صَادِقٌ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِنَفْيِ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ. (غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ) فِيمَا بَعْدَ إلَّا حُكْمٌ بِالنَّقِيضِ، الْحُكْمُ (الثَّانِي) ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ (إشَارَةً، وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْإِشَارِيُّ (مَنْطُوقٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالسَّوْقِ عَلَى مَا مَرَّ) فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ (وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ فِي مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ظَاهِرٌ فِي الْعِبَارَةِ) وَقَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَفْهُومُ مِنْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا كَوْنُهُ إثْبَاتًا مُؤَكَّدًا فَلِوُرُودِهِ بَعْدَ النَّفْيِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ الْمُجَرَّدِ (وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مَنْطُوقُ إشَارَةٍ تَارَةً وَعِبَارَةٍ أُخْرَى بِأَنْ يُقْصَدَ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ قَصْدِهِ بِالسَّوْقِ (وَلِأَنَّ النَّفْيَ عَمَّا بَعْدَ إلَّا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ، وَأَمَّا) الِاسْتِدْلَال لَهُ بِمَا مُلَخَّصُهُ (الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ إلَّا لِمُخَالَفَةٍ بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا وَضْعًا فَلَا يُفِيدُ) إثْبَاتُهُ (لِصِدْقِ الْمُخَالَفَةِ بِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ) أَيْ مَا بَعْدَ إلَّا (فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمُ) عَلَى مَا بَعْدَ إلَّا (بِنَقِيضِهِ) أَيْ حُكْمِ مَا قَبْلَ إلَّا (إلَّا فَهِمَهُ) أَيْ الْحُكْمَ بِنَقِيضِهِ مِنْ اللَّفْظِ (كَمَا سَمِعْت ثُمَّ يُقْصَدَانِ) أَيْ الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ (كَكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَالْمُفَرَّغُ) كَ مَا جَاءَ إلَّا زَيْدٌ وَمَا زَيْدٌ إلَّا قَائِمٌ لِلْقَطْعِ بِفَهْمِ أَنَّ هَذِهِ مَسُوقَةٌ لِإِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَمَجِيءُ زَيْدٍ وَقِيَامُهُ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ وَآكَدِهِ (فَعِبَارَةُ) أَيْ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا بَعْدَ إلَّا فِيهَا عِبَارَةٌ. (أَوْ) يُقْصَدُ (غَيْرُ الثَّانِي) ، وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَى مَا قَبْلَهَا لَا غَيْرُ (كَعَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ لِفَهْمِ أَنَّ الْغَرَضَ السَّبْعَةُ) أَيْ الْإِقْرَارُ بِهَا وَلَا غَرَضَ يَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ إلَّا ثَلَاثَةٌ لَيْسَتْ عَلَيَّ (فَإِشَارَةٌ) أَيْ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا بَعْدَ إلَّا حِينَئِذٍ إشَارَةٌ (وَلِمَا بَعْدَ أَنْ يَقُولَ بِحَقِيقَةِ الْمُعَارَضَةِ) فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْوَاقِعِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (مُسَلَّمٌ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُعَارَضَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ (بِثُبُوتِ الْحُكْمَيْنِ) الْمُتَنَاقِضَيْنِ (وَهُوَ) أَيْ وَثُبُوتُهُمَا (التَّنَاقُضُ صَرَّحَ الْمُحَقِّقُونَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَبِاتِّفَاقِ أَهْلِ الدِّيَانَةِ أَنَّهُ بَيَانٌ مَحْضٌ كَسَائِرِ التَّخْصِيصَاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ صُورَتُهَا نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ إسْنَادِ الصَّدْرِ وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ كَالتَّخْصِيصِ بِغَيْرِهِ) وَمِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَلَفْظُهُ وَلَا نَصَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ لَكِنْ اسْتَدَلُّوا بِمَسَائِلَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي هَذَا خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الدِّيَانَةِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ

وَخِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَتَى عَلَى وَجْهِ ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ: جَوَازُ) بَيْعِ (مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ) مِنْ الْمَكِيلَاتِ (قِلَّةٌ) بِأَنْ يَكُونَ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ عَلَى مَا قَالُوا (بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا الشَّافِعِيَّةِ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» ) أَخْرَجَهُ بِمَعْنَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ (قِيلَ) وَقَائِلُهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ كَصَاحِبِ الْبَدِيعِ (لِلْمُعَارَضَةِ عِنْدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (فَمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لَكُمْ بَيْعُ طَعَامٍ) بِطَعَامٍ (مُسَاوٍ فَمَا سِوَاهُ) أَيْ الْمُسَاوِي مِنْهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (مُنِعَ) أَيْ مَمْنُوعٌ (بِالصَّدْرِ) أَيْ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَخْرَجَ الْكَيْلَ خَاصَّةً ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الْمُعَارَضَةِ فِيهِ إذْ الْمُرَادُ بِالتَّسَاوِي التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ اتِّفَاقًا فَبَقِيَ غَيْرُ الْمَكِيلِ دَاخِلًا فِي الْحُرْمَةِ فَيَحْرُمُ بَيْعُ حَفْنَةٍ مِنْ الْبُرِّ بِحَفْنَتَيْنِ مِنْهُ مَثَلًا (وَالْحَنَفِيَّةُ لَا حُكْمَ فِي الثَّانِي) أَيْ الْمُسْتَثْنَى (وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ حَالَ الْمُسَاوَاةِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمُجَازَفَةِ وَأَخَوَيْهَا) الْمُفَاضَلَةُ وَالْمُسَاوَاةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي فَيَعُمُّهَا الصَّدْرُ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ وَالْمُجَازَفَةِ وَالْمُسَاوَاةِ إلَّا فِي حَالِ الْمُسَاوَاةِ (وَالْكُلُّ) أَيْ الْمُجَازَفَةُ، وَأَخَوَاهَا (يَسْتَنِدُ إلَى الْكَيْلِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَلَا مُسْتَوِي فِيهِ إلَّا الْكَيْلُ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَرُمَتْ الْمُفَاضَلَةُ لِوُجُودِ الْفَضْلِ فِي أَحَدِهِمَا. ، وَالْمُجَازَفَةُ لِاحْتِمَالِ الْمُفَاضَلَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ اخْتِلَافُ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي الْكَثِيرِ، وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ الْمُقَدَّرِ بِهِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي الْقَلِيلِ، وَهُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ فَلَا يَحْرُمُ بَيْعُ حَفْنَةٍ مِنْ الْبُرِّ بِحَفْنَتَيْنِ مِنْهُ (وَلَا يَلْزَمُ) بِنَاءُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْفَرْعِ عَلَى الْمُعَارَضَةِ وَعَدَمِهَا (بَلْ لَا يُشْكِلُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (مُفَرَّغٌ لِلْحَالِ) أَيْ حَالِ الطَّعَامِ الْمُقَابِلِ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْحَالِ مِنْ الْعَيْنِ لَا يَسْتَقِيمُ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَالْمُجَانَسَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِيهِ فَحُمِلَ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ لِتَحْصُلَ الْمُجَانَسَةُ (فَلَزِمَ الِاتِّصَالُ فَالْمَبْنَى) لِهَذَا الِاخْتِلَافِ (تَقْدِيرُ نَوْعِ الْمُفَرَّغِ لَهُ) الْقَرِيبِ (أَوْ) تَقْدِيرُ نَوْعٍ لَهُ (أَعْلَى أَيْ تَقْدِيرُ مَعْنًى لَا إعْرَابٍ) فَقَدَّرْنَا الْقَرِيبَ بِدَلِيلِ (مَا فِيهَا إلَّا زَيْدٌ أَيْ إنْسَانٌ لَا حَيَوَانٌ وَالْمُسَاوَاةُ بِالْكَيْلِ) فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى (فَلَا تَبِيعُوا طَعَامًا يُكَالُ إلَّا مُسَاوِيًا فَالْحِلُّ فِيمَا دُونَهُ) أَيْ مَا يُكَالُ (بِالْأَصْلِ) فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ الْحِلُّ (وَقَدَّرُوا) أَعْلَى مِنْهُ فَقَالُوا (طَعَامًا فِي حَالٍ فَشَمِلَ الْقِلَّةَ. أَمَّا ذَلِكَ) الْمَبْنَى الْأَوَّلُ (فَمَبْنَى كَوْنِ الْحِلِّ فِي التَّسَاوِي) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (بِالْأَصْلِ أَوْ بِالْمَنْطُوقِ) فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْأَصْلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالْمَنْطُوقِ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ كَوْنُ ذَاكَ هُوَ الْمَبْنَى لِهَذَا بِنَاءً (عَلَى) قَوْلِ (الطَّائِفَةِ الْأُولَى) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَ فِيمَا بَعْدَ إلَّا حُكْمٌ أَمَّا عَلَى قَوْلِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى فِيهِ حُكْمٌ بِالنَّقِيضِ فَالْحِلُّ فِيهِ بِالْمَنْطُوقِ أَيْضًا عِبَارَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُفَرَّغٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (الِاتِّصَالُ) بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَفْظًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ (إلَّا لِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ أَخْذِ فَمٍ وَنَحْوِهِ) كَعُطَاسٍ وَجُشَاءٍ (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُ الْفَصْلِ بِشَهْرٍ وَسَنَةٍ وَمُطْلَقًا) أَمَّا الشَّهْرُ فَنَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: لَمْ أَجِدْ رِوَايَةَ الشَّهْرِ، وَإِنَّمَا وَجَدْت رِوَايَةً فِيهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَعَلَّ مَنْ قَالَ شَهْرٌ أَلْغَى الْكَسْرَ. انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مَعَ بُعْدِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَمَضَى أَرْبَعُونَ لَيْلَةً فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى

{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: 23 - 24] فَاسْتَثْنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ هَكَذَا. انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ، نَعَمْ أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِلَفْظِ قَالَ: يُسْتَثْنَى وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَنَقَلَ هَذَا صَاحِبُ الْكَشْفِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَأَمَّا السَّنَةُ فَنَقَلَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَازِرِيُّ وَأَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى يَمِينٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَلَوْ إلَى سَنَةٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي هَذَا {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] قَالَ إذَا ذَكَرَ اسْتَثْنَى وَكَانَ الْأَعْمَشُ يَأْخُذُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْحَاكِمُ ثُمَّ قَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُ مَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قِيلَ لِلْأَعْمَشِ سَمِعْته مِنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لَا حَدَّثَنِي بِهِ لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ. انْتَهَى. فَإِنَّ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِسْنَادَ مَعْلُولٌ، وَأَنَّ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَمُجَاهِدِ وَاسِطَةً، وَهُوَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الشَّيْخَيْنِ، وَإِمَّا مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَهِيَ رِوَايَاتٌ شَاذَّةٌ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ (وَحُمِلَ) مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جَوَازِ الْفَصْلِ (عَلَى مَا إذَا كَانَ) الِاسْتِثْنَاءُ (مَنْوِيًّا حَالَ التَّكَلُّمِ) فَيَكُونُ مُتَّصِلًا قَصْدًا مُتَأَخِّرًا لَفْظًا (وَيَدِينُ) النَّاوِي لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي صِحَّةِ دَعْوَى نِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُ تَأْخِيرِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ النَّقْلُ عَنْهُ إذْ لَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْصِبِهِ، وَإِنْ صَحَّ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ أَظْهَرَ نِيَّتَهُ بَعْدَهُ فَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا نَوَاهُ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّ مَا يَدِينُ فِيهِ الْعَبْدُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا فَهَذَا لَهُ وَجْهٌ، أَمَّا تَجْوِيزُ التَّأْخِيرِ لَوْ أَصَرَّ عَلَيْهِ دُونَ هَذَا التَّأْوِيلِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ اتِّفَاقُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْكَلَامِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِتْمَامُ فَإِذَا انْفَصَلَ لَمْ يَكُنْ إتْمَامًا كَالشَّرْطِ وَخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ) أَيْ جَوَازُ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا كَانَ مَنْوِيًّا حَالَ التَّكَلُّمِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (قَوْلُ أَحْمَدَ) هَذَا ظَاهِرُ سَوْقِ الْكَلَامِ، وَلَمْ أَرَهُ بَلْ يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْأَرْبَعَةُ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي فُرُوعِ ابْنِ مُفْلِحٍ وَمَنْ قَالَ فِي يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا وَعَنْهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَعَ فَصْلٍ يَسِيرٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَعَنْهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ فِي الْمُبْهِجِ وَلَوْ تَكَلَّمَ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْجَزَاءِ أَوْ أَخَّرَهُ فِعْلٌ أَوْ تَرْكٌ لَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ قَالَ أَحْمَدُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا اسْتَثْنَى بَعْدَ سَنَةٍ فَلَهُ ثُنْيَاهُ لَيْسَ هُوَ فِي الْأَيْمَانِ إنَّمَا تَأْوِيلُهُ قَوْلُ اللَّهِ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: 23 - 24] فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُكَفَّرُ وَالْكَذِبُ لَا يُكَفَّرُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ خُرُوجُهُ مِنْ الْكَذِبِ قَالَ مُوسَى {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: 69] وَلَمْ يَصْبِرْ فَسَلِمَ مِنْهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ رَدَّهُ إلَى يَمِينِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ لِوُقُوعِهَا وَتَبَيُّنِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى. (وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ تَقْيِيدُهُ) أَيْ جَوَازِ الْفَصْلِ (بِالْمَجْلِسِ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَزَادَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَطَاءً وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَفِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ لِلْهِدَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ (لَنَا لَوْ تَأَخَّرَ) أَيْ لَوْ جَازَ تَأْخِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ (لَمْ يُعَيِّنْ تَعَالَى لِبِرِّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْذَ الضِّغْثِ) ، وَهِيَ الْحُزْمَةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ الْحَشِيشِ وَنَحْوِهِ

وَضَرَبَ زَوْجَتَهُ بِهِ فِي حَلِفِهِ إنْ بَرِئَ ضَرَبَهَا مِائَةَ ضَرْبَةٍ لَمَّا ذَهَبَتْ لِحَاجَةٍ فَأَبْطَأَتْ عَلَى مَا رُوِيَ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ ذَلِكَ لِلتَّحَلُّلِ مِنْ يَمِينِهِ حَتَّى حُكِيَ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيَّ أَرَادَ مَرَّةً الْخُرُوجَ مِنْ بَغْدَادَ فَاجْتَازَ فِي بَعْضِ سِكَكِهَا بِرَجُلٍ عَلَى رَأْسِهِ بَاقِلَاءُ، وَهُوَ يَقُولُ لِآخَرَ مَعَهُ لَوْ صَحَّ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] بَلْ كَأَنْ يَقُولَ اسْتَثْنِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّحَيُّلِ فِي الْبِرِّ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بَلْدَةٌ فِيهَا رَجُلٌ يَحْمِلُ الْبَقْلَ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُخْرَجَ مِنْهَا (وَلَمْ يَقُلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (مُقْتَصِرًا) عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّكْفِيرِ (إذْ لَمْ يَتَعَيَّنْ) التَّكْفِيرُ (مُخَلِّصًا) مِنْ عُهْدَةِ الْيَمِينِ بَلْ كَأَنْ يَقُولَ فَلْيَسْتَثْنِ أَوْ لِيُكَفِّرْ خُصُوصًا (مَعَ اخْتِيَارِهِ الْأَيْسَرَ لَهُمْ دَائِمًا) كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَعَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْلَى مِنْ التَّكْفِيرِ لِعَدَمِ الْحِنْثِ الَّذِي هُوَ عُرْضَةُ الْإِثْمِ وَحَيْثُ قَالَهُ (بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمَنْوِيٍّ وَغَيْرِهِمَا) دَلَّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ مُتَأَخِّرًا. (وَأَيْضًا لَمْ يَجْزِمْ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَكَذِبٍ وَصِدْقٍ وَلَا عَقْدٍ) لِإِمْكَانِ الِاسْتِثْنَاءِ وَدَعْوَى إلْحَاقِهِ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بَعْدَ حِينِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ قَطْعًا فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَدَفَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَتَبَ الْمَنْصُورِ) أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِيقِيِّ ثَانِي الْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيَّةِ فِي مُخَالَفَةِ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَوَازِ الِانْفِصَالِ (بِلُزُومِ عَدَمِ لُزُومِ عَقْدِ الْبَيْعَةِ) فَقَالَ هَذَا يَرْجِعُ عَلَيْك أَفَتَرْضَى لِمَنْ يُبَايِعُك بِالْأَيْمَانِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِك فَيَسْتَثْنِيَ فَاسْتَحْسَنَهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ إنَّ الَّذِي أَغْرَاهُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَأَنَّهُ أَجَابَهُ الْإِمَامُ بِذَلِكَ قَالَ نِعْمَ مَا قُلْت، وَغَضِبَ عَلَى بْنِ إِسْحَاقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ (قَالُوا: أَلْحَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ «لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا بَعْدَ سَنَةٍ» قُلْنَا بِتَقْدِيرِ اسْتِئْنَافٍ لَأَغْزُوَنَّ) أَيْ هُوَ مُلْحَقٌ بِمُسْتَأْنَفٍ مُقَدَّرٍ هُوَ لَأَغْزُوَنَّ جَمْعًا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَدِلَّتِنَا (وَحَمْلُهُ) أَيْ الْفَصْلَ (عَلَى السُّكُوتِ الْعَارِضِ مَعَ نَقْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مُمْتَنِعٌ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ قُلْت لَكِنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ كَابْنِ الْحَاجِبِ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ بِلَفْظِ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ» كَمَا هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ اُخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ، وَإِرْسَالِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا إنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ إذَا لَمْ يَغْزُهُمْ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ وَكَانَ ثَابِتًا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: لَكِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّ سِمَاكًا كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ وَعَابُوا عَلَيْهِ أَحَادِيثَ كَانَ يَصِلُهَا، وَهِيَ مُرْسَلَةٌ وَصَوَّبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ رِوَايَةَ الْإِرْسَالِ. وَأَمَّا ذِكْرُ السَّنَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ مَعَ الزِّيَادَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَمْ يُكَفِّرْ، وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ (قَالُوا «سَأَلَهُ الْيَهُودُ عَنْ مُدَّةِ أَهْلِ الْكَهْفِ فَقَالَ غَدًا أُجِيبُكُمْ فَتَأَخَّرَ الْوَحْيُ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ أُنْزِلَ وَلَا تَقُولَنَّ الْآيَةَ فَقَالَهَا أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ» وَلَا كَلَامَ يَعُودُ عَلَيْهِ إلَّا قَوْلُهُ غَدًا أُجِيبُكُمْ وَلَوْلَا صِحَّةُ الِانْفِصَالِ لَمَا ارْتَكَبَ هَذَا (قُلْنَا) هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي الْمَغَازِي الْكُبْرَى لِابْنِ إِسْحَاقَ بِسِيَاقٍ فِي بَعْضِهِ مَا يُنْكَرُ وَفِي سَنَدِهِ مُبْهَمٌ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: وَلَمْ أَرَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِ. انْتَهَى. ثُمَّ نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ عَوْدِهِ إلَى غَدًا أُجِيبُكُمْ وَكَيْفَ وَقَدْ انْقَضَى الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ بِالْإِجَابَةِ فِيهِ وَبَعْدَهُ أَيَّامٌ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِمُسْتَأْنَفٍ مُقَدَّرٍ نَحْوُ أُجِيبُكُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ (كَالْأَوَّلِ جَمْعًا) بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدِلَّتِنَا (وَيَجُوزُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا (أَمْتَثِلُ) إنْ شَاءَ اللَّهُ أَيْ أُعَلِّقُ كُلَّ مَا أَقُولُ إنِّي

مسألة الاستثناء المستغرق

فَاعِلُهُ غَدًا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُقَالُ افْعَلْ كَذَا فَيَقُولُ الْمُخَاطَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَيْ أَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. (وَكَوْنُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَرَبِيًّا) فَصِيحًا وَقَدْ قَالَ بِهِ فَيُتْبَعُ (مُعَارَضٌ بِعَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ) الْمَقْطُوعِ بِعَرَبِيَّتِهِمْ وَفَصَاحَتِهِمْ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ، وَإِلَّا لَنُقِلَ عَنْهُمْ كَمَا عَنْهُ ثُمَّ يَتَرَجَّحُ جَانِبُهُمْ بِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ مُرَادُهُ) أَيْ ابْنِ عَبَّاسِ بِجَوَازِ الِانْفِصَالِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الِاسْتِثْنَاءُ (الْمَأْمُورُ بِهِ) ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: 23 - 24] بِأَنْ يَقُولَ أَوَّلًا أَفْعَلُ ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ حِينٍ أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُمْتَثِلًا، وَإِنَّمَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى لَا تَقُولَنَّ ذَلِكَ إلَّا مُتَلَبِّسًا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَائِلًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَيَكُونُ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَأْمُورًا بِهِ عِنْدَ قَوْلِ إنِّي فَاعِلٌ أَوْ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي قَوْلِهِ {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] إذَا فُسِّرَ بِاذْكُرْ مَشِيئَةَ رَبِّك بِأَنْ قُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا فَرَطَ مِنْك نِسْيَانٌ لِذَلِكَ وَالْمَعْنَى إذَا نَسِيت كَلِمَةَ الِاسْتِثْنَاءِ وَتَنَبَّهْت عَلَيْهَا فَتَدَارَكْهَا بِالذِّكْرِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا ظَاهِرُ مَا سَلَفَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ وَأَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا نَسِيَ أَنْ يَقُولَ فِي كَلَامِهِ أَوْ حَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَكَرَ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِيَكُونَ آتِيًا بِسُنَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى وَلَوْ بَعْدَ الْحِنْثِ لَا أَنَّهُ يَكُونُ رَافِعًا لِحِنْثِ الْيَمِينِ وَمُسْقِطًا لِلْكَفَّارَةِ. (وَقِيلَ لَمْ يَقُلْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ) وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ عَنْهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] قَالَ: إذَا نَسِيتَ الِاسْتِثْنَاءَ فَاسْتَثْنِ إذَا ذَكَرْت قَالَ هِيَ خَاصَّةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ لِأَحَدِنَا الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا فِي صِلَةٍ مِنْ يَمِينِهِ. نَعَمْ فِي سَنَدِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحُصَيْنِ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَوَثَّقَهُ الْحَاكِمُ وَأَمَّا كَوْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ مُدَلِّسًا، وَهُوَ فِيهِ وَقَدْ عَنْعَنَ فَلَا ضَيْرَ عَلَى أُصُولِ مَشَايِخِنَا لِكَوْنِهِ ثِقَةً أَخْرَجَ لَهُ الْأَئِمَّةُ وَيَتَأَكَّدُ رُجْحَانُ هَذَا عَلَى ذَلِكَ فِي ذَاكَ لِمَا فِي ذَاكَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَمَا يَلْزَمُهُ الْبَاطِلُ الَّذِي يُجَلُّ عَنْهُ مَكَانَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سَعَةِ الْعِلْمِ وَسَلَامَةِ الْفَهْمِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَحِكَايَةُ الْمَنْصُورِ تُبْعِدُهُمَا) أَيْ كَوْنَ مُرَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَكَوْنَهُ لَمْ يَقُلْهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَحَدِهِمَا مَا كَانَ الْمَنْصُورُ مُعَاتِبًا لِلْإِمَامِ عَلَى اشْتِرَاطِ الِاتِّصَالِ وَلَا الْإِمَامُ مُجِيبًا لَهُ بِمَا أَجَابَهُ فَإِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ ثَبَتَتْ الْحِكَايَةُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ نِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مُنْتَفٍ ثُمَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْمَنْصُورَ لَمْ يَعْلَمْ مُرَادَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِظَاهِرِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ هَذَا الَّذِي فِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ آخِرًا، وَأَنَّ الْإِمَامَ بَادَرَ بِدَفْعِهِ تَنَزُّلًا لِظُهُورِ أَنَّهُ أَدْفَعُ لِاعْتِرَاضِهِ وَأَقْطَعُ لِشَغَبِهِ وَصَوْلَتِهِ أَوْ لِعَدَمِ وُصُولِ هَذَا إلَيْهِ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَاعْلَمْ أَنَّ الْتِزَامَ الْجَوَابِ عَنْ فَصْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إنْ شَاءَ اللَّهُ عَمَّا أَلْحَقَهُ بِهِ (بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى) أَيْ مَعْنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ (إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ خِلَافُهُ فَهُوَ) حِينَئِذٍ اسْتِثْنَاءٌ (مِنْ الْأَحْوَالِ) حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ أَفْعَلُ كَذَا فِي كُلِّ حَالٍ لَهُ إلَّا فِي حَالِ مَشِيئَةِ اللَّهِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ (أَوْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ (لَا فَرْقَ) بَيْنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الِاتِّصَالِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ التَّوْجِيهَيْنِ (فَلَيْسَ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (مِنْ مَفْهُومِ مَحَلِّ النِّزَاعِ) أَيْ مِنْ أَفْرَادِهِ، وَهُوَ الْفَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَظَنِّي أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَذْهَبْ إلَى سِوَاهُمَا وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ مَا أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى» . [مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ] (مَسْأَلَةٌ:) الِاسْتِثْنَاءُ (الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ يَصِيرُ مُتَكَلِّمًا بِهِ، وَتَرْكِيبُ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يُوضَعْ إلَّا لِلتَّكَلُّمِ

بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا لَا لِنَفْيِ الْكُلِّ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ فِيهِ الِاتِّفَاقَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ لِقَوْلِهِ (وَفَصَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَغْرِقَ (الْحَنَفِيَّةُ إلَى مَا بِلَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ) فِي الْمَفْهُومِ كَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي أَوْ إلَّا مَمَالِيكِي (فَيَمْتَنِعُ وَمَا بِغَيْرِهِمَا) وَلَوْ مُسَاوِيًا فِي الْوُجُودِ وَأَخُصُّ فِي الْمَفْهُومِ (كَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ أَوْ إلَّا سَالِمًا وَغَانِمًا وَرَاشِدًا، وَهُمْ الْكُلُّ وَكَذَا نِسَائِي) طَوَالِقُ (إلَّا فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ) وَفُلَانَةَ أَوْ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ نِسَاءٌ غَيْرُهُنَّ (فَلَا) يَمْتَنِعُ فَلَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قَالُوا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ اللَّفْظِ لَا عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفًا إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ طَلْقَةً كَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا يَقَعُ سِوَى وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَلْفُ لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الثَّلَاثِ (وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ الْأَكْثَرِ وَالنِّصْفِ، وَمَنَعَهُمَا) أَيْ الْأَكْثَرَ وَالنِّصْفَ (الْحَنَابِلَةُ وَالْقَاضِي) أَوَّلًا وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ خَصَّ الْقَاضِي آخَرَ أَوْ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ الْمَنْعَ بِالْأَكْثَرِ (وَقِيلَ إنْ كَانَ) الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (عَدَدًا صَرِيحًا) يَمْتَنِعُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ وَالنِّصْفِ كَعَشَرَةٍ إلَّا سِتَّةٌ أَوْ إلَّا خَمْسَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَرِيحٍ لَا يَمْتَنِعَانِ فِيهِ كَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَّا الْجُهَّالَ، وَهُمْ أَلْفٌ، وَالْعَالِمُ فِيهِ النِّصْفُ فَمَا دُونَهُ إلَى الْوَاحِدِ، وَقَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ يَمْتَنِعُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْعَدَدِ مُطْلَقًا (لَنَا فِي غَيْرِ الْعَدَدَ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ} [الحجر: 42] ، وَهُمْ) أَيْ مُتَّبِعُوهُ (أَكْثَرُ) مِمَّنْ لَمْ يَتَّبِعْهُ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ} [يوسف: 103] الْآيَةَ) فَإِنْ قُلْت إمَّا أَنْ يُرَادَ بِعِبَادِي مَا يَعُمُّ الْمَلَكَ وَالْإِنْسَ وَالْجِنَّ، وَحِينَئِذٍ فَمُتَّبِعُوهُ أَقَلُّ أَوْ الْمُؤْمِنُونَ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ قُلْت الْمُرَادُ بِعِبَادِي هُنَا بِقَرِينَةِ سَوْقِ الْآيَةِ الْإِنْسُ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ وَمُتَّبِعُوهُ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّبِعْهُ مِنْهُمْ لِلْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قُلْت اللَّامُ فِي النَّاسِ فِيهَا لِلْعَهْدِ، وَهُمْ الْمَوْجُودُونَ مِنْ حِينِ بَعْثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُتَّبِعِينَ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنْ يَكُونُوا أَكْثَرَ مِنْ عَامَّةِ بَنِي آدَمَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُرَادِينَ بِقَوْلِهِ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّامَ فِي النَّاسِ لِلْعَهْدِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَكَيْفَ وَمُلَاحَظَةُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ شَاهِدَةٌ بِإِرَادَةِ الْكُلِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ فَتَعَيَّنَ لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى مَعَ مُؤَكِّدِهِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ «وَكُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْته» ) كَمَا هُوَ بَعْضٌ مِنْ حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ طَوِيلٍ رَوَيْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَكْثَرُ مِمَّنْ لَمْ يُطْعِمْهُ (وَمِنْ الْعَدَدِ إجْمَاعُ) فُقَهَاءِ (الْأَمْصَارِ عَلَى لُزُومِ دِرْهَمٍ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَّا تِسْعَةٌ قَالُوا عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ مُسْتَقْبَحٌ عَادَةً أُجِيبَ اسْتِقْبَاحُهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصِّحَّةِ كَعَشَرَةٍ إلَّا دَانَقًا وَدَانَقًا إلَى عِشْرِينَ) دَانَقًا، وَهُوَ سُدُسُ الدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ مُسْتَقْبَحٌ وَلَيْسَ اسْتِقْبَاحُهُ لِأَجْلِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ الْكُلِّ بَلْ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ مَعَ إمْكَانِ الِاخْتِصَارِ. (وَالْحَاصِلُ صَرْفُ الْقُبْحِ إلَى كَيْفِيَّةِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ لَا إلَى مَعْنَاهُ) وَاحْتَجَّ ابْنُ عُصْفُورٍ بِأَنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ نُصُوصٌ فَلَوْ جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا لَخَرَجَتْ عَنْ نُصُوصِيَّتِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ مِنْ الْأَلْفِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ اللَّبْسُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْتَى بِهِ عَلَى جِهَةِ التَّكْثِيرِ فَيُقَالُ اُقْعُدْ أَلْفَ سَنَةٍ أَيْ زَمَنًا طَوِيلًا فَتَبَيَّنَ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِلتَّكْثِيرِ، وَكَذَا كُلُّ مَا جَاءَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْأَعْدَادِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ تُسْتَعْمَلَ لِلتَّكْثِيرِ وَقَوَّاهُ قَوْلُ أَبِي حَيَّانَ لَا يَكَادُ يُوجَدُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عَدَدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ

مسألة شرط إخراجه أي المستثنى من المستثنى منه

كَلَامِ الْعَرَبِ إلَّا فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَقَدْ طَالَعْتُ كَثِيرًا مِنْ دَوَاوِينِ الْعَرَبِ جَاهِلِيهَا، وَإِسْلَامِيِّهَا فَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى اسْتِثْنَاءٍ مِنْ عَدَدٍ. اهـ. وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ التَّجَوُّزِ بِاسْمِ الْعَدَدِ فِي جُزْئِهِ بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَأَنَّ مُجَرَّدَ لَفْظِ الْعَدَدِ لَيْسَ مِنْ النَّصِّ بِمَعْنَى انْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ، وَأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ نَصٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ اللَّبْسَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّحَقُّقِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الِاسْمُ مُحْتَمِلًا لِغَيْرِ مَدْلُولِهِ احْتِمَالًا مُتَسَاوِيًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَخْرُجُ النَّصُّ عَنْ النَّصِّيَّةِ، وَالْعَجَبُ تَجْوِيزُهُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَلْفِ التَّكْثِيرُ وَمَنْعُ تَجْوِيزِهِ أَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُ مَدْلُولِهِ النَّصِّيِّ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ مَدْلُولِهِ النَّصِّيِّ فَإِنْ كَانَ كَوْنُهُ نَصًّا فِي مَدْلُولِهِ مَانِعًا مِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَلْيَكُنْ مَانِعًا فِي الصُّورَتَيْنِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي التَّكْثِيرِ لَا فِي بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ اسْتَعْمَلَتْهُ فِي التَّكْثِيرِ لَا فِي بَعْضِهِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ عَدَمُ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهُ فِي بَعْضِهِ وَكَيْفَ لَا وَالْقُرْآنُ نَاطِقٌ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْأَلْفَ فِيهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَعْضِهِ لَا أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ التَّكْثِيرُ اتِّفَاقًا ثُمَّ قِلَّةُ الْوُقُوعِ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة شَرْطُ إخْرَاجِهِ أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ] (مَسْأَلَةُ الْحَنَفِيَّةِ) (شَرْطُ إخْرَاجِهِ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى بَعْضًا (مِنْ الْمُوجَبِ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (قَصْدًا لَا ضِمْنًا) أَيْ لَا تَبَعًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَقْتَصِرُ عَمَلُهُ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ (فَلِذَا) الشَّرْطِ (أَبْطَلَ أَبُو يُوسُفَ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي التَّوْكِيلِ بِهَا) أَيْ بِالْخُصُومَةِ (لِأَنَّ ثُبُوتَهُ) أَيْ الْإِقْرَارِ لِلْوَكِيلِ (بِتَضَمُّنِ الْوَكَالَةِ إقَامَتَهُ) أَيْ الْمُوَكِّلِ الْوَكِيلَ (مَقَامَ نَفْسِهِ) لَا بِوَاسِطَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ يَدْخُلُ فِي الْخُصُومَةِ قَصْدًا حَتَّى يَصِحَّ إخْرَاجُهُ مِنْهَا، وَلِهَذَا قَالَ: لَا يَخْتَصُّ إقْرَارُهُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ كَمَا لَا يَخْتَصُّ إقْرَارُ الْمُوَكِّلِ بِهِ (إذْ الْخُصُومَةُ لَا تَنْتَظِمُهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ وَمُوَافَقَةٌ، وَالْخُصُومَةُ مُنَازَعَةٌ وَإِنْكَارٌ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ (وَإِنَّمَا أَجَازَهُ) أَيْ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ مِنْهَا (مُحَمَّدٌ) لِوَجْهَيْنِ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ (لِاعْتِبَارِهَا) أَيْ الْخُصُومَةِ (مَجَازًا فِي الْجَوَابِ) مُطْلَقًا لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مَهْجُورَةٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنَازَعُوا} [الأنفال: 46] فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ يَصْلُحُ جَوَابًا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ سَبَبٌ لِلْجَوَابِ، وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ (فَكَانَ) الْإِقْرَارُ (مِنْ أَفْرَادِهِ) أَيْ مُطْلَقِ الْجَوَابِ، قَالُوا: وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا يَكُونُ بَيَانَ تَغْيِيرٍ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا، وَعَلَى هَذَا مَا فِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ، وَكَّلَ بِالْخُصُومَةِ مُطْلَقًا ثُمَّ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ فِي كَلَامٍ مُنْفَصِلٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ، وَأَمَّا مَا فِيهِمَا أَيْضًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ، فَظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ مَوْصُولًا فَكَيْفَ يَصِحُّ مَفْصُولًا، ثُمَّ جَوَازُهُ مَوْصُولًا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَفِيهِمَا وَفِي غَيْرِهِمَا أَيْضًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ مِنْ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ لَا مِنْ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ وَفِي الْمَنْبَعِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ فِي عَقْدِ التَّوْكِيلِ إنَّمَا جَازَ لِحَاجَةِ الْمُوَكِّلِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، فَلَوْ أَطْلَقَ التَّوْكِيلَ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُوَكِّلُ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ التَّوْكِيلِ مِنْ الطَّالِبِ وَبَيْنَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُحْتَاجٌ إلَى التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ. الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ عَمَلٌ بِحَقِيقَةِ اللُّغَةِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاؤُهُ تَقْرِيرًا لِمُوجَبِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ بَيَانُ تَقْرِيرٍ لَا اسْتِثْنَاءٍ عَلَى هَذَا يَصِحُّ مَوْصُولًا

مسألة إذا تعقب الاستثناء جملا متعاطفة

وَمَفْصُولًا (وَعَلَى هَذَا) الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ لِمُحَمَّدٍ (صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ عِنْدَهُ) أَيْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لِشُمُولِ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيِّ لَهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُ؟ لَمْ أَرَهُ، وَالظَّاهِرُ نَعَمْ لِأَنَّهُ مُغَيِّرٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ لِمَا سَنَذْكُرُ (وَبَطَلَ) اسْتِثْنَاؤُهُ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ) أَيْ اسْتِثْنَاءَهُ (مُسْتَغْرَقٌ) إمَّا لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ مَعْنَى الْخُصُومَةِ وَهَذَا مَا وَعَدَنَا بِهِ، وَمِنْ هُنَا قِيلَ: لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ تَبَعًا لِلْإِنْكَارِ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ لَزِمَ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ أَيْضًا بِخِلَافِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَمِنْ هُنَا يُعْرَفُ أَنَّ كَوْنَ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَقُولُ وَعَلَى هَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: يُشْكِلُ بِهَذَا مَا فِي مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالذَّخِيرَةِ: قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، لَا رِوَايَةَ فِي هَذَا عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ انْتَهَى. فَإِنَّ الرِّوَايَةَ بِبُطْلَانِ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ فَقَطْ رِوَايَةٌ بِبُطْلَانِهِ مَعَ الْإِقْرَارِ دَلَالَةً، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ فِيهِ بِعَيْنِهِ خُصُوصًا ثُمَّ فِيهِمَا، وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ فَبَعْضُهُمْ لَا: يَصِحُّ التَّوْكِيلُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ تَوْكِيلٌ بِجَوَابِهَا، وَجَوَابَهَا إقْرَارٌ وَإِنْكَارٌ فَإِذَا اسْتَثْنَى كِلَيْهِمَا لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ شَيْئًا، وَبَعْضُهُمْ وَمِنْهُمْ الْقَاضِي صَاعِدٌ: يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَصِيرُ الْوَكِيلُ وَكِيلًا بِالسُّكُوتِ مَتَى حَضَرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ يُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَحَّ التَّوْكِيلُ بِهَذَا الْقَدْرِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مَا هُوَ مَقْصُودُ الطَّالِبِ وَهُوَ خَصْمٌ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مِنْ الْخَصْمِ كَافٍ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَالْإِنْكَارِ، وَلِلْمَطْلُوبِ نَوْعُ فَائِدَةٍ أَيْضًا كَمَا فِيمَا لَوْ ادَّعَى الطَّالِبُ الْبَيْعَ - وَالْمَطْلُوبُ يُنْكِرُهُ فَإِنَّ الطَّالِبَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْبَيْعِ إذَا سَكَتَ وَكِيلُ الْمَطْلُوبِ ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْبَيْعِ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالْبَيْعِ وَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَنْكَرَ الْوَكِيلُ نَصًّا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُنَاقِضًا فِي دَعْوَاهُ الْبَيْعَ، فَإِنَّ إنْكَارَ الْوَكِيلِ كَإِنْكَارِهِ فَعَلَى هَذَا فَالْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَائِلُونَ بِصِحَّتِهَا فِي صُورَةِ انْفِرَادِ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءُ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً] (مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَقَّبَ) الِاسْتِثْنَاءُ (جُمَلًا) مُتَعَاطِفَةً (بِالْوَاوِ وَنَحْوِهَا) وَهِيَ الْفَاءُ، وَثُمَّ، وَحَتَّى كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فَإِنَّهُ قَسَّمَ حُرُوفَ الْعَطْفِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا هَذِهِ قَالَ: وَهِيَ الَّتِي يَتَأَتَّى فِيهَا خِلَافُ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعًا فِي الْحُكْمِ وَيُمْكِنُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَتَنْدَرِجُ الْجَمَلُ الْمَعْطُوفَةُ بِهَا فِي صُورَةِ النِّزَاعِ قَطْعًا. ثَانِيهَا " بَلْ "، وَ " لَا "، وَ " لَكِنْ " وَهِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ بِعَيْنِهِ، نَحْوُ: قَامَ الْقَوْمُ لَا النِّسَاءُ وَبَلْ النِّسَاءُ وَمَا قَامَ الْقَوْمُ لَكِنْ النِّسَاءُ فَالْقَائِمُ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِعَيْنِهِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُمْكِنُ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَنْدَرِجَا فِي الْحُكْمِ، وَالْعَوْدُ عَلَيْهِمَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمَا مَعًا مَحْكُومٌ عَلَيْهِمَا، إحْدَاهُمَا بِالنَّفْيِ وَالْأُخْرَى بِالثُّبُوتِ، فَالْمَنْفِيُّ مَا بَعْدَ لَا وَمَا قَبْلَ لَكِنْ وَبَلْ. ثَالِثُهَا " أَوْ " وَ " إمَّا " وَ " أَمْ " وَهِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ، نَحْوُ: قَامَ الْقَوْمُ أَوْ النِّسَاءُ، أَوْ أَمْ النِّسَاءُ، وَإِمَّا قَامَ الْقَوْمُ وَإِمَّا النِّسَاءُ، فَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ وَاحِدٌ قَطْعًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْآخَرِ بِالنَّفْيِ وَلَا بِالثُّبُوتِ فَلَا يَتَأَتَّى الِاحْتِمَالُ الَّذِي فِي الْقِسْمِ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ أَنْ لَا تَنْدَرِجَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ، فَعَلَى هَذَا عِبَارَةُ مَنْ قَيَّدَ بِالْوَاوِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ - غَيْرُ جَامِعَةٍ، وَعِبَارَةُ مَنْ

أَطْلَقَ كَوْنَهُ عَقِبَ الْجُمَلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِلْعَطْفِ أَصْلًا كَفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ - أَوْ كَوْنَهُ عَقِبَ جُمَلٍ عُطِفَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِأَيِّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ كَانَ كَالْقَاضِي وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ - غَيْرُ مَانِعَةٍ، نَعَمْ يَشْهَدُ لِلْعَطْفِ بِأَوْ آيَةُ الْمُحَارَبَةِ كَمَا مَثَّلَ بِهَا الْجُمْهُورُ فَإِذَا عُرِفَ هَذَا (فَالشَّافِعِيَّةُ) بَلْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا عَلَى مَا فِي تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ وَأَحْمَدُ كَمَا ذَكَرَ الطُّوفِيُّ (يَتَعَلَّقُ بِالْكُلِّ ظَاهِرًا، وَقَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ) وَعَبْدِ الْجَبَّارِ عَلَى مَا فِي الْبَدِيعِ وَقَالَ فِي الْمَحْصُولِ: إنَّهُ حَقٌّ (إنْ ظَهَرَ الْإِضْرَابُ عَنْ الْأَوَّلِ فَلِلْأَخِيرِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ الْإِضْرَابُ عَنْ الْأَوَّلِ (فَلِلْكُلِّ) وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ ظُهُورِهِ بِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ (كَكَوْنِ الثَّانِي ضَمِيرَ الْأَوَّلِ) أَيْ الِاسْمِ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي ضَمِيرًا رَاجِعًا إلَى الِاسْمِ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ (وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْكَلَامَانِ (فِيمَا يُذْكَرُ) أَيْ فِي النَّوْعِ وَالْحُكْمِ وَالِاسْمِ، وَثَانِيهِمَا قَوْلُهُ (أَوْ اشْتَرَكَا) أَيْ الْكَلَامَانِ (فِي الْغَرَضِ وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِيلِ (قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا نَوْعًا وَحُكْمًا، وَاشْتَرَكَا فِي الْغَرَضِ وَهُوَ الْإِهَانَةُ وَالِانْتِقَامُ فَقَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ) أَيْ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ (إلَّا بِتَفْصِيلِ الْقَرِينَةِ) الدَّالَّةِ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّلِ (إلَى اخْتِلَافِهِمَا) أَيْ الْكَلَامَيْنِ (نَوْعًا بِالْإِنْشَائِيَّةِ وَالْخَبَرِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَيَقْتَضِي) قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ (فِي: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ، وَبَنُو تَمِيمٍ مُكْرَمُونَ إلَّا زَيْدًا أَنَّ إكْرَامَهُ) أَيْ زَيْدٍ (مَطْلُوبٌ غَيْرُ وَاقِعٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَحَقَّقَ فِيهِمَا الِاخْتِلَافُ نَوْعًا لَا غَيْرُ أَوْ حُكْمًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ نَوْعًا يَسْتَلْزِمُ الِاخْتِلَافَ حُكْمًا كَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ التَّفْتَازَانِيُّ (أَوْ) اخْتِلَافَهُمَا (اسْمًا بِوُجُودِ) الِاسْمِ (الصَّالِحِ لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (فِي الثَّانِيَةِ) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ) الِاسْمِ (الْأَوَّلِ) فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى (أَوْ) اخْتِلَافَهُمَا (حُكْمًا) بِأَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ بِهِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ الْمَحْكُومِ بِهِ فِي الْأُخْرَى، وَمُلَخَّصُ هَذَا أَنَّ الْمُشْعِرَ بِالْإِضْرَابِ اخْتِلَافُهُمَا نَوْعًا أَوْ اسْمًا أَوْ حُكْمًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ اسْمُ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ ضَمِيرَ اسْمِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَعَدَمِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْغَرَضِ وَأَنْ لَيْسَ بَيْنَ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مَنْعُ الْجَمْعِ فَقَدْ تَجْتَمِعُ جَمِيعُهَا وَقَدْ يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْهَا، وَأَنَّ الْمُشْعِرَ بِعَدَمِ الْإِضْرَابِ انْتِفَاءُ الِاخْتِلَافِ رَأْسًا أَوْ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ، وَالْأَمْثِلَةُ غَيْرُ خَافِيَةٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ، وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ (إذْ حَاصِلُهُ) أَيْ قَوْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ (تَعَلُّقُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (بِالْكُلِّ إلَّا بِقَاصِرٍ) عَلَى الْأَخِيرَةِ (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ أَبَا الْحُسَيْنِ (جَعَلَ ذَلِكَ) الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا (قَاصِرًا) لِلِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْأَخِيرَةِ (فَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ فَالْخِلَافُ فِي شَيْءٍ آخَرَ) فَحَاصِلُ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ - كَمَا قَالَ - أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي الْحُسَيْنِ حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ يَمْنَعُ صَرْفَهُ إلَى الْكُلِّ كَانَ لِلْأَخِيرِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ بِعَيْنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ حَصْرَ الْأَدِلَّةِ أَيْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى مَنْعِ صَرْفِهِ إلَى الْكُلِّ وَعَدَدِهِ فَإِنْ سَلَّمُوا ذَلِكَ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَخِلَافٌ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَلْ كَذَا وَكَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ تَعَلُّقِهِ بِالْكُلِّ، أَوْ لَا يَلْزَمُ دَلِيلًا عَلَيْهِ (وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَاقِلَّانِيّ وَالْمُرْتَضَى) وَفَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي الْمَعَالِمِ يَتَعَلَّقُ (بِالْأَخِيرَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ فِيمَا قَبْلَهَا قِيلَ) وَقَائِلُهُ بِمَعْنَاهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (فَالْحَنَفِيَّةُ لِظُهُورِ الِاقْتِصَارِ) عَلَى الْأَخِيرَةِ لِمَا سَيَأْتِي (وَالْآخَرُونَ لِعَدَمِ ظُهُورِ الشُّمُولِ) لِلْكُلِّ (إمَّا لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ إخْرَاجِهِ مِمَّا يَلِيهِ فَقَطْ وَالْكُلِّ) أَيْ وَبَيْنَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْكُلِّ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَوْدُهُ إلَى مَا يَلِيهِ فَقَطْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة: 249] وَعَوْدُهُ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى

{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] إلَى قَوْلِهِ {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ فَكَانَ مُشْتَرَكًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُرْتَضَى إلَّا أَنَّ إثْبَاتَ عَوْدِهِ إلَى مَا يَلِيهِ فَقَطْ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ فِيهَا عَائِدٌ إلَى الْأُولَى كَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فَيُحْتَاجُ إلَى شَاهِدٍ غَيْرِهَا، فَقِيلَ: قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ قَطْعًا، قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي اخْتِصَاصِهِ بِالْأَخِيرَةِ مَعَ إمْكَانِ عَوْدِهِ إلَيْهَا أَوْ إلَى مَا قَبْلَهَا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَاسْتَشْهَدَ الْقَرَافِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ} [هود: 81] قَالَ قُرِئَ بِالنَّصْبِ اسْتِثْنَاءً مِنْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا مَنْفِيَّةٌ وَتَكُونُ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهُمْ ثُمَّ رَجَعَتْ قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، اهـ. وَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ عَوْدُهُ إلَى الْأُولَى وَلَا ضَيْرَ فِي كَوْنِ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ عَلَى النَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَدَلِ، أَوْ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الْقُرَّاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَقْوَى وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي دُونَهُ بَلْ الْتَزَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْمِعَ الْقُرَّاءُ عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ الْأَقْوَى وَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ الرَّفْعُ لِأَنَّ الرَّفْعَ عَلَى الْبَدَلِ ثُمَّ هِيَ الْأَوْلَى لِأَنَّ بِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ الْأُولَى كَلَامٌ مُوجَبٌ فَلْيُنْتَبَهْ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَوْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ (كَذَلِكَ) أَيْ لُغَةً رَاجِعٌ إلَى الْكُلِّ حَقِيقَةً (أَوْ مَا يَلِيهِ) أَيْ رَاجِعٌ إلَى مَا يَلِيهِ لَا غَيْرُ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَحْصُولِ (فَلَزِمَ مَا يَلِيهِ) عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ (وَمَا قِيلَ) وَقَائِلُهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَعَ) ظُهُورِ (قَرِينَةِ الِانْقِطَاعِ) لِلْأَخِيرَةِ عَمَّا قَبْلَهَا يَكُونُ (لِلْأَخِيرَةِ وَ) مَعَ ظُهُورِ قَرِينَةِ (الِاتِّصَالِ) أَيْ اتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا يَكُونُ (لِلْكُلِّ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ إحْدَاهُمَا (فَالْوَقْفُ مَذْهَبُ الْوَقْفِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى إخْرَاجِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (مِنْ الْأَخِيرَةِ وَالْعَمَلِ بِالْقَرِينَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُدَّعَى فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ الْأَخِيرَةِ وَمَا زِيدَ مِنْ ظُهُورِ الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ الْإِخْرَاجِ مِمَّا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ آنِفًا بِظُهُورِ الِاقْتِصَارِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ بَلْ (أُخِذَ مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (بِأَنَّ شَرْطَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (الِاتِّصَالُ، وَهُوَ) أَيْ الِاتِّصَالُ (مُنْتَفٍ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ) لِتَخَلُّلِ الْأَخِيرَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَلِيهَا وَتَخَلُّلِهِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُمَا وَهَلُمَّ جَرًّا. (وَمُقْتَضَاهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (عَدَمُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا) فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيمَا عَدَاهَا (بَاطِلٌ إذْ لَا يَمْتَنِعُ) الِاسْتِثْنَاءُ (فِي الْكُلِّ بِالدَّلِيلِ) إذْ لَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّهُ إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَعَلُّقِهِ بِالْكُلِّ تَعَلَّقَ بِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ مِمَّا يَصِحُّ لُغَةً تَعَلُّقُهُ بِالْكُلِّ (وَأَمَّا دَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (بِأَنَّ الْجَمِيعَ كَالْجُمْلَةِ فَقَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ الْعَطْفُ يُصَيِّرُ الْمُتَعَدِّدَ) أَيْ الْجُمَلَ الْمَعْطُوفَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضِ (إلَى آخِرِهِ) أَيْ كَالْمُفْرَدِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فِيهِ إلَى جُزْئِهِ فَكَذَا فِي الْجُمَلِ لَا يَعُودُ إلَى بَعْضِهَا (وَسَيَبْطُلُ وَ) مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ (بِقَوْلِهِمْ: عَمَلُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (ضَرُورِيٌّ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ) بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَثْنًى مِنْهُ وَالضَّرُورَةُ مُنْدَفِعَةٌ بِالْعَوْدِ إلَى وَاحِدَةٍ (وَالْأَخِيرَةُ مُنْتَفِيَةٌ اتِّفَاقًا وَمَا بِالضَّرُورَةِ) يُقَدَّرُ (بِقَدْرِهَا) فَتَتَعَيَّنُ الْأَخِيرَةُ. (وَمُنِعَ) هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ عَمَلَهُ (وَضْعِيٌّ) لَا ضَرُورِيٌّ (قُلْنَا لَوْ سُلِّمَ) أَنَّهُ وَضْعِيٌّ (فَلِمَا يَلِيهِ فَقَطْ أَوْ الْكُلِّ فَمَمْنُوعٌ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لِمَا يَلِيهِ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَعَدَمُ الِاشْتِرَاكِ (فَاللَّازِمُ لُزُومُهُ مِنْ الْأَخِيرَةِ وَالتَّوَقُّفُ فِيمَا قَبْلَهَا إلَى الدَّلِيلِ) الدَّالِّ عَلَى عَوْدِهِ إلَيْهِ (وَأَيْضًا بِدَفْعِ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يَنْدَفِعُ الْمَطْلُوبُ) لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِغَيْرِهِ (فَلْيَكُنْ الْمَطْلُوبُ

مَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْأَخِيرَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ فِيمَا قَبْلَهَا مِنْ غَيْرِ ادِّعَاءِ ظُهُورٍ فِي عَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهَا، إذْ الْغَرَضُ لَمْ يَتَعَلَّقْ إلَّا بِعَدَمِ رُجُوعِهِ إلَى الْكُلِّ إلَّا بِدَلِيلٍ فِي خُصُوصِ مَوَارِدِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (حُكْمُ الْأُولَى مُتَيَقَّنٌ وَرَفْعُهُ) أَيْ حُكْمِهَا (عَنْ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِهَا (بِالِاسْتِثْنَاءِ مَشْكُوكٌ لِلشَّكِّ فِي تَعَلُّقِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (بِهِ) أَيْ بِالْبَعْضِ إمَّا (لِوَجْهِ الِاشْتِرَاكِ) أَيْ الْقَوْلِ بِهِ وَهُوَ (اُسْتُعْمِلَ) الِاسْتِثْنَاءُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَخِيرَةِ وَالْكُلِّ (وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ) وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا ذِكْرُ دَلِيلِ الْقَائِلِ بِالْوَقْفِ فِيمَا سِوَى الْأَخِيرَةِ لِلِاشْتِرَاكِ ضِمْنًا (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْوَجْهُ (إنَّمَا يُفِيدُ لُزُومَ التَّوَقُّفِ فِيهَا) أَيْ فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ (لَا ظُهُورَ الْعَدَمِ) فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ (أَوْ دَافِعُهُ) أَيْ الْوَجْهُ دَافِعُ الِاشْتِرَاكِ الْقَائِلُ (الْمَجَازُ خَيْرٌ) مِنْ الِاشْتِرَاكِ فَلْيَكُنْ فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ مَجَازًا (فَيُفِيدُهُ) أَيْ ظُهُورَ الْعَدَمِ فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ إلَى الدَّلِيلِ عَلَى تَعَلُّقِهِ فِيمَا قَبْلَهَا أَيْضًا (وَإِبْطَالُهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيَّةِ (بِقَوْلِهِمْ لَا يَقِينَ مَعَ تَجْوِيزِهِ لِلْكُلِّ يُدْفَعُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي اشْتِرَاطِ اتِّصَالِ الْمُخَصِّصِ) مِنْ أَنَّ هَذَا التَّجْوِيزَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ إطْلَاقَ مَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَفَادَهُ إرَادَةُ الْكُلِّ فَمَعَ عَدَمِهَا يَلْزَمُ إخْبَارُ الشَّارِعِ أَوْ إفَادَتُهُ لِثُبُوتِ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَهُوَ بَاطِلٌ (أَوْ بِإِرَادَةِ الظُّهُورِ بِهِ) أَيْ الْيَقِينِ (وَمَا قِيلَ) - فِي مُعَارَضَتِهِ - (الْأَخِيرَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ) أَيْ حُكْمُهَا مُتَيَقَّنٌ وَرَفْعُهُ عَنْ الْبَعْضِ بِالِاسْتِثْنَاءِ مَشْكُوكٌ (لِجَوَازِ رُجُوعِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (إلَى الْأَوَّلِ بِالدَّلِيلِ قُلْنَا الرَّفْعُ ظَاهِرٌ فِي الْأَخِيرَةِ وَلِذَا) أَيْ وَلِظُهُورِهِ فِيهَا (لَزِمَ فِيهَا اتِّفَاقًا فَلَوْ تَمَّ) هَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي قِيلَ (تَوَقَّفَ فِي الْكُلِّ وَهُوَ) أَيْ التَّوَقُّفُ فِيهِ (بَاطِلٌ، وَحَاصِلُهُ) أَيْ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ (تَرْجِيحُ الْمَجَازِ فَفِيمَا يَلِيهِ) أَيْ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا يَلِيهِ (حَقِيقَةٌ وَفِي الْكُلِّ مَجَازٌ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا) أَيْ مَا يَلِيهِ وَالْكُلِّ (فَيَمْتَنِعُ لِلْفَصْلِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَفِي الْمَجَازِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَرِينَةِ) فَتَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ ثُمَّ لَوْ وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْكُلِّ مَجَازًا مَا عَلَاقَتُهُ فَالْجَوَابُ (وَالْعَلَاقَةُ تَشْبِيهُهُ) أَيْ غَيْرِ الْكَلَامِ الْأَخِيرِ (بِهِ) أَيْ بِالْأَخِيرِ (لِجَمْعِ الْعَطْفِ بِخِلَافِ الِاتِّصَالِ الصُّورِيِّ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِلَا عَطْفٍ وَمَعَ الْإِضْرَابِ) فَلَا يَصْلُحُ عَلَاقَةً (وَمَا قِيلَ فِي وَجْهِهِ) أَيْ التَّوَقُّفِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ (الْأَشْكَالِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ شَكْلٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ (تُوجِبُ الْإِشْكَالَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ الِاشْتِبَاهُ كَمَا قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (فَمَعْنَاهُ) أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ (يَخْرُجُ مِنْ الْأُولَى) تَارَةً (وَلَا يَخْرُجُ) مِنْهَا أُخْرَى (فَتَوَقَّفَ فِيهِ) أَيْ فِي إخْرَاجِهِ مِنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ هَذَا (اقْتَضَى أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي الْأَخِيرَةِ أَيْضًا) وَهُوَ بَاطِلٌ (الشَّافِعِيَّةُ) قَالُوا أَوَّلًا: (الْعَطْفُ يُصَيِّرُ الْمُتَعَدِّدَ كَالْمُفْرَدِ) وَتَقَدَّمَ بَاقِي تَوْجِيهِهِ (أُجِيبَ) بِأَنَّ تَصْيِيرَ الْمُتَعَدِّدِ كَالْمُفْرَدِ دَائِمًا هُوَ (فِي) عَطْفِ (الْمُفْرَدَاتِ) بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّ الْعَطْفَ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْجَمْعِ فِي الْأَسْمَاءِ لَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْإِبْطَالُ الْمَوْعُودُ (وَمَا يُقَالُ هِيَ) أَيْ الْجُمَلُ (مِثْلُهَا) أَيْ الْمُفْرَدَاتِ (إذْ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا) أَيْ الْجُمَلِ (مِنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ أَوْ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَهَا مِثْلَهَا (إذَا اتَّحَدَتْ جِهَةُ النِّسْبَةِ فِيهَا) أَيْ الْجُمَلِ (وَهُوَ) أَيْ اتِّحَادُ جِهَةِ النِّسْبَةِ فِيهَا (الدَّلِيلُ) عَلَى تَعَلُّقِهِ بِالْكُلِّ (كَكَوْنِهَا) أَيْ الْجُمَلِ (صِلَةً) لِلْمَوْصُولِ، نَحْوُ اضْرِبْ الَّذِينَ قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَزَنَوْا إلَّا مَنْ تَابَ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوجِبُ الِاتِّصَالَ وَالِارْتِبَاطَ لَا مُطْلَقًا (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ نَحْوَ ضُرِبَ بَنُو تَمِيمٍ وَبَكْرٍ شُجْعَانٌ لَيْسَ فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْمُفْرَدِ (قَالُوا) ثَانِيًا (لَوْ قَالَ) وَاَللَّهِ (لَا أَكَلْت

وَلَا شَرِبْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَعَلَّقَ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (بِهِمَا) أَيْ بِالْجُمْلَتَيْنِ اتِّفَاقًا (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ (شَرْطٌ) لَا اسْتِثْنَاءٌ (فَإِنْ أَلْحَقَ) الشَّرْطَ (بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ (فَيُقَاسُ فِي اللُّغَةِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ (وَلَوْ سُلِّمَ) صِحَّتُهُ (فَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ مُقَدَّرٌ تَقْدِيمُهُ) عَلَى الْجَزَاءِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ (وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ لُزُومِهِ) أَيْ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ (فَلِقَرِينَةِ الِاتِّصَالِ وَهُوَ) أَيْ دَلِيلُهُ (الْحَلِفُ عَلَى الْكُلِّ) عَادَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " إلَى الْكُلِّ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيمَا كَانَ هَكَذَا وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا لَا قَرِينَةَ تُوجِبُ رُجُوعَهُ إلَى الْكُلِّ، قِيلَ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مَوْقُوفَةً عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَانَ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ عَوْدَ الْمَشِيئَةِ إلَى الْكُلِّ فَيَصِيرُ ذِكْرُهَا قَرِينَةً مَعْنَوِيَّةً تَقْتَضِي الْعَوْدَ إلَى الْكُلِّ وَهَذِهِ الْقَرِينَةُ مَفْقُودَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِثْنَاءِ. (قَالُوا) ثَالِثًا (قَدْ يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ (كَذَلِكَ) أَيْ عَائِدًا إلَى الْكُلِّ (وَتَكْرَارُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ لِكُلٍّ مِنْهَا (يُسْتَهْجَنُ) وَلَوْلَا أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ فَكَانَ مُغْنِيًا عَنْ التَّكْرَارِ لَمَا اُسْتُهْجِنَ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا إلَيْهِ (فَلَزِمَ ظُهُورُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (فِيهَا) أَيْ فِي الْجُمَلِ كُلِّهَا (قُلْنَا الْمُلَازَمَةُ) بَيْنَ تَكْرَارِهِ وَاسْتِهْجَانِهِ (مَمْنُوعَةٌ لِمَنْعِ الِاسْتِهْجَانِ إلَّا مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ) لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ تَكْرَارًا خَالِيًا عَنْ الْفَائِدَةِ، وَالْحُكْمُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ هُنَا مُتَعَدِّدٌ لَا مُتَّحِدٌ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ التَّكْرَارَ يُسْتَهْجَنُ (لَمْ يَتَعَيَّنْ) التَّكْرَارُ (طَرِيقًا) لِإِفَادَةِ الْمُرَادِ (فَلْيَنْصِبْ قَرِينَةَ الْكُلِّ أَوْ يُصَرِّحْ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْكُلِّ (بَعْدَهُ) أَيْ الْكُلِّ كَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْكُلِّ إلَّا كَذَا فِي الْجَمِيعِ. (قَالُوا) رَابِعًا هُوَ (صَالِحٌ) لِلْجَمِيعِ (فَالْقَصْرُ عَلَى الْأَخِيرَةِ تَحَكُّمٌ قُلْنَا: إرَادَتُهَا) أَيْ الْأَخِيرَةِ (اتِّفَاقٌ وَالتَّرَدُّدُ فِيمَا قَبْلَهَا، وَالصَّلَاحِيَةُ لَا تُوجِبُ ظُهُورَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (فِيهِ) أَيْ الْكُلِّ (كَالْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ) فَإِنَّهُ صَالِحٌ لِلْجَمِيعِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيهِ. (قَالُوا) خَامِسًا (لَوْ قَالَ: عَلَيَّ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ إلَّا سِتَّةً فَبِالْكُلِّ) أَيْ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ اتِّفَاقًا، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرَقًا فَكَذَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الصُّوَرِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ (قُلْنَا بَعْدَ كَوْنِهِ) أَيْ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا (مُفْرَدًا) وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ جَمَلًا (أَوْجَبَهُ) أَيْ كَوْنَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهَا (تَعَيُّنُهُ لِلصِّحَّةِ) إذْ لَوْ رَجَعَ إلَى الْأَخِيرَةِ لَمْ يَسْتَقِمْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُسْتَغْرَقًا مَعَ زِيَادَةٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَهُوَ مِمَّا قَامَتْ فِيهِ قَرِينَةٌ عَلَى عَوْدِهِ إلَى الْكُلِّ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَأَيْضًا مُدَّعَاكُمْ الْعَوْدَ إلَى كُلٍّ لَا إلَى الْجَمِيعِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَالْحَقُّ أَنَّ النِّزَاعَ يَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ وَلِلْأَخِيرَةِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ إذْ لَا يَصْلُحُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَلَا لِلْأَخِيرَةِ هَذَا، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ رُجُوعَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَعَقِّبِ لِمُفْرَدَاتٍ مُتَعَاطِفَاتٍ إلَى جَمِيعِهَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ. (تَنْبِيهٌ بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ) فِي عَوْدِهِ عَلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ إلَّا لِدَلِيلٍ أَوْ عَلَى الْجَمِيعِ إلَّا لِدَلِيلٍ (وُجُوبُ رَدِّ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) إذَا تَابَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فِي قَذْفِهِ عِنْدَ مَنْ قَذَفَهُ بِهِ وَأَصْلَحَ عَمَلَهُ عَلَى مَا هُوَ الْأَشْبَهُ (لِقَصْرِ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] عَلَى مَا يَلِيهِ) وَهُوَ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] فَيَنْتَفِي عَنْهُ الْفِسْقُ لَا غَيْرُ وَيَبْقَى وَلَا تَقْبَلُوا شَهَادَةً أَبَدًا عَلَى حُكْمِهِ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ (رَدًّا لَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (إلَيْهِ) أَيْ مَا يَلِيهِ (مَعَ لَا تَقْبَلُوا) فَيَنْتَفِي عَنْهُ الْفِسْقُ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ (وَلَوْ مُنِعَ الدَّلِيلُ مِنْ تَعَلُّقِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ فَاجْلِدُوهُمْ (تَعَلَّقَ بِهِ) أَيْضًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى الْكُلِّ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ بَلْ ظَاهِرٍ يُعْدَلُ عَنْهُ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَلْدَ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ

مسألة إذا خص العام

رَاجِحٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمْ حَتَّى يَسْقُطَ بِعَفْوِهِ وَيُورَثَ عَنْهُ فَلَا يَسْقُطَ بِالتَّوْبَةِ فَيَنْدَفِعَ أَنْ يُقَالَ: فَيَنْتَفِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ أَيْضًا عِنْدَهُمْ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى هُوَ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا، وَمِنْ جُمْلَةِ الْإِصْلَاحِ الِاسْتِحْلَالُ وَطَلَبُ عَفْوِ الْمَقْذُوفِ وَعِنْدَ وُقُوعِ ذَلِكَ يَسْقُطُ الْجَلْدُ فَيَصِحُّ صَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ (ثُمَّ قِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ) قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ (لِأَنَّ الْفَاسِقِينَ لَمْ يَتَنَاوَلْ التَّائِبِينَ) لِيُخْرَجُوا مِنْهُمْ فَالْمَعْنَى لَكِنَّ الَّذِينَ تَابُوا فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُمْ وَلَمْ يَرْحَمْهُمْ وَهَذَا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ أَوْ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الَّذِينَ يَرْمُونَ لَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ إخْرَاجَ التَّائِبِينَ مِنْ حُكْمِ الرَّامِينَ بَلْ قَصَدَ إثْبَاتَ حُكْمٍ آخَرَ لِلتَّائِبِينَ وَهُوَ أَنَّ التَّائِبَ لَا يَبْقَى فَاسِقًا بَعْدَ التَّوْبَةِ وَهَذَا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَاخْتَارَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. (وَالْأَوْجَهُ مُتَّصِلٌ مِنْ {أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19] (أَعْنِي الَّذِينَ يَرْمُونَ) لِتَنَاوُلِهِمْ إيَّاهُمْ ثُمَّ إخْرَاجِهِمْ مِنْ حُكْمِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَيْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَرْمُونَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ إلَّا التَّائِبِينَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْهِمْ بِهِ حَالَ اتِّصَافِهِمْ بِالتَّوْبَةِ لِلْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنْ لَا فِسْقَ مَعَ التَّوْبَةِ، وَكَيْفَ لَا؟ ، «وَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِرِوَايَةِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، وَالْفِسْقُ هُوَ الْمَعْصِيَةُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الطَّاعَةِ فَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالْفَاسِقِ الْفَاسِقَ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ، وَانْتَفَى كَوْنُ الْمُرَادِ بِالْفَاسِقِ الْفَاسِقَ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنَّ التَّائِبَ لَمْ يُخْرَجْ مِنْ حُكْمِ الْقَاذِفِينَ الَّذِي هُوَ الْفِسْقُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. [مَسْأَلَةٌ إذَا خُصَّ الْعَامُّ] (مَسْأَلَةٌ إذَا خُصَّ الْعَامُّ كَانَ مَجَازًا فِي الْبَاقِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ) مِنْ الْأَشَاعِرَةِ وَمَشَاهِيرِ الْمُعْتَزِلَةِ (وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) كَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ (إلَّا أَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ لِأَكْثَرِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (إلَّا بِمُسْتَقِلٍّ عَلَى مَا سَبَقَ) فَهُوَ بَعْدَ إخْرَاجِ بَعْضِهِ بِغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ حَقِيقَةً عَلَى قَوْلِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ بِدُونِ هَذَا التَّقْيِيدِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيُّ (وَبَعْضُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (كَالسَّرَخْسِيِّ وَالْحَنَابِلَةِ) وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ بَلْ جَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (حَقِيقَةٌ) فِي الْبَاقِي (وَبَعْضُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي مَجَازٌ فِي الِاقْتِصَارِ وَالشَّافِعِيَّةُ) نَقَلُوا (عَنْ الرَّازِيِّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ (الْجَصَّاصُ إنْ كَانَ الْبَاقِي كَثْرَةً يَعْسُرُ ضَبْطُهَا فَحَقِيقَةٌ وَإِلَّا) إنْ كَانَ الْبَاقِي لَيْسَ كَذَلِكَ (فَمَجَازٌ) وَالْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالرَّازِيِّ حَقِيقَةٌ إنْ كَانَ الْبَاقِي غَيْرَ مُنْحَصِرٍ وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ زَادَ السُّبْكِيُّ عَلَى آحَادِ النَّاسِ كَذَا فَسَّرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ كُلُّ عَدَدٍ لَوْ اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ لَعَسُرَ عَلَى النَّاظِرِ عَدَدُهُمْ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ كَالْأَلْفِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ وَإِنْ سَهُلَ كَالْعَشَرَةِ وَالْعِشْرِينَ فَمَحْصُورٌ وَبَيْنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْسَاطٌ تَلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا بِالظَّنِّ وَمَا وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ اُسْتُفْتِيَ فِيهِ الْقَلْبُ (وَالْحَنَفِيَّةُ) نَقَلُوا (عَنْهُ) أَيْ الْجَصَّاصِ (إنْ كَانَ جَمْعًا فَقَطْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْقَيْدِ السَّابِقِ فَحَقِيقَةٌ وَإِلَّا كَانَ مَجَازًا (أَبُو الْحُسَيْنِ إنْ خُصَّ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ) مِنْ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ أَوْ غَايَةٍ (فَحَقِيقَةٌ) وَإِنْ خُصَّ بِمُسْتَقِلِّ مِنْ سَمْعٍ أَوْ عَقْلٍ فَمَجَازٌ، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ: قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الَّذِي رَأَيْته مَنْصُورًا فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَيْضًا الْمَازِرِيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ آخِرُ قَوْلَيْهِ وَأَنَّ أَوَّلَهُمَا كَوْنُهُ مَجَازًا مُطْلَقًا وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ (الْقَاضِي: إنْ خُصَّ بِشَرْطٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ) فَحَقِيقَةٌ وَإِلَّا فَمَجَازٌ (عَبْدُ الْجَبَّارِ) إنْ

خُصَّ (بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ) فَحَقِيقَةٌ وَإِلَّا فَمَجَازٌ وَنَظَرَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ وَتَبِعَهُ التَّفْتَازَانِيُّ بِأَنَّهُ قَالَ فِي عُمْدَةِ الْأَدِلَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مَجَازًا بِأَيِّ شَيْءٍ خُصَّ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لِقَرِينَةٍ اتَّصَلَتْ أَوْ انْفَصَلَتْ اسْتَقَلَّتْ أَمْ لَا وَأَجَابَ الْأَبْهَرِيُّ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْعُمْدَةِ هُوَ قَوْلُهُ أَوَّلًا وَكَأَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمُعْتَمَدِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ مَا يُفِيدُ مُوَافَقَةَ مَا فِي الْكِتَابِ (وَقِيلَ إنْ خُصَّ بِلَفْظِيٍّ) مُتَّصِلٍ أَوْ مُنْفَصِلٍ فَحَقِيقَةٌ وَإِلَّا فَمَجَازٌ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ مَذَاهِبَ (لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ الْأَوَّلُ (الْفَرْضُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ (حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِغْرَاقِ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَوْ كَانَ لِلْبَاقِي فَقَطْ حَقِيقَةً) أَيْضًا (كَانَ مُشْتَرَكًا) لَفْظِيًّا (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ (غَيْرُ الْمَفْرُوضِ وَدُفِعَ) هَذَا وَدَفَعَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ (فِي صُورَةِ التَّخْصِيصِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِأَنَّ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ الطِّوَالَ فِي تَقْدِيرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَيْ بَعْضَهُمْ) لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ (فَلَزِمَ إرَادَةُ كُلِّهِمْ) مِنْ قَوْلِهِ بَنِي تَمِيمٍ ضَرُورَةً (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ هَذَا (كَانَ الْمَعْنَى) أَكْرِمْ (بَعْضَ بَعْضِهِمْ) لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ صِحَّةَ وَضْعِ بَعْضٍ مَكَانَهَا، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمُرَادَ بِبَنِي تَمِيمٍ الْبَعْضُ أَيْضًا فَيَئُولُ الْمَعْنَى إلَى هَذَا وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ (ثُمَّ عَرَضَ الْحُكْمُ) الَّذِي هُوَ إكْرَامُ الْمَوْصُوفِ مِنْهُمْ بِالطُّولِ (فَخَرَجَ الْآخَرُ) وَهُوَ مَنْ لَمْ يُوصَفْ مِنْهُمْ بِهِ مِنْ طَلَبِ الْإِكْرَامِ (وَهَذَا) التَّوْجِيهُ (لَازِمٌ فِي الْمُسْتَثْنَى عَلَى مَا قِيلَ) أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِيَارِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعْنَاهُ حَقِيقَةً ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمُسْتَثْنَى ثُمَّ يُحْكَمُ عَلَى الْبَاقِي (وَيُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ) أَيْ هَذَا وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعَامِّ جَمِيعُ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ ثُمَّ يَخْرُجُ غَيْرُ الْمُرَادِ مِنْهُ ثُمَّ يُحْكَمُ عَلَى الْبَاقِي (فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي سَائِرِ الْعُمُومَاتِ الْمُخَصَّصَةِ بِأَيِّ تَخْصِيصٍ كَأَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (غَيْرَ أَنَّ وَضْعَ الْمُفْرَدِ وَاسْتِعْمَالَهُ لَيْسَ إلَّا لِلتَّرْكِيبِ) لِمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ وَضْعِ الْمُفْرَدَاتِ لَيْسَ إلَّا الْمَعَانِيَ التَّرْكِيبِيَّةَ (وَيَبْعُدُ أَنْ يُرَكِّبَهُ) أَيْ الْمُتَكَلِّمُ الْمُفْرَدَ مَعَ غَيْرِهِ (مُرِيدًا الْمَجْمُوعَ) مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ (لِيَحْكُمَ عَلَى الْبَعْضِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَصْدَ لِلْمَجْمُوعِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى بَعْضِهِ (بِلَا فَائِدَةٍ لِصِحَّةِ أَنْ يُرِيدَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ اللَّفْظِ الْعَامِّ (لُغَةً الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فَقَطْ وَلَوْ كَانَ) الْعَامُّ (عَدَدًا) فَانْتَفَى الدَّفْعُ (وَقَوْلُ السَّرَخْسِيِّ صِيغَةُ الْعُمُومِ لِلْكُلِّ وَمَعَ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ لِأَنَّهَا) أَيْ صِيغَتَهُ (إنَّمَا تَتَنَاوَلُهُ) أَيْ مَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ (وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ كُلٌّ لَا بَعْضٌ كَالِاسْتِثْنَاءِ يُصَيِّرُ الْكَلَامَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى بِطَرِيقِ أَنَّهُ) أَيْ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى (كُلٌّ لَا بَعْضٌ إنْ أَرَادَ) أَنَّ تَنَاوُلَهُ لِمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ (بِوَضْعٍ آخَرَ خَاصٍّ لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ) اللَّفْظِيُّ وَالْمَفْرُوضُ خِلَافُهُ (أَوْ وُضِعَ الْمَجَازُ فَنَقِيضُ مَطْلُوبِهِ) لِأَنَّ مَطْلُوبَهُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ. (فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ تَحْمِلْهُ) أَيْ هَذَا مِنْ السَّرَخْسِيِّ (عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الِاسْتِغْرَاقَ) فِي الْعَامِّ فَيَكُونُ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ مِنْ أَفْرَادِهِ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى مَا دُونَ الثَّلَاثِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً (قُلْنَا الْكَلَامُ فِي الْعَامِّ إذَا خُصَّ) هَلْ يَكُونُ فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ حَقِيقَةً (وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ (الصِّيَغُ الْمُتَقَدِّمَةُ كَالْجَمْعِ الْمُحَلَّى وَنَحْوِهِ) مِنْ الْمَوْصُولَاتِ وَأَسْمَاءِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَنَحْوِهَا (مِمَّا اُتُّفِقَ عَلَى اسْتِغْرَاقِهِ وَالْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِهِ) أَيْ الِاسْتِغْرَاقِ إنَّمَا هُوَ (فِي مُسَمَّى لَفْظٍ عَامٍّ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ) أَيْ الِاسْتِغْرَاقَ فِي مُسَمَّى لَفْظٍ عَامٍّ (وَإِنْ جَعَلَ مِنْ صِيَغِهِ) أَيْ الْعَامِّ (الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ لَا يُصَحِّحُ اعْتِبَارَهُ) أَيْ عَدَمِ شَرْطِهِ (هُنَا إذْ لَا يَقْبَلُ الْإِخْرَاجَ مِنْهُ وَلِذَا لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِهِ، وَلِقَائِلٍ

أَنْ يَقُولَ: لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ يَتَعَدَّى مِنْ ثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي مُسَمَّى لَفْظٍ عَامٍّ ثُبُوتُهُ فِي صِيَغِهِ أَيْضًا ضَرُورَةَ اتِّصَافِهَا بِهِ، وَالْجَوَابُ الْمُحَقَّقُ فِي دَفْعِ قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّخْصِيصُ مِنْ صِيَغِهِ لَا كَلَامَ فِيهِ وَمَا يَصِحُّ التَّخْصِيصُ فِيهِ مِنْهَا تَنَاوَلَهُ إذَا قُصِرَ عَلَى الثَّلَاثِ فَصَاعِدًا، مَعْنَى الْعُمُومِ فِيهِ بَاقٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَشْرِطْ الِاسْتِغْرَاقَ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ تِلْكَ الصِّيغَةِ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَيْسَ تَمَامَ مَعْنَاهَا الْوَضْعِيِّ فَلَا يُجْدِي عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فِي مُسَمَّى الْعَامِّ وَلَا فِيمَا تَنَاوَلَتْهُ صِيغَتُهُ كَوْنُ الصِّيغَةِ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَمَا قِيلَ) وَقَائِلُهُ عَضُدُ الدِّينِ (إرَادَتُهُ) أَيْ الْبَاقِي (لَيْسَ بِالْوَضْعِ الثَّانِي وَالِاسْتِعْمَالِ) الثَّانِي لَهُ فِيهِ (بَلْ) الْبَاقِي مُرَادٌ (بِالْأَوَّلِ) مِنْهُمَا وَإِنَّمَا طَرَأَ عَدَمُ إرَادَةِ بَعْضِ مَعْنَى اللَّفْظِ (مَمْنُوعٌ بَلْ الْحَقِيقَةُ إرَادَتُهُ) أَيْ الْبَاقِي (بِالْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ الْبَاقِي (دَاخِلٌ فِي تَمَامِ الْوَضْعِيِّ الْمُرَادِ) بِاللَّفْظِ (لَا) إرَادَاتُهُ (بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ تَمَامَ الْمُرَادِ بِالْحُكْمِ) أَمَّا إذَا أُرِيدَ هَذَا (فَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ مَوْضُوعًا لَهُ إنَّمَا هُوَ (بِالثَّانِي) وَلَيْسَتْ إرَادَةُ الْبَاقِي إلَّا بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ (الْحَنَابِلَةُ: تَنَاوُلُهُ) أَيْ الْعَامِّ لِلْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ (كَمَا كَانَ) قَبْلَهُ (وَكَوْنُهُ) أَيْ التَّنَاوُلِ لِلْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ (وَمَعَ قَرِينَةِ الِاقْتِصَارِ) عَلَيْهِ (لَا يُغَيِّرُهُ) أَيْ تَنَاوُلُهُ لَهُ (فَهُوَ حَقِيقَةٌ قُلْنَا الْحَقِيقَةُ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَعْنَى) الْمَوْضُوعِ لَهُ (لَا التَّنَاوُلِ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّنَاوُلَ (لِتَبَعِيَّتِهِ لِلْوَضْعِ ثَابِتٌ لِلْمُخْرَجِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ وَلِكُلٍّ وَضْعِيٌّ حَالَ التَّجَوُّزِ بِلَفْظَةِ الرَّازِيِّ إذَا بَقِيَ) مِنْ الْعَامِّ مِقْدَارٌ (غَيْرُ مُنْحَصِرٍ) فِي عَدَدٍ (فَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْبَاقِي (مَعْنَى الْعُمُومِ) لِأَنَّهُ كَوْنُ اللَّفْظِ دَالًّا عَلَى أَمْرٍ غَيْرِ مُنْحَصِرٍ فِي عَدَدٍ فَيَكُونُ فِيهِ حَقِيقَةً (نَقَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَنْهُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِنَقْلِ مَذْهَبِهِ أَجْدَرُ) مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِهِ فَإِنَّهُ لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ هُمْ بِهِ أَعْرَفُ (وَهُوَ) أَيْ مَذْهَبُهُ (بِنَاءٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ) فِي الْعُمُومِ (وَغَلِطَ) الرَّازِيّ (بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ) أَيْ دَلِيلَهُ (كَوْنُ الْخِلَافِ فِي لَفْظِ الْعُمُومِ لَا فِي الصِّيغَةِ) وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَهُوَ مِنْ اشْتِبَاهِ الْعَارِضِ بِالْمَعْرُوضِ كَمَا وَقَعَ مِثْلُهُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ ثُمَّ أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ كَوْنِ مَعْنَى الْعُمُومِ ذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ تَنَاوُلُهُ لِجَمِيعِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَقَدْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ مَا يَصْلُحُ لَهُ فَصَارَ لِبَعْضِهِ فَكَانَ مَجَازًا (أَبُو الْحُسَيْنِ لَوْ كَانَ الْإِخْرَاجُ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ يُوجِبُ تَجَوُّزًا) فِي اللَّفْظِ (لَزِمَ كَوْنُ الْمُسْلِمِ لِلْمَعْهُودِ مَجَازًا) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَزُومُ مِثْلُهُ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ مُسْلِمًا مُقَيَّدٌ بِمَا هُوَ كَالْجُزْءِ لَهُ وَهُوَ اللَّامُ وَقَدْ صَارَ بِهِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا فَإِنَّهُ قَبْلَ دُخُولِ اللَّامِ كَانَ لِمَنْ قَامَ بِهِ الْإِسْلَامُ بِدُونِ عَهْدٍ وَقَدْ صَارَ لَهُ مَعَ الْعَهْدِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْجَوَابُ) عَنْهُ كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (بِأَنَّ الْمَجْمُوعَ) مِنْ مُسْلِمٍ وَاللَّامِ هُوَ (الدَّالُّ) عَلَى مَجْمُوعِ الْمَعْنَى لَا أَنَّ مُسْلِمًا لِلْجِنْسِ وَاللَّامَ لِلْقَيْدِ (مُنْدَفِعٌ بِأَنَّهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمَا) أَيْ اللَّامَ وَمُسْلِمًا (كَلِمَتَانِ بِوَضْعَيْنِ رُكِّبَتَا) وَجُعِلَ مَجْمُوعُهُمَا دَالًّا عَلَى الْمَعْنَى (مُجَرَّدُ اعْتِبَارٍ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي الْعَامِّ الْمُقَيَّدِ بِمَا يَسْتَقِلُّ وَإِلَّا) إنْ اُعْتُبِرَ كَوْنُ الدَّالِّ فِي مِثْلِ الْمُسْلِمِ الْمَجْمُوعَ مِنْ اللَّامِ وَمَدْخُولِهَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ كَوْنُ الدَّالِّ فِي الْعَامِّ وَالْمُقَيَّدِ بِهِ مِمَّا لَا يَسْتَقِلُّ الْمَجْمُوعَ مِنْهُمَا (فَتَحَكُّمٌ مَحْضٌ) لِكَوْنِهِ فَرْقًا بَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ بِلَا فَرْقٍ مُؤَثِّرٍ هَذَا وَفِي حَاشِيَةِ الْأَبْهَرِيِّ وَفِيمَا نَقَلَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ - مِنْ أَنَّ الْعَامَّ الْمُخَصَّصَ بِغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ حَقِيقَةٌ - نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَامَّ الْمُخَصَّصَ وَحْدَهُ لَيْسَ حَقِيقَةً عِنْدَهُ وَلَا مَجَازًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ تَلْخِيصَ دَلِيلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ يَنْفِي كَوْنَهُ مَجَازًا وَيُنَافِي كَوْنَهُ حَقِيقَةً وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَامَّ الْمُخَصَّصَ بِغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ لَيْسَ

لَهُ دَلَالَةٌ وَحْدَهُ كَمَا أَنَّ مُسْلِمًا فِي مُسْلِمُونَ لَيْسَ دَالًّا فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً بَلْ الْمَجْمُوعُ هُوَ الْحَقِيقَةُ (الْقَاضِي وَعَبْدُ الْجَبَّارِ مِثْلُهُ) أَيْ أَبِي الْحُسَيْنِ (فِيمَا لَمْ يُخْرِجَاهُ) مِمَّا لَا يَسْتَقِلُّ وَهُوَ الصِّفَةُ وَالْغَايَةُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَالِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَ عَبْدِ الْجَبَّارِ دَلِيلًا وَهُوَ لُزُومُ كَوْنِ نَحْوِ الْمُسْلِمِ لِلْمَعْهُودِ مَجَازًا لَوْ كَانَ الْإِخْرَاجُ بِغَيْرِ هَذِهِ الْمُخْرِجَاتِ يُوجِبُ تَجَوُّزًا فِي اللَّفْظِ وُجُوبًا وَهُوَ مَنْعُ لُزُومِهِ ثُمَّ قَالُوا إنَّمَا اسْتَثْنَى الْقَاضِي الصِّفَةَ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ كَأَنَّهَا مُخَصِّصٌ مُسْتَقِلٌّ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ الِاسْتِثْنَاءَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ عِنْدَهُ وَلَمْ يُوَجِّهُوا لِلْغَايَةِ وَجْهًا وَقَدْ عَرَفْت مَا فِي الْجَوَابِ وَأَيْضًا ذَكَرَ عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي عُمْدَةِ الْأَدِلَّةِ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا عِنْدَهُ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَاقِيًا عَلَى عُمُومِهِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً، وَقَدْ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ (الْمُخَصَّصُ بِاللَّفْظِ مِثْلُهُ) أَيْ أَبِي الْحُسَيْنِ أَيْضًا دَلِيلًا وَهُوَ لُزُومُ كَوْنِ نَحْوِ الْمُسْلِمِ لِلْمَعْهُودِ مَجَازًا لَوْ كَانَتْ الدَّلَائِلُ اللَّفْظِيَّةُ تُوجِبُ تَجَوُّزًا فِي اللَّفْظِ وَجَوَابًا وَهُوَ مَنْعُ لُزُومِهِ (وَهُوَ) أَيْ دَلِيلُ هَذَا (أَضْعَفُ) مِنْ دَلِيلِهِ لِشُمُولِ اللَّفْظِيِّ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ، وَقَدْ كَانَ عَدَمُ الِاسْتِقْلَالِ لِلْمُتَّصِلِ وَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ إيجَابِ التَّجَوُّزِ لَفْظًا، أَوَّلُهُ دَخَلَ فِي مَنْعِ إيجَابِهِ كَمَا فِي نَحْوِ الْمُسْلِمِ كَمَا ظَنَّ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمُنْفَصِلِ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ قَطْعًا (الْإِمَامُ الْجَمْعُ كَتَعْدَادِ الْآحَادِ) قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ مَعْنَى الرِّجَالِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ إلَى أَنْ يُسْتَوْعَبَ وَإِنَّمَا وُضِعَ الرِّجَالُ اخْتِصَارًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (وَفِيهِ) أَيْ تَعْدَادِهَا (إذَا بَطَلَ إرَادَةُ الْبَعْضِ لَمْ يَصِرْ الْبَاقِي مَجَازًا) فَكَذَا الْجَمْعُ وَإِنَّمَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْعَامِّ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ إلَى الْجَمْعِ كَمَا يُشِيرُ بِهِ تَقْرِيرُ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ، لِأَنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ هَذَا التَّوْجِيهُ وَإِنْ كَانَ قَاصِرًا عَلَى بَعْضِ الدَّعْوَى إذْ لَيْسَ كُلُّ عَامٍّ جَمْعًا (أُجِيبَ أَنَّ الْحَاصِلَ) مِنْ الْعَامِّ (وَاحِدٌ) وَهُوَ اسْتِغْرَاقُ مَا يَصْلُحُ لَهُ لِوَضْعِهِ (لِلِاسْتِغْرَاقِ) أَيْ لِاسْتِغْرَاقِهِ (فَفِي بَعْضِهِ) أَيْ فَاسْتِعْمَالُ الْعَامِّ مُرَادًا بِهِ بَعْضُهُ (فَقَطْ مَجَازٌ) بِخِلَافِ الْآحَادِ الْمُتَعَدِّدَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِلَفْظٍ مِنْهَا بَعْضُ مَا وُضِعَ لَهُ وَإِذَا بَطَلَتْ بَعْضُ الْحَقَائِقِ لَمْ يَلْزَمْ بُطْلَانُ حَقِيقَةٍ أُخْرَى عَلَى أَنَّهُ قَدْ مُنِعَ كَوْنُ الْجَمْعِ كَتَكْرَارِ الْآحَادِ، وَقَوْلُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ بَلْ لِبَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي وَضْعِهِ (وَمَا قِيلَ يُمْكِنُ اللَّفْظُ) الْوَاحِدُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً وَمَجَازًا (بِحَيْثِيَّتَيْنِ) فَلْيَكُنْ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ كَذَلِكَ فَيَكُونُ مَجَازًا - مِنْ حَيْثُ إنَّ الْبَاقِيَ لَيْسَ مَوْضُوعَهُ الْأَصْلِيَّ - وَحَقِيقَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ فَلَمْ يُنْقَلْ نَقْلًا كُلِّيًّا كَمَا هُوَ شُبْهَةُ اخْتِيَارِ السُّبْكِيّ إيَّاهُ (فَتَانِكَ) الْحَيْثِيَّتَانِ إنَّمَا هُمَا (بِاعْتِبَارِ وَضْعِيِّ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ الْحَيْثِيَّتَيْنِ الْكَائِنَتَيْنِ لِلَّفْظِ إنَّمَا هُمَا كَوْنُهُ بِحَيْثُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي هَذَا كَانَ حَقِيقَةً لَهُ لِوَضْعِهِ لَهُ عَيْنًا وَهُوَ الْوَضْعُ الْحَقِيقِيُّ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي ذَاكَ كَانَ مَجَازًا لِوَضْعِهِ بِالنَّوْعِ لَهُ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ وَضْعِ الْمَجَازِ فِي الْكِتَابِ لَا أَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ وَاحِدٌ يَكُونُ اللَّفْظُ فِيهِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا كَمَا ادَّعَاهُ الْإِمَامُ (وَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُهُمَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَعًا فِي اسْتِعْمَالٍ وَاحِدٍ (عَلَى أَنَّهُ نُقِلَ اتِّفَاقُ نَفْيِهِ) أَيْ الِاتِّفَاقُ عَلَى مَنْعِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِي اسْتِعْمَالٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ مَعًا فِي اسْتِعْمَالٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَكُونَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فِي ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الْخِلَافِ (هَذَا) مَا ذُكِرَ (وَلَمْ يَسْتَدِلَّ) الْإِمَامُ (عَلَى شِقِّهِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الِاقْتِصَارِ لِظَنِّهِ ظُهُورَهُ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ) اللَّفْظُ الْعَامُّ (مَجَازًا بِاعْتِبَارِ الِاقْتِصَارِ إلَّا لَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَى الِاقْتِصَارِ، وَانْتِفَاؤُهُ) أَيْ

مسألة العام المخصوص بمجمل

اسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنَى الِاقْتِصَارِ (ظَاهِرٌ بَلْ الِاقْتِصَارُ يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْبَاقِي بِلَا زِيَادَةٍ فَهُوَ) أَيْ الِاقْتِصَارُ (لَازِمٌ لِوُجُودِهِ) أَيْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْبَاقِي (لَا مُرَادِ إفَادَتِهِ) أَيْ الِاقْتِصَارِ (بِهِ) أَيْ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ (وَلَوْ أَرَادَ بِالِاقْتِصَارِ اسْتِعْمَالَهُ) أَيْ الْعَامِّ (فِي الْبَاقِي بِلَا زِيَادَةٍ فَهُوَ شِقُّهُ الْأَوَّلُ وَعُلِمَتْ مَجَازِيَّتُهُ) أَيْ الْعَامِّ (فِيهِ) أَيْ فِي الْبَاقِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ بِمُجْمَلٍ] (مَسْأَلَةُ الْجُمْهُورِ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ بِمُجْمَلٍ) أَيْ مُبْهَمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ الْإِجْمَالِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (لَيْسَ حُجَّةً كَلَا تَقْتُلُوا بَعْضَهُمْ) مَثَلًا مَعَ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، أَوْ هَذَا الْعَامُّ مَخْصُوصٌ أَوْ لَمْ يُرَدْ بِهِ كُلُّ مَا تَنَاوَلَهُ لَا أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ لِمَا سَيَأْتِي (وَبِمُبَيَّنٍ حُجَّةٌ فَخْرُ الْإِسْلَامِ حُجَّةٌ فِيهِمَا ظَنِّيَّةُ الدَّلَالَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَطْعِيَّهَا) أَيْ الدَّلَالَةِ لِمَا مَضَى وَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعَامَّ عِنْدَهُ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ كَالْخَاصِّ (وَقِيلَ يَسْقُطُ الْمُجْمَلُ، وَالْعَامُّ) يَبْقَى (كَمَا كَانَ) قَبْلَ لُحُوقِهِ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ أَبُو الْمُعِينِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ بَرْهَانٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (وَفِي الْمُبَيَّنِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ إنْ كَانَ الْعَامُّ مُنْبِئًا عَنْهُ) أَيْ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ (بِسُرْعَةٍ كَالْمُشْرِكِينَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ) فَإِنَّ لَفْظَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِالذِّمِّيِّ مُنْبِئٌ عَنْ الْبَاقِي الَّذِي هُوَ الْحَرْبِيُّ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى تَأَمُّلٍ فَهُوَ حُجَّةٌ بَعْدَ التَّخْصِيصِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُنْبِئْ عَنْ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ (فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ كَالسَّارِقِ لَا يُنْبِئُ عَنْ سَارِقِ نِصَابٍ وَمِنْ حِرْزٍ لِعَدَمِ الِانْتِقَالِ) أَيْ انْتِقَالِ الذِّهْنِ (إلَيْهِمَا) أَيْ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ مِنْ إطْلَاقِ السَّارِقِ قَبْلَ بَيَانِ الشَّارِعِ فَإِذَا بَطَلَ الْعَمَلُ بِهِ - أَعْنِي لَمْ يُحْكَمْ بِقَطْعِ الْيَدِ فِي صُوَرِ انْتِفَاءِ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ أَوْ أَحَدِهِمَا إذْ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ شَرْعًا عِنْدَ ذَلِكَ - لَمْ يُعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ أَيْضًا فِي صُورَةِ وُجُودِ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ نِصَابًا مُحْرَزًا (عَبْدُ الْجَبَّارِ إنْ لَمْ يَكُنْ) الْعَامُّ (مُجْمَلًا) قَبْلَ التَّخْصِيصِ (فَهُوَ حُجَّةٌ) نَحْوُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فَالْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ بِالذِّمِّيِّ مُمْكِنٌ بِتَعْمِيمِ الْقَتْلِ لِكُلِّ مُشْرِكٍ (بِخِلَافِ) الْمُجْمَلِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ، مِثْلُ أَقِيمُوا (الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ بَعْدَ تَخْصِيصِ الْحَائِضِ مِنْهُ يَفْتَقِرُ) إلَى الْبَيَانِ كَمَا كَانَ مُفْتَقِرًا إلَيْهِ قَبْلَهُ لِإِجْمَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً (الْبَلْخِيُّ مِنْ مُجِيزِي التَّخْصِيصِ بِمُتَّصِلٍ) أَيْ غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ كَالشَّرْطِ وَالصِّفَةِ (حُجَّةٌ إنْ خُصَّ بِهِ) أَيْ بِالْمُتَّصِلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إنْ خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ كَالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ (وَقِيلَ حُجَّةٌ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ) وَهُوَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْخِلَافِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ (أَبُو ثَوْرٍ لَيْسَ حُجَّةً مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ أَوْ بِمُنْفَصِلٍ أَنْبَأَ عَنْ الْبَاقِي أَوْ لَا احْتَاجَ إلَى الْبَيَانِ أَوْ لَا هَذَا مَا نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ (وَقِيلَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ لَيْسَ حُجَّةً (إلَّا فِي أَخَصِّ الْخُصُوصِ) أَيْ الْوَاحِدِ (إذَا عُلِمَ) أَيْ كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا (كَالْكَرْخِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَعِيسَى بْنِ أَبَانَ أَيْ يَصِيرُ) الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ (مُجْمَلًا فِيمَا سِوَاهُ) أَيْ أَخَصِّ الْخُصُوصِ (إلَى الْبَيَانِ) فَفِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ لَا يَبْقَى حُجَّةً بَعْدَ التَّخْصِيصِ بَلْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ إلَى الْبَيَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ بِهِ أَخَصُّ الْخُصُوصِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا، غَيْرَ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِيسَى مُقَيَّدٌ بِرِوَايَةٍ وَفِي الْبَدِيعِ الْكَرْخِيُّ وَابْنُ أَبَانَ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يَبْقَى حُجَّةً مُطْلَقًا إلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمَعْلُومِ، انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ أَكْثَرَ الْحَنَفِيَّةِ - وَمِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ تَخْصِيصًا فَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا فِي الْكَشْفِ - بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ عَدَا أَبَا ثَوْرٍ - وَلَا قَوْلَ صَاحِبِ الْمَنَارِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِمَا إنَّ مَذْهَبَ الْكَرْخِيِّ إذَا لَحِقَهُ خُصُوصٌ مَعْلُومٌ أَوْ مَجْهُولٌ لَا يَبْقَى حُجَّةً بَلْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ، انْتَهَى وَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ إنَّمَا لَمْ يَسْتَثْنُوا أَخَصَّ الْخُصُوصِ

كَالْأَوَّلَيْنِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَإِلَّا كَانَ نَسْخًا كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ مَعَ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ بِقَيْدِ التَّعْيِينِ قَبْلَ الْبَيَانِ أَيْضًا لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ مِنْ الْبَاقِي يَحْتَمِلُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْبَاقِيَ وَأَنْ يَكُونَ مُخْرَجًا، وَلَكِنْ عَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ الْأَوَّلَيْنِ هَذَا بِمَا إذَا كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا فَإِنَّهُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ مَجْهُولًا لِعَيْنِ هَذَا التَّوْجِيهِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ قَوْلَ الْبَلْخِيّ هُوَ بِعَيْنِهِ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ شَارِحُو مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي قَوْلِهِ وَفَصَّلَ الْكَرْخِيُّ، انْتَهَى. فَقَالَ إنْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ كَانَ حُجَّةً وَإِلَّا فَلَا وَظَهَرَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْبَدِيعِ الِاسْتِثْنَاءُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ فِي الْحَقِيقَةِ إلَيْهِ (لَنَا) عَلَى الْأَوَّلِ (اسْتِدْلَالُ الصَّحَابَةِ بِهِ) أَيْ بِالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِمُبَيِّنٍ، وَتَكَرَّرَ وَشَاعَ وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ إجْمَاعًا. (وَلَوْ قَالَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَلَا تُكْرِمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَتَرَكَ) إكْرَامَ سَائِرِهِمْ (قُطِعَ بِعِصْيَانِهِ) فَدَلَّ عَلَى ظُهُورِهِ فِيهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَلِأَنَّ تَنَاوُلَ الْبَاقِي بَعْدَهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (بَاقٍ، وَحُجِّيَّتَهُ) أَيْ الْعَامِّ (فِيهِ) أَيْ الْبَاقِي (كَانَ بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ التَّنَاوُلِ (وَبِهَذَا) الدَّلِيلِ الْأَخِيرِ (اسْتَدَلَّ الْمُطْلِقُ) لِحُجِّيَّتِهِ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي وَجْهُهُ (وَيُدْفَعُ) قَوْلُ الْمُطْلِقِ (بِاسْتِدْلَالِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ بِعَامٍّ مَخْصُوصٍ بِمُبَيِّنٍ (وَالْعِصْيَانُ) بِتَرْكِ فِعْلِ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ طَلَبُ فِعْلِهِ إنَّمَا هُوَ أَيْضًا (فِي الْمُبَيَّنِ، وَالْحُجَّةُ فِيهِ) أَيْ الثَّانِي (قَبْلَهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ أَيْضًا إنَّمَا كَانَ (لِعَدَمِ الْإِجْمَالِ) فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْمَخْصُوصِ بِمُجْمَلٍ لِتَحَقُّقِ الْإِجْمَالِ حِينَئِذٍ (وَبَقَاؤُهُ) أَيْ التَّنَاوُلِ إنَّمَا هُوَ أَيْضًا (فِي الْمُبَيَّنِ لَا الْمُجْمَلِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْعَامُّ عِنْدَهُ كَالْخَاصِّ) فِي قَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ -: (لِلْمُخَصِّصِ شَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ) بِحُكْمِهِ (لِبَيَانِهِ عَدَمَ إرَادَةِ الْمُخْرَجِ) مِمَّا تَنَاوَلَهُ الْعَامُّ بِحُكْمِهِ (وَ) شَبَهُ (النَّاسِخِ) بِصِيغَتِهِ (لِاسْتِقْلَالِهِ) بِنَفْسِهِ فِي الْإِفَادَةِ (فَيَبْطُلُ) الْمُخَصِّصُ (إذَا كَانَ مَجْهُولًا) أَيْ مُتَنَاوِلًا لِمَا هُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَ السَّامِعِ (لِلثَّانِي) أَيْ لِشَبَهِ النَّاسِخِ (وَيَبْقَى الْعَامُّ عَلَى قَطْعِيَّتِهِ لِبُطْلَانِ النَّاسِخِ الْمَجْهُولِ) لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْمَعْلُومِ وَلَا تَتَعَدَّى جَهَالَةُ الْمُخَصِّصِ إلَيْهِ لِكَوْنِ الْمُخَصِّصِ مُسْتَقِلًّا بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفٍ قَائِمٍ بِصَدْرِ الْكَلَامِ لَا يُفِيدُ بِدُونِهِ حَتَّى إنَّ مَجْمُوعَ الِاسْتِثْنَاءِ وَصَدْرِ الْكَلَامِ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ وَاحِدٍ فَجَهَالَتُهُ تُوجِبُ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيَصِيرُ مَجْهُولًا مُجْمَلًا مُتَوَقِّفًا عَلَى الْبَيَانِ (وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ الْعَامِّ قَطْعِيًّا (لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِشَبَهِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ لِتَعَدِّي جَهَالَتِهِ إلَيْهِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ (وَفِي) الْمُخَصِّصِ (الْمَعْلُومِ شَبَهِ النَّاسِخِ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُسْتَقِلًّا (يُبْطِلُهُ) أَيْ الْعُمُومَ (لِصِحَّةِ تَعْلِيلِهِ) أَيْ الْمُخَصِّصِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ الْمُسْتَقِلَّةِ وَإِنْ كَانَ النَّاسِخُ لَا يُعَلَّلُ (وَجَهْلِ قَدْرِ الْمُتَعَدَّى إلَيْهِ) بِالْقِيَاسِ (فَيُجْهَلُ الْمُخْرِجُ) بِهَذَا السَّبَبِ (وَشَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ) مِنْ حَيْثُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ وَعَدَمُ دُخُولِ الْمَخْصُوصِ تَحْتَ الْحُكْمِ الْعَامِّ (يَبْقَى قَطْعِيَّتُهُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ (ضَعِيفٌ لِأَنَّ إعْمَالَ الشَّبَهَيْنِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ - وَهُوَ) أَيْ إمْكَانُ إعْمَالِهِمَا (مُنْتَفٍ - فِي الْمَجْهُولِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ) أَيْ الشَّبَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ (لَا بِهِ) أَيْ الشَّبَهُ بِهِ (مَعْنَوِيٌّ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُخْرِجُ مِنْ الْعَامِّ كَالْمُسْتَقِلِّ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ تَخْصِيصًا (اصْطِلَاحًا وَشَبَهُ النَّاسِخِ طَرْدٌ) لَا أَثَرَ لَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّبَهَ بِهِ (فِي مُجَرَّدِ اللَّفْظِ) أَيْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يُحْتَاجُ فِي صِحَّةِ التَّكَلُّمِ بِهِ إلَى غَيْرِهِ (وَعَلَى هَذَا) وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ شَبَهُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ (تَبْطُلُ حُجِّيَّتُهُ) فِي الْمَجْهُولِ (كَالْجُمْهُورِ وَصَيْرُورَتُهُ ظَنِّيًّا فِي الْمَعْلُومِ لِمَا تَحَقَّقَ مِنْ

عَدَمِ إرَادَةِ مَعْنَاهُ) أَيْ الْعَامِّ بِسَبَبِ التَّخْصِيصِ بِالْمَعْلُومِ (مَعَ احْتِمَالِ قِيَاسٍ آخَرَ مُخْرِجٍ) مِنْهُ بَعْضَهُ أَيْضًا (وَهَذَا لِتَضَمُّنِهِ) أَيْ الْمُخَصِّصِ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ (حُكْمًا) لَا حَقِيقَةً فَقَدْ تَضَمَّنَ مَا يُوجِبُ الِاحْتِمَالَ لِلْإِخْرَاجِ فِي كُلِّ فَرْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لِتَضَمُّنِ الْمُخَصَّصِ - عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ - حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ (لَا لِشَبَهِ النَّاسِخِ بِاسْتِقْلَالِ صِيغَتِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ طَرْدِيٌّ لَا أَثَرَ لَهُ (وَكَوْنُ السَّمْعِيِّ حُجَّةً) فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ (فَرْعُ مَعْلُومِيَّةِ مَحَلِّ حُكْمِهِ وَالْقَطْعِ بِنَفْيِهَا) أَيْ مَعْلُومِيَّةِ مَحَلِّ حُكْمِهِ (فِي نَحْوِ لَا تَقْتُلُوا بَعْضَهُمْ فَإِنْ دُفِعَ) هَذَا (بِثُبُوتِهَا) أَيْ الْحُجِّيَّةِ مَعَ انْتِفَاءِ مَعْلُومِيَّةِ حُكْمِ الْمُخَصِّصِ (فِي نَحْوِ {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] (لِلْعِلْمِ بِحِلِّ الْبَيْعِ قُلْنَا: إنْ عَلِمُوهُ) أَيْ الرِّبَا (نَوْعًا مَعْرُوفًا مِنْ الْبَيْعِ فَلَا إجْمَالَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ نَوْعًا مِنْهُ (فَكَ حَرَّمَ بَعْضَ الْبَيْعِ) أَيْ فَهُوَ مُجْمَلٌ يَتَوَقَّفُ الْعَمَلُ بِهِ إلَى الْبَيَانِ مَعَ اعْتِقَادِ حَقِّيَّةِ الْمُرَادِ بِهِ. (وَإِخْرَاجِ سَارِقِ أَقَلَّ مِنْ) مِقْدَارِ قِيمَةِ (الْمِجَنِّ) الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي حَدِيثِ أَيْمَنَ قَالَ «لَمْ تُقْطَعْ الْيَدُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ وَثَمَنُهُ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَيْ فِي مِقْدَارِ ثَمَنِهِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْمَجْهُولِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ أَنَّ مِقْدَارَ قِيمَتِهِ كَانَ مَجْهُولًا بَلْ هُوَ مَعْلُومٌ كَمَا أَفَادَهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةَ دَرَاهِمَ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَإِنَّهَا كَانَتْ قِيمَةَ الدِّينَارِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَظْهَرِ رِوَايَاتِهِ: تُقْطَعُ إذَا سَرَقَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ رُبُعَ دِينَارٍ، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدَلِيلِ مَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اقْطَعُوا فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ» وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (مُدَّعَى كُلِّ مَعْلُومِيَّةِ كَمِّيَّةِ ثَلَاثَةٍ أَوْ عَشَرَةٍ فَلَيْسَ) تَخْصِيصُ عُمُومِ الْآيَةِ بِهِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْمُجْمَلِ فَلَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِآيَةِ السَّرِقَةِ عَلَى قَطْعِ السَّارِقِ شَرْعًا (أَوْ) سَلَّمْنَا أَنَّهُ مِنْهُ لَكِنَّهُمْ (تَوَقَّفُوا أَوَّلًا) فِي الْعَمَلِ بِآيَةِ السَّرِقَةِ (حَتَّى بَانَ) مِقْدَارُ قِيمَةِ الْمِجَنِّ (عَلَى الِاخْتِلَافِ) فِيهِ فَعَمِلُوا بِهَا. (وَقَوْلُهُ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي التَّخْصِيصِ بِالْمَعْلُومِ يُبْطِلُ الْعُمُومَ لِصِحَّةِ تَعْلِيلِهِ (وَلَا يُدْرَى قَدْرُ الْمُتَعَدَّى إلَيْهِ إنْ أَرَادَ) أَنَّهُ لَا يُدْرَى ذَلِكَ (بِالْفِعْلِ) أَيْ فِعْلِ الْقِيَاسِ (لَيْسَ بِضَائِرٍ) وَالْأَوْلَى فَلَيْسَ بِضَائِرٍ (إلَّا لَوْ لَزِمَ فِي حُجِّيَّتِهِ) أَيْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ (فِي الْبَاقِي تَعَيُّنُ عَدَدِهِ لَكِنَّ اللَّازِمَ تَعَيُّنُ النَّوْعِ وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُهُ) أَيْ تَعَيُّنَ النَّوْعِ (لِأَنَّهَا) أَيْ عِلَّةَ الْإِخْرَاجِ حِينَئِذٍ (وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ فَمَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ) مِنْ الْمُنْدَرِجِ تَحْتَ الْعَامِّ (ثَبَتَ خُرُوجُهُ وَمَا لَا) تَتَحَقَّقُ فِيهِ (فَتَحْتَ الْعَامِّ) بَاقٍ (أَوْ) أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُدْرَى (قَبْلَهُ) أَيْ التَّعْلِيلِ بِالْفِعْلِ (أَيْ بِمُجَرَّدِ عِلْمِ الْمُخَصِّصِ) أَيْ الْعِلْمِ بِهِ (يَجِبُ التَّوَقُّفُ) فِي الْبَاقِي (لِلْحُكْمِ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمُخْرَجَ (مُعَلَّلٌ ظَاهِرًا وَلَا يُدْرَى إلَخْ فَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاقِفِيَّةِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَتَوَقَّفُ لِذَلِكَ) أَيْ لِكَوْنِهِ لَا يُدْرَى قَدْرُ الْمُتَعَدَّى إلَيْهِ (إلَى أَنْ يُسْتَنْبَطَ) مِنْ الْمُخْرَجِ بِوَاسِطَةِ عِلَّةِ إخْرَاجِهِ مَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الْإِخْرَاجِ لِتَحَقُّقِ عِلَّتِهِ فِيهِ أَيْضًا (فَيُعْلَمَ الْمُخْرَجُ بِالْقِيَاسِ حِينَئِذٍ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَجْهُولِ) وَهَذَا فِيمَا يَظْهَرُ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لِأَنَّ

مسألة القائلون بالمفهوم المخالف خصوا به العام

مَعْنَاهُ يَتَوَقَّفُ إلَخْ لَكِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الْمَجْهُولِ مَا يُفِيدُ هَذَا وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ فِيهِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ مَا يُفِيدُ كَوْنَهُ حُجَّةً ظَنِّيَّةً مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلِلْمُصَنِّفِ مَا يُفِيدُ خُرُوجَهُ عَنْ الْحُجِّيَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ثُمَّ لَمْ يَظْهَرْ لِي مَا يُتَّجَهُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ (وَزِيَادَةُ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ أَعْنِي الْقِيَاسَ الَّذِي حُكِمَ بِهِ) أَيْ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْمُخَصِّصُ (لِلْحُكْمِ بِمَعْلُولِيَّةِ التَّخْصِيصِ) نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ يُرِيدُ يُتَوَقَّفُ فِيهِ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ إلَى الْبَيَانِ لِجَهَالَةِ قَدْرِ الْمُتَعَدَّى إلَيْهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِجَهَالَةِ الْبَاقِي وَلِعَدَمِ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَلَكِنْ فِي إفَادَةِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِهَذَا مَا تَرَى (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ مُرَادًا بِهِ هَذَا الْمَعْنَى (حَسَنٌ) لَكِنْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حُجَّةً، وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ وَإِنَّمَا حَاصِلُ مُرَادِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّ الْمُخَصِّصَ الْمَجْهُولَ بِاعْتِبَارِ الصِّيغَةِ لَا يُبْطِلُ الْعَامَّ وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ يُبْطِلُهُ، وَالْمَعْلُومُ بِالْعَكْسِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي بُطْلَانِهِ وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ أَصْلَ الْيَقِينِ بَلْ وَصْفَ كَوْنِهِ يَقِينًا فَيَكُونُ حُجَّةً فِيهِ شُبْهَةٌ ثُمَّ يَطْرُقُهُ مَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ شَبَهَهُ بِالنَّاسِخِ طَرْدٌ لَا أَثَرَ لَهُ وَأَنَّ شَبَهَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فَيُتَوَجَّهُ حِينَئِذٍ إبْطَالُهُ فِي الْمَجْهُولِ وَظَنِّيَّتُهُ فِي الْمَعْلُومِ، وَأَنَّ احْتِمَالَ جَهَالَةِ قَدْرِ الْمُتَعَدَّى إلَيْهِ فِي الْمَعْلُومِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الظَّنِّيَّةِ لِعَدَمِ الظُّهُورِ وَقَدْ عُرِفَ فِيمَا سَلَفَ مَا فِي وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ قَبْلَ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ مِنْ الْمَقَالِ وَأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ مَشَايِخِنَا عَدَمُهُ (وَقَوْلُ الْإِسْقَاطِ) لِلْعَامِّ الْمَخْصُوصِ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَغَيْرِهِ (إنْ صَحَّ) أَنَّ أَحَدًا ذَهَبَ إلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ وَالْقَوْلُ بِهِ (بَعِيدٌ) وَإِنْ نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ (سَاقِطٌ لِقَطْعِيَّتِهِ) أَيْ الْعَامِّ (فِي أَخَصِّ الْخُصُوصِ) مَعْلُومًا كَانَ الْمُخَصِّصُ أَوْ مَجْهُولًا لِأَنَّ تَنَاوُلَ الْعَامِّ لِأَخَصِّ الْخُصُوصِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ قَطْعِيٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالُ خُرُوجِهِ وَهُوَ الْمُسْقَطُ (وَإِلَّا) لَوْ جَازَ خُرُوجُهُ أَيْضًا (كَانَ نَسْخًا) لَا تَخْصِيصًا فَيَخْرُجُ الْبَحْثُ مِنْ الْكَلَامِ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ إلَى نَسْخِ الْعَامِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهِ مُطْلَقًا. هَذَا وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ: الْقَاصِرُ لِلْعَامِّ عَلَى بَعْضِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ سُمِّيَ تَخْصِيصًا أَوْ لَمْ يُسَمَّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخْرَجُ بِهِ مَعْلُومًا فَالْعَامُّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَصْرِ مِنْ قَطْعٍ أَوْ ظَنٍّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِ لِعَدَمِ مُورِثِ الشُّبْهَةِ مِنْ جَهَالَةِ الْمُخْرِجِ وَاحْتِمَالِ التَّعْلِيلِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ لَا يَحْتَمِلُهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخْرَجُ بِهِ مَجْهُولًا فَهُوَ غَيْرُ حُجَّةٍ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ تَبَيُّنَ الْمُرَادِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا وَكَانَ عَقْلًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا كَمَا فِي الْخِطَابَاتِ الَّتِي خُصَّ مِنْهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَالْعَامُّ قَطْعِيٌّ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ مُورِثِ الشُّبْهَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا فَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً إلَى بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُخْرِجِ أَوْرَثَتْ جَهَالَةً فِي الْبَاقِي لَا أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِالْعَقْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَقْلِيًّا كَمَا أَطْلَقَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَلَا أَنَّهُ يَكُونُ ظَنِّيًّا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَثِيرٍ، وَإِنْ كَانَ كَلَامًا فَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْعَقْلِ وَالْكَلَامِ فَفِي التَّلْوِيحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى قَطْعِيًّا لِاخْتِلَافِ الْعَادَاتِ وَخَفَاءِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَعَدَمِ اطِّلَاعِ الْحِسِّ عَلَى تَفَاصِيلِ الْأَشْيَاءِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ الْقَدْرُ الْمَخْصُوصُ قَطْعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ خَصُّوا بِهِ الْعَامَّ] (مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ) الْمُخَالِفِ (خَصُّوا بِهِ الْعَامَّ كَفِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ مَعَ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ) الزَّكَاةُ فَخَصُّوا عُمُومَ الْأَوَّلِ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ لِلثَّانِي وَهُوَ لَيْسَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ فَلَا يَجِبُ فِي الْمَعْلُوفَةِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا (لِجَمْعِ الظَّنِّيَّةِ إيَّاهُمَا) أَيْ الْعَامَّ وَالْمَفْهُومَ الْمُخَالِفَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ (وَمُسَاوَاتِهِمَا) أَيْ الْمَخْصُوصِ

مسألة العادة وهي الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية

وَالْمَخْصُوصِ بِهِ (ظَنًّا لَيْسَ شَرْطًا) لِلتَّخْصِيصِ حَتَّى يُقَالَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ إنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّخْصِيصِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ فَإِنَّ الْمَنْطُوقَ أَقْوَى مِنْهُ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْمَفْهُومِ مَعَهُ (لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ (بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِلْكِتَابِ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ) أَيْ الْكِتَابِ بِالْقَطْعِيِّ مَعَ أَنَّ الْكِتَابَ أَقْوَى (لِلْجَمْعِ) بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَعَارِضَةِ لِأَنَّ إعْمَالَ كُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا قَالَ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ لِتَتِمَّ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ لِأَنَّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ابْتِدَاءً كَمَا سَيَأْتِي (وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مَعَ ظَنِّيَّةِ الدَّلَالَةِ فِيهِمَا) أَيْ الْعَامِّ وَالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ (يَقْوَى ظَنُّ الْخُصُوصِ) فِي الْعَامِّ (لِغَلَبَتِهِ فِي الْعَامِّ) فَلَا يَكُونُ الْعَامُّ أَقْوَى مِنْهُ ثُمَّ كَوْنُهُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ يَخُصُّ الْعُمُومَ قَالَ الْآمِدِيُّ لَا نَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَهُمْ وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ مَنْعَهُ عَنْ قَوْمٍ مِنْهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي الْمُنْتَخَبِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاصِلِ: إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُهُمْ أَوْجَهُ. [مَسْأَلَةٌ الْعَادَةِ وَهِيَ الْأَمْرُ الْمُتَكَرِّرُ مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةٍ عَقْلِيَّةٍ] (مَسْأَلَةُ الْعَادَةِ) وَهِيَ الْأَمْرُ الْمُتَكَرِّرُ مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةٍ عَقْلِيَّةٍ وَالْمُرَادُ (الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ) لِقَوْمٍ (مُخَصِّصٌ) لِلْعَامِّ الْوَاقِعِ فِي مُخَاطَبَتِهِمْ وَتَخَاطُبِهِمْ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ كَ حَرَّمْت الطَّعَامَ وَعَادَتُهُمْ) أَيْ الْمُخَاطَبِينَ (أَكْلُ الْبُرِّ انْصَرَفَ) الطَّعَامُ (إلَيْهِ) أَيْ الْبُرِّ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ (الْوَجْهُ أَمَّا) تَخْصِيصُ الْعَامِّ (بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ) وَهُوَ أَنْ يَتَعَارَفَ قَوْمٌ إطْلَاقَ لَفْظٍ لِمَعْنًى بِحَيْثُ لَا يَتَبَادَرُ عِنْدَ سَمَاعِهِ إلَّا ذَاكَ الْمَعْنَى (فَاتِّفَاقٌ كَالدَّابَّةِ عَلَى الْحِمَارِ وَالدِّرْهَمِ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ لَنَا الِاتِّفَاقُ عَلَى فَهْمِ) لَحْمِ (الضَّأْنِ بِخُصُوصِهِ فِي: اشْتَرِ لَحْمًا وَقُصِرَ الْأَمْرُ) بِشِرَاءِ اللَّحْمِ (عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ أَكْلَهُ فَوَجَبَ) كَوْنُ الْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ مُخَصِّصًا (كَالْقَوْلِيِّ لِاتِّحَادِ الْمُوجِبِ) وَهُوَ تَبَادُرُهُ بِخُصُوصِهِ مِنْ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فِيهِمَا (وَإِلْغَاءِ الْفَارِقِ) بَيْنَهُمَا (بِالْإِطْلَاقِ) فِي الْعَمَلِيِّ (وَالْعُمُومِ) فِي الْقَوْلِيِّ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ هُنَا (وَكَوْنِ دَلَالَةِ الْمُطْلَقِ) كَلَحْمٍ فِي: اشْتَرِ لَحْمًا (عَلَى الْمُقَيَّدِ) كَلَحْمِ الضَّأْنِ (دَلَالَةَ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ وَ) دَلَالَةِ (الْعَامِّ عَلَى الْفَرْدِ قَلْبَهُ) أَيْ دَلَالَةِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَقَدْ قِيلَ هَذِهِ أَقْوَى فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صَرْفِ الْأُولَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ صَرْفُ الثَّانِيَةِ (كَذَلِكَ) أَيْ فَرْقٌ لَا أَثَرَ لَهُ هُنَا لِظُهُورِ أَنَّهُ فَارِقٌ مَلْغِيٌّ. (تَنْبِيهُ مِثْلِ جَمْعٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمَنَارِ (لِذَلِكَ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِالْعَادَةِ (بِالنَّذْرِ بِالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ يَنْصَرِفُ إلَى الشَّرْعِيِّ) مِنْهُمَا (فَقَدْ يَخَالُ) أَيْ يُظَنُّ كُلٌّ مِنْهُمَا (غَيْرَ مُطَابِقٍ) لَهُ وَإِنَّمَا هُمَا مِثَالَانِ لِلتَّخْصِيصِ بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ (وَالْحَقُّ صِدْقُهُمَا) أَيْ التَّخْصِيصِ بِالْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ وَالتَّخْصِيصِ بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ (عَلَيْهِمَا) أَيْ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْمُعْتَادَ فِي فِعْلِ الْمُسْلِمِ لَهُمَا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَفِي إطْلَاقِ كُلٍّ مِنْ لَفْظِهِمَا شَرْعًا وَخُصُوصًا فِي النَّذْرِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ لَهُ، وَلَا يُقَالُ وَضْعُ الْحَنَفِيَّةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (إذْ وَضْعُهُمْ) لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (تُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ) بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْحَقِيقَةُ (عَامًّا أَوْ غَيْرَهُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ) هَذَا أَحَدُ الْخَمْسَةِ (وَبِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ) هَذَا ثَانِي الْخَمْسَةِ وَفَسَّرُوهُ كَمَا قَالَ (أَيْ إنْبَاءِ الْمَادَّةِ عَنْ كَمَالٍ فَيُخَصُّ) اللَّفْظُ (بِمَا فِيهِ) ذَلِكَ الْكَمَالُ (كَحَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَلَا نِيَّةَ مُعَمِّمَةٌ) لِكُلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ لَحْمٍ (لَا يَدْخُلُ السَّمَكُ) أَيْ لَحْمُهُ فِي حَلِفِهِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ سُمِّيَ لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] أَيْ مِنْ الْبَحْرِ سَمَكًا وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ

عَلَى الصَّحِيحِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ تُدْخِلُهُ (لِإِنْبَائِهِ) أَيْ لَفْظِ اللَّحْمِ (عَنْ الشِّدَّةِ بِالدَّمِ) لِأَنَّ مَادَّتَهُ تَدُلُّ عَلَى الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَسُمِّيَ اللَّحْمُ لَحْمًا لِقُوَّةٍ بِاعْتِبَارِ تَوَلُّدِهِ مِنْ الدَّمِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى الْأَخْلَاطِ فِي الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ لِلسَّمَكِ دَمٌ بِدَلَالَةِ عَيْشِهِ فِي الْمَاءِ وَحِلِّهِ بِلَا ذَكَاةٍ لِأَنَّ الدَّمَوِيَّ لَا يَعِيشُ فِيهِ وَلَا يَحِلُّ بِدُونِهَا فَلِكَمَالِ الِاسْمِ وَنُقْصَانٍ فِي الْمُسَمَّى خَرَجَ مِنْ مُطْلَقِ اللَّفْظِ لِأَنَّ النَّاقِصَ فِيهِ فِي مُقَابَلَةِ الْكَامِلِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ. وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَهُوَ عَلَى الْحَيَوَانِ الَّذِي يَعِيشُ فِي الْبَرِّ مُحَرَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ قُلْت: إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: الْحَيَوَانَ الدَّمَوِيَّ الَّذِي يَعِيشُ فِي الْبَرِّ لِيَخْرُجَ الْجَرَادُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا دَمَ فِيهِ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ مَطْبُوخًا أَوْ مَشْوِيًّا، وَفِي حِنْثِهِ بِالنِّيءِ خِلَافٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ الْأَظْهَرُ لَا يَحْنَثُ وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَحْنَثُ، انْتَهَى. قُلْت إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِاَلَّذِي لَيْسَ بِقَدِيدٍ فَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ قَدِيدًا (وَقَدْ يَدْخُلُ) هَذَا (فِي الْعُرْفِيِّ) فَفِي التَّحْقِيقِ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ تَمَسَّكُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْعُرْفِ فَقَالُوا: إنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ فِي الْبَاجَاتِ وَبَائِعُهُ لَا يُسَمَّى لَحَّامًا، وَالْعُرْفُ فِي الْيَمِينِ مُعْتَبَرٌ فَيُخَصَّصُ الْيَمِينُ بِهِ كَمَا يُخَصَّصُ الرَّأْسُ فِي قَوْلِهِ " لَا يَأْكُلُ رَأْسًا " بِرَأْسِ الْغَنَمِ أَوْ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى رَأْسِ الْبَعِيرِ وَالْعُصْفُورِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ رَأْسًا حَقِيقَةً وَقَوَّى الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةٍ قُبَيْلَ مَسَائِلِ الْحُرُوفِ مِنْ الْحِنْثِ بِأَكْلِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ وَسَنَذْكُرُ مَا قِيلَ فِيهِ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إنَّمَا قَالَ وَلَا نِيَّةَ مُعَمِّمَةٌ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَاهُ حَنِثَ (نَعَمْ لَوْ انْفَرَدَ) إنْبَاءُ اللَّفْظِ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْعَامِّ أَوْ الْمُطْلَقِ (أَخْرَجَ وَلَوْ عَارَضَهُ) أَيْ الْإِنْبَاءَ عُرْفٌ (قُدِّمَ الْعُرْفُ) عَلَى الْإِنْبَاءِ لِرُجْحَانِ اعْتِبَارِهِ عَلَيْهِ. (وَقَوْلُهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يُعْتِقُ مُكَاتَبَهُ) وَيُعْتِقُ مُدَبَّرَهُ وَأُمَّ وَلَدِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُكَاتَبِ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ رَقَبَةً لَا يَدًا حَتَّى مَلَكَ هُوَ أَكْسَابَهُ لَا الْمَوْلَى وَلَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ وَلَا يَفْسُدُ نِكَاحُ الْمُكَاتَبِ بِنْتَ مَوْلَاهُ بِمَوْتِ مَوْلَاهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْمَمْلُوكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ نَعَمْ إنْ نَوَاهُ عَتَقَ وَالْمِلْكُ فِي الْمُدَبَّرِ وَأَمِّ الْوَلَدِ كَامِلٌ وَلِذَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْؤُهَا وَوَطْءُ الْمُدَبَّرَةِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِكَمَالِ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ فَتَنَاوَلَهُمَا الْمَمْلُوكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا صَحَّ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ فِي الْكَفَّارَةِ دُونَهُمَا لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِ كَامِلٌ بِدَلِيلِ قَبُولِ الْفَسْخِ وَفِيهِمَا نَاقِصٌ بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ الْفَسْخِ، وَتَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ يَسْتَدْعِي كَمَالَ الرِّقِّ (أَوْ) إنْبَاءُ الْمَادَّةِ (عَنْ نَقْصٍ) فِي الْمُسَمَّى (فَلَا يَتَنَاوَلُ) اللَّفْظُ مُسَمًّى (ذَا كَمَالٍ كَحَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً لَا يَحْنَثُ بِالْعِنَبِ لِأَنَّ التَّرْكِيبَ دَالٌّ عَلَى التَّبَعِيَّةِ وَالْقُصُورِ فِي الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ) وَهُوَ التَّغَذِّي لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ مِنْ التَّفَكُّهِ وَهُوَ التَّنَعُّمُ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ أَصَالَةً بِمَا يَكُونُ بِهِ الْقِوَامُ لِأَنَّ مَا يَكُونُ بِهِ الْقِوَامُ لَا يُسَمَّى تَنَعُّمًا وَكُلُّ النَّاسِ سَوَاءٌ فِي تَنَاوُلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ كَيْفِيَّةً وَكَمِّيَّةً وَالْعِنَبُ فِيهِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِالْقِوَامِ حَتَّى يُكْتَفَى بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَمِثْلُهُ الرُّطَبُ وَالرُّمَّانُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مَعْنَى التَّفَكُّهِ فِيهَا مَوْجُودٌ بَلْ هِيَ أَعَزُّ الْفَوَاكِهِ، وَالتَّنَعُّمُ بِهَا يَفُوقُ التَّنَعُّمَ بِغَيْرِهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ ثُمَّ الْمَشَايِخُ قَالُوا: هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ فَفِي زَمَانِهِ لَمْ تُعَدَّ مِنْ الْفَاكِهَةِ فَأَفْتَى عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَفِي زَمَانِهِمَا عُدَّتْ مِنْهَا فَأَفْتَيَا بِهِ وَلَا يُقَالُ هَذَا يُخَالِفُ الْأَوَّلَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا لِجَوَازِ كَوْنِ الْعُرْفِ وَافَقَ اللُّغَةَ فِي زَمَنِهِ ثُمَّ خَالَفَهَا فِي زَمَنِهِمَا ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ

يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَاهَا حَنِثَ. هَذَا وَكَمَا قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ وَاعْلَمْ أَنَّك إذَا دَقَقْت النَّظَرَ وَجَدْت الْقِسْمَيْنِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ بِقَدْرِ مَا زَادَ فِي الْعِنَبِ مِنْ مَعْنَى التَّغَذِّي نَقَصَ مِنْهُ مِنْ مَعْنَى التَّفَكُّهِ وَإِذَا كَانَ نَاقِصًا فِي الْفَاكِهِيَّةِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اسْمُ الْفَاكِهَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالْمُكَاتَبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَمْلُوكِ فَالتَّحْقِيقُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ لِانْدِرَاجِ الثَّانِي فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فَاضِلٌ آخَرُ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ اللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يَثْبُتُ التَّخْصِيصُ فِيهِ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ التَّنَاوُلِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَبِمَعْنًى مِنْ الْمُتَكَلِّمِ) هَذَا ثَالِثُ الْخَمْسَةِ أَيْ وَبِدَلَالَةِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْمُتَكَلِّمِ رَاجِعَةٍ إلَيْهِ (كَإِنْ خَرَجْتِ فَطَالِقٌ عَقِيبَ تَهَيُّئِهَا لِخَرْجَةٍ لَجَّتْ فِيهَا) أَيْ حُرِّضَتْ عَلَيْهَا (لَا يَحْنَثُ بِهِ) أَيْ بِخُرُوجِهَا (بَعْدَ سَاعَةٍ وَتُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ) وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ فَوَرَانِ الْقِدْرِ سُمِّيَتْ بِهِ بِاعْتِبَارِ صُدُورِهَا مِنْ فَوَرَانِ الْغَضَبِ أَوْ لِأَنَّ الْفَوْرَ اُسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْحَالَةُ الَّتِي لَا لُبْثَ فِيهَا يُقَالُ خَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ وَأَوَّلُ مَنْ اسْتَخْرَجَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُونَ الْيَمِينُ مُؤَبَّدَةٌ كَلَا أَفْعَلُ كَذَا وَمُؤَقَّتَةٌ كَلَا أَفْعَلُ الْيَوْمَ كَذَا، وَهِيَ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُؤَقَّتَةٌ مَعْنًى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ لِكَوْنِهَا جَوَابًا بِالْكَلَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ فَالدَّلِيلُ عَلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دَلَالَةُ مَعْنًى قَائِمٍ بِالْمُتَكَلِّمِ وَحَالَةٍ رَاجِعَةٍ إلَيْهِ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْتِ السَّاعَةَ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ فِيهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ الْمُخَصِّصِ فِي هَذَا الْقِسْمِ (دَلَالَةُ حَالِهِمَا) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ كَكَوْنِهَا مُلِحَّةً عَلَى الْخُرُوجِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَكَوْنِهِ مُلِحًّا عَلَى مَنْعِهَا حِينَئِذٍ (وَبِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ) بِأَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْحَقِيقَةِ فَإِنَّ تَعَذُّرَ قَبُولِهِ حُكْمَهَا مُوجِبٌ لِإِرَادَةِ الْمَجَازِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَسْتَعْمِلُ الْكَلَامَ فِي الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ فِي مَحَلٍّ لَا يَقْبَلُهُ وَأَنَّ كَلَامَهُ مَصُونٌ عَنْ الْكَذِبِ وَاللَّغْوِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَهَذَا رَابِعُ الْخَمْسَةِ. «كَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَرُفِعَ الْخَطَأُ) أَيْ وَحَدِيثِ «رَفَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ» وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي تَقْسِيمِ الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ حُمِلَ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمَا وُجِدَ عَمَلٌ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا خَطَأٍ وَلَا نِسْيَانٍ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ قَطْعًا فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ الْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْدِيرُهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّفْيِ فِي الْحَصْرِ بِإِنَّمَا لِغَيْرِ الْآخَرِ قِيلَ بِالْمَفْهُومِ وَمَسْأَلَةِ الْمُقْتَضَى (وَقَدْ يُدْرَجُ هَذَا فِي) الْمُخَصِّصِ (الْعَقْلِيِّ) لِأَنَّ نَفْسَ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ يَدُلُّ عَقْلًا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ حَقِيقَتِهِ لِحُصُولِ الْعَمَلِ كَثِيرًا بِلَا نِيَّةٍ وَوُقُوعِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ جَمًّا غَفِيرًا مِنْ الْأُمَّةِ لَكِنْ تُعُقِّبَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَفْسَ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَقْلًا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ حَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا لَزِمَ ذَلِكَ مِنْ تَقْدِيرِ مُتَعَلِّقِ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ عَامًّا، مِثْلُ الْحُصُولِ وَأَمَّا إذَا قُدِّرَ مُتَعَلِّقُهُ خَاصًّا بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ، مِثْلُ الِاعْتِبَارِ - وَغَيْرُهُ مِمَّا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ - فَلَا وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالطِّيبِيُّ بَلْ التَّقْدِيرُ مَا الْأَعْمَالُ مَحْسُوبَةٌ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ كَالشُّرُوعِ فِيهَا وَالتَّلَبُّسِ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّاتِ وَمَا خَلَا عَنْهَا لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَرْءِ بِأَصْغَرَيْهِ أَيْ بِحَسَبِهِمَا الْمَعْنَى الْأَعْمَالُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِحَسَبِ النِّيَّاتِ وَتَتَفَاوَتُ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهَا فَإِنْ كَانَتْ خَالِصَةً لِلَّهِ فَتِلْكَ الْأَعْمَالُ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا وَإِنْ كَانَتْ لِلدُّنْيَا فَفِي مَنْزِلَةٍ دُنْيَا وَإِنْ كَانَتْ لِسُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ أَوْ مَدْحٍ وَثَنَاءٍ فَأَدْنَى فَاتَّضَحَ مَا بَعْدَهُ وَانْدَفَعَ الْمَجَازُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ اللَّفْظِ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الْعَقْلُ فِي نَحْوِ النِّيَّةِ هَذَا كَلَامُهُ وَكُلٌّ مُخَيَّلٍ وَقَدْ قِيلَ وَنُقِلَ عَنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَتَحْقِيقُ فَصْلِ الْخِطَابِ

مسألة إفراد فرد من العام بحكمه أي العام

فِيهِ بِبَيَانِ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ وَمِنْ الْمَظِنَّاتِ الْحَسَنَةِ لَهُ كِتَابُ جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ ابْنِ رَجَبٍ غَيْرَ أَنَّ بِالْجُمْلَةِ قَدْ حَطَّ آخِرُ كَلَامِ الْمُتَعَقِّبِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ خَصَّ هَذَا الْعُمُومَ بِمَا خَصَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَبِالسِّيَاقِ) أَيْ وَبِدَلَالَةِ سَوْقِ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلَّفْظِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ سَابِقَةٌ عَلَيْهِ أَوْ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ فَالسِّيَاقُ بِمَعْنَى السَّوْقِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُطْلَقُ غَالِبًا عَلَى الْمُتَأَخِّرَةِ، وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْمُتَقَدِّمَةِ وَهَذَا خَامِسُ الْخَمْسَةِ (كَ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ كُنْت رَجُلًا) أَوْ إنْ قَدَرْت (فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ التَّوْكِيلَ بِهِ) أَيْ بِتَطْلِيقِهَا الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ طَلِّقْ امْرَأَتِي لِهَذِهِ الْقَرِينَةِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ إظْهَارَ عَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ قُلْت وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ يَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ هَذَا قَرِينَةً عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ بِالْعُرْفِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَفِي قَوْلِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ كُنْت رَجُلًا الْحَقِيقَةُ مُمْتَنِعَةٌ عُرْفًا، انْتَهَى. فَيَنْدَرِجُ هَذَا فِي الْعُرْفِيِّ (وَيَأْتِي التَّخْصِيصُ بِفِعْلِ الصَّحَابِيِّ) فِي ذَيْلِ الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ مِنْ هَذِهِ ثُمَّ فِي مَبَاحِثِ السُّنَّةِ مُشْبَعًا. [مَسْأَلَةٌ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ أَيْ الْعَامِّ] (مَسْأَلَةُ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ) أَيْ الْعَامِّ (لَا يُخَصِّصُهُ) أَيْ الْعَامَّ (وَهُوَ) أَيْ وَإِفْرَادُ فَرْدٍ مِنْهُ بِحُكْمِهِ (قَلْبُ الْمُتَعَارَفِ فِي التَّخْصِيصِ وَهُوَ) أَيْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ (قَصْرُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (عَلَى غَيْرِ مُتَعَلِّقِ دَلِيلِهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ، وَمُتَعَلِّقُ دَلِيلِهِ هُوَ الْفَرْدُ الْمَخْصُوصُ (بَلْ هَذَا) أَيْ إفْرَادُ فَرْدٍ مِنْهُ بِحُكْمِهِ (قَصْرُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (عَلَيْهِ) أَيْ مُتَعَلِّقِ دَلِيلِهِ الَّذِي هُوَ الْفَرْدُ الْمَخْصُوصُ (مِثَالُهُ) مَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» (مَعَ قَوْلِهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ «دِبَاغُهَا طَهُورُهَا» ) فَلَا يَخُصُّ الطَّهُورِيَّةُ جِلْدَ شَاةِ مَيْمُونَةَ إذَا دُبِغَتْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُهُبِ إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ بَلْ فِي الْمَيْتَةِ مُطْلَقًا كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ وَقَفْت عَلَيْهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ إلَى هَذَا اللَّفْظِ مَا أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَاتَتْ شَاةٌ لِمَيْمُونَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا فَإِنَّ دِبَاغَ الْأَدِيمِ طَهُورُهَا» فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْهُ) أَيْ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ (أَوْ شَبَهُهُ) مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» مَعَ) مَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا» إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ وَالْأَوْلَى مَعَ " وَتُرَابُهَا لَنَا طَهُورًا " كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَأَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتُّرْبَةِ مَا فِيهَا مِنْ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُقَارِبُهُ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَ " أَوْ شَبَهُهُ " لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ التُّرَابُ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ لَا جُزْءٌ لَهَا كَجِلْدِ شَاةِ مَيْمُونَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَيُّمَا إهَابٍ وَإِنَّمَا بَيْنَهُمَا شَبَهٌ مِنْ حَيْثُ أَنَّ كُلًّا بَعْضٌ مِنْ الْمُسَمَّى وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ حُكْمُ الْمُسَمَّى ثُمَّ كَمَا أَنَّ إفْرَادَ بَعْضِ ذَاكَ بِحُكْمِهِ لَا يُخَصِّصُهُ فَكَذَا إفْرَادُ بَعْضِ هَذَا بِحُكْمِهِ لَا يُخَصِّصُهُ وَقِيلَ يُخَصِّصُهُ (لَنَا لَا تَعَارُضَ) بَيْنَ الْبَعْضِ وَالْكُلِّ فِي حُكْمٍ حُكِمَ بِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا فَلَا يَخُصُّ الطَّهُورِيَّةُ التُّرَابَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ قَالُوا الْمَفْهُومُ مُخَصِّصٌ) لِلْعَامِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَفْهُومُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ سَائِرِ أَفْرَادِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَّا ذَلِكَ فَيَكُونُ مَفْهُومُ " دِبَاغُ جِلْدِ شَاةِ مَيْمُونَةَ طَهُورُهَا " دَالًّا عَلَى نَفْيِ طَهُورِيَّةِ مَا سِوَاهُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ إذَا دُبِغَ (قُلْنَا) كَوْنُ الْمَفْهُومِ مُعْتَبَرًا (مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَوْ سُلِّمَ) اعْتِبَارُهُ (فَهَذَا) أَيْ مَفْهُومُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ (مَفْهُومُ لَقَبٍ مَرْدُودٍ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ الْفَرْدِ نَفْيُ احْتِمَالِ تَخْصِيصِهِ مِنْ

مسألة رجوع الضمير الواقع بعد العام إلى البعض من أفراده

الْعَامِّ لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ إلَّا اللَّقَبَ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ غَيْرُ مَفْهُومِ اللَّقَبِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ كَمَفْهُومِ الصِّفَةِ مَثَلًا يَكُونُ مُخَصِّصًا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ نَعَمْ يَتِمُّ هَذَا عَلَى الْقَائِلِ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِتَخْصِيصِهِ هُوَ الْقَائِلُ بِهِ. [مَسْأَلَةُ رُجُوعِ الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْعَامِّ إلَى الْبَعْضِ مِنْ أَفْرَادِهِ] (مَسْأَلَةُ رُجُوعِ الضَّمِيرِ) الْوَاقِعِ بَعْدَ الْعَامِّ (إلَى الْبَعْضِ) مِنْ أَفْرَادِهِ (لَيْسَ تَخْصِيصًا) لِلْعَامِّ (مِثْلُ وَالْمُطَلَّقَاتُ مَعَ وَبُعُولَتُهُنَّ) أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فَإِنَّ الْمُطَلَّقَاتِ عَامٌّ فِي الْبَائِنَاتِ وَالرَّجْعِيَّاتِ وَضَمِيرَ بُعُولَتُهُنَّ إنَّمَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إلَى الرَّجْعِيَّاتِ فَقَطْ لِأَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا يُمْكِنُ فِيهِنَّ (فَلَا يَخُصُّ التَّرَبُّصُ الرَّجْعِيَّاتِ) بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِنَّ وَبِالْبَائِنَاتِ وَهَذَا عَزَاهُ السُّبْكِيُّ إلَى أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيُّ (وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ) عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَا (تَخْصِيصٌ) لَهُ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَعَزَاهُ الْآمِدِيُّ إلَى بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ كَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَالْقَرَافِيِّ إلَى الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْأَوْجَهُ قِيلَ بِالْوَقْفِ) وَهَذَا عَزَاهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَحْصُولِ (لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لَهُ (حَقِيقَتُهُ) أَيْ الضَّمِيرِ (رَابِطٌ لِمَعْنًى مُتَأَخِّرٍ بِمُتَقَدِّمٍ أَعُمَّ مِنْ مَذْكُورٍ أَوْ مُقَدَّرٍ بِدَلِيلٍ) يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِهِ، وَقَوْلُهُ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الرَّابِطَ (هُوَ) أَيْ الْمُتَقَدِّمُ مُتَعَلِّقٌ بِرَابِطٍ (فَلَا يُتَصَوَّرُ الِاخْتِلَافُ) بَيْنَهُمَا (وَمَا قِيلَ) فِي وَجْهٍ إنَّهُ لَا يَخُصُّ (التَّجَوُّزَ فِيهِ) أَيْ الضَّمِيرِ بِخُرُوجِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ الَّتِي هِيَ الْعُمُومُ (غَيْرُ مَلْزُومٍ لِلتَّجَوُّزِ فِي الْأَوَّلِ) يَعْنِي الْعَامَّ أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الضَّمِيرِ مَجَازًا فِي الْبَعْضِ كَوْنُ الْعَامِّ مَجَازًا فِي الْبَعْضِ (فَبَعِيدٌ إذْ رُجُوعُهُ) أَيْ الضَّمِيرِ (إلَى لَفْظِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ) أَيْ الضَّمِيرِ (مَجَازًا) فِي الْبَعْضِ وَمَرْجِعُهُ - الَّذِي هُوَ الْعَامُّ - بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ الَّتِي هِيَ الْعُمُومُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ ضَرُورَةَ اتِّحَادِهِمَا (فَإِذَا خَصَّ) الضَّمِيرُ (الرَّجْعِيَّاتِ) مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ (مَعَ كَوْنِهِ) أَيْ الضَّمِيرِ (عِبَارَةً عَنْ الْمُطَلَّقَاتِ فَهُنَّ) أَيْ الرَّجْعِيَّاتُ (الْمُرَادُ بِهِ) أَيْ الْعَامِّ وَهُوَ الْمُطَلَّقَاتُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الضَّمِيرَ هُوَ نَفْسُ مَرْجِعِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى (وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُ الْمُرَادِ بِالْمُطَلَّقَاتِ الرَّجْعِيَّاتِ لَا غَيْرُ هُوَ (التَّخْصِيصُ) لِلْمُطَلَّقَاتِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِهَذَا التَّوْجِيهِ (ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ التَّخْصِيصِ (فِي جَوَابِ قَوْلِ الْوَاقِفِ) لَزِمَ تَخْصِيصُ الظَّاهِرِ أَوْ الضَّمِيرِ دَفْعًا لِلْمُخَالَفَةِ، وَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ إذْ (لَا تَرَجُّحَ لِاعْتِبَارِ الْخُصُوصِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ) فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ وَمَقُولُ قَوْلِهِمْ (إنَّ دَلَالَةَ الضَّمِيرِ أَضْعَفُ) مِنْ دَلَالَةِ الظَّاهِرِ لِتَوَقُّفِ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ (فَالتَّغْيِيرُ فِيهِ) أَيْ الضَّمِيرِ (أَسْهَلُ) مِنْ التَّغْيِيرِ فِي الظَّاهِرِ فَتَرَجَّحَ اعْتِبَارُ الْخُصُوصِ فِي الضَّمِيرِ وَانْتَفَى التَّحَكُّمُ (لَا يُفِيدُ) لِمَا ظَهَرَ مِنْ وَحْدَتِهِمَا بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِهِمَا (وَامْتَنَعَ الْخِلَافُ) وَفِي نُسْخَةٍ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الضَّمِيرِ وَمَرْجِعِهِ (فِي الْآيَةِ فَبَطَلَ تَرْجِيحُهُ) أَيْ قَوْلِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ التَّخْصِيصِ (بِأَنَّهُ) أَيْ تَخْصِيصَ الضَّمِيرِ (لَا يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ قَلْبِهِ) أَيْ تَخْصِيصِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ الضَّمِيرِ وَإِنَّمَا بَطَلَ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ مَعْنًى اسْتَلْزَمَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا إذَا أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ أَنْ يَكُونَ هُوَ عَيْنَ الْمُرَادِ بِالْآخَرِ (وَاللَّازِمُ فِي الْآيَةِ إمَّا عَوْدُهُ) أَيْ الضَّمِيرِ (عَلَى مُقَدَّرٍ هُوَ الْمُتَضَمِّنُ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الرَّجْعِيَّاتُ (مَدْلُولًا) تَضَمُّنِيًّا (لِلْمُتَضَمِّنِ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَهُوَ الْمُطَلَّقَاتُ

مسألة تخصيص العام بالقياس

كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (وَإِمَّا عَلَيْهِ) أَيْ الْمُتَضَمِّنِ - عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ - وَهُوَ الْمُطَلَّقَاتُ مُرَادًا بِهِنَّ الرَّجْعِيَّاتُ (مَجَازًا) مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ (وَوُجُوبُ تَرَبُّصُ غَيْرِ الرَّجْعِيَّاتِ بِدَلِيلٍ آخَرَ) كَالْإِجْمَاعِ. [مَسْأَلَةُ تَّخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ] (مَسْأَلَةٌ وَلَيْسَتْ لُغَوِيَّةً مَبْدَئِيَّةً) بَلْ مُسْتَطْرَدَةً قَالَ (الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ) وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ) أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ لَا الظَّنِّيُّ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْقَطْعِيِّ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ شَارِحُ الْبُرْهَانِ وَغَيْرُهُ نَعَمْ ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ قِيَاسُ نَصٍّ خَاصٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي حَصْرِ الْجَوَازِ فِيهِ تَأَمُّلٌ. ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي جَوَازِهِ بِالْقِيَاسِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ) قَيَّدُوا الْجَوَازَ بِهِ (بِشَرْطِ تَخْصِيصٍ بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْقِيَاسِ مِنْ سَمْعِيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ. (وَتَقْيِيدُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِغَيْرِهِ (بِالْقَبْلِيَّةِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ (لَا يُتَصَوَّرُ) إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَرَاخِي مُقْتَضَى الْقِيَاسِ عَلَى الْمَنْصُوصِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ عَنْ خُرُوجِهِ مِنْهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا حِينَئِذٍ فِي الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْخُرُوجِ بَلْ وَلَا تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ مُطْلَقًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ (وَتَقَدَّمَتْ إشَارَةٌ إلَيْهِ) فِي الْبَحْثِ الْخَامِسِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ وَبَيَّنَّا وَجْهَهُ (فَالْمُرَادُ بِالْقَبْلِيَّةِ) لِلْغَيْرِ (ظُهُورُ الْغَيْرِ سَابِقًا) عَلَى ظُهُورِ مَا سِوَاهُ وَقَالَ (ابْنُ سُرَيْجٍ: إنْ كَانَ) الْقِيَاسُ (جَلِيًّا) جَازَ تَخْصِيصُهُ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا لَا يَجُوزُ، فِي الْجَلِيِّ مَذَاهِبُ الرَّاجِحُ مِنْهَا فِي الْمُنْتَخَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَعْنَى، وَالْخَفِيُّ قِيَاسُ الشَّبَهِ وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَسَيَحْكِيهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّهُ الَّذِي قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَالْخَفِيُّ مَا ظُنَّ فِيهِ نَفْيُ تَأْثِيرِهِ بَيْنَهُمَا (وَقِيلَ إنْ كَانَ أَصْلُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ يَعْنِي الْمَقِيسَ عَلَيْهِ (مُخْرَجًا مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ بِنَصٍّ) خُصَّ وَإِلَّا فَلَا (وَالْجُبَّائِيُّ يُقَدِّمُ الْعَامَّ مُطْلَقًا) أَيْ جَلِيًّا كَانَ الْقِيَاسُ أَوْ خَفِيًّا مُخْرَجًا أَصْلُهُ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ أَوْ لَا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي الْمَعَالِمِ. (وَتَوَقَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْقَاضِي وَقِيلَ إنْ كَانَ أَصْلُهُ مُخَصِّصًا) أَيْ مُخْرِجًا مِنْ الْعُمُومِ (أَوْ) ثَبَتَتْ (الْعِلَّةُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ) خُصَّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (اُعْتُبِرَتْ قَرَائِنُ التَّرْجِيحِ) فَإِنْ ظَهَرَ تَرْجِيحُ خَاصٍّ بِالْقِيَاسِ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا عُمِلَ بِالْعَامِّ (وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ) وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ قُلْت وَقَوْلُ السُّبْكِيّ وَهُوَ آيِلٌ إلَى اتِّبَاعِ أَرْجَحِ الظَّنَّيْنِ وَإِنْ تَسَاوَيَا فَالْوَقْفُ وَهَذَا هُوَ رَأْيُ الْغَزَالِيِّ وَاعْتَرَفَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَالَ الشَّيْخُ الْأَصْفَهَانِيُّ: إنَّهُ حَقٌّ وَاضِحٌ اهـ. لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا وَقْفَ أَصْلًا فِي هَذَا الْمُخْتَارِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَأَمَّا أَنَّهُ حَقٌّ فَسَتَقِفُ عَلَى مَا فِيهِ (لَنَا) عَلَى الْأَوَّلِ (الِاشْتِرَاكُ) أَيْ الْعَامُّ وَالْقِيَاسُ مُتَشَارِكَانِ (فِي الظَّنِّيَّةِ أَمَّا الثَّلَاثَةُ) أَيْ أَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (فَمُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ خُصَّ الْعَامُّ أَوْ لَا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (وَأَمَّا الطَّائِفَةُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَامَّ قَطْعِيٌّ (فَبِالتَّخْصِيصِ) صَارَ ظَنِّيًّا عِنْدَهُمْ أَيْضًا بِوَاسِطَةِ تَحَقُّقِ عَدَمِ إرَادَةِ مَعْنَاهُ وَاحْتِمَالِ إخْرَاجِ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهُ (وَالتَّفَاوُتُ فِي الظَّنِّيَّةِ غَيْرُ مَانِعٍ) مِنْ تَخْصِيصِ الْأَقْوَى فِيهَا بِمَا دُونَهُ فِيهَا لِأَنَّ مُسَاوَاةَ الْمُخَصَّصِ وَالْمُخَصِّصِ فِيهَا لَيْسَتْ شَرْطًا (كَمَا تَقَدَّمَ) فِي التَّخْصِيصِ بِالْمَفْهُومِ (وَوَجْهُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ (إعْمَالُهُمَا) أَيْ الْعَامِّ وَالْقِيَاسِ (مَا أَمْكَنَ أَوْ تَرَجُّحُ

الْمُخَصِّصِ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَإِنْ كَانَ الْمُخَصَّصُ - عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ - أَقْوَى مِنْهُ فِي الظَّنِّ (هُوَ الْوَاقِعُ كَمَا تَقَدَّمَ) فِي التَّخْصِيصِ بِالْمَفْهُومِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِلْكِتَابِ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ بِقَطْعِيٍّ (فَبَطَلَ تَوْجِيهُ الْأَخِيرِ) أَيْ مُخْتَارِ ابْنِ الْحَاجِبِ (بِكَوْنِ الْعِلَّةِ كَذَلِكَ) أَيْ ثَابِتَةً بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ (تُوجِبُ كَوْنَ الْقِيَاسِ كَالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ) وَإِنَّمَا بَطَلَ (لِأَنَّ) الْعِلَّةَ (الْمُسْتَنْبَطَةَ دَلِيلٌ، وَوُجُوبَ الْإِعْمَالِ عَامٌّ) لِكُلِّ دَلِيلٍ فَوَجَبَ إعْمَالُ الْمُسْتَنْبَطَةِ كَالْمَنْصُوصَةِ (وَمَا قِيلَ) فِي وَجْهِ عَدَمِ إعْمَالِهَا إذَا عَارَضَتْ عَامًّا (الْمُسْتَنْبَطَةُ إمَّا رَاجِحَةٌ أَوْ مُسَاوِيَةٌ أَوْ مَرْجُوحَةٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِّ (فَالتَّخْصِيصُ عَلَى تَقْدِيرٍ) أَيْ رُجْحَانِهَا (وَعَدَمُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (عَلَى تَقْدِيرَيْنِ) أَيْ مُسَاوَاتِهَا وَمَرْجُوحِيَّتِهَا (فَيَتَرَجَّحُ) عَدَمُ التَّخْصِيصِ بِهَا لِأَنَّ وُقُوعَ احْتِمَالٍ مِنْ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ (يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُخَصِّصِ مُطْلَقًا) إذْ يُقَالُ كُلُّ مُخَصِّصٍ إمَّا رَاجِحٌ عَلَى الْعَامِّ الْمُخْرَجِ مِنْهُ أَوْ مُسَاوٍ أَوْ مَرْجُوحٌ فَالتَّخْصِيصُ عَلَى تَقْدِيرٍ، وَعَدَمُهُ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ فَيَتَرَجَّحُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَبْطُلُ التَّخْصِيصُ مِنْ أَصْلِهِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (بَلْ الرُّجْحَانُ) لِلْمُخَصِّصِ - عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ - (دَائِمِيٌّ بِإِعْمَالِهِمَا) أَيْ بِسَبَبِ إعْمَالِهِ وَإِعْمَالِ الْمُخَصَّصِ - عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ - حَيْثُ أَمْكَنَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا قُدِّرَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ لِلْمُخَالِفِينَ إذْ يُقَالُ لَهُمْ مِثْلُ هَذَا فِي التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً (وَلِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّ تَرَجُّحَ الْمُخَصِّصِ وَإِنْ كَانَ دُونَ الْمُخَصَّصِ فِي الظَّنِّ هُوَ الْوَاقِعُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ (وَلِتَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لَهُ وَقَدْ كَانَ الْأَحْسَنُ " وَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ " أَوْ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَدْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ " وَلِمَا تَقَدَّمَ " فَزِيدَ وَلَوْ زِيدَ عِوَضَهُ عَلَى أَنَّ ذَاكَ يُقْلَبُ عَلَيْهِ لِيُشْرَحَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ كَمَا يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ الرُّجْحَانِ يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُسَاوَاةِ فَالتَّخْصِيصُ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ هُمَا ذَاكَ وَعَدَمُهُ عَلَى تَقْدِيرٍ وَهُوَ الْمَرْجُوحِيَّةُ فَيَتَرَجَّحُ التَّخْصِيصُ لَعَيْنِ تِلْكَ الْعِلَّةِ لَكَانَ أَوْلَى (الْجُبَّائِيُّ يَلْزَمُ تَقْدِيمُ الْأَضْعَفِ) أَيْ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَقْوَى وَهُوَ الْعَامُّ (عَلَى مَا يَأْتِي) تَقْرِيرُهُ فِي مَسْأَلَةِ تَعَارُضِ الْقِيَاسِ وَالْخَبَرِ (فِي الْخَبَرِ وَيَأْتِي جَوَابُهُ) وَمَا يَفْتَحُ اللَّهُ فِي بَيَانِهِ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَبِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ لُزُومَ مَا ذُكِرَ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَضْعَفِ عَلَى الْأَقْوَى إنَّمَا هُوَ (عِنْدَ إبْطَالِ أَحَدِهِمَا) الَّذِي هُوَ الْعَامُّ (وَهَذَا) أَيْ وَتَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ (إعْمَالُهُمَا) أَيْ الْعَامِّ وَالْقِيَاسِ لَا إبْطَالُ أَحَدِهِمَا فَانْتَفَى اللَّازِمُ الْبَاطِلُ (وَبِأَنَّهُ) أَيْ الْجُبَّائِيَّ (يُخَصِّصُ الْكِتَابَ بِالسُّنَّةِ وَبِالْمَفْهُومِ) الْمُخَالِفِ وَالسُّنَّةَ بِهِ أَيْضًا مَعَ قُصُورِهِمَا فِي الْقُوَّةِ عَنْ الْكِتَابِ وَقُصُورِ الْمَفْهُومِ عَنْهَا أَيْضًا فَمَا هُوَ جَوَابُهُ عَنْ هَذَا فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ ذَاكَ (وَقَالُوا) لِلْجُبَّائِيِّ أَيْضًا (أَخَّرَ مُعَاذٌ الْقِيَاسَ) عَنْ السُّنَّةِ (وَأَقَرَّهُ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ قَالَ كَيْفَ تَقْضِي إذَا عَرَضَ لَك أَمْرٌ قَالَ أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ» وَكُلٌّ مِنْ تَقْدِيمِ مُعَاذٍ وَتَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ الْخَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ خَالَفَهُ أَوْ وَافَقَهُ (أُجِيبَ أَخَّرَ السُّنَّةَ أَيْضًا عَنْ الْكِتَابِ وَتَخْصِيصُهُ) أَيْ الْكِتَابِ (بِهَا) أَيْ بِالسُّنَّةِ (اتِّفَاقٌ) فَمَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ

تَأْخِيرِ الْقِيَاسِ عَنْ السُّنَّةِ مَعَ جَوَازِ تَخْصِيصِهَا بِهِ. (وَأَيْضًا لَيْسَ فِيهِ) أَيْ حَدِيثِ مُعَاذٍ (مَا يَمْنَعُ الْجَمْعَ) بَيْنَ الْقِيَاسِ وَالْعَامِّ (عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالتَّخْصِيصِ مِنْهُ) أَيْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ السُّنَّةُ بِالْقِيَاسِ وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِهِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ، انْتَهَى. لَكِنَّ شُهْرَتَهُ وَتَلَقِّيَ الْعُلَمَاءِ لَهُ بِالْقَبُولِ لَا يُقْعِدُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ دَرَجَةِ الْحُجِّيَّةِ وَمِنْ ثَمَّةَ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَالبَاقِلَّانِيِّ وَأَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَلَيْهِ الصِّحَّةَ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارِمِيِّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ وَمَا نُسْأَلُ وَلَسْنَا هُنَاكَ ثُمَّ بَلَّغَنَا اللَّهُ مَا تَرَوْنَ فَإِذَا سُئِلَ أَحَدُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَنْظُرْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلْيَنْظُرْ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلْيَجْتَهِدْ رَأْيَهُ وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ إنِّي أَخْشَى فَإِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ فَدَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نَحْوُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ دُونَ مَا فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِمَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ الْقَضَاءِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. (وَلَهُ) أَيْ الْجُبَّائِيِّ (أَيْضًا دَلِيلُ اعْتِبَارِ الْقِيَاسِ الْإِجْمَاعُ وَلَا إجْمَاعَ عِنْدَ مُخَالَفَتِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (الْعُمُومَ) لِلْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَامْتَنَعَ الْعَمَلُ بِهِ، إذْ لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ بِلَا دَلِيلٍ (وَالْجَوَابُ إذَا ثَبَتَتْ حُجِّيَّتُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (بِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (ثَبَتَ حُكْمُهَا) أَيْ مُخَالَفَةِ هَذَا الْقِيَاسِ لَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْقِيَاسِ الْكُلِّيِّ الثَّابِتِ اعْتِبَارُهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَمِنْهُ) أَيْ حُكْمِهَا (الْجَمْعُ) بَيْنَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ وَبَيْنَ الْعَامِّ وَالْمُعَارِضِ لَهُ (مَا أَمْكَنَ) وَقَدْ أَمْكَنَ كَمَا ذَكَرْنَا (وَلِلْمُفَصِّلِ الثَّانِي) أَيْ ابْنِ الْحَاجِبِ جَوَابٌ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ الْعِلَّةُ (الْمُؤَثِّرَةُ) أَيْ مَا ثَبَتَ تَأْثِيرُهَا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ (وَالْمُخَصَّصُ) أَيْ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ التَّخْصِيصِ (تَرْجِعَانِ إلَى النَّصِّ) وَهُوَ مَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ هَذَا اللَّفْظُ وَأَنَّهُ وَرَدَ مَعْنَاهُ مَعَ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْعِلِّيَّةُ أَوْ الْحُكْمُ فِي حَقِّ وَاحِدٍ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ بِهَذَا النَّصِّ وَلَزِمَ تَخْصِيصُ الْعَامِّ وَبِهِ كَانَ بِالْحَقِيقَةِ تَخْصِيصًا بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ (وَإِذَا تَرَجَّحَ ظَنُّ التَّخْصِيصِ) أَيْ تَخْصِيصِ الْقِيَاسِ لِلْعَامِّ فِيمَا سِوَاهُمَا (فَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى اتِّبَاعِ الرَّاجِحِ) يَجِبُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِهِ (وَهَذَا) الْجَوَابُ بِنَاءٌ (عَلَى اعْتِبَارِ رُجْحَانِ ظَنِّ الْقِيَاسِ) عَلَى الْعَامِّ (فِي تَخْصِيصِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ لِلْعَامِّ (وَعَلِمْت انْتِفَاءَهُ) أَيْ انْتِفَاءَ اعْتِبَارِهِ حَيْثُ قُلْنَا التَّفَاوُتُ فِي الظَّنِّيَّةِ غَيْرُ مَانِعٍ (أَوْ لُزُومِهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ (بِلَا تِلْكَ الْقُيُودِ) مِنْ كَوْنِ الْعِلَّةِ ثَابِتَةً بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ مُرَجِّحٍ خَاصٍّ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ وَيَجِبُ إعْمَالُ كُلِّ دَلِيلٍ مَا أَمْكَنَ (الْوَاقِفِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْعَامِّ وَالْقِيَاسِ (جِهَةُ قَطْعٍ) فَفِي الْعَامِّ بِاعْتِبَارِ الثُّبُوتِ وَفِي الْقِيَاسِ بِاعْتِبَارِ الْحُجِّيَّةِ (وَظَنٍّ) فَفِي الْعَامِّ بِاعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ وَفِي الْقِيَاسِ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ (فَيُتَوَقَّفُ قُلْنَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَجِّحٌ - وَهُوَ إعْمَالُهُمَا - وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَتَقْيِيدُهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (بِهِ) أَيْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (وَ) تَخْصِيصُ (الْكُتُبِ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ فَفِي مَوَاضِعِهَا) تَأْتِي مُفَصَّلَةً مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَنَذْكُرُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُيَسِّرُهُ الْكَرِيمُ الْوَهَّابُ. (وَأَمَّا) تَخْصِيصُ الْعَامِّ (بِالتَّقْرِيرِ) أَيْ تَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مسألة منتهى التخصيص

لِمَا هُوَ مُخَالِفٌ لِلْعُمُومِ (كَعِلْمِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِفِعْلٍ مُخَالِفٍ لِلْعَامِّ وَلَمْ يُنْكِرْهُ يَكُونُ الْفَاعِلُ مُخَصَّصًا) مِنْ ذَلِكَ الْعَامِّ (فَوَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) وَمَنْ لَمْ يَشْرِطْ مُقَارَنَةَ الْمُخَصَّصِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلُ الْفَاعِلِ عَقِبَ ذِكْرِ الْعَامِّ فِي مَجْلِسِ ذِكْرِهِ أَوْ لَا (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ (أَسْهَلُ مِنْ النَّسْخِ وَأَكْثَرُ وَبِشَرْطِ كَوْنِ الْعِلْمِ) بِفِعْلِ الْفَاعِلِ الْمُخَالِفِ لِلْعُمُومِ (عَقِيبَ ذِكْرِ الْعَامِّ فِي مَجْلِسِهِ وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ (فَنَسْخٌ) لِذَلِكَ الْعُمُومِ (عِنْدَ شَارِطِي الْمُقَارَنَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) لِلتَّخْصِيصِ لِتَرَاخِيهِ ثُمَّ عَلَى كَوْنِهِ مُخَصَّصًا (فَإِنْ عَلَّلَ ذَلِكَ) أَيْ تَخْصِيصَ الْفَاعِلِ مِنْ الْعَامِّ بِمَعْنًى (تَعَدَّى) ذَلِكَ التَّخْصِيصُ (إلَى غَيْرِ الْفَاعِلِ) أَيْضًا إمَّا بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَإِمَّا بِعُمُومٍ حُكْمِيٍّ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِيٍّ عَلَى الْجَمَاعَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْتَوْعِبَ ذَلِكَ الْمَعْنَى جَمِيعَ أَفْرَادِ الْعَامِّ وَإِلَّا يَكُونُ نَسْخًا وَإِنْ لَمْ يُعَلِّلْ فَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى غَيْرِهِ لِتَعَذُّرِ دَلِيلِ التَّعْدِيَةِ أَمَّا بِالْقِيَاسِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا بِحُكْمِيٍّ عَلَى الْوَاحِدِ فَلِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا عُلِمَ فِيهِ عَدَمُ الْفَارِقِ وَهُنَا لَمْ يُعْلَمْ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْأَحْكَامِ بِوَاسِطَةِ عُرُوضِ الْأَوْصَافِ وَالْأَعْذَارِ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا ثَبَتَ حُكْمِيٌّ عَلَى الْوَاحِدِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى الْعِلْمِ بِالْجَامِعِ بَلْ يَكْفِي عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْفَارِقِ، وَالْأَصْلُ بَعْدَ ثُبُوتِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَلْقَ فِي الشَّرْعِ شَرْعٌ فَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا التَّعْمِيمُ وَإِنَّمَا يَظْهَرْ الْمَعْنَى مَا لَمْ يَظْهَرْ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ ثُمَّ إنْ اسْتَوْعَبَ الْأَفْرَادَ كُلَّهَا فَهُوَ نَسْخٌ وَإِلَّا فَتَخْصِيصٌ، انْتَهَى. (وَيَأْتِي تَمَامُهُ) فِي مَسْأَلَةٍ قَبْلَ فَصْلِ التَّعَارُضِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ. (وَيُتَصَوَّرُ كَوْنُ فِعْلِ الصَّحَابِيِّ) الْمُخَالِفِ لِلْعُمُومِ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُخَصِّصًا إذَا عُرِفَ عِلْمُهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ (بِالْعَامِّ إذْ قَالُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ وَوَافَقَهُمْ الْحَنَابِلَةُ (بِحُجِّيَّتِهِ) أَيْ فِعْلِ الصَّحَابِيِّ (حَمْلًا عَلَى عَمَلِهِ) الصَّحَابِيِّ (بِالْمُقَارِنِ) أَيْ بِالْمُخَصَّصِ الْمُقَارِنِ لِلْعَامِّ (وَهُوَ) أَيْ حَمْلُ فِعْلِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمُخَصَّصِ (أَسْهَلُ مِنْ حَمْلِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (مَرْوِيَّهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ إذَا فَعَلَ بِخِلَافِهِ (عَلَى عِلْمِهِ بِالنَّاسِخِ) لِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَخَفُّ مِنْ النَّسْخِ فَيَتَعَيَّنُ حَيْثُ أَمْكَنَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةُ مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ] (مَسْأَلَةٌ الْأَكْثَرُ أَنَّ مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ) جَمْعُ كَثِيرٍ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُّ جَمْعًا كَالرِّجَالِ أَوْ غَيْرَ جَمْعٍ كَمَنْ وَمَا، غَيْرَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ فَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَهُوَ غَيْرُ الْمَحْصُورِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَخُصُوصًا إذَا كَانَ الْقَائِلُ بِهَذَا يَرَى الِاسْتِثْنَاءَ تَخْصِيصًا وَيُجِيزُ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ كَالْبَيْضَاوِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ مَا يَقْرُبُ مِنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ قَدْ فَسَّرُوهُ بِمَا فَوْقَ النِّصْفِ، وَلَا خَفَاءَ فِي امْتِنَاعِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا يُعْلِمُ عَدَدَ أَفْرَادِ الْعَامِّ وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (جَمْعٌ يَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ وَلَا يَسْتَقِيمُ إلَّا فِي نَحْوِ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ مِمَّا يَنْحَصِرُ) لَكِنْ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْإِطْلَاقُ عَلَى النِّصْفِ فِيمَا لَمْ يُعْلِمْ عَدَدَ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا جَدْوَى لَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا فَوْقَ النِّصْفِ فِيهِ فَظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَهْلُ بَلَدٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ وَقِيلَ كُلُّ مَنْ فِي الْبَلَدِ مُؤْمِنٌ وَاسْتُثْنِيَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِهِ إلَى مِائَةٍ مَثَلًا عُلِمَ قَطْعًا أَنَّ مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ (وَقِيلَ) مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ (ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ اثْنَانِ وَقِيلَ وَاحِدٌ) وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ سَائِرِ الشَّافِعِيَّةِ (وَهُوَ مُخْتَارُ الْحَنَفِيَّةِ وَمَا قِيلَ) أَيْ وَأَمَّا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ كَصَاحِبِ الْمَنَارِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ (الْوَاحِدُ فِيمَا هُوَ جِنْسٌ وَالثَّلَاثَةُ فِيمَا هُوَ جَمْعٌ فَمُرَادُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ بِالْجَمْعِ الْجَمْعُ (الْمُنَكَّرُ صَرَّحَ بِهِ) حَيْثُ قَالُوا كَالْعَبِيدِ وَنِسَاءٍ (وَبِإِرَادَةِ نَحْوِ الرَّجُلِ وَالْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ وَالطَّائِفَةِ بِالْجِنْسِ) وَكَانَ

فِي الْأَصْلِ وَأَنَّ هَذِهِ مُفْرَدٌ دَلَالَةً فَنَسْخُهَا يَعْنِي وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّجُلِ وَمَا بَعْدَهُ مُفْرَدٌ دَلَالَةً وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا جَمْعًا صِيغَةً كَالْعَبِيدِ (وَهُوَ) أَيْ الْجِنْسُ (مُعْظَمُ الِاسْتِغْرَاقِيِّ وَفِيهِ) أَيْ الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ (الْكَلَامُ) أَيْ أَنَّ مُنْتَهَى تَخْصِيصِهِ كَذَا فَلَزِمَ أَنَّ مُنْتَهَى تَخْصِيصِ صِيَغِ الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ إلَى وَاحِدٍ لَيْسَ غَيْرُ (وَأَمَّا) الْجَمْعُ (الْمُنَكَّرُ فَمِنْ الْخَاصِّ خُصُوصَ جِنْسٍ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ) فِي أَوَّلِ التَّقْسِيمِ الثَّانِي مِنْ التَّقْسِيمِ الثَّالِثِ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ فَهُوَ (حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَكْثَرُ لِأَنَّهَا) أَيْ كُلَّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِهِ (مَا صَدَقَاتُهُ كَرَجُلٍ فِي كُلِّ فَرْدٍ زَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ سُلِّمَ) كَوْنُهُ عَامًّا كَمَا هُوَ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَشْرِطْ الِاسْتِغْرَاقَ فِي الْعُمُومِ (فَعُمُومُهُ لَا يَقْبَلُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَعُمُومِ الْمَعْنَى وَالْمَفْهُومِ عَلَى مَا قِيلَ وَكَوْنُهُ) أَيْ الشَّأْنِ (قَدْ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (أَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ) فِي الْجَمْعِ الْمُحَلَّى (لَيْسَ مَسْلُوبًا مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ) إلَى الْجِنْسِيَّةِ (بِاللَّامِ بَلْ الْمَعْهُودُ الذِّهْنِيُّ) هُوَ الَّذِي يُسْلَبُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ إذَا كَانَ جَمْعًا إلَى الْجِنْسِيَّةِ بِاللَّامِ (شَيْءٌ آخَرُ) غَايَةُ مَا يَلْزَمُهُ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لَهُ فِي الْجَمْعِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ وَلَا بَأْسَ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي أَنَّ مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ فِي الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ مُطْلَقًا إلَى الْوَاحِدِ لِثُبُوتِهِ فِي الْجَمْعِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ بِغَيْرِهِ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ (وَاخْتَارَ بَعْضُ مَنْ يُجَوِّزُ التَّخْصِيصَ بِالْمُتَّصِلِ) وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ (أَنَّهُ) أَيْ مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ (بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالْبَدَلِ وَاحِدٌ وَبِالصِّفَةِ وَالشَّرْطِ اثْنَانِ وَبِالْمُنْفَصِلِ فِي الْمَحْصُورِ الْقَلِيلِ إلَى اثْنَيْنِ كَ قَتَلْتُ كُلَّ زِنْدِيقٍ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ) وَقَدْ قَتَلَ اثْنَيْنِ وَعُلِمَ ذَلِكَ بِكَلَامٍ أَوْ حِسٍّ (وَفِي غَيْرِ الْمَحْصُورِ وَالْعَدَدِ الْكَثِيرُ الْأَوَّلُ) أَيْ جَمْعٌ يَقْرُبُ مِنْ مَدْلُولِهِ (وَعَلِمْت أَنْ لَا ضَابِطَ لَهُ) وَعَلِمْت أَيْضًا مَا قِيلَ عَلَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يُرَادَ كَثْرَةٌ كَثِيرَةٌ عُرْفًا) وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ إلَى الْعَدَدِ الْكَثِيرِ (قَالُوا) أَيْ الْأَكْثَرُ (لَوْ قَالَ قَتَلْت كُلَّ مَنْ فِي الْمَدِينَةِ وَقَدْ قَتَلَ ثَلَاثَةً عُدَّ لَاغِيًا فَبَطَلَ) مَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ (مَذْهَبُ الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدِ) بِطَرِيقٍ أَوْلَى (وَالْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ عَدَّهُ لَاغِيًا (إذَا لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَ التَّخْصِيصِ مَعَهُ فَإِنْ ذَكَرَهُ) أَيْ دَلِيلَ التَّخْصِيصِ مَعَ الْعَامِّ (مَنَعْنَاهُ) أَيْ عَدَّهُ لَاغِيًا (إلَّا إنْ أَرَادَ انْحِطَاطَ رُتْبَةِ الْكَلَامِ) عَنْ دَرَجَةِ الْبَلَاغَةِ عَلَى مَا فِيهِ (وَلَيْسَ فِيهِ الْكَلَامُ وَتَعَيُّنُ الِاثْنَيْنِ فِي الْقَلِيلِ كَقَتَلْتُ كُلَّ زِنْدِيقٍ لِاثْنَيْنِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ حَتَّى امْتَنَعَ) كَوْنُهُ مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ (مَا دُونَهُمَا) أَيْ الِاثْنَيْنِ فِيهِ (وَفِي الصِّفَةِ وَالشَّرْطِ) قَوْلٌ (بِلَا دَلِيلٍ) وَكَيْفَ لَا (وَمِنْ الْبَيِّنِ صِحَّةُ أَكْرِمْ النَّاسَ الْعُلَمَاءَ أَوْ إنْ كَانُوا عُلَمَاءَ وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ إلَّا عَالِمٌ) وَاحِدٌ (لَزِمَ إكْرَامُهُ وَهُوَ مَعْنَى التَّخْصِيصِ وَمُعَيَّنُ الْجَمْعِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ (وَالِاثْنَيْنِ مَا قِيلَ فِي الْجَمْعِ) مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ أَوْ اثْنَانِ كَأَنَّهُ جَعَلَهُ فَرْعَ كَوْنِ الْجَمْعِ حَقِيقَةً فِي الثَّلَاثَةِ أَوْ الِاثْنَيْنِ (وَلَيْسَ بِشَيْءٍ) مُثْبِتٍ الْعَامُّ لَا فِي أَقَلِّ مَرْتَبَةٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ الِاخْتِلَافُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ بِعَامٍّ اسْتِغْرَاقِيٍّ، وَالْكَلَامُ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ وَأَنَّ عُمُومَ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَشْرِطْ الِاسْتِغْرَاقَ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ (وَلَا تَلَازُمَ) أَيْضًا بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَقَلَّيْنِ فَلَا يَكُونُ الْمُثْبِتُ لِأَحَدِهِمَا مُثْبِتًا لِلْآخَرِ (وَلَنَا) عَلَى مَا هُوَ مُخْتَارُ الْحَنَفِيَّةِ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173] وَالْمُرَادُ نُعَيْمُ) بْنُ مَسْعُودٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ وَجَزَمَ بِهِ السُّهَيْلِيُّ فِي الْمُبْهَمَاتِ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَالثَّعْلَبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُقَاتِلٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ لَا بِاتِّفَاقِ

الْمُفَسِّرِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ النَّاسَ لِلْمَعْهُودِ فَلَا عُمُومَ) لِأَنَّ الْمَعْهُودَ لَيْسَ بِعَامٍّ كَمَا تَقَدَّمَ (فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ كَوْنَ النَّاسِ الْمَعْهُودَ لِوَاحِدٍ مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ النَّاسِ الْعَامِّ فَإِذَا جَازَ أَنْ يُرَادَ بِالنَّاسِ الْمَعْهُودُ وَاحِدٌ مِنْ مَعْنَاهُ الْكَثِيرُ جَازَ فِي النَّاسِ لِلْكَثِيرِ غَيْرِ الْمَعْهُودِ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَلِكَ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَيْضًا لَا مَانِعَ لُغَوِيٌّ مِنْ الْإِرَادَةِ) أَيْ إرَادَةِ وَاحِدٍ بِالْعَامِّ (بِالْقَرِينَةِ وَإِنَّمَا يُعَدُّ لَاغِيًا) بِإِرَادَةِ وَاحِدٍ بِهِ (إذَا لَمْ يَنْصِبْهَا وَنَحْنُ اشْتَرَطْنَا الْمُقَارَنَةَ فِي التَّخْصِيصِ) فَلَمْ يَرِدْ بِهِ إلَّا مَقْرُونًا بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى إرَادَتِهِ فَلَا مَحْذُورَ هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَامِّ. (وَأَمَّا الْخَاصُّ فَعَلِمْت) فِي أَوَائِلِ هَذَا التَّقْسِيمِ (أَنَّهُ يَنْتَظِمُ الْمُطْلَقَ وَمَا بَعْدَهُ) مِنْ الْعَدَدِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَحَيْثُ كَانَ الْبَحْثُ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ مُهِمَّاتِ عِلْمِ الْأُصُولِ دُونَ الْعَدَدِ فَلَا بَأْسَ بِتَعْرِيفِ كُلٍّ وَذِكْرِ أَحْوَالِهِ الَّتِي يُبْحَثُ عَنْهَا فِي هَذَا الْعِلْمِ فَنَقُولُ (أَمَّا الْمُطْلَقُ فَمَا دَلَّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادٍ) وَهَذَا شَامِلٌ لِلْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ لَيْسَ بِأَحَدِهِمَا مِمَّا هُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ بَعْضٌ وَلَمْ يَقُلْ فَرْدٌ لِيَشْمَلَ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ فَيَدْخُلَ فِي الْمُطْلَقِ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ فَإِنَّهُ حَيْثُ خَرَجَ مِنْ الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ لَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ إلَّا الْمُطْلَقُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَرِجَالٍ إلَّا بِأَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ فِي الْآحَادِ وَرِجَالًا فِي الْجُمُوعِ قَوْلُهُ (شَائِعٌ) صِفَةُ بَعْضِ مُخْرِجٌ لِلْعَامِّ وَلِلْمَعَارِفِ كُلِّهَا إلَّا الْمَعْهُودَ الذِّهْنِيَّ وَزَادَ (لَا قَيْدَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْبَعْضِ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى بَعْضٍ شَائِعٍ وَقَوْلُهُ (مُسْتَقِلًّا لَفْظًا) لِئَلَّا يَخْرُجَ الْمَعْهُودُ الذِّهْنِيُّ فَإِنَّهُ مِنْ الْمُطْلَقِ، وَاللَّامُ فِيهِ قَيْدٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ إذْ الْمُرَادُ بِالِاسْتِقْلَالِ اللَّفْظِيِّ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ اللَّفْظِيُّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ لَا التَّمَامُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّمَا قَالَ (فَوَضْعُهُ) أَيْ الْمُطْلَقِ (لَهُ) أَيْ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ شَائِعٍ إلَى آخِرِهِ تَمْهِيدًا لِدَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَأَثْبَتَهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الدَّلَالَةَ) أَيْ تَبَادُرَ الْبَعْضِ الشَّائِعِ مِنْ اللَّفْظِ (عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دَلِيلُهُ) أَيْ الْوَضْعُ لِلْمُتَبَادِرِ لِأَنَّ التَّبَادُرَ أَمَارَةُ الْحَقِيقَةِ (وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ) الْمُتَعَلِّقَةَ بِمُطْلَقٍ إنَّمَا هِيَ (عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْوَضْعُ لِلِاسْتِعْمَالِ) أَيْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ وَضْعِ اللَّفْظِ لِمَعْنًى اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَالْفَرْضُ هُنَا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمُطْلَقِ يُفِيدُ كَوْنَهُ لِلْأَفْرَادِ (فَكَانَتْ) الْأَحْكَامُ عَلَى الْأَفْرَادِ (دَلِيلَهُ) أَيْ وَضْعِ الْمُطْلَقِ لِلْبَعْضِ الشَّائِعِ لَا لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الْمُطْلَقِ وَيُرَادُ بِهِ الطَّبِيعِيَّةُ أَيْضًا قُلْنَا نَعَمْ فِي الْقَضَايَا الطَّبِيعِيَّةِ (وَالْقَضَايَا الطَّبِيعِيَّةُ) غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِي الْعُلُومِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْفُنُونِ وَإِنَّمَا قَدْ يَعْرِضُ إرَادَتُهَا بِهِ قَلِيلًا قِلَّةً (لَا نِسْبَةَ لَهَا بِمُقَابِلِهَا) أَيْ لَا يُنْسَبُ فِي الْقِلَّةِ إلَى اسْتِعْمَالِهَا لِلْأَفْرَادِ بِنِسْبَةٍ (فَاعْتِبَارُهَا) أَيْ الطَّبِيعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّفْظَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ مُرَادًا بِهِ إيَّاهَا (دَلِيلُ الْوَضْعِ) لِلْمَاهِيَّةِ حِينَئِذٍ (عَكْسُ الْمَعْقُولِ وَالْأُصُولِ) لِأَنَّ الدَّلَالَةَ إنَّمَا تُنْسَبُ إلَى الْأَكْثَرِ لَا إلَى مَا لَا وُجُودَ لَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ (فَالْمَاهِيَّةُ فِيهَا) أَيْ فِي الْقَضَايَا الطَّبِيعِيَّةِ (إرَادَةٌ لَا دَلَالَةُ قَرِينَتِهَا) أَيْ إرَادَتِهَا (خُصُوصَ الْمُسْنَدِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْنَدَ إلَّا إلَيْهَا، مِثْلُ الرَّجُلُ نَوْعٌ أَوْ صِنْفٌ وَنَحْوُهُ بِخِلَافِ تَبَادُرِ الْفَرْدِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الْإِسْنَادِ وَغَيْرِهِ (فَلَا دَلِيلَ عَلَى وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ إلَّا عَلَمَ الْجِنْسِ إنْ قُلْنَا بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِ الْجِنْسِ وَالنَّكِرَةِ وَهُوَ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا (الْأَوْجَهُ إذْ اخْتِلَافُ أَحْكَامِ اللَّفْظَيْنِ يُؤْذِنُ بِفَرْقٍ فِي الْمَعْنَى) بَيْنَهُمَا وَقَدْ وُجِدَتْ فَإِنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ كَأُسَامَةَ يَمْتَنِعُ مِنْ أَلْ وَالْإِضَافَةِ وَالصَّرْفِ وَيُوصَفُ بِالْمَعْرِفَةِ، وَيَجِيءُ الْحَالُ عَنْهُ مُتَأَخِّرَةً، وَاسْمُ

الْجِنْسِ كَأَسَدٍ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا جَرَمَ إنْ كَانَ عَلَمُ الْجِنْسِ مَوْضُوعًا لِلْحَقِيقَةِ الْمُتَّحِدَةِ فِي الذِّهْنِ وَاسْمُ الْجِنْسِ مَوْضُوعًا لِلْفَرْدِ الشَّائِعِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فِي الْمَعْنَى كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ وَهُوَ غَيْرُ الْأَوْجَهِ (فَلَا) وَضْعَ لِلْحَقِيقَةِ أَصْلًا (فَقَدْ سَاوَى) الْمُطْلَقُ (النَّكِرَةَ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا عُمُومٌ وَالْمُعَرَّفُ لَفْظًا فَقَطْ) أَيْضًا نَحْوُ (اشْتَرِ اللَّحْمَ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ دَالٌّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ لَا قَيْدَ مَعَهُ مُسْتَقِلًّا لَفْظًا وَلِكَوْنِ الْمُعَرَّفِ لَفْظًا لَا مَعْنًى بَاقِيًا عَلَى عَدَمِ التَّعَيُّنِ سَاغَ وَصْفُهُ بِالنَّكِرَةِ اعْتِبَارًا بِمَعْنَاهُ كَمَا سَاغَ وَصْفُهُ بِالْمَعْرِفَةِ اعْتِبَارًا بِلَفْظِهِ وَجَازَ فِي الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَهُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْهُ مُلَاحَظَةً لِجَانِبِ اللَّفْظِ وَصِفَةً لَهُ مُلَاحَظَةً لِجَانِبِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] وَرُبَّمَا يُرَجَّحُ الْوَصْفُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي فَتَأَمَّلْ. (فَبَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالنَّكِرَةِ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ) لِصِدْقِهِمَا فِي نَحْوِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَانْفِرَادُ النَّكِرَةِ عَنْ الْمُطْلَقِ فِي نَكِرَةٍ عَامَّةٍ كَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ وَانْفِرَادِ الْمُطْلَقِ عَنْهَا فِي نَحْوِ اشْتَرِ اللَّحْمَ فَإِنَّهُ مَعْرِفَةٌ فِي الِاصْطِلَاحِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَانْتَفَى قَوْلُ صَاحِبِ التَّحْقِيقِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّكِرَةِ وَالْمُطْلَقِ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ إذْ تَمْثِيلُ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ الْمُطْلَقَ بِالنَّكِرَةِ فِي كُتُبِهِمْ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُ الْآمِدِيِّ الْمُطْلَقُ هُوَ النَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ (وَدَخَلَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ) فِي الْمُطْلَقِ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ (وَمَنْ خَالَفَ الدَّلِيلَ) الدَّالَّ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ الْأَجْنَاسِ النَّكِرَاتِ لَيْسَتْ إلَّا لِلْمَفَارِيدِ الشَّائِعَةِ لَا لِلْمَاهِيَّاتِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ الدَّلَالَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دَلِيلُهُ إلَخْ، وَهُوَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ ثُمَّ الْبَيْضَاوِيُّ ثُمَّ السُّبْكِيُّ (فَجَعَلَ النَّكِرَةَ لِلْمَاهِيَّةِ) احْتَاجَ إلَى فَرْقٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَعْلَامِ الْأَجْنَاسِ لِأَنَّهَا لِلْمَاهِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَكَلَّفَ اعْتِبَارَ قَيْدٍ زَائِدٍ عَلَى الْمَاهِيَّةِ فِي مَوْضُوعِهَا فَقَالَ مَعْنَى عَلَمِ الْجِنْسِ الْمَاهِيَّةُ بِاعْتِبَارِ حُضُورِهَا الذِّهْنِيِّ الَّذِي هُوَ نَوْعُ تَشَخُّصٍ لَهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (أُخِذَ فِي عَلَمِ الْجِنْسِ حُضُورُهَا الذِّهْنِيُّ فَكَانَ) حُضُورُهَا الذِّهْنِيُّ (جُزْءَ مُسَمَّاهُ) أَيْ عَلَمِ الْجِنْسِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمُقْتَضَاهُ) أَيْ هَذَا الْأَخْذِ (أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى أُسَامَةَ يَقَعُ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ) أُسَامَةُ (مِنْ أَسَدٍ وَحُضُورٍ ذِهْنِيٍّ أَوْ) كَانَ الْحُضُورُ الذِّهْنِيُّ (مُقَيَّدًا بِهِ) الْمَاهِيَّةِ الَّتِي وُضِعَ لَهَا عَلَمُ الْجِنْسِ فَيَقَعُ الْحُكْمُ عَلَى أُسَامَةَ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مِنْ أَسَدٍ بِقَيْدِ الْحُضُورِ الذِّهْنِيِّ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُ الْحُكْمِ وَاقِعًا عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مِنْ أَسَدٍ وَحُضُورٍ ذِهْنِيٍّ أَوْ مِنْ أَسَدٍ بِقَيْدِ حُضُورٍ ذِهْنِيٍّ فِيهِ (مُنْتَفٍ) فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى أُسَامَةَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مِنْ أَسَدٍ فَقَطْ (وَلَوْ سُلِّمَ) عَدَمُ انْتِفَاءِ هَذَا (فَقَدْ اسْتَقَلَّ مَا تَقَدَّمَ) مِنْ تَبَادُرِ الْبَعْضِ الشَّائِعِ مِنْ الْإِطْلَاقِ إلَى آخِرِهِ (بِنَفْيِهِ) أَيْ وَضْعِ الْمُطْلَقِ لِلْمَاهِيَّةِ (فَالْحَقُّ الْأَوَّلُ) أَيْ أَنْ لَا وَضْعَ لِلْحَقِيقَةِ أَصْلًا إلَّا عَلَمَ الْجِنْسِ (وَكَذَا) خَالَفَ الدَّلِيلَ (مَنْ جَعَلَهَا) أَيْ النَّكِرَةَ (قَسِيمَ الْمُطْلَقِ فَهِيَ) أَيْ النَّكِرَةُ (لِلْفَرْدِ) الشَّائِعِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُطْلَقُ (لِلْمَاهِيَّةِ) مِنْ حَيْثُ هِيَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ عَنْ بَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ (مَعَ كَوْنِهِ بِلَا مُوجِبٍ يَنْفِيهِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ مِنْ مِثْلِهِ) أَيْ الْمُطْلَقِ (رَقَبَةً) فِي {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ) أَيْ لَفْظَ رَقَبَةٍ (نَكِرَةٌ وَالْمُقَيَّدُ مَا) أَيْ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى بَعْضٍ شَائِعٍ (مَعَهُ) قَيْدَ مَلْفُوظٍ مُسْتَقِلٍّ كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَالرَّقَبَةُ الْمُؤْمِنَةُ (فَالْمَعَارِفُ بِلَا قَيْدٍ) مَعَهَا مُسْتَقِلٌّ لَفْظًا (ثَالِثٌ) أَيْ لَا مُطْلَقَ وَلَا مُقَيَّدَ (وَقَدْ يُتْرَكُ) الْقَيْدُ فِي تَعْرِيفَيْهِمَا أَيْ لَا قَيْدَ مَعَهُ وَمَا مَعَهُ قَيْدٌ فَيُقَالُ فِي الْمُطْلَقِ مَا دَلَّ عَلَى بَعْضٍ شَائِعٍ وَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ الْمُقَيَّدُ مَا دَلَّ لَا عَلَى شَائِعٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (فَتَدْخُلُ) الْمَعَارِفُ وَكَذَا الْعُمُومَاتُ

مسألة إذا اختلف حكم مطلق ومقيده

(فِي الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ) دُخُولُهُمَا فِي الْمُقَيَّدِ (بِمَشْهُورٍ) أَيْ بِاصْطِلَاحٍ شَائِعٍ ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا الِاصْطِلَاحُ يَعْنِي فِي الْمُقَيَّدِ مَا أُخْرِجَ مِنْ الشِّيَاعِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ شَائِعَةً بَيْنَ الرَّقَبَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أُخْرِجَتْ مِنْ الشِّيَاعِ بِوَجْهٍ مَا حَيْثُ كَانَتْ شَائِعَةً بَيْنَ الْمُؤْمِنَةِ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنَةِ فَأُزِيلَ ذَلِكَ الشِّيَاعُ عَنْهُ، وَقُيِّدَ بِالْمُؤْمِنَةِ فَكَانَ مُطْلَقًا مِنْ وَجْهٍ مُقَيَّدًا مِنْ وَجْهٍ، ثُمَّ قَالُوا: وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ مِنْ مُتَّفِقٍ وَمُخْتَلِفٍ وَمُخْتَارٍ وَمُزَيَّفٍ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَيَزِيدُ هَذَا بِهَذِهِ. [مَسْأَلَةُ إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِهِ] (مَسْأَلَةٌ إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِهِ) أَيْ وَحُكْمُ مُقَيَّدٍ مِنْ مُقَيَّدَاتِهِ وَهُوَ الْمُسْنَدُ كَأَطْعِمْ فَقِيرًا وَاكْسُ فَقِيرًا عَارِيًّا (لَمْ يُحْمَلْ) الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ (إلَّا ضَرُورَةً) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوجِبًا لِذَلِكَ أَلْبَتَّةَ (كَأَعْتِقْ رَقَبَةً وَلَا تَتَمَلَّكْ إلَّا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً) فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ تَمَلُّكِ مَا عَدَا الرَّقَبَةَ الْمُؤْمِنَةَ مَعَ الْأَمْرِ بِعِتْقِ الرَّقَبَةِ يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْمُعْتَقَةِ بِالْمُؤْمِنَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَقَدْ فُرِضَ نَهْيُهُ عَنْ تَمَلُّكِ غَيْرِ الْمُؤْمِنَةِ فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِعِتْقِ الْمُؤْمِنَةِ. قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَجِبُ فِيهِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ تَمَلُّكِ مَا عَدَا الرَّقَبَةَ الْمُؤْمِنَةَ مُوجِبًا تَقْيِيدَ الرَّقَبَةِ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي الْأَمْرِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْمَأْمُورِ رَقَبَةٌ كَافِرَةٌ أَمَّا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ كَافِرَةٌ فَلَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُ الرَّقَبَةِ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُؤْمِنَةِ لِيَسْتَلْزِمَ كَوْنَ الْمُعْتَقَةِ مُؤْمِنَةً أَلْبَتَّةَ إذْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْكَافِرَةَ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ إلَّا مُؤْمِنَةً كَانَ مُتَمَثِّلًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ عِتْقَ الرَّقَبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُؤْمِنَةِ لِإِمْكَانِ الْعِتْقِ بِدُونِ تَمَلُّكِ الْمُؤْمِنَةِ بِأَنْ يَرِثَ رَقَبَةً كَافِرَةً فَيُعْتِقَهَا فَإِنَّ التَّمَلُّكَ يَقْتَضِي الِاخْتِيَارَ وَلَا اخْتِيَارَ فِي الْإِرْثِ فَيَكُونَ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ تَمْثِيلَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لِهَذَا بِ أَعْتِقْ عَنِّي رَقَبَةً وَلَا تُمَلِّكْنِي رَقَبَةً كَافِرَةً لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ بَلْ الْمِثَالُ الْمُطَابِقُ لَهُ أَعْتَقْت رَقَبَةً وَلَمْ أَمْلِكْ رَقَبَةً كَافِرَةً أَوْ إلَّا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً (أَوْ اتَّحَدَ) حُكْمُ الْمُطْلَقِ وَحُكْمُ مُقَيَّدِهِ حَالَ كَوْنِهِمَا (مَنْفِيَّيْنِ) كَلَا تُعْتِقْ رَقَبَةً لَا تُعْتِقْ رَقَبَةً كَافِرَةً (فَمِنْ بَابٍ آخَرَ) أَيْ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ لِلْعَامِّ عَلَى الْمُخْتَارِ لَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (أَوْ) حَالَ كَوْنِهِمَا (مُثْبَتَيْنِ مُتَّحِدَيْ السَّبَبِ وَرَدَا مَعًا حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُقَيَّدِ (بَيَانًا ضَرُورَةَ أَنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَصَوْمِ) كَفَّارَةِ (الْيَمِينِ عَلَى التَّقْدِيرِ) أَيْ تَقْدِيرِ وُرُودِ الْمُطْلَقِ - وَهُوَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196]- وَالْمُقَيَّدِ وَهُوَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فِيهَا مَعًا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ أَصْحَابُنَا بِوُجُوبِ التَّتَابُعِ فِيهِ (أَوْ جُهِلَ) كَوْنُهُمَا مَعًا (فَالْأَوْجَهُ عِنْدِي كَذَلِكَ) أَيْ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (حَمْلًا) لَهُمَا (عَلَى الْمَعِيَّةِ تَقْدِيمًا لِلْبَيَانِ عَلَى النَّسْخِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ) بَيْنَهُمَا (لِلْأَغْلَبِيَّةِ) أَيْ أَغْلَبِيَّةِ الْبَيَانِ عَلَى النَّسْخِ (مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي التَّعَارُضِ) : الدَّلِيلَانِ الْمُتَعَارِضَانِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُهُمَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا (يُؤْنِسُهُ) أَيْ هَذَا الِاخْتِيَارَ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ عُلِمَ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ الْمُطْلَقَ فَسَيَأْتِي وَإِنْ كَانَ الْمُقَيَّدَ (فَالْمُقَيَّدُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ أُرِيدَ الْإِطْلَاقُ ثُمَّ رُفِعَ بِالْقَيْدِ فَلِذَا) أَيْ فَلِكَوْنِ الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْمُطْلَقِ نَاسِخًا لَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (لَمْ يُقَيِّدْ خَبَرُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُمْ الْمُتَوَاتِرَ وَهُوَ) أَيْ تَقْيِيدُ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُتَوَاتِرِ هُوَ (الْمُسَمَّى بِالزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ) عِنْدَهُمْ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ ظَنِّيٌّ وَالْمُتَوَاتِرَ قَطْعِيٌّ، وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقَطْعِيِّ بِالظَّنِّيِّ (وَهُوَ) أَيْ

كَوْنُ الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْمُطْلَقِ نَاسِخًا لَهُ (الْأَوْجَهُ وَالشَّافِعِيَّةُ) قَالُوا وُرُودُ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ الْمُطْلَقِ (تَخْصِيصٌ) لِلْمُطْلَقِ (أَيْ بَيَّنَ الْمُقَيَّدُ أَنَّهُ) نَفْسَهُ (الْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُهُ مُبَيِّنًا أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ (مَعْنَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (إنَّهُ) أَيْ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (جَمْعٌ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ) الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (مُغَالَطَةُ قَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُقَيَّدِ عَمَلٌ بِهِ) أَيْ الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عَمَلٌ بِالْمُطْلَقِ مُطْلَقًا (بَلْ بِالْمُطْلَقِ الْكَائِنِ فِي ضِمْنِ الْمُقَيَّدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ فِي ضِمْنِ الْمُقَيَّدِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُطْلَقُ فِي ضِمْنِ الْمُقَيَّدِ (الْمُقَيَّدُ فَقَطْ وَلَيْسَ الْعَمَلُ بِالْمُطْلَقِ كَذَلِكَ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ فِي ضِمْنِ مُقَيَّدٍ فَقَطْ (بَلْ) الْعَمَلُ بِهِ (أَنْ يُجْزِئَ كُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ) الْمُطْلَقُ (مِنْ الْمُقَيَّدَاتِ) فَيُجْزِئَ كُلٌّ مِنْ الْمُؤْمِنَةِ وَالْكَافِرَةِ فِي {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] مَثَلًا (وَمَنْشَأُ الْمُغَالَطَةِ أَنَّ الْمُطْلَقَ بِاصْطِلَاحٍ) - وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْمَنْطِقِيِّينَ - (الْمَاهِيَّةُ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ) فَظُنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هَذَا هُنَا (لَكِنْ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْفَرْدُ الشَّائِعُ (هُنَا بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ) أَوْ الْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ حَتَّى كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَيِّ فَرْدٍ شَاءَ، وَالتَّقْيِيدُ يُنَافِي هَذِهِ الْمُكْنَةَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِالْقَيْدِ وَاعْتِبَارُ الْمُطْلَقِ لَا يُتَيَقَّنُ مَعَهُ بِفِعْلِهِ) أَيْ الْمُقَيَّدِ الْمُكَلَّفِ بِهِ حِينَئِذٍ لِتَجْوِيزِهِ الْخُرُوجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِفِعْلِ مُقَيَّدٍ غَيْرِهِ مِنْ مُقَيَّدَاتِهِ (قُلْنَا قَضَيْنَا عُهْدَتَهُ) أَيْ الْمُطْلَقِ (بِإِيجَابِ الْمُقَيَّدِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ (وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ) أَيْ إيجَابَ الْمُقَيَّدِ (حَمْلٌ) هُوَ (بَيَانٌ) كَمَا هُوَ قَوْلُهُمْ (أَوْ نَسْخٌ) كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا (فَالْمُقَيَّدُ) لِلشَّافِعِيَّةِ (فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ إثْبَاتُ أَنَّهُ بَيَانٌ وَلَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (فِيهِ) أَيْ إثْبَاتِ أَنَّهُ بَيَانٌ (أَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ النَّسْخِ) لِأَنَّهُ دَفْعٌ، وَالنَّسْخُ رَفْعٌ، وَالدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ (فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قُلْنَا إذْ لَا مَانِعَ) مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ (وَحَيْثُ كَانَ الْإِطْلَاقُ مِمَّا يُرَادُ قَطْعًا وَثَبَتَ) الْإِطْلَاقُ (غَيْرَ مَقْرُونٍ بِمَا يَنْفِيهِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَخَصُّصِ الْمُتَأَخِّرِ وَمَا قِيلَ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَيَّدُ الْمُتَأَخِّرُ بَيَانًا لَكَانَ كُلُّ تَخْصِيصٍ نَسْخًا) لِلْعَامِّ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لَهُ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ (مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ بَلْ اللَّازِمُ كَوْنُ كُلِّ) لَفْظٍ مُسْتَقِلٍّ مُخْرِجٍ لِبَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَامُّ مِنْ إرَادَتِهِ بِهِ (مُتَأَخِّرٍ) عَنْ الْعَامِّ (نَاسِخًا) لِحُكْمِهِ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ (لَا تَخْصِيصًا وَبِهِ نَقُولُ عَلَى أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ مُنَاقَشَةً بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا وَنَسْخًا لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا (ثُمَّ أُجِيبَ) عَنْ هَذَا (فِي أُصُولِهِمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ - وَالْمُجِيبُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّ فِي التَّقْيِيدِ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلُ) أَيْ قَبْلَ التَّقْيِيدِ كَوُجُوبِ إيمَانِ الرَّقَبَةِ مَثَلًا (بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ دَفْعٌ لِبَعْضِ حُكْمِ الْأَوَّلِ) فَقَطْ لَا إثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَنْبُو) أَيْ وَيَبْعُدُ هَذَا الْجَوَابُ (عَنْ الْفَرِيقَيْنِ) الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (فَإِنَّ الْمُطْلَقَ مُرَادٌ بِحُكْمِ الْمُقَيَّدِ إذَا وَجَبَ الْحَمْلُ) لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (اتِّفَاقًا) وَإِذَا كَانَ الْمُطْلَقُ مُرَادًا بِحُكْمِ الْمُقَيَّدِ مِنْ حِينِ تَكَلَّمَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلُ (وَإِلْزَامُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ (كَوْنَ الْمُطْلَقِ الْمُتَأَخِّرِ نَسْخًا) لِلْمُقَيَّدِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ نَسْخًا لِلْمُطْلَقِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ اللَّاحِقَ كَمَا يُنَافِي الْإِطْلَاقَ السَّابِقَ وَيَرْفَعُهُ فَكَذَا بِالْعَكْسِ وَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ (لَا أَعْلَمُ فِيهِ تَصْرِيحًا مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) وَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ فَلْيَأْتِ بِهِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ وَكَيْفَ لَا (وَعُرِفَ) مِنْ قَوَاعِدِهِمْ (إيجَابُهُمْ وَصْلَ بَيَانِ الْمُرَادِ بِالْمُطْلَقِ) بِالْمُطْلَقِ إذَا لَمْ يَكُنْ

الْمُرَادُ بِهِ الْإِطْلَاقَ (كَقَوْلِهِمْ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ) يَجِبُ وَصْلُ الْمُخَصِّصِ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ عُمُومَهُ (بِذَلِكَ الْوَجْهِ) الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ ثَمَّةَ فَلْيُرَاجَعْ. (وَيَجِيءُ فِيهِ) أَيْ فِي تَأْخِيرِ الْمُقَيَّدِ (مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ إرَادَتِهِمْ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ مِنْ) وَصْلِ الْبَيَانِ (الْإِجْمَالِيِّ كَهَذَا الْإِطْلَاقِ مُقَيَّدٌ وَيَصِيرُ) الْمُطْلَقُ حِينَئِذٍ (مُجْمَلًا أَوْ التَّفْصِيلِيِّ وَلَنَا أَنْ نَلْتَزِمَهُ) أَيْ كَوْنَ الْمُطْلَقِ الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخًا لِلْمُقَيَّدِ (عَلَى قِيَاسِ نَسْخِ الْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ الْخَاصَّ الْمُتَقَدِّمَ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَمَعْنَى النَّسْخِ فِيهِ) أَيْ فِي نَسْخِ الْمُطْلَقِ الْمُتَأَخِّرِ الْمُقَيَّدَ (نَسْخُ الْقَصْرِ عَلَى الْمُقَيَّدِ) وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ حُكْمَ الْمُقَيَّدِ لَمْ يُرْفَعْ بِالْمُطْلَقِ. هَذَا وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشُرُوحِهِ: الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ الْمُثْبَتَانِ إنْ تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ فَالْمُقَيَّدُ نَاسِخٌ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِدْقِهِ بِغَيْرِ الْمُقَيَّدِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِالْمُطْلَقِ دُونَ الْعَمَلِ، أَوْ تَأَخَّرَ الْمُطْلَقُ عَنْ الْمُقَيَّدِ مُطْلَقًا، أَوْ تَقَارَنَا، أَوْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَقِيلَ الْمُقَيَّدُ نَاسِخٌ لِلْمُطْلَقِ إنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِهِ كَمَا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ وَقِيلَ يُحْمَلُ الْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ بِأَنْ يُلْغَى الْقَيْدُ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُقَيَّدِ ذِكْرٌ جُزْئِيٌّ مِنْ الْمُطْلَقِ فَلَا يُقَيِّدُهُ كَمَا أَنَّ ذِكْرَ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ. وَظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ الْجَادَّةَ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الْمُفَصَّلُ فَإِمَّا عِنْدَهُ وَإِمَّا عِنْدَهُمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ عَطْفًا عَلَى مُتَّحِدَيْ السَّبَبِ (أَوْ مُخْتَلِفَيْ السَّبَبِ كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) حَيْثُ قَالَ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (وَتَقْيِيدِهَا فِي) كَفَّارَةِ (الْقَتْلِ) حَيْثُ قَالَ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (فَعَنْ الشَّافِعِيِّ يُحْمَلُ) الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيَجِبُ كَوْنُهَا مُؤْمِنَةً فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ (فَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ - يَعْنِي - بِجَامِعٍ) بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَهُوَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ حُرْمَةُ سَبَبِهِمَا أَعْنِي الظِّهَارَ وَالْقَتْلَ (وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَهُ) أَيْ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِجَامِعٍ (لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْقِيَاسِ وَهُوَ عَدَمُ مُعَارَضَةِ مُقْتَضَى نَصٍّ) فِي الْمَقِيسِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ نَصٌّ دَالٌّ عَلَى إجْزَاءِ الْمُقَيَّدِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِالْقِيَاسِ عَدَمُ إجْزَاءِ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ لِانْتِفَاءِ صِحَّتِهِ (وَبَعْضُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ (مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا (لِوَحْدَةِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَخْتَلِفُ) بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ (بَلْ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا) فَإِذَا نَصَّ عَلَى الْإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَزِمَ أَيْضًا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (أَضْعَفُ) مِنْ الْأَوَّلِ (وَإِذَا نَظَرْنَا فِي مُقْتَضَيَاتِ الْعِبَارَاتِ) وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ قَطْعًا لَا فِي الصِّفَةِ الْأَزَلِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ (وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فِي سَبَبِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ كَ أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ) أَيْ كَمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَالَ أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَقَعُ فِيهِ التَّقَيُّدُ بِإِسْلَامِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ (مَعَ رِوَايَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِمَّا وَقَعَ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِإِسْلَامِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ، إذْ السَّبَبُ فِي وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ الْمُخْرِجُ وَيَلِي عَلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ تَارَةً مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الْإِسْلَامِ وَتَارَةً مُقَيَّدًا بِهِ (فَلَا حَمْلَ) لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِمَا تَقَدَّمَ) مَنْ أَنَّهُ قَيْدٌ وَلَا يَقُولُونَ بِالْمَفْهُومِ

فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءٌ فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ سَبَبًا وَلَا حَمْلَ. نَعَمْ لَوْ قَالُوا بِالْمَفْهُومِ حَتَّى لَزِمَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ عَنْهُ لَزِمَ الْحَمْلُ حِينَئِذٍ ضَرُورَةً لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْ الْمُطْلَقِ: مِلْكُ الْعَبْدِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْهُ - مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا - وَمِنْ الْمُقَيَّدِ: مِلْكُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ سَبَبٌ، وَمِلْكُ غَيْرِهِ لَيْسَ سَبَبًا لِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ عَلَى ذَلِكَ بِالْفَرْضِ فَإِذَا فُرِضَ تَرْجِيحٌ بِمُقْتَضَى الْمَفْهُومِ تَقَيَّدَ الْآخَرُ، لَكِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِحُجِّيَّةِ الْمَفْهُومِ فَبَقِيَ حَاصِلُ الْمُقَيَّدِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ سَبَبٌ فَقَطْ، وَالْمُطْلَقُ يُفِيدُ أَنَّهُ سَبَبٌ وَأَنَّ غَيْرَهُ سَبَبٌ أَيْضًا وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِي سَبَبِيَّةِ الْغَيْرِ، إذْ الْمَفْهُومُ لَيْسَ مُعَارِضًا فَوَجَبَ سَبَبِيَّةُ غَيْرِهِ أَيْضًا، وَلَا حَمْلَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَالَ: (وَالِاحْتِيَاطُ الْمُتَقَدِّمُ لَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْعَمَلِ بِالْمُقَيَّدِ (يَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ) فِي حَمْلِهِمْ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَذَا (إذْ هُوَ) أَيْ الِاحْتِيَاطُ هُنَا (فِي جَعْلِ كُلٍّ) مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (سَبَبًا) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ لَا مُدَافَعَةَ فِي الْأَسْبَابِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٍ شَرْعًا وَحِسًّا، ثُمَّ فِيهِ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ السَّبَبُ هُوَ الْمُطْلَقَ فَإِذَا لَمْ يُعْمَلْ إلَّا بِمُقَيَّدٍ مَخْصُوصٍ يَكُونُ تَارِكًا لِلْحُكْمِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهِ. وَأُورِدَ حُكْمُ الْمُقَيَّدِ يُفْهَمُ مِنْ الْمُطْلَقِ فَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ يَلْزَمُ إلْغَاءُ الْمُقَيَّدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ الْمُقَيَّدِ وَفَضْلَهُ وَأَنَّهُ عَزِيمَةٌ وَالْمُطْلَقَ رُخْصَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ صِفَةِ الْإِطْلَاقِ لِطَلَبِ فَائِدَةِ الْمُقَيَّدِ عِنْدَ إمْكَانِ الْجَمْعِ، فَيَجْعَلُ سَبَبِيَّةَ مَفْهُومِ الْمُطْلَقِ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ الْمُطْلَقِ وَسَبَبِيَّةَ مَفْهُومِ الْمُقَيَّدِ ثَابِتَةً بِالْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ جَمِيعًا، وَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ فِي الشَّرْعِ إثْبَاتُ شَيْءٍ بِنَصَّيْنِ وَبِنُصُوصٍ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا. ثُمَّ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ لِلشَّافِعِيَّةِ لَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ تَتْمِيمًا وَهُوَ مَا إذَا أُطْلِقَ الْحُكْمُ فِي مَوْضِعٍ وَقُيِّدَ فِي مَوْضِعَيْنِ بِقَيْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ مَاذَا يَكُونُ حُكْمُهُ.؟ قَالُوا: مَنْ قَالَ بِالْحَمْلِ مُطْلَقًا قَالَ بِبَقَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ لَيْسَ التَّقْيِيدُ بِأَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَمَنْ قَالَ بِالْحَمْلِ قِيَاسًا حَمَلَهُ عَلَى مَا حَمْلُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسٌ رُجِعَ إلَى أَصْلِ الْإِطْلَاقِ وَيُشْكِلُ عَلَى الْكُلِّ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّعْفِيرِ بِالتُّرَابِ فِي الْأُولَى وَالثَّامِنَةِ وَمِنْ غَسَلَاتِ وُلُوغِ الْكَلْبِ، وَأَنَّهُ لَا يُطَهِّرُهُ غَيْرُ ذَلِكَ مَعَ وُرُودِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَمُطْلَقًا، وَكَوْنُ الْإِطْلَاقِ مَحْمُولًا عَلَى إحْدَاهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأُولَى وَبِغَيْرِهَا لَيْسَ عَلَى الِاشْتِرَاطِ بَلْ الْمُرَادُ إحْدَاهُنَّ، وَأَمَّا قَوْلُ السُّبْكِيّ: وَكَأَنَّ أَبِي يَقُولُ إنَّمَا يَنْبَغِي حِينَئِذٍ إيجَابُ كِلَيْهِمَا لِوُرُودِ الْحَدِيثِ فِيهِمَا - وَلَا تَنَافِيَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا - فَعَجِيبٌ مِنْ مِثْلِهِ وَكَذَا عَدَمُ تَعَقُّبِ وَلَدِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَأَمَّا الْأَمْرُ فَلَفْظُهُ) أَيْ أَمَر (حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ) أَيْ مَوْضُوعٌ لِلصِّيغَةِ الْمَعْلُومَةِ (اتِّفَاقًا) ثُمَّ قِيلَ (مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ) غَيْرِ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي تَعْزِمُ عَلَيْهِ (وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ فِيهِمَا) أَيْ مَوْضُوعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ (وَقِيلَ) مُشْتَرَكٌ (مَعْنَوِيٌّ) بَيْنَهُمَا (وَقِيلَ) مَوْضُوعٌ (لِلْفِعْلِ الْأَعَمِّ مِنْ اللِّسَانِيِّ، وَرُدَّ بِلُزُومِ كَوْنِ الْخَبَرِ وَالنَّهْيِ أَمْرًا) حِينَئِذٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْخَبَرِ وَالنَّهْيِ فِعْلٌ لِسَانِيٌّ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَقِيلَ) مَوْضُوعٌ (لِأَحَدِهِمَا الدَّائِرِ) بَيْنَ الْقَوْلِ الْخَاصِّ وَالْفِعْلِ (وَدُفِعَ بِلُزُومِ كَوْنِ اللَّفْظِ الْخَاصِّ لَيْسَ أَمْرًا لِأَنَّهُ) أَيْ اللَّفْظَ الْخَاصَّ (لَيْسَ إيَّاهُ) أَيْ الْأَحَدَ الدَّائِرَ بَلْ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ (وَإِنَّمَا يَتِمُّ) هَذَا الدَّفْعُ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الْأَعَمَّ مَجَازٌ فِي فَرْدِهِ) وَسَيُدْفَعُ وَهَذَا (مَا لَمْ

يُؤَوَّلْ) الْأَحَدُ الدَّائِرُ - الَّذِي هُوَ الْأَعَمُّ - بِالْمَعْنَى الَّذِي فِي ضِمْنِ الْأَخَصِّ أَمَّا إذَا أُوِّلَ بِهَذَا فَلَا يُدْفَعُ بِلُزُومِ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ لِانْتِفَائِهِ بَلْ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَيُدْفَعُ) كَوْنُ الْمُرَادِ هَذَا (بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ لَازِمٌ لِلْوَضْعِ لِلْمَاهِيَّةِ) حَتَّى يَكُونَ الْمُرَادُ بِ جَاءَنِي إنْسَانٌ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ الْمُقَيَّدَةَ بِعَوَارِضَ مَانِعَةٍ مِنْ فَرْضِ الِاشْتِرَاكِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ بَعْدَ خُطُورِ هَذَا لِلْمُتَكَلِّمِ فَضْلًا عَنْ إرَادَتِهِ (فَيُؤَيِّدُ) لُزُومُ هَذَا التَّكَلُّفِ الْمُنْتَفِي (نَفْيَهُ) أَيْ الْوَضْعِ لِلْمَاهِيَّةِ (وَقَدْ نَفَيْنَاهُ) أَيْ الْوَضْعَ لَهَا مَا عَدَا عَلَمَ الْجِنْسِ قَرِيبًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَمَعْنَى) وَضْعِ لَفْظِ الْأَمْرِ (لِأَحَدِهِمَا) وَضْعُهُ (لِفَرْدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَدَلِ) وَهُوَ مَعْنَى الْوَضْعِ لِلْفَرْدِ الشَّائِعِ وَإِنَّمَا فُسِّرَ الْأَحَدُ الدَّائِرُ بِهَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْأَحَدَ الدَّائِرَ مَاهِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ، وَالْآحَادَ الْمُسْتَعْمَلَ فِيهَا أَفْرَادُهُ فَيَجِيءَ تَحَقُّقُ الْوَضْعِ لِلْمَاهِيَّةِ فَيَلْزَمَ فِي اسْتِعْمَالِهَا مَا تَقَدَّمَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَضْعَ لِلْفَرْدِ مَعْنَاهُ لِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ فَرْدٌ لَا لِمَفْهُومِ فَرْدٍ بِقَيْدِ كُلِّيَّتِهِ (وَدُفِعَ) كَوْنُ الْأَعَمِّ مَجَازًا فِي فَرْدِهِ أَيْضًا (عَلَى تَقْدِيرِهِ) أَيْ الْوَضْعِ لِلْمَاهِيَّةِ (بِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ الْأَعَمِّ مَجَازًا فِي فَرْدِهِ (غَلَطٌ) نَاشِئٌ (مِنْ ظَنِّ كَوْنِ الِاسْتِعْمَالِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ) اللَّفْظُ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ اسْتِعْمَالَهُ (فِي الْمُسَمَّى دُونَ أَفْرَادِهِ وَلَا يَخْفَى نُدْرَتُهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ نُدْرَةُ الْحَقَائِقِ وَكَوْنُ كُلِّ الْأَلْفَاظِ مَجَازَاتٍ إلَّا النَّادِرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ أَنَّهُ (يَسْبِقُ الْقَوْلُ الْمَخْصُوصُ) إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ دُونَ الْفِعْلِ (وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ) أَيْ لَفْظُ الْأَمْرِ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا بَيْنَ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ (لَمْ يَسْبِقْ مُعَيَّنٌ) مِنْهُمَا إلَى الْفَهْمِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ، وَإِنَّمَا بَادَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْخُطُورِ (وَاسْتَدَلَّ) أَيْضًا عَلَى الْمُخْتَارِ (لَوْ كَانَ) لَفْظُ الْأَمْرِ (حَقِيقَةً فِيهِمَا) أَيْ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ (لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ) اللَّفْظِيُّ (فَيُخِلُّ بِالْفَهْمِ) لِانْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ (فَعُورِضَ بِأَنَّ الْمَجَازَ مُخِلٌّ) بِالْفَهْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ (لَيْسَ) هَذَا (بِشَيْءٍ) دَافِعٍ (لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ) أَيْ الْمَجَازِ (بِالْقَرِينَةِ) الظَّاهِرَةِ (وَإِلَّا) فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ (فَبِالْحَقِيقَةِ فَلَا إخْلَالَ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ (لَا يُبْطِلُ التَّوَاطُؤَ) لِأَنَّ التَّوَطُّؤَ غَيْرُ مُخِلٍّ بِالْفَهْمِ لِمُسَاوَاةِ أَفْرَادِهِ فِيهِ وَلِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِكُلٍّ مِنْهَا (فَلَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبُ) وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ (فَإِنْ نَظَمَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ التَّوَاطُؤَ (فِي الِاشْتِرَاكِ) بِأَنْ أَرَادَ بِهِ أَعَمَّ مِنْ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ (قَدَّمَ) الْمُسْتَدِلُّ (الْمَجَازَ عَلَى التَّوَاطُؤِ وَهُوَ) أَيْ تَقْدِيمُ الْمَجَازِ عَلَيْهِ (مُنْتَفٍ) لِمُخَالَفَتِهِ الْأَصْلَ، فَلَا مُوجِبَ بِخِلَافِ تَقْدِيمِ التَّوَاطُؤِ عَلَيْهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ (صَرَّحَ بِهِ اللَّفْظِيُّ يُطْلَقُ) لَفْظُ الْأَمْرِ (لَهُمَا) أَيْ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ (وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ، قُلْنَا أَيْنَ لُزُومُ اللَّفْظِيِّ؟) مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِالْمَعْنَوِيِّ (وَالْمَعْنَوِيُّ يُطْلَقُ لَهُمَا وَهُوَ) أَيْ الْمَعْنَوِيُّ (خَيْرٌ مِنْ اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ. أُجِيبَ لَوْ صَحَّ) هَذَا (ارْتَفَعَا) أَيْ الِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ وَالْمَجَازُ (لِجَرَيَانِ مِثْلِهِ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهِ (فِي كُلِّ مَعْنَيَيْنِ لِلَّفْظِ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَالْحَلُّ أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ تَعَيُّنَ الْمَعْنَوِيِّ بِالتَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ (عِنْدَ التَّرَدُّدِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا (لَا مَعَ دَلِيلِ أَحَدِهِمَا كَمَا ذَكَرْنَا) مِنْ تَبَادُرِ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ بِخُصُوصِهِ (وَاسْتُدِلَّ) عَلَى الْمُخْتَارِ أَيْضًا (لَوْ كَانَ) لَفْظُ الْأَمْرِ (حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ اُشْتُقَّ بِاعْتِبَارِهِ فَيُقَالُ أَمْرٌ وَآمِرٌ) مَثَلًا لِمَنْ قَامَ بِهِ الْأَكْلُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَبِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ بِهِ (كَ أَكْلٍ وَآكِلٍ، وَيُجَابُ إنْ اُشْتُقَّ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُشْتَقَّ - وَهُوَ الظَّاهِرُ - (فَكَالْقَارُورَةِ) أَيْ لِمَانِعٍ

مِنْ ذَلِكَ كَمَا امْتَنَعَ أَنْ تُقَالَ: الْقَارُورَةُ لِلظَّرْفِ غَيْرِ الزُّجَاجِيِّ مِمَّا يَصْلُحُ مَقَرًّا لِلْمَائِعَاتِ، كَمَا تُقَالُ لِلظَّرْفِ الزُّجَاجِيِّ الصَّالِحِ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ (لِدَلِيلِنَا) الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ إطْلَاقِ الْقَارُورَةِ عَلَى الظَّرْفِ غَيْرِ الزُّجَاجِيِّ انْتِفَاءُ الزُّجَاجِ الَّذِي الظَّاهِرُ اشْتِرَاطُهُ فِي إطْلَاقِهَا عَلَى مَا هُوَ مَقَرُّ الْمَائِعَاتِ مِنْ الظُّرُوفِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ إطْلَاقِ أَمْرٍ وَآمِرٍ عَلَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَكْلٌ وَآكِلٌ غَيْرُ كَوْنِ الْفِعْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ فِي الْأَوَّلِ وَالْقَائِمِ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ فِي الثَّانِي لَيْسَ بِالْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ ثُمَّ لَا دَلِيلَ غَيْرَ مَخْدُوشٍ يُفِيدُ تَقْدِيرَ الْمَانِعِ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ مِمَّا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ نَحْوُ أَمْرٍ وَآمِرٍ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. (وَ) اُسْتُدِلَّ لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا (بِلُزُومِ اتِّحَادِ الْجَمْعِ) أَيْ جَمْعِ أَمْرٍ بِمَعْنَى الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ - لَوْ كَانَ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا - (وَهُوَ) أَيْ اتِّحَادُ جَمْعِهِ بِهِمَا (مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ) أَيْ جَمْعَهُ (فِي الْفِعْلِ أُمُورٌ وَالْقَوْلِ أَوَامِرُ، وَيُجَابُ بِجَوَازِ اخْتِلَافِ جَمْعِ لَفْظٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْهِ) الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ كَالْيَدِ فَإِنَّهَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ - الَّذِي هُوَ الْجَارِحَةُ - تُجْمَعُ عَلَى أَيْدٍ، وَبِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ - الَّذِي هُوَ النِّعْمَةُ - تُجْمَعُ عَلَى أَيَادٍ هَذَا وَقَدْ مَنَعَ فِي الْمُعْتَمَدِ وَغَيْرِهِ كَوْنَ أَوَامِرَ جَمْعَ أَمْرٍ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ فَعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى فَوَاعِلَ بَلْ هِيَ جَمْعُ آمِرَةٍ كَضَوَارِبَ جَمْعِ ضَارِبَةٍ، ثُمَّ قِيلَ وَحَيْثُ كَانَ يَصْدُقُ عَلَى الصِّيغَةِ أَنَّهَا طَالِبَةٌ وَآمِرَةٌ؛ فَأَوَامِرُ جَمْعٌ لَهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، يَعْنِي بِأَنْ سُمِّيَتْ بِهَا ثُمَّ جُمِعَتْ عَلَى فَوَاعِلَ كَمَا هُوَ قِيَاسُ جَمْعِهَا، وَقِيلَ جُمِعَ أَمْرٌ مَجَازًا بِهَذَا التَّأْوِيلِ وَقِيلَ جُمِعَ آمِرٌ عَلَى وَزْنِ أَفْعُلٍ جَمْعَ أَمْرٍ عَلَى الْقِيَاسِ، كَأَكَالِبَ جَمْعِ أَكْلُبٍ جَمْعِ كَلْبٍ فَعَلَى هَذَا وَزْنُهُ أَفَاعِلُ لَا فَوَاعِلُ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ الْقَاآنِيِّ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لَهُ مَبْنِيًّا عَلَى غَيْرِ وَاحِدِهِ، نَحْوُ أَرَاهِطَ فِي رَهْطٍ (وَ) اسْتَدَلَّ لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا (بِلُزُومِ اتِّصَافِ مَنْ قَامَ بِهِ فِعْلٌ بِكَوْنِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (مُطَاعًا أَوْ مُخَالِفًا) لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ كَمَا فِي الْقَوْلِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ الْحَقِيقِيَّ يُوصَفُ بِذَلِكَ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَكَذَا الْمَلْزُومُ. (وَيُجَابُ بِأَنَّهُ) أَيْ اتِّصَافَ الْفِعْلِ بِذَلِكَ (لَوْ كَانَ) ثُبُوتُ الطَّاعَةِ وَالْمُخَالَفَةِ (لَازِمًا عَامًّا) لِلْأَمْرِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً (لَكِنَّهُ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا هُوَ (لَازِمُ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ) وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَخْصُوصُ لَا غَيْرُ (وَ) اسْتَدَلَّ لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا (بِصِحَّةِ نَفْيِهِ) أَيْ الْأَمْرِ (عَنْ الْفِعْلِ) إذْ الْحَقِيقَةُ لَا تُنْفَى لَكِنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ لِلْقَطْعِ لُغَةً وَعُرْفًا بِصِحَّةِ: فُلَانٌ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ الْيَوْمَ إذَا لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ الصِّيغَةُ الطَّالِبَةُ وَإِنْ صَدَرَ عَنْهُ أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً، قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ (مُصَادَرَةٌ) عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ إذْ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ يَمْنَعُ صِحَّةَ هَذَا النَّفْيِ مُرَادًا بِهِ نَفْيُ وَضْعِ لَفْظِ الْأَمْرِ لَهُ كَمَا هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَيْثُ كَانَ صِحَّةُ النَّفْيِ مَقْطُوعًا بِهَا لُغَةً وَعُرْفًا فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ نَفْيَ وَضْعِ لَفْظِ الْأَمْرِ لَهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ النَّفْيِ مُصَادَرَةً بَلْ مَنْعُ هَذَا حِينَئِذٍ مُكَابَرَةٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَحَدُّ النَّفْسِيِّ) بِأَنَّهُ (اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ عَلَى وَجِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ) وَهَذَا الْحَدُّ لِابْنِ الْحَاجِبِ فَاقْتِضَاءُ فِعْلِ مَصْدَرٍ مُضَافٍ إلَى الْمَفْعُولِ - أَيْ طَلَبُهُ شَامِلٌ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالِالْتِمَاسِ وَالدُّعَاءِ - وَغَيْرِ كَفٍّ مُخْرِجٌ لِلنَّهْيِ، وَعَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ أَيْ طَلَبِ عُلُوِّ الطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَعَدِّ نَفْسِهِ عَالِيًا مُخْرِجٌ لِلِالْتِمَاسِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّسَاوِي وَالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّسَفُّلِ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَسَيَتَحَقَّقُ فِي الْحُكْمِ أَنَّهُ) أَيْ الْأَمْرَ النَّفْسِيَّ (مَعْنَى الْإِيجَابِ فَيَفْسُدُ طَرْدُهُ بِالنَّدْبِ النَّفْسِيِّ) لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْإِيجَابِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ

اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ حَتْمًا (فَيَجِبُ زِيَادَةٌ حَتْمًا) لِيُخْرَجَ النَّدْبُ، قُلْت لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالِاقْتِضَاءِ لِأَنَّهُ الطَّلَبُ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَازِمِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ كَوْنُ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ - وَهُوَ مَعْنَى الْإِيجَابِ - يُحَقِّقُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ إنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ لَا غَيْرُ (وَأُورِدَ: اُكْفُفْ) وَانْتَهِ وَذَرْ وَاتْرُكْ (عَلَى عَكْسِهِ) فَإِنَّهَا أَوَامِرُ وَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لِاقْتِضَائِهَا فِعْلًا - هُوَ الْكَفُّ - فَلَا يَكُونُ مُنْعَكِسًا لِوُجُودِ الْمَحْدُودِ مَعَ عَدَمِ الْحَدِّ (وَلَا تَتْرُكْ) وَلَا تَنْتَهِ وَلَا تَذَرْ وَلَا تَكُفَّ (عَلَى طَرْدِهِ) فَإِنَّهَا نَوَاهٍ وَيَصْدُقُ حَدُّ الْأَمْرِ عَلَيْهَا لِأَنَّ مَعْنَى " لَا تَتْرُكْ ": افْعَلْ، وَهَلُمَّ جَرًّا فَلَا يَكُونُ مُطَّرِدًا لِصِدْقِ الْحَدِّ مَعَ عَدَمِ الْمَحْدُودِ (وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ النَّفْسِيَّ فَيَلْتَزِمُ أَنَّ مَعْنَى " لَا تَتْرُكْ " مِنْهُ) أَيْ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ (وَاكْفُفْ {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] نَهْيٌ) فَاطَّرَدَ وَانْعَكَسَ (وَإِذَا كَانَ مَعْنَى اُطْلُبْ فِعْلَ كَذَا الْحَالُ دَخَلَ) فِي الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا صِيغَةً (وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ) دُخُولُهُ (فِي الصِّيغِيِّ فَلَا يُحْتَاجُ) فِي تَقْدِيرِ دُخُولِ نَحْوِ اُكْفُفْ فِي الْأَمْرِ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ وَأَفْصَحَ بِهِ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ (أَنَّ الْمُرَادَ) بِالْكَفِّ فِي قَوْلِهِ غَيْرِ كَفٍّ (الْكَفُّ عَنْ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ) وَنَحْوُ اُكْفُفْ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَفٌّ لَكِنْ عَنْ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ ثَمَّ كَمَا قَالَ. (وَالْأَلْيَقُ بِالْأُصُولِ تَعْرِيفُ الصِّيغِيِّ لِأَنَّ بَحْثَهُ) أَيْ عِلْمِ الْأُصُولِ (عَنْ) الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ (السَّمْعِيَّةِ) مِنْ حَيْثُ يُوصِلُ الْعِلْمُ بِأَحْوَالِهَا الْعَارِضَةِ لَهَا مِنْ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ وَغَيْرِهِمَا إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمُكَلَّفِينَ وَإِنْ كَانَ مَرْجِعُ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ إلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ (وَهُوَ) أَيْ الْأَمْرُ اللَّفْظِيُّ (اصْطِلَاحًا) لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ (صِيغَتُهُ الْمَعْلُومَةُ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ أَوْ الْعُلُوِّ أَوْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (وَلُغَةً هِيَ) أَيْ صِيغَتُهُ الْمَعْلُومَةُ (فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ اسْمُهَا) كَصَهٍ وَنَزَالِ فِيهِ أَيْضًا (مَعَ اسْتِعْلَاءٍ) فَمَا فِي الْمِفْتَاحِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا - أَعْنِي اسْتِعْمَالَ لِيَنْزِلْ وَانْزِلْ وَنَزَالِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ (بِخِلَافِ فِعْلِ الْأَمْرِ) فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّلَبُ الْجَازِمُ وَلَا الِاسْتِعْلَاءُ (فَيَصْدُقُ) الْأَمْرُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (مَعَ الْعُلُوِّ وَعَدَمِهِ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعُلُوِّ، وَهُوَ كَوْنُ الطَّالِبِ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ (الْأَكْثَرُ وَأَهْدَرَهُمَا) أَيْ الِاسْتِعْلَاءَ وَالْعُلُوَّ أَبُو الْحَسَنِ (الْأَشْعَرِيُّ) وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَاخْتَارَهُ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ (وَاعْتَبَرَ الْمُعْتَزِلَةُ الْعُلُوَّ) أَيْ أَشْتَرَطُوهُ إلَّا أَبَا الْحُسَيْنِ مِنْهُمْ وَوَافَقَهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالسَّمْعَانِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاخْتَارَهُ مَعَ الِاسْتِعْلَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا أَمْرَ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ (إلَّا الصِّيغَةُ) لِإِنْكَارِهِمْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ (وَرُجِّحَ نَفْيُ الْأَشْعَرِيِّ الْعُلُوَّ بِذَمِّهِمْ) أَيْ الْعُقَلَاءِ (الْأَدْنَى بِأَمْرِ الْأَعْلَى) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعُلُوُّ شَرْطًا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْأَمْرُ مِنْ الْأَدْنَى فَلَا ذَمَّ (وَالِاسْتِعْلَاءُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110] خِطَابًا لِقَوْمِهِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْأَمْرَ عَلَى قَوْلِهِمْ الْمُقْتَضِيَ لَهُ فِعْلًا غَيْرَ كَفٍّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ اسْتِعْلَاءٌ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ وَهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وَالْعِبَادَةُ أَقْصَى غَايَةِ الْخُضُوعِ (وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ) أَيْ {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110] (لِنَفْيِ الْعُلُوِّ) لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُلُوٌّ عَلَى فِرْعَوْنَ فَلَا جَرَمَ أَنْ مَشَى الْبَيْضَاوِيُّ عَلَى أَنَّهُ يُفْسِدُهُمَا (وَالْحَقُّ اعْتِبَارُ الِاسْتِعْلَاءِ) كَمَا صَحَّحَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَحْصُولِ وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَعَالِمِ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (وَنَفْيُ) اشْتِرَاطِ

(الْعُلُوِّ لِذَمِّهِمْ الْأَدْنَى بِأَمْرِ الْأَعْلَى) لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ الْعُلُوُّ لَمْ يَكُنْ هَذَا أَمْرًا لِانْتِفَاءِ الْعُلُوِّ وَلَوْلَا أَنَّ فِيهِ اسْتِعْلَاءً لَمَا اسْتَحَقَّ الذَّمَّ مُوَافَقَةً لِلتَّفْتَازَانِيِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بِتَوْجِيهِهِ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اسْتِعْلَاءٌ لَمَا اسْتَحَقَّ الذَّمَّ، لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقُهُ الذَّمَّ لِكَوْنِهِ آتِيًا بِصُورَةِ الْأَمْرِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعُلُوِّ عَنْهُ، نَعَمْ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: الِاسْتِعْلَاءُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي أَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَمَاذَا يَقُولُونَ فِيهِ مَمْنُوعٌ، وَكَيْفَ لَا {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجاثية: 37] (وَالْآيَةُ) أَيْ {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110] (وَقَوْلُهُ) أَيْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ (أَمَرْتُكَ أَمْرًا جَازِمًا فَعَصَيْتَنِي) وَكَانَ مِنْ التَّوْفِيقِ قَتْلُ ابْنِ هَاشِمِ لَمَّا خَرَجَ هَذَا مِنْ الْعِرَاقِ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ سَابِقَةٍ كَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ أَمْسَكَهُ فِيهَا وَأَشَارَ عَلَيْهِ عَمْرُو بِقَتْلِهِ فَخَالَفَهُ وَأَطْلَقَهُ لِحِلْمِهِ، أَوْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ يُخَاطِبُ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ أَمِيرَ خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ إلَّا أَنَّ تَمَامَهُ عَلَى هَذَا فَأَصْبَحْت مَسْلُوبَ الْإِمَارَةِ نَادِمًا (مَجَازٌ عَنْ تُشِيرُونَ وَأَشَرْتُ) لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الصِّيغَةَ فِي التَّضَرُّعِ وَالتَّسَاوِي لَا تُسَمَّى أَمْرًا) وَلَا بَأْسَ بِهَذَا وَيَكُونُ تَأْمُرُونَ فِي الْآيَةِ مَجَازًا عَنْ تُشِيرُونَ وَفِي الْكَشَّافِ تَأْمُرُونَ مِنْ الْمُؤَامَرَةِ - وَهِيَ الْمُشَاوَرَةُ - أَوْ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّهْيِ، جَعَلَ الْعَبِيدَ آمِرِينَ وَرَبَّهُمْ مَأْمُورًا لِمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ فَرْطِ الدَّهَشِ وَالْحِيرَةِ، انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ بِسَبَبِ مَا بَهَرَهُ الْمُعْجِزِ بِسُلْطَانِهِ أَظْهَرَ التَّوَاضُعَ لِمَلَئِهِ اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِهِمْ وَخَاطَبَهُمْ بِهَذَا الْخِطَابِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ الصَّوَابِ، وَأَمَّا أَنَّ أَمَرْتُ فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى أَشَرْتُ فَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى ظَاهِرِ التَّرْكِيبِ وَمَا تَقْتَضِيهِ صِنَاعَةُ الْإِعْرَابِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا ضَيْرَ فَإِنَّ هَذَا تَوْجِيهُ مَعْنًى لَا تَوْجِيهُ إعْرَابٍ. وَقَالَ (الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ) وَالْغَزَالِيُّ (الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي) بِنَفْسِهِ (طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ) قَالُوا: فَالْقَوْلُ احْتِرَازٌ عَمَّا عَدَا الْكَلَامِ وَالْمُقْتَضَى احْتِرَازٌ عَمَّا عَدَا الْأَمْرِ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ وَبِنَفْسِهِ لِقَطْعِ وَهْمِ مَنْ يَحْمِلُ الْأَمْرَ عَلَى الْعِبَارَةِ فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي بِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا يُشْعَرُ بِمَعْنَاهَا عَنْ اصْطِلَاحٍ أَوْ تَوْقِيفٍ عَلَيْهَا، قُلْت: وَمِنْ ثَمَّةَ لَمَّا كَانَ مَحْذُوفًا فِي نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ كَمَا وَافَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ بِنَاءً عَلَيْهِ هَذَا: الْحَدُّ يَحْتَمِلُ اللَّفْظِيَّ وَالنَّفْسِيَّ، وَالطَّاعَةُ احْتِرَازٌ عَنْ الدُّعَاءِ وَالرَّغْبَةِ مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ فِي طَلَبِ الطَّاعَةِ (وَيَسْتَلْزِمُ) هَذَا الْحَدُّ (الدَّوْرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) ذِكْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَأْمُورِ وَالْمَأْمُورِ بِهِ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَتُهُ الْأَمْرَ، وَالْمَأْمُورَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَمْرِ فَيَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمُضَافَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُضَافٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مَوْجُودٌ فِي الْمُشْتَقِّ وَزِيَادَةٌ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْأَمْرَ يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (وَدَفَعَهُ) أَيْ الدَّوْرَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّا إذَا عَلِمْنَا الْأَمْرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَلَامٌ عَلِمْنَا الْمُخَاطَبَ بِهِ - وَهُوَ الْمَأْمُورُ -، وَمَا يَتَضَمَّنُهُ - وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ -، وَفِعْلَهُ) أَيْ مَضْمُونَهُ (- وَهُوَ الطَّاعَةُ - وَلَا يَتَوَقَّفُ) الْعِلْمُ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ (عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ الْمَطْلُوبَةِ بِالتَّعْرِيفِ فَإِنْ أَرَادَ) بِقَوْلِهِ إذَا عَلِمْنَا الْأَمْرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَلَامٌ (الْحَاصِلَ مِنْ الْجِنْسِ) أَيْ الْقَوْلِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُفِيدُ (لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْعِلْمِ بِمُخَاطَبٍ وَالْعِلْمِ بِمُخَاطَبٍ بِهِ (ثُمَّ لَمْ يُفِدْ) هَذَا (حَقِيقَةَ الْمَأْمُورِ) أَيْ بَيَانَهَا (مِنْ مُجَرَّدِ فَهْمِ الْمُخَاطَبِ وَلَا) بَيَانَ حَقِيقَةِ (الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ مَأْمُورٌ بِهِ (مِنْ مَعْرِفَةِ أَنَّ الْكَلَامَ مَعْنًى تَضَمَّنَهُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ أَخَصُّ

مِنْ الْمُخَاطَبِ، وَالْمَأْمُورَ بِهِ أَخَصُّ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَعَمُّ عَلَى أَخَصَّ بِخُصُوصِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَخَصُّ. (وَأَمَّا فِعْلُهُ) أَيْ وَأَمَّا إفَادَتُهُ لِفِعْلِ مَضْمُونِهِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ فِعْلِهِ (طَاعَةً فَأَبْعَدُ) وَهُوَ وَاضِحٌ فَلَا يَنْدَفِعُ الدَّوْرُ بِهَذِهِ الْإِرَادَةِ. (أَوْ) أَرَادَ الْحَاصِلَ مِنْ الْجِنْسِ (بِقُيُودِهِ) الْمَذْكُورَةِ (فَعَيْنُ الْحَقِيقَةِ) أَيْ فَهَذَا الْمُرَادُ عَيْنُ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ (وَيَعُودُ الدَّوْرُ) لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ، وَمَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فَقَدْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرِ وَذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْآخَرِ وَهُوَ دَوْرٌ. إلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ يُدْفَعُ بِتَسْلِيمِ أَنَّ تَصَوُّرَ الْأَمْرِ بِحَقِيقَتِهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَصَوُّرِ هَذِهِ الْأُمُورِ؛ وَمُنِعَ أَنَّ تَصَوُّرَ هَذِهِ الْأُمُورِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَصَوُّرِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ بَلْ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى تَمَيُّزِ الْأَمْرِ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا عَرَّفْنَا الْأَمْرَ بِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْكَلَامِ مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ بِاقْتِضَاءِ مُوَافَقَةِ الْمُخَاطَبِ لِمَا خُوطِبَ بِهِ كَفَانَا ذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ. (وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِ أَمَرْتُكَ بِفِعْلِ كَذَا) فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ مَعَ صِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ حَيْثُ كَانَ هَذَا حَدًّا لِلنَّفْسِيِّ فَهَذَا مِنْهُ فَلَا يَبْطُلُ طَرْدُهُ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ (وَقِيلَ هُوَ الْخَبَرُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَفِيهِ) أَيْ هَذَا الْحَدِّ (جَعْلُ الْمُبَايِنِ) لِلْمَحْدُودِ - وَهُوَ الْخَبَرُ - (جِنْسًا) لَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي (وَالْمُعْتَزِلَةُ) أَيْ وَقَالَ جُمْهُورُهُمْ كَمَا فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ: (قَوْلُ الْقَائِلِ لِمَنْ دُونَهُ: افْعَلْ) أَيْ لَفْظًا مَوْضُوعًا لِطَلَبِ الْفِعْلِ مِنْ الْفَاعِلِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ عَلَمُ جِنْسٍ لِهَذَا الْمَعْنَى - كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ - لَا خُصُوصِيَّةُ هَذَا اللَّفْظِ (وَإِبْطَالُ طَرْدِهِ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفِ (بِالتَّهْدِيدِ وَغَيْرِهِ) أَيْ بِمَا لَمْ يَرِدُ بِهِ الطَّلَبُ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ لِقَائِلِهَا لِمَنْ دُونَهُ تَهْدِيدًا كَانَ نَحْوَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ أَوْ إبَاحَةً نَحْوَ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] أَوْ غَيْرَهُمَا لِصِدْقِ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ (مَدْفُوعٌ بِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ) قَوْلُ الْقَائِلِ (افْعَلْ) حَالَ كَوْنِهِ (مُرَادًا بِهِ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ - وَهُوَ الطَّلَبُ - (وَ) إبْطَالُ طَرْدِهِ (بِالْحَاكِي) لَا مِنْ غَيْرِهِ لِمَنْ دُونَهُ (وَالْمُبَلِّغِ) لَهُ مِنْ دُونِهِ لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَى الْمَحْكِيِّ وَالْمُبَلَّغِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ بِأَمْرٍ مَدْفُوعٌ أَيْضًا (بِأَنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْمَحْكِيِّ وَالْمُبَلَّغِ (لَيْسَ قَوْلَ الْقَائِلِ) الَّذِي هُوَ الْحَاكِي وَالْمُبَلِّغُ (عُرْفًا يُقَالُ لِلْمُتَمَثِّلِ) بِشِعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ (لَيْسَ) مَا تَمَثَّلَ بِهِ (قَوْلَهُ) وَإِنْ كَانَ حَاكِيًا لَهُ (وَلَيْسَ الْقُرْآنُ قَوْلَهُ) أَيْ النَّبِيِّ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَإِنْ كَانَ مُبَلِّغَهُ فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَى كُلٍّ الْحَدُّ فَلَمْ يَبْطُلْ الطَّرْدُ. (نَعَمْ الْعُلُوُّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا وَلَعَلَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُورَدُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ بِأَمْرِ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى كَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ لِأَنَّ إيرَادَهُ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُلُوِّ، لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ لِأَكْثَرِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْعُلُوَّ فَلِمَ لَا يُورَدُ عَلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِمْ؟ وَيُجَابُ حِينَئِذٍ بِمَنْعِ كَوْنِهِ أَمْرًا عِنْدَهُمْ لُغَةً، وَإِنْ سُمِّيَ بِهِ عُرْفًا كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ إلَى إيرَادِ هَذَا وَجَوَابِهِ هَكَذَا أَوْلَى. (وَطَائِفَةٌ) مِنْهُمْ (الصِّيغَةُ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الصَّارِفِ عَنْ الْأَمْرِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفُ تَعْرِيفُ الشَّيْءِ (بِنَفْسِهِ وَلَوْ أَسْقَطَهُ) أَيْ لَفْظَ " عَنْ الْأَمْرِ " (صَحَّ) التَّعْرِيفُ (لِفَهْمِ الصَّارِفِ عَنْ الْمُتَبَادَرِ) الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ مِنْ إطْلَاقِ الصَّارِفِ. (وَطَائِفَةٌ) مِنْ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ (الصِّيغَةُ بِإِرَادَةِ

مسألة صيغة الأمر

وُجُودِ اللَّفْظِ) أَيْ إرَادَةِ إحْدَاثِ الصِّيغَةِ، لِأَنَّ الْآمِرَ هُوَ الْمُوجِدُ لِلْكَلَامِ عِنْدَهُمْ وَالْأَمْرَ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ (وَدَلَالَتِهِ عَلَى الْأَمْرِ) أَيْ وَإِرَادَةِ كَوْنِ هَذِهِ الصِّيغَةِ أَمْرًا فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ يُرِيدُ بِهَا التَّهْدِيدَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ بِأَمْرٍ (وَالِامْتِثَالِ) أَيْ وَإِرَادَةِ وُجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ (وَيُحْتَرَزُ بِالْأَخِيرِ) أَيْ الِامْتِثَالِ (عَنْهَا) أَيْ الصِّيغَةِ صَادِرَةً (مِنْ نَائِمٍ وَمُبَلِّغٍ وَمَا سِوَى الْوُجُوبِ) وَمِنْ تَهْدِيدٍ وَغَيْرِهِ (وَمَا قَبْلَهُ) أَيْ الْأَخِيرِ (تَنْصِيصٌ عَلَى الذَّاتِيِّ) كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: إنَّهُ الْأَوْلَى. (وَأُورِدَ: إنْ أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْمَحْدُودِ اللَّفْظُ أَفْسَدَهُ إرَادَةُ دَلَالَتِهَا عَلَى الْأَمْرِ) لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ (أَوْ) أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْمَحْدُودِ (الْمَعْنَى أَفْسَدَهُ جِنْسُهُ) أَيْ صِيغَتُهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ صِيغَةً (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمُرَادَ بِالْمَحْدُودِ (اللَّفْظُ) وَبِمَا فِي الْحَدِّ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ (وَاسْتُعْمِلَ الْمُشْتَرَكُ) الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ (فِي مَعْنَيَيْهِ بِالْقَرِينَةِ) الْعَقْلِيَّةِ. (وَقَالَ قَوْمٌ) آخَرُونَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (إرَادَةُ الْفِعْلِ، وَأُورِدَ غَيْرُ جَامِعٍ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ وَلَا إرَادَةَ فِي أَمْرِ عَبْدِهِ بِحَضْرَةِ مَنْ تَوَعَّدَهُ) أَيْ السَّيِّدَ بِالْإِهْلَاكِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ (عَلَى ضَرْبِهِ) أَيْ بِسَبَبِ ضَرْبِهِ (فَاعْتَذَرَ) عَنْ ضَرْبِهِ (بِمُخَالَفَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ لَهُ فَإِنَّ فِي هَذَا أَمْرَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَظْهَرْ عُذْرُهُ وَهُوَ مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ، وَلَمْ يُرِدْ مِنْهُ الْفِعْلَ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ مَا يُفْضِي إلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ وَإِلَّا لَكَانَ مَرِيدًا لِهَلَاكِ نَفْسِهِ، وَإِرَادَةُ الْعَاقِلِ ذَلِكَ مُحَالٌ (وَأَلْزَمَ تَعْرِيفَهُ) أَيْ الْأَمْرِ (بِالطَّلَبِ النَّفْسِيِّ لَهُ) أَيْ هَذَا الْإِيرَادِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْأَمْرُ، وَلَا طَلَبَ فَإِنَّ الْعَاقِلَ كَمَا لَا يُرِيدُ هَلَاكَ نَفْسِهِ لَا يَطْلُبُهُ (وَدَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الْإِلْزَامِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِتَجْوِيزِ طَلَبِهِ) أَيْ الْعَاقِلِ الْهَلَاكَ لِغَرَضٍ (إذَا عَلِمَ عَدَمَ وُقُوعِهِ) أَيْ الْهَلَاكِ (إنَّمَا يَصِحُّ فِي اللَّفْظِيِّ، أَمَّا النَّفْسِيُّ فَكَالْإِرَادَةِ لَا يَطْلُبُهُ أَيْ سَبَبَ هَلَاكِهِ بِقَلْبِهِ كَمَا لَا يُرِيدُهُ) وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْعَاقِلِ طَلَبُ هَلَاكِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَلَا يَجُوزُ إرَادَتُهُ أَصْلًا مَمْنُوعٌ (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إنَّهُ الْأَوْلَى (لَوْ كَانَ) الْأَمْرُ (إرَادَةً لَوَقَعَتْ الْمَأْمُورَاتُ بِمُجَرَّدِهِ) أَيْ الْأَمْرِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْإِرَادَةَ (صِفَةٌ تُخَصِّصُ الْمَقْدُورَ بِوَقْتِ وُجُودِهِ) أَيْ الْمَقْدُورِ (فَوُجُودُهَا) أَيْ الْإِرَادَةِ (فَرْعٌ مُخَصِّصٌ) وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَإِنَّ الْكَافِرَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ مَوْتَهُ عَلَى الْكُفْرِ كَفِرْعَوْنَ مَأْمُورٌ بِالْإِيمَانِ اتِّفَاقًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ (لَا يَلْزَمُهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةَ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْإِرَادَةَ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِبَادِ (مَيْلٌ يَتْبَعُ اعْتِقَادَ النَّفْعِ أَوْ دَفْعِ الضَّرَرِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - الْعِلْمُ بِمَا فِي الْفِعْلِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ) وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى مُحَقِّقِيهِمْ ثُمَّ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَفْسِيرِهِمْ الْإِرَادَةَ بِهَذَا لَا يَلْزَمُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَاقِي تَفَاسِيرِهِمْ إيَّاهَا أَيْضًا، وَاسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ فِي هَذَا فِي الْكَلَامِ. [مَسْأَلَةُ صِيغَةُ الْأَمْرِ] (مَسْأَلَةٌ: صِيغَةُ الْأَمْرِ خَاصٌّ) أَيْ حَقِيقَةٌ عَلَى الْخُصُوصِ (فِي الْوُجُوبِ) فَقَطْ (عِنْدَ الْجُمْهُورِ) وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيُّ، وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ إنَّهُ الْحَقُّ، وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ وَهُوَ الَّذِي أَمْلَاهُ الْأَشْعَرِيُّ عَلَى أَصْحَابِ الْإسْفَرايِينِيّ (أَبُو هَاشِمٍ) فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَعَامَّةُ الْمُعْتَزِلَةِ حَقِيقَةٌ (فِي النَّدْبِ) فَقَطْ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ - مِنْ الْمَالِكِيَّةِ -: أَمْرُهُ تَعَالَى وَأَمْرُ رَسُولِهِ الْمُوَافِقُ لَهُ أَوْ الْمُبَيِّنُ لَهُ لِلْوُجُوبِ وَالْمُبْتَدَأُ مِنْهُ لِلنَّدْبِ (وَتَوَقَّفَ الْأَشْعَرِيُّ وَالْقَاضِي فِي أَنَّهُ) مَوْضُوعٌ (لِأَيِّهِمَا) أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ (وَقِيلَ) تَوَقَّفَا فِيهِ (بِمَعْنًى لَا يُدْرَى مَفْهُومُهُ) أَصْلًا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْآمِدِيِّ انْتَهَى. قُلْت: وَلَا يُنَافِي هَذَا نَقْلَ ابْنِ بَرْهَانٍ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ

مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطَّلَبِ وَالتَّهْدِيدِ وَالتَّكْوِينِ وَالتَّعْجِيزِ، وَنَقْلِ غَيْرِهِ كَصَاحِبِ التَّحْقِيقِ - عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ وَابْنِ سُرَيْجٍ اشْتِرَاكَهُ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ نَعَمْ يُخَالِفُ كِلَيْهِمَا تَقْرِيرُ غَيْرِ وَاحِدٍ تَوَقُّفَهُمَا بِمَعْنَى أَنَّ الصِّيغَةَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ أَوْ النَّدْبِ فَقَطْ أَوْ فِيهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ لَكِنْ لَا يُدْرَى مَا هُوَ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى، قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْآمِدِيُّ: لَكِنْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْأَحْكَامِ التَّوَقُّفُ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ) لَفْظِيٌّ (بَيْنَهُمَا) أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَقِيلَ) مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ (وَالْإِبَاحَةِ وَقِيلَ) مَوْضُوعٌ (لِلْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَهُوَ الطَّلَبُ أَيْ تَرْجِيحُ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَعَزَاهُ فِي الْمِيزَانِ إلَى مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ (وَقِيلَ) مَوْضُوعٌ (لِمَا) أَيْ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ (بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ (مِنْ الْإِذْنِ) وَهُوَ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ وَفِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُرْتَضَى مِنْ الشِّيعَةِ وَقَالَ (الشِّيعَةُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ (وَالتَّهْدِيدِ) وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ (تَكَرَّرَ اسْتِدْلَالُ السَّلَفِ بِهَا) أَيْ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مُجَرَّدَةً عَنْ الْقَرَائِنِ (عَلَى الْوُجُوبِ) اسْتِدْلَالًا (شَائِعًا بِلَا نَكِيرٍ فَأَوْجَبَ الْعِلْمَ الْعَادِيَّ بِاتِّفَاقِهِمْ) عَلَى أَنَّهَا لَهُ (كَالْقَوْلِ) أَيْ كَإِجْمَاعِهِمْ الْقَوْلِيِّ عَلَى ذَلِكَ. (وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْوُجُوبَ فِي اسْتِدْلَالِ السَّلَفِ بِهَا عَلَيْهِ (كَانَ بِأَوَامِرَ مُحَقَّقَةٍ بِقَرَائِنِ الْوُجُوبِ بِدَلِيلِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِكَثِيرٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ صِيَغِ الْأَمْرِ (عَلَى النَّدْبِ قُلْنَا تِلْكَ) أَيْ صِيَغُ الْأَمْرِ الْمَنْسُوبُ إلَيْهَا النَّدْبُ ثُبُوتُهُ لَهَا (بِقَرَائِنَ) مُفِيدَةٍ لَهُ بِخِلَافِ الصِّيَغِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا الْوُجُوبُ (بِاسْتِقْرَاءِ الْوَاقِعِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الصِّيَغِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا الْوُجُوبُ وَالصِّيَغِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا النَّدْبُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعُرْفِ (قَالُوا) مَا يُفِيدُهُ هَذَا الدَّلِيلُ (ظَنٌّ فِي الْأُصُولِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ الْمَذْكُورَ (سُكُوتِيٌّ وَلِمَا قُلْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ) أَيْ احْتِمَالِ كَوْنِهِ بِقَرَائِنَ تُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَالظَّنُّ فِيهَا لَا يَكْفِي لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهَا الْعِلْمُ (قُلْنَا لَوْ سُلِّمَ) أَنَّهُ ظَنٌّ (كَفَى وَإِلَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِأَكْثَرِ الظَّوَاهِرِ) لِأَنَّ الْمَقْدُورَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ تَحْصِيلُ الظَّنِّ بِهَا، وَأَمَّا الْقَطْعُ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ، ثُمَّ فِي الْمَحْصُولِيَّاتِ الْمَسْأَلَةُ وَسِيلَةٌ إلَى الْعِلْمِ فَيَكْفِي الظَّنُّ (لَكِنَّا نَمْنَعُهُ) أَيْ الظَّنَّ هُنَا (لِذَلِكَ الْعِلْمِ) الْعَادِيِّ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لِلْوُجُوبِ (وَلِقَطْعِنَا بِتَبَادُرِ الْوُجُوبِ مِنْ) الْأَوَامِرِ (الْمُجَرَّدَةِ) عَنْ الْقَرَائِنِ (فَأَوْجَبَ) الْقَطْعُ بِتَبَادُرِ الْوُجُوبِ مِنْهَا (الْقَطْعَ بِهِ) أَيْ الْوُجُوبِ أَيْضًا (مِنْ اللُّغَةِ وَأَيْضًا) قَوْله تَعَالَى - لِإِبْلِيسَ {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] يَعْنِي {اسْجُدُوا لآدَمَ} [البقرة: 34] الْمُجَرَّدُ) عَنْ الْقَرَائِنِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ أَيْضًا وَإِلَّا لَمَا لَزِمَهُ اللَّوْمُ، وَلَقَالَ: أَمَرْتنِي وَمُقْتَضَى الْأَمْرِ النَّدْبُ أَوْ مَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ قَدْ نَاظَرَ بِأَشَدَّ مِنْ هَذَا حَيْثُ قَالَ: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لَعَلَّهُ فُهِمَ مِنْ قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ لَمْ يَحْكِهَا الْقُرْآنُ أَوْ مِنْ خُصُوصِيَّةِ تِلْكَ اللُّغَةِ الَّتِي وَقَعَ الْأَمْرُ بِهَا، إذْ الْقَرِينَةُ لَمْ تَكُنْ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا حَكَى الْقُرْآنُ مَا وَقَعَ بِغَيْرِهَا احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الظُّهُورِ وقَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: 48] ذَمَّهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ ارْكَعُوا) بِقَوْلِهِ لَا يَرْكَعُونَ حَيْثُ رَتَّبَهُ عَلَى مُجَرَّدِ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بِالرُّكُوعِ (وَأَمَّا) الِاسْتِدْلَال لِلْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِنَا (تَارِكُ الْأَمْرِ عَاصٍ)

لِقَوْلِهِ تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ خِطَابِ مُوسَى لِهَارُونَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93] أَيْ تَرَكْت مُقْتَضَاهُ (وَهُوَ) وَالْوَجْهُ وَكُلُّ عَاصٍ (مُتَوَعَّدٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23] فَتَارِكُ الْأَمْرِ مُتَوَعَّدٌ وَهُوَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَنْعِ صُغْرَاهُ بِقَوْلِهِ (فَنَمْنَعُ كَوْنَهُ) أَيْ الْعَاصِي (تَارِكَ) الْأَمْرِ (الْمُجَرَّدِ) عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ لِصِدْقِهِ عَلَى مَا هُوَ لِلنَّدَبِ وَلَيْسَ تَارِكُهُ بِعَاصٍ اتِّفَاقًا (بَلْ) الْعَاصِي (تَارِكُ مَا) هُوَ مُحْتَفٌّ مِنْ الْأَوَامِرِ (بِقَرِينَةِ الْوُجُوبِ فَإِذَا اسْتَدَلَّ) لِكَوْنِ تَارِكِ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ عَاصِيًا (بِ {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93] أَيْ: اُخْلُفْنِي مَنَعْنَا تَجَرُّدَهُ) أَيْ هَذَا الْأَمْرِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفِيدَةِ لِوُجُوبِ مُقْتَضَاهُ، وَكَيْفَ لَا، وَقَدْ قَرَنَهُ بِقَوْلِهِ {وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142] (فَأَمَّا) الِاسْتِدْلَال لِلْوُجُوبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] أَيْ يُخَالِفُونَ أَمْرَهُ أَوْ يُعْرِضُونَ عَنْ أَمْرِهِ بِتَرْكِ مُقْتَضَاهُ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَيْ مِحْنَةٌ فِي الدُّنْيَا أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ رَتَّبَ عَلَى تَرْكِ مُقْتَضَى أَمْرِهِ أَحَدَ الْعَذَابَيْنِ (فَصَحِيحٌ لِأَنَّ عُمُومَهُ) أَيْ أَمْرِهِ (بِإِضَافَةِ الْجِنْسِ الْمُقْتَضِي كَوْنَ لَفْظِ أَمْرٍ لِمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ خَاصَّةً يُوجِبُهُ) أَيْ الْوُجُوبَ (لِلْمُجَرَّدَةِ) أَيْ لِصِيغَةِ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدَةِ مِنْ قَرَائِنِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْرَادِهِ، ثُمَّ تَلْخِيصُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ مُخَالَفَةَ أَمْرِهِ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهَا، وَكُلُّ مُتَوَعَّدٍ عَلَيْهِ حَرَامٌ، فَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ حَرَامٌ وَامْتِثَالُهُ وَاجِبٌ (وَالِاسْتِدْلَالُ) لِلْوُجُوبِ أَيْضًا (بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ) لِإِخْلَالِهِ بِالْفَهْمِ (فَيَكُونُ) الْأَمْرُ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ (لِأَحَدِ الْأَرْبَعَةِ) مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ حَقِيقَةً وَفِي الْبَاقِي مَجَازًا. وَقَالُوا وَإِنَّمَا خُصَّتْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِيهِ. قُلْت: وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا فِي الْمِيزَانِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْوَاقِفِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا صِيغَةَ لِلْأَمْرِ بِطَرِيقِ التَّعَيُّنِ بَلْ هِيَ صِيغَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ مَعْنَى الْأَمْرِ وَبَيْنَ الْمَعَانِي الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِيهَا، فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِكُلِّ حَقِيقَةٍ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْبَعْضُ بِالْقَرِينَةِ، وَهُمْ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ. (وَالْإِبَاحَةُ وَالتَّهْدِيدُ بَعِيدٌ لِلْقَطْعِ بِفَهْمِ تَرْجِيحِ الْوُجُودِ) وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا (وَانْتِفَاءُ النَّدْبِ) أَيْضًا ثَابِتٌ (لِلْفَرْقِ بَيْنَ اسْقِنِي وَنَدَبْتُكَ) إلَى أَنْ تَسْقِيَنِي وَلَا فَرْقَ إلَّا الذَّمُّ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ فِي اسْقِنِي، وَعَدَمُهُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ فِي نَدَبْتُكَ إلَى أَنْ تَسْقِيَنِي وَلَوْ كَانَ لِلنَّدَبِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ لِلْوُجُوبِ، اسْتِدْلَالٌ (ضَعِيفٌ لِمَنْعِهِمْ) أَيْ النَّادِبِينَ (الْفَرْقَ) بَيْنَهُمَا (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا (فَيَكُونُ نَدَبْتُكَ نَصًّا) فِي النَّدْبِ (وَاسْقِنِي) لَيْسَ بِنَصٍّ فِيهِ بَلْ (يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ) وَالنَّدْبَ لَكِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ الْفَرْقِ بِالنُّصُوصِيَّةِ وَالظُّهُورِ عَدَمُ الْفَرْقِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى (وَأَيْضًا لَا يَنْتَهِضُ) هَذَا (عَلَى الْمَعْنَوِيِّ، إذْ نَفْيُ اللَّفْظِيِّ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْحَقِيقَةِ بِأَحَدِهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ (وَلَوْ أَرَادَ) الْمُسْتَدِلُّ بِالِاشْتِرَاكِ خِلَافَ الْأَصْلِ (مُطْلَقَ الِاشْتِرَاكِ) لِيَشْمَلَ اللَّفْظِيَّ وَالْمَعْنَوِيَّ (مَنَعْنَا كَوْنَ الْمَعْنَوِيِّ خِلَافَ الْأَصْلِ وَلَوْ قَالَ) الْمُسْتَدِلُّ (الْمَعْنَوِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنَوِيٍّ أَخَصَّ مِنْهُ خِلَافُ الْأَصْلِ، إذْ الْإِفْهَامُ بِاللَّفْظِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ الْخُصُوصُ لِإِفَادَتِهِ الْمَقْصُودَ مِنْ غَيْرِ مُزَاحِمٍ لَهُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ كُلَّمَا كَانَ أَخَصَّ كَانَ فِي إفْهَامِهِ الْمُرَادَ أَسْرَعَ وَلِتَوَهُّمِ مُزَاحَمَةِ غَيْرِهِ أَدْفَعَ (اُتُّجِهَ) قَوْلُهُ هَذَا (كَالْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ) وَهُوَ الطَّلَبُ (بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ وُجُوبٌ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ (جِنْسٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى

الْوُجُوبِ إذْ هُوَ) أَيْ الْوُجُوبُ (نَوْعٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّلَبِ. (فَدَارَ) مَعْنَى الْأَمْرِ (بَيْنَ خُصُوصِ الْجِنْسِ وَخُصُوصِ النَّوْعِ) وَخُصُوصُ النَّوْعِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الِاشْتِرَاكِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِ اتِّجَاهِهِ. وَأَقُولُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَوَّلًا: إنَّ هَذَا إنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى مِنْوَالِ الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَالْخَاصِّ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْعَامِّ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ لَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ إلَّا بِمُرَجِّحٍ مِنْ خَارِجٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ. وَثَانِيًا إنَّ هَذَا إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِلَازِمِ الْمَاهِيَّةِ لِأَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ الْأَخَصِّيَّةَ لَازِمًا لِلْوُجُوبِ وَجَعَلْتُمْ صِيغَةَ الْأَمْرِ بِاعْتِبَارِهَا لِلْوُجُوبِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَثَالِثًا أَنَّهُ إذَا كَانَ خُصُوصُ النَّوْعِ أَوْلَى مِنْ خُصُوصِ الْجِنْسِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوُجُوبَ كَمَا هُوَ خُصُوصُ النَّوْعِ كَذَلِكَ النَّدْبُ فَلَا تَتِمُّ الْأَخَصِّيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُرَجِّحَةٌ لِلْوُجُوبِ عَلَى النَّدْبِ لِتَسَاوِيهِمَا فِيهَا، فَلْيُتَأَمَّلْ. وَاسْتَدَلَّ (النَّادِبُ) بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: وَ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ الْأَمْرَ إلَى مَشِيئَتِنَا وَهُوَ مَعْنَى النَّدْبِ (قُلْنَا) مَمْنُوعٌ بَلْ رَدَّهُ إلَى اسْتِطَاعَتِنَا وَحِينَئِذٍ (هُوَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ) لِأَنَّ السَّاقِطَ عَنَّا حِينَئِذٍ مَا لَا اسْتِطَاعَةَ لَنَا فِيهِ عَلَى أَنَّ تَقْرِيرَهُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاهُمْ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُبَاحَ أَيْضًا بِمَشِيئَتِهِمْ، ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ قَوْلَهُمْ رَدَّهُ إلَى مَشِيئَتِنَا مَعَ رِوَايَتِهِمْ لِلْحَدِيثِ بِلَفْظِ مَا اسْتَطَعْتُمْ ذُهُولٌ عَظِيمٌ وَاسْتَدَلَّ (الْقَائِلُ بِالطَّلَبِ) بِأَنَّهُ (ثَبَتَ رُجْحَانُ الْوُجُودِ) الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ اللُّغَةِ (وَلَا مُخَصِّصَ) لَهُ بِأَحَدِهِمَا (فَوَجَبَ كَوْنُهُ) أَيْ رُجْحَانِ الْوُجُودِ (الْمَطْلُوبَ مُطْلَقًا دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَالْمَجَازِ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِأَحَدِهِمَا لَا غَيْرُ فَإِنَّ التَّوَاطُؤَ خَيْرٌ مِنْهُمَا (قُلْنَا) بَلْ هُوَ لِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْوُجُوبُ (بِمُخَصِّصٍ وَهِيَ) أَيْ الْمُخَصِّصُ - وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَهُوَ - (أَدِلَّتُنَا عَلَى الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهُ) أَيْ جَعْلَهُ لِلطَّلَبِ (إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِلَازِمِ الْمَاهِيَّةِ) وَهُوَ الرُّجْحَانُ لِجَعْلِ الرُّجْحَانِ لَازِمًا لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَجَعْلِ صِيغَةِ الْأَمْرِ لَهُمَا بِاعْتِبَارِ هَذَا اللَّازِمِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَيَّدِ بِأَحَدِهِمَا أَوْ لِلْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ (الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالِاثْنَيْنِ) وَالثَّلَاثَةِ أَيْضًا (ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ) عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَعَلَى الِاثْنَيْنِ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ (وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ قُلْنَا الْمَجَازُ خَيْرٌ) مِنْ الِاشْتِرَاكِ (وَتَعْيِينُ الْحَقِيقِيِّ) الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ (بِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَدِلَّتِهِ (وَالْوَاقِفُ كَوْنُهَا) أَيْ الصِّيغَةِ (لِلْوُجُوبِ أَوْ غَيْرِهِ بِالدَّلِيلِ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِي كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهَا دُونَ الْبَاقِي (مُنْتَفٍ إذْ الْآحَادُ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ) وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَلَوْ تَوَاتَرَ لَمْ يُخْتَلَفْ) فِيهِ لِإِيجَابِهِ اسْتِوَاءَ طَبَقَاتِ الْبَاحِثِينَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْكُلِّ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ لِبَذْلِهِمْ جُهْدَهُمْ فِي طَلَبِهِ لَكِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ ثَابِتٌ فَلَمْ يَتَوَاتَرْ وَالْعَقْلُ الصِّرْفُ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَتَوَاتَرُ إذْ (تَوَاتُرُ اسْتِدْلَالَاتِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ اللِّسَانِ تَوَاتُرُ أَنَّهَا) أَيْ الصِّيغَةَ (لَهُ) أَيْ لِلْوُجُوبِ وَعَلَى هَذَا فَإِمَّا الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةُ الْإِطْلَاقِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يُفْرِغَ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ جُهْدَهُ فِي ذَلِكَ لِعَارِضٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّوَاتُرُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ، وَكِلَاهُمَا مَحَلُّ تَأَمُّلٍ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّهُ لَمْ يَتَوَاتَرْ (كَفَى الظَّنُّ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَتَبُّعِ مَوَارِدِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الصِّيغَةِ فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْوَاجِبُ وَتَقَدَّمَ مَا فِي الْمَحْصُولِيَّاتِ (الْقَائِلُ بِالْإِذْنِ كَالْقَائِلِ بِالطَّلَبِ) وَهُوَ أَنَّهُ ثَبَتَ الْإِذْنُ بِالضَّرُورَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ مُخَصِّصٌ لَهُ بِأَحَدِ

مسألة الوجوب لصيغة الأمر حقيقة

الثَّلَاثَةِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ فَوَجَبَ جَعْلُهُ لِلْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَهُوَ الْإِذْنُ فِي الْفِعْلِ، وَالْجَوَابُ الْمَنْعُ بَلْ وُجِدَ وَهُوَ أَدِلَّتُنَا الدَّالَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ. [مَسْأَلَةُ الْوُجُوبِ لِصِيغَةِ الْأَمْرِ حَقِيقَةً] (مَسْأَلَةٌ) لَيْسَتْ مَبْدَئِيَّةً لُغَوِيَّةً بَلْ شَرْعِيَّةً (مُسْتَطْرَدَةٌ: أَكْثَرُ الْمُتَّفِقِينَ عَلَى الْوُجُوبِ) لِصِيغَةِ الْأَمْرِ حَقِيقَةً كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ (أَنَّهَا بَعْدَ الْحَظْرِ) أَيْ الْمَنْعِ (فِي لِسَانِ الشَّرْعِ لِلْإِبَاحَةِ بِاسْتِقْرَاءِ اسْتِعْمَالَاتِهِ) أَيْ الشَّرْعِ لَهَا (فَوَجَبَ الْحَمْلُ) أَيْ حَمْلُهَا (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَعْنَى الْإِبَاحِيِّ (عِنْدَ التَّجَرُّدِ) عَنْ الْمُوجِبِ لِغَيْرِهِ (لِوُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ) لِصَيْرُورَتِهِ كَالْأَصْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ (مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ) أَيْ الْمَحْمُولَ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ الْغَالِبِ (نَحْوُ {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] فَالْأَمْرُ هُنَا لِلْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِ قَتْلِ الْمُشْرِكِ إلَّا لِمَانِعٍ وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ (وَظَهَرَ) مِنْ الِاسْتِنَادِ فِي الْإِبَاحَةِ إلَى اسْتِقْرَاءِ اسْتِعْمَالَاتِ الشَّارِعِ الْأَمْرَ فِيهَا (ضَعْفُ قَوْلِهِمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَظْرِ كَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَعَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بَلْ عَزَاهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ إلَى عَامَّةِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ قَبْلَ الْحَظْرِ. (وَلَوْ كَانَ) الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ (امْتَنَعَ التَّصْرِيحُ بِالْوُجُوبِ) بَعْدَ الْحَظْرِ وَلَا يَمْتَنِعُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الشَّيْءِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ مُحَالٌ، وَوَجْهُ ظُهُورِ ضَعْفِهِ أَنَّ كَوْنَهُ لِلْإِبَاحَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ وَقَعَ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِبْعَادِهِ ثُمَّ الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّ قِيَامَ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِ عَلَى مَعْنًى لَا يَمْنَعُ التَّصْرِيحَ بِخِلَافِهِ، وَيَكُونُ التَّصْرِيحُ قَرِينَةً صَارِفَةً عَمَّا يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْهَا (وَلَا مُخَلِّصَ) مِنْ أَنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ لِلِاسْتِقْرَاءِ الْمَذْكُورِ (إلَّا بِمَنْعِ صِحَّةِ الِاسْتِقْرَاءِ إنْ تَمَّ) مَنْعُ صِحَّتِهِ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ (وَمَا قِيلَ أَمْرُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ) بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِمَا عَلَيْهِمَا فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ يُفِيدُ الْوُجُوبَ لَا الْإِبَاحَةَ (غَلَطٌ لِأَنَّهُ) أَيْ أَمْرَهُمَا بِهِمَا (مُطْلَقٌ) عَنْ التَّرْتِيبِ عَلَى سَبْقِ الْحَظْرِ (وَالْكَلَامُ) فِي أَنَّ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ إنَّمَا هُوَ (فِي الْمُتَّصِلِ بِالنَّهْيِ إخْبَارًا) كَمَا عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدْ كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَ) فِي الْأَمْرِ (الْمُعَلَّقِ بِزَوَالِ سَبَبِهِ) أَيْ سَبَبِ الْحَظْرِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] فَالصَّيْدُ كَانَ حَلَالًا عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ حَرُمَ بِسَبَبٍ هُوَ الْإِحْرَامُ ثُمَّ عُلِّقَ الْإِذْنُ فِيهِ بِالْحِلِّ وَهُوَ زَوَالُ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْإِحْرَامُ (وَيُدْفَعُ) هَذَا التَّغْلِيظُ (بِوُرُودِهِ) أَيْ الْأَمْرِ لِلْحَائِضِ فِي الصَّلَاةِ (كَذَلِكَ) أَيْ مُعَلَّقًا بِزَوَالِ سَبَبِ الْحَظْرِ (فَفِي الْحَدِيثِ) الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «فَإِذَا أَدْبَرَتْ الْحَيْضَةُ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي» ) إلَّا أَنَّ الْحَيْضَةَ لَمْ تُذْكَرْ بَعْدَ " أَدْبَرَتْ " اكْتِفَاءً بِضَمِيرِهَا الْمُسْتَتِرِ فِيهِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهَا فِي قَوْلِهِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ فِي حَائِهَا وَهِيَ الْحَيْضُ فَعَلَّقَ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى زَوَالِ سَبَبِ حُرْمَتِهَا وَهُوَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ وَأَمَّا دَفْعُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَمْرِهَا بِالصَّوْمِ وَإِلَى أَمْرِ النُّفَسَاءِ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ. هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَا الِاشْتِرَاطِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ اتِّفَاقٌ مُصَرَّحٌ بِهِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي الْأَمْرِ الْمَعْلُومِ وُرُودُهُ بَعْدَ الْحَظْرِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي اللَّفْظِ مُتَّصِلًا بِالنَّهْيِ إخْبَارًا أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى زَوَالِ سَبَبِ الْحَظْرِ؟ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْخِلَافِ مَحْكِيًّا فِي أَفْرَادٍ مِنْ هَذَيْنِ الْحَصْرُ فِيهِمَا

(وَالْحَقُّ أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْأَمْرَ (بَعْدَ الْحَظْرِ لِمَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ) أَيْ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ بِهِ مِنْ الْحُكْمِ قَبْلَ الْمَنْعِ (فَإِنْ) اعْتَرَضَ الْحَظْرُ (عَلَى الْإِبَاحَةِ) ثُمَّ وَقَعَ الْأَمْرُ بِذَاكَ الْمُبَاحِ أَوْ لَا (كَ اصْطَادُوا فَلَهَا) أَيْ فَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ (أَوْ) اعْتَرَضَ (عَلَى الْوُجُوبِ كَ اغْسِلِي عَنْكِ وَصَلِّي فَلَهُ) أَيْ فَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ وَاجِبَةً ثُمَّ حَرُمَتْ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ (فَلْنَخْتَرْ ذَلِكَ) أَيْ هَذَا التَّفْصِيلَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بِلَفْظِ قِيلَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ وَفِي الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ: الْفِعْلُ إنْ كَانَ مُبَاحًا فِي أَصْلِهِ ثُمَّ وَرَدَ حَظْرٌ مُعَلَّقٌ بِغَايَةٍ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ بِعِلَّةٍ عَرَضَتْ فَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بَعْدَ زَوَالِ مَا عُلِّقَ الْحَظْرُ بِهِ يُفِيدُ الْإِبَاحَةَ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] لِأَنَّ الصَّيْدَ كَانَ حَلَالًا عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ حَرُمَ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَكَانَ قَوْلُهُ " فَاصْطَادُوا " إعْلَامًا بِأَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ قَدْ ارْتَفَعَ وَعَادَ الْأَمْرُ إلَى أَصْلِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَظْرُ وَارِدًا ابْتِدَاءً غَيْرَ مُعَلَّلٍ بِعِلَّةٍ عَارِضَةٍ وَلَا مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ وَلَا غَايَةٍ فَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بَعْدَهُ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ. زَادَ فِي الْكَشْفِ وَذَكَرَ فِي الْمُعْتَمَدِ: الْأَمْرُ إذَا وَرَدَ بَعْدَ حَظْرٍ عَقْلِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ أَفَادَ مَا يُفِيدُهُ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ حَظْرٌ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لِلْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَظْرِ (الْإِبَاحَةُ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَأْمُورَاتِ مِنْ الِاصْطِيَادِ وَأَخَوَاتِهِ (لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَأْمُورَاتِ (شُرِعَتْ لَنَا فَلَا تَصِيرُ) وَاجِبَةً (عَلَيْنَا) بِالْأَمْرِ لِئَلَّا يَعُودَ الْأَمْرُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ (لَا يَدْفَعُ اسْتِقْرَاءَ أَنَّهَا) أَيْ صِيغَةَ الْأَمْرِ (لَهَا) أَيْ لِلْإِبَاحَةِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الِاسْتِقْرَاءَ مَعَ الْقَرِينَةِ دَلِيلٌ (مُوجِبٌ لِلْحَمْلِ) أَيْ حَمْلِ الْأَمْرِ (عَلَى الْإِبَاحَةِ فِيمَا لَا قَرِينَةَ مَعَهُ) عَلَى مَا نُسِبَ إلَى اخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ أَوَّلًا (وَ) مُوجِبٌ لِحَمْلِهِ (عَلَى مَا اخْتَرْنَا عَلَى مَا اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ) مِنْ الْحُكْمِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا كُلَّمَا وَرَدَتْ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ كَانَتْ مُتَجَوَّزًا بِهَا فِي الْإِبَاحَةِ فَإِذَا غَلَبَ وَاسْتَمَرَّ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْهُ، وَمِنْ هُنَا قَالَ (ثُمَّ إنَّمَا يَلْزَمُ) هَذَا (مَنْ قَدَّمَ الْمَجَازَ الْمَشْهُورَ) عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ وَهُوَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَنْ وَافَقَهُمَا (لَا أَبَا حَنِيفَةَ) لِأَنَّهُ لَا يُقَدِّمُهُ عَلَيْهَا بَلْ يُقَدِّمُهَا عَلَيْهِ (إلَّا أَنَّ تَمَامَ الْوَجْهِ) - أَيْ وَجْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - ثَابِتٌ (عَلَيْهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (فِيهَا) كَمَا سَيَأْتِي فَيَلْزَمُ تَرَجُّحُ كَوْنِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ - حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِهِمَا الْمَذْكُورِ - وَكَوْنِهِ لِلْوُجُوبِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَصْرِفُهُ عَنْهُ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ، وَوَجْهُ اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَظْرَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى رَفْعِ الْحُكْمِ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِذَا زَالَ الْحَظْرُ انْتَفَى الْمَانِعُ فَبَقِيَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَتَّى كَأَنَّ الْآمِرَ قَالَ: قَدْ كُنْت مَنَعْت مِنْ كَذَا وَقَدْ رَفَعْت ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ مَا كَانَ مَشْرُوعًا قَبْلَ الْمَنْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ مَشْرُوعًا قَبْلَهُ فَإِنْ قُلْت لَكِنَّ كَوْنَهُ لِلْإِبَاحَةِ هُوَ الْأَغْلَبُ فَكَمَا يَكُونُ لَهَا عِنْدَ قَرِينَتِهَا يَكُونُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِهَا حَمْلًا لَهُ عَلَى الْأَغْلَبِ كَمَا تَقَدَّمَ قُلْت لَا نُسَلِّمُ: كَوْنُهُ لِلْإِبَاحَةِ هُوَ الْأَغْلَبُ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَكُونُ لَهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ لَهَا بَلْ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ لَهَا وَلَا لِغَيْرِهَا وَهُوَ مُنْتَفٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ إحْدَى الْقَرِينَتَيْنِ فَإِذَا انْتَفَتْ قَرِينَتُهَا كَانَتْ قَرِينَةُ غَيْرِهَا مَوْجُودَةً فَيُعْمَلُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوُجُوبَ - وَهُوَ ظَاهِرٌ - أَوْ غَيْرَهُ لِانْتِفَاءِ مُزَاحَمَةِ الْمَجَازِ الَّذِي لَا قَرِينَةَ لَهُ لِمَا لَهُ قَرِينَةٌ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ انْتِفَاءُ التَّوَقُّفِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا، وَفِي الْمَحْصُولِ وَالْأَمْرُ بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ كَالْأَمْرِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّعَرُّضِ لَهُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ

مسألة تبادر كون الصيغة في الإباحة والندب مجازا

[مَسْأَلَةٌ تَبَادُرِ كَوْنِ الصِّيغَةِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ مَجَازًا] (مَسْأَلَةٌ: لَا شَكَّ فِي تَبَادُرِ كَوْنِ الصِّيغَةِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ مَجَازًا بِتَقْدِيرِ أَنَّهَا خَاصٌّ فِي الْوُجُوبِ، وَحَكَى فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّقْدِيرِ) أَيْ تَقْدِيرِ كَوْنِهَا خَاصًّا فِي الْوُجُوبِ (خِلَافًا فِي أَنَّهَا مَجَازٌ) فِيهِمَا (أَوْ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، فَقِيلَ أَرَادَ لَفْظَ أَمْرٍ وَبَعُدَ) كَوْنُهُ مُرَادَهُ (بِنَظْمِهِ الْإِبَاحَةَ) مَعَ النَّدْبِ فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ (وَالْمَعْرُوفُ كَوْنُ الْخِلَافِ فِي النَّدْبِ فَقَطْ هَلْ يَصْدُقُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً وَسَيُذْكَرُ) فِي فَصْلِ الْمَحْكُومِ بِهِ (وَقِيلَ) أَرَادَ بِالْأَمْرِ (الصِّيغَةَ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ خَاصَّةٌ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ) عَنْ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لَهَا عَنْهُ (وَلِلنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ مَعَهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ الْمُفِيدَةِ أَنَّهَا لَهُمَا كَمَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ حَقِيقَةٌ فِي الْكُلِّ خَاصَّةً بِدُونِ الِاسْتِثْنَاءِ وَفِي الْبَاقِي مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ (وَدُفِعَ) هَذَا الْقَوْلُ فِي التَّلْوِيحِ (بِاسْتِلْزَامِهِ رَفْعَ الْمَجَازِ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ (وَبِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (فِي الْوَضْعِيِّ بِلَا قَرِينَةٍ) تُفِيدُهُ وَهَذَا يُوجِبُهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. (وَقِيلَ بَلْ الْقِسْمَةُ) لِلَّفْظِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى (ثُلَاثِيَّةٌ) وَهِيَ أَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنًى خَارِجٍ عَمَّا وُضِعَ لَهُ فَمَجَازٌ، وَإِلَّا فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي عَيْنِ مَا وُضِعَ لَهُ فَحَقِيقَةٌ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ كَمَا أَشَارَ إلَى هَذَا (بِإِثْبَاتِ الْحَقِيقَةِ الْقَاصِرَةِ وَهِيَ مَا) أَيْ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ (فِي الْجُزْءِ) أَيْ جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَالْكَرْخِيُّ وَالرَّازِيُّ وَكَثِيرٌ) بَلْ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا فِي النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ (مَجَازٌ إذْ لَيْسَا) أَيْ النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ (جُزْأَيْ الْوُجُوبِ لِمُنَافَاتِهِ) أَيْ الْوُجُوبِ (فَصْلَهُمَا) أَيْ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا يَظْهَرُ عَلَى الْأَثَرِ (وَإِنَّمَا بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَبَيْنَ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ، وَالْأَحْسَنُ بَيْنَهَا قَدْرٌ (مُشْتَرَكٌ هُوَ الْإِذْنُ) فِي الْفِعْلِ ثُمَّ امْتَازَ الْوُجُوبُ بِمَعَ امْتِنَاعَ التَّرْكِ، وَالنَّدْبُ بِمَعَ جَوَازَ التَّرْكِ مَرْجُوحًا، وَالْإِبَاحَةُ بِمَعَ جَوَازَ التَّرْكِ مُسَاوِيًا (وَالْقَائِلُ) بِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ فِيهِمَا (حَقِيقَةٌ) يَقُولُ (الْأَمْرُ فِي الْإِبَاحَةِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُشْتَرَكِ الْإِذْنِ وَهُوَ) أَيْ الْمُشْتَرَكُ (الْجُزْءُ) مِنْ الْوُجُوبِ (فَحَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ) أَيْ فَهُوَ فِيهِمَا حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ (وَثُبُوتُ إرَادَةِ مَا بِهِ الْمُبَايَنَةُ) لِلْوُجُوبِ أَوْ جَوَازِ التَّرْكِ مَرْجُوحًا وَمُسَاوِيًا (وَهُوَ) أَيْ مَا بِهِ الْمُبَايَنَةُ (فَصْلُهُمَا) أَيْ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (بِالْقَرِينَةِ لَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ) أَيْ صِيغَتِهِ (وَمَبْنَاهُ) أَيْ هَذَا الْكَلَامِ (عَلَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ) أَيْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ (وَكَذَا النَّدْبُ) رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ (مَعَ تَرْجِيحِ الْفِعْلِ، وَالْوُجُوبُ) رَفْعُ الْحَرَجِ (عَنْ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ الْفِعْلُ (وَمَنْ ظَنَّ جُزْئِيَّتَهُمَا) أَيْ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ لِلْوُجُوبِ (فَبَنَى الْحَقِيقَةَ) أَيْ فَجَعَلَ كَوْنَهُ فِيهِمَا حَقِيقَةً قَاصِرَةً بِنَاءً (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهَا جُزْءًا مِنْهُ وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (غَلِطَ لِتَرْكِ فَصْلِهِمَا) وَلَمَّا كَانَ حَاصِلُ تَقْرِيرِهِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ أَنَّ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ الْأَمْرِ لِلنَّدَبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ وَجَوَازِ التَّرْكِ مَرْجُوحًا أَوْ مُسَاوِيًا حَتَّى يَكُونَ الْمَجْمُوعُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الصِّيغَةَ لِطَلَبِ الْفِعْلِ، وَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى جَوَازِ التَّرْكِ أَصْلًا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّدْبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ، أَعْنِي جَوَازَ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ لَهُمَا وَلِلْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى جَوَازِ التَّرْكِ أَوْ امْتِنَاعِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ جَوَازُ التَّرْكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى حُرْمَةِ التَّرْكِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ جَوَازِ الْفِعْلِ جُزْءٌ مِنْ الْوُجُوبِ الْمُرَكَّبِ مِنْ جَوَازِ الْفِعْلِ مَعَ امْتِنَاعِ التَّرْكِ، فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ الصِّيغَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْوُجُوبِ فِي مُجَرَّدِ جَوَازِ الْفِعْلِ مِنْ قَبِيلِ اسْتِعْمَالِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ، وَيَكُونُ مَعْنَى اسْتِعْمَالِهَا فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ هُوَ اسْتِعْمَالَهَا فِي جُزْئِهِمَا

الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ لَهُمَا وَيَثْبُتُ الْفَصْلُ الَّذِي هُوَ جَوَازُ التَّرْكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ لَا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَيَثْبُتُ رُجْحَانُ الْفِعْلِ فِي النَّدْبِ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ. أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَى) الْوَضْعِيِّ بِتَمَامِهِ (وَعَدَمَهَا) أَيْ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ إمَّا بِأَنْ لَا يَكُونَ دَالًّا عَلَيْهِ أَصْلًا أَوْ بِأَنْ لَا يَكُونَ دَالًّا عَلَى جُزْئِهِ (لَا دَخْلَ لَهَا) وَالظَّاهِرُ لَهُمَا أَيْ لِلدَّلَالَةِ وَعَدَمِهَا (فِي كَوْنِ اللَّفْظِ مَجَازًا وَعَدَمِهِ) أَيْ وَعَدَمِ كَوْنِ اللَّفْظِ مَجَازًا (بَلْ) الَّذِي لَهُ دَخْلٌ فِي كَوْنِ اللَّفْظِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ لَهُ مَجَازًا (اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ لَهُ (وَإِرَادَتُهُ) أَيْ غَيْرِ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ (بِهِ) أَيْ بِاللَّفْظِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي كَوْنَ اللَّفْظِ حَقِيقَةً مُطْلَقَةً بِاسْتِعْمَالِهِ فِي تَمَامِ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ، وَكَوْنَهُ حَقِيقَةً قَاصِرَةً بِاسْتِعْمَالِهِ فِي جُزْئِهِ فَقَطْ، وَكَوْنَهُ مَجَازًا بِاسْتِعْمَالِهِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الْمُنَاسِبَةِ لِلْوَضْعِيِّ وَلَا دَخْلَ لِدَلَالَتِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَلِذَا ثَبَتَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْوَضْعِيِّ، وَيَنْتَفِي عَنْهُ كَوْنُهُ حَقِيقَةً إذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ بَلْ فِي مَعْنًى خَارِجٍ عَنْهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مَجَازٌ وَلَهُ دَلَالَةٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَلَيْسَ حَقِيقَةً إذْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَى مَعْلُومَةٌ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْمَعْلُولُ وَهُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْوَضْعِيِّ فَثَبَتَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْوَضْعِيِّ وَهُوَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ (وَلَا شَكَّ أَنَّهُ) أَيْ الْأَمْرَ (اُسْتُعْمِلَ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ بِالْفَرْضِ فَيَكُونُ مَجَازًا وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ الْأَمْرُ حِينَئِذٍ إلَّا عَلَى جُزْئِهِ إطْلَاقُ الْفِعْلِ) أَيْ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ صِيغَةُ الْأَمْرِ فِي الْإِبَاحَةِ مَثَلًا - الَّتِي هِيَ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ - وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً قَاصِرَةً، وَإِنْ دَلَّ اللَّفْظُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى جُزْءِ الْإِبَاحَةِ أَعْنِي رَفْعَ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ أَنَّهُ جُزْءُ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ، وَهُوَ الْوُجُوبُ بَلْ وَعَلَى جُزْئِهِ الْآخَرِ وَهُوَ إثْبَاتُهُ بِالتَّرْكِ، إذْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْوَضْعِيِّ لَا يَسْقُطُ فَدَلَّ تَضَمُّنًا عَلَيْهِ لِدَلَالَتِهِ فِي حَالِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْإِبَاحَةِ عَلَى رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ وَإِثْبَاتِهِ عَلَى التَّرْكِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَحَدَ الْجُزْأَيْنِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي هَذَا الْجُزْءِ بِخُصُوصِهِ بَلْ لِلْمُرَكَّبِ مِنْهُ وَمِنْ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ التَّرْكِ الَّذِي بِهِ يُبَايِنُ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيَّ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا ثَمَّ فِي التَّلْوِيحِ فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِاسْتِعْمَالِ الْأَمْرِ فِي النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَإِرَادَتِهِمَا مِنْهُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَمْلِ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي جِنْسِ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ عُدُولًا عَنْ الظَّاهِرِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّرْكِ أَصْلًا وَإِنْ أَرَادَ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ فَغَيْرُ مُفِيدٍ وَإِنْ أَرَادَ بِحَسَبِ الْمَجَازِ فَمَمْنُوعٌ. لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِطَلَبِ الْفِعْلِ جَزْمًا فِي طَلَبِ الْفِعْلِ مَعَ إجَازَةِ التَّرْكِ وَالْإِذْنِ فِيهِ مَرْجُوحًا أَوْ مُسَاوِيًا بِجَامِعِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي جَوَازِ الْفِعْلِ وَالْإِذْنِ فِيهِ، قُلْت: هُوَ كَمَا صَرَّحُوا بِاسْتِعْمَالِ الْأَسَدِ فِي الْإِنْسَانِ الشُّجَاعِ وَإِرَادَتِهِ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الشُّجَاعِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ يَدُلُّ عَلَى ذَاتِيَّاتِ الْإِنْسَانِ كَالنَّاطِقِ مَثَلًا، فَإِذَا كَانَ الْجَامِعُ هَاهُنَا هُوَ جَوَازَ الْفِعْلِ وَالْإِذْنِ فِيهِ كَانَ اسْتِعْمَالُ صِيغَةِ الْأَمْرِ فِي النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا مِنْ أَفْرَادِ جَوَازِ الْفِعْلِ وَالْإِذْنِ، وَتَثْبُتُ خُصُوصِيَّةُ كَوْنِهِ مَعَ جَوَازِ التَّرْكِ أَوْ بِدُونِهِ بِالْقَرِينَةِ كَمَا أَنَّ الْأَسَدَ يُسْتَعْمَلُ فِي الشُّجَاعِ وَيُعْلَمُ كَوْنُهُ إنْسَانًا بِالْقَرِينَةِ، اهـ. وَقَدْ تَعَقَّبَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِقَوْلِهِ (وَكَوْنُ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْأَمْرِ (فِيهَا) أَيْ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ (مِنْ حَيْثُ هُمَا) أَيْ النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ (مِنْ أَفْرَادِ الْجَامِعِ) بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوُجُوبِ (وَهُوَ) أَيْ الْجَامِعُ (الْإِذْنُ) فِي الْفِعْلِ (كَاسْتِعْمَالِ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ

مسألة الصيغة أي المادة باعتبار الهيئة الخاصة لمطلق الطلب

مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ (مِنْ أَفْرَادِهِ) أَيْ الْأَسَدِ (وَيُعْلَمُ أَنَّهُ) أَيْ الْأَسَدَ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي إنْسَانٍ (إنْسَانٌ بِالْقَرِينَةِ) كَ يُلَاعِبُ بِالْأَسِنَّةِ (لَا يُصْرَفُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ كَوْنِ لَفْظِ الْأَمْرِ مُسْتَعْمَلًا فِي تَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ (إلَى كَوْنِ الِاسْتِعْمَالِ فِي جُزْءِ مَفْهُومِهِ) الَّذِي هُوَ جَوَازُ الْفِعْلِ (وَلَا) إلَى (كَوْنِ دَلَالَتِهِ) أَيْ الْأَمْرِ (عَلَى مُجَرَّدِ الْجُزْءِ) أَيْ جُزْءِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ (بَلْ هُوَ) أَيْ مُجَرَّدُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْجُزْءِ (لِمُجَرَّدِ تَسْوِيغِ الِاسْتِعْمَالِ فِي تَمَامِهِ) أَيْ الْمَعْنَى الْغَيْرِ الْوَضْعِيِّ (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِعْمَالُ فِي تَمَامِ الْمَعْنَى الْغَيْرِ الْوَضْعِيِّ (مَنَاطُ الْمَجَازِيَّةِ دُونَ الدَّلَالَةِ لِثُبُوتِهَا) أَيْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ (عَلَى الْوَضْعِيِّ مَعَ مَجَازِيَّتِهِ) أَيْ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْوَضْعِيِّ (كَمَا قَدَّمْنَا وَالْقَرِينَةُ) إنَّمَا هِيَ (لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُرَدْ بِهِ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيُّ) لَا الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ أَوْ جُزْئِهِ (وَالْمُرَادُ بِحَيَوَانٍ فِي قَوْلِنَا " يَكْتُبُ حَيَوَانٌ " إنْسَانٌ اسْتِعْمَالًا لِاسْمِ الْأَعَمِّ فِي الْأَخَصِّ بِقَرِينَةِ يَكْتُبُ وَتَقَدَّمَ) فِي أَوَائِلِ الْكَلَامِ فِي الْأَمْرِ (أَنَّهُ) أَيْ اسْتِعْمَالَ الْأَعَمِّ فِي الْأَخَصِّ (حَقِيقَةٌ) . [مَسْأَلَةٌ الصِّيغَة أَيْ الْمَادَّة بِاعْتِبَارِ الْهَيْئَة الْخَاصَّةِ لِمُطْلَقِ الطَّلَبِ] ِ لَا بِقَيْدِ مَرَّةٍ وَلَا تَكْرَارٍ وَلَا (يَحْتَمِلُهُ) أَيْ التَّكْرَارَ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) وَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَلَى نَقْلِهِمَا وَالْبَيْضَاوِيِّ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَأَرَاهُ رَأْيَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا (وَكَثِيرٌ لِلْمَرَّةِ) وَهَذَا عَزَاهُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ إلَى أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ الْإسْفَرايِينِيّ: إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّهُ الصَّحِيحُ الْأَشْبَهُ بِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ، لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: النَّقَلَةُ لِهَذَا عَنْ أَصْحَابِنَا لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّأْيِ الْمُخْتَارِ، وَلَيْسَ غَرَضُهُمْ إلَّا نَفْيَ التَّكْرَارِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْمَرَّةِ، وَلِذَا لَمْ يَحْكِ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ مَعَ حِكَايَةِ هَذَا فَهُوَ عِنْدَهُمْ هُوَ (وَقِيلَ لِلتَّكْرَارِ أَبَدًا) أَيْ مُدَّةَ الْعُمُرِ مَعَ الْإِمْكَانِ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيُّ وَاِبْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ لِيَخْرُجَ أَزْمِنَةُ ضَرُورِيَّاتِ الْإِنْسَانِ مِنْ قَضَاءِ حَاجَةٍ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (وَقِيلَ) الْأَمْرُ (الْمُعَلَّقُ) عَلَى شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ لِلتَّكْرَارِ لَا الْمُطْلَقُ، وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (وَقِيلَ) الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْمَرَّةِ (وَيَحْتَمِلُهُ) أَيْ التَّكْرَارَ، وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الشَّافِعِيِّ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) إمَّا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ (لَا نَدْرِي) أَوُضِعَ لِلْمَرَّةِ وَلِلتَّكْرَارِ أَوْ لِلْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَيْهِمَا (أَوْ) عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ (لَا يُدْرَى مُرَادُهُ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ (لِلِاشْتِرَاكِ) اللَّفْظِيِّ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي جَمَاعَةٍ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ، هَذَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ الْمَرَّةَ لَا تَفْعَلُ بَلْ فِعْلُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَاقْتِضَاءُ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ خِلَافَهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ (لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ الْأَوَّلُ (إطْبَاقُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ هَيْئَةَ الْأَمْرِ لَا دَلَالَةَ لَهَا إلَّا عَلَى الطَّلَبِ فِي خُصُوصِ زَمَانٍ وَخُصُوصِ الْمَطْلُوبِ) مِنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ وَغَيْرِهِمَا إنَّمَا هُوَ (مِنْ الْمَادَّةِ وَلَا دَلَالَةَ لَهَا) أَيْ الْمَادَّةِ (عَلَى غَيْرِ مُجَرَّدِ الْفِعْلِ) أَيْ الْمَصْدَرِ (فَلَزِمَ) مِنْ مَجْمُوعِ الْهَيْئَةِ وَالْمَادَّةِ (أَنَّ تَمَامَ مَدْلُولِ الصِّيغَةِ طَلَبُ الْفِعْلِ فَقَطْ، وَالْبَرَاءَةَ بِمَرَّةٍ لِوُجُودِهِ) أَيْ وَالْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً لِضَرُورَةِ إدْخَالِهِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ بِأَقَلَّ مِنْهَا (فَانْدَفَعَ دَلِيلُ الْمَرَّةِ) وَهُوَ أَنَّ الِامْتِثَالَ يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ فَيَكُونُ لَهَا بِهَذَا (وَاسْتُدِلَّ) لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ (مَدْلُولُهَا) أَيْ الصِّيغَةِ (طَلَبُ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ فَقَطْ، وَالْمَرَّةُ

وَالتَّكْرَارُ خَارِجَانِ) عَنْ حَقِيقَتِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَحْصُلَ الِامْتِثَالُ بِهِ فِي أَيِّهِمَا وُجِدَ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِأَحَدِهِمَا (وَدُفِعَ) هَذَا كَمَا أَفَادَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالنِّزَاعِ) لِأَنَّ الْمُخَالِفَ يَقُولُ: هِيَ لِلْحَقِيقَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْمَرَّةِ أَوْ التَّكْرَارِ (وَبِأَنَّهُمَا) أَيْ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَرَّةَ وَالتَّكْرَارَ (مِنْ صِفَاتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ كَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (وَلَا دَلَالَةَ لِلْمَوْصُوفِ) بِالصِّفَاتِ الْمُتَقَابِلَةِ (عَلَى الصِّفَةِ) الْمُعَيَّنَةِ مِنْهَا فَلَا دَلَالَةَ لِلْأَمْرِ الدَّالِّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ عَلَيْهِمَا (وَدُفِعَ) هَذَا كَمَا أَفَادَهُ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ أَيْضًا (بِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ دَلَالَةِ الْمَادَّةِ أَيْ الْمَصْدَرِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ الْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ (وَالْكَلَامَ) فِي انْتِقَاءِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِمَا (فِي الصِّيغَةِ) فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَدُلَّ الصِّيغَةُ عَلَى الْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ، وَهُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ، وَاحْتِمَالُ الصِّيغَةِ لَهُمَا لَا يَمْنَعُ ظُهُورَ أَحَدِهِمَا وَالْمُدَّعَى الدَّلَالَةُ بِحَسَبِ الظُّهُورِ لَا النُّصُوصِيَّةُ (قَالُوا) أَيْ الْمُكَرِّرُونَ (تَكَرَّرَ) الْمَطْلُوبُ (فِي النَّهْيِ فَعُمَّ) فِي الْأَزْمَانِ (فَوَجَبَ) التَّكْرَارُ أَيْضًا (فِي الْأَمْرِ لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ (طَلَبٌ قُلْنَا) هَذَا (قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ لِأَنَّهُ فِي دَلَالَةِ لَفْظٍ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُهُ (وَ) أُجِيبَ أَيْضًا (بِالْفَرْقِ) بَيْنَهُمَا (بِأَنَّ النَّهْيَ لِتَرْكِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (وَتَحَقُّقِهِ) أَيْ التَّرْكِ (بِهِ) أَيْ بِالتَّرْكِ (فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ، وَالْأَمْرُ لَا يُنَافِيهِ) أَيْ الْفِعْلَ (وَيَتَحَقَّقُ) الْفِعْلُ (بِمَرَّةٍ وَيَأْتِي) فِي هَذَا أَيْضًا (أَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ) لِأَنَّ كَوْنَهُ لِمُجَرَّدِ إثْبَاتِهِ الْحَاصِلِ بِمَرَّةٍ عَيْنُ النِّزَاعِ إذْ هُوَ عِنْدَ الْمُخَالِفِ لِإِثْبَاتِهِ دَائِمًا. (وَأَمَّا) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ (بِأَنَّ التَّكْرَارَ مَانِعٌ مِنْ) فِعْلِ (غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ) لِأَنَّ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا لَا تُجَامِعُ كُلَّ فِعْلٍ (فَيَتَعَطَّلُ) مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَأْمُورِ وَالْمَصَالِحِ الْمُهِمَّاتِ (بِخِلَافِ النَّهْيِ) فَإِنَّ التُّرُوكَ تُجَامِعُ كُلَّ فِعْلٍ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: (فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَدْلُولِهِ) أَيْ لَفْظِ الْأَمْرِ (وَلَيْسَ) مَدْلُولُهُ (مَلْزُومَ الْإِرَادَةِ) لِلتَّكْرَارِ (فَيَجِبُ انْتِفَاؤُهَا) أَيْ إرَادَةِ التَّكْرَارِ (لِلْمَانِعِ) مِنْهَا (قَالُوا) أَيْ الْمُكَرِّرُونَ أَيْضًا: الْأَمْرُ (نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ، وَهُوَ) أَيْ النَّهْيُ (دَائِمِيٌّ) أَيْ يَمْنَعُ مِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ دَائِمًا (فَيَتَكَرَّرُ) الْأَمْرُ (فِي الْمَأْمُورِ) أَيْ بِهِ، وَالْوَجْهُ عَدَمُ حَذْفِهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ فَيَتَكَرَّرُ الْمَأْمُورُ بِهِ. (قُلْنَا: تَكَرُّرُ) النَّهْيِ (الْمَضْمُونِ فَرْعُ تَكَرُّرِ) الْأَمْرِ (الْمُتَضَمِّنِ، فَإِثْبَاتُ تَكَرُّرِهِ) أَيْ تَكَرُّرِ الْأَمْرِ الْمُتَضَمِّنِ (بِهِ) أَيْ بِتَكَرُّرِ النَّهْيِ الْمَضْمُونِ (دَوْرٌ) لِتَوَقُّفِ تَكَرُّرِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ (وَلَيْسَ) هَذَا الْجَوَابُ (بِشَيْءٍ) دَافِعٍ لِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ (بَلْ إذَا كَانَ) تَكَرُّرُ النَّهْيِ الْمَضْمُونِ (فَرْعَهُ) أَيْ تَكَرُّرِ الْأَمْرِ الْمُتَضَمِّنِ (وَتَحَقَّقْنَا ثُبُوتَهُ) أَيْ تَكَرُّرِ النَّهْيِ (اسْتَدْلَلْنَا بِهِ) أَيْ بِتَكَرُّرِهِ (عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ) أَيْ الْأَمْرَ (كَذَلِكَ) أَيْ لِلتَّكْرَارِ (مِنْ قَبِيلِ) الْبُرْهَانِ (الْآنِيِّ) هُوَ الِاسْتِدْلَال بِالْأَثَرِ عَلَى الْمُؤْثَرِ (بَلْ) يَلْزَمُ (لِلْفَرْعِيَّةِ) أَيْ لِكَوْنِ تَكْرَارِ النَّهْيِ فَرْعَ تَكْرَارِ الْأَمْرِ (إذَا كَانَ) الْأَمْرُ (دَائِمًا كَانَ) نَهْيًا عَنْ أَضْدَادِهِ (دَائِمًا أَوْ) كَانَ الْأَمْرُ (فِي) وَقْتٍ (مُعَيَّنٍ فَفِيهِ) أَيْ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ الْأَمْرُ (نَهْيُ الضِّدِّ) أَيْ عَنْ أَضْدَادِهِ (أَوْ) كَانَ الْأَمْرُ مُطْلَقًا فَفِي (وَقْتِ الْفِعْلِ) لِلْمَأْمُورِ بِهِ يَكُونُ الْأَمْرُ نَهْيًا عَنْ أَضْدَادِهِ (الْمُعَلَّقِ) أَيْ الْقَائِلِ الْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ قَالَ (تَكَرُّرُ) الْمَأْمُورِ بِهِ (فِي نَحْوِ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فَتَكَرُّرُ وُجُوبِ الِاطِّهَارِ بِتَكَرُّرِ الْجَنَابَةِ. (قُلْنَا: الشَّرْطُ هُنَا عِلَّةٌ فَيَتَكَرَّرُ) مُوجَبُ الْأَمْرِ (بِتَكْرَارِهَا اتِّفَاقًا) ضَرُورَةَ تَكَرُّرِ الْمَعْلُولِ بِتَكَرُّرِ عِلَّتِهِ (لَا بِالصِّفَةِ وَأَمَّا غَيْرُهُ) أَيْ مَا لَا يَكُونُ عِلَّةً (كَإِذَا دَخَلَ الشَّهْرُ فَأَعْتِقْ

فَخِلَافٌ) فِي كَوْنِهِ لِلتَّكْرَارِ (وَالْحَقُّ النَّفْيُ) أَيْ نَفْيُ التَّكْرَارِ فِيهِ (فَإِنْ قُلْت فَكَيْفَ نَفَاهُ) أَيْ تَكَرُّرَ الْحُكْمِ بِتَكْرَارِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّتُهُ (الْحَنَفِيَّةُ فِي السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ) {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] (فَلَمْ يَقْطَعُوا فِي) الْمَرَّةِ (الثَّالِثَةِ) يَدَ السَّارِقِ الْيُسْرَى إذَا كَانَ قَدْ قُطِعَ فِي الْأُولَى يَدُهُ الْيُمْنَى، وَفِي الثَّانِيَةِ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مَعَ أَنَّ السَّرِقَةَ عِلَّةُ الْقَطْعِ (وَجَلَدُوا فِي الزَّانِي بِكْرًا أَبَدًا) أَيْ كُلَّمَا زَنَى مَعَ أَنَّ الزِّنَا عِلَّةُ الْجَلْدِ (فَالْجَوَابُ أَمَّا مَانِعُو تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فَلَمْ يُعَلَّقْ) الْقَطْعُ عِنْدَهُمْ (بِعِلَّةٍ) هِيَ السَّرِقَةُ (لِأَنَّ عَدَمَ قَطْعِ يَدِهِ فِي الثَّانِيَةِ إجْمَاعًا نَقْضٌ) لِكَوْنِهَا عِلَّةً لِتَخَلُّفِ حُكْمِهَا عَنْهَا (فَوَجَبَ عَدَمُ الِاعْتِبَارِ) لَهَا عِلَّةً لَهُ (فَبَقِيَ مُوجِبُهُ) أَيْ النَّصُّ (الْقَطْعُ مَرَّةً مَعَ السَّرِقَةِ) بِخِلَافِ الْجَلْدِ فِي الزِّنَا فَإِنَّهُ عُلِّقَ بِعِلَّةٍ هِيَ الزِّنَا فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِهِ. (وَالْوَجْهُ الْعَامُ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَبِعَدَمِ جَوَازِهِ بَيْنَ هَذَيْنِ (أَنَّهُ) أَيْ نَصَّ الْقَطْعِ (مُؤَوَّلٌ إذْ حَقِيقَتُهُ قَطْعُ الْيَدَيْنِ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ) وَهِيَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهَا إجْمَاعًا (بَلْ صُرِفَ) النَّصُّ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ قَطْعِ الْيَدَيْنِ (إلَى وَاحِدَةٍ هِيَ الْيُمْنَى بِالسُّنَّةِ) قُلْت: غَيْرَ أَنَّ كَوْنَ السُّنَّةِ مُفِيدَةً لِلِاقْتِصَارِ عَلَى وَاحِدَةٍ كَثِيرٌ، وَسَنَذْكُرُ بَعْضًا مِنْهُ، وَأَمَّا كَوْنُهَا مُعَيِّنَةً لِلْيُمْنَى فَلَا يَحْضُرُنِي مِنْهَا مَا يُفِيدُ بِمُجَرَّدِهِ تَعَيُّنَ الْيُمْنَى أَلْبَتَّةَ بَلْ غَايَةُ مَا حَضَرَنِي مِنْهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَمِينَهُ» كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَهُوَ لَا يُفِيدُ تَعَيُّنَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا يُمْنَى بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ كَوْنَ قَطْعِهَا مُخْرِجًا عَنْ الْعَهْدِ لِكَوْنِهَا مِنْ صَدَقَاتِ الْيَدِ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَمِ إجْزَاءِ قَطْعِ الْيُسْرَى، نَعَمْ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ. وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعُ الْيُسْرَى مَعَ قِيَامِ الْيُمْنَى فَحَيْثُ لَمْ يَقْطَعْ الْيُسْرَى حِينَئِذٍ وَالْيُمْنَى أَنْفَعُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ وَحْدَهَا مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِالْيُسْرَى، وَمِنْ عَادَتِهِ طَلَبُ الْأَيْسَرِ لِلْأُمَّةِ مَا أَمْكَنَ دَلَّ عَلَى تَعَيُّنِ الْيُمْنَى لِلْقَطْعِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ (وَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ) فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا عَلَى مَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ، أَوْ وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمْ عَلَى مَا فِي تَفْسِيرِ الزَّجَّاجِ وَالْكَشَّافِ، وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ حُجَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ (وَالْإِجْمَاعِ) وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا نُقِلَ عَنْ شُذُوذٍ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَطْعِ الْأَصَابِعِ لِأَنَّ بِهَا الْبَطْشَ (فَظَهَرَ) بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ (أَنَّ الْمُرَادَ) مِنْ النَّصِّ (انْقِسَامُ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ أَيْ كُلُّ سَارِقٍ فَاقْطَعُوا يَدَهُ الْيُمْنَى بِمُوجَبِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ) وَهُوَ " أَيْدِيَهُمَا " (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْيُمْنَى لِمَا ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّا نَقُولُ (فَلَوْ فُرِضَتْ) السَّرِقَةُ (عِلَّةً) لِلْقَطْعِ (تَعَذَّرَ) الْقَطْعُ فِي الثَّانِيَةِ (لِفَوْتِ مَحَلِّ الْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَهُوَ الْيُمْنَى (فِي الثَّانِيَةِ) لِقَطْعِهَا فِي الْأُولَى (بِخِلَافِ الْجَلْدِ) فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ بِالزِّنَا لِعَدَمِ فَوْتِ مَحَلِّهِ وَهُوَ الْبَدَنُ بِالْجَلْدِ السَّابِقِ، ثُمَّ لَا يُقَالُ لَمَّا تَعَذَّرَ فِي الثَّانِيَةِ أُقِيمَتْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى مَقَامَهَا فِيهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ. (وَقَطْعُ الرِّجْلِ فِي الثَّانِيَةِ بِالسُّنَّةِ ابْتِدَاءً) فَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَبِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَ (الْوَاقِفُ) لَوْ ثَبَتَ كَوْنُهُ لِلْمَرَّةِ أَوْ لِلتَّكْرَارِ (فَأَمَّا بِالْآحَادِ) وَهِيَ إنَّمَا تُفِيدُ الظَّنَّ - وَالْمَسْأَلَةُ عِلْمِيَّةٌ - أَوْ بِالتَّوَاتُرِ وَهُوَ يَمْنَعُ الْخِلَافَ وَالْعَقْلُ الصِّرْفُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ فَلَزِمَ الْوَقْفُ (وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ " صِيغَةُ الْأَمْرِ خَاصٌّ فِي الْوُجُوبِ لِلْوَاقِفِ فِي كَوْنِهَا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ " وَجَوَابُهُ (وَسُؤَالُ) الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَجِّ (أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ أَوْرَدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ) دَلِيلًا (لِاحْتِمَالِ التَّكْرَارِ) ، فَقَالَ فَلَوْ لَمْ يَحْتَمِلْ لَمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ

وَكَوْنُهُ دَلِيلًا (لِلْوَقْفِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي) وَهُوَ لَا يَدْرِي مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ أَهُوَ الْمَرَّةُ أَمْ التَّكْرَارُ (أَظْهَرُ) مِنْ كَوْنِهِ دَلِيلًا لِاحْتِمَالِ التَّكْرَارِ لِأَنَّ كَوْنَهُ ظَاهِرًا لِلْمَرَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ السُّؤَالِ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الِاسْتِخْبَارِ عَنْ الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ خَفِيًّا عَلَى السَّامِعِ فَإِنَّ سُؤَالَهُ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ وَالْأَصْلُ الْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ (وَإِيرَادُهُ) دَلِيلًا (لِإِيجَابِ التَّكْرَارِ وُجِّهَ بِعِلْمِهِ) أَيْ السَّائِلِ (بِدَفْعِ الْحَرَجِ) فِي الدِّينِ وَفِي حَمْلِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ عَلَى التَّكْرَارِ حَرَجٌ عَظِيمٌ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِنَّمَا يُصَحِّحُ) هَذَا التَّوْجِيهَ (السُّؤَالُ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْأَمْرِ لِلتَّكْرَارِ، إذْ يُقَالُ: إنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَيُعْتَذَرُ بِهَذَا (لَا كَوْنُهُ دَلِيلًا لِوُجُوبِ التَّكْرَارِ) لِاسْتِغْنَائِهِ حِينَئِذٍ عَنْ السُّؤَالِ ظَاهِرًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ (أَوْ احْتِمَالِهِ) فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاسْتِفْسَارَ قَدْ يَكُونُ لِلْقَطْعِ بِالْمَرْجُوحِ لِظَنِّهِ بِقَرِينَةٍ عَلَيْهِ (ثُمَّ الْجَوَابُ) لِلْجُمْهُورِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ (أَنَّ الْعِلْمَ بِتَكْرِيرِ) الْحُكْمِ (الْمُتَعَلِّقِ بِسَبَبٍ مُتَكَرِّرٍ ثَابِتٌ فَجَازَ كَوْنُهُ) أَيْ سُؤَالِ السَّائِلِ (لِإِشْكَالِ أَنَّهُ) أَيْ سَبَبَ الْحَجِّ (الْوَقْتُ فَيَتَكَرَّرُ) الْحَجُّ لِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ (أَوْ) أَنَّ سَبَبَهُ (الْبَيْتُ فَلَا) يَتَكَرَّرُ لَا لِكَوْنِ الْأَمْرِ يُوجِبُ التَّكْرَارَ أَوْ يَحْتَمِلُهُ أَوْ لِلْوَقْفِ فِي مُقْتَضَاهُ، وَالِاحْتِمَالُ مُسْقِطٌ لِلِاسْتِدْلَالِ ثُمَّ الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» ، نَعَمْ كَوْنُ السَّائِلِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ هُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، ثُمَّ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْمَعْنَى لَوْ قُلْت نَعَمْ لَتَقَرَّرَ الْوُجُوبُ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْأَمْرِ، وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ بَلْ مَعْنَاهُ لَصَارَ الْوَقْتُ سَبَبًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ صَاحِبَ الشَّرْعِ وَإِلَيْهِ نَصْبُ الشَّرَائِعِ. هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ سُرَاقَةُ، فَقَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَمْرِ اهـ. وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِذَلِكَ وَاَلَّذِي فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْآثَارِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا أَمَرَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ عُمْرَتِنَا هَذِهِ أَلَنَا خَاصَّةً أَمْ هِيَ لِلْأَبَدِ قَالَ هِيَ لِلْأَبَدِ» (وَبَنَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ (عَلَى التَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ وَاحْتِمَالِهِ طَلِّقِي نَفْسَكِ أَوْ طَلِّقْهَا يَمْلِكُ) الْمَأْمُورُ أَنْ يُطَلِّقَ (أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ) جُمْلَةً وَمُتَفَرِّقَةً (بِلَا نِيَّةٍ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ التَّكْرَارِ، أَمَّا مَا لَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَفِي الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا نَوَى عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهُ وَإِنْ أَوْجَبَ التَّكْرَارَ عِنْدَهُمْ فَقَدْ يَمْنَعُ عَنْهُ بِدَلِيلٍ، وَالنِّيَّةُ دَلِيلٌ، انْتَهَى. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْهُ مُسَلَّمٌ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ، وَفِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ وُجِدَ الْمَانِعُ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ مُوجَبِهِ، وَهُوَ الثَّلَاثُ لِلتَّخْفِيفِ (وَبِهَا) أَيْ وَيَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ بِالنِّيَّةِ (عَلَى الثَّالِثِ) أَيْ احْتِمَالِ التَّكْرَارِ مُطَابِقًا لِنِيَّتِهِ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ (وَعَلَى الثَّانِي) أَيْ عَدَمِ احْتِمَالِهِ التَّكْرَارَ (وَهُوَ) أَيْ الثَّانِي (قَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ يَقَعُ (وَاحِدَةٌ) سَوَاءٌ نَوَاهَا أَوْ الثِّنْتَيْنِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا (وَالثَّلَاثُ بِالنِّيَّةِ لَا الثِّنْتَانِ) وَإِنْ نَوَاهُمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَفَرِّعَ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (تَعْدَادُ الْأَفْرَادِ) لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَعَدَمُ

مسألة الفور للأمر ضروري للقائل بالتكرار

تَعْدَادِهَا (وَلَيْسَ) تَعْدَادُهَا (التَّكْرَارَ) لِلْفِعْلِ (وَلَا مَلْزُومَهُ) أَيْ التَّكْرَارِ (لِلتَّعَدُّدِ) فِي الْأَفْرَادِ (وَالْفِعْلُ وَاحِدٌ فِي التَّطْلِيقِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا) فَإِنَّ فِيهِ تَعَدُّدَ الطَّلَاقِ مَعَ عَدَمِ تَكَرُّرِ فِعْلِ الْمُطَلِّقِ (فَهُوَ) أَيْ تَعَدُّدُ الْأَفْرَادِ (لَازِمٌ لِلتَّكْرَارِ أَعَمَّ) مِنْهُ لِصِدْقِهِ مَعَ التَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ (فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ التَّعَدُّدِ ثُبُوتُهُ) أَيْ التَّكْرَارِ (وَلَا مِنْ انْتِفَاءِ التَّكْرَارِ انْتِفَاؤُهُ) أَيْ التَّعَدُّدِ (فَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَأَمْثَالُهَا غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ عَلَى هَذَا الْمُبْتَنَى بَلْ هِيَ مَسْأَلَةٌ (مُبْتَدَأَةٌ) . هَكَذَا (صِيغَةُ الْأَمْرِ لَا تَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ الْمَحْضَ لِأَفْرَادِ مَفْهُومِهَا فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ) أَيْ التَّعَدُّدِ الْمَحْضِ مِنْهَا (كَالطَّلَاقِ) أَيْ كَمَا لَا يَصِحُّ إرَادَةُ الطَّلَاقِ (مِنْ اسْقِنِي، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا تَحْتَمِلُهُ (لِأَنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ مِنْ طَلَبِ الْفِعْلِ بِالْمَصْدَرِ النَّكِرَةِ) حَتَّى كَانَ قَائِلُ: طَلِّقْ أَوْقَعَ طَلَاقًا (وَهُوَ) أَيْ الْمَصْدَرُ النَّكِرَةُ (فَرْدٌ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ فَرْدِيَّةِ مَعْنَاهُ فَلَا يَحْتَمِلُ ضِدَّ مَعْنَاهُ) وَهُوَ التَّعَدُّدُ الْمَحْضُ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْفَرْدَ مَا لَا تَرَكُّبَ فِيهِ، وَالْعَدَدَ مَا تَرَكَّبَ مِنْ الْأَفْرَادِ، فَإِنْ قِيلَ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ إرَادَةُ الثِّنْتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَكِ، لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ، وَلَا إرَادَةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ هَذَا لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ كَمَا لَا تَصِحُّ إرَادَةُ الثِّنْتَيْنِ فِيهِ لَهَا، فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ (وَصِحَّةُ إرَادَةِ الثِّنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ وَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ لِلْوَحْدَةِ الْجِنْسِيَّةِ) فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا كُلُّ جِنْسِ طَلَاقِهِمَا، إذْ لَا مَزِيدَ لَهُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ عَلَى الثِّنْتَيْنِ وَفِي حَقِّ الْحُرَّةِ عَلَى الثَّلَاثِ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ أَجْنَاسِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، فَيَقَعُ بِالنِّيَّةِ (بِخِلَافِ الثِّنْتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ لَا جِهَةَ لِوَحْدَتِهِ) فِيهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا (فَانْتَفَى) كَوْنُهُ مُحْتَمَلَ اللَّفْظِ فَلَا يُنَالُ بِالنِّيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْدَ الْحَقِيقِيَّ مُوجَبُهُ وَالْفَرْدَ الِاعْتِبَارِيَّ مُحْتَمَلُهُ، وَالْعَدَدَ لَا مُوجَبُهُ وَلَا مُحْتَمَلُهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مُوجَبَ اللَّفْظِ يَثْبُتُ بِاللَّفْظِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَمُحْتَمَلَ اللَّفْظِ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا نَوَى، وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَا يَثْبُتُ وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ النِّيَّةَ لِتَعْيِينِ مُحْتَمَلِ اللَّفْظِ لَا لِإِثْبَاتِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَبَعْدَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ مَدْلُولِ الصِّيغَةِ وَتَعَدُّدُهُ) أَيْ مَدْلُولِهَا بَلْ قَدْ يَكُونُ وَاحِدًا، وَقَدْ يَكُونُ مُتَعَدِّدًا (فَقَدْ يَبْعُدُ نَفْيُ الِاحْتِمَالِ) أَيْ احْتِمَالِ التَّعَدُّدِ (لِثُبُوتِ الْفَرْقِ لُغَةً بَيْنَ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الْمَعَانِي وَبَعْضِ) أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ (الْأَعْيَانِ، إذْ لَا يُقَالُ لِرَجُلَيْنِ رَجُلٌ، وَيُقَالُ لِلْقِيَامِ الْكَثِيرِ قِيَامٌ، كَالْأَعْيَانِ الْمُتَمَاثِلَةِ الْأَجْزَاءِ كَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ فَإِذَا صَدَقَ الطَّلَاقُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ كَيْفَ لَا يَحْتَمِلُهُ) أَيْ الطَّلَاقُ هَذَا الْعَدَدَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ؟ (لَكِنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ (اسْتَمَرُّوا عَلَى مَا سَمِعْت) مِنْ عَدَمِ الِاحْتِمَالِ (فِي الْكُلِّ) أَيْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الْمَعَانِي وَالْأَعْيَانِ حَتَّى قَالُوا تَفْرِيعًا عَلَى ذَلِكَ (فَلَوْ حَلَفَ: لَا يَشْرَبُ مَاءً انْصَرَفَ إلَى أَقَلِّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ) مَاءٌ وَهُوَ قَطْرَةٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَلَوْ نَوَى مِيَاهَ الدُّنْيَا صَحَّ فَيَشْرَبُ مَا شَاءَ) مِنْهَا وَلَا يَحْنَثُ لِصِدْقِ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهَا (أَوْ) قَدْرًا مِنْ الْأَقْدَارِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ كَمَا لَوْ نَوَى (كُوزًا لَا يَصِحُّ) ذَلِكَ مِنْهُ لِخُلُوِّ الْمَنْوِيِّ عَنْ صِفَةِ الْفَرْدِيَّةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ الْفَوْر للأمر ضروري لِلْقَائِلِ بِالتَّكْرَارِ] (مَسْأَلَةٌ: الْفَوْرُ) لِلْأَمْرِ وَهُوَ امْتِثَالُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَقِبَهُ (ضَرُورِيٌّ لِلْقَائِلِ بِالتَّكْرَارِ) لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ لَازِمِ اسْتِغْرَاقِ الْأَوْقَافِ بِالْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (وَأَمَّا غَيْرُهُ) أَيْ الْقَائِلِ بِالتَّكْرَارِ (فَإِمَّا) أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ (مُقَيَّدٌ بِوَقْتٍ يَفُوتُ الْأَدَاءُ بِفَوْتِهِ) أَيْ الْوَقْتِ، يَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ مُسْتَوْفًى فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ يَفُوتُ الْأَدَاءُ بِفَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا فِي وَقْتٍ لَا مَحَالَةَ (كَالْأَمْرِ بِالْكَفَّارَاتِ وَالْقَضَاءِ) لِلصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ (فَالثَّانِي) أَيْ غَيْرُ الْمُقَيَّدِ الْمَذْكُورُ (لِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ فَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ)

عَلَى وَجْهٍ لَا يُفَوِّتُ الْمَأْمُورَ بِهِ أَصْلًا كَمَا يَجُوزُ الْبِدَارُ بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعُزِيَ إلَى الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيُّ،. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ نَصٌّ، وَإِنَّمَا فُرُوعُهُمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالتَّرَاخِي، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ جَائِزٌ كَالْبِدَارِ لَا أَنَّ الْبِدَارَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَقِيلَ يُوجِبُ الْفَوْرَ أَوَّلَ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ) لِلْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ (الْقَاضِي) الْأَمْرُ يُوجِبُ (إمَّا إيَّاهُ) أَيْ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ (أَوْ الْعَزْمَ) عَلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ. (وَتَوَقَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَنَّهُ لُغَةً لِلْفَوْرِ أَمْ لَا فَيَجُوزُ التَّرَاخِي وَلَا يَحْتَمِلُ وُجُوبَهُ) أَيْ التَّرَاخِي (فَيَمْتَثِلُ بِكُلٍّ) مِنْ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي (مَعَ التَّوَقُّفِ فِي إثْمِهِ بِالتَّرَاخِي، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ فِي الِامْتِثَالِ) إنْ بَادَرَ بِهِ لِلتَّوَقُّفِ فِيهِ كَمَا يَتَوَقَّفُ فِي الْفَوْرِ (لِاحْتِمَالِ وُجُوبِ التَّرَاخِي، لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ أَنَّهُ لِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ أَنَّهُ (لَا يَزِيدُ دَلَالَةً عَلَى مُجَرَّدِ الطَّلَبِ) مِنْ فَوْرٍ أَوْ تَرَاخٍ لَا بِحَسَبِ الْمَادَّةِ وَلَا بِحَسَبِ الصِّيغَةِ (بِالْوَجْهِ السَّابِقِ) فِي السَّابِقَةِ، وَهُوَ إطْبَاقُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ هَيْئَةَ الْأَمْرِ لَا دَلَالَةَ لَهَا إلَّا عَلَى الطَّلَبِ فِي خُصُوصِ زَمَانٍ إلَى آخِرِهِ (وَكَوْنُهُ) دَالًّا (عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي (خَارِجٌ) عَنْ مَدْلُولِهِ (يُفْهَمُ بِالْقَرِينَةِ كَ اسْقِنِي) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ لِلْعِلْمِ الْعَادِيِّ بِأَنَّ طَلَبَ السَّقْيِ يَكُونُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ عَاجِلًا (وَافْعَلْ بَعْدَ يَوْمٍ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّرَاخِي بِقَوْلِهِ بَعْدَ يَوْمٍ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِالْفَوْرِ. أَوَّلًا (كُلُّ مُخْبِرٍ) بِكَلَامٍ خَبَرِيٍّ كَ زَيْدٌ قَائِمٌ (وَمُنْشِئٍ كَ بِعْت وَطَلِّقْ يَقْصِدُ الْحَاضِرَ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّجَرُّدِ مِنْ الْقَرَائِنِ حَتَّى يَكُونَ مُوجِدًا لِلْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ بِمَا ذَكَرَهُ (فَكَذَا الْأَمْرُ) وَالْجَامِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَبَرِ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْإِنْشَاءَاتِ - الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْحَاضِرُ - كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا إنْشَاءً. (قُلْنَا) هَذَا (قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ) لِأَنَّهُ قِيَاسُ الْأَمْرِ فِي إفَادَتِهِ الْفَوْرَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ وَهُوَ مَعَ عَدَمِ اخْتِلَافِ حُكْمِهِ غَيْرُ جَائِزٍ فَمَا الظَّنُّ (مَعَ اخْتِلَافِ حُكْمِهِ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ تَعَيُّنُ الْحَاضِرِ وَيَمْتَنِعُ فِي الْأَمْرِ غَيْرُ الِاسْتِقْبَالِ فِي الْمَطْلُوبِ) لِأَنَّ الْحَاصِلَ لَا يُطْلَبُ (وَالْحَاضِرُ الطَّلَبُ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّلَبِ بَلْ فِي الْمَطْلُوبِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَطْلُوبُ إيجَادُهُ مَطْلُوبًا (أَوَّلَ زَمَانٍ يَلِيهِ) أَيْ الطَّلَبَ (فَالْفَوْرُ أَوْ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ إيجَادُهُ مَطْلُوبًا فِي زَمَانٍ هُوَ (مَا بَعْدَهُ) أَيْ مَا بَعْدَ أَوَّلِ زَمَانٍ يَلِي الطَّلَبَ (فَوُجُوبُ التَّرَاخِي أَوْ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ إيجَادُهُ مَطْلُوبًا (مُطْلَقًا فَمَا يُعَيِّنُهُ) الْمَأْمُورَ مِنْ الْوَقْتِ (لَا عَلَى أَنَّهُ) أَيْ التَّرَاخِيَ (مَدْلُولُ الصِّيغَةِ قَالُوا) ثَانِيًا (النَّهْيُ يُفِيدُ الْفَوْرَ فَكَذَا الْأَمْرُ) لِأَنَّهُ طَلَبٌ مِثْلُهُ. (قُلْنَا) قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ وَأَيْضًا الْفَوْرُ (فِي النَّهْيِ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِ الْأَمْرِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَحْقِيقَ الْمَطْلُوبِ بِهِ) أَيْ بِالنَّهْيِ (وَهُوَ الِامْتِثَالُ) إنَّمَا يَكُونُ (بِالْفَوْرِ) لِأَنَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ لِتَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَتَحَقُّقُ تَرْكِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِهِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ (لَا أَنَّهُ) أَيْ النَّهْيَ (يُفِيدُهُ) أَيْ الْفَوْرَ. (وَقَوْلُنَا ضَرُورِيٌّ فِيهِ أَيْ فِي امْتِثَالِهِ قَالُوا) ثَالِثًا (الْأَمْرُ نَهْيٌ عَنْ الْأَضْدَادِ وَهُوَ) أَيْ النَّهْيُ (لِلْفَوْرِ فَيَلْزَمُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ لِيَتَحَقَّقَ امْتِثَالُ النَّهْيِ عَنْهَا) أَيْ أَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ (وَتَقَدَّمَ) الْآنَ (نَحْوُهُ وَمَا هُوَ التَّحْقِيقُ) فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الِامْتِثَالَ بِالْفَوْرِ لَا أَنَّ النَّهْيَ يُفِيدُهُ (قَالُوا) رَابِعًا (ذَمَّ) اللَّهُ - تَعَالَى - إبْلِيسَ (عَلَى عَدَمِ الْفَوْرِ) بِقَوْلِهِ {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] حَيْثُ قَالَ

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} [البقرة: 34] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لِلْفَوْرِ، وَإِلَّا لَأَجَابَ بِأَنَّك مَا أَمَرْتَنِي بِالْبِدَارِ، وَسَوْفَ أَسْجُدُ (قُلْنَا) هَذَا (مُقَيَّدٌ بِوَقْتٍ) أَيْ وَقْتِ تَسْوِيَتِهِ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، وَقَدْ (فَوَّتَهُ) أَيْ إبْلِيسُ الِامْتِثَالَ (عَنْهُ بِدَلِيلِ {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29] لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي " إذَا " " فَقَعُوا " فَالتَّقْدِيرُ فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ وَقْتَ تَسْوِيَتِي إيَّاهُ وَنَفْخِي فِيهِ الرُّوحَ، فَامْتِنَاعُ تَأْخِيرِ السُّجُودِ عَنْ زَمَانِ التَّسْوِيَةِ وَالنَّفْخِ مُسْتَفَادٌ مِنْ امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الْمَظْرُوفِ عَنْ ظَرْفِهِ الزَّمَانِيِّ لَا مِنْ مُجَرَّدِ الْأَمْرِ (قَالُوا) خَامِسًا (لَوْ جَازَ التَّأْخِيرُ لَوَجَبَ إلَى) وَقْتٍ (مُعَيَّنٍ أَوْ إلَى آخِرِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ وَالْأَوَّلُ) أَيْ وُجُوبُ التَّأْخِيرِ إلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ (مُنْتَفٍ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَذْكُورًا فَالْفَرْضُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْتِ لَا فِي الْمُقَيَّدِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فَلَا إشْعَارَ لِلْأَمْرِ بِهِ وَلَا دَلِيلَ مِنْ خَارِجٍ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ بَلْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنْ خَارِجٍ، وَهُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِفَوَاتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ تَأْخِيرِهِ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِالْوَقْتِ الْمَذْكُورِ إلَّا ذَلِكَ. أُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلظَّنِّ مِنْ أَمَارَةٍ وَلَيْسَتْ إلَّا كِبَرَ السِّنِّ أَوْ الْمَرَضَ الشَّدِيدَ وَنَحْوَهُمَا وَهِيَ مُضْطَرِبَةٌ إذْ كَمْ مِنْ شَابٍّ يَمُوتُ فَجْأَةً وَشَيْخٍ وَمَرِيضٍ يَعِيشُ مُدَّةً (وَالثَّانِي) أَيْ وُجُوبُ تَأْخِيرِهِ إلَى آخِرِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ تَكْلِيفُ (مَا لَا يُطَاقُ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لِلْمُكَلَّفِ فَيَكُونُ مُكَلَّفًا بِالْفِعْلِ فِي وَقْتٍ يَجْهَلُهُ، وَبِالْمَنْعِ عَنْ تَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتٍ لَا يَعْلَمُهُ وَهُوَ مُحَالٌ (أُجِيبَ بِالنَّقْضِ) الْإِجْمَالِيِّ (بِجَوَازِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ) بِأَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ افْعَلْ وَلَك التَّأْخِيرُ فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ إجْمَاعًا وَمَا ذُكِرَ مِنْ الدَّلِيلِ جَارٍ فِيهِ (وَ) بِالنَّقْضِ التَّفْصِيلِيِّ (بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ) تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ (بِإِيجَابِ التَّأْخِيرِ إلَيْهِ) أَيْ آخِرِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ. (أَمَّا جَوَازُهُ) أَيْ التَّأْخِيرِ (إلَى وَقْتٍ يُعَيِّنُهُ الْمُكَلَّفُ فَلَا) يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ (لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِامْتِثَالِ) بِالْبِدَارِ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ (قَالُوا) سَادِسًا (وَجَبَتْ الْمُسَارَعَةُ) إلَى الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُسَارَعَةُ إلَى سَبَبِ الْمَغْفِرَةِ لِأَنَّ نَفْسَ الْمَغْفِرَةِ لَيْسَتْ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ، فَأُطْلِقَ الْمُسَبَّبُ وَأُرِيدَ السَّبَبُ، وَمِنْ سَبَبِهَا فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا أَنَّهُ أَيْضًا مِنْ الْخَيْرَاتِ فَتَجِبُ الْمُسَارَعَةُ وَالْمُسَابَقَةُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ بِفِعْلِهِ عَلَى الْفَوْرِ. (الْجَوَابُ جَازَ) أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مُفِيدَةً لِإِيجَابِ الْفَوْرِ (تَأْكِيدًا لِإِيجَابِهِ بِالصِّيغَةِ) كَمَا قَالُوا (وَتَأْسِيسًا) أَيْ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُفِيدَةً لِفَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ، وَهِيَ وُجُوبُ الْفَوْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ غَيْرُ مُتَعَرِّضَةٍ لِوُجُوبِهِ كَمَا قُلْنَا (فَلَا يُفِيدُ) كُلٌّ مِنْهُمَا (أَنَّهُ) أَيْ الْفَوْرَ (مُوجَبُهَا) أَيْ الصِّيغَةِ عَيْنًا كَمَا هُوَ مَطْلُوبُهُمْ لِعَدَمِ انْتِهَاضِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَعَ احْتِمَالِ خِلَافِهِ (فَكَيْفَ وَالتَّأْسِيسُ مُقَدَّمٌ) عَلَى التَّأْكِيدِ إذَا تَعَارَضَا فَيَتَرَجَّحُ أَنَّ الصِّيغَةَ غَيْرُ دَالَّةٍ عَلَيْهِ (فَانْقَلَبَ) دَلِيلُهُمْ عَلَيْهِمْ (إذْ أَفَادَ) دَلِيلُهُمْ (حِينَئِذٍ نَفْيَهُ) أَيْ الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُسَارَعَةِ وَالِاسْتِبَاقِ مُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ فِي وَقْتٍ مَعَ جَوَازِ الْإِتْيَانِ بِهِ فِي غَيْرِهِ. (الْقَاضِي ثَبَتَ حُكْمُ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْفِعْلِ وَالْعَزْمِ وَهُوَ) أَيْ حُكْمُهَا (الْعِصْيَانُ بِتَرْكِهِمَا) أَيْ الْفِعْلِ وَالْعَزْمِ (وَعَدَمُهُ) أَيْ الْعِصْيَانِ (بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِالْفِعْلِ أَوْ الْعَزْمِ (فَكَانَ) الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ (مُقْتَضَاهُ) أَيْ الْأَمْرِ. (وَالْجَوَابُ: الْجَزْمُ بِأَنَّ الطَّاعَةَ) إنَّمَا هِيَ (بِالْفِعْلِ بِخُصُوصِهِ، فَوُجُوبُ الْعَزْمِ لَيْسَ مُقْتَضَاهُ) أَيْ الْأَمْرِ (عَلَى التَّخْيِيرِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِعْلِ (بَلْ هُوَ) أَيْ الْعَزْمُ (عَلَى) فِعْلِ (مَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ) يَثْبُتُ مَعَ ثُبُوتِ الْإِيمَانِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ

بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَلَا بِهَذَا الْفِعْلِ. (الْإِمَامُ الطَّلَبُ مُحَقَّقٌ، وَالشَّكُّ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ فَوَجَبَ الْفَوْرُ) لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ (وَاعْتَرَضَ) عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ (لَا يُلَائِمُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (مِنْ التَّوَقُّفِ فِي كَوْنِهِ لِلْفَوْرِ، وَأَيْضًا وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ يُنَافِي قَوْلَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (أَقْطَعُ بِأَنَّهُ مَهْمَا أَتَى بِهِ مَوْقِعٌ بِحُكْمِ الصِّيغَةِ لِلْمَطْلُوبِ) ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَأَنْتَ إذَا وَصَلْت قَوْلَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (لِلْمَطْلُوبِ يُنَافِي قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ فِي أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ هَلْ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ أَنَّهُ مُمْتَثِلٌ لِأَصْلِ الْمَطْلُوبِ لَمْ تَقِفْ عَنْ الْجَزْمِ بِالْمُطَابَقَةِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْفَوْرِ بَعْدَ مَا قَالَ لَيْسَ إلَّا احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الْفَوْرِ لَا أَنَّهُ مُقْتَضَى الصِّيغَةِ، وَأَنَّ الشَّكَّ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ بِالشَّكِّ فِي الْفَوْرِ) أَيْ بِسَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ الضِّدَّيْنِ شَكٌّ فِي الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ (ثُمَّ كَوْنُهُ مُمْتَثِلًا بِحُكْمِ الصِّيغَةِ يُنَافِي الْإِثْمَ إلَّا أَنْ يُرَادَا ثُمَّ تَرَكَ الِاحْتِيَاطَ) وَبَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْفَوْرَ احْتِيَاطٌ فَكَوْنُ تَرْكِهِ مُؤَثِّمًا مَحَلُّ نَظَرٍ (نَعَمْ لَوْ قَالَ) الْإِمَامُ (الْقَضَاءُ بِالصِّيغَةِ لَا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ أَمْكَنَ) عَدَمُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الِامْتِثَالِ بِحُكْمِ الصِّيغَةِ وَالتَّأْثِيمِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى مَا بَعْدَ زَمَنِ الْفَوْرِ لِجَوَازِ جَعْلِهِ مُمْتَثِلًا بِحُكْمِ الصِّيغَةِ - مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ - وَآثِمًا بِتَرْكِهِ الِامْتِثَالَ بِحُكْمِ الصِّيغَةِ - مِنْ حَيْثُ الْأَدَاءُ -، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَعَلَيْهِ مِنْ التَّعَقُّبِ. أَوَّلًا أَنَّ الْمُصْطَلَحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودُ الطَّرَفَيْنِ - كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ - لَا تُوصَفُ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ. وَثَانِيًا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ عَامَّةِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ. وَثَالِثًا أَنَّ نَفْسَ الْإِمَامِ قَدْ قَالَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ: فَأَمَّا وَضْعُ التَّوَقُّفِ فِي أَنَّ الْمُؤَخِّرَ هَلْ يَكُونُ كَمَنْ أَوْقَعَ مَا طُلِبَ مِنْهُ وَرَاءَ الْوَقْتِ الَّذِي يَتَأَقَّتُ بِهِ الْأَمْرُ حَتَّى لَا يَكُونَ مُمْتَثِلًا أَصْلًا؟ فَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ الصِّيغَةَ مُرْسَلَةٌ، وَلَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِزَمَانٍ فَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ. (وَأُجِيبَ لَا شَكَّ) فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ (مَعَ دَلِيلِنَا) الْمُفِيدِ لَهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ ثُمَّ هَذَا. [تَنْبِيهٌ] كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ فِي ذَيْلِ مَسْأَلَةِ " صِيغَةُ الْأَمْرِ خَاصٌّ فِي الْوُجُوبِ " (قِيلَ مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ شَرْعِيَّةٌ لِأَنَّ مَحْمُولَهَا الْوُجُوبُ وَهُوَ شَرْعِيٌّ وَقِيلَ لُغَوِيَّةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآمِدِيِّ وَأَتْبَاعِهِ) ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ (إذْ كَرَّرُوا قَوْلَهُمْ فِي الْأَجْوِبَةِ: قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ وَإِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِلَوَازِمِ الْمَاهِيَّةِ وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهَا لُغَوِيَّةً (الْوَجْهُ إذْ لَا خَلَلَ) فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَحْمُولُهَا الْوُجُوبَ (فَإِنَّ الْإِيجَابَ لُغَةً الْإِثْبَاتُ وَالْإِلْزَامُ، وَإِيجَابَهُ - سُبْحَانَهُ - لَيْسَ إلَّا إلْزَامَهُ، وَإِثْبَاتَهُ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ بِطَلَبِهِ الْحَتْمِ فَهُوَ) أَيْ الْوُجُوبُ الشَّرْعِيُّ (مِنْ أَفْرَادِ اللُّغَوِيِّ) فَإِنْ قِيلَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ شَرْعِيَّةً لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي تَعْرِيفِ الْوُجُوبِ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ بِالتَّرْكِ وَهُوَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ (وَاسْتِحْقَاقُهُ الْعِقَابَ بِالتَّرْكِ لَيْسَ جُزْءَ الْمَفْهُومِ) لِلْوُجُوبِ (بَلْ) لَازِمٌ (مُقَارَنٌ بِخَارِجٍ عَقْلِيٍّ أَوْ عَادِيٍّ لِأَمْرِ كُلِّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ وَهُوَ) أَيْ الْخَارِجُ الْمَذْكُورُ (حُسْنُ عِقَابِ مُخَالِفِهِ) أَيْ أَمْرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ (وَتَعْرِيفُ الْوُجُوبِ طَلَبٌ) لِفِعْلٍ (يَنْتَهِضُ تَرْكُهُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ) كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (تَجُوزُ) بِمُطْلَقِ الْوُجُوبِ (لِإِيجَابِهِ - تَعَالَى - أَوْ) لِإِيجَابِ (مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ بِقَرِينَةٍ يَنْتَهِضُ إلَى آخِرِهِ، فَيَصْدُقُ إيجَابُهُ - تَعَالَى - فَرْدًا مِنْ مُطْلَقِهِ) أَيْ الْوُجُوبِ اللُّغَوِيِّ (وَظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ) لِلْعِقَابِ بِالتَّرْكِ (لَيْسَ لَازِمَ التَّرْكِ) مُطْلَقًا (بَلْ) هُوَ لَازِمٌ (لِصِنْفٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوُجُوبِ (لِتَحَقُّقِ الْأَمْرِ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ مُفِيدًا لِلْإِيجَابِ فَيَتَحَقَّقُ هُوَ) أَيْ الْوُجُوبُ فِيهِ (وَلَا اسْتِحْقَاقَ) لِلْعِقَابِ (بِتَرْكِهِ) لِأَنَّهُ

مسألة الآمر لشخص بالأمر لغيره بالشيء ليس آمرا لذلك المأمور

(بِلَا وِلَايَةٍ) لِلْآمِرِ عَلَيْهِ. [مَسْأَلَةٌ الْآمِرُ لِشَخْصٍ بِالْأَمْرِ لِغَيْرِهِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ آمِرًا لِذَلِكَ الْمَأْمُورِ] (مَسْأَلَةٌ الْآمِرُ) لِشَخْصٍ (بِالْأَمْرِ) لِغَيْرِهِ (بِالشَّيْءِ لَيْسَ آمِرًا بِهِ) أَيْ بِالشَّيْءِ (لِذَلِكَ الْمَأْمُورِ، وَإِلَّا) لَوْ كَانَ آمِرًا بِهِ لِذَلِكَ (كَأَنْ " مُرْ عَبْدَك بِبَيْعِ ثَوْبِي " تَعَدِّيًا) عَلَى الْمُخَاطَبِ بِالتَّصَرُّفِ فِي عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَنَاقَضَ قَوْلَك لِلْعَبْدِ لَا تَبِعْهُ) لِنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ مَا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ. قَالُوا: وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فِيهِمَا قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا لَوْ كَانَ أَمْرُهُ لِعَبْدِ الْغَيْرِ غَيْرَ لَازِمٍ لِأَمْرِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ لَازِمٌ لَهُ هُنَا لِدَلَالَةِ " مُرْ عَبْدَك بِكَذَا " عَلَى أَمْرِ السَّيِّدِ بِأَمْرِ عَبْدِهِ بِذَلِكَ وَعَلَى أَمْرِهِ هُوَ الْعَبْدَ بِذَلِكَ وَهَذَا لَازِمٌ لِلْأَوَّلِ بِمَعْنَى أَنَّ أَمْرَ الْقَائِلِ لِلْعَبْدِ بِذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى أَمْرِ السَّيِّدِ إيَّاهُ بِهِ لَازِمٌ لَهُ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ أَمْرُهُ لِلْعَبْدِ تَعَدِّيًا لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَمْرِ السَّيِّدِ لَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ آمِرٌ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ سَيِّدُهُ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّعَدِّيَ لِأَجْلِ أَنَّ الصِّيغَةَ لَمْ تَقْتَضِهِ بَلْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ - وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ عَلَيْهِ - وَهَذَا الْمَانِعُ مَفْقُودٌ فِي أَوَامِرِ الشَّرْعِ لِوُجُودِ سُلْطَانِ التَّكْلِيفِ لَهُ عَلَيْنَا فَلَا تَعَدِّيَ حِينَئِذٍ. وَعَلَى الثَّانِي إنَّمَا يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ لَوْ كَانَ اللَّازِمُ مُسْتَلْزِمًا لِلْإِرَادَةِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ غَيْرَ مُرَادٍ فَلَا تَنَاقُضَ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا تَدَافُعٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بَلْ بَيْنَ أَمْرٍ وَنَهْيٍ فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَا يَخْفَى مَنْعُ بُطْلَانِ) اللَّازِمِ (الثَّانِي) الَّذِي هُوَ التَّنَاقُضُ (إذْ لَا يُرَادُ بِالْمُنَاقَضَةِ هُنَا إلَّا مَنْعُهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ مِنْ الْبَيْعِ (بَعْدَ طَلَبِهِ) أَيْ الْبَيْعِ (مِنْهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ (وَهُوَ) أَيْ مَنْعُهُ مِنْهُ بَعْدَ طَلَبِهِ مِنْهُ (نَسْخٌ) لِطَلَبِهِ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ أَمْرٌ بِهِ. (قَالُوا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - رَسُولَهُ بِأَنْ يَأْمُرَنَا) فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْآمِرَ هُوَ اللَّهُ - تَعَالَى - (وَ) أَمْرِ (الْمَلِكِ وَزِيرَهُ) بِأَنْ يَأْمُرَ فُلَانًا بِكَذَا فَإِنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّ الْآمِرَ الْمَلِكُ. (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ فَهْمَ ذَلِكَ فِي كِلَيْهِمَا (مِنْ قَرِينَةِ أَنَّهُ) أَيْ الْمَأْمُورَ أَوَّلًا (رَسُولٌ) وَمُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ، وَعَنْ الْمَلِكِ كَمَا فِي الثَّانِي (لَا مِنْ لَفْظِ الْأَمْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ) أَيْ بِالْمَأْمُورِ بِهِ ثَانِيًا، وَمَحَلُّ النِّزَاعِ إنَّمَا هُوَ هَذَا ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَحَلُّ النِّزَاعِ قَوْلُ الْقَائِلِ: مُرْ فُلَانًا بِكَذَا، أَمَّا لَوْ قَالَ: قُلْ لِفُلَانٍ افْعَلْ كَذَا فَالْأَوَّلُ آمِرٌ وَالثَّانِي مُبَلِّغٌ بِلَا نِزَاعٍ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُنْتَهَى وَسَوَّى التَّفْتَازَانِيُّ بَيْنَهُمَا فِي الْإِرَادَةِ بِمَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ قَالَ وَقَدْ سَبَقَ إلَى بَعْضِ الْأَوْهَامِ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ فَقَطْ، يَعْنِي مَا كَانَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ فَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا هُوَ الثَّبْتُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَاقَبَ أَمْرَانِ غَيْرُ مُتَعَاطِفَيْنِ بِمُتَمَاثِلَيْنِ فِي مَأْمُورٍ بِهِ] (مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَاقَبَ أَمْرَانِ) غَيْرُ مُتَعَاطِفَيْنِ (بِمُتَمَاثِلَيْنِ فِي) مَأْمُورٍ بِهِ (قَابِلٍ لِلتَّكْرَارِ) كَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ (بِخِلَافِ) أَمْرَيْنِ مُتَعَاقِبَيْنِ غَيْرِ مُتَعَاطِفَيْنِ بِمُتَمَاثِلَيْنِ فِي مَأْمُورٍ بِهِ غَيْرِ قَابِلٍ لِلتَّكْرَارِ، نَحْوُ صُمْ الْيَوْمَ (صُمْ الْيَوْمَ وَلَا صَارِفَ عَنْهُ) أَيْ التَّكْرَارِ (مِنْ تَعْرِيفٍ) لِلْمَأْمُورِ بِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مُنَكَّرًا (كَ صَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ) بَعْدَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ (أَوْ) مِنْ (عَادَةٍ كَ اسْقِنِي مَاءً) اسْقِنِي مَاءً (فَإِنَّهُ) أَيْ كَوْنَ الثَّانِي مُؤَكِّدًا الْأَوَّلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (اتِّفَاقٌ) أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ لِعَدَمِ الْقَابِلِيَّةِ لِلتَّكْرَارِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْأَكْثَرِيَّ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ مُعَرَّفَةً كَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّ دَفْعَ الْحَاجَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ غَالِبًا يَمْنَعُ تَكْرَارَ السَّقْيِ، وَسَيُعْلِمُ فَائِدَةَ مَا بَقِيَ مِنْ الْقُيُودِ (قِيلَ بِالْوَقْفِ) فِي كَوْنِهِ تَأْسِيسًا أَوْ تَأْكِيدًا، وَهُوَ لِأَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ. (وَقِيلَ: تَأْكِيدٌ) وَهُوَ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْجُبَّائِيِّ (وَقِيلَ: تَأْسِيسٌ) وَهُوَ لِلْأَكْثَرِينَ عَلَى مَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ وَلِعَبْدِ الْجَبَّارِ عَلَى مَا فِي الْبَدِيعِ (لِأَنَّهُ أَفْوَدُ، وَوُضِعَ الْكَلَامُ لِلْإِفَادَةِ وَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ لِأَنَّهُ أَفْوَدُ وَوَضْعُ الْكَلَامِ

مسألة اختلف القائلون بالنفسي

لِلْإِفَادَةِ (يُغْنِي عَنْ هَذَا) أَيْ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَالْكُلُّ) أَيْ وَكُلٌّ مِنْهُمَا (لَا يُقَاوِمُ الْأَكْثَرِيَّةَ) لِلتَّكْرِيرِ فِي التَّأْكِيدِ لِأَنَّهُ كَثُرَ التَّكْرِيرُ فِي التَّأْكِيدِ مَا لَمْ يَكْثُرْ فِي التَّأْسِيسِ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّأْكِيدِ حَمْلًا لِلْفَرْدِ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ (وَمُعَارَضٌ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ) أَيْ وَالتَّأْسِيسُ مُعَارَضٌ بِمَا فِي التَّأْكِيدِ مِنْ الْمُوَافَقَةِ لِلْأَصْلِ، الَّذِي هُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِ مِنْ تَعَلُّقِ التَّكَلُّفِ بِهَا مَرَّةً ثَانِيَةً إذْ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (بَعْدَ مَنْعِ الْأَصَالَةِ) أَيْ كَوْنِ الْأَصْلِ فِي الْكَلَامِ الْإِفَادَةَ (فِي التَّكْرَارَ) إنَّمَا ذَاكَ فِي غَيْرِ التَّكْرَارِ بِشَهَادَةِ الْكَثْرَةِ (فَيَتَرَجَّحُ) التَّأْكِيدُ (وَإِذْ مُنِعَ كَوْنُ التَّأْسِيسِ أَكْثَرَ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ) وَهُوَ تَوَالِي أَمْرَيْنِ بِمُتَمَاثِلَيْنِ فِي قَابِلٍ لِلتَّكْرَارِ لَا صَارِفَ عَنْهُ (سَقَطَ مَا قِيلَ) أَيْ مَا قَالَهُ الْوَاقِفُ (تَعَارَضَ التَّرْجِيحُ) فِي التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ (فَالْوَقْفُ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَرْجَحِيَّةُ التَّأْكِيدِ عَلَيْهِ فَلَا وَقْفَ هَذَا فِي التَّعَاقُبِ بِلَا عَطْفٍ (وَفِي الْعَطْفِ كَ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) بَعْدَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ (يُعْمَلُ بِهِمَا) أَيْ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِوَاوِ الْعَطْفِ لَمْ يُعْهَدْ أَوْ يَقِلُّ قَالَ الْقَرَافِيُّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ الَّذِي يَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَقِيلَ: يَكُونُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ (إلَّا إنْ تَرَجُّحَ التَّأْكِيدِ) فِي الْمَعْطُوفِ بِمُرَجِّحٍ عَادِيٍّ مِنْ تَعْرِيفٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا مُعَارِضَ يَمْنَعُ مِنْهُ (فِيهِ) أَيْ فَيُعْمَلُ بِالتَّأْكِيدِ (أَوْ) يُوجَدُ (التَّعَادُلُ) بَيْنَ تَرَاجِيحِ كَوْنِهِ تَأْسِيسًا وَتَأْكِيدًا (فَبِمُقْتَضًى خَارِجٍ) أَيْ فَالْعَمَلُ بِمُقْتَضًى خَارِجٍ عَنْهُمَا إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَالْوَقْفُ كَ اسْقِنِي مَاءً، وَاسْقِنِي الْمَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ وَالتَّعْرِيفَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَطْفِ وَالتَّأْسِيسِ، فَإِنْ قِيلَ بَلْ يَتَرَجَّحُ التَّأْسِيسُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِاحْتِمَالِ الْوُجُوبِ مَرَّةً ثَانِيَةً، أُجِيبَ: قَدْ يَكُونُ الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَمْلِ عَلَى التَّأْكِيدِ لِاحْتِمَالِ الْحُرْمَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْأَمْرَيْنِ بِمُتَمَاثِلَيْنِ فَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ عُمِلَ بِهِمَا اتِّفَاقًا مُتَعَاطِفَيْنِ كَانَا كَ صُمْ وَصَلِّ أَوْ غَيْرَ مُتَعَاطِفَيْنِ كَ صُمْ صَلِّ ذَكَرَهُ فِي الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الثَّانِيَ إذَا كَانَ ضِدَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتَيْنِ، نَحْوُ أَكْرِمْ زَيْدًا وَأَهِنْهُ فَإِنْ اتَّحَدَ الْوَقْتُ حُمِلَ عَلَى التَّخْيِيرِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى النَّسْخِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ التَّرَاخِيَ حَتَّى يَسْتَقِرَّ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ وَيَقَعَ التَّكْلِيفُ وَالِامْتِحَانُ بِهِ وَيَكُونَ الْوَاوُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى أَوْ حَتَّى يَحْصُلَ التَّخْيِيرُ. وَفِي الْمَحْصُولِ: فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامًّا وَالْآخَرُ خَاصًّا، نَحْوُ صُمْ كُلَّ يَوْمٍ صُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي غَيْرَ مَعْطُوفٍ كَانَ تَأْكِيدًا، وَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ لِيَصِحَّ الْعَطْفُ، وَالْأَشْبَهُ الْوَقْفُ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ ظَاهِرِ الْعُمُومِ وَظَاهِرِ الْعَطْفِ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَسْبِقُ لِلْوَهْمِ عِنْدَ السَّمَاعِ مِنْ التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ لِلِاسْمِ الْمَذْكُورِ اهْتِمَامًا بِهِ بِذِكْرِهِ ثَانِيًا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُؤَخَّرًا، وَبِذِكْرِهِ أَوَّلًا عَلَى تَقْدِيرِ الْبُدَاءَةِ بِهِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُتَعَاقِبَيْنِ فَإِنْ تَرَاخَى أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ عُمِلَ بِهَا، سَوَاءٌ تَمَاثَلَا أَوْ اخْتَلَفَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّانِي مَعْطُوفًا أَوْ غَيْرَ مَعْطُوفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ] (مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ فَاخْتِيَارُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ فَوْرًا لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (وَلَا يَقْتَضِيهِ) أَيْ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ (عَقْلًا، وَالْمَنْسُوبُ إلَى الْعَامَّةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْهُ إنْ كَانَ) الضِّدُّ (وَاحِدًا) فَالْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ نَهْيٌ عَنْ الْكُفْرِ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ (فَعَنْ الْكُلِّ) أَيْ فَهُوَ يَنْهَى عَنْ كُلِّهَا فَالْأَمْرُ بِالْقِيَامِ نَهْيٌ عَنْ الْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهَا، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ. (وَقِيلَ) نَهْيٌ (عَنْ وَاحِدٍ غَيْرِ عَيْنٍ)

مِنْ أَضْدَادِهِ (وَهُوَ بَعِيدٌ) ظَاهِرُ الْبُعْدِ (وَإِنَّ النَّهْيَ أَمْرٌ بِالضِّدِّ الْمُتَّحِدِ) فَالنَّهْيُ عَنْ الْكُفْرِ أَمْرٌ بِالْإِيمَانِ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ (فَقِيلَ) أَيْ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ أَمْرٌ (بِالْكُلِّ) أَيْ بِأَضْدَادِهِ كُلِّهَا (وَفِيهِ بُعْدٌ) يَظْهَرُ مِمَّا سَيَأْتِي. (وَالْعَامَّةُ:) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمُحَدِّثِينَ هُوَ أَمْرٌ (بِوَاحِدٍ غَيْرِ عَيْنٍ) مِنْ أَضْدَادِهِ (فَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ) الْبَاقِلَّانِيُّ قَالَ (أَوَّلًا كَذَلِكَ) أَيْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ (وَآخِرًا يَتَضَمَّنَانِ) أَيْ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ الْأَمْرَ بِضِدِّهِ (وَمِنْهُمْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَمْرِ) أَيْ قَالَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَسَكَتَ عَنْ النَّهْيِ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَمُتَابِعِيهِ (وَعَمَّمَ) الْأَمْرَ فِي أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الضِّدِّ (فِي الْإِيجَابِيِّ وَالنَّدْبِيِّ فَهُمَا) أَيْ الْأَمْرُ الْإِيجَابِيُّ وَالْأَمْرُ النَّدْبِيُّ (نَهْيَا تَحْرِيمٍ وَكَرَاهَةٍ فِي الضِّدِّ) أَيْ فَالْأَمْرُ الْإِيجَابِيُّ نَهْيٌ تَحْرِيمِيٌّ عَنْ الضِّدِّ، وَالْأَمْرُ النَّدْبِيُّ نَهْيٌ تَنْزِيهِيٌّ عَنْ الضِّدِّ (وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ أَمْرَ الْوُجُوبِ) فَجَعَلَهُ نَهْيًا تَحْرِيمِيًّا عَنْ الضِّدِّ دُونَ النَّدْبِ (وَاتَّفَقَ الْمُعْتَزِلَةُ لِنَفْيِهِمْ) الْكَلَامَ (النَّفْسِيَّ عَلَى نَفْيِ الْعَيْنِيَّةِ فِيهِمَا) أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا بِالْعَكْسِ لِعَدَمِ إمْكَانِ ذَلِكَ فِيهِمَا لَفْظًا. (وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُوجِبُ كُلٌّ مِنْ الصِّيغَتَيْنِ) أَيْ صِيغَتَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (حُكْمًا فِي الضِّدِّ؟ فَأَبُو هَاشِمٍ وَأَتْبَاعُهُ لَا بَلْ) الضِّدُّ (مَسْكُوتٌ) عَنْهُ (وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ) الْأَمْرُ (يُوجِبُ حُرْمَتَهُ) أَيْ الضِّدِّ (وَعِبَارَةُ) طَائِفَةٍ (أُخْرَى) الْأَمْرُ (يَدُلُّ عَلَيْهَا) أَيْ حُرْمَةِ ضِدِّهِ (وَ) عِبَارَةُ طَائِفَةٍ (أُخْرَى) الْأَمْرُ (يَقْتَضِيهَا) أَيْ حُرْمَةَ ضِدِّهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُرْمَةَ الضِّدِّ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ مُوجِبَاتِ صِيغَةِ الْأَمْرِ فِرَارًا مِنْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ تَنَوَّعَتْ أَشَارَتُهُمْ إلَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَالُوا، فَمَنْ قَالَ يُوجِبُ أَشَارَ إلَى أَنَّ حُرْمَةَ الضِّدِّ تَثْبُتُ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ حُكْمِ الْأَمْرِ كَالنِّكَاحِ أَوْجَبَ الْحِلَّ - فِي حَقِّ الزَّوْجِ بِصِيغَتِهِ - وَالْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِحُكْمِهِ دُونَ صِيغَتِهِ، وَمَنْ قَالَ يَدُلُّ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ تَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحُرْمَةُ مِنْ مُوجَبَاتِهَا، كَالنَّهْيِ عَنْ التَّأْفِيفِ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حُرْمَتُهُ مِنْ مُوجَبَاتِ لَفْظِ التَّأْفِيفِ، وَمَنْ قَالَ يَقْتَضِي أَشَارَ إلَى أَنَّهَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى غَيْرِ لَفْظِ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى يَثْبُتُ زِيَادَةً عَلَى اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ مَا فِيهِ (وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ) السَّرَخْسِيُّ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ (وَأَتْبَاعُهُمْ) مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَمْرُ (يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الضِّدِّ، وَلَوْ كَانَ) الْأَمْرُ (إيجَابًا وَالنَّهْيُ) يَقْتَضِي (كَوْنَهُ) أَيْ الضِّدِّ (سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، وَلَوْ) كَانَ النَّهْيُ (تَحْرِيمًا، وَحُرِّرَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي أَمْرِ الْفَوْرِ لَا التَّرَاخِي) ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْقَوَاطِعِ وَغَيْرُهُمْ (وَفِي الضِّدِّ) الْوُجُودِيِّ (الْمُسْتَلْزِمِ لِلتَّرْكِ، لَا التَّرْكِ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ قَالُوا (وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي لَفْظِهِمَا) أَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِأَنْ يُطْلَقَ لَفْظُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ افْعَلْ وَنَحْوُهَا، وَصِيغَةَ النَّهْيِ لَا تَفْعَلْ (وَلَا الْمَفْهُومَيْنِ) أَيْ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ مَفْهُومَ أَحَدِهِمَا - وَهُوَ الصِّيغَةُ الَّتِي هِيَ كَذَا - عَيْنُ مَفْهُومِ الْآخَرِ أَوْ فِي ضِمْنِهِ (لِلتَّغَايُرِ) أَيْ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَفْهُومَ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ مَفْهُومِ الْآخَرِ (بَلْ) النِّزَاعُ (فِي أَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ - الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ - عَيْنُ طَلَبِ تَرْكِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ) فَالْجُمْهُورُ: نَعَمْ فَالْمُتَعَلِّقُ وَاحِدٌ وَالْمُتَعَلَّقُ بِهِ شَيْئَانِ مُتَلَازِمَانِ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ كَالْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ

بِمَعْلُومَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ، فَكَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا وَيُجْهَلَ الْآخَرُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَحَقَّقَ الِاقْتِضَاءُ النَّفْسِيُّ لِفِعْلٍ دُونَ اقْتِضَائِهِ لِتَرْكِ ضِدِّهِ، وَالْقَاضِي آخِرًا: لَا، إلَّا أَنَّهُ يُثَنِّي الْمُتَعَلِّقَ وَالْمُتَعَلَّقَ بِهِ جَمِيعًا فَيَرَى أَنَّ الْأَمْرَ النَّفْسِيَّ يُقَارِنُهُ نَهْيٌ نَفْسِيٌّ أَيْضًا فَيَكُونُ وُجُودُ الْقَوْلِ النَّفْسِيِّ - الَّذِي هُوَ اقْتِضَاءُ الْقِيَامِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِ قُمْ - مُتَضَمِّنًا وُجُودَ قَوْلٍ آخَرَ فِي النَّفْسِ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَا تَقْعُدْ وَيَكُونُ الْقَوْلُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِ قُمْ مُتَضَمِّنًا لِلْقَوْلِ الثَّانِي وَمُقَارِنَهُ حَتَّى لَا يُوجَدَ مُنْفَرِدًا عَنْهُ وَيَجْرِي مَجْرَى الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ انْفِصَالُهُمَا. وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا لَا أَيْضًا، إلَّا أَنَّهُمْ يُوَحِّدُونَ الْمُتَعَلِّقَ وَالْمُتَعَلَّقَ بِهِ هَذَا، وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا إلَى أَنَّ غَيْرِيَّةَ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ إنَّمَا هِيَ فِي غَيْرِ كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَالَ طَلَبُ الْقِيَامِ هَلْ هُوَ بِعَيْنِهِ طَلَبُ تَرْكِ الْقُعُودِ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فَرْضُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّ كَلَامَهُ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ، فَلَا تَتَطَرَّقُ الْغَيْرِيَّةُ إلَيْهِ فَلْيُفْرَضْ فِي الْمَخْلُوقِ وَهُوَ أَنَّ طَلَبَهُ لِلْحَرَكَةِ هَلْ هُوَ بِعَيْنِهِ كَرَاهَةُ السُّكُونِ وَطَلَبٌ لِتَرْكِهِ، اهـ. وَوَافَقَهُ عَلَى هَذَا أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ وَاحِدٌ وَلَكِنَّهُ مُتَعَدِّدٌ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَكَلَامُنَا فِي الْغَيْرِيَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ قَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَيْضًا أَنَّ النِّزَاعَ فِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ أَوْ لَا إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ طَلَبَ الْكَفِّ عَنْ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ هَلْ هُوَ عَيْنُ طَلَبِ فِعْلِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ أَمْ لَا، فَقِيلَ نَعَمْ اتَّحَدَ الضِّدُّ أَمْ تَعَدَّدَ وَقِيلَ بَلْ أَمْرٌ بِالْمُتَّحِدِ، وَإِلَّا فَبِوَاحِدٍ غَيْرِ عَيْنٍ وَقِيلَ لَا وَلَكِنْ يَتَضَمَّنُهُ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ يُرْشِدُ إلَيْهِ (وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ مَعَهُ) الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي كَوْنَ ضِدِّهِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً (لَا يَسْتَلْزِمُ اللَّفْظِيَّ) أَيْ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْأَمْرِ الْأَمْرَ اللَّفْظِيَّ وَبِالنَّهْيِ النَّهْيَ اللَّفْظِيَّ (بَلْ هُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (كَالتَّضَمُّنِ فِي قَوْلِ الْقَاضِي آخِرًا) فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ اخْتَارَ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَمَّا كَانَ ثَابِتًا فِي الْآخَرِ ضَرُورَةً لَا مَقْصُودًا، وَكَانَ الثَّابِتُ بِغَيْرِهِ ضَرُورَةً لَا يُسَاوِي بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ثَابِتٌ بِقَدْرِ مَا تَرْتَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ، وَالثَّانِيَ ثَابِتٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ سَمَّاهُ اقْتِضَاءً، ثُمَّ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاقْتِضَاءِ هُنَا الْمُصْطَلَحَ - وَهُوَ جَعْلُ غَيْرِ الْمَنْطُوقِ مَنْطُوقًا لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقِ إذْ لَا تَوَقُّفَ لِصِحَّةِ الْمَنْطُوقِ عَلَيْهِ - بَلْ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، فَسُمِّيَ بِهِ لِشَبَهِهِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ ضَرُورَةً، وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ مُوجَبُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هُنَا بِقَدْرِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ وَهُوَ الْكَرَاهَةُ وَالتَّرْغِيبُ كَمَا يُجْعَلُ الْمُقْتَضَى مَذْكُورًا بِقَدْرِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ وَهُوَ صِحَّةُ الْكَلَامِ وَهَذَا فِي الْمَعْنَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي مِنْ الْمُرَادِ بِالتَّضَمُّنِ لَكِنَّ هَذَا لَا يُعَيِّنُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ النَّفْسِيَّ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ اللَّفْظِيَّ هُوَ الْمُرَادُ لَهُ كَمَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ كِتَابَهُ إلَى هَذَا الْبَابِ (وَمُرَادُهُ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (غَيْرُ أَمْرِ الْفَوْرِ لِتَنْصِيصِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الضِّدِّ الْمُفَوِّتِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَقَالَ: وَفَائِدَةُ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْأَمْرِ لَمْ يُعْتَبَرْ إلَّا مِنْ حَيْثُ يُفَوِّتُ الْأَمْرَ فَإِذَا لَمْ يُفَوِّتْهُ كَانَ مَكْرُوهًا كَالْأَمْرِ بِالْقِيَامِ لَيْسَ بِنَهْيٍ عَنْ الْقُعُودِ قَصْدًا حَتَّى إذَا قَعَدَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ بِنَفْسِ الْقُعُودِ، وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ، اهـ. وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ أَمْرَ الْفَوْرِ إمَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الرَّازِيّ أَوْ لِأَنَّهُ مُضَيَّقٌ ابْتِدَاءً كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ بِسَبَبِ ضِيقِ الْوَقْتِ كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لَمْ يَتَأَتَّ الْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ الضِّدِّ لِأَنَّهُ مَا مِنْ ضِدٍّ إلَّا، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ مُفَوِّتٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ حِينَئِذٍ

(وَعَلَى هَذَا) الَّذِي تَحَرَّرَ مُرَادًا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ (يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الضِّدِّ بِالْمُفَوِّتِ ثُمَّ إطْلَاقُ الْأَمْرِ عَنْ كَوْنِهِ فَوْرِيًّا) فَيُقَالُ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الْمُفَوِّتِ لَهُ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ، وَعَلَى قِيَاسِهِ: وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ الْمُفَوِّتِ عَدَمَهُ لَهُ فَيَئُولُ فِي الْمَعْنَى إلَى قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ: إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الضِّدَّ إنْ فَوَّتَ الْمَقْصُودَ بِالْأَمْرِ يَحْرُمُ، وَإِنْ فَوَّتَ عَدَمَهُ الْمَقْصُودَ بِالنَّهْيِ يَجِبُ، وَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْ فَالْأَمْرُ يَقْتَضِي كَرَاهَتَهُ، وَالنَّهْيُ كَوْنَهُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً لَكِنْ كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: حَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ تَرْكِهِ، وَحُرْمَةَ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَرْكِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ نِزَاعٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْبَاقِي فَسَيَأْتِي مَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ) فِي كَوْنِ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ. أَوْ لَا تَظْهَرُ إذَا تَرَكَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَفَعَلَ ضِدَّهُ الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ بِنَهْيٍ مِنْ حَيْثُ (اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَقَطْ) كَمَا هُوَ لَازِمُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ (أَوْ) اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ (بِهِ) أَيْ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ (وَبِفِعْلِ الضِّدِّ حَيْثُ عَصَى أَمْرًا وَنَهْيًا) كَمَا هُوَ لَازِمُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ، وَفِي كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرًا بِضِدِّهِ تَظْهَرُ إذَا فَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَتَرَكَ ضِدَّهُ الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ بِأَمْرٍ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ بِفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَقَطْ كَمَا هُوَ لَازِمُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا بِضِدِّهِ أَوْ بِهِ وَبِتَرْكِ فِعْلِ الضِّدِّ كَمَا هُوَ لَازِمُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ أَمْرٌ بِضِدِّهِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِإِرْشَادِ الْأَوَّلِ إلَيْهِ (لِلنَّافِينَ) كَوْنَ الْأَمْرِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَبِالْعَكْسِ أَنَّهُ (لَوْ كَانَا) أَيْ النَّهْيُ عَنْ الضِّدِّ وَالْأَمْرُ بِالضِّدِّ (إيَّاهُمَا) أَيْ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ (أَوْ لَازِمَيْهِمَا) أَيْ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيِ عَنْ الشَّيْءِ (لَزِمَ تَعَقُّلُ الضِّدِّ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْكَفِّ) فِي الْأَمْرِ وَالْأَمْرِ فِي النَّهْيِ (لِاسْتِحَالَتِهِمَا) أَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ حِينَئِذٍ (مِمَّنْ لَمْ يَتَعَقَّلْهُمَا) أَيْ الضِّدَّ وَالْكَفَّ فِي الْأَمْرِ وَالضِّدَّ وَالْأَمْرَ فِي النَّهْيِ (وَالْقَطْعُ بِتَحَقُّقِهِمَا) أَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (وَعَدَمِ خُطُورِهِمَا) أَيْ الضِّدِّ وَالْكَفِّ فِي الْأَمْرِ وَالضِّدِّ وَالْأَمْرِ فِي النَّهْيِ (وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا لَا يَخْطُرُ الْأَضْدَادُ الْجُزْئِيَّةُ، وَالْمُرَادُ) بِالضِّدِّ هُنَا (الضِّدُّ الْعَامُّ) أَيْ الْمُطْلَقُ وَهُوَ مَا لَا يُجَامِعُ الْمَأْمُورَ بِهِ الدَّائِرَ فِي الْأَضْدَادِ الْجُزْئِيَّةِ. (وَتَعَلُّقُهُ) أَيْ الضِّدِّ الْعَامِّ (لَازِمٌ) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (إذْ طَلَبُ الْفِعْلِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (لِانْتِفَاءِ طَلَبِ الْحَاصِلِ وَهُوَ) أَيْ الْعِلْمُ بِعَدَمِهِ (مَلْزُومُ الْعِلْمِ بِالْخَاصِّ) أَيْ بِالضِّدِّ الْخَاصِّ (وَهُوَ) أَيْ الضِّدُّ الْخَاصُّ (مَلْزُومٌ لِلْعَامِّ) أَيْ لِلضِّدِّ الْعَامِّ (وَلَا يَخْفَى مَا فِي الِاعْتِرَاضِ مِنْ عَدَمِ التَّوَارُدِ أَوَّلًا، وَتَنَاقُضِهِ فِي نَفْسِهِ ثَانِيًا، إذْ فَرْضُهُمْ الْجُزْئِيَّةَ) لِلضِّدِّيَّةِ فِي نَفْيِ الْخُطُورِ (فَلَا تَخْطُرُ) الْأَضْدَادُ الْجُزْئِيَّةُ (تَسْلِيمٌ) لِنَفْيِ خُطُورِ الضِّدِّ الْجُزْئِيِّ (وَقَوْلُهُ) الْعِلْمُ بِعَدَمِ الْفِعْلِ (مَلْزُومُ الْعِلْمِ بِالْخَاصِّ يُنَاقِضُ مَا لَا يَخْطُرُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ الْأَضْدَادَ الْجُزْئِيَّةَ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالضِّدِّ الْخَاصِّ إثْبَاتُ خُطُورٍ لَهُ (وَأُجِيبَ) عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ (بِمَنْعِ التَّوَقُّفِ) لِلْأَمْرِ بِالْفِعْلِ (عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِ التَّلَبُّسِ) بِذَلِكَ الْفِعْلِ فِي حَالِ الْأَمْرِ (لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مُسْتَقْبَلٌ فَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى الِالْتِفَاتِ إلَى مَا فِي الْحَالِ وَلَوْ سُلِّمَ) تَوَقُّفُ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِ التَّلَبُّسِ بِهِ. (فَالْكَفُّ) عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الضِّدُّ (مُشَاهَدٌ) مَحْسُوسٌ (وَلَا يَسْتَلْزِمُ) الْكَفُّ حِينَئِذٍ (الْعِلْمَ بِفِعْلِ ضِدٍّ خَاصٍّ لِحُصُولِهِ) أَيْ الْكَفِّ (بِالسُّكُونِ) فَلَا يَلْزَمُ تَعَقُّلُ الضِّدِّ (وَلَوْ سُلِّمَ) لُزُومُ تَعَقُّلِ الضِّدِّ (فَمُجَرَّدُ تَعَقُّلِهِ الضِّدَّ لَيْسَ مَلْزُومًا لِطَلَبِ تَرْكِهِ) الضِّدَّ (لِجَوَازِ الِاكْتِفَاءِ) فِي الْأَمْرِ (بِمَنْعِ تَرْكِ الْفِعْلِ) الْمَأْمُورِ بِهِ (إمَّا لِمَا قِيلَ: لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ

تَرْكِهِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ) أَيْ مَنْعَ تَرْكِهِ (بِطَلَبٍ آخَرَ) غَيْرِ طَلَبِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ (لِخُطُورِ التَّرْكِ عَادَةً، وَطَلَبُ تَرْكِ تَرْكِهِ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ (الْكَائِنِ بِفِعْلِهِ وِزَانَ لَا تَتْرُكْ وَكَذَا الضِّدُّ الْمُفَوِّتُ) أَيْ مَطْلُوبٌ بِطَلَبٍ آخَرَ لِخُطُورِهِ عَادَةً وَطَلَبِ تَرْكِهِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ (فَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ مُسْتَلْزِمٌ لِلنَّهْيِ عَنْ تَرْكِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ) اسْتِلْزَامًا (بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ) فِيهِ (وَكَذَا) الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ (عَنْ الضِّدِّ الْمُفَوِّتِ لِخُطُورِهِ كَذَلِكَ) يَعْنِي إذَا تَعَقَّلَ مَفْهُومَ الضِّدِّ الْمُفَوِّتِ وَتَعَقَّلَ مَعْنَى طَلَبِ التَّرْكِ حُكِمَ بِهِ فِيهِ وَبِلُزُومِهِ لَهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (فَإِنَّمَا التَّعْذِيبُ بِهِ) أَيْ بِالضِّدِّ (لِتَفْوِيتِهِ) الْمَأْمُورَ بِهِ فَالتَّعْذِيبُ عَلَى فِعْلِ الضِّدِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُفَوِّتٌ لَا مُطْلَقًا (فَإِمَّا ضِدٌّ بِخُصُوصِهِ) إذَا كَانَ لِلْمَأْمُورِ بِهِ ضِدٌّ غَيْرُهُ (فَلَيْسَ لَازِمًا عَادَةً لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ خُطُورِ الْأَكْلِ مِنْ تَصَوُّرِ الصَّلَاةِ فِي الْعَادَةِ، الْقَاضِي لَوْ لَمْ يَكُنْ) الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ (إيَّاهُ) أَيْ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَبِالْعَكْسِ (فَضِدُّهُ أَوْ مِثْلُهُ أَوْ خِلَافُهُ) لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ إنْ تَنَافَيَا لِذَاتَيْهِمَا أَيْ يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَاتَيْهِمَا فَضِدَّانِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الذَّاتِيَّاتِ وَاللَّازِمِ فَمِثْلَانِ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَافَيَا بِأَنْفُسِهِمَا بِأَنْ لَمْ يَتَنَافَيَا أَوْ تَنَافَيَا لَا بِأَنْفُسِهِمَا فَخِلَافَانِ. (وَالْأَوَّلَانِ) أَيْ كَوْنُهُمَا ضِدَّيْنِ وَكَوْنُهُمَا مِثْلَيْنِ (بَاطِلَانِ) ، وَإِلَّا لَمْ يَجْتَمِعَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ وَالْمِثْلَيْنِ (وَاجْتِمَاعُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ مَعَ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ لَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ) لِأَنَّ وُقُوعَهُ ضَرُورِيٌّ كَمَا فِي: تَحَرَّكْ وَلَا تَسْكُنْ (وَكَذَا الثَّالِثُ) أَيْ كَوْنُهُمَا خِلَافَيْنِ بَاطِلٌ أَيْضًا (وَإِلَّا جَازَ كُلٌّ) أَيْ اجْتِمَاعُ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيِ عَنْ الشَّيْءِ (مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ كَالْحَلَاوَةِ وَالْبَيَاضِ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ تَجْتَمِعَ الْحَلَاوَةُ مَعَ ضِدِّ الْبَيَاضِ، وَهُوَ السَّوَادُ (فَيَجْتَمِعُ الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مَعَ ضِدِّ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ) أَيْ الشَّيْءِ (وَهُوَ) أَيْ ضِدُّ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّ الشَّيْءِ (الْأَمْرُ بِضِدِّهِ) أَيْ الشَّيْءِ (وَهُوَ) أَيْ الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مَعَ ضِدِّ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ (تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَمْرَ (طَلَبَهُ) أَيْ الْفِعْلَ (فِي وَقْتٍ طُلِبَ فِيهِ عَدَمُهُ) أَيْ الْفِعْلِ فَقَدْ طُلِبَ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ. (أُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِ لَازِمِ كُلِّ خِلَافَيْنِ ذَلِكَ) أَيْ اجْتِمَاعَ كُلٍّ مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ (لِجَوَازِ تَلَازُمِهِمَا) أَيْ الْخِلَافَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمَشَايِخُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّغَايُرِ جَوَازُ الِانْفِكَاكِ كَالْجَوْهَرِ مَعَ الْعَرَضِ وَالْعِلَّةِ مَعَ مَعْلُولِهَا الْمُسَاوِي (فَلَا يُجَامِعُ) أَحَدُهُمَا (الضِّدَّ) لِلْآخَرِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ أَحَدِ الْمُتَلَازِمَيْنِ مَعَ شَيْءٍ يُوجِبُ اجْتِمَاعَ الْآخَرِ مَعَهُ فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ كُلٍّ مَعَ ضِدِّهِ، وَهُوَ مُحَالٌ (وَإِذَنْ فَالنَّهْيُ إنْ كَانَ طَلَبَ تَرْكِ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ اخْتَرْنَاهُمَا) أَيْ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ (خِلَافَيْنِ وَلَا يَجِبُ اجْتِمَاعُهُ) أَيْ النَّهْيِ (مَعَ ضِدِّ طَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَالصَّلَاةِ مَعَ إبَاحَةِ الْأَكْلِ) فَإِنَّهُمَا خِلَافَانِ وَلَا يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا (وَبَعْدَ تَحْرِيرِ النِّزَاعِ لَا يُتَّجَهُ التَّرْدِيدُ بَيْنَهُ) أَيْ تَرْكِ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ (وَبَيْنَ فِعْلِ ضِدِّ ضِدِّهِ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ (الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ ضِدِّهِ، وَهُوَ) أَيْ فِعْلُ ضِدِّ ضِدِّهِ (عَيْنُهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ. وَإِذَنْ (فَحَاصِلُهُ طَلَبُ الْفِعْلِ طَلَبُ عَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَعِبٌ ثُمَّ إصْلَاحُهُ) حَتَّى لَا يَكُونَ لَعِبًا (بِأَنْ يُرَادَ أَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ لَهُ اسْمَانِ أَمْرٌ بِالْفِعْلِ وَنَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَهُوَ) أَيْ النِّزَاعُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ: هَذَا نِزَاعٌ (لُغَوِيٌّ) فِي تَسْمِيَةِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ تَرْكًا لِضِدِّهِ وَفِي تَسْمِيَةِ طَلَبِهِ نَهْيًا وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ. (وَلَهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ عَيْنُ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ وَبِالْعَكْسِ وَهُوَ الْقَاضِي وَمُوَافِقُوهُ (أَيْضًا فِعْلُ السُّكُونِ عَيْنُ تَرْكِ الْحَرَكَةِ، وَطَلَبُهُ) أَيْ فِعْلِ السُّكُونِ (اسْتِعْلَاءً - وَهُوَ) أَيْ طَلَبُهُ

اسْتِعْلَاءً (الْأَمْرُ - طَلَبُ تَرْكِهَا) أَيْ الْحَرَكَةِ (وَهُوَ) أَيْ طَلَبُ تَرْكِهَا (النَّهْيُ وَهَذَا) الدَّلِيلُ (كَالْأَوَّلِ يَعُمُّ النَّهْيَ) لِأَنَّهُ يُقَالُ أَيْضًا بِالْقَلْبِ (وَالْجَوَابُ بِرُجُوعِ النِّزَاعِ لَفْظِيًّا) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ) أَيْ النِّزَاعُ (فِي وَحْدَةِ الطَّلَبِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ وَتَعَدُّدِهِ) أَيْ الطَّلَبِ الْقَائِمِ بِهَا (بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ - أَعْنِي الْحَاصِلَ بِالْمَصْدَرِ وَتَرْكِ أَضْدَادِهِ - وَاحِدٌ فِي الْوُجُودِ بِوُجُودٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ (بَلْ الْجَوَابُ مَا تَضَمَّنَهُ دَلِيلُ النَّافِينَ مِنْ الْقَطْعِ بِطَلَبِ الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ خُطُورِ الضِّدِّ وَأَيْضًا فَإِنَّمَا يَتِمُّ) هَذَا الدَّلِيلُ (فِيمَا أَحَدُهُمَا) أَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (تَرْكُ الْآخَرِ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ لَا الْأَضْدَادِ الْوُجُودِيَّةِ فَلَيْسَ) مَا أَحَدُهُمَا تَرْكُ الْآخَرِ (مَحَلَّ النِّزَاعِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَا تَمَامَهُ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ (عِنْدَنَا) لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (وَلِلْمُعَمِّمِ) أَيْ الْقَائِلِ (فِي النَّهْيِ) : إنَّهُ أَمْرٌ بِالضِّدِّ (دَلِيلَا الْقَاضِي) وَهُمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ نَفْسَهُ لَكَانَ مِثْلَهُ أَوْ ضِدَّهُ أَوْ خِلَافَهُ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَتَرْكُ السُّكُونِ الْحَرَكَةُ، فَطَلَبُهُ طَلَبُهَا (وَالْجَوَابُ) عَنْهُمَا (مَا تَقَدَّمَ) آنِفًا وَهُوَ مَنْعُ كَوْنِ لَازِمِ الْخِلَافَيْنِ ذَلِكَ لِجَوَازِ تَلَازُمِهِمَا وَالْقَطْعِ بِطَلَبِ الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ خُطُورِ الضِّدِّ (وَأَيْضًا يَلْزَمُ فِي نَهْيِ الشَّارِعِ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمَعَاصِي الْمُضَادَّةِ) كَاللِّوَاطِ وَالزِّنَا (مَأْمُورًا بِهِ مُخَيَّرًا) مُثَابًا عَلَيْهِ إذَا تَرَكَ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ عَلَى قَصْدِ الِامْتِثَالِ وَالْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبِ (وَلَوْ الْتَزَمُوهُ) أَيْ هَذَا (لُغَةً غَيْرَ أَنَّهَا) أَيْ الْمَعَاصِيَ (مَمْنُوعَةٌ بِشَرْعِيٍّ كَالْمُخْرَجِ مِنْ الْعَامِّ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَامَّ (يَتَنَاوَلُهُ) أَيْ الْمُخْرَجَ (وَيَمْتَنِعُ فِيهِ) أَيْ الْمُخْرَجِ (حُكْمُهُ) أَيْ الْعَامِّ بِمُوجِبٍ لِذَلِكَ (أَمْكَنَهُمْ وَعَلَى اعْتِبَارِهِ فَالْمَطْلُوبُ ضِدٌّ لَمْ يَمْنَعْهُ الدَّلِيلُ وَأَمَّا إلْزَامُ نَفْيِ الْمُبَاحِ) عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ إذْ مَا مِنْ مُبَاحٍ إلَّا وَهُوَ تَرْكُ حَرَامٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْكَعْبِيِّ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا يَأْتِي (فَغَيْرُ لَازِمٍ) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الشَّيْءِ فِعْلُ ضِدِّهِ (الْمُضَمِّنِ) أَيْ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ قَالَ (أَمْرُ الْإِيجَابِ طَلَبُ فِعْلٍ يُذَمُّ تَرْكُهُ فَاسْتَلْزَمَ النَّهْيَ عَنْهُ) أَيْ تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ (وَعَمَّا يَحْصُلُ بِهِ) تَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ (وَهُوَ) أَيْ تَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ (الضِّدُّ) لِلْأَمْرِ، وَهُوَ النَّهْيُ (وَنُقِضَ) هَذَا بِأَنَّهُ (لَوْ تَمَّ لَزِمَ تَصَوُّرُ الْكَفِّ عَنْ الْكَفِّ لِكُلِّ أَمْرٍ) لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْ الْفِعْلِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ حِينَئِذٍ، وَالنَّهْيَ طَلَبُ فِعْلٍ هُوَ كَفٌّ فَيَكُونُ الْأَمْرُ مُتَضَمِّنًا لِطَلَبِ الْكَفِّ عَنْ الْكَفِّ، وَالْحُكْمُ بِالشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ فَيَلْزَمُ تَصَوُّرُ الْكَفِّ عَنْ الْكَفِّ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِطَلَبِ الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ خُطُورِ الْكَفِّ عَنْ الْكَفِّ فَلَا يَكُونُ الْكَفُّ الَّذِي ذُمَّ عَلَيْهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ النَّهْيَ عَنْ الْكَفِّ وَلَا عَنْ الضِّدِّ (وَلَوْ سُلِّمَ) عَدَمُ النَّقْصِ بِهَذَا لِعَدَمِ لُزُومِ تَصَوُّرِ الْكَفِّ عَنْ الْكَفِّ فِي كُلِّ أَمْرٍ لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْكَفَّ مُشَاهَدٌ فَيُسْتَغْنَى بِمُشَاهَدَتِهِ عَنْ تَصَوُّرِهِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالذَّاتِ وَإِنَّمَا هُوَ مَقْصُودٌ بِالْعَرَضِ فَهُوَ مُعْتَرِضٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (مَنْعُ كَوْنِ الذَّمِّ بِالتَّرْكِ جُزْءًا لِوُجُوبٍ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَإِنْ وَقَعَ) الذَّمُّ بِالتَّرْكِ (جُزْءَ التَّعْرِيفِ) الرَّسْمِيِّ لَهُ (بَلْ هُوَ) أَيْ الْوُجُوبُ (الطَّلَبُ الْجَازِمُ ثُمَّ يَلْزَمُ تَرْكُهُ) أَيْ مُقْتَضَاهُ (ذَلِكَ) أَيْ الذَّمَّ (إذَا صَدَرَ) الْأَمْرُ (مِمَّنْ لَهُ حَقُّ الْإِلْزَامِ) فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ مُتَضَمِّنًا لِلنَّهْيِ لِأَنَّ الْمَبْحَثَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ بِحَسَبِ مَفْهُومِهِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ مَفْهُومِهِ (وَلَوْ سُلِّمَ) كَوْنُ الذَّمِّ بِالتَّرْكِ جُزْءَ الْوُجُوبِ (فَجَازَ كَوْنُ الذَّمِّ عِنْدَ التَّرْكِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ) مَا أُمِرَ بِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ الذَّمُّ عَلَى الْعَدَمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَدَمٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَلَيْسَ الْعَدَمُ فِعْلَهُ بَلْ التَّرْكُ الْمُبْقِي لِلْعَدَمِ عَلَى الْأَصْلِ وَمَا قِيلَ لَوْ سُلِّمَ) أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ

مُتَضَمِّنٌ لِلنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ (فَلَا مُبَاحَ) لِأَنَّ الشَّيْءَ حِينَئِذٍ مَطْلُوبٌ فِعْلُهُ وَتَرْكُ ضِدِّهِ، وَالْمُبَاحُ لَيْسَ أَحَدَهُمَا (غَيْرُ لَازِمٍ) لِجَوَازِ عَدَمِ طَلَبِ فِعْلِ شَيْءٍ، وَعَدَمِ طَلَبِ تَرْكِ ضِدِّهِ، وَفِعْلُ أَوْ تَرْكُ مَا هُوَ كَذَلِكَ هُوَ الْمُبَاحُ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا نَفْيَ الْمُبَاحِ (امْتَنَعَ التَّصْرِيحُ بِلَا تَعَقُّلِ الضِّدِّ الْمُفَوِّتِ) لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ. (وَالْحَلُّ أَنَّ لَيْسَ كُلُّ ضِدٍّ مُفَوِّتًا، وَلَا كُلُّ مُقَدَّرٍ ضِدًّا كَذَلِكَ) أَيْ مُفَوِّتًا (كَخَطْوِهِ فِي الصَّلَاةِ وَابْتِلَاعِ رِيقِهِ وَفَتْحِ عَيْنِهِ وَكَثِيرٍ، وَأَيْضًا لَا يَسْتَلْزِمُ) هَذَا الدَّلِيلُ (مَحَلَّ النِّزَاعِ وَهُوَ: الضِّدُّ) لِلْأَمْرِ (غَيْرُ التَّرْكِ) لِلْمَأْمُورِ بِهِ (لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ اللَّازِمِ) لِلْأَمْرِ (أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ التَّرْكِ وَالضِّدِّ) أَيْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالضِّدِّ الْجُزْئِيِّ لِقَطْعِنَا بِأَنَّ لُزُومَهُ لِنَفْيِ التَّفْوِيتِ، وَهُوَ كَمَا يَثْبُتُ بِفِعْلِ الضِّدِّ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ (فَنَخْتَارُ الْأَوَّلَ) أَيْ أَنَّ اللَّازِمَ النَّهْيُ عَنْ التَّرْكِ فَلَا يَثْبُتُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ (وَزَادَ الْمُعَمِّمُونَ فِي النَّهْيِ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِضِدِّهِ (أَنَّهُ) أَيْ النَّهْيَ (طَلَبُ تَرْكِ فِعْلٍ وَتَرْكِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (بِفِعْلِ أَحَدِ أَضْدَادِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (فَوَجَبَ) أَحَدُ أَضْدَادِهِ وَهُوَ الْأَمْرُ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (وَدُفِعَ) هَذَا (بِلُزُومِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْمَعَاصِي إلَى آخِرِهِ) أَيْ الْمُضَادَّةِ مَأْمُورًا بِهِ مُخَيَّرًا (وَبِأَنَّ لَا مُبَاحَ وَبِمَنْعِ وُجُوبِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ أَوْ الْمُحَرَّمُ إلَّا بِهِ وَفِيهِمَا) أَيْ لُزُومِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْمَعَاصِي إلَى آخِرِهِ وَبِأَنَّ لَا مُبَاحَ (مَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّهُمْ لَوْ الْتَزَمُوا الْأَوَّلَ لُغَةً أَمْكَنَهُمْ وَأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ لَازِمٍ (وَأَمَّا الْمَنْعُ) لِوُجُوبِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ أَوْ الْمُحَرَّمُ إلَّا بِهِ (فَلَوْ لَمْ يَجِبْ) مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ أَوْ الْمُحَرَّمُ إلَّا بِهِ (جَازَ تَرْكُهُ وَيَسْتَلْزِمُ) جَوَازُ تَرْكِهِ (جَوَازَ تَرْكِ الْمَشْرُوطِ أَوْ جَوَازَ فِعْلِهِ) أَيْ الْمَشْرُوطِ (بِلَا شَرْطِهِ الَّذِي لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ) فِي مَسْأَلَةِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ جَوَازِ تَرْكِ الْأَمْرِ (بَلْ يَمْنَعُ أَنَّهُ) أَيْ النَّهْيَ (لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ) أَيْ طَلَبِ فِعْلِ الضِّدِّ الْمُعَيَّنِ (بَلْ يَحْصُلُ) النَّهْيُ (بِالْكَفِّ الْمُجَرَّدِ) عَنْ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ تَرْكُهُ (وَالْمُخَصَّصِ فِي الْعَيْنِيَّةِ وَاللُّزُومِ) أَيْ الْمُقْتَصِرِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ وَلَيْسَ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرًا بِضِدِّهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ (فَإِمَّا لِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ نَفْيٍ) أَيْ فَإِمَّا لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ نَفْيِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمٌ مَحْضٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي هَاشِمٍ لَا طَلَبُ الْكَفِّ عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ ضِدُّهُ فَلَا يَكُونُ أَمْرًا بِالضِّدِّ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ إذْ لَا فِعْلَ ثَمَّةَ حِينَئِذٍ وَلَا ضِدَّ لِلْعَدَمِ الْمَحْضِ (مَعَ مَنْعِ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عِلَاوَةً عَلَى هَذَا (وَإِمَّا لِظَنِّ وُرُودِ الْإِلْزَامِ الْفَظِيعِ) وَهُوَ كَوْنُ الزِّنَا وَاجِبًا لِكَوْنِهِ تَرْكًا لِلِّوَاطِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرًا بِضِدِّهِ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ (أَوْ الظَّنِّ أَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ اسْتَلْزَمَ النَّهْيَ بِاسْتِلْزَامِ ذَمِّ التَّرْكِ) أَيْ بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ (وَالنَّهْيُ لَا) يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ لِأَنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ هُوَ كَفٌّ وَذَاكَ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ (مَعَ مَنْعِ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ إلَى آخِرِهِ) عِلَاوَةً عَلَى هَذَا (وَإِمَّا لِظَنِّ وُرُودِ إبْطَالِ الْمُبَاحِ كَالْكَعْبِيِّ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرًا بِضِدِّهِ دُونَ الْعَكْسِ لِأَنَّ الْمُبَاحَ تَرْكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَأْمُورًا بِهِ كَانَ الْمُبَاحُ مَأْمُورًا بِهِ فَلَا يَكُونُ الْمُبَاحُ مُبَاحًا (وَمُخَصِّصِ أَمْرِ الْإِيجَابِ) بِكَوْنِهِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهُ دُونَ النَّدْبِ (لِظَنِّ وُرُودِ الْأَخِيرَيْنِ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ أَمْرِ النَّدْبِ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ دُونَ أَمْرِ الْوُجُوبِ وَهُمَا أَنَّ اسْتِلْزَامَ الذَّمِّ لِلتَّرْكِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلنَّهْيِ إنَّمَا هُوَ فِي أَمْرِ الْوُجُوبِ وَأَنَّ لُزُومَ إبْطَالِ الْمُبَاحِ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْأَمْرِ لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ

وَهُوَ ظَنٌّ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ أَمْرَ النَّدْبِ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَمَّ التَّرْكِ، وَأَوَامِرُ النَّدْبِ تَسْتَغْرِقُ الْأَوْقَاتِ فَلَوْ اسْتَلْزَمَتْ كَرَاهَةَ أَضْدَادِ الْمَنْدُوبَاتِ بَطَلَ بِالْكُلِّيَّةِ الْمُبَاحَاتُ الْمُضَادَّةُ لَهَا بِخِلَافِ أَوَامِرِ الْإِيجَابِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَمْنَعُ الْمُبَاحَاتِ الْمُضَادَّةَ لِلْوَاجِبَاتِ فِي وَقْتِ لُزُومِ الْأَدَاءِ خَاصَّةً، وَتَبْقَى فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مُبَاحَةً فَلَا يَنْتَفِي الْمُبَاحُ بِالْكُلِّيَّةِ (وَعَلِمْت مَرْجِعَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إلَى الْعَامَّةِ) فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا فِيهِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا مَثَّلَ بِهِ لِكَرَاهَةِ الضِّدِّ مِنْ أَمْرِ قِيَامِ الصَّلَاةِ لَا يَفُوتُ بِالْقُعُودِ فِيهَا) لِجَوَازِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الزَّمَانِ (وَيُكْرَهُ اتِّفَاقِيٌّ لَا مِنْ مُقْتَضَى الْأَمْرِ بَلْ مَبْنَى الْكَرَاهَةِ خَارِجٌ هُوَ التَّأْخِيرُ) لِلْقِيَامِ عَنْ وَقْتِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْوِيتٍ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْقُعُودُ فِيهَا مُفَوِّتًا لِأَمْرِ الْقِيَامِ (فَسَدَتْ) وَكَانَ ذَلِكَ الْقُعُودُ حَرَامًا (وَكَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِالصِّحَّةِ فِيمَنْ سَجَدَ عَلَى مَكَان نَجِسٍ فِي الصَّلَاةِ وَأَعَادَ عَلَى طَاهِرٍ) لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْأَمْرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ سُجُودَهُ عَلَى نَجِسٍ (تَأْخِيرُ السَّجْدَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عَنْ وَقْتِهَا لَا تَفْوِيتٌ) لَهَا (وَهُوَ) أَيْ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا (مَكْرُوهٌ وَفَسَدَتْ) الصَّلَاةُ (عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (لِلتَّفْوِيتِ) لِأَمْرِ الطَّهَارَةِ (بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي الصَّلَاةِ) وَصْفٌ (مَفْرُوضُ الدَّوَامِ) فِي جَمِيعِهَا فَاسْتِعْمَالُ النَّجِسِ فِي جُزْءٍ مِنْهَا فِي وَقْتٍ مَا يَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْمَقْصُودِ بِالْأَمْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ النَّجَاسَةِ كَمَا يَكُونُ بِحَمْلِهَا تَحْقِيقًا يَكُونُ بِحَمْلِهَا تَقْدِيرًا كَمَا هُنَا لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ وَضْعِ الْوَجْهِ يَصِيرُ وَضْعًا لِلْوَجْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اتِّصَالَهُ بِالْأَرْضِ وَلُصُوقَهُ بِهَا يُصَيِّرُ مَا هُوَ وَصْفٌ لِلْأَرْضِ وَصْفًا لَهُ، وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ هَكَذَا مَذْكُورَةٌ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَابَعِيهِمَا وَالْمَنْظُومَةِ وَالْمَجْمَعِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تُجْزِئُ إلَّا أَنْ يُعِيدَ السُّجُودَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ. وَجْهُ الْأُولَى أَنَّ السُّجُودَ فِي الصَّلَاةِ كَالْقِيَامِ فَكَمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مَعَ النَّجَاسَةِ فَكَذَا السُّجُودُ. وَجْهُ الْأُخْرَى أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى طَرَفِ أَنْفِهِ، وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَاسْتِعْمَالُ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ النَّجَاسَةِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَاجِبٌ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ فَأَمَّا إذَا سَجَدَ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ ثُمَّ أَعَادَ عَلَى طَاهِرٍ جَازَ لِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى النَّجَاسَةِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ، وَلَا يُجْعَلُ كَمَنْ اسْتَعْمَلَهَا فِي حَالِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْوَضْعَ عَلَى النَّجَاسَةِ أَهْوَنُ مِنْ حَمْلِهَا ثُمَّ ذَكَرَ مَا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ إلَّا مَا إذَا افْتَتَحَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ ثُمَّ نَقَلَ قَدَمَهُ إلَى مَكَان نَجِسٍ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى مَكَان طَاهِرٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ حَتَّى يَصِيرَ فِي حُكْمِ الْفِعْلِ الَّذِي إذَا زِيدَ فِي الصَّلَاةِ أَفْسَدَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَأَمَّا قَوْلُهُ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (النَّهْيُ يُوجِبُ فِي أَحَدِ الْأَضْدَادِ السُّنِّيَّةَ كَنَهْيِ الْمُحْرِمِ عَنْ الْمَخِيطِ، سُنَّ لَهُ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ فَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ عَنْ وَجْهِ الِاسْتِلْزَامِ) قُلْت وَفِي هَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ لَفْظَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ فَهَلْ لَهُ حُكْمٌ فِي ضِدِّهِ فَسَاقَ مَا سَاقَ إلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ ضِدُّهُ فِي مَعْنَى سُنَّةٍ وَاجِبَةٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقْتَضِيَ ذَلِكَ، انْتَهَى. أَيْ كَوْنُ الضِّدِّ فِي مَعْنَى سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ إذَا كَانَ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ النَّهْيَ الثَّابِتَ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ لَمَّا اقْتَضَى الْكَرَاهَةَ الَّتِي هِيَ أَدْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ بِدَرَجَةٍ وَجَبَ أَنْ يَقْتَضِيَ الْأَمْرُ الثَّابِتُ فِي ضِمْنِ النَّهْيِ سُنِّيَّةَ الضِّدِّ الَّتِي هِيَ أَدْنَى مِنْ الْوَاجِبِ بِدَرَجَةٍ اعْتِبَارًا لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَغَيْرُ خَافٍ

أَنَّ هَذَا التَّلَازُمَ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُرِدْ بِالسُّنَّةِ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّقْلِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَرْغِيبًا يَكُونُ قَرِيبًا إلَى الْوُجُوبِ، وَقَالَ يَحْتَمِلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ هَذَا الْقَوْلُ نَصًّا عَنْ السَّلَفِ وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ اقْتَضَى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَقْوَالِ النَّاسِ فِي حُكْمِ النَّهْيِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ كَمَا وَقَفْت عَلَى حُكْمِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّهُ ضِدُّ الْأَمْرِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَالٌ عَلَى حَسَبِ أَقْوَالِهِمْ فِي الْأَمْرِ، وَالنَّهْيُ الْمُشَارُ إلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» نَعَمْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَامَّةَ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ الْمُتَّحِدِ، وَإِلَّا فَبِوَاحِدٍ غَيْرِ عَيْنٍ مِنْ أَضْدَادِهِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ سَوَاءٌ ثَبَتَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ بِمَعْنَاهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ذَلِكَ ذُو ضِدٍّ مُتَّحِدٍ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلُبْسِ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ لُبْسُ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ وَاجِبًا لَا سُنَّةً عَلَى أَنَّ كَوْنَ لُبْسِ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ ضِدًّا لِلُبْسِ الْمَخِيطِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ إذَا لُوحِظَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يُفِيدُ حُكْمَ لُبْسِهِمَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي ضِدٍّ لَمْ يُقْصَدْ بِأَمْرٍ وَهَذَا قَدْ قُصِدَ بِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ» إلَّا أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأُزُرِ وَالْأَرْدِيَةِ تُلْبَسُ إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَأَمَّا النَّهْيُ فَالنَّفْسِيُّ طَلَبُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ) فَخَرَجَ الْأَمْرُ لِأَنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ (عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ) فَخَرَجَ الِالْتِمَاسُ وَالدُّعَاءُ (وَإِيرَادُ: كُفَّ نَفْسَكَ) عَنْ كَذَا عَلَى طَرْدِهِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ أَمْرُ جَوَابِهِ (إنْ كَانَ) الْمُرَادُ بِهِ (لَفْظَهُ فَالْكَلَامُ فِي النَّفْسِيِّ) فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ صِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ الْمُرَادُ (مَعْنَاهُ الْتَزَمْنَاهُ نَهْيًا) نَفْسِيًّا فَلَا يَقْدَحُ دُخُولُهُ فِي طَرْدِهِ بَلْ هُوَ مُحَقِّقٌ لَهُ (وَكَذَا مَعْنَى اُطْلُبْ الْكَفَّ) نَهْيٌ نَفْسِيٌّ (لِوَحْدَةِ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ) أَيْ كُفَّ نَفْسَك، أَوْ اُطْلُبْ الْكَفَّ، وَكَذَا اُتْرُكْ كَذَا وَأَنَا طَالِبٌ كَفَّك إذَا أُرِيدَ بِهِمَا الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ دَالَّةٌ عَلَى قِيَامِ طَلَبِ الْكَفِّ بِالْقَائِلِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْكَفُّ هُوَ (النَّهْيُ النَّفْسِيُّ وَاللَّفْظِيُّ وَهُوَ غَرَضُ الْأُصُولِيِّ) لِأَنَّ بَحْثَهُ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ يُوصِلُ الْعِلْمَ بِأَحْوَالِهَا إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمُكَلَّفِينَ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْأَمْرِ (مَبْنَى تَعْرِيفِهِ أَنَّ لِذَلِكَ الطَّلَبِ صِيغَةً تَخُصُّهُ) بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ حَقِيقَةً (وَفِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنَّ لَهُ صِيغَةً تَخُصُّهُ مِنْ الْخِلَافِ (مَا فِي الْأَمْرِ) وَالصَّحِيحُ فِي كِلَيْهِمَا نَعَمْ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ تَعْرِيفِ النَّهْيِ اللَّفْظِيِّ (ذِكْرُ مَا يُعَيِّنُهَا) أَيْ مَا يُمَيِّزُ تِلْكَ الصِّيغَةَ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الصِّيَغِ (فَسُمِّيَتْ) الْمَذْكُورَاتُ لِذَلِكَ (حُدُودًا وَالْأَصَحُّ) فِي تَعْرِيفِهِ (لَا تَفْعَلْ أَوْ اسْمُهُ كَمَهْ حَتْمًا اسْتِعْلَاءً) وَظَاهِرٌ أَنْ لَا تَفْعَلْ نَهْيٌ لَفْظِيٌّ، وَأَمَّا زِيَادَةُ أَوْ اسْمُ لَا تَفْعَلْ يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَمَهْ فَلِأَنَّهُ اسْمُ لَا تَكْفُفْ، وَهُوَ وَ " لَا تَفْعَلْ " وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى وَأَمَّا حَتْمًا فَلِأَنَّ ذِكْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ لَيْسَ مِنْ

مسألة إذا تعلق النهي بالفعل

هَذَا الْقَبِيلِ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فِي حَالِ الِاسْتِعْلَاءِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْأَمْرِ (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الصِّيغَةُ خَاصٌّ (لِلتَّحْرِيمِ) دُونَ الْكَرَاهَةِ (أَوْ الْكَرَاهَةِ) دُونَ التَّحْرِيمِ أَوْ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ أَوْ مَعْنَوِيٌّ لِوَضْعِهَا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ طَلَبُ الْكَفِّ اسْتِعْلَاءً أَوْ مُتَوَقَّفٌ فِيهَا بِمَعْنَى لَا نَدْرِي لِأَيِّهِمَا وُضِعَتْ (كَالْأَمْرِ) أَيْ كَصِيغَتِهِ هَلْ هِيَ خَاصٌّ لِلْوُجُوبِ فَقَطْ أَوْ لِلنَّدْبِ فَقَطْ أَوْ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَهُمَا أَوْ مَعْنَوِيٌّ أَوْ مُتَوَقَّفٌ فِيهَا لَا نَدْرِي لِأَيِّهِمَا وُضِعَتْ ثُمَّ يُرِيدُ الْأَمْرَ بِبَاقِي الْمَذَاهِبِ الْمَذْكُورَةِ ثَمَّةَ (وَالْمُخْتَارُ) أَنَّ صِيغَةَ النَّهْيِ حَقِيقَةٌ (لِلتَّحْرِيمِ لِفَهْمِ الْمَنْعِ الْحَتْمِ مِنْ الْمُجَرَّدَةِ) وَهُوَ أَمَارَةُ الْحَقِيقَةِ (وَمَجَازٌ فِي غَيْرِهِ) أَيْ التَّحْرِيمِ لِعَدَمِ تَبَادُرِ الْأَحَدِ الدَّائِرِ فِي التَّحْرِيمِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ فَانْتَفَى الِاشْتِرَاكُ الْمَعْنَوِيُّ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَالْمَجَازُ خَيْرٌ مِنْهُ فَتَعَيَّنَ ثَمَّ هَذَا الْحَدُّ النَّفْسِيُّ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ نَحْوَهُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ النَّفْسِيَّةِ (فَمُحَافَظَةُ عَكْسِ النَّفْسِيِّ بِزِيَادَةِ حَتْمٍ، وَإِلَّا دَخَلَتْ الْكَرَاهَةُ النَّفْسِيَّةُ فَالنَّهْيُ) النَّفْسِيُّ (نَفْسُ التَّحْرِيمِ، وَإِذَا قِيلَ مُقْتَضَاهُ) أَيْ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ (يُرَادُ اللَّفْظِيُّ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ نَفْسُ النَّفْسِيِّ لَا مُقْتَضَاهُ (وَتَقْيِيدُ الْحَنَفِيَّةِ التَّحْرِيمَ بِقَطْعِيِّ الثُّبُوتِ وَكَرَاهَتَهُ) أَيْ التَّحْرِيمِ (بِظَنِّيِّهِ) أَيْ الثُّبُوتِ (لَيْسَ خِلَافًا) فِي أَنَّ النَّهْيَ النَّفْسِيَّ نَفْسُ التَّحْرِيمِ (وَلَا تَعَدُّدَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) فَإِنَّ الثَّابِتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ طَلَبُ التَّرْكِ حَتْمًا لَيْسَ غَيْرُ، وَهَذَا الطَّلَبُ قَدْ يَصِلُ مَا يَدُلُّ بِهِ عَلَيْهِ بِقَاطِعٍ إلَيْنَا فَيُحْكَمُ بِثُبُوتِ الطَّلَبِ قَطْعًا وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَقَدْ يَصِلُ بِظَنِّيٍّ فَيَكُونُ ذَلِكَ الطَّلَبُ مَظْنُونًا فَنُسَمِّيهِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَكَوْنُ تَقَدُّمِ الْوُجُوبِ) لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْهُ (قَرِينَةَ الْإِبَاحَةِ) أَيْ كَوْنُ النَّهْيِ لِلْإِبَاحَةِ (ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (نَفْيَهُ) أَيْ نَفْيَ كَوْنِ تَقَدُّمِهِ قَرِينَةً لِكَوْنِ النَّهْيِ لِلْإِبَاحَةِ (إجْمَاعًا، وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ صِيغَةَ النَّهْيِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْوُجُوبِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْخَطَرِ، وَالْوُجُوبُ السَّابِقُ لَا يَنْتَهِضُ قَرِينَةً فِي حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى رَفْعِ الْوُجُوبِ، وَادَّعَى الْوِفَاقَ فِي ذَلِكَ وَلَسْت أَرَى ذَلِكَ مُسَلَّمَا أَمَّا أَنَا فَسَاحِبٌ ذَيْلَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْته فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ وَمَا أَرَى الْمُخَالِفِينَ يُسَلِّمُونَ ذَلِكَ، اهـ. (لَا يُتَّجَهُ إلَّا بِالطَّعْنِ فِي نَقْلِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (وَنَقْلِ الْخِلَافِ) فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا تَخْمِينًا فَلَا يَقْدَحُ (إذْ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ (يَلْزَمُ اسْتِقْرَاؤُهُمْ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ لَيْسَ قَرِينَةَ كَوْنِهِ لِلْإِبَاحَةِ. (وَمُوجَبُهَا) أَيْ صِيغَةِ النَّهْيِ وَلَوْ اسْمَهَا (الْفَوْرُ وَالتَّكْرَارُ أَيْ الِاسْتِمْرَارُ خِلَافًا لِشُذُوذٍ) ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ مُطْلَقُ الْكَفِّ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الدَّوَامِ وَالْمَرَّةِ، وَنَصَّ فِي الْمَحْصُولِ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَفِي الْحَاصِلِ أَنَّهُ الْحَقُّ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْمَجَازُ وَالِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ خِلَافُ الْأَصْلِ فَيَكُونُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَأُجِيبُوا بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ بِالنَّهْيِ عَلَى التَّرْكِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَلَوْلَا أَنَّهُ لِلدَّوَامِ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ وَمِنْ هُنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - حَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالتَّكْرَارِ دَوَامَ تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَانَ مُغْنِيًا عَنْ الْفَوْرِ لِاسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ. [مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِالْفِعْلِ] (مَسْأَلَةٌ: الْأَكْثَرُ إذَا تَعَلَّقَ) النَّهْيُ (بِالْفِعْلِ كَانَ) النَّهْيُ (لِعَيْنِهِ) أَيْ لِذَاتِ الْفِعْلِ أَوْ جُزْئِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ حِسِّيًّا كَانَ أَوْ شَرْعِيًّا (وَيَقْتَضِي) النَّهْيُ (الْفَسَادَ شَرْعًا وَهُوَ) أَيْ الْفَسَادُ شَرْعًا (الْبُطْلَانُ) وَهُوَ (عَدَمُ سَبَبِيَّتِهِ) أَيْ خُرُوجِ الْفِعْلِ

عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا (لِحُكْمِهِ) وَثَمَرَتِهِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ (وَقِيلَ) يَقْتَضِي الْفَسَادَ (لُغَةً وَقِيلَ) يَقْتَضِي الْفَسَادَ (فِي الْعِبَادَاتِ فَقَطْ) كَمَا عَلَيْهِ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ، ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ " يَدُلُّ " مَكَانَ " يَقْتَضِي " وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي لَفْظِ الِاقْتِضَاءِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقُبْحَ لَازِمٌ مُتَقَدِّمٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ قَبِيحًا فَنَهَى اللَّهُ عَنْهُ لَا أَنَّ النَّهْيَ يُوجِبُ قُبْحَهُ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْأَشْعَرِيِّ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي عَامَّةِ مَا هُنَا، فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَالْحَنَفِيَّةُ كَذَلِكَ) أَيْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ دُونَ اعْتِقَادَاتِهِمْ عَلَى مَا فِي التَّلْوِيحِ يَكُونُ لِعَيْنِ الْفِعْلِ (فِي الْحِسِّيِّ) وَهُوَ (مَا لَا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الشَّرْعِ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ) أَيْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَحَقَّقُ حِسًّا مِمَّنْ يَعْلَمُ الشَّرْعَ وَمَنْ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ عَلَى الشَّرْعِ (إلَّا بِدَلِيلِ أَنَّهُ) أَيْ النَّهْيَ عَنْ الْفِعْلِ (لِوَصْفٍ مُلَازِمٍ) لِلْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَيْ قَائِمٍ بِهِ غَيْرِ مُنْفَكٍّ عَنْهُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ لِعَيْنِهِ (أَوْ) أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِوَصْفٍ مُنْفَكٍّ عَنْهُ (مُجَاوِرٍ) لَهُ فَيَكُونُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ لِعَيْنِهِ (كَنَهْيِ قُرْبَانِ الْحَائِضِ) فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ وَطْئِهَا فِي الْحَيْضِ لِمَعْنَى اسْتِعْمَالِ الْأَذَى، وَهُوَ مُجَاوِرٌ لِلْوَطْءِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهِ وَصْفًا لَازِمًا؛ إذْ الْوَطْءُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْهُ كَمَا فِي حَالَةِ الطُّهْرِ (أَمَّا) الْفِعْلُ (الشَّرْعِيُّ) وَهُوَ مَا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الشَّرْعِ (فَلِغَيْرِهِ) أَيْ فَالنَّهْيُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ (وَصْفًا لَازِمًا لِلتَّحْرِيمِ أَوْ كَرَاهَتِهِ) أَيْ التَّحْرِيمِ (بِحَسَبِ الطَّرِيقِ) الْمُوصِلَةِ لَهُ إلَيْنَا مِنْ قَطْعٍ أَوْ ظَنٍّ (لِلُزُومِ الْمَنْهِيِّ) أَيْ لِلُزُومِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَثَارُ النَّهْيِ بِالْفَرْضِ (كَصَوْمِ) يَوْمِ (الْعِيدِ) فَإِنَّ الصَّوْمَ الشَّرْعِيَّ يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الشَّرْعِ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ» انْتَهَى. لِمَعْنًى اتَّصَلَ بِالْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مَحِلُّ الْأَدَاءِ وَصْفًا لَازِمًا لَهُ وَهُوَ كَوْنُهُ يَوْمَ ضِيَافَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِعِبَادِهِ وَفِي الصِّيَامِ إعْرَاضٌ عَنْهَا فَكَانَ حَرَامًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ مُقْتَضَى اصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ نَظَرًا إلَى السَّمْعِيِّ الْمَذْكُورِ كَوْنَهُ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا لِأَنَّهُ غَيْرُ قَطْعِيِّ الثُّبُوتِ (أَوْ) فَالنَّهْيُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ وَصْفًا (مُجَاوِرًا) لَهُ (مُمْكِنٌ الِانْفِكَاكُ) عَنْهُ (فَالْكَرَاهَةُ وَلَوْ) كَانَ طَرِيقُ ثُبُوتِ النَّهْيِ (قَطْعِيًّا كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ) أَيْ أَذَانِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ زَوَالِ شَمْسِ يَوْمِهَا فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] لِغَيْرِهِ (لِتَرْكِ السَّعْيِ) أَيْ لِلْإِخْلَالِ بِالسَّعْيِ الْوَاجِبِ إلَى الْجُمُعَةِ وَهُوَ أَمْرٌ مُجَاوِرٌ لِلْبَيْعِ قَابِلٌ لِلِانْفِكَاكِ عَنْهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يُوجَدُ بِدُونِ الْإِخْلَالِ بِالسَّعْيِ بِأَنْ يَتَبَايَعَا فِي الطَّرِيقِ ذَاهِبَيْنِ إلَيْهَا، وَالْإِخْلَالَ بِالسَّعْيِ يُوجَدُ بِدُونِ الْبَيْعِ بِأَنْ يَمْكُثَا فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ (فَإِنْ نَافَى) الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لِلنَّهْيِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ (الْأَوَّلَ) وَهُوَ النَّهْيُ عَنْهُ لِوَصْفٍ مُلَازِمٍ (فَبَاطِلٌ) أَيْ فَفِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَاطِلٌ (كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ لَيْسَ حُكْمُهُ) أَيْ النِّكَاحِ (إلَّا الْحِلَّ الْمُنَافِيَ لِمُقْتَضَاهُ) أَيْ النَّهْيِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ فَكَانَ نِكَاحُهُنَّ بَاطِلًا فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَعَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ فَالْجَوَابُ لَا فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ حُكْمَ الْعَقْدِ بَلْ حُكْمَ شَيْءٍ آخَرَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَعَدَمُ الْحَدِّ وَثُبُوتُ النَّسَبِ حُكْمُ الشُّبْهَةِ) أَيْ صُورَةُ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ هَذَا، وَعَدَمُ الْحَدِّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزُفَرَ وَثُبُوتُ النَّسَبِ وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ أَيْضًا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ثُبُوتَهُ وَوُجُوبَهَا لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يَبْتَنِي كِلَاهُمَا عَلَيْهِ وُجُودُ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ

مُنْتَفٍ فِي الْمَحَارِمِ وَعَلَى هَذَا لَا وُرُودَ لِلْإِشْكَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا إذَا عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ لِإِيجَابِهِمْ الْحَدَّ عَلَيْهِ وَعَدَمَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ، وَيُورَدُ الْإِشْكَالُ بِعَدَمِ الْحَدِّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَجِبُ مِثْلُهُ) أَيْ هَذَا وَهُوَ الْبُطْلَانُ (فِي الْعِبَادَاتِ) سَوَاءٌ كَانَ النَّهْيُ عَنْهَا لِوَصْفٍ مُلَازِمٍ أَوْ لَا، لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَنْتَهِضْ سَبَبًا لِحُكْمِهَا الَّذِي شُرِعَتْ لَهُ تَحَقَّقَتْ بِوَصْفِ الْبَاطِلِ، إذْ تَصِيرُ عَدِيمَةَ الْفَائِدَةِ، وَهَذَا بَحْثُ الْمُصَنِّفِ وَاخْتِيَارُهُ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ خِلَافًا لَهُمْ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ. (كَصَوْمِ الْعِيدِ) فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِمَعْنًى مُلَازِمٍ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَكَانَ بَعْدَ كَوْنِهِ حَرَامًا لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ بَاطِلًا (لِعَدَمِ الْحِلِّ وَالثَّوَابِ) أَيْ لِانْتِفَاءِ صِفَةِ الْحِلِّ وَسَبَبِيَّتِهِ لِلثَّوَابِ وَهُوَ الَّذِي شُرِعَ لَهُ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ، ثُمَّ رَتَّبَ عَلَى عَدَمِ حِلِّ الشُّرُوعِ فِيهِ عَدَمَ لُزُومِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ فَقَالَ (فَوَجَبَ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ) أَيْ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ (يَتْبَعُهُ) أَيْ حِلَّ ابْتِدَاءِ الشُّرُوعِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ النَّذْرُ بِهِ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» لَكِنَّهُ يَصِحُّ فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ (وَصِحَّةُ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ) أَيْ نَذْرَهُ (غَيْرُ مُتَعَلِّقِهِ) الَّذِي هُوَ مُبَاشَرَةُ الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ فِيهِ فَصَحَّ (لِيَظْهَرَ) أَثَرُهُ (فِي الْقَضَاءِ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِحَّةَ النَّذْرِ بِهِ تَتْبَعُ وُجُودَ الْمَصْلَحَةِ، لِأَنَّ شَرْعَ الْمَشْرُوعَاتِ كُلِّهَا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَفِي تَصْحِيحِ النَّذْرِ بِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ فَيَحْصُلَ بِهِ فَمَا انْعَقَدَ إلَّا مُوجِبًا لِلْقَضَاءِ (فَيَجِبُ) عَلَى هَذَا (أَنْ لَا يَبْرَأَ) النَّاذِرُ (بِصَوْمِهِ) لَكِنَّهُمْ قَائِلُونَ بِخُرُوجِهِ عَنْ نَذْرِهِ بِصِيَامِهِ مَعَ الْعِصْيَانِ لِأَنَّهُ نَذَرَ مَا هُوَ نَاقِصٌ، وَأَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ مُوجَبَ النَّذْرِ وُجُوبُ أَدَائِهِ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّهِ حِينَئِذٍ يُوجِبُ خَلْفَهُ مِنْ الْقَضَاءِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ لَزِمَ فِيهَا) أَيْ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ (وُجُوبُ الْأَدَاءِ) لِلْمَنْذُورِ (أَوَّلًا وَجَبَ نَفْيُهَا) أَيْ صِحَّةِ النَّذْرِ بِهِ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّا إنَّمَا صَحَّحْنَا حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى مَا إذَا نَذَرَ بِمَعْصِيَةٍ لِيَفْعَلَهَا أَمَّا إذَا نَذَرَ بِمَعْصِيَةٍ لَهَا قَضَاءً هُوَ عِبَادَةٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الشَّرْعِ نَفْيُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ» نَفْيُ النَّذْرِ أَنْ يُوجِبَهَا وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ فِي تَصْحِيحِ النَّذْرِ بِصَوْمِ الْعِيدِ الِاعْتِبَارُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَإِنْ أَبَوْا، إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ لِصِحَّتِهِ كَوْنُهُ يُوجِبُ أَوَّلًا نَفْسَ الْمَنْذُورِ مَنَعْنَا صِحَّةَ النَّذْرِ حِينَئِذٍ (خِلَافًا لَهُمْ) أَيْ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْفَصْلَيْنِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَهُمَا وُجُوبُ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِصَوْمِهِ إنْ كَانَتْ صِحَّةُ النَّذْرِ لَيْسَتْ إلَّا لِتَظْهَرَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَوْ صَامَ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ وَصِحَّةِ النَّذْرِ إنْ كَانَ أَثَرُهُ فِي إيجَابِ الْأَدَاءِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ تَصْحِيحُ نَذْرٍ بِمَعْصِيَةٍ ثُمَّ هَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ إطْلَاقِ صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَنَّهُ يُفْطِرُ وَيَقْضِي وَلَوْ صَامَهَا أَجْزَأَهُ هُوَ الْمَسْطُورُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ لِلْحَدَّادِيِّ: رَجُلٌ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ صَحَّ نَذْرُهُ عِنْدَنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَالتَّوْفِيقُ: إذَا عَيَّنَ النَّذْرَ بِيَوْمِ النَّحْرِ لَا يَصِحُّ

فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى هَذَا، وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ غَدٍ فَكَانَ الْغَدُ يَوْمَ النَّحْرِ يَلْزَمُ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، اهـ. قُلْت وَقَدْ رَوَى هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَسَنُ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ إطْلَاقُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَيَتَلَخَّصُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: الصِّحَّةُ مُطْلَقًا وَهِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَمَنْعُهَا مُطْلَقًا، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ وَابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ كَمَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتَّفْصِيلُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ يُوَافِقُهُ مَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَوَافَقَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ نَحْرٍ يَقْضِيهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ صَرَّحَ بِمَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَصَارَ كَقَوْلِهَا: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ حَيْضِي - فَلَا يَصِحُّ - وَغَدًا، وَهُوَ يَوْمُ حَيْضِهَا، فَيَصِحُّ لَكِنَّ الْمَسْطُورَ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا عَزْوُ هَذَا إلَى أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ ثُمَّ تَوْجِيهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ مَا يُوجِبُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا يُوجِبُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَوْ حَاضَتْ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَزِمَهَا قَضَاؤُهُ فَكَذَا هَذَا كَمَا فِي شَرْحِ الْحَدَّادِيِّ غَيْرُ وَجِيهٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَأَوْجَهُ مِنْهُ مَا قِيلَ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى الْيَوْمِ وَهُوَ مَحِلُّهُ. وَاعْتِرَاضُ الْحَيْضِ مَنَعَ الْأَدَاءَ لَا الْوُجُوبَ عِنْدَ صُدُورِ النَّذْرِ، وَصَارَ كَنَذْرِهَا صَوْمَ غَدٍ فَجُنَّتْ يَجِبُ الْقَضَاءُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ أَوْ صَوْمَ غَدٍ، وَهِيَ حَائِضٌ يَجِبُ الْقَضَاءُ لِتَصَوُّرِ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَالْمَسْأَلَتَانِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ " يَوْمَ حَيْضِي " لِأَنَّهَا لَمْ تُضِفْهُ إلَى مَحِلِّهِ شَرْعًا. قُلْت: عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَتِمُّ هَذَا الْقِيَاسُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَيْضَ لَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ فِي غَدٍ، وَإِنْ كَانَ يَوْمَ عَادَتِهَا بِخِلَافِ الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا نَذَرَ صِيَامَهَا مِنْ غَيْرِ نَصٍّ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُحَقَّقَةُ الْوُقُوعِ فِي غَدٍ وَنَحْوِهِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ شَرْعًا تَعَيُّنُهَا لِذَلِكَ وَقْتَ النَّذْرِ، ثُمَّ قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَنَذْرِهَا صَوْمَ يَوْمِ حَيْضِهَا إنَّ الْحَيْضَ وَصْفٌ لِلْمَرْأَةِ لَا لِلْيَوْمِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ طَهَارَتَهَا شَرْطٌ لِأَدَائِهِ فَلَمَّا عَلَّقَتْ النَّذْرَ بِصِفَةٍ لَا تَبْقَى مَعَهَا أَصْلًا لِلْأَدَاءِ لَمْ يَصِحَّ كَالرَّجُلِ يَقُولُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا أَكَلْت فِيهِ بِخِلَافِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا يُعَرَّى عَنْ تَأَمُّلٍ. (وَمَا خَالَفَ) مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ بُطْلَانِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا نَهْيُ التَّحْرِيمِ (فَلِدَلِيلٍ كَالصَّلَاةِ) النَّافِلَةِ (فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى ظَنِّهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ حَكَمُوا بِصِحَّتِهَا مَعَ النَّهْيِ الْمُحَرِّمِ أَوْ الْمُوجِبِ لِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» . وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " عَلَى ظَنِّهِمْ " إلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَنِّهِمْ ثُمَّ لَمَّا كَانَ حَاصِلُ وَجْهِ ظَنِّهِمْ أَنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِمُسَمَّى الصَّلَاةِ، وَمُسَمَّاهَا مَجْمُوعُ الْأَرْكَانِ وَبِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ لَا تَتَحَقَّقُ الْأَرْكَانُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَصَحَّ الشُّرُوعُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ النَّهْيِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْسَاكِ بِنِيَّةٍ يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُضِيُّ فِيهِ لِيَلْزَمَ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ، أَشَارَ إلَيْهِ مَعَ دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ (وَكَوْنُ مُسَمَّاهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْأَرْكَانِ لَا يَقْتَضِي) إفْسَادُهَا (وُجُوبَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ (بِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ قَبْلَ الْإِفْسَادِ وَالثَّابِتُ نَقِيضُهُ) أَيْ نَقِيضُ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْإِتْمَامِ (وَيَلْزَمُ)

أَيْضًا (أَنْ تَفْسُدَ) الصَّلَاةُ (بَعْدَ رَكْعَةٍ) لِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ حِينَئِذٍ (وَهُوَ) أَيْ الْفَسَادُ بَعْدَ رَكْعَةٍ (مُنْتَفٍ عِنْدَهُمْ فَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الشُّرُوعُ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِجَعْلِهَا) أَيْ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الْمَكْرُوهَةِ (تَنْزِيهِيَّةً وَهُوَ) أَيْ وَجَعْلُهَا تَنْزِيهِيَّةً (مُنْتَفٍ إلَّا عِنْدَ شُذُوذٍ. أَمَّا الْبَيْعُ فَحُكْمُهُ الْمِلْكُ وَيَثْبُتُ) الْمِلْكُ (مَعَ الْحُرْمَةِ فَيَثْبُتُ) الْبَيْعُ مَعَ النَّهْيِ (مُسْتَعْقِبًا لَهُ) أَيْ لِلْمِلْكِ حَالَ كَوْنِهِ (مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ إلَّا بِدَلِيلِ الْبُطْلَانِ وَهُوَ) أَيْ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ (فَسَادُ الْمُعَامَلَةِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِهَا لِيُخْرِجَ الْعِبَادَةَ، فَإِنَّ فَسَادَهَا عِنْدَهُمْ وَبُطْلَانَهَا سَوَاءٌ، إنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَإِنَّ مُقْتَضَى النَّهْيِ هُوَ التَّحْرِيمُ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يُنَافِي حُكْمَهُ مِنْ الْمِلْكِ فَلَمْ يَكُنْ النَّهْيُ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِهِ، وَهُوَ نَفْسُ الصِّحَّةِ وَمَعَ كَوْنِهِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ هُوَ الْفَسَادُ (بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَضَامِينِ) جَمْعُ مَضْمُونٍ مِنْ ضَمِنَ الشَّيْءَ بِمَعْنَى تَضَمَّنَهُ مَا تَضَمَّنَهُ صُلْبُ الْفَحْلِ مِنْ الْوَلَدِ، فَيَقُولُ: بِعْت الْوَلَدَ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ هَذَا الْفَحْلِ فَإِنَّهُ (بَاطِلٌ) لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ الْبُطْلَانِ فِيهِ مَعَ النَّهْيِ عَنْهُ. فَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمَضَامِينِ» ، وَالدَّلِيلُ كَوْنُ النَّهْيِ عَنْهُ (لِعَدَمِ الْمَحَلِّ) أَيْ مَحَلِّيَّتِهِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ مِنْهُ الْحَيَوَانُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الْمَحَلِّ فَكَانَ بَاطِلًا بِالضَّرُورَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ حَقَّ الْعِبَادَةِ أَنْ يُقَالَ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ فَسَادُ الْمُعَامَلَةِ عِنْدَهُمْ إلَّا بِدَلِيلِ الْبُطْلَانِ كَبَيْعِ الْمَضَامِينِ إلَى آخِرِهِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. (أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ حُكْمِ الْبَيْعِ الْمِلْكَ (فَلِعَدَمِ النَّافِي) لَهُ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ (وَوُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ الْوَضْعُ الشَّرْعِيُّ) لِأَنَّ الشَّرْعَ وَضَعَ الْبَيْعَ - وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ - لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ سِوَى نَهْيِهِ عَنْهُ إذَا كَانَ بِصِفَةِ كَذَا، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُوجِبُ تَخَلُّفَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْوَضْعِ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْقَائِلَ: لَا تَفْعَلْهُ) أَيْ: لَا تَفْعَلْ مَا جَعَلْته سَبَبًا لِكَذَا (عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنْ فَعَلْت) ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (ثَبَتَ حُكْمُهُ وَعَاقَبْتُك لَمْ يُنَاقِضْ) قَوْلُهُ الثَّانِي قَوْلَهُ الْأَوَّلَ فَكَانَ إثْبَاتُ الْبُطْلَانِ وَنَفْيُ حُكْمِ التَّصَرُّفِ مِنْ مُجَرَّدِ النَّهْيِ لِوَصْفٍ لَازِمٍ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ مُوجِبٍ. (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ (ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ ثُبُوتِهِ) أَيْ الْمِلْكِ فِيهِ (شَرْعًا مَمْنُوعٌ) فَإِنَّ أَثَرَ النَّهْيِ لَيْسَ إلَّا فِي التَّحْرِيمِ، وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ لَا يُضَادُّ حُكْمَهُ (فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ شَرْعًا فِي بَيْعِ الرِّبَا وَالشَّرْطِ) الْمُفْسِدِ حَالَ كَوْنِهِ (مَطْلُوبَ الْفَسْخِ) رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ (وَيَلْزَمُهُ الصِّحَّةُ بِإِسْقَاطِ الزِّيَادَةِ فِي الشَّرْطِ لِأَنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ الزِّيَادَةِ وَالشَّرْطِ هُوَ (الْمُفْسِدُ) وَقَدْ زَالَ إلَّا أَنَّ بُعْدَ كَوْنِ هَذَا قَوْلَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ فِي بَعْضِ الْمُفْسِدَاتِ بِشَرْطٍ فِيهِ، وَمَحَلُّ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كُتُبُ الْفُرُوعِ (وَأَمَّا الثَّانِي) أَيْ لُزُومُ التَّفَاسُخِ (فَلِرَفْعِ الْمَعْصِيَةِ وَيُصَرِّحُ بِثُبُوتِ الِاعْتِبَارَيْنِ) أَيْ اسْتِعْقَابِ الْحُكْمِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ مِنْ غَيْرِ الْعِبَادَاتِ () (طَلَاقُ الْحَائِضِ) الْمَدْخُولِ بِهَا فِي الْحَيْضِ (ثَبَتَ حُكْمُهُ، وَأُمِرَ بِالرَّجْعَةِ رَفْعًا) لِلْمَعْصِيَةِ (بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَغَيَّظَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى» (بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ) رَفْعُهُ (كَحِلِّ مَذْبُوحِ مِلْكِ الْغَيْرِ) فَإِنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى

رَفْعِ الْمَعْصِيَةِ اللَّازِمَةِ مِنْ ذَبْحِهِ حَيَوَانَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِإِعَادَتِهِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ وَبِهِ الرُّوحُ، فَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِذَلِكَ، وَالْمُفِيدُ لِهَذَا مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ» ، وَمَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَارَ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ فِي دَارِهِمْ فَذَبَحُوا لَهُ شَاةً فَصَنَعُوا لَهُ مِنْهَا طَعَامًا فَأَخَذَ مِنْ اللَّحْمِ شَيْئًا فَلَاكَهُ فَمَضَغَهُ سَاعَةً لَا يُسِيغُهُ فَقَالَ مَا شَأْنُ هَذَا اللَّحْمِ؟ . قَالُوا شَاةٌ لِفُلَانٍ ذَبَحْنَاهَا حَتَّى يَجِيءَ فَنُرْضِيَهُ مِنْ ثَمَنِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعِمُوهَا الْأَسْرَى» (قَالُوا) أَيْ الذَّاهِبُونَ إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا: (لَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ) فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ (يَسْتَدِلُّونَ بِهِ) أَيْ النَّهْيِ (عَلَى الْفَسَادِ أَيْ الْبُطْلَانِ) مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ عَلَيْهِمْ فَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى فَهْمِ ذَلِكَ مِنْهُ (قُلْنَا) إنَّمَا لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى الْبُطْلَانِ (فِي الْعِبَادَاتِ وَمَعَ الْمُقْتَضِي فِي غَيْرِهَا) أَيْ وَعَلَى الْبُطْلَانِ فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ مَعَ الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ (وَإِلَّا) فَحَيْثُ لَا مُقْتَضَى لِلْبُطْلَانِ فِيهَا (فَعَلَى مُجَرَّدِ التَّحْرِيمِ) أَيْ فَإِنَّمَا يَسْتَدِلُّونَ عَلَى مُجَرَّدِ تَحْرِيمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَلَوْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِالْبُطْلَانِ) أَيْ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ فِي الْمُعَامَلَاتِ (فَكَقَوْلِكُمْ وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا الدَّلِيلِ (اُسْتُدِلَّ لِلُّغَةِ) أَيْ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ لُغَةً (وَمُنِعَ بِأَنَّ فَهْمَهُ) أَيْ الْبُطْلَانِ مِنْهُ (شَرْعًا) لِأَنَّ فَسَادَ الشَّيْءِ أَيْ بُطْلَانَهُ عِبَارَةٌ عَنْ سَلْبِ أَحْكَامِهِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ النَّهْيِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً قَطْعًا. (قَالُوا) أَيْ الذَّاهِبُونَ إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ أَيْ الْبُطْلَانِ لُغَةً: (الْأَمْرُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فَضِدُّهُ) وَهُوَ النَّهْيُ يَقْتَضِي (ضِدَّهَا) وَهُوَ الْفَسَادُ أَيْ الْبُطْلَانُ (أُجِيبَ بِمَنْعِ اقْتِضَائِهِ) أَيْ الْأَمْرِ الصِّحَّةَ (لُغَةً وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ (فَيَجُوزُ اتِّحَادُ أَحْكَامِ الْمُتَقَابِلَاتِ) لِجَوَازِ اشْتِرَاكِهَا فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ أَحْكَامَ الْمُتَقَابِلَةِ مُتَقَابِلَةٌ (فَاللَّازِمُ عَدَمُ اقْتِضَاءِ الصِّحَّةِ لَا اقْتِضَاءُ عَدَمِهَا) وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ، وَالْأَعَمُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ (وَدَلِيلُ تَفْصِيلِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِيمَا) يَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُ لِقُبْحٍ (لِعَيْنِهِ وَغَيْرِهِ أَمَّا فِي الْحِسِّيِّ فَالْأَصْلُ) أَيْ فَلِأَنَّ كَوْنَهُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَثْبُتَ الْقُبْحُ بِاقْتِضَاءِ النَّهْيِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِ الْحِسِّيَّاتِ مَعَ صِفَةِ الْقُبْحِ لِأَنَّهَا تُوجَدُ حِسًّا، فَلَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهَا بِسَبَبِ الْقُبْحِ إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَأَمَّا فِي الشَّرْعِيِّ فَلَوْ) كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ (لِعَيْنِهِ) لِقُبْحِهَا (امْتَنَعَ الْمُسَمَّى شَرْعًا) لِامْتِنَاعِ وُجُودِ الْقَبِيحِ شَرْعًا (فَحَرُمَ نَفْسُ الصَّوْمِ وَالْبَيْعِ لَكِنَّهُمَا ثَابِتَانِ فَكَانَ) الشَّرْعِيُّ (مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَا وَصْفِهِ بِالضَّرُورَةِ، وَقِيلَ لَوْ كَانَ) الْقُبْحُ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ الشَّرْعِيِّ لِعَيْنِهِ (امْتَنَعَ النَّهْيُ لِامْتِنَاعِ الْمَنْهِيِّ) حِينَئِذٍ لَكِنَّ النَّهْيَ وَاقِعٌ فَكَذَا الْمَنْهِيُّ (وَدُفِعَ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ) أَيْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرَهُ) أَيْ وُجُودِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (حِسًّا وَهُوَ) أَيْ تَصَوُّرُهُ حِسًّا (مُصَحِّحٌ النَّهْيَ، وَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّفْعُ (بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ لِلصُّورَةِ) فَقَطْ (وَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (يَمْنَعُونَهُ) أَيْ كَوْنَهُ لِلصُّورَةِ فَقَطْ (بَلْ) هُوَ عِنْدَهُمْ لَهَا (بِقَيْدِ الِاعْتِبَارِ) وَهُوَ مُنْتَفِي التَّحَقُّقِ. (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الِاسْمَ الشَّرْعِيَّ لِلصُّورَةِ فَقَطْ: (النَّهْيُ) النَّفْسِيُّ (عَنْ صَلَاةِ الْحَائِضِ) وَهُوَ مَا فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ» (وَ) النَّهْيُ

عَنْ (صَوْمِ الْعِيدِ) وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ قَرِيبًا (وَلُزُومُ كَوْنِ مِثْلِ الطَّهَارَةِ) مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ (جُزْءَ مَفْهُومِ الْمَشْرُوطِ) الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الْمَفْعُولَةُ بِشُرُوطِهَا وَهُوَ بَاطِلٌ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا شُرُوطٌ لَا أَرْكَانٌ (وَ) لُزُومُ (بُطْلَانِ صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ) لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَصْفِهَا بِالْفَسَادِ (يُوجِبُهُ) أَيْ كَوْنَ الِاسْمِ بِإِزَاءِ الْهَيْئَةِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمُتَصَوَّرَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الصُّورَةُ فَقَطْ. (الْجَوَابُ) الْمَنْعُ بَلْ (إنَّمَا تُوجِبُ) النَّهْيَ عَنْ صَلَاةِ الْحَائِضِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَقَوْلِهِمْ " صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ " (صِحَّةُ التَّرْكِيبِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ) صِحَّةُ التَّرْكِيبِ (الْحَقِيقَةَ) أَيْ كَوْنَ الِاسْمِ حَقِيقَةً فِي الصُّورَةِ فَقَطْ (فَالِاسْمُ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ فِي الْجُزْءِ) الَّذِي هُوَ الصُّورَةُ (لِلْقَطْعِ بِصِدْقِ لَمْ يَصُمْ لِلْمُمْسِكِ حِمْيَةً) مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ وَلَوْ كَانَ الِاسْمُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً لِلصُّورَةِ فَقَطْ لَمْ يَصْدُقْ (وَالْوَضْعُ لَمَّا وُجِدَ شَرْطُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ الشَّرْطِ جُزْءًا) مِنْهُ فَانْتَفَى لُزُومُ كَوْنِ الشَّرْطِ جُزْءَ مَفْهُومِ الْمَشْرُوطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ آلَ كَلَامُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ (إلَى أَنَّ مُصَحِّحَ النَّهْيِ جُزْءُ الْمَفْهُومِ، وَهُوَ مُجَرَّدُ الْهَيْئَةِ، فَسَلَّمُوا قَوْلَ الْخَصْمِ) فِي الْمَعْنَى لِمُوَافَقَتِهِمْ لَهُ عَلَى أَنَّ مُصَحِّحَ النَّهْيِ الْوُجُودُ الْحِسِّيُّ لِلْمَنْهِيِّ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِلصُّورَةِ فَقَطْ أَوْ بِقَيْدِ الِاعْتِبَارِ. (غَيْرَ أَنَّ ضَعْفَ الدَّلِيلِ) الْمُعَيِّنِ (لَا يُبْطِلُ الْمَدْلُولَ) لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِغَيْرِهِ (وَيَكْفِيهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ (مَا ذَكَرْنَاهُ لَهُمْ) مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِعَيْنِهِ لَامْتَنَعَ الْمُسَمَّى لِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ حَالَ كَوْنِهِ مُتَّصِفًا بِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا لِلشَّارِعِ. (تَنْبِيهٌ لَمَّا قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ بِحُسْنِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ وَقُبْحِهَا لِنَفْسِهَا وَغَيْرِهَا كَانَ تَعَلُّقُ النَّهْيِ الشَّرْعِيِّ بِاعْتِبَارِ الْقُبْحِ مَسْبُوقًا بِهِ) أَيْ بِالْقُبْحِ (ضَرُورَةَ حِكْمَةِ النَّاهِي) لِأَنَّ الْحَكِيمَ لَا يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ إلَّا لِقُبْحِهِ، قَالَ تَعَالَى {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النحل: 90] (لَا) أَنَّهُ يَكُونُ (مَدْلُولَ الصِّيغَةِ فَانْقَسَمَ مُتَعَلِّقُهُ) أَيْ النَّهْيِ (إلَى حِسِّيٍّ فَقُبْحُهُ لِنَفْسِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا جِهَةَ مُحَسَّنَةٌ فَلَا تَقْبَلُ حُرْمَتُهُ النَّسْخَ وَلَا يَكُونُ سَبَبَ نِعْمَةٍ كَالْعَبَثِ) أَيْ اللَّعِبِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ (وَالْكُفْرِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْكُفْرَانِ بِالْمُنْعِمِ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ وَدَقَائِقِهَا، وَقُبْحُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَكُفْرَانِ الْمُنْعِمِ مَرْكُوزٌ فِي الْعُقُولِ بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ جَرَيَانُ النَّسْخِ فِيهِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ قَبِيحٌ لِعَيْنِهِ أَنَّ عَيْنَ الْفِعْلِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ النَّهْيُ قَبِيحٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَعْنًى زَائِدٍ عَلَى ذَاتِهِ (بِخِلَافِ الْكَذِبِ الْمُتَعَيَّنِ طَرِيقًا لِعِصْمَةِ نَبِيٍّ) فَإِنَّ فِيهِ جِهَةً مُحَسَّنَةً (أَوْ) قُبْحَهُ (لِجِهَةٍ لَمْ يَرْجُحْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَكَذَلِكَ) أَيْ لَا تَقْبَلُ حُرْمَتُهُ النَّسْخَ وَلَا يَكُونُ سَبَبَ نِعْمَةٍ. (وَيُقَالُ فِيهِ قُبْحٌ لِعَيْنِهِ شَرْعًا كَالزِّنَا لِلتَّضْيِيعِ) أَيْ فَإِنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32]- قَبِيحٌ لِجِهَةٍ فِيهِ لَمْ يَرْجُحْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا وَهِيَ تَضْيِيعُ النَّسْلِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ ابْتِغَاءَ النَّسْلِ بِالْوَطْءِ عَلَى مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] (فَلَمْ يُبِحْهُ) اللَّهُ تَعَالَى (فِي مِلَّةٍ) مِنْ الْمِلَلِ. فَإِنْ قِيلَ: ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ لِأَنَّهَا تُلْحِقُ الْأَجْنَبِيَّاتِ بِالْأُمَّهَاتِ وَالْأَجَانِبَ بِالْآبَاءِ وَقَدْ ثَبَتَتْ مُسَبَّبَةً عَنْ الزِّنَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ جَعْلَ الزِّنَا مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ. فَالْجَوَابُ مَنْعُ ثُبُوتِهَا مُسَبَّبَةً عَنْ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِلْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْبَعْضِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِالْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْكَرَامَاتِ، وَمِنْهَا حُرْمَةُ الْمَحَارِمِ إقَامَةً لِلسَّبَبِ الظَّاهِرِ الْمُفْضِي إلَى الْمُسَبِّبِ الْخَفِيِّ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُلُوقِ مُتَعَذَّرٌ، وَالْوَلَدَ عَيْنٌ لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى

حُرْمَةُ آبَاءِ الْوَاطِئِ وَأَبْنَائِهِ مِنْ الْوَلَدِ إلَى الْمَوْطُوءَةِ، وَحُرْمَةُ أُمَّهَاتِ الْمَوْطُوءَةِ وَبَنَاتِهَا مِنْهُ أَيْضًا إلَى الْوَاطِئِ لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ مِنْ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بَعْضًا مِنْ الْآخَرِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِمَا وَمُضَافٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَهُ) أَيْ الزِّنَا (بِأَمْرٍ آخَرَ) لَا بِالزِّنَا. وَهَذَا التَّقَصِّي مِنْ هَذَا الْإِيرَادِ كَالتَّقَصِّي مِنْ الْإِيرَادِ الْقَائِلِ: الْغَصْبُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]- قَبِيحٌ لِجِهَةٍ فِيهِ لَمْ يَرْجُحْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا - وَهِيَ التَّعَدِّي عَلَى الْغَيْرِ - وَقَدْ جَعَلْتُمُوهُ مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ حَيْثُ جَعَلْتُمُوهُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ إذَا تَغَيَّرَ اسْمُهُ وَكَانَ مِمَّا يُمْلَكُ، وَالْمِلْكُ نِعْمَةٌ، بِأَنْ يُقَالَ: لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ مَقْصُودًا كَمَا يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ بَلْ يَثْبُتُ بِأَمْرٍ آخَرَ: وَهُوَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ حُكْمًا لِلضَّمَانِ الْمُتَقَرِّرِ عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ وَهَذَا مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (كَثُبُوتِ مِلْكِ الْغَاصِبِ عِنْدَ زَوَالِ الِاسْمِ وَتَقَرُّرِ الضَّمَانِ فِيمَا بِحَيْثُ يُمْلَكُ) وَفِي الْمَبْسُوطِ وَلَكِنَّ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَنَا يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ وَلِهَذَا نَفَذَ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَسَلِمَ الْكَسْبُ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْمُخْتَارُ: الْغَصْبُ عِنْدَ الْفَوَاتِ سَبَبُ الضَّمَانِ مَقْصُودًا جَبْرًا) لِلْفَائِتِ رِعَايَةً لِلْعَدْلِ (فَاسْتَدْعَى) كَوْنُهُ سَبَبَ الضَّمَانِ (تَقَدُّمَ الْمِلْكِ فَكَانَ) الْغَصْبُ (سَبَبًا لَهُ) أَيْ الْمِلْكِ (غَيْرَ مَقْصُودٍ بَلْ بِوَاسِطَةِ سَبَبِيَّتِهِ) أَيْ الْغَصْبِ (لِمُسْتَدْعِيهِ) أَيْ الْمِلْكِ وَهُوَ الضَّمَانُ (وَهَذَا قَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي الْفِقْهِ: هُوَ) أَيْ الْغَصْبُ (بِعَرَضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا) لِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ (لَا يُقَالُ لَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ الْبَعِيدَةِ) فِي الْحُكْمِ (فَيَصْدُقُ نَفْيُ سَبَبِيَّتِهِ) أَيْ الْغَصْبِ (لِلْمِلْكِ) لِأَنَّهُ السَّبَبُ الْبَعِيدُ لَهُ وَحِينَئِذٍ (فَالْحَقُّ الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ السَّبَبِ لَهُ أَمْرًا آخَرَ، هُوَ الضَّمَانُ لَا نَفْسُ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ الْحَقُّ الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى هَذَا (لِأَنَّ) نَفْيَ السَّبَبِيَّةِ لِلْمِلْكِ (الصَّادِقَ) عَلَى الْغَصْبِ هُوَ نَفْيُ السَّبَبِيَّةِ (الْمُطْلَقُ) أَيْ لِلْمِلْكِ الْمُطْلَقِ (وَسَبَبِيَّتُهُ) أَيْ الْغَصْبِ لِلْمِلْكِ إنَّمَا هُوَ (بِقَيْدِ كَوْنِهِ) أَيْ الْمِلْكِ (غَيْرَ مَقْصُودٍ مِنْهُ) أَيْ الْغَصْبِ بَلْ إنَّمَا ثَبَتَ لِلْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ. (وَلَوْلَاهُ) أَيْ مِلْكُ الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ (لَمْ يَصِحَّ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ (بَيْعُ الْغَاصِبِ) لَهُ قَبْلَ الضَّمَانِ لِانْتِفَاءِ مَا عَدَا الْمِلْكَ مِنْ شُرُوطِ النُّفُوذِ وَحَيْثُ انْتَفَى الْمِلْكُ أَيْضًا فَقَدْ انْتَفَى شَرْطُ النُّفُوذِ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ نَافِذٌ، فَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ بِعَدَمِ نُفُوذِ عِتْقِهِ، قِيلَ: لَا، لِأَنَّ الْمُسْتَنَدَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَكُونُ نَاقِصًا، وَالنَّاقِصُ يَكْفِي لِنُفُوذِ الْبَيْعِ لَا الْعِتْقِ كَالْمُكَاتَبِ يَبِيعُ وَلَا يُعْتِقُ (وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ الْكَسْبُ السَّابِقُ) لِانْتِفَاءِ مُوجِبِ السَّلَامَةِ حِينَئِذٍ لَكِنَّهُ يَسْلَمُ لَهُ، فَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ مِلْكُهُ الْمَغْصُوبَ بِالْغَصْبِ بِعَدَمِ مِلْكِهِ زَوَائِدَهُ الْمُنْفَصِلَةَ كَالْوَلَدِ، أُجِيبَ: لَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَعَدَمُ مِلْكِ زَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ لِأَنَّهُ) أَيْ مِلْكَ الْمَغْصُوبِ (ضَرُورِيٌّ) أَيْ يَثْبُتُ شَرْطًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى خُرُوجِ الْمَغْصُوبِ عَنْ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ بِالْقِيمَةِ جَبْرًا لِمَا فَاتَ إذْ لَا جَبْرَ بِدُونِ الْفَوَاتِ، وَمَا يَثْبُتُ شَرْطًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ ضَرُورَةَ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ عَلَى الْمَشْرُوطِ فَزَوَالُ مِلْكِ الْأَصْلِ مُقْتَضًى، وَمِلْكُ الْبَدَلِ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ، ثَمَّ حَيْثُ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ ضَرُورِيًّا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيمَا لَيْسَ تَبَعًا لِلْمَغْصُوبِ (وَالْمُنْفَصِلُ) مِنْ الزِّيَادَةِ كَالْوَلَدِ (لَيْسَ تَبَعًا) لَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ (بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ) كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ (وَالْكَسْبِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَبَعٌ مَحْضٌ لَهُ، أَمَّا الْمُتَّصِلَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْكَسْبُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ فِي التَّبَعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ سَوَاءٌ ثَبَتَ فِي

الْمَتْبُوعِ مَقْصُودًا سَبَبُهُ أَوْ شَرْطًا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ تَابِعٌ لَهُ فَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَاصِبِ حَسُنَ بِحُسْنِ مَشْرُوطِهِ، وَإِنْ قَبُحَ فِي نَفْسِهِ (بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ) فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْغَاصِبِ وَإِنْ أَدَّى الضَّمَانَ كَمَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بِحَيْثُ يُمْلَكُ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (يَمْلِكُ كَسْبَهُ) أَيْ الْمُدَبَّرِ (إنْ كَانَ) لَهُ كَسْبٌ (بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَبَّرَ (خَرَجَ عَنْ) مِلْكِ (الْمَوْلَى تَحْقِيقًا لِلضَّمَانِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ) . فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مِلْكُ الْكَافِرِ مَالَ الْمُسْلِمِ إذَا أَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِذَاتِهِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ وَقَدْ خَالَفَهُ الْحَنَفِيَّةُ حَيْثُ جَعَلُوهُ بَعْدَ النَّهْيِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَأَمَّا الْكَافِرُ بِالْإِحْرَازِ) . قُلْنَا لَا يَرِدُ (فَإِمَّا لِعَدَمِ النَّهْيِ) لِلْكَافِرِ عَنْ ذَلِكَ (بِنَاءً عَلَى عَدَمِ خِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ فَلَيْسَ مِنْ الْبَابِ وَإِمَّا) أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالِاسْتِيلَاءِ (عِنْدَ ثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ) أَيْ إبَاحَةِ ذَلِكَ الْمَالِ لَهُ (بِانْتِهَاءِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ) أَيْ بِسَبَبِ انْتِهَاءِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ لِذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ (بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ) أَيْ بِسَبَبِ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِانْتِهَاءِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ (بِزَوَالِ الْعِصْمَةِ) أَيْ بِسَبَبِ زَوَالِ كَوْنِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ حَرَامَ التَّعَرُّضِ لَهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ أَوْ لِحَقِّ الْعَبْدِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ (بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ) أَيْ بِسَبَبِ إحْرَازِهِمْ مَالَ الْمُسْلِمِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِزَوَالِ الْعِصْمَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ إحْرَازُهُمْ لَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُزِيلًا لِلْعِصْمَةِ (لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ) أَيْ وِلَايَةِ التَّبْلِيغِ وَالْإِلْزَامِ فَكَانَ اسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَى هَذَا الْمَالِ وَعَلَى الصَّيْدِ سَوَاءً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِصْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ انْتَهَتْ بِانْتِهَاءِ سَبَبِهَا وَهُوَ إحْرَازُهُ لَهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالْإِحْرَازِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْيَدِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً بِأَنْ كَانَ فِي تَصَرُّفِهِ أَوْ بِالدَّارِ وَقَدْ انْتَهَى كِلَاهُمَا بِإِحْرَازِهِمْ الْمَأْخُوذَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِذَا انْتَهَتْ سَقَطَ النَّهْيُ فَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِيلَاءُ مَحْظُورًا، فَصَلُحَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ ثُمَّ يَتَلَخَّصُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا هُوَ مَحْظُورٌ - وَهُوَ ابْتِدَاءُ الِاسْتِيلَاءِ - لَيْسَ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَمَا هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ - وَهُوَ حَالُ الْبَقَاءِ - لَيْسَ بِمَحْظُورٍ فَلَا يَرِدُ النَّقْضُ وَلَا يُقَالُ فَكَمَا ابْتِدَاؤُهُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْمِلْكِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَكَذَا بَقَاؤُهُ كَمَنْ اشْتَرَى خَمْرًا فَصَارَتْ خَلًّا فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَإِنْ صَارَتْ مَحَلًّا لَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ عُرِفَ أَنَّ مَا لَهُ امْتِدَادٌ فَلِحَالَةِ بَقَائِهِ مِنْ الْحُكْمِ مَا لِابْتِدَائِهِ كَأَنَّهُ يَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً كَمَا فِي مَسْأَلَتَيْ اللُّبْسِ وَالسُّكْنَى (وَالِاسْتِيلَاءُ مُمْتَدٌّ فَبَقَاؤُهُ كَابْتِدَائِهِ) فَصَارَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى مَالٍ مَعْصُومٍ ابْتِدَاءً بِدَارِ الْحَرْبِ فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ، وَمَسْأَلَةُ الْبَيْعِ

لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَدٍّ فَإِذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ بَطَلَ أَصْلًا، فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ جَوَازُ تَرَخُّصِ الْمُسَافِرِ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ بِقَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ إبَاقٍ فَإِنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَنْتَفِي مَشْرُوعِيَّتُهُ، وَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِهَا حَيْثُ جَعَلُوهُ سَبَبًا لِلرُّخْصَةِ الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ، فَالْجَوَابُ مَنْعُ كَوْنِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِذَاتِهِ بَلْ كَمَا قَالَ. (وَالتَّرَخُّصُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ) أَيْ النَّهْيَ (فِيهِ) أَيْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ ذَاتِ السَّفَرِ (مُجَاوِرًا) لِلسَّفَرِ (مِنْ الْقَصْدِ لِلْمَعْصِيَةِ، إذْ قَدْ لَا تُفْعَلُ) الْمَعْصِيَةُ بَلْ يَتَبَدَّلُ قَصْدُهَا بِقَصْدِ طَاعَةٍ (وَيُدْرِكُ الْآبِقُ الْإِذْنَ) بِالسَّفَرِ مِنْ مَوْلَاهُ فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَاصِيًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ هَذَا الْمَعْنَى الْمُجَاوِرُ لَهُ فِي كَوْنِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَيْرٌ مَدِيدٌ سَبَبًا لِلنِّعْمَةِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ غَيْرُ مَحْظُورٍ (وَكَذَا وَطْءُ الْحَائِضِ عُرِفَ) أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (لِلْأَذَى) بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَحَلِّ قَابِلٌ لِلِانْفِكَاكِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَاسْتَعْقَبَ الْإِحْصَانَ وَتَحْلِيلَ الْمُطَلَّقَةِ) ثَلَاثًا لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُمَا وَصَارَ كَمَا يَثْبُتُ حُرْمَتُهُ بِالْيَمِينِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ إحْصَانُ الْقَذْفِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لِإِبْطَالِهِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ إلَى حِسِّيٍّ قَوْلَهُ (وَإِلَى شَرْعِيٍّ فَالْقَطْعُ بِأَنَّهُ) أَيْ النَّهْيَ فِيهِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يُشْرَعْ أَصْلًا قَطْعًا (وَلَا يَنْتَهِضُ) الْمَنْهِيُّ عَنْهُ (سَبَبًا) لِلنِّعْمَةِ (إذَا رَتَّبَ) الشَّارِعُ عَلَيْهِ (حُكْمًا يُوجِبُ كَوْنَهُ) أَيْ النَّهْيِ عَنْهُ (لِعَيْنِهِ) أَيْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (أَيْضًا كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ) ذَوَاتِ الرَّحِمِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ (شَرْعِيٌّ عُقِلَ قُبْحُهُ لِأَنَّهُ طَرِيقُ الْقَطْعِيَّةِ) لِلرَّحِمِ الْمَأْمُورِ بِصِلَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الِامْتِهَانِ بِالِاسْتِفْرَاشِ وَغَيْرِهِ. (فَحِينَ أُخْرِجْنَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ) لِنِكَاحِهِ (صَارَ) نِكَاحُهُ إيَّاهُنَّ (عَبَثًا فَقَبُحَ لِعَيْنِهِ فَبَطَلَ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ) عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ (لَيْسَ إلَّا لَازِمًا لِمَا مَهَّدْنَاهُ) سَالِفًا (مِنْ أَنَّهُ) أَيْ الشَّارِعَ (لَمْ يَجْعَلْ لَهُ) أَيْ لِلنِّكَاحِ (حُكْمًا إلَّا الْحِلَّ فَنَافَى) حُكْمُهُ (مُقْتَضَى النَّهْيِ) وَهُوَ التَّحْرِيمُ فَكَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بَاطِلًا (وَكَذَا الصَّلَاةُ بِلَا طَهَارَةٍ بَاطِلَةٌ لِمِثْلِهِ) أَيْ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ لَهَا بِلَا طَهَارَةٍ شَرْعًا، لِأَنَّ الشَّارِعَ قَصَرَ أَهْلِيَّتَهُ لَهَا عَلَى حَالِ الطَّهَارَةِ فَصَارَ فِعْلُهَا بِدُونِ الطَّهَارَةِ عَبَثًا فَقَبُحَ لِعَيْنِهِ. (وَكَانَ يَجِبُ مِثْلُهُ) أَيْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ (فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ) لِمَا سَبَقَ مِنْ انْتِفَاءِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ (لَكِنَّ الظَّنَّ الْمُتَقَدِّمَ) لَهُمْ أَوْجَبَ خِلَافَهُ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بُطْلَانُهَا كَمَا اخْتَرْنَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) وَالدَّارِيَّةُ تُقَوِّي هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَلْيَكُنْ التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا (فَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْ) الشَّارِعُ حُكْمًا يُوجِبُ كَوْنَ النَّهْيِ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِعَيْنِهِ أَيْضًا (ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهِ جِهَةً تُوجِبُ قُبْحًا فِي عَيْنِهِ كَالْبَيْعِ)

الْفَاسِدِ وَفِي وَقْتِ النِّدَاءِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ (عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَنْعَقِدُ سَبَبًا) لِحُكْمِهِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ (فَظَهَرَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ) فِي الْمَنْهِيَّاتِ الشَّرْعِيَّاتِ مِنْ حَيْثُ الِانْتِهَاضُ سَبَبًا وَعَدَمُهُ (لَيْسَ مُرَتَّبًا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّرْعِيِّ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ) لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَمَا هُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الْحَنَفِيَّةِ، وَإِلَّا لَمَا اخْتَلَفَتْ فِي انْتِهَاضِهَا سَبَبًا، بَلْ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لِمُنَافَاةِ حُكْمِهِ لَهَا لَمْ تَنْتَهِضْ سَبَبًا، وَإِلَّا انْتَهَضَتْ سَبَبًا. (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ النَّهْيُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ (يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ إنَّمَا يُفِيدُ صِحَّةَ الْأَصْلِ) أَيْ أَصْلِ الْفِعْلِ (وَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِ أَصْلِ الْفِعْلِ صَحِيحًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَصْلَ (غَيْرُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ) الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ (فَلَا يَسْتَعْقِبُ) كَوْنُ النَّهْيِ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْفِعْلِ

بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ (صِحَّتَهُ) أَيْ الْأَصْلِ (بِوَصْفٍ يُلَازِمُهُ) أَيْ الْأَصْلَ فَلَا يَتِمُّ كَوْنُ النَّهْيِ عَنْ الشَّرْعِيِّ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَلْيُتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الفصل الخامس في المفرد باعتبار استعماله

[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الْفَصْلُ الْخَامِسُ) فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ (هُوَ) أَيْ الْمُفْرَدُ (بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ يَنْقَسِمُ إلَى: حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ) وَوَجْهُ حَصْرِهِ فِيهِمَا ظَاهِرٌ مِنْ تَعْرِيفِهِمَا (فَالْحَقِيقَةُ) فَعِيلَةٌ إمَّا بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ حَقَّ الشَّيْءُ يَحِقُّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ إذَا ثَبَتَ وَالتَّاءُ لِلتَّأْنِيثِ وَإِمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ حَقَقْت الشَّيْءَ بِالتَّخْفِيفِ أَحُقُّهُ بِالضَّمِّ إذَا أَثْبَتُّهُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى الْكَلِمَةَ الثَّابِتَةَ أَوْ الْمُثْبَتَةَ فِي مَكَانِهَا الْأَصْلِيِّ وَالتَّاءُ لِلنَّقْلِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ الصِّرْفَةِ كَالْأَكِيلَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلِلتَّأْنِيثِ عِنْدَ السَّكَّاكِيِّ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ لَفْظِ الْحَقِيقَةِ صِفَةُ مُؤَنَّثٍ غَيْرُ مَذْكُورٍ أَيْ الْكَلِمَةُ وَنُوقِشَ بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَهِيَ اصْطِلَاحًا (اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوْ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ فِي فَرْدٍ مِنْ مَاصَدَقَاتِ مَفْهُومِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ (فِي عُرْفٍ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْعُرْفِ (ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ) فَخَرَجَ بِالْمُسْتَعْمَلِ الْمُهْمَلُ وَالْمَوْضُوعُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ وَبِقَوْلِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ الْمَجَازُ وَالْغَلَطُ وَسَيَنُصُّ عَلَيْهِ وَتَأْتِي فَائِدَةٌ أَوْ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ فِي عُرْفٍ بِهِ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ اللَّفْظُ الَّذِي لَهُ وَضْعَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي عُرْفَيْنِ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِغَيْرِ الْوَضْعِيِّ فِي الْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ فَإِنَّهُ فِيهِ مَجَازٌ (وَتَنْقَسِمُ) الْحَقِيقَةُ (بِحَسَبِ ذَلِكَ) الْوَضْعِ (إلَى لُغَوِيَّةٍ) بِأَنْ يَكُونَ لِوَاضِعِ اللُّغَةِ (وَشَرْعِيَّةٍ) بِأَنْ يَكُونَ لِلشَّارِعِ (كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ وَضَعَهَا لَهُ وَحَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ لِأَنَّ الشَّارِعَ وَضَعَهَا لَهَا (وَعُرْفِيَّةٌ عَامَّةٌ) بِأَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْعُرْفِ الْعَامِّ (كَالدَّابَّةِ) فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ الْحَوَافِرِ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ الْعَامِّ وَضَعُوهَا لَهَا (وَخَاصَّةٍ) بِأَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ (كَالرَّفْعِ) لِلْحَرَكَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ وَضَعُوهُ لَهَا

(وَالْقَلْبِ) كَجَعْلِ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَقَلْبِهِ فَإِنَّ الْأُصُولِيِّينَ وَضَعُوهُ لَهُ (وَيَدْخُلُ) فِي الْحَقِيقَةِ اللَّفْظُ (الْمَنْقُولُ مَا وُضِعَ لِمَعْنًى بِاعْتِبَارِ مُنَاسَبَةٍ لِمَا كَانَ لَهُ أَوَّلًا) عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ آتٍ قَرِيبًا (وَالْمُرْتَجَلُ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي وَضْعِيٍّ لَمْ يُسْبَقْ بِآخَر (وَالْأَعَمُّ) الْمُسْتَعْمَلُ (فِي الْأَخَصِّ كَرَجُلٍ فِي زَيْدٍ) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لِلْأَعَمِّ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ كَإِنْسَانٍ فِي زَيْدٍ لَا يَعْرِفُ الْقُدَمَاءُ غَيْرَ هَذَا إلَى أَنْ حَدَثَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُرَادَ بِهِ خُصُوصُ الشَّخْصِ يَعْنِي بِجَعْلِ خُصُوصِ عَوَارِضِهِ الْمُشَخِّصَةِ مُرَادًا مَعَ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ بِلَفْظِ الْأَعَمِّ فَيَكُونُ مَجَازًا وَإِلَّا فَحَقِيقَةً وَكَأَنَّ هَذِهِ الْإِرَادَةَ قَلَّمَا تَخْطُرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ حَتَّى تَرَكَ الْأَقْدَمُونَ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ بَلْ الْمُتَبَادَرَ مِنْ مُرَادِ مَنْ يَقُولُ لِزَيْدٍ يَا إنْسَانُ يَا مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ لَا يُلَاحَظُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا فَائِدَةٌ أَوْ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ (وَزِيَادَةُ أَوَّلًا) بَعْدَ قَوْلِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ كَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ (تُخِلُّ بِعَكْسِهِ لِصِدْقِ الْحَقِيقَةِ عَلَى الْمُشْتَرَكِ فِي الْمُتَأَخِّرِ وَضْعُهُ لَهُ) وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَمْنَعُ صِدْقَ الْحَدِّ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ أَنَّهُ) أَيْ أَوَّلًا (بِاعْتِبَارِ وَضْعِ الْمَجَازِ) لِيَخْرُجَ بِهِ الْمَجَازُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ (عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ) وَضْعُ الْمَجَازِ (جَازَ أَوَّلِيَّةُ وَضْعِ الْمَجَازِ كَاسْتِعْمَالِهِ) أَيْ كَمَا يَجُوزُ أَوَّلِيَّةُ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً بِأَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لِمَعْنًى ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَلَاقَةٌ قَبْلَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ كَذَلِكَ يَجُوزُ أَوَّلِيَّةُ وَضْعِ الْمَجَازِ فِيهِ قَبْلَ وَضْعِهِ لِمَعْنَاهُ بِأَنْ يَقُولَ: وَضَعْت هَذَا اللَّفْظَ لِأَسْتَعْمِلَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَأَضَعُهُ لَهُ مُنَاسَبَةٌ اعْتَبَرْتهَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَبِلَا تَأْوِيلٍ) أَيْ وَزِيَادَةُ السَّكَّاكِيِّ بِلَا تَأْوِيلٍ بَعْدَ ذِكْرِ الْوَضْعِ لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ الِاسْتِعَارَةِ لِعَدِّ الْكَلِمَةِ فِيهَا مُسْتَعْمَلَةً فِيمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ لَهُ لَكِنْ بِالتَّأْوِيلِ فِي الْوَضْعِ وَهُوَ أَنْ يُسْتَعَارَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ لَهُ لِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الِادِّعَاءِ مُبَالَغَةً ثُمَّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فَيَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ ادِّعَاءً لَا تَحْقِيقًا وَهِيَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ فِي صِحَّةِ الْحَدِّ (إذْ حَقِيقَةُ الْوَضْعِ لَا تَشْمَلُ الِادِّعَائِيَّ) كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا وَأَحْسَنُ مَا اُعْتُذِرَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ دَفْعَ الْوَهْمِ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ فِي الِاسْتِعَارَةِ هَلْ هِيَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ أَوْ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَنَظِيرُهُ فِي دَفْعِ الْوَهْمِ الِاحْتِرَازُ فِي حَدِّ الْفَاعِلِ بِقَيْدِ تَقْدِيمِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ عَنْ الْمُبْتَدَأِ فِي زَيْدٌ قَائِمٌ (وَالْمَجَازُ) فِي الْأَصْلِ مَفْعَلٌ إمَّا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ الْجَوَازِ بِمَعْنَى الْعُبُورِ وَالتَّعَدِّي كَمَا اخْتَارَهُ السَّكَّاكِيُّ سُمِّيَتْ بِهِ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ لِعَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ لِأَنَّ الْمُشْتَقَّ مِنْهُ جُزْءٌ مِنْ الْمُشْتَقِّ أَوْ اسْمُ مَكَان مِنْهُ سُمِّيَتْ بِهِ الْكَلِمَةُ الْجَائِزَةُ أَيْ الْمُتَعَدِّيَةُ مَكَانَهَا الْأَصْلِيَّ أَوْ الْكَلِمَةُ الْمُجَوَّزُ بِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ جَازُوا بِهَا مَكَانَهَا الْأَصْلِيَّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فَالتَّسْمِيَةُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ أَوْ مِنْ جَعَلْت كَذَا مَجَازًا إلَى حَاجَتِي أَيْ طَرِيقًا لَهَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى جَازَ الْمَكَانَ سَلَكَهُ فَإِنَّ الْمَجَازَ طَرِيقٌ إلَى تَصَوُّرِ مَعْنَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَاصْطِلَاحًا (مَا اُسْتُعْمِلَ لِغَيْرِهِ) أَيْ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ لِغَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ مَا وُضِعَ لَهُ (لِمُنَاسِبَةٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْغَيْرِ (اُعْتُبِرَ نَوْعُهَا وَيَنْقَسِمُ) الْمَجَازُ إلَى لُغَوِيٍّ وَشَرْعِيٍّ وَعُرْفِيٍّ عَامٍّ وَخَاصٍّ (كَالْحَقِيقَةِ) لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لَهُ إنْ كَانَ لِمُنَاسِبَةٍ لِمَا وُضِعَ لَهُ لُغَةً فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ وَهَكَذَا تَقُولُ فِي سَائِرِ الْأَقْسَامِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَجَازٍ مُتَفَرِّعٌ عَلَى مَعْنًى لَوْ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِيهِ كَانَ حَقِيقَةً فَيَكُونُ الْمَجَازُ تَابِعًا لِلْحَقِيقَةِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ (وَتَدْخُلُ الْأَعْلَامُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَالْمُرْتَجَلُ فِي الْحَقِيقَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَنْقُولُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ الثَّانِي مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ وَمَجَازٌ فِي الْأَوَّلِ حَقِيقَةٌ فِي الثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الثَّانِي مِنْ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْأَوَّلِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الثَّانِي فَحَقِيقَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الثَّانِي مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ يَدْخُلُ فِي الْأَعْلَامِ الْغَزَالِيُّ وَقَالَ ابْنُ لُقْمَانِ الْحَنَفِيُّ: ذَهَبَ عَامَّتُهُمْ إلَى أَنَّ الْأَلْقَابَ يَدْخُلُ فِيهَا الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ (وَعَلَى

مَنْ أَخْرَجَهَا) أَيْ الْأَعْلَامَ مِنْهُمَا كَالْآمِدِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ (تَقْيِيدُ الْجِنْسِ) الْمَأْخُوذُ فِي تَعْرِيفِهِمَا بِغَيْرِ الْعَلَمِ وَاقْتَصَرَ الْبَيْضَاوِيُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِالْمَجَازِ بِالذَّاتِ لِأَنَّهَا لَمْ تُنْقَلْ لِعَلَاقَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ (وَخَرَجَ عَنْهُمَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (الْغَلَطُ) كَخُذْ هَذَا الْفَرَسَ مُشِيرًا إلَى كِتَابٍ بِيَدِك أَمَّا عَنْ الْحَقِيقَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الْوَضْعِيِّ وَأَمَّا عَنْ الْمَجَازِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِ الْوَضْعِيِّ لِعَلَاقَةٍ اُعْتُبِرَ نَوْعُهَا وَقَدْ يُقَالُ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يُؤْذِنُ بِالْقَصْدِ إذْ كَانَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا وَلَا قَصْدَ فِي الْغَلَطِ إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى بِذَلِكَ اللَّفْظِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْشِيَةِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّهُ غَلَطٌ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْغَلَطِ الْمُخْرِجِ عَنْهُمَا مَا يَكُونُ سَهْوًا مِنْ اللِّسَانِ بَلْ يَكُونُ خَطَأً فِي اللُّغَةِ صَادِرًا عَنْ قَصْدٍ فَإِنْ قِيلَ حَدُّ الْمَجَازِ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ الْمَجَازِ بِالنُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] عَنْهُ أُجِيبُ بِأَنَّ لَفْظَ الْمَجَازِ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِمَّا هُوَ صِفَةُ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى وَعَلَى الْمَجَازِ الْمُورِدِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْإِعْرَابِ أَوْ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ حُكْمِ إعْرَابِهِ وَالتَّعْرِيفُ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ نَقُولُ (: وَمَجَازُ الْحَذْفِ حَقِيقَةٌ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ) كَالْقَرْيَةِ (بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ إعْرَابِهِ وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ كَالْقَرْيَةِ اللَّفْظُ (الْمَحْذُوفُ) كَالْأَهْلِ حَتَّى كَانَ لَفْظُ الْقَرْيَةِ مُسْتَعْمَلًا فِي أَهْلِ الْقَرْيَةِ (كَانَ) الْمَذْكُورُ هُوَ الْمَجَازُ فِي مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ (الْمَحْدُودِ وَمَجَازُ الزِّيَادَةِ قِيلَ مَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِمَعْنًى وَمُقْتَضَاهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ (لَا حَقِيقَةَ وَلَا مَجَازَ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَعْمَلٌ لِمَعْنَى (وَلَمَّا لَمْ يَنْقُصْ) مَجَازُ الزِّيَادَةِ (عَنْ التَّأْكِيدِ قِيلَ لَا زَائِدَ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ مَجَازَ الزِّيَادَةِ (حَقِيقَةٌ لِوَضْعِهِ لِمَعْنَى التَّأْكِيدِ) فِي التَّرْكِيبِ الْخَاصِّ وَإِنْ عُرِفَ لِغَيْرِهِ فِي غَيْرِهِ مَثَلًا مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَلِلِابْتِدَاءِ فَإِذَا وَقَعَتْ قَبْلَ نَكِرَةٍ عَامَّةٍ كَانَتْ لِتَأْكِيدِ عُمُومِهِ وَضْعًا وَقِسْ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (لَا مَجَازَ لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ) الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْمَجَازِ (فَكُلُّ مَا اُسْتُعْمِلَ زَائِدًا مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ مَعْنًى أَصْلًا وَهُوَ الْمَنْفِيُّ عَنْ الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَبَيْنَ مَا لَا يُخِلُّ سُقُوطُهُ بِالْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَهُوَ لَا يُعَرَّى عَنْ التَّأْكِيدِ وَهَذَا هُوَ الْمُدَّعَى وُجُودُهُ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَحِينَئِذٍ فَكَمَا قَالَ (وَزَائِدًا بِاصْطِلَاحٍ) لِلنَّحْوِيَّيْنِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى حَقِيقَةٍ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَضْعَ يَكُونُ لِقَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ جُزْئِيَّاتُ مَوْضُوعِهَا أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ وَ) يَكُونُ (لِمَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ) أَيْ الْوَضْعُ لِمَعْنًى خَاصٍّ (الْوَضْعُ الشَّخْصِيُّ وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْوَضْعُ لِقَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ إلَخْ الْوَضْعُ (النَّوْعِيُّ وَيَنْقَسِمُ) النَّوْعِيُّ: (إلَى مَا يَدُلُّ جُزْئِيُّ مَوْضُوعَ مُتَعَلِّقِهِ) عَلَى الْمَعْنَى (بِنَفْسِهِ) فَالضَّمِيرُ فِي مُتَعَلِّقِهِ وَبِنَفْسِهِ رَاجِعٌ إلَى مَا ثَمَّ بِنَفْسِهِ مُتَعَلِّقٌ بِبَدَلٍ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ (وَضْعُ قَوَاعِدِ التَّرْكِيبِ وَالتَّصَارِيفِ وَبِالْقَرِينَةِ) أَيْ وَإِلَى مَا يَدُلُّ جُزْئِيُّ مَوْضُوعِ مُتَعَلِّقِهِ بِالْقَرِينَةِ (وَهُوَ وَضْعُ الْمَجَازِ كَقَوْلِ الْوَاضِعِ: كُلُّ مُفْرَدٍ بَيَّنَ مُسَمَّاهُ وَغَيْرَهُ مُشْتَرَكٌ اعْتَبَرْتَهُ) أَيْ الْمُفْرَدَ (أَيْ اسْتَعْمَلْتَهُ فِي الْغَيْرِ بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (فَلِكُلٍّ) مِنْ النَّاسِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ (ذَلِكَ) الْمُفْرَدَ فِي ذَلِكَ الْغَيْرِ بِاعْتِبَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا (مَعَ قَرِينَةٍ) تُفِيدُ ذَلِكَ (وَلَفْظُ الْوَضْعِ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ) الشَّخْصِيِّ وَالنَّوْعِيِّ الدَّالِ جُزْئِيُّ مَوْضُوعِ مُتَعَلِّقِهِ بِنَفْسِهِ لِتَبَادُرِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْفَهْمِ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْوَضْعِ (مَجَازٌ فِي الثَّالِثِ) أَيْ النَّوْعِيِّ الدَّالِ جُزْئِيِّ مَوْضِعِ مُتَعَلِّقِهِ بِالْقَرِينَةِ (إذْ لَا يُفْهَمُ بِلَا تَقْيِيدِهِ) أَيْ الْوَضْعِ بِالْمَجَازِ كَأَنْ يُقَالَ وَضْعُ الْمَجَازِ (فَانْدَفَعَ) بِهَذَا التَّحْقِيقِ (مَا قِيلَ) عَلَى حَدِّ الْحَقِيقَةِ (إنْ أُرِيدَ بِالْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ خَرَجَ مِنْ الْحَقِيقَةِ) كَثِيرٌ مِنْ الْحَقَائِقِ (كَالْمُثَنَّى وَالْمُصَغَّرِ) وَالْمَنْسُوبِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا يَكُونُ دَلَالَتُهُ بِحَسَبِ الْهَيْئَةِ دُونَ الْمَادَّةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ بِالنَّوْعِ لَا بِالشَّخْصِ (أَوْ) أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْوَضْعِ (الْأَعَمِّ) مِنْ الشَّخْصِيِّ وَالنَّوْعِيِّ (دَخَلَ الْمَجَازُ) فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ بِالنَّوْعِ وَإِنَّمَا انْدَفَعَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ إطْلَاقِهِ وَهُوَ تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ أَيْ لَا بِضَمِيمَةِ قَرِينَةٍ إلَيْهِ فَتَدْخُلُ الْحَقَائِقُ الْمَذْكُورَةُ وَلَا يَدْخُلُ الْمَجَازُ (وَظَهَرَ اقْتِضَاءُ الْمَجَازِ وَضْعَيْنِ) وُضِعَا (لِلَّفْظِ) لِمَعْنًى بِحَيْثُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ يَكُونُ اسْتِعْمَالًا لَهُ فِي مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ (وَ) وُضِعَا (لِمَعْنَى نَوْعِ الْعَلَاقَةِ) بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ

وَالْمَجَازِيِّ وَهِيَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَا يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ بِوَاسِطَتِهِ عَنْ مَحَلِّ الْمَجَازِ إلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ مَا يُعَلِّقُ الشَّيْءَ بِغَيْرِهِ نَحْوَ عِلَاقَةُ السَّوْطِ وَعِلَاقَةُ الْمَجَازِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تُعَلِّقُهُ بِمَحَلِّ الْحَقِيقَةِ بِأَنْ يَنْتَقِلَ الذِّهْنُ بِوَاسِطَتِهَا عَنْ مَحَلِّ الْمَجَازِ إلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا ذَكَرْنَا أَمَّا بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَهِيَ عَلَاقَةُ الْخُصُومَةِ وَالْحُبِّ وَهُوَ تَعَلُّقُ الْخَصْمِ بِخَصْمِهِ وَالْمُحِبِّ بِمَحْبُوبِهِ ذَكَرَهُ الطُّوفِيُّ هَذَا وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَضْعُ اللَّفْظِ بِإِزَائِهِ أَوْ لَا لَفْظِيٌّ مَنْشَؤُهُ أَنَّ وَضْعَ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى فُسِّرَ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِنَفْسِهِ لِلْمَعْنَى فَعَلَى هَذَا لَا وَضْعَ فِي الْمَجَازِ أَصْلًا لَا شَخْصِيًّا وَلَا نَوْعِيًّا لِأَنَّ الْوَاضِعَ لَمْ يُعَيِّنْ اللَّفْظَ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بَلْ بِالْقَرِينَةِ الشَّخْصِيَّةِ أَوْ النَّوْعِيَّةِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِيهِ بِالْمُنَاسَبَةِ لَا بِالْوَضْعِ وَالثَّانِي تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى وَعَلَى هَذَا فَفِي الْمَجَازِ وَضْعٌ نَوْعِيٌّ قَطْعًا إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرِ نَوْعُهَا عِنْدَ الْوَاضِعِ وَأَمَّا الْوَضْعُ الشَّخْصِيُّ فَرُبَّمَا يَثْبُتُ فِي بَعْضٍ وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ عَلَى مَذْهَبَيْ وُجُوبِ النَّقْلِ وَعَدَمِهِ فَعَلَى الثَّانِي اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ الْمُعْتَبَرَةِ نَوْعًا وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ وُضِعَ أَوَّلًا وَعَلَى الْأَوَّلِ اسْتِعْمَالُهُ بِالْمُنَاسَبَةِ الْمُعْتَبَرِ نَوْعُهَا مَعَ الِاسْتِعْمَالِ الشَّخْصِيِّ وَالنِّزَاعُ فِيمَا ذُكِرَ وَلَيْسَ الِاسْتِعْمَالُ مَعَ الْقَرِينَةِ مُسْتَلْزِمًا لِلْوَضْعِ بِالْمَعْنَيَيْنِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ تَفَرُّعُ الْخِلَافِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ فَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّعَقُّلِ قَالَ بِالْوَضْعِ وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِهِ قَالَ بِعَدَمِ الْوَضْعِ أَيْضًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْوَضْعَ هَلْ هُوَ تَخْصِيصُ عَيْنِ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فَيَكُونُ تَخْصِيصًا مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ اللَّفْظِ بِالْقِيَاسِ إلَى مَعْنَاهُ وَهُوَ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فَيَنْقَسِمُ إلَى شَخْصِيٍّ وَنَوْعِيٍّ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمَجَازُ مَوْضُوعٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِطِينَ النَّقْلَ فِي الْآحَادِ إذْ قَدْ عُلِمَ بِالِاسْتِعْمَالِ تَخْصِيصُ عَيْنِهِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى وَلَيْسَ بِمَوْضُوعٍ عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَالِاخْتِلَافُ مَعْنَوِيٌّ رَاجِعٌ إلَى وُجُوبِ النَّقْلِ وَعَدَمِهِ وَعَلَى الثَّانِي هُوَ مَوْضُوعٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ وَيَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّ نَقْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ وَأَيْضًا الْمُشْتَقَّاتُ كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَغَيْرِهِ مَوْضُوعَةٌ لِمَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وَضْعَهَا نَوْعِيٌّ. (وَهِيَ) أَيْ الْعَلَاقَةُ (بِالِاسْتِقْرَاءِ) عَلَى تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ خَمْسَةٌ (مُشَابَهَةٌ صُورِيَّةٌ) بَيْنَ مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (كَإِنْسَانٍ لِلْمَنْقُوشِ) أَيْ كَإِطْلَاقِ لَفْظِ إنْسَانٍ عَلَى شَكْلِهِ الْمَنْقُوشِ بِجِدَارٍ وَغَيْرِهِ (أَوْ) مُشَابَهَةٌ بَيْنَهُمَا (فِي مَعْنًى مَشْهُورٍ) أَيْ صِفَةٍ غَيْرِ الشَّكْلِ ظَاهِرَةِ الثُّبُوتِ لِمَحَلِّ الْحَقِيقَةِ لَهَا بِهِ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ وَشُهْرَةٍ لِيَنْتَقِلَ الذِّهْنُ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مِنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَعْنِي الْمَوْصُوفَ إلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَيُفْهَمُ الْمَعْنَى الْآخَرُ أَعْنِي الْمَجَازِيَّ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الصِّفَةِ لَهُ (كَالشَّجَاعَةِ لِلْأَسَدِ) فَإِنَّهَا صِفَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ فَإِذَا أُطْلِقَ فُهِمَ مِنْهُ الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ وَانْتَقَلَ الذِّهْنُ مِنْهُ إلَى الشُّجَاعِ وَإِذَا نُصِّبَتْ قَرِينَةٌ مُنَافِيَةٌ لِإِرَادَةِ الْمُفْتَرِسِ كَفِي الْحَمَّامِ فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ شُجَاعٌ غَيْرُ الْأَسَدِ فَصَحَّ إطْلَاقُهُ عَلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الشَّجَاعَةِ (بِخِلَافِ الْبَخَرِ) فَإِنَّهُ صِفَةٌ خَفِيَّةٌ لَهُ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى الرَّجُلِ الْأَبْخَرِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْبَخَرِ. فَهَذَا النَّوْعُ بِقِسْمَيْهِ إحْدَى الْعِلَاقَاتِ وَقَدْ يُعَدَّانِ نَوْعَيْنِ (وَيُخَصُّ) هَذَا النَّوْعُ (بِالِاسْتِعَارَةِ فِي عُرْفٍ) أَيْ لِأَهْلِ عِلْمِ الْبَيَانِ فَهِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا شُبِّهَ بِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ لِعِلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ وَكَثِيرًا مَا تُطْلَقُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْمُشَبَّهِ فَالْمُشَبَّهُ بِهِ مُسْتَعَارٌ مِنْهُ وَالْمُشَبَّهُ مُسْتَعَارٌ لَهُ وَلَفْظُ الْمُشَبَّهِ بِهِ مُسْتَعَارٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ اللِّبَاسِ الْمُسْتَعَارِ مِنْ وَاحِدٍ فَأُلْبِسَ غَيْرَهُ وَمَا عَدَا هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْمَجَازِ يُسَمَّى مَجَازًا مُرْسَلًا وَحَكَى الْقَرَافِيُّ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كُلُّ مَجَازٍ مُسْتَعَارٍ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَالْكَوْنُ) عَلَيْهِ أَيْ (كَوْنُ الْمَجَازِيِّ سَابِقًا بِالْحَقِيقِيِّ عَلَى اعْتِبَارِ الْحُكْمِ كَآتُوا الْيَتَامَى) فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَهُوَ الْيُتْمُ سَبَقَ اعْتِبَارَ حَقِيقَتِهِ الْحُكْمُ وَهُوَ الْإِيتَاءُ وَإِنْ كَانَ الْحَقِيقِيُّ ثَابِتًا حَالَ التَّكَلُّمِ فَهُوَ مَجَازٌ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عَنْهُ حَالَ وُقُوعِ النِّسْبَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِيتَاءُ فَآتُوا الْيَتَامَى فِي زَمَانِ ثُبُوتِ الْيُتْمِ مَجَازٌ وَإِنْ وَقَعَ التَّكَلُّمُ بِهِ حَالَ ثُبُوتِ الْحَقِيقِيِّ لِلْيَتَامَى لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَّصِفًا بِهِ حَالَ وُقُوعِ النِّسْبَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ إيتَاءُ الْأَوْلِيَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي مَعْنَاهُ وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يُرِدْ إثْبَاتُهُ فِيهِ حَالَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ حَالُ

التَّكَلُّمِ بَلْ إذَا صَارَ إلَى خِلَافِهِ فَكَانَ النَّظَرُ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمِنْ هَذَا رَأَيْت عَبْدًا تُرِيدُ مَعْتُوقًا فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ وُقُوعِ نِسْبَةِ الرُّؤْيَةِ إلَيْهِ وَقَبْلَ التَّكَلُّمِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهَذَا النَّوْعُ عَلَاقَةٌ ثَانِيَةٌ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ الْحَقِيقِيِّ (آيِلًا إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَجَازِيِّ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ (وَإِنْ كَانَ) الْحَاصِلُ هُوَ (الْحَقِيقِيُّ حَالَ التَّكَلُّمِ) أَيْ زَمَانَ إيقَاعِ النِّسْبَةِ وَالتَّكَلُّمِ كَوْنُ الْحَقِيقِيِّ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ آيِلًا إلَى الْمَجَازِيِّ أَيْ يَصِيرُ إيَّاهُ بَعْدَ وُقُوعِ النِّسْبَةِ إلَيْهِ (كَقَتَلْت قَتِيلًا وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ) هَذَا (حَقِيقَةً لِأَنَّ الْمُرَادَ) قَتَلْت (حَيًّا) وَإِنَّهُ يَصِيرُ قَتِيلًا بَعْدَ الْقَتْلِ فَكَانَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَوْلِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ ثُمَّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الصَّيْرُورَةِ إلَيْهِ فَلَا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدٍ تَوَهُّمِهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ كَثِيرٌ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِتَوَهُّمِهَا وَإِنْ لَمْ يَصِرْ بِالْفِعْلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَكَفَى) فِي كَوْنِهِ مَجَازَ الْأَوَّلِ (تَوَهُّمُهُ) أَيْ الْأَوَّلِ إلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَعَصَرْت خَمْرًا فَهُرِيقَتْ فِي الْحَالِ) وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ (لَهُ) أَيْ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ (بِالْقُوَّةِ الِاسْتِعْدَادُ فَيُسَاوِي) الِاسْتِعْدَادَ (الْأَوَّلَ عَلَى التَّوَهُّمِ) أَيْ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الِاسْتِعْدَادِ لِلشَّيْءِ حُصُولُهُ. (وَعَلَى اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْحُصُولِ لَا) يُسَاوِي الِاسْتِعْدَادَ الْأَوْلَ بَلْ يَكُونُ الِاسْتِعْدَادُ أَعَمَّ مِنْ الْأَوْلِ (فَهُوَ) أَيْ الِاعْتِبَارُ لِتَحَقُّقِ الصَّيْرُورَةِ إلَيْهِ فِي الْأَوْلِ (أَوْلَى) وَيُجْعَلُ الْمُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّوَهُّمِ مَجَازَ الِاسْتِعْدَادِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَلَاقَاتِ وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ الِاتِّحَادِ (وَيُصْرَفُ الْمِثَالُ) أَيْ عَصَرْت خَمْرًا فَهُرِيقَتْ فِي الْحَالِ (لِلِاسْتِعْدَادِ) لَا لِلْأَوْلِ لِوُجُودِ التَّوَهُّمِ فِيهِ دُونَ تَحَقُّقِ الْحُصُولِ فَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْعِلَاقَاتِ ثَالِثَةٌ وَرَابِعَةٌ (وَالْمُجَاوَرَةُ) وَهَذِهِ هِيَ الْعَلَاقَةُ الْخَامِسَةُ (وَمِنْهَا) أَيْ الْمُجَاوَرَةِ (الْجُزْئِيَّةُ لِلْمُنْتَفِي عُرْفًا بِانْتِفَائِهِ) أَيْ كَوْنُ الْمُسَمَّى الْحَقِيقِيِّ لِلِاسْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى غَيْرِهِ جُزْءًا مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ بِحَيْثُ يَنْتَفِي ذَلِكَ الْغَيْرُ بِانْتِفَائِهِ إمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ عُرْفًا عَامًّا إنْ كَانَ التَّخَاطُبُ بِهِ أَوْ خَاصًّا إنْ كَانَ التَّخَاطُبُ بِهِ فَأَبْهَمَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَتَنَاوَلَ كِلَيْهِمَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى صَلَاحِيَّةُ الْجُزْئِيَّةِ لِلْمُنْتَفِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِانْتِفَائِهِ لِلْعَلَامَةِ (كَالرَّقَبَةِ) أَيْ كَإِطْلَاقِهَا عَلَى الذَّاتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] . فَإِنَّ الذَّاتَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الرَّقَبَةِ (لَا الظُّفْرِ) فَإِنَّ الذَّاتَ لَا تَنْتَفِي بِانْتِفَائِهَا فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَيْهَا (بِخِلَافِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ) أَيْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا فَلَا يَتِمُّ كَوْنُ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يَسْتَلْزِمُ الْجُزْءَ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ (وَمِنْهُ) أَيْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ (الْعَامُّ لِفَرْدِهِ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ وَجَزَمَ بِهِ السُّهَيْلِيُّ قُلْت وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْعُمُومَ مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ لَا مِنْ بَابِ الْكُلِّ وَالْفَرْدُ مِنْهُ مِنْ بَابِ الْجُزْئِيَّةِ لَا مِنْ بَابِ الْجُزْءِ اهـ. فِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ مَبَاحِثِ الْعَامِّ (وَقَلْبُهُ) أَيْ إطْلَاقُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ عَلَى الْعَامِّ نَحْوُ {عَلِمَتْ نَفْسٌ} [التكوير: 14] فَإِنَّ الْمُرَادَ كُلُّ نَفْسٍ {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] أَيْ رُفَقَاءَ (وَالذِّهْنِيَّةُ) أَيْ وَمِنْ الْمُجَاوَرَةِ الْمُجَاوَرَةُ الْجُزْئِيَّةُ الذِّهْنِيَّةُ (كَالْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ كَالْمِشْفَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ شَفَةُ الْبَعِيرِ (عَلَى الشَّفَةِ مُطْلَقًا وَلِاجْتِمَاعِ الِاعْتِبَارَيْنِ) وَهُمَا التَّشْبِيهُ وَعَدَمُهُ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ (صَحَّ) أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ الْمِشْفَرِ عَلَى شَفَةِ الْإِنْسَانِ (اسْتِعَارَةً) إذَا كَانَ الْمُرَادُ تَشْبِيهَهَا بِمِشْفَرِ الْإِبِلِ فِي الْغِلَظِ كَمَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ إطْلَاقِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى التَّشْبِيهِ (وَقَلْبُهُ) أَيْ إطْلَاقُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ. (وَالْمُرَادُ أَنْ

يُرَادَ خُصُوصُ الشَّخْصِ) كَزَيْدٍ (بِاسْمِ الْمُطْلَقِ) كَرَجُلٍ (وَهُوَ) أَيْ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا مَجَازٌ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ (مُسْتَحْدَثٌ وَالْغَلَطُ) فِيهِ جَاءَ (مِنْ ظَنِّ) أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِوُقُوعِ (الِاسْتِعْمَالِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ) وُقُوعَهُ (فِي نَفْسِ الْمُسَمَّى) الْكُلِّيِّ (لَا أَفْرَادِهِ) فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي فَرْدٍ مِنْهَا مُرَادًا بِهِ خُصُوصُ عَوَارِضِ الْفَرْدِ الْمُشَخِّصَةِ مَعَ مَعْنَاهُ الْأَعَمِّ اسْتِعْمَالًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا وَلَيْسَ هَذَا الظَّنُّ بِمُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ إذْ هَذِهِ الْإِرَادَةُ قَلَّمَا تَخْطُرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَيَلْزَمُهُمْ أَنَّ أَنَا مِنْ مُتَكَلِّمٍ خَاصٍّ وَهَذَا لِمُعَيَّنِ مَجَازٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ شَامِلٍ لِأَفْرَادِهِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي جُزْئِيٍّ مِنْهَا اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ (وَكَثِيرٌ) أَيْ وَمَجَازِيَّةٌ كَثِيرٌ مِمَّا عَدَا هَذَيْنِ مِمَّا هُوَ كُلِّيٌّ وَضْعًا جُزْئِيٌّ اسْتِعْمَالًا (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ كَوْنِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ فِي أَفْرَادٍ خَاصَّةٍ مِنْهَا مَجَازًا (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْمُطْلَقِ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ (حَقِيقَةً كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلَ الْبَحْثِ وَكَوْنُهُمَا) أَيْ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (عَرْضَيْنِ فِي مَحَلٍّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ) فَيُسَمَّى الْعِلْمُ حَيَاةً لِهَذِهِ الْعَلَاقَةِ. قُلْت: إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَوْ كَانَتْ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا فِي صِحَّةِ تَسْمِيَةِ الْعِلْمِ حَيَاةً هَذِهِ لَجَازَ الْعَكْسُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ لَاحْتَاجَ إلَى جَوَابٍ (أَوْ) كَوْنُهُمَا عَرْضَيْنِ (فِي مَحَلَّيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ) أَيْ مُتَقَارِبَيْنِ (كَكَلَامِ السُّلْطَانِ لِكَلَامِ الْوَزِيرِ) وَبِالْعَكْسِ (أَوْ) كَوْنُهُمَا (جِسْمَيْنِ فِيهِمَا) أَيْ فِي مَحَلَّيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ (كَالرَّاوِيَةِ) وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْبَعِيرِ الَّذِي يَحْمِلُ الْمَزَادَةَ (لِلْمَزَادَةِ) أَيْ الْمِزْوَدِ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ أَيْ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ لِلسَّفَرِ كَذَا فِي شَرْحَيْ التَّلْخِيصِ وَشَرْحِ الْمِفْتَاحِ لِلتَّفْتَازَانِيِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِهِ لِلْمُحَقِّقِ الشَّرِيفِ وَالْمَزَادَةُ ظَرْفُ الْمَاءِ يَسْتَقِي بِهِ عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي تُسَمَّى رَاوِيَةً قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا تَكُونُ الْمَزَادَةُ إلَّا مِنْ جِلْدَيْنِ تُفْأَمُ بِجِلْدٍ ثَالِثٍ بَيْنَهُمَا لِتَتَّسِعَ وَجَمْعُهَا الْمَزَادُ وَالْمَزَايِدُ وَأَمَّا الظَّرْفُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ أَيْ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ لِلسَّفَرِ فَهُوَ الْمِزْوَدُ وَجَمْعُهُ الْمَزَاوِدُ انْتَهَى. وَالْجُمْلَةُ مِنْ الصِّحَاحِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ لَا بِالْتِزَامِ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَا فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ كَالرَّاوِيَةِ لِلْقِرْبَةِ إذْ هِيَ مَا يُسْتَقَى فِيهِ الْمَاءُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ (وَكَوْنُهُمَا) أَيْ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (مُتَلَازِمِينَ ذِهْنًا) بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ (كَالسَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ) نَحْوُ رَعَيْنَا الْغَيْثَ أَيْ النَّبَاتَ الَّذِي سَبَبُهُ الْغَيْثُ (وَقَلْبُهُ) أَيْ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ (وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ قَلْبِهِ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الِاخْتِصَاصُ) أَيْ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ (كَإِطْلَاقِ الْمَوْتِ عَلَى الْمَرَضِ) الْمُهْلِكِ (وَالنَّبْتِ عَلَى الْغَيْثِ) قُلْت: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي هَذَيْنِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِالْمَرَضِ لِوُقُوعِهِ بِدُونِهِ كَثِيرًا وَالنَّبْتُ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِالْغَيْثِ لِوُجُودِهِ بِدُونِ خُصُوصِ الْغَيْثِ نَعَمْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمَاءِ وَلَعَلَّهُ مُطْلَقًا هُوَ الْمُرَادُ بِالْغَيْثِ مِنْ إطْلَاقِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ وَالنَّبْتُ عَلَى الْمَاءِ (وَالْمَلْزُومُ عَلَى اللَّازِمِ كَنَطَقَتِ الْحَالُ) مَكَانَ دَلَّتْ فَإِنَّ النُّطْقَ مَلْزُومٌ لِلدَّلَالَةِ وَقَلْبُهُ كَشَدِّ الْإِزَارِ لِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ ... دُونَ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارٍ (أَوْ) مُتَلَازِمَيْنِ (خَارِجًا كَالْغَائِطِ عَلَى الْفَضَلَاتِ) لِأَنَّ الْغَائِطَ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ مِمَّا يُقْصَدُ عَادَةً لِإِزَالَتِهَا (وَهُوَ) أَيْ إطْلَاقُ الْغَائِطِ عَلَيْهَا (الْمَحَلُّ عَلَى الْحَالِ وَقَلْبُهُ) أَيْ إطْلَاقُ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} [آل عمران: 107] أَيْ الْجَنَّةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الرَّحْمَةُ (وَأُدْرِجَ فِي) التَّجَاوُرِ (الذِّهْنِيِّ أَحَدُ الْمُتَقَابِلَيْنِ فِي الْآخَرِ) فَإِنَّ بَيْنَهُمَا مُجَاوَرَةً فِي الْخَيَالِ وَلَا سِيَّمَا بَيْنَ الضِّدَّيْنِ حَتَّى إنَّ الذِّهْنَ يَنْتَقِلُ مِنْ مُلَاحَظَةِ السَّوَادِ مَثَلًا إلَى الْبَيَاضِ (وَمُنِعَ الْإِدْرَاجُ الْمَذْكُورُ بِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ) مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا تَقَابُلَ التَّضَايُفِ وَمُجَاوَرَةً مِنْ قَبِيلِ التَّلَازُمِ فِي الْوُجُودِ ذِهْنًا وَخَارِجًا (وَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ إطْلَاقُ أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِتَنْزِيلِ التَّضَادِّ مَنْزِلَةَ التَّنَاسُبِ لِتَمْلِيحٍ) أَيْ إتْيَانٍ بِمَا فِيهِ مَلَاحَةٌ وَظَرَافَةٌ (أَوْ تَهَكُّمٍ) أَيْ سُخْرِيَةٍ وَاسْتِهْزَاءٍ (أَوْ تَفَاؤُلٍ كَالشُّجَاعِ عَلَى الْجَبَانِ) فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْمَلَاحَةِ لَا السُّخْرِيَةِ فَتَمْلِيحٌ وَإِلَّا فَتَهَكُّمٌ فَهُوَ صَالِحٌ لَهُمَا (وَالْبَصِيرُ

عَلَى الْأَعْمَى) . وَهَذَا صَالِحٌ لِلْكُلِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْمُقَامِ (أَوْ) مُتَلَازِمَيْنِ (لَفْظًا) فَيُطْلَقُ اسْمُ أَحَدِهِمَا بِخُصُوصِهِ عَلَى الْآخَرِ مُشَاكَلَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] فَأَطْلَقَ السَّيِّئَةَ عَلَى الْجَزَاءِ مَعَ أَنَّهُ حَسَنٌ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهَا وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا سُمِّيَ جَزَاؤُهَا سَيِّئَةً لِأَنَّهُ يَسُوءُ مَنْ يَنْزِلُ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ لَيْسَ مِثَالًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ بَلْ مِنْ مِثْلِهِ قَوْلُهُ قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَك طَبْخَهُ ... قُلْت اُطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا أَيْ خِيطُوا فَذَكَرَهَا بِلَفْظِ الطَّبْخِ لِوُقُوعِهَا فِي صُحْبَةِ طَبْخِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ. (وَمَا ذُكِرَ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مِنْ الْعَلَاقَةِ) كَمَا فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ (مُنْتَفٍ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ (وَالْمَجَازُ فِي مُتَعَلَّقِهِمَا) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ مُتَعَلَّقِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (مَجَازٌ) لِانْتِفَاءِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِيهِ وَالْعَلَاقَةُ الْمُشَابَهَةُ فِي التَّعَدِّي مِنْ أَمْرٍ أَصْلِيٍّ إلَى أَمْرٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ (وَيَجْمَعُهَا) أَيْ الْعَلَاقَاتِ (قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ اتِّصَالُ) بَيْنَهُمَا (صُورَةٍ أَوْ مَعْنًى) لِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنْ الصُّوَرِ لَهُ صُورَةٌ وَمَعْنَى لَا ثَالِثَ لَهُمَا فَلَا يُتَصَوَّرُ الِاتِّصَالُ بِوَجْهٍ ثَالِثٍ انْتَهَى (زَادَ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ (فِي الصُّورِيِّ) أَيْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ اتِّصَالُ صُورَةٍ (لَا تَدْخُلُهُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فَانْدَفَعَ) بِهَذَا (لُزُومُ إطْلَاقِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ عَلَى بَعْضٍ) فَإِنَّ اتِّصَالَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ يَدْخُلُهُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ لَهَا حَتَّى صَحَّ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْمَجْمُوعِ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَنَحْوُهُ (وَلَمْ يُحَقِّقُوا عَلَاقَةَ التَّغْلِيبِ) حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ: وَأَمَّا بَيَانُ مَجَازِيَّةِ التَّغْلِيبِ وَالْعَلَاقَةِ فِيهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَيِّ أَنْوَاعِهِ فَمَا لَمْ أَرَ أَحَدًا حَامَ حَوْلَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَعَلَّهَا فِي الْعُمَرَيْنِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (الْمُشَابَهَةُ سِيرَةٌ وَخُصُوصُ الْمُغَلَّبِ لِلْخِفَّةِ) فَإِنَّ لَفْظَ عُمَرَ أَخَفُّ مِنْ لَفْظِ أَبِي بَكْرٍ (وَهُوَ) أَيْ تَغْلِيبُ لَفْظِ عُمَرَ عَلَى لَفْظِ أَبِي بَكْرٍ (عَكْسُ التَّشْبِيهِ) أَصَالَةً وَهُوَ إلْحَاقُ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ دُونَهُ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ فَإِنَّ الْمُشَبَّهَ فِي الْوَاقِعِ عُمَرُ وَالْمُشَبَّهَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ (وَفِي الْقَمَرَيْنِ الْإِضَاءَةُ وَالْخُصُوصُ) أَيْ وَتَغْلِيبُ خُصُوصِ لَفْظِ الْقَمَرِ عَلَى لَفْظِ الشَّمْسِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الشَّمْسِ أَخَفَّ (لِلتَّذْكِيرِ) أَيْ لِتَذْكِيرِ الْقَمَرِ وَتَأْنِيثِ الشَّمْسِ فَإِنَّ الْمُذَكَّرَ أَخَفُّ (مَعْكُوسًا) أَيْ عُكِسَ التَّشْبِيهُ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُشَبَّهَ فِي الْوَاقِعِ الْقَمَرُ وَالْمُشَبَّهَ بِهِ الشَّمْسُ (وَأَمَّا الْخَافِقَانِ فَلَا تَغْلِيبَ) فِيهِ (عَلَى أَنَّهُ لِلضِّدَّيْنِ وَقَدْ نُقِلَ) فَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْخَافِقَانِ أُفُقَا الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَخْفِقَانِ فِيهِمَا أَيْ يَضْطَرِبَانِ وَهُوَ مَعْنَى مَا قِيلَ هُمَا الْهَوَاءَانِ الْمُحِيطَانِ بِجَانِبَيْ الْأَرْضِ جَمِيعًا. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هُمَا طَرَفُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْخَافِقَ حَقِيقَةً فِي الْمَغْرِبِ مِنْ خَفَقَتْ النُّجُومُ إذَا غَابَتْ أَوْ فِي الْمَشْرِقِ لِأَنَّهُ تَخْفِقُ مِنْهُ الْكَوَاكِبُ أَيْ تَلْمَعُ فَقَدْ غَلَّبَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَأَيَّامًا كَانَ فَيَحْتَاجُ إلَى عَلَاقَةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهَا. (تَنْبِيهٌ يُقَالُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى غَيْرِ الْمُفْرَدِ بِالِاشْتِرَاكِ الْعُرْفِيِّ فَعَلَى الْإِسْنَادِ عِنْدَ قَوْمٍ) كَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ (وَعَلَى الْكَلَامِ عَلَى الْأَكْثَرِ) مِنْهُمْ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ وَالسَّكَّاكِيُّ (وَهُوَ) أَيْ وَصْفُ الْكَلَامِ بِهِمَا (أَقْرَبُ) مِنْ وَصْفِ الْإِسْنَادِ بِهِمَا وَيَأْتِي وَجْهُهُ قَرِيبًا وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَالْحَقِيقَةُ الْجُمْلَةُ الَّتِي أُسْنِدَ فِيهَا الْفِعْلُ أَوْ مَعْنَاهُ) مِنْ الْمَصْدَرِ وَاسْمَيْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَاسْمِ التَّفْضِيلِ وَالظَّرْفِ (إلَى مَا) أَيْ شَيْءٍ (هُوَ) أَيْ الْفِعْلُ أَوْ مَعْنَاهُ (لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الشَّيْءِ كَالْفَاعِلِ فِيمَا بُنِيَ لَهُ وَالْمَفْعُولُ فِيمَا بُنِيَ لَهُ نَحْوُ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا أَوْ ضُرِبَ عَمْرٌو فَإِنَّ الضَّارِبِيَّةَ لِزَيْدٍ وَالْمَضْرُوبِيّةَ لِعَمْرٍو بِخِلَافِ نَهَارُهُ صَائِمٌ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ لِلنَّهَارِ فَمَعْنَى كَوْنِهِ لَهُ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ بِهِ وَوَصْفٌ لَهُ وَحَقُّهُ أَنْ يُسْنَدَ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ صَدَرَ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ كَضَرَبَ أَوْ لَا كَمَاتَ (عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ) . وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِلَهُ أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ بِأَنْ يُفْهَمَ مِنْ ظَاهِرِ حَالِهِ أَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ مَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْكَلَامِ وَحِينَئِذٍ فَكَمَا يَدْخُلُ فِي التَّعْرِيفِ مَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ طَابَقَ الْوَاقِعَ أَوْ لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَا لَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ طَابَقَ الْوَاقِعَ أَوْ لَا كَقَوْلِك جَاءَ زَيْدٌ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ إذَا قَصَدْت تَرْوِيجَهُ

بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لِغَرَضٍ لَك فِيهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ اقْتَصَرَ فِي الْمِفْتَاحِ عَلَيْهِ وَظَهَرَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا حَاجَةَ إلَى فِي الظَّاهِرِ) كَمَا فِي التَّلْخِيصِ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا لَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ لِدُخُولِهِ بِدُونِهِ (لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ الْحَقِيقَةُ فِي نَفْسِهَا ثُمَّ الْحُكْمُ بِوُجُودِهَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ (بِدَلِيلِهِ) أَيْ الْوُجُودِ (غَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرُ الْحَقِيقَةِ فِي نَفْسِهَا نَعَمْ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ الْمُسْنَدُ فِعْلًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ نَحْوُ زَيْدٌ إنْسَانٌ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ عَبْدِ الْقَاهِرِ وَالسَّكَّاكِيِّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فَيَبْطُلُ عَكْسُهُ وَلَا مَحِيصَ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يُسَمَّى حَقِيقَةً كَمَا لَا يُسَمَّى مَجَازًا أَيْضًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. (وَالْمَجَازُ) الْجُمْلَةُ الَّتِي أُسْنِدَ فِيهَا الْفِعْلُ أَوْ مَعْنَاهُ (إلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ (لِمُشَابَهَةِ الْمُلَابَسَةِ) بَيْنَ الْفِعْلِ أَوْ مَعْنَاهُ وَبَيْنَ غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ وَعَلَى أَنَّهُمَا وَصْفُ الْإِسْنَادِ قَوْلُهُ (أَوْ الْإِسْنَادُ كَذَلِكَ) أَيْ إسْنَادُ الْفِعْلِ أَوْ مَعْنَاهُ إلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ وَإِسْنَادُ الْفِعْلِ أَوْ مَعْنَاهُ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لِمُشَابَهَةِ الْمُلَابَسَةِ (وَالْأَحْسَنُ فِيهِمَا مُرَكَّبٌ) نُسِبَ فِيهِ أَمْرٌ إلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لِمُشَابَهَةِ الْمُلَابَسَةِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُمَا وَصْفًا لِلْكَلَامِ (وَنِسْبَةٌ) لِأَمْرٍ إلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لِمُشَابَهَةِ الْمُلَابَسَةِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُمَا وَصْفًا لِلنِّسْبَةِ (لِيَدْخُلَ) الْمُرَكَّبُ (الْإِضَافِيُّ إنْبَاتَ الرَّبِيعِ) وَشِقَاقَ بَيْنِهِمَا وَمَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَغَيْرَ ذَلِكَ لِشُمُولِ النِّسْبَةِ النِّسْبَةَ التَّامَّةَ وَغَيْرَهَا بِخِلَافِ الْإِسْنَادِ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ وَهَذِهِ الْمُرَكَّبَاتُ لَا إسْنَادَ فِيهَا بِهَذَا الْمَعْنَى. ثُمَّ إنَّمَا قَالَ الْأَحْسَنُ لِإِمْكَانِ دَفْعِ إيرَادِ خُرُوجِ الْمُرَكَّبِ الْإِضَافِيِّ أَوْ النِّسْبَةِ الْإِضَافِيَّةِ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُرَكَّبِ الْإِسْنَادِيِّ وَمَا سِوَاهُ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهِ أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْنَادِ مُطْلَقُ النِّسْبَةِ هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كُلٌّ مِنْ هَذِهِ التَّعَارِيفِ لِلْمَجَازِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْمُتَكَلِّمُ قَاصِدًا بِهِ صُدُورَ الْكَذِبِ عَنْهُ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَادِقًا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجَازٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِاعْتِقَادِهِ بَلْ مُخَالِفٌ لِمَا عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ بِصَدَدِ تَرْوِيجِهِ بِمَا يُمْكِنُهُ فَلَا يَرْتَكِبُ فِيهِ تَأْوِيلًا أَصْلًا فَالْوَجْهُ زِيَادَةٌ بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّكَّاكِيُّ وَغَيْرُهُ لِئَلَّا يَصْدُقَ التَّعْرِيفُ عَلَيْهِ (وَيُسَمَّيَانِ) أَيْ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ وَهَذَا الْمَجَازُ (عَقْلِيَّيْنِ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي مَحَلِّهِ أَوْ مُجَاوِزٌ عَنْهُ هُوَ الْعَقْلُ لَا الْوَضْعُ. (وَوَجْهُ الْأَقْرَبِيَّةِ) أَيْ كَوْنِ قَوْلِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَى الْكَلَامِ أَقْرَبَ مِنْ قَوْلِهِمَا عَلَى الْإِسْنَادِ (اسْتِقْرَارُ أَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ بِهِمَا (لِلَّفْظِ وَالْمُرَكَّبِ) الْكُلِّيِّ (مَوْضُوعٌ لِلتَّرْكِيبِيِّ) أَيْ لِلْمَعْنَى التَّرْكِيبِيِّ وَضْعًا (نَوْعِيًّا تَدُلُّ أَفْرَادُهُ) أَيْ الْمُرَكَّبِ الْكُلِّيِّ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ الْمُعَيَّنَةِ عَلَى مَعَانِيهَا التَّرْكِيبِيَّةِ (بِلَا قَرِينَةٍ فَهِيَ) أَيْ أَفْرَادُهُ الَّتِي هِيَ الْمُرَكَّبَاتُ بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا الْمَذْكُورَةِ (حَقَائِقُ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِيهَا (فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ) الْمُرَكَّبُ (فِيمَا) أَيْ فِي الْمَعْنِيِّ (بِهَا) أَيْ بِالْقَرِينَةِ (فَمَجَازٌ) أَيْ فَذَلِكَ الْمُرَكَّبُ مَجَازٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنًى غَيْرِ وَضْعِيٍّ لَهُ بِالْقَرِينَةِ فَلَا يَنْهَضُ تَوْجِيهُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ اخْتِيَارَ كَوْنِهِمَا وَصْفًا لِلْإِسْنَادِ بِأَنَّ الْإِسْنَادَ يُنْسَبُ إلَى الْعَقْلِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالْكَلَامُ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْإِسْنَادَ مَنْسُوبٌ إلَى الْعَقْلِ عَلَى تَوْجِيهِ اخْتِيَارِ كَوْنِهِمَا وَصْفًا لِلْمُرَكَّبِ (وَالْأَوَّلَانِ) أَيْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فِي الْمُفْرَدِ (لُغَوِيَّيْنِ تَعْمِيمًا لِلُّغَةِ فِي الْعُرْفِ) فَيَشْمَلَانِ الْعُرْفِيَّيْنِ وَإِنَّمَا سُمِّيَا بِهِمَا لِأَنَّ صَاحِبَ وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَاضِعُ اللُّغَةِ وَاسْتِعْمَالِهَا فِي الْغَيْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَوْعِ حَقِيقَتِهَا (وَتُوصَفُ النِّسْبَةُ بِهِمَا) أَيْ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَيُقَالُ نِسْبَةُ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ. (وَتُنْسَبُ) النِّسْبَةُ إلَيْهِمَا (لِنِسْبَتِهَا) أَيْ نِسْبَةِ النِّسْبَةِ (إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ) فَيُقَالُ: نِسْبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَنِسْبَةٌ مَجَازِيَّةٌ (وَاسْتِبْعَادُهُ) أَيْ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ (بِاتِّحَادِ جِهَةِ الْإِسْنَادِ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إذْ لَيْسَ لِلْإِسْنَادِ جِهَتَانِ جِهَةُ الْحَقِيقَةِ وَجِهَةُ الْمَجَازِ كَالْأَسَدِ وَالْمَجَازُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَتَيْنِ (بَعِيدٌ إذْ لَا يَمْنَعُ اتِّحَادُهُ) أَيْ الْإِسْنَادِ (بِحَسَبِ الْوَضْعِ) اللُّغَوِيِّ (انْقِسَامَهُ) أَيْ الْإِسْنَادِ (عَقْلًا إلَى مَا هُوَ لِلْمُسْنَدِ إلَيْهِ) فَيَكُونُ إلَيْهِ حَقِيقَةً (وَمَا لَيْسَ لَهُ) فَيَكُونُ إلَيْهِ مَجَازًا وَإِنَّمَا يُنَافِيه اتِّحَادُ جِهَتِهِ بِحَسَبِ الْعَقْلِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ فَإِنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى مَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ مَحَلًّا لَهُ فِي الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ وَمُتَعَلِّقًا لَهُ فِي الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ وَيَرْتَضِيهِ وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْبَاهُ إلَّا بِتَأْوِيلٍ (ثُمَّ) .

مسألة الأسماء المستعملة لأهل الشرع من نحو الصلاة والزكاة

لَا يَمْنَعُ (وَضْعُ الِاصْطِلَاحِ) ذَلِكَ (وَالطَّرَفَانِ) أَيْ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ وَالْمُسْنَدُ وَالْمُضَافُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ فِي الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ (حَقِيقِيَّانِ كَأَشَابَ الصَّغِيرُ الْبَيْتَ) أَيْ أَشَابَ الصَّغِيرَ وَأَفْنَى الْكَبِيرَ كَرُّ الْغَدَاةِ وَمَرُّ الْعَشِيِّ يَعْنِي إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ قَائِلَهُ قَالَهُ عَنْ اعْتِقَادٍ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْإِشَابَةِ وَالْإِفْنَاءِ وَالْكَرِّ وَالْمَرِّ مُرَادٌ بِهِ حَقِيقَتُهُ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ قَالَهُ عَنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا مِنْهُمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا صَادِقًا وَكَوْنِهِ حَقِيقَةً كَاذِبَةً وَهُوَ لِلصَّلَتَانِ الْعَبْدِيِّ (أَوْ مَجَازَانِ كَأَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِك) . فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْيَاءِ السُّرُورُ وَبِالِاكْتِحَالِ الرُّؤْيَةُ وَكِلَاهُمَا مَجَازٌ عَنْهُمَا (أَوْ أَحَدِهِمَا) وَهُوَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ حَقِيقَةٌ وَالْآخَرُ وَهُوَ الْمُسْنَدُ مَجَازٌ نَحْوُ قَوْلِ الْجَاهِلِ أَحْيَا الرَّبِيعُ الْأَرْضَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالرَّبِيعِ حَقِيقَتُهُ وَبِإِحْيَائِهِ الْأَرْضَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِلْإِحْيَاءِ وَهُوَ تَهْيِيجُ الْقُوَى النَّامِيَةِ فِيهَا وَإِحْدَاثُ نَضَارَتِهَا بِأَنْوَاعِ النَّبَاتِ إذْ الْإِحْيَاءُ حَقِيقَةً إعْطَاءُ الْحَيَاةِ وَهِيَ صِفَةٌ تَقْتَضِي الْحِسَّ وَالْحَرَكَةَ الْإِرَادِيَّةَ أَوْ بِالْعَكْسِ نَحْوُ كَسَا الْبَحْرُ الْفَيَّاضَ الْكَعْبَةَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْبَحْرِ الْفَيَّاضِ الشَّخْصُ الْجَوَادُ وَهُوَ مَجَازِيٌّ لَهُ وَبِالْكُسْوَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ الْمَعْرُوفُ. (وَقَدْ يَرِدُ) الْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ (إلَى التَّجَوُّزِ بِالْمُسْنَدِ فِيمَا يَصِحُّ نِسْبَتُهُ) إلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِ (وَإِلَى كَوْنِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ اسْتِعَارَةً بِالْكِنَايَةِ كَالسَّكَّاكِيِّ وَلَيْسَ) هَذَا الْقَوْلُ (مُغْنِيًا) عَنْ الْقَوْلِ بِكَوْنِ الْإِسْنَادِ مَجَازِيًّا (لِأَنَّهَا) أَيْ الِاسْتِعَارَةَ بِالْكِنَايَةِ (إرَادَةُ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِلَفْظِ الْمُشَبَّهِ بِادِّعَائِهِ) أَيْ الْمُشَبَّهِ (مِنْ أَفْرَادِهِ) أَيْ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَيَدَّعِي أَنَّ اسْمَ الْمَنِيَّةِ مَثَلًا فِي مَخَالِبِ الْمَنِيَّةِ نَشِبَتْ بِفُلَانٍ اسْمٌ لِلسَّبُعِ مُرَادِفٌ لَهُ بِارْتِكَابِ تَأْوِيلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَنِيَّةَ تَدْخُلُ فِي جِنْسِ السِّبَاعِ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ فَالْمُرَادُ بِهَا السَّبُعُ بِادِّعَاءِ السَّبُعِيَّةِ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّكَّاكِيُّ (فَلَمْ يَخْرُجْ) الْإِسْنَادُ الْمَذْكُورُ (عَنْ كَوْنِ الْإِسْنَادِ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ) عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ فَيَكُونُ مَجَازًا عَقْلِيًّا. (وَقَدْ يُعْتَبَرُ) الْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ (فِي الْهَيْئَةِ التَّرْكِيبِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّلَبُّسِ الْفَاعِلِيِّ وَلَا مَجَازَ فِي الْمُفْرَدَاتِ) حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا الْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْ حَيْثُ أُسْنِدَ فِيهِ الْفِعْلُ إلَى غَيْرِ مَا يَقْتَضِي الْعَقْلُ إسْنَادَهُ إلَيْهِ تَشْبِيهًا بِالْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ بِأَنْ شَبَّهَ التَّلَبُّسَ الْغَيْرَ الْفَاعِلِيَّ بِالتَّلَبُّسِ الْفَاعِلِيِّ فَاسْتَعْمَلَ فِيهِ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِإِفَادَةِ التَّلَبُّسِ الْفَاعِلِيِّ (فَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَجَازُ (اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ) وَهِيَ اسْتِعَارَةُ وَصْفِ إحْدَى صُورَتَيْنِ مُنْتَزَعَتَيْنِ مِنْ أُمُورٍ لِوَصْفِ الْأُخْرَى فَمَثَلًا إذَا شَبَّهْت تَرَدُّدَ الْمُفْتِي فِي حُكْمٍ بِصُورَةِ تَرَدُّدِ مَنْ قَامَ لِيَذْهَبَ وَقُلْت: أَرَاك أَيُّهَا الْمُفْتِي تُقَدِّمُ رِجْلًا وَتُؤَخِّرُ أُخْرَى لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ فِي تُقَدِّمُ وَتُؤَخِّرُ رِجْلًا اسْتِعَارَةٌ إذْ لَمْ يَقَعْ بِهَذَا التَّجَوُّزِ تَصَرُّفٌ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حَقَائِقِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا قَبْلَ الِاسْتِعَارَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَجْمُوعِهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّجَوُّزُ فِي مَجْمُوعِ ذَلِكَ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ بِاعْتِبَارِ انْتِزَاعِ صُورَةٍ مِنْهُ وَتَشْبِيهِهَا بِصُورَةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا وَادِّعَاءِ دُخُولِ الْأُولَى فِي جِنْسِ الْأُخْرَى رَوْمًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى الصُّورَةِ الْمُشَبَّهَةِ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ الدَّالُ عَلَى الصُّورَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا (وَلَمْ يَقُولُوهُ) أَيْ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ هَذَا (هُنَا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (فَإِنَّمَا هِيَ) أَيْ هَذِهِ الْإِرَادَاتُ الْمَجَازِيَّةُ (اعْتِبَارَاتٌ) وَتَصَرُّفَاتٌ عَقْلِيَّةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ (قَدْ يَصِحُّ الْكُلُّ فِي مَادَّةٍ وَقَدْ لَا) يَصِحُّ الْكُلُّ فِيهَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي خُصُوصِهَا بَعْضُهَا (فَلَا حَجْرَ) فِيهَا لِأَنَّ الْمَجَازَ يَكْفِي فِيهِ الْعَلَاقَةُ الْمُعْتَبَرُ نَوْعُهَا وَلَا يُجْبَرُ الِاسْتِعْمَالُ وَالتَّرْكِيبُ الْوَاحِدُ مِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّجَوُّزِ فِيهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْهَا وَمِنْ ثَمَّةَ اعْتَبَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ الْمَجَازَ فِي قَوْله تَعَالَى {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة: 7] مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ الْأَسْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَةَ لِأَهْلِ الشَّرْعِ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ] (مَسْأَلَةٌ لَا خِلَافَ أَنَّ) الْأَسْمَاءَ (الْمُسْتَعْمَلَةَ لِأَهْلِ الشَّرْعِ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) فِي غَيْرِ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ (حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٍ يَتَبَادَرُ مِنْهَا مَا عُلِمَ) لَهَا مِنْ مَعَانِيهَا الْمَذْكُورَةِ (بِلَا قَرِينَةٍ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَيَكُونُ مَنْقُولًا أَوْ لَا فَيَكُونُ مُبْتَدَأً (بَلْ) الْخِلَافُ (فِي أَنَّهَا) أَيْ الْأَسْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَةَ لِأَهْلِ الشَّرْعِ فِي الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ حَقِيقَةً (عُرْفِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِهِمْ إيَّاهَا لِتِلْكَ

الْمَعَانِي فَهِيَ فِي تَخَاطُبِهِمْ تَدُلُّ عَلَيْهَا بِلَا قَرِينَةٍ وَأَمَّا الشَّارِعُ فَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَهَا فِيهَا مَجَازًا عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ فَلَا تُحْمَلُ عَلَيْهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ (أَوْ) حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ (بِوَضْعِ الشَّارِعِ) حَتَّى أَنَّهَا فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِهِمْ تَدُلُّ عَلَيْهَا بِلَا قَرِينَةٍ (فَالْجُمْهُورُ) الْوَاقِعُ (الثَّانِي) أَيْ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الثَّانِي (يُحْمَلُ كَلَامُهُ) أَيْ الشَّارِعُ. وَكَلَامُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَمَنْ يُخَاطَبُ بِاصْطِلَاحِهِمْ أَيْضًا إذَا وَقَعَتْ مُجَرَّدَةً عَنْ الْقَرَائِنِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْهُ وَمِنْهُمْ (وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ) الْوَاقِعُ (الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ لِلْمُتَشَرِّعَةِ لَا لِلشَّارِعِ (فَعَلَى اللُّغَوِيِّ) يُحْمَلُ إذَا وَقَعَتْ فِي كَلَامِهِ مُحْتَمِلَةً لِلُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ (إلَّا بِقَرِينَةٍ) تُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ لِزَعْمِهِ أَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ عَلَى مَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ وَسَيَأْتِي مَا يُوَافِقُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ كَمَا يُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَأَشَارَ هُنَا إلَى إنْكَارِهِ بِقَوْلِهِ (وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَوْنَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ مُسْتَعْمَلَةً (لِلْأَفْعَالِ) الْمَعْلُومَةِ شَرْعًا (فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ وَأَشْهَرُ) أَيْ وَإِنَّهُ مَجَازٌ أَشْهَرُ مِنْ الْحَقِيقَةِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْمُصَنِّفُ: إذْ لَا شَكَّ فِي اشْتِهَارِهِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فِي الْمَعَانِي الْخَاصَّةِ قَبْلَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَجَازَاتٍ حِينَ ابْتِدَاءِ اسْتِعْمَالِهَا لَكِنَّهَا صَارَتْ فِيهَا أَشْهُرُ مِنْهَا فِي الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ (وَهُمْ) أَيْ الْقَاضِي وَالْجُمْهُورُ (يُقَدِّمُونَهُ) أَيْ الْمَجَازَ الْأَشْهَرَ مِنْ الْحَقِيقَةِ (عَلَى الْحَقِيقَةِ) فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اللُّغَوِيِّ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ إذَا وَقَعَ فِي لَفْظِهِ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَتَرَتَّبُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ اللُّغَوِيِّ عَلَى كَوْنِهَا مَجَازَاتٍ فِي اسْتِعْمَالِهِ؟ قُلْت: لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَجَازَاتٍ لَا يُحْكَمُ بِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَعَهَا فِي اسْتِعْمَالِهِ وَالْفَرْضُ أَنْ لَا نَقْلَ لَزِمَ حَمْلُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَحُكِمَ بِأَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا حَقَائِقَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فِي الْمَعَانِي الْخَاصَّةِ لَزِمَ كَوْنُهَا مَجَازًا فِي اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا وَأُنْكِرَ كَوْنُ قَوْلِ الْقَاضِي إنَّ الشَّارِعَ اسْتَعْمَلَهَا فِي حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ لِاسْتِبْعَادِ أَنْ يَقُولَ عَالِمٌ إنَّ قَوْله تَعَالَى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] مَعْنَاهُ أَقِيمُوا الدُّعَاءَ. ثُمَّ شَرَطَ فِيهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي هِيَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَتَكُونُ خَارِجَةً عَنْ الصَّلَاةِ شَرْطًا كَالْوُضُوءِ وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ هَذَا عَنْهُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمَحْصُولِ وَحَكَمَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِنَفْيِهِ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِدْلَالُ الْآتِي الْمُتَضَمِّنُ كَوْنَهَا فِي الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ وَالزِّيَادَاتِ شُرُوطٌ مِنْ الْتِزَامِ النَّافِينَ عَنْهُ وَأَيْضًا (فَمَا قِيلَ) أَيْ قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ (الْحَقُّ أَنَّهَا مَجَازَاتٌ) لُغَوِيَّةٌ (اُشْتُهِرَتْ يَعْنِي فِي لَفْظِ الشَّارِعِ) لَا مَوْضُوعَاتٌ مُبْتَدَأَةٌ لَيْسَ قَوْلًا آخَرَ بَلْ هُوَ (مَذْهَبُ الْقَاضِي) بِعَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ إذْ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الِاشْتِهَارِ بَعْدَ تَجَوُّزِ الشَّارِعِ بِاللَّفْظِ (وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ) وِفَاقًا لِأَخِيهِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ (بِأَنَّهَا أَيْ الصَّلَاةَ اسْمٌ لِلدُّعَاءِ سَمَّى بِهَا عِبَادَةً مَعْلُومَةً لِمَا أَنَّهَا) أَيْ الصَّلَاةَ (شُرِعَتْ لِلذِّكْرِ) أَيْ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِنُعُوتِ جَلَالِهِ وَصِفَاتِ كَمَالِهِ قَالَ تَعَالَى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] . قِيلَ: أَيْ لِتَذْكُرَنِي فِيهَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ فِي أَرْكَانِهَا فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ وَكُلُّ دُعَاءٍ ذِكْرٌ لِأَنَّ الدُّعَاءَ ذِكْرُ الْمَدْعُوِّ لِطَلَبِ أَمْرٍ مِنْهُ فَسُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ الْمَعْلُومَةُ بِهَا مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ (يُرِيدُ مَجَازًا لُغَوِيًّا هُجِرَتْ حَقَائِقُهَا أَيْ مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةُ لُغَةً فَلَيْسَ) قَوْلُهُ (مَذْهَبًا آخَرَ) غَيْرَ الْمَذْهَبَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ (كَالْبَدِيعِ) أَيْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَدِيعِ بَلْ هُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شَارِحِي الْبَزْدَوِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ اسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ صَيَّرَتْهَا كَالْحَقَائِقِ لَا أَنَّهَا حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ (لَنَا) عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِوَضْعِ الشَّارِعِ (الْقَطْعُ بِفَهْمِ الصَّحَابَةِ قَبْلَ حُدُوثِ الِاصْطِلَاحَاتِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهُوَ ظَرْفٌ لِفَهْمِ الصَّحَابَةِ وَمَفْعُولُهُ (ذَلِكَ) أَيْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ لَهَا (وَهُوَ) أَيْ فَهْمُهُمْ ذَلِكَ (فَرَّعَهُ) أَيْ فَرَّعَ الْوَضْعَ لَهَا (نَعَمْ لَا بُدَّ أَوَّلًا مِنْ نَصْبِ قَرِينَةِ النَّقْلِ) دَفْعًا لِتَبَادُرِ اللُّغَوِيِّ (فَمَدَارُ التَّوْجِيهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَزِمَ تَقْدِيرُ قَرِينَةِ غَيْرِ اللُّغَوِيِّ فَهَلْ الْأَوْلَى تَقْدِيرُهَا

قَرِينَةَ تَعْرِيفِ النَّقْلِ أَوْ الْمَجَازِ. وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ) أَيْ تَقْدِيرُ قَرِينَةِ غَيْرِ اللُّغَوِيِّ قَرِينَةَ تَعْرِيفِ النَّقْلِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (إذْ عُلِمَ اسْتِمْرَارُهُ) أَيْ الشَّارِعُ (عَلَى قَصْدِهِ) أَيْ الشَّرْعِيِّ (مِنْ اللَّفْظِ أَبَدًا إلَّا لِدَلِيلٍ) فَإِنَّ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى ذَلِكَ أَمَارَةُ نَسْخِ إرَادَةِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَعْنَى النَّقْلِ (وَالِاسْتِدْلَالُ) لِلْمُخْتَارِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ (بِالْقَطْعِ بِأَنَّهَا) أَيْ الصَّلَاةَ فِي الشَّرْعِ مَوْضُوعَةٌ (لِلرَّكَعَاتِ وَهُوَ) أَيْ وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا لَهَا فِي الشَّرْعِ هُوَ (الْحَقِيقَةُ) الشَّرْعِيَّةُ (لَا يُفِيدُ) إثْبَاتَ الْمُخْتَارِ (لِجَوَازِ) كَوْنِهَا مَجَازًا فِيهَا ثُمَّ (طَرُّوهُ) أَيْ الْقَطْعُ بِذَلِكَ (بِالشُّهْرَةِ) أَيْ بِشُهْرَتِهَا فِيهَا شَرْعًا (أَوْ بِوَضْعِ أَهْلِ الشَّرْعِ) إيَّاهَا لَهَا (قَالُوا) أَيْ الْقَاضِي وَمُوَافِقُوهُ أَوَّلًا (إذَا أَمْكَنَ عَدَمُ النَّقْلِ تَعَيَّنَ وَأَمْكَنَ) عَدَمُ النَّقْلِ (بِاعْتِبَارِهَا) بَاقِيَةً (فِي اللُّغَوِيَّةِ وَالزِّيَادَاتِ) الَّتِي جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا (شُرُوطُ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى شَرْعًا. وَهَذَا) الدَّلِيلُ جَارٍ (عَلَى غَيْرِ مَا حَرَّرْنَا عَنْهُ) أَيْ الْقَاضِي مِنْ أَنَّهَا مَجَازٌ أَشْهُرُ مِنْ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ (مُخْتَرَعٌ بِاخْتِرَاعِ أَنَّهُ) أَيْ الْقَاضِيَ (قَائِلٌ بِأَنَّهَا) مُسْتَعْمَلَةٌ (فِي حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ) وَتَقَدَّمَ النَّظَرُ فِيهِ قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ لِلْقَاضِي قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْآخَرُ هَذَا وَقَالَ: قَالَ الْإِمَامُ وَأَمَّا الْقَاضِي فَاسْتَمَرَّ عَلَى لَجَاجٍ ظَاهِرٍ فَقَالَ: الصَّلَاةُ الدُّعَاءُ وَالْمُسَمَّى بِهَا فِي الشَّرْعِ هُوَ الدُّعَاءُ لَكِنْ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ وُقُوعِ أَفْعَالٍ وَأَحْوَالٍ وَطَرَدَ ذَلِكَ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي فِيهَا الْكَلَامُ فَإِذَا صَحَّ هَذَا عَنْ الْقَاضِي فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ (وَأُجِيبَ بِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ (عَدَمَ السُّقُوطِ) لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِ (بِلَا دُعَاءٍ لِافْتِرَاضِهِ) أَيْ الدُّعَاءِ (بِالذَّاتِ وَ) بِاسْتِلْزَامِهِ (السُّقُوطَ) لَهَا عَنْ ذِمَّتِهِ (بِفِعْلِ الشَّرْطِ) الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى اللُّغَوِيِّ فَقَطْ (مُطَّرِدًا) أَيْ دَائِمًا (فِي الْأَخْرَسِ الْمُنْفَرِدِ) لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ اللُّغَوِيُّ وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ إلَّا أَنَّ السُّبْكِيَّ قَالَ: وَلَك مَنْعُ كَوْنِ الْأَخْرَسِ لَيْسَ بِدَاعٍ إذْ الدُّعَاءُ هُوَ الطَّلَبُ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ وَذَلِكَ يُوجَدُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَبِأَنَّ الدُّعَاءَ لَيْسَ مُلَازِمًا لِلصَّلَاةِ اهـ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى) هَذَا التَّوْجِيهُ (فِي بَعْضِهَا) أَيْ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لُغَةُ النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ وَشَرْعًا تَمْلِيكُ قَدْرٍ مَخْصُوصٍ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ لِشَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ (قَالُوا) أَيْ الْقَاضِي وَمُوَافِقُوهُ ثَانِيًا (لَوْ نَقَلَهَا) أَيْ الشَّارِعُ الْأَسْمَاءَ عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ إلَى غَيْرِهَا (فَهَّمَهَا) أَيْ الْمَعَانِيَ الْمَنْقُولَةَ (لَهُمْ) أَيْ لِلصَّحَابَةِ لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِمَا تَضَمَّنَتْهَا وَالْفَهْمُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ (وَلَوْ وَقَعَ) التَّفْهِيمُ (نُقِلَ) إلَيْنَا لِأَنَّنَا مُكَلَّفُونَ بِهِ أَيْضًا (وَلَزِمَ تَوَاتُرُهُ) أَيْ النَّقْلِ (عَادَةً) لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَإِلَّا لَمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي النَّقْلِ (وَالْجَوَابُ الْقَطْعُ بِفَهْمِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ الْمَعَانِيَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْهَا (كَمَا ذَكَرْنَا) صَدْرَ الِاسْتِدْلَالِ (وَفَهْمُنَا) أَيْ وَالْقَطْعُ بِفَهْمِنَا تِلْكَ الْمَعَانِيَ أَيْضًا مِنْهَا (وَبَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لَا يَلْزَمُ تَعْيِينُ طَرِيقِهِ وَلَوْ الْتَزَمْنَاهُ) أَيْ تَعْيِينَ طَرِيقِهِ (جَازَ) أَنْ يَكُونَ التَّفْهِيمُ (بِالتَّرْدِيدِ) أَيْ بِمَعُونَةِ التَّكْرَارِ (بِالْقَرَائِنِ) أَيْ مَعَهَا (كَالْأَطْفَالِ) يَتَعَلَّمُونَ اللُّغَاتِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ لَهُمْ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى بَلْ إذَا رُدِّدَ اللَّفْظُ وَكُرِّرَ يَحْفَظُونَهُ وَيَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ بِالْقَرِينَةِ (أَوْ) جَازَ أَنْ يَكُونَ (أَصْلُهُ) أَيْ التَّفْهِيمِ (بِإِخْبَارِهِ) أَيْ الشَّارِعِ (ثُمَّ اسْتَغْنَى عَنْ إخْبَارِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (لِمَنْ يَلِيهِمْ أَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ لِحُصُولِ الْقَصْدِ) بِدُونِهِ لِلشُّهْرَةِ الْمُوجِبَةِ لِتَبَادُرِهَا مِنْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (قَالُوا) أَيْ الْقَاضِي وَمُوَافِقُوهُ ثَالِثًا (لَوْ نُقِلَتْ) الْأَسْمَاءُ عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ إلَى الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ (كَانَتْ) الْأَسْمَاءُ الْمَنْقُولَةُ إلَيْهَا (غَيْرَ عَرَبِيَّةٍ لِأَنَّهُمْ) أَيْ الْعَرَبَ (لَمْ يَضَعُوهَا وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقُرْآنُ عَرَبِيًّا) لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهَا وَمَا بَعْضُهُ عَرَبِيٌّ دُونَ بَعْضٍ لَا يَكُونُ كُلُّهُ عَرَبِيًّا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] (أُجِيبَ) بِالْمَنْعِ وَالْقَوْلُ (بِأَنَّهَا عَرَبِيَّةٌ إذْ وَضْعُ الشَّارِعِ لَهَا يُنْزِلُهَا مَجَازَاتٍ لُغَوِيَّةً وَيَكْفِي فِي الْعَرَبِيَّةِ) أَيْ فِي كَوْنِ الْأَلْفَاظِ عَرَبِيَّةً (كَوْنُ اللَّفْظِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ (وَالِاسْتِعْمَالُ عَلَى شَرْطِهَا) أَيْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَضَعُوا عَيْنَ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي كَوْنِهَا عَرَبِيَّةً (لَمْ يُخِلَّ) كَوْنُهَا عَرَبِيَّةً (بِعَرَبِيَّتِهِ) أَيْ

الْقُرْآنِ (إمَّا لِكَوْنِ الضَّمِيرِ) فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] (لَهُ) أَيْ لِلْقُرْآنِ (وَهُوَ) أَيْ الْقُرْآنُ (مِمَّا يَصْدُقُ الِاسْمُ) أَيْ اسْمُهُ (عَلَى بَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ مُسَمَّاهُ (كَكُلِّهِ كَالْعَسَلِ) فَإِنَّهُ كَمَا يَصْدُقُ الْعَسَلُ عَلَى الْقَلِيلِ مِنْهُ وَالْكَثِيرِ يَصْدُقُ الْقُرْآنُ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ وَعَلَى جَمِيعِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَ جُزْءًا مِنْهُ حَنِثَ لِمُشَارَكَةِ الْجُزْءِ الْكُلَّ فِي الِاتِّفَاقِ فِي الْحَقِيقَةِ فَيَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ الْقُرْآنُ وَيُرَادُ بِهِ بَعْضُهُ وَلَا رَيْبَ فِي كَوْنِهِ عَرَبِيًّا (بِخِلَافِ الْمِائَةِ وَالرَّغِيفِ) مِمَّا لَا يُشَارِكُ الْجُزْءُ الْكُلَّ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ فِيهِ الِاسْمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْكُلِّ وَالْجُزْءِ حَقِيقَةً فَلَا يُطْلَقُ الِاسْمُ وَيُرَادُ بِهِ الْجُزْءُ حَقِيقَةً (أَوْ) لِكَوْنِ الضَّمِيرِ (لِلسُّورَةِ) بِاعْتِبَارِ الْمُنْزَلِ أَوْ الْمَذْكُورِ أَوْ الْقُرْآنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَآلَ هَذَيْنِ فِي الْمَعْنَى وَاحِدٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا سِوَى أَنَّ عَلَى هَذَا الضَّمِيرَ لِبَعْضٍ مُعَيَّنٍ هُوَ السُّورَةُ وَعَلَى الْأَوَّلِ الضَّمِيرُ لِبَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ السُّورَةَ أَوْ غَيْرَهَا وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَمَا يُطْلَقُ مُرَادًا بِهِ الْمَفْهُومُ الْكُلِّيُّ الصَّادِقُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُ وَعَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرْنَا يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَجْمُوعُ الشَّخْصِيُّ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إرَادَتُهُ فِي كَلَامِ إطْلَاقٍ لِيَنْدَفِعَ بِهِ كُلٌّ مِنْ التَّوْجِيهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هَذَا وَابْنُ الْحَاجِبِ إنَّمَا أَجَابَ أَوَّلًا بِأَنَّ الضَّمِيرَ لِلسُّورَةِ ثُمَّ تَنَزَّلَ إلَى أَنَّهُ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لِلْقُرْآنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا بِوُقُوعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِيهِ إذْ يَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِ الْعَرَبِيِّ عَلَى مَا غَالِبُهُ عَرَبِيٌّ مَجَازًا كَشِعْرٍ فِيهِ فَارِسِيٌّ وَعَرَبِيٌّ أَكْثَرُ مِنْهُ وَإِطْلَاقُ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْقُرْآنِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ حَقِيقَةً فِيهِ غَايَتُهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنْ يُقَالَ الْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ لَكِنَّ الْمَجَازَ قَدْ يُرْتَكَبُ لِلدَّلِيلِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى كَوْنِهَا حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً (وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ سَمَّوْا قِسْمًا مِنْ) الْحَقَائِقِ (الشَّرْعِيَّةِ) حَقِيقَةً (دِينِيَّةً وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الدِّينِ وَعَدَمِهِ اتِّفَاقًا كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالْمُؤْمِنِ) وَالْكَافِرِ (بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ) أَيْ مَا هِيَ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَارِحِ فَإِنَّ فِيهَا خِلَافًا (كَالصَّلَاةِ وَالْمُصَلِّي وَلَا مُشَاحَّةَ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْإِيمَانَ) عَلَى قَوْلِهِمْ (الدِّينُ لِأَنَّهُ) أَيْ الدِّينَ اسْمٌ (لِمَجْمُوعِ التَّصْدِيقِ الْخَاصِّ) الْقَلْبِيِّ بِكُلِّ مَا عُلِمَ مَجِيءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ضَرُورَةً (مَعَ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] بَعْدَ ذِكْرِ الْأَعْمَالِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى {وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [البينة: 5] فَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى الْمَذْكُورِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة: 5] عَلَى أَنَّهَا لِلْعُمُومِ لِأَنَّ يَعْبُدُوا فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ إلَى الضَّمِيرِ لِكَوْنِهِ مَنْصُوبًا بِأَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَامِ كَيْ وَالْمَصْدَرُ الْمُضَافُ إلَى الْمَعْرِفَةِ يُفِيدُ الْعُمُومَ فَيَكُونُ يَعْبُدُوا فِي مَعْنَى عِبَادَاتِهِمْ وَتَذْكِيرُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِاعْتِبَارِ لَفْظِ أَنْ يَعْبُدُوا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ {وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [البينة: 5] مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4] وَقَدْ تَعَلَّقَ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ لِلْوُجُوبِ بِهَا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ دِينُ الْمِلَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى اعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ فِي مُسَمَّاهُ) أَيْ الدِّينِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ (فَنَاسَبَ تَمْيِيزَ الِاسْمِ الْمَوْضُوعِ لَهُ) أَيْ لِلتَّصْدِيقِ الْخَاصِّ (شَرْعًا بِالدِّينِيَّةِ وَهَذِهِ) الْمُنَاسَبَةُ (عَلَى رَأْيِهِمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ (فِي اعْتِبَارِ الْأَعْمَالِ جُزْءُ مَفْهُومِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ (وَعَلَى) رَأْيِ (الْخَوَارِجِ) الْمُنَاسَبَةُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ (أَظْهَرُ) مِنْهَا عَلَى رَأْيِ الْمُعْتَزِلَةِ لِجَعْلِ الْمُعْتَزِلَةِ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ وَجَعْلِ الْخَوَارِجِ مُرْتَكِبَهَا كَافِرًا (وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنِ الْأَعْمَالِ جُزْءَ مَفْهُومِ الْإِيمَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا (نَفْيُهَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ الدِّينِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي مَا يُصْلَحُ مُنَاسَبَةً لِوَضْعِ الِاصْطِلَاحِ (إذْ يَكْفِي أَنَّهَا) أَيْ الدِّينِيَّةَ (اسْمٌ لِأُصَلِّ الدِّينِ وَأَسَاسِهِ أَعْنِي التَّصْدِيقَ فَظَهَرَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي إثْبَاتِ نَفْيِ أَنَّهَا مِنْهُ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ (يَخْرُجُ إلَى فَنٍّ آخَرَ) أَيْ عِلْمِ الْكَلَامِ (وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ (مَطْلُوبٌ أُصُولِيٌّ بَلْ اصْطِلَاحِيٌّ وَفِي غَرَضٍ سَهْلٍ وَهُوَ إثْبَاتُ مُنَاسَبَةِ تَسْمِيَةٍ اصْطِلَاحِيَّةٍ لَا يُفِيدُ نَفْيُهَا فَعَلَى الْمُحَقِّقِ تَرْكُهُ) وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ تَعَرَّضَ لَهُ (تَتِمَّةً كَمَا يُقَدَّمُ الشَّرْعِيُّ فِي لِسَانِهِ) .

مسألة الموضوع قبل الاستعمال ليس حقيقة ولا مجازا

أَيْ خِطَابِ الشَّارِعِ (عَلَى مَا سَلَفَ) أَيْ اللُّغَوِيِّ (كَذَا الْعُرْفِيُّ فِي لِسَانِهِمْ) أَيْ أَهْلِ الْعُرْفِ خَاصًّا كَانَ أَوْ عَامًّا يُقَدَّمُ عَلَى اللُّغَوِيِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْهُمْ (فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا كَانَ) الْبَيْضُ (ذَا الْقِشْرِ) فَفِي الْمَبْسُوطِ فَهُوَ عَلَى بَيْضِ الطَّيْرِ مِنْ الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَدْخُلُ بَيْضُ السَّمَكِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهَذَا بَيْضُ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ بَيْضَ الدُّودِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَيْضِ وَيُؤْكَلُ عَادَةً وَهُوَ كُلُّ بَيْضٍ لَهُ قِشْرٌ كَبِيضِ الدَّجَاجِ وَنَحْوِهَا (فَيَدْخُلُ النَّعَامُ) أَيْ بِيضُهُ بَلْ كَمَا قَالَ فِي الْكَشْفِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمَ سِوَى الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ كَبَيْضِ النَّعَامِ وَالْحَمَامِ وَسَائِرِ الطُّيُورِ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ فِي أُصُولِهِ يَتَنَاوَلُ يَمِينُهُ بَيْضَ الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ خَاصَّةً لِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْلِ عُرْفًا وَلَا يَتَنَاوَلُ بَيْضَ الْحَمَامِ وَالْعُصْفُورِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَوَافَقَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ وَحَيْثُ كَانَ الْمُوجِبُ لِلِاخْتِصَاصِ اخْتِصَاصَ التَّعَارُفِ بِذَلِكَ فَيَدُورُ ذَلِكَ مَعَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِمَّا يَخْتَلِفُ فَلَا رَيْبَ فِي اخْتِلَافِ الْجَوَابِ بِاخْتِلَافِهِ (أَوْ) لَا يَأْكُلُ (طَبِيخًا فَمَا طَبَخَ مِنْ اللَّحْمِ فِي الْمَاءِ وَمَرَقِهِ) أَيْ فَيَمِينُهُ عَلَيْهِمَا لِلْعُرْفِ فَيَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا وَلَا يَحْنَثُ بِمَا طَبَخَ قَلِيَّةً يَابِسَةً مِنْ اللَّحْمِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ نَعَمْ فِي الْخُلَاصَةِ يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ إذَا طُبِخَ بِوَدَكٍ لِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا إلَّا بِمَا يُطْبَخُ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ وَإِذَا كَانَ الْمَدَارُ تَعَارُفَ تَسْمِيَتِهِ طَبِيخًا فَفِي عُرْفِنَا يُسَمَّى مَا يُطْبَخُ بِهِمَا طَبِيخًا وَلَا سِيَّمَا فِي عُرْفِ الْقَرَوِيِّينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِأَكْلِهِ أَيْضًا (أَوْ) لَا يَأْكُلُ (رَأْسًا فَمَا يُكْبَسُ) فِي التَّنَانِيرِ فِي عُرْفِ الْحَالِفِ وَيُبَاعُ فِيهِ مِنْ الرُّءُوسِ مَشْوِيًّا (بَقَرًا وَغَنَمًا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا غَيْرُ كَانَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَنِهِ آخِرًا وَإِبِلًا أَيْضًا عِنْدَهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَيْضًا كَانَ مُتَعَارَفًا لِأَهْلِ الْكُوفَةِ أَوَّلًا ثُمَّ تَرَكُوهُ دُونَهُمَا (وَلَوْ تُعُورِفَ الْغَنَمُ فَقَطْ تَعَيَّنَ) كَوْنُ الرَّأْسِ رَأْسَهَا كَمَا هُوَ مَحَلُّ قَوْلِهِمَا إنَّ يَمِينَهُ عَلَى رُءُوسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً لِمُشَاهَدَتِهِمَا اقْتِصَارَ أَهْلِ بَغْدَادَ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهَا فَالْخِلَافُ خِلَافُ زَمَانٍ لَا بُرْهَانٍ (أَوْ) لَا يَأْكُلُ (شِوَاءً خَصَّ اللَّحْمَ) فَلَا يَحْنَثُ بِالْمَشْوِيِّ مِنْ الْبَيْضِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ التَّعَارُفَ مُخْتَصٌّ بِهِ (وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ) فِي تَوْجِيهِ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ بِالْعُرْفِ (لِأَنَّ الْكَلَامَ مَوْضُوعٌ لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ وَحَاجَتِهِمْ فَيَصِيرُ الْمَجَازُ بِاسْتِعْمَالِهِمْ كَالْحَقِيقَةِ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْمَلِ) الْمَاضِي قَرِيبًا وَهُوَ أَنَّهُ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ مَهْجُورُ الْحَقِيقَةِ. [مَسْأَلَةٌ الْمَوْضُوعَ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَيْسَ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا] (مَسْأَلَةٌ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَوْضُوعَ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَيْسَ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا لِانْتِفَاءِ جِنْسِهِمَا) وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ (وَلَا) شَكَّ أَيْضًا (فِي عَدَمِ اسْتِلْزَامِ الْحَقِيقَةِ مَجَازًا) إذْ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ فِي مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ (وَاخْتُلِفَ فِي قَلْبِهِ) أَيْ اسْتِلْزَامِ الْمَجَازِ الْحَقِيقَةَ (وَالْأَصَحُّ نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ قَلْبِهِ (وَيَكْفِي فِيهِ) أَيْ فِي نَفْيِ اسْتِلْزَامِهِ إيَّاهَا (تَجْوِيزُ التَّجَوُّزِ بِهِ) أَيْ بِاللَّفْظِ لِمَا يُنَاسِبُهُ (بَعْدَ الْوَضْعِ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ) لَهُ فِي الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ (لَكِنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا بِوُقُوعِهِ) أَيْ الْمَجَازِ وَلَا حَقِيقَةَ (بِنَحْوِ شَابَتْ لُمَّةُ اللَّيْلِ) إذَا ظَهَرَتْ فِيهِ تَبَاشِيرُ الصُّبْحِ فَإِنَّ هَذَا مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ لَهُ (وَدُفِعَ) هَذَا الِاسْتِدْلَال دَفْعًا إلْزَامِيًّا (بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ) أَيْ كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُلْزَمَ بِهِ الْمُلْزِمُ يُمْكِنُ أَنْ يُلْزَمَ بِهِ النَّافِي (لِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ الْمَجَازِ (وَضْعًا) إذْ الْوَضْعُ لِلْمَجَازِ ثَابِتٌ اتِّفَاقًا وَقَطْعًا وَهَذَا الدَّلِيلُ يَنْفِيه بِأَنْ يُقَالَ لَوْ اسْتَلْزَمَ الْمَجَازُ الْوَضْعَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُرَكَّبُ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى مُتَحَقِّقٍ (وَالِاتِّفَاقُ أَنَّ الْمُرَكَّبَ لَمْ يُوضَعْ شَخْصِيًّا وَالْكَلَامُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ لِلْمُرَكَّبِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الدَّلِيلُ صَحِيحًا بِجَمِيعِ مُقَدَّمَاتِهِ (وَأَيْضًا إنْ اُعْتُبِرَ الْمَجَازُ فِيهِ) أَيْ فِي شَابَتْ لُمَّةُ اللَّيْلِ (فِي الْمُفْرَدِ) أَيْ فِي شَابَتْ حَيْثُ أُرِيدَ بِالشَّيْبِ هُنَا حُدُوثُ بَيَاضِ الصُّبْحِ فِي آخِرِ سَوَادِ اللَّيْلِ أَوْ فِي لُمَّةٍ بِأَنْ أُرِيدَ بِهَا سَوَادُ آخِرِ اللَّيْلِ وَهُوَ الْغَلَسُ (مَنَعْنَا عَدَمَ حَقِيقَةِ شَابَتْ أَوْ لُمَّةٍ) لِاسْتِعْمَالِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَهُمَا مِنْ بَيَاضِ الشَّعْرِ وَالشَّعْرِ الْمُجَاوِزِ لِشَحْمَةِ الْأُذُنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمُرَكَّبِ (أَوْ) اُعْتُبِرَ الْمَجَازُ فِيهِ (فِي نِسْبَتِهِمَا) أَيْ النِّسْبَةِ الْإِسْنَادِيَّةِ لِلشَّيْبِ إلَى اللُّمَّةِ وَالنِّسْبَةِ الْإِضَافِيَّةِ لِلُمَّةٍ إلَى اللَّيْلِ (فَلَيْسَ) الْمَجَازُ فِيهِمَا (النِّزَاعُ) لِأَنَّهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِهِ (وَأَمَّا مَنْعُ الثَّانِي) أَيْ الْمَجَازِ فِي النِّسْبَةِ (لِاتِّحَادِ جِهَةِ الْإِسْنَادِ) كَمَا قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ فِي تَنْبِيهٍ يُقَالُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى غَيْرِ الْمُفْرَدِ (فَغَيْرُ وَاقِعٍ لِمَا تَقَدَّمَ) هُنَاكَ

مسألة وقوع المجاز في اللغة والقرآن والحديث

وَأَوْضَحْنَاهُ فَلْيُرَاجَعْ (وَأَيْضًا الرَّحْمَنُ لِمَنْ لَهُ رِقَّةُ الْقَلْبِ وَلَمْ يُطْلَقْ) إطْلَاقًا (صَحِيحًا إلَّا عَلَيْهِ تَعَالَى) وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْوَصْفِ بِهَا (فَلَزِمَ) كَوْنُ إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (مَجَازًا بِلَا حَقِيقَةٍ) قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ صِفَاتٌ لَا أَعْلَامٌ أَمَّا إنْ جَعَلْنَاهَا أَعْلَامًا فَالْعَلَمُ لَا حَقِيقَةٌ وَلَا مَجَازٌ اهـ قُلْت وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِهِمْ كَالرَّازِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَأَنَّ التَّحْقِيقَ خِلَافُهُ وَعَلَيْهِ فَكَوْنُ إطْلَاقِ الرَّحْمَنِ عَلَى اللَّهِ مَجَازًا وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مِنْ الْأَعْلَامِ عَلَيْهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ الْأَوْجَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ مَعْنَى الرَّحْمَةِ فِي الْأَصْلِ رِقَّةُ الْقَلْبِ ظَاهِرٌ (بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ) أَيْ بَنِي حَنِيفَةَ فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ (رَحْمَنُ الْيَمَامَةِ) وَقَوْلُ شَاعِرِهِمْ وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانَا فَإِنَّهُ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ إطْلَاقًا صَحِيحًا بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ وَلِمُخَالَفَتِهِ اللُّغَةَ أَوْقَعَهُمْ فِيهَا لَجَاجُهُمْ فِي الْكُفْرِ وَأَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِهِ) أَيْ بِلَفْظِ رَحْمَنٍ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى مُسَيْلِمَةَ الْمَعْنَى (الْحَقِيقِيَّ مِنْ رِقَّةِ الْقَلْبِ) بَلْ أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا لَهُ مَا يَخْتَصُّ بِالْإِلَهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ أَثْبَتُوا لَهُ مَا يَخْتَصُّ بِالْأَنْبِيَاءِ وَهِيَ النُّبُوَّةُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: جَوَابُهُ عِنْدِي أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا الرَّحْمَنَ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلُوهُ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ فِي رَحْمَنِ الْيَمَامَةِ وَمُنَكَّرًا فِي لَا زِلْت رَحْمَانَا وَدَعْوَانَا إنَّمَا هِيَ فِي الْمُعَرَّفِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ (قَالُوا) أَيْ الْمُلْزِمُونَ (لَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ) الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ (انْتَفَتْ فَائِدَةُ الْوَضْعِ) لِأَنَّ فَائِدَتَهُ إفَادَةُ الْمَعَانِي الْمُرَكَّبَةِ فَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ لَمْ يَقَعْ فِي التَّرْكِيبِ فَتَنْتَفِي فَائِدَتُهُ (وَلَيْسَ) هَذَا (بِشَيْءٍ) تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ (لِأَنَّ التَّجَوُّزَ) بِاللَّفْظِ (فَائِدَةٌ لَا تَسْتَدْعِي غَيْرَ الْوَضْعِ) لَهُ لِمَعْنًى غَيْرِ الْمُتَجَوَّزِ فِيهِ فَلَا يَسْتَدْعِي لُزُومَ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ فَلَا يَسْتَدْعِي الْحَقِيقَةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ وُقُوع الْمَجَازُ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ] (مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ خِلَافًا للإسفراييني فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي اللُّغَةِ وَحَكَى السُّبْكِيُّ النَّفْيَ لِوُقُوعِهِ مُطْلَقًا عَنْهُ وَعَنْ الْفَارِسِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ عَنْهُ وَعَنْ جَمَاعَةٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَجَازَ (قَدْ يُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِغَرَضِ الْوَضْعِ) وَهُوَ فَهْمُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ (لِخَفَاءِ الْقَرِينَةِ) الدَّالَّةِ عَلَيْهِ فَيَقْضِي بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِتَبَادُرِهِ وَعَدَمِ ظُهُورِ غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ خِلَافُهُ فِي وُقُوعِهِ (بَعِيدٌ عَلَى بَعْضِ الْمُمَيِّزِينَ فَضْلًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ (لِأَنَّ الْقَطْعَ بِهِ) أَيْ بِوُقُوعِهِ (أَثْبَتُ مِنْ أَنْ يُورَدَ لَهُ مِثَالٌ) لِكَثْرَتِهِ فِي اللُّغَةِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ (نَفْيُ الْإِجْمَالِ مُطْلَقًا) لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُخِلٌّ بِفَهْمِ عَيْنِ الْمُرَادِ مِنْهُ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: الْأُسْتَاذُ لَا يُنْكِرُ اسْتِعْمَالَ الْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ وَأَمْثَالَهُ بَلْ يَشْتَرِطُ فِي ذَلِكَ الْقَرِينَةَ وَيُسَمِّيهِ حِينَئِذٍ حَقِيقَةً وَيُنْكِرُ تَسْمِيَتَهُ مَجَازًا وَانْظُرْ كَيْفَ عَلَّلَ بِاخْتِلَالِ الْفَهْمِ وَمَعَ الْقَرِينَةِ لَا اخْتِلَالَ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ إِلْكِيَا (وَلِلظَّاهِرِيَّةِ فِي الثَّانِي) أَيْ الْقُرْآنِ وَكَذَا فِي الثَّالِثِ وَهُوَ الْحَدِيثُ إلَّا أَنَّهُمْ غَيْرُ مُطْبِقِينَ عَلَى إنْكَارِ وُقُوعِهِ فِيهِمَا وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد الْأَصْفَهَانِيُّ الظَّاهِرِيُّ فِي طَائِفَةٍ مِنْهُمْ وَابْنُ الْقَاصِّ مِنْ قُدَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِإِنْكَارِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ دَاوُد وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازُ الِاسْتِعَارَةِ وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ مَجَازٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَدَ فِي كِتَابٍ وَسُنَّةٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَجَازَ (كَذِبٌ لِصِدْقِ نَقِيضِهِ) أَيْ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ يَنْفِي فَيَصِحُّ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي الرَّجُلِ الْبَلِيدِ حِمَارٌ لَيْسَ الرَّجُلُ الْبَلِيدُ حِمَارًا وَكُلُّ مَا يَصِحُّ نَفْيُهُ فَهُوَ كَذِبٌ فَالْمَجَازُ كَذِبٌ (فَيَصْدُقَانِ) أَيْ النَّقِيضَانِ مِنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْكَذِبُ مُحَالٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ فِي حَقِّ رَسُولِهِ وَصِدْقُ النَّقِيضِينَ بَاطِلٌ مُطْلَقًا قَطْعًا (قُلْنَا جِهَةُ الصِّدْقِ مُخْتَلِفَةٌ) فَمُتَعَلِّقُ الْإِثْبَاتِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ وَمُتَعَلِّقُ النَّفْيِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ فَلَا كَذِبَ وَلَا صِدْقَ لِلنَّقِيضَيْنِ إنَّمَا ذَلِكَ لَوْ اتَّحِدْ مُتَعَلِّقُهُمَا (وَتَحْقِيقُ صِدْقِ الْمَجَازِ صِدْقُ التَّشْبِيهِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعَلَاقَةِ) لِلْمَجَازِ بِحَسَبِ مَوَاقِعِهِ وَتَنَوُّعِ عِلَاقَتِهِ فَصَدَقَ الْمَجَازُ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ أَسَدٌ بِصِدْقِ كَوْنِهِ شَبِيهًا بِهِ فِي الشَّجَاعَةِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِين كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (هُوَ) أَيْ الْمَجَازُ (أَبْلَغُ) مِنْ الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ مِنْ بَحْثٍ يَأْتِي فِي مَسْأَلَةٍ إذَا لَزِمَ مُشْتَرَكًا إلَخْ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةِ (يَلْزَمُ) عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الْمَجَازِ

فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى (وَصْفُهُ تَعَالَى بِالْمُتَجَوِّزِ) لِأَنَّ مَنْ قَامَ بِهِ فِعْلٌ اُشْتُقَّ لَهُ مِنْهُ اسْمُ فَاعِلٍ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِامْتِنَاعِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى اتِّفَاقًا فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (قُلْنَا إنْ) لَزِمَ وَصْفُهُ بِهِ (لُغَةً مَنَعْنَاهُ بُطْلَانَ اللَّازِمِ) لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ لُغَةً (أَوْ) لَزِمَ وَصْفُهُ بِهِ (شَرْعًا مَنَعْنَا الْمُلَازَمَةَ) لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ وَهُنَا مَانِعٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُتَجَوِّزَ يُوهِمُ أَنَّهُ يَتَسَمَّحُ وَيَتَوَسَّعُ فِيمَا لَا يَنْبَغِي مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَمَا يُوهِمُ نَقْصًا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى اتِّفَاقًا وَلَنَا {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور: 35] فَإِنَّ النُّورَ فِي الْأَصْلِ كَيْفِيَّةٌ تُدْرِكُهَا الْبَاصِرَةُ أَوَّلًا وَبِوَاسِطَتِهَا سَائِرُ الْمُبْصِرَاتِ كَالْكَيْفِيَّةِ الْفَائِضَةِ مِنْ النَّيِّرَيْنِ عَلَى الْأَجْرَامِ الْكَثِيفَةِ الْمُحَاذِيَةِ لَهُمَا وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ كَزَيْدٍ كَرَمٍ بِمَعْنَى ذُو كَرْمٍ أَوْ عَلَى تَجَوُّزٍ بِمَعْنَى مُنَوِّرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَقَدْ قُرِئَ بِهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى نَوَّرَهَا بِالْكَوَاكِبِ وَمَا يَفِيضُ عَنْهَا مِنْ الْأَنْوَارِ وَبِالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ أَوْ مُدَبِّرُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ لِلرَّيِّسِ الْفَائِقِ فِي التَّدْبِيرِ: نُورُ الْقَوْمِ لِأَنَّهُمْ يَهْتَدُونَ بِهِ فِي الْأُمُورِ أَوْ مُوجِدُهَا فَإِنَّ النُّورَ ظَاهِرٌ بِذَاتِهِ مُظْهِرٌ لِغَيْرِهِ وَأَصْلُ الظُّهُورِ هُوَ الْوُجُودُ كَمَا أَنَّ أَصْلَ الْخَفَاءِ هُوَ الْعَدَمُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مَوْجُودٌ بِذَاتِهِ مُوجِدٌ لِمَا عَدَاهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمَكَرُوا {وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] لِأَنَّ الْمَكْرَ فِي الْأَصْلِ حِيلَةٌ يَجْلِبُ بِهَا غَيْرَهُ إلَى مَضَرَّةٍ فَلَا يُسْنَدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا أُسْنِدَ هُنَا إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ وَالِازْدِوَاجِ {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] لِأَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ السُّخْرِيَةُ وَالِاسْتِخْفَافُ وَهُوَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا أُسْنِدَ إلَيْهِ هُنَا مُشَاكَلَةً أَوْ اسْتِعَارَةً لِمَا يُنْزِلُهُ بِهِمْ مِنْ الْحَقَارَةِ وَالْهَوَانِ الَّذِي هُوَ لَازِمُ الِاسْتِهْزَاءِ أَوْ الْغَرَضِ مِنْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَمَعْلُومٌ أَنْ لَيْسَ جَزَاءُ الِاعْتِدَاءِ اعْتِدَاءً إذْ لَيْسَ فِيهِ تَعَدٍّ عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ بَلْ هُوَ عَدْلٌ وَحَقٌّ وَلَا جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ شَرْعًا وَالسَّيِّئَةُ مَا نُهِيَ عَنْهُ شَرْعًا بَلْ هُوَ حَسَنٌ فَهُمَا مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِجَامِعِ الْمُجَاوِرَةِ فِي التَّخَيُّلِ أَوْ مِنْ الْمُشَاكَلَةِ (وَكَثِيرٌ) إلَى أَنْ بَلَغَ فِي الْكَثْرَةِ حَدًّا يُفِيدُ الْجَزْمَ بِوُجُودِهِ وَلَا يُفِيدُ الْمَانِعِينَ تَجَشُّمُ دَفْعِ ذَلِكَ فِي صُوَرٍ مَعْدُودَةٍ مِنْهَا الْمَثَلُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ لَا تَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَالنُّورُ مَعْنَاهُ الظَّاهِرُ فِي نَفْسِهِ الْمُظْهِرُ لِغَيْرِهِ لَا الْعَرَضُ الَّذِي شَأْنُهُ هَذَا فَيَكُونُ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ حَقِيقَةً وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ: الْمَكْرُ إيصَالُ الْمَكْرُوهِ إلَى الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ يَخْفَى فِيهِ وَالِاسْتِهْزَاءُ إظْهَارُ الْإِكْرَامِ وَإِخْفَاءُ الْإِهَانَةِ فَيَجُوزُ صُدُورُهُمَا مِنْ اللَّهِ حَقِيقَةً لِحِكْمَةٍ وَقَوْلُهُ {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67] لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ اسْتِهْزَاءٍ حَقِيقَةُ الْجَهْلِ وَالِاعْتِدَاءُ إيقَاعُ الْفِعْلِ الْمُؤْلِمِ أَوْ هَتْكُ حُرْمَةِ الشَّيْءِ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى الْآيَةِ كَمَا هَتَكُوا حُرْمَةَ شَيْءٍ أَيَّ حُرْمَةٍ كَانَتْ مِنْ الْحُرَمِ أَوْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَوْ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ أَوْ الْعِرْضِ فَاهْتِكُوا حُرْمَةً لَهُ كَذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] وَالسَّيِّئَةُ مَا يَسُوءُ مَنْ يَنْزِلُ بِهِ (وَأَمَّا {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] فَقِيلَ) : الْقَرْيَةُ فِيهِ (حَقِيقَةٌ) وَأَمَرَ بَنُو يَعْقُوبَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَبَاهُمْ أَنْ يَسْأَلَهَا (فَتُجِيبُهُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إنْطَاقِهَا لَا سِيَّمَا وَالزَّمَانُ زَمَانُ النُّبُوَّةِ وَخَرْقِ الْعَوَائِدِ فَلَا يَمْتَنِعُ نُطْقُهَا بِسُؤَالِ نَبِيٍّ وَضَعُفَ بِأَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا إنَّمَا يَقَعُ لِنَبِيٍّ عِنْدَ التَّحَدِّي وَإِظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ (وَقَدَّمْنَاهُ) أَيْ لَفْظَ الْقَرْيَةِ (حَقِيقَةً مَعَ حَذْفِ الْأَهْلِ) وَيَشْهَدُ لَهُ تَخْصِيصُهُمْ الْقَرْيَةَ بِاَلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَهِيَ مِصْرُ أَوْ قَرْيَةٌ بِقُرْبِهَا لَحِقَهُمْ الْمُنَادِي فِيهَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَهْلُهَا مِنْ الْأَحْيَاءِ الْمُدْرِكِينَ لِمَا جَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ يُوسُفَ لَا نَفْسُ الْقَرْيَةِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْجَمَادَاتِ مُتَسَاوِيَةٌ فِي عَدَمِ الْإِدْرَاكِ وَفِي أَنَّهَا لَوْ أَجَابَتْ لَكَانَ جَوَابُهَا دَالًّا عَلَى صِدْقِهِمْ وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا قَبْلَهُ (وَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ) وَهُوَ مَجَازُ الْعَلَاقَةِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ مَجَازِ الزِّيَادَةِ (أَلَّا يَرَى إلَى تَعْلِيلِهِمْ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةِ بِأَنَّهُ كَذِبٌ وَهُوَ لَا يَصْدُقُ عَلَى مَجَازِ الزِّيَادَةِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ (وَقَدْ أُجِيبَ) أَيْضًا مِنْ قَبْلِهِمْ بِغَيْرِ هَذَا فَأُجِيبَ (تَارَةً بِأَنَّهُ) أَيْ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] لِنَفْيِ الشَّبِيهِ (حَقِيقَةً) فَالْكَافُ فِيهِ مُسْتَعْمَلَةٌ

فِي مَفْهُومِهَا الْوَضْعِيِّ وَهُوَ الشَّبِيهُ (وَالْمِثْلُ يُقَالُ لِنَفْسِهِ) أَيْ لِنَفْسِ الشَّيْءِ وَذَاتِهِ فَيُقَالُ (لَا يَنْبَغِي لِمِثْلِك) كَذَا أَيْ لَك {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} [البقرة: 137] أَيْ بِنَفْسِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ أَوْ دَيْنُ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْآيَةِ فَالْمَعْنَى لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ (وَتَمَامُهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ (بِاشْتِرَاكِ مِثْلٍ) بَيْنَ النَّفْسِ وَالشَّبِيهِ إذْ لَا رَيْبَ فِي إطْلَاقِ مِثْلٍ عَلَى الْمُمَاثِلِ وَهُوَ غَيْرُ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْآخَرِ حَقِيقَةٌ ثَبَتَ الِاشْتِرَاكُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآخَرِ حَقِيقَةٌ بَلْ كَانَ مَجَازًا (ثَبَتَ نَقِيضُ مَطْلُوبِهِمْ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةِ وَهُوَ وُجُودُ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ (وَهُوَ) أَيْ الِاشْتِرَاكُ (مَمْنُوعٌ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَالْمَجَازُ أَوْلَى مِنْهُ (وَتَارَةً بِأَنَّ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] حَقِيقَةٌ) فِي نَفْيِ التَّشْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْكَافَ بِمَعْنَى مِثْلٍ وَكُلٌّ مِنْهَا وَمِنْهُ غَيْرُ زَائِدٍ ثُمَّ هُوَ (إمَّا لِنَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ نَفْيُ مِثْلِ مِثْلِهِ تَعَالَى (نَفْيَ مِثْلِهِ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ نَفْيَ مِثْلِهِ (تَنَاقَضَ لِأَنَّهُ) تَعَالَى (مِثْلُ مِثْلِهِ) فَلَا يَصِحُّ نَفْيُ مِثْلِ الْمِثْلِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ فَنَفْيُ مِثْلِهِ صَحِيحٌ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ ثُبُوتُ الْمِثْلِ فَإِنَّك إذَا قُلْت: لَيْسَ شَيْءٌ مِثْلَ مِثْلِ زَيْدٍ تَبَادَرَ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ لِزَيْدٍ مِثْلًا وَقَدْ نَفَيْتَ عَنْهُ أَنَّهُ يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لَهُ تَعَالَى مِثْلٌ كَانَ هُوَ مِثْلًا لِمِثْلِهِ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ النَّفْيِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ نَفْيُهُ تَعَالَى مَعَ إثْبَاتِ مِثْلِهِ وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْمِثْلِ مَعَ ثُبُوتِ ذَاتِهِ وَهُمَا مُتَنَاقِضَانِ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ ثُبُوتَ مِثْلِهِ تَعَالَى مُسْتَلْزِمٌ لِثُبُوتِ مِثْلِ مِثْلِهِ فَنُفِيَ اللَّازِمُ وَجُعِلَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ الْمَلْزُومِ (وَلِلُزُومِ التَّنَاقُضِ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ نَفْيُ مِثْلِهِ (انْتَفَى ظُهُورُهُ) أَيْ نَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ (فِي إثْبَاتِ مِثْلِهِ وَبِهِ) أَيْ بِلُزُومِ التَّنَاقُضِ (يَنْدَفِعُ دَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابُ وَدَافَعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (بِاقْتِضَائِهِ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ (إثْبَاتَ الْمِثْلِ فِي مَقَامِ نَفْيِهِ) أَيْ الْمِثْلِ (وَظُهُورَهُ) أَيْ الْمِثْلِ (فِيهِ) أَيْ فِي إثْبَاتِ مِثْلِهِ (وَجَعَلَ هَذَا) الدَّفْعَ الَّذِي لِابْنِ الْحَاجِبِ (مُرَتَّبًا عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ سَهْوًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَعَ فِي حَوَاشِي الشَّيْخِ سَعْدِ الدِّينِ الِاقْتِصَارُ عَلَى نَقْلِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ لِلظَّاهِرِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الْكَافَ بِمَعْنَى الذَّاتِ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ اعْتِرَاضَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَذْكُورَ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ هَذَا سَهْوٌ اهـ قُلْت: لِأَنَّ كَوْنَ الْمَعْنَى لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ لَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْمِثْلِ فِي مَقَامِ نَفْيِهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَنَّ الْكَافَ بِمَعْنَى الذَّاتِ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ وَهُوَ أَنَّ الْمِثْلَ بِمَعْنَى الذَّاتِ فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَسْهُو (وَإِمَّا لِنَفْيِ شَبَهِ الْمِثْلِ فَيَنْتَفِي الْمِثْلُ بِأَوْلَى كَمِثْلِك لَا يَبْخَلُ وَلَا شَكَّ أَنَّ اقْتِضَاءَ شَبَهٍ صِفَتُهُ انْتِفَاءُ الْبُخْلِ أَوْلَى مِنْهُ) أَيْ مِنْ اقْتِضَاءِ شَبَهٍ صِفَتُهُ انْتِفَاءُ الْبُخْلِ (اقْتِضَاءُ صِفَتِهِ) انْتِفَاءُ الْبُخْلِ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ فِي ذَلِكَ أَقْوَى فَيَكُونُ الْمَعْنَى مَنْ كَانَ عَلَى صِفَةِ الْمِثْلِ وَشَبَهِهِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ فَكَيْفَ الْمِثْلُ حَقِيقَةً فَيُفِيدُ الْكَلَامُ نَفْيَ التَّشْبِيهِ وَالتَّشْرِيكِ مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَعَقَّبَ هَذَا بِقَوْلِهِ (لَكِنْ لَيْسَ مِنْهُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ نَفْيِ مِثْلِ الْمِثْلِ) لِيَنْتَفِيَ الْمِثْلُ (وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ نَفْيُ مِثْلِ مِثْلٍ لِثَابِتٍ لَهُ مِثْلٌ وَاحِدٌ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ فَإِذَا قِيلَ لَيْسَ مِثْلُ مِثْلِ زَيْدٍ أَحَدًا اقْتَضَى) هَذَا الْقَوْلُ (ثُبُوتَ مِثْلٍ لِزَيْدٍ وَصَرَفَ) هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا (لُزُومَ التَّنَاقُضِ) اللَّازِمِ مِنْ لُزُومِ نَفْيِ مِثْلِهِ لِنَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ (إلَى نَفْيِ مِثْلٍ) آخَرَ (غَيْرِ زَيْدٍ) وَحِينَئِذٍ لَا تَنَاقُضَ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ (فَلَمْ يَتَّحِدْ مَحَلُّ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الصَّرْفُ (أَظْهَرُ مِنْ صَرْفِهِ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ التَّنَاقُضَ (السَّابِقَ عَنْ ظُهُورِهِ) أَيْ الْمِثْلِ (فِي إثْبَاتِ الْمِثْلِ) إلَى نَفْيِ ذَاتِهِ وَإِثْبَاتِهِ (لِأَسْبَقِيَّةِ هَذَا) إلَى الْفَهْمِ (مِنْ التَّرْكِيبِ فَالْوَجْهُ) فِي دَفْعٍ أَنَّهُ لِنَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ اللَّازِمُ مِنْهُ نَفْيُ مِثْلِهِ (ذَلِكَ الدَّفْعُ) أَيْ دَفْعُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَدْ يُقَرِّرُ لُزُومَ نَفْيِ الْمِثْلِ مِنْ نَفْيِ مِثْلِ الْمِثْلِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ مِثْلَ الْمِثْلِ إنَّمَا هُوَ ذَاتُهُ تَعَالَى مَعَ وَصْفِ أَنَّهُ مِثْلُ الْمِثْلِ لِأَنَّ مِثْلَهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ لَهُ مِثْلٌ إلَّا ذَاتُهُ تَعَالَى وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ نَفْيُ مِثْلِهِ بِطَرِيقٍ بُرْهَانِيٍّ وَهُوَ أَنَّ نَفْيَ مِثْلِ مِثْلِهِ إمَّا بِانْتِفَاءِ ذَاتِهِ أَوْ بِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ وَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ مُتَقَرِّرٌ فِي الْعُقُولِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ وَانْتِفَاءُ الْوَصْفِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمِثْلِ فِي الْعَقْلِ

مسألة كون المجاز نقليا

وَالْخَارِجِ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مِثْلُهُ عَقْلًا أَوْ خَارِجًا لَزِمَ أَنْ يَثْبُتَ وَصْفٌ أَنَّهُ مِثْلُ مِثْلِهِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِ هُنَا الْمِثْلُ الْمُتَوَهَّمُ وَلَيْسَ لِمُتَوَهِّمِهِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ لِأَنَّهُ شِرْكٌ بَلْ اللَّهُ بِخِلَافِهِ لَا مِثْلِهِ وَقَدْ يُقَالُ مِثْلٌ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الصِّفَةِ الْعَجِيبَةِ الشَّأْنِ الَّتِي لَا عَهْدَ بِمِثْلِهَا وَالْمَعْنَى لَيْسَ كَصِفَتِهِ الْعَجِيبَةِ الشَّأْنِ شَيْءٌ وَإِنَّهُ لَصِدْقٌ فَهِيَ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَهُوَ حَسَنٌ لَا كُلْفَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ كَوْنِ الْمَجَازِ نَقْلِيًّا] (مَسْأَلَةٌ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ الْمَجَازِ نَقْلِيًّا فَقِيلَ فِي آحَادِهِ وَقِيلَ فِي نَوْعِ الْعَلَاقَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ) فَحَاصِلُ الْمَذَاهِبِ لَا يُشْتَرَطُ نَقْلُ الْآحَادِ وَلَا نَقْلُ نَوْعِ الْعَلَاقَةِ يُشْتَرَطُ نَقْلُ الْآحَادِ يُشْتَرَطُ نَقْلُ نَوْعِ الْعِلَاقَةِ فَقَطْ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ قَائِلًا قَالَ: لَيْسَ نَقْلِيًّا وَآخَرُ قَالَ: نَقْلٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: نَقْلُ الْآحَادِ وَقِيلَ: بَلْ نَقْلُ نَوْعِ الْعَلَاقَةِ كَالسَّبَبِيَّةِ وَالْمُسَبَّبِيَّةِ كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ (فَالشَّارِطُ) لِلنَّقْلِ فِي نَوْعِ الْعَلَاقَةِ يَقُولُ مَعْنَاهُ (أَنْ يَقُولَ) الْوَاضِعُ (مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ اتِّصَالٌ كَذَا إلَخْ) أَيْ أَجَزْت أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نَقْلِ آحَادِهِ فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا اسْمَ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ وَيَكْفِينَا هَذَا فِي إطْلَاقِ كُلِّ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُمْ فِي عَيْنِ كُلِّ صُورَةٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ وَالشَّارِطُ لِلنَّقْلِ فِي الْآحَادِ يَشْتَرِطُ سَمَاعَهُ مِنْهُمْ فِي عَيْنِ كُلِّ صُورَةٍ (وَالْمُطْلِقُ) لِلْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ نَقْلٍ فِي الْآحَادِ وَلَا فِي النَّوْعِ يَقُولُ (الشَّرْطُ) فِي صِحَّةِ التَّجَوُّزِ أَنْ يَكُونَ (بَعْدَ وَضْعِ التَّجَوُّزِ اتِّصَالٌ) بَيْنَ الْمُتَجَوِّزِ بِهِ وَالْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ (فِي ظَاهِرٍ) مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ فَحَيْثُ وُجِدَ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى غَيْرِهِ (وَعَلَى النَّقْلِ) أَيْ الْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِهِ آحَادًا أَوْ نَوْعًا (لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِوَضْعِ نَوْعِهَا) وَإِلَّا كَانَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَضْعًا جَدِيدًا أَوْ غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ (وَاسْتَدَلَّ) لِلْمُطْلَقِ أَنَّهُ (عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ) أَيْ تَقْدِيرِ شَرْطِ نَقْلِ الْآحَادِ وَتَقْدِيرِ شَرْطِ نَقْلِ الْأَنْوَاعِ (لَوْ شَرَطَ) أَحَدُهُمَا (تَوَقُّفَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ) فِي إحْدَاثِ آحَادِ الْمَجَازَاتِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَأَنْوَاعِهَا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (وَلَا يَتَوَقَّفُونَ أَيْ فِي الْآحَادِ وَإِحْدَاثِ أَنْوَاعِهَا) أَيْ الْعَلَاقَةِ بَلْ يَعُدُّونَ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ الْبَلَاغَةِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُدَوِّنُوا الْمَجَازَاتِ تَدْوِينَهُمْ الْحَقَائِقَ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ (مُنْتَهِضٌ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِي الْآحَادِ (مَمْنُوعُ التَّالِي) وَالْوَجْهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ مَمْنُوعٌ اسْتِثْنَاءُ نَقِيضِ التَّالِي وَهُوَ عَدَمُ التَّوَقُّفِ (فِي الثَّانِي) أَيْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِي الْأَنْوَاعِ (وَعَلَى الْآحَادِ) أَيْ وَاسْتُدِلَّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِي الْآحَادِ (لَوْ شُرِطَ) النَّقْلُ فِيهَا (لَمْ يَلْزَمْ الْبَحْثُ عَنْ الْعَلَاقَةِ) لِأَنَّ النَّقْلَ بِدُونِهَا مُسْتَقِلٌّ بِتَصْحِيحِهِ حِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِلنَّظَرِ فِيهَا لَكِنَّهُ لَازِمٌ بِإِطْبَاقِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ فِي الْآحَادِ (وَدَفَعَ إنْ أُرِيدَ نَفْيُ التَّالِي) وَهُوَ لُزُومُ الْبَحْثِ عَنْ الْعَلَاقَةِ (فِي غَيْرِ الْوَاضِعِ مَنَعْنَاهُ) أَيْ نَفْيَ التَّالِي (بَلْ يَكْفِيهِ) أَيْ غَيْرُ الْوَاضِعِ (نَقْلُهُ) الْآحَادَ (وَبَحْثُهُ) عَنْ الْعَلَاقَةِ (لِلْكَمَالِ) وَهُوَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْحِكْمَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ وَتَعَرُّفُ جِهَةِ حُسْنِهِ (أَوْ) أُرِيدَ نَفْيُ التَّالِي (فِيهِ) أَيْ فِي الْوَاضِعِ (مَنَعْنَا الْمُلَازَمَةَ) فَإِنَّ الْوَاضِعَ مُحْتَاجٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ الْمُسَوِّغَةِ لِلتَّجَوُّزِ عَنْهُ إلَيْهِ وَأَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَغَيْرَ النِّزَاعِ) لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي غَيْرِ الْوَاضِعِ لَا فِي الْوَاضِعِ (قَالُوا) أَيْ الشَّارِطُونَ لِلنَّقْلِ فِي الْآحَادِ: (لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ) النَّقْلُ فِيهَا (جَازَ نَخْلَةٌ لِطَوِيلٍ غَيْرِ إنْسَانٍ) لِلْمُشَابِهَةِ فِي الطُّولِ كَمَا جَازَتْ لِلْإِنْسَانِ الطَّوِيلِ (وَشَبَكَةٌ لِلصَّيْدِ) لِلْمُجَاوَرَةِ بَيْنَهُمَا (وَابْنٌ لِأَبِيهِ) إطْلَاقًا لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ (وَقَلْبُهُ) أَيْ أَبٌ لِابْنِهِ إطْلَاقًا لِلسَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ (وَهَذَا) الدَّلِيلُ (لِلْأَوَّلِ) أَيْ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي نَقْلِ الْآحَادِ (وَالْجَوَابُ وُجُوبُ تَقْدِيرِ الْمَانِعِ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا (لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَوَقَّفُونَ) عَنْ اسْتِعْمَالِ مَجَازَاتٍ لَمْ يُسْمَعْ أَعْيَانُهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مِنْ مَظَاهِرِ الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ نَوْعًا وَتَخَلُّفُ الصِّحَّةِ عَنْ الْمُقْتَضَى فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِمَانِعٍ مَخْصُوصٍ بِهَا لَا يَقْدَحُ فِي الِاقْتِضَاءِ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ الْمُقْتَضَى وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَتِمُّ مَقْصُودُنَا وَلَا يَلْزَمُنَا تَعْيِينُ الْمَانِعِ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ اسْتِعْمَالِهِ مَعَ الْعَلَاقَةِ حُكْمٌ

بِوُجُودِ مَانِعٍ هُنَاكَ إجْمَالًا مَا لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ وُجُودَ مَانِعٍ فِيهِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ وَإِلَّا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَانِعِ عَلَى أَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ نَخْلَةٌ لِطَوِيلٍ غَيْرِ إنْسَانٍ لِانْتِفَاءِ الْمُشَابَهَةِ فِيمَا لَهُ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِالنَّخْلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جَوَازَهَا لِإِنْسَانٍ طَوِيلٍ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الطُّولِ بَلْ مَعَ فُرُوعٍ وَأَغْصَانٍ فِي أَعَالِيهَا وَطَرَاوَةٍ وَتَمَايُلٍ فِيهَا. . (الْمُعَرِّفَاتُ) لِلْمَجَازِ (يُعَرَّفُ الْمَجَازُ بِتَصْرِيحِهِمْ) أَيْ أَهْلِ اللُّغَةِ (بِاسْمِهِ) كَهَذَا اللَّفْظِ مَجَازٌ فِي كَذَا (أَوْ حَدِّهِ) كَهَذَا اللَّفْظِ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ وَضْعٍ أَوَّلٍ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ (أَوْ بَعْضِ لَوَازِمِهِ) كَاسْتِعْمَالِهِ فِي كَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَلَاقَةٍ (وَبِصِحَّةِ نَفْيِ مَا) أَيْ مَعْنًى (لَمْ يُعْرَفْ) مَعْنًى حَقِيقِيًّا (لَهُ) أَيْ اللَّفْظِ (فِي الْوَاقِعِ) كَقَوْلِك لِلْبَلِيدِ لَيْسَ بِحِمَارٍ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْوَاقِعِ لِصِحَّةِ سَلْبِ الْإِنْسَانِ لُغَةً وَعُرْفًا عَنْ الْفَاقِدِ بَعْضِ صِفَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُعْتَدِّ بِهَا كَالْبَلِيدِ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارَاتٍ خَطَابِيَّةٍ (قِيلَ) أَيْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: (وَعَكْسُهُ) وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ نَفْيِ مَا لَمْ يُعْرَفْ حَقِيقِيًّا لَهُ فِي الْوَاقِعِ (دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ) وَلِذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلْبَلِيدِ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ (وَاعْتُرِضَ) أَيْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَيَشْكُلُ هَذَا (بِالْمُسْتَعْمَلِ) أَيْ بِالْمَجَازِ (فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ) الْمَحْمُولِ (مِنْ قَوْلِنَا عِنْدَ نَفْيِ خَوَاصِّ الْإِنْسَانِيَّةِ) عَنْ زَيْدٍ (مَا زَيْدٌ بِإِنْسَانٍ أَيْ كَاتِبٌ أَوْ نَاطِقٌ لَا يَصِحُّ النَّفْيُ وَلَا حَقِيقَةَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْحَقُّ الصِّحَّةُ) أَيْ صِحَّةُ النَّفْيِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ فَيَكُونُ مَجَازًا (قِيلَ) أَيْ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: (وَأَنْ يُعْرَفَ لَهُ مَعْنَيَانِ حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌّ وَيُتَرَدَّدُ فِي الْمُرَادِ) مِنْهُمَا فِي مَوْرِدٍ (فَصِحَّةُ نَفْيِ الْحَقِيقِيِّ) عَنْ الْمَوْرِدِ (دَلِيلُهُ) أَيْ كَوْنُ اللَّفْظِ مَجَازًا فِي ذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ) أَيْ بِصِحَّةِ نَفْيِ الْحَقِيقِيِّ عَنْهُ (يُحِيلُ الصُّورَةَ لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ (فَرْعُ عَدَمِ التَّرَدُّدِ وَإِنْ أُرِيدَ) أَنَّ صِحَّةَ نَفْيِ الْحَقِيقِيِّ بِالْأَخِرَةِ دَلِيلُهُ (لِظُهُورِ الْقَرِينَةِ) الْمُفِيدَةِ لِلْمَجَازِيَّةِ (بِالْآخِرَةِ فَقُصُورٌ إذْ حَاصِلُهُ إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ مَجَازٌ فَهُوَ مَجَازٌ وَمَعْلُومٌ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَبِأَنْ يَتَبَادَرَ غَيْرُهُ) أَيْ وَيُعَرَّفُ الْمَجَازُ بِتَبَادُرِ غَيْرِ الْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ إلَى الْفَهْمِ (لَوْلَا الْقَرِينَةُ) فَيَكُونُ فِي الْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ مَجَازًا (وَقَلْبُهُ) وَهُوَ أَنْ لَا يَتَبَادَرَ غَيْرُ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ لَوْلَا الْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَبَادَرَ هُوَ أَوَّلًا (عَلَامَةُ الْحَقِيقَةِ) يَعْنِي فَهَذِهِ مُطَّرِدَةٌ مُنْعَكِسَةٌ إذْ تَبَادُرُ الْغَيْرِ عَلَامَةُ الْمَجَازِ وَعَدَمُهُ عَلَامَةِ الْحَقِيقَةِ (وَإِيرَادُ الْمُشْتَرَكِ) عَلَى عَلَامَةِ الْحَقِيقَةِ (إذْ لَا يَتَبَادَرُ الْمُعَيَّنُ وَهُوَ) أَيْ الْمُشْتَرَكُ (حَقِيقَةٌ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُعَيَّنِ (مَبْنِيٌّ عَلَى انْعِكَاسِ الْعَلَامَةِ وَهُوَ) أَيْ انْعِكَاسُهَا (مُنْتَفٍ) لِأَنَّ شَرْطَهَا الِاطِّرَادُ لَا الِانْعِكَاسُ (وَإِصْلَاحُهُ) أَيْ إيرَادُ الْمُشْتَرَكِ (تَبَادُرُ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ (وَهُوَ الْمُبْهَمُ إلَّا بِقَرِينَةٍ) تُعَيِّنُ الْمُعَيَّنَ (وَدَفَعَهُ) أَيْ الْإِيرَادَ بَعْدَ الْإِصْلَاحِ (بِأَنَّ فِي مَعْنَى التَّبَادُرِ) أَيْ مَأْخُوذٌ فِي مَعْنَاهُ مِنْ قَوْلِنَا أَنْ لَا يَتَبَادَرَ غَيْرُهُ (أَنَّهُ) أَيْ الْغَيْرَ (مُرَادٌ وَهُوَ) أَيْ تَبَادُرُ الْغَيْرِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ (مُنْتَفٍ بِالْمُبْهَمِ وَانْدَفَعَ مَا إذَا قَرَّرَ) الْإِيرَادَ عَلَى عَلَامَةِ الْحَقِيقَةِ (بِمَا إذَا اُسْتُعْمِلَ) الْمُشْتَرَكُ (فِي مَجَازِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمَجَازِيِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ لِتَرَدُّدٍ بَيْنَ مَعَانِيه (فَبَقِيَتْ عَلَامَةُ الْحَقِيقَةِ فِي الْمَجَازِ) وَهُوَ بَاطِلٌ انْدِفَاعًا بَيِّنًا (بِأَنَّ عَلَامَةَ الْحَقِيقَةِ تَبَادُرُ الْمَعْنَى لَوْلَا الْقَرِينَةُ وَهُوَ) أَيْ تَبَادُرُهُ لَوْلَا الْقَرِينَةُ هُوَ (الْمُرَادُ بِعَدَمِ تَبَادُرِ غَيْرِهِ) لَوْلَا الْقَرِينَةُ كَمَا سَلَفَ (فَلَا وُرُودَ لِهَذَا إذْ لَيْسَ يَتَبَادَرُ الْمَجَازِيُّ) مِنْ لَفْظِ الْمُشْتَرَكِ حَتَّى يَكُونَ حَقِيقَةً (ثُمَّ هُوَ) أَيْ هَذَا التَّقْرِيرُ (يُنَاقِصُ مُنَاضَلَةَ الْمُقَرِّرِ) أَيْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (فِيمَا سَلَفَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ (عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرَكَ ظَاهِرٌ فِي كُلِّ مُعَيَّنِ ضَرْبَةٍ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةِ مُعَيَّنٍ وَبِعَدَمِ اطِّرَادِهِ) أَيْ وَيُعَرَّفُ الْمَجَازُ بِعَدَمِ اطِّرَادِ اللَّفْظِ فِي مَدْلُولِهِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ لُغَوِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ عَنْ الِاطِّرَادِ (بِأَنْ اسْتَعْمَلَ) اللَّفْظَ فِي مَحَلٍّ (بِاعْتِبَارٍ وَامْتَنَعَ) اسْتِعْمَالُهُ (فِي آخَرَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ (كَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ دُونَ الْبِسَاطِ) فَإِنَّ لَفْظَ اسْأَلْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَحَلٍّ هُوَ نِسْبَةُ السُّؤَالِ إلَى الْقَرْيَةِ بِسَبَبِ تَعَلُّقِ السُّؤَالِ بِأَهْلِهَا وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي مَحَلٍّ آخَرَ هُوَ نِسْبَةُ السُّؤَالِ إلَى الْبِسَاطِ وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ تَعَلُّقُ السُّؤَالِ بِالْأَهْلِ وَعَلَى

هَذَا فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا يُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْقَرْيَةَ أُطْلِقَتْ عَلَى أَهْلِهَا بِعِلَاقَةِ الْحُلُولِ وَقَدْ وَجَدْت فِي الْبِسَاطِ وَلَمْ يُطْلَقْ عَلَى أَهْلِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مِثْلِ عَدَمِ الِاطِّرَادِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ ذَلِكَ اللَّفْظُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ بَلْ إنَّمَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ نَظِيرُهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنَى (وَلَا تَنْعَكِسُ) هَذِهِ الْعَلَامَةُ أَيْ لَيْسَ الِاطِّرَادُ دَلِيلَ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ الْمَجَازَ قَدْ يَطَّرِدُ كَالْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ (وَأَوْرَدَ) عَلَى هَذَا (السَّخِيُّ وَالْفَاضِلُ امْتَنَعَا فِيهِ تَعَالَى مَعَ الْمَنَاطِ) أَيْ وُجُودِ مَنَاطِ إطْلَاقِهِمَا وَهُوَ الْجُودُ وَالْعِلْمُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى (وَالْقَارُورَةُ فِي الدَّنِّ) أَيْ لَا يُسَمَّى قَارُورَةً مَعَ وُجُودِ الْمَنَاطِ لِتَسْمِيَتِهَا بِهَا فِيهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَقَرًّا لِلْمَائِعِ (وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَهُ) أَيْ التَّجَوُّزِ فِي هَذِهِ (لُغَةً عُرْفٌ تَقْيِيدُهَا بِكَوْنِهِ) أَيْ الْجُودِ (مِمَّنْ شَأْنُهُ أَنْ يَبْخَلَ وَ) الْعِلْمُ مِمَّنْ شَأْنُهُ أَنْ (يَجْهَلَ وَبِالزُّجَاجِيَّةِ) أَيْ وَبِكَوْنِ مَا هُوَ مَقَرٌّ لِلْمَائِعِ مِنْ الزُّجَاجِ فَانْتَفَى مَنَاطُ التَّجَوُّزِ الْمَذْكُورِ فِيهَا لِشُمُولِ جُودِهِ تَعَالَى وَكَمَالِ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ وَعَدَمِ الزُّجَاجِيَّةِ فِي الدَّنِّ (وَيَجِيءُ مِثْلُهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابُ (فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي كُلِّ مَا اُسْتُعْمِلَ بِاعْتِبَارٍ وَامْتَنَعَ فِي آخَرَ مَعَهُ (إذْ لَا بُدَّ مِنْ خُصُوصِيَّةٍ) لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمُسْتَعْمَلِ ذَلِكَ فِيهِ (فَتُجْعَلُ) الْخُصُوصِيَّةُ (جُزْءًا) مِنْ الْمُقْتَضِي فَيَكُونُ الِانْتِفَاءُ فِيمَا تَخَلَّفَ فِيهِ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي (وَبِجَمْعِهِ عَلَى خِلَافِ مَا عُرِفَ لِمُسَمَّاهُ) أَيْ إذَا كَانَ لِلِاسْمِ جَمْعٌ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنًى آخَرَ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ أَوْ مَجَازٌ غَيْرَ أَنَّ جَمْعَهُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى مُخَالِفٌ لِجَمْعِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ كَانَ اخْتِلَافُ جَمْعِهِ بِاعْتِبَارِهِمَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِي ذَلِكَ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ حَقِيقِيَّتُهُ وَمَجَازِيَّتُهُ كَلَفْظِ الْأَمْرِ فَإِنَّ جَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْقَوْلُ الدَّالُّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ اسْتِعْلَاءً عَلَى أَوَامِرَ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْفِعْلِ وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ فَوُجِدَ أَنَّهُ يُجْمَعُ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى أُمُورٍ دُونَ أَوَامِرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ (دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ) اللَّفْظِيِّ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ (وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ يُفِيدُ أَنْ لَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ الْجَمْعِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْحُكْمِ بِالْمَجَازِيَّةِ دَفْعُ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ لَا يَنْفِي كَوْنَ اخْتِلَافِ الْجَمْعِ مُعَرَّفًا (وَلَا تَنْعَكِسُ) هَذِهِ الْعَلَامَةُ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ يُخَالِفُ جَمْعُهُ جَمْعَ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ الْأَسَدَ بِمَعْنَى الشُّجَاعِ وَالْحِمَارَ بِمَعْنَى الْبَلِيدِ يُجْمَعَانِ عَلَى أَسَدٍ وَحُمُرٍ كَمَا يُجْمَعَانِ عَلَيْهِمَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ (كَالَّتِي قَبْلَهَا) لِتَصْرِيحِهِ بِهِ ثَمَّةَ (وَبِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ) أَيْ وَيُعَرَّفُ الْمَجَازُ بِهَذَا بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ فِي مَعْنًى مُطْلَقًا ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي آخَرَ مُقَيَّدًا لُزُومًا بِشَيْءٍ مِنْ لَوَازِمِهِ كَجُنَاحِ الذُّلِّ وَنَارِ الْحَرْبِ وَنُورِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ جُنَاحًا وَنَارًا وَنُورًا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعَانِيهَا الْمَشْهُورَةِ بِلَا قَيْدٍ وَفِي هَذِهِ بِهَذِهِ الْقُيُودِ فَكَانَ لُزُومُ تَقْيِيدِهَا بِهَا دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهَا مَجَازَاتٍ فِي هَذِهِ وَحَقَائِقَ فِي الْمَعَانِي الْمَشْهُورَةِ وَإِنَّمَا كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا لِأَنَّهُ أُلِفَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُمْ إذَا اسْتَعْمَلُوا لَفْظًا فِي مُسَمَّاهُ أَطْلَقُوهُ إطْلَاقًا وَإِذَا اسْتَعْمَلُوهُ بِإِزَاءِ غَيْرِهِ قَرَنُوا بِهِ قَرِينَةً لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ لِكَوْنِهَا أَغْلَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَإِذَا وَجَدْنَاهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَ اللَّفْظَ فِي مَعْنًى إلَّا مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ هُوَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَيْهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ وَلَا عَكْسَ إذْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ الْمَجَازُ غَيْرَ مُقَيَّدٍ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ أَوْ الْمَقَالِيَّةِ غَيْرِ التَّقْيِيدِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ اللُّزُومُ فِيهِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُشْتَرَكِ إذْ رُبَّمَا يُقَيَّدُ كَرَأَيْتُ عَيْنًا جَارِيَةً لَكِنْ لَا يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ (وَبِتَوَقُّفِ إطْلَاقِهِ) أَيْ وَيُعَرَّفُ الْمَجَازُ بِتَوَقُّفِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مُرَادًا بِهِ ذَلِكَ (عَلَى) ذِكْرِ (مُتَعَلِّقِهِ) حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ (مُقَابِلًا لِلْحَقِيقَةِ) أَيْ لِلَّفْظِ مُرَادًا بِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ أَيْ بِهَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ شُرُوطٌ فَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِيمَا لَمْ يَتَوَقَّفْ مَجَازًا فِيمَا تَوَقَّفَ فَفِي الْعِبَارَةِ تَعْقِيدٌ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] فَإِنَّ إطْلَاقَ الْمَكْرِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُتَصَوَّرِ مِنْ الْحَقِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى الْمُتَصَوَّرِ مِنْ الْخَلْقِ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَقِّ مَجَازًا وَإِلَى الْخَلْقِ حَقِيقَةً وَهَذَا بِنَاءً (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمَجَازَ (مَكْرُ الْمُفْرَدِ وَإِلَّا) إنْ كَانَ الْمَجَازُ فِي النِّسْبَةِ (فَلَيْسَ) هُوَ (الْمَقْصُودُ كَالتَّمْثِيلِ لِعَدَمِ الِاطِّرَادِ بِاِسْأَلْ الْقَرْيَةَ) فَإِنَّ الْمَجَازَ فِيهِ فِي النِّسْبَةِ لَا فِي الْمُفْرَدِ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ السُّؤَالِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ

مسألة كون اللفظ مشتركا بين معنيين

لَا يَكُونُ مِنْ أَمْثِلَةِ عَدَمِ الِاطِّرَادِ وَإِنَّمَا قُلْنَا: الْمَجَازُ فِي النِّسْبَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالتَّمْثِيلِ هُنَا (فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي) الْمَجَازِ (اللُّغَوِيِّ لَا الْعَقْلِيِّ) وَالْمَجَازُ فِي النِّسْبَةِ عَقْلِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة كَوْنُ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ] (مَسْأَلَةٌ إذَا لَزِمَ) كَوْنُ اللَّفْظِ (مُشْتَرَكًا) بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكَانَ (مَجَازًا) فِي أَحَدِهِمَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ وُضِعَ لِمَعْنًى ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي آخَرَ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ حَتَّى دَارَ بَيْنَ لُزُومِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ أَيْضًا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا أَوْ غَيْرَ مَوْضُوعٍ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا (لَزِمَ الْمَجَازُ) أَيْ كَوْنُهُ مَجَازًا فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنُهُ مَجَازًا فِيهِ (لَا يُخِلُّ بِالْحُكْمِ) بِمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ (إذْ هُوَ) أَيْ الْحُكْمُ (عِنْدَ عَدَمِهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجَازِيَّ (بِالْحَقِيقِيِّ وَمَعَهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجَازِيَّ (بِالْمَجَازِيِّ أَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَلَا) يُحْكَمُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَعْنًى مُعَيَّنٌ مِنْ مَعْنَيَيْهِ (إلَّا مَعَهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا يَخْفَى عَدَمُ الْمُطَابِقَةِ) فَإِنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَعْنًى مُعَيَّنٌ مِنْ مَعْنَيَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَتِهِ لَا يُوجِبُ الْخَلَلَ بِالْحُكْمِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الْمُشْتَرَكَ عَامًّا اسْتِغْرَاقِيًّا فِي مَفَاهِيمِهِ أَوْ يَرَاهُ وَالْمَعْنَيَانِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فَظَاهِرٌ لِانْتِفَائِهِ حِينَئِذٍ حَتَّى يَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مُجْمَلًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَل التَّوَقُّفُ عَيْنَ الْخَلَلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ عَامًّا فِيهَا وَكَانَتْ مِمَّا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهَا فَلِحَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِهَا لِظُهُورِهَا فِيهِ عِنْدَهُ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُرَجِّحِينَ لِلْحَمْلِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ (يَحْتَاجُ) الْمُشْتَرَكُ (إلَى قَرِينَتَيْنِ) بِحَسَبِ مَعْنَيَيْهِ (بِخِلَافِ الْمَجَازِ) فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى وَاحِدَةٍ فَبَعُدَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى عَدَمِ تَعْمِيمِهِ فِي مَفَاهِيمِهِ (لَيْسَ بِشَيْءٍ) مُقْتَضٍ لِتَرْجِيحِهِ عَلَى الْمَجَازِ لِتَسَلُّطِ الْمَنْعِ عَلَى احْتِيَاجِ الِاشْتِرَاكِ إلَى قَرِينَتَيْنِ فِي كُلِّ اسْتِعْمَالٍ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْمُرَادَ وَاحِدٌ فَيَكْفِي قَرِينَتُهُ وَأَمَّا اقْتِضَاءُ الْمَعْنَى الْآخَرِ قَرِينَةً أُخْرَى فَإِنَّمَا هُوَ فِي اسْتِعْمَالٍ آخَرَ (بَلْ كُلٌّ) مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَجَازِ (فِي الْمَادَّةِ) الِاسْتِعْمَالِيَّة (يَحْتَاجُ) فِي إفَادَةِ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِهِ (إلَى قَرِينَةٍ وَتَعَدُّدِهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ فِي الْمُشْتَرَكِ (لِتَعَدُّدِهِ) أَيْ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ (عَلَى الْبَدَلِ كَتَعَدُّدِهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الْمَجَازِ (لِتَعَدُّدِ) الْمَعَانِي (الْمَجَازِيَّاتُ كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْبَدَلِ فَهُمَا سِيَّانِ فِي هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الِاحْتِيَاجِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَرِينَةَ الْمُشْتَرَكِ لِتَعْيِينِ الدَّلَالَةِ وَقَرِينَةَ الْمَجَازِ لِنَفْسِ الدَّلَالَةِ فَكَمَا لَا يُقَالُ فِي اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي كُلٍّ مِنْ مَعْنَيَيْهِ الْمَجَازِيَّيْنِ فِي حَالَتَيْنِ إنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى قَرِينَتَيْنِ فِي إفَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَطْ لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْمُشْتَرَكِ أَيْضًا ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَوْجِيهٍ عَسَاهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ تَصْحِيحًا لَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَقَالَ: (وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ لُزُومُ الِاحْتِيَاجِ) إلَى قَرِينَتَيْنِ (دَائِمًا عَلَى تَقْدِيرِ الِاشْتِرَاكِ دُونَ الْمَجَازِ) إحْدَاهُمَا (لِتَعْيِينِ الْمُرَادِ) بِهِ وَالْأُخْرَى كَمَا قَالَ (وَنَفْيِ الْآخَرِ) أَيْ لِنَفْيِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْآخَرُ هُوَ الْمُرَادُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَجَازُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْحَقِيقِيِّ إلَيْهِ لَا غَيْرُ، غَايَتُهَا أَنَّهَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا) أَيْ احْتِيَاجُ الْمُشْتَرَكِ إلَى قَرِينَتَيْنِ (عَلَى مُعَمَّمِهِ فِي حَالَةِ عَدَمِ التَّعْمِيمِ) لِمَانِعٍ مِنْ التَّعْمِيمِ لِتَدُلَّ إحْدَاهُمَا عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَالْأُخْرَى عَلَى عَدَمِ التَّعْمِيمِ (وَالْمَجَازُ كَذَلِكَ عَلَى الْجَمْعِ) أَيْ يَلْزَمُ كَوْنُهُ مُحْتَاجًا إلَى قَرِينَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِإِرَادَةِ الْمُرَادِ بِهِ وَالْأُخْرَى لِنَفْيِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَتَرَجَّحُ الْمَجَازُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ نَعَمْ يَتَرَجَّحُ عَلَى قَوْلِ الْمَانِعِ مِنْهُ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِهِ إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ مُرَادٌ كَفَى إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مَعَ الْحَقِيقِيِّ أَيْضًا (وَأَبْلَغُ) أَيْ وَلِأَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ (وَإِطْلَاقُهُ) أَيْ أَنَّ الْمَجَازَ دَائِمًا أَبْلَغُ (بِلَا مُوجِبٍ لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَهُ أَبْلَغُ (مِنْ الْبَلَاغَةِ) مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَهُوَ ظَاهِرُ حِكَايَةِ السَّكَّاكِيِّ لَهُ عَنْ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ (مَمْنُوعٌ) وَكَيْفَ لَا (وَصَرَّحَ بِأَبْلَغِيَّةِ الْحَقِيقَةِ) مِنْ الْمَجَازِ (فِي مَقَامِ الْإِجْمَالِ) مُطْلَقًا لِدَاعٍ دَعَا إلَيْهِ مِنْ إبْهَامٍ عَلَى السَّامِعِ كَلِيَ عَيْنٌ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ أَوَّلًا ثُمَّ التَّفْصِيلُ ثَانِيًا لِأَنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ مُجْمَلًا ثُمَّ مُفَصَّلًا أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ (فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْمُطَابِقُ لِمُقْتَضَى الْحَالِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ) فَإِنَّ اللَّفْظَ مَعَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمَعَهَا عَلَى الْمَجَازِ فَلَا إجْمَالَ (وَبِمَعْنَى تَأْكِيدِ إثْبَاتِ الْمَعْنَى) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ الْبَلَاغَةِ أَيْ وَلِأَنَّهُ

مِنْ الْمُبَالَغَةِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِمَعْنَى كَوْنِهِ أَكْمَلُ وَأَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا أُرِيدَ بِهِ مِنْ الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا أُرِيدَ بِهَا (كَذَلِكَ) أَيْ مَمْنُوعٌ أَيْضًا (لِلْقَطْعِ بِمُسَاوَاةِ رَأَيْت أَسَدًا وَرَجُلًا هُوَ وَالْأَسَدُ سَوَاءٌ) فِي الشُّجَاعَةِ فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ الْمَفْهُومَةَ مِنْهُ وَمِنْ رَأَيْت أَسَدًا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ (نَعَمْ هُوَ) أَيْ الْمَجَازُ (كَذَلِكَ) أَيْ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ فِي (رَجُلًا كَالْأَسَدِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى رَأَيْت شُجَاعًا (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَجَازُ (كَدَعْوَى الشَّيْءِ بِبَيِّنَةٍ) أَيْ فِيهِ تَأْكِيدٌ لِلدَّلَالَةِ وَتَقْوِيَتُهَا (بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الْمَجَازِيِّ) مِنْ الْحَقِيقِيِّ يَكُونُ (دَائِمًا مِنْ الْمَلْزُومِ) إلَى اللَّازِمِ كَالِانْتِقَالِ مِنْ الْغَيْثِ الَّذِي هُوَ مَلْزُومُ النَّبْتِ إلَى النَّبْتِ كَمَا الْتَزَمَهُ السَّكَّاكِيُّ فَإِنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ يَقْتَضِي وُجُودَ اللَّازِمِ لِامْتِنَاعِ انْفِكَاكِ الْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ (وَلُزُومُهُ) أَيْ الِانْتِقَالُ فِي الْمَجَازِ دَائِمًا مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ (تَكَلُّفٌ) حَيْثُ يُرَادُ بِاللُّزُومِ الِانْتِقَالُ فِي الْجُمْلَةِ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ لُزُومٌ عَقْلِيٌّ حَقِيقِيٌّ أَوْ عَادِيٌّ أَوْ اعْتِقَادِيٌّ أَوْ ادِّعَائِيٌّ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَكْثَرُ مَا يُعْتَبَرُ مِنْ اللُّزُومِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبِاللَّازِمِ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ وَالرَّدِيفِ وَبِالْمَلْزُومِ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتْبُوعِ وَالْمَرْدُوفِ (وَهُوَ) أَيْ التَّكَلُّفُ (مُؤْذِنٌ بِحَقِّيَّةِ انْتِفَائِهِ) أَيْ لُزُومُ الِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ الْمُسْتَنِدِ إلَيْهِ الْأَبْلَغِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ (مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ) هَذَا التَّرْجِيحُ (فِي) اللُّزُومِ (التَّحْقِيقِيِّ لَا الِادِّعَائِيِّ) كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (وَأَمَّا الْأَوْجَزِيَّةُ) أَيْ وَأَمَّا تَرْجِيحُ الْمَجَازِ عَلَى الْمُشْتَرَكِ بِأَنَّ الْمَجَازَ أَوْجَزُ فِي اللَّفْظِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ أَسَدًا يَقُومُ مَقَامَ رَجُلٍ شُجَاعٍ (وَالْأَخَفِّيَّةُ) أَيْ بِأَنَّ الْمَجَازَ أَخَفُّ لَفْظًا مِنْ الْحَقِيقَةِ كَالْحَادِثَةِ وَالْخَنْفَقِيقِ لِلدَّاهِيَةِ (وَالتَّوَصُّلُ إلَى السَّجْعِ) أَيْ وَبِأَنَّ الْمَجَازَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَوَاطُؤِ الْفَاصِلَتَيْنِ مِنْ النَّثْرِ عَلَى الْحَرْفِ الْآخِرِ نَحْوُ حِمَارٍ ثَرْثَارٍ إذَا وَقَعَا فِي أَوَاخِرِ الْقَرَائِنِ بِخِلَافِ بَلِيدٍ ثَرْثَارٍ أَيْ كَثِيرِ الْكَلَامِ (وَالطِّبَاقِ) أَيْ وَبِأَنَّ الْمَجَازَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ مَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهِ نَحْوُ قَوْلِ دِعْبِلٍ لَا تَعْجَبِي يَا سَلْمُ مِنْ رَجُلٍ ... ضَحِكَ الْمَشِيبُ بِرَأْسِهِ فَبَكَى فَضَحِكَ مَجَازٌ عَنْ ظَهْرٍ وَلَوْ ذَكَرَهُ مَكَانَهُ لَفَاتَ هَذَا التَّحْسِينُ الْبَدِيعِيُّ (وَالْجِنَاسِ) أَيْ وَبِأَنَّ الْمَجَازَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَشَابُهِ اللَّفْظَيْنِ لَفْظًا مَعَ تَغَايُرِهِمَا مَعْنًى وَأَصْنَافُهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْ مِثْلِ الْجِنَاسِ التَّامِّ الْمُمَاثِل قَوْلُهُ أَقُمْ إلَى قَصْدِهِمْ سُوقَ السُّرَى وَأَقُمْ ... بِدَارِ عَزِّ وَسُوقِ الْأَيْنُقِ الْتَثَمَ فَأَقُمْ الْأَوَّلُ مَجَازٌ لَوْ ذُكِرَ حَقِيقَتُهُ وَهِيَ التَّنْفِيقُ لَفَاتَ الْجِنَاسُ (وَالرَّوِيِّ) أَيْ بِأَنَّ الْمَجَازَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْحَرْفِ الَّذِي تُبْتَنَى عَلَيْهِ الْقَصِيدَةُ نَحْوُ قَوْلِهِ عَارَضْنَنَا أَصْلًا فَقُلْنَا الرَّبْرَبَ ... حَتَّى تَبَدَّى الْأُقْحُوَانُ الْأَشْنَبُ الرَّبْرَبُ الْقَطِيعُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَالْأُقْحُوَانُ الْبَابُونَجُ وَالشَّنَبُ حِدَّةُ الْأَسْنَانِ وَبَرْدُهَا تَجُوزُ بِهِمَا عَنْ السِّنِّ الْأَبْيَضِ لِلتَّوَصُّلِ إلَى الرَّوِيِّ فَتَحْصُلُ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْأَشْنَبِ وَالرَّبْرَبِ لِفَوَاتِهِ بِسِنِّهِنَّ الْأَبْيَضِ (فَمُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ) فَقَدْ يَكُونُ أَوْجَزَ وَأَخَفَّ كَالْعَيْنِ لِلْجَاسُوسِ وَلِلْيَنْبُوعِ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى السَّجْعِ وَالرَّوِيِّ مِثْلُ لَيْثٍ مَعَ غَيْثٍ دُونَ أَسَدٍ وَالْمُطَابَقَةُ نَحْوُ خَسُّنَا خَيْرٌ مِنْ خِيَاركُمْ وَالْجِنَاسُ نَحْوُ رَحْبَةٍ رَحْبَةٍ بِخِلَافِ وَاسِعَةٍ (وَيَتَرَجَّحُ) الْمُشْتَرَكُ (بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْعَلَاقَةِ وَمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ وَهُوَ) أَيْ الظَّاهِرُ (الْحَقِيقَةُ وَهَذَا) أَيْ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ مُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ (إنْ عُمِّمَ فِي غَيْرِ الْمُنْفَرِدِ) وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ (فَمَمْنُوعٌ) لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقَةٌ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ مُعَيِّنَةَ لَهُ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يُعَمَّمْ فِيهِ (لَا يُفِيدُ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ (وَعَنْ ارْتِكَابِ الْغَلَطِ لِلْوَقْفِ) فِيمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ (لِعَدَمِهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ الْمُعَيِّنَةِ عِنْدَ مَنْ لَا يُعَمِّمُهُ (أَوْ لِلتَّعْمِيمِ) عَطْفٌ عَلَى لِلتَّوَقُّفِ أَيْ أَوْ لِتَعْمِيمِهِ فِي مَفَاهِيمِهِ لِحَمْلِهِ عَلَى الْجَمِيعِ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ (بِخِلَافِهِ) أَيْ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِهَا بَلْ يُحْكَمُ بِإِرَادَةِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحَالُ أَنَّهُ كَمَا قَالَ (وَقَدْ لَا يُرَادُ الْحَقِيقِيُّ وَتَخْفَى الْقَرِينَةُ) فَيَقَعُ الْغَلَطُ فِي الْحُكْمِ بِإِرَادَتِهِ (وَالْوَجْهُ أَنَّ جَوَازَ الْغَلَطِ فِيهِمَا) أَيْ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَجَازِ (بِتَوَهُّمِهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ وَهُمَا فِي تَوَهُّمِهَا سَوَاءٌ (وَلَا أَثَرَ

مسألة يعم المجاز فيما تجوز به فيه

لِلِاحْتِيَاجِ) أَيْ لِاحْتِيَاجِ الْمَجَازِ (إلَى عَلَاقَتِهِ) الْمُسَوِّغَةِ لِلتَّجَوُّزِ بِهِ عَنْ الْحَقِيقِيِّ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى عَلَاقَةٍ فِي تَرْجِيحِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا ذَكَرُوهُ (بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا بَعْدَ تَحَقُّقِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا تَحَقُّقَ لِلْمَجَازِ بِدُونِ عَلَاقَتِهِ الْمَذْكُورَةِ (وَبِأَنَّهُ يَطَّرِدُ) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ الْمُشْتَرَكُ أَيْضًا بِاطِّرَادِهِ فِي كُلٍّ مِنْ مَعَانِيه لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَحَالِّهِ فَلَا يَضْطَرِبُ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّ مِنْ عَلَامَاتِهِ أَنْ لَا يَطَّرِدَ فَيَضْطَرِبَ فِيهِ بِحَسَبِ مَحَالِّهِ وَمَا لَا يَضْطَرِبُ أَوْلَى لِأَنَّ الِاضْطِرَابَ يَكُونُ لِمَانِعٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ) فَإِنَّ الْمَجَازَ قَدْ يَطَّرِدُ كَالْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ (وَبِالِاشْتِقَاقِ) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ الْمُشْتَرَكُ أَيْضًا بِالِاشْتِقَاقِ (مِنْ مَفْهُومَيْهِ) إذَا كَانَ مِمَّا يُشْتَقُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ مِنْ خَوَاصِّهَا (فَيَتَّسِعُ) الْكَلَامُ وَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ وَالْمَجَازُ قَدْ لَا يُشْتَقُّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لَهُ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ وَإِلْكِيَا مَانِعِي الِاشْتِقَاقِ مِنْ الْمَجَازِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى قَصْرِ الْمَجَازَاتِ كُلِّهَا عَلَى الْمَصَادِرِ فَلَا جَرَمَ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ الْجُمْهُورُ هَذَا (وَالْحَقُّ أَنَّ الِاشْتِقَاقَ يَعْتَمِدُ الْمَصْدَرِيَّةَ حَقِيقَةً كَانَ) الْمَصْدَرُ (أَوْ مَجَازًا كَالْحَالِ نَاطِقَةٍ وَنَطَقَتْ) الْحَالُ مِنْ النُّطْقِ بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ (وَقَدْ تَتَعَدَّدُ) الْمَعَانِي (الْمَجَازِيَّةُ لِلْمُنْفَرِدِ أَكْثَرَ مِنْ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَلْزَمُ أَوْسَعِيَّتُهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكُ عَلَى الْمَجَازِ (فَلَا يَنْضَبِطُ) الِاتِّسَاعُ الْمُقْتَضِي لِلتَّرْجِيحِ (وَعَدَمُهُ) أَيْ الِاشْتِقَاقِ (مِنْ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الشَّأْنِ لِعَدَمِهَا) أَيْ الْمَصْدَرِيَّةِ لَا لِأَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ كَمَا قِيلَ (وَمِنْ فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ) مَعَ وُجُودِ الْمَصْدَرِ (لِفَوْتِ غَرَضِ الْمُبَالَغَةِ) الْحَاصِلَةِ مِنْ حَمْلِ الْمَصْدَرِ عَلَى النَّاقَةِ الْمُفِيدِ جَعْلِهَا لِكَثْرَةِ مَا تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ كَأَنَّهَا تَجَسَّمَتْ مِنْ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ وَالتَّخَلُّفِ لِمَانِعٍ لَا يَقْدَحُ فِي اقْتِضَاءِ الْمُقْتَضِي كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَرَجَّحَ أَكْثَرِيَّةُ الْمَجَازِ الْكُلِّ) أَيْ مُرَجِّحَاتُ الِاشْتِرَاكِ فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَ الْعَرَبِ عَلِمَ أَنَّ الْمَجَازَ فِيهِ أَغْلَبُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ حَتَّى ظَنَّ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ أَكْثَرَ اللُّغَةِ مَجَازٌ فَيَتَرَجَّحُ الْمَجَازُ عَلَيْهِ إلْحَاقًا لِلْفَرْدِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ. [مَسْأَلَة يَعُمُّ الْمَجَازُ فِيمَا تَجُوزُ بِهِ فِيهِ] (مَسْأَلَةٌ يَعُمُّ الْمَجَازُ فِيمَا تَجُوزُ بِهِ فِيهِ فَقَوْلُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّمَاءَ وَالرِّمَاءُ هُوَ الرِّبَا» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ (يَعُمُّ فِيمَا يُكَالُ بِهِ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي نَحْوِ الْجَصِّ) مِمَّا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ (وَيُفِيدُ مَنَاطُهُ) أَيْ الرِّبَا لِأَنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ بِالْمَكِيلِ فَيُفِيدُ عَلَيْهِ مَبْدَأَ الِاشْتِقَاقِ (وَعَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لَا) يَعُمُّ وَعَزَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إلَى الشَّافِعِيِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَجَازَ (ضَرُورِيٌّ) أَيْ لِضَرُورَةِ التَّوْسِعَةِ فِي الْكَلَامِ كَالرُّخَصِ الشَّرْعِيَّةِ الثَّابِتَةِ ضَرُورَةُ التَّوْسِعَةِ عَلَى النَّاسِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَلِذَا تَتَرَجَّحُ عَلَى الْمَجَازِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالضَّرُورَةِ بِدُونِ إثْبَاتِ الْعُمُومِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ (فَانْتَفَى) الرِّبَا (فِيهِ) أَيْ فِي نَحْوِ الْجَصِّ وَوَجْهُ تَرْتِيبِهِ عَلَى كَوْنِهِ ضَرُورِيًّا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَعُمُّ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِبَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الطَّعَامُ مُرَادٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» أَخْرَجَ مَعْنَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ مُرَادًا فَصَارَ الْمُرَادُ بِالصَّاعِ الطَّعَامَ (فَسَلَّمَ عُمُومَ الطَّعَامِ لِانْتِفَاءِ عِلِّيَّةِ الْكَيْلِ) أَيْ فَتَعَيَّنَ الطَّعْمُ لِلْعِلِّيَّةِ وَبَطَلَ عِلِّيَّةُ الْكَيْلِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعَلَّلْ بِعِلَّتَيْنِ فَسَلِمَ عِلِّيَّتُهُ عَنْ الْمُعَارِضِ وَعُمُومِهِ (فَامْتَنَعَ) أَنْ تُبَاعَ (الْحَفْنَةُ بِالْحَفْنَتَيْنِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّعَامِ (وَلَزِمَتْ عِلِّيَّتُهُ) أَيْ الطَّعْمِ عِنْدَهُمْ (قِيلَ) أَيْ قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ مَا مَعْنَاهُ: (لَمْ يُعْرَفْ) نَفْيُ عُمُومِ الْمَجَازِ (عَنْ أَحَدٍ وَيَبْعُدُ) أَيْضًا نَفْيُهُ (لِأَنَّهَا) أَيْ الضَّرُورَةَ (بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ مَمْنُوعٌ) وُجُودُهَا (لِلْقَطْعِ بِتَجْوِيزِ الْعُدُولِ إلَيْهِ) أَيْ الْمَجَازِ (مَعَ قُدْرَةِ الْحَقِيقَةِ لِفَوَائِدِهِ) أَيْ الْمَجَازِ الَّتِي مِنْهَا لَطَائِفُ الِاعْتِبَارَاتِ وَمَحَاسِنُ الِاسْتِعَارَاتِ وَالْمُوجِبَةُ لِزِيَادَةِ بَلَاغَةِ الْكَلَامِ أَيْ عُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَارْتِفَاعِ طَبَقَتِهِ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ مَنْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةِ وَالِاضْطِرَارُ إلَى اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَلَامِ (وَإِلَى السَّامِعِ أَيْ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ضَرُورَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ إلْغَاءُ الْكَلَامِ وَإِخْلَاءُ اللَّفْظِ مِنْ الْمَرَامِ (لَا تَنْفِي الْعُمُومَ)

مسألة استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز

فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَإِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَعِنْدَ الضَّرُورَةِ إلَى حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا قَصَدَهُ الْمُتَكَلِّمُ وَاحْتَمَلَهُ اللَّفْظُ بِحَسَبِ الْقَرِينَةِ إنْ عَامًّا فَعَامٌّ وَإِنْ خَاصًّا فَخَاصٌّ (وَلَا) تَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ أَيْضًا (بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاضِعِ بِأَنْ اشْتَرَطَ فِي اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمَجَازِ (تَعَذُّرَهَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ (لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْفِي الْعُمُومَ (وَلِأَنَّ الْعُمُومَ لِلْحَقِيقَةِ بِاعْتِبَارِ شُمُولِ الْمُرَادِ) بِاللَّفْظِ (بِمُوجِبِهِ) أَيْ الشُّمُولِ مِنْ أَسْبَابٍ زَائِدَةٍ عَلَى ذَاتِهَا كَأَدَاةِ التَّعْرِيفِ وَوُقُوعِهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ (لَا) بِاعْتِبَارِ (ذَاتِهَا) أَيْ لَيْسَ الْعُمُومُ ذَاتِيًّا لِلْحَقِيقَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْهَا إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا انْفَكَّ عَنْهَا لِأَنَّ مُوجِبَ الذَّاتِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا فَكَانَتْ لَا تُوجَدُ إلَّا عَامَّةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِذَا وُجِدْت فِي الْمَجَازِ الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُمُومِ فِي الْحَقِيقَةِ كَانَ عَامًّا أَيْضًا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الْمَانِعِ (قِيلَ) أَيْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: (وَلَا يَتَأَتَّى نِزَاعٌ لِأَحَدٍ فِي صِحَّةِ قَوْلِنَا جَاءَنِي الْأُسُودُ الرُّمَاةُ إلَّا زَيْدًا لَكِنَّ الْوَاجِدَ) لِلْخِلَافِ (مُقَدَّمٌ) عَلَى نَافِيهِ لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ النَّافِي عَامَّةَ الْمَحَالِّ (وَانْدَرَجَ الْوَجْهُ) لِعُمُومِ الْمَجَازِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ (وَلَزِمَتْ الْمُعَارَضَةُ) بَيْنَ عِلِّيَّةِ وَصْفِ الطَّعْمِ وَكَوْنِهِ يُكَالُ وَيَتَرَجَّحُ الْأَعَمُّ وَهُوَ كَوْنُهُ يُكَالُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الطَّعْمِ لِتَعَدِّيهِ إلَى مَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ وَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ تَرْجِيحِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة اسْتِعْمَالُ اللَّفْظَ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ] (مَسْأَلَةُ الْحَنَفِيَّةِ وَفُنُونِ الْعَرَبِيَّةِ) أَيْ عَامَّةُ أَهْلِ الْأَدَبِ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ (وَجَمْعٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ) مِنْهُمْ أَبُو هَاشِمٍ (لَا يَسْتَعْمِلُ) اللَّفْظَ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (مَقْصُودَيْنِ بِالْحُكْمِ) فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ (وَفِي الْكِنَايَةِ الْبَيَانِيَّةِ) إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْهِ (لِيَنْتَقِلَ مِنْ الْحَقِيقِيِّ الْوَاقِعِ بَيْنَهُ إلَى الْمَجَازِيِّ) كَقَوْلِهِمْ كِنَايَةً عَنْ طَوِيلِ الْقَامَةِ طَوِيلِ النِّجَادِ فَمَنَاطُ الْحُكْمِ فِيهَا إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ اللَّفْظُ فِيهَا مُرَادًا بِهِ كِلَاهُمَا مَقْصُودَيْنِ بِالْحُكْمِ (وَأَجَازَهُ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ (الشَّافِعِيَّةُ وَالْقَاضِي وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ) كَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ (مُطْلَقًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا (كَافْعَلْ أَمْرًا وَتَهْدِيدًا) لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَقْتَضِي الْفِعْلَ وَالتَّهْدِيدَ يَقْتَضِي التَّرْكَ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ (وَالْغَزَالِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ يَصِحُّ) اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا (عَقْلًا لَا لُغَةً) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَّا فِي غَيْرِ الْمُفْرَدِ) أَيْ مَا لَيْسَ بِمَثْنًى وَلَا مَجْمُوعٍ (فَيَصِحُّ لُغَةً) أَيْضًا (لِتَضَمُّنِهِ) أَيْ غَيْرُ الْمُفْرَدِ (الْمُتَعَدِّدَ فَكُلُّ لَفْظٍ لِمَعْنًى وَقَدْ ثَبَتَ الْقَلَمُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَالْخَالُ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ) فَأُرِيدَ بِأَحَدِ اللِّسَانَيْنِ الْقَلَمُ وَهُوَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لِلِّسَانِ وَبِاللِّسَانِ الْآخَرِ الْجَارِحَةُ وَهُوَ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ لَهُ وَبِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ الْخَالُ وَهُوَ مَعْنَى مَجَازِيٌّ لِلْأَبِ وَبِالْآخِرِ مِنْ وَلَدِهِ وَهُوَ مَعْنَى حَقِيقِيٌّ لَهُ (وَالتَّعْمِيمُ فِي الْمَجَازِيَّةِ) أَيْ وَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَعَانِيه الْمَجَازِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ (قِيلَ) أَيْ قَالَ الْقَرَافِيُّ هُوَ (عَلَى الْخِلَافِ كَلَا أَشْتَرِي بِشِرَاءِ الْوَكِيلِ وَالسَّوْمِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَعْنًى مَجَازِيٌّ لِقَوْلِهِ لَا أَشْتَرِي (وَالْمُحَقِّقُونَ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ) فَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ بِخَطَأِ مَنْ قَالَ: لَا أَشْتَرِي وَأَرَادَ شِرَاءَ الْوَكِيلِ وَالسَّوْمِ (وَلَا) خِلَافَ أَيْضًا (فِيهِ) أَيْ فِي مَنْعِ تَعْمِيمِهِ فِي الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ) بِحَيْثُ يَكُونُ اللَّفْظُ بِحَسَبِ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا (وَلَا) خِلَافَ أَيْضًا (فِي جَوَازِهِ) أَيْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ (فِي مَجَازِيٍّ يَنْدَرِجُ فِيهِ الْحَقِيقِيُّ) وَيَكُونُ مِنْ أَفْرَادِهِ (لَنَا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي صِحَّتِهِ عَقْلًا (صِحَّةُ إرَادَةِ مُتَعَدِّدٍ بِهِ قَطْعًا) لِلْإِمْكَانِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ اللَّفْظِ مَوْضُوعًا (لِبَعْضِهَا) أَيْ الْمَعَانِي وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ دُونَ الْبَعْضِ (لَا يُمْنَعُ عَقْلًا إرَادَةُ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْبَعْضِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ (بَعْدَ صِحَّةِ طَرِيقِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ (إذْ حَاصِلُهُ نَصْبُ مَا يُوجِبُ الِانْتِقَالَ مِنْ لَفْظٍ بِوَضْعٍ وَقَرِينَةٍ) وَمَا قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ تَوْجِيهِ الذِّهْنِ إلَى أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَالْآخَرِ مَجَازًا وَكُلُّ مِنْهُمَا قَضِيَّةٌ وَالذِّهْنُ لَا يَتَوَجَّهُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إلَى حُكْمَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ وَإِنَّمَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ تَوْجِيهُ الذِّهْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةِ إلَى تَصَوُّرَيْنِ مَمْنُوعٌ (فَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) بَلْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْهُمْ (يَسْتَحِيلُ) الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (كَالثَّوْبِ) الْوَاحِدِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى اللَّابِسِ الْوَاحِدِ (مِلْكًا

وَعَارِيَّةً فِي وَقْتٍ) وَاحِدٍ (تَهَافَتَ) أَيْ تَسَاقَطَ (إذْ ذَاكَ) أَيْ كَوْنُ اجْتِمَاعِ الشَّيْئَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ مُحَالًا إنَّمَا هُوَ فِيهِمَا حَالَ كَوْنِهِمَا جِسْمَيْنِ (فِي الظَّرْفِ الْحَقِيقِيِّ) فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِحَالَةُ إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مَعًا وَإِنْ كَانَ تَوْضِيحًا وَتَمْثِيلًا لِلْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى اسْتِحَالَةِ إرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ فَإِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ (لَا يُقَالُ الْمَجَازِيُّ يَسْتَلْزِمُ مُعَانِدَ الْحَقِيقِيِّ) أَيْ وُجُودَ مُعَانِدِهِ أَعْنِي (قَرِينَةَ عَدَمِ إرَادَتِهِ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يُعْقَلُ اجْتِمَاعُهُمَا لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ اسْتِلْزَامُهُ ذَلِكَ (بِلَا مُوجِبٍ) لَهُ فَلَا يُسْمَعُ (بَلْ ذَاكَ) أَيْ اسْتِلْزَامُهُ إيَّاهُ (عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ التَّعْمِيمِ أَمَّا مَعَهُ) أَيْ قَصْدِ تَعْمِيمِهِ بِهِ (فَلَا يُمْكِنُ) عِنْدَ الْمُعَمَّمِ (نَعَمْ يَلْزَمُ عَقْلًا كَوْنُهُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِي اسْتِعْمَالٍ وَاحِدٍ وَهُمْ يَنْفُونَهُ) أَيْ كَوْنَهُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِي اسْتِعْمَالٍ وَاحِدٍ لُغَةً (لَا يُقَالُ) عَلَى هَذَا (بَلْ) هُوَ (مَجَازٌ لِلْمَجْمُوعِ) كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ حَيْثُ قَالَ عَلَى أَنَّا لَا نَجْعَلُ اللَّفْظَ عِنْدَ إرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا لِيَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِعْمَالِ الثَّوْبِ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ وَالْعَارِيَّةِ بَلْ نَجْعَلُهُ مَجَازًا قَطْعًا لِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَجْمُوعِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ اللَّفْظَ (لِكُلٍّ) مِنْ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (إذْ كُلٌّ) مِنْهُمَا (مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ لَا الْمَجْمُوعُ لَكِنَّ نَفْيَهُمْ غَيْرُ عَقْلِيٍّ) وَإِنَّمَا هُوَ لُغَوِيٌّ (بَلْ يَصِحُّ عَقْلًا حَقِيقَةً لِإِرَادَةِ الْحَقِيقِيِّ وَمَجَازًا لِنَحْوِهِ) أَيْ لِإِرَادَةِ نَحْوِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْمَجَازِيُّ (وَلَنَا فِي الثَّانِي) أَيْ نَفْيِ صِحَّتِهِ لُغَةً (تَبَادُرُ الْوَضْعِيِّ فَقَطْ) مِنْ إطْلَاقِهِ (يَنْفِي غَيْرَ الْحَقِيقِيِّ) أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ فِيهِ (حَقِيقَةً) لِأَنَّ التَّبَادُرَ أَمَارَةُ الْحَقِيقَةِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْعِلْمِ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ وَعَدَمُهُ أَمَارَةُ عَدَمِهَا وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْعِلْمِ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لِغَيْرِهِ وَتَأَكُّدِهِ بِالْمُبَادَرَةِ وَكَوْنِ الْأَصْلِ عَدَمَ الِاشْتِرَاكِ وَكَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهُ أَيْ غَيْرَ الْوَضْعِيِّ إلَّا أَنَّهُ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِزِيَادَةِ التَّمَكُّنِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ وَالْحَقِيقِيَّ مَكَانَ الْوَضْعِيِّ لِبَيَانِ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهِ (وَعَدَمُ الْعَلَاقَةِ يَنْفِيهِ) أَيْ غَيْرُ الْحَقِيقِيِّ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ فِيهِ (مَجَازًا بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُشْتَرَكِ) مِنْ انْتِفَاءِ الْعَلَاقَةِ وَانْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى بِمَنْعِ صِحَّتِهِ لُغَةً (وَعَلَى النَّفْيِ) أَيْ نَفْيِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ (اخْتَصَّ الْمَوَالِي بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ دُونَ مَوَالِيهِمْ) أَيْ مَوَالِي الْمَوَالِي فِيمَا إذَا أَوْصَى مَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِمَوَالِيهِ وَلَهُ عُتَقَاءُ وَعُتَقَاءُ عُتَقَاء لِأَنَّ الْعُتَقَاءَ مَوَالِيهِ حَقِيقَةً لِمُبَاشَرَتِهِ عِتْقَهُمْ وَعُتَقَاءُ الْعُتَقَاءِ مَوَالِيه مَجَازًا لِتَسَبُّبِهِ فِي عِتْقِهِمْ بِإِعْتَاقِ مُعْتِقِيهِمْ لِأَنَّهُمْ بِعِتْقِهِ صَارُوا أَهْلًا لِإِعْتَاقِ غَيْرِهِمْ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ فَتَعَيَّنَتْ الْحَقِيقَةُ لِتَرَجُّحِهَا وَإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ يُوجَدَ (وَاحِدٌ) مِنْ الْمَوَالِي لَا غَيْرُ (فَلَهُ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَتْ الْحَقِيقَةُ وَاسْتَحَقَّ الِاثْنَانِ مِنْهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ لَهُمَا حُكْمَ الْجَمْعِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ كَانَ بِالضَّرُورَةِ النِّصْفُ لِلْوَاحِدِ وَالنِّصْفُ لِلْوَرَثَةِ لَا لِعُتَقَاءِ الْعَتِيقِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَأَوْرَدَ هَبْ أَنَّ الْمَوَالِيَ لِمَنْ بَاشَرَ إعْتَاقَهُمْ لَكِنَّ الْمَفْرُوضَ أَنَّ لَهُ مُعْتَقًا وَاحِدًا فَلِمَ لَا يَكُونُ ذَكَرَ الْجَمْعَ وَأَرَادَ الْمُفْرَدَ مَجَازًا وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَوُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الثَّانِي انْتِفَاءُ الْأَوَّلِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ لِأَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِهِ مَوْجُودٌ وَبَعْضَهَا مُنْتَظِرُ الْوُجُودِ إذْ الْإِعْتَاقُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ (وَكَذَا لِأَبْنَاءِ فُلَانٍ مَعَ حَفَدَتِهِ عِنْدَهُ) أَيْ وَمِثْلُ حُكْمِ الْمَوَالِي مَعَ مَوَالِي الْمَوَالِي فِي الْوَصِيَّةِ لَهُمْ حُكْمُ الْأَبْنَاءِ مَعَ أَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِأَبْنَاءِ فُلَانِ وَلِفُلَانٍ أَبْنَاءٌ وَأَبْنَاءُ أَبْنَاءٍ فَقَالَ: تَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِلصُّلْبِيِّينَ خَاصَّةً لِأَنَّ الْأَبْنَاءَ حَقِيقَةٌ فِيهِمْ مَجَازٌ فِي بَنِيهِمْ وَالْجَمْعُ مُتَعَذِّرٌ فَتَعَيَّنَتْ الْحَقِيقَةُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ ابْنٌ صُلْبِيٌّ لَا غَيْرُ فَيَكُونُ لَهُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ لِلْوَرَثَةِ دُونَ أَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ (وَقَالَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (يَدْخُلُونَ) أَيْ مَوَالِي الْمَوَالِي وَالْحَفَدَةِ (مَعَ الْوَاحِدِ) مِنْ الْمَوَالِي وَالْأَبْنَاءِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (بِعُمُومِ الْمَجَازِ) لِأَنَّ الْمَوَالِيَ تُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ وَالْأَبْنَاءُ تُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ أَيْضًا وَلَا تَدْخُلُ مَوَالِي الْمَوَالِي وَلَا أَبْنَاءُ الْأَبْنَاءِ مَعَ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ (وَالِاتِّفَاقُ دُخُولُهُمْ) أَيْ مَوَالِي الْمَوَالِي وَأَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ) مِنْ

الْمَوَالِي وَالْأَبْنَاءِ (لِتَعْيِينِ الْمَجَازِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَحَدٌ لِلْإِرَادَةِ بِهِمْ احْتِرَازًا مِنْ الْإِلْغَاءِ (وَأَمَّا النَّقْضُ) لِمَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ (بِدُخُولِ حَفَدَةِ الْمُسْتَأْمِنِ عَلَى بَنِيهِ) مَعَ بَنِيهِ فِي الْأَمَانِ مَعَ أَنَّ الْأَبْنَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الصُّلْبِيِّينَ مَجَازٌ فِي الْحَفَدَةِ (وَبِالْحِنْثِ بِالدُّخُولِ رَاكِبًا) أَوْ مُتَنَعِّلًا (فِي حَلِفِهِ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ) وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَمَا لَوْ دَخَلَهَا حَافِيًا مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً مَجَازٌ فِي دُخُولِهِ رَاكِبًا وَمُتَنَعِّلًا (وَبِهِ) أَيْ بِالْحِنْثِ (بِدُخُولِ دَارِ سُكْنَاهُ) أَيْ فُلَانٍ (إجَارَةٌ) أَوْ إعَارَةٌ (فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ) أَيْ فُلَانٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَمَا لَوْ دَخَلَ دَارَ سُكْنَاهُ الْمَمْلُوكَةَ لَهُ مَعَ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْمَمْلُوكَةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ نَفْيِهَا عَنْهُ مَجَازٌ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمُسْتَعَارَةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ نَفْيِهِمَا عَنْهُ (وَبِالْعِتْقِ) أَيْ عِتْقُ عَبْدِهِ مَثَلًا (فِي إضَافَتِهِ إلَى يَوْمٍ يَقْدُمُ) فُلَانٌ (فَقَدِمَ لَيْلًا) وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَمَا لَوْ قَدِمَ نَهَارًا مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً مَجَازٌ فِي اللَّيْلِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ نَفْيِهِ عَنْهُ (وَيَجْعَلُ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا بِنِيَّةِ النَّذْرِ وَالْيَمِينُ يَمِينًا وَنَذْرًا حَتَّى وَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ بِمُخَالَفَتِهِ) أَيْ بِعَدَمِ صِيَامِ مَا سَمَّاهُ الْقَضَاءَ بِتَفْوِيتِ مُوجِبِ النَّذْرِ وَهُوَ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَهُ وَالْكَفَّارَةُ بِتَفْوِيتِ مُوجِبِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْبِرِّ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَعَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ حَقِيقَةٌ لِلنَّذْرِ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ مَجَازٌ لِلْيَمِينِ حَتَّى يَتَوَقَّفَ عَلَى نِيَّتِهَا لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ قَالَ يَكُونُ نَذْرًا فَقَطْ (فَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ) أَيْ النَّقْضِ بِدُخُولِ حَفَدَتِهِ فِي الِاسْتِئْمَانِ عَلَى بَنِيهِ (بِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْحَقْنِ) أَيْ حِفْظِ الدَّمِ وَصِيَانَتِهِ عَنْ السَّفْكِ (أَوْجَبَهُ) أَيْ دُخُولُ الْحَفَدَةِ (تَبَعًا لِحُكْمِ الْحَقِيقِيِّ) أَيْ حَقْنُ دِمَاءِ الْأَبْنَاءِ (عِنْدَ تَحَقُّقِ شُبْهَتِهِ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ فِيهِمْ (لِلِاسْتِعْمَالِ) أَيْ لِاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْبَنِينَ فِيهِمْ كَمَا فِي (نَحْوِ بَنِي هَاشِمٍ وَكَثِيرٍ) لِوُجُودِ شُبْهَةِ صُورَةِ الِاسْمِ لِأَنَّ الْأَمَانَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ وَلَوْ بِالشُّبْهَةِ حَتَّى ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ صُورَةِ الْمُسَالَمَةِ بِأَنْ أَشَارَ مُسْلِمٌ إلَى كَافِرٍ بِالنُّزُولِ مِنْ حِصْنٍ أَوْ قَالَ: انْزِلْ إنْ كُنْت رَجُلًا أَوْ تُرِيدُ الْقِتَالَ أَوْ تَرَى مَا أَفْعَلُ بِك وَظَنَّ الْكَافِرُ مِنْهُ الْأَمَانَ يَثْبُتُ الْأَمَانُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِصُورَةِ الِاسْمِ وَالشُّبْهَةِ (فَفَرَّعُوا عَدَمَهُ) أَيْ عَدَمَ الدُّخُولِ (فِي الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ بِالِاسْتِئْمَانِ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْأَصَالَةِ فِي الْخَلْقِ) فِي الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ (يَمْنَعُ التَّبَعِيَّةَ فِي الدُّخُولِ) أَيْ دُخُولِهِمْ (فِي اللَّفْظِ) أَيْ لَفْظِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ قَالُوا: لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الدُّخُولِ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ صُورَةِ الِاسْمِ دَلِيلٌ ضَعِيفٌ فِي نَفْسِهِ فَإِذَا عَارَضَهُ كَوْنُهُمْ أُصُولًا لَهُمْ فِي الْخِلْقَةِ سَقَطَ الْعَمَلُ بِهِ (وَإِعْطَاءُ الْجَدِّ السُّدُسَ لِعَدَمِ الْأَبِ لَيْسَ بِإِعْطَائِهِ الْأَبَوَيْنِ) أَيْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأَبِ مَعَ كَوْنِهِ أَصْلًا لَهُ خِلْقَةً لِيَقْدَحَ فِي كَوْنِ الْأَصَالَةِ خِلْقَةً غَيْرَ قَادِحَةٍ فِي التَّبَعِيَّةِ (بَلْ بِغَيْرِهِ) أَيْ بَلْ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ إقَامَةُ الشَّرْعِ إيَّاهُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ كَمَا فِي بِنْتِ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْبِنْتِ (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابَ (يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ الْأُمُّ الْأَصْلُ لُغَةً وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ الْبَنَاتُ الْفُرُوعُ لُغَةً) فَإِنَّ هَذَا يُفِيدُ اسْتِوَاءَهُمْ فِي الدُّخُولِ (وَأَيْضًا إذَا صُرِفَ الِاحْتِيَاطُ عَنْ الِاقْتِصَارِ فِي الْأَبْنَاءِ) عَلَى الْأَبْنَاءِ (عِنْدَ شُبْهَةِ الْحَقِيقَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ فَعَنْهُ) أَيْ فَيُصْرَفُ الِاحْتِيَاطُ عَنْ الِاقْتِصَارِ (فِي الْآبَاءِ) عَلَى الْآبَاءِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِشُبْهَةِ الْحَقِيقَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ (كَذَلِكَ) أَيْ كَمَا فِي الْأَبْنَاءِ (بِعُمُومِ الْمَجَازِ فِي الْأُصُولِ) أَيْ بِجَعْلِ الْآبَاءِ مَجَازًا عَنْ الْأُصُولِ (كَمَا هُوَ) أَيْ لَفْظُ الْأَبْنَاءِ مَجَازٌ (فِي الْفُرُوعِ إنْ لَمْ يَكُنْ) اللَّفْظُ (حَقِيقَةً) فِي ذَلِكَ (فَيَدْخُلُونَ) أَيْ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فِي الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ (وَمَانِعِيَّةُ الْأَصَالَةِ خِلْقَةً) مِنْ الدُّخُولِ أَمْرٌ (مَمْنُوعٌ) لِعَدَمِ اقْتِضَاءِ عَقْلٍ أَوْ نَقْلِ ذَلِكَ (هَذَا وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا مِنْ مَوَاضِعِ جَوَازِ الْجَمْعِ عِنْدَنَا) أَيْ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ (لِأَنَّ الْأَبْنَاءَ وَالْآبَاءَ جَمْعٌ) وَنَحْنُ قَدْ جَوَّزْنَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لُغَةً وَعَقْلًا فِي غَيْرِ الْمُفْرَدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (وَعَنْ الثَّانِي) أَيْ النَّقَضِ بِالْحِنْثِ بِالدُّخُولِ رَاكِبًا فِي حَلِفِهِ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ (بِهَجْرِ) الْمَعْنَى (الْحَقِيقِيُّ) لِوَضْعِ الْقَدَمِ لِأَنَّهُ لَوْ اضْطَجَعَ خَارِجَهَا وَوَضَعَ قَدَمَيْهِ فِيهَا لَا يُقَالُ عُرْفًا وَضَعَ الْقَدَمَ فِي الدَّارِ حَتَّى لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَمَا ذَاكَ إلَّا (لِفَهْمٍ صَرَفَ الْحَامِلَ) عَلَى هَجْرِهِ إلَى الدُّخُولِ بِوَاسِطَةِ الْيَمِينِ

لِظُهُورِ أَنَّ مَقْصُودَهُ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْ الدُّخُولِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ وَضْعِ الْقَدَمِ فَصَارَ بِاعْتِبَارِ مَقْصُودِهِ كَأَنَّهُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فَأَطْلَقَ السَّبَبَ وَأَرَادَ الْمُسَبَّب وَالدُّخُولُ مُطْلَقٌ عَنْ الرُّكُوبِ وَالتَّنَعُّلِ وَالْحَفَا فَيَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهَا لِحُصُولِ الدُّخُولِ الْمَقْصُودِ بِالْمَنْعِ (وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ) أَيْ النَّقْضِ بِالْحِنْثِ بِدُخُولِ دَارِ سُكْنَى فُلَانٍ إعَارَةً فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ (بِأَنَّ حَقِيقَةَ إضَافَةِ الدَّارِ بِالِاخْتِصَاصِ) الْكَامِلِ الْمُصَحَّحِ لَأَنْ يُخْبِرَ عَنْ الْمُضَافِ بِأَنَّهُ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ (بِخِلَافِ نَحْوِ كَوْكَبِ الْخَرْقَاءِ) فِي قَوْلِهِ إذَا كَوْكَبُ الْخَرْقَاءِ لَاحَ بِسَحَرَةٍ ... سُهَيْلٌ أَذَاعَتْ غَزْلَهَا فِي الْقَرَائِبِ فَإِنَّ إضَافَةَ كَوْكَبٍ الَّذِي هُوَ سُهَيْلٌ وَهُوَ كَوْكَبٌ بِقُرْبِ الْقُطْبِ الْجَنُوبِيِّ يَطْلُعُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْبَرْدِ إلَى الْخَرْقَاءِ وَهِيَ الَّتِي فِي عَقْلِهَا هَوَجٌ وَبِهَا حَمَاقَةٌ إضَافَةٌ مَجَازِيَّةٌ لِاخْتِصَاصٍ مَجَازِيٍّ وَهُوَ كَوْنُ زَمَانِ طُلُوعِهِ وَقْتَ ظُهُورِ جَدِّهَا فِي تَهْيِئَةِ مَلَابِسِ الشِّتَاءِ بِتَفْرِيقِهَا قُطْنَهَا فِي قَرَائِبِهَا لِيَغْزِلَ لَهَا فَجَعَلَتْ هَذِهِ الْمُلَابَسَةَ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِصَاصِ الْكَامِلِ (وَهُوَ) أَيْ اخْتِصَاصُهُ الْكَامِلُ بِالدَّارِ يَكُونُ (بِالسُّكْنَى وَالْمِلْكِ فَيَحْنَثُ) بِكُلٍّ حَتَّى يَحْنَثَ (بِالْمَمْلُوكَةِ غَيْرَ مَسْكُونَةٍ كَقَاضِي خَانَ) لِوُجُودِ الِاخْتِصَاصِ الْكَامِلِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِ الدَّارِ مُضَافَةً إلَى فُلَانٍ نِسْبَةُ السُّكْنَى إلَيْهِ حَقِيقَةً كَانَتْ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ دَلَالَةً بِأَنْ تَكُونَ مِلْكَهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ السُّكْنَى فِيهَا (خِلَافًا لِلسَّرَخْسِيِّ) وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْكَافِي بِنَاءً عَلَى انْقِطَاعِ نِسْبَةِ السُّكْنَى إلَيْهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الْيَمِينِ قَدْ يَكُونُ الْغَيْظُ اللَّاحِقُ لَهُ مِنْ فُلَانٍ وَذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي امْتِنَاعَهُ مِنْ دُخُولِ الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهِ بِالِاخْتِصَاصِ مَمْلُوكَةً كَانَتْ وَلَوْ غَيْرَ مَسْكُونَةٍ لَهُ أَوْ مَسْكُونَةً لَهُ وَلَوْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهُ (وَعَنْ الرَّابِعِ) أَيْ وَعَنْ النَّقْضِ بِعِتْقِ مَنْ أَضَافَ عِتْقَهُ إلَى يَوْمِ يَقْدُمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا (بِأَنَّهُ) أَيْ الْيَوْمَ (مَجَازٌ فِي الْوَقْتِ) الْمُطْلَقِ (عَامٌّ لِثُبُوتِ الِاسْتِعْمَالِ) لَهُ كَذَلِكَ (عِنْدَ ظَرْفِيَّتِهِ لِمَا لَا يَمْتَدُّ) مِنْ الْأَفْعَالِ وَهُوَ مَا لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] فَإِنَّ التَّوَلِّيَ عَنْ الزَّحْفِ حَرَامٌ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا وَهُوَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ (فَيُعْتَبَرُ) الْمَجَازِيُّ الْعَامُّ (إلَّا لِمُوجِبٍ) يَقْتَضِي كَوْنَ الْمُرَادِ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ خَاصَّةً (كَطَالِقٍ يَوْمَ أَصُومُ) فَإِنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ وَالْمُوجِبُ لِإِرَادَةِ بَيَاضِ النَّهَارِ بِهِ أَنَّ الصَّوْمَ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا يَكُونُ فِيهِ وَفِي التَّلْوِيحِ عَلَى أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي حَمْلِ الْيَوْمِ عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَيَحْصُلُ التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ مِنْ الْإِضَافَةِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ: طَالِقٌ حِينَ يَصُومُ أَوْ حِينَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ (بِخِلَافِ) مَا كَانَ ظَرْفُ (مَا يَمْتَدُّ) مِنْ الْأَفْعَالِ وَهُوَ مَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ (كَالسَّيْرِ وَالتَّفْوِيضِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ (إلَّا لِمُوجِبٍ) يَقْتَضِي كَوْنَ الْمُرَادِ بِهِ مُطْلَقَ الْوَقْتِ (كَأَحْسِن الظَّنَّ يَوْمَ تَمُوتُ) فَإِنَّ إحْسَانَ الظَّنِّ مِمَّا يَمْتَدُّ وَالْمُوجِبُ لِإِرَادَةِ مُطْلَقِ الْوَقْتِ بِهِ إضَافَتُهُ إلَى الْمَوْتِ وَفِي التَّلْوِيحِ عَلَى أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي حَمْلِ الْيَوْمِ فِيهِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ وَيُعْلَمُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ (وَلَوْ لَمْ يَخْطُرْ هَذَا) الْفَرْقُ لِلْقَائِلِ (فَقَرِينَةُ) إرَادَةِ (الْمَجَازِ) بِهِ فِي النَّقْضِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ (عُلِمَ أَنَّهُ) أَيْ الْعِتْقَ إنَّمَا هُوَ (لِلسُّرُورِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ) فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ حِينَئِذٍ إلَّا فِي مَجَازٍ عَامٍّ يَنْدَرِجُ فِيهِ الْحَقِيقَةُ (وَعَنْ الْخَامِسِ) أَيْ عَنْ النَّقْضِ بِكَوْنِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا نَذْرًا وَيَمِينًا بِنِيَّتِهِمَا (تَحْرِيمُ الْمُبَاحِ) الَّذِي هُوَ فِطْرُ الْأَيَّامِ الْمَنْذُورِ صِيَامَهَا (وَهُوَ) أَيْ وَتَحْرِيمُهُ (مَعْنَى الْيَمِينِ) هُنَا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمُبَاح يَمِينٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (يَثْبُتُ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِلصِّيغَةِ) أَيْ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إيجَابُ الْمَنْذُورِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْمَنْذُورَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ النَّذْرِ مُبَاحُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِيَصِحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَحَيْثُ صَارَ كَذَا صَارَ تَرْكُهُ الَّذِي كَانَ مُبَاحًا حَرَامًا بِهِ لَازِمًا لَهُ (ثُمَّ يُرَادُ بِهِ) أَيْ بِالْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ (الْيَمِينُ) أَيْ مَعْنَاهَا (فَأُرِيدَ) الْيَمِينُ أَيْ مَعْنَاهَا (يُلَازِمُ مُوجَبَ اللَّفْظِ) الَّذِي هُوَ النَّذْرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ حُكْمُهُ (لَا بِهِ) أَيْ بِاللَّفْظِ الَّذِي هُوَ النَّذْرُ (وَلَا جَمَعَ) بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ (دُونَ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِمَا) أَيْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ وَلَا اسْتِعْمَالَ لِلَّفْظِ الْوَاحِدِ هُنَا فِيهِمَا فَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا

(وَمَا قِيلَ لَا عِبْرَةَ لِإِرَادَةِ النَّذْرِ) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِنَفْسِ الصِّيغَةِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ لِلْإِرَادَةِ (فَالْمُرَادُ الْيَمِينُ فَقَطْ) أَيْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ (غَلَطٌ إذْ تَحَقُّقُهُ) أَيْ النَّذْرِ (مَعَ الْإِرَادَةِ وَعَدَمِهَا) أَيْ إرَادَتِهِ (لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ تَحَقُّقِهَا) أَيْ إرَادَتِهِ (وَإِلَّا) لَوْ اسْتَلْزَمَ تَحَقُّقُ النَّذْرِ عَدَمَ تَحَقُّقِ إرَادَتِهِ (لَمْ يَمْتَنِعْ الْجَمْعُ) بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (فِي صُورَةٍ) لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ يَثْبُتُ بِاللَّفْظِ فَلَا عِبْرَةَ بِإِرَادَتِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا (وَقَدْ فَرَضَ إرَادَتَهُمَا) أَيْ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (وَفِيهِ) أَيْ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا النَّقْضِ (نَظَرٌ إذْ ثُبُوتُ الِالْتِزَامِيِّ) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُرَادٍ) هُوَ (خُطُورُهُ عِنْدَ فَهْمِ مَلْزُومِهِ) الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ (مَحْكُومًا بِنَفْيِ إرَادَتِهِ) أَيْ الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ لِلْمُتَكَلِّمِ (وَهُوَ) أَيْ وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ (يُنَافِي إرَادَةَ الْيَمِينِ) بِهِ أَعْنِي (الَّتِي هِيَ إرَادَةُ التَّحْرِيمِ عَلَى وَجْهٍ أَخَصَّ مِنْهُ) حَالَ كَوْنِهِ (مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِأَنَّهُ) أَيْ إرَادَةَ التَّحْرِيمِ بِمَعْنَى قَصْدِهِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْيَمِينِ (تَحْرِيمٌ يَلْزَمُ بِخُلْفِهِ الْكَفَّارَةُ) وَلَا كَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْمُبَاحِ الثَّابِتِ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لَهُ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (وَعَدَمُ إرَادَةِ الْأَعَمِّ) الَّذِي هُوَ تَحْرِيمُ الْمُبَاحِ الثَّابِتِ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا (يُنَافِيهِ إرَادَةُ الْأَخَصِّ) أَيْ تَحْرِيمُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ (وَظَاهِرُ بَعْضِهِمْ) كَصَاحِبِ الْبَدِيعِ (إرَادَتُهُ) أَيْ مَعْنَى الْيَمِينِ (بِالْمُوجَبِ) أَيْ مُوجَبِ النَّذْرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ (نَفْسِهِ إلْحَاقًا لِإِيجَابِ الْمُبَاحِ) الَّذِي هُوَ مَعْنَى النَّذْرِ (بِتَحْرِيمِهِ) أَيْ الْمُبَاحِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْيَمِينِ (فِي الْحُكْمِ وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ (لُزُومُ الْكَفَّارَةِ وَيَتَعَدَّى اسْمُ الْيَمِينِ) إلَى الْمُوجِبِ (ضِمْنَهُ) أَيْ ضِمْنَ هَذَا الْقَصْدِ وَتَبَعًا لَهُ (لَا لِتَعْدِيَةِ الِاسْمَ ابْتِدَاءً) ثُمَّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ لِأَنَّ إرَادَةَ الْإِيجَابِ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ إرَادَتُهُ عَلَى وَجْهٍ هُوَ أَنْ يَسْتَعْقِبَ الْكَفَّارَةَ بِالْخُلْفِ وَإِرَادَتُهُ مِنْ اللَّفْظِ نَذْرًا إرَادَتُهُ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ لَا يَسْتَعْقِبَهَا بَلْ الْقَضَاءُ وَذَلِكَ تَنَافٍ فَيَلْزَمُ إذَا أُرِيدَ يَمِينًا وَثَبَتَ حُكْمُهَا شَرْعًا وَهُوَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِالْخُلْفِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ نَذْرًا إذْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِيهِ (وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ) السَّرَخْسِيُّ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ (أُرِيدَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ) لِأَنَّهُ قَسَمٌ بِمَنْزِلَةِ بِاَللَّهِ (وَالنَّذْرُ بِعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبَ) يَعْنِي مُعَيِّنًا وَهُوَ مَا يَتَعَقَّبُ الْيَمِينَ لِيَصِحَّ مَنْعُهُ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ عَنْ الرَّجَبِ كَمَا فِي سَحَرٍ لِسَحَرٍ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ غَلَبَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَعْنَى النَّذْرِ عَادَةً فَإِذَا نَوَاهُمَا فَقَدْ نَوَى لِكُلِّ لَفْظٍ مَا هُوَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ (وَجَوَابُ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْمَنْذُورِ كَأَنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ لَأَصُومَنَّ وَعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدَانِ) أَيْ النَّذْرُ وَالْيَمِينُ (بِنَحْوِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ) لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بَلْ أُرِيدَا بِلَفْظَيْنِ إنْ كَانَ الْقَسَمُ مَعْنًى مَجَازِيًّا لِلَّامِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَعَلَى مَا قَبْلَهُ يُرَادَانِ) بِنَحْوِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ مُسَامَحَةٍ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُرَادَةً بِالْمُوجِبِ (وَهَذَا) أَيْ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ (يُخَالِفُ الْأَوَّلَ) وَمَا هُوَ ظَاهِرُ بَعْضِهِمْ أَيْضًا (بِاتِّحَادِ الْمَنْذُورِ وَالْمَحْلُوفِ) فِيهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِيهِ نَادِرًا لِلصِّيَامِ مُقْسِمًا عَلَيْهِ (وَالْأَوَّلُ) وَمَا هُوَ ظَاهِرُ بَعْضِهِمْ لَيْسَا كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمَا (الْمَحْلُوفُ تَحْرِيمُ التَّرْكِ وَالْمَنْذُورُ الصَّوْمُ) نَعَمْ فِيمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ نَظَرٌ لِأَنَّ اللَّامَ إنَّمَا تَكُونُ لِلْقَسَمِ إذَا كَانَتْ لِلتَّعَجُّبِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّحْوِيُّونَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ مِمَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ دَخَلَ آدَم الْجَنَّةَ فَلِلَّهِ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ حَتَّى خَرَجَ وَفِي قَوْلِ الشَّاعِرِ لِلَّهِ يَبْقَى عَلَى الْأَيَّامِ ذُو حَيْدٍ ... بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظِّبْيَانُ وَالْآسُ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ نَذْرَ الْإِنْسَانِ وَإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَمْرٌ عَجِيبٌ صَالِحٌ لَأَنْ يُتَعَجَّبَ مِنْهُ فَمَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ فَهْمَ النَّذْرِ إنَّمَا هُوَ مِنْ مَجْمُوعٍ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِبَيَانِ مَنْ أُثْبِتَ لَهُ الْوُجُوبُ وَأَمَّا مَا قِيلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ نَذْرًا لَا يَمِينًا نَحْوُ نَذَرْت أَنْ أَصُومَ رَجَبًا وَإِنْ نَوَى النَّذْرَ وَالْيَمِينَ لِعَدَمِ اللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الْيَمِينُ فَظَاهِرٌ وَلَكِنْ إنَّمَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ كَانَ قَائِلًا بِلُزُومِهِمَا وَلَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ {تَتْمِيمٌ} وَكَمَا أَوْرَدَ النَّقْضَ بِهَذَا نَاوِيًا بِهِ النَّذْرَ وَالْيَمِينَ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَالَ: هُوَ نَذْرٌ فَقَطْ أَوْ وَرَدَ بِهِ أَيْضًا نَاوِيًا بِهِ الْيَمِينَ وَلَمْ يَخْطِرْ لَهُ النَّذْرُ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لَهُ حَيْثُ قَالَ: هُوَ يَمِينٌ لَا غَيْرُ وَبَقِيَ لِلْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ

أَوْجُهٍ: هِيَ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا نَوَى النَّذْرَ وَلَمْ يَخْطُرْ لَهُ الْيَمِينُ نَوَى النَّذْرَ أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا فَهُوَ نَذْرٌ بِالِاتِّفَاقِ نَوَى الْيَمِينَ وَأَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا فَهُوَ يَمِينٌ بِالِاتِّفَاقِ. (تَنْبِيهٌ لَمَّا لَمْ يَشْرِطْ نَقْلَ الْآحَادِ) لِأَنْوَاعِ الْعَلَاقَاتِ فِي أَفْرَادِ الْمَجَازَاتِ فِي الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ بَلْ جَازَ الْمَجَازُ فِيهَا إذَا وُجِدَتْ الْعَلَاقَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَيْنَ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ الْوَضْعِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ (جَازَ) الْمَجَازُ (فِي) الْأَلْفَاظِ (الشَّرْعِيَّةِ) إذَا وُجِدَتْ الْعَلَاقَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَيْنَ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَلَاقَةُ مَعْنَوِيَّةً أَوْ صُورِيَّةً (فَالْمَعْنَوِيَّةُ فِيهَا) أَيْ فِي الشَّرْعِيَّةِ (أَنْ يَشْتَرِكَ التَّصَرُّفَانِ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِيَّتِهِمَا عِلَّتِهِمَا الْغَائِيَّةِ كَالْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا التَّوَثُّقُ فَيُطْلَقُ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ كَلَفْظِ الْكَفَالَةِ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ) تُطْلَقُ عَلَى الْحَوَالَةِ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي هَذَا الْأَمْرِ الْمَعْنَوِيِّ (وَهُوَ) أَيْ شَرْطُ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ (الْقَرِينَةُ فِي جَعْلِهِ) أَيْ لَفْظِ الْكَفَالَةِ (مَجَازًا فِي الْحَوَالَةِ وَهِيَ) أَيْ الْحَوَالَةُ (بِشَرْطِ مُطَالَبَتِهِ) أَيْ الْأَصِيلِ (كَفَالَةً) وَالْقَرِينَةُ فِي جَعْلِ لَفْظِ الْحَوَالَةِ مَجَازًا فِي الْكَفَالَةِ شَرْطُ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ وَكَلَفْظِ الْحَوَالَةِ لِلْوَكَالَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ) أَيْ وَكَقَوْلِهِ فِيمَا إذَا افْتَرَقَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ وَلَيْسَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ وَبَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ دَيْنٌ لَا يُجْبَرُ الْمُضَارِبُ عَلَى نَقْدِهِ (وَيُقَالُ لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (أَحَلَّ رَبُّ الْمَالِ) عَلَى الْمَدِينِينَ (أَيْ وَكَّلَهُ) بِقَبْضِ الدُّيُونِ (لِاشْتِرَاكِهَا) أَيْ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْوَكَالَةِ (فِي إفَادَةِ وِلَايَةِ الْمُطَالَبَةِ) لِلْمَدِينِ (لَا) لِاشْتِرَاكِهَا (فِي النَّقْلِ الْمُشْتَرَكِ الدَّاخِلِ) فِي مَفْهُومِهَا أَعْنِي النَّقْلَ الْمُشْتَرَكَ (بَيْنَ الْحَوَالَةِ الَّتِي هِيَ نَقْلُ الدِّينِ) مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ (وَالْكَفَالَةُ عَلَى أَنَّهَا نَقْلُ الْمُطَالَبَةِ) بِالدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ إلَى ذِمَّةِ الْكَفِيلِ (وَالْوَكَالَةُ عَلَى أَنَّهَا نَقْلُ الْوِلَايَةِ) مِنْ الْمُوَكِّلِ إلَى الْوَكِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ (إذْ الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (الدَّاخِلِ) فِي مَفْهُومِهِمَا (غَيْرُ مُعْتَبَرٍ) عَلَاقَةٌ لِلتَّجَوُّزِ (لَا يُقَالُ لِإِنْسَانٍ فَرَسٌ وَقَلْبُهُ لَهُ) أَيْ وَلَا يُقَالُ لِفَرَسٍ إنْسَانٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحَيَوَانِيَّةِ الدَّاخِلَةِ فِي مَفْهُومِهِمَا بَلْ الِاتِّصَالُ الْمَعْنَوِيُّ الْمُعْتَبَرُ عِلَاقَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ هُوَ الْمَعْنَى الْخَارِجُ عَنْ مَفْهُومِهَا الصَّادِقِ عَلَيْهَا الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهَا تَصَوُّرُهُ (فَكَيْفَ وَلَا نَقْلَ فِي الْأَخِيرِينَ) أَيْ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ فِي الدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ إقَامَةُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ (وَالصُّورِيَّةُ الْعِلِّيَّةُ وَالسَّبَبِيَّةُ) لِأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ الَّتِي بَيْنَ الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ وَبَيْنَ الْمُسَبَّبِ وَالسَّبَبِ شَبِيهٌ بِالِاتِّصَالِ الصُّورِيِّ فِي الْمَحْسُوسَاتِ (فَالْعِلِّيَّةُ كَوْنُ الْمَعْنَى وُضِعَ شَرْعًا لِحُصُولِ الْآخَرِ فَهُوَ) أَيْ الْآخَرُ (عِلَّتُهُ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ شَرْعًا لِحُصُولِهِ (الْغَائِيَّةُ كَالشِّرَاءِ) وُضِعَ شَرْعًا (لِلْمِلْكِ فَصَحَّ كُلٌّ) مِنْ الشِّرَاءِ وَالْمِلْكِ مَجَازًا (فِي الْآخَرِ لِتَعَاكُسِ الِافْتِقَارِ) أَيْ لِافْتِقَارِ الْعِلَّةِ إلَى حُكْمِهَا مِنْ حَيْثُ الْغَرَضُ وَالشَّرْعِيَّةُ وَلِهَذَا لَمْ تُشْرَعْ فِي مَحَلٍّ لَا يَقْبَلُهُ كَشِرَاءِ الْحُرِّ وَافْتِقَارِ الْحُكْمِ إلَى عِلَّتِهِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا: الْأَحْكَامُ الْعِلَلُ الْمَآلِيَّةُ وَالْأَسْبَابُ الْعِلَّةُ الْآلِيَّةُ (وَإِنْ كَانَ) الِافْتِقَارُ (فِي الْمَعْلُولِ) إلَى عِلَّتِهِ (عَلَى الْبَدَلِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ عِلَّتِهِ بِمَعْنَى الْمُوجِدِ أَوْ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الشِّرَاءُ (وَمِنْ نَحْوِ الْهِبَةِ) كَالصَّدَقَةِ لِوَضْعِهَا شَرْعًا لِلْمِلْكِ أَيْضًا وَإِنَّمَا امْتَازَ كُلٌّ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَوْضِعِهِ (فَلَوْ عَنَى بِالشِّرَاءِ الْمِلْكَ فِي قَوْلِهِ إنْ اشْتَرَيْتُ) عَبْدًا بِأَنْ أَرَادَ إنْ مَلَكْتُهُ (فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ وَبَاعَهُ وَاشْتَرَى) النِّصْفَ (الْآخَرَ لَا يَعْتِقُ هَذَا النِّصْفُ إلَّا قَضَاءً) أَيْ لَا يَعْتِقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ تَجُوزُ بِالْعِلَّةِ عَنْ حُكْمِهَا وَيَعْتِقُ قَضَاءً لَا لِعَدَمِ صِحَّةِ هَذَا التَّجَوُّزِ بَلْ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ كَمَا سَيَذْكُرُ (وَفِي قَلْبِهِ) أَيْ فِيمَا لَوْ عَنَى بِالْمِلْكِ الشِّرَاءَ بِأَنْ قَالَ: إنْ مَلَكْت عَبْدًا وَأَرَادَ بِهِ إنْ اشْتَرَيْت فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ وَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ يَعْتِقُ (مُطْلَقًا) أَيْ قَضَاءً وَدِيَانَةً (لِتَغْلِيظِهِ) عَلَى نَفْسِهِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ (لَا يَعْتِقُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمِلْكِ (مَا لَمْ يَجْتَمِعْ) جَمِيعُ الْعَبْدِ (فِي الْمِلْكِ قَضِيَّةٌ لِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمِلْكِ وَالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ عُرْفًا الِاسْتِغْنَاءُ بِمِلْكِ الْعَبْدِ وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا كَانَ الْمِلْكُ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَتَّى لَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَامْرَأَتُهُ

مسألة المجاز خلف عن الحقيقة

طَالِقٌ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا لِغَيْرِهِ يَحْنَثُ فَضْلًا عَنْ اشْتِرَاطِ الْغِنَى فَإِذَا الشَّرْطُ شِرَاءُ عَبْدٍ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الِاجْتِمَاعِ وَقَدْ حَصَلَ يُوَضِّحُهُ مَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَكَانَ إمَامًا بِبَلْخٍ وَلَهُ بَوَّابٌ يُقَالُ لَهُ إِسْحَاقُ فَكَانَ إذَا أَرَادَ تَفْهِيمَ أَصْحَابِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ دَعَاهُ وَقَالَ: هَلْ اشْتَرَيْت بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ بِأُلُوفٍ ثُمَّ يَقُولُ هَلْ مَلَكْت مِائَتَيْ دِرْهَمٍ؟ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا مَلَكْتُهَا قَطُّ ثُمَّ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: كَمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ مَلَكَ مِنْ الدَّرَاهِمِ مُتَفَرِّقَةً وَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُنْكَرًا كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِأَنْ قَالَ لِعَبْدٍ: إنْ اشْتَرَيْتُك أَوْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَعْتِقُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا ثَبَتَ فِي الْمُنْكَرِ دُونَ الْمُعِينِ إذْ فِي الْمُعَيَّنِ قَصْدُهُ نَفْيُ مِلْكِهِ عَنْ الْمَحَلِّ وَقَدْ ثَبَتَ مِلْكُهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ الِاجْتِمَاعَ وَالتَّفَرُّقَ مِنْ الْأَوْصَافِ وَالصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ ثُمَّ هَذَا إنْ كَانَ الشِّرَاءُ صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ اشْتَرَاهُ جُمْلَةً لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ وُجِدَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَا مِلْكَ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَحْنَثُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ حَتَّى لَا يَعْتِقَ أَيْضًا بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ فِي يَدِهِ حِينَ اشْتَرَاهُ حَتَّى يَنُوبَ قَبْضُهُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ فَيَعْتِقُ لِوُجُودِ الشِّرَاءِ وَتَمَلَّكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِعِتْقِ النِّصْفِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَاشٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ كُلُّهُ ثُمَّ تَجِبُ السِّعَايَةُ أَوْ الضَّمَانُ لِلِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تُجْزِئُ الْإِعْتَاقُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَالسَّبَبُ) الْمَحْضُ (لَا يَقْصِدُ) حُصُولَ الْمُسَبَّبِ (بِوَضْعِهِ) يَعْنِي لَمْ يُوضَعْ لِحُصُولِهِ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ) الْمُسَبَّبُ (عَنْ الْمَقْصُودِ) بِالسَّبَبِ اتِّفَاقًا (كَزَوَالِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ بِالْعِتْقِ لَمْ يُوضَعْ) الْعِتْقُ (لَهُ) أَيْ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ (بَلْ يَسْتَتْبِعُهُ) أَيْ بَلْ يَتْبَعُ زَوَالُ مِلْكِ الْمُتْعَةِ (مَا هُوَ) أَيْ السَّبَبُ الَّذِي الْعِتْقُ مَوْضُوعٌ (لَهُ) وَهُوَ زَوَالُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ (فَيُسْتَعَارُ) السَّبَبُ (لِلْمُسَبَّبِ لِافْتِقَارِهِ) أَيْ الْمُسَبَّبِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى السَّبَبِ (عَلَى الْبَدَلِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ (وَمِنْ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ) وَالصَّدَقَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا سَبَبٌ لِزَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ افْتِقَارِ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ لِقِيَامِهِ بِهِ (فَصَحَّ الْعِتْقُ) مَجَازًا (لِلطَّلَاقِ) حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَعْتَقْتُك أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ بِهِ وَقَعَ وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ لِتَعْيِينِ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لَهُ بَلْ لِحَقِيقَةِ الْوَصْفِ بِالْحُرِّيَّةِ (وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ) مَجَازًا (لِلنِّكَاحِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ مُفْضٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ (وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ هَذَا) التَّجَوُّزَ بِهِمَا عَنْهُ (لِانْتِفَاءِ) الْعَلَاقَةِ (الْمَعْنَوِيَّةِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا (لَا يَنْفِي غَيْرَهَا) وَهُوَ السَّبَبِيَّةُ الْمَحْضَةُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْعَلَاقَةِ الصُّورِيَّةِ وَبِهَا كِفَايَةٌ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ وَلَا يَتَجَوَّزُ بِالْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ (فَصَحَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقُ) مَجَازًا (لِلْعِتْقِ لِشُمُولِ الْإِسْقَاطِ) فِيهِمَا لِأَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ إسْقَاطَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَإِزَالَتَهُ وَفِي الطَّلَاقِ إسْقَاطَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ وَإِزَالَتَهُ وَالِاتِّصَالُ الْمَعْنَوِيُّ عَلَاقَةٌ مُجَوِّزَةٌ لِلْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالْحَنَفِيَّةُ تَمْنَعُهُ) أَيْ التَّجَوُّزُ بِالطَّلَاقِ عَنْ الْعِتْقِ (وَالْمُجَوِّزُ) لِلتَّجَوُّزِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمُتَجَوِّزِ وَالْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِي الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمُتَجَوِّزِ (الْمَشْهُورُ الْمُعْتَبَرُ) أَيْ الثَّابِتُ اعْتِبَارُهُ عَنْ الْوَاضِعِ نَوْعًا بِاسْتِعْمَالِهِ اللَّفْظَ بِاعْتِبَارِ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمُشْتَرَكِ الْمَذْكُورِ أَوْ نَقْلِ اعْتِبَارِهِ عَنْهُ (وَلَمْ يَثْبُتْ) هَذَا بِالتَّجَوُّزِ (بِالْفَرْعِ) أَيْ الْمُسَبَّبِ عَنْ الْأَصْلِ أَيْ السَّبَبِ (بَلْ) ثَبَتَ هَذَا فِي التَّجَوُّزِ (بِالْأَصْلِ) عَنْ الْفَرْعِ (إذْ لَمْ يُجِيزُوا الْمَطَرَ لِلسَّمَاءِ بِخِلَافِ قَلْبِهِ) أَيْ وَأَجَازُوا السَّمَاءَ لِلْمَطَرِ فَنُقِلَ عَنْهُمْ مَا زِلْنَا نَطَأُ السَّمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَاكُمْ أَيْ الْمَطَرَ (مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا) أَيْ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ (فِي) الِاتِّصَالِ (الصُّورِيِّ) فَوَجَبَ مُرَاعَاةُ طَرِيقِهِمْ (فَلَا يَصِحُّ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ لِلْعِتْقِ) عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَمَزِيدُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا (إلَّا أَنْ يَخْتَصَّ) الْمُسَبَّبُ (بِالسَّبَبِ) بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ الْمُسَبَّبُ بِدُونِهِ (فَكَالْمَعْلُولِ) أَيْ فَيَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ لِأَنَّهُمَا يَصِيرَانِ فِي مَعْنَاهُمَا كَالنَّبْتِ لِلْغَيْثِ وَبِالْعَكْسِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ بَحْثٍ. [مَسْأَلَة الْمَجَازِ خُلْفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ] (مَسْأَلَةُ الْمَجَازِ خُلْفٌ) عَنْ الْحَقِيقَةِ (اتِّفَاقًا) أَيْ فَرْعٌ لَهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الْأَصْلُ الرَّاجِحُ الْمُقَدَّمُ فِي الِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ (فَأَبُو حَنِيفَةَ) خُلْفٌ عَنْهَا (فِي التَّكَلُّمِ)

حَتَّى يَكْفِيَ صِحَّةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ صَحَّ مَعْنَاهُ أَوْ لَا (فَالْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا ابْنِي فِي التَّحْرِيرِ) الَّذِي هُوَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لَهُ خُلْفٌ (عَنْ التَّكَلُّمِ بِهِ) أَيْ بِهَذَا ابْنِي (فِي النَّسَبِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي ثُبُوتِ الْخَلْفِيَّةِ إلَى الْحُكْمِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّكَلُّمِ لَا خُلْفًا عَنْ شَيْءٍ كَمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّكَلُّمِ (وَهُمَا) خُلْفٌ عَنْهَا (فِي حُكْمِهَا فَأَنْتَ ابْنِي لِعَبْدِهِ الْأَكْبَرِ مِنْهُ) مَجَازٌ (عَنْ عِتْقٍ عَلَى مَنْ وَقَّتَ مُلْكَتَهُ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِعْمَالًا لِاسْمِ الْمَلْزُومِ فِي لَازِمِهِ (وَقَالَا: لَا) يَعْتِقُ (لِعَدَمِ إمْكَانِ الْحَقِيقِيِّ) وَإِذَا لَمْ يُمْكِنُ لَمْ يُمْكِنْ حُكْمُهُ وَهُوَ الْعِتْقُ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْخُلْفِ إمْكَانُ الْأَصْلِ (فَلَغَا) وَإِنَّمَا اعْتَبَرَا الْخَلْفِيَّةَ فِي الْحُكْمِ (لِأَنَّ الْحُكْمَ) هُوَ (الْمَقْصُودُ فَالْخَلْفِيَّةُ بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (أَوْلَى وَقَدْ يَلْحَقُ) عَدَمُ الْعِتْقِ فِي هَذِهِ (بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْحَلِفِ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ الْكُوزِ وَلَا مَاءً لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي كِلَيْهِمَا وَالْخُلْفُ إنَّمَا يَصِيرُ خُلْفًا عَنْ الْأَصْلِ إذَا أَمْكَنَ الْأَصْلُ وَلَا إمْكَانَ لَهُ فِيهِمَا (وَعَنْ هَذَا) أَيْ اشْتِرَاطِ تَصَوُّرِ حُكْمِ الْأَصْلِ لِلْخُلْفِ (لَغَا قُطِعَتْ يَدُك) خَطَأً (إذَا أَخْرَجَهُمَا) أَيْ الْيَدَيْنِ (صَحِيحَتَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ) أَيْ دِيَةَ الْيَدِ لِعَدَمِ إمْكَانِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِ إمْكَانِ مَحَلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ) وَهُوَ مَاءُ الْكُوزِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ وُجُوبِ الْبِرِّ (لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِخُلْفِهِ) أَيْ الْخِطَابِ بِخُلْفِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِعَجْزِهِ عَنْ الْبِرِّ (لُزُومُ صِدْقِ مَعْنَى لَفْظٍ) حَقِيقِيٍّ (لِاسْتِعْمَالِهِ) أَيْ لِأَجْلِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ اللَّفْظِ (مَجَازًا) فِي مَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي بَعْدَ صِحَّةِ التَّرْكِيبِ لُغَةً إذْ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا مُلَازَمَةٌ فَلَا يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ بِهِ (وَالثَّانِي) أَيْ وَلَغْوُ الْإِقْرَارِ بِقَطْعِ الْيَدِ إذَا أَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ لَيْسَ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ فَقَطْ بَلْ لِتَعَذُّرِهِ وَ (لِتَعَذُّرِ الْمَجَازِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ الْقَطْعَ سَبَبُ مَالٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ دِيَةُ الْيَدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ (فِي سَنَتَيْنِ) لِمَا عُرِفَ أَنَّ مِثْلَهُ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ (وَلَيْسَ) هَذَا الْمَالُ الْمَخْصُوصُ هُوَ (الْمُتَجَوَّزُ عَنْهُ) بِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْقَطْعِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ اللَّفْظِ تَجَوُّزًا بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ (وَالْمُطْلَقُ) أَيْ وَالْمَالُ الْمُطْلَقُ الَّذِي يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ (لَيْسَ مُسَبَّبًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَطْعِ فَامْتَنَعَ إيجَابُ الْمَالِ بِهِ مُطْلَقًا فَلَغَا ضَرُورَةً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا يَخْتَلِفُ ذَاتُهَا حَاصِلَةً عَنْ لَفْظِ حُرٍّ أَوْ لَفْظِ ابْنِي فَأَمْكَنَ الْمَجَازِيُّ حِينَ تَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ فَوَجَبَ صَوْنُهُ عَنْ اللَّغْوِ (وَلَهُ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّهُ) أَيْ التَّجَوُّزَ (حُكْمٌ لُغَوِيٌّ يَرْجِعُ لِلَّفْظِ هُوَ) أَيْ الْحُكْمُ (صِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (لُغَةً فِي مَعْنًى) مَجَازِيٍّ (بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (فِي) مَعْنَى (آخَرَ وَضْعِيٍّ) أَيْ حَقِيقِيٍّ (لِمُشَاكَلَتِهِ وَمُطَابَقَتِهِ) أَيْ الْوَضْعِيِّ لِلْوَاقِعِ (لَيْسَتْ جُزْءَ الشَّرْطِ) لِتَجَوُّزٍ عَنْهُ بِغَيْرِهِ (فَكُلٌّ) مِنْ اللَّفْظِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (أَصْلٌ فِي إفَادَةِ حُكْمِهِ فَإِذَا تَكَلَّمَ وَتَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ وَجَبَ مَجَازِيَّتُهُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْإِقْرَارِ) أَيْ الْإِخْبَارِ بِبُنُوَّتِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ (فَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّهُ كَمَا جَعَلَ إقْرَارًا بِحُرِّيَّتِهِ جَعَلَ إقْرَارًا بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَمَا تَكَلَّمَ بِهِ سَبَبٌ يُوجِبُ هَذَا الْحَقَّ لَهَا فِي مِلْكِهِ كَمَا هُوَ مُوجِبٌ حَقِيقَةً الْحُرِّيَّةَ لِلْوَلَدِ (وَقِيلَ) وَجَبَ مَجَازِيَّتُهُ (فِي إنْشَائِهِ) الْعِتْقَ وَإِحْدَاثِهِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ كَلَامًا هُوَ سَبَبٌ لِلتَّحْرِيرِ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ (فَلَا تَصِيرُ) أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ ابْتِدَاءُ تَأْثِيرٍ فِي إثْبَاتِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إيجَابَ ذَلِكَ الْحَقِّ لَهَا بِعِبَارَتِهِ ابْتِدَاءً بَلْ بِفِعْلٍ هُوَ اسْتِيلَادٌ (وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ) أَيْ مَجَازِيَّتُهُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ عِتْقِهِ (لِقَوْلِهِ) أَيْ مُحَمَّدٍ (فِي) كِتَابِ (الْإِكْرَاهِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى هَذَا ابْنِي لِعَبْدِهِ لَا تَعْتِقُ وَالْإِكْرَاهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ لَا إنْشَائِهِ) عَلَى أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي جَعْلِهِ تَحْرِيرًا مُبْتَدَأً وَهُوَ فِي نَفْسِهِ إخْبَارٌ (فَإِنْ تَحَقَّقَ) الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ بِأَنْ كَانَ عِتْقُهُ قَبْلَ ذَلِكَ (عِتْقٌ مُطْلَقًا) أَيْ قَضَاءً وَدِيَانَةً (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ (فَقَضَاءُ) مُؤَاخَذَةٍ لَهُ بِإِقْرَارِهِ لَا دِيَانَةً (لَكَذِبِهِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُ تَعَيُّنَ الْمَجَازِيِّ) الَّذِي هُوَ (الْعِتْقُ لِجَوَازِ مَعْنَى الشَّفَقَةِ وَدَفْعِهِ) أَيْ تَعَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى (بِتَقَدُّمِ الْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ)

مسألة خلفية المجاز عن الحقيقة

وَهِيَ الْعِتْقُ (عِنْدَ إمْكَانِهَا) أَيْ الْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ (وَغَيْرِهَا) وَهُوَ الشَّفَقَةُ (مُعَارَضٌ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ الْمُحَقَّقِ مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِهِ) أَيْ زَوَالِ الْمِلْكِ وَالْمُتَيَقَّنُ لَا يَزُولُ بِالِاحْتِمَالِ فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْمَجَازَيْنِ أَوْ يَتَعَيَّنُ هَذَا لِأَنَّهُ أَخَفُّ (وَعَدَمُهُ) أَيْ الْعِتْقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (فِي هَذَا أَخِي بَنَوْهُ عَلَى اشْتِرَاكِهِ) أَيْ الْأَخِ (اسْتِعْمَالًا فَاشِيًا فِي الْمُشَارِكِ نَسَبًا وَدِينًا وَقَبِيلَةً وَنَصِيحَةً فَتَوَقَّفَ) الْعَمَلُ بِهِ (إلَى قَرِينَةٍ كَمِنْ أَبِي) أَوْ أُمِّي أَوْ مِنْ النَّسَبِ (فَيَعْتِقُ) لِكَوْنِهِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ (وَعَلَى أَنَّ الْعِتْقَ بِعِلَّةِ الْوِلَادِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ) لَهُ ذِكْرٌ لِيَكُونَ مَجَازًا عَنْ لَازِمِهِ فَامْتَنَعَ لِعَدَمِ طَرِيقِهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ بِعِلَّةِ الْوِلَادِ (بُنِيَ عَدَمُهُ) أَيْ الْعِتْقِ (فِي جَدِّي لِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ) فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا وُجُودَ لَهُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي اللَّفْظِ (وَيَرِدُ أَنَّهَا) أَيْ عِلَّةُ عِتْقِ الْقَرِيبِ (الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ) لَا خُصُوصُ الْوِلَادِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهَا الْعِلَّةَ فِيهِ عِتْقٌ (بِعَمِّي وَخَالِي) بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا (فَتُرَجَّحُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ) الْعِتْقَ فِي جَدِّي (وَعَدَمِهِ) أَيْ الْعِتْقِ (بِيَا ابْنِي لِأَنَّهُ) أَيْ النِّدَاءَ (لِإِحْضَارِ الذَّاتِ وَلَمْ يَفْتَقِرْ هَذَا الْقَدْرُ لِتَحْقِيقِ الْمَعْنَى) أَيْ الْبُنُوَّةِ (فِيهَا) أَيْ فِي الذَّاتِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ (حَقِيقِيًّا أَوْ مَجَازِيًّا) لِأَنَّ إعْلَامَ الْمُنَادِي بِمَطْلُوبِيَّةِ حُضُورِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ فَانْتَفَى أَنْ يُقَالَ يَجِبُ أَنْ يَعْتِقَ بِهِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ وَإِيضَاحُ انْتِفَائِهِ أَنَّ النِّدَاءَ وُضِعَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادِي وَطَلَبِ إقْبَالِهِ بِصُورَةِ الِاسْمِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى مَعْنَاهُ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى تَصْحِيحِ الْكَلَامِ بِإِثْبَاتِ مُوجِبِهِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْمَجَازِيِّ بِخِلَافِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ لِتَحْقِيقِ الْمُخْبَرِ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِهِ بِمَا أَمْكَنَ (بِخِلَافِ يَا حُرُّ) حَيْثُ يَعْتِقُ بِهِ (لِأَنَّ لَفْظَهُ صَرِيحٌ فِي الْمَعْنَى) لِأَنَّ الْحُرَّ مَوْضُوعٌ لِلْعِتْقِ وَعَلَمٌ لِإِسْقَاطِ الرِّقِّ فَيَقُومُ عَيْنُهُ مَقَامَ مَعْنَاهُ (فَيَثْبُتُ بِلَا قَصْدٍ) حَتَّى لَوْ قَصَدَ التَّسْبِيحَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَبْدِي حُرٌّ يَعْتِقُ (وَقِيلَ إذَا كَانَ الْوَصْفُ الْمُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الذَّاتِ يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ (بِاللَّفْظِ حُكِمَ بِتَحْقِيقِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (مَعَ الِاسْتِحْضَارِ) تَصْدِيقًا لَهُ (كَيَا حُرُّ) فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا مِنْ جِهَةِ التَّكَلُّمِ بِهَذَا اللَّفْظِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا كَانَ اسْمُهُ ذَلِكَ الْوَصْفَ فَنَادَاهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الْمُرَادَ حِينَئِذٍ إعْلَامُهُ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ لَا إثْبَاتَ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْمَعَانِي حَتَّى لَوْ نَادَاهُ بِلَفْظٍ آخَرَ بِمَعْنَاهُ كَعَتِيقٍ عَتَقَ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا تُغَيَّرُ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْوَصْفُ الْمُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الذَّاتِ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ مِنْ جِهَتِهِ بِاللَّفْظِ (لَغَا) ذَلِكَ الْوَصْفُ (ضَرُورَةً) وَتَجَرَّدَ لِلْأَعْلَامِ (كَيَا ابْنِي إذْ تَحَقُّقُ الْأَبْنِيَة غَيْرُ مُمْكِنٍ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ إنْ تَخَلَّقَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا) إنْ تَخَلَّقَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَائِهِ (لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِتَخَلُّقِهِ مِنْ مَائِهِ (لَا بِاللَّفْظِ وَأَمَّا إلْزَامُهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (الْمُنَاقَضَةَ بِالِانْعِقَادِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّةِ انْعِقَادِ النِّكَاحِ (بِالْهِبَةِ فِي الْحُرَّةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَقِيقِيُّ) الَّذِي هُوَ (الرِّقُّ) فِيهَا لِيَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ تَمَلُّكُهَا بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ مَا دَامَتْ حُرَّةً (فَلَا يَلْزَمُهُمَا إذْ لَمْ يَشْرِطَاهُ) أَيْ إمْكَانَ الْحَقِيقِيِّ (إلَّا عَقْلًا) وَهُوَ مُمْكِنٌ عَقْلًا وَكَيْفَ لَا وَقَدْ وَقَعَ فِي شَرِيعَةِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ (وَلَمْ تَذْكُرْ الشَّافِعِيَّةُ هَذَا الْأَصْلَ) وَهُوَ أَنَّ الْخَلْفِيَّةَ لِلْمَجَازِ فِي التَّكَلُّمِ أَوْ فِي الْحُكْمِ (وَمُوَافَقَتُهُمَا) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ لَهُمَا (فِي الْفَرْعِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ الْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ أَنْتَ ابْنِي (لَا يُوجِبُهَا) أَيْ الْمُوَافَقَةَ (فِي؛ أَصْلِهِمَا) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ صَاحِبِ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّةَ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَبْنِيَّ فِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ ثُبُوتِ السَّبَبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة خَلْفِيَّةِ الْمَجَازِ عَنْ الْحَقِيقَةِ] (مَسْأَلَةٌ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْخَلْفِيَّةِ) أَيْ خَلْفِيَّةِ الْمَجَازِ عَنْ الْحَقِيقَةِ (تَعَيُّنُهَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ (إذَا أَمْكَنَا) أَيْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ (بِلَا مُرَجِّحٍ) لِرُجْحَانِهَا فِي نَفْسِهَا عَلَيْهِ (فَيَتَعَيَّنُ الْوَطْءُ مِنْ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] لِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلنِّكَاحِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ هُنَا مُمْكِنٌ مَعَ مَجَازِيِّهِ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ (فَحَرُمَتْ مَزْنِيَّةُ الْأَبِ) عَلَى فُرُوعِهِ بِالنَّصِّ وَأَمَّا حُرْمَةُ الْمَعْقُودِ لَهُ عَلَيْهَا عَقْدًا صَحِيحًا عَلَيْهِمْ فَبِالْإِجْمَاعِ (وَتَعَلَّقَ بِهِ) أَيْ بِالْوَطْءِ الْجَزَاءُ (فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ إنْ نَكَحْتُك) فَأَنْتِ كَذَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (فَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ إبَانَةٍ) قَبْلَ

الْوَطْءِ (طَلُقَتْ بِالْوَطْءِ) لَا بِالْعَقْدِ لِمَا ذَكَرْنَا (وَفِي الْأَجْنَبِيَّةِ) أَيْ وَفِي قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ تَتَعَلَّقُ الْحُرِّيَّةُ (بِالْعَقْدِ) لِأَنَّ وَطْأَهَا لَمَّا حَرُمَ عَلَيْهِ شَرْعًا كَانَ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ (وَأَمَّا الْمُنْعَقِدَةُ) أَيْ إرَادَةُ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ أَمْرًا أَوْ يَتْرُكَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (بِعَقْدٍ تَمَّ) مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] (لِأَنَّ الْعَقْدَ) حَقِيقَةٌ (لِمَا يَنْعَقِدُ) أَيْ لِلَّفْظِ يُرْبَطُ بِآخَرَ لِإِيجَابِ حُكْمٍ فَالْعَقْدُ إذًا كَمَا قَالَ (وَهُوَ مَجْمُوعُ اللَّفْظِ الْمُسْتَعْقِبِ حُكْمُهُ مَجَازًا فِي الْعَزْمِ) أَيْ الْقَصْدِ الْقَلْبِيِّ (السَّبَبُ لَهُ) أَيْ لِمَجْمُوعِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِهِ (فَلَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ) وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ بِهِ (لِعَدَمِ الِانْعِقَادِ لِعَدَمِ اسْتِعْقَابِهَا وُجُوبَ الْبِرِّ لِتَعَذُّرِهِ) أَيْ الْبِرِّ فِيهَا (فَقَدْ يُقَالُ كَوْنُهَا) أَيْ الْمُنْعَقِدَةُ (حَقِيقَةً فِيهِ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ كَوْنُهَا حَقِيقَةً (فِي عُرْفِ الشَّارِعِ وَهُوَ) أَيْ عُرْفُهُ (الْمُرَادُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَجَازَ (فِي لَفْظِهِ) أَيْ الشَّارِعِ (وَيُدْفَعُ هَذَا بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مِثْلِهِ اسْتِصْحَابُ مَا قَبْلَهُ إلَّا بِنَافٍ) لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ النَّافِي لَهُ (وَأَيْضًا) يَتَعَيَّنُ إرَادَةُ الْمُنْعَقِدَةِ (إنْ كَانَ) الْعَقْدُ فِي مَجْمُوعِ اللَّفْظِ الْمُسْتَعْقِبِ حُكْمَهُ حَقِيقَةً (وَإِلَّا فَالْمَجَازُ الْأَوَّلُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ فِي هَذَا حَقِيقَةً فَهُوَ الْمَجَازُ الْأَوَّلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَدُّ بَعْضِ الْحَبْلِ بِبَعْضٍ (بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَزْمِ لِقُرْبِهِ) إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْعَزْمِ وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ مُقَدَّمٌ (وَمِنْهُ) أَيْ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ لِإِمْكَانِهَا وَلَا مُرَجِّحَ لِلْمَجَازِ قَوْلُهُ هَذَا (ابْنِي لِمُمْكِنٍ) أَيْ لِعَبْدٍ لَهُ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ (مَعْرُوفِ النَّسَبِ) مِنْ غَيْرِهِ (لِجَوَازِهِ) أَيْ كَوْنِهِ (مِنْهُ) بِأَنْ كَانَ مِنْ مَنْكُوحَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ حَقِيقَةً وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِثْبَاتُ لِعَارِضٍ (مَعَ اشْتِهَارِهِ مِنْ غَيْرِهِ) فَيَكُونُ الْمُقِرُّ صَادِقًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ فَحِينَئِذٍ (عَتَقَ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدِهِ وَعَلَى ذَلِكَ) أَيْ تُعَيَّنُ الْحَقِيقَةُ لِإِمْكَانِهَا وَلَا مُرَجِّحَ لِلْمَجَازِ (فَرْعٌ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِعِتْقِ ثُلُثِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ) الْأَوْلَادِ (إذَا أَتَتْ بِهِمْ الْأَمَةُ فِي بُطُونٍ ثَلَاثَةٍ) أَيْ بَيْنَ كُلٍّ وَمَنْ يَلِيهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا (بِلَا نَسَبٍ) مَعْرُوفٍ لَهُمْ (فَقَالَ) الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ (أَحَدُهُمْ ابْنِي وَمَاتَ) الْمَوْلَى (مُجْهِلًا) أَيْ قَبْلَ الْبَيَانِ (خِلَافًا لِقَوْلِهِمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (بِعِتْقِ الْأَصْغَرِ وَنِصْفِ الْأَوْسَطِ وَثُلُثِ الْأَكْبَرِ نَظَرًا إلَى مَا يُصِيبُهُمَا) أَيْ الْأَوْسَطَ وَالْأَكْبَرَ (مِنْ الْأُمِّ لِأَنَّهُ) أَيْ مَا يُصِيبُهُمَا مِنْ الْعِتْقِ مِنْ الْأُمِّ (كَالْمَجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى إقْرَارِهِ لِلْوَاسِطَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُمَا بِوَاسِطَةِ الْأُمِّ بِخِلَافِ مَا يُصِيبُهُمَا مِنْ الْعِتْقِ بِإِقْرَارِهِ فَإِنَّهُ كَالْحَقِيقَةِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى شَيْءٍ فَاعْتَبَرَهُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ مَا يُصِيبُهُمَا مِنْ الْأُمِّ وَإِيضَاحُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُ أَوَّلِ أَوْلَادِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ مَوْلَاهَا إلَّا بِالدَّعْوَةِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ مَنْ عَدَاهُ بِدُونِهَا إذَا لَمْ يَنْفِهِ فَقَالَا: يَعْتِقُ كُلٌّ الثَّالِثَ لِأَنَّهُ حُرٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ أَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ لَهُ أَوْ لِلثَّانِي أَوْ لِلثَّالِثِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَنِصْفُ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ لَهُ أَوْ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَعْتِقُ فِيمَا إذَا كَانَتْ لِلثَّالِثِ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ وَإِنْ كَثُرَتْ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ إذْ الشَّيْءُ لَا يُصَابُ إلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْمِلْكِ مَثَلًا إذَا أُصِيبَ بِالشِّرَاءِ لَا يُصَابُ بِالْهِبَةِ وَهَلُمَّ جَرًّا لِأَنَّ إثْبَاتَ الثَّالِثِ مُحَالٌ بِخِلَافِ الْحِرْمَانِ يَجُوزُ أَنْ تَتَعَدَّدَ جِهَاتُهُ فَإِنَّ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ أَصْلًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَاصِلٍ بِجِهَةِ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ وَهَلُمَّ جَرًّا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ ثُلُثُهُ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْعِتْقِ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صَيْرُورَةِ أُمِّهِمَا فِرَاشًا لِأَبِيهِمَا بِدَعْوَى نَسَبِ أَحَدِهِمْ إذْ لَوْلَاهُ لِمَا حَصَلَ وَأَمَّا الثُّلُثُ فَبِاعْتِبَارِ مَا يَحْصُلُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِمَا فَالزَّائِدُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ وُجُودِهَا كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَوُضِعَتْ فِي بُطُونٍ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ ثَبَتَ نَسَبُ كُلٍّ عَلَى مَا عُرِفَ وَقُيِّدَتْ بِكَوْنِهِ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَقِيمَتُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ سِتَّةَ أَسْهُمٍ لِحَاجَتِنَا إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَأَقَلُّهُ سِتَّةٌ ثُمَّ تُجْمَعُ سِهَامُ الْعِتْقِ وَهِيَ سَهْمَانِ وَثَلَاثَةٌ وَسِتَّةٌ فَتَبْلُغُ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا وَقَدْ ضَاقَ ثُلُثُ الْمَالِ وَهُوَ سِتَّةٌ عَنْهُ فَجَعَلَ كُلَّ رَقَبَةٍ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا فَيَعْتِقُ مِنْ الْأَكْبَرِ سَهْمَانِ

وَيَسْعَى فِي تِسْعَةٍ وَمِنْ الْأَوْسَطِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَيَسْعَى فِي ثَمَانِيَةٍ وَمِنْ الْأَصْغَرِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ لِيَسْتَقِيمَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ (وَالْبَدِيعُ) أَيْ وَصَاحِبُهُ فَرَّعَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ (عَلَى تَقْدِيمِ الْمَجَازِ بِلَا وَاسِطَةٍ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَجَازِ (بِهَا) أَيْ بِوَاسِطَةٍ (لِقُرْبِهِ) أَيْ الْمَجَازِ بِلَا وَاسِطَةٍ (إلَى الْحَقِيقَةِ وَتَقْرِيرُهُ) أَيْ كَلَامُهُ (تَعَذُّرَ الْحَقِيقِيِّ) الَّذِي هُوَ النَّسَبُ (لِامْتِنَاعِ) ثُبُوتِ (نَسَبِ الْمَجْهُولِ) مِنْ أَحَدٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِيَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِخَطَرِ الْبَيَانِ وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ (فَلَزِمَ مَجَازِيَّتُهُ فِي اللَّازِمِ إقْرَارُهُ بِحُرِّيَّتِهِ فَيَعْتِقُ كَذَلِكَ) أَيْ ثُلُثُ كُلٍّ (بِاللَّفْظِ وَقَوْلُهُمَا) يَعْتِقُ الْأَصْغَرُ وَنِصْفُ الْأَوْسَطِ وَثُلُثُ الْأَكْبَرِ (بِوَاسِطَةٍ مَعَهُ) أَيْ مَعَ اللَّفْظِ (وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ الْعِتْقُ بِلَا وَاسِطَةٍ (أَقْرَبُ) إلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ الْعِتْقِ بِهَا فَيَتَعَيَّنُ (مُنْتَفٍ) وَهُوَ خَبَرُ تَقْرِيرِهِ وَإِنَّمَا كَانَ مَنْفِيًّا (إذْ لَا مُوجِبَ حِينَئِذٍ لِلْأُمُومَةِ وَهِيَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْأُمُومَةَ (ثَانِيَةٌ وَأَيْضًا لَا صَارِفَ لِلْحَقِيقِيِّ إذْ الْحَقِيقِيُّ مُرَادٌ فَيَثْبُتُ لَوَازِمُهُ مِنْ الْأُمُومَةِ وَحُرِّيَّةِ أَحَدِهِمْ وَانْتَفَى مَا تَعَذَّرَ مِنْ النَّسَبِ فَيَنْقَسِمُ) الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ بَيْنَهُمْ (بِالسَّوِيَّةِ لَا بِتِلْكَ الْمُلَاحَظَةِ لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُلَاحَظَةَ (مَبْنِيَّةٌ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ) وَهُوَ مُنْتَفٍ (وَعُرِفَ تَقْدِيمُ مَجَازٍ عَلَى آخَرَ بِالْقُرْبِ) إلَى الْحَقِيقَةِ (وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي صِحَّتِهِ لِابْنَيْ ابْنِ عَبْدِهِ لِبَطْنَيْنِ وَأَبِيهِمَا) أَيْ وَلِأَبِيهِمَا وَجَدِّهِمَا فَثَنَّى الْأَبَ عَلَى لُغَةِ النَّقْضِ فِيهِ (أَحَدُهُمْ ابْنَيْ وَهُوَ) أَيْ وَكُلٌّ مِنْهُمْ (مُمْكِنٌ) أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ (وَمَاتَ) الْمَوْلَى (مُجْهِلًا فَفِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ الْأَصَحُّ الْوِفَاقُ عَلَى عِتْقِ رُبْعِ عَبْدِهِ إنْ عَنَاهُ لَا) إنْ عَنَى (أَحَدَ الثَّلَاثَةِ) الْبَاقِينَ فَقَدْ عَتَقَ فِي حَالٍ وَرَقَّ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ فَيَعْتِقُ رُبُعُهُ (وَثُلُثُ ابْنِهِ) أَيْ وَعَلَى عِتْقِ ثُلُثِ ابْنِ عَبْدِهِ (لِعِتْقِهِ إنْ عَنَاهُ أَوْ أَبَاهُ) لَا بِسَبَبِ عِتْقِ الْأَبِ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْأَبِ لَا تُوجِبُ حُرِّيَّةَ الِابْنِ بِخِلَافِ الْأُمِّ بَلْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَفِيدَ الْمُعْتِقِ (لَا) إنْ عَنَى (أَحَدَ الِابْنَيْنِ وَأَحْوَالُ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ) وَاحِدَةٌ كَمَا قَدَّمْنَا فَقَدْ عَتَقَ فِي حَالٍ وَرَقَّ فِي حَالَتَيْنِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ (وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ وَعَلَى عِتْقِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ كُلٍّ مِنْ الِابْنَيْنِ (لِعِتْقِ أَحَدِهِمَا فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْأَحْوَالِ بِيَقِينٍ بِأَنْ يُرَادَ نَفْسُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ (وَالْآخَرُ) أَيْ وَعِتْقُ الْآخَرِ (فِي ثَلَاثٍ) مِنْ الْأَحْوَالِ بِأَنْ أُرِيدَ نَفْسُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ (لَا إنْ عَنَى أَخَاهُ وَلَا أَوْلَوِيَّةَ) أَيْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ أَوْلَى بِجَعْلِهِ الْمَعْتُوقَ بِكُلِّ حَالٍ دُونَ الْآخَرِ (فَبَيْنَهُمَا عِتْقٌ وَنِصْفٌ) فَيُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَيَعْتِقُ نِصْفٌ وَرُبْعٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (وَلَوْ كَانَ) ابْنُ ابْنِ عَبْدِهِ (فَرْدًا أَوْ تَوْأَمَيْنِ يَعْتِقُ كُلُّهُ) لِعِتْقِهِ فِي كُلِّ حَالٍ (وَثُلُثُ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ عِتْقٌ فِي حَالَةٍ وَهُوَ مَا إذَا عَنَاهُ وَرَقَّ فِي حَالَةٍ وَهُوَ مَا إذَا عَنَى وَلَدَهُ أَوْ حَفِيدَهُ (وَنِصْفُ الثَّانِي) لِأَنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا عَنَاهُ أَوْ أَبَاهُ وَأَحْوَالُ الْحِرْمَانِ وَهِيَ مَا إذَا عَنَى ابْنَهُ فَيَتَنَصَّفُ (وَجَزَمَ فِي الْكَشْفِ الصَّغِيرِ بِعِتْقِ رُبُعِ كُلٍّ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَحَدُ هَؤُلَاءِ حُرٌّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ الْأَقْيَسُ بِمَا قَبْلَهُ إذْ الْكُلُّ مُضَافٌ إلَى الْإِيجَابِ بِلَا وَاسِطَةٍ) كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَبِوَاسِطَةٍ) كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُ الْعِتْقِ لِكُلٍّ مُضَافًا إلَى الْإِيجَابِ (لَوْ اسْتَعْمَلَ) أَحَدُهُمْ ابْنِي (مَجَازًا فِي الْإِعْتَاقِ) أَيْ تَحْرِيرًا مُبْتَدَأً (عَتَقَ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ وَابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ وَاحِدًا أَوْ تَوْأَمَيْنِ (ثُلُثُ كُلِّهِ) أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ قَالَ: أَحَدُهُمْ حُرٌّ (وَرُبُعُهُ) أَيْ وَعَتَقَ رُبُعُ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ (فِي الْأُولَى) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ وَابْنِهِ وَابْنَيْ ابْنِهِ فِي بَطْنَيْنِ وَقُيِّدَتْ بِكَوْنِهِ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ عَتَقُوا مِنْ الثُّلُثِ بِحِسَابِ حَقِّهِمْ فَيَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ اثْنَيْ عَشَرَ لِحَاجَتِنَا إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ وَرُبْعٌ وَأَدْنَاهُ اثْنَا عَشَرَ حَقُّ الْأَوَّلِ فِي رُبْعِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَالثَّانِي فِي ثُلُثِهِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِينَ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ وَهِيَ تِسْعَةٌ فَصَارَتْ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرِينَ وَثُلُثُ الْمَالِ سِتَّةَ عَشَرَ فَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ سِهَامِ الْوَصَايَا فَجُعِلَ الثُّلُثُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَالْمَالُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الرَّقَبَةِ مِنْ الثُّلُثِ لِيَظْهَرَ مِقْدَارُ مَا يَعْتِقُ مِنْهَا وَمِقْدَارُ مَا نَسْعَى فِيهِ فَنَقُولُ: ثُلُثُ الْمَالِ رَقَبَةٌ وَثُلُثٌ وَالرَّقَبَةُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَلَيْسَ لِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ رُبْعٌ صَحِيحٌ

مسألة يلزم المجاز لتعذر الحقيقي

فَاضْرِبْهُ فِي أَرْبَعَةٍ فَيَصِيرُ مِائَةً وَالْمَالُ ثَلَثَمِائَةٍ وَالرَّقَبَةُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمِائَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ كَانَ حَقُّ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةً ضَرَبْنَاهَا فِي أَرْبَعَةٍ فَبَلَغَ اثْنَيْ عَشَرَ وَصَارَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لِلثَّانِي سِتَّةَ عَشَرَ وَلِكُلٍّ مِنْ الْآخَرِينَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ وَتِسْعُونَ فِي الْبَاقِي ثُمَّ الْأَصَحُّ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ اعْتِبَارِ أَحْوَالِ الْإِصَابَةِ كَاعْتِبَارِ أَحْوَالِ الْحِرْمَانِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الرِّقَّ لَا يَثْبُتُ أَصْلُهُ إلَّا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْقَهْرُ وَالْعِتْقُ لَهُ أَسْبَابٌ مِنْ تَنْجِيزِهِ وَالْكِتَابَةُ وَالِاسْتِيلَادُ وَالتَّدْبِيرُ فَإِذَا اُعْتُبِرَ أَحْوَالُ مَا اتَّحَدَ سَبَبُهُ مُتَعَدِّدَةً فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ أَحْوَالُ مَا تَعَدَّدَ سَبَبُهُ أَوْلَى وَوَجْهُ الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَا أَوْجَهُ. [مَسْأَلَة يَلْزَمُ الْمَجَازُ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ] (مَسْأَلَةٌ يَلْزَمُ الْمَجَازُ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ كَحَلِفِهِ وَلَا نِيَّةَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْقِدْرِ فَلِمَا يُحِلُّهُ) أَيْ الْقَدْرَ بِتَأْوِيلِ الْمَحَلِّ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ يُحِلُّهَا لِأَنَّهَا مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ أَيْ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُطْبَخُ فِيهَا لِتَعَذُّرِ أَكْلِ عَيْنِهَا عَادَةً تَجُوزَا بِاسْمِ الْمَحَلِّ عَنْ الْحَالِ (وَلِعُسْرِهِ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ (كَمِنْ الشَّجَرَةِ) فِي حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ مِنْ الشَّجَرَةِ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ عَيْنُهَا عَادَةً (فَلَمَّا تَخْرُجُ) الشَّجَرَةُ مِنْ الثَّمَرِ وَغَيْرِهِ حَالَ كَوْنِهِ (مَأْكُولًا بِلَا كَثِيرٍ صُنْعٍ) تَجَوُّزًا بِاسْمِ السَّبَبِ وَهُوَ الشَّجَرَةُ عَنْ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْخَارِجُ الْمَذْكُورُ (وَمِنْهُ) أَيْ وَمِمَّا تُخْرِجُهُ مَأْكُولًا (الْجُمَّارُ) وَهُوَ شَحْمُ النَّخْلِ (وَالْخَلُّ لِأَبِي الْيُسْرِ) وَأَبِي اللَّيْثِ وَالظَّاهِرُ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وِفَاقًا لِكَثِيرِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ كَذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرِيقَانِ فِيهِ نَقْلًا عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ (لَا نَاطِفُهَا وَنَبِيذُهَا) لِأَنَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى الصُّنْعِ لَيْسَ مِمَّا خَرَجَ مُطْلَقًا وَلِذَا عُطِفَ عَلَى الثَّمَرِ فِي قَوْله تَعَالَى {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} [يس: 35] فَلَا يَحْنَثُ بِهِ (وَلَوْ لَمْ تَخْرُجْ مَأْكُولًا فَلِثَمَنِهَا) فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ (وَلِلْهَجْرِ) أَيْ لِهَجْرِ الْحَقِيقِيِّ (عَادَةً وَإِنْ سَهُلَ) تَنَاوُلُهُ (كَمِنْ الدَّقِيقِ فَلِمَا لَهُ) كَالْعَصِيدَةِ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا لَا بِسَفَهٍ لِتَرْكِ تَنَاوُلِهِ هَكَذَا عَادَةً خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَا يَشْرَبُ مِنْ الْبِئْرِ) وَهِيَ غَيْرُ مَلْأَى (فَلِمَائِهِ) أَيْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِالْبِئْرِ وَإِلَّا فَهِيَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِيمَا سَيَأْتِي (اغْتِرَافًا اتِّفَاقًا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ) أَيْ بِتَنَاوُلِهِ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِإِنَاءٍ عَلَى مَا فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَتَفْسِيرُ الْكَرْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَخُوضَ الْإِنْسَانُ فِي الْمَاءِ وَيَتَنَاوَلُهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْخَوْضِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ الْكُرَاعِ وَهُوَ مِنْ الْإِنْسَانِ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ وَمِنْ الدَّوَابِّ مَا دُونَ الْكَعْبِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ اهـ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمُتَبَادِرُ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ فِي التَّلْوِيحِ أَصْلُ ذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ لَا تَكَادُ تَشْرَبُ إلَّا بِإِدْخَالِ أَكَارِعِهَا فِيهِ ثُمَّ قِيلَ لِلْإِنْسَانِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ إذَا شَرِبَ بِفِيهِ خَاضَ أَوْ لَمْ يَخُضْ (فِي الْأَصَحِّ) وَفِي الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ (وَلَوْ) كَانَتْ (مَلْأَى فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ) فَعِنْدَهُ عَلَى الْكَرْعِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الِاغْتِرَافِ (وَأَفَادُوا أَنَّ مَجَازِيَّ الْبِئْرِ الِاغْتِرَافُ وَفِيهِ بُعْدٌ) لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ الثَّابِتَةِ الِاعْتِبَارِ (وَالْأَوْجَهُ أَنَّ تَعْلِيقَ الشُّرْبِ بِهَا) أَيْ بِالْبِئْرِ (عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ) أَيْ مِنْ مَائِهَا (فَهِيَ) أَيْ الْبِئْرُ (حَقِيقَةٌ) قُلْت: أَوْ عَبَّرَ بِالْبِئْرِ عَنْ مَائِهَا تَجَوُّزًا بِاسْمِ الْمَحَلِّ عَنْ الْحَالِ وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَكْثَرِيَّةِ مَجَازِ الْعَلَاقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَجَازِ الْحَذْفِ وَأَيًّا مَا كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ تَرَجَّحَ الْحِنْثُ بِالْكَرْعِ مِنْ الْبِئْرِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَلْأَى كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ هَذَيْنِ التَّوْجِيهَيْنِ فِي وَجْهِ قَوْلِهِمَا بِالْحِنْثِ كَيْفَمَا شَرِبَ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فِي حَلِفِهِ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ لُزُومِ الْمَجَازِيِّ لِلْهَجْرِ عَادَةً حَلِفُهُ (لَا يَضَعُ قَدَّمَهُ) فِي دَارِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ مَجَازٌ (عَمَّا تَقَدَّمَ) وَهُوَ دُخُولُهَا كَمَا أَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ (وَشَرْعًا) أَيْ وَلِلْهَجْرِ شَرْعًا حَلِفُهُ (لَيَنْكِحَنَّ أَجْنَبِيَّةً لَمْ يَحْنَثْ بِالزِّنَا إلَّا بِنِيَّتِهِ) أَيْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ إذْ الْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عُرْفًا لِمَنْعِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ ظَاهِرًا مِنْهُ فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِالْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالْخُصُومَةُ فِي التَّوْكِيلِ بِهَا) أَيْ بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا وَهِيَ الْمُنَازَعَةُ مَهْجُورَةٌ شَرْعًا فِيمَا عُرِفَ الْخَصْمُ فِيهِ مُحِقًّا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنَازَعُوا} [الأنفال: 46] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَانْصَرَفَ الْوَكِيلُ بِهَا (لِلْجَوَابِ) مَجَازًا إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ لِأَنَّهَا سَبَبُهُ أَوْ لِلْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ أَوْ لِلْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ بِنَاءً عَلَى عُمُومِ الْجَوَابِ

لِلْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ كَمَا سَنَذْكُرُ وَهَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ (عِنْدَ الْقَاضِي) لَا غَيْرَ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جَوَابُ الْخُصُومَةِ مَجَازًا وَالْخُصُومَةُ تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَذَا جَوَابُهَا أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ سَمَاعُ بَيِّنَةٍ وَلَا اسْتِحْلَافٌ وَلَا إعْدَاءٌ وَلَا حَبْسٌ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي وَمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ يَكُونُ صُلْحًا فَإِذَا كَانَ الْجَوَابُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بَلْ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ لِتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ضِدُّ الْخُصُومَةِ وَجَوَابُهُ وَاضِحٌ مِمَّا سَبَقَ (فَيَعُمُّ) الْجَوَابُ (الْإِقْرَارَ) كَالْإِنْكَارِ لِأَنَّ الْجَوَابَ كَلَامٌ يَسْتَدْعِيهِ كَلَامُ الْغَيْرِ وَيُطَابِقُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ جَابَ الْفَلَاةَ إذَا قَطَعَهَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ كَلَامَ الْغَيْرِ يَنْقَطِعُ بِهِ وَذَلِكَ كَمَا يَكُونُ بِلَا يَكُونُ بِنَعَمْ (وَلَا يُكَلِّمُ الصَّبِيَّ فَيَحْنَثُ بِهِ) أَيْ بِكَلَامِهِ حَالَ كَوْنِهِ (شَيْخًا) لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَبِيٌّ مَأْمُورٌ فِيهِ بِالْمَرْحَمَةِ شَرْعًا وَالْهَجْرُ يُنَافِيهِ فَانْصَرَفَ الْيَمِينُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَى خُصُوصِ ذَاتِ صَبِيٍّ إلَى خُصُوصِ ذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ فِيهَا آخَرَ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَنٍ مِنْ الصِّبَا أَوْ لِشِدَّةِ كَرَاهَةِ ذَاتِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ شَيْخًا لِوُجُودِ ذَاتِهِ (بِخِلَافِ الْمُنْكِرِ) أَيْ لَا يُكَلِّمُ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُشِرْ إلَى خُصُوصِ ذَاتٍ كَانَ الصِّبَا نَفْسُهُ مُثِيرَ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الشَّرْعِ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْيَمِينِ بِهِ لِقَصْدِهِ بِهَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَحَلِفِهِ لَيَشْرَبَنَّ الْيَوْمَ خَمْرًا أَوْ لَيَسْرِقَنَّ اللَّيْلَةَ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَا حَرَامَيْنِ (وَقَدْ يَتَعَذَّرُ حُكْمُهُمَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (فَيَتَعَذَّرَانِ) أَيْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْكَلَامُ لَغْوًا (كَبِنْتِي لِزَوْجَتِهِ الْمَنْسُوبَةِ) أَيْ كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ الثَّابِتِ نَسَبُهَا مِنْ غَيْرِهِ هَذِهِ ابْنَتِي (فَلَا تَحْرُمُ) عَلَيْهِ أَبَدًا بِهَذَا سَوَاءٌ كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْهُ أَوْ أَصْغَرَ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ أَمْ رَجَعَ بِأَنْ قَالَ: غَلِطْت أَوْ وَهِمْت (وَإِنْ أَصَرَّ) أَيْ دَامَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ (فَفَرَّقَ) أَيْ حَتَّى فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا (مَنْعًا مِنْ الظُّلْمِ) أَيْ ظُلْمِهِ لَهَا بِتَرْكِ قُرْبَانِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ هُنَا (لِلِاسْتِحَالَةِ فِي الْأَكْبَرِ مِنْهُ) سِنًّا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَصِحَّةُ رُجُوعِهِ) عَنْ كَوْنِهَا بِنْتَهُ (فِي الْمُمْكِنَةِ) أَيْ فِي الْأَصْغَرِ مِنْهُ سِنًّا وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الْحَالِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُتَحَقِّقِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَكْذِيبُ الشَّرْعِ) لَهُ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ إبْطَالَهُ شَرْعًا (بَدَلُهُ) أَيْ قَائِمٌ مَقَامَ رُجُوعِهِ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ تَكْذِيبِ نَفْسِهِ (فَكَأَنَّهُ رَجَعَ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ صَحِيحٌ) وَعِنْدَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ لَا يَبْقَى الْإِقْرَارُ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مُطْلَقًا وَلَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ الْإِقْرَارِ بِالْبُنُوَّةِ (فِي عَبْدِهِ الْمُمْكِنِ) كَوْنُهُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ صِغَرُ سِنِّهِ الثَّابِتِ نَسَبُهُ مِنْ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا عَنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَبْدُ وَالْأَبُ لَا يَتَضَرَّرَانِ بِهَا وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَلَهَا حُكْمٌ يُصَارُ إلَى إثْبَاتِ حُكْمِ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ مَجَازًا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَحَيْثُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ (لِعَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ) وَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِهَذَا الْأَصْلِ فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ هَذِهِ بِنْتِي (وَلِأَنَّ ثُبُوتَهُ) أَيْ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِهَذِهِ بِنْتِي (إمَّا حُكْمًا لِلنَّسَبِ وَهُوَ) أَيْ النَّسَبُ قَدْ ثَبَتَ (مِنْ الْغَيْرِ) فَيَثْبُتُ لِلْغَيْرِ لَا لَهُ (أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ) لِهَذِهِ بِنْتِي (فِيهِ) أَيْ فِي التَّحْرِيمِ (وَهُوَ) أَيْ تَحْرِيمُ النَّسَبِ (مُنَافٍ لِسَبْقِ الْمِلْكِ) أَيْ لِلنِّكَاحِ لِمُنَافَاتِهِ لِمِلْكِ النِّكَاحِ لِانْتِفَاءِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحَرَّمَاتِ (لَا أَنَّهُ) أَيْ تَحْرِيمَ النَّسَبِ (مِنْ حُقُوقِهِ) أَيْ مِلْكِ النِّكَاحِ (وَاَلَّذِي مِنْ حُقُوقِهِ) أَيْ وَالتَّحْرِيمُ الَّذِي هُوَ مِنْ حُقُوقِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَهُوَ إنْشَاءُ التَّحْرِيمِ الْكَائِنِ بِالطَّلَاقِ (لَيْسَ اللَّازِمَ) لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِهَذِهِ بِنْتِي (لِيَتَجَوَّزَ بِهِ) أَيْ بِهَذِهِ بِنْتِي (فِيهِ) أَيْ فِي التَّحْرِيمِ الْكَائِنِ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ بَيْنَ التَّحْرِيمَيْنِ مُنَافَاةٌ لِتَنَافِي لَوَازِمِهِمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُنَافِي مَحَلِّيَّةَ النِّكَاحِ وَيُثْبِتُ حُرْمَةً لَا تَرْتَفِعُ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَالْآخَرُ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا يَخْرُجُ الْمَحَلُّ عَنْ مَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ وَيَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ وَتَنَافِي

مسألة الحقيقة المستعملة أولى من المجاز المتعارف

اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ فَتَعَذَّرَ الْمَجَازِيُّ أَيْضًا. [مَسْأَلَة الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ] (مَسْأَلَةٌ الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ الْأَسْبَقِ مِنْهَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعِنْدَهُمَا وَالْجُمْهُورُ قَلْبُهُ) أَيْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ الْأَسْبَقِ مِنْهَا أَوْلَى مِنْ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ (وَتَفْسِيرُ التَّعَارُفِ بِالتَّفَاهُمِ) كَمَا قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ (أَوْلَى مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَفْسِيرِهِ (بِالتَّعَامُلِ) كَمَا قَالَ مَشَايِخُ بَلْخَ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّعَامُلَ (فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ) أَيْ الْمَجَازِ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّعَامُلَ (كَوْنُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ مُتَعَلِّقَ عَمَلِهِمْ) أَيْ أَهْلِ الْعُرْفِ (وَهَذَا) أَيْ عَمَلُهُمْ (سَبَبُهُ) أَيْ التَّعَارُفُ (إذْ بِهِ) أَيْ بِالتَّعَامُلِ (يَصِيرُ) الْمَجَازُ (أَسْبَقَ) إلَى الْفَهْمِ فَمَحَلُّ التَّعَامُلِ الْمَعْنَى وَمَحَلُّ الِاسْتِعْمَالِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ اللَّفْظُ (ثُمَّ هَذَا عَلَى تَسْمِيَةِ الْمَعْنَى بِهِمَا) أَيْ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُسَامَحَةً لِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ (وَالتَّحْرِيرُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ هُوَ (الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فِي الْمَجَازِيِّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ (فِي الْحَقِيقِيِّ وَمَا قِيلَ) أَيْ وَمَا قَالَهُ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ التَّفْسِيرُ (الثَّانِي قَوْلُهُمَا وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ لِلْحِنْثِ عِنْدَهُ بِأَكْلِ آدَمِيٍّ وَخِنْزِيرٍ) أَيْ لَحْمِهِمَا فِي حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لِأَنَّ التَّفَاهُمَ يَقَعُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى لَحْمًا وَعَدَمُهُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّعَامُلَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً (غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ) الْحِنْثُ عِنْدَهُ فِيهِمَا (لِاسْتِعْمَالِ اللَّحْمِ فِيهِمَا) أَيْ فِي لَحْمَيْ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ (فَيُقَدَّمُ) الِاعْتِبَارُ لِلْحَقِيقَةِ وَعَدَمِ الْحِنْثِ عِنْدَهُمَا لِمَضْمُونِ قَوْلِهِ (وَلِأَسْبَقِيَّةِ مَا سِوَاهُمَا) أَيْ لَحْمَيْ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ إلَى الْأَفْهَامِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (عِنْدَهُمَا وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ (مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَادَةِ بِلَا خِلَافٍ) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اقْتِصَارَ الْحِنْثِ عَلَى مَا اُعْتِيدَ أَكْلُهُ مِنْ اللُّحُومِ فَلَا جَرَمَ إنْ قِيلَ إذَا كَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ أَكْلَهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ قَالَ الْعَتَّابِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَكَوْنُ هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ (فَرْعَ جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ فَرَجَحَ التَّكَلُّمُ بِهَا) أَيْ بِالْحَقِيقَةِ عَلَى التَّكَلُّمِ بِالْمَجَازِ لِرُجْحَانِهَا عَلَيْهِ (وَرَجَّحَا الْحُكْمَ بِأَعَمِّيَّتِهِ) أَيْ حُكْمِ الْمَجَازِ (لِحُكْمِهَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ شَمِلَهَا حَتَّى صَارَتْ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهِ فَكَثُرَتْ فَائِدَتُهُ وَكَانَ فِيهِ عَمَلٌ بِالْحَقِيقَةِ مِنْ وَجْهٍ لِدُخُولِهَا فِيهِ كَمَا هُوَ حَاصِلُ مَا فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ (لَا يَتِمُّ إذْ الْغَرَضُ يَتَعَلَّقُ بِالْخُصُوصِ كَضِدِّهِ) أَيْ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعُمُومِ (وَالْمُعَيَّنُ) لِمَا هُوَ الْغَرَضُ مِنْهُمَا (الدَّلِيلُ) مَعَ أَنَّ الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ قَدْ لَا يَعُمُّ الْحَقِيقَةَ (فَالْمَبْنِيُّ) لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (صُلُوحُ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ دَلِيلًا) مُرَجِّحًا لِلْغَالِبِ اسْتِعْمَالًا فِيهِمَا عَلَى الْآخَرِ (فَأَثْبَتَاهُ وَنَفَاهُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تُرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ جِنْسِهَا فَتَكَافَآ) أَيْ فَتَسَاوَى الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فِي الِاعْتِبَارِ (ثُمَّ تَتَرَجَّحُ) الْحَقِيقَةُ عِنْدَهُ لِرُجْحَانِهَا عَلَيْهِ (لَا ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ الْمَجَازِ أَعَمُّ كَمَا قَالَاهُ (وَإِلَّا) لَوْ تَمَّ كَوْنُ الْخِلَافِ فِي الْمَجَازِ الْأَسْبَقِ مِنْ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ (اطَّرَدَ) التَّرْجِيحُ بِالْعُمُومِ عِنْدَهُمَا (فَرَجَّحَا) حِينَئِذٍ الْمَجَازَ (الْمُسَاوِيَ) لِلْحَقِيقَةِ فِي التَّبَادُرِ لِلْفَهْمِ (إذَا عَمَّ) حُكْمُهُ الْحَقِيقَةَ (وَقَالَا) حِينَئِذٍ أَيْضًا (الْعَقْدُ الْعَزْمُ لِعُمُومِهِ) أَيْ الْعَزْمِ (الْغَمُوسَ وَكَثِيرٌ وَلَيْسَ) شَيْءٌ مِنْهَا كَذَلِكَ وَكَيْفَ (وَالْمُسَاوِي اتِّفَاقٌ) أَيْ مَحْكِيٌّ فِيهِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى تَقْدِيمِ الْحَقِيقَةِ إذَا سَاوَاهَا الْمَجَازُ مُطْلَقًا (وَفَرَّعَهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ) وَهِيَ بِالتَّاءِ الْمَمْدُودَةِ فِي الْخَطِّ فِي حَالَتَيْ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ النَّهْرُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَرُبَّمَا قِيلَ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ الْحِنْطَةَ انْصَرَفَ) الْحَلِفُ (عِنْدَهُ إلَى الْكَرْعِ) فِي الشُّرْبِ مِنْ الْفُرَاتِ (وَعَيْنِهَا) أَيْ وَإِلَى أَكْلِ عَيْنِ الْحِنْطَةِ (وَإِلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْحِنْطَةِ (وَمَائِهِ) أَيْ الْفُرَاتِ (عِنْدَهُمَا وَعَلَى الْحِنْطَةِ) أَيْ يَرِدُ عَلَى مَسْأَلَتِهَا (التَّخْصِيصُ بِالْعَادَةِ) فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ اقْتِصَارُ الْحِنْثِ عَلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا عَادَةً لِأَنَّ الْعُرْفَ الْعَمَلِيَّ مُخَصِّصٌ كَمَا سَلَفَ (وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا) أَيْ الْعَادَةَ مُخَصِّصَةٌ أَوْ الْمَسْأَلَةَ الْخِلَافِيَّةَ (فِي) الْحِنْطَةِ (غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ أَمَّا فِيهَا) أَيْ الْمُعَيَّنَةِ (فَقَوْلُهُ مِثْلُهُمَا) وَالصَّوَابُ الْقَلْبُ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا حَلَفَ عَلَى حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً

يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اهـ فَيُطَالَبُ بِالْفَرْقِ (وَيُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (أَنَّ الْعَادَةَ فِيهَا) أَيْ فِي الْمُعَيَّنَةِ (مُشْتَرَكَةٌ) بَيْنَ تَنَاوُلِ عَيْنِهَا وَمَا يُتَّخَذُ مِنْهَا (وَإِنْ غَلَبَتْ) الْعَادَةُ (فِيمَا) يُتَّخَذُ (مِنْهَا كَالْكَرْعِ) فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي الشُّرْبِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّرْبِ بِالْإِنَاءِ وَنَحْوِهِ فَانْصَرَفَتْ الْيَمِينُ عِنْدَهُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي تَعَلُّقِ الْأَكْلِ بِهَا إرَادَةُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ دَعْوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ التَّعَارُفَ فِي حِنْطَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ لَا فِي حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعَارُفُ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَا يَتْرُكُ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تُتْرَكُ بِنِيَّةِ غَيْرِهَا أَوْ بِالْعُرْفِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هَذَا وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَحَكُّمٌ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إيرَادِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ يَعُمُّ الْمُعَيَّنَةَ وَالْمُنَكَّرَةَ وَهُوَ أَنَّ عَيْنَهَا مَأْكُولٌ (وَتَقَدَّمَ بَقِيَّةُ الصَّوَارِفِ فِي التَّخْصِيصِ) فِي مَسْأَلَةِ الْعَادَةِ الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ مُخَصِّصٌ فَلْيُرَاجَعْ. (تَتِمَّةٌ) (يَنْقَسِمُ كُلٌّ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ تَبَادُرِ الْمُرَادِ) مِنْ إطْلَاقِهِ (لِلْغَلَبَةِ اسْتِعْمَالًا وَعَدَمِهِ) أَيْ وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ تَبَادُرِ الْمُرَادِ لِعَدَمِ الْغَلَبَةِ اسْتِعْمَالًا (إلَى صَرِيحٍ يَثْبُتُ حُكْمُهُ الشَّرْعِيُّ بِلَا نِيَّةٍ وَكِنَايَةٍ) لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ قَائِمٍ مَقَامَهَا (مِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ الَّذِي هُوَ الْكِنَايَةُ (أَقْسَامُ الْخَفَاءِ) أَيْ الْخَفِيُّ وَالْمُشْكِلُ وَالْمُجْمَلُ (وَالْمَجَازُ غَيْرُ الْمُشْتَهِرِ وَيَدْخُلُ الصَّرِيحُ الْمُشْتَرَكُ الْمُشْتَهِرُ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ (بِحَيْثُ تَبَادَرَ) ذَلِكَ الْأَحَدُ مِنْ إطْلَاقِهِ (وَالْمَجَازُ) الْغَالِبُ الِاسْتِعْمَالِ (مَعَ الْهَجْرِ) لِحَقِيقَتِهِ (اتِّفَاقًا كَذَلِكَ) أَيْ صَرِيحٌ (وَمَعَ اسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةِ) هُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا (عِنْدَهُمَا وَالظَّاهِرُ وَبَاقِي الْأَرْبَعَةِ) النَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ (إنْ اُشْتُهِرَتْ فَإِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ وَبَاقِي الْأَرْبَعَةِ (مُطْلَقًا) مِنْ الصَّرِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ (لَا يَتَّجِهُ) بَلْ يَخْرُجُ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِمُشْتَهِرٍ (لَكِنْ مَا لَا يَشْتَهِرُ مِنْهَا لَا يَكُونُ كِنَايَةً وَالْحَالُ تَبَادُرُ الْمُعَيَّنِ) مِنْ إطْلَاقِ اللَّفْظِ (وَإِنْ كَانَ) تَبَادُرُهُ (لَا لِلْغَلَبَةِ) الِاسْتِعْمَالِيَّة (بَلْ) تَبَادُرُهُ (لِلْعِلْمِ بِالْوَضْعِ) أَيْ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ (وَقَرِينَةُ النَّصِّ) مِنْ كَوْنِ الْكَلَامِ مَسُوقًا (وَأَخَوَيْهِ) أَيْ وَقَرِينَةِ الْمُفَسِّرِ مِنْ عَدَمِ احْتِمَالِهِ لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ وَقَرِينَةِ الْمُحْكَمِ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلنَّسْخِ (فَيَلْزَمُ تَثْلِيثُ الْقِسْمَةِ إلَى مَا لَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً لَكِنَّ حُكْمَهُ) أَيْ هَذَا الْقَسَمِ (إنْ اتَّحَدَ بِالصَّرِيحِ أَوْ بِالْكِنَايَةِ فَلَا فَائِدَةَ) فِي تَثْلِيثِهَا بِهِ وَهُوَ مُمْكِنٌ (فَلْيُتْرَكْ مَا مَالَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ) ذِكْرِ (قَيْدِ الِاسْتِعْمَالِ) كَمَا مَشَيْنَا عَلَيْهِ أَوَّلًا (وَيُقْتَصَرُ) فِي تَعْرِيفِ الصَّرِيحِ (عَلَى مَا تَبَادَرَ خُصُوصُ مُرَادِهِ لِغَلَبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) مِنْ تَنْصِيصٍ أَوْ تَفْسِيرٍ أَوْ إحْكَامٍ كَمَا مَالَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ (لَكِنْ أَخْرَجُوا) مِنْ الصَّرِيحِ (الظَّاهِرَ عَلَى هَذَا) التَّعْرِيفِ لِأَنَّ الظُّهُورَ فِيهِ لَيْسَ بِتَامٍّ (وَلَا فَرْقَ) بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالصَّرِيحِ (إلَّا بِعَدَمِ الْقَصْدِ الْأَصْلِيِّ) فِي الظَّاهِرِ بِخِلَافِهِ فِي الصَّرِيحِ وَهُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي التَّبَادُرِ (ثُمَّ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِهِ) أَيْ الصَّرِيحِ (بِلَا نِيَّةِ جَرَيَانِهِ) عَلَى لِسَانِهِ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ حُرَّةٌ (غَلَطًا فِي نَحْوِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَاسْقِنِي) أَيْ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ هَذَا فَقَالَ ذَاكَ قَالُوا: فَيَثْبُتُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ (وَأَمَّا قَصْدُهُ) أَيْ الصَّرِيحُ (مَعَ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ إلَى مُحْتَمَلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ دِيَانَةً كَقَصْدِ الطَّلَاقِ مِنْ وَثَاقٍ) فِي قَوْلِهِ هِيَ طَالِقٌ (فَهِيَ زَوْجَتُهُ دِيَانَةً) لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ لَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ (وَمُقْتَضَى النَّظَرِ كَوْنُهُ) أَيْ ثُبُوتِ حُكْمِهِ بِلَا نِيَّةٍ (فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي الْغَلَطِ وَمَا قَصَدَ صَرْفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى مُحْتَمَلِهِ (قَضَاءً فَقَطْ وَإِلَّا) لَوْ ثَبَتَ حُكْمُهُ فِيهِمَا مُطْلَقًا (أَشْكَلَ بِعْت وَاشْتَرَيْت إذْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا فِي الْوَاقِعِ مَعَ الْهَزْلِ) مَعَ أَنَّهُمَا صَرِيحٌ (وَفِي نَحْوِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ) إنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ مُطْلَقًا فِي الْهَزْلِ (بِخُصُوصِهِ دَلِيلٌ) وَهُوَ الْحَدِيثُ الْآتِي عَلَى الْأَثَرِ وَلَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى (وَكَذَا فِي الْغَلَطِ) يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِي الْكُلِّ قَضَاءً فَقَطْ فَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِيَصِلَ بِهِ (لِمَا ذَكَرْتُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) مِنْ أَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ السَّبَبَ عَالِمًا بِأَنَّهُ سَبَبٌ رَتَّبَ الشَّرْعُ

مسائل الحروف جرى فيها الاستعارة تبعا كالمشتق فعلا ووصف

حُكْمَهُ عَلَيْهِ أَرَادَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ إلَّا إنْ أَرَادَ مَا يَحْتَمِلُهُ وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِ اللَّفْظِ وَلَا بِاللَّفْظِ فَمِمَّا يَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وَفُسِّرَ بِأَمْرَيْنِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ مَعَ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِلسَّبَبِ عَالَمٌ بِحُكْمِهِ فَأَلْغَاهُ لِغَلَطِهِ فِي ظَنِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ إلَى الْيَمِينِ كَلَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ فَرَفَعَ حُكْمَهُ الدُّنْيَوِيَّ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إلَيْهِ فَهَذَا تَشْرِيعٌ لِعِبَادِهِ أَنْ لَا يُرَتِّبُوا الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ نَقْصِدْ وَكَيْفَ وَقَدْ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّائِمِ عِنْدَ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ مِنْ حَيْثُ لَا قَصْدَ لَهُ إلَى اللَّفْظِ وَلَا حُكْمِهِ وَإِنَّمَا لَا يُصَدِّقُهُ غَيْرُ الْعِلْمِ وَهُوَ الْقَاضِي (وَلَا يَنْفِيهِ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (الْحَدِيثُ) الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ إلَى آخِرِهِ أَيْ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ بِالسَّبَبِ لَا بِالْحُكْمِ وَالْغَالِطُ غَيْر رَاضٍ بِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الثَّانِي (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَقَوْلُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنْ مَشَايِخِنَا (لَفْظُ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَجَازٌ لِأَنَّهَا) أَيْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ (عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا غَلَطٌ إذْ لَا تُنَافِي الْحَقِيقَةُ الْكِنَايَةَ وَمَا قِيلَ) أَيْ وَقَوْلُهُمْ أَيْضًا فِي وَجْهٍ أَنَّهَا مَجَازٌ (الْكِنَايَةُ الْحَقِيقَةُ) حَالَ كَوْنِهَا (مُسْتَتِرَةَ الْمُرَادِ وَهَذِهِ) أَيْ كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ (مَعْلُومَتُهُ) أَيْ الْمُرَادِ (وَالتَّرَدُّدُ فِيمَا يُرَادُ بِهَا) فَيَتَرَدَّدُ مَثَلًا فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِيَ بَائِنٌ (أَبَائِنٌ مِنْ الْخَيْرِ أَوْ النِّكَاحِ مُنْتَفٍ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ بِالتَّرَدُّدِ فِي الْمُرَادِ) مِنْ اللَّفْظِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا إلَّا فِي الْوَضْعِيِّ (وَإِنَّمَا هِيَ مَعْلُومَةُ الْوَضْعِيِّ كَالْمُشْتَرَكِ وَالْخَاصِّ فِي فَرْدٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ) بِكَوْنِهَا مَجَازًا (مَجَازِيَّةَ إضَافَتِهَا إلَى الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ) مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ (أَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الطَّلَاقِ (وَلَيْسَ) كَذَلِكَ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَتْ كِنَايَةً عَنْهُ (وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا) مُطْلَقًا بِهَا لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ رَجْعِيٌّ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَالٍ أَوْ الثَّالِثُ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ أَوْ الثَّانِي فِي حَقِّ الْأَمَةِ وَلَيْسَ هِيَ مُطْلَقًا كَذَلِكَ بَلْ بَعْضُهَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. [مَسَائِلُ الْحُرُوفِ جَرَى فِيهَا الِاسْتِعَارَةُ تَبَعًا كَالْمُشْتَقِّ فِعْلًا وَوَصْفً] (مَسَائِلُ الْحُرُوفِ قِيلَ) أَيْ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: (جَرَى فِيهَا) أَيْ الْحُرُوفِ (الِاسْتِعَارَةُ تَبَعًا كَالْمُشْتَقِّ فِعْلًا وَوَصْفًا بِتَبَعِيَّةِ اعْتِبَارِ التَّشْبِيهِ فِي الْمَصْدَرِ لِاعْتِبَارِ التَّشْبِيهِ أَوَّلًا فِي مُتَعَلِّقِ مَعْنَاهُ الْجُزْئِيِّ وَهُوَ كُلِّيَّةٌ عَلَى مَا تَحَقَّقَ فَيُسْتَعْمَلُ فِي جُزْئِيِّ الْمُشَبَّهِ) وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَرْفِيُّ لِلْحَرْفِ يَعْنِي كَمَا جَرَتْ الِاسْتِعَارَةُ فِي الْمُشْتَقِّ فِعْلًا وَوَصْفًا بِتَبَعِيَّةِ اعْتِبَارِ التَّشْبِيهِ أَوَّلًا فِي الْمَصْدَرِ فَقَوْلُنَا: نَطَقَتْ الْحَالُ فَرْعُ تَشْبِيهِ الْحَالِ بِاللِّسَانِ ثُمَّ نِسْبَةُ النُّطْقِ إلَيْهَا ثُمَّ اُشْتُقَّ مِنْ النُّطْقِ بِمَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ نَطَقَتْ فَصَارَ اسْتِعَارَةُ نَطَقَتْ تَبَعِيَّةُ اسْتِعَارَةِ النُّطْقِ هَكَذَا الْحَرْفُ يُعْتَبَرُ أَوَّلًا التَّشْبِيهُ فِي مُتَعَلِّقِ مَعْنَاهُ الْجُزْئِيِّ وَهُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الْمُنْدَرِجُ فِيهِ مَعْنَى الْحَرْفِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كُلِّيَّةِ بَيَانِهِ أَنَّ مَا تَذْكُرُهُ بِلَفْظِ اسْمٍ لِمَعْنَى حَرْفٍ لَيْسَ هُوَ عَيْنُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ التَّبْعِيضَ الْمُفَادَ بِقَوْلِك مِنْ لِلتَّبْعِيضِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ مَعْنَى مِنْ بَلْ تَبْعِيضُ كُلِّيٍّ وَمَعْنَى مِنْ تَبْعِيضُ جُزْئِيٍّ مَلْحُوظٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مُطْلَقِ التَّبْعِيضِ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلًا التَّشْبِيهُ لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ الْمُتَعَلِّقِ لِمَعْنَى الْحَرْفِ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ الْحَرْفُ فِي جُزْئِيٍّ مِنْهُ كَمَا شَبَّهَ تَرَتُّبَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ عَلَى الِالْتِقَاطِ بِتَرَتُّبِ الْعِلَّةِ الْغَائِبَةِ عَلَى الْفِعْلِ فَاسْتَعْمَلَ فِيهَا اللَّامَ الْمَوْضُوعَةَ لِلتَّرَتُّبِ الْعَلِيِّ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَذَا) الْكَلَامُ (لَا يُفِيدُ وُقُوعَ) الْمَجَازِ (الْمُرْسَلِ فِيهَا) أَيْ فِي الْحُرُوفِ لِانْتِفَاءِ عِلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ فِي مُتَعَلِّقِ مَعْنَاهَا (ثُمَّ لَا يُوجِبُ) هَذَا الْكَلَامُ أَيْضًا (الْبَحْثَ عَنْ خُصُوصِيَّاتِهَا فِي الْأُصُولِ لَكِنَّ الْعَادَةَ) جَرَتْ بِهِ (تَتْمِيمًا) لِلْفَائِدَةِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَذُكِرَتْ عَقِبَ مَبَاحِثِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَيْهِمَا أَيْضًا (وَهِيَ) أَيْ الْحُرُوفُ (أَقْسَامٌ حُرُوفُ الْعَطْفِ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ فَقَطْ) أَيْ بِلَا شَرْطِ تَرْتِيبٍ وَلَا مَعِيَّةٍ (فَفِي الْمُفْرَدِ) أَيْ فَهِيَ فِيهِ اسْمًا كَانَ أَوْ فِعْلًا حَالَ كَوْنِهِ (مَعْمُولًا) لِجَمْعِ الْمَعْطُوفِ (فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِيَّة وَالْحَالِيَّةِ وَعَامِلًا) أَيْ وَحَالَ كَوْنِهِ عَامِلًا لِجَمْعِ الْمَعْطُوفِ (فِي مُسْنَدِيَّتِهِ) أَيْ

الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ (كَضَرَبَ وَأَكْرَمَ فِي جُمَلٍ لَهَا مَحَلٌّ) مِنْ الْإِعْرَابِ لِجَمْعِ الْمَعْطُوفَةِ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا (كَالْأَوَّلِ) أَيْ كَكَوْنِهَا فِي الْمُفْرَدِ مَعْمُولًا (وَفِي مُقَابِلِهَا) أَيْ الْجُمَلِ الَّتِي لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ (لِجَمْعِ مَضْمُونِهَا فِي التَّحَقُّقِ وَهَلْ يُجْمَعُ فِي مُتَعَلِّقَاتِهَا) أَيْ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا (يَأْتِي) فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا (وَقِيلَ) الْوَاوُ (لِلتَّرْتِيبِ وَنُسِبَ لِأَبِي حَنِيفَةَ) وَالشَّافِعِيِّ أَيْضًا (كَمَا نُسِبَ إلَيْهِمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ أَيْضًا (الْمَعِيَّةُ لِقَوْلِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (فِي إنْ دَخَلْت فَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ وَعِنْدَهُمَا) تَبِينُ (بِثَلَاثٍ) فَإِنَّ قَوْلَهُ هَذَا ظَاهِرٌ فِي جَعْلِهَا لِلتَّرْتِيبِ حَيْثُ أَبَانَهَا بِالْأُولَى فَقَطْ لَا إلَى عِدَّةٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِالْفَاءِ أَوْ ثُمَّ فَلَمْ يَقَعْ مَا بَقِيَ وَقَوْلُهُمَا ظَاهِرٌ فِي جَعْلِهَا لِلْمُقَارَنَةِ كَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَإِلَّا لَأَوْقَعَا وَاحِدَةً لَا غَيْرَ (وَلَيْسَ) كِلَا الْقَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ (بَلْ لِأَنَّ مُوجِبَهُ) أَيْ الْعَطْفِ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (تَعَلَّقَ الْمُتَأَخِّرُ بِوَاسِطَةِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَنْزِلْنَ كَذَلِكَ) أَيْ مُتَرَتِّبَاتٍ (فَيَسْبِقُ) الطَّلَاقُ (الْأَوَّلُ فَيُبْطِلُ مَحَلِّيَّتَهَا) لِمَا بَعْدَهُ لِانْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ وَالْعِدَّةِ (وَقَالَا بَعْدَ مَا اشْتَرَكَتْ) الْمَعْطُوفَاتُ (فِي التَّعَلُّقِ وَإِنْ) كَانَ اشْتِرَاكُهَا (بِوَاسِطَةٍ) أَيْ عَطْفِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ (تَنْزِلُ دَفْعَةً لِأَنَّ نُزُولَ كُلٍّ) مِنْهَا (حُكْمُ الشَّرْطِ فَتَقْتَرِنُ أَحْكَامُهُ) عِنْدَ وُجُودِهِ (كَمَا فِي تَعَدُّدِ الشَّرْطِ) لِكُلِّ وَاحِدٍ نَحْوَ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ طَلَاقٌ بَعْدَ طَلَاقٍ بِكُلٍّ مِنْ الشَّرْطَيْنِ ثُمَّ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ بِأَنْ دَخَلَتْ مَرَّةً يَقَعُ ثِنْتَانِ (وَدُفِعَ هَذَا) أَيْ تَعَدُّدُ الشَّرْطِ الْمُلْحَقِ بِهِ (بِالْفَرْقِ بِانْتِفَاءِ الْوَاسِطَةِ) أَيْ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الثَّانِي فِيهِ لَيْسَ بِوَاسِطَةِ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ إنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ (لَا يَضُرُّ) فِي الْمَطْلُوبِ (إذْ يَكْفِي) فِي الدَّفْعِ لَهُمَا (مَا سِوَاهُ) أَيْ سِوَى هَذَا الدَّلِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِمَا التَّعَلُّقُ وَإِنْ كَانَ بِوَاسِطَةٍ فَبَعْدَ ثُبُوتِ الْوَاسِطَةِ وَتَعَلُّقِ الثَّانِي صَارَ الْحَاصِلُ تَعَلُّقَ كُلٍّ مِنْ طَلَاقَيْنِ بِشَرْطٍ فَيَكُونُ نُزُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمًا لِثُبُوتِهِ فَإِذَا ثَبَتَ نَزَلَ كُلُّ حُكْمٍ لَهُ دَفْعَةً لِوُجُودِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ فِي ثُبُوتِ كُلٍّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْهَا فَقَدْ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُمَا (وَفِيهِ) أَيْ فِي الْجَوَابِ لَهُمَا عَنْ دَلِيلِهِ (تَرْدِيدٌ آخَرُ ذَكَرْنَاهُ فِي الْفِقْهِ) فَقَالَ: وَقَوْلُهُمَا أَرْجَحُ قَوْلُهُ تَعَلَّقَ بِوَاسِطَةِ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ عِلَّةُ تَعَلُّقِهِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ عِلِّيَّتُهُ جَمْعُ الْوَاوِ إيَّاهُ إلَى الشَّرْطِ وَإِنْ أُرِيدَ كَوْنُهُ سَابِقَ التَّعَلُّقِ سَلَّمْنَاهُ وَلَا يُفِيدُ كَالْأَيْمَانِ الْمُتَعَاقِبَةِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأَوَّلِ عِلَّةٌ لِتَعَلُّقِ الثَّانِي لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ نُزُولِهِ عِلَّةً لِنُزُولِهِ إذْ لَا تَلَازُمَ فَجَازَ كَوْنُهُ عِلَّةً لِتَعَلُّقِهِ فَيَتَقَدَّمُ فِي التَّعَلُّقِ وَلَيْسَ نُزُولُهُ عِلَّةً لِنُزُولِهِ بَلْ إذَا تَعَلَّقَ الثَّانِي بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ صَارَ مَعَ الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقَيْنِ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ نُزُولِ الشَّرْطِ يَنْزِلُ الْمَشْرُوطُ (لَنَا النَّقْلُ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَتَكَرَّرَ مِنْ سِيبَوَيْهِ كَثِيرًا) فَذَكَرَهُ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِهِ (وَنَقَلَ إجْمَاعَ أَهْلِ الْبَلَدَيْنِ) الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ (عَلَيْهِ) نَقَلَهُ السِّيرَافِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ وَالْفَارِسِيُّ إلَّا أَنَّهُمْ نُوقِشُوا فِيهِ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ ثَعْلَبٌ وَغُلَامُهُ وَقُطْرُبٌ وَهِشَامٌ عَلَى أَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) لِلْمُخْتَارِ (بِلُزُومِ التَّنَاقُضِ) عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ (فِي تَقَدُّمِ السُّجُودِ عَلَى قَوْلِ حِطَّةٍ) كَمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ (وَقَلْبُهُ) أَيْ تَقْدِيمُ قَوْلِ حِطَّةٍ عَلَى السُّجُودِ كَمَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ (مَعَ الِاتِّحَادِ) أَيْ اتِّحَادِ الْقِصَّةِ لِأَنَّ وُجُوبَ دُخُولِ الْبَابِ سُجَّدًا يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى قَوْلِ حِطَّةٍ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ الْبَقَرَةِ مُؤَخَّرًا عَنْهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ الْأَعْرَافِ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فِيهِمَا أَمْرًا وَمَأْمُورًا وَزَمَانًا وَالتَّنَاقُضُ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى مُحَالٌ وَمَعْنَى حِطَّةٍ حُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا (وَامْتِنَاعُ تَقَاتُلِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو) أَيْ وَبِلُزُومِ امْتِنَاعِهِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي فِعْلٍ يُعْتَبَرُ فِي مَفْهُومِهِ الْإِضَافَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْمَعِيَّةِ تَرْتِيبٌ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ (وَجَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو قَبْلَهُ) أَيْ وَبِلُزُومِ امْتِنَاعِهِ لِلتَّنَاقُضِ فَإِنَّ عَمْرًا يَكُونُ جَائِيًا بَعْدَ زَيْدٍ لِلْوَاوِ وَقَبْلَهُ لِقَبْلِهِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ بِالِاتِّفَاقِ (وَالتَّكْرَارُ بَعْدَهُ) أَيْ وَبِلُزُومِ التَّكْرَارِ فِي جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو بَعْدَهُ لِدَلَالَةِ الْوَاوِ عَلَى الْبَعْدِيَّةِ وَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ اتِّفَاقًا (فَمَدْفُوعٌ بِجَوَازِ التَّجَوُّزِ بِهَا) أَيْ بِالْوَاوِ (فِي الْجَمْعِ فَصَحَّتْ) لِلْجَمْعِ (فِي الْخُصُوصِيَّاتِ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَخْصُوصَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمَطْلُوبُ (وَبِلُزُومِ

صِحَّةِ دُخُولِهَا فِي الْجَزَاءِ) أَيْ وَالِاسْتِدْلَالُ لِلْمُخْتَارِ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ لَزِمَ صِحَّةُ دُخُولِهَا عَلَى جَزَاءِ الشَّرْطِ لِرَبْطِهِ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّرْتِيبِ عَلَيْهِ (كَالْفَاءِ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ إذْ لَا يَصِحُّ إنْ جَاءَ زَيْدٌ وَأَكْرَمَهُ كَمَا يَصِحُّ فَأَكْرَمَهُ مَدْفُوعٌ (بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ كَثُمَّ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ لَصَحَّ دُخُولُهَا عَلَى الْجَزَاءِ فَإِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِثُمَّ فَإِنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ اتِّفَاقًا وَلَا يَجُوزُ دُخُولُهَا عَلَى الْجَزَاءِ اتِّفَاقًا (وَيَحْسُنُ الِاسْتِفْسَارُ) أَيْ وَالِاسْتِدْلَالُ لِلْمُخْتَارِ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ لَمَا حَسُنَ مِنْ السَّامِعِ أَنْ يَسْتَفْسِرَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ (عَنْ الْمُتَقَدِّمِ) وَالْمُتَأَخِّرِ فِي نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو لِكَوْنِهِمَا مَفْهُومَيْنِ مِنْ الْوَاوِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ مَدْفُوعٌ (بِأَنَّهُ) أَيْ حُسْنُ الِاسْتِفْسَارِ (لِدَفْعِ وَهْمِ التَّجَوُّزِ بِهَا) لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ (وَبِأَنَّهُ مَقْصُودٌ) أَيْ وَالِاسْتِدْلَالُ لِلْمُخْتَارِ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْجَمْعِ مَعْنًى مَقْصُودٌ لِلْمُتَكَلِّمِ (فَاسْتَدْعَى) لَفْظًا (مُفِيدًا) لَهُ كَيْ لَا تُقْصَرَ الْأَلْفَاظُ عَنْ الْمَعَانِي (وَلَمْ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَعْنَى (إلَّا الْوَاوُ) فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً لَهُ فَلَا تَكُونُ لِلتَّرْتِيبِ وَالْأَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ مَدْفُوعٌ (بِأَنَّ الْمَجَازَ كَافٍ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي إفَادَتِهِ فَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ مَجَازًا لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْمِثْلِ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ الْمُطْلَقَ أَيْضًا مَعْنًى مَقْصُودٌ كَالْجَمْعِ الْمُطْلَقِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُعَبِّرُ بِهِ عَنْهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ غَيْرَ الْوَاوِ اتِّفَاقًا فَتَكُونُ مَوْضُوعَةً لَهُ (وَالنَّقْضُ) لِكَوْنِهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ (بِالتَّرْتِيبِ) أَيْ بِأَنَّهَا تُفِيدُهُ (لِلْبَيْنُونَةِ بِوَاحِدَةٍ فِي قَوْلِهِ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ كَمَا بِالْفَاءِ وَثُمَّ) وَإِلَّا لَوْ كَانَتْ لِلْجَمْعِ لَجُمِعَتْ الثَّلَاثُ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا (مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ لَا غَيْرَ (لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ قَبْلَ الثَّانِيَةِ إذْ لَا تَوَقُّفَ) لِلْأُولَى عَلَى ذِكْرِ الثَّانِيَةِ لِعَدَمِ مُوجِبِ التَّوَقُّفِ لِأَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ مُنْجَزٌ لَيْسَ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ مِنْ شَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَنْزِلُ بِهِ الطَّلَاقُ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَيَرْتَفِعُ مَحَلِّيَّتُهَا لِلْبَاقِي لِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَيَلْغُو لِهَذَا لَا لِكَوْنِ الْوَاوِ لِلتَّرْتِيبِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَلَّقَتْ بِمُتَأَخِّرٍ) أَيْ بِشَرْطٍ مُتَأَخِّرٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ اتِّفَاقًا لِتَوَقُّفِ الْكُلِّ عَلَى آخَرِ الْكَلَامِ لِوُجُودِ الْمُغَيَّرِ فِيهِ فَتَعَلَّقَتْ دَفْعَةٌ وَنَزَلَتْ دَفْعَةٌ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ الْأَوَّلُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكَلُّمِ بِالثَّانِي (وَمَا عَنْ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَخِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ) أَيْ بِالْوُقُوعِ أَيْ لَا يَعْلَمُ وُقُوعَ مَا قَبْلَ الْأَخِيرِ إلَّا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَخِيرِ (لِتَجْوِيزِ إلْحَاقِ الْمُغَيَّرِ) بِهِ مِنْ شَرْطٍ وَنَحْوِهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ هَذَا (لَمْ تَفُتْ الْمَحَلِّيَّةُ فَيَقَعَ الْكُلُّ) بِنَصَبِ يَقَعَ عَلَى جَوَابِ النَّفْيِ لِوُجُودِ الْمَحَلِّيَّةِ حَالَةَ التَّكَلُّمِ بِالْبَاقِي كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَبْعَدَ كَوْنَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الصَّدْرُ مُتَوَقِّفًا فَتَأْخِيرُ حُكْمِهِ إلَى غَايَةٍ خَاصَّةٍ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ تَأْخِيرَ حُكْمِ الْأَوَّلِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الْأَخِيرِ (قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ) فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَوَّلِ وَحِينَ أَوَّلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ مُحَمَّدٍ بِمَا تَقَدَّمَ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ إذْ لَا شَكَّ فِي تَأَخُّرِ الْعِلْمِ بِالْوُقُوعِ عَنْ تَمَامِ الْكَلَامِ لَكِنْ عِنْدَ تَمَامِهِ يُحْكَمُ بِأَنَّ الْوُقُوعَ كَانَ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَوَّلِ (وَبِبُطْلَانِ نِكَاحِ الثَّانِيَةِ) أَيْ وَالنَّقْضِ لِكَوْنِهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ بِأَنَّهَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ بِدَلِيلِ بُطْلَانِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الثَّانِيَةِ (فِي قَوْلِهِ) أَيْ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ (هَذِهِ حُرَّةٌ وَهَذِهِ) حُرَّةٌ (عِنْدَ بُلُوغِهِ تَزْوِيجَ فُضُولِيٍّ أَمَتَيْهِ مِنْ وَاحِدٍ) كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا بِكَلَامَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ وَإِلَّا لَمَا بَطَلَ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا مَدْفُوعٌ (بِتَعَذُّرِ تَوَقُّفِهِ) أَيْ نِكَاحِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ بِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ لِلْأُولَى بِهَذِهِ حُرَّةٌ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِقَوْلِهِ وَهَذِهِ بَطَلَتْ مَحَلِّيَّةٌ وَتَوَقَّفَ النِّكَاحُ فِي الثَّانِيَةِ (إذْ لَا يَقْبَلُ الْإِجَازَةَ) لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ مُعْتَبَرٌ بِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَيْسَتْ الْأَمَةُ مُنْضَمَّةً إلَى الْحُرَّةِ بِمَحَلٍّ لِابْتِدَائِهِ فَكَذَا لِتَوَقُّفِهِ (لِامْتِنَاعِ) نِكَاحِ (الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ) وَإِذَا بَطَلَ التَّوَقُّفُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ مَحَلِّيَّتِهَا لَهُ لِتَعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لَا يَعُودُ بَعْدَ الْبُطْلَانِ فَالتَّرْتِيبُ جَاءَ فِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ لِوُجُودِ اللَّفْظَيْنِ مُتَعَاقِبَيْنِ لَا لِكَوْنِهَا لِلتَّرْتِيبِ (وَبِالْمَعِيَّةِ) أَيْ وَالنَّقْضِ لِكَوْنِهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ بِأَنَّهَا لِلْمُقَارَنَةِ (لِبُطْلَانِ إنْكَاحِهِ) أَيْ الْفُضُولِيِّ الْآخَرِ (أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ مِنْ وَاحِدٍ فَقَالَ) الزَّوْجُ (أَجَزْت فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ) أَيْ نِكَاحَ فُلَانَةَ

وَنِكَاحَ فُلَانَةَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَجَزْت نِكَاحَهُمَا وَإِلَّا لَبَطَلَ نِكَاحُ الْأَخِيرَةِ لَا غَيْرُ كَمَا لَوْ أَجَازَهُمَا مُتَفَرِّقًا بِأَنْ قَالَ: أَجَزْت نِكَاحَ فُلَانَةَ ثُمَّ أَجَازَ نِكَاحَ الْأُخْرَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ نِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ وَقَيَّدَ بِفِي عَقْدَيْنِ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَنْفُذُ بِحَالٍ (وَلِعِتْقِ ثُلُثِ كُلٍّ مِنْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ إذَا قَالَ: مَنْ مَاتَ أَبُوهُ عَنْهُمْ) أَيْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ (فَقَطْ) وَهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي الْقِيمَةِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَمَقُولُ قَوْلِهِ (أَعْتَقَ) أَبِي (فِي مَرَضِهِ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا مُتَّصِلًا) بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِالْوَاوِ وَكَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقَهُمْ كُلَّهُمْ أَيْ وَإِلَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقَارَنَةِ لَعَتَقَ كُلُّ الْأَوَّلِ وَثُلُثُ الثَّالِثِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ مُتَفَرِّقًا بِأَنْ قَالَ: أَعْتَقَ أَبِي هَذَا وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ: أَعْتَقَ أَبِي هَذَا وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ: أَعْتَقَ أَبِي هَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ عَتَقَ مِنْ غَيْرِ سِعَايَةٍ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ ثُمَّ لَمَّا أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ الثَّانِي فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ فَيَصْدُقُ فِي حَقِّ الثَّانِي لَا فِي حَقِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُغَيَّرَ يُغَيَّرُ بِشَرْطِ الْوَصْلِ وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ لَمَّا أَقَرَّ لِلثَّالِثِ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا يَصْدُقُ فِي حَقِّ الثَّالِثِ لَا الْأَوَّلَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا مَدْفُوعٌ (بِأَنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ بُطْلَانِ نِكَاحِ الثَّانِيَةِ وَعِتْقِ كُلٍّ مِنْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ (لِلتَّوَقُّفِ) لِصَدْرِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ (لِمُغَيِّرِهِ مِنْ صِحَّةٍ إلَى فَسَادٍ بِالضَّمِّ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي نِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ (وَمِنْ كَمَالِ الْعِتْقِ إلَى تَجْزِئَتِهِ) لِلْعِتْقِ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (مِنْ بَرَاءَةٍ) لِذِمَّتِهِ (إلَى شَغْلٍ) لَهَا (عِنْدَ الْكُلِّ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَهُ رَقِيقٌ فِي الْأَحْكَامِ كَالْمُكَاتَبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ بِالْعَجْزِ وَعِنْدَهُمَا كَالْحُرِّ الْمَدْيُونِ (بِخِلَافِ النَّقْضَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ النَّقْضِ بِالْبَيْنُونَةِ بِوَاحِدَةٍ فِي تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ بِطَالِقٍ وَطَالِقٍ وَطَالِقٍ وَالنَّقْضِ بِبُطْلَانِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الثَّانِيَةِ فِي هَذِهِ حُرَّةٌ وَهَذِهِ (لِأَنَّ الضَّمَّ) لِلطَّلَاقِ الْكَائِنِ بَعْدَ الْأَوَّلِ إلَى مَا قَبْلَهُ (لَا يُغَيِّرُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْوُقُوعِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الضَّمُّ الْمُفْسِدُ لَهُمَا) أَيْ لِنِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ هُوَ الضَّمُّ (الدَّفْعِيُّ كَتَزَوَّجْتُهُمَا وَأَجَزْتُهُمَا) أَيْ نِكَاحَ الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ (لَا) الضَّمُّ (الْمُرَتَّبُ لَفْظًا لِأَنَّهُ) أَيْ الْفَسَادَ لَهُمَا فِيهِ (فَرْعُ التَّوَقُّفِ) لِلْأَوَّلِ عَلَى الْآخَرِ (وَلَا مُوجِبَ لَهُ) أَيْ لِلتَّوَقُّفِ (فَيَصِحُّ الْأُولَى) أَيْ نِكَاحُهَا (دُونَ الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ كَانَ) الضَّمُّ (بِمَفْصُولٍ) أَيْ بِكَلَامٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ الْأَوَّلِ بِزَمَانٍ اسْتَدَلَّ (الْمُرَتِّبُونَ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَثُبُوتُ الْوَاوِ فِي ارْكَعُوا كَمَا فِي النُّسَخِ سَهْوٌ فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ السُّجُودَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَوْلَا الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَكَانَتْ حَقِيقَةً فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ (وَسُؤَالُهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (لَمَّا نَزَلَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة: 158] بِمَ نَبْدَأُ) كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا وَإِنَّمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «ثُمَّ خَرَجَ يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا» الْحَدِيثُ وَهُوَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ لِلْمُتَكَلِّمِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ نَبْدَأُ وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ ابْدَءُوا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَلَوْلَا أَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ لَمَا سَأَلُوهُ وَلَمَا قَالَ: أَبْدَأُ وَابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَلَمَا وَجَبَ الِابْتِدَاءُ إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ غَيْرُهُ (وَإِنْكَارُهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ) عَلَى الْحَجِّ (مَعَ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَإِنَّ جَعْلَ هَذِهِ الْآيَةَ مُسْتَنِدَ إنْكَارِهِمْ عَلَيْهِ دَلِيلُ فَهْمِهِمْ التَّرْتِيبَ مِنْهَا بِوَاسِطَةِ الْوَاوِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ وَهَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا أَيْضًا (وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ لِقَائِلِ وَمَنْ يَعْصِهِمَا أَيْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى» كَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ (هَلَّا قُلْت وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) كَذَا فِي الْبَدِيعِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَلَّا مُخَرَّجًا وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَلَوْ لَمْ تَكُنْ لِلتَّرْتِيبِ لَمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ بِالْإِنْكَارِ عَلَى مَا بِالْوَاوِ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ (وَلَا فَرْقَ) بَيْنَهُمَا (إلَّا بِالتَّرْتِيبِ وَبِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّرْتِيبَ اللَّفْظِيَّ لِلتَّرَتُّبِ الْوُجُودِيِّ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَيْ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا (بِأَنَّهُ) أَيْ التَّرْتِيبَ بَيْنَهُمَا (مِنْ) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَتَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ إذَا نُقِلَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصِيغَةٍ لَا عُمُومَ لَهَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُوَافَقَةِ حُكْمٍ لِدَلِيلِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَمِنْ عَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ عَدَمُ الدَّلَالَةِ مُطْلَقًا (وَعَنْ الثَّانِي) أَيْ عَنْ سُؤَالِهِمْ

مسألة الواو إذا عطفت جملة تامة

عَمَّا يَبْدَءُونَ بِالطَّوَافِ مِنْهُ مِنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (بِالْقَلْبِ) وَهُوَ (لَوْ) كَانَتْ الْوَاوُ (لِلتَّرْتِيبِ لَمَا سَأَلُوا) ذَلِكَ لِفَهْمِهِمْ إيَّاهُ مِنْهَا فَسُؤَالُهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوهُ مِنْهَا (فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلْجَمْعِ وَالسُّؤَالُ لِتَجْوِيزِ إرَادَةِ الْبُدَاءَةِ بِمُعَيَّنٍ) مِنْهُمَا (وَالتَّحْقِيقُ سُقُوطُهُ) أَيْ الِاسْتِدْلَالِ (لِأَنَّ الْعَطْفَ فِيهَا) أَيْ فِي الْآيَةِ (إنَّمَا يُضَمُّ) الْمَعْطُوفُ إلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ (فِي الشَّعَائِرِ وَلَا تَرْتِيبَ فِيهَا) أَيْ الشَّعَائِرِ (فَسُؤَالُهُمْ) إنَّمَا هُوَ (عَمَّا لَمْ يُفِدْ بِلَفْظِهِ) أَيْ الْوَاوِ (بَلْ) عَمَّا أُفِيدَ (بِغَيْرِهِ) أَيْ الْوَاوِ وَهُوَ التَّطَوُّفُ بَيْنَهُمَا (وَأَجَابَ هُوَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ وَعَنْ الثَّالِثِ) أَيْ إنْكَارُهُمْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ (أَنَّهُ) أَيْ الْكَلَامَ (لِتَعْيِينِهِ) تَقْدِيمَهَا عَلَيْهِ (وَالْوَاوُ لِلْأَعَمِّ مِنْهُ) أَيْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْجَمْعِ الْمُفِيدِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْعُهْدَةِ بِكُلٍّ مِنْ تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (وَعَنْ الرَّابِعِ) أَيْ إنْكَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقَائِلِ وَمِنْ يَعْصِهِمَا (بِأَنَّهُ تَرَكَ الْأَدَبَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ) بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ فِي الْإِفْرَادِ بِالذَّكَرِ تَعْظِيمًا لَيْسَ فِي الْقِرَانِ مِثْلُهُ مِنْ مِثْلِ الْقَائِلِ (بِخِلَافِ مِثْلِهِ) أَيْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُمَا بِضَمِيرِ الْمُثَنَّى (مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَمَا فِي الصَّحِيحِ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا» فَإِنَّهُ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِاَللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً فَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ مِنْهُ إخْلَالٌ بِالتَّعْظِيمِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْمَعْصِيَتَيْنِ لِأَنَّ مَعْصِيَةَ اللَّهِ مَعْصِيَةٌ لِرَسُولِهِ وَبِالْعَكْسِ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا (وَعَنْ الْخَامِسِ) أَيْ التَّرْتِيبِ اللَّفْظِيِّ لِلتَّرْتِيبِ الْوُجُودِيِّ (بِالْمَنْعِ وَالنَّقْضِ بِرَأَيْتُ زَيْدًا رَأَيْت عَمْرًا) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّتِهِ مَعَ تَقَدُّمِ رُؤْيَةِ عَمْرٍو عَلَى رُؤْيَةِ زَيْدٍ فِي الْوَاقِعِ وَكَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} [الشورى: 3] (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ التَّرْتِيبَ اللَّفْظِيَّ لِلتَّرَتُّبِ الْوُجُودِيِّ (فَغَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ) لِأَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الْمَذْكُورَ بَعْدَ الْوَاوِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهَا لَا فِي مُطْلَقِ التَّرْتِيبِ اللَّفْظِيِّ. [مَسْأَلَة الْوَاوُ إذَا عَطَفْتَ جُمْلَةً تَامَّةً] (مَسْأَلَةٌ) الْوَاوُ (إذَا عَطَفْتَ جُمْلَةً تَامَّةً) أَيْ غَيْرَ مُفْتَقِرَةٍ إلَى مَا تَتِمُّ بِهِ (عَلَى أُخْرَى لَا مَحَلَّ لَهَا شَرَّكْت) بَيْنَهُمَا (فِي مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ) لِاسْتِقْلَالِهَا بِالْحُكْمِ وَمِنْ ثَمَّةَ سَمَّاهَا بَعْضُهُمْ وَاوَ الِاسْتِئْنَافِ وَالِابْتِدَاءِ نَحْوَ {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] (وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ) أَيْ الثُّبُوتِ (مِنْ جَوْهَرِهِمَا يُبْطِلُهُ ظُهُورُ احْتِمَالِ الْإِضْرَابِ مَعَ عَدَمِهَا) أَيْ الْوَاوِ (وَانْتِفَاؤُهُ) أَيْ احْتِمَالِ الْإِضْرَابِ (مَعَهَا) أَيْ الْوَاوِ فَإِنْ قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو يَحْتَمِلُ قَصْدَ الْإِضْرَابِ عَنْ الْإِخْبَارِ الْأَوَّلِ إلَى الْإِخْبَارِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَا إذَا تَوَسَّطَتْ الْوَاوُ (فَلِذَا) أَيْ فَلِكَوْنِ عَطْفِ التَّامَّةِ عَلَى أُخْرَى لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ تُشَرَّكُ فِي مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ (وَقَعَتْ وَاحِدَةً فِي هَذِهِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهَذِهِ طَالِقٌ) عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهَا ثَانِيًا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ (وَمَا لَهَا) أَيْ وَإِذَا عُطِفَتْ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ عَلَى جُمْلَةٍ لَهَا مَحَلٌّ مِنْ الْإِعْرَابِ (شُرِّكَتْ الْمَعْطُوفَةُ فِي مَوْقِعِهَا إنْ خَبَرًا) عَنْ الْمُبْتَدَأِ (أَوْ جَزَاءً) لِلشَّرْطِ (فَخَبَرٌ وَجَزَاءٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ جُمْلَةَ الْجَزَاءِ قَدْ يَكُونُ لَهُ مَحَلٌّ وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ بَعْدَ الْفَاءِ وَإِذَا جَوَابًا لِشَرْطٍ جَازِمٍ (وَكَذَا مَا) أَيْ الْجُمْلَةُ الَّتِي (لَهَا مَوْقِعٌ) مِنْ الْإِعْرَابِ (مِنْ غَيْرِ) الْجُمْلَةِ (الِابْتِدَائِيَّةِ مِمَّا) أَيْ مِنْ الْجُمَلِ الَّتِي (لَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ) مِنْ الْإِعْرَابِ إذَا عُطِفَتْ عَلَيْهَا أُخْرَى شُرِّكَتْ الْمَعْطُوفَةُ فِي مَوْقِعِهَا إنْ خَبَرًا فَخَبَرٌ وَإِنْ جَزَاءً فَجَزَاءٌ هَذَا مَا يُعْطِيهِ السِّيَاقُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الِاحْتِيَاجُ إلَى هَذَا لِانْدِرَاجِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مِنْ الْمُلْحَقَاتِ (كَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَيَتَعَلَّقُ) عَبْدِي حُرٌّ بِدُخُولِ الدَّارِ لِكَوْنِهِ مَعْطُوفًا عَلَى أَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءً لِإِنْ دَخَلْت (إلَّا بِصَارِفِ) عَنْ تَعَلُّقِهِ بِهِ نَحْوُ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَضَرَّتُك طَالِقٌ) فَإِنَّ إظْهَارَ خَبَرِهَا صَارِفٌ عَنْ تَعَلُّقِهَا بِهِ إذْ لَوْ أُرِيدَ عَطْفُهَا عَلَى الْجَزَاءِ اقْتَصَرَ عَلَى مُبْتَدَئِهَا وَإِذْ صُرِفَتْ عَنْ عَطْفِهَا عَلَى الْجَزَاءِ (فَعَلَى الشَّرْطِيَّةِ) أَيْ فَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ بِرُمَّتِهَا (فَيَتَنَجَّزُ) طَلَاقُهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّقٍ (وَمِنْهُ) أَيْ وَمِمَّا اشْتَمَلَ عَلَى الصَّارِفِ عَنْ تَعَلُّقِهَا بِمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] بَعْدَ وَلَا تَقْبَلُوا بِنَاءً عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ عَدَمِ عَطْفِ الْإِخْبَارِ عَلَى الْإِنْشَاءِ) فَإِنَّهُ لَازِمٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَطْفِ عَلَى وَلَا تَقْبَلُوا أَوْ فَاجْلِدُوا (وَمُفَارِقَةُ الْأُولَيَيْنِ) أَيْ جُمْلَةِ فَاجْلِدُوا وَجُمْلَةِ لَا تَقْبَلُوا لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ (بِعَدَمِ مُخَاطَبَةِ الْأَئِمَّةِ)

بِمَضْمُونِهَا بِخِلَافِهِمَا (مَعَ الْأَنْسَبِيَّةِ مِنْ إيقَاعِ الْجَزَاءِ عَلَى الْفَاعِلِ أَعْنِي اللِّسَانَ كَالْيَدِ فِي الْقَطْعِ) فَإِنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ حَدٌّ فِي اللِّسَانِ الصَّادِرِ مِنْهُ جَرِيمَةُ الْقَذْفِ كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ إلَّا أَنَّهُ ضُمَّ إلَيْهِ الْإِيلَامُ الْحِسِّيُّ لِكَمَالِ الزَّجْرِ وَعُمُومِهِ جَمِيعَ النَّاسِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مِنْ لَا يَنْزَجِرُ بِالْإِيلَامِ بَاطِنًا (وَأَمَّا اعْتِبَارُ قُيُودِ) الْجُمْلَةِ (الْأُولَى فِيهَا) أَيْ فِي الثَّانِيَةِ وَبِالْعَكْسِ (فَإِلَى الْقَرَائِنِ لَا الْوَاوِ وَإِنْ) عُطِفَتْ جُمْلَةٌ (نَاقِصَةٌ وَهِيَ الْمُفْتَقِرَةُ فِي تَمَامِهَا إلَى مَا تَمَّتْ بِهِ الْأُولَى) بِعَيْنِهِ (وَهُوَ عَطْفُ الْمُفْرَدِ انْتَسَبَ) الْمُفْرَدُ الْمَعْطُوفُ (إلَى عَيْنِ مَا انْتَسَبَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ بِجِهَتِهِ مَا أَمْكَنَ فَإِنْ دَخَلْت فَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ تَعَلَّقَ) فِيهِ طَالِقٌ الثَّانِي وَطَالِقٌ الثَّالِثُ (بِهِ) أَيْ بِدَخَلْتِ بِعَيْنِهِ (لَا بِمِثْلِهِ كَقَوْلِهِمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (فَبِتَعَدُّدِ الشُّرُوطِ وَعَلِمْت أَنْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِي الِاتِّحَادِ وَمَا تَقَدَّمَ لَهُمَا) فِي أَوَّلِ بَحْثِ الْوَاوِ مِنْ إلْحَاقِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ بِتَعَدُّدِ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ (تَنْظِيرٌ لَا اسْتِدْلَالٌ لِاسْتِقْلَالِ مَا سِوَاهُ) وَأَنَّهُمَا لَوْ اعْتَبِرَاهُ دَلِيلًا لَمْ يَضُرَّهُمَا بُطْلَانُهُ إذْ يَكْفِيهِمَا مَا ذُكِرَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ (فَتَفْرِيعُ كُلَّمَا حَلَفْت) بِطَلَاقِك (فَطَالِقٌ ثُمَّ) قَالَ لَهَا (إنْ دَخَلْت فَطَالِقٌ وَطَالِقٌ) أَنَّهُ (عَلَى الِاتِّحَادِ يَمِينٌ وَالتَّعَدُّدُ يَمِينَانِ) لِتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ (فَتَطْلَقُ ثِنْتَيْنِ) كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ تَفْرِيعٌ (عَلَى غَيْرِ خِلَافِيَّةٍ) فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ أَنْ يَكُونَا قَائِلَيْنِ بِالتَّعَدُّدِ كَمَا تَقَدَّمَ (بَلْ) الْمُرَادُ (لَوْ فُرِضَ) خِلَافٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ (كَانَ) التَّعَدُّدُ (كَذَا) أَيْ يَمِينَيْنِ (وَالنَّقْضُ) لِهَذَا (بِهَذِهِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهَذِهِ إذْ طَلُقَتَا ثَلَاثًا لِاثْنَتَيْنِ بِانْقِسَامِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِمَا) بِأَنْ تُجْعَلَ مُشَارِكَةً لِلْأُولَى فِيهَا (دُفِعَ بِظُهُورِ الْقَصْدِ إلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ) بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا لِيَسُدَّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ التَّدَارُكِ وَبِالِانْقِسَامِ بِفَوْتِ هَذَا الْغَرَضِ (وَالْمُنَاقَشَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَعْطِفْ الثَّانِيَةَ عَلَيْهَا (احْتِمَالٌ لَا يَدْفَعُ الظُّهُورَ) أَيْ ظُهُورَ الْقَصْدِ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ قَسِيمِ قَوْلِهِ إنْ انْتَسَبَ إلَى آخِرِهِ بِقَوْلِهِ (وَفِيمَا لَا يُمْكِنُ) انْتِسَابُ الْعَيْنِ (يُقَدَّرُ الْمِثْلُ) كَيْ لَا يَلْغُوَ وَإِنْ كَانَ الْإِضْمَارُ خِلَافَ الْأَصْلِ فَإِنَّ ارْتِكَابَهُ بِالْقَرِينَةِ وَهِيَ دَلَالَةُ الْعَطْفِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ الْكَلَامِ (كَجَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ شَخْصِ الْمَجِيءِ) لِاسْتِحَالَةِ تَصَوُّرِ الِاشْتِرَاكِ فِي مَجِيءِ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْعَرْضَ الْوَاحِدَ لَا يَقُومُ بِمَحِلَّيْنِ (وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ يَنْصِبُ عَلَيْهِمَا مَعًا لِأَنَّ هَذَا تَقْدِيرُ حَقِيقَةِ الْمَعْنَى وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ اعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الْمَعْطُوفِ بِعَيْنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْمُفْرَدِ أَنَّ (فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَلِفُلَانِ انْقَسَمَتْ عَلَيْهِمَا) فَيَكُونُ لِكُلٍّ خَمْسُمِائَةٍ تَحْقِيقًا لِلشَّرِكَةِ (وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ عَطْفَهَا) أَيْ الْوَاوِ الْجُمْلَةَ (الْمُسْتَقِلَّةِ) عَلَى غَيْرِهَا (تُشَرِّكُ فِي الْحُكْمِ وَبِهِ انْتَفَتْ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَالصَّلَاةِ مِنْ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ بِأَحَدِهِمَا غَيْرَ الْمُخَاطَبِ بِالْآخِرِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الصَّبِيُّ مُخَاطَبًا بِأَقِيمُوا الصَّلَاةَ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِآتُوا الزَّكَاةَ (وَدُفِعَ) بِأَنَّ الصَّبِيَّ (خُصَّ مِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ أُقِيمُوا الصَّلَاةَ (بِالْعَقْلِ لِأَنَّهَا) أَيْ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ (بَدَنِيَّةٌ) وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ عَنْ الصَّبِيِّ (بِخِلَافِ الزَّكَاةِ) فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ (تَتَأَدَّى بِالنَّائِبِ فَلَا مُوجِبَ لِتَخْصِيصِهِ) أَيْ الصَّبِيِّ مِنْهَا. (تَتِمَّةٌ تُسْتَعَارُ) الْوَاوُ (لِلْحَالِ) أَيْ لِرَبْطِ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ بذيها لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لَهَا مُطْلَقُ الْجَمْعِ وَالْجَمْعُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ بَيْنَ الْحَالِ وذيها مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ بِعَيْنِهِ كَانَتْ مَجَازًا فِيهِ (بِمُصَحِّحِ الْجَمْعِ) بَيْنَهُمَا (عَلَى مَا فِيهِ) لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ أَنَّ الِاسْمَ الْأَعَمَّ فِي الْأَخَصِّ حَقِيقَةً يَنْفِيهِ (بَلْ هُوَ مِنْ مَا صَدَقَاتِهِ وَالْعَطْفُ أَكْثَرُ فَيَلْزَمُ إلَّا بِمَا لَا مَرَدَّ لَهُ) فَلَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ (فَإِنْ أَمْكَنَا) أَيْ الْعَطْفُ وَالْحَالُ (رَدَّهُ) أَيْ الْحَالَ (الْقَاضِي) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ وَحَكَمَ بِالْعَطْفِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ (وَصَحَّ نِيَّتُهُ) أَيْ الْحَالُ (دِيَانَةً) لِلِاحْتِمَالِ فَقَوْلُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ (فَأَدِّ) إلَيَّ أَلْفًا (وَأَنْتَ حُرٌّ) وَالْإِمَامِ لِلْحَرْبِيِّ (وَانْزِلْ وَأَنْتَ آمِنٌ تَعَذَّرَ) الْعَطْفُ (لِكَمَالِ الِانْقِطَاعِ) لِأَنَّ الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَالثَّانِيَةَ

اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ فَانْتَفَى الِاتِّصَالُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَطْفِ (وَلِلْفَهْمِ) أَيْ لِعَدَمِ الْعَطْفِ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ تَعَلُّقُ الْحُرِّيَّةِ وَالْأَمَانِ بِالْأَدَاءِ وَالنُّزُولِ لَا مُجَرَّدَ الْإِخْبَارِ بِهِمَا (فَلِلْحَالِ عَلَى الْقَلْبِ أَيْ كُنْ حُرًّا وَأَنْتَ مُؤَدٍّ) وَكُنْ آمِنًا وَأَنْتَ نَازِلٌ أَيْ أَنْتَ حُرٌّ فِي حَالَةِ الْأَدَاءِ وَآمِنٌ فِي حَالَةِ النُّزُولِ وَالْقَلْبُ سَائِغٌ فِي الْكَلَامِ وَإِنَّمَا قُلْنَا يُحْمَلُ عَلَى هَذَا (لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَدَاءُ وَالنُّزُولُ) لَا الْحُرِّيَّةُ وَالْأَمَانُ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَعْلِيقِ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَنْجِيزِهِ وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَنْجِيزِ الْأَدَاءِ وَالنُّزُولِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَعْلِيقِهِمَا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّحْرِيرِ وَالْأَمَانِ تَنْجِيزًا فَكَذَا تَعْلِيقًا فَكَانَا مَشْرُوطَيْنِ خُصْيَتَيْهِ شَرْطَيْنِ (وَقِيلَ عَلَى الْأَصْلِ) فِي الْحَالِ مِنْ وُجُوبِ مُقَارَنَةِ حُصُولِ مَضْمُونِهَا لِحُصُولِ مَضْمُونِ الْعَامِلِ (فَيُفِيدُ ثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ مُقَارَنًا لِمَضْمُونِ الْعَامِلِ وَهُوَ) أَيْ مَضْمُونُهُ (التَّأْدِيَةُ وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا الْقَدْرِ (يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ) مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فَانْتَفَى مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحُرِّيَّةُ وَالْأَمَانُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَالنُّزُولِ لِوُجُوبِ تَقَدُّمِ مَضْمُونِ الْحَالِ عَلَى الْعَامِلِ لِكَوْنِهَا قَيْدًا لَهُ وَشَرْطًا لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِائْتِنِي وَأَنْتَ رَاكِبٌ إلَّا عَلَى كَوْنِهِ رَاكِبًا حَالَةَ الْإِتْيَانِ لَا غَيْرُ (وَمُقَابِلُهُ) أَيْ تَعَذُّرِ الْعَطْفِ وَهُوَ عَدَمُ تَعَذُّرِهِ مَعَ تَعَذُّرِ الْحَالِ وَقَوْلُ رَبِّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ: (خُذْهُ) أَيْ هَذَا النَّقْدَ (وَاعْمَلْ فِي الْبَزِّ) وَهُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ مِنْ الثِّيَابِ خَاصَّةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةَ ثِيَابُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ دُونَ الصُّوفِ وَالْخَزِّ (تَعَيَّنَ الْعَطْفُ لِلْإِنْشَائِيَّةِ) فِيهِمَا (وَلِأَنَّ الْأَخْذَ لَيْسَ حَالَ الْعَمَلِ) أَيْ لَا يُقَارِنُهُ فِي الْوُجُودِ بَلْ الْعَمَلُ بَعْدَ الْأَخْذِ فَلَا تَكُونُ لِلْحَالِ وَإِنْ نَوَى (فَلَا تَتَقَيَّدُ الْمُضَارَبَةُ بِهِ) أَيْ بِالْعَمَلِ فِي الْبَزِّ بَلْ تَكُونُ مَشُورَةً (وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ أَوْ مُصَلِّيَةٌ يَحْتَمِلُهُمَا) أَيْ الْعَطْفُ وَالْحَالُ (إذْ لَا مَانِعَ) مِنْ كُلٍّ (وَلَا مُعَيَّنٍ) لَهُ لِوُجُودِ التَّنَاسُبِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْمُصَحِّحِ لِلْعَطْفِ وَلِقَبُولِ الطَّلَاقِ التَّعْلِيقَ بِهِمَا (فَتَنَجَّزَ) الطَّلَاقُ (قَضَاءً) لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ وَخُصُوصًا وَحَالَةُ الْمَرَضِ وَالصَّلَاةِ مَظِنَّةُ الشَّفَقَةِ وَالْإِكْرَامِ وَالْأَصْلُ فِي التَّصَرُّفَاتِ التَّنْجِيزُ وَالتَّعَلُّقُ بِعَارِضِ الشَّرْطِ فَلَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ (وَتَعَلَّقَ) بِالْمَرَضِ وَالصَّلَاةِ (دِيَانَةً إنْ أَرَادَهُ) أَيْ التَّعْلِيقَ بِهِمَا لِإِمْكَانِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَصْدُقْ قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ (وَاخْتُلِفَ فِيهَا) أَيْ الْوَاوِ (مِنْ طَلِّقْنِي وَلَكَ أَلْفٌ فَعِنْدَهُمَا لِلْحَالِ) فَيَجِبُ لَهُ عَلَيْهَا الْأَلْفُ إذَا طَلَّقَهَا (لِلتَّعَذُّرِ) أَيْ تَعَذُّرِ الْعَطْفِ (بِالِانْقِطَاعِ) لِأَنَّ الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ (وَفَهْمِ الْمُعَاوَضَةِ) فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا قَصْدُ الْخُلْعِ بِهِ وَهُوَ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا وَلِذَا صَحَّ رُجُوعُهَا قَبْلَ إيقَاعِهِ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: طَلِّقْنِي فِي حَالٍ يَكُونُ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ عِوَضًا عَنْ الطَّلَاقِ الْمُوجِبِ لِسَلَامَةِ نَفْسِي لِي فَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ: طَلَّقْت فَكَأَنَّهُ قَالَ: طَلَّقْت بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْ إنْ قَبِلْتِ الْأَلْفَ وَقَدْ ثَبَتَ قَبُولُهَا بِدَلَالَةِ قَوْلِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا (أَوْ) لِأَنَّ الْوَاوَ هُنَا (مُسْتَعَارَةٌ لِلْإِلْصَاقِ) الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْبَاءِ بِدَلَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعَاوَضَةِ الْبَاءُ لَا الْوَاوُ لِأَنَّهُ لَا يُعْطَفُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ وَإِنَّمَا اُسْتُعِيرَتْ لِلْإِلْصَاقِ (لِلْجَمْعِ) أَيْ لِلتَّنَاسُبِ بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ (وَعِنْدَهُ) الْوَاوُ (لِلْعَطْفِ تَقْدِيمًا لِلْحَقِيقَةِ فَلَا شَيْءَ لَهَا) إذَا طَلَّقَهَا (وَصَارِفُ الْمُعَاوَضَةِ غَيْرُ لَازِمٍ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّلَاقِ (بَلْ عَارِضٌ) لِنُدْرَةِ عُرُوضِ الْتِزَامِ الْمَالِ فِي الطَّلَاقِ وَغَلَبَةِ وُجُودِ الطَّلَاقِ بِدُونِهِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْبِضْعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ وَالْعَارِضُ لَا يُعَارِضُ الْأَصْلِيَّ (وَلِذَا) أَيْ وَلِعُرُوضِهِ (لَزِمَ فِي جَانِبِهِ) أَيْ الزَّوْجِ فَصَارَ يَمِينًا (فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ قَبْلَ قَبُولِهَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ احْمِلْهُ وَلَك دِرْهَمٌ) فَإِنَّ ظَاهِرَهُ قَصْدُ الْمُعَاوَضَةِ لِأَنَّهَا فِيهَا أَصْلِيَّةٌ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ فَتُحْمَلُ الْوَاوُ بِدَلَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْبَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: احْمِلْهُ بِدِرْهَمٍ (وَالْأَوْجَهُ) فِي طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ (الِاسْتِئْنَافُ) لِقَوْلِهَا وَلَك أَلْفٌ (عِدَةً) مِنْهَا لَهُ وَالْمَوَاعِيدُ لَا تَلْزَمُ (أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ أَوْ غَيْرُ وَعْدٍ بِأَنْ تُرِيدَ وَلَك أَلْفٌ فِي بَيْتِك وَنَحْوِهِ (لِلِانْقِطَاعِ) بِهِمَا مَا ذُكِرَا (فَلَمْ يَلْزَمْ الْحَالُ لِجَوَازِ مَجَازِيٍّ آخَرَ تَرَجَّحَ بِالْأَصْلِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَعَدَمُ إلْزَامِ الْمَالِ بِلَا مُعَيَّنٍ) لِإِلْزَامِهِ وَفِي بَعْضِ هَذَا مَا فِيهِ وَاَللَّهُ

مسألة الفاء للترتيب بلا مهلة

سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة الْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ] (مَسْأَلَةٌ الْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ فَدَخَلَتْ فِي الْأَجْزِيَةِ) لِتَعَقُّبِهَا الشُّرُوطَ بِلَا مُهْلَةٍ (فَبَانَتْ غَيْرُ الْمَلْمُوسَةِ) أَيْ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا (بِوَا حِدَةٍ فِي طَالِقٌ فَطَالِقٌ) لِانْتِفَاءِ كَوْنِهَا مَحَلًّا لِلثَّانِيَةِ (وَ) دَخَلَتْ فِي (الْمَعْلُولَاتِ) لِأَنَّ الْمَعْلُولَ يَتَعَقَّبُ عِلَّتَهُ بِلَا تَرَاخٍ (كَجَاءَ الشِّتَاءُ فَتَأَهَّبَ عَلَى التَّجَوُّزِ بِجَاءٍ عَنْ قُرْبٍ فَإِنَّ قُرْبَهُ عِلَّةُ التَّأَهُّبِ لَهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) «لَنْ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (لِأَنَّ الْعِتْقَ مَعْلُولُ مَعْلُولِهِ) أَيْ الشِّرَاءِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَإِنَّ الْمِلْكَ مَعْلُولُ الشِّرَاءِ وَالْعِتْقَ مَعْلُولُ مِلْكِ الْوَلَدِ فَصَحَّتْ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الشِّرَاءِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ (فَيَعْتِقُ بِسَبَبِ شِرَائِهِ فَلَيْسَ) هَذَا الْحَدِيثُ (مِنْ اتِّحَادِ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ فِي الْوُجُودِ وَلَا نَحْوُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ) مِنْهُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّ الْإِرْوَاءَ غَرَضُهُ لَا فِعْلُهُ (فَلِذَلِكَ) أَيْ لِكَوْنِهَا لِلتَّرْتِيبِ عَلَى سَبِيلِ التَّعَقُّبِ (تَضْمَنُ الْقَبُولَ) لِلْبَيْعِ (قَوْلُهُ فَهُوَ حُرٌّ جَوَابُ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ) حَتَّى صَحَّ عِتْقُهُ لِأَنَّ تَرَتُّبَ الْعِتْقِ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ بِالْقَبُولِ فَيَثْبُتُ اقْتِضَاءً وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ قَبِلْت فَهُوَ حُرٌّ (لَا هُوَ حُرٌّ بَلْ هُوَ رَدٌّ لِلْإِيجَابِ) وَإِنْكَارٌ عَلَى الْمُوجِبِ بِالْإِخْبَارِ عَنْ حُرِّيَّتِهِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْإِيجَابِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: أَتَبِيعُهُ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ هُوَ حُرٌّ فَكَيْفَ تَبِيعُهُ (وَضَمِنَ الْخَيَّاطُ) ثَوْبًا (قَالَ لَهُ) مَالِكُهُ (أَيَكْفِينِي) قَمِيصًا (قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَاقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ فَلَمْ يَكْفِهِ) لِأَنَّهُ كَانَ كَفَانِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ وَلَوْ قَالَهُ فَقَطَعَ فَلَمْ يَكْفِهِ ضَمِنَ فَكَذَا هَذَا (لَا فِي اقْطَعْهُ فَلَمْ يَكْفِهِ) إذَا قَطَعَهُ فَلَمْ يَكْفِهِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ مُطْلَقًا (وَتَدْخُلُ) الْفَاءُ (الْعِلَلَ) وَإِنْ كَانَ (خِلَافَ الْأَصْلِ) لِأَنَّ تَعَقُّبَ الْعِلَّةِ حُكْمُهَا مُسْتَحِيلٌ دُخُولًا (كَثِيرًا لِدَوَامِهَا) أَيْ لِكَوْنِ تِلْكَ الْعِلَّةِ مَوْجُودَةً بَعْدَ وُجُودِ الْمَعْلُولِ (فَتَتَأَخَّرُ) الْعِلَّةُ عَنْ الْمَعْلُولِ (فِي الْبَقَاءِ) فَتَدْخُلُ الْفَاءُ عَلَيْهَا نَظَرًا إلَى هَذَا الْمَعْنَى (أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ فِي الذِّهْنِ لِلْمَعْلُولِ (مَعْلُولَةٌ فِي الْخَارِجِ لِلْمَعْلُولِ وَمِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ دُخُولِهَا عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي الْبَقَاءِ (لَا الثَّانِي) أَيْ لَا مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمَعْلُولَةِ فِي الْخَارِجِ مَا يُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي شِدَّةٍ (أَبْشِرْ) أَيْ صِرْ ذَا فَرَحٍ وَسُرُورٍ فَهُوَ هُنَا لَازِمٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا (فَقَدْ أَتَاك الْغَوْثُ) أَيْ الْمُغِيثُ فَإِنَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الْإِبْشَارِ كَذَا قَالُوا وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (وَمِنْهُ) أَيْ دُخُولِهَا عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي الْبَقَاءِ أَيْضًا (أَدِّ) إلَيَّ أَلْفًا (فَأَنْتَ حُرٌّ) لِأَنَّ الْعِتْقَ يَمْتَدُّ فَأَشْبَهَ الْمُتَرَاخِيَ عَنْ الْحُكْمِ وَهُوَ الْأَدَاءُ (وَانْزِلْ فَأَنْتَ آمِنٌ) لِأَنَّ الْأَمَانَ يَمْتَدُّ فَأَشْبَهَ الْمُتَرَاخِيَ عَنْ الْحُكْمِ وَهُوَ النُّزُولُ (وَتَعَذَّرَ الْقَلْبُ) وَهُوَ كَوْنُهُ دَاخِلًا عَلَى الْمَعْلُولِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَالنُّزُولُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَلْبَ (بِكَوْنِهِ جَوَابَ الْأَمْرِ وَجَوَابَهُ) أَيْ الْأَمْرِ (يَخُصُّ الْمُضَارِعَ) لِأَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ بِتَقْدِيرِ أَنْ وَهِيَ إنْ كَانَتْ تَجْعَلُ كُلًّا مِنْ الْمَاضِي وَالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّمَا ذَاكَ إذَا كَانَتْ مَلْفُوظَةً كَمَا فِي إنْ تَأْتِنِي أَكْرَمْتُك أَوْ فَأَنْتَ مُكْرَمٌ لَا إذَا كَانَتْ مُقَدَّرَةً فَلَا يَجُوزُ ائْتِنِي أَكْرَمْتُك أَوْ فَأَنْتَ مُكْرَمٌ (فَيَعْتِقُ) فِي الْحَالِ أَدَّى أَوْ لَمْ يُؤَدِّ لِأَنَّ الْمَعْنَى لِأَنَّك حُرٌّ (وَيَثْبُتُ الْأَمَانُ فِي الْحَالِ) نَزَلَ أَوْ لَمْ يَنْزِلْ لِأَنَّ الْمَعْنَى لِأَنَّك آمِنٌ (وَمِنْ الثَّانِي) أَيْ دُخُولِهَا عَلَى الْعِلَّةِ الْمَعْلُولُ فِي الْخَارِجِ مَا أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي حَقِّ الشُّهَدَاءِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «زَمِّلُوهُمْ الْحَدِيثَ أَيْ بِدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ» فَإِنَّ الْإِتْيَانَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِلَّةُ تَزْمِيلِهِمْ أَيْ تَكْسِيَتِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَهُوَ مَعْلُولُ التَّزْمِيلِ فِي الْخَارِجِ (وَاخْتَلَفُوا فِي عَطْفِهَا) أَيْ الْفَاءِ (لِطَلْقَاتٍ مُعَلَّقَةٍ) فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ (قِيلَ كَالْوَاوِ) أَيْ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَهُ تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْقُطُ مَا بَعْدَهَا وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ (وَالْأَصَحُّ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِلتَّعْقِيبِ) فَصَارَتْ كَثُمَّ وَبَعْدَ وَمِمَّنْ اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ (وَتُسْتَعَارُ) الْفَاءُ (لِمَعْنَى الْوَاوِ فِي لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ) إذْ التَّرْتِيبُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا يُقَالُ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَعَمْرٌو فَبَكْرٌ لِأَنَّ الْمُجْتَمَعِينَ فِي الدَّارِ لَا تَرْتِيبَ فِيهِمْ حَالَ الِاجْتِمَاعِ قِيلَ وَيَكُونُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْوَاوِ جُزْءُ مَفْهُومِ الْفَاءِ ثُمَّ قَدْ سَمِعْت هَذِهِ الِاسْتِعَارَةَ قَالَ بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ

مسألة استعارة ثم لمعنى الفاء

لِأَنَّ الْبَيْنِيَّةِ مِنْ الْأَعْرَاضِ الَّتِي لَا تَقُومُ إلَّا بِشَيْئَيْنِ كَالشَّرِكَةِ وَالْخُصُومَةِ وَقِيلَ: بَلْ هِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا مِنْ التَّرْتِيبِ وَهُوَ مَصْرُوفٌ إلَى الْوُجُوبِ بِأَنْ يُرَادَ وُجُوبُ هَذَا أَسْبَقُ مِنْ وُجُوبِ ذَاكَ لَا إلَى الْوَاجِبِ وَأَيًّا مَا كَانَ (يَلْزَمُهُ اثْنَانِ) وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا عَنْ الشَّافِعِيِّ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ لِأَنَّ مَعْنَى التَّرْتِيبِ لَغْوٌ فَيُحْمَلُ عَلَى جُمْلَةٍ مُبْتَدَأَةٍ لِتَحْقِيقِ الدِّرْهَمِ الْأَوَّلِ وَتَأْكِيدِهِ وَيُضْمَرُ الْمُبْتَدَأُ أَيْ فَهُوَ دِرْهَمٌ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ لِتَصْحِيحِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ لَا لِإِلْغَائِهِ. [مَسْأَلَة اسْتِعَارَة ثُمَّ لِمَعْنَى الْفَاءِ] (مَسْأَلَةٌ ثُمَّ لِتَرَاخِي مَدْخُولِهَا عَمَّا قَبْلَهُ) حَالَ كَوْنِ مَدْخُولِهَا (مُفْرَدًا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى الْمَدْخُولَةِ فِي طَالِقٍ ثُمَّ طَالِقٍ ثُمَّ طَالِقٍ فِي الْحَالِ بِلَا زَمَانٍ) مُتَرَاخٍ بَيْنَهُمَا (لِاسْتِعَارَتِهَا لِمَعْنَى الْفَاءِ وَتَنْجِيزِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ الْمَدْخُولَةِ (وَاحِدَةً وَإِلْغَاءُ مَا بَعْدَهَا فِي طَالِقٍ ثُمَّ طَالِقٍ ثُمَّ طَالِقٍ إنْ دَخَلْت وَفِي الْمَدْخُولَةِ تَنَجُّزًا) أَيْ الْأَوَّلَانِ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ وَفِي الْمَدْخُولَةِ إلَّا الْأُولَيَيْنِ بَدَلَ تَنَجُّزًا (وَتَعَلَّقَ الثَّالِثُ) هَذَا إنْ كَانَ آخِرَ الشَّرْطِ (وَإِنْ قُدِّمَ الشَّرْطُ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَوَقَعَ مَا بَعْدَهُ فِي الْمَدْخُولَةِ وَفِي غَيْرِهَا) أَيْ الْمَدْخُولَةِ (تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَتَنَجَّزَ الثَّانِي فَيَقَعُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الشَّرْطِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي) لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ (وَلَغَا الثَّالِثُ) لِعَدَمِ الْمَحَلِّ ثُمَّ تَنْجِيزُهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (لِاعْتِبَارِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّرَاخِيَ (فِي التَّكَلُّمِ فَكَأَنَّهُ سَكَتَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَمَا يَلِيهِ وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ السُّكُوتِ (قَاطِعَةٌ لِلتَّعَلُّقِ) بِالشَّرْطِ فَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ (كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا) أَيْ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ (بِلَا أَدَاةٍ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ) وَهَذَا تَشْبِيهٌ فِي الْحُكْمِ لَا فِي الْوَجْهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ طَالِقَ الْأُولَى تَعَلَّقَتْ بِالشَّرْطِ وَطَالِقَ الثَّانِيَةِ وَقَعَتْ مُنَجَّزَةً بِتَقْدِيرِ أَنْتِ وَلَغَتْ الثَّالِثَةُ لِإِبَانَتِهَا لَا إلَى عِدَّةٍ (وَعَلَّقَاهَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الثَّلَاثَ بِالشَّرْطِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي تَقَدُّمِ الشَّرْطِ وَتَأَخُّرِهِ (فَيَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ فِي غَيْرِهَا) أَيْ الْمَدْخُولَةِ (وَاحِدَةً) وَهِيَ الْأُولَى (لِلتَّرْتِيبِ) وَيَلْغُو الْبَاقِي لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ بِالْبَيْنُونَةِ لَا إلَى عِدَّةٍ (وَفِيهَا) أَيْ الْمَدْخُولَةِ يَقَعُ (الْكُلُّ مُرَتَّبًا لِأَنَّ التَّرَاخِيَ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا لَا فِي التَّكَلُّمِ وَاعْتِبَارِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّرَاخِيَ فِي التَّكَلُّمِ حَتَّى كَأَنَّهُ (سَكَتَ) اعْتِبَارٌ لِخِلَافِ الظَّاهِرِ (بِلَا مُوجِبٍ وَمَا خُيِّلَ دَلِيلًا) عَلَى ذَلِكَ (مِنْ ثُبُوتِ تَرَاخِي حُكْمِ الْإِنْشَاءَاتِ عَنْهَا) أَيْ الْإِنْشَاءَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرَاخِي فِي الْحُكْمِ لَا فِي التَّكَلُّمِ بِهَا (وَهِيَ) أَيْ الْأَحْكَامُ (لَا تَتَأَخَّرُ) عَنْ الْإِنْشَاءَاتِ (فَلَزِمَ الْحُكْمُ عَلَى اللُّغَةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ) وَهُوَ التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّمِ كَمَا ذَكَرَ هَذَا التَّوْجِيهَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ شَرْعًا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لُغَةً (وَلَوْ اكْتَفَى بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ التَّرَاخِي بِمَعْنَى السُّكُوتِ (شَرْعًا) فِي الْإِنْشَاءِ (فَفِي مَحَلِّ تَرَاخِي حُكْمِهِ) أَيْ الْإِنْشَاءِ لَا غَيْرُ (وَهُوَ) أَيْ مَحَلُّ تَرَاخِيهِ (فِي الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ دُونَ عَطْفِهِ بِثُمَّ) فَلَا يَتِمُّ الْمَرَامُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْعَطْفَ (النِّزَاعُ) أَيْ مَحَلُّهُ (عَلَى أَنَّا نَمْنَعُهُ) أَيْ تَرَاخِي الْحُكْمِ (فِيهِمَا) أَيْ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ (أَيْضًا بِمَعْنَى اعْتِبَارِ السُّكُوتِ وَمَا قِيلَ) أَيْ وَمَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ أَيْضًا (هِيَ) أَيْ ثُمَّ (لِلتَّرَاخِي فَوَجَبَ كَمَالُهُ) إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ (وَهُوَ) أَيْ كَمَالُهُ (بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ التَّرَاخِي بِمَعْنَى السُّكُوتِ (مَمْنُوعٌ) الْمُقَدَّمَةُ (الثَّانِيَةُ) أَيْ كَمَالُهُ بِاعْتِبَارِهِ (إذْ الْمَفْهُومُ لَيْسَ غَيْرَ حُكْمِ اللَّفْظِ فِي الْإِنْشَاءِ وَمَعْنَاهُ) أَيْ اللَّفْظِ (فِي الْخَبَرِ وَهَذَا) الْجَوَابُ (يَصْلُحُ) جَوَابًا (عَنْ الْأَوَّلِ أَيْضًا) وَهُوَ مَا ظُنَّ دَلِيلًا (وَكَذَا) ثُمَّ لِلتَّرَاخِي أَيْضًا (فِي الْجُمَلِ وَمُوهِمٌ خِلَافَهُ) أَيْ التَّرَاخِي فِيهَا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] وقَوْله تَعَالَى {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: 11] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: 12] {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 15] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] فَإِنَّ الِاهْتِدَاءَ لَيْسَ بِمَسْبُوقٍ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ بِدُونِ الْإِيمَانِ غَيْرُ مُعْتَدّ بِهِ إذْ الْإِيمَانُ مُقَوِّمُ كُلِّ عِبَادَةٍ وَأَصْلُ كُلِّ طَاعَةٍ (تُؤَوَّلُ بِتَرَتُّبِ الِاسْتِمْرَارِ) أَيْ ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى الْهُدَى ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى الْإِيمَانِ وَصَاحِبُ الْكَشَّافِ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى دَالَّةٌ عَلَى تَبَايُنِ الْمَنْزِلَتَيْنِ دَلَالَتُهَا عَلَى تَبَايُنِ الْوَقْتَيْنِ فِي جَاءَ زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو، أَعْنِي أَنَّ مَنْزِلَةَ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى الْخَيْرِ مُبَايِنَةٌ لِمَنْزِلَةِ الْخَيْرِ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا أَعْلَى مِنْهَا وَأَفْضَلُ. اهـ. وَالصَّبْرُ عَلَيْهَا أَبْلَغُ وَأَكْمَلُ وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ

مسألة تستعار ثم لمعنى الواو

لِكُلٍّ إلَى نَيْلِ الْعُلَى حَرَكَاتٌ ... وَلَكِنْ عَزِيزٌ فِي الرِّجَالِ ثَبَاتٌ وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ لِتَرَاخِي الْإِيمَانِ وَتَبَاعُدِهِ فِي الرُّتْبَةِ وَالْفَضِيلَةِ عَنْ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ لَا فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ السَّابِقُ الْمُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يَثْبُتُ عَمَلٌ صَالِحٌ إلَّا بِهِ وَمَشَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بِمَعْنَى الْوَاوِ. [مَسْأَلَة تُسْتَعَارُ ثُمَّ لِمَعْنَى الْوَاوِ] (مَسْأَلَةٌ تُسْتَعَارُ) ثُمَّ (لِمَعْنَى الْوَاوِ) قَالُوا: لِلْمُجَاوِرَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: 46] أَيْ وَاَللَّهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَقِيقَتُهُ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ شَهِيدًا بَعْدَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْحَوَادِثِ (إنْ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا عَنْ مُعَاقِبٍ فِي مَقَامِ التَّهْدِيدِ) أَيْ ثُمَّ اللَّهُ مُعَاقِبٌ لَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ أَوْ مُرَادًا بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى مُؤَدٍّ شَهَادَاتِهِ عَلَى أَفْعَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ تَنْطِقُ جُلُودُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِذَلِكَ فَتَكُونُ ثُمَّ عَلَى مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ (فَفِي) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلِيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّر عَنْ يَمِينِهِ» أَخْرَجَهُ السَّرَقُسْطِيُّ فِي الدَّلَائِلِ (حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ عَنْ الْجَمْعِ) الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَاوِ (فِي فَلْيُكَفِّرْ ثُمَّ لِيَأْتِ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا وَإِنَّمَا الَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ مُخَرَّجًا مَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَبِهِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ أَيْضًا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَحْمِلْ ثُمَّ عَلَى الْوَاوِ فِي هَذَا (كَانَ الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ) إذْ لَا قَائِلَ بِوُجُوبِ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ (وَالْمُطْلَقُ) أَيْ التَّكْفِيرُ (لِلْمُقَيَّدِ) أَيْ مَا سِوَى الصَّوْمِ مِنْهُ مِنْ الْأَطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالتَّحْرِيرِ (فَيَتَحَقَّقُ مَجَازَانِ) كَوْنُ الْأَمْرِ لِلْإِبَاحَةِ وَالْمُطْلَقِ لِلْمُقَيَّدِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَعَلَى قَوْلِنَا) مَجَازٌ (وَاحِدٌ) وَهُوَ كَوْنُ ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ ضَرُورَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا شَكَّ فِي أَوْلَوِيَّتِهِ. [مَسْأَلَة بَلْ قَبْلَ مُفْرَدٍ لِلْإِضْرَابِ] (مَسْأَلَةٌ بَلْ قَبْلَ مُفْرَدٍ لِلْإِضْرَابِ فَبَعْدَ الْأَمْرِ كَاضْرِبْ زَيْدًا بَلْ بَكْرًا وَالْإِثْبَاتُ قَامَ زَيْدٌ بَلْ بَكْرٌ لِإِثْبَاتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي قَبْلَهَا (لِمَا بَعْدَهَا) وَهُوَ بَكْرٌ فِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ (وَجَعَلَ الْأَوَّلَ) وَهُوَ زَيْدٌ فِيهِمَا (كَالْمَسْكُوتِ فَهُوَ) أَيْ الْأَوَّلُ (عَلَى الِاحْتِمَالِ) أَيْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَطْلُوبٍ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ مُخْبَرًا بِقِيَامِهِ وَغَيْرَ مُخْبَرٍ بِهِ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي هَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ مَعَ لَا (وَمَعَ لَا) نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ لَا بَلْ عَمْرٌو (يَنُصُّ عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ فَيُفِيدُ عَدَمَ مَجِيءِ زَيْدٍ قَطْعًا (وَهُوَ) أَيْ بَلْ (فِي كَلَامِ غَيْرِهِ تَعَالَى تَدَارُكٌ أَيْ كَوْنُ الْإِخْبَارِ الْأَوَّلِ أَوْلَى مِنْهُ) أَيْ الْأَوَّلِ (الثَّانِي فَيُعْرِضُ عَنْهُ) أَيْ الْأَوَّلِ (إلَيْهِ) أَيْ الثَّانِي (لَا إبْطَالُهُ) أَيْ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُ الثَّانِي تَدَارُكًا لِمَا وَقَعَ أَوَّلًا مِنْ الْغَلَطِ (كَمَا قِيلَ: وَيُعَدُّ النَّهْيُ) كَلَا تَضْرِبْ زَيْدًا بَلْ عَمْرًا (وَالنَّفْيُ) كَمَا قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو (لِإِثْبَاتِ ضِدِّهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَوَّلِ لِمَا بَعْدَهَا (وَتَقْرِيرُ الْأَوَّلِ) فَفِي الْأَوَّلِ قَرَّرْت النَّهْيَ عَنْ ضَرْبِ زَيْدٍ وَأَثْبَتُّ الْأَمْرَ بِضَرْبِ عَمْرٍو وَفِي الثَّانِي قَرَّرْت نَفْيَ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ وَأَثْبَتُهُ لِعَمْرٍو (وَعَبْدُ الْقَاهِرِ) الْجُرْجَانِيُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَشْفِ أَوْ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ابْنُ أُخْتِ الْفَارِسِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ النَّحْوِيِّينَ وَلَعَلَّهُ عَنْ كِلَيْهِمَا وِفَاقًا لِلْمُبَرِّدِ عَلَى أَنَّهَا كَذَلِكَ لَكِنْ (يُحْتَمَلُ نَقْلُ النَّهْيِ وَالنَّفْيِ إلَيْهِ) أَيْ الثَّانِي قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ (فَقَوْلُ زُفَرَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ فِي لَهُ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إفَادَةِ إبْطَالِ الْأَوَّلِ وَإِنْ قِيلَ بِهِ) أَيْ بِإِبْطَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (بَلْ يَكْفِي) فِي لُزُومِ الثَّلَاثَةِ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُقِرِّ أَعْرَضَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِدِرْهَمٍ (كَالسَّاكِتِ عَنْهُ) أَيْ الْإِقْرَارِ بِهِ (بَعْدَ إقْرَارِهِ فِي رَدِّهِ) أَيْ كَالْمَلْفُوظِ فِي بَلْ لَهُ دِرْهَمَانِ (كَالْإِنْشَاءِ) نَحْوُ قَوْلِهِ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ (طَالِقٌ وَاحِدَةً بَلْ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ وَاحِدَةٌ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ) كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ (بِقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت فَطَالِقٌ وَاحِدَةً بَلْ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ) أَيْ كَالْمَلْفُوظِ (كَتَقْدِيرِ شَرْطٍ آخَرَ) مُمَاثِلٍ لِلْمَذْكُورِ حَتَّى يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِتَكْرِيرِ الشَّرْطِ مِثْلُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِي هَذَا يَقَعُ الثَّلَاثُ بِالدُّخُولِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَذَا فِي ذَاكَ (لَا حَقِيقَتِهِ) أَيْ الشَّرْطِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (إذْ لَا مُوجِبَ) لِاعْتِبَارِ شَرْطٍ آخَرَ (وَتَحْمِيلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ

مسألة لكن للاستدراك

ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ تَشْبِيهٌ لِلْعَجْزِ عَنْ إبْطَالِ) الطَّلَاقِ (الْأَوَّلِ) الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ (فَلَا يَتَوَسَّطُ) الْأَوَّلُ لِتَعْلِيقِ الثَّانِي بِذَلِكَ الشَّرْطِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ هَذَا بِالْعَطْفِ (بِالْوَاوِ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا عُطِفَ عَلَى الْجَزَاءِ بِالْوَاوِ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ لَفْظِهِ لِيُعْلَمَ ظُهُورُ ذَلِكَ مِنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ مَعْنَى بَلْ لِإِبْطَالِ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ كَانَ مِنْ قَضِيَّتِهِ اتِّصَالُهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ لَكِنْ بِشَرْطِ إبْطَالِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إبْطَالُ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ فِي وُسْعِهِ إفْرَادُ الثَّانِي بِالشَّرْطِ لِيَتَّصِلَ بِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَصِيرُ كَالْحَلِفِ بِيَمِينَيْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنَّهَا تَبِينُ بِالْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأُولَى فَيَصِيرُ مَعْطُوفًا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَكَةِ فَيَصِيرُ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ بِوَاسِطَةٍ وَلَا يَصِيرُ مُنْفَرِدًا بِشَرْطِهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُشَارَكَةِ فِي اتِّحَادِ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ الثَّانِي مُتَّصِلًا بِهِ بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ فَقَدْ جَاءَ التَّرْتِيبُ اهـ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَبِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ يَظْهَرُ أَنْ لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا تَقْدِيرُ شَرْطٍ آخَرَ أَلْبَتَّةَ بَلْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ الْمُبْطَلِ مُجَرَّدَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ اتِّصَالُهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ إلَخْ ظَاهِرٌ فِي هَذَا وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْحَلِفِ بِيَمِينَيْنِ تَشْبِيهٌ يَعْنِي كَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ فِي الْيَمِينَيْنِ كَذَلِكَ فِي الْعَطْفِ بِبَلْ فِي الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عَلَّقَ وَاحِدًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ تَعْلِيقَهُ بِقَيْدِ الْوِحْدَةِ إلَى تَعْلِيقِهِ مَعَ آخَرَ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ فَلَزِمَ اتِّصَالُ الِاثْنَيْنِ مَعَهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ ثُمَّ يَقُولُ (وَقُلْنَا) فِي جَوَابِ زُفَرَ كَالْمَلْفُوظِ (يَحْصُلُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الدِّرْهَمِ إلَى دِرْهَمَيْنِ بِإِضَافَةِ) دِرْهَمٍ (آخَرَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْأَوَّلِ (فَلَمْ يَبْطُلْ الْإِقْرَارُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ ثَلَاثَةٌ وَأَمَّا قَبْلَ الْجُمْلَةِ فَلِلْإِضْرَابِ عَمَّا قَبْلَهُ) أَيْ بَلْ (بِإِبْطَالِهِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] أَيْ بَلْ هُمْ) عِبَادٌ مُكْرَمُونَ وَقَوْلُهُ {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 70] أَمَّا فِي كَلَامِهِ تَعَالَى فَلِلْإِفَاضَةِ فِي غَرَضٍ آخَرَ) مِنْ غَيْرِ إبْطَالٍ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأعلى: 16] وَقَوْلُهُ {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ - بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ} [المؤمنون: 62 - 63] وَادِّعَاءُ حَصْرِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ كَمَا زَعَمَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ (مُنِعَ بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِقَوْلِهِ {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] {بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 70] وَتَوْجِيهُهُ بِأَنَّ كَلَامَهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَبْطُلَ مِنْهُ شَيْءٌ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّ الْإِبْطَالَ لَيْسَ لِكَلَامِهِ تَعَالَى بَلْ لِقَوْلِ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ حَكَى اللَّهُ قِصَّتَهُمْ وَقَوْلُهُ (لَا عَاطِفَةٌ) عَطْفٌ عَلَى فَلِلْإِضْرَابِ أَيْ بَلْ قَبْلَ الْجُمْلَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ لِلْإِضْرَابِ أَوْ لِلِانْتِقَالِ حَرْفُ ابْتِدَاءٍ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ رَصْفِ الْمَبَانِي وَغَيْرُهُ وَنَصَّ ابْنُ هِشَامٍ عَلَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ لِأَنَّك لَمَّا أَضْرَبْت صَارَ الْمَضْرُوبُ عَنْهُ كَأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ وَصَارَتْ هِيَ أَوَّلُ الْكَلَامِ وَكَانَ مَا بَعْدَهَا كَلَامًا مُفِيدًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ مُنْقَطِعَ التَّعَلُّقِ عَمَّا قَبْلَهُ لَا أَنَّهَا عَاطِفَةٌ لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مَالِكٍ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة لَكِنْ لِلِاسْتِدْرَاكِ] (مَسْأَلَةٌ لَكِنْ لِلِاسْتِدْرَاكِ) حَالَ كَوْنِهَا (خَفِيفَةً) مِنْ الثَّقِيلَةِ وَعَاطِفَةٌ (وَثَقِيلَةٌ وَفُسِّرَ) الِاسْتِدْرَاكُ (بِمُخَالَفَةِ حُكْمِ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا) أَيْ لِحُكْمِهِ (فَقَطْ) حَالَ كَوْنِهِ (ضِدًّا) نَحْوَ مَا زَيْدٌ أَبْيَضُ لَكِنْ عَمْرٌو أَسْوَدُ (أَوْ نَقِيضًا) نَحْوُ مَا زَيْدٌ سَاكِنًا لَكِنْ عَمْرٌو مُتَحَرِّكٌ (وَاخْتُلِفَ فِي الْخِلَافِ مَا زَيْدٌ قَائِمٌ) عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ (لَكِنْ) عَمْرٌو (شَارِبٌ) ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا ابْنُ هِشَامٍ (وَقِيلَ) الِاسْتِدْرَاكُ مَا تَقَدَّمَ (بِقَيْدِ رَفْعِ تَوَهُّمِ تَحَقُّقِهِ) أَيْ مَا قَبْلَهَا هَذَا مَا يُعْطِيهِ السُّوقُ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ نَقْلًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَسِيطِ مِنْ النُّحَاةِ أَنَّهُمْ فَسَرُّوا الِاسْتِدْرَاكَ بِرَفْعِ مَا تُوُهِّمَ ثُبُوتُهُ وَفِي التَّلْوِيحِ وَفَسَّرَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِرَفْعِ التَّوَهُّمِ النَّاشِئِ مِنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ مِثْلُ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو إذَا تَوَهَّمَ الْمُخَاطَبُ عَدَمَ مَجِيءٍ مَرَّةً أَيْضًا بِنَاءً عَلَى مُخَالَطَةٍ وَمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا (كَلَيْسَ بِشُجَاعٍ لَكِنْ كَرِيمٌ) لِأَنَّ الشَّجَاعَةَ وَالْكَرْمَ لَا يَكَادَانِ يَفْتَرِقَانِ فَنَفْيُ أَحَدِهِمَا يُوهِمُ انْتِفَاءَ الْآخِرِ (وَمَا قَامَ زَيْدٌ لَكِنْ بَكْرٌ لِلْمُتَلَابِسَيْنِ وَإِذَا وَلِيَ الْخَفِيفَةَ فَحَرْفُ ابْتِدَاءٍ وَاخْتَلَفَا) أَيْ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا (كَيْفًا وَلَوْ مَعْنَى كَسَافَرَ زَيْدٌ لَكِنْ

عَمْرٌو حَاضِرٌ أَوْ) وَلِيَهَا (مُفْرَدٌ فَعَاطِفَةٌ وَشَرْطُهُ) أَيْ عَطْفِهَا (تَقَدُّمُ نَفْيٍ) نَحْوُ مَا قَامَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو (أَوْ نَهْيٌ) نَحْوُ لَا يَقُمْ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو (وَلَوْ ثَبَتَ) مَا قَبْلَهَا (كَمُلَ مَا بَعْدَهَا كَقَامَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَقُمْ وَلَا شَكَّ فِي تَأْكِيدِهَا) أَيْ لَكِنْ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا (فِي نَحْوِ لَوْ جَاءَ أَكْرَمْتُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَجِئْ) لِدَلَالَةٍ لَوْ عَلَى انْتِفَاءِ الثَّانِي لِانْتِفَاءِ الْأَوَّلِ (وَلَمْ يَخُصُّوا) أَيْ الْأُصُولِيُّونَ (الْمِثْلَ بِالْعَاطِفَةِ إذْ لَا فَرْقَ) بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُشَدَّدَةِ وَالْمُخَفَّفَةِ مِنْهَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الِاسْتِدْرَاكُ فَلَا يُعْتَرَضُ بِالتَّمْثِيلِ بِغَيْرِ الْعَاطِفَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْبَحْثَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَاطِفَةِ (وَفَرَّقَهُمْ) أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا (بَيْنَهَا) أَيْ لَكِنْ (وَبَيْنَ بَلْ بِأَنَّ بَلْ تُوجِبُ نَفْيَ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتِ الثَّانِي بِخِلَافِ لَكِنْ) فَإِنَّهَا تُوجِبُ إثْبَاتَ الثَّانِي فَأَمَّا نَفْيُ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِدَلِيلِهِ وَهُوَ النَّفْيُ الْمَوْجُودُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ (مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ إيجَابَهَا نَفْيُ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُ الثَّانِي هُوَ (كَالْمَلْفُوظِ) كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ (لَا جَعْلُهُ) أَيْ لَا أَنَّ كَالْمَلْفُوظِ جَعْلَ الْأَوَّلِ (كَالْمَسْكُوتِ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ (وَعَلَى الْمُحَقِّقِينَ يُفَرِّقُ بِإِفَادَتِهَا) أَيْ بَلْ (مَعْنَى السُّكُوتِ عَنْهُ) أَيْ الْأَوَّلِ (بِخِلَافِ لَكِنْ) قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ لَكِنْ حَيْثُ كَانَتْ لِإِثْبَاتِ مَا بَعْدَهَا فَقَطْ فَمَا قَبْلَهَا فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ أَيْضًا بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ أَنْ بَلْ لِلْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا نَفْيًا كَانَ أَوْ إثْبَاتًا فَلَا يُشْتَرَطُ اخْتِلَافُهُمَا بِالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ بِخِلَافِ لَكِنْ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي عَطْفِ الْمُفْرَدَيْنِ بِهَا كَوْنُ الْأَوَّلِ مَنْفِيًّا وَالثَّانِي مُثْبَتًا وَفِي عَطْفِ الْجُمْلَتَيْنِ اخْتِلَافُهُمَا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَعَلِمْت عَدَمَ اخْتِلَافِ الْفُرُوعِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ) أَيْ جَعْلِ الْأَوَّلِ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ حَتَّى لَزِمَ قَائِلٌ لَهُ عَلَى دِرْهَمٍ بَلْ دِرْهَمَانِ ثَلَاثَةٌ عِنْدَ زُفَرَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَمَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ (وَقَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ بِعَيْنٍ) بِأَنْ قَالَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ هَذَا لِفُلَانٍ وَمَقُولُ قَوْلِ الْمُقَرِّ لَهُ (مَا كَانَ لِي قَطُّ لَكِنْ لِفُلَانٍ مَوْصُولًا يَحْتَمِلُ رَدَّ الْإِقْرَارِ) وَتَكْذِيبَهُ لَهُ فِيهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ نَفْيِ مِلْكِهِ عَنْهُ (فَلَا يَثْبُتُ) أَيْ الْعَيْنُ (لَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِانْفِرَادِهِ بِذَلِكَ (وَالتَّحْوِيلُ) أَيْ وَيَحْتَمِلُ تَحْوِيلَ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهِ إلَى فُلَانٍ وَنَقْلَهُ إلَيْهِ أَعْنِي (قَبُولَهُ) أَيْ كَوْنِ الْعَبْدِ لَهُ (ثُمَّ الْإِقْرَارُ بِهِ) أَيْ بِالْعَبْدِ لِفُلَانٍ لَا تَكْذِيبًا لِلْمُقِرِّ وَرَدًّا لِإِقْرَارِهِ (فَاعْتُبِرَ) هَذَا الِاحْتِمَالُ (صَوْنًا) لِإِقْرَارِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ (وَالنَّفْيُ مَجَازٌ أَيْ لَمْ يَسْتَمِرَّ) مِلْكُ هَذَا لِي (فَانْتُقِلَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى فُلَانٍ (أَوْ حَقِيقَةٌ أَيْ اُشْتُهِرَ لِي وَهُوَ لَهُ فَهُوَ) أَيْ لَكِنْ لِفُلَانٍ (تَغْيِيرٌ لِلظَّاهِرِ فَصَحَّ مَوْصُولًا فَيَثْبُتُ النَّفْيُ مَعَ الْإِثْبَاتِ) لَا مُتَرَاخِيًا عَنْهُ كَيْ لَا يَصِيرَ النَّفْيُ رَدًّا لِلْإِقْرَارِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا صَحَّ مَوْصُولًا (لِلتَّوَقُّفِ) لِأَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ (لِلْمُغَيِّرِ) لِلْحُكْمِ فِيهِ عَنْ كَوْنِهِ نَفْيًا مُطْلَقًا وَلَمْ يَصِحَّ مَفْصُولًا لِأَنَّ النَّفْيَ يَكُونُ حِينَئِذٍ مُطْلَقًا فَيَكُونُ رَدًّا لِلْإِقْرَارِ وَتَكْذِيبًا لِلْمُقِرِّ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الظَّاهِرِ وَيَكُونُ لَكِنْ لِفُلَانٍ بَعْدَ ذَلِكَ شَهَادَةٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي عَلَى الْمُقِرِّ الْأَوَّلِ وَبِشَهَادَةِ الْمُقِرِّ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فَتَبْقَى الْعَيْنُ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ الْأَوَّلِ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (ادَّعَى دَارًا عَلَى جَاحِدٍ بِبَيِّنَةٍ فَقُضِيَ) لَهُ بِهَا (فَقَالَ) الْجَاحِدُ (مَا كَانَتْ لِي لَكِنْ لِزَيْدٍ مَوْصُولًا فَقَالَ) زَيْدٌ: (كَأَنَّ) الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ الْمُقِرَّ بِهِ الَّذِي هُوَ الدَّارُ (لَهُ) أَيْ لِلْجَاحِدِ (فَبَاعَنِيهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ) أَوْ وَهَبَنِيهِ فَأَفَادَ بِلَكِنْ تَكْذِيبَهُ فِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ وَتَصْدِيقَهُ فِي الْإِقْرَارِ بِهَا لَهُ (فَهِيَ) أَيْ الدَّارُ (لِزَيْدٍ لِثُبُوتِهِ) أَيْ الْإِقْرَارِ (مُقَارِنًا لِلنَّفْيِ لِلْوَصْلِ) لِلِاسْتِدْرَاكِ بِالنَّفْيِ (وَالتَّوَقُّفِ) لِأَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ لِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ فِيهِ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِهِمَا مَعًا لِأَنَّهُ لَوْ حُكِمَ بِالنَّفْيِ أَوَّلًا يُنْتَقَضُ الْقَضَاءُ وَيَصِيرُ الْمِلْكُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَالِاسْتِدْرَاكُ يَكُونُ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ وَإِخْبَارًا بِأَنَّ مِلْكَهُ لِلْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ ثَمَّ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ وَهُوَ الْمُقِرُّ قِيمَتُهَا لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَهَذَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَتَكْذِيبُ شُهُودِهِ) أَيْ الْمَقْضِيِّ لَهُ (وَإِثْبَاتُ مِلْكِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ) لِزَيْدٍ (حُكْمُهُ) أَيْ مَجْمُوعُ هَذَا الْكَلَامِ (فَتَأَخَّرَ) هَذَا الْحُكْمُ (عَنْهُ فَقَدْ أَتْلَفَهَا عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ لِزَيْدٍ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) تَوْجِيهُ ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ مُقَارَنَةُ النَّفْيِ عَنْ نَفْسِهِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ لِلْإِثْبَاتِ لِلْمُقَرِّ لَهُ لَمْ يَمْتَنِعْ ثُبُوتُ الْإِقْرَارِ فَيَثْبُتُ لِلْمُقَرِّ لَهُ ثَمَّ هَذَا النَّفْيُ الْمُقَارِنُ

مسألة أو قبل مفرد

يُوجِبُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِيهَا لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ لَازِمٌ لِلنَّفْيِ وَلَازِمُ الشَّيْءِ بِمَعْنَى حُكْمِهِ مُتَأَخِّرٌ لَهُ وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْمُقَارِنِ لِلشَّيْءِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَقَدْ اعْتَرَفَ أَنَّهَا لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ لِزَيْدٍ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لَهُ اهـ وَحِينَئِذٍ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ لَا حَاجَةَ إلَى مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ هُنَا لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ عُرْفًا فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمُؤَكِّدِ لَا حُكْمُ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ وَسَكَتَ أَوْ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُتَأَخِّرِ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْمُؤَكَّدِ أَوْ أَنَّ الْمُقِرَّ قَصَدَ تَصْحِيحَ إقْرَارِهِ وَذَلِكَ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِلْغَاءِ اهـ وَهَذِهِ التَّوْجِيهَاتُ الثَّلَاثَةُ فِي الْكَشْفِ (وَلَوْ صَدَّقَهُ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ (فِيهِ) أَيْ فِي النَّفْيِ أَيْضًا (رُدَّتْ) الدَّارُ (لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى بُطْلَانِ الْحُكْمِ بِبُطْلَانِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَشَرْطُ عَطْفِهَا) أَيْ لَكِنَّ (الِاتِّسَاقَ عَدَمُ اتِّحَادِ مَحَلِّ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ) لِيُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاتِّصَالُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِيَتَحَقَّقَ الْعَطْفُ (وَهُوَ) أَيْ الِاتِّسَاقُ (الْأَصْلُ فَيُحْمَلُ) الْعَطْفُ (عَلَيْهِ) أَيْ الِاتِّسَاقِ (مَا أَمْكَنَ فَلِذَا) أَيْ فَلِوُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ (صَحَّ) قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ مُتَّصِلًا (لَا لَكِنْ غَصْبُ جَوَابٍ) قَوْلُ الْمُقِرِّ (لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ قَرْضًا لِصَرْفِ النَّفْيِ إلَى السَّبَبِ) أَيْ لِإِمْكَانِ صَرْفٍ لَا إلَى كَوْنِهِ قَرْضًا ثُمَّ إنَّهُ تَدَارَكَهُ بِكَوْنِهِ غَصْبًا فَصَارَ الْكَلَامُ مُرْتَبِطًا فَلَا يَكُونُ رَدًّا لِإِقْرَارِهِ بَلْ نَفْيًا لِذَلِكَ السَّبَبِ الْخَطَأِ فِيهِ فَلَا يُصْرَفُ إلَى الْوَاجِبِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الِاسْتِدْرَاكِ وَعَدَمِ اتِّسَاقِ الْكَلَامِ وَارْتِبَاطِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ (بِخِلَافِ مَنْ بَلَغَهُ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ بِمِائَةٍ) فُضُولًا (فَقَالَ: لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ وَلَكِنْ) أُجِيزُهُ (بِمِائَتَيْنِ) فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاتِّسَاقِ لِأَنَّ اتِّسَاقَهُ أَنْ لَا يَصِحَّ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ بِمِائَةٍ لَكِنْ يَصِحُّ بِمِائَتَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِعَيْنِهِ بِمِائَتَيْنِ (لِلِاتِّحَادِ) أَيْ اتِّحَادِ مَحَلِّ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ حِينَئِذٍ (لِنَفْيِ أَصْلِ النِّكَاحِ) بِقَوْلِهِ لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ (ثُمَّ ابْتِدَائِهِ بِقَدْرٍ آخَرَ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ) فَيُحْمَلُ لَكِنْ أُجِيزُهُ بِمِائَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ فَيَكُونُ إجَازَةٌ لِنِكَاحٍ آخَرَ مَهْرُهُ مِائَتَانِ (بِخِلَافِ لَا أُجِيزَ) النِّكَاحَ (بِمِائَةٍ لَكِنْ) أُجِيزُهُ (بِمِائَتَيْنِ لِأَنَّ التَّدَارُكَ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ لَا أَصْلِ النِّكَاحِ) حِينَئِذٍ فَيَكُونُ مُتَّسِقًا. [مَسْأَلَةٌ أَوْ قَبْلَ مُفْرَدٍ] (مَسْأَلَةٌ أَوْ قَبْلَ مُفْرَدٍ لِإِفَادَةِ أَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ) اسْمَيْنِ كَانَا أَوْ فِعْلَيْنِ (مِنْهُ) أَيْ مِمَّا قَبْلَهَا (وَمَا بَعْدَهَا) وَسَيَظْهَرُ فَائِدَةُ قَوْلِهِ ظَاهِرًا (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهَا لِإِفَادَةِ هَذَا (عَمَّ) أَوْ (فِي النَّفْيِ وَشِبْهِهِ) كَالنَّهْيِ (عَلَى الِانْفِرَادِ) لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْوَاحِدِ الْمُبْهَمِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِانْتِفَاءِ الْمَجْمُوعِ فَفِي لَا تُطِعْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا أَوْ بَكْرًا مُنِعَ) الْمُخَاطَبُ وَالْحَالِفُ (مِنْ كُلٍّ) لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا تُطِعْ (وَاحِدًا مِنْهُمَا) وَلَا أُكَلِّمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ وَالنَّفْيِ فَيَعُمُّ (لَا) أَنَّ التَّقْدِيرَ لَا تُطِعْ وَلَا أُكَلِّمُ (أَحَدَهُمَا لِيَكُونَ مَعْرِفَةً) فَلَا يَعُمُّ (وَحِينَئِذٍ) كَانَ التَّقْدِيرُ وَاحِدًا مِنْهُمَا (لَا يَشْكُلُ بِلَا أَقْرَبُ ذِي أَوْ ذِي) حَيْثُ (يَصِيرُ مُولِيًا مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّهُمَا (فَتَبِينَانِ) مَعًا عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ مِنْ غَيْرِ فَيْءٍ (وَفِي إحْدَاكُمَا مِنْ إحْدَاهُمَا) أَيْ وَلَا يَشْكُلُ بِصَيْرُورَتِهِ مُولِيًا مِنْ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ الْمُخَاطَبَتَيْنِ بِلَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا لَا مِنْهُمَا جَمِيعًا حَتَّى لَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ غَيْرِ فَيْءٍ تَبِينُ إحْدَاهُمَا لَا هُمَا لِأَنَّ إحْدَاكُمَا مَعْرِفَةٌ غَيْرِ عَامَّةٍ (بِخِلَافِهِ) أَيْ الْعَطْفِ (بِالْوَاوِ) كَلَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا (فَإِنَّهُ) أَيْ الْحَلِفَ عَلَى الْمُتَعَاطِفَيْنِ بِهَا مَنَعَ (مِنْ الْجَمْعِ) لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لَهُ فَيَتَعَلَّقُ بِالْمَجْمُوعِ (لِعُمُومِ الِاجْتِمَاعِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِدَلِيلٍ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ امْتِنَاعُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا (كَلَا يَزْنِي وَيُشْرِبُ) الْخَمْرَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لِلْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ امْتِنَاعُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ حُرْمَتُهُ فِي الشَّرْعِ (أَوْ يَأْتِي بِلَا) الزَّائِدَةِ الْمُؤَكِّدَةِ لِلنَّفْيِ مِثْلُ مَا رَأَيْت (لَا زَيْدًا وَلَا بَكْرًا وَنَحْوُهُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ فِي الْوَاوِ عَلَى شُمُولِ الْعَدَمِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَهُوَ لِعَدَمِ الشُّمُولِ وَأَوْ بِالْعَكْسِ (وَتَقْيِيدُهُ) أَيْ كَوْنِ الدَّلِيلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجْمُوعَ (بِمَا إذَا كَانَ لِلِاجْتِمَاعِ تَأْثِيرٌ

فِي الْمَنْعِ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَانِعِ لِلْحَالِفِ مِنْ تَنَاوُلِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَنَاوَلُ السَّمَكَ وَاللَّبَنَ فَإِنَّ لِلِاجْتِمَاعِ هُنَا تَأْثِيرًا فِي الْمَنْعِ كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (بَاطِلٌ بِنَحْوِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا وَكَثِيرٌ) مِمَّا هُوَ لِنَفْيِ الْمَجْمُوعِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلِاجْتِمَاعِ فِي الْمَنْعِ (وَالْعُمُومِ بِأَوْ فِي الْإِثْبَاتِ كَلَا أُكَلِّمُ أَحَدًا إلَّا زَيْدًا أَوْ بَكْرًا) فَيَحْنَثُ بِتَكْلِيمِ مَنْ عَدَاهُمَا لَا بِتَكْلِيمِهِمَا وَلَا بِتَكْلِيمِ أَحَدِهِمَا (مِنْ خَارِجٍ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْحَظْرِ لِأَنَّهَا إطْلَاقٌ وَرَفْعُ قَيْدٍ (فَهِيَ) أَيْ أَوْ (لِلْأَحَدِ فِيهِمَا) أَيْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ (فَمَا قِيلَ) أَيْ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ أَوْ (تُسْتَعَارُ لِلْعُمُومِ تَسَاهَلَ) فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْعُمُومَ مَعْنًى لَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ (بَلْ يَثْبُتُ) الْعُمُومُ (مَعَهَا لَا بِهَا وَلَيْسَتْ فِي الْخَبَرِ لِلشَّكِّ أَوْ التَّشْكِيكِ) كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ النُّحَاةِ وَسَتَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا (لَا لِأَنَّ الْوَضْعَ لِلْإِفْهَامِ وَهُوَ) أَيْ الْإِفْهَامُ (مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ إفْهَامُ الْمُعَيَّنِ) أَيْ غَيْرِ الْأَحَدِ الدَّائِرِ كَمَا فِي جَاءَ زَيْدٌ (مَنَعْنَا الْحَصْرَ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَضْعَ لَا يَكُونُ إلَّا لِإِفْهَامِ الْمُعَيَّنِ وَإِلَّا انْتَفَى الْإِجْمَالُ حِينَئِذٍ وَهُوَ بَاطِلٌ (أَوْ مُطْلَقًا) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مُبْهَمًا أَوْ مُعَيَّنًا (لَمْ يُفِدْ) فِي الْمَطْلُوبِ شَيْئًا وَهُوَ أَنَّ أَوْ لَيْسَتْ لِلتَّشْكِيكِ أَوْ الشَّكِّ (بَلْ) إنَّمَا لَمْ تَكُنْ لِلشَّكِّ أَوْ التَّشْكِيكِ (لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ أَوَّلًا إفَادَةُ النِّسْبَةِ إلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْمَذْكُورِينَ فَيَفْهَمُ السَّامِعُ مِنْ جَاءَ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو نِسْبَةَ الْمَجِيءِ إلَى أَحَدِهِمَا غَيْرِ عَيْنٍ (ثُمَّ يَنْتَقِلُ) الذِّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ (إلَى كَوْنِ سَبَبِ الْإِبْهَامِ أَحَدَهُمَا) أَيْ الشَّكِّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُتَكَلِّمُ عَالِمًا وَقْتَ الْحُكْمِ بِمَجِيءِ أَحَدِهِمَا عَيْنًا أَوْ التَّشْكِيكِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ عَيْنًا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُلَبِّسَ عَلَى السَّامِعِ (فَهُوَ) أَيْ الشَّكُّ أَوْ التَّشْكِيكُ النَّاشِئُ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ إنَّمَا هُوَ مَدْلُولٌ (الْتِزَامِيٌّ عَادِيٌّ) لِلْكَلَامِ (لَا عَقْلِيٌّ) قَالَ الْمُصَنَّفُ: إذْ لَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهُمَا بِأَنْ يَسْتَفِيدَ السَّامِعُ نِسْبَةَ الْمَجِيءِ إلَى أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِلَ ذِهْنُهُ إلَى سَبَبِ الْإِبْهَامِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (لِإِمْكَانِ عَدَمِ إخْطَارِهِ) فَالْمُصَنِّفُ مُسَاعِدٌ عَلَى أَنَّهَا فِي الْخَبَرِ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ وَلَا لِلتَّشْكِيكِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ (وَعَنْهُ) أَيْ كَوْنِ الشَّكِّ أَوْ التَّشْكِيكِ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا عَادِيًّا لِأَوْ (تَجُوزُ بِأَنَّهَا لِلشَّكِّ) بِعِلَاقَةِ التَّلَازُمِ الْعَادِيِّ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ (وَقَدْ يُعْلَمُ بِخَارِجِ التَّعْيِينِ) لِمُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (فَيَكُونُ لِلْإِنْصَافِ) أَيْ إظْهَارِ النَّصَفَةِ حَتَّى إنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ مُوَالٍ أَوْ مُخَالِفٍ يَقُولُ لِمَنْ خُوطِبَ بِهِ: قَدْ أَنْصَفَك الْمُتَكَلِّمُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ} [سبأ: 24] الْآيَةُ) أَيْ {لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] أَيْ وَإِنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ الْمُتَوَحِّدَ بِالرِّزْقِ وَالْقُدْرَةِ الذَّاتِيَّةِ بِالْعِبَادَةِ وَالْمُشْرِكِينَ بِهِ الْجَمَادِ النَّازِلِ فِي أَدْنَى الْمَرَاتِبِ الْإِمْكَانِيَّة لَعَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْهُدَى وَالضَّلَالِ الْمُبِينِ وَهُوَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْرِيرِ الْبَلِيغِ الدَّالِّ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَى الْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي الضَّلَالِ أَبْلَغُ مِنْ التَّصْرِيحِ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الْإِنْصَافِ الْمُسْكِتِ لِلْخَصْمِ الْمُشَاغِبِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَ مُفْرَدٍ قَوْلُهُ (وَقَبْلَ جُمْلَةٍ) يَعْنِي وَأَوْ قِيلَ جُمْلَةٌ (لِأَنَّ الثَّابِتَ) أَيْ لِإِفَادَةِ أَنَّ الثَّابِتَ (أَحَدُ الْمَضْمُونَيْنِ وَكَذَا تَجُوزُ) أَيْ كَمَا تَجُوزُ بِأَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ أَوْ لِلتَّشْكِيكِ وَهُوَ تَسَاهُلٌ كَذَلِكَ تَجُوزُ (بِأَنَّهَا لِلتَّخْيِيرِ أَوْ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ الْأَمْرِ) وَفِيهِ تَسَاهُلٌ أَيْضًا (وَإِنَّمَا هِيَ لِإِيصَالِ مَعْنَى الْمَحْكُومِ بِهِ إلَى أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ) الْمَحْكُومُ بِهِ (أَمْرًا لَزِمَ أَحَدَهُمَا وَيَتَعَيَّنُ) كُلٌّ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالتَّخْيِيرِ (بِالْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ) الْأَصْلُ (الْمَنْعَ فَتَخْيِيرٌ فَلَا يَجْمَعُ) الْمُخَاطَبُ بَيْنَهُمَا (كَبِعْ عَبْدِي ذَا أَوْ ذَا) فَيَبِيعُ أَحَدَهُمَا لَا كِلَيْهِمَا (أَوْ) كَانَ الْأَصْلُ (الْإِبَاحَةَ فَإِلْزَامُ أَحَدِهِمَا وَجَازَ الْآخَرُ بِالْأَصْلِ وَفِي) قَوْلِهِ لِعَبِيدِهِ الثَّلَاثَةِ (هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا) بِأَوْ (وَذَا) بِالْوَاوِ (قِيلَ: لَا عِتْقَ إلَّا بِالْبَيَانِ لِهَذَا أَوْ هَذَانِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بِالْوَاوِ بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ وَالْفَرَّاءِ ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ فِي جَامِعِهِ (وَقِيلَ: يَعْتِقُ الْأَخِيرُ) فِي الْحَالِ وَيَتَخَيَّرُ فِي الْأَوَّلَيْنِ يُعَيِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ (لِأَنَّهُ كَأَحَدِهِمَا وَهَذَا) لِأَنَّ سَوْقَ الْكَلَامِ لِإِيجَابِ الْعِتْقِ فِي أَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ وَتَشْرِيكِ الثَّالِثِ فِيمَا سَبَقَ لَهُ الْكَلَامُ

فَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ صَدْرِ الْكَلَامِ لَا أَحَدُ الْمَذْكُورِينَ بِعَيْنِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ (وَرَجَّحَ) وَالْمُرَجِّحُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (بِاسْتِدْعَاءِ الْأَوَّلِ تَقْدِيرَ حُرَّانِ) لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ حُرٌّ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلِاثْنَيْنِ (وَهُوَ) أَيْ وَتَقْدِيرُ حُرَّانِ (بِدَلَالَةِ) الْخَبَرِ (الْأَوَّلِ وَهُوَ) أَيْ الْأَوَّلُ (مُفْرَدٌ) وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ أَوْ لِإِثْبَاتِ خَبَرٍ آخَرَ مِثْلِهِ لَا لِإِثْبَاتِ خَبَرٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لَهُ لَفْظًا (وَيُجَابُ) وَالْمُجِيبُ التَّفْتَازَانِيُّ (بِأَنَّهَا) أَيْ دَلَالَةَ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُقَدَّرِ (تَقْتَضِي اتِّحَادَ الْمَادَّةِ لَا الصِّيغَةِ) بِدَلِيلِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي عَتَاقِ الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدَ فَقَالَ: أَنْتُمْ أَحْرَارٌ أَوْ هَذَا وَهَذَانِ مُدَبَّرَانِ فَقَوْلُهُ أَوْ هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتُمْ وَخَبَرُهُ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لَهُ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفٌ (وَلَوْ سَلَّمَ) أَوْلَوِيَّةَ اتِّحَادِ الدَّالِّ وَالْمَدْلُولِ فِي الصِّيغَةِ أَيْضًا (فَإِنَّمَا يَلْزَمُ) مَا ذَكَرَهُ (لَوْ ثَنَّى مَا بَعْدَ أَوْ) هُنَا لَكِنَّهُ لَمْ يُثَنِّ (فَالْمُقَدَّرُ مُفْرَدٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ هَذَا وَذَا إذْ التَّقْدِيرُ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا حُرٌّ وَذَا حُرٌّ وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ كَثْرَةُ الْحَذْفِ لِأَنَّا نَقُولُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ التَّقْدِيرُ فِيمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُرَجِّحِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا حُرٌّ وَهَذَا حُرٌّ تَكْمِيلًا لِلْجُمَلِ النَّاقِصَةِ بِتَقْدِيرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الْقَائِمَةَ بِكُلِّ تَغَايُرٍ حُرِّيَّةُ الْآخَرِ وَلَوْ سَلَّمَ فَمُعَارَضٌ بِالْقُرْبِ وَكَوْنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَذْكُورًا صَحِيحًا لَكِنْ قَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْطُوفَ بِأَوْ فِي هَذَا الْوَجْهِ هُوَ مَجْمُوعُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ بَعْدَ عَطْفِ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي بِالْوَاوِ وَلِهَذَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا بِمَا يُحْكَمُ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْوَاوِ فِي قَوْله تَعَالَى {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا الْوَاوُ الْوُسْطَى فَمَعْنَاهَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ الْجَامِعُ بَيْنَ مَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَمَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُتَعَدِّدَ فِي حُكْمِ الْوَاحِدِ بِوَاسِطَةِ الْوَاوِ فَيَجِبُ أَنْ يُلَاحَظَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ جِهَةُ الْوِحْدَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ دُونَ التَّعَدُّدِ الصُّورِيِّ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ هَذَا وَهَذَا فِي مَعْنَى هَذَانِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَانِ يَقْتَضِي خَبَرًا يُطَابِقُهُ فِي التَّثْنِيَةِ وَهُوَ حُرَّانِ لَا حُرٌّ وَحُرٌّ (وَبِأَنَّ أَوْ مُغَيِّرَةٌ) أَيْ وَرَجَحَ الْأَوَّلُ أَيْضًا بِأَنَّ أَوْ هَذَا مُغَيِّرٌ لِمَعْنَى هَذَا حُرٌّ (فَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ لَا الْوَاوُ) أَيْ لَا أَنَّهَا مُغَيِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا (لِلتَّشْرِيكِ) فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْأَوَّلِ (فَلَا يَتَوَقَّفُ) الْأَوَّلُ عَلَى قَوْلِهِ وَهَذَا حُرٌّ (فَلَيْسَ) الثَّالِثُ (فِي حَيِّزٍ أَوْ فَيَنْزِلُ) وَيَثْبُتُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الثَّالِثِ فَيَصِيرُ مَعْنَاهُ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَهَذَا حُرٌّ (وَيُمْنَعُ) هَذَا التَّرْجِيحُ (بِأَنَّهُ) أَيْ قَوْلَهُ وَهَذَا (عَطْفٌ عَلَى مَا بَعْدَ أَوْ فَشُرِّكَ فِي حُكْمِهِ) أَيْ مَا بَعْدَ أَوْ يَعْنِي فِي (ثُبُوتِ مَضْمُونِ الْخَبَرِ) الَّذِي هُوَ حُرٌّ (لِلْأَحَدِ مِنْهُ) أَيْ مَا بَعْدَ أَوْ (وَمِمَّا قَبْلَهُ فَتَوَقَّفَ) مَا قَبْلَهُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا بَعْدَهُ لِكَوْنِهِ مُغَيِّرًا لَهُ لِأَنَّهُ لَوْلَا هَذَا التَّشْرِيكُ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الثَّانِيَ وَحْدَهُ وَبَعْدَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ أَوْ الْأَخِيرِينَ مَعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يَعْتِقْ) أَحَدُهُمْ (إلَّا بِاخْتِيَارِهِمَا) فَيَعْتِقَانِ (أَوْ الْأَوَّلُ) فَيَعْتِقُ وَحْدَهُ (وَصَارَ كَحَلِفِهِ لَا يُكَلِّمُ ذَا أَوْ ذَا وَذَا لَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِ الْأَخِيرِينَ) وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِتَكْلِيمِهِمَا أَوْ تَكْلِيمِ الْأَوَّلِ قُلْت وَأَفَادَ فِي الدِّرَايَةِ أَنَّ ابْنَ سِمَاعَةَ رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ كَوْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَالْيَمِينِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عِتْقُ الْآخَرِ وَطَلَاقُ الْأَخِيرَةِ وَالْخِيَارُ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَالْفَرْقُ عَلَيْهَا بَيْنَ الْيَمِينِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَتَنَاوَلُ أَحَدُهُمَا نَكِرَةً إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمَوْضُوعِ مَوْضِعَ الْإِثْبَاتِ فَالنَّكِرَةُ فِيهِ تَخْتَصُّ بِتَنَاوُلِ إحْدَاهُمَا فَإِذَا عُطِفَ الثَّالِثُ عَلَى إحْدَاهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا كَانَ الْحُكْمُ مَا قُلْنَا وَفِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ الْمَوْضُوعِ مَوْضِعَ النَّفْيِ فَتَعُمُّ فِيهِ النَّكِرَةُ وَتَكُونُ كَلِمَةُ أَوْ بِمَعْنَى لَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] أَيْ وَلَا كَفُورًا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا فَلَمَّا عَطَفَ الثَّالِثَ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا هَذَيْنِ وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا كَانَ الْحُكْمُ هَكَذَا فَكَذَا هُنَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانَ وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَاتَانِ طَالِقٌ

وَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ طَالِقٌ وَهَذِهِ لِيَصِحَّ وَلَوْ قَالَ هَكَذَا تَطْلُقُ الثَّالِثَةُ وَخُيِّرَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَكَذَا هَذَا وَثَمَّ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا هَذَا وَلَا أُكَلِّمُ هَذَيْنِ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ اهـ إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُ شَارِحِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لَوْ قَالَ: أَعْتَقْت هَذَا أَوْ هَذَا وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ أَحَدُ الْأَوَّلَيْنِ وَالثَّالِثُ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ لِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا أُكَلِّمُ هَذَيْنِ وَهَذَا أَوْ لَا أُكَلِّمُ هَذَا أَوْ هَذَيْنِ وَالثَّانِي أَوْلَى لِلِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ مَتَى حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ هَذَا أَوْ هَذَيْنِ فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ أَحَدِ هَذَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى تَكَلَّمَ مَعَ أَحَدِ هَذَيْنِ وَهَذَا فَقَدْ تَكَلَّمَ مَعَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَوْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَوَجَدَ التَّكَلُّمَ مَعَ الْأَوَّلِ أَوْ مَعَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَكَانَ حَسَنًا وَالِاحْتِيَاطُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ فِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ ثُمَّ لَمَّا تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مَنْعَ التَّكْلِيفِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ وَالْمَجْهُولُ لَا يُكَلَّفُ بِهِ حَتَّى ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْجَمِيعُ وَيَسْقُطُ بِوَاحِدٍ وَكَانَ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ الْكَلَامِ فِي التَّخْيِيرِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى رَدِّهِ فَقَالَ: (وَمُنِعَ صِحَّةِ التَّكْلِيفِ مَعَ التَّخْيِيرِ فَحُكِمَ بِوُجُوبِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ) الَّتِي هِيَ الْإِطْعَامُ وَالْكُسْوَةُ وَالتَّحْرِيرُ (وَيَسْقُطُ) وُجُوبُهَا (بِالْبَعْضِ) مُنِعَ (بِلَا مُوجِبٍ لِأَنَّ صِحَّتَهُ) أَيْ التَّكْلِيفِ (بِإِمْكَانِ الِامْتِثَالِ وَهُوَ) أَيْ إمْكَانُهُ (ثَابِتٌ مَعَ التَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ) أَيْ الِامْتِثَالَ (بِفِعْلِ إحْدَاهَا) أَيْ الْخِصَالِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذِهِ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْإِنْشَاءُ كَالْأَمْرِ) فَيَكُونُ أَوْ فِيهِ لِلتَّخْيِيرِ أَوْ الْإِبَاحَةِ (فَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ أَوْ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ الْإِنْشَاءِ (وَعَدَمِ الْحَاجَةِ) إلَى أَوْ أَوْ إلَى تَحَمُّلِ الْجَهَالَةِ (أَبْطَلَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّسْمِيَةَ وَحُكْمَ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي التَّزَوُّجِ عَلَى كَذَا أَوْ كَذَا لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ لَا حَاجَةَ إلَى تَحَمُّلِهَا إذَا كَانَ لَهُ) أَيْ لِلنِّكَاحِ (مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ) مَعْلُومٌ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ (وَصَحَّحَاهُ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ التَّخْيِيرُ مِنْ الْمُسَمَّى (إنْ أَفَادَ التَّخْيِيرَ) بِأَنْ وَقَعَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَوْعُ يُسْرٍ وَذَلِكَ (بِاخْتِلَافِ الْمَالَيْنِ حُلُولًا وَأَجَلًا) كَعَلَيَّ أَلْفٌ حَالَّةٌ أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى وَقْتِ كَذَا لِتَرَدُّدِ الْيُسْرِ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْحُلُولِ فِي أَحَدِهِمَا وَالزِّيَادَةِ فِي الْآخَرِ (أَوْ جِنْسًا) كَعَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ مِائَةُ دِينَارٍ لِتَرَدُّدِ الْيُسْرِ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ حِينَئِذٍ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ فِي الْفَصْلَيْنِ فِي أَدَاءِ أَيِّهِمَا شَاءَ عَمَلًا بِكَلِمَةِ التَّخْيِيرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَإِلَّا) إنْ لَمْ يُفِدْ التَّخْيِيرَ بِأَنْ وَقَعَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَيْسَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَوْعُ يُسْرٍ بَلْ الْيُسْرُ مُتَعَيِّنٌ فِي أَحَدِهِمَا كَعَلَيَّ أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ (تَعَيَّنَ الْأَقَلُّ) لِتَعَيُّنِ الرِّفْقِ فِيهِ وَمَعْلُومٌ بِالْبَدِيهَةِ أَنَّهُ يَخْتَارُهُ وَكَيْفَ لَا وَقَدْ أُحْضِرَتْ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ هَذَا وَذِكْرُ الْمَالِ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ مِنْ تَمَامِهِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ مَالٍ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَيَجِبُ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ (كَالْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ) بِأَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ أَوْ خَالَعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ (وَلُزُومُ الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ) الْمَعْلُومِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي النِّكَاحِ إنَّمَا هُوَ (عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَةٍ مُمْكِنَةٍ) وَهِيَ هُنَا مُتَحَقِّقَةٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ وَهَذَا تَرْجِيحٌ ظَاهِرٌ لِقَوْلِهِمَا فَلَا يَضُرُّهُمَا الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ وَمَا مَعَهَا بِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ الْأَقَلُّ فِيهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ مَعْلُومٌ يُعَارِضُ الْمُسَمَّى كَمَا فِي هَذِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِهَا بِلَا عِوَضٍ وَعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْمُسَمَّى بِالضَّرُورَةِ (تَنْبِيهٌ) ثُمَّ مَعْنَى تَحْكِيمِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَهْرَ الْمِثْلِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْأَلْفَ الْحَالَّةَ أَوْ الْأَلْفَيْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ أَحَدَ وَجْهَيْ الْحَظِّ إمَّا الْقَدْرُ وَإِمَّا الْأَجَلُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَيُّهُمَا شَاءَ أَعْطَاهَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي بَاقِي الصُّوَرِ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الْأَقَلِّ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ يَجِبُ الْأَقَلُّ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْأَكْثَرِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ يَجِبُ الْأَكْثَرُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ (وَفِي وَكَّلْت هَذَا أَوْ هَذَا) مُشِيرًا إلَى رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ شِرَائِهِ (صَحَّ) التَّوْكِيلُ لِأَحَدِهِمَا بِذَلِكَ (لِإِمْكَانِ الِامْتِثَالِ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا) وَلَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى ذَلِكَ (وَلَا يَمْتَنِعُ

اجْتِمَاعُهُمَا) عَلَيْهِ أَيْضًا (فَهُوَ تَسْوِيَةُ مُلْحَقٍ بِالْإِبَاحَةِ بِخَارِجٍ لِلْعِلْمِ) بِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ (بِرَأْيِهِمَا أَرْضَى بِخِلَافِ بِعْ ذَا أَوْ ذَا) مُشِيرًا إلَى عَبْدَيْنِ مَثَلًا (يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ (لِانْتِفَائِهِ) أَيْ الرِّضَا بِبَيْعِهِمَا جَمِيعًا (وَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ فِي هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ لِإِيجَابِهِ) الطَّلَاقَ (فِي الْمُبْهَمِ وَلَا يَتَحَقَّقُ) الطَّلَاقُ (فِيهِ) أَيْ الْمُبْهَمِ (لَكِنَّهُ) أَيْ هَذِهِ طَالِقٌ وَكَذَا هَذِهِ حُرَّةٌ (شَرْعًا إنْشَاءٌ عِنْدَ عَدَمِ احْتِمَالِ الْإِخْبَارِ بِعَدَمِ قِيَامِ طَلَاقِ إحْدَاهُمَا وَعَدَمِ حُرِّيَّتِهَا) أَيْ إحْدَاهُمَا (فِي هَذِهِ حُرَّةٌ أَوْ هَذِهِ مُوجِبٌ لِلتَّعْيِينِ) وَهُوَ بِالرَّفْعِ صِفَةُ إنْشَاءٍ حَالَ كَوْنِ التَّعْيِينِ (إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ بِهِ) أَيْ التَّعْيِينِ (الْوُقُوعَ فَلَزِمَ قِيَامُ أَهْلِيَّتِهِ وَمَحَلِّيَّتهمَا عِنْدَهُ) أَيْ التَّعْيِينِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْمُنْشِئِ وَمَحَلِّيَّةُ الْمَنْشَأِ (فَلَا يُعَيَّنُ) الْمُطَلِّقُ وَكَذَا الْمُعْتِقُ (الْمَيِّتُ) لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ فِيهِ (وَاعْتِبَارِهِ) أَيْ وَلَزِمَ اعْتِبَارُ الْإِنْشَاءِ (فِي التُّهْمَةِ فَلَمْ يَصِحَّ تَزَوُّجُ أُخْتِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ الْمَدْخُولَتَيْنِ) وَحَالَ كَوْنِ التَّعْيِينِ (إخْبَارًا مِنْ وَجْهٍ) لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ إخْبَارٍ (فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ) أَيْ الْبَيَانِ إذْ لَا جَبَرَ فِي الْإِنْشَاءَاتِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ صَحَّ وَأُجْبِرَ عَلَى بَيَانِهِ (وَاعْتُبِرَ) الْإِخْبَارُ (فِي غَيْرِهِمَا) أَيْ الْمَدْخُولَتَيْنِ (فَصَحَّ ذَلِكَ) أَيْ تَزَوُّجُ أُخْتِ الْمُعَيَّنَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَحَاصِلُ الصُّورَتَيْنِ إذَا طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهِمَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ بَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي أُخْتِ الْمُتَزَوِّجَةِ جَازَ النِّكَاحُ اعْتِبَارًا لَهُ إظْهَارًا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ إذْ يُمْكِنُ إنْشَاءُ الطَّلَاقِ فِي الَّتِي عَيَّنَهَا وَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأُخْتِ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِلتُّهْمَةِ الْمُحَقَّقَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَزَوُّجَهَا فِي الْحَالِ بِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ لِمَكَانِ الْعِدَّةِ إذْ لَا تَتَزَوَّجُ الْأُخْتُ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ فَإِنْ قِيلَ: يَشْكُلُ عَلَى كَوْنِ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فِي الْإِنْشَاءِ آيَةُ الْمُحَارَبَةِ فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَوْ فِي الْإِنْشَاءِ مَعَ أَنَّكُمْ لَمْ تُوجِبُوا التَّخْيِيرَ فِيمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ قُلْنَا إنَّمَا يَشْكُلُ لَوْ لَمْ يَكُنْ صَارِفٌ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ نَقُولُ (وَتَرَكَ مُقْتَضَاهَا) أَيْ أَوْ وَهُوَ التَّخْيِيرُ (لِلصَّارِفِ) عَنْ الْعَمَلِ بِهِ (لَوْ لَمْ يَكُنْ أَثَرٌ) مُفِيدٌ لِمُخَالِفَتِهِ أَيْضًا (وَهُوَ) أَيْ الصَّارِفُ (أَنَّهَا) أَيْ آيَةَ الْمُحَارَبَةِ (أَجْزِيَةٌ بِمُقَابِلَةِ جِنَايَاتٍ لِتَصَوُّرِ الْمُحَارَبَةِ بِصُوَرِ أَخْذٍ) لِلْمَالِ الْمَعْصُومِ فَقَطْ (أَوْ قَتْلٍ) لِلنَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ فَقَطْ (أَوْ كِلَيْهِمَا) أَيْ أَخْذٍ وَقَتْلٍ (أَوْ إخَافَةٍ) لِلطَّرِيقِ فَقَطْ (فَذَكَرَهَا) أَيْ الْأَجْزِيَةَ (مُتَضَمِّنٌ ذِكْرَهَا) أَيْ الْجِنَايَاتِ ضَرُورَةً أَنَّهَا أَجْزِيَتُهَا (وَمُقَابَلَةُ مُتَعَدِّدٍ بِمُتَعَدِّدٍ ظَاهِرٌ فِي التَّوْزِيعِ وَأَيْضًا مُقَابَلَةُ أَخَفِّ الْجِنَايَاتِ بِالْأَغْلَظِ وَقَلْبِهِ) أَيْ مُقَابَلَةُ أَغْلَظِ الْجِنَايَاتِ بِالْأَخَفِّ (يَنْبُو عَنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ) وَكَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] فَوَجَبَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَقَطْعُ الْيَدِ) الْيُمْنَى (وَالرِّجْلِ) الْيُسْرَى (بِالْأَخْذِ) لِلْمَالِ الْمَعْصُومِ إذَا أَصَابَ كُلًّا مِنْهُمْ نِصَابًا وَمَالِكٌ شَرَطَ كَوْنَ الْمَأْخُوذِ نِصَابًا فَصَاعِدًا أَصَابَ كُلًّا نِصَابٌ أَوْ لَا وَإِنَّمَا قُطِعَتَا مَعًا فِي الْأَخْذِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ السَّرِقَةِ لِأَنَّ هَذَا الْأَخْذَ أَغْلَظُ مِنْ أَخْذِ السَّرِقَةِ حَيْثُ كَانَ مُجَاهَرَةً وَمُكَابَرَةً مَعَ إشْهَارِ السِّلَاحِ فَجُعِلَتْ الْمَرَّةُ مِنْهُ كَالْمَرَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ تَعَدُّدِ النِّصَابِ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ الْغِلَظَ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ لَا مِنْ جِهَةِ مُتَعَلَّقِهِ الَّذِي هُوَ الْمَالُ (وَالصَّلْبِ) حَيًّا ثُمَّ يُبَعَّجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ حَتَّى يَمُوتَ كَمَا عَنْ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ أَوْ بَعْدَ الْقَتْلِ كَمَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَيًّا مَا كَانَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ مِنْ خِلَافٍ أَوَّلًا أَوْ الْقَتْلِ بِلَا صَلْبٍ وَلَا قَطْعٍ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ (بِالْجَمْعِ) بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْأَخْذِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي فِعْلِهِ تَعَدُّدُ الْجِنَايَةِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَاتِّحَادُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَجْمُوعَ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَبِالنَّظَرِ إلَى تَعَدُّدِهَا يَسْتَحِقُّ جَزَاءَيْنِ مُنَاسِبَيْنِ لِلْجِنَايَتَيْنِ وَهُمَا الْقَطْعُ الْمُنَاسِبُ لِلْأَخْذِ وَالْقَتْلِ الْمُنَاسِبِ لِلْقَتْلِ وَإِلَى اتِّحَادِهَا يَسْتَحِقُّ جَزَاءً وَاحِدًا فَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ الصَّلْبِ (وَالنَّفْيِ) مِنْ الْأَرْضِ أَيْ الْحَبْسِ (بِالْإِخَافَةِ فَقَطْ فَأَثَرُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَادَعَ إلَى آخِرِهِ أَيْ أَبَا بُرْدَةَ هِلَالَ بْنَ عُوَيْمِرٍ الْأَسْلَمِيّ فَجَاءَ أُنَاسٌ يُرِيدُونَ الْإِسْلَامَ فَقَطَعَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ أَبِي بُرْدَةَ

مسألة تستعار أو للغاية

الطَّرِيقَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَدِّ أَنَّ مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ صُلِبَ وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ قُتِلَ وَمَنْ أَخَذَ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ وَمَنْ جَاءَ مُسْلِمًا هَدَمَ الْإِسْلَامُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الشِّرْكِ» وَفِي رِوَايَةِ عَطِيَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَمَنْ أَخَافَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ نُفِيَ» (عَلَى وَفْقِهِ) أَيْ الصَّارِفِ (زِيَادَةً لَا يَضُرُّهَا التَّضْعِيفُ) بِمُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ لِاتِّهَامِهِ بِالْكَذِبِ (فَكَيْفَ وَلَا يَنْفِي) التَّضْعِيفُ (الصِّحَّةَ فِي الْوَاقِعِ) لِجَوَازِ إجَادَةِ الضَّعِيفِ فِي خُصُوصٍ مَرْوِيٍّ (فَمُوَافَقَةُ الْأُصُولِ) أَيْ الْأَثَرِ لَهَا (ظَاهِرٌ فِي صِحَّتِهَا) أَيْ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ بِقَوْلِهِ آنِفًا لَوْ لَمْ يَكُنْ أَثَرٌ (وَإِذْ قُبِلَتْ) أَوْ (مَعْنَى التَّعْيِينِ كَالْآيَةِ) أَيْ آيَةِ الْمُحَارَبَةِ (وَصُورَةُ الْإِنْصَافِ) كَ {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] (وَجَبَ) الْمُعَيَّنُ الَّذِي هُوَ الْمَجَازِيُّ (فِي تَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ) الَّذِي هُوَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُعَيَّنًا لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ الْكَلَامِ وَإِبْطَالِهِ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي عَبْدَيْنِ لَهُ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى التَّعْيِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَهُ فِي عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عِتْقُ عَبْدِهِ لِأَنَّ عَبْدَ الْغَيْرِ مَحَلٌّ لِإِيجَابِ الْعِتْقِ أَيْضًا لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ (فَعَنْهُ) أَيْ وُجُوبِ الْمَجَازِيِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ (قَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ: (فِي هَذَا حُرٌّ أَوْ ذَا لِعَبْدِهِ وَدَابَّتِهِ يَعْتِقُ) عَبْدُهُ (وَأَلْغَيَاهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ حُكْمِ الْحَقِيقَةِ) وَهُوَ عِتْقُ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْإِيجَابِ ضَرُورَةً أَنَّ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الدَّابَّةُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ شَرْعًا وَبِدُونِ صَلَاحِيَّةِ الْمَحَلِّ لَا يَصِحُّ الْإِيجَابُ كَذَا فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ عِنْدَهُمَا بِالنِّيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ اللَّغْوَ لَا حُكْمَ لَهُ أَصْلًا وَفِي مَبْسُوطِهِ يَعْتِقُ ثُمَّ هَذَا مِنْهُمَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ خُلْفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ (كَمَا هُوَ أَصْلُهُمَا) فَلَمَّا لَمْ يَنْعَقِدْ هُنَا الْإِيجَابُ لِلْحُكْمِ فِي الْمُبْهَمِ بَطَلَ فِي الْمُعَيَّنِ كَمَا عِنْدَهُمَا فِي هَذَا ابْنِي لِلْأَكْبَرِ مِنْهُ سِنًّا (لَكِنْ) يَرِدُ (عَلَيْهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ التَّجَوُّزَ فِي الضِّدِّ) شَرْعًا (وَالْمُعَيَّنُ ضِدُّ الْمُبْهَمِ بِخِلَافِ ابْنِي لِلْأَكْبَرِ لَا يُضَادُّ حَقِيقِيُّهُ مَجَازِيَّهُ وَهُوَ الْعِتْقُ فَالْوَجْهُ أَنَّهَا) أَيْ أَوْ (دَائِمًا لِلْأَحَدِ وَفَهْمُ التَّعْيِينِ أَحْيَانَا بِخَارِجٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ) فَالتَّعْيِينُ فِي {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى} [سبأ: 24] الْآيَةُ مِنْ عِلْمٍ الْمُرَادُ مِنْ خَارِجِ لَا أَنَّ أَوْ اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ وَالتَّعْيِينُ فِي قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ وَدَابَّتِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ ذَا بِخَارِجٍ وَهُوَ لُزُومُ صَوْنِ عِبَارَةِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ إذْ عُرِفَ أَنَّ أَوْ تَقَعُ فِي مَوْقِعٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمُرَادُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا وَقَالَ بَعْضُ شَارِحِي أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُفْصَلَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ وَمَا يُشَاكِلُهَا تَفْصِيلٌ مَلِيحٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَوْ قَدَّمَ الْإِشَارَةَ إلَى الْعَبْدِ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَيَلْغُو الْعَطْفُ وَإِنْ قَدَّمَ الْإِشَارَةَ إلَى الدَّابَّةِ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ لِأَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْعِتْقِ أَصْلًا فَيَلْغُو الْكَلَامُ الْأَوَّلُ فَيَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَإِذَا صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَقَوْلُهُ أَوْ هَذَا لَمْ يُفِدْ شَيْئًا كَمَا لَوْ اسْتَأْنَفَهُ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. [مَسْأَلَةٌ تُسْتَعَارُ أَوْ لِلْغَايَةِ] (مَسْأَلَةٌ تُسْتَعَارُ) أَوْ (لِلْغَايَةِ) أَيْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا وَهِيَ مَا يَنْتَهِي أَوْ يَمْتَدُّ إلَيْهِ الشَّيْءُ (قَبْلَ مُضَارِعٍ مَنْصُوبٍ وَلَيْسَ قَبْلَهَا) أَيْ أَوْ (مِثْلُهُ) أَيْ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بَلْ فِعْلٌ مُمْتَدٌّ يَكُونُ كَالْعَامِّ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَيَقْصِدُ انْقِطَاعَهُ بِالْفِعْلِ الْوَاقِعِ بَعْدَ أَوْ (كَلَأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تُعْطِينِي) حَقِّي إذْ الْمُرَادُ أَنَّ ثُبُوتَ الْإِلْزَامِ مُمْتَدٌّ إلَى غَايَةٍ هِيَ وَقْتُ إعْطَاءِ الْحَقِّ كَمَا لَوْ قَالَ: حَتَّى تُعْطِيَنِي حَقِّي وَمِنْ ثَمَّةَ ذَهَبَ النُّحَاةُ إلَى أَنَّ أَوْ هَذِهِ بِمَعْنَى إلَى أَنْ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ مُمْتَدٌّ إلَى وُقُوعِ الثَّانِي أَوْ إلَّا أَنَّ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ مُمْتَدٌّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إلَّا وَقْتَ وُقُوعِ الْفِعْلِ الثَّانِي فَعِنْدَهُ يَنْقَطِعُ وَمِنْ هَذَا تَظْهَرُ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ أَوْ وَالْغَايَةِ فَإِنَّ أَوْ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَتَعْيِينِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارِ الْخِيَارِ قَاطِعٌ لِاحْتِمَالِ الْآخَرِ كَمَا أَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْغَايَةِ قَاطِعٌ لِلْفِعْلِ (وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَوْ لِلْغَايَةِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: 128] كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ تَبَعًا لِلْفَرَّاءِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ أَوْ هُنَا بِمَعْنَى حَتَّى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى شَيْءٍ أَوْ عَلَى لَيْسَ وَالْأَوَّلُ عَطَفَ الْفِعْلَ عَلَى الِاسْمِ وَالثَّانِي عَطَفَ الْمُضَارِعَ عَلَى الْمَاضِي وَهُوَ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِاخْتِلَافِهِمَا حَدًّا وَحُكْمًا فَسَقَطَتْ حَقِيقَتُهُ وَاسْتُعِيرَ لِمَا يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ الْغَايَةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَيْ لَيْسَ

مسألة مسألة حتى جارة وعاطفة

لَك مِنْ الْأَمْرِ فِي عَذَابِهِمْ أَوْ اسْتِصْلَاحِهِمْ شَيْءٌ حَتَّى تَقَعَ تَوْبَتُهُمْ أَوْ تَعْذِيبُهُمْ (بَلْ عَطَفَ عَلَى يَكْبِتَهُمْ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ وَالنَّسَفِيُّ أَوْ يَقْطَعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْبَقَاءِ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ: أَوْ يَتُوبَ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ عَطْفٌ عَلَى لِيَقْطَعَ أَوْ لِيَكْبِتَ ثُمَّ قَالَ: وَوَجْهُ سَبَبِيَّةِ النَّصْرِ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ اللَّامِ بِقَوْلِهِ {وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126] ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِهَا بِقَوْلِهِ {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} [آل عمران: 123] فَلِأَنَّ النَّصْرَ الْوَاقِعَ بِبَدْرٍ كَانَ مِنْ أَظْهَرِ الْآيَاتِ وَأَبْهَرِ الْبَيِّنَاتِ فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِلتَّوْبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِسْلَامِ أَوْ لِتَعْذِيبِهِمْ عَلَى تَقْدِيرِ الْبَقَاءِ عَلَى الْكُفْرِ لِجُحُودِهِمْ بِالْآيَاتِ وَإِنْ أُرِيدَ التَّعْذِيبُ فِي الدُّنْيَا بِالْأَسْرِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ فَإِنْ قِيلَ: هُوَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِتَوْبَتِهِمْ وَالْكَلَامُ فِي التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ قُلْنَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلتَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ سَبَبًا لَهَا بِالْوَاسِطَةِ وَاسْتَشْكَلَ الْفَاضِلُ عَلَاءُ الدِّينِ الْبَهْلَوَانُ سَبَبِيَّةَ النَّصْرِ لِلتَّعْذِيبِ بِأَنَّ مَوْتَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ سَبَبٌ لِتَعْذِيبِهِمْ لَا النَّصْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّصْرَ سَبَبٌ لِكَوْنِهِمْ مَقْتُولِينَ عَلَى الْكُفْرِ، وَهُوَ سَبَبٌ لِلتَّعْذِيبِ قَالُوا: وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ مَالِكُ أَمْرِهِمْ فَإِمَّا أَنْ يُهْلِكَهُمْ أَوْ يَهْزِمَهُمْ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إنْ أَسْلَمُوا أَوْ يُعَذِّبَهُمْ إنْ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ وَلَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ إنَّمَا أَنْتَ عَبْدٌ مَبْعُوثٌ لِإِنْذَارِهِمْ وَمُجَاهِدَتِهِمْ (وَلَيْسَ وَمَعْمُولَاهَا) وَهُمَا لَك شَيْءٌ مَعَ الْحَالِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ مِنْ الْأَمْرِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْبَقَاءِ (اعْتِرَاضٌ) بَيْنَ الْمَعْطُوفِ الَّذِي هُوَ التَّوْبَةُ وَالتَّعْذِيبُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْآجِلِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَالْكَبْتُ وَهُوَ شِدَّةُ الْغَيْظِ أَوْ وَهْنٌ يَقَعُ فِي الْقَلْبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَاجِلِ فَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ مَا أَحْسَنُهُ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَمْثِلَةٍ أَوْ بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ إلَى (لِمَا فِي ذَلِكَ) أَيْ جَعْلِهَا لِلْغَايَةِ (مِنْ التَّكَلُّفِ مَعَ إمْكَانِ الْعَطْفِ) إمَّا عَلَى يَقْطَعُ أَوْ يَكْبِتُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِمَّا عَلَى الْأَمْرِ أَوْ شَيْءٍ بِإِضْمَارِ أَنْ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ الْخَاصِّ أَيْ لَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ أَوْ التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ أَوْ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ شَيْءٌ أَوْ لَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ أَوْ التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ أَوْ تَعْذِيبِهِمْ كَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ ثُمَّ الْبَيْضَاوِيُّ وَلَمْ يَتَعَقَّبَاهُ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَطْفَ يَتُوبَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عَطْفِ الِاسْمِ فِي الْمَعْنَى عَلَى الِاسْمِ نَعَمْ تَعَقَّبَهُ التَّفْتَازَانِيُّ بِلَكِنَّ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَطْفِ بِكَلِمَةٍ أَوْ نَظَرٍ اهـ وَبَيَّنَهُ الْبَهْلَوَانُ بِأَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ عَزِيزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 135] وَأَنَّ كَوْنَ الضَّمِيرِ فِي يَتُوبَ اللَّهُ لَا يُسَاعِدُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ يَقُولُ: وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت هَذِهِ الْجُمْلَةَ رَأَيْت أَنَّ الْعَطْفَ لَا يَخْلُو مِنْ شَائِبَةٍ وَأَنَّ التَّكَلُّفَ فِيهِ لَا فِي كَوْنِهَا بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ إلَّا أَنَّ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى سِيبَوَيْهِ وَالْمَعْنَى لَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فَتَفْرَحُ بِحَالِهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَتَتَشَفَّى مِنْهُمْ وَأَنَّ ارْتِكَابَ مَجَازِيَّتِهِ عَنْ حَتَّى وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ إنَّ حَتَّى هِيَ النَّاصِبَةُ أَوْلَى مِنْ الْعَطْفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ مَسْأَلَةٌ حَتَّى جَارَّةٌ وَعَاطِفَةٌ] (مَسْأَلَةٌ حَتَّى جَارَّةٌ) كَإِلَى إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فُرُوقًا تُعْرَفُ فِي كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ (وَعَاطِفَةٌ) يَتْبَعُ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا فِي الْإِعْرَابِ (وَابْتِدَائِيَّةٌ) أَيْ مَا بَعْدَهَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لَا يَتَعَلَّقُ مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابُ بِمَا قَبْلَهَا لَا أَنَّهَا يَجِبُ أَنْ يَلِيَهَا الْمُبْتَدَأُ أَوْ الْخَبَرُ بَلْ هِيَ صَالِحَةٌ لَهُمَا فَتَقَعُ (بَعْدَهَا جُمْلَةٌ بِقِسْمَيْهَا) فِعْلِيَّةٌ بِقِسْمَيْهَا: مِنْ الْمُضَارِعِ وَالْمَاضِي نَحْوُ {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة: 214] بِالرَّفْعِ كَمَا هُوَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95] وَقَالُوا كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاسْمِيَّةٌ مَذْكُورٌ خَبَرُهَا نَحْوُ فَمَا زَالَتْ الْقَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا ... بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءِ دِجْلَةَ أَشْكَلَ وَمَحْذُوفٌ بِقَرِينَةِ الْكَلَامِ السَّابِقِ كَمَا سَيَأْتِي (وَصَحَّتْ) الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ (فِي أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا) فَتُجَرُّ عَلَى أَنَّهَا جَارَّةٌ وَتُنْصَبُ عَلَى أَنَّهَا عَاطِفَةٌ عَلَى السَّمَكَةِ وَتُرْفَعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ مَأْكُولٌ لِقَرِينَةِ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا ابْتِدَائِيَّةٌ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ وَغَيْرُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَإِلَّا فَالْبَصْرِيُّونَ عَلَى مَنْعِ الرَّفْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ رَفْعُ مَا بَعْدَهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لَهُ قَالُوا: وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى

رَأْسُهَا بِالرَّفْعِ وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ اتِّفَاقًا أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا أَكَلْته قِيلَ وَقَدْ رُوِيَ بِالْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ عَمَّمْتُهُمْ بِالنَّدَى حَتَّى غُوَاتِهِمْ ... فَكُنْت مَالِكَ ذِي غَيٍّ وَذِي رَشَدٍ فَإِنْ صَحَّ الرَّفْعُ فِي غُوَاتِهِمْ تَرَجَّحَ وَجْهُ جَوَازِ الرَّفْعِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا دُخُولُ الرَّأْسِ فِي الْأَكْلِ فِيهِ وَعَدَمِهِ فَسَتَعْلَمُ مَا فِيهِ عَلَى الْأَثَرِ مِنْ هَذَا (وَهِيَ) أَيْ حَتَّى (لِلْغَايَةِ) وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا مَعْنَاهَا (وَفِي دُخُولِهَا) أَيْ الْغَايَةِ فِيمَا قَبْلَهَا حَالَ كَوْنِهَا (جَارَّةً) أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا لِابْنِ السَّرَّاجِ وَأَبِي عَلِيٍّ وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ تَدْخُلُ مُطْلَقًا ثَانِيهَا لِجُمْهُورِ النَّحْوِيِّينَ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ لَا تَدْخُلُ مُطْلَقًا (ثَالِثُهَا) لِلْمُبَرِّدِ وَالْفَرَّاءِ وَالسِّيرَافِيِّ وَالرُّمَّانِيِّ وَعَبْدِ الْقَاهِرِ (إنْ كَانَ) مَا جُعِلَ غَايَةً (جُزْءًا) مِمَّا قَبْلَهُ (دَخَلَ) وَإِلَّا لَمْ يَدْخُلْ (رَابِعُهَا لَا دَلَالَةَ) عَلَى الدُّخُولِ وَلَا عَلَى عَدَمِهِ (إلَّا لِلْقَرِينَةِ) وَهُوَ ظَاهِرُ مَا عَنْ ثَعْلَبٍ حَتَّى لِلْغَايَةِ وَالْغَايَةُ تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ يُقَالُ: ضَرَبْت الْقَوْمَ حَتَّى زَيْدٍ فَيَكُونُ مَرَّةً مَضْرُوبًا وَمَرَّةً غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَيَظْهَرُ مِنْ ابْنِ مَالِكٍ مُوَافَقَتُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (أَحَدُ) الْقَوْلَيْنِ (الْأَوَّلَيْنِ إلَّا أَنْ يُرَادَ) بِهَذَا (أَنَّهَا) دَالَّةٌ (عَلَى الْخُرُوجِ) لِمَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا (كَمَا) هِيَ دَالَّةٌ (عَلَى الدُّخُولِ) لِمَا بَعْدَهَا (فِيمَا قَبْلَهَا وَفِيهِ) أَيْ وَفِي كَوْنِ هَذَا مُرَادًا مِنْهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (بَعْدَ) ظَاهِرٍ وَكَيْفَ لَا وَأَقَلُّ مَا فِيهِ أَنَّهُ قَوْلٌ بِكَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَائِلٌ ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ مَدْلُولَ حَتَّى دُخُولُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَرِينَةٍ فَيُحْكَمُ بِالدُّخُولِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَى خِلَافِهِ وَمَعْنَى الثَّانِي هُوَ أَنَّ مَدْلُولَ حَتَّى عَدَمُ دُخُولِ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا مُطْلَقًا إلَّا بِقَرِينَةٍ تُفِيدُ الدُّخُولَ فَيُحْكَمُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَى الدُّخُولِ وَأَنَّ مَعْنَى الرَّابِعِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِحَتَّى عَلَى دُخُولٍ وَلَا عَلَى عَدَمِهِ بَلْ الدَّالُّ عَلَى أَحَدِهِمَا الْقَرِينَةُ فَحَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ يُحْكَمُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ بِالْأَصْلِ لَا بِاللَّفْظِ إذَا احْتَجْنَا إلَى الْحُكْمِ وَإِلَّا لَا يُحْكَمُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا تَجْوِيزًا (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى دُخُولِهَا) أَيْ الْغَايَةِ فِيمَا قَبْلَهَا (فِي الْعَطْفِ) بِحَتَّى لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ فَتُفِيدُ الْجَمْعَ فِي الْحُكْمِ (وَفِي الِابْتِدَائِيَّةِ بِمَعْنَى وُجُودِ الْمَضْمُونَيْنِ فِي وَقْتِ وَشَرْطِ الْعَطْفِ الْبَعْضِيَّةِ) أَيْ كَوْنُ مَا بَعْدَهَا بَعْضًا مِمَّا قَبْلَهَا كَقَدِمَ الْحَاجُّ حَتَّى الْمُشَاةُ وَأَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا (أَوْ نَحْوُهُ) نَحْوُ قُتِلَ الْجُنْدُ حَتَّى دَوَابُّهُمْ وَخَرَجَ الصَّيَّادُونَ حَتَّى كِلَابُهُمْ وَأَعْجَبَتْنِي الْجَارِيَةُ حَتَّى حَدِيثُهَا وَيَمْتَنِعُ حَتَّى وَلَدُهَا وَضَبْطُ مَا هُوَ كَالْجُزْءِ مِمَّا قَبْلَهَا بِمَا يُلَازِمُهُ فَالْوَلَدُ لَا يُلَازِمُ الْجَارِيَةَ إذْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ جَارِيَةٍ وَلَدٌ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يُلَازِمُهَا وَالدَّوَابِّ فَإِنَّهَا تُلَازِمُ الْجُنْدَ وَالْكِلَابِ فَإِنَّهَا تُلَازِمُ الصَّيَّادِينَ وَخَالَفَ الْفَرَّاءُ فِي هَذَا الشَّرْطِ فَأَجَازَ إنَّ كَلْبِي لَيَصِيدُ الْأَرَانِبَ حَتَّى الظِّبَاءَ وَالظِّبَاءُ لَيْسَتْ بَعْضُ الْأَرَانِبِ وَلَا كَبَعْضِهَا قَالَ الصَّفَّارُ: وَهَذَا خَطَأٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ (فَامْتَنَعَ جَاءَ زَيْدٌ حَتَّى بَكْرٌ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ يَعِيشَ (وَفِي كَوْنِهَا) أَيْ الْعَاطِفَةِ (لِلْغَايَةِ) كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (نَظَرٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَطْفِ غَايَةٌ إذْ هِيَ لَيْسَتْ إلَّا مُنْتَهَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا وَمِنْ ثَمَّةَ ذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إلَى مَنْعِ الْعَطْفِ بِهَا وَتَأَوَّلُوا مَا ظَاهِرُهُ ذَلِكَ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَعْطُوفِ (أَعْلَى مُتَعَلِّقٍ لِلْحُكْمِ) كَمَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءِ (أَوْ أَحَطَّ) مُتَعَلِّقٍ لَهُ كَاسْتَنَّتِ الْفِصَالُ حَتَّى الْقَرْعَى مَثَلًا يُضْرَبُ لِمَنْ يَتَكَلَّمُ مَعَ مَنْ لَا يَنْبَغِي التَّكَلُّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِجَلَالَةِ قَدْرِهِ أَيْ عَدَتْ مَرَحًا حَتَّى الْفُصْلَانُ الَّتِي بِهَا قَرَعٌ وَهُوَ بَثْرٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ بِهَا وَهِيَ الطَّرَفُ الْأَدْنَى مِنْهَا وَالطَّرَفُ الْأَعْلَى الْفِصَالُ السَّلِيمَةُ النَّشِيطَةُ (لَيْسَ مَفْهُومُ الْغَايَةِ إذْ لَيْسَ) مَفْهُومُهَا (إلَّا مُنْتَهَى الْحُكْمِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ) كَوْنُ الْمَعْطُوفِ أَعْلَى أَوْ أَحَطَّ (كَوْنُهُ مُنْتَهًى وَفِي) أَكَلْت السَّمَكَةَ (حَتَّى رَأْسَهَا بِالنَّصْبِ) كَوْنُ الرَّأْسِ (مُنْتَهَى الْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ الْأَكْلُ أَمْرٌ (اتِّفَاقِيٌّ) وُقُوعُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (لَا مَدْلُولِهَا) أَيْ لَا أَنَّ حَتَّى تَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا يَطَّرِدُ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْعَطْفِ لَا غَايَةَ مَعَهُ (ظَاهِرُ الْقَائِلِ)

وَهُوَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ حَتَّى (لِلْغَايَةِ وَلِلْعَطْفِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ (الْحَقُّ) لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا (وَتَأْوِيلُهُ) أَيْ كَوْنِ مَا بَعْدَهَا غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا إذَا كَانَتْ عَاطِفَةً بِأَنْ يَنْقَضِيَ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمَعْطُوفِ (فِي اعْتِبَارِ الْمُتَكَلِّمِ) لَا بِحَسَبِ الْوُجُودِ نَفْسِهِ إذْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمَعْطُوفِ أَوَّلًا كَمَا فِي قَوْلِك مَاتَ كُلُّ أَبٍ لِي حَتَّى آدَم أَوْ فِي الْوَسَطِ كَمَا فِي مَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ (تَكَلُّفٌ يَنْفِيهِ الْوِجْدَانُ إذْ لَا يَجِدُ الْمُتَكَلِّمُ اعْتِبَارَهُ كَوْنَ الْمَوْتِ تَعَلَّقَ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَنْ انْتَهَى إلَى آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مَاتَ الْآبَاءُ حَتَّى آدَم وَكَثِيرٌ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ) أَيْ الْقَائِلِ حَتَّى لِلْعَطْفِ وَالْغَايَةِ مَا مَعْنَاهُ (وَقَدْ تَعْطِفُ تَامًّا أَيْ جُمْلَةً) وَإِلَّا فَلَفْظُهُ وَقَدْ يَعْطِفُ بِهَا تَامَّةً أَيْ جُمْلَةً مُصَرَّحٌ بِجُزْأَيْهَا (مُمَثَّلًا بِضَرَبْتُ الْقَوْمَ حَتَّى زَيْدٌ غَضْبَانُ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ) بَلْ الْمَعْرُوفُ عَطْفُهَا الْمُفْرَدَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شَرْطِ عَطْفِهَا إذْ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا فِي الْمُفْرَدِ وَلِأَنَّ الْعَاطِفَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْجَارَّةِ وَالْجَارَّةُ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى الْأَسْمَاءِ فَكَذَا الْعَاطِفَةُ ثُمَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ ابْتِدَائِيَّةٌ وَمَعْنَى الْغَايَةِ فِيهِ أَنَّهُ ضَرَبَ الْقَوْمَ إلَى أَنْ غَضَبَ زَيْدٌ وَخَالَفَ الْأَخْفَشُ فَجَعَلَهَا تَعْطِفُ الْفِعْلَ عَلَى الْفِعْلِ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا إذَا كَانَ فِيهَا مَعْنَى السَّبَبِ نَحْوُ ضَرَبْت زَيْدًا حَتَّى بَكَى أَيْ فَبَكَى وَلَأَضْرِبَنَّهُ حَتَّى يَبْكِيَ أَيْ فَيَبْكِيَ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمْهُورِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ يَرْفَعُهُ بِالْعَطْفِ عَلَى لَأَضْرِبَنَّهُ وَهُمْ لَا يُجِيزُونَ فِيهِ إلَّا النَّصْبَ (وَادِّعَاؤُهُ) أَيْ عَطْفِهَا الْجُمْلَةَ (فِي حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ) عَلَى سَرَيْت بِهِمْ مِنْ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ سَرَيْت بِهِمْ حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ ... وَحَتَّى الْجِيَادِ مَا يُقَدْنَ بِأَرْسَانِ كَمَا زَعَمَهُ ابْنُ السَّيِّدِ فِي رِوَايَةِ رَفْعِ تَكِلُّ (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ جَوَازُهُ مُطْلَقًا قِيَاسًا مُطَّرِدًا لِأَنَّهُ فَرْدٌ شَاذٌّ هَذَا (لَوْ لَزِمَ) الْعَطْفُ فِيهِ فَكَيْفَ (وَهُوَ) أَيْ اللُّزُومُ فِيهِ (مُنْتَفٍ بَلْ) حَتَّى فِيهِ (ابْتِدَائِيَّةٌ وَصَرَّحَ فِي الِابْتِدَائِيَّةِ بِكَوْنِ الْخَبَرِ مِنْ جِنْسِ) الْفِعْلِ (الْمُتَقَدِّمِ) وَمِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِهِ الْإِسْتِرَابَاذِي (فَامْتَنَعَ رَكْبُ الْقَوْمُ حَتَّى زَيْدٌ ضَاحِكٌ بَلْ) إنَّمَا يُقَالُ حَتَّى زَيْدٌ (رَاكِبٌ) وَمَعْنَى الْبَيْتِ سَرَيْت بِهِمْ لَيْلًا وَامْتَدَّ بِهِمْ السَّيْرُ حَتَّى أَعْيَتْ الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ أَيْضًا فَطَرَحَتْ أَرْسَانَهَا أَيْ حِبَالَهَا عَلَى أَعْنَاقِهَا وَتُرِكَتْ تَمْشِي مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى قَوْدِهَا لِذَهَابِ نَشَاطِهَا فَهِيَ إذَا خُلِّيَتْ لَمْ تَذْهَبْ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا بَلْ سَارَتْ مَعَهُمْ فَوُضِعَ مَا يَقُدْنَ مَوْضِعَ الْكَلَالِ (وَمِنْهُ) أَيْ قِسْمِ الِابْتِدَائِيَّةِ (سِرْت حَتَّى كَلَّتْ الْمَطِيُّ وَيَتَجَوَّزُ بِالْجَارَّةِ دَاخِلَةً عَلَى الْفِعْلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْغَايَةِ بِأَنْ لَا يَصْلُحَ الصَّدْرُ) مِمَّا قَبْلَهَا (لِلِامْتِدَادِ) إلَى مَا بَعْدَهَا أَيْ لِضَرْبِ الْمُدَّةِ فِيهِ (وَمَا بَعْدَهَا لِلِانْتِهَاءِ) أَيْ دَلِيلًا عَلَى انْتِهَاءِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُمْتَدِّ إلَيْهِ وَانْقِطَاعِهِ عِنْدَهُ (فِي سَبَبِيَّةِ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا إنْ صَلُحَ) مَا قَبْلَهَا لِسَبَبِيَّةِ مَا بَعْدَهَا فَمَدْخُولٌ فِي هُوَ الْمُتَجَوَّزُ فِيهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَالْوَجْهُ) أَنْ يُقَالَ يَتَجَوَّزُ بِهَا (فِي سَبَبِيَّةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ) أَيْ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا وَبِالْقَلْبِ (ذِهْنًا أَوْ خَارِجًا لِمُسَاعِدَةِ الْمِثْلِ) الَّتِي هِيَ فِيهَا لِلسَّبَبِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا عِلَّةً غَائِبَةً لِمَا قَبْلَهَا وَمِنْ شَأْنِ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ كَوْنُهَا عِلَّةً ذِهْنًا لِمَا هِيَ لَهُ مَعْلُولَةٌ لَهُ خَارِجًا وَمَا هِيَ لَهُ مَعْلُولٌ لَهَا ذِهْنًا عِلَّةٌ لَهَا خَارِجًا (كَأَسْلَمْتُ حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ) فَإِنَّ الْإِسْلَامَ بِمَعْنَى إحْدَاثِهِ لَا يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ وَأَيْضًا (لَيْسَ) دُخُولُ الْجَنَّةِ (مُنْتَهَاهُ) أَيْ الْإِسْلَامِ بِمَعْنَى إحْدَاثِهِ لِانْقِطَاعِهِ دُونَهُ وَكَيْفَ لَا وَمَا لَا يَقْبَلُ الِامْتِدَادَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَلْحَقَ بِآخِرِهِ مَا يَكُونُ غَايَةً لَهُ (إلَّا إنْ أُرِيدَ) بِالْإِسْلَامِ (بَقَاؤُهُ) أَيْ الْإِسْلَامِ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ بَقَاءَهُ (لَا يَصْلُحُ الْآخَرُ) أَيْ دُخُولُ الْجَنَّةِ (مُنْتَهًى) لَهُ أَيْضًا وَكَيْفَ وَالْإِسْلَامُ أَكْثَرُ وَأَقْوَى وَبِهِ نِيلَ وَتَحَصَّلَ فَكَيْفَ يَنْتَهِي عِنْدَهُ فَحَتَّى فِيهِ لِلسَّبَبِيَّةِ لِتَحَقُّقِ شَرْطِهَا ثُمَّ كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ فِي الْخَارِجِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَيُعْقَلُ دُخُولُ الْجَنَّةِ مَعَ الْعِلْمِ بِاشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ لَهُ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا بَاعِثًا عَلَيْهِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِأَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ لَا يَصْلُحُ مُنْتَهَى الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْبَقَاءِ عَلَيْهِ مِمَّا يَمْتَدُّ (رَدُّ تَعْيِينِ الْعَلَاقَةِ) بَيْنَ الْغَايَةِ وَالسَّبَبِيَّةِ اشْتِرَاكُهُمَا فِي (انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِمَا بَعْدَهَا) لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ يَنْتَهِي بِوُجُودِ الْجَزَاءِ وَالْمُسَبَّبِ كَمَا يَنْتَهِي بِوُجُودِ الْغَايَةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَ حَتَّى لِلْغَايَةِ

حَقِيقَةً حَيْثُ احْتَمَلَ الصَّدْرُ أَعْنِي السَّبَبَ الِامْتِدَادَ وَالْآخَرُ أَعْنِي الْمُسَبَّبَ الِانْتِهَاءُ إلَيْهِ وَالرَّادُّ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ وَالْمَرْدُودُ لِصَاحِبَيْ الْكَشْفَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (وَاخْتِيرَ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَقْرِيرِهِ (أَنَّهَا) أَيْ الْعَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا (مَقْصُودِيَّتُهُ) أَيْ كَوْنُ مَا بَعْدَ حَتَّى مَقْصُودًا (مِمَّا قَبْلَهُ) بِمَنْزِلَةِ الْغَايَةِ مِنْ الْمُغَيَّا (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِاخْتِيَارُ (أَبْعَدُ) مِنْ الْأَوَّلِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْغَايَةَ (لَا تَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ كَوْنُهَا الْمَقْصُودُ مِمَّا قَبْلَهَا (كَرَأْسِهَا) فِي أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسِهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ أَكْلِهَا (وَغَيْرِهِ) أَيْ وَغَيْرِ رَأْسِهَا مِمَّا جُعِلَ غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا مِمَّا يُعْرَفُ بِالتَّتَبُّعِ لِمَوَارِدِهَا (وَالْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ الْعَلَاقَةِ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكَهُمَا فِي انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِمَا بَعْدَهَا (أَوْجَهُ) فَإِنَّ الْإِسْلَامَ بِمَعْنَى إحْدَاثِ إسْلَامِ الدُّنْيَا غَيْرُ مُمْتَدٍّ وَهُوَ صَالِحٌ لِسَبَبِيَّةِ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي صَلَّيْت حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةِ وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى (وَالدُّخُولُ مُنْتَهَى إسْلَامِ الدُّنْيَا) أَيْ الْقِيَامُ بِالتَّكَالِيفِ الْإِلَهِيَّةِ فِيهَا (وَالصَّلَاةُ) أَيْ وَمُنْتَهَى فِعْلِهَا (فِي صَلَّيْت حَتَّى أَدْخُلَ) الْجَنَّةَ لِأَنَّ انْتِفَاءَ كَوْنِهَا لِلْغَايَةِ كَمَا يَحْصُلُ بِانْتِفَاءِ الِامْتِدَادِ وَالِانْتِهَاءُ يَحْصُلُ بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْ إحْدَاثِ الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ مُمْتَدًّا فَلَيْسَ دُخُولُ الْجَنَّةِ مُنْتَهَاهُمَا لِانْقِطَاعِهِمَا قَبْلَهُ إذْ الصَّدْرُ مَتَى لَمْ يَقْبَلْ الِامْتِدَادَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَلْحَقَ بِآخِرِهِ مَا يَكُونُ غَايَةً لَهُ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَلَوْ أُرِيدَ بِالْإِسْلَامِ إسْلَامُ الدُّنْيَا بِمَعْنَى الثَّبَاتِ عَلَيْهِ فَكَوْنُ الدُّخُولِ مُنْتَهَاهُ صَحِيحٌ لَكِنْ يَكُونُ فِيهِ حَتَّى لِلْغَايَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَمِنْهُ) أَيْ كَوْنِهَا لِلسَّبَبِيَّةِ قَوْلُك (لَآتِيَنَّكَ حَتَّى تُغَدِّيَنِي) لِأَنَّ الْإِتْيَانَ غَيْرُ مُمْتَدٍّ وَحَتَّى تُغَدِّيَنِي لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الِانْتِهَاءِ بَلْ هُوَ دَاعٍ إلَى زِيَادَةِ الْإِتْيَانِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهَا عَلَى حَقِيقَةِ الْغَايَةِ ثُمَّ الْإِتْيَانُ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْغَدَاءِ وَالْغَدَاءُ يَصْلُحُ جَزَاءً لَهُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لِكَيْ تُغَدِّيَنِي (فَيَبَرُّ) إذَا أَتَاهُ (بِلَا تَغَدٍّ) أَيْ وَلَمْ يَتَغَدَّ عِنْدَهُ لِأَنَّ شَرْطَ بِرِّهِ حِينَئِذٍ الْإِتْيَانُ عَلَى وَجْهٍ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ بِالْغَدَاءِ وَقَدْ وُجِدَ (بِخِلَافِ مَا إذَا صَلُحَ) الصَّدْرُ لِلِامْتِدَادِ (فَبِمَعْنَى إلَى) نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ إقَامَتِهِمْ عَلَى الْعُكُوفِ صَالِحٌ لِلِامْتِدَادِ وَرُجُوعَ مُوسَى إلَيْهِمْ صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى الِانْتِهَاءِ (فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ) الصَّدْرُ (لَهُمَا) أَيْ لِلْغَايَةِ وَالسَّبَبِيَّةِ (فَلِعَطْفِ مُطْلَقِ التَّرْتِيبِ) الْأَعَمِّ مِنْ كَوْنِهِ بِمُهْلَةٍ وَبِلَا مُهْلَةٍ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ إذْ جَعَلَهَا كَثُمَّ وَلِمَنْ قَالَ: لَا تَسْتَلْزِمُ التَّرْتِيبَ أَصْلًا بَلْ قَدْ يَتَعَلَّقُ الْعَامِلُ بِمَا بَعْدَهَا قَبْلَ تَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهَا وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي النَّحْوِ غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ مَاتَ النَّاسُ حَتَّى آدَمَ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا ثَبَتَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ لَا مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (لِعَلَاقَةِ التَّرْتِيبِ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ) الْغَايَةُ (بِالتَّعْقِيبِ أَنْسَبَ) مِنْهَا بِالتَّرَاخِي لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَتَرَاخَى عَنْ الْمُغَيَّا (كَجِئْتُ حَتَّى أَتَغَدَّى عِنْدَك مِنْ مَالِي لَا عَقْلِيَّةَ لِسَبَبِيَّتِهِ) أَيْ الْمَجِيءِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِلْغَدَاءِ عِنْدَهُ مِنْ مَالِهِ (فَشَرْطُ الْفِعْلَانِ) الْمَعْطُوفُ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ فِي الْبِرِّ (لِلتَّشْرِيكِ) أَيْ لِيَتَحَقَّقَ التَّشْرِيكُ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ (كَكَوْنِهِ غَايَةً) أَيْ كَمَا شَرَطَ الْأَمْرَانِ مِمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي الْبَرِّ إذَا كَانَتْ لِلْغَايَةِ لِأَنَّ الْغَايَةَ فَرْعُ الْمُغَيَّا (كَإِنْ لَمْ أَضْرِبْك حَتَّى تَصِيحَ) أَوْ حَتَّى يَشْفَعَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ فَكَذَا فَإِذَا كَفَّ قَبْلَ هَذِهِ الْغَايَاتِ حَنِثَ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِالتَّكْرَارِ يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ فِي حُكْمِ الْبِرِّ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهُ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ لِأَنَّهُ عَرَضَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ وَالْكَفُّ عَنْ الضَّرْبِ يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ فِي حُكْمِ الْحِنْثِ وَهَذِهِ الْغَايَاتُ دَلَالَاتٌ عَلَى الْإِقْلَاعِ عَنْ الضَّرْبِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةٍ حَتَّى وَهِيَ الْغَايَةُ فَصَارَ شَرْطُ الْحِنْثِ الْكَفُّ عَنْ الضَّرْبِ قَبْلَ الْغَايَةِ إمَّا بِعَدَمِ الضَّرْبِ أَصْلًا أَوْ بِضَرْبٍ لَا يَتْبَعُهُ صِيَاحٌ أَوْ شَفَاعَةٌ أَوْ دُخُولُ اللَّيْلِ ثُمَّ الشَّرْطُ وُجُودُ الْفِعْلَيْنِ حَالَ كَوْنِ الْمَعْطُوفِ (مُعْقِبًا) لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ (وَمُتَرَاخِيًا) عَنْهُ (فَيَبَرُّ بِالتَّغَدِّي فِي إتْيَانٍ وَلَوْ) كَانَ التَّغَدِّي (مُتَرَاخِيًا عَنْهُ) أَيْ الْإِتْيَانِ فِي إنْ لَمْ آتِك حَتَّى أَتَغَدَّى عِنْدَك فَكَذَا وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ (كَمَا فِي الزِّيَادَاتِ) وَشُرُوحِهَا وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ يَتَغَدَّ مُتَّصِلًا بِالْإِتْيَانِ أَوْ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْعُمْرَانِ أَطْلَقَ (إلَّا إنْ نَوَى الْفَوْرَ) وَالِاتِّصَالَ فَيَبَرُّ إذَا تَغَدَّى عَقِبَ الْإِتْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ وَإِلَّا فَلَا حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ أَوْ أَتَى وَتَغَدَّى

مُتَرَاخِيًا عَنْهُ حَنِثَ (وَفِي الْمُقَيَّدِ بِوَقْتٍ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُجَاوِزَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَقْتَ (التَّرَاخِي كَإِنْ لَمْ آتِك الْيَوْمَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ حَتَّى أَتَغَدَّى عِنْدَك فَكَذَا فَإِنْ قِيلَ: التَّرْتِيبُ الْأَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِمُهْلَةٍ أَوْ لَا لَمْ يُعْرَفْ مَدْلُولُ لَفْظٍ أَصْلًا وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ مَدْلُولُ لَفْظِ التَّرْتِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ كَمَا لِلْفَاءِ أَوْ بِمُهْلَةٍ كَمَا لِثُمَّ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّجَوُّزُ عَنْهُ قُلْنَا لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْمَجَازِ وُجُودُ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْمَعْنَى لِلَّفْظِ وَمَعْنًى آخَرَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْآخَرِ وُضِعَ لَهُ لَفْظٌ أَصْلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِذْ كَانَ التَّجَوُّزُ بِاللَّفْظِ) عَنْ مَعْنًى (لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ) أَيْ الْمَعْنَى الْمُتَجَوَّزِ فِيهِ (فِي مُطَابِقِي لَفْظٍ بَلْ وَلَا مَعْنَى لَفْظٍ أَصْلًا وَإِذْ لَمْ يُشْرَطْ فِي الْمَجَازِ نَقْلٌ جَازَ هَذَا) الْمَجَازُ أَعْنِي كَوْنَ حَتَّى لِعَطْفِ مُطْلَقِ التَّرْتِيبِ (وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ وَبِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا الْمَجَازِ (جَوَّزُوا) أَيْ الْفُقَهَاءُ (جَاءَ زَيْدٌ حَتَّى عَمْرٍو) إذَا جَاءَ عَمْرٌو وَبَعُدَ زَيْدٌ (وَإِنْ مَنَعَهُ النُّحَاةُ) بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ مَا بَعْدَهَا بَعْضَ مَا قَبْلَهَا أَوْ كَبَعْضِهِ (غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ) عَلَاقَةٌ بَيْنَ هَذَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُجَوِّزِينَ (التَّرْتِيبَ) فَإِنَّهُ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالْمُغَيَّا ثَابِتٌ هُنَا بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَتَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ (وَتَقَدَّمَ النَّظَرُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ هَذَا كَمَا بَيْنَ الْغَايَةِ وَالْمُغَيَّا حَالَ كَوْنِهَا (عَاطِفَةً كَمَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ وَحَتَّى آدَم وَأَنَّهُ لَا غَايَةَ يَلْزَمُ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَطْفِ (بَلْ ذَلِكَ الْغَايَةُ) أَيْ التَّرْتِيبُ الْكَائِنُ بَيْنَ مَا بَعْدَهَا وَمَا قَبْلَهَا إنَّمَا هُوَ (فِي الرِّفْعَةِ وَالضَّعَةِ) بِأَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا أَقْوَى أَجْزَاءَ مَا قَبْلَهَا وَأَشْرَفَهَا أَوْ أَضْعَفَهَا وَأَدْنَاهَا (لَا) الْغَايَةَ (الِاصْطِلَاحِيَّةَ مُنْتَهَى الْحُكْمِ) وَهَذَا مَا قَالُوا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ حَتَّى آخِرَ أَجْزَاءِ مَا قَبْلَهَا حِسًّا وَلَا آخِرَهَا دُخُولًا فِي الْعَمَلِ بَلْ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ لَا يَكُونُ لَكِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى الْأَجْزَاءِ إذَا ابْتَدَأْت مِنْ الْجَانِبِ الْأَضْعَفِ مُصَعِّدًا نَحْوَ مَاتَ النَّاسُ حَتَّى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ لَيْسَ آخِرَهُمْ حِسًّا وَلَا مَوْتًا بَلْ آخِرُهُمْ قُوَّةً وَشَرَفًا وَأَضْعَفُهَا إذَا ابْتَدَأْت بِعِنَايَتِك مِنْ الْجَانِبِ الْأَقْوَى مُنْحَدِرًا نَحْوَ قَدِمَ الْحَاجُّ حَتَّى الْمُشَاةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَادِمِينَ قَبْلَ الرُّكْبَانِ أَوْ مَعَهُمْ قَالَ نَجْمُ الدِّينِ الْإِسْتِرَابَاذِي: وَأَمَّا الْجَارَّةُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا كَذَلِكَ وَأَنْ لَا يَكُونَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَجَبَ كَوْنُهُ آخَرَ الْأَجْزَاءِ حِسًّا أَوْ مُلَاقِيًا لَهُ نَحْوُ قَرَأْت الْقُرْآنَ حَتَّى سُورَةِ النَّاسِ وَسِرْت النَّهَارَ حَتَّى اللَّيْلِ (وَلَمْ يَلْزَمْ الِاسْتِثْنَاءُ بِهَا) أَيْ بِحَتَّى أَيْ كَوْنِهَا بِمَعْنَى إلَّا أَنَّ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَابْنُ هِشَامٍ الْخَضْرَاوِيُّ وَنَقَلَهُ أَبُو الْبَقَاءِ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا} [البقرة: 102] بَلْ هِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْغَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ أَبُو حَيَّانَ وَابْنُ هِشَامٍ الْمِصْرِيُّ وَالْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ: (وقَوْله تَعَالَى حَتَّى يَقُولَا صَحَّتْ غَايَةً لِلنَّفْيِ كَإِلَى وَكَذَا لَا أَفْعَلُ حَتَّى تَفْعَلَ) أَيْ إلَى أَنْ تَفْعَلَ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ الْمِصْرِيِّ عَنْ كَوْنِهَا بِمَعْنَى إلَّا ظَاهِرٌ فِيمَا أَنْشَدَهُ ابْنُ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ الْعَطَاءُ مِنْ الْفُضُولِ سَمَاحَةً ... حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْك قَلِيلٌ وَفِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا يَذْهَبُ شَيْخِي بَاطِلًا ... حَتَّى أُبِيرَ مَالِكًا وَكَاهِلًا لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا لَيْسَ غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا وَلَا مُسَبَّبًا عَنْهُ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى رَدِّهِ بِقَوْلِهِ (وَقَوْلُهُ حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْك قَلِيلٌ ... وَحَتَّى أُبِيرَ مَالِكًا وَكَاهِلًا لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ لِلْغَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ مَعْنَى الْبَيْتِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ إعْطَاءُ الْإِنْسَاءِ مِنْ الْفُضُولِ سَمَاحَةً حَتَّى يُعَدُّ بِهِ الْمُعْطِي سَمْحًا جَوَادًا إلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ بِوَصْفِ الْإِعْطَاءِ وَمَا لَدَيْهِ قَلِيلٌ فَإِنَّ الَّذِي يَجُودُ وَمَا لَدَيْهِ قَلِيلٌ هُوَ الَّذِي إعْطَاؤُهُ مِنْ الْفُضُولِ إذَا كَانَتْ سَمَاحَةً وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَتَّصِفْ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ قَلِيلٍ لَيْسَ لَهُ سِوَاهُ إذَا أَعْطَى مِنْ كَثِيرٍ لَا يُقَالُ فِيهِ سَمْحٌ وَسَمَاحَةٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا فِيهِ لِلْغَايَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُرَادَى وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِإِمْكَانِ جَعْلِهَا فِيهِ بِمَعْنَى إلَى وَمَعْنَى الْبَيْتِ الثَّانِي لَا أَتْرُكُ أَخْذَ ثَأْرِ أَبِي إلَى أَنْ أُهْلِكَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنْ أَسَدٍ فَإِنَّهُمَا الْمُتَعَاضِدَانِ عَلَى قَتْلِهِ فَحِينَئِذٍ أَتَرْكُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهَا فِيهِ لِلْغَايَةِ أَيْضًا أَوْ أَنَّ سَبَبَ إبَارَتِهِمْ أَنَّ أَبَاهُ لَا يَذْهَبُ بَاطِلًا فَإِبَارَتُهُمْ سَبَبُ عَدَمِ ذَهَابِهِ بَاطِلًا فِي الْخَارِجِ مُسَبِّبَةٌ لَهُ ذِهْنًا فَإِنْ تَعَقَّلَ عَدَمَ ذَهَابِهِ بَاطِلًا إذْ إبَارُهُمْ سَبَبٌ دَاعٍ لِإِبَارَتِهِمْ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ التَّرْدِيدَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ

حروف الجر

لِلسَّبَبِيَّةِ وَالْغَايَةِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَيْتِ الثَّانِي لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [حُرُوفُ الْجَرِّ] [مَسْأَلَةُ الْبَاءِ] (حُرُوفُ الْجَرِّ) (مَسْأَلَةُ الْبَاءِ مُشَكِّكٌ لِلْإِلْصَاقِ) أَيْ تَعْلِيقِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ وَإِيصَالِهِ بِهِ (الصَّادِقُ فِي أَصْنَافِ الِاسْتِعَانَةِ) أَيْ طَلَبِ الْمَعُونَةِ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى آلَةِ الْفِعْلِ كَكَتَبْتُ بِالْقَلَمِ لِإِلْصَاقِك الْكِتَابَةَ بِالْقَلَمِ (وَالسَّبَبِيَّةِ) وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى اسْمٍ لَوْ أُسْنِدَ الْفِعْلُ الْمُعَدَّى بِهَا إلَيْهِ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مَجَازًا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 22] إذْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ فَاعِلًا لِأَخْرَجَ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَأَخْرَجَ هُوَ أَيْ الْمَاءُ فَيَنْدَرِجُ فِيهَا بَاءُ الِاسْتِعَانَةِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ كَتَبَ الْقَلَمُ قَالَ: وَالنَّحْوِيُّونَ يُعَبِّرُونَ عَنْ هَذِهِ الْبَاءِ بِبَاءِ الِاسْتِعَانَةِ وَآثَرْت عَلَى ذَلِكَ بَاءَ السَّبَبِيَّةِ مِنْ أَجْلِ الْأَفْعَالِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ} [التوبة: 40] فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ السَّبَبِيَّةِ فِيهَا يَجُوزُ وَاسْتِعْمَالَ الِاسْتِعَانَةِ فِيهَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (وَالظَّرْفِيَّةِ) مَكَانًا وَزَمَانًا وَهِيَ مَا يَحْسُنُ فِي مَوْضِعِهَا فِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} [آل عمران: 123] {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] (وَالْمُصَاحَبَةِ) وَهِيَ مَا يَحْسُنُ فِي مَوْضِعِهَا مَعَ وَالتَّعْبِيرُ عَنْهَا وَعَنْ مُصَاحِبِهَا بِالْحَالِ نَحْوُ {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ} [النساء: 170] (فَإِنَّهُ) أَيْ الْإِلْصَاقَ (فِي الظَّرْفِيَّةِ مَثَلًا كَقُمْتُ بِالدَّارِ أَتَمُّ مِنْهُ) أَيْ الْإِلْصَاقِ (فِي مَرَرْت بِزَيْدٍ فَتَفْرِيعُ بَاءِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ) أَيْ الْإِلْصَاقِ كَمَا فَعَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ تَفْرِيعٌ (عَلَى النَّوْعِ) أَيْ نَوْعِ الْإِلْصَاقِ الْأَعَمِّ (وَعَلَى الْخُصُوصِ الْإِلْصَاقِ الِاسْتِعَانَةِ) أَيْ وَأَمَّا تَفْرِيعُهَا عَلَى خُصُوصٍ مِنْ الْإِلْصَاقِ فَتَفْرِيعُهَا عَلَى الِاسْتِعَانَةِ (الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَسَائِلِ دُونَ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ) إذْ بِالْوَسَائِلِ يُسْتَعَانُ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الْبَيْعِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَبِيعِ وَالثَّمَنُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ مِنْ النُّقُودِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِالذَّاتِ بَلْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْآلَاتِ فِي قَضَاءِ الْحَاجَاتِ وَأَحْسِنْ بِقَوْلِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِئْسَ الرَّفِيقُ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ لَا يَنْفَعَانِك حَتَّى يُفَارِقَانِك (فَصَحَّ الِاسْتِبْدَالُ بِالْكُرِّ) مِنْ الْحِنْطَةِ (قَبْلَ الْقَبْضِ فِي اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَصَفَهُ) بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْجَهَالَةِ مِنْ جَوْدَةٍ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ ثَمَنٌ لِدُخُولِ الْبَاءِ عَلَيْهِ فَكَانَ كَسَائِرِ الْأَثْمَانِ فِي صِحَّةِ الِاسْتِبْدَالِ وَالْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا لِأَنَّ الْمَكِيلَ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا (دُونَ الْقَلْبِ) أَيْ بِعْت كُرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِكَذَا عَلَى وَجْهٍ يُخْرِجُهَا مِنْ الْجَهَالَةِ بِهَذَا الْعَبْدِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَلْبَ (سَلَّمَ) لِأَنَّ الْعَبْدَ حِينَئِذٍ ثَمَنٌ لِدُخُولِ الْبَاءِ عَلَيْهِ وَالْكُرُّ مَبِيعٌ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَالْمَبِيعُ الدَّيْنُ لَا يَكُونُ إلَّا سَلَمًا (يُوجِبُ الْأَجَلَ) الْمُعَيَّنَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا (وَغَيْرُهُ) كَقَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي الْمَجْلِسِ (فَامْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ) أَيْ بِالْكُرِّ (قَبْلَهُ) أَيْ الْقَبْضِ (وَإِثْبَاتُ الشَّافِعِيِّ كَوْنُهَا) أَيْ الْبَاءِ (لِلتَّبْعِيضِ فِي امْسَحُوا) بِرُءُوسِكُمْ (هُوَ الْإِلْصَاقُ مَعَ تَبْعِيضِ مَدْخُولِهَا وَأَنْكَرَهُ) أَيْ التَّبْعِيضَ (مُحَقِّقُو الْعَرَبِيَّةِ) مِنْهُمْ ابْنُ جِنِّي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُذَيَّلِ بِهَا الْمُجْمَلِ بِاصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ حَتَّى قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ النَّحْوِيُّ الْأُصُولِيُّ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّبْعِيضِ فَقَدْ أَتَى أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ بِمَا لَا يَعْرِفُونَهُ (وَشَرِبَتْ بِمَاءِ الدَّحْرَضَيْنِ) أَيْ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِ عَنْتَرَةَ إخْبَارًا عَنْ النَّاقَةِ شَرِبَتْ بِمَاءِ الدَّحْرَضَيْنِ فَأَصْبَحَتْ ... زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عَنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ (لِلظَّرْفِيَّةِ) أَيْ شَرِبَتْ النَّاقَةُ فِي مَحَلِّ هَذَا الْمَاءِ قُلْت: أَوْ لِلْإِلْصَاقِ وَالشُّرْبُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ مُضَمَّنًا مَعْنَى رَوَيْت كَمَا مَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] وَلَعَلَّ هَذَا أَشْبَهَ كَمَا لَعَلَّ بَقِيَّةَ الْبَيْتِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ وَالدَّحْرَضَانُ مَاءَانِ: يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا وَشِيعٌ وَلِلْآخَرِ الدَّحْرَضُ فَغَلَبَ فِي التَّثْنِيَةِ وَقِيلَ مَاءٌ لِبَنِي سَعْدٍ وَقِيلَ بَلَدٌ وَالزَّوْرَاءُ الْمَائِلَةُ وَالدَّيْلَمُ نَوْعٌ مِنْ التَّرْكِ ضَرَبَهُمْ مَثَلًا لِأَعْدَائِهِ يَقُولُ هَذِهِ النَّاقَةُ تَتَجَانَفُ عَنْ حِيَاضِ أَعْدَائِهِ وَلَا تَشْرَبُ مِنْهَا وَقِيلَ الدَّيْلَمُ: أَرْضٌ (وَشَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ) أَيْ وَالْبَاءُ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَقَدْ

سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا (زَائِدَةٌ وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهَا زَائِدَةً (اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ مُتَحَقِّقٌ) كَمَا يَشْهَدُ بِهِ التَّتَبُّعُ (وَإِفَادَةُ الْبَعْضِيَّةِ لَمْ تُثْبِتْ بَعْدُ) مَعْنَى مُسْتَقِلًّا لَهَا (فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ) أَيْ كَوْنِهَا زَائِدَةً (أَوْلَى) مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْبَعْضِيَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (مَعَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ) عَلَى الْبَعْضِيَّةِ (إذْ الْمُتَحَقِّقُ عِلْمُ الْبَعْضِيَّةِ وَلَا يَتَوَقَّفُ) عِلْمُهَا (عَلَى الْبَاءِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّهَا) أَيْ النَّاقَةَ (لَمْ تَشْرَبْ كُلَّ مَاءِ الدَّحْرَضَيْنِ وَلَا اسْتَغْرَقْنَ) أَيْ السُّحُبُ (الْبَحْرَ) قُلْت: وَهَذَا مِمَّا يَمْنَعُ الْحَمْلُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ كَثِيرَةً فِي الْمَفْعُولِ بِهِ وَلَا سِيَّمَا وَهِيَ غَيْرُ مَقِيسَةٍ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ مَا أَمْكَنَ تَخْرِيجُهُ عَلَى غَيْرِ الزِّيَادَةِ لَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالزِّيَادَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَالْأَجْوَدُ تَضْمِينُ شَرِبْنَ مَعْنَى رُوِينَ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ هَذَا التَّبْعِيضِ (تَبْعِيضُ الرَّأْسِ فَإِنَّهَا) أَيْ الْبَاءَ (إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ) أَيْ الرَّأْسِ (تَعَدَّى الْفِعْلُ) أَيْ الْمَسْحُ (إلَى الْآلَةِ الْعَادِيَةِ) لِلْمَسْحِ (أَيْ الْيَدِ فَالْمَأْمُورُ اسْتِيعَابُهَا) أَيْ الْآلَةِ (وَلَا يَسْتَغْرِقُ) اسْتِيعَابُهَا (غَالِبًا سِوَى رُبُعِهِ) أَيْ الرَّأْسِ (فَتَعَيَّنَ) الرُّبُعُ (فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَلَزِمَ التَّبْعِيضُ عَقْلًا غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهَا) أَيْ الْبَاءِ (وَلَا عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِي) سُنَنِ (أَبِي دَاوُد وَسَكَتَ عَلَيْهِ) فَهُوَ حُجَّةٌ لِقَوْلِهِ ذَكَرْت فِيهِ الصَّحِيحَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ وَقَوْلُهُ مَا كَانَ فِي كِتَابِي مِنْ حَدِيثٍ فِيهِ وَهَنٌ شَدِيدٌ فَقَدْ بَيِّنَتُهُ وَمَا لَمْ أَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا فَهُوَ صَالِحٌ وَبَعْضُهَا أَصَحُّ مِنْ بَعْضٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَعَلَى هَذَا مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِهِ مَذْكُورًا مُطْلَقًا وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَلَا نَصَّ عَلَى صِحَّتِهِ أَحَدٌ مِمَّنْ يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ عَرَفْنَاهُ بِأَنَّهُ مِنْ الْحَسَنِ عِنْدَهُ وَتَعَقَّبَ ابْنُ رَشِيدٍ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُ ذَلِكَ إذْ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ صَحِيحًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ غَيْرِهِ كَذَلِكَ دُفِعَ بِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ إلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَبْلُغَهَا عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ فَهُوَ صَالِحٌ أَيْ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْيُهُ انْقِسَامُ الْحَدِيثِ إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ كَالْمُتَقَدِّمِينَ فَهُوَ حِينَئِذٍ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَنْ يُقَالَ: صَالِحٌ كَمَا هُوَ قَالَ وَلَفْظُ حَدِيثِهِ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قَطَرِيَّةٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدِّمَ رَأْسِهِ» (بَلْ هُوَ) أَيْ حَدِيثُ أَنَسٍ (مَعَ ذَلِكَ الدَّلِيلِ) الْمَذْكُورِ آنِفًا (قَائِم عَلَى مَالِكٍ) فِي إيجَابِ مَسْحِ الْجَمِيعِ (إذْ قَوْلُهُ) أَيْ أَنَسٍ (فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ) وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ يَدَهُ (مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدِّمَ رَأْسِهِ ظَاهِرٌ فِي الِاقْتِصَارِ) عَلَيْهِ وَهُوَ الرُّبُعُ الْمُسَمَّى بِالنَّاصِيَةِ كَمَا يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ وَمَسَحَ مُقَدِّمَ رَأْسِهِ أَوْ قَالَ: النَّاصِيَةُ» وَهَذَا حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا كَيْفَ وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِالْمُتَّصِلِ نَعَمْ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْمَفْرُوضِ مِقْدَارَ النَّاصِيَةِ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَشْبَهُ دَلِيلًا وَأَمَّا أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَيُعَكِّرُهُ أَنَّ فِي الْأَصْلِ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَذْكُورُ فِيهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (وَلُزُومُ تَكَرُّرِ الْإِذْنِ) لِلْبِرِّ (فِي إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي لِأَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ (مُفَرَّغٌ لِلْمُتَعَلِّقِ أَيْ) إنْ خَرَجْت خُرُوجًا (إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِهِ) أَيْ بِإِذْنِي (فَمَا لَمْ يَكُنْ) مِنْ الْخُرُوجِ (بِهِ) أَيْ بِأَنَّهُ (دَاخِلٌ فِي الْيَمِينِ لِعُمُومِ النَّكِرَةِ) الْمُؤَوَّلَةِ مِنْ الْفِعْلِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا تَخْرُجِي خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي (فَيَحْنَثُ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْخُرُوجِ الَّذِي لَيْسَ بِإِذْنِهِ (بِخِلَافِ) إنْ خَرَجْت (إلَّا أَنْ آذَنَ) لَك (لَا يَلْزَمُ فِي الْبَرِّ تَكَرُّرُهُ) أَيْ إذْنِهِ (لِأَنَّ الْإِذْنَ غَايَةٌ) لِلْخُرُوجِ (تَجَوُّزٌ بِإِلَّا فِيهَا لِتَعَذُّرِ اسْتِثْنَاءِ الْإِذْنِ مِنْ الْخُرُوجِ) لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَلَا يَحْسُنُ فِيهِ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ لِاخْتِلَالِ إنْ خَرَجْت خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَك وَبَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ مُنَاسَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا قَصْرٌ لِامْتِدَادِ الْمُغَيَّا وَبَيَانٌ لِانْتِهَائِهِ كَمَا أَنَّهُ قَصْرٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَبَيَانٌ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهِ وَأَيْضًا كُلٌّ مِنْهُمَا إخْرَاجٌ لِبَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الصَّدْرُ فَلَا بِدْعَ فِي أَنْ يَتَجَوَّزَ بِإِلَّا فِيهَا (وَبِالْمَرَّةِ) مِنْ الْإِذْنِ (يَتَحَقَّقُ) الْبَرُّ (فَيَنْتَهِي الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلُزُومُ تَكْرَارِ الْإِذْنِ) مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي دُخُولِ بُيُوتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ تِلْكَ الصِّيغَةِ) أَيْ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ لَيْسَ بِهَا بَلْ (بِخَارِجٍ) عَنْهَا أَيْ (تَعْلِيلِهِ)

مسألة على للاستعلاء

تَعَالَى الدُّخُولَ بِلَا إذْنٍ (بِالْأَذَى) حَيْثُ قَالَ: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: 53] فَلَا إشْكَالَ [مَسْأَلَةُ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ] (مَسْأَلَةٌ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ حِسًّا) كَقَوْلِهِ {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [المؤمنون: 22] (وَمَعْنَى) كَأَوْجَبَهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (فَهِيَ فِي الْإِيجَابِ وَالدَّيْنِ حَقِيقَةٌ) أَمَّا فِي الْإِيجَابِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي الدَّيْنِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الدَّيْنَ (يَعْلُو الْمُكَلَّفَ) مَعْنًى (وَيُقَالُ: رَكِبَهُ دَيْنٌ) إذَا عَلَاهُ مَعْنًى وَهُوَ لُزُومُهُ لَهُ (فَيَلْزَمُ فِي عَلَيَّ أَلْفٌ) لِفُلَانٍ أَلْفٌ لَهُ لِأَنَّ بِاللُّزُومِ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِعْلَاءُ حَتَّى يَثْبُتَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْمُطَالَبَةُ وَالْحَبْسُ لِلْمُقِرِّ وَهَذَا (مَا لَمْ يَصِلْهُ بِمُغَيَّرِ وَدِيعَةٍ) فَإِنْ وَصَلَهُ بِهَا حُمِلَ عَلَى وُجُوبِ الْحِفْظِ الَّذِي هُوَ مَجَازٌ (لِقَرِينَةِ الْمَجَازِ) وَهُوَ وَدِيعَةٌ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ وَصْلُهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْبَيَانَ الْمُغَيِّرَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمُغَيِّرِ (وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ) أَيْ الْخَالِيَةِ عَنْ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ (كَالْإِجَارَةِ) فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَنَافِعَ (وَالنِّكَاحِ) فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِالْبُضْعِ وَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ (مَجَازٌ فِي الْإِلْصَاقِ) نَحْوُ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَلْفٍ وَنَحْوُ (احْمِلْهُ عَلَى دِرْهَمٍ وَتَزَوَّجْت عَلَى أَلْفٍ لِمُنَاسِبَتِهِ) أَيْ الْإِلْصَاقِ (اللُّزُومَ) فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا لَزِمَ شَيْئًا الْتَصَقَ بِهِ (وَفِي الطَّلَاقِ لِلشَّرْطِ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (فَفِي طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَيَّ أَلْفٌ لَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا إذَا أَجَابَهَا (بِوَاحِدَةٍ) وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَهُ (لِعَدَمِ انْقِسَامِ الشَّرْطِ عَلَى الْمَشْرُوطِ) اتِّفَاقًا لِأَنَّ ثُبُوتَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُعَاقَبَةِ اتِّفَاقًا ضَرُورَةٌ تُوَقِّفُ الْمَشْرُوطَ عَلَى الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ (وَإِلَّا) لَوْ لَزِمَهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ بِوَاحِدَةٍ (تَقَدَّمَ بَعْضُهُ) أَيْ الْمَشْرُوطِ (عَلَيْهِ) أَيْ الشَّرْطِ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَجْمُوعُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُعَاقَبَةُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا (وَعِنْدَهُمَا لِلْإِلْصَاقِ عِوَضًا) لِأَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا وَلِذَا كَانَ لَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ كَلَامِ الزَّوْجِ وَكَلِمَةُ عَلَى تَحْتَمِلُ مَعْنَى الْبَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا بِدَلَالَةِ الْحَالِ (فَتَنْقَسِمُ الْأَلْفُ) عَلَى الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ فَيَقَعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ عِنْدَهُمَا (لِلْمَعِيَّةِ) الثَّابِتَةِ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فِي مُقَابِلَةِ الْآخَرِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْعِوَضَيْنِ بِطَرِيقِ الْمُقَابِلَةِ اتِّفَاقًا وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِالْمُقَارَنَةِ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ لَا يُقَابِلُ الْمُتَقَدِّمَ فَيَثْبُتُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْآخَرِ وَيَمْتَنِعُ تَقَدُّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَالْمُتَضَايِفَيْنِ (وَلِمَنْ يُرَجِّحُهُ) أَيْ قَوْلَهُمَا أَنْ يَقُولَ (إنَّ الْأَصْلَ فِيمَا عَلِمَتْ مُقَابَلَتَهُ) بِمَالِ (الْعِوَضِيَّةِ) وَهَذَا مِمَّا عَلِمَتْ مُقَابَلَتَهُ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْعِوَضِيَّةُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْعِوَضَ تَنْقَسِمُ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ فَتَبِينُ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ عَلَى (مَجَازًا فِيهِ) أَيْ الْإِلْصَاقِ (حَقِيقَةً فِي الشَّرْطِ) كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ (مَمْنُوعٌ لِفَهْمِ اللُّزُومَ فِيهِمَا) أَيْ الشَّرْطِ وَالْإِلْصَاقِ (وَهُوَ) أَيْ اللُّزُومُ هُوَ الْمَعْنَى (الْحَقِيقِيُّ وَكَوْنُهُ) أَيْ عَلَى حَقِيقَةً (فِي مَعْنًى يُفِيدُ اللُّزُومَ) وَهُوَ الْإِلْصَاقُ (لَا فِيهِ) أَيْ لَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي اللُّزُومِ (ابْتِدَاءً يُصَيِّرُهُ) أَيْ عَلَى لَفْظًا (مُشْتَرَكًا) بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْإِلْصَاقِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَمَجَازٌ) أَيْ فَعَلَى مَجَازٍ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْإِلْصَاقِ وَالشَّرْطِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ فَحَقِيقَةٌ فِيهِمَا كَمَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا كَتَبَهُ الْمُصَنِّفُ حَاشِيَةً عَلَى بَعْضِ أَوَائِلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ الْوَجْهَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ أَنَّهَا لِلِاسْتِعْلَاءِ الصَّادِقِ فِي ضِمْنِ اللُّزُومِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَرْعٌ أَنَّهَا فِي كُلٍّ مِنْ الْإِلْصَاقِ فِي الْعِوَضِ وَالشَّرْطِ حَقِيقَةٌ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَفْرَادِ اللُّزُومِ فَانْتَظَمَ أَنَّ عَلَى ضِمْنِيٌّ وُضِعَ لِلِاسْتِعْلَاءِ الصَّادِقِ فِي مَحَالِّ اللُّزُومِ وَغَيْرِهِ كَجَلَسَ عَلَى السَّطْحِ اهـ وَإِذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِمُتَرَجِّحٍ عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً بَلْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَالشَّأْنُ فِيمَا تَقَدَّمَ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَنَّ كَوْنَ الْأَصْلِ فِيمَا عَلِمْت مُقَابَلَتِهِ الْعِوَضِيَّةَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا وَجَبَ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَحْضَةُ أَمَّا مَا يَصِحُّ هِيَ أَوْ الشَّرْطُ الْمَحْضُ فِيهِ فَلَا وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا وَلَيْسَ كَوْنُ مَدْخُولِهَا مَا لَا مُرَجِّحًا لِمَعْنَى الِاعْتِيَاضِ فَإِنَّ الْمَالَ يَصِحُّ جَعْلُهُ شَرْطًا مَحْضًا غَيْرَ مُنْقَسِمٍ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ مُقَابِلِهِ كَإِنْ طَلَّقْتَنِي ثَلَاثًا فَلَكَ أَلْفٌ فَإِنَّ فِي هَذَا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثِ مُقَابِلًا لِشَيْءٍ مِنْ الْأَلْفِ بَلْ الْمَجْمُوعُ يَلْزَمُ عِنْدَ الْمَجْمُوعِ كَمَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عِوَضًا مُنْقَسِمًا أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ مُقَابِلِهِ كَإِنْ طَلَّقْتَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ لُزُومِ ثُلُثِ الْأَلْفِ

مسألة حروف الجر من

وَعَدَمِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ وَلَا يُحْتَاطُ فِي اللُّزُومِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ اشْتِغَالُهَا فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِعْلَاءِ وَاللُّزُومُ مِنْ أَفْرَادِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ تَنَزَّلْنَا إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِعْلَاءِ مَجَازٌ فِي اللُّزُومِ لَمْ يَضُرَّنَا فِي الْمَطْلُوبِ فَنَقُولُ: لَمَّا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ أَعْنِي الِاسْتِعْلَاءَ كَانَ فِي الْمَجَازِيِّ أَعْنِي اللُّزُومَ وَهَذَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ مَعْنًى كُلِّيٌّ صَادِقٌ مَعَ مَا يَجِبُ فِيهِ الشَّرْطِيَّةُ وَمَا يَجِبُ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ إلَى آخِرِ مَا قُلْنَا بِعَيْنِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةُ حُرُوف الْجَرّ مِنْ] (مَسْأَلَةُ مِنْ تَقَدَّمَ مَسَائِلُهَا) فِي بَحْثَيْ مِنْ وَمَا (وَالْغَرَضُ) هُنَا (تَحْقِيقُ مَعْنَاهَا فَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ) كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ هِيَ (لِلتَّبْعِيضِ) وَعَلَامَتُهُ إمْكَانُ سَدِّ بَعْضِ مَسَدِهَا وَلَا يُتَوَهَّمُ مُرَادَفَتُهَا لَهُ فَإِنَّ التَّرَادُفَ لَا يَكُونُ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْجِنْسِ (وَكَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ) كَالْمُبَرِّدِ ذَهَبُوا إلَى كَوْنِهَا (لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَرَجَّعَ مَعَانِيهَا إلَيْهِ) أَيْ إلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَفِي التَّلْوِيحِ وَالْمُرَادُ بِالْغَايَةِ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَإِلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ هُوَ الْمَسَافَةُ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ إذْ الْغَايَةُ مِنْ النِّهَايَةِ وَلَيْسَ لَهَا ابْتِدَاءٌ وَانْتِهَاءٌ وَسَتَعْلَمُ مَا لِلْمُصَنِّفِ فِي هَذَا فِي إلَى (فَالْمَعْنَى فِي أَكَلْت مِنْ الرَّغِيفِ ابْتِدَاءُ أَكْلِي) الرَّغِيفَ وَفِي أَخَذْت مِنْ الدَّرَاهِمِ ابْتِدَاءُ أَخْذِي الدَّرَاهِمَ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى (مَعَ تَعَسُّفِهِ) لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ (لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ أَكْلِي وَأَخْذِي لَا يُفْهَمُ مِنْ التَّرْكِيبِ وَلَا مَقْصُودَ الْإِفَادَةِ بَلْ تَعَلُّقَهُ) أَيْ الْفِعْلِ كَالْأَكْلِ وَالْأَخْذِ فِيهِمَا (بِبَعْضِ مَدْخُولِهَا) الَّذِي هُوَ الرَّغِيفُ وَالدَّرَاهِمُ (وَكَيْفَ) يَصِحُّ هَذَا (وَابْتِدَاؤُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (مُطْلَقًا قَدْ يُكَذِّبُ) لِكَوْنِهِ قَدْ فَعَلَهُ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْمَذْكُورِ (وَتَخْصِيصُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (بِذَلِكَ الْجُزْئِيِّ) الْخَاصِّ كَالرَّغِيفِ وَالدَّرَاهِمِ (غَيْرُ مُفِيدٍ وَاسْتِقْرَاءُ مَوَاقِعِهَا يُفِيدُ أَنَّ مُتَعَلِّقَهَا إنْ تَعَلَّقَ بِمَسَافَةٍ قَطْعًا لَهَا) أَيْ لِلْمَسَافَةِ (كَسِرْتُ وَمَشَيْت أَوْ لَا) قَطْعًا لَهَا (كَبِعْت) مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ (وَآجَرْت) الدَّارَ مِنْ شَهْرِ كَذَا إلَى شَهْرِ كَذَا (فَلِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَيْ ذِي الْغَايَةِ وَهُوَ) أَيْ ذُو الْغَايَةِ (ذَلِكَ الْفِعْلُ أَوْ مُتَعَلِّقُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَهُوَ الْمَكَانُ أَوْ الزَّمَانُ (الْمُبَيَّنُ مُنْتَهَاهُ وَإِنْ أَفَادَ) مُتَعَلِّقُهَا (تَنَاوُلًا كَأَخَذْتُ وَأَكَلْت وَأَعْطَيْت فَلِإِيصَالِهِ) أَيْ الْمُتَعَلِّقِ (إلَى بَعْضِ مَدْخُولِهَا فَعَلِمْت تَبَادُرَ كُلٌّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ) ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ وَالتَّبْعِيضُ (فِي مَحَلِّهِ أَيْ مَعَ خُصُوصِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إظْهَارٌ مُشْتَرَكٌ) مَعْنَوِيٌّ (يَكُونُ) لَفْظُ مِنْ مَوْضُوعًا (لَهُ أَوْ) الِاشْتِرَاكُ (اللَّفْظِيُّ) بَيْنَهُمَا (إمَّا) أَنْ مِنْ (حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا مَجَازٌ فِي الْآخَرِ بَعْدَ اسْتِوَائِهِمَا) أَيْ الْمَعْنَيَيْنِ (فِي الْمُدْلَوْلِيَةِ وَالتَّبَادُرِ فِي مَحَلَّيْهِمَا فَتَحْكُمُ وَانْتَفَى جَعْلُهَا) أَيْ حَقِيقَتِهَا (الِابْتِدَاءَ وَرَدَّ التَّبْعِيضِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ (فَمُشْتَرَكٌ) أَيْ فَإِذَا مِنْ مُشْتَرَكٌ (لَفْظِيٌّ) بَيْنَ مَعَانِيهَا وَالْمُعَيَّنُ لِكُلِّ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْمُتَعَلِّقِ الْخَاصِّ (وَيَرُدُّ الْبَيَانُ) أَيْ كَوْنِهَا لِلْبَيَانِ وَعَلَامَتُهُ صَلَاحِيَّةُ وَضْعِ الَّذِي مَوْضِعَهَا وَجَعْلُ مَدْخُولِهَا مَعَ ضَمِيرِ مَرْفُوعٍ قَبْلَهُ صِلَتُهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] إذْ يَصِحُّ الرِّجْسُ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ (إلَى التَّبْعِيضِ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّبْعِيضَ (أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ) أَيْ التَّبْعِيضِ (تَبْعِيضَ مَدْخُولِهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَلِّقُ الْفِعْلِ أَوْ كَوْنُ مَدْخُولِهَا) فِي نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (بَعْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مُتَعَلِّقِ الْفِعْلِ) فَالْأَوْثَانُ بَعْضُ الرِّجْسِ [مَسْأَلَةُ إلَى لِلْغَايَةِ حُرُوف الْجَرّ] مَسْأَلَةٌ إلَى لِلْغَايَةِ أَيْ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُنْتَهَى حُكْمِ مَا قَبْلَهَا وَقَوْلُهُمْ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ تَسَاهُلٌ وَكَذَا هُوَ تَسَاهُلٌ (بِإِرَادَةِ الْمَبْدَأِ إذْ يُطْلِقُ) الْغَايَةَ (بِالِاشْتِرَاكِ عُرْفًا بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ كَوْنِ مَا بَعْدَهَا مُنْتَهَى حُكْمِ مَا قَبْلَهَا (وَنِهَايَةُ الشَّيْءِ مِنْ طَرَفَيْهِ) أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ (وَمِنْهُ لَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ) فِي عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ حَتَّى يَلْزَمَهُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ تَسَاهُلًا (لِأَنَّ الدَّلَالَةَ بِهَا) أَيْ بِإِلَى (عَلَى انْتِهَاءِ حُكْمِهِ) أَيْ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا (لَا) عَلَى (انْتِهَائِهِ) أَيْ الْمُغَيَّا نَفْسُهُ وَمِنْ ثَمَّةَ جَازَ أَكَلْت السَّمَكَةَ إلَى نِصْفِهَا (وَفِي دُخُولِهِ) أَيْ مَا بَعْدَهَا فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا أَرْبَعَةُ مَذَاهِبُ يَدْخُلُ مُطْلَقًا لَا يَدْخُلُ مُطْلَقًا يَدْخُلُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلهَا وَلَا يَدْخُلُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَالِاشْتِرَاكُ أَيْ

يَدْخُلُ حَقِيقَةً وَلَا يَدْخُلُ حَقِيقَةً كَذَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (كَحَتَّى) وَهُوَ يُعَيِّنُ كَوْنَ الرَّابِعِ فِي حَتَّى الِاشْتِرَاكَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ بُعْدٍ كَمَا ذَكَرَهُ ثَمَّةَ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الدُّخُولِ فَقَطْ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ اهـ وَعَزَاهُ الْإِسْتِرَابَاذِي إلَى بَعْضِهِمْ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَنَقْلُ مَذْهَبِ الِاشْتِرَاكِ فِي إلَى غَيْرُ مَعْرُوفٍ) وَكَذَا فِي حَتَّى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ثَمَّةَ (وَمَذْهَبٌ يُدْخِلُ) بِالْقَرِينَةِ (وَلَا يُدْخِلُ بِالْقَرِينَةِ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرُ مَذْهَبِ الِاشْتِرَاكِ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْمَذْهَبِ مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ سِوَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُنْتَهَى الْحُكْمِ وَدُخُولُهُ وَعَدَمُ دُخُولِهِ غَيْرُ مَدْلُولٍ لَهَا بَلْ لِلْقَرِينَةِ بِخِلَافِ مَذْهَبِ الِاشْتِرَاكِ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ أَنَّهَا وُضِعَتْ لِإِفَادَةِ أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُنْتَهَى مَعَ دُخُولِهِ وَوُضِعَتْ وَضْعًا آخَرَ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ مُنْتَهَى مَعَ عَدَمِ دُخُولِهِ فَكَانَ دُخُولُهَا وَعَدَمُ دُخُولِهَا مَدْلُولَيْنِ لَهَا (فَلَعَلَّهُ) أَيْ مَذْهَبٌ يَدْخُلُ وَلَا يَدْخُلُ بِالْقَرِينَةِ (الْتَبَسَ بِهِ) أَيْ بِمَذْهَبِ الِاشْتِرَاكِ فَوُضِعَ مَذْهَبُ الِاشْتِرَاكِ مَوْضِعَهُ ثُمَّ أَوْضَحَ مَعْنَى هَذَا الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يُفِيدُ حَتَّى وَإِلَى سِوَى أَنَّ مَا بَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا (مُنْتَهَى الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمِ مَا قَبْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا (وَدُخُولُهُ) أَيْ مَا بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهُ (وَعَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ دُخُولِ مَا بَعْدَ كُلٍّ فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهُ إنَّمَا هُوَ (بِالدَّلِيلِ) عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَارِدِ اسْتِعْمَالِهِمَا (وَإِلَيْهِ) أَيْ إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ (أَذْهَبُ فِيهِمَا) أَيْ فِي حَتَّى وَإِلَى. (وَلَا يُنَافِي) هَذَا الْمَذْهَبُ (إلْزَامَ الدُّخُولِ فِي حَتَّى) عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ (وَعَدَمَهُ) أَيْ وَإِلْزَامَ عَدَمِ الدُّخُولِ (فِي إلَى) عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ أَيْضًا (لِأَنَّهُ) أَيْ إلْزَامَ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ (إيجَابُ الْحَمْلِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ لِلْأَكْثَرِيَّةِ فِيهِمَا حَمْلًا عَلَى الْأَغْلَبِ لَا مَدْلُولًا لَهُمَا) فَإِنَّ الْأَغْلَبَ فِي حَتَّى الدُّخُولُ مَعَ قَرِينَتِهِ وَفِي إلَى عَدَمُ الدُّخُولِ مَعَ قَرِينَتِهِ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ لِانْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ (وَالتَّفْصِيلُ) إلَى إنْ كَانَ مَا بَعْدَهَا مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا فَيَدْخُلُ وَإِلَّا فَلَا تَفْصِيلَ (بِلَا دَلِيلٍ) وَأَشَارَ إلَى نَفْي مَا يَخَالُ دَلِيلًا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ يَلْزَمُ الْجُزْئِيَّةَ الدُّخُولُ وَلَا) يَلْزَمُ (عَدَمُهَا) أَيْ الْجُزْئِيَّةِ (عَدَمُهُ) أَيْ الدُّخُولِ (إلَّا أَنْ يَثْبُتَ اسْتِقْرَاؤُهُ) أَيْ هَذَا التَّفْصِيلِ (كَذَلِكَ فَيُحْمَلُ) إلَى حِينَئِذٍ عَلَيْهِ (كَمَا قُلْنَا) وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ (وَكَذَا) بِلَا دَلِيلٍ (تَفْصِيلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَتْ) الْغَايَةُ (قَائِمَةً أَيْ مَوْجُودَةً قَبْلَ التَّكَلُّمِ غَيْرَ مُفْتَقِرَةٍ) فِي الْوُجُودِ (إلَى الْمُغَيَّا أَيْ مُتَعَلَّقِ الْفِعْلِ لَا الْفِعْلِ لَمْ تَدْخُلْ كَإِلَى هَذَا الْحَائِطِ وَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ إلَّا إنْ تَنَاوَلَهَا) أَيْ الْغَايَةَ (الصَّدْرُ كَالْمَرَافِقِ) فِي وَأَيْدِيكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ لِأَنَّ الْيَدَ تَتَنَاوَلُ الْجَارِحَةَ الْمَعْرُوفَةَ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْإِبِطِ وَلَيْسَتْ الْمَرَافِقُ آخِرَهَا فَيَدْخُلُ (فَأَدْخَلَ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ (فِي الْقَائِمَةِ الْجُزْءَ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ آخِرًا أَوْ لَا (وَاللَّيْلُ) فِي وَأَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنَّمَا لَزِمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهَا مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَالْجُزْءُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ ثُمَّ إنَّمَا كَانَ هَذَا بِلَا دَلِيلٍ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِمَّا يَشْمَلُهُ الصَّدْرُ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ كَمَا فِيمَا بَعْدَهُ فَكَمَا أَخْرَجَ مَا بَعْدَ مَدْخُولِهَا وَهُوَ مَشْمُولُ اللَّفْظِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى إخْرَاجِهِ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ مَدْخُولُهَا لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَنَّ مَدْخُولَهَا عِنْدَ الْمُنْتَهَى لَا مَعَهُ (وَغَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَصَاحِبِ الْمَنَارِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ قَالَ: (إنْ قَامَتْ) الْغَايَةُ (لَا) تَدْخُلُ (كَرَأْسِ السَّمَكَةِ وَإِلَّا) إنْ لَمْ تَقُمْ (فَإِنْ تَنَاوَلَهَا) الصَّدْرُ (كَالْمَرَافِقِ دَخَلَتْ وَإِلَّا) إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا الصَّدْرُ (لَا) تَدْخُلُ (كَاللَّيْلِ) فِي الصَّوْمِ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِمْسَاكِ سَاعَةً بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ (فَأَخْرَجُوهُمَا) أَيْ الْمَرَافِقِ وَاللَّيْلِ عَنْ الْقَائِمَةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَدْخَلَهُمَا (قِيلَ) : أَيْ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ مَا مَعْنَاهُ (مَبْنَاهُ) أَيْ قَوْلِ غَيْرِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ (عَلَى تَفْسِيرِ الْقَائِمَةِ) بِنَفْسِهَا (بِكَوْنِهَا غَايَةً قَبْلَ التَّكَلُّمِ) أَيْ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ (غَايَةً بِذَاتِهَا لَا بِجَعْلِهَا) غَايَةً (بِإِدْخَالِ إلَى عِنْدَهُمْ) وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَرَافِقِ وَاللَّيْلِ لَيْسَ غَايَةً قَائِمَةً بِنَفْسِهَا عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا صَارَ غَايَةً بِالْجَعْلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (مَبْنِيٌّ عَلَى إرَادَةِ

مُنْتَهَى الشَّيْءِ لَا) مُنْتَهَى (الْحُكْمِ) بِالْقَائِمَةِ (فَخَرَجَ اللَّيْلُ وَالْجُزْءُ غَيْرُ الْمُنْتَهَى) كَالْمَرَافِقِ مِنْ الْقَائِمَةِ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مُنْتَهَى الصِّيَامِ وَالْمَرَافِقِ لَيْسَتْ مُنْتَهَى الْيَدِ (وَاخْتَصَّ) كَوْنُهَا قَائِمَةً عَلَى هَذَا عِنْدَهُمْ (بِنَحْوِ إلَى الْحَائِطِ وَرَأْسِ السَّمَكَةِ) مِمَّا هُوَ مُنْتَهَى الشَّيْءِ (وَبِالْمَجْمُوعِ) أَيْ وَاخْتَصَّ كَوْنُهَا قَائِمَةٌ بِمَجْمُوعِ كَوْنِهَا مُنْتَهَى الْمُغَيَّا وَمُنْتَهَى حُكْمِهِ (عِنْدَهُ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (فَدَخَلَا) أَيْ الْمَرَافِقُ وَاللَّيْلُ فِي الْقَائِمَةِ (وَفِيهِ) أَيْ كَوْنِ هَذَا مَبْنَى الْخِلَافِ (نَظَرٌ لِأَنَّهُ) أَيْ فَخْرَ الْإِسْلَامِ (أَدْخَلَ الْمَرَافِقَ) فِي الْقَائِمَةِ (مَعَ انْتِفَاءِ صِدْقِ الْمَجْمُوعِ عَلَيْهَا) أَيْ الْمَرَافِقِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُنْتَهَى الْيَدِ وَلَا حُكْمَ الْيَدِ (وَالْحَقُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ) فِي الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ (بِالتَّنَاوُلِ) أَيْ بِتَنَاوُلِ صَدْرِ الْكَلَامِ لِلْمُغَيَّا وَالْغَايَةِ مَعًا (وَعَدَمِهِ) أَيْ التَّنَاوُلِ (فَيَرْجِعُ) كَوْنُ مَنَاطِ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ التَّنَاوُلُ وَعَدَمُهُ (إلَى التَّفْصِيلِ النَّحْوِيِّ) إلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا إنْ كَانَ جُزْءًا مِمَّا قَبْلَهَا دَخَلَ وَإِلَّا فَلَا (وَلِذَا خَطِئَ مَنْ أَدْخَلَ الرَّأْسَ) مِنْ السَّمَكَةِ (فِي الْقَائِمَةِ وَحَكَمَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْقَائِمَةِ مُطْلَقًا) فِي حُكْمِ الْمُغَيَّا وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَلَمْ يَزِدْ التَّفْصِيلَ إلَى الْقَائِمَةِ وَغَيْرِهَا سِوَى الشَّغَبِ) فِي الْمُرَادِ بِالْقَائِمَةِ ثُمَّ هُوَ بِالتَّسْكِينِ تَهْيِيجُ الشَّرِّ وَلَا يُقَال شَغَبٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ رَجُلٌ ذُو شَغَبٍ وَشَغَبٍ (فَعَدَمُ دُخُولِ الْعَاشِرِ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (فِي لَهُ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرَةٍ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ) أَيْ الدِّرْهَمِ (إيَّاهُ) أَيْ الْعَاشِرَ فَلَزِمَهُ تِسْعَةٌ (وَأَدْخَلَاهُ) أَيْ الْعَاشِرَ (بِادِّعَاءِ الضَّرُورَةِ إذْ لَا يَقُومُ) الْعَاشِرُ غَايَةً (بِنَفْسِهَا) لِعَدَمِ وُجُودِهِ بِدُونِ تِسْعَةٍ قَبْلَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ (فَلَا يَكُونُ) الْعَاشِرُ غَايَةً (إلَّا مَوْجُودَةً) أَيْ إلَّا بَعْدَ الْوُجُودِ (وَهُوَ) أَيْ وُجُودُهَا (بِوُجُوبِهَا) فَيَجِبُ (وَصَارَ) الْعَاشِرُ (كَالْمُبْدَأِ) وَهُوَ الدِّرْهَمُ الْأَوَّلُ فِي الدُّخُولِ ضَرُورَةً فَلَزِمَهُ عَشَرَةُ (وَقَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ (الْمَبْدَأُ) أَيْ دُخُولُهُ (بِالْعُرْفِ) وَدَلَالَةِ الْحَالِ (وَالْإِثْبَاتِ) لِلْأَوَّلِ (لِمَعْرُوضِ الثَّانَوِيَّةِ) أَيْ لِأَجْلِ إثْبَاتِ الثَّانَوِيَّةِ لِلثَّانِي ضَرُورَةُ ثُبُوتِ الثَّانِي وَهَلُمَّ جَرًّا (إلَى الْعَاشِرِيَّةِ) أَيْ لِإِثْبَاتِهَا لِلْعَاشِرِ (لَا يَثْبُتُ الْعَاشِرُ) لِعَدَمِ احْتِيَاجِ إثْبَاتِ التَّاسِعِيَّةِ لِلتَّاسِعِ إلَى الْعَاشِرِ (وَوُجُودُهُ) أَيْ الْعَاشِرِ إنَّمَا هُوَ (لِكَوْنِهِ غَايَةٌ فِي التَّعَقُّلِ لِتَحْدِيدِ الثَّابِتِ دُونَهُ) أَيْ دُونِ الْعَاشِرِ وَهُوَ التَّاسِعُ (وَإِضَافَةُ كُلِّ مَا قَبْلَهُ) أَيْ الْعَاشِرِ (مِنْ الثَّانِي إلَى التَّاسِعِ يَسْتَدْعِي مَا قَبْلَهَا لَا مَا بَعْدَهَا كَالْعَاشِرِ وَلَوْ اسْتَدْعَاهُ) أَيْ مَا بَعْدَهَا الْعَاشِرُ (كَانَ) اسْتِدْعَاؤُهُ إيَّاهُ (فِي الْوُجُودِ لَا فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ) أَيْ الْوُجُودِ وَهُوَ الْوُجُوبُ (لَهُ) أَيْ لِلْعَاشِرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ (عَلَى مَعْرُوضِ وَصْفٍ مُضَايِفٍ) لِوَصْفٍ آخَرَ (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ الْحُكْمُ بِشَيْءٍ آخَرَ (عَلَى مَعْرُوضِ) الْوَصْفِ (الْآخَرِ وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى مَعْرُوضِ وَصْفٍ مُضَايِفٍ لِوَصْفٍ آخَرَ يُوجِبُهُ عَلَى مَعْرُوضِ الْوَصْفِ الْآخَرِ (وَجَبَ قِيَامُ الِابْنِ لِلْحُكْمِ بِهِ) أَيْ لِمَا يَحْكُمُ بِهِ (عَلَى الْأَبِ) لِمُضَايَفَتِهِ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِكَوْنِ الْأَبِ فِي الدَّارِ كَوْنُ الِابْنِ فِيهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْأَبَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الِابْنِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ عَلَى مَعْرُوضِ وَصْفٍ مُضَايِفٍ لِوَصْفٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِهِ عَلَى مَعْرُوضِ الْوَصْفِ الْآخَرِ (لَمْ يَقَعْ بِطَالِقٍ ثَانِيَةً غَيْرُ وَاحِدَةٍ) لِكَوْنِ الثَّانِيَةِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِوُقُوعِ الْأُولَى غَيْرَ أَنَّ وَصْفَ الثَّانَوِيَّةِ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَقْصُودِ الثُّبُوتِ هُنَا. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ مُمْكِنُ الثُّبُوتِ بِدُونِ كَوْنِهِ ثَانِيَةً وَكَوْنِهِ ثَانِيَةً هُنَا غَيْرُ مُمْكِنِ الثُّبُوتِ لِأَنَّ كَوْنَهُ ثَانِيَةً إنَّمَا هُوَ بِإِيقَاعِ أُخْرَى سَابِقَةٍ عَلَى هَذَا الْإِيقَاعِ وَهِيَ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ هُنَا لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ وَالطَّلَاقُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِاللَّفْظِ لَغَا وَصْفُ الثَّانَوِيَّةِ وَوَقَعَ مَعْرُوضُهَا الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (وَوُقُوعُهُمَا) أَيْ الطَّلْقَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (فِي) أَنْتِ طَالِقٌ (مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ بِوُقُوعِ الْأُولَى لِلْعُرْفِ لَا لِذَلِكَ) أَيْ التَّضَايُفِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ (وَلَا لِجَرَيَانِ ذِكْرِهَا) أَيْ الْأُولَى (لِأَنَّ مُجَرَّدَهُ) أَيْ ذِكْرِهَا (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ وُقُوعَهَا (إذَا لَمْ تَقْتَضِهِ) أَيْ وُقُوعُهَا بِمُجَرَّدِ ذِكْرِهَا (اللُّغَةُ وَبِهَذَا) أَيْ كَوْنِ مُجَرَّدِ ذِكْرِ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي وُقُوعَهُ إذَا لَمْ تَقْتَضِهِ اللُّغَةُ (بَعْدَ قَوْلِهِمَا فِي إيقَاعِ الثَّالِثَةِ) أَيْ بِإِيقَاعِهَا

(وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ (الْخِلَافُ فِي دُخُولِ الْغَدِ غَايَةً لِلْخِيَارِ وَالْيَمِينِ) فِي بِعْتُك هَذَا بِكَذَا عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ إلَى غَدٍ، وَوَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُك إلَى غَدٍ (فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ) بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (لِلتَّنَاوُلِ) أَيْ تَنَاوُلِ الْكَلَامِ الْغَايَةَ (لِأَنَّ مُطْلَقَهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَنَفْيِ الْكَلَامِ (يُوجِبُ الْأَبَدَ فَهِيَ) أَيْ الْغَايَةُ فِيهِمَا (لِإِسْقَاطِ مَا بَعْدَهَا) فَيَدْخُلُ الْغَدُ فِي الْخِيَارِ وَفِي الْيَمِينِ (وَمَا وَقَعَ) فِي نُسَخٍ مِنْ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ (فِي الْآجَالِ وَالْأَثْمَانِ) فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ (غَلَطٌ لِإِنْفَاقِ الرِّوَايَةِ عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ دُخُولِ الْغَايَةِ (فِي أَجَلِ الدَّيْنِ وَالثَّمَنِ وَالْإِجَارَةِ) كَاشْتَرَيْتُ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرِ كَذَا أَوْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِمِائَةٍ إلَى شَهْرِ كَذَا فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ الشَّهْرُ فِي الْأَجَلِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الدُّخُولِ هُوَ (الظَّاهِرُ) أَيْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ (فِي الْيَمِينِ) فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ الصَّوَابُ فِي الْآجَالِ فِي الْأَيْمَانِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (فَلَزِمَهُ) أَيْ أَبَا حَنِيفَةَ (الْفَرْقُ) بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ (فَقِيلَ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ: ذِكْرُ الْغَايَةِ (فِي الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الدَّيْنِ وَالثَّمَنِ (لِلتَّرْفِيهِ) أَيْ التَّخْفِيفِ وَالتَّوْسِعَةِ (وَيَصْدُقُ) التَّرْفِيهُ (بِالْأَقَلِّ زَمَانًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا) أَيْ الْكَلَامُ الْغَايَة (فَهِيَ) أَيْ الْغَايَة فِيهِمَا (لِلْمَدِّ) أَيْ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا (وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ) بِعِوَضٍ مَالِيٍّ (وَيَصْدُقُ) تَمْلِيكُهَا (كَذَلِكَ) أَيْ بِالْأَقَلِّ زَمَانًا (وَهُوَ) أَيْ تَمْلِيكُهَا كَذَلِكَ (غَيْرُ مُرَادٍ فَكَانَ) الْمُرَادُ مِنْهَا (مَجْهُولًا) لِجَهَالَةِ مِقْدَارِ الْمُدَّةِ الْمُرَادَةِ (فَهِيَ) أَيْ الْغَايَةُ فِيهَا (لِمُدَّةِ) أَيْ الْحُكْمِ (إلَيْهَا) أَيْ الْغَايَةِ (بَيَانًا لِقَدْرٍ) مَجْهُولٍ فَلَمْ تَدْخُلْ الْغَايَةُ (وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي وَجْهِ الظَّاهِرِ) فِي عَدَمِ دُخُولِ الْغَدِ فِي الْيَمِينِ (فِي حُرْمَةِ الْكَلَامِ) وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِهِ (فِي مَوْضِعِ الْغَايَةِ شَكٌّ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحُرْمَةِ لِلنَّهْيِ عَنْ هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِكَلَامِهِ (وَمَا نُسِبَ إلَيْهِمَا) أَيْ الصَّاحِبَيْنِ مِنْ أَنَّ الْغَايَةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ (لَا تَدْخُلُ) فِي الْمُغَيَّا (إلَّا بِدَلِيلٍ وَلِذَا) أَيْ وَلِعَدَمِ دُخُولِهَا فِيهِ (سُمِّيَتْ غَايَةً لِأَنَّ الْحُكْمَ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْمَرَافِقُ بِالسُّنَّةِ) فِعْلًا كَمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ «جَابِرٍ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدِيرُ الْمَاءَ عَلَى الْمَرَافِقِ» (وَبَحْثُ الْقَاضِي إذَا قَرَنَ الْكَلَامَ بِغَايَةٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ أَوْ شَرْطٍ لَا يُعْتَبَرُ بِالْمُطْلَقِ لَمْ يَخْرُجْ بِالْقَيْدِ) عَنْ الْإِطْلَاقِ (بَلْ بِجُمْلَتِهِ) أَيْ بَلْ يُعْتَبَرُ مَعَ الْقَيْدِ جُمْلَةً وَاحِدَةً (فَالْفِعْلُ مَعَ الْغَايَةِ كَلَامٌ وَاحِدٌ لِلْإِيجَابِ إلَيْهَا) أَيْ الْغَايَةِ (لَا لِلْإِيجَابِ وَالْإِسْقَاطِ) لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ فَلَا يَثْبُتَانِ إلَّا بِنَصَّيْنِ وَالْكَلَامُ مَعَ الْغَايَةِ نَصٌّ وَاحِدٌ (يُوجِبُ أَنْ لَا اعْتِبَارَ بِذَلِكَ التَّفْصِيلِ) النَّحْوِيِّ فَقَوْلُهُ وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مُبْتَدَأٌ وَكُلٌّ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا نُسِبَ إلَيْهِمَا وَمِنْ قَوْلِهِ وَبَحْثُ الْقَاضِي مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَيُوجِبُ خَبَرَهُ يَعْنِي أَنَّهُ يُؤَيِّدُ مَا رَدَّهُ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِ مَحَلِّ الْغَايَةِ مُتَنَاوِلَ الصَّدْرِ فَيَدْخُلُ أَوْ لَا، فَلَا حَيْثُ قَالَ: وَالتَّفْصِيلُ بِلَا دَلِيلٍ وَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ لَهُمْ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَشْمُولًا كَانَ اللَّفْظُ مُثْبِتًا لِلْحُكْمِ فِيهَا وَفِيمَا وَرَاءَهَا فَذِكْرُهَا يَكُونُ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهَا غَيْرُ تَامٍّ إذْ يُقَالُ: لِمَ لَا يَكُونُ ذِكْرُهَا لِإِخْرَاجِ الْكُلِّ مِنْهَا وَمِمَّا وَرَاءَهَا فَإِنَّ الْحَاصِلَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِبَعْضِ الْمُسَمَّى فَجَازَ كَوْنُهُ الْبَعْضَ الَّذِي مِنْهُ مَحَلُّ الْغَايَةِ كَمَا جَازَ كَوْنُهُ مَا سِوَاهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (بَلْ الْإِدْخَالُ بِالدَّلِيلِ مِنْ وُجُوبِ احْتِيَاطٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَهُوَ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى الْإِدْخَالِ (فِي الْخِيَارِ كَوْنُهُ) أَيْ الْخِيَارِ شُرِعَ (لِلتَّرَوِّي وَقَدْ ضَرَبَ الشَّرْعُ لَهُ) أَيْ لِلتَّرَوِّي (ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهَا (حَيْثُ ثَبَتَ) التَّرَوِّي (كَالْبَيْعِ) فَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرِكِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ حِبَّانُ بْنُ مُنْقِذٍ رَجُلًا ضَعِيفًا وَكَانَ قَدْ أَصَابَتْهُ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخِيَارَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ» وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ سَمِعْت رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يَشْكُو إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ: إذَا ابْتَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَالرِّدَّةُ) فَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ قَالَ: نَعَمْ رَجُلٌ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام فَقَتَلْنَاهُ فَقَالَ: هَلَّا حَبَسْتُمُوهُ فِي بَيْتٍ

ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا لَعَلَّهُ يَتُوبُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرُ وَلَمْ أَرْضَ (لِأَنَّهَا) أَيْ الثَّلَاثَةَ (مَظِنَّةُ إتْقَانِهِ) أَيْ التَّرَوِّي اتَّقَانَا (تَامًّا فَالظَّاهِرُ إدْخَالُ مَا عُيِّنَ غَايَةً) لِلتَّرَوِّي (دُونَهَا) أَيْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (وَعَلَى هَذَا) الْبَحْثِ (انْتَفَى بِنَاءُ إيجَابِ) غَسْلِ (الْمَرَافِقِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ مُتَنَاوَلًا لِلصَّدْرِ إذْ ظَهَرَ أَنْ لَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ جُزْءًا فِي الدُّخُولِ فِي الْحُكْمِ (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَانْتَفَى أَيْضًا تَوْجِيهُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ افْتِرَاضَ غَسْلِ الْمَرَافِقِ بِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا (عَلَى اسْتِعْمَالِهَا) أَيْ إلَى (لِلْمَعِيَّةِ) كَمَا فِي {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] (بَعْدَ قَوْلِهِمْ الْيَدِ) مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ (إلَى الْمَنْكِبِ) وَإِنَّمَا انْتَفَى (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (يُوجِبُ الْكُلَّ) أَيْ غَسْلَ الْيَدِ إلَى الْمَنْكِبِ (لِأَنَّهُ كَاغْسِلْ الْقَمِيصَ وَكُمَّهُ وَغَايَتُهُ) أَيْ ذِكْرِ الْمَرَافِقِ حِينَئِذٍ (كَإِفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ) بِحُكْمِ الْعَامِّ (إذْ هُوَ) أَيْ ذِكْرُ الْمَرَافِقِ (تَنْصِيصٌ عَلَى بَعْضِ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ) وَهُوَ الْيَدُ (بِتَعْلِيقِ عَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ) بِذَلِكَ الْبَعْضِ (وَذَلِكَ) أَيْ وَإِفْرَادُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ (لَا يُخْرِجُ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ ذَلِكَ الْفَرْدِ عَنْ حُكْمِ الْعَامِّ فَكَذَا التَّنْصِيصُ عَلَى الْمَرَافِقِ لَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ مَا وَرَاءَهَا مِنْ وُجُوبِ الْغَسْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَيْدِي (وَلَوْ أَخْرَجَ) التَّنْصِيصُ عَلَى الْفَرْدِ مِنْهُ غَيْرَهُ عَنْ حُكْمِهِ (كَانَ) إخْرَاجًا (بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ) وَهُوَ مَرْدُودٌ فَكَذَا هَذَا (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَانْتَفَى أَيْضًا مَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ رَضِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ فِي تَوْجِيهِ افْتِرَاضِ غَسْلِ الْمَرَافِقِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ (لِضَرُورَةِ غَسْلِ الْيَدِ إذْ لَا يَتِمُّ) غَسْلُهَا (دُونَهُ) أَيْ غَسْلِ الْمَرْفَقِ (لِتَشَابُكِ عَظْمَاتِ الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ) وَعَدَمِ إمْكَانِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا فَيَتَعَيَّنُ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ افْتِرَاضِ غَسْلِ الذِّرَاعِ بِيَقِينٍ غَسْلُ الْمِرْفَقِ وَإِنَّمَا انْتَفَى (لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الذِّرَاعِ لَيَجِبَ غَسْلُ مَا لَازِمُهُ) وَهُوَ طَرَفُ عَظْمِ الْعَضُدِ (بَلْ) تَعَلَّقَ وُجُوبُ الْغَسْلِ (بِالْيَدِ إلَى الْمِرْفَقِ وَمَا بَعْدُ إلَى لِمَا لَمْ يَدْخُلْ) كَمَا هُوَ الْفَرْضُ (لَمْ يَدْخُلْ جَزَآهُمَا) أَيْ الذِّرَاعُ وَالْعَضُدُ (الْمُلْتَقِيَانِ) فِي الْمِرْفَقِ (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَانْتَفَى أَيْضًا تَوْجِيهُ افْتِرَاضِ غَسْلِ الْمِرْفَقِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَبَهَ الْمُرَادُ بِغَسْلِ الْيَدِ إلَى الْمِرْفَقِ (لِلْإِجْمَالِ) لِأَنَّ إلَى تُسْتَعْمَلُ لِلْغَايَةِ وَبِمَعْنَى مَعَ (وَغَسْلُهُ) الْمِرْفَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَالْتَحَقَ) غَسْلُهُ (بِهِ) أَيْ بِغَسْلِ الْيَدِ إلَى الْمِرْفَقِ (بَيَانًا) لِمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ وَإِنَّمَا انْتَفَى (لِأَنَّ عَدَمَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ) يَعْنِي وَأَيْدِيكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ عَلَى دُخُولِ الْمِرْفَقِ فِي الْغَسْلِ (لَا يُوجِبُ الْإِجْمَالَ) فِيمَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَى الْمَرَافِقِ وَلَا سِيَّمَا (وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ بَلْ) الَّذِي يُوجِبُ الْإِجْمَالَ (الدَّلَالَةُ الْمُشْتَبِهَةُ) عَلَى الْمُرَادِ اشْتِبَاهًا لَا يُدْرَكُ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ الْمُجْمَلِ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ هُنَا وَحِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (فَبَقِيَ مُجَرَّدُ فِعْلِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (دَلِيلُ السُّنَّةِ) كَمَا فَعَلَ زُفَرُ بِقَوْلِهِ (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَانْتَفَى أَيْضًا تَوْجِيهُ افْتِرَاضِ غَسْلِ الْمِرْفَقِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْغَايَةَ (تَدْخُلُ) تَارَةً كَمَا فِي حَفِظْت الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ (وَلَا) تَدْخُلُ أُخْرَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (فَتَدْخُلُ احْتِيَاطًا) هُنَا لِأَنَّ الْحَدَثَ مُتَيَقَّنٌ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا انْتَفَى (لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى الدَّلِيلِ لَا يَجِبُ مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ وَالْفَرْضُ انْتِفَاءُ دَلِيلِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ غَسْلِ الْمِرْفَقِ فِي الْآيَةِ (وَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ وَهُوَ) أَيْ الْعَمَلُ بِأَقْوَاهُمَا (فَرْعٌ تَجَاذُبُهُمَا وَهُوَ) أَيْ تَجَاذُبُهُمَا (مُنْتَفٍ) إذْ لَمْ يَشْتَمِلْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ عَلَى دَلِيلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فِي غَسْلِ الْمِرْفَقِ إيجَابًا وَنَفْيًا (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَانْتَفَى أَيْضًا تَوْجِيهُ افْتِرَاضِ غَسْلِ الْمَرَافِقِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ غَايَةٌ (لِمَسْقَطَيْنِ مُقَدَّرٌ) حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: فَاغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ حَالَ كَوْنِكُمْ مُسْقِطِينَ الْمَنْكِبَ إلَى الْمِرْفَقِ وَإِنَّمَا انْتَفَى (لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِلَا مُلْجِئٍ) إلَيْهِ إذْ الظَّاهِرُ تَعَلُّقُهُ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَانْتَفَى أَيْضًا تَوْجِيهُ وُجُوبِ غَسْلِ الْمِرْفَقِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ مِنْ أَنَّ إلَى الْمَرَافِقِ (مُتَعَلِّقٌ بِاغْسِلُوا مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِسْقَاطُ) أَيْ فَهُوَ غَايَةٌ لَا غَسَلُوا لَكِنْ لِأَجْلِ إسْقَاطِ مَا وَرَاءَ الْمِرْفَقِ عَنْ حُكْمِ الْغَسْلِ وَإِنَّمَا انْتَفَى (لِأَنَّهُ) أَيْ اللَّفْظَ (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ هَذَا الْمُرَادُ (وَكَوْنُهُ) أَيْ إلَى الْمَرَافِقِ

مسألة في للظرفية

(مُتَعَلِّقًا بِاغْسِلُوا مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ) أَيْ اغْسِلُوا (الْإِسْقَاطُ) عَمَّا وَرَاءِ الْمِرْفَقِ (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ الْإِسْقَاطُ (عَمَّا فَوْقَ الْمَرَافِقِ بَلْ) إنَّمَا يُوجِبُ الْإِسْقَاطَ (عَمَّا قَبْلَهُ) أَيْ الْمَرَافِقِ (بِاللَّفْظِ مَعَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهَ (بِلَا قَاعِدَةٍ وَالْأَقْرَبُ) مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ لُزُومَ غَسْلِهَا (الِاحْتِيَاطُ لِثُبُوتِ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ) أَيْ الدُّخُولِ (كَثِيرًا وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ تَرْكُهُ) أَيْ غَسْلِ الْمَرَافِقِ (فَقَامَتْ قَرِينَةُ إرَادَتِهِ) أَيْ الدُّخُولِ (مِنْ النَّصِّ ظَنًّا فَأَوْجَبَ) هَذَا التَّوْجِيهُ (لِلِاحْتِيَاطِ) بِالْغَسْلِ (إلَّا أَنَّ مُقْتَضَاهُ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهِ (وُجُوبُ إدْخَالِهِمَا) أَيْ الْمِرْفَقَيْنِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ (عَلَى أَصْلِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ لَا افْتِرَاضِ دُخُولِهِمَا وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ الِافْتِرَاضُ وَإِنْ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ إطْلَاقَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الِاصْطِلَاحِيِّ لَهُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ إطْلَاقِ الْفَرْضِ عَلَيْهِ لَا بِالْقَلْبِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُكَفِّرُوا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ الْمُخَالِفَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَوْ يَثْبُتُ اسْتِقْرَاءُ التَّفْصِيلِ) بَيْنَ مَا كَانَ جُزْءًا فَيَدْخُلُ وَإِلَّا فَلَا (فَيَحْمِلُ) الْغَايَةَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ (عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ فِي الْآيَةِ) فَتَدْخُلُ افْتِرَاضًا إنْ كَانَ الِاسْتِقْرَاءُ تَامًّا قَطْعِيًّا وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ [مَسْأَلَةُ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ] (مَسْأَلَةٌ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ) بِأَنْ يَشْتَمِلَ الْمَجْرُورُ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ اشْتِمَالًا مَكَانِيًّا أَوْ زَمَانِيًّا (حَقِيقَةً) كَالْمَاءِ فِي الْكُوزِ وَالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ (فَلَزِمَا) أَيْ الظَّرْفُ وَالْمَظْرُوفُ (فِي غَصَبْتُهُ ثَوْبًا فِي مَنْدِيلٍ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبِ مَظْرُوفٍ فِي ظَرْفٍ وَغَصْبُ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ (وَمَجَازًا كَالدَّارِ فِي يَدِهِ وَ) هُوَ (فِي نِعْمَةٍ) جُعِلَتْ يَدُهُ ظَرْفًا لِلدَّارِ لِاخْتِصَاصِهَا بِهَا مَنْفَعَةً وَتَصَرُّفًا وَالنِّعْمَةُ ظَرْفًا لَهُ لِغَمْرِهَا إيَّاهُ (وَعَمَّ مُتَعَلِّقُهَا مَدْخُولَهَا) حَالَ كَوْنِهَا (مُقَدَّرَةً لَا مَلْفُوظَةً) وَهَذَا الْعُمُومُ ثَابِتٌ (لُغَةً لِلْفَرْقِ) لُغَةً وَعُرْفًا (بَيْنَ صُمْت سَنَةً وَفِي سَنَةٍ) فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُفِيدُ اسْتِيعَابَ السَّنَةِ بِالصَّوْمِ وَالثَّانِي يُفِيدُ وُقُوعَهُ فِيهَا وَهُوَ يَصْدُقُ بِوُقُوعِهِ فِي بَعْضِ يَوْمٍ مِنْهَا إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الظَّرْفِيَّةِ الِاسْتِيعَابُ وَمِمَّا يُرْشِدُ إلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] فَإِنَّهُ لَا اسْتِيعَابَ فِيمَا فِيهِ الْحَرْفُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِيمَا لَا حَرْفَ فِيهِ وَالنُّكْتَةُ فِيهِ أَنَّ نُصْرَةَ اللَّهِ إيَّاهُمْ فِي الْعُقْبَى دَائِمَةٌ بِخِلَافِ النُّصْرَةِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهَا إنَّمَا هِيَ فِي أَوْقَاتٍ لِأَنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ (فَلَمْ يَصْدُقْ قَضَاءً فِي نِيَّتِهِ آخِرَ النَّهَارِ فِي طَالِقٌ غَدًا) وَصَدَقَ دِيَانَةً عِنْدَ الْكُلِّ (وَصَدَقَ فِي) طَالِقٌ (فِي غَدٍ) قَضَاءً وَدِيَانَةً فِي نِيَّتِهِ آخِرَ النَّهَارِ عِنْدَهُ (خِلَافًا لَهُمَا) فَقَالَا: يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا غَيْرَ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ كَالْأَوَّلِ لِأَنَّ حَذْفَ لَفْظَةِ مَعَ إرَادَتِهَا وَإِثْبَاتِهَا سَوَاءٌ وَحَيْثُ كَانَ حَذْفُهَا يُفِيدُ عُمُومَ الزَّمَانِ فَإِثْبَاتُهَا كَذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّةَ يَقَعُ فِي إثْبَاتِهَا فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْغَدِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ اتِّفَاقًا وَلَهُ أَنَّ ذِكْرَهَا يُفِيدُ وَصْلَ مُتَعَلِّقِهَا بِجُزْءٍ مِنْ مَدْخُولِهَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِجُزْءٍ آخَرَ أَوْ كُلِّهِ أَوْ لَا وَإِنَّمَا يُعْرَفُ أَحَدُهَا مِنْ خَارِجٍ لَا مَدْلُولَ اللَّفْظِ فَإِذَا نَوَى جُزْءًا مِنْ الزَّمَانِ خَاصًّا فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتَوَاطِئِ (وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ أَوَّلُ أَجْزَائِهِ) أَيْ الْغَدِ (مَعَ عَدَمِهَا) أَيْ النِّيَّةِ (لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ) لِسَبْقِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ وَوَصَلَ الْفِعْلَ إلَى الْغَدِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْمُفَادَ حِينَئِذٍ الْعُمُومُ مِنْ اللُّغَةِ قَطْعًا كَمَا ذَكَرْنَا فَنِيَّةُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَلَا يَصْدُقُ قَضَاءً (وَتَنَجَّزَ نَحْوُ طَالِقٌ فِي الدَّارِ وَالشَّمْسِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ) أَيْ كُلٍّ مِنْ الدَّارِ وَالشَّمْسِ (لِلْإِضَافَةِ) أَيْ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ مَعْنَى وَالتَّعْلِيقُ إنَّمَا يَكُونُ بِمَعْدُومٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَالْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الثَّابِتَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِذَا بَطَلَ التَّعْلِيقُ فَقَدْ خَلَا اللَّفْظُ فِي الْمَعْنَى عَنْهُ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ (إلَّا أَنْ يُرَادَ) بِقَوْلِهِ فِي الدَّارِ (نَحْوُ دُخُولُكَهَا) أَيْ فِي دُخُولِك الدَّارَ حَالَ كَوْنِ الدُّخُولِ (مُضَافًا) إلَى الدَّارِ وَحُذِفَ اخْتِصَارًا (أَوْ) يُرَادُ بِهِ (الْمَحَلُّ فِي الْحَالِ) الَّذِي هُوَ الدُّخُولُ مَجَازًا (أَوْ) يُرَادُ بِهِ (اسْتِعْمَالُهَا) أَيْ فِي (فِي الْمُقَارَنَةِ) أَيْ بِمَعْنَى مَعَ لِأَنَّ فِي الظَّرْفِ مَعْنَى الْمُقَارَنَةِ لِلْمَظْرُوفِ إذْ مِنْ قَضِيَّتِهِ الِاحْتِوَاءُ عَلَيْهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ (كَالتَّعْلِيقِ تَوَقُّفًا) كَمَا لِلْمُقَارِنِ مَعَ مُقَارِنِهِ (لَا)

كَالتَّعْلِيقِ (تَرَتُّبًا) كَمَا لِلْمُعَلَّقِ عَلَى الشَّرْطِ مَعَهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ (فَعَنْهُ) أَيْ كَوْنِهِ كَالتَّعْلِيقِ تَوَقُّفًا لَا تَرَتُّبًا (لَا تَطْلُقُ أَجْنَبِيَّةٌ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك) ثُمَّ تَزَوَّجَهَا كَمَا لَوْ قَالَ: مَعَ نِكَاحِك؛ لِأَنَّ إيجَابَ الطَّلَاقِ الْمُقَارِنِ لِلنِّكَاحِ لَغْوٌ وَإِلَّا لَوْ كَانَ كَالتَّعْلِيقِ تَرَتُّبًا طَلُقَتْ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ هَذَا وَحَذْفُ الْمُضَافِ أَوْ التَّجَوُّزُ الْمَذْكُورُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَصْدُقْ فِيهِ قَضَاءً وَصَدَقَ دِيَانَةً لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ ثُمَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَصْلُحُ الدُّخُولُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ شَاغِلٌ لَهُ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَارَ إلَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَصْدَرِ الْمُرَادِ بِهِ الزَّمَانُ كَأَتَيْتُكَ قُدُومَ الْحَاجِّ وَخُفُوقَ النَّجْمِ وَهُوَ شَائِعٌ لُغَةً أَوْ إلَى اسْتِعَارَةِ فِي لِلْمُقَارَنَةِ لِلْمُنَاسِبَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ التَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يُرَادَ نَحْوُ دُخُولُكَهَا أَوْ الْمَحَلُّ فِي الْحَالِ إمَّا عَلَى إرَادَةِ الزَّمَانِ أَوْ الْمُقَارَنَةِ بَقِيَ (وَتَعَلَّقَ طَالِقٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ) بِمَشِيئَةِ اللَّهِ كَإِنْ شَاءَ اللَّهُ (فَلَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ (لِأَنَّهُ) أَيْ وُقُوعَهُ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ (غَيْبٌ لِاخْتِصَاصِهَا) أَيْ الْمَشِيئَةِ بِاَللَّهِ بِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُقُوعِ فَيَكُونُ الْحَالُ عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ الْوُقُوعُ بِطَرِيقِهِ (وَتَنَجَّزَ) الطَّلَاقُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ (فِي عِلْمِ اللَّهِ لِشُمُولِهِ) أَيْ عِلْمِهِ جَمِيعَ الْمَعْلُومَاتِ أَلَا إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (فَلَا خَطَرَ) فِي التَّعْلِيقِ بِهِ (بَلْ) التَّعْلِيقُ بِهِ (تَعْلِيقٌ بِكَائِنٍ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ تَعَالَى بِحَالٍ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِمَوْجُودٍ فَكَانَ تَنْجِيزًا (وَأَوْرَدَ) عَلَى هَذَا (فَيَجِبُ الْوُقُوعُ فِي) أَنْتِ طَالِقٌ (فِي قُدْرَةِ اللَّهِ لِلشُّمُولِ) أَيْ لِشُمُولِ الْقُدْرَةِ جَمِيعَ الْمُمْكِنَاتِ (أُجِيبَ بِكَثْرَةِ إرَادَةِ التَّقْدِيرِ) أَيْ تَقْدِيرِ اللَّهِ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ (فَكَالْمَشِيئَةِ) أَيْ فَالْحُكْمُ فِيهِ حِينَئِذٍ كَالْحُكْمِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يُقَدِّرُ شَيْئًا وَقَدْ لَا يُقَدِّرُهُ وَكَوْنُ هَذَا مِمَّا قَدَّرَ وُقُوعَهُ غَيْبٌ عَنَّا فَلَا يَقَعُ بِالِاحْتِمَالِ (وَدُفِعَ) هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّهَا (تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْمَقْدُورِ بِكَثْرَةٍ أَيْضًا وَأُجِيبَ) هَذَا الدَّفْعُ (بِأَنَّ الْمَعْنَى بِهِ) أَيْ بِفِي قُدْرَةِ اللَّهِ (آثَارُ الْقُدْرَةِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ (وَلَا أَثَرَ لِلْعِلْمِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصِفَةٍ مُؤَثِّرَةٍ (وَدُفِعَ) هَذَا (بِاتِّحَادِ الْحَاصِلِ مِنْ مَقْدُورٍ وَآثَارِ الْقُدْرَةِ فَلِمَ لَمْ يَكُنْ) فِي قُدْرَةِ اللَّهِ بِمَعْنَى مَقْدُورِ اللَّهِ (كَالْمَعْلُومِ) فِي عِلْمِ اللَّهِ فَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَالْوَجْهُ إذْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى التَّعْلِيقِ أَنْ لَا مَعْنَى لِلتَّعْلِيقِ بِمَقْدُورِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ وُجُودُهُ فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ أَوْ) كَانَ الْمَعْنَى (عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي جُمْلَةِ مَقْدُورَاتِهِ فَكَذَلِكَ) أَيْ فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ (كَمَا قَرَّرَهُ بَعْضُهُمْ فِي عِلْمِهِ) بِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَعْلُومِ اللَّهِ أَيْ هَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي جُمْلَةِ مَعْلُومَاتِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَقَعْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَعْلُومِ اللَّهِ (وَيُجَابُ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي) وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي جُمْلَةِ مَقْدُورَاتِهِ (وَبِالْفَرْقِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ فِي عِلْمِهِ (بِأَنَّ ثُبُوتَهُ) أَيْ طَلَاقِهَا (فِي عِلْمِهِ بِثُبُوتِهِ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ) أَيْ ثُبُوتُهُ فِي الْوُجُودِ (بِوُقُوعِهِ بِخِلَافِ ثُبُوتِهِ فِي الْقُدْرَةِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ) أَيْ ثُبُوتِهِ فِي الْقُدْرَةِ (أَنَّهُ مَقْدُورٌ) أَيْ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى وُقُوعُهُ (وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مَقْدُورًا كَوْنُهُ مَوْجُودًا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ) وَمِنْ ثَمَّةَ يُقَالُ لِفَاسِدِ الْحَالِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ صَلَاحُهُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي الْحَالِ (هَذَا حَقِيقَةُ الْفَرْقِ وَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ وَأَيْضًا الْمَبْنِيُّ) فِيمَا يُعْتَبَرُ فِي التَّرْكِيبِ مُعَلَّقًا عَلَيْهِ (الْحَمْلُ عَلَى الْأَكْثَرِ فِيهِ اسْتِعْمَالًا فَلَا يَرِدُ الثَّانِي) وَهُوَ كَوْنُ الْقُدْرَةِ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْمَقْدُورِ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهَا بِمَعْنَاهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ التَّقْدِيرِ (وَلَوْ تَسَاوَيَا لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ) هَذَا وَلَوْ أَرَادَ حَقِيقَةَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى يَقَعُ فِي الْحَالِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي (وَلِبُطْلَانِ الظَّرْفِيَّةِ لَزِمَ عَشَرَةٌ فِي لَهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ) لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِنَفْسِهِ لَا يُقَالُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَجَازِهِ وَهُوَ مَعْنَى مَعَ أَوْ وَاوِ الْعَطْفِ كَمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ عِنْدَ تَعَدُّدِ جِهَةِ الْمَجَازِ لَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَيَتَعَيَّنُ الْإِلْغَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الذِّمَمِ الْبَرَاءَةُ فَلَا يَجِبُ الْمَالُ بِالشَّكِّ نَعَمْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (إلَّا إنْ قَصَدَ بِهِ) أَيْ بِفِي (الْمَعِيَّةَ) أَيْ مَعْنَى مَعَ (أَوْ الْعَطْفَ) أَيْ وَاوَهُ (فَعِشْرُونَ لِمُنَاسِبَةِ الظَّرْفِيَّةِ كِلَيْهِمَا) أَيْ الْمَعِيَّةِ وَالْعَطْفِ أَمَّا الْمَعِيَّةُ فَكَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْعَطْفُ فَلِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَالظَّرْفُ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ فَكَانَ مُحْتَمَلٌ كَلَامُهُ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ فَيُحْكَمُ بِمَا أَرَادَهُ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يُعْلَمُ قَرِيبًا

(وَمِثْلُهُ) أَيْ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ فِي بُطْلَانِ الظَّرْفِيَّةِ أَنْتِ (طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي وَاحِدَةٍ) فَيَقَعُ وَاحِدَةً مَا لَمْ يَنْوِ الْمَعِيَّةَ أَوْ الْعَطْفَ فَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا وَقَعَ ثِنْتَانِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَ وَاحِدَةً فِي نِيَّةِ الْعَطْفِ وَثِنْتَانِ فِي نِيَّةِ الْمَعِيَّةِ (وَإِنَّمَا يُشْكِلُ إذَا أَرَادَ عُرْفَ الْحِسَابِ) فِي مِثْلِ لَهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ حَيْثُ قَالُوا: يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ (لِأَنَّ مُؤَدَّى اللَّفْظِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ أَرَادَ عُرْفَ الْحِسَابِ (كَمُؤَدَّى عَشْرِ عَشْرَاتٍ) لِأَنَّ عُرْفَهُمْ تُضِيفُ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ بِعَدَدِ الْآخَرِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ وَأَرَادَهُ عَالِمًا بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بِلُغَةٍ أُخْرَى وَهُوَ يَدْرِيهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ زُفَرُ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ: يَلْزَمُهُ مِائَةٌ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ مَجْمُوعَ الْحَاصِلِ وَأَنْكَرَ الْمُقِرُّ حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (أَدَوَاتُ الشَّرْطِ أَيْ تَعْلِيقُ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ عَلَى أُخْرَى تَلِيهَا وَحَاصِلُهُ) أَيْ الشَّرْطِ (رَبْطُ خَاصٍّ وَنِسْبَتُهَا) أَيْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا (عَلَيْهِ) أَيْ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِمْ جُمْلَةً شَرْطِيَّةً (لِدَلَالَتِهَا) أَيْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا (عَلَيْهِ) أَيْ الشَّرْطِ (وَيُقَالُ) لَفْظُ الشَّرْطِ أَيْضًا (لِمَضْمُونِ) الْجُمْلَةِ (الْأُولَى) فَقَطْ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الثَّانِي قَوْلُهُمْ (الشَّرْطُ مَعْدُومٌ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ) أَيْ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَا مُسْتَحِيلٌ وَلَا مُتَحَقِّقٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الشَّرْطَ لِلْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا (وَإِنَّ أَصْلَهَا) أَيْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ (لِتَجَرُّدِهَا لَهُ) أَيْ لِلشَّرْطِ (وَغَيْرِهَا) أَيْ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ (مَعَ خُصُوصِ زَمَانٍ وَنَحْوِهِ) وَمَا فِي التَّحْرِيرِ شَرْحُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ الْأَصْلُ فِي أَلْفَاظِ الشَّرْطِ كُلَّمَا وَالْبَاقِي مُلْحَقٌ بِهَا غَرِيبٌ (وَاشْتُرِطَ) لُغَةً (الْخَطَرُ فِي مَدْخُولِهَا) أَيْ إنَّ (وَمَدْخُولِ الْأَسْمَاءِ الْجَازِمَةِ كَمَتَى حَتَّى امْتَنَعَ إنْ أَوْ مَتَى طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَفْعَلُ) لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ لَا خَطَرَ فِيهِ (إلَّا لِنُكْتَةٍ) مِنْ تَوْبِيخٍ أَوْ تَغْلِيبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي وَهَذَا الِامْتِنَاعُ وَاقِعٌ لُغَةً (لَا لِأَنَّهُ) أَيْ الْخَطَرَ (شَرْطُ الشَّرْطِ) مُطْلَقًا (وَحَاصِلُهُ) أَيْ الْكَلَامِ فِي إنْ (أَنَّهَا إنَّمَا وُضِعَتْ لِإِفَادَةِ التَّعْلِيقِ كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى مَا هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْخَطَرِ لَيْسَ بِشَرْطِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا (صَحَّ) الشَّرْطُ (مَعَ ضِدِّهِ) أَيْ الْخَطَرِ (فِي إذَا جَاءَ غَدٌ أُكْرِمْك) فَإِنَّ مَجِيءَ الْغَدِ مُحَقَّقٌ (لِوَضْعِهَا) أَيْ إذَا (كَذَلِكَ) أَيْ لِإِفَادَةِ التَّعْلِيقِ عَلَى مَا هُوَ مُحَقَّقٌ مَقْطُوعٌ بِهِ إذَا كَانَتْ لِلشَّرْطِ (إلَّا لِنُكْتَةٍ كَإِذَا جَاءَ زَيْدٌ تَفَاؤُلًا) إذَا كَانَ مَجِيئُهُ مَطْلُوبًا وَهُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَكَقَوْلِ عَبْدِ قَيْسٍ بْنِ خِفَافٍ وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى ... (وَإِذَا تُصِبْك) خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ (تَنْزِيلًا لَهُ) أَيْ لِلْخَطَرِ وَهُوَ إصَابَةُ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ إيَّاهُ (مُحَقَّقًا) أَيْ مَنْزِلَةُ الْوَاقِعِ (لِعَادَةِ الْوُجُودِ) لِأَنَّ مِنْ شِيَمِهِ رَدَّ الْمَوَاهِبِ وَحَطَّ الْمَرَاتِبِ (وَتَوْطِينًا) لِلنَّفْسِ عَلَى تَحَمُّلِ مَشَقَّةِ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهَا (لِدَفْعِ الْجَزَعِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ وُقُوعِهِ فَيَأْمَنُ مِنْ مُفَاجَأَةِ الْمَكْرُوهِ (وَتَخْصِيصُهُمْ) أَيْ الْمَشَايِخِ (تَفْرِيعَ إنْ لَمْ أُطَلِّقُك فَطَالِقٌ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِآخِرِ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا مِنْ عَقِبِ التَّعْلِيقِ إلَى وَقْتَئِذٍ (عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَوْتِهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الشَّرْطَ (الْعَدَمُ مُطْلَقًا) أَيْ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا أَبَدًا وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْيَأْسِ مِنْ الْحَيَاةِ مِنْ غَيْرِ تَطْلِيقِهَا مِنْ عَقِبِ التَّطْلِيقِ إلَى هَذَا الْحِينِ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا مَا لَا يَسَعُ التَّطْلِيقَ بِلَفْظٍ مَا فَذَلِكَ الْقَدْرُ صَالِحٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْمَحَلِّ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَوْتِهَا احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ إنَّهَا لَا تَطْلُقُ فِي مَوْتِهَا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَطْلِيقِهَا وَإِنَّمَا عَجَزَ بِمَوْتِهَا وَصَارَ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ بِمَوْتِهِ لَا بِمَوْتِهَا وَوَجْهُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ قَدْ عُرِفَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ بِمَوْتِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ وَرِثَتْهُ بِحُكْمِ الْقَرَارِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً وَلَا تَرِثُهُ وَوَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتُ لَمْ يَرِثْ مِنْهَا وَكَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَإِلَّا فَتَمَامُهُ كَمَا عُرِفَ ثُمَّ تَخْصِيصُهُمْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (لِدَفْعٍ وَهْمِ الْوُقُوعِ بِسُكُوتٍ يَسْعَهُ) الطَّلَاقُ بَعْدَ هَذَا التَّعْلِيقِ (كَمَا هُوَ) الْحُكْمُ (فِي مَتَى) لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ لِإِضَافَتِهِ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ تَطْلِيقِهَا فَإِنَّ مَتَى ظَرْفُ زَمَانٍ وَبِمُجَرَّدِ سُكُوتِهِ

مسألة إذا لزمان ما أضيفت إليه

وَجَدَ الزَّمَانَ الْمُضَافَ إلَيْهِ فَيَقَعُ (فَقَدْ تَضَمَّنَ) هَذَا الْكَلَامُ (مَسْأَلَتَهَا) أَيْ مَتَى (وَمِنْهَا) أَيْ وَمِنْ أَحْكَامِهَا أَنَّهُ إذَا قَالَ: (أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْت لَا يَتَقَيَّدُ) تَفْوِيضُ الْمَشِيئَةِ إلَيْهَا (بِالْمَجْلِسِ فَلَهَا مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ) أَيْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ إيهَامِهَا تَعُمُّ الْأَزْمِنَةَ بِخِلَافِ إنْ شِئْت [مَسْأَلَةُ إذَا لِزَمَانِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ] (مَسْأَلَةُ إذَا لِزَمَانِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] أَيْ وَقْتَ غَشَيَانِهِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ اللَّيْلِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْلِيقُ الْقَسَمِ بِغَشَيَانِ اللَّيْلِ وَتَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِذَا مَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ كَوْنَهُ حَالًا مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ تَقْيِيدَ الْقَسَمِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْضًا (وَتُسْتَعْمَلُ لِلْمُجَازَاةِ) أَيْ لِلشَّرْطِ عَلَى خِلَافِ أَصْلِهَا فَإِنَّ أَصْلَهَا أَنْ تَكُونَ ظَرْفَ زَمَانِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ مِنْ الْجُمَلِ (دَاخِلَةً عَلَى مُحَقَّقٍ) كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا حِينَئِذٍ (وَمَوْهُومٌ) لِنُكْتَةٍ كَمَا سَبَقَ (وَتَوَهَّمَ أَنَّهُ) أَيْ دُخُولَهَا عَلَى مَوْهُومٍ (مَبْنِيُّ حُكْمِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا حِينَئِذٍ حَرْفٌ فَدَفَعَ بِجَوَازِهِ) أَيْ دُخُولِهَا عَلَى مَوْهُومٍ (لِلنُّكْتَةِ) وَهَذَا التَّوَهُّمُ وَدَفْعُهُ وَقَعَا لِلتَّفْتَازَانِيِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَيْسَ) هُوَ مَبْنَاهُ (وَكَلَامُهُ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مَا مُخْتَصَرُهُ (يُجَازَى بِهَا وَلَا) يُجَازَى بِهَا (عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَإِذَا جُوزِيَ) بِهَا (سَقَطَ عَنْهَا الْوَقْتُ كَأَنَّهَا حَرْفُ شَرْطٍ ثُمَّ قَالَ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ: (لَا يَصِحُّ طَرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ حَرْفًا بِمَعْنَى الشَّرْطِ) مِثْلُ إنْ وَقَدْ ادَّعَى ذَلِكَ أَهْلُ الْكُوفَةِ (ثُمَّ أَثْبَتَهُ) أَيْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ كَوْنُهَا حَرْفًا بِمَعْنَى الشَّرْطِ (بِالْبَيْتِ وَإِذْ تُصِبْك) خَصَاصَةٌ فَتَحَمَّلْ (فَلَاحَ أَنَّ الْمَبْنِيَّ) أَيْ مَبْنَى قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا حَرْفٌ (كَوْنُهَا إذَنْ لِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُهَا كَذَلِكَ مَبْنِيٌّ (صَحِيحٌ) لِدَعْوَى حَرْفِيَّتِهَا (لِأَنَّ مُجَرَّدَهُ) أَيْ الشَّرْطِ (رَبْطٌ خَاصٌّ وَهُوَ مِنْ مَعَانِي الْحُرُوفِ وَقَدْ تَكُونُ الْكَلِمَةُ حَرْفًا وَاسْمًا) كَالْكَافِ الْمُفْرَدَةِ وَقَدْ بَلْ وَفِعْلًا أَيْضًا كَعَلَى وَعَنْ (بَلْ الْوَارِدُ) وُرُودًا صَحِيحًا (مَنْعُ سُقُوطِهِ) أَيْ الزَّمَانِ عَنْهَا إذَا جَزَمَ بِهَا (وَالْجَزْمُ لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ كَوْنُهَا حَرْفًا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجَزْمِ بِهَا وَبَيْنَ دَلَالَتِهَا عَلَى الزَّمَانِ (كَمَتَى وَأَخَوَاتِهَا وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُهَا يُجَازِي بِهَا مَعَ عَدَمِ سُقُوطِ دَلَالَتِهَا عَلَى الزَّمَانِ (قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ) أَيْ كَوْنِهَا لِلشَّرْطِ مَعَ دَلَالَتِهَا عَلَى الزَّمَانِ (تَفَرَّعَ الْوُقُوعُ فِي الْحَالِ عِنْدَهُمَا فِي إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَطَالِقٌ وَكَانَ عِنْدَهُ) أَيْ وَهِيَ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا تَطْلُقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَأَمَّا إذَا نَوَى الْوَقْتَ أَوْ الشَّرْطَ الْمَحْضَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى بِالِاتِّفَاقِ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَرَادَ مَعْنَى الشَّرْطِ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ الْقَاضِي لِظُهُورِهَا عِنْدَهُمَا فِي الظَّرْفِ فَإِرَادَةُ الشَّرْطِ فَقَطْ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً بَلْ يَصِحُّ دِيَانَةً لَا غَيْرُ (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ خُرُوجِ الْأَمْرِ عَنْهَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت) إذَا قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ مَشِيئَةٍ (لِشَكِّ الْخُرُوجِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الدُّخُولِ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (لِجَوَازِ عَدَمُ الْمُجَازَاةِ كَقَوْلِهِ فِي إذَا لَمْ أُطَلِّقُك) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ قَالَ: الْأَصْلُ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ عَقِبَ تَعْلِيقِهِ بِالشَّكِّ لِجَوَازِ كَوْنِهَا سَقَطَ الْوَقْتُ عَنْهَا فَصَارَتْ كَانَ وَالْمُلَخَّصُ أَنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا بِالتَّفْوِيضِ ثُمَّ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا لِلْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا لِلشَّرْطِ يَخْرُجُ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَاسْتَشْكَلَهُ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ وَقَالَ: مُقْتَضَى الْوَجْهِ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا وَعَلَى قَوْلِهِ يَخْرُجُ وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى وَلَمْ تَدْرِ نِيَّتَهُ لِعَارِضٍ عَرَاهُ وَأَمَّا إذَا عَرَفَتْ بِأَنْ اُسْتُفْسِرَ فَقَالَ: أَرَدْت الزَّمَانَ فَيَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَكَذَا عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الشَّرْطَ صُدِّقَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةُ لَوْ لِلتَّعْلِيقِ] (مَسْأَلَةُ لَوْ لِلتَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي مَعَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ فِيهِ) أَيْ الْمَاضِي (فَيَمْتَنِعُ الْجَوَابُ الْمُسَاوِي) لِلشَّرْطِ فِي الْعُمُومِ كَلَوْ كَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا لِاسْتِلْزَامِ انْتِفَاءِ السَّبَبِ انْتِفَاءَ مُسَبَّبِهِ الْمُسَاوِي لَهُ (فَدَلَالَتُهُ) أَيْ لَوْ (عَلَيْهِ) أَيْ امْتِنَاعِ الْجَوَابِ الْمُسَاوِي دَلَالَةً (الْتِزَامِيَّةً وَلَا دَلَالَةَ) لِلَوْ (فِي) الْجَوَابِ (الْأَعَمِّ) مِنْ الشَّرْطِ (الثَّابِتِ) امْتِنَاعُهُ (مَعَهُ) أَيْ الشَّرْطِ (وَضِدَّهُ) أَيْ وَمَعَ ضِدِّ الشَّرْطِ

مسألة كيف أصلها سؤال

(كَلَوْ لَمْ يَخَفْ لَمْ يَعْصِ) فَإِنَّ عَدَمَ الْمَعْصِيَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا قَدْ يَكُونُ لِلْخَوْفِ وَقَدْ يَكُونُ لِلْحَيَاءِ وَالْمَهَابَةِ وَالْإِجْلَالِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ عَدَمِ الْخَوْفِ الْمَعْصِيَةُ (غَيْرَ أَنَّهَا) أَيْ لَوْ (لَمَّا اُسْتُعْمِلَتْ) شَرْطًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ (كَانَ تَجَوُّزًا) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 9] أَيْ وَلِيَخْشَ اللَّهَ الَّذِينَ إنْ شَارَفُوا أَنْ يَتْرُكُوا وَأُوِّلَ هَكَذَا لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْأَوْصِيَاءِ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ قَبْلَ التَّرْكِ لِأَنَّهُمْ بَعْدَهُ أَمْوَاتٌ (جُعِلَتْ لَهُ) أَيْ لِلشَّرْطِ كَإِنْ (فِي قَوْلِهِ لَوْ دَخَلْت عَتَقَتْ فَتَعْتِقُ بِهِ) أَيْ بِالدُّخُولِ (بَعْدَهُ) أَيْ قَوْلِهِ ذَلِكَ (فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَنْتِ طَالِقٌ (لَوْ دَخَلْت كَإِنْ دَخَلْت) فَلَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ (صَوْنًا عَنْ اللَّغْوِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ) وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ: لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ لِأَنَّ جَوَابَ لَوْلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْفَاءُ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو عَاصِمِ الْعَامِرِيُّ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ لِأَنَّهَا لَمَّا جُعِلَتْ بِمَعْنَى إنْ جَازَ دُخُولُ الْفَاءِ فِي جَوَابِهَا ذَكَرَهُ الْقَاآنِيُّ وَعَلَى هَذَا مَشَى التُّمُرْتَاشِيُّ وَهُوَ أَوْجَهُ (بِخِلَافِ لَوْلَا لِأَنَّهُ لِامْتِنَاعِ الثَّانِي لِوُجُودِ الْأَوَّلِ لَيْسَ غَيْرَ فَلَا تَطْلُقُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا حُسْنُك أَوْ أَبُوك) أَيْ مَوْجُودٌ (وَإِنْ زَالَ) الْحُسْنُ (وَمَاتَ) الْأَبُ لَجَعْلِهِ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ [مَسْأَلَةُ كَيْفَ أَصْلُهَا سُؤَالٌ] (مَسْأَلَةُ كَيْفَ أَصْلُهَا سُؤَالٌ عَنْ الْحَالِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ لِلْحَالِ فِي اُنْظُرْ إلَى كَيْفَ تَصْنَعُ) كَمَا حَكَاهُ قُطْرُبٌ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَيْ إلَى أَيِّ حَالٍ صَنَعَتْهُ (وَقِيَاسُهَا الشَّرْطُ جَزْمًا) اقْتَرَنَتْ بِمَا أَوْ لَا (كَالْكُوفِيِّينَ) وَقُطْرُبٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ وَالْأَصْلُ فِي الشَّرْطِ الْجَزْمُ وَقِيلَ بِشَرْطِ اقْتِرَانِهَا بِمَا وَلَمْ يُجَوِّزْهُ سَائِرُ الْبَصْرِيِّينَ إلَّا شُذُوذًا (وَأَمَّا) كَوْنُهَا لِلشَّرْطِ (مَعْنًى فَاتِّفَاقٌ) لِأَنَّ الرَّبْطَ لَهَا مَوْجُودٌ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لِلشَّرْطِ لِأَنَّ الرَّبْطَ الْمَعْنَوِيَّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمُجَازَاةِ وَغَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي نَحْوِ حِينَ يَقُومُ أَقُومُ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حِينًا لِلْمُجَازَاةِ بَلْ هُوَ ظَرْفٌ مَحْضٌ يَقَعُ فِيهِ الْفِعْلَانِ قَالُوا: وَفِعْلَا الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ فِيهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَا مُتَّفِقِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى نَحْوُ كَيْفَ تَصْنَعُ أَصْنَعُ فَلَا يَجُوزُ كَيْفَ تَجْلِسُ أَذْهَبُ بِالِاتِّفَاقِ قِيلَ وَلِهَذَا لَمْ تَجْزِمْ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لِمُخَالِفَتِهَا أَدَوَاتِ الشَّرْطِ فِي هَذَا الشَّرْطِ فَإِنَّ أَدَوَاتِهِ مُطْلَقَةٌ فِي هَذَا فَيَكُونَانِ فِيهَا مُتَّفِقَيْنِ نَحْوُ إنْ تَعُدْ نَعُدْ وَمُخْتَلِفَيْنِ نَحْوُ إنْ يَقُمْ أَقْعُدْ وَلَكِنْ فِي كَوْنِ هَذَا مَانِعًا مِنْ الْجَزْمِ مَا فِيهِ قَالُوا وَمِنْ وُرُودِهَا شَرْطًا {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] {يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران: 6] {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ} [الروم: 48] وَجَوَابُهَا فِي ذَلِكَ كُلُّهُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى إطْلَاقِهِمْ أَنَّ جَوَابَهَا يَجِبُ مُمَاثَلَتُهُ لِشَرْطِهَا اهـ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ كَيْفَ يَشَاءُ أَنْ يُنْفِقَ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ أَنْ يُصَوِّرَكُمْ يُصَوِّرُكُمْ، كَيْفَ يَشَاءُ أَنْ يَبْسُطَهُ يَبْسُطُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الشَّرْطُ هُنَا لَمَّا كَانَ مُقَيَّدًا بِمُمَاثِلٍ لِلْجَزَاءِ كَانَ فِي مَعْنَى الْمُمَاثِلِ لَهُ وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ (وَمَا قِيلَ لَكِنَّهَا) أَيْ الْحَالِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا (غَيْرُ اخْتِيَارِيَّةٍ كَالسَّقَمِ وَالْكُهُولَةِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِهَا إلَّا إذَا ضُمَّتْ إلَيْهَا مَا) نَحْوُ كَيْفَمَا تَصْنَعْ أَصْنَعْ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الشَّرْطِ ضِدُّهُ) أَيْ ضِدُّ الِاخْتِيَارِ (وَلَا هُوَ) أَيْ الْحَالُ الْغَيْرُ الِاخْتِيَارِيِّ (فِي كَيْفَ كَانَ تَمْرِيضُ زَيْدٍ وَكَيْفَ تَجْلِسُ أَجْلِسُ) يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْطَ يَلْزَمُ كَوْنُ فِعْلِهِ اخْتِيَارِيًّا وَهُوَ ضِدُّ غَيْرِ الِاخْتِيَارِيِّ وَلَا نُسَلِّمُ لُزُومَ غَيْرِ الِاخْتِيَارِيِّ فَإِنَّهُ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ تَمْرِيضُك زَيْدًا مِنْ الِاسْتِفْهاميِّة عَنْ الْحَالِ وَكَيْفَ تَجْلِسُ أَجْلِسُ فِي الْمُسْتَعْمَلَةِ شَرْطًا بِلَا زِيَادَةٍ مَا وَلَا هُوَ غَيْرُ اخْتِيَارِيٍّ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَعَلَى الْحَالِيَّةِ التَّفْرِيعُ فَطَالِقٌ كَيْفَ شِئْت تَعْلِيقٌ لِلْحَالِ) أَيْ لِحَالِ الطَّلَاقِ أَيْ صِفَتِهِ (عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (بِمَشِيئَتِهَا فِي الْمَجْلِسِ وَإِذْ لَا انْفِكَاكَ) لِلطَّلَاقِ عَنْ كَيْفِيَّةٍ كَكَوْنِهِ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا بَيْنُونَةً خَفِيفَةً أَوْ غَلِيظَةً بِمَالٍ أَوْ دُونِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (تَعَلَّقَ الْأَصْلُ) أَيْ أَصْلُ الطَّلَاقِ (بِهَا) أَيْ كَانَ تَعْلِيقُ وَصْفِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا تَعْلِيقًا لِأَصْلِهِ بِهَا أَيْضًا (غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ) تَعَلَّقَ الْأَصْلُ بِمَشِيئَتِهَا أَيْضًا (عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ كَمَا ظَنَّ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ عَرَضٌ فَكَانَ التَّعْلِيقُ عَلَى صِفَةٍ مُمْتَنِعًا فَكَانَ بِهِ نَفْسُهُ وَالظَّانُّ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ قِيَامَ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ (بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ هُنَا وَهُوَ النَّعْتُ) أَيْ

مسألة قبل وبعد

لِاخْتِصَاصِ النَّاعِتِ (غَيْرُ مُمْتَنِعٍ) إنَّمَا الْمُمْتَنِعُ قِيَامُهُ بِهِ بِمَعْنَى حُلُولِهِ فِيهِ كَمَا عُرِفَ فِي الْكَلَامِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ فَإِذَا شَاءَتْ فَالتَّفْرِيعُ مَا سَيَأْتِي (وَعِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (يَقَعُ) وَاحِدَةً (رَجْعِيَّةً) فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَسْبُوقَةً بِأُخْرَى فِي الْأَمَةِ وَثِنْتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ذَلِكَ (وَيَتَعَلَّقُ صَيْرُورَتُهَا بَائِنَةً وَثَلَاثًا) بِمَشِيئَتِهَا (تَخْصِيصًا بِالْعَقْلِ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) لِأَنَّ تَفْوِيضَ وَصْفِ الشَّيْءِ اللَّازِمِ لِوُجُودِهِ فَرْعُ وُجُودِهِ وَحَيْثُ كَانَ لَا يُوجَدُ إلَّا عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْوَصْفِ الْكُلِّيِّ تَعَيَّنَ أَدْنَاهَا مُحَقِّقًا لِوُجُودِهِ وَكَانَ الْمُفَوَّضُ مَا سِوَاهُ وَأَدْنَى أَوْصَافِ الطَّلَاقِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا كَانَ الْحَالُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا الْوَاحِدَةَ الرَّجْعِيَّةَ فَتَلْزَمُ ثُمَّ إنْ قَالَتْ: شِئْت بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ يَصِيرُ ذَلِكَ لِلْمُطَابَقَةِ وَإِنْ شَاءَتْ أَحَدَهُمَا وَالزَّوْجُ عَلَى الْعَكْسِ اسْتَمَرَّتْ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا لَغَتْ مَشِيئَتَهَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ بِالصَّرِيحِ وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ نِيَّةٌ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ وَيَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَشِيئَتُهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ إمَّا عَلَى أَصْلِهِ فَلِإِقَامَتِهِ إيَّاهَا مَقَامَ نَفْسِهِ وَهُوَ لَوْ أَوْقَعَ رَجْعِيًّا يَمْلِكُ جَعْلَهُ بَائِنًا وَثَلَاثًا عِنْدَهُ فَكَذَا الْمَرْأَةُ وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَلِتَفْوِيضِهِ أَصْلَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَكَمَا قَالَ (فَلَزِمَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ الْبَيْنُونَةُ) بِوَاحِدَةٍ لَا إلَى عِدَّةٍ ضَرُورَةَ كَوْنِهَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا (فَتَعَذَّرَ الْمَشِيئَةُ) لِانْتِفَاءِ مَحَلِّيَّتِهَا (وَمِثْلُهُ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت (أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت) فَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ وَعِنْدَهُ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَلَا مَشِيئَةَ لَهُ [مَسْأَلَةُ قَبْلُ وَبَعْدُ] (مَسْأَلَةٌ قَبْلُ وَبَعْدُ وَمَعَ مُتَقَابِلَاتٌ لِزَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ) فِي قَبْلُ (وَمُتَأَخِّرٍ) فِي بَعْدُ (وَمُقَارَنٍ) فِي مَعَ (فَهُمَا) أَيْ قَبْلُ وَبَعْدُ (بِإِضَافَتِهِمَا إلَى) اسْمٍ (ظَاهِرٍ صِفَتَانِ لِمَا قَبْلَهُمَا وَإِلَى ضَمِيرِهِ) أَيْ الِاسْمِ الظَّاهِرِ صِفَتَانِ (لِمَا بَعْدَهُمَا لِأَنَّهُمَا خَبَرَانِ عَنْهُ) أَيْ عَمَّا بَعْدَهُمَا وَالْخَبَرُ فِي الْمَعْنَى وَصْفٌ لِلْمُبْتَدَأِ (فَلَزِمَ وَاحِدَةٌ فِي طَالِقٍ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْمُتَأَخِّرَةِ) أَيْ لِلطَّلْقَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَهِيَ الْمُضَافُ إلَيْهَا قَبْلَ لِبَيْنُونَتِهَا بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ (وَثِنْتَانِ فِي قَبْلِهَا) وَاحِدَةً (لِأَنَّ الْمَوْقِعَ مَاضِيًا يَقَعُ حَالًا) لِأَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ فَيَبْقَى إلَى الْحَالِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْإِسْنَادَ إلَى الْمَاضِي وَيَمْلِكُ الْإِيقَاعَ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ مَا يَمْلِكُهُ وَيَلْغُو مَا لَا يَمْلِكُهُ (فَيَقْتَرِنَانِ كَمَعَ وَاحِدَةٍ) أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مَعَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ وَاحِدَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَعَ وَاحِدَةٍ (وَعَكْسُهُمَا) أَيْ لُزُومِ وَاحِدَةٍ فِي طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ وَلُزُومِ ثِنْتَيْنِ فِي قَبْلِهَا وَاحِدَةٌ (فِي بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَبَعْدَهَا) وَاحِدَةٌ فَتَطْلُقُ ثِنْتَانِ فِي طَالِقٍ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ لِإِيقَاعِهِ وَاحِدَةً مَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا بَعْدَ أُخْرَى وَلَا قُدْرَةَ عَلَى تَقْدِيمِ مَا لَمْ يَسْبِقْ الْمَوْجُودَ عَلَى الْمَوْجُودِ فَيَقْتَرِنَانِ بِحُكْمِ أَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ وَوَاحِدَةً فِي طَالِقٍ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ لِإِيقَاعِهِ وَاحِدَةً مَوْصُوفَةً بِبَعْدِيَّةِ أُخْرَى لَهَا فَوَقَعَتْ الْأُولَى وَلَا تَلْحَقُ الثَّانِيَةُ لِعَدَمِ قِيَامِ الْعِدَّةِ (بِخِلَافِ الْمَدْخُولَةِ وَالْإِقْرَارِ فَثِنْتَانِ مُطْلَقًا) أَيْ أُضِيفَ قَبْلُ وَبَعْدُ فِيهِمَا إلَى ظَاهِرٍ أَوْ ضَمِيرِهِ وَهَذَا تَبَعٌ لِمَا فِي التَّلْوِيحِ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْمَدْخُولَةِ لِأَنَّهَا لَا تَبِينُ بِالْأُولَى فَتَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ فِي الْعِدَّةِ نَعَمْ اُسْتُشْكِلَ وُقُوعُهُمَا فِي وَاحِدَةٍ قَبْلَ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ قَبْلَ غَيْرِهِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ غَيْرِهِ وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ نَعَمْ يَقْتَضِيهِ ظَاهِرًا لَا قَطْعًا وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا كَمَا اللَّفْظُ مُشْعِرٌ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلُ مُضَافًا إلَى الظَّاهِرِ فَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ قَبْلَ نَعْتٌ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: قَبْلَ دِرْهَمٍ آخَرَ يَجِبُ عَلَيَّ وَلَوْ قَالَ: قَبْلَهُ دِرْهَمٌ فَعَلَيْهِ دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْمَذْكُورِ آخِرًا أَيْ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ قَدْ وَجَبَ عَلَيَّ وَلَوْ قَالَ: دِرْهَمٌ بَعْدَ دِرْهَمٍ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بَعْدَ دِرْهَمٍ قَدْ وَجَبَ عَلَيَّ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ قَدْ وَجَبَ عَلَيَّ لَا يُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ إلَّا هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةُ عِنْدَ لِلْحَضْرَةِ] (مَسْأَلَةٌ عِنْدَ لِلْحَضْرَةِ) الْحِسِّيَّةِ نَحْوَ {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} [النمل: 40] وَالْمَعْنَوِيَّةِ نَحْوَ {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} [النمل: 40] (وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُ الْمَالِ حَاضِرًا عِنْدَ الْمُقِرِّ (أَعَمُّ مِنْ الدَّيْنِ) أَيْ كَوْنُهُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ (الْوَدِيعَةُ)

مسألة غير اسم متوغل في الإبهام

أَيْ أَوْ كَوْنُهُ مُودَعًا فِي يَدِهِ فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا يَثْبُتُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ بِإِطْلَاقِ الْعِنْدِيَّةِ (وَإِنَّمَا تَثْبُتُ) الْوَدِيعَةُ (بِإِطْلَاقِهَا) أَيْ عِنْدَ (كَعِنْدِي أَلْفٌ) لِمَعْنًى آخَرَ أَعَنَى (لِأَصْلِيَّةِ الْبَرَاءَةِ فَتَوَقَّفَ الدَّيْنُ عَلَى ذِكْرِهِ مَعَهَا) أَيْ عِنْدَ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ كَوْنُهُ وَدِيعَةً عَلَى ذِكْرِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى خِلَافِهِ وَهِيَ أَدْنَى مُؤَدَّى اللَّفْظِ فَتَعَيَّنَتْ حَيْثُ لَا مُعَيِّنَ قَطْعِيٌّ يُعَيِّنُ غَيْرَهَا [مَسْأَلَةُ غَيْرُ اسْمٌ مُتَوَغِّلٌ فِي الْإِبْهَامِ] (مَسْأَلَةٌ غَيْرُ) اسْمٌ مُتَوَغِّلٌ فِي الْإِبْهَامِ (صِفَةٌ) وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ (فَلَا يُفِيدُ حَالَ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ كَجَاءَ رَجُلٌ غَيْرُ زَيْدٍ وَاسْتِثْنَاءٌ) وَهُوَ عَارِضٌ عَلَيْهِ (فَيُفِيدُهُ) أَيْ حَالَ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ (وَيَلْزَمُهَا) أَيْ غَيْرَ إذَا كَانَتْ اسْتِثْنَاءً (إعْرَابُ الْمُسْتَثْنَى كَجَاءُوا غَيْرَ زَيْدٍ أَفَادَتْ عَدَمَهُ) أَيْ الْمَجِيءِ (مِنْهُ) أَيْ زَيْدٍ وَتَعَيَّنَ نَصْبُهَا لِتَعَيُّنِهِ لِلْمُسْتَثْنَى لَوْ كَانَ بِإِلَّا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي فَنِّهِ (فَلَهُ دِرْهَمٌ غَيْرُ دَانَقٍ) بِرَفْعِ غَيْرِ (يَلْزَمُهُ) الدِّرْهَمُ (تَامًّا) لِأَنَّ غَيْرًا حِينَئِذٍ صِفَةٌ لِدِرْهَمٍ فَالْمَعْنَى دِرْهَمٌ مُغَايِرٌ لِلدَّانَقِ وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ قِيرَاطَانِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (وَبِالنَّصْبِ) يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ (بِنَقْصِهِ) أَيْ الدَّانَقِ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اسْتِثْنَاءٌ فَالْمَعْنَى دِرْهَمٌ إلَّا دَانَقًا (وَفِي دِينَارٍ غَيْرَ عَشَرَةٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ (بِالنَّصْبِ كَذَلِكَ) أَيْ بِنَقْصٍ مِنْ الدِّينَارِ قِيمَةَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَيَلْزَمُهُ الْبَاقِي هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (وَتَامٌّ) أَيْ وَيَلْزَمُهُ دِينَارٌ كَامِلٌ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلِانْقِطَاعِ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ (لِشَرْطِهِ) أَيْ مُحَمَّدٍ (فِي الِاتِّصَالِ صُورَةً وَمَعْنًى) أَيْ التَّجَانُسُ الصُّورِيُّ وَالتَّجَانُسُ الْمَعْنَوِيُّ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى وَالدِّرْهَمُ لَيْسَ بِمُجَانِسٍ لِلدِّينَارِ صُورَةً (وَاقْتَصَرَا) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (عَلَيْهِ) أَيْ التَّجَانُسِ الصُّورِيِّ بَيْنَهُمَا شَرْطًا فِي الِاتِّصَالِ (وَقَدْ جَمَعَهُمَا) أَيْ الدِّرْهَمَ وَالدِّينَارَ التَّجَانُسُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ (الثَّمَنِيَّةُ فَالْمَعْنَى مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ غَيْرُ عَشَرَةٍ) فَكَانَ مُتَّصِلًا فَلَزِمَهُ مِنْ قِيمَةِ الدِّينَارِ مَا سِوَى الْعَشَرَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا آخِرُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْكَلَامِ فِي شَرْحِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْمَقَالَةُ الْأُولَى وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمَسْئُولُ فِي تَيْسِيرِ شَرْحِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوْجَهِ وَالْأَوْلَى وَأَنْ يُيَسِّرَنَا لِلْيُسْرَى وَيُجَنِّبَنَا الْعُسْرَى وَيَرْزُقَنَا الْعَافِيَةَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى آمِينَ [الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَحْوَالِ الْمَوْضُوعِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْأَحْكَامِ] [الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْحُكْمِ] (الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَحْوَالِ الْمَوْضُوعِ وَعَلِمْت) إجْمَالًا فِي الْمُقَدِّمَةِ (إدْخَالَ بَعْضِهِمْ) كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ (الْأَحْكَامَ) فِي الْمَوْضُوعِ وَذَكَرْنَا ثَمَّةَ مَا ظَهَرَ لَنَا فِيهِ (فَانْكَسَرَتْ) أَيْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْمَقَالَة بِسَبَبِ هَذَا الْإِدْخَالَ (عَلَى خَمْسَةِ أَبْوَابٍ) فِي الْأَحْكَامِ وَفِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْأَحْكَامِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ) فِي الْحُكْمِ وَالْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ فِيهِ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي الْحُكْمِ (لَفْظُ الْحُكْمِ) الشَّرْعِيِّ (يُقَالُ لِلْوَضْعِيِّ) أَيْ لِلْخِطَابِ الْوَضْعِيِّ (قَوْلُهُ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (النَّفْسِيُّ جَعَلْتُهُ) أَيْ كَذَا كَكَشْفِ الْعَوْرَةِ فِي حَالَةِ السَّعَةِ (مَانِعًا) مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ (أَوْ) جَعَلْت كَذَا (عَلَامَةً عَلَى تَعَلُّقِ الطَّلَبِ) لِفِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ وَقْتَئِذٍ (كَالدُّلُوكِ وَالتَّغَيُّرِ) فَإِنَّ دُلُوكَ الشَّمْسِ وَهُوَ زَوَالُهَا وَقِيلَ غُرُوبُهَا وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ كَمَا نَطَقَ بِهِ غَيْرُ مَا حَدِيثٍ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَتَغَيُّرُهَا لِلْغُرُوبِ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ تَرْكِ غَيْرِ الْوَقْتِيَّةِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ (أَوْ) عَلَامَةٌ عَلَى (الْمِلْكِ أَوْ زَوَالِهِ) كَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَالْبَائِعِ الثَّمَنَ وَعَلَى زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ وَزَوَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَجْهُ تَسْمِيَةِ هَذَا الْقَسَمِ بِالْخِطَابِ الْوَضْعِيِّ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُ بِوَضْعِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ بِجَعْلِهِ (فَفِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْحُكْمُ) أَيْ الَّذِي وُضِعَ لِحُكْمٍ فَكَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (مَعَ ظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ) بَيْنَ مَا وُضِعَ وَحُكْمُهُ (الْبَاعِثَةِ) لِشَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ لِذَلِكَ الْمَوْضُوعِ (وَضْعِ الْعِلِّيَّةِ) كَالْقِصَاصِ لِلْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعَدُوَّانِ وَسَتَعْلَمُ الْمُرَادَ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي بَحْثِ الْعِلَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ ظَاهِرَةٌ (فَمَعَ الْإِفْضَاءِ فِي الْجُمْلَةِ) إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ (وَضْعُ السَّبَبِ) كَمِلْكِ النِّصَابِ لِلزَّكَاةِ (وَمَعَهُ) أَيْ وَمَا كَانَ مَعَ الْحُكْمِ

(جَعْلُهُ) أَيْ الْكَائِنِ مَعَهُ (دَلَالَةً عَلَيْهِ) أَيْ الْحُكْمِ (الْعَلَامَةَ) كَالْأَوْقَاتِ لِلصَّلَاةِ (وَفِي اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (دَاخِلًا فِي الْمَفْعُولِ وَضْعُ الرُّكْنِ فَإِنْ لَمْ يَنْتِفْ حُكْمُ الْمُرَكَّبِ بِانْتِفَائِهِ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الدَّاخِلِ فِيهِ (شَرْعًا فَالزَّائِدُ) أَيْ فَهُوَ الرُّكْنُ الزَّائِدُ (كَالْإِقْرَارِ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى رَأْيٍ) لِطَائِفَةٍ مِنْ مَشَايِخِنَا (وَإِلَّا) فَإِنْ انْتَفَى حُكْمُ الْمُرَكَّبِ بِانْتِفَائِهِ شَرْعًا (فَالْأَصْلِيُّ) أَيْ فَالرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ كَالْقِيَامِ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ (وَغَيْرُ الدَّاخِلِ) أَيْ وَالْمَوْقُوفُ عَلَى غَيْرِ الدَّاخِلِ فِي الْمَفْعُولِ (الشَّرْطُ وَقَدْ يُجَامِعُ) الشَّرْطُ (السَّبَبَ مَعَ اخْتِلَافِ النِّسْبَةِ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ) فَإِنَّهُ شَرْطٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَدَاءِ سَبَبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ (عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا سَيُذْكَرُ) فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ (وَعَلَى أَثَرِ الْعِلَّةِ) أَيْ وَالْحُكْمُ يُقَالُ أَيْضًا عَلَى أَثَرِ الْعِلَّةِ (كَنَفْسِ الْمِلْكِ) فَإِنَّهُ أَثَرٌ لِلْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْبَيْعُ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَثَرِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ (وَمَعْلُولِهِ) أَيْ وَيُقَالُ أَيْضًا عَلَى مَعْلُولِ أَثَرِ الْعِلَّةِ مِثْلُ (إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ) بِالْمَمْلُوكِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهَا مَعْلُولَةٌ لِمِلْكِهِ (وَعَلَى وَصْفِ الْفِعْلِ) أَيْ وَيُقَالُ أَيْضًا عَلَى وَصْفِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ حَالَ كَوْنِهِ (أَثَرًا لِلْخِطَابِ) الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ (كَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ) فَإِنَّهُمَا أَثَرُ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ (أَوْ لَا) عَطْفٌ عَلَى أَثَرٍ لَلْخِطَابِ أَيْ أَوْ غَيْرِ أَثَرٍ لَهُ (كَالنَّافِذِ وَاللَّازِم وَغَيْرِ اللَّازِمِ كَالْوَقْفِ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِلُزُومِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ التَّحْقِيقُ أَنَّ إطْلَاقَ الْحُكْمِ عَلَى خِطَابِ الشَّارِعِ وَعَلَى أَثَرِهِ وَعَلَى الْأَثَرِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى كُلٍّ حَقِيقَةٌ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخِطَابِ مَجَازٌ فِيمَا عَدَاهُ وَكَيْفَ وَالِاشْتِرَاكُ وَالْمَجَازُ إذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ الْمَجَازُ عَلَيْهِ (وَيُقَالُ) الْحُكْمُ أَيْضًا (عَلَى التَّكْلِيفِيِّ خِطَابُهُ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ طَلَبًا أَوْ تَخْيِيرًا) فَالْخِطَابُ يَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَخَرَجَ بِالْمُتَعَلِّقِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْقَلْبِيَّةِ وَالْجَارِحِيَّةِ الْمُتَعَلِّقُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَذَوَاتِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْجَمَادَاتِ كَمَدْلُولِ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] الْآيَةُ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} [الكهف: 47] وَبِمَا بَعْدَهُ نَحْوَ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] عَلَى مَا قِيلَ كَمَا يَأْتِي وَالْمُرَادُ بِالطَّلَبِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ حَتْمًا أَوْ لَا وَبِالتَّخْيِيرِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا لِتَسَاوِيهِمَا وَهُوَ الْإِبَاحَةُ (فَالتَّكْلِيفِيُّ) أَيْ فَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَا هَذَا شَأْنُهُ (تَغْلِيبٌ) إذْ لَا تَكْلِيفَ فِي الْإِبَاحَةِ بَلْ وَلَا فِي النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَوْ أُرِيدَ) بِالتَّكْلِيفِيِّ التَّكْلِيفِيُّ (بِاعْتِبَارِ الِاعْتِقَادِ) حَتَّى يَنْتَفِيَ التَّغْلِيبُ لِلتَّكْلِيفِ بِاعْتِقَادِ هَذِهِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ (فَلَا تَخْيِيرَ) حِينَئِذٍ فَيَجِبُ إسْقَاطُهُ مِنْ التَّعْرِيفِ لِئَلَّا يُحْتَمَلَ بِهِ (وَهُوَ) أَيْ ذِكْرُ الطَّلَبِ (أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ بِالِاقْتِضَاءِ إذْ كَانَ) الْخِطَابُ (نَفْسُهُ) أَيْ الِاقْتِضَاءُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى خِطَابَهُ الْمُتَعَلِّقَ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالْخِطَابِ أَوْ التَّخْيِيرِ نَعَمْ إنْ أُرِيدَ بِالِاقْتِضَاءِ الطَّلَبُ فَلَا بَأْسَ (وَالْأَوْجَهُ دُخُولُ) الْحُكْمِ (الْوَضْعِيِّ فِي الْجِنْسِ) لِلتَّكْلِيفِيِّ وَهُوَ الْخِطَابُ (إذَا أُرِيدَ) التَّعْرِيفُ (لِلْأَعَمِّ) أَيْ لِلْحُكْمِ الْأَعَمِّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (وَيُزَادُ) فِي تَعْرِيفِهِ بِمَا سَبَقَ (أَوْ وَضْعًا لَا مَا قِيلَ لَا) يُزَادُ أَوْ وَضْعًا لِإِدْخَالِهِ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ بِدُونِهِ (لِأَنَّ وَضْعَ السَّبَبِ الِاقْتِضَاءُ) لِلْفِعْلِ (عِنْدَهُ) أَيْ السَّبَبِ فَمَعْنَى كَوْنِ الدُّلُوكِ سَبَبًا أَوْ دَلِيلًا لِلصَّلَاةِ وُجُوبُ الْإِتْيَانِ بِهَا عِنْدَهُ فَرَجَعَ إلَى الِاقْتِضَاءِ وَمَعْنَى جَعْلِ النَّجَاسَةِ مَانِعَةً مِنْ الصَّلَاةِ حُرْمَتُهَا مَعَهَا وَجَوَازُهَا دُونَهَا فَرَجَعَ إلَى التَّخْيِيرِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَمِمَّنْ أَشَارَ إلَى تَوْجِيهِهِ بِهَذَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَإِنَّمَا نَفَاهُ الْمُصَنِّفُ (لِتَقَدُّمِ وَضْعِهِ) أَيْ السَّبَبِ (عَلَى هَذَا الِاقْتِضَاءِ وَلِمُخَالَفَةِ نَحْوِ نَفْسِ الْمِلْكِ وَوَصْفِ الْفِعْلِ) فَإِنَّهُمَا مِنْ الْوَضْعِيِّ وَلَا اقْتِضَاءَ فِيهِمَا فَلَا يَعُمُّ الِاقْتِضَاءُ جَمِيعَ أَقْسَامِ الْوَضْعِيِّ لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ هَذَا إنَّمَا يَضُرُّ أَنْ لَوْ كَانَ إطْلَاقُ الْوَضْعِيِّ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ حَقِيقَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَفِي الْأَوَّلِ كِفَايَةٌ فَإِنْ قِيلَ الْوَضْعِيُّ لَيْسَ بِحُكْمٍ بَلْ هُوَ عَلَامَةٌ لَهُ فَلَا يَحْتَاجُ تَعْرِيفُ مُطْلَقِ الْحُكْمِ إلَى زِيَادَةٍ أَوْ تَأْوِيلٍ يَدْخُلُهُ فِيهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَدَمُ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ مَنْعُ كَوْنِ الْوَضْعِيِّ الَّذِي هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ النَّفْسِيِّ جَعَلْت كَذَا سَبَبًا أَوْ شَرْطًا

أَوْ مَانِعًا بِكَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اصْطَلَحَ مُصْطَلَحٌ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ (وَإِخْرَاجُهُ) أَيْ الْوَضْعِيِّ مِنْهُ (اصْطِلَاحًا إنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُشَاحَّةَ يَقْبَلُ قُصُورَ مَلْحَظِ وَضْعِهِ) أَيْ الِاصْطِلَاحُ وَفِيهِ مَا فِيهِ (وَالْخِطَابُ) جَارٍ (عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى تَفْسِيرِهِ) اصْطِلَاحًا (بِالْكَلَامِ الَّذِي بِحَيْثُ يُوَجَّهُ إلَى الْمُتَهَيِّئِ لِفَهْمِهِ) فَخَرَجَ نَحْوُ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (لِأَنَّ النَّفْسِيَّ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فِي الْأَزَلِ وَكَوْنِهِ) أَيْ الْخِطَابُ (تَوْجِيهُ الْكَلَامِ) نَحْوَ الْغَيْرِ لِلْإِفْهَامِ مَعْنًى (لُغَوِيٌّ) لَهُ وَهُوَ هُنَا مُرَادٌ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ لَا اللُّغَوِيِّ (وَالْخِلَافُ فِي خِطَابِ الْمَعْدُومِ) فِي الْأَزَلِ (مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ) أَيْ تَفْسِيرِ الْخِطَابِ (فَالْمَانِعُ) كَوْنَهُ مُخَاطَبًا (يُرِيدُ الشَّفَاهِيَّ التَّنْجِيزِيَّ إذْ كَانَ مَعْنَاهُ تَوْجِيهَ) الْكَلَامِ وَهُوَ صَحِيحٌ إذْ لَيْسَ مُوَجَّهًا إلَيْهِ فِي الْأَزَلِ (وَالْمُثْبِتُ) كَوْنَهُ مُخَاطَبًا (يُرِيدُ الْكَلَامَ بِالْحَيْثِيَّةِ وَمَعْنَاهُ قِيَامُ طَلَبٍ) لِفِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ (مِمَّنْ سَيُوجَدُ وَيَتَهَيَّأُ) لَهُ فَالْخِلَافُ حِينَئِذٍ لَفْظِيٌّ وَسَيُعَادُ صَدْرُ الْفَصْلِ الرَّابِعِ (وَاعْتِرَاضُ الْمُعْتَزِلَةِ) عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ لِمُطْلَقِ الْحُكْمِ (بِأَنَّ الْخِطَابَ قَدِيمٌ عِنْدَكُمْ) لِقَوْلِكُمْ بِأَنَّهُ كَلَامُهُ تَعَالَى وَقَدِمَ كَلَامُهُ (وَالْحُكْمُ حَادِثٌ) لِأَنَّهُ يُقَالُ فِيمَا تَنَجَّسَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الطَّاهِرَةِ (حَرُمَ شُرْبُهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا) إذْ التَّحْرِيمُ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدْ ذُكِرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ وَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ فَهُوَ حَادِثٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِهِ (تَعَلُّقُ تَحْرِيمِهِ) فَالْمَوْصُوفُ بِالْحُدُوثِ التَّعَلُّقُ (وَهُوَ) أَيْ التَّعَلُّقُ (حَادِثٌ وَالتَّعَلُّقُ يُقَالُ) مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا (بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ التَّعَلُّقُ الْحَادِثُ (وَيَكُونُ الْكَلَامُ لَهُ مُتَعَلِّقَاتٌ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى (أَزَلِيٌّ وَبِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى (أُورِدَ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] عَلَى تَعْرِيفِ مُطْلَقِ الْحُكْمِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ بِالِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ كَمَا فَعَلَ الْغَزَالِيُّ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا (فَاحْتَرَسَ عَنْهُ بِالِاقْتِضَاءِ إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اقْتِضَاءٌ لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ وَلَا تَخْيِيرٌ لَهُمْ فِيهِ بَلْ إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْهُمْ وَعَنْ أَفْعَالِهِمْ بِخَلْقِهَا لَهُ تَعَالَى (وَأُجِيبَ أَيْضًا) عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ (بِمُرَاعَاةِ الْحَيْثِيَّةِ) فِي الْمُكَلَّفِينَ (أَيْ مِنْ حَيْثُ هُمْ مُكَلَّفُونَ) وَالْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَفْعَالُ مُكَلَّفِينَ لِشُمُولِهِ جَمِيعَ أَوْلَادِ آدَمَ وَأَعْمَالِهِمْ بَلْ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَفْعَالِهَا إنْ جُعِلَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ (وَعَلَى هَذَا) الْجَوَابِ (فَبِالِاقْتِضَاءِ إلَى آخِرِهِ لِبَيَانِ وَاقِعِ الْأَقْسَامِ) لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ شَيْءٍ (فَيَسْلِمُ حَدُّ الْغَزَالِيِّ الْمَتْرُوكُ مِنْهُ ذَلِكَ) إلَّا أَنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّرِيفُ وَقَدْ يُقَالُ يَرِدُ عَلَى الْحَدِّ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] فَإِنَّهُ لِكَوْنِهِ وَعِيدًا لَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُكَلَّفٌ وَلَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ اتِّفَاقًا (وَأُورِدَ) عَلَى التَّعْرِيفِ أَيْضًا الْحُكْمَ (الْمُتَعَلِّقَ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ مِنْ مَنْدُوبِيَّةِ صَلَاتِهِ وَصِحَّةِ بَيْعِهِ وَوُجُوبِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ فِي ذِمَّتِهِ) كَقِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِفِعْلِ مُكَلَّفٍ فَلَا يَكُونُ جَامِعًا (وَقَوْلُهُمْ) فِي جَوَابِ هَذَا الْإِيرَادُ (التَّعَلُّقُ) لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُتَوَهِّمِ كَوْنُهُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا هُوَ (بِفِعْلِ وَلِيِّهِ) فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَدَاءُ الْحُقُوقِ مِنْ مَالِهِ (دُفِعَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمُتَعَلِّقَ بِفِعْلِ وَلِيِّهِ (حُكْمٌ آخَرُ) مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ لَا عَيْنُهُ وَبِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَصِحَّةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ وَكَوْنِهَا مَنْدُوبَةً (فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ) مَكَانَ الْمُكَلَّفِينَ (الْعِبَادُ) ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَأُجِيبَ بِمَنْعِ تَعَلُّقٍ بِهِ) أَيْ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ وَإِنَّمَا التَّعَلُّقُ بِمَالِهِ أَوْ ذِمَّتِهِ (وَالصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ) حُكْمَانِ (عَقْلِيَّانِ لِلِاسْتِقْلَالِ) لِلْعَقْلِ (بِفَهْمِ مُطَابِقَةِ الْأَمْرِ) أَيْ مُوَافَقَةِ الْفِعْلِ أَمْرَ الشَّارِعِ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الصِّحَّةِ (وَعَدَمِهَا) أَيْ مُوَافَقَةِ الْفِعْلِ أَمْرَ الشَّارِعِ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الْبُطْلَانِ كَمَا هُمَا تَفْسِيرَاهُمَا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَوْ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ بِهِ الْقَضَاءُ أَوْ لَا يَنْدَفِعُ كَمَا هُمَا تَفْسِيرَاهُمَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (وَإِنْ اسْتَعْقَبَا) أَيْ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ (حُكْمًا) هُوَ الْإِجْزَاءُ أَوْ تَرَتُّبُ الْأَثَرِ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمُهُمَا فِي الْفَسَادِ إذْ الْعَقْلُ مُسْتَبِدٌّ مَثَلًا بِمَعْرِفَةِ كَوْنِ الصَّلَاةِ مُشْتَمِلَةً عَلَى شَرَائِطِهَا أَوْ لَا عَلَى كِلَا الرَّأْيَيْنِ حَكَمَ الشَّارِعُ بِكَوْنِهَا صَحِيحَةً أَوْ لَا (أَوْ) هُمَا حُكْمَانِ (وَضْعِيَّانِ) وَضَعَ الشَّارِعُ الصِّحَّةَ لِلْإِجْزَاءِ أَوْ انْدِفَاعِ الْقَضَاءِ فِي الْعِبَادَةِ وَلِتَرَتُّبِ الْأَثَرِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالْفَسَادِ لِعَدَمِ ذَلِكَ (وَكَوْنُ صَلَاتِهِ) أَيْ الصَّبِيِّ (مَنْدُوبَةً أَمْرُ وَلِيِّهِ بِأَمْرِهِ) بِهَا لِمَا صَحَّحَ

ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» وَمَا ذَاكَ فِيمَا يَظْهَرُ إلَّا لِيَعْتَادَهَا فَلَا يَتْرُكُهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (لَا خِطَابَ الصَّبِيِّ بِهَا نَدْبًا) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَرَتُّبُ الثَّوَابِ لَهُ) أَيْ لِلصَّبِيِّ عَلَى فِعْلِهَا عَلَى وَجْهِهَا (ظَاهِرٌ) فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ التَّكْلِيفِ بَلْ لِأَنَّ مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى أَنْ لَا يُضِيعَ أَجْرَ مِنْ أَحْسَنَ عَمَلًا فَإِنْ قِيلَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقِيَاسِ لِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ شَرْعِيٌّ وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ حُكْمَ رَسُولِهِ أَوْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ قُلْنَا: مَمْنُوعٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ حُكْمَ النَّبِيِّ دَلِيلُ حُكْمِهِ تَعَالَى وَكَاشِفٌ عَنْهُ وَكَذَا الْبَاقِي فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِمَا سِوَى الْكِتَابِ دَاخِلٌ) فِي حُكْمِهِ تَعَالَى (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِأَحَدِ هَذِهِ (خِطَابُهُ تَعَالَى وَالثَّلَاثَةُ كَاشِفَةٌ) ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ بِخِلَافِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْأَصْلِ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ فِي الْفَرْعِ بِخِلَافِهِمَا وَدُفِعَ بِأَنَّهُمَا أَيْضًا مُظْهِرَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ فَهِيَ كُلُّهَا مُظْهِرَةٌ وَلَا فَرْقَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقِيَاسَ يُظْهِرُ بِوَاسِطَةِ إظْهَارِهِ تَنَاوَلَ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ فَالْكُلُّ مُظْهِرٌ بِالذَّاتِ وَبِوَاسِطَةٍ وَحِينَئِذٍ صَحَّ أَنَّ الْكُلَّ مُثْبِتَةٌ وَهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ السُّنَّةَ مُثْبِتَةٌ فَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَاشِفَةٌ وَمُظْهِرَةُ بَيَانِ أَنَّهَا بِاعْتِبَارِ كَشْفَهَا سُمِّيَتْ مُثْبِتَةً فَلِذَا قَالَ (وَبِهَذَا الْقَدْرِ قِيلَ مُثْبِتَةٌ) وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُقَالَ فِي نَظْمِ الْكِتَابِ إنَّهُ كَاشِفٌ أَيْضًا فَقَالَ: هُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَرَكُوا عَدَّهُ مِنْهُ سَدٌّ لِطَرِيقِ التَّحْرِيفِ وَالنَّفْيِ إذْ يُقَالُ لَيْسَ كَلَامَهُ بَلْ هُوَ كَاشِفٌ عَنْهُ فَيَتَطَرَّقُ إلَى مَا لَا يَلِيقُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَرْكُهُمْ عَدَّ نَظْمِ الْقُرْآنِ مِنْهُ سَدًّا لِطَرِيقِ التَّحْرِيفِ وَإِلَّا فَهُوَ الْكَاشِفُ عَنْ النَّفْسِيِّ بِالذَّاتِ ثُمَّ قِيلَ الصَّحِيحُ) وَفِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ الْأَحْسَنُ وَفِي شَرْحِ السُّبْكِيّ الْأَوْضَحُ (بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ لِيَدْخُلَ خُصُوصِيَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْخَاصَّ بِوَاحِدٍ بِخُصُوصِهِ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ التَّنَاوُلُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ (وَلَا يُفِيدُ) الْعُدُولَ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ إلَى الْمُكَلَّفِ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (كَالْمُكَلَّفِينَ عُمُومًا وَيُدْفَعُ) أَصْلُ الِاعْتِرَاضِ (بِأَنَّ صِدْقَ عُمُومِ الْمُكَلَّفِينَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صُدُورِ كُلِّ فِعْلٍ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ بَلْ لَوْ انْقَسَمَتْ الْآحَادُ) مِنْ الْأَفْعَالِ (عَلَى الْآحَادِ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي تَوْزِيعَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ فَيَتَنَاوَلُ الْخِطَابَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ بِمُكَلَّفٍ وَاحِدٍ (صَدَقَ) الْعُمُومُ (أَيْضًا) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ غَيْرَ أَنَّ هَذَا غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمُرَادِ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ: زَيْدٌ يَرْكَبُ الْخَيْلَ وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا وَلَيْسَ هُنَاكَ مَجَازٌ بِإِطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى الْوَاحِدِ بَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ رُكُوبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِجِنْسِ هَذَا الْجَمْعِ لَا بِجِنْسِ الْحِمَارِ مَثَلًا، فَالْمُرَادُ تَعَلُّقُهُ بِجِنْسِ الْفِعْلِ مِنْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِ لَا تَعَلُّقُهُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَإِنَّهُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ (ثُمَّ الِاقْتِضَاءُ إنْ كَانَ حَتْمًا لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفَّ فَالْإِيجَابُ وَهُوَ) أَيْ هَذَا (هُوَ نَفْسُ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ وَيُسَمَّى وُجُوبًا أَيْضًا بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهِ إلَى الْفِعْلِ) فَالْإِيجَابُ وَالْوُجُوبُ مُتَّحِدَانِ ذَاتًا لِأَنَّهُمَا مَعْنَى افْعَلْ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ الْمُتَعَلِّقُ بِالْفِعْلِ مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْقِيَامِ إيجَابٌ وَبِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ وُجُوبٌ (وَهُوَ) أَيْ الْوُجُوبُ هُنَا مُرَادٌ بِهِ (غَيْرُ) الْمُرَادِ بِهِ فِي (الْإِطْلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ) فَإِنَّ الْمَذْكُورَ ثَمَّةَ أَنَّ الْوُجُوبَ يُقَالُ لِصِفَةِ الْفِعْلِ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْخِطَابِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ يُقَالُ لِنَفْسِ الْإِيجَابِ بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهِ إلَى الْفِعْلِ هَذَا وَقَدْ أُورِدَ الْوُجُوبُ مُرَتَّبًا عَلَى الْإِيجَابِ يُقَالُ: أَوْجَبَ الْفِعْلَ فَوَجَبَ وَذَلِكَ يُنَافِي الِاتِّحَادَ وَأُجِيبَ بِجَوَازِ تَرَتُّبِ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارٍ عَلَى نَفْسِهِ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إذْ مَرْجِعُهُ إلَى تَرَتُّبِ أَحَدِ الِاعْتِبَارَيْنِ عَلَى الْآخَرِ قَالَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ: وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَمَّا قِيلَ: إنَّ الْإِيجَابَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَالْوُجُوبَ مِنْ مَقُولَةِ الِانْفِعَالِ وَدَعْوَى امْتِنَاعِ صِدْقِ الْمَقُولَاتِ عَلَى شَيْءٍ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مَحَلُّ مُنَاقَشَةٍ، نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ مَا ذَكَرْتُمْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ

الْقَوْلُ لَمْ يَتَّصِفْ بِصِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ تُسَمَّى وُجُوبًا لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صِفَةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ هِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْوُجُوبِ أَعْنِي كَوْنَهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ الْإِيجَابُ بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِيَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُوجَبِ وَالْوَاجِبِ مُتَّصِفًا بِمَا هُوَ قَائِمٌ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَائِمَ بِالْفِعْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا نَفْسُ الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نِسْبَةُ قِيَامٍ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَتَمَّ الْمُرَادُ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ سِوَى مَا ذُكِرَ إلَّا أَنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَازَعَةَ لَفْظِيَّةٌ إذْ لَا شَكَّ فِي خِطَابٍ نَفْسِيٍّ قَائِمٍ بِذَاتِهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقٍ بِالْفِعْلِ يُسَمَّى إيجَابًا مَثَلًا وَفِي أَنَّ الْفِعْلَ بِحَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ الْخِطَابُ الْإِيجَابِيُّ فَلَفْظُ الْوُجُوبِ إنْ أُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ الْخِطَابِ مِنْ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا سَلَف وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُسَاهَلَةِ فِي وَصْفِ الْفِعْلِ حِينَئِذٍ بِالْوُجُوبِ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى كَوْنِ الْفِعْلِ تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ الْخِطَابُ لَمْ يَتَّحِدَا بِالذَّاتِ وَيَلْزَمُ الْمُسَامَحَةُ فِي عِبَارَتِهِمْ حَيْثُ أَطْلَقُوا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (أَوْ) كَانَ (تَرْجِيحًا) لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ (فَالنَّدْبُ أَوْ) حَتْمًا (لِكَفٍّ) وَلَا حَاجَةَ إلَى (حَتْمًا) لِأَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ الطَّلَبُ الْحَتْمُ لِكَفٍّ فَالْكَفُّ لَا يَكُونُ إلَّا حَتْمًا (فَالتَّحْرِيمُ وَالْحُرْمَةُ بِالِاعْتِبَارِ) أَيْ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ ذَاتًا لِأَنَّهُمَا مَعْنَى قَوْلِهِ النَّفْسِيَّ لَا تَفْعَلُ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى بِفِعْلٍ هُوَ كَفٌّ، مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ فَبِاعْتِبَارِ الْقِيَامِ تَحْرِيمٌ وَبِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ حُرْمَةٌ وَهِيَ هُنَا مُرَادٌ مِنْ إطْلَاقِهَا (غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ) مُرَادًا مِنْ إطْلَاقِهَا فَإِنَّهَا ثَمَّةَ تُقَالُ لِصِفَةِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ كَفٌّ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْخِطَابِ وَهُنَا تُقَالُ لِنَفْسِ التَّحْرِيمِ بِاعْتِبَارِ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ (وَظَهَرَ) مِنْ هَذَا (مَا قَدَّمْنَا مِنْ فَسَادِ تَعْرِيفِهِمْ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ النَّفْسِيِّينَ بِتَرْكِهِمْ حَتْمًا) فِي تَعْرِيفَيْهِمَا (وَكَذَا) ظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفَيْهِمَا الْفَسَادَ (بِتَرْكِ الِاسْتِعْلَاءِ فِي التَّقْسِيمِ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّقْسِيمَ (يُخْرِجُ التَّعْرِيفَ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ لِكُلٍّ مِنْ أَقْسَامِهِ وَالِاسْتِعْلَاءُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (هَذَا) الْكَلَامُ فِي مَعْرِفَةِ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ (بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِمَا أَمَّا) الْكَلَامُ فِي مَعْرِفَتِهِمَا (بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ) أَيْ طَرِيقِ وُصُولِهِمَا إلَى الْمُكَلَّفِينَ بِهِمَا بِالْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِمَا الْمَنْقُولَةِ إلَيْهِمْ (فَكَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ يُقَالُ الْإِيجَابُ الطَّلَبُ الْحَتْمُ لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ وَالتَّحْرِيمُ الطَّلَبُ لِفِعْلٍ كَفٍّ وَلَا يُلَاحَظُ حَالُ الدَّالِ (وَأَمَّا هُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ فَلَاحَظُوا ذَلِكَ فَقَالُوا: (فَإِنْ ثَبَتَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ بِقَطْعِيٍّ) دَلَالَةً مِنْ كِتَابٍ أَوْ وَثُبُوتًا أَيْضًا مِنْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ (فَالِافْتِرَاضُ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِعْلًا غَيْرَ كَفٍّ (وَالتَّحْرِيمُ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِعْلًا هُوَ كَفٌّ (أَوْ) ثَبَتَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ (بِظَنِّيٍّ) دَلَالَةً مِنْ كِتَابٍ أَوْ دَلَالَةً أَوْ ثُبُوتًا مِنْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ (فَالْإِيجَابُ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِعْلًا غَيْرَ كَفٍّ (وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِعْلًا هُوَ كَفٌّ (وَيُشَارِكَانِهِمَا) أَيْ الْإِيجَابُ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ الِافْتِرَاضَ وَالتَّحْرِيمَ (فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِالتَّرْكِ) لِمَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلٍّ (وَعَنْهُ) أَيْ التَّشَارُكِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِتَرْكِ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ كُلٍّ (قَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ نَوْعًا مِنْ التَّجَوُّزِ) فِي لَفْظِ حَرَامٍ (وَقَالَا عَلَى الْحَقِيقَةِ) الْمَكْرُوهُ (إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ) مِنْهُ إلَى الْحِلِّ وَإِنَّمَا قُلْنَا: مُرَادُ مُحَمَّدٍ ذَلِكَ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا لَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ الْمَكْرُوهِ وَالْوُجُوبِ) كَمَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ الْفَرْضِ وَالْحَرَامِ (فَلَا اخْتِلَافَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى (كَمَا يُظَنُّ) وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ؟ قَالَ: التَّحْرِيمُ وَيَأْتِي فِي هَذَا أَيْضًا مَا فِي لَفْظِ مُحَمَّدٍ لِلْقَطْعِ أَيْضًا بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُكَفِّرُ جَاحِدًا لِمَكْرُوهِ هَذَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ الِاقْتِضَاءِ الْكَرَاهَةُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَالتَّحْرِيمُ وَالْحُرْمَةُ بِالِاعْتِبَارِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مَا نَصَّهُ أَوْ تَرْجِيحًا فَالْكَرَاهَةُ وَمُتَعَلِّقُهَا الْمَكْرُوهُ ثُمَّ يَشْتَرِك الْأَرْبَعَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بِالِامْتِثَالِ وَيَنْفَرِدُ الْوَاجِبُ بِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِالتَّرْكِ وَالْحَرَامُ بِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِالْفِعْلِ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَهِيَ مَعْنَى التَّخْيِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهِيَ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا اسْتِحْقَاقَ ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ فِيهَا وَكَانَ أَيْضًا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تَكْمِيلِ أَقْسَامِ الِاقْتِضَاءِ بِاعْتِبَارِ الْوُصُولِ إلَى الْمُكَلَّفِينَ عَلَى قَاعِدَةِ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ بِظَنِّيٍّ فَإِيجَابٌ إنْ كَانَ لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ وَفِي تَرْكِهِ اسْتِحْقَاقُ عِقَابٍ وَنَدْبٌ إنْ كَانَ كَذَلِكَ

مسألة أكثر المتكلمين لا تكليف أمرا كان أو نهيا إلا بفعل

وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ اسْتِحْقَاقُ عِقَابٍ وَكَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ إنْ كَانَ لِفِعْلٍ كَفٍّ وَفِي فِعْلِهِ اسْتِحْقَاقُ عِقَابٍ وَكَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ إنْ كَانَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ اسْتِحْقَاقُ عِقَابٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا تَكْلِيفَ أَمْرًا كَانَ أَوْ نَهْيًا إلَّا بِفِعْلٍ] (مَسْأَلَةٌ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا تَكْلِيفَ) أَمْرًا كَانَ أَوْ نَهْيًا (إلَّا بِفِعْلٍ) كَسَبْيٍ لَلْمُكَلَّفِ (وَهُوَ) أَيْ الْفِعْلُ الْمُكَلَّفُ بِهِ (فِي النَّهْيِ كَفُّهُ النَّفْسَ عَنْ الْمَنْهِيِّ) أَيْ انْتِهَاؤُهُ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَيَسْتَلْزِمُ) النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ (سَبْقُ الدَّاعِيَةِ) أَيْ دَاعِيَةِ الْمَنْهِيِّ إلَى فِعْلِهِ (فَلَا تَكْلِيفَ قَبْلَهَا) أَيْ الدَّاعِيَةِ (تَنْجِيزًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَعْنِي لَمَّا كَانَ التَّكْلِيفُ وَلَوْ نَهْيًا لَا يَكُونُ إلَّا بِفِعْلٍ حَتَّى أَنَّهُ فِي النَّهْي كَفُّ النَّفْسِ يَلْزَمُهُ بِالضَّرُورَةِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ النَّهْيُ قَبْلَ وُجُودِ الدَّاعِيَةِ إلَى الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَإِذَا قَالَ: لَا تَزْنِ وَالْفَرْضُ أَنَّ مَعْنَاهُ كُفَّ نَفْسَك عَنْ الزِّنَا لَزِمَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ قَبْلَ طَلَبِ النَّفْسِ لِلزِّنَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْطُرْ طَلَبُهَا لِلزِّنَا كَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَفُّهَا عَنْهُ فَلَوْ طَلَبَ مِنْهُ كَفَّهَا فِي حَالِ عَدَمِ طَلَبِهَا طَلَبَ مَا هُوَ مُحَالٌ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ نَحْوُ {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] تَعْلِيقُ التَّكْلِيفِ أَيْ إذَا طَلَبَتْهُ نَفْسُك فَكُفَّهَا وَإِلَّا لَكَانَ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَطْلُبْهُ فَكُفَّهَا أَوْ إذَا طَلَبَتْهُ أَوْ لَمْ تَطْلُبْهُ فَكُفَّهَا وَهُوَ مُحَالٌ فِي شِقِّ عَدَمِ طَلَبِهَا فَلَزِمَ كَوْنُ الْمَعْنَى الشِّقَّ الْآخَرَ وَهُوَ إذَا طَلَبَتْهُ فَكُفَّهَا وَعَلَى هَذَا فَمَا قِيلَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ تَطْلُبْ نَفْسُهُ الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا فِي الْإِسْلَامِ فَحَازَ فَضِيلَةَ الِامْتِثَالِ فِي الْحَالَيْنِ كَلَامٌ غَيْرُ مُتَأَمَّلٍ بَلْ مُقْتَضَى التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ وَلَا يُمْكِنُ امْتِثَالُهُ إذْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ نَهْيٌ مُنْجَزٌ وَلَيْسَ هَذَا نَقْصًا بَلْ كَرَامَةً إذْ كَانَ نَوْعًا مِنْ الْعِصْمَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ طَلَبَتْهُ فَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ فَكَفّهَا لَا يَكُفُّهَا إلَّا لِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ بِالشُّرْبِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ آثِمًا بَلْ مُصِرًّا وَمَا قِيلَ أَنَّ النَّهْيَ قَدْ يَسْقُطُ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ إلَّا بِنِيَّةٍ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ عَدَمُ الْفِعْلِ قَبْلَ دَاعِيَتِهِ فَلَيْسَ بِمُكَلَّفٍ وَلَا آثِمٍ وَلَا مُثَابٍ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ التَّكْلِيفِ وَإِنْ أُرِيدَ التَّرْكُ بَعْدَهَا فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِهِ الْعِقَابَ وَالثَّوَابَ عَلَى تَقْدِيرَيْ تَرْكِهِ لِخَوْفِ ضَرَرِهِ أَوْ لِمُوَافَقَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا فِي طَلَبِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ تَرْكٌ فَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ تَرْكٍ فَطَلَبُهُ هُوَ الْأَمْرُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَا يُتَصَوَّرُ فِعْلُهُ إلَّا بَعْدَ دَاعِيَةِ تَرْكِهِ فَكَذَلِكَ، أَوْ بَعْدَ فِعْلٍ آخَرَ فَهُوَ عَلَى وِزَانِهِ نَحْوُ: اُرْدُدْ كَلَامَ زَيْدٍ فَنَقُولُ: لَا تَكْلِيفَ تَنْجِيزٍ إلَّا إذَا تَكَلَّمَ زَيْدٌ لِأَنَّ قَبْلَ كَلَامِهِ لَا يُتَصَوَّرُ رَدُّهُ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا لِلْأَمْرِ بِكَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَوَقَّفُ فَإِنَّ التَّكْلِيفَ بِهِ طَلَبُ إيجَادِهِ مُطْلَقًا نَحْوُ: اُكْتُبْ وَصَلِّ وَزَكِّ فَهُوَ مُكَلَّفٌ بِهَا أَيْ مَطْلُوبٌ مِنْهُ فِعْلُهَا وَإِدْخَالُهَا فِي الْوُجُودِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى طَلَبِ النَّفْسِ تَرْكَهَا أَوْ عَدَمِ خُطُورِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ) مِنْهُمْ أَبُو هَاشِمٌ الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ (عَدَمُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (لَنَا لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِمَقْدُورٍ) كَمَا سَيَأْتِي (وَالْعَدَمُ غَيْرُهُ) أَيْ الْمَقْدُورِ (إذْ لَيْسَ) الْعَدَمُ (أَثَرَهَا) أَيْ الْقُدْرَةَ (وَلَا) الْعَدَمُ أَيْضًا (اسْتِمْرَارَهُ) أَيْ أَثَرِ الْقُدْرَةِ لِأَنَّ الْعَدَمَ نَفْيٌ مَحْضٌ وَلَمَّا نَظَرَ فِي هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَرَّرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْتِمْرَارَ الْعَدَمِ لَا يَصْلُحُ أَثَرًا لِلْقُدْرَةِ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَيَسْتَمِرَّ وَأَنْ يَفْعَلَ فَلَا يَسْتَمِرَّ وَأَيْضًا فَيَكْفِي فِي طَرَفِ النَّفْي أَثَرًا أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ فَلَمْ يَفْعَلْ وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: وَحَاصِلُهُ أَنَّا لَا نُفَسِّرُ الْقَادِرَ بِاَلَّذِي إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ بَلْ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ فَيَدْخُلُ فِي الْمَقْدُورِ عَدَمُ الْفِعْلِ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِ الْمَشِيئَةِ وَكَانَ الْفِعْلُ مِمَّا يَصِحُّ تَرَتُّبُهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَيَخْرُجُ الْعَدَمِيَّاتُ الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَكَانَ هَذَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ غَيْرَ مُثْبِتٍ لِلْمَطْلُوبِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ مَعَ رِدَّةٍ فَقَالَ: (وَتَفْسِيرُ الْقَادِرِ بِمِنْ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ (لَمْ يَفْعَلْ لَا) بِمَنْ إنْ شَاءَ فَعَلَ (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَكَوْنُهُ لَمْ يَشَأْ فَلَمْ يَفْعَلْ لَا يُوجِبُ اسْتِمْرَارَ) الْعَدَمِ (الْأَصْلِيِّ أَثَرُ الْقُدْرَةِ بِهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (فَيَكُونُ مُمْتَثِلًا لِلنَّهْيِ) فَقَوْلُهُ وَتَفْسِيرُ الْقَادِرِ مُبْتَدَأٌ وَكَوْنُهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَلَا يُوجِبُ خَبَرُهُ ثُمَّ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ لَا يُوجِبُ هَذَا الْمَطْلُوبَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (بَلْ عَدَمُ مَشِيئَةِ الْفِعْلِ أَصْلًا صُورَةُ عَدَمِ الشُّعُورِ بِالتَّكْلِيفِ وَأَمَّا مَعَهُ) أَيْ الشُّعُورِ بِالتَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ (فَلَيْسَ الثَّابِتَ) مِنْ حَيْثُ قَصْدُ الِامْتِثَالِ لِلنَّهْيِ حِينَئِذٍ (إلَّا مَشِيئَةُ عَدَمِ الْفِعْلِ وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ) أَيْ مَشِيئَةِ عَدَمِ الْفِعْلِ (بِعَدَمِ مَشِيئَتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ

مسألة القدرة شرط التكليف

تَسَامُحًا وَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَبْهَرِيُّ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي طَرَفِ الْعَدَمِ أَثَرًا أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ فَلَمْ يَفْعَلْ أَيْ لَمْ يَشَأْ الْفِعْلَ وَشَاءَ عَدَمَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ لَا أَنَّهُ فَعَلَ عَدَمَهُ إذْ لَا يَكْفِي فِي كَوْنِ الْعَدَمِ أَثَرًا مُجَرَّدُ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ فَلَمْ يَفْعَلْ لِأَنَّ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ الْمُوجِبُ بِالذَّاتِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ فَلَمْ يَفْعَلْ وَلَيْسَ أَثَرًا لِلْقُدْرَةِ بِالِاتِّفَاقِ (فَيَتَحَقَّقُ التَّرْكُ وَهُوَ) أَيْ التَّرْكُ (فِعْلٌ إذَا طَلَبَتْهُ) النَّفْسُ (وَيُثَابُ) الْمُكَلَّفُ (عَلَى هَذَا الْعَزْمِ) أَيْ عَزْمِ الْكَفِّ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا يُفِيدُهُ غَيْرُ مَا سَمْعِيٌّ (لَا عَلَى امْتِثَالِ النَّهْي إذْ لَمْ يُوجَدْ) الِامْتِثَالُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عَلَى الْكَفِّ بَلْ إنَّمَا يُوجَدُ بِالْكَفِّ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى دَلِيلَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْكَفَّ فِعْلُ أَحَدِهِمَا قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30] إذْ الِاتِّخَاذُ افْتِعَالٌ وَالْمَهْجُورُ الْمَتْرُوكُ وَالثَّانِي مَا رَوَاهُ أَبُو جُحَيْفَةَ السُّوَائِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ خَيْرٌ؟ فَسَكَتُوا قَالَ: حِفْظُ اللِّسَانِ» اهـ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ بِلَفْظِ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ ثُمَّ قَالَ رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ حَالُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ الْقُدْرَةُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ] (مَسْأَلَةٌ الْقُدْرَةُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ بِالْعَقْلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ لِقُبْحِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ عَقْلًا وَاسْتِحَالَةِ نِسْبَةِ الْقَبِيحِ إلَيْهِ تَعَالَى وَبِالشَّرْعِ لِلْأَشَاعِرَةِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ} [البقرة: 286] الْآيَةَ) أَيْ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَكَوْنُهَا شَرْطًا عِنْدَهُمْ بِالشَّرْعِ (فِي الْمُمْكِنِ) لِذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ عَادَةً (كَحَمْلِ جَبَلٍ وَلَوْ كُلِّفَ بِهِ حَسَنٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّحْسِينِ وَضِدِّهِ) أَيْ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ (وَاخْتَلَفُوا) أَيْ الْأَشَاعِرَةُ (فِي الْمُحَالِ لِذَاتِهِ) كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ (فَقِيلَ عَدَمُ جَوَازِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِهِ (شَرْعِيٌّ لِلْآيَةِ) الْمَتْلُوَّةِ آنِفًا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ (فَلَوْ كَلَّفَ) الشَّارِعُ (الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ) كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ (جَازَ) عَقْلًا (وَنُسِبَ لِلْأَشْعَرِيِّ) مِنْ قَوْلِهِ: الْقُدْرَةُ مَعَ الْفِعْلِ وَأَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَهُوَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ فِي كِتَابِ الْإِيجَازِ بِأَنَّ تَكْلِيفَ الْعَاجِزِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا وَتَكْلِيفَ الْمُحَالِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ صَحِيحٌ وَجَائِزٌ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ وُجِدَ تَكْلِيفُ اللَّهِ الْعِبَادَ بِمَا هُوَ مُحَالٌ لَا يَصِحُّ وُجُودُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِقَضِيَّةِ أَبِي لَهَبٍ وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ مُكَلَّفٌ بِالْإِيمَانِ اهـ (وَقِيلَ) عَدَمُ جَوَازِهِ (عَقْلِيٌّ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ لِاسْتِدْلَالِهِمَا عَلَى نَفْيِهِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَهُوَ (لِمَلْزُومِيَّةِ الطَّلَبِ) الَّذِي هُوَ التَّكْلِيفُ (تَصَوُّرَ الْمَطْلُوبِ عَلَى وَجْهِ الْمَطْلُوبِيَّةِ) لِأَنَّ الطَّلَبَ اسْتِدْعَاءُ الْمَطْلُوبِ الْمُتَصَوَّرِ وُقُوعُهُ فِي نَفْسِ الطَّالِبِ (فَيُتَصَوَّرُ) الْمُحَالُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ (مُثْبَتًا) أَيْ وَاقِعًا فِي الْخَارِجِ (وَهُوَ) أَيْ تَصَوُّرُ الْمُحَالِ مُثْبَتًا (تَصَوُّرُ الْمَلْزُومِ) الَّذِي هُوَ الْمُحَالُ (مَلْزُومًا لِنَقِيضِ اللَّازِمِ) وَهُوَ أَيْ نَقِيضُ اللَّازِمِ ثُبُوتُ الْمُحَالِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ تَصَوُّرُ الْأَمْرِ عَلَى خِلَافِ مَاهِيَّتِه فَإِنَّ مَاهِيَّتَه تُنَافِي ثُبُوتَهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ فَمَا يَكُونُ ثَابِتًا فَهُوَ غَيْرُ مَاهِيَّتِه (وَتَصَوُّرُ أَرْبَعَةٍ لَيْسَتْ زَوْجًا تَصَوُّرُ أَرْبَعَةٍ لَيْسَتْ أَرْبَعَةً) لِأَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ بِزَوْجٍ لَيْسَ بِأَرْبَعَةٍ فَالْمُتَصَوَّرُ حِينَئِذٍ أَرْبَعَةٌ وَلَيْسَ بِأَرْبَعَةٍ هَذَا خَلْفٌ (وَنُوقِضَ بِلُزُومِ امْتِنَاعِ الْحُكْمِ بِامْتِنَاعِهِ خَارِجًا) أَيْ أُورِدَ عَلَى هَذَا نَقَضٌ إجْمَالِيُّ وَهُوَ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَزِمَ امْتِنَاعُ الْحُكْمِ بِسَبَبِ امْتِنَاعِ الْمُحَالِ فِي الْخَارِجِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ بِامْتِنَاعِهِ خَارِجًا (فَرْعُ تَصَوُّرِهِ خَارِجًا) لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ بِدُونِ تَصَوُّرِهِ مُحَالٌ لَكِنَّ اللَّازِمَ بَاطِلٌ لِتَحَقُّقِ الْحُكْمِ مِنْ الْعُقَلَاءِ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ (أُجِيبَ بِأَنَّ اللَّازِمَ) لِلْحُكْمِ بِامْتِنَاعِهِ خَارِجًا (تَصَوُّرُهُ) نَفْسُهُ فَقَطْ (لَا) تَصَوُّرُهُ (بِقَيْدِ إثْبَاتِهِ) خَارِجًا (وَهُوَ) أَيْ تَصَوُّرُهُ كَذَلِكَ هُوَ (الْمُمْتَنِعُ فَيَتَصَوَّرُ) الْحَاكِمُ (الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ) الْغَيْرِ الْمُتَضَادَّةِ كَالْحَلَاوَةِ وَالْبَيَاضِ (وَيَنْفِيهِ) أَيْ الْحَاكِمُ الْجَمْعَ (عَنْهُمَا) أَيْ الضِّدَّيْنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَوَّرُ اجْتِمَاعَهُمَا مَنْفِيًّا (وَهُوَ) أَيْ تَصَوُّرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ مَنْفِيًّا عَنْ الضِّدَّيْنِ (كَافٍ) فِي الْحُكْمِ بِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ فِي الْخَارِجِ (بِخِلَافِ مَا يَسْتَدْعِيهِ) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ (طَلَبُ إثْبَاتِهِ فِي الْخَارِجِ) فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِهِ مُثْبَتًا فِي

مسألة بقاء التكليف بالفعل أي تعلقه به

الْخَارِجِ (وَالْحَقُّ أَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ إمْكَانَ كَلَّفْتُكَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الضِّدَّيْنِ (وَهُوَ) أَيْ إمْكَانُ هَذَا (إمَّا فَرْعُ قَوْلِهِ النَّفْسِيِّ ذَلِكَ) أَيْ كَلَّفْتُك الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا (أَوْ) فَرْعُ (الْعِلْمِ) بِمَعْنَى هَذَا (فَإِنْ اسْتَدْعَى) هَذَا (قَدْرًا مِنْ التَّعَقُّلِ فَقَدْ تَحَقَّقَ) ذَلِكَ الْقَدْرُ ضَرُورَةَ إمْكَانِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ كَافٍ فِي إمْكَانِ التَّكْلِيفِ (وَلَا حَاجَةَ لَنَا إلَى تَحْقِيقِهِ وَأَيْضًا يُمْكِنُ تَصَوُّرُ الثُّبُوتِ بَيْنَ الْخِلَافَيْنِ فَيُكَلَّفُ بِهِ) أَيْ الثُّبُوتِ (بَيْنَ الضِّدَّيْنِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي يَمْنَعُ تَوَقُّفُ التَّكْلِيفِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ عَلَى تَصَوُّرِهِ وَاقِعًا بَلْ يَكْفِي فِيهِ تَصَوُّرُ الِاجْتِمَاعِ الْمُمْكِنِ ثُمَّ طَلَبُهُ لِلضِّدَّيْنِ فَيَسْتَدْعِي فِي الطَّلَبِ مِثْلَ مَا يَسْتَدْعِيهِ فِي الْحُكْمِ (وَحَدِيثُ تَصَوُّرِ الْمُسْتَحِيلِ) أَيْ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَصَوُّرِهِ (بِمَا فِيهِ) مِنْ الْبَحْثِ (لَا وُقُوعَ لَهُ بَعْدَ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ إمْكَانَ كَلَّفْتُك الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا (وَلَا خِلَافَ فِي وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ نَفْسِهِ (كَمَا) أَيْ الَّذِي (عَلِمَ سُبْحَانَهُ عَدَمَ كَوْنِهِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَّصِفْ بِالِاسْتِحَالَةِ لِذَلِكَ) أَيْ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِعَدَمِ كَوْنِهِ (لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِ) أَيْ الْمُحَالِ (مَعَ الْإِمْكَانِ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ مَقْطُوعٌ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ) غَيْرَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِالْمُحَالِيَةِ الَّتِي لَا تُجَامِعُ الْإِمْكَانَ هُوَ الْوَصْفُ بِالْمُحَالِيَةِ الذَّاتِيَّةِ وَلَيْسَتْ هِيَ الْمُرَادَةُ فِي قَوْلِهِمْ مُحَالٌ لِغَيْرِهِ غَايَتُهُ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُحَالِ عَلَى الْمُمْكِنِ الَّذِي مَنَعَ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ مَانِعٌ مَجَازًا وَجَعَلُوا التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِمْ لِغَيْرِهِ قَرِينَةُ ذَلِكَ (فَاسْتِدْلَالُ الْمُجِيزِ) لِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُسْتَحِيلِ لِذَاتِهِ (بِهِ) أَيْ بِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِغَيْرِهِ وَاقِعٌ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَيَقْتَضِي وُقُوعُ تَكْلِيفِ الْمُسْتَحِيلِ لِنَفْسِهِ اتِّفَاقًا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَكَيْفَ لَا (وَالِاتِّفَاقُ) بَيْنَ الْأَشَاعِرَةِ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ وُقُوعِ تَكْلِيفِ الْمُسْتَحِيلِ لِنَفْسِهِ كَغَيْرِهِمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الِاتِّفَاقُ مِنْهُمْ عَلَى نَفْيِهِ (نَاقَضُوا الْآيَةَ) أَيْ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] لِدَلَالَتِهَا عَلَى نَفْي الْوُقُوعِ (وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِهِ) عَقْلًا لَا غَيْرُ (وَكَذَا اسْتِدْلَالُهُمْ) عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ (بِأَنَّ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ وَهُوَ) أَيْ الْفِعْلُ (مَخْلُوقٌ لَهُ تَعَالَى) يَقْتَضِي اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ وَقَعَ بِهِ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ وَاقِعٌ بِلَا شُبْهَةٍ وَكُلُّ مَا كُلِّفَ بِهِ فَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ لَا تَسْبِقُ فِعْلَهُ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (أُلْزَمْ الْأَشْعَرِيُّ الْقَوْلَ بِهِ) أَيْ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ (وَيَلْزَمُ) مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (كَوْنُ كُلِّ مَا كُلِّفَ بِهِ مُحَالًا لِذَاتِهِ) أَيْ فَهُوَ مُحَالٌ لِذَاتِهِ وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ مُحَالًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لِوُجُوبِ وُجُودِ الْفِعْلِ أَوْ عَدَمِهِ لِوُجُوبِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِأَحَدِهِمَا وَأَيًّا مَا كَانَ تَعَيَّنَ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ بِالْمُجِيزِينَ لِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ (وَقَعَ) التَّكْلِيفُ بِهِ فَقَدْ (كُلِّفَ أَبُو لَهَبٍ) أَيْ كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى (بِالتَّصْدِيقِ بِمَا أَخْبَرَ) بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إجْمَاعًا (وَأَخْبَرَ) اللَّهُ تَعَالَى (أَنَّهُ) أَيْ أَبَا لَهَبٍ (لَا يُصَدِّقُهُ) الْتِزَامًا لِإِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِقَوْلِهِ {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد: 3] قُلْت: وَمَا قِيلَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَلِيَهَا لِلْفِسْقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَالَةَ الرَّاهِنَةَ حِينَئِذٍ كَانَتْ مُفِيدَةً لِاسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ كُفْرًا ثُمَّ تَقَرَّرَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ عَلَيْهِ فَذَاكَ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ ابْتِدَاءً مُنْتَفٍ انْتِهَاءً فَلَا يَقْدَحُ فِي الظُّهُورِ إنْ قَدَحَ فِي الْقَطْعِ وَبِالظُّهُورِ كِفَايَةٌ (وَهُوَ) أَيْ تَكْلِيفُهُ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا أَخْبَرَ حِينَئِذٍ (تَكْلِيفٌ بِأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ وَهُوَ) أَيْ وَتَكْلِيفُهُ بِهَذَا (مُحَالٌ لِنَفْسِهِ لِاسْتِلْزَامِ تَصْدِيقِهِ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ غَلَطٌ بَلْ هُوَ) أَيْ إيمَانُ أَبِي لَهَبٍ (مِمَّا عُلِمَ عَدَمُ وُقُوعِهِ فَهُوَ) مُحَالٌ (لِغَيْرِهِ) سَوَاءٌ (كُلِّفَ) أَبُو لَهَبٍ (بِتَصْدِيقِهِ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَبْلَ عِلْمِهِ) أَيْ أَبِي لَهَبٍ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ (أَوْ) كُلِّفَ (بَعْدَهُ) أَيْ عِلْمِهِ بِذَلِكَ (فَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ لَهُمْ (تَشْكِيكٌ بَعْدَ الْقَاطِعِ) فِي أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ} [البقرة: 286] الْآيَةُ فَهُوَ) أَيْ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ (مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ) عَقْلًا غَيْرُ وَاقِعٍ شَرْعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ بَقَاءُ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ أَيْ تَعَلُّقُهُ بِهِ] (مَسْأَلَةٌ نُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ بَقَاءُ التَّكْلِيفِ) بِالْفِعْلِ أَيْ تَعَلُّقُهُ بِهِ (حَالَ) مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ (الْفِعْلِ) الْمُكَلَّفِ بِهِ (وَاسْتُبْعِدَ) هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ الْأَشْعَرِيَّ (إنْ أَرَادَ أَنَّ تَعَلُّقَهُ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ (لِنَفْسِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ

(فَحَقٌّ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطَّلَبِ تَسْتَلْزِمُ مَطْلُوبًا عَقْلًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ عَنْهُ (لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ) أَيْ هَذَا الْمُرَادِ (انْقِطَاعُهُ) أَيْ التَّكْلِيفِ (بَعْدَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (اتِّفَاقًا) لِأَنَّ مَا بِالذَّاتِ لَا يَزُولُ بِالْغَيْرِ بَلْ يَبْقَى مَا دَامَتْ الذَّاتُ فَيَبْقَى التَّكْلِيفُ بَعْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ لِتَحَقُّقِ نَفْسِ التَّكْلِيفِ بَعْدَهُ أَيْضًا وَهُوَ بَاطِلٌ لِانْقِطَاعِهِ بَعْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ إجْمَاعًا (أَوْ) أَرَادَ بِتَعَلُّقِهِ بِهِ حَالَ حُدُوثِهِ (تَنْجِيزُ التَّكْلِيفِ) بِمَعْنَى أَنَّ التَّكْلِيفَ بَاقٍ عَلَيْهِ مُنَجَّزًا (فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّكْلِيفَ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ هَذَا تَكْلِيفٌ (بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ) وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ) هَذَا كَذَلِكَ (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ التَّكْلِيفَ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ إنَّمَا يَكُونُ (بَعْدَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (وَكَلَامُنَا حَالَ هَذَا الْإِيجَادِ وَمَا يُقَالُ إحَالَةٌ لِلصُّورَةِ) أَيْ صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (الْفِعْلُ إنْ كَانَ آنِيًّا) أَيْ دَفْعِي الْوُجُودِ (لَمْ يُتَصَوَّرْ لَهُ بَقَاءٌ يَكُونُ مَعَهُ التَّكْلِيفُ وَإِنْ) كَانَ (طَوِيلًا أَوْ ذَا أَفْعَالٍ فَحَالَ فِعْلِهِ انْقَضَى شَيْئًا فَشَيْئًا فَالْمُنْقَضِي سَقَطَ تَكْلِيفُهُ وَمَا لَمْ يُوجَدْ بَقِيَ) تَكْلِيفُهُ (لَا يُفِيدُ ذَلِكَ) أَيْ إحَالَةَ الصُّورَةِ (لِأَنَّ الْمُمْكِنَ آنِيًّا) كَانَ (أَوْ زَمَانِيًّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَالِ عَدَمٍ وَحَالِ بُرُوزٍ) مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ (وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ) مِقْدَارَ زَمَانِ بُرُوزِهِ (لِسُرْعَتِهِ وَحَالُ تَقَرُّرِ وُجُودِهِ وَالْبَقَاءِ إنَّمَا هُوَ مَحْكُومٌ بِهِ لِلتَّكْلِيفِ لَا لِلْفِعْلِ أَيْ التَّكْلِيفِ السَّابِقِ عَلَى الْفِعْلِ يَبْقَى مَعَ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ) أَيْ حَالَةِ الْبُرُوزِ (وَإِنْ سَبَقَتْ) الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ (اللَّحْظَةَ) فِي السُّرْعَةِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (صَحِيحٌ وَيَكُونُ نَصًّا مِنْ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ التَّكْلِيفَ سَبَقَهُ) أَيْ الْفِعْلَ (لَا مَعَ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا نُسِبَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِلَّا) لَوْ كَانَ التَّكْلِيفُ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ (انْتَفَتْ الْمَعْصِيَةُ) لِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا (وَتَسَبَّبَ هَذَا الْخَبْطُ عَنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِمَقْدُورٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) فِي الْبُرْهَانِ: وَالذَّهَابُ إلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ الْفِعْلِ (مَذْهَبٌ لَا يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ عَاقِلٌ) أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْقَاعِدَ فِي حَالِ قُعُودِهِ مُكَلَّفٌ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ طَلَبٌ وَالطَّلَبُ يَسْتَدْعِي مَطْلُوبًا وَعَدَمَ حُصُولِهِ وَقْتَ الطَّلَبِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُطْلَبَ كَائِنٌ وَيَقْتَضِي حَاصِلٌ (وَيَنْفِي) هَذَا أَيْضًا (تَكْلِيفُ الْكَافِرِ بِإِيمَانٍ قَبْلَهُ) أَيْ الْإِيمَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ (وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ لَهَا صَلَاحِيَّةُ التَّأْثِيرِ) فِي الْمَعْدُومَاتِ الْمُمْكِنَةِ بِالْإِيجَادِ (وَ) الْقُدْرَةُ (الَّتِي يُقَامُ) الْفِعْلُ (بِهَا جُزْئِيٌّ حَقِيقِيٌّ مِنْهَا) أَيْ الْقُدْرَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ (وَالْمُتَقَدِّمُ وَالْمُتَأَخِّرُ) عَلَى هَذَا الْجُزْئِيِّ مِنْهَا (الْأَمْثَالُ فَالشَّرْطُ) لِلتَّكْلِيفِ (مَثَلٌ سَابِقٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّلَاحِيَّةَ) لِلتَّأْثِيرِ (لَازِمُ مَاهِيَّتِهَا) أَيْ الْقُدْرَةِ (فَيَلْزَمُ) الصَّلَاحِيَّةَ (كُلُّ فَرْدٍ) مِنْ أَفْرَادِهَا (وَذَاكَ) أَيْ الْمَثَلُ السَّابِقُ (مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِسَلَامَةِ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةِ أَسْبَابِهِ فَلِذَا فَسَّرَهَا) أَيْ الْقُدْرَةَ (الْحَنَفِيَّةُ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ سَلَامَةُ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ (وَأَمَّا دَفْعُهُ) أَيْ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (بِأَنَّ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ) لِلْفِعْلِ (مَعَ الدَّاعِيَةِ) إلَيْهِ (وَالْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ (يَجِبُ) الْفِعْلُ (فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ) لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّرْكِ وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِمَقْدُورٍ (فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ الْفِعْلِ حِينَئِذٍ (وُجُوبٌ عَنْ اخْتِيَارٍ سَابِقٍ فِي الْفِعْلِ وَعَدَمٌ) لِلْفِعْلِ سَابِقٌ (مَعَ إمْكَانٍ) لِلْفِعْلِ وَالتَّرْكِ (مُصَحَّحٌ لِلتَّكْلِيفِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الْفِعْلِ (وَلَيْسَ) هَذَا الدَّفْعُ بِدَافِعٍ لِذَاكَ الدَّفْعِ (لِأَنَّ الْوُجُوبَ) لِلْفِعْلِ (لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْفِعْلِ) عَلَى التَّمَامِ (فِي التَّحْقِيقِ وَالْقُدْرَةِ) لِلْعَبْدِ (لَا يُقَامُ بِهَا الْفِعْلُ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْأَشَاعِرَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ (بَلْ تُصَاحِبُهُ) أَيْ الْفِعْلَ (إذْ لَا يُقَامُ) الْفِعْلُ عِنْدَهُمْ (إلَّا بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْثِيرَ أَصْلًا لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ فِيهِ) أَيْ الْفِعْلِ (أَصْلًا فَلَيْسَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ إلَّا مَا ذَكَرْنَا) مِنْ سَلَامَةِ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةِ أَسْبَابِهِ (وَلَا يَسْتَدْعِي) هَذَا الْمَعْنَى (الْمَعِيَّةَ) أَيْ كَوْنَ التَّكْلِيفِ مَعَ الْفِعْلِ (فَإِنَّ عِنْدَهُ) أَيْ مَا ذَكَرْنَا (يَخْلُقُ) أَيْ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى الْفِعْلَ (عَادَةً عِنْدَ الْعَزْمِ الْمُصَمِّمِ) عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ فَهَذَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: تَوْجِيهُ كَوْنِ الشَّرْطِ سَلَامَةَ آلَاتِ الْفِعْلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ إلَّا أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا ذَكَرْنَا اصْطِلَاحًا فَإِنَّ

حَقِيقَةَ قُدْرَةِ الْعَبْدِ لَا يُقَامُ بِهَا الْفِعْلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأَشَاعِرَةِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَاشْتِرَاطُ حَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ أَجْنَبِيٌّ فَالْوَجْهُ كَوْنُ الشَّرْطِ كَوْنُ الْمُكَلَّفِ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ سَلَامَةِ آلَاتِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَصِحَّةِ أَسْبَابِهِ (وَأَيْضًا سَبَقَ الِاخْتِيَارُ التَّكَلُّفَ بِسَبْقِ مَا قَارَنَهُ) أَيْ التَّكْلِيفَ وَهُوَ مُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ (لَا يُوجِبُ وُقُوعَ الْفِعْلِ امْتِثَالًا لِأَنَّهُ) أَيْ الِامْتِثَالَ (بِاخْتِيَارِهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ الْفِعْلَ (بَعْدَ عِلْمِهِ بِالتَّكْلِيفِ) وَهُوَ مُنْتَفٍ حَيْثُ كَانَ الْفِعْلُ مُقَارِنًا لِلتَّكْلِيفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الْقُدْرَةَ) الَّتِي هِيَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ (إلَى مُمْكِنَةٍ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَهِيَ أَدْنَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمَأْمُورُ مِنْ أَدَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ بَدَنِيًّا كَانَ أَوْ مَالِيًّا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ غَالِبًا وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهَذَا لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ فِي الْحَجِّ مِنْ قَبِيلِ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ اهـ يَعْنِي وَقَدْ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْحَجِّ بِدُونِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ نَادِرًا وَبِدُونِ الرَّاحِلَةِ كَثِيرًا لَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِدُونِهِمَا إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْغَالِبِ وَالْكَثِيرِ بِأَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ بِكَثِيرٍ نَادِرٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَا لَيْسَ بِغَالِبٍ نَادِرًا بَلْ قَدْ يَكُونُ كَثِيرًا وَاعْتُبِرَ بِالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْجُذَامِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ غَالِبٌ وَالثَّانِيَ كَثِيرٌ وَالثَّالِثَ نَادِرٌ (وَهِيَ السَّابِقَةُ) أَيْ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ (وَمُيَسِّرَةٌ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا. (وَالْأُولَى) أَيْ الْمُمْكِنَةُ (إنْ كَانَ الْفِعْلُ مَعَهَا بِالْعَزْمِ غَالِبًا) عَلَى الظَّنِّ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ قَبْلَ التَّضْيِيقِ (فَالْوَاجِبُ الْأَدَاءُ عَيْنًا فَإِنْ لَمْ) يُؤَدِّ (بِلَا تَقْصِيرٍ) مِنْهُ فِي تَرْكِ الْأَدَاءِ (حَتَّى انْقَضَى وَقْتُهُ) أَيْ الْأَدَاءِ (لَمْ يَأْثَمْ وَانْتَقَلَ الْوُجُوبُ إلَى قَضَائِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلِ (إنْ كَانَ ثَمَّةَ خَلْفٌ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَلَفٌ (فَلَا قَضَاءَ وَلَا إثْمَ أَوْ) إنْ لَمْ يُؤَدِّ (بِتَقْصِيرٍ أَثِمَ عَلَى الْحَالَيْنِ) أَيْ فِيمَا لَهُ خَلُفَ وَمَا لَا خَلْفَ لَهُ كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْفِعْلُ مَعَهَا (غَالِبًا) عَلَى الظَّنِّ (وَجَبَ الْأَدَاءُ لِخَلَفِهِ لَا لَعَيْنِهِ) أَيْ لِيَظْهَرَ الْوُجُوبُ فِي الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ فَرْعُ وُجُودِ الْأَدَاءِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ (كَالْأَهْلِيَّةِ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ) هَذَا مِثَالُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْأَدَاءُ وَلَا إثْمَ بِعَدَمِهِ بَلْ لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ يَعْنِي لَوْ كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْوُجُوبِ لِلْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ إلَى أَنْ بَقِيَ مِنْهُ مَا لَا يَتَجَزَّأُ لِلْأَدَاءِ فَيَثْبُتُ أَهْلِيَّتُهُ بِزَوَالِ الصِّغَرِ بِالْبُلُوغِ وَالْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَالْكُفْرِ بِالْإِسْلَامِ (خِلَافًا لِزُفَرَ لِاعْتِبَارِهِ إيَّاهَا) أَيْ الْأَهْلِيَّةَ (قَبْلَهُ) أَيْ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ (عِنْدَ مَا يَسَعُهُ) أَيْ الْأَدَاءَ وَالشَّافِعِيُّ مَا يَسَعُ رَكْعَةً بَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِلَا تَقَدُّمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَعَلَّلَ الْمَذْهَبَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ بِالْأَخِيرِ لِإِمْكَانِ الِامْتِدَادِ) يَعْنِي لَا قَاطِعَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ آخِرُ الْأَجْزَاءِ بَلْ كُلُّ جُزْءٍ يُتَوَهَّمُ مَعَهُ أَنَّهُ لَيْسَ آخِرًا فَأَيُّ جُزْءٍ كَانَ مَعَهُ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ يَجِبُ عِنْدَهُ التَّكْلِيفُ (وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا) أَيْ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ (لِلْقَضَاءِ) كَمَا لِلْأَدَاءِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (لِأَنَّ اشْتِرَاطَهَا) لِلْأَدَاءِ (لِاتِّجَاهِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ بَقَاءُ ذَلِكَ الْوُجُوبِ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِمَا) أَيْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فَلَمْ يَتَكَرَّرْ) الْوُجُوبُ (لِتَتَكَرَّرَ) الْقُدْرَةُ (فَوُجُوبُ الصَّلَوَاتِ الْكَثِيرَةِ) قَضَاءً (فِي آخَرِ نَفَسٍ) مِنْ الْحَيَاةِ (عَيْنُ وُجُوبِهَا) أَدَاءً (الْمُسْتَكْمِلُ لِشَرْطِهِ) مِنْ سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ (لَكِنَّهُ) أَيْ الْقَاضِيَ (قَصَرَ) حَتَّى ضَاقَ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ وَقْتِ الْحَيَاةِ عَنْ فِعْلِهَا (وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَجِبْ) قَضَاءُ الصَّلَاةِ (إلَّا بِقُدْرَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكٍ) لِلْقَضَاءِ (بِلَا عُذْرٍ وَذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ (يُبْطِلُ نَفْيَ وُجُوبِهَا) قَضَاءً (فَيَخُصُّ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ} [البقرة: 286] الْآيَةُ الْأَدَاءَ) فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا انْتِفَاءُ التَّكْلِيفِ عِنْدَ عَدَمِ الْوُسْعِ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْقَضَاءِ تَكْلِيفًا قَائِمًا وَإِنْ كَانَ هُوَ التَّكْلِيفُ السَّابِقُ ابْتِدَاؤُهُ مَعَ عَدَمِ الْوُسْعِ (كَمَا أَوْجَبَتْهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ (نُصُوصُ قَضَاءِ الصَّوْمِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] (وَالصَّلَاةِ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلِيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (الْمُوجِبَةُ) هِيَ أَيْ نُصُوصُ الْقَضَاءِ (الْإِثْمَ بِتَرْكِهِ) أَيْ الْقَضَاءَ بِلَا عُذْرٍ (الْمُسْتَلْزِمَ لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (فِي آخَرِ نَفَسٍ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَأْثَمْ بِالتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ (انْتَفَى إيجَابُهَا) أَيْ نُصُوصِ الْقَضَاءِ (لِلْقَضَاءِ) لِأَنَّ مُوجِبَ الْفِعْلِ مَعْنَاهُ الْمُثْبِتُ

لِلْوُجُوبِ وَهُوَ مَا يَنْتَهِضُ تَرْكُهُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ (وَأَيْضًا الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّأْثِيمِ) بِالتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ (إجْمَاعٌ عَلَيْهِ) أَيْ تَخْصِيصِ الْآيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا (وَمِنْ الْمُمْكِنَةِ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ) أَيْ مِلْكُهُمَا ذَاتًا أَوْ مَنْفَعَةً بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ فِي الرَّاحِلَةِ بِحَيْثُ يَتَوَصَّلُ بِهِمَا إلَى الْحَجِّ (لِلْحَجِّ) لِأَنَّهُ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَتِهِ إلَّا بِهِ فِي الْعَادَةِ فِي جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ وَكَوْنُ بَعْضِهِمْ يُقَدَّرُ بِالْمَشْيِ لَا يُعْتَبَرُ التَّكْلِيفُ بِاعْتِبَارِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ تَوَقَّفَ التَّكْلِيفُ عَلَى مَرَاكِبَ وَخَدَمٍ وَأَعْوَانٍ وَأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ وَلَمْ يَشْرِطْ فِي وُجُوبِهِ ذَلِكَ بَلْ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَكْتَرِيَ رَأْسَ زَامِلَةٍ أَوْ شِقٍّ مُحْمَلٍ لَهُ مَعَ زَادِهِ فَإِنَّ بِدُونِ هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ قُدْرَةُ السَّفَرِ فِي الْعَادَةِ (وَالْمَالِ) أَيْ وَمِلْكُ الْمَالِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ (لِصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَلَا تَسْقُطُ) صَدَقَةُ الْفِطْرِ (بِهَلَاكِهَا) أَيْ هَذِهِ الْقُدْرَةِ بِوَاسِطَةِ هَلَاكِ الْمَالِ. (الثَّانِيَةُ الْمُيَسِّرَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْأُولَى بِالْيُسْرِ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى) عَلَى الْعِبَادِ لِحُصُولِ السُّهُولَةِ فِي الْأَدَاءِ بِاشْتِرَاطِهَا وَلِهَذَا شُرِطَتْ فِي أَكْثَرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ لَا الْبَدَنِيَّةِ لِأَنَّ أَدَاءَهَا أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ الْبَدَنِيَّةِ إذْ الْمَالُ مَحْبُوبُ النَّفْسِ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ وَمُفَارِقَةُ الْمَحْبُوبِ بِالِاخْتِيَارِ أَمْرٌ شَاقٌّ (كَالزَّكَاةِ زَادَتْ) الْقُدْرَةُ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا وُجُوبُهَا (عَلَى أَصْلِ الْإِمْكَانِ) لِلْفِعْلِ (كَوْنُ الْمُخْرَجِ قَلِيلًا جِدًّا مِنْ كَثِيرٍ وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمُخْرَجِ وَاقِعًا (مَرَّةً بَعْدَ الْحَوْلِ الْمُمْكِنِ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ فَتَقَيَّدَ الْوُجُوبُ بِهِ) أَيْ بِالْيُسْرِ (فَسَقَطَ) الْوُجُوبُ (بِالْهَلَاكِ) لِلْمَالِ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ الَّتِي هِيَ وَصْفُ النَّمَاءِ إذْ بَقَاؤُهَا شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ بِهَا لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُسْتَحَقَّ مَتَى وَجَبَ بِوَصْفٍ لَا يَبْقَى إلَّا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَيْنُ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً كَالْمِلْكِ إذَا ثَبَتَ مَبِيعًا أَوْ هِبَةً أَوْ إرْثًا يَبْقَى كَذَلِكَ وَهَذَا الْوَاجِبُ وَجَبَ بَعْضُ نَمَاءِ الْمَالِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ هَلَاكِ ذَلِكَ الْمَالِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَانْقَلَبَ غَرَامَةً فَلَا يَكُونُ الْبَاقِي مَا كَانَ وَاجِبًا ابْتِدَاءً (وَانْتَفَى) الْوُجُوبُ (بِالدَّيْنِ) الَّذِي لَهُ مَطَالِبُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لِمُنَافَاتِهِ الْيُسْرَ وَالْغِنَى لِكَوْنِ الْمَالِ مَشْغُولًا بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَالْيُسْرُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمَا فَضُلَ عَنْهَا وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَجِبُ فِي دُورِ السُّكْنَى وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ فَسَقَطَ بِالْهَلَاكِ وَالدَّيْنِ لِأَنَّ السُّقُوطَ فَرْعُ الثُّبُوتِ وَبِالدَّيْنِ لَمْ تَجِبْ مِنْ الِابْتِدَاءِ لَا أَنَّهَا وَجَبَتْ ثُمَّ سَقَطَتْ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِمَا لَهُ مُطَالَبٌ مِنْ الْعِبَادِ لِأَنَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَسْقُطْ بِهَلَاكِ النِّصَابِ وَلَمْ يَنْتِفْ بِالدَّيْنِ الْمَذْكُورِ (انْقَلَبَ) الْيُسْرُ (عُسْرًا) أَيْ يَصِيرُ الْوَاجِبُ الْمُقَيَّدُ بِالْيُسْرِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِهِ (بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ) لِلنِّصَابِ بَعْدَ تَوَفُّرِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ فِيهِ إنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ (لِتَعَدِّيهِ) أَيْ الْمَالِكِ (عَلَى حَقِّ الْفُقَرَاءِ) بِالْإِهْلَاكِ حَيْثُ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ أَوْ أَنْفَقَهُ فِي حَاجَتِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَاشْتِرَاطُ بَقَاءِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ إنَّمَا كَانَ نَظَرًا لَهُ وَقَدْ خَرَجَ بِالتَّعَدِّي عَنْ اسْتِحْقَاقِهِ النَّظَرَ فَلَمْ يَسْقُطْ الْوُجُوبُ أَوْ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةِ جُعِلَتْ بَاقِيَةً تَقْدِيرًا زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّعَدِّي وَرَدًّا لِقَصْدِهِ إسْقَاطَ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَنْ نَفْسِهِ وَنَظَرًا لِلْفَقِيرِ (وَهُوَ) أَيْ سُقُوطُ الْوَاجِبِ بِهَلَاكِ النِّصَابِ (بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْوَاجِبَ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ (جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ) أَيْ نَفْسِ الْمَخْرَجِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ النِّصَابِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] إذْ مَعْلُومٌ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْإِيتَاءِ هُوَ الْمَالُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: نَفْسَ الْإِيتَاءِ لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَهُ بِالْوُجُوبِ وَمُتَعَلِّقُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الزَّكَاةِ جُزْءًا مِنْ الْعَيْنِ (سَقَطَتْ بِدَفْعِ النِّصَابِ) أَيْ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ (بِلَا نِيَّةٍ) أَصْلًا أَوْ بِنِيَّةِ النَّفْلِ لِوُصُولِ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ قُرْبَةً إلَّا عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَجْزَاءِ وَالْفَرْضُ وُقُوعُهُ قُرْبَةً وَانْتِفَاءُ الْمُزَاحِمَةِ لِأَدَاءِ الْكُلِّ لِلَّهِ تَعَالَى (وَكَذَا الْكَفَّارَةُ) لِلْيَمِينِ وُجُوبُهَا بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ (بِدَلِيلِ تَخْيِيرِ الْقَادِرِ عَلَى الْأَعْلَى بَيْنَهُ) أَيْ الْأَعْلَى (وَبَيْنَ الْأَدْنَى) أَيْ بَيْنَ التَّحْرِيرِ وَالْكُسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ الْمُتَفَاوِتَةِ فِي الْمَالِيَّةِ تَفَاوُتًا ظَاهِرًا عَادَةً فَإِنَّ هَذَا إذْنٌ لِلْمُخَيَّرِ فِي التَّرَفُّقِ بِمَا هُوَ الْأَيْسَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ التَّخْيِيرَ فِيهَا وَإِنْ وَقَعَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتٍ فِي الصُّورَةِ فَهِيَ مُتَمَاثِلَةٌ

مسألة حصول الشرط الشرعي لشيء ليس شرطا للتكليف

فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ مِقْدَارَ مَالِيَّةِ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَانَ مُسَاوِيًا عِنْدَهُمْ لَقِيمَةِ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ فَلَا يُفِيدُ التَّخْيِيرُ فِيهَا التَّيْسِيرَ قَصْدًا بَلْ التَّأْكِيدَ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ وُجُوبُهَا بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ (وَلَمْ يَشْرُطْ فِي إجْزَاءِ الصَّوْمِ) فِي الْكَفَّارَةِ (الْعَجْزَ الْمُسْتَدَامَ) إلَى الْمَوْتِ (كَمَا) شَرَطَ (فِي الْفِدْيَةِ) فِي صَوْمِ رَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَلَّفِ الْمُسِنِّ الْعَاجِزِ عَنْهُ (وَالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ) الْحَيِّ الْقَادِرِ عَلَى النَّفَقَةِ الْعَاجِزِ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ (فَلَوْ أَيْسَرَ) الْمُكَفِّرُ بِالصِّيَامِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ (بَعْدَهُ) أَيْ الصِّيَامِ (لَا يَبْطُلُ) التَّكْفِيرُ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسِنِّ الْعَاجِزِ عَنْ الصِّيَامِ فَإِنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى الصِّيَامِ بَعْدَ الْفِدْيَةِ بَطَلَتْ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْمَحْجُوجُ عَنْهُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ وَكَيْفَ لَا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ وِجْدَانِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ عَدَمَهُ فِي الْعُمُرِ لَبَطَلَ تَرَتُّبُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْهَا حِينَئِذٍ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي آخِرِ الْعُمُرِ وَبَعْدِهِ لَا يُتَصَوَّرُ أَدَاءُ الصَّوْمِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَجْزُ فِي الْحَالِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَحْصُلَ الْقُدْرَةَ فِي الِاسْتِقْبَالِ (وَلَوْ فَرَّطَ) الْمُوسِرُ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ (حَتَّى هَلَكَ الْمَالُ انْتَقَلَ) وُجُوبُ التَّكْفِيرِ بِهِ (إلَى الصَّوْمِ) أَيْ التَّكْفِيرِ بِهِ (بِخِلَافِ الْحَجِّ) فَإِنَّهُ لَوْ فَرَّطَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ حَتَّى عَجَزَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ كَمَا سَلَفَ (وَإِنَّمَا سَاوَى الِاسْتِهْلَاكُ) لِلْمَالِ (الْهَلَاكَ) فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِالْمَالِ وَلَمْ يُسَاوِهِ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْبِنَاءِ عَلَى الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ (لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَالِ) فِي الْكَفَّارَةِ لِلتَّكْفِيرِ بِهِ فَلَا يَكُونُ الِاسْتِهْلَاكُ تَعَدِّيًا (بِخِلَافِهِ) أَيْ الْمَالِ (فِي الزَّكَاةِ) فَإِنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ فَقَدْ اسْتَهْلَكَ الْوَاجِبَ وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ إشْكَالٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ فِي الْكَفَّارَةِ يَعُودُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَالِ بِإِصَابَةِ مَالٍ آخَرَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ وَلَا يَعُودُ فِي الزَّكَاةِ فَتَكُونُ دُونَ الزَّكَاةِ وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ فِي الزَّكَاةِ عَلَى الْأَدَاءِ بِالْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِسَبَبِهِ لَا بِمَالٍ آخَرَ فَبَعْدَ فَوَاتِ مَا وَجَبَ مِنْهُ لَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَدَاءِ بِحُصُولِ مَالٍ آخَرَ فَلَا يَعُودُ الْوُجُوبُ فَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَيَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ فِيهَا بِمُطْلَقِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا يَصْلُحُ لِلتَّقَرُّبِ الْمُوجِبِ لِلثَّوَابِ السَّاتِرِ لِإِثْمِ الْحِنْثِ وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ النَّمَاءَ فَكَانَ الْمَالُ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ سَوَاءً فِي ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّكْفِيرِ بِهِ (وَنَقَضَ) الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى كَوْنِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِنَاءً عَلَى الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِهَا مَعَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ الْعِبَادِ (بِوُجُوبِهَا) أَيْ الْكَفَّارَةِ بِالْمَالِ (مَعَ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ) بِأَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُنَافِيًا لِلْيُسْرِ فِي الزَّكَاةِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِهَا لَكَانَ مُنَافِيًا لَهُ فِي الْكَفَّارَةِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِهَا لِكَوْنِ الْمَالِ فِيهِمَا مَشْغُولًا بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ قَضَاءُ الدَّيْنِ لَكِنَّ الْكَفَّارَةَ وَاجِبَةٌ مَعَ الدَّيْنِ فَانْتَقَضَ مَا ذَكَرْتُمْ بِهِ (أُجِيبَ بِمَنْعِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْمَالِ مَعَ الدَّيْنِ (كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ) أَيْ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ إجْمَاعًا فَلَا نَقْضَ (وَبِالْفَرْقِ) بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ الْأَخِيرَيْنِ (بِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لِلْأَغْنِيَاءِ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْغِنَى وَهُوَ) أَيْ الْغِنَى (مُنْتَفٍ بِالدَّيْنِ) إنْ اسْتَغْرَقَ (أَوْ يُقَصِّرُ) الْغِنَى (بِقَدْرِهِ) أَيْ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ (وَالْكَفَّارَةُ) إنَّمَا شُرِعَتْ (لِلزَّجْرِ) لِلْحَالِفِ عَنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالسِّتْرِ) لِجَنَابَتِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ (وَالْإِغْنَاءِ غَيْرِ مَقْصُودٍ بِهَا) بِالذَّاتِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهَا لِلزَّجْرِ وَالسِّتْرِ وَالْإِغْنَاءِ غَيْرِ مَقْصُودٍ بِهَا (تَأَدَّتْ بِالْعِتْقِ وَالصَّوْمِ) لِوُجُودِ الزَّجْرِ وَالسَّتْرِ وَانْتِفَاءِ الْغِنَى فِيهِمَا [مَسْأَلَةٌ حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لِشَيْءٍ لَيْسَ شَرْطًا لِلتَّكْلِيفِ] (مَسْأَلَةٌ قِيلَ) وَالْقَائِلُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْآمِدِي وَابْنِ الْحَاجِبِ (حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ) لِشَيْءٍ (لَيْسَ شَرْطًا لِلتَّكْلِيفِ) أَيْ لِصِحَّتِهِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَفَرْضِ الْكَلَامِ فِي بَعْضِ جُزْئِيَّاتِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ) أَيْ الْبَعْضُ (تَكْلِيفُ الْكُفَّارِ بِالْفُرُوعِ) كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا يَحْسُنُ بِعَاقِلٍ) مُخَالَفَةُ هَذَا الْأَصْلِ الْكُلِّيِّ عَلَى صِرَافَتِهِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَظْهَرُ فَلَا يَحْسُنُ نِسْبَتُهَا إلَى هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْمُحَقِّقِينَ وَالْجُلَّةِ الْمُدَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ كُتُبَهُمْ الشَّهِيرَةَ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَعُزِيَ أَيْضًا إلَى أَبِي حَامِدِ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ خُوَيْزَ مَنْدَادٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ

وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي هَاشِمٍ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ وَقَيَّدَ الشَّرْطَ بِالشَّرْعِيِّ لِأَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ لِلْفِعْلِ شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ بِهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهُ لِلْمُكَلَّفِ حَتَّى يَنْتَفِيَ التَّكْلِيفُ بِانْتِفَائِهِ وَلَيْسَ شَرْطًا فِيهِ إنْ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهُ وَأَمَّا اللُّغَوِيُّ فَاسْتِعْمَالُهُ غَالِبًا فِي السَّبَبِ (بَلْ هِيَ) أَيْ مَسْأَلَةُ تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ بِالْفُرُوعِ (تَمَامُ مَحَلِّهِ) أَيْ النِّزَاعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْبَيْضَاوِيِّ (وَالْخِلَافُ) بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (فِيهَا غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا لِلتَّكْلِيفِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ (الْمُسْتَلْزِمِ عَدَمَ جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالصَّلَاةِ حَالَ الْحَدَثِ بَلْ) الْخِلَافُ فِيهَا (ابْتِدَاءٌ فِي جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا شَرَطَ فِي صِحَّتِهِ الْإِيمَانَ حَالَ عَدَمِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ (فَمَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ) مِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ بِمَا الْإِيمَانُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ (لِخُصُوصِيَّةٍ فِيهِ) أَيْ الْإِيمَانِ (لَا لِجِهَةِ عُمُومِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ (وَهُوَ) أَيْ عُمُومُهُ (كَوْنُهُ شَرْطًا وَهِيَ) أَيْ الْخُصُوصِيَّةُ فِيهِ (أَنَّهُ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ) وَكَيْفَ لَا وَهُوَ رَأْسُ الطَّاعَاتِ وَأَسَاسُ الْقُرُبَاتِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ (فَلَا يُجْعَلُ شَرْطًا تَابِعًا فِي التَّكْلِيفِ) لِمَا هُوَ دُونَهُ لِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْأُصُولِ وَنَقْضَ الْمَعْقُولِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ثُبُوتَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِالْأَوَامِرِ الْمُسْتَقِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِيهِ لَا أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْفُرُوعِ فَيَكُونُ ثُبُوتُ وُجُوبِهِ بِالْعِبَارَةِ لَا بِالِاقْتِضَاءِ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْعِبَارَةِ لَا يَنْفِي ثُبُوتَهُ بِالِاقْتِضَاءِ أَيْضًا وَأَنَّ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ بِهِمَا وَلَا فَسَادَ نَعَمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْعِبَارَةُ لَزِمَ الْمَحْذُورُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ (وَمَنْ سِوَاهُمْ) أَيْ مَشَايِخَ سَمَرْقَنْدَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (مُتَّفِقُونَ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (بِهَا) أَيْ الْفُرُوعِ (وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ) أَيْ التَّكْلِيفَ (فِي حَقِّ الْأَدَاءِ كَالِاعْتِقَادِ أَوْ) فِي حَقِّ (الِاعْتِقَادِ) فَقَطْ (فَالْعِرَاقِيُّونَ) الْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ الْأَدَاءِ وَالِاعْتِقَادِ (كَالشَّافِعِيَّةِ فَيُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِهِمَا وَالْبُخَارِيُّونَ) مُخَاطَبُونَ (بِالثَّانِي) أَيْ بِالِاعْتِقَادِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ تَرْكِهِ (فَقَطْ يُعَاقَبُونَ وَلَيْسَ) جَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (مَحْفُوظًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ) نَصًّا (بَلْ أَخَذَهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَهِيَ أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْعِبَادَاتِ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ (هَؤُلَاءِ) أَيْ الْبُخَارِيُّونَ (مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ) فِي الْمَبْسُوطِ (فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ فَارْتَدَّ) ثُمَّ أَسْلَمَ (لَمْ يَلْزَمْهُ) مِنْ الْمَنْذُورِ شَيْءٌ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ كُلَّ عِبَادَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا التَّعْلِيلَ الْعِبَادَةَ الْمُؤَدَّاةَ وَهُوَ مَا أَدَّى الْمَنْذُورَ بَعْدُ (فَعُلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ يُبْطِلُ وُجُوبَ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ الِاسْتِدْلَالِ بِسُقُوطِ الصَّلَاةِ أَيَّامَ الرِّدَّةِ) عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُ (لِجَوَازِ سُقُوطِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ (بِالْإِسْلَامِ كَالْإِسْلَامِ بَعْدَ) الْكُفْرِ (الْأَصْلِيِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَالسُّقُوطُ بِإِسْقَاطِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لَا يَكُونُ دَلِيلُ انْتِفَاءِ أَصْلِ الْوُجُوبِ (وَلَوْ قِيلَ الرِّدَّةُ تُبْطِلُ الْقُرَبَ) لِأَنَّهَا حَسَنَاتٌ وَالرِّدَّةُ تُحْبِطُهَا (وَالْتِزَامُ الْقُرْبَةِ فِي الذِّمَّةِ قُرْبَةٌ فَيَبْطُلُ) النَّذْرُ (لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ) أَيْ أَخْذَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّذْرِ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَقَدْ ظَفِرْت بِمَسَائِلَ عَنْ أَصْحَابِنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُمْ ذَلِكَ وَهِيَ: كَافِرٌ دَخَلَ مَكَّةَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَهَا مُحْرِمًا وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ لَا يَلْزَمُهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَلَوْ حَلَفَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَنِثَ فِيهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَنْقَطِعُ رَجْعَتَهَا بِانْقِطَاعِ دَمِ حَيْضَتِهَا الثَّالِثَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا وَلُزُومِ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمَةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ رَجْعَتَهَا حَتَّى يَعْتَضِدَ الِانْقِطَاعُ بِالِاغْتِسَالِ أَوْ لُزُومِ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَقِيلَ: الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ دِيَانَةَ الْكَافِرِ وَاعْتِقَادَهُ دَافِعَةٌ لِلتَّعَرُّضِ دُونَ خِطَابِ الشَّرْعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَدَافِعَةٌ لِلتَّعَرُّضِ وَالْخِطَابِ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي تَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ بِتَنَاوُلِهِمْ النَّوَاهِيَ لِصِحَّةِ انْتِهَائِهِمْ عَنْ الْمَنْهِيَّاتِ دُونَ الْأَوَامِرِ لِعَدَمِ صِحَّةِ إقْدَامِهِمْ عَلَى الْمَأْمُورَاتِ (وَظَاهِرُ) قَوْله تَعَالَى {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 7] وقَوْله تَعَالَى

الفصل الثاني في الحاكم

{إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} [المدثر: 39] {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ} [المدثر: 40] {عَنِ الْمُجْرِمِينَ} [المدثر: 41] {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 44] {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر: 45] {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 46] {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 47] دَلِيلٌ ظَاهِرٌ (لِلْعِرَاقِيِّينَ) أَمَّا ظَاهِرُ الْأُولَى فَوَاضِحٌ وَأَمَّا ظَاهِرُ الثَّانِيَةِ فَكَذَلِكَ لِإِفَادَتِهَا أَنَّ مِمَّا سَلَكَهُمْ فِي سَقَرَ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالْإِطْعَامِ الْوَاجِبَيْنِ عَلَيْهِمْ لِاسْتِحَالَةِ التَّعْذِيبِ شَرْعًا عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ (وَخِلَافُهُ) أَيْ ظَاهِرُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأُولَى لَا يَفْعَلُونَ مَا يُزَكِّي أَنْفُسَهُمْ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَالطَّاعَةُ وَالْمُرَادُ مِنْ الثَّانِيَةِ لَمْ نَكُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُرَادُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» أَوْ لَمْ نَكُ مِنْ الْمُعْتَقِدِينَ فَرْضِيَّةَ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ الْعَذَابُ عَلَى تَرْكِ الِاعْتِقَادِ أَوْ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمُصَلِّينَ غَيْرَ الْمُكَذِّبِينَ الْمَذْكُورِينَ لِاشْتِمَالِ النَّارِ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ الْكُفَّارِ وَغَيْرِ الْمُكَذِّبِينَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَرَكُوا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَتَنَاوُلُ الْمُجْرِمِينَ الْكُلَّ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ عَلَى التَّوْزِيعِ لَا أَنَّ الْمَجْمُوعَ قَوْلُ كُلٍّ مِنْ الْمُجْرِمِينَ (تَأْوِيلٌ) لَمْ يُعَيِّنْهُ دَلِيلٌ (وَتَرْتِيبُ الدَّعْوَةِ فِي حَدِيثِ «مُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهُ: اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ (لَا يُوجِبُ تَوَقُّفَ التَّكْلِيفِ) بِوُجُوبِ أَدَاءِ الشَّرَائِعِ عَلَى الْإِجَابَةِ بِالْإِيمَانِ كَمَا فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ افْتِرَاضَ الزَّكَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَلَا قَائِلَ بِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ مَنْ آمَنَ غَايَةً مَا فِيهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مَعَ مُرَاعَاةِ التَّخْفِيفِ فِي التَّبْلِيغِ (وَأَمَّا) إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ (بِالْعُقُوبَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ فَاتِّفَاقٌ) وَقَالُوا فِي وَجْهِ الْعُقُوبَاتِ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ لِتَكُونَ زَاجِرَةً عَنْ ارْتِكَابِ أَسْبَابِهَا وَبِاعْتِقَادِ حُرْمَتِهَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ وَالْكُفَّارُ أَلْيَقُ بِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَفِي وَجْهِ الْمُعَامَلَاتِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَا مَعْنًى دُنْيَوِيٌّ وَذَلِكَ بِهِمْ أَلْيَقُ لِأَنَّهُمْ آثَرُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَلِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ] (الْفَصْلُ الثَّانِي) فِي الْحَاكِمِ (الْحَاكِمُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ الْأَشْعَرِيَّةُ لَا يَتَعَلَّقُ لَهُ تَعَالَى حُكْمٌ) بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ (قَبْلَ بَعْثَةٍ) لِرَسُولٍ إلَيْهِ (وَبُلُوغِ دَعْوَةٍ) مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَيْهِ (فَلَا يَحْرُمُ كُفْرٌ وَلَا يَجِبُ إيمَانٌ) قَبْلَ ذَلِكَ (وَالْمُعْتَزِلَةُ يَتَعَلَّقُ) لَهُ تَعَالَى حُكْمٌ (مِمَّا أَدْرَكَ الْعَقْلُ فِيهِ) مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ (صِفَةَ حُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ لِذَاتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ تَقْتَضِيهِمَا كَحُسْنِ الصِّدْقِ النَّافِعِ وَقُبْحِ الْكَذِبِ الْمُضِرِّ (عِنْدَ قُدَمَائِهِمْ وَ) عِنْدَ (طَائِفَةٍ) مِنْهُمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ (لِصِفَةٍ) تُوجِبُهُ فِيهِمَا بِمَعْنَى أَنَّ لَهَا مَدْخَلًا فِي ذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِلُّ بِدُونِ الذَّاتِ (وَالْجُبَّائِيَّةُ) أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَأَتْبَاعُهُ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ (لِوُجُوهٍ وَاعْتِبَارَاتٍ) مُخْتَلِفَةٍ تُوجِبُهُ فِيهِمَا كَلَطْمِ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ التَّأْدِيبِ حَسَنٌ وَبِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ التَّعْذِيبِ قَبِيحٌ (وَقِيلَ) وَقَائِلُهُ: أَبُو الْحُسَيْنِ: مِنْهُمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ (لِصِفَةٍ فِي الْقُبْحِ) فَقَطْ (وَعَدَمُهَا) أَيْ الصِّفَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقُبْحِ (كَافٍ فِي) ثُبُوتِ (الْحُسْنِ) وَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى صِفَةٍ مُحَسِّنَةٍ (وَمَا لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ) الْعَقْلُ صِفَةَ حُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ كَصَوْمِ آخَرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَفِطْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ (بِالشَّرْعِ وَالْمُدْرَكِ) مِنْ الصِّفَاتِ (إمَّا حُسْنُ فِعْلٍ بِحَيْثُ يَقْبُحُ تَرْكُهُ فَوَاجِبٌ) أَيْ فَذَلِكَ الْفِعْلُ وَاجِبٌ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ حُسْنُهُ بِحَيْثُ لَا يَقْبُحُ تَرْكُهُ (فَمَنْدُوبٌ أَوْ) الْمُدْرَكُ حَسَنٌ (تُرِكَ عَلَى وِزَانِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (فَحَرَامٌ) ذَلِكَ الْفِعْلُ إنْ ثَبَتَ بِفِعْلِهِ الْقُبْحُ (وَمَكْرُوهٌ) إنْ لَمْ يَثْبُتْ بِفِعْلِهِ الْقُبْحُ (وَالْحَنَفِيَّةُ) قَالُوا (لِلْفِعْلِ) صِفَةُ حُسْنٍ وَقُبْحٍ (كَمَا تَقَدَّمَ) فِي ذَيْلِ النَّهْيِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا (فَلِنَفْسِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِسَبَبِ مَا بِالْفِعْلِ مِنْ الصِّفَةِ (يُدْرِكُ الْعَقْلُ حُكْمَهُ تَعَالَى فِيهِ) أَيْ الْفِعْلِ (فَلَا حُكْمَ لَهُ) أَيْ الْعَقْلِ إنْ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ غَيْرَ أَنَّ الْعَقْلَ (إنَّمَا اسْتَقَلَّ بَدْرِك بَعْضِ أَحْكَامِهِ تَعَالَى) فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا هُوَ عَيْنُ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ لَا كَمَا يُحَرِّفُهُ بَعْضُهُمْ (ثُمَّ مِنْهُمْ كَأَبِي مَنْصُورٍ مَنْ أَثْبَتَ وُجُوبَ الْإِيمَانِ وَحُرْمَةَ

الْكُفْرِ وَنِسْبَةَ مَا هُوَ شَنِيعُ إلَيْهِ تَعَالَى كَالْكَذِبِ وَالسَّفَهِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعُ (وُجُوبُ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَزَادَ أَبُو مَنْصُورٍ) وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ (إيجَابَهُ) أَيْ الْإِيمَانِ (عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ) الَّذِي يُنَاظِرُ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَنَقَلُوا عَنْهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَانَ الْأَوْلَى التَّصْرِيحَ بِهِ (لَوْ لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ لِلنَّاسِ رَسُولًا لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ بِعُقُولِهِمْ وَالْبُخَارِيُّونَ لَا تَعَلُّقَ) لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ بَعْثِهِ رَسُولًا إلَيْهِ وَتَبْلِيغِهِ حُكْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ (كَالْأَشَاعِرَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَحَاصِلُ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ) وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ (النَّفْيُ) لِوُجُوبِ أَدَاءِ الْإِيمَانِ (عَنْ الصَّبِيِّ لِرِوَايَةِ عَدَمِ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ) أَيْ نِكَاحِ الْمُرَاهِقَةِ وَهِيَ الْمُقَارِبَةُ لِلْبُلُوغِ إذَا كَانَتْ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ تَحْتَ زَوْجٍ مُسْلِمٍ (بِعَدَمِ وَصْفِ الْمُرَاهِقَةِ الْإِسْلَامَ) إذَا عَقَلَتْ وَاسْتَوْصَفَتْهُ فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى وَصْفِهِ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذْ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ مُكَلَّفًا بِالْإِيمَانِ لَبَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا كَمَا لَوْ بَلَغَتْ غَيْرَ وَاصِفَةٍ وَلَا قَادِرَةٍ عَلَى وَصْفِهِ وَأَمَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ فَثَابِتٌ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ (وَفِي الْبَالِغِ) النَّاشِئِ عَلَى شَاهِقٍ وَنَحْوِهِ إذَا (لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ لَا يُكَلَّفُ بِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ (بِمُجَرَّدِ عَقْلِهِ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ التَّأَمُّلِ وَقَدْرُهَا) أَيْ الْمُدَّةِ مُفَوَّضٌ (إلَيْهِ تَعَالَى) إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَعْلَمُ رَبُّهُ بِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُؤْمِنْ يُعَاقَبْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَمَا قِيلَ هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِالْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّ مُدَّةَ التَّجْرِبَةِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ لِأَنَّ الْعُقُولَ مُتَفَاوِتَةٌ فَرُبَّ عَاقِلٍ يَهْتَدِي فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ مَا لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ غَيْرُهُ فِي زَمَانٍ كَثِيرٍ (فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهَا) أَيْ الْمُدَّةِ (غَيْرَ مُعْتَقِدٍ إيمَانًا وَلَا كُفْرًا لَا عِقَابَ) عَلَيْهِ (أَوْ) مَاتَ (مُعْتَقِدًا الْكُفْرَ) وَاصِفًا لَهُ أَوْ غَيْرَ وَاصِفٍ (خُلِّدَ) فِي النَّارِ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الشِّرْكِ دَلِيلُ خُطُورِ الصَّانِعِ بِبَالِهِ وَوُقُوعُ نَوْعٍ اسْتِدْلَالٌ مِنْهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ عُذْرٌ (وَكَذَا) يُخَلَّدُ فِي النَّارِ (إذَا مَاتَ بَعْدَهَا) أَيْ الْمُدَّةِ (غَيْرَ مُعْتَقِدٍ) إيمَانًا وَلَا كُفْرًا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ لِأَنَّ الْإِمْهَالَ وَإِدْرَاكَ مُدَّةِ التَّأْمِيلِ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَةِ الرُّسُلِ فِي حَقِّ تَنْبِيهِ الْقَلْبِ مِنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ فَلَا يُعْذَرُ (وَبِهَذَا) التَّحْرِيرِ (يَبْطُلُ الْجَمْعُ) الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ بَيْنَ مَذْهَبِ الْأَشَاعِرَةِ وَغَيْرِهِمْ (بِأَنَّ قَوْلَ الْوُجُوبِ مَعْنَاهُ تَرْجِيحُ الْعَقْلِ الْفِعْلَ وَالْحُرْمَةُ تَرْجِيحُهُ) أَيْ الْعَقْلِ (التَّرْكَ) هَذَا (بَعْدَ كَوْنِهِ) أَيْ هَذَا الْجَمْعِ (خِلَافَ الظَّاهِرِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْبُخَارِيِّينَ) نَقَلَهُ فِي الْمِيزَانِ عَنْهُمْ بِلَفْظِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِ بُخَارَى وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: (نَقَلَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ عَيْنِ الدَّوْلَةِ عَنْهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَئِمَّةُ بُخَارَى الَّذِينَ شَاهَدْنَاهُمْ كَانُوا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَعْنِي قَوْلَ الْأَشَاعِرَةِ وَحَكَمُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ رِوَايَةِ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِخَالِقِهِ لِمَا يَرَى مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَلْقِ نَفْسِهِ بَعْدَ الْبَعْثَةِ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي الْمُنْتَقَى ثُمَّ فِي الْمِيزَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي غَيْرِهِ كَجَامِعِ الْأَسْرَارِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (فَيَجِبُ) عَلَى هَذَا (حَمْلُ الْوُجُوبِ فِي قَوْلِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ السَّالِفِ (لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ بِعُقُولِهِمْ عَلَى مَا يَنْبَغِي) قُلْت: لَكِنَّ بَقِيَّتَهُ وَهِيَ قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الشَّرَائِعِ فَمَعْذُورٌ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِمَجِيءِ الشَّرْعِ لَا يُلَائِمُ حُكْمَهُمْ الْمَذْكُورَ فَإِنَّ الْإِيمَانَ يَكُونُ مُسَاوِيًا لِلشَّرَائِعِ حِينَئِذٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ نَفْسُهُ قَدْ خَالَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي الْحُكْمِ (وَكُلُّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (عَلَى امْتِنَاعِ تَعْذِيبِ الطَّائِعِ عَلَيْهِ تَعَالَى وَتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ) لِذَاتِهِ (فَتَمَّتْ) مَحَالُّ النِّزَاعِ (ثَلَاثَةٌ اتِّصَافُ الْفِعْلِ) بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَهَذَا هُوَ الْأَوَّلُ (وَمَنْعُ اسْتِلْزَامِهِ) أَيْ الِاتِّصَافِ (حُكْمًا فِي الْعَبْدِ وَإِثْبَاتِهِ) أَيْ إثْبَاتِ اسْتِلْزَامِ الِاتِّصَافِ حُكْمًا فِي الْعَبْدِ وَهَذَا هُوَ الثَّانِي (وَاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ الِاتِّصَافِ (مَنْعَهُمَا) أَيْ تَعْذِيبَ الطَّائِعِ وَتَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ (مِنْهُ) تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الثَّالِثُ (وَلَا نِزَاعَ فِي دَرْكِهِ) أَيْ الْعَقْلِ صِفَةً (لِلْفِعْلِ بِمَعْنَى صِفَةِ الْكَمَالِ) كَمَا هُوَ قَدْ يُرَادُ بِالْحُسْنِ (وَ) صِفَةِ (النَّقْصِ) كَمَا هُوَ قَدْ يُرَادُ بِالْقَبِيحِ (كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ) فَيُقَالُ الْعِلْمُ حَسَنٌ وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ (وَلَا فِيهِمَا بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ) أَيْ وَلَا نِزَاعَ أَيْضًا فِي إدْرَاكِ الْعَقْلِ الْحُسْنَ فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْحُسْنُ مِمَّا يَكُونُ مُتَعَلِّقُ الْمَدْحِ (فِي مَجَارِي

الْعَادَاتِ) وَالْقُبْحُ فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْقَبِيحُ مِمَّا يَكُونُ مُتَعَلِّقُ الذَّمِّ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ (بَلْ) النِّزَاعُ فِي إدْرَاكِ الْعَقْلِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (فِيهِمَا) أَيْ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ أَيْ فِيمَا يُطْلَقَانِ عَلَيْهِ (بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ مَدْحِهِ تَعَالَى وَثَوَابِهِ) لِلْفَاعِلِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ كَمَا هُوَ قَدْ يُرَادُ بِالْحَسَنِ (وَمُقَابِلُهُمَا) أَيْ وَبِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ ذَمِّهِ تَعَالَى وَعِقَابِهِ لِلْفَاعِلِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ كَمَا هُوَ قَدْ يُرَادُ بِالْقَبِيحِ (لَنَا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ اتِّصَافِ الْفِعْلِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (أَنَّ قُبْحَ الظُّلْمِ وَمُقَابَلَةَ الْإِحْسَانِ بِالْإِسَاءَةِ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُقَلَاءُ حَتَّى مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ) وَلَا يَقُولُ بِشَرْعٍ كَالْبَرَاهِمَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ وَذَلِكَ (مَعَ اخْتِلَافِ عَادَاتِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ فَلَوْلَا أَنَّهُ) أَيْ اتِّصَافَ الْفِعْلِ بِذَلِكَ (يُدْرَكُ بِالضَّرُورَةِ فِي الْفِعْلِ لِذَاتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ) الِاتِّفَاقُ (وَمَنْعُ الِاتِّفَاقِ عَلَى كَوْنِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ مُتَعَلِّقَهَا) أَيْ الْأَحْكَامِ (مِنْهُ تَعَالَى) كَمَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ (لَا يَمَسُّنَا) لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ: مُجَرَّدُ اتِّصَافِ الْفِعْلِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ يَسْتَلْزِمُ حُكْمًا مِنْهُ تَعَالَى عَلَى الْمُكَلَّفِ أَوْ لَهُ بَلْ ذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِهِ بِالسَّمْعِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْأَشَاعِرَةِ فِي دَفْعِ هَذَا الِاتِّصَافِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ قَدْ يَكُونُ (مِمَّا اتَّفَقَتْ فِيهِ الْأَغْرَاضُ وَالْعَادَاتُ وَاسْتَحَقَّ بِهِ الْمَدْحَ وَالذَّمَّ فِي نَظَرِ الْعُقُولِ لِتَعَلُّقِ مَصَالِحِ الْكُلِّ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يَكُونُ اتِّصَافُهُ بِأَحَدِهِمَا ذَاتِيًّا (لَا يُفِيدُ) دَفْعَهُ (بَلْ هُوَ) أَيْ الِاتِّصَافُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ (الْمُرَادُ بِالذَّاتِيِّ) أَيْ بِكَوْنِ الْفِعْلِ مَوْصُوفًا بِالْحُسْنِ أَوْ الْقُبْحِ لِذَاتِهِ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ الْيَدِ قَتْلًا ظُلْمًا لَا تَزِيدُ حَقِيقَتُهَا) أَيْ حَرَكَتُهَا بِذَلِكَ (عَلَى حَقِيقَتِهَا) أَيْ حَرَكَتِهَا قَتْلًا (عَدْلًا فَلَوْ كَانَ الذَّاتِيُّ) هُوَ مَا يَكُونُ (مُقْتَضَى الذَّاتِ اتَّحَدَ لَازِمُهُمَا) أَيْ الْحَرَكَتَيْنِ (حُسْنًا وَقُبْحًا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا (فَإِنَّمَا يُرَادُ) بِالذَّاتِيِّ (مَا يَجْزِمُ بِهِ الْعَقْلُ لِفِعْلٍ مِنْ الصِّفَةِ) الَّتِي هِيَ الْحُسْنُ أَوْ الْقُبْحُ (بِمُجَرَّدِ تَعَقُّلِهِ) أَيْ الْفِعْلِ حَالَ كَوْنِ هَذَا الْمَجْزُومِ بِهِ (كَأَيِّنَا عَنْ صِفَةِ نَفْسِ مَنْ قَامَ بِهِ) ذَلِكَ الْفِعْلُ (فَبِاعْتِبَارِهَا) أَيْ تِلْكَ الصِّفَةِ الْجَازِمِ بِهَا الْعَقْلُ لِلْفِعْلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (يُوصَفُ) ذَلِكَ الْفِعْلُ (بِأَنَّهُ عَدْلٌ حَسَنٌ أَوْ ضِدُّهُ) أَيْ أَوْ ظُلْمٌ قَبِيحٌ (هَذَا بِاضْطِرَارِ الدَّلِيلِ) أَيْ اتِّحَادِ حَرَكَةِ الْيَدِ فِي الْعَدْلِ وَالظُّلْمِ فِي الْقَتْلِ (وَيُوجِبُ كَوْنُهُ) أَيْ اتِّصَافِ الْفِعْلِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ (لِخَارِجٍ) عَنْ الْفِعْلِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ الِاتِّفَاقِ عَلَى اتِّصَافِ الْفِعْلِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِي إفَادَةِ الْمَطْلُوبِ (تَرْجِيحُ الصِّدْقِ) أَيْ تَرْجِيحُ الْعَقْلِ إيَّاهُ عَلَى الْكَذِبِ (مِمَّنْ اسْتَوَى فِي تَحْصِيلِ غَرَضِهِ) مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ (هُوَ) أَيْ الصِّدْقُ (وَالْكَذِبُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِشَرِيعَةٍ) تُفِيدُ حُسْنَ الصِّدْقِ وَقُبْحَ الْكَذِبِ إذْ لَوْلَا أَنَّ حُسْنَ الصِّدْقِ ثَابِتٌ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَمَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا مِنْ قِبَلِ الْأَشَاعِرَةِ (بِأَنَّ الْإِيثَارَ) مِنْ الْعَقْلِ لِلصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ فِي هَذَا (لَيْسَ لِحُسْنِهِ) أَيْ الصِّدْقِ (عِنْدَهُ تَعَالَى) بَلْ إنَّمَا هُوَ لِحُسْنِهِ فِي حَقِّنَا (لَيْسَ يَضُرُّنَا) لِأَنَّا إنَّمَا قُلْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا وَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَلُّقُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُكَلَّفِ أَوْ لَهُ بَلْ ذَلِكَ بِالسَّمْعِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ الْمُعْتَزِلَةَ الْقَائِلِينَ بِتَعَلُّقِ أَحْكَامِ اللَّهِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى سَمْعٍ (نَعَمْ) يَرُدُّ (عَلَيْهِ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ (مَنْعُ التَّرْجِيحِ) لِلصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ (عَلَى التَّقْدِيرِ) أَيْ تَقْدِيرِ عَدَمِ مُسَاوَاةِ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ فِي حُصُولِ الْغَرَضِ فَإِنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَدْ يُرَجِّحُ الْعَقْلُ الْكَذِبَ عَلَى الصِّدْقِ كَمَا يَظْهَرُ فِي تَقْرِيرِ قَوْلِهِ (قَالُوا) أَيْ الْأَشَاعِرَةُ: أَوَّلًا (لَوْ اتَّصَفَ) الْفِعْلُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (كَذَلِكَ) أَيْ اتِّصَافًا ذَاتِيًّا (لَمْ يَتَخَلَّفْ) كُلٌّ مِنْهُمَا عَمَّا اتَّصَفَ بِهِ فِي سَائِرِ مَوَارِدِهِ (وَتَخَلَّفَ) قُبْحُ الْكَذِبِ (فِي تَعَيُّنِهِ) أَيْ الْكَذِبِ طَرِيقًا (لِعِصْمَةِ نَبِيٍّ) مِنْ ظَالِمٍ فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَاجِبٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِبُ تَارَةً وَتَحْرُمُ أُخْرَى (وَالْجَوَابُ هُوَ) أَيْ تَعَيُّنُ الْكَذِبِ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ (عَلَى قُبْحِهِ) أَيْ مَعَهُ غَيْرَ أَنَّهُ رَفَعَ الْإِثْمَ عَنْهُ شَرْعًا لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ رُخْصَةً سَلَّمْنَا أَنَّهُ صَارَ حَسَنًا لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِمَا لَازَمَهُ مِنْ الْإِنْقَاذِ لِلنَّبِيِّ (وَحُسْنِ الْإِنْقَاذِ) أَيْ التَّخْلِيصِ لِلنَّبِيِّ (يَرْبُو) أَيْ يَزِيدُ (قُبْحَ تَرْكِهِ) أَيْ التَّخْلِيصِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْكَذِبِ الَّذِي بِهِ الْإِنْقَاذُ (وَغَايَةُ مَا يَسْتَلْزِمُ) هَذَا (أَنَّهُمَا) أَيْ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِيهِ (لِخَارِجٍ لَكِنَّهُمَا) أَيْ الْحُسْنُ

وَالْقُبْحُ (مِنْ جِهَتَيْنِ) فَالْقُبْحُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مَصْلَحَةٌ وَالْحَسَنُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ مَصْلَحَةٌ (تَرَجَّحَتْ إحْدَاهُمَا) وَهِيَ جِهَةُ الْحُسْنِ عَلَى جِهَةِ الْقُبْحِ (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ تَعَيُّنُ الْكَذِبِ (فَرْضُ مَا لَيْسَ بِوَاقِعٍ إذْ لَا كَذِبَ إلَّا وَعَنْهُ مَنْدُوحَةُ التَّعْرِيضِ) أَيْ سِعَتُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُحَصِّلَ النَّجَاةَ بِأَنْ يَذْكُرَ صُورَةَ الْخَبَرِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَقَصْدَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْكَذِبِ فَلَا يَكُونُ حَسَنًا بَلْ يَبْقَى قَبِيحًا فَإِنْ قِيلَ التَّعْرِيضُ يُوجِبُ عَدَمَ الْجَزْمِ بِفَهْمِ الْحَقِيقَةِ مِنْ لَفْظٍ أَصْلًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَقْتَضِي صَرْفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ فَيَرْتَفِعُ الْوُثُوقُ بِهِ عَنْ ظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ أُجِيبَ بِمَنْعِ ارْتِفَاعِ الْوُثُوقِ عَنْ ظَاهِرِ الشَّرْعِ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ التَّعْرِيضِ لِأَنَّ التَّعْرِيضَ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ قَرِينَةٍ يُعْلَمُ بِهَا كَوْنُهُ تَعْرِيضًا لِئَلَّا يَكُونَ إضْلَالًا وَإِيقَاعًا لِلْعِبَادِ فِيمَا لَا يَجُوزُ فَمَتَى تَجَرَّدَ كَلَامٌ عَنْ قَرِينَةِ إرَادَةِ التَّعْرِيضِ يَجْزِمُ بِالْحَمْلِ عَلَى الظَّاهِرِ مَعَ أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِسَائِرِ الِاحْتِمَالَاتِ كَالْمَجَازِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّخْصِيصِ (قَالُوا) أَيْ الْأَشَاعِرَةُ ثَانِيًا (لَوْ اتَّصَفَ) الْفِعْلُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ لِذَاتِهِ (اجْتَمَعَ الْمُتَنَافِيَانِ فِي لَأَكْذِبَنَّ غَدًا لِأَنَّ صِدْقَهُ) أَيْ لَأَكْذِبَنَّ غَدًا (الَّذِي حَسَّنَهُ بِكَذِبِ غَدٍ) أَيْ فِيهِ (فَيَقْبُحُ) لِكَوْنِهِ كَذِبًا إذْ الْفَرْضُ قُبْحُ الْكَذِبِ لِذَاتِهِ فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِيهِ (وَقَلْبُهُ) أَيْ وَلِأَنَّ كَذِبَهُ بِعَدَمِ كَذِبِهِ فِي الْغَدِ إمَّا بِصِدْقِهِ فِيهِ أَوْ سُكُوتِهِ فَيَقْبُحُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُهُ فِي الْيَوْمِ فِي لَأَكْذِبَنَّ غَدًا وَكُلُّ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْكَذِبُ فِي الْيَوْمِ قَبِيحٌ فَصِدْقُهُ أَوْ سُكُوتُهُ غَدًا قَبِيحٌ وَالصِّدْقُ حَسَنٌ فِي ذَاتِهِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ اجْتِمَاعُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِيهِ (وَمَبْنَاهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ (عَلَى أَنَّ الْمَلْزُومَ لِخَارِجٍ حَسَنٍ حَسَنٌ) وَالْمَلْزُومَ لِخَارِجٍ قَبِيحٍ قَبِيحٌ كَمَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ التَّنَافِي) بَيْنَ كَوْنِهِ حَسَنًا وَقَبِيحًا (لِلْجِهَتَيْنِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْمُرَادِ بِالذَّاتِيِّ) فَيَحْسُنُ مِنْهُ الصِّدْقُ غَدًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ صِدْقًا وَيَقْبُحُ بِاعْتِبَارِ اسْتِلْزَامِهِ الْكَذِبَ الْيَوْمَ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي اجْتِمَاعِهِمَا بِاعْتِبَارَيْنِ (فَلَا يَنْتَهِضُ) هَذَا (عَلَى أَحَدٍ قَالُوا) أَيْ الْأَشَاعِرَةُ (ثَالِثًا لَوْ اتَّصَفَ) الْفِعْلُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ لِذَاتِهِ (وَهُمَا) أَيْ الْحَسَنُ وَالْقُبْحُ (عَرَضَانِ قَامَ الْعَرَضُ) الَّذِي هُوَ أَحَدُهُمَا (بِالْعَرَضِ) الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ (لِأَنَّ الْحُسْنَ زَائِدٌ) عَلَى مَفْهُومِ الْفِعْلِ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ غَيْرَ زَائِدٍ بَلْ كَانَ عَيْنَ الْفِعْلِ أَوْ جُزْأَهُ (كَانَتْ عَقْلِيَّةُ الْفِعْلِ عَقْلِيَّتَهُ) أَيْ الْحُسْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ قَدْ يُعْقَلُ الْفِعْلُ وَلَا يُعْقَلُ حُسْنُهُ وَلَا قُبْحُهُ (وَ) أَيْضًا الْحُسْنُ وَصْفٌ (وُجُودِيٌّ لِأَنَّ نَقِيضَهُ) أَيْ حَسَنٍ (لَا أَحْسَنَ) وَهُوَ (سَلْبٌ وَإِلَّا) لَوْ كَانَ غَيْرَ سَلْبٍ (اسْتَلْزَمَ مَحَلًّا مَوْجُودًا) لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الصِّفَةِ الثُّبُوتِيَّةِ بِالْمَحَلِّ الْمَعْدُومِ (فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَى الْمَعْدُومِ) لَا أَحْسَنَ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ لِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ صِدْقَ اللَّا أَحْسَنَ عَلَى مَعْدُومَاتٍ كَثِيرَةٍ وَإِذَا كَانَ أَحَدُ النَّقِيضَيْنِ سَلْبًا كَانَ الْآخَرُ وُجُودِيًّا ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ ارْتِفَاعِ النَّقِيضَيْنِ وَالْكَلَامُ فِي الْقُبْحِ كَالْكَلَامِ فِي الْحُسْنِ وَكَوْنُ الشَّيْءِ وَصْفًا زَائِدًا عَلَى مَفْهُومِ الْمَوْصُوفِ وُجُودِيًّا مَعْنَى الْعَرَضِ ثُمَّ الْفَرْضُ أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ فَيَكُونُ قَائِمًا بِهِ فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ لِمَحَلِّ الْفِعْلِ لَا لِلْفِعْلِ (وَدُفِعَ) هَذَا الدَّلِيلُ (بِأَنَّ عَدَمِيَّةَ صُورَةِ السَّلْبِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى كَوْنِ مَدْخُولِ الْبَاقِي وُجُودِيًّا وَإِثْبَاتُ وُجُودِيَّتِهِ) أَيْ مَدْخُولِ الْبَاقِي (بِعَدَمِيَّتِهَا) أَيْ صُورَةِ السَّلْبِ (دَوْرٌ وَعَلَيْهِ) أَيْ هَذَا الدَّفْعِ أَنْ يُقَالَ (إنَّمَا أَثْبَتَهُ) أَيْ وُجُودَ مَدْخُولِ الْبَاقِي (بِاسْتِلْزَامِ مَحَلٍّ مَوْجُودٍ، ثُمَّ يَنْتَقِضُ) الدَّلِيلُ (بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ وَنَحْوِهِ) كَامْتِنَاعِهِ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ قَدْ يَكُونُ ذَاتِيًّا لِلْفِعْلِ مَعَ إجْرَاءِ الدَّلِيلِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَ الْإِمْكَانُ ذَاتِيًّا لَزِمَ قِيَامُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى لِأَنَّ إمْكَانَ الْفِعْلِ زَائِدٌ عَلَى مَفْهُومِهِ وَإِلَّا لَزِمَ مِنْ تَعَقُّلِ الْفِعْلِ تَعَقُّلُهُ ثُمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا لِأَنَّ نَقِيضَهُ لَا إمْكَانَ وَهُوَ سَلْبٌ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَلْبًا لَاسْتَلْزَمَ مَحَلًّا مَوْجُودًا فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَى الْمَعْدُومِ الْمُمْتَنِعِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ ضَرُورَةً (وَلَا يُنْتَقَضُ) هَذَا الدَّلِيلُ (بِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ لَا يَتَّصِفُ فِعْلٌ بِحُسْنٍ شَرْعِيٍّ) لِلُزُومِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ وَإِنَّمَا لَا يُنْتَقَضُ بِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُسْنَ الشَّرْعِيَّ (لَيْسَ عَرَضًا

لِأَنَّهُ) أَيْ حُسْنَهُ (طَلَبُهُ تَعَالَى الْفِعْلَ) وَطَلَبُهُ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ وَهُوَ قَدِيمٌ ثُمَّ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ لَا صِفَةٌ لَهُ (وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ صُورَةَ السَّلْبِ قَدْ تَكُونُ وُجُودًا كَالَّلَامَعْدُومِ) إذْ مَعْنَاهُ كَوْنُ الشَّيْءِ غَيْرَ مَعْدُومٍ (وَ) قَدْ تَكُونُ صُورَةُ السَّلْبِ (مُنْقَسِمًا) إلَى مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ (كَالَّلَا مُمْتَنِعٍ) فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَعْدُومَ الْمُمْكِنَ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّهُ لَوْ اتَّصَفَ بِأَحَدِهِمَا لِذَاتِهِ كَانَ الْعَرَضُ قَائِمًا بِالْعَرَضِ (فَقِيَامُ الْعَرَضِ) بِالْعَرَضِ (بِمَعْنَى النَّعْتِ) لِلْعَرَضِ (بِهِ) أَيْ بِالْعَرَضِ (غَيْرُ مُمْتَنِعٍ) بَلْ وَاقِعٌ كَاتِّصَافِ الْحَرَكَةِ بِالسُّرْعَةِ وَالْبُطْءِ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ (إذْ حَقِيقَتُهُ) أَيْ كَوْنِ الْعَرَضِ قَائِمًا بِالْعَرَضِ بِمَعْنَى النَّعْتِ بِهِ (عَدَمُ الْقِيَامِ) لِلْعَرَضِ بِالْعَرَضِ (خُصُوصًا وَحُسْنُ الْفِعْلِ مَعْنَوِيٌّ إذْ لَيْسَ الْمَحْسُوسُ سِوَى الْفِعْلِ قَالُوا) أَيْ الْأَشَاعِرَةُ (رَابِعًا فِعْلُ الْعَبْدِ اضْطِرَارِيٌّ وَاتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّهُ) أَيْ فِعْلَهُ إنْ كَانَ (بِلَا مُرَجِّحٍ) لِوُجُودِهِ عَلَى عَدَمِهِ بَلْ كَانَ مِمَّا يَصْدُرُ عَنْهُ تَارَةً وَلَا يَصْدُرُ عَنْهُ أُخْرَى بِلَا تَجَدُّدِ أَمْرٍ فَهُوَ (الثَّانِي) أَيْ اتِّفَاقِيٌّ (وَبِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ بِمُرَجِّحٍ لَهُ بِأَنْ تَوَقَّفَ وُجُودُهُ عَلَيْهِ (فَإِمَّا مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْمُرَجِّحِ مِنْ الْعَبْدِ (بَاطِلٌ لِلتَّسَلْسُلِ) لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُرَجِّحَ فِعْلٌ فَيَحْتَاجُ إلَى مُرَجِّحٍ مِنْهُ وَهَلُمَّ جَرًّا (أَوْ) بِمُرَجِّحٍ (لَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَبْدِ (فَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْفِعْلُ مَعَهُ) أَيْ الْمُرَجِّحِ وَذَلِكَ (بِأَنْ صَحَّ تَرْكُهُ) أَيْ الْفِعْلِ كَمَا صَحَّ فِعْلُهُ (عَادَ التَّرْدِيدُ) وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُرَجِّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ أَوْ بِهِ وَمَا كَانَ بِهِ فَإِمَّا مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَأَيًّا مَا كَانَ يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ (وَإِنْ وَجَبَ) الْفِعْلُ مَعَهُ (فَاضْطِرَارِيٌّ وَلَا يَتَّصِفَانِ) أَيْ الِاضْطِرَارِيُّ وَالِاتِّفَاقِيُّ (بِهِمَا) أَيْ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ اتِّفَاقًا (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ الْفِعْلَ (بِمُرَجِّحٍ مِنْهُ) أَيْ الْعَبْدِ (وَلَيْسَ الِاخْتِيَارُ بِآخَرَ) أَيْ بِاخْتِيَارٍ آخَرَ لِيَتَسَلْسَلَ (وَصُدُورُ الْفِعْلِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ مَعَ الْمُرَجِّحِ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ لَا الْوُجُوبِ إلَّا أَبَا الْحُسَيْنِ وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ الْمُرَجِّحَ مُوجِبٌ وُجُوبَ الْفِعْلِ (فَالْوُجُوبُ بِالِاخْتِيَارِ لَا يُوجِبُ الِاضْطِرَارَ الْمُنَافِيَ لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ) وَصِحَّةِ التَّكْلِيفِ (وَدُفِعَ) هَذَا الدَّفْعُ بِأَنَّهُ (ثَبَتَ لُزُومُ الِانْتِهَاءِ إلَى مُرَجِّحٍ لَيْسَ مِنْ الْعَبْدِ يَجِبُ مَعَهُ الْفِعْلُ وَيَبْطُلُ اسْتِقْلَالُ الْعَبْدِ بِهِ) أَيْ بِالْفِعْلِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا (عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَحْسُنُ وَلَا يَقْبُحُ وَلَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ وَهُوَ) أَيْ دَفْعُ هَذَا الدَّفْعِ (رَدُّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ) لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِوُجُوبِ الْفِعْلِ أَبَدًا بَلْ بِصِحَّتِهِ مَعَ الْمُرَجِّحِ وَلَا بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْعَبْدِ بِهِ بَلْ يَسْتَقِلُّ بِهِ عِنْدَهُمْ فَلَا يَلْزَمُهُمْ (وَلَا يَلْزَمُنَا) مَعْشَرَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا (لِأَنَّ وُجُودَ الِاخْتِيَارِ) فِي الْفِعْلِ (عِنْدَنَا كَافٍ فِي الِاتِّصَافِ) أَيْ فِي اتِّصَافِهِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (وَصِحَّةُ التَّكْلِيفِ وَهَذَا الدَّفْعُ يَشْتَرِكُ بَيْنَ أَهْلِ الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَيْنِ الدَّوْلَةِ عَمَّنْ شَاهَدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ بُخَارَى (وَجَمْعٍ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ وَلَا يَنْتَهِضُ مِنْهُمْ) أَيْ الْأَشَاعِرَةِ (إذْ مَرْجِعُ نَظَرِهِمْ فِي الْأَفْعَالِ الْجَبْرُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ أَيْضًا مَدْفُوعٌ لِلْعَبْدِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى لَا صُنْعَ لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ (فِيهِ) أَيْ الِاخْتِيَارِ (أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالْكَسْبُ صَرْفُ الْقُدْرَةِ الْمَخْلُوقَةِ) لِلْعَبْدِ (إلَى الْقَصْدِ الْمُصَمِّمِ إلَى الْفِعْلِ) وَظَاهِرُ تَعَلُّقِ الْجَارِّ الْأَوَّلِ بِصَرْفِ الْقُدْرَةِ وَالْجَارِّ الثَّانِي بِالْقَصْدِ (فَأَثَرُهَا) أَيْ قُدْرَةِ اللَّهِ (فِي الْقَصْدِ وَيَخْلُقُ سُبْحَانَهُ الْفِعْلَ عِنْدَهُ) أَيْ الْقَصْدِ (بِالْعَادَةِ فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ حَالًّا) أَيْ وَصْفًا (غَيْرَ مَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ) فِي نَفْسِهِ قَائِمًا بِمَوْجُودٍ (فَلَيْسَ) الْكَسْبُ (بِخَلْقٍ، وَعَلَيْهِ) أَيْ ثُبُوتِ الْحَالِ (جَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ) مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَوَّلًا (وَعَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الْحَالِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (فَكَذَلِكَ) أَيْ لَيْسَ الْكَسْبُ بِخَلْقٍ أَيْضًا (عَلَى مَا قِيلَ) أَيْ قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (الْخَلْقُ أَمْرٌ إضَافِيٌّ يَجِبُ أَنْ يَقَعَ بِهِ الْمَقْدُورُ لَا فِي مَحَلِّ الْقُدْرَةِ) أَيْ لَا فِيمَنْ قَامَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ (وَيَصِحُّ انْفِرَادُ الْقَادِرِ بِإِيجَادِ الْمَقْدُورِ بِذَلِكَ الْأَمْرِ وَالْكَسْبُ أَمْرٌ إضَافِيٌّ يَقَعُ بِهِ) الْمَقْدُورُ (فِي مَحَلِّهَا) أَيْ الْقُدْرَةِ (وَلَا يَصِحُّ انْفِرَادُهُ) أَيْ الْقَادِرِ (بِإِيجَادِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْأَمْرِ فَأَثَرُ الْخَالِقِ إيجَادُ الْفِعْلِ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَاتِهِ وَأَثَرُ الْكَاسِبِ صُنْعُهُ فِي فِعْلٍ قَائِمٍ بِهِ فَحَرَكَةُ زَيْدٍ مَثَلًا وَقَعَتْ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ وَهُوَ زَيْدٌ

وَوَقَعَتْ بِكَسْبِ زَيْدٍ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي قَامَتْ بِهِ قُدْرَةُ زَيْدٍ وَهُوَ نَفْسُ زَيْدٍ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ الْخَلْقِ بِالْإِنْشَاءِ وَالِاخْتِرَاعِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ وَعَنْ الْكَسْبِ بِالتَّسَبُّبِ إلَى ظُهُورِ ذَلِكَ الْخَلْقِ عَلَى الْجَوَارِحِ وَمِنْ هُنَا رَسَمَ بِظُهُورِ أَثَرِ الْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ فِي مَحَلِّ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ (وَلَوْ بَطَلَتْ هَذِهِ التَّفْرِقَةُ) بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْكَسْبِ (عَلَى تَعَذُّرِهِ) أَيْ بُطْلَانِهَا (وَجَبَ تَخْصِيصُ الْقَصْدِ الْمُصَمَّمِ مِنْ عُمُومِ الْخَلْقِ بِالْعَقْلِ) وَإِنَّمَا وَجَبَ تَخْصِيصُهُ مِنْ عُمُومِ خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ لِلَّهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ الْقَصْدِ الْمُصَمَّمِ مَخْلُوقًا لِلْعَبْدِ (أَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ فَائِدَةُ خَلْقِ الْقُدْرَةِ) الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِلْعَبْدِ وَيَنْتَفِي بِهِ الْجَبْرُ (وَيُتَّجَهُ بِهِ حُسْنُ التَّكْلِيفِ الْمُسْتَعْقِبِ الْعِقَابَ بِالتَّرْكِ وَالثَّوَابِ بِالْفِعْلِ قَالُوا) أَيْ الْأَشَاعِرَةُ (خَامِسًا لَوْ حَسُنَ) الْفِعْلُ (لِذَاتِهِ أَوْ لِصِفَةٍ أَوْ اعْتِبَارٍ لَمْ يَكُنْ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُخْتَارًا فِي الْحُكْمِ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ (يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الْفِعْلِ مِنْ الصِّفَةِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الْمَعْقُولُ قَبِيحٌ لَا يَصِحُّ مِنْ الْبَارِي وَفِي التَّعَيُّنِ نَفْيُ الِاخْتِيَارِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ (وَجْهٌ عَامٌّ) لِرَدِّ قَوْلِ مَنْ عَدَاهُمْ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ (وَلَا يَلْزَمُنَا) مَعْشَرَ الْحَنَفِيَّةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (إذَا كَانَ قَدِيمًا عِنْدَنَا) كَمَا عِنْدَكُمْ لِأَنَّهُ كَلَامُهُ النَّفْسِيُّ (كَيْفَ يَكُونُ اخْتِيَارِيًّا فَهُوَ إلْزَامِيٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَمَدْفُوعٌ عَنْهُمْ بِأَنَّ غَايَتَهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ (أَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي مُوَافَقَةِ تَعَلُّقِ حُكْمِهِ لِلْحِكْمَةِ وَذَلِكَ) الِاخْتِيَارُ فِي هَذِهِ الْمُوَافَقَةِ (لَا يُوجِبُ اضْطِرَارَهُ) تَعَالَى لِلْحُكْمِ (وَلَنَا فِي الثَّانِي) أَيْ عَدَمِ اسْتِلْزَامِ اتِّصَافِ الْفِعْلِ حُكْمًا لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ (لَوْ تَعَلَّقَ) الْحُكْمُ بِالْفِعْلِ الْمُتَّصِفِ بِالْحُسْنِ (قَبْلَ الْبِعْثَةِ لَزِمَ التَّعْذِيبُ بِتَرْكِهِ) أَيْ الْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ الْحُكْمُ (فِي الْجُمْلَةِ) كَأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الْوُجُوبُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَرْكِهِ الْعَفْوُ (وَهُوَ) أَيْ التَّعْذِيبُ بِتَرْكِهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ (مُنْتَفٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] قِيلَ أَيْ وَلَا مُثِيبِينَ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الثَّوَابِ بِذَكَرِ الْعَذَابِ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ فِي تَحَقُّقِ مَعْنَى التَّكْلِيفِ (وَتَخْصِيصُهُ) أَيْ الْعَذَابِ بِعَذَابِ الدُّنْيَا كَمَا جَرَى لِلْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ مُكَذِّبِي الرُّسُلِ أَوْ بِمَا عَدَا الْإِيمَانِ مِنْ الشَّرَائِعِ تَخْصِيصٌ (بِلَا دَلِيلٍ) يُعَيِّنُهُ وَمِنْ الظَّاهِرِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالرَّسُولِ الْعَقْلَ (وَنَفْيُ التَّعْذِيبِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ نَفْيَ التَّكْلِيفِ) قَطْعًا (عِنْدَ أَبِي مَنْصُورٍ) وَمُوَافِقِيهِ لِجَوَازِ الْعَفْوِ عِنْدَهُمْ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِتَرْكِ مَا كُلِّفَ بِهِ (خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ قَطْعًا لِعَدَمِ تَجْوِيزِهِمْ الْعَفْوَ عَنْهُ بِتَرْكِ مَا كُلِّفَ بِهِ (لَكِنَّهُ) أَيْ نَفْيَ التَّعْذِيبِ وَالْأَحْسَنِ فَهُوَ (يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ نَفْيَ التَّكْلِيفِ عِنْدَ أَبِي مَنْصُورٍ (فِي الْجُمْلَةِ) يَعْنِي وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ بَعْضِهَا (وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ) التَّعْذِيبُ (فِي مُعَيَّنٍ) مِنْ تِلْكَ التَّكْلِيفَاتِ (فَنَفْيُهُ) أَيْ التَّعْذِيبِ (مُطْلَقًا) إنَّمَا هُوَ (لِنَفْيِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ (وَأَيْضًا {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ} [طه: 134] الْآيَةُ) أَيْ {لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: 134] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَمْ يَرُدَّ عُذْرَهُمْ وَأَرْسَلَ) إلَيْهِمْ (كَيْ لَا يَعْتَذِرُوا بِهِ) أَيْ بِعَدَمِ إرْسَالِهِ (وَأَيْضًا {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْحُجَّةِ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَوْ عَذَّبَهُمْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَيُفِيدُ أَمْنَهُمْ مِنْ الْعَذَابِ وَهُوَ مُوجِبٌ عَدَمَ الْحُكْمِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ أَصْلًا لِكَوْنِ عَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ الْعَذَابِ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمِ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ مُطْلَقًا (قَالُوا) أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ (لَوْ لَمْ يَثْبُتْ) حُكْمٌ مَا إلَّا بِالشَّرْعِ (لَزِمَ إفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ) أَيْ عَجْزُهُمْ عَنْ إثْبَاتِ الْبَعْثَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ إذَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَتَى بِالْمُعْجِزِ فَحِينَئِذٍ (إذَا قَالَ) النَّبِيُّ لِلْمَبْعُوثِ إلَيْهِ (اُنْظُرْ) فِي مُعْجِزِي (لِتَعْلَمَ) صِدْقِي (قَالَ لَا أَنْظُرُ) فِيهِ (مَا لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ) أَيْ وُجُوبُ النَّظَرِ (عَلَيَّ) إذْ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ (وَلَا يَثْبُتُ) الْوُجُوبُ عَلَى (مَا لَمْ أَنْظُرْ) فِي مُعْجِزِكَ إذْ لَا وُجُوبَ بِالْفَرْضِ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ فَوُجُوبُ النَّظَرِ فِيهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الشَّرْعِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى النَّظَرِ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ كُلٌّ مِنْ النَّظَرِ وَوُجُوبِهِ عَلَى الْآخَرِ (أَوْ) قَالَ هَذَا الْمَعْنَى بِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ وَهِيَ لَا يَجِبُ النَّظَرُ عَلَى (مَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْعُ إلَى آخِرِهِ)

أَيْ وَلَا يَثْبُتُ الشَّرْعُ حَتَّى أَنْظُرَ وَأَنَا لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ حَقًّا وَلَا سَبِيلَ لِلنَّبِيِّ إلَى دَفْعِهِ وَإِفْحَامُهُ بَاطِلٌ فَبَطَلَ كَوْنُهُ شَرْعِيًّا وَإِذَا بَطَلَ كَوْنُهُ شَرْعِيًّا تَعَيَّنَ كَوْنُهُ عَقْلِيًّا إذْ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا إجْمَاعًا (وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يَثْبُتُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ الْوُجُوبِ عَلَى مَا لَمْ أَنْظُرْ وَمَا لَمْ أَنْظُرْ لَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ عَلَيَّ (بَاطِلٌ لِأَنَّهُ) أَيْ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (بِالشَّرْعِ) نَظَرَ أَوْ لَا ثَبَتَ الشَّرْعُ أَوْ لَا لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْوُجُوبِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ وَإِلَّا لَوْ تَوَقَّفَ تَحَقُّقُ الْوُجُوبِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ لَزِمَ الدَّوْرُ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْوُجُوبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُجُوبِ ضَرُورَةَ مُطَابِقَتِهِ إيَّاهُ وَأَيْضًا مَتَى ظَهَرَتْ الْمُعْجِزَةُ فِي نَفْسِهَا وَكَانَ صِدْقُ النَّبِيِّ فِيمَا ادَّعَاهُ مُمْكِنًا وَالْمَدْعُوّ مُتَمَكِّنًا مِنْ النَّظَرِ وَالْمَعْرِفَةِ فَقَدْ اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ وَثَبَتَ وَالْمَدْعُوّ مُفْرِطٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَمَّا أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا تَكْلِيفٌ بِالْوُجُوبِ لِلْغَافِلِ عَنْهُ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ جَائِزٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلضَّرُورَةِ أَشَارَ إلَى بُطْلَانِهِ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ) وُجُوبُ النَّظَرِ قَبْلَ النَّظَرِ وَثُبُوتُ الشَّرْعِ عِنْدَهُ (تَكْلِيفُ غَافِلٍ بَعْدَ فَهْمِ مَا خُوطِبَ بِهِ) وَلَمْ يُصَدِّقْ بِهِ لِيَحْتَاجَ إلَى هَذَا الْجَوَابِ الْمَرْدُودِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْ لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ كَالصِّبْيَانِ أَوْ يَفْهَمُ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ كَاَلَّذِي لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ دَعْوَةُ نَبِيٍّ (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَمَا اخْتَصَّ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَهُوَ مَا مُلَخَّصُهُ (تَصْدِيقُ مَنْ ثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ) بِدَعْوَاهُ إيَّاهَا وَإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَلَيْهَا (فِي أَوَّلِ إخْبَارَاتِهِ) عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنْ التَّكَالِيفِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ (وَاجِبٌ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَجِبْ تَصْدِيقُهُ فِي ذَلِكَ (انْتَفَتْ فَائِدَةُ الْبَعْثَةِ) وَانْتِفَاءُ فَائِدَتِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا مُنْتَفٍ وَحِينَئِذٍ (فَإِمَّا) وُجُوبُ التَّصْدِيقِ (بِالشَّرْعِ فَبِنَصٍّ) أَيْ فَمُعَرِّفٍ وُجُوبَ تَصْدِيقِهِ فِي أَوَّلِ إخْبَارَاتِهِ حِينَئِذٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ نَصًّا وَحِينَئِذٍ (فَوُجُوبُ تَصْدِيقِ) هَذَا الْإِخْبَارِ (الثَّانِي) الَّذِي هُوَ النَّصُّ الْمُتَوَقِّفُ وُجُوبُ تَصْدِيقِ الْإِخْبَارِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ (لَا يَكُونُ بِنَفْسِهِ) لِئَلَّا يَلْزَمَ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ وَتَقَدُّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَتَصْدِيقُهُ بِغَيْرِهِ حِينَئِذٍ (فَأَمَّا بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِالنَّصِّ الْأَوَّلِ (فَيَدُورُ أَوْ بِثَالِثٍ) أَيْ أَوْ بِنَصٍّ ثَالِثٍ وَالثَّالِثُ بِرَابِعٍ وَهَلُمَّ جَرًّا (فَيَتَسَلْسَلُ) وَالدَّوْرُ وَالتَّسَلْسُلُ بَاطِلَانِ (فَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ تَصْدِيقِهِ فِي أَوَّلِ إخْبَارَاتِهِ (بِالْعَقْلِ) وَهُوَ حَسَنٌ عَقْلًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَقْلًا أَخَصُّ مِنْ الْحَسَنِ عَقْلًا وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ تَرْكُ التَّصْدِيقِ حَرَامًا فَيَكُونُ قَبِيحًا عَقْلًا (وَكَذَا وُجُوبُ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ) أَيْ الشَّارِعِ (لَوْ) كَانَ (بِالشَّرْعِ تَوَقَّفَ) وُجُوبُهُ (عَلَى الْأَمْرِ بِالِامْتِثَالِ) الَّذِي هُوَ نَصٌّ ثَانٍ عَلَى ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ (فَوُجُوبُ امْتِثَالِ الْأَمْرِ بِالِامْتِثَالِ) الَّذِي هُوَ النَّصُّ الثَّانِي (إنْ كَانَ بِالْأَوَّلِ دَارَ وَإِلَّا) إنْ كَانَ بِثَالِثٍ وَالثَّالِثُ بِرَابِعٍ وَهَلُمَّ جَرًّا (تَسَلْسَلَ) وَالدَّوْرُ وَالتَّسَلْسُلُ بَاطِلَانِ فَوُجُوبُ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ ابْتِدَاءً إنَّمَا هُوَ بِالْعَقْلِ وَهُوَ حَسَنٌ عَقْلًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَقْلًا أَخَصُّ مِنْ الْحُسْنِ عَقْلًا وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الِامْتِثَالِ حَرَامًا فَيَكُونُ قَبِيحًا فَمَا قِيلَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (فَجَوَابُهُ) كَمَا هُوَ مُخْتَصَرُ مَا فِي التَّلْوِيحِ (أَنَّ اللَّازِمَ) مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ (جَزْمُ الْعَقْلِ بِصِدْقِهِ) أَيْ النَّبِيِّ فِي أَوَّلِ إخْبَارَاتِهِ وَبِوُجُوبِ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ (اسْتِنْبَاطًا مِنْ دَلِيلِهَا) أَيْ تَصْدِيقَاتِ إخْبَارَاتِهِ وَوُجُوبَاتِ امْتِثَالَاتِ أَوَامِرِهِ وَهُوَ ظُهُورُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدَيْهِ (فَأَيْنَ الْوُجُوبُ عَقْلًا بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِالتَّرْكِ بَلْ يَتَوَقَّفُ) الْوُجُوبُ عَقْلًا بِهَذَا الْمَعْنَى (عَلَى نَصٍّ) وَعِبَارَةُ التَّلْوِيحِ وَأَمَّا بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ أَوْ الْعِقَابِ فِي الْآجِلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِنَصِّ الشَّارِعِ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ وَإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَصْدِيقُ كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَيَحْرُمُ كَذِبُهُ أَوْ يَحْكُمُ اللَّهُ الْقَدِيرُ بِوُجُوبِ طَاعَةِ الرَّسُولِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ ظُهُورَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَكَلُّمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَا ثَبَتَ صِدْقُهُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ انْتَهَتْ قِيلَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ابْتِدَاءُ وُجُوبِ التَّصْدِيقِ وَحُرْمَةُ الْكَذِبِ بِمَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ الْمَذْكُورِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا شَرْعًا بِنَصِّ الشَّارِعِ سَوَاءٌ نَصَّ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَلَى دَلِيلِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا مَرَّ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِدَلِيلِهِ الْمَنْصُوصِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لَا نَصَّ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى دَلِيلِهِ

سِوَى إظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ لِصِدْقِ دَعْوَاهُ النُّبُوَّةِ وَهُوَ لَيْسَ بِنَصٍّ بِمَعْنَى خِطَابِ الشَّارِعِ الْمُوجِبِ لِكَوْنِ الْحُكْمِ شَرْعِيًّا وَلَا خَفَاءَ أَنَّ إثْبَاتَ الْمُعْجِزَةِ لِدَعْوَى النُّبُوَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِ الْمُعْجِزَةِ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ وَأَيْضًا نَحْنُ نَجِدُ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ ثُمَّ كَذَبَ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ قَصْدًا بِلَا تَعْرِيضٍ مُدَّعِيًا أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُنَازِعَ فِي مِثْلِهِ مُكَابِرٌ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ عَلَى طَرَفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَالُوا) : أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ (ثَانِيًا) وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ وَمُوَافِقِيهِ أَيْضًا نَحْنُ (نَقْطَعُ بِأَنَّهُ يَقْبُحُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعَارِفِ بِذَاتِهِ الْمُنَزَّهَةِ وَصِفَاتِهِ الْكَرِيمَةِ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ وَرَدِّ شَرْعٍ أَوْ لَا فَيَحْرُمُ عَقْلًا) أَنْ يَنْسِبَ إلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ (أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَطْعَ) الْمَذْكُورَ (لِمَا رَكَزَ فِي النُّفُوسِ مِنْ الشَّرَائِعِ الَّتِي لَمْ تَنْقَطِعْ مُنْذُ بَعْثَةِ آدَمَ فَتَوَهَّمَ) بِهَذَا السَّبَبِ (أَنَّهُ) أَيْ الْقَطْعَ الْمَذْكُورَ (بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ) ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفِعْلَ يَتَّصِفُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ بِخَارِجٍ وَلَا تَكْلِيفَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ قَالَ (وَعَلَى أَصْلِنَا ثُبُوتُ الْقُبْحِ) لِلْفِعْلِ (فِي الْعَقْلِ) أَيْ عِنْدَ الْعَقْلِ (وَعِنْدَهُ تَعَالَى لَا يَسْتَلْزِمُ عَقْلًا تَكْلِيفُهُ) بِمَنْعِهِ مِنْ الْفِعْلِ (بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقْبُحُ مِنْهُ تَعَالَى تَرْكُهُ) أَيْ تَرْكُ تَكْلِيفِهِ (وَلِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي الثَّالِثِ) أَيْ امْتِنَاعِ تَعْذِيبِ الطَّائِعِ وَتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ أَنَّهُ (ثَبَتَ بِالْقَاطِعِ اتِّصَافُ الْفِعْلِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَمْتَنِعُ اتِّصَافُهُ) أَيْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى (بِهِ) أَيْ بِالْقُبْحِ (تَعَالَى) اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ (وَأَيْضًا فَالِاتِّفَاقُ عَلَى اسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ بِدَرْكِهِمَا) أَيْ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (بِمَعْنَى صِفَةِ الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ عَلَى مَا مَرَّ فَبِالضَّرُورَةِ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (مَا أَدْرَكَ فِيهِ نَقْصٌ وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ كَانَ مُسْتَحِيلًا عَلَيْهِ مَا أَدْرَكَ فِيهِ نَقْصٌ (ظَهَرَ الْقَطْعُ بِاسْتِحَالَةِ اتِّصَافِهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (بِالْكَذِبِ وَنَحْوِهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَأَيْضًا) لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ اتِّصَافُ فِعْلِهِ بِالْقُبْحِ (يَرْتَفِعُ الْأَمَانُ عَنْ صِدْقِ وَعْدِهِ وَ) صِدْقِ (خَبَرِ غَيْرِهِ) أَيْ الْوَعْدِ مِنْهُ تَعَالَى (وَ) صِدْقِ (النُّبُوَّةِ) أَيْ لَمْ يَجْزِمْ بِصِدْقِهِ أَصْلًا لَا عَقْلًا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنْ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَا شَرْعًا لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالسَّمْعِ لِأَنَّ حُجِّيَّةَ السَّمْعِ بَلْ ثُبُوتُهُ فَرْعُ صِدْقِهِ تَعَالَى إذْ لَوْ جَازَ كَذِبُهُ لَمْ يَكُنْ تَصْدِيقُهُ لِلنَّبِيِّ بِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ هَذَا صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ دَالًّا عَلَى صِدْقِهِ وَإِذَا كَانَ السَّمْعُ مُتَوَقِّفًا عَلَى صِدْقِهِ لَمْ يَكُنْ إثْبَاتُهُ بِهِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَجْزِمَ أَيْضًا بِصِدْقِ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ أَصْلًا لِجَوَازِ إظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِ فَيَنْسَدُّ بَابُ النُّبُوَّةِ وَأَنْ يَرْفَعَ الثِّقَةَ عَنْ كَلَامِهِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا لَمْ يُفْرِدْ الْوَعِيدَ بِالذِّكْرِ كَمَا أَفْرَدَ الْوَعْدَ إمَّا اكْتِفَاءً بِدُخُولِهِ فِي خَبَرِ غَيْرِهِ وَإِمَّا مُوَافَقَةً لِلْأَشَاعِرَةِ فِي جَوَازِ الْخُلْفِ فِي الْوَعِيدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ نَقْصًا بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْكَرَمِ وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي حَلْبَةِ الْمُجِلِّي وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَخَبَرُ غَيْرِهِ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَاهُ (وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ كَسَائِرِ الْخَلْقِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ اتِّصَافِهِ) تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنْ الْقَبَائِحِ (دُونَ الِاسْتِحَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ كَسَائِرِ الْعُلُومِ الَّتِي يُقْطَعُ فِيهَا بِأَنَّ الْوَاقِعَ أَحَدُ النَّقِيضَيْنِ مَعَ عَدَمِ اسْتِحَالَةِ الْآخَرِ لَوْ قُدِّرَ) أَنَّهُ الْوَاقِعُ (كَالْقَطْعِ بِمَكَّةَ وَبَغْدَادَ) أَيْ بِوُجُودِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يُحِيلُ عَدَمُهُمَا عَقْلًا (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (لَا يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ الْأَمَانِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الشَّيْءِ عَقْلًا عَدَمُ الْجَزْمِ بِعَدَمِهِ (وَالْخِلَافُ) الْجَارِي فِي الِاسْتِحَالَةِ وَالْإِمْكَانِ الْعَقْلِيِّ لِهَذَا (جَارٍ فِي كُلِّ نَقِيصَةٍ أَقُدْرَتُهُ) تَعَالَى (عَلَيْهَا مَسْلُوبَةٌ أَمْ هِيَ) أَيْ النَّقِيصَةُ (بِهَا) أَيْ بِقُدْرَتِهِ (مَشْمُولَةٌ وَالْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ) أَيْ وَالْحَالُ الْقَطْعُ بِعَدَمِ فِعْلِ تِلْكَ النَّقِيصَةِ (وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ أَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَيْهَا مَسْلُوبَةٌ لِاسْتِحَالَةِ تَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ بِالْمُحَالَّاتِ (وَعَلَيْهِ فَرَّعُوا امْتِنَاعَ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَ) وَامْتِنَاعَ (تَعْذِيبِ الطَّائِعِ) وَلَفْظُهُ فِي الْمُسَايَرَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمَّا اسْتَحَالُوا عَلَيْهِ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ فَهُمْ لِتَعْذِيبِ الْمُحْسِنِ الَّذِي اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ فِي الطَّاعَةِ مُخَالِفًا لِهَوَى نَفْسِهِ فِي رِضَا مَوْلَاهُ أَمْنَعُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّنْزِيهَاتِ إذْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ

الْمُسِيءِ وَالْمُحْسِنِ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْحِكْمَةِ فِي فِطَرِ سَائِرِ الْعُقُولِ وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قُبْحِهِ حَيْثُ قَالَ {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] فَجَعَلَهُ سَيِّئًا هَذَا فِي التَّجْوِيزِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ أَمَّا الْوُقُوعُ فَمَقْطُوعٌ بِعَدَمِهِ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ لِلْوَعْدِ بِخِلَافِهِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ لِذَلِكَ وَلِقُبْحِ خِلَافِهِ (وَذَكَرْنَا فِي الْمُسَايَرَةِ) بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ فِي الْجُمْلَةِ (أَنَّ الثَّانِي) أَيْ أَنَّهُ يُقَدَّرُ وَلَا يُفْعَلُ قَطْعًا (أَدْخَلَ فِي التَّنْزِيهِ) فَإِنَّ الَّذِي فِي الْمُسَايَرَةِ ثُمَّ قَالَ يَعْنِي صَاحِبَ الْعُمْدَةِ مِنْ مَشَايِخِنَا وَلَا يُوصَفُ تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ عَلَى الظُّلْمِ وَالسَّفَهِ وَالْكَذِبِ لِأَنَّ الْمُحَالَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ يَقْدِرُ وَلَا يَفْعَلُ اهـ وَلَا شَكَّ أَنَّ سَلْبَ الْقُدْرَةِ عَمَّا ذَكَرَ هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَمَّا ثُبُوتُهَا ثُمَّ الِامْتِنَاعُ عَنْ مُتَعَلِّقِهَا فَبِمَذْهَبِ الْأَشَاعِرَةِ أَلْيَقُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْهَا مِنْ بَابِ التَّنْزِيهَاتِ فَيَسْبُرُ الْعَقْلُ فِي أَنَّ أَيْ الْفَصْلَيْنِ أَبْلَغُ فِي التَّنْزِيهِ عَنْ الْفَحْشَاءِ أَهْوَ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ مَعَ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ مُخْتَارًا أَوْ الِامْتِنَاعُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِأَدْخَلِ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّنْزِيهِ اهـ (هَذَا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ قَائِلٌ هُوَ) أَيْ النِّزَاعُ بَيْنَ الْفِرَقِ الثَّلَاثَةِ (لَفْظِيٌّ فَقَوْلُ الْأَشَاعِرَةِ هُوَ إنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ الْعَقْلُ كَوْنَ مَنْ اتَّصَفَ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَالْمِلْكِ لِكُلِّ شَيْءٍ مُتَّصِفًا بِالْجَوْرِ وَمَا لَا يَنْبَغِي إذْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَالِكٌ جَائِرٌ وَلَا يُحِيلُ الْعَقْلَ وُجُودُ مَالِكٍ كَذَلِكَ) أَيْ جَائِرٌ (وَلَا يَسَعُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ إنْكَارَهُ وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ (يَسْتَحِيلُ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قُطِعَ بِهِ مِنْ ثُبُوتِ اتِّصَافِ هَذَا الْعَزِيزُ الَّذِي ثَبَتَ أَنَّهُ الْإِلَهُ بِأَقْصَى كَمَالَاتِ الصِّفَاتِ) وَظَاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ بِأَقْصَى مُتَعَلِّقٌ بِاتِّصَافٍ (مِنْ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَالْحِكْمَةِ إذْ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ فَلِحَظِّهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (إثْبَاتُ الضَّرُورَةِ) فِي عَدَمِ تَجْوِيزِهِمْ ذَلِكَ (بِشَرْطِ الْمَحْمُولِ فِي الْمُتَّصِفِ الْخَارِجِيِّ) أَيْ الْإِلَهِ الْمُتَّصِفِ بِأَقْصَى كَمَالَاتِ الصِّفَاتِ (وَالْأَشْعَرِيَّةُ بِالنَّظَرِ إلَى مُجَرَّدِ مَفْهُومِ إلَهٍ وَمَالِكِ كُلِّ شَيْءٍ) ثُمَّ لَمَّا جَرَتْ عَادَةُ الْأَشَاعِرَةِ بِذِكْرِ مَسْأَلَتَيْنِ هُنَا حَاصِلُهُمَا إثْبَاتُ تَعَلُّقِ حُكْمِهِ تَعَالَى بِشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَكَانَ اللَّائِقُ ظَاهِرًا أَنْ يُورِدَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِتَوْجِيهٍ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ مَعَ الْأَشَاعِرَةِ فِي إبْطَالِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَلَمْ يُورِدْهُمَا كَذَلِكَ بَلْ أَوْرَدَهُمَا عَلَى وَفْقِ كَلَامِهِمْ لِيُبَيِّنَ مَا فِيهِ مَهْدُ الْعُذْرِ أَوَّلًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ (وَاسْتَمَرَّ الْأَشْعَرِيَّةُ أَنْ تَنَزَّلُوا إلَى اتِّصَافِ الْفِعْلِ) بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (وَيُبْطِلُوا مَسْأَلَتَيْنِ عَلَى التَّنَزُّلِ وَنَحْنُ وَإِنْ سَاعَدْنَاهُمْ عَلَى نَفْي التَّعَلُّقِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ لَكُنَّا نُورِدُ كَلَامَهُمْ لِمَا فِيهِ) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى شُكْرُ الْمُنْعِمِ) أَيْ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا خَلَقَ لِأَجْلِهِ كَصَرْفِ النَّظَرِ إلَى مُشَاهَدَةِ مَصْنُوعَاتِهِ لِيَسْتَدِلَّ بِهَا عَلَى صَانِعِهَا وَالسَّمْعِ إلَى تَلَقِّي أَوَامِرِهِ وَإِنْذَارَاتِهِ وَاللِّسَانِ إلَى التَّحَدُّثِ بِالنِّعَمِ وَالثَّنَاءِ الْجَمِيلِ عَلَى مُوَلِّيهَا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ قِيلَ وَهَذَا مَعْنَى الشُّكْرِ حَيْثُ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَلِهَذَا وَصَفَ الشَّاكِرِينَ بِالْقِلَّةِ فَقَالَ {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] (لَيْسَ وَاجِبًا عَقْلًا لِأَنَّهُ) أَيْ الشُّكْرَ (لَوْ وَجَبَ) بِالْعَقْلِ (فَلِفَائِدَةٍ لِبُطْلَانِ الْعَبَثِ) لِقُبْحِهِ وَإِذْ كَانَ لِفَائِدَةٍ (فَإِمَّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ (بَاطِلَةٌ لِتَعَالِيهِ) أَيْ اللَّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِفَائِدَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى (وَالْمَشَقَّةِ فِي الدُّنْيَا) لِأَنَّ مِنْ شُكْرِهِ فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَهِيَ مَشَقَّةٌ وَتَعَبٌ نَاجِزٌ لَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ وَمَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ فَائِدَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِفَائِدَةٍ لِلْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا (وَعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ) لِأَنَّهَا مِنْ الْغَيْبِ الَّذِي لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِفَائِدَةٍ لِلْعَبْدِ فِي الْآخِرَةِ (وَانْفَصَلَ الْمُعْتَزِلَةُ) عَنْ هَذَا الِالْتِزَامِ بِأَنَّهُ لِفَائِدَةٍ (ثُمَّ أَبَانَهَا) لِلْعَبْدِ (فِي الدُّنْيَا وَهِيَ دَفْعُ ضَرَرِ خَوْفِ الْعِقَابِ لِلُزُومِ خُطُورِ مُطَالَبَةِ الْمَلِكِ الْمُنْعِمِ بِالشُّكْرِ) عَلَى نِعَمِهِ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْعِقَابِ إلَّا بِالشُّكْرِ وَالْأَمْنُ مِنْ الْعِقَابِ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ وَأَوْفَرِ الْحُظُوظِ إذْ الْفَائِدَةُ كَمَا تَكُونُ جَلْبَ نَفْعٍ تَكُونُ دَفْعَ ضَرَرٍ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَعَبٌ نَاجِزٌ (وَمَنَعَ الْأَشْعَرِيَّةُ لُزُومَ الْخُطُورِ) عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ الشُّكْرِ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ لِتَسَلُّطِ الْمَنْعِ عَلَى لُزُومِ الْخُطُورِ الْمَذْكُورِ بِبَالِ كُلِّ عَاقِلٍ لِلْعِلْمِ بِعَدَمِهِ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ بِشَهَادَةِ أَحْوَالِهِمْ وَالْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ بِتَسْلِيمِ الْخُطُورِ لِلْبَعْضِ لِإِيجَابِهِمْ الشُّكْرَ عَلَى الْكُلِّ (وَعَلَى التَّسْلِيمِ) لِلُزُومِ الْخُطُورِ الْمَذْكُورِ لِلْكُلِّ (فَمُعَارَضٌ بِأَنَّهُ) أَيْ شُكْرَ الْعَبْدِ

(تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ) بِالْأَتْعَابِ بِالْأَفْعَالِ وَالتُّرُوكِ الشَّاقَّةِ بِدُونِ إذْنِ الْمَالِكِ فَإِنَّ مَا يَتَصَرَّفُ الْإِنْسَانُ فِيهِ مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهَا مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى (وَبِأَنَّهُ) أَيْ شُكْرَ الْعَبْدِ النِّعْمَةَ (يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ) فَإِنَّ شُكْرَ النِّعْمَةِ قَدْ يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلنِّعْمَةِ قَدْرٌ يُعْتَدُّ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَمْلَكَةِ الْمُنْعِمِ وَعَظَمَتِهِ ثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ شُكْرُهَا مِمَّا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِ الْمُنْعِمِ وَنِعَمِ اللَّهِ الْفَائِضَةِ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْوُجُودِ وَالْقُوَى وَغَيْرِهَا لَيْسَ لَهَا قَدْرٌ يُعْتَدُّ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَظَمَةِ اللَّهِ وَمَلَكُوتِهِ وَالشُّكْرُ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ لِأَجْلِهَا لَا يَلِيقُ بِكِبْرِيَائِهِ وَمَا مَثَلُهُ إلَّا كَمَثَلِ فَقِيرٍ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ مَلِكٌ مَلَكَ الْبِلَادَ شَرْقًا وَغَرْبًا وَعَمّ الْعِبَادَ وَهْبًا وَنَهْبًا بِلُقْمَةِ خُبْزٍ فَطَفِقَ يَذْكُرُهَا فِي الْمَجَامِعِ وَيَشْكُرُهُ عَلَيْهَا بِتَحْرِيكِ أُنْمُلَتِهِ فَكَمَا أَنَّ هَذَا مِنْ الْفَقِيرِ لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِ الْمَلِكِ وَيُعَدُّ اسْتِهْزَاءً مِنْهُ فَكَذَا شُكْرُ الْعَبْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَلَالِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ بَلْ اللُّقْمَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَلِكِ وَمَا يَمْلِكُهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَمَا يَمْلِكُهُ الْمَلِكُ مُتَنَاهٍ وَشُكْرُ الْعَبْدِ بِفِعْلِهِ أَقَلُّ قَدْرًا فِي جَنْبِ اللَّهِ مِنْ شُكْرِ الْفَقِيرِ بِتَحْرِيكِ أُصْبُعِهِ وَرُبَّمَا لَا يَقَعُ لَائِقًا بِجَنَابِ الْجَبَرُوتِ فَيَكُونُ تَرْكُ الشُّكْرِ وَاجِبًا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَقَدْ طَالَ رَوَاجُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى تَهَافُتِهَا) أَيْ مَعَ سُقُوطِهَا بَيْنَهُمْ (فَإِنَّ الْحُكْمَ بِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ) بِالْفِعْلِ عَقْلًا (تَابِعٌ لِعَقْلِيَّةِ مَا فِي الْفِعْلِ) مِنْ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (فَإِذَا عَقَلَ فِيهِ حُسْنَ) صِفَتِهِ أَنَّهُ (يَلْزَمُ بِتَرْكِ مَا) أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي (هُوَ) أَيْ الْحَسَنُ (فِيهِ الْقُبْحُ كَحُسْنِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ الْمُسْتَلْزِمِ تَرْكُهُ) أَيْ شُكْرُهُ (قُبْحَ الْكُفْرَانِ بِالضَّرُورَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ) الْعَقْلُ (حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الشُّكْرِ قَطْعًا وَإِذَا ثَبَتَ الْوُجُوبُ) عَقْلًا (بِلَا مَرَدٍّ لَمْ يَبْقَ لَنَا حَاجَةٌ فِي تَعْيِينِ فَائِدَةٍ بَلْ نَقْطَعُ بِثُبُوتِهَا) أَيْ الْفَائِدَةِ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عُلِمَ عَيْنُهَا أَوْ لَا) عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا قَبِيحٌ بَلْ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ مَنْ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ أَمَّا مَنْ لَا يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ فَلَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْقُبْحِ وَلِهَذَا يَحْسُنُ مِنَّا الِاسْتِظْلَالُ بِحَائِطِ الْغَيْرِ وَالِاسْتِصْبَاحُ مِنْ مِصْبَاحِهِ وَالنَّظَرُ فِي مِرْآتِهِ لِحُصُولِ النَّفْعِ الْخَالِي عَنْ الضَّرَرِ وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَلِأَنَّ الْإِذْنَ حَاصِلٌ دَلَالَةً لِأَنَّ مَنْ كَانَ عَبِيدُهُ مُضْطَرِّينَ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَعِنْدَهُ خَزَائِنُ الطَّعَامِ وَبِحَارُ الشَّرَابِ لَا يَنْقُصُ مِنْ خَزَائِنِهِ شَيْءٌ فَالْعَادَةُ تَحْكُمُ بِالْإِذْنِ بِالتَّنَاوُلِ مِنْهَا كَيْ لَا يَهْلَكُوا بِالِامْتِنَاعِ عَنْهُ وَنِعَمُ اللَّهِ فِي ذَاتِهَا أُمُورٌ عَظِيمَةٌ كَإِيجَادِ الْإِنْسَانِ بِقُوَاهُ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَالْأَعْضَاءِ السَّلِيمَةِ لَوْ اجْتَمَعَ الْخَلَائِقُ عَلَى تَحْصِيلِ وَاحِدٍ مِنْهَا لَعَجَزُوا فَالشُّكْرُ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ لَا يُعَدُّ اسْتِهْزَاءً وَكَوْنُهَا قَلِيلَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقْدَحُ فِي عِظَمِهَا فِي ذَاتِهَا وَبِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا وَلَيْسَ هَذَا كَشُكْرِ الْمَلِكِ عَلَى لُقْمَةِ خُبْزٍ لِأَنَّ اللُّقْمَةَ حَقِيرَةٌ فِي الْعُرْفِ يَقْدِرُ عَلَى إعْطَاءِ أَمْثَالِهَا غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فَكَانَ شُكْرُهُ عَلَى ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً وَلَيْسَ نِعَمُ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ كَذَلِكَ اهـ وَأَيْضًا كَمَا قَالَ أَبُو هَاشِمٍ: النِّعْمَةُ إذَا كَانَ لَهَا قَدْرٌ يُعْتَدُّ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَاجَاتِ الْمُنْعِمِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قَدْرٌ يُعْتَدُّ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَالِكِ النِّعَمِ لَا يُعَدُّ شُكْرُهَا اسْتِهْزَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى مِلْكٌ يَمْلِكُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ فَقِيرًا مِائَةَ دِينَارٍ وَتَنْقَضِي حَاجَاتُهُ فِي سَنَةٍ بِهَا اُسْتُحْسِنَ مِنْهُ أَنْ يَشْكُرَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرٌ يُعْتَدُّ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى خَزَائِنِ الْمَلِكِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَلَوْ مَنَعُوا) أَيْ الْأَشَاعِرَةُ (اتِّصَافَ الشُّكْرِ) بِالْحُسْنِ (وَالْكُفْرَانِ) بِالْقُبْحِ (لَمْ تَصِرْ مَسْأَلَةٌ عَلَى التَّنَزُّلِ) لِانْتِفَائِهِ بِمَنْعِ الِاتِّصَافِ (وَكَذَا انْفِصَالُ الْمُعْتَزِلَةِ) الْمَذْكُورُ يَمْنَعُ صَيْرُورَتَهَا مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (فَإِنَّ دَفْعَ ضَرَرِ خَوْفِ الْعِقَابِ) عَلَى التَّرْكِ (إنَّمَا يَصِحُّ حَامِلًا عَلَى الْعَمَلِ) الَّذِي هُوَ الشُّكْرُ (وَهُوَ) أَيْ الْخَوْفُ (بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ) لِلشُّكْرِ (بِطَرِيقِهِ) أَيْ الْعِلْمِ (وَهُوَ) أَيْ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ بِطَرِيقِهِ هُوَ (الَّذِي فِيهِ الْكَلَامُ وَتَسْلِيمُ لُزُومِ الْخُطُورِ وَمُعَارَضَتِهِمْ) أَيْ الْأَشَاعِرَةِ لِلْمُعْتَزِلَةِ (بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إلْزَامِيٌّ) مِنْ الْأَشَاعِرَةِ لِلْمُعْتَزِلَةِ (إذْ اعْتَرَفُوا) أَيْ الْأَشَاعِرَةُ (فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ حُرْمَتَهُ) أَيْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ (لَيْسَتْ عَقْلِيَّةً وَأَمَّا) مُعَارَضَتُهُمْ (بِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ فَيُقْضَى مِنْهُ الْعَجَبُ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَيْفَ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ شَاكِرٌ حَقِيقَةً وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ تَعْظِيمِ الْبَاطِنِ وَخَفْضِ الْجُنَاحِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ

انْسِدَادُ بَابِ الشُّكْرِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَبَعْدَهَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِتَطَابُقِ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ ثُمَّ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ حَنَفِيَّةِ بُخَارَى قَالُوا بِقَوْلِ الْأَشَاعِرَةِ فِي عَدَمِ نِسْبَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ لِلْعَقْلِ وَقَدْ تَهَافَتَ دَلِيلُهُمْ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَذْكُرَ لِأَصْحَابِنَا دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ (وَالْوَجْهُ فِيهِ) أَيْ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِلْفِعْلِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ أَنَّهُ (لَا طَرِيقَ لِلْعَقْلِ إلَى الْحُكْمِ بِحُدُوثِ مَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِالسَّمْعِ) فِي الْمَسْمُوعَاتِ (أَوْ الْبَصَرِ) فِي الْمُبْصَرَاتِ (وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُمَا) أَيْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ (فِي تَعَلُّقِ حُكْمِهِ) تَعَالَى بِالْفِعْلِ (وَدَرْكِ مَا فِي الْفِعْلِ) مِنْ حُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ (غَيْرِ مُسْتَلْزِمٍ) تَكْلِيفَهُ بِفِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ (إلَّا لَوْ كَانَ تَرْكُ تَكْلِيفِهِ تَعَالَى يُوجِبُ نَقْصَهُ تَعَالَى وَهُوَ مَمْنُوعٌ) قَطْعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ الْمَسْأَلَةُ (الثَّانِيَةُ أَفْعَالُ الْعِبَادِ الِاخْتِيَارِيَّةُ مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْبَقَاءُ) إذْ هِيَ مَا يُمْكِنُ الْبَقَاءُ بِدُونِهَا كَأَكْلِ الْفَاكِهَةِ وَيُقَابِلُهَا الِاضْطِرَارِيَّةُ وَهِيَ مَا لَا يُمْكِنُ الْبَقَاءُ بِدُونِهَا كَالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ وَكَانَتْ وَاقِعَةً (قَبْلَ الْبَعْثَةِ إنْ أَدْرَكَ فِيهَا جِهَةً مُحَسِّنَةً أَوْ مُقَبِّحَةً فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْسِيمِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ) مِنْ أَنَّ الْمُدْرِكَ إمَّا حُسْنُ فِعْلٍ بِحَيْثُ يَقْبُحُ تَرْكُهُ فَوَاجِبٌ وَإِلَّا فَمَنْدُوبٌ أَوْ تَرْكٌ عَلَى وِزَانِهِ فَحَرَامٌ وَمَكْرُوهٌ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُدْرِك فِيهَا جِهَةً مُحَسِّنَةً وَلَا مُقَبِّحَةً (فَلَهُمْ) أَيْ لِلْمُعْتَزِلَةِ (فِيهَا) أَيْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ (الْإِبَاحَةُ) أَيْ عَدَمُ الْحَرَجِ وَهُوَ قَوْلُ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ لَا سِيَّمَا الْعِرَاقِيِّينَ قَالُوا: وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ هَدَّدَ بِالْقَتْلِ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ بِقَوْلِهِ: خِفْت أَنْ يَكُونَ آثِمًا لِأَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَشُرْبَ الْخَمْرِ لَمْ يَحْرُمَا إلَّا بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا فَجَعَلَ الْإِبَاحَةَ أَصْلًا وَالْحُرْمَةُ تُعَارِضُ النَّهْيَ (وَالْحَظْرُ) أَيْ الْحُرْمَةُ وَثُبُوتُ الْحَرَجِ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ قَوْلُ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (وَالْوَقْفُ) وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْهُمْ أَبُو مَنْصُورِ الْمَاتُرِيدِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَنُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ تَفْسِيرِهِ (وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرِ أَنْ يُقَالَ (إنَّ الْحُكْمَ بِتَعَلُّقِ) حُكْمٍ (مُعَيَّنٍ) لِفِعْلٍ عَقْلًا (فَرْعُ مَعْرِفَةِ حَالِ الْفِعْلِ) لَهُ فَإِذَا كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَكَيْفَ يُعْرَفُ حُكْمُهُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ (فَإِذَا قَالَ الْمُبِيحُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْحَصْرِ) لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي الْمَحْظُورِ وَالْمُبَاحِ (خَلَقَ) اللَّهُ (الْعَبْدَ وَمَا يَنْفَعُهُ) مِنْ الْمَطْعُومَاتِ وَغَيْرِهَا (فَمَنَعَهُ) أَيْ اللَّهُ الْعَبْدَ مِنْهَا (وَلَا ضَرَرَ) عَلَيْهِ (إخْلَالٌ بِفَائِدَتِهِ) أَيْ خَلْقِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ مَنْعُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ (الْعَبَثُ) وَجَوَابُ إذَا (فَمُرَادُهُ) أَيْ الْمُبِيحِ (وَهُوَ) أَيْ الْعَبَثُ (نَقِيصَةٌ تَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَعَالَى) فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَمْنُوعٍ عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ (وَالْحَاظِرُ) أَيْ وَإِذَا قَالَ الْحَاظِرُ: الْإِبَاحَةَ (تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ) بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَحْرُمُ (فَمُرَادُهُ) أَيْ الْحَاظِرِ (يُحْتَمَلُ الْمَنْعُ فَالِاحْتِيَاطُ الْعَقْلِيُّ مَنْعُهُ) أَيْ الْعَبْدِ مِنْهُ (فَانْدَفَعَ) بِهَذَا (مَا قِيلَ عَلَى الْحَظْرِ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ بَحْرًا لَا يَنْفَدُ وَاتَّصَفَ بِغَايَةِ الْجُودِ كَيْفَ يُدْرِكُ الْعَقْلُ عُقُوبَتَهُ عَبْدَهُ بِأَخْذِ قَدْرِ سِمْسِمَةٍ) وَإِنَّمَا انْدَفَعَ بِهَذَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَاظِرَ (لَمْ يَبْنِ الْحَظْرَ عَلَى دَرْكِ) الْعَقْلِ (ذَلِكَ بَلْ) بَنَاهُ (عَلَى احْتِمَالِهِ) أَيْ مَنْعِهِ بِاعْتِبَارِهِ (أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْمَلِكِ بِلَا إذْنِهِ فَيَحْتَاطُ بِمَنْعِهِ وَ) انْدَفَعَ أَيْضًا (مَنْعُ أَنَّ حُرْمَةَ التَّصَرُّفِ عَقْلِيٌّ بَلْ) هُوَ (سَمْعِيٌّ وَلَوْ سَلَّمَ) أَنَّهُ عَقْلِيٌّ (فِي حَقِّ مَنْ يَتَضَرَّرُ) بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ (وَلَوْ سَلَّمَ) أَنَّهُ فِي حَقِّ كُلِّ مَالِكٍ (فَمُعَارَضٌ بِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْ الضَّرَرِ النَّاجِزِ وَدَفْعُهُ) أَيْ الضَّرَرِ النَّاجِزِ (عَنْ النَّفْسِ وَاجِبٌ عَقْلًا وَلَيْسَ تَرْكُهُ) الْفِعْلِ (لِدَفْعِ ضَرَرِ خَوْفِ الْعِقَابِ) الْحَاصِلِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ (أَوْلَى مِنْ الْفِعْلِ) الْمُسْتَلْزِمِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ النَّاجِزِ بَلْ اعْتِبَارُ الْعَاجِلِ أَوْلَى (مَعَ مَا فِي هَذَا) الْجَوَابِ (مِنْ كَوْنِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ (غَيْرَ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ) أَيْ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ (فِي نَحْوِ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهِ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْبَقَاءُ (وَمَا عَلَى الْإِبَاحَةِ) أَيْ وَانْدَفَعَ أَيْضًا مَا أُورِدَ عَلَيْهَا (مِنْ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ) بِهَا مَا (لَا حَرَجَ عَقْلًا فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فَمُسَلَّمٌ) وَلَا نِزَاعَ فِيهِ بَلْ النِّزَاعُ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْمُبَاحِ بِإِزَائِهِ وَلِذَا يَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ عَلَى فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ تَحَقُّقِ

ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ (أَوْ خِطَابِ الشَّارِعِ بِهِ فَلَا شَرْعَ) حِينَئِذٍ (أَوْ حُكْمِ الْعَقْلِ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ مُبَاحًا (فَالْفَرْضُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَقْلَ (لَا حُكْمَ لَهُ بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ إذْ يَخْتَارُونَ) أَيْ الْمُبِيحُونَ (هَذَا) وَهُوَ الْأَوَّلُ فِي الْمَعْنَى (لِمُلْجِئِ لُزُومِ الْعَبَثِ) عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِبَاحَةِ وَالْعَبَثُ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا دَفْعُهُ) أَيْ دَلِيلُ الْمُبِيحِ الْمَذْكُورِ (بِمَنْعِ قُبْحِ فِعْلٍ لَا فَائِدَةَ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْفِعْلِ (بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ تَعَالَى فَيُخْرِجُهُ) أَيْ هَذَا الْكَلَامُ (عَنْ التَّنَزُّلِ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّنَزُّلَ (دَفَعَهُ) الْخَصْمُ (عَلَى تَسْلِيمِ قَاعِدَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ نَعَمْ يَدْفَعُ) دَلِيلُ الْمُبِيحِ (بِمَنْعِ الْإِخْلَالِ) بِفَائِدَتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَنْعِ مِنْهُ (إذْ إرَادَةُ قُدْرَتِهِ) تَعَالَى (عَلَى إيجَادِهِ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (مُحَقَّقَةٌ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ) مِنْ الْفَوَائِدِ (مِمَّا يَقْصُرُ عَنْ دَرْكِهِ) الْعَقْلُ فَلَا يَقَعُ إخْلَالٌ بِفَائِدَتِهِ (وَالْحَاظِرُ) أَيْ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ (لَا يُثْبِتُ حُكْمَ الْحُكْمِ الْأُخْرَوِيِّ) مِنْ الثُّبُوتِ وَالِانْتِفَاءِ (بِثُبُوتِهِ) أَيْ بِسَبَبِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْحُكْمِ الْأُخْرَوِيِّ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَبْلَ إظْهَارِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (لِلْمُكَلَّفِينَ فَكَيْفَ بِاحْتِمَالِهِ) أَيْ احْتِمَالِ ثُبُوتِهِ (وَلَا خَوْفَ لِيُحْتَاطَ) بِمَنْعِهِ (وَأَمَّا الْوَقْفُ فَفُسِّرَ بِعَدَمِ الْحُكْمِ) أَصْلًا وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْوَاقِفِيَّةِ (وَلَيْسَ) هَذَا (بِهِ) أَيْ بِالْوَقْفِ لِأَنَّهُ قَطْعٌ بِعَدَمِ الْحُكْمِ لَا وَقْفٌ عَنْهُ (وَبِعَدَمِ الْعِلْمِ بِخُصُوصِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (فَقِيلَ إنْ كَانَ) عَدَمُ الْعِلْمِ بِخُصُوصِهِ (لِلتَّعَارُضِ) بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَحْكَامِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ (فَفَاسِدٌ لِأَنَّا بَيَّنَّا بُطْلَانَهَا) أَيْ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ لِعَدَمِ الشَّرْعِ) حِينَئِذٍ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْتَقِلُّ بِإِدْرَاكِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا (فَمُسَلَّمٌ) وَهُوَ مَذْهَبُنَا (وَالْحَصْرُ) فِي التَّوَقُّفِ فِي الْحُكْمِ (الْأَوَّلِ) أَيْ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ (مَمْنُوعٌ بَلْ) قَدْ يَكُونُ (لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى خُصُوصِ حُكْمٍ فَإِنْ قُلْت هَذِهِ الْمَذَاهِبُ تُوجِبُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ كَوْنَ الْحُكْمِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ إذْ لَا تَحَقُّقَ لَهُ) أَيْ لِلْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ (إلَّا بَعْدَ الْبَعْثَةِ وَلَا نَفْسِيَّ عِنْدَهُمْ) فَكَيْفَ تَصَوَّرْت هَذِهِ الْمَذَاهِبَ عَلَى أُصُولِهِمْ (فَالْجَوَابُ مَنْعُ تَوَقُّفِهِ) أَيْ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ (عَلَيْهَا) أَيْ الْبَعْثَةِ (لِجَوَازِ تَقَدُّمِهِ) أَيْ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ (عَلَيْهَا) أَيْ الْبَعْثَةِ (كَخِطَابَاتِهِ لِلْمَلَائِكَةِ وَآدَمَ وَنُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ الْوَقْفُ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ) أَيْ الْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالصَّوَابُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّفْسِيرُ (الثَّانِي) أَيْ عَدَمُ الْعِلْمِ بِخُصُوصِ الْحُكْمِ (لِعَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَهُ) أَيْ الْأَشْعَرِيِّ (أَيْ فِيهَا) أَيْ الْأَفْعَالِ (حُكْمٌ لَا يَدْرِي مَا هُوَ إلَّا فِي الْبَعْثَةِ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَدْرِي بِالشَّرْعِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (يَتَعَلَّقُ) بِالْأَفْعَالِ (فَيَعْلَمُهُ) الْمُكَلِّفُ (فَمَحَلُّ وَقْفِ الْأَشْعَرِيِّ غَيْرُهُ) أَيْ وَقْفِ الْمُعْتَزِلَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَقْفَ (عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ عَنْ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ) بِالْأَفْعَالِ (وَلَا يُتَصَوَّرُ) وُجُودُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ (عِنْدَهُ) أَيْ الْأَشْعَرِيِّ (قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَحَاصِلُهُ) أَيْ كَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ (إثْبَاتُ قِدَمِ الْكَلَامِ وَالتَّوَقُّفُ فِيمَا سَيَظْهَرُ تَعَلُّقُهُ) أَيْ التَّنْجِيزِيِّ بِالْفِعْلِ (وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ كُلِّ نَافٍ لِلتَّعَلُّقِ) التَّنْجِيزِيِّ (قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ (بِهِ) أَيْ بِالْأَشْعَرِيِّ (كَمَا لَا وَجْهَ لِإِثْبَاتِهِمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ (تَعَلُّقَهُ) أَيْ الْحُكْمِ بِالْأَفْعَالِ (مَعَ فَرْضِ عَدَمِ عِلْمِهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ بِهِ (مَعَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَلَا يَعْلَمُهُ الْمُكَلَّفُونَ (لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِينَ بَلْ الثُّبُوتُ) فِي حَقِّهِمْ (مَعَ التَّعَلُّقِ) بِأَفْعَالِهِمْ التَّعَلُّقَ التَّنْجِيزَيَّ (وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّعَلُّقِ) لِأَنَّهَا إمَّا الْأَدَاءُ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ قَبْلَ الشَّرْعِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِتْيَانِ بِعَيْنِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي وَقْتِهِ وَذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ وَبِكَيْفِيَّتِهِ وَلَا عِلْمَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الشَّرْعِ وَإِمَّا تَرَتُّبُ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] (وَلَوْ قَالُوهُ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ الْوَقْفَ (كَالْأَشْعَرِيِّ كَانَ) ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ قَوْلًا (بِلَا دَلِيلٍ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِ لَفْظٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ (أَصْلًا) وَلَا نَفْسِيَّ عِنْدَهُمْ يَثْبُتُ بِهِ (بِخِلَافِ الْأَشْعَرِيِّ) فَإِنَّهُ قَائِلٌ بِأَنَّهُ (وَجَبَ ثُبُوتُ النَّفْسِيِّ أَوَّلًا) وَبِهِ كِفَايَةٌ إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ فَسَّرَ الْوَقْفَ بِعَدَمِ الْحُكْمِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُتِمَّ لَهُ هَذَا وَإِنَّمَا يُتِمُّ لِلْمُصَنِّفِ وَلِأُولَئِكَ الْبُخَارِيِّينَ

وَمَنْ عَسَاهُ وَافَقَهُمْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ عَدَمَ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَحِينَئِذٍ يَتِمُّ لَهُ أَيْضًا (وَأَمَّا الْخِلَافُ الْمَنْقُولُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَفْعَالِ الْإِبَاحَةُ أَوْ الْحَظْرُ فَقِيلَ) إنَّمَا هُوَ (بَعْدَ الشَّرْعِ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ أَيْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَالْحَقُّ أَنَّ ثُبُوتَ هَذَا الْخِلَافِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ السَّمْعِيَّ لَوْ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بَطَلَ قَوْلُهُمْ) أَيْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ (لَا عِلْمَ قَبْلَهَا) أَيْ الْبِعْثَةِ (فَإِنْ أَمْكَنَ فِي الْإِبَاحَةِ تَأْوِيلُهُ) أَيْ قَوْلِهِمْ لَا عِلْمَ قَبْلَهَا (بِأَنْ لَا مُؤَاخَذَةَ بِالْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فَمَعْلُومٌ مِنْ عَدَمِ التَّعَلُّقِ) فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ (ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى فِي قَوْلِ الْحَظْرِ) لِلْمُؤَاخَذَةِ فِيهِ عَلَى التَّرْكِ (وَلَوْ أَرَادُوا) أَنَّ بِمَحَلِّ الْخِلَافِ (حُكْمًا بِلَا تَعَلُّقٍ بِمَعْنَى قِدَمِ الْكَلَامِ لَمْ يُتَّجَهْ إذْ بِالتَّعَلُّقِ ظَهَرَ أَنْ لَيْسَ كُلُّ الْأَفْعَالِ مُبَاحَةً وَلَا مَحْظُورَةً فِي كَلَامِ النَّفْسِ لِأَنَّ اللَّفْظِيَّ دَلِيلُهُ) أَيْ النَّفْسِيِّ وَهُوَ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ بَلْ يُفِيدُ أَنَّ فِيهِمَا النَّوْعَيْنِ فَبَطَلَ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ (وَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ هَذَا عَلَى التَّنَزُّلِ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ جَيِّدٌ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافَ (أَقْوَالٌ مُقَرَّرَةٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَلَقَدْ اسْتَبْعَدَهُ) أَيْ قَوْلَهُمْ هَذَا، مُرَادًا بِالْإِبَاحَةِ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْفِعْلِ وَالتَّرْكِ (فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ: لَا نَقُولُ بِهَذَا لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُتْرَكُوا سُدًى) أَيْ مُهْمَلِينَ غَيْرَ مُكَلَّفِينَ (فِي شَيْءٍ مِنْ الزَّمَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] (وَإِنَّمَا هَذَا) أَيْ كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ (بِنَاءً عَلَى زَمَانِ الْفَتْرَةِ) الْوَاقِعَةِ بَيْنَ عِيسَى وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِاخْتِلَافِ الشَّرَائِعِ وَوُقُوعِ التَّحْرِيفَاتِ فَلَمْ يَبْقَ الِاعْتِقَادُ وَالْوُثُوقُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ فَظَهَرَتْ الْإِبَاحَةُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْعِقَابِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ مُحَرِّمٌ وَلَا مُبِيحٌ وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا الْكَلَامُ (تَقْيِيدُهُ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (ذَلِكَ) أَيْ كَوْنَ الْأَصْلِ الْإِبَاحَةُ (بِزَمَانِ عَدَمِ الْوُثُوقِ) الْمَذْكُورِ فَإِنْ قِيلَ كَمْ أُمَّةٍ فِي الْفَتْرَةِ وَلَمْ يَخْلُ فِيهَا نَذِيرٌ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ آثَارُ النِّذَارَةِ بَاقِيَةً لَمْ يَخْلُ مِنْ نَذِيرٍ إلَى أَنْ تَنْدَرِسَ وَحِينَ انْدَرَسَتْ آثَارُ نُبُوَّةِ عِيسَى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - هَذَا وَلَمْ يَقِفْ الْعَبْدُ عَلَى نَقْلِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ هَكَذَا بَلْ الْمَذْكُورُ فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي الْأَدِلَّةِ الْمُخْتَلِفِ فِيهَا الْمَقْبُولَةِ الْأَصْلُ فِي الْمَنَافِعِ الْإِبَاحَةُ وَفِي الْمَضَارِّ التَّحْرِيمُ فَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِمُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَمَّا قَبْلَ وُرُودِهِ فَالْمُخْتَارُ الْوَقْفُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ وَرُبَّمَا يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هِيَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا الْخِلَافُ الْمَنْقُولُ إلَخْ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ. ثُمَّ الَّذِي فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ الْأَمْوَالَ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِالْإِجْمَاعِ مَا لَمْ تَظْهَرْ عِلَّةُ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ أَبَاحَ الْأَمْوَالَ بِقَوْلِهِ {الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَالْأَنْفُسُ أَنْفُسُ الْآدَمِيِّينَ مَعَ الْأَطْرَافِ عَلَى الْحُرْمَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَهُمْ الْعِبَادَاتِ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِبَادَاتِ إلَّا بِالْعِصْمَةِ عَنْ الْإِتْلَافِ وَالْعِصْمَةُ عَنْ الْإِتْلَافِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِحُرْمَةِ الْإِتْلَافِ نَفْسًا وَأَطْرَافًا وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ جَائِزٌ وَفِي الْأَنْفُسِ لَا يَجُوزُ وَفِي الْأَبْضَاعِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَفِي الْأَطْرَافِ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ فَأَبُو حَنِيفَةَ أَلْحَقَ الْأَطْرَافَ بِالْأَمْوَالِ وَهُمَا أَتْبَعَا الْأَطْرَافَ أُصُولَهَا وَأَلْحَقَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَبْضَاعَ بِالْأَنْفُسِ وَهُمَا أَلْحَقَاهَا بِالْأَمْوَالِ اهـ. ثُمَّ هَذَا الْوَضْعُ أَوْلَى مِنْ الْوَضْعِ فِي الْمَنَافِعِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ اسْتِثْنَاءِ أَمْوَالِنَا وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَثْنَاهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنْ الْوَضْعِ فِي الْمَنَافِعِ وَيَبْقَى عَلَيْهِ اسْتِثْنَاءُ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ لَا تَمْنَعُ اخْتِصَاصَ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ النَّافِعَةِ بِبَعْضِ الْأَنَاسِيَّ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ لِلْكُلِّ لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُمَّ هَذَا (تَنْبِيهٌ بَعْدَ إثْبَاتِ الْحَنَفِيَّةِ اتِّصَافَ الْأَفْعَالِ) بِكُلٍّ مِنْ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (لِذَاتِهَا) أَيْ لِمَعْنًى ثَبَتَ فِي ذَاتِ الْأَفْعَالِ سَوَاءٌ كَانَ لَعَيْنِهَا أَوْ لِجُزْئِهَا (وَغَيْرِهَا) أَيْ وَلِمَعْنًى ثَبَتَ فِي غَيْرِ ذَاتِهَا (ضَبَطُوا مُتَعَلِّقَاتِ أَوَامِرِ الشَّرْعِ مِنْهَا) أَيْ الْأَفْعَالِ فِي أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (بِالِاسْتِقْرَاءِ فِيمَا حَسُنَ لِنَفْسِهِ حَسَنًا لَا يَقْبَلُ

السُّقُوطَ كَالْإِيمَانِ) أَيْ التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ مَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (فَلَمْ يَسْقُطْ) وُجُوبُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى عَنْ الْمُكَلَّفِ بِحَالٍ حَتَّى (وَلَا بِالْإِكْرَاهِ) عَلَى تَبْدِيلِهِ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ (أَوْ يَقْبَلُهُ) وَالْأَحْسَنُ وَيَقْبَلُهُ أَيْ وَفِيمَا حَسُنَ لِنَفْسِهِ حُسْنًا يَقْبَلُ السُّقُوطَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ (كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ دَالَّةٍ عَلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ أَوَّلَهَا الطَّهَارَةُ سِرًّا وَجَهْرًا ثُمَّ جَمْعُ الْهِمَّةِ وَإِخْلَاءُ السِّرِّ وَالِانْصِرَافُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْقَصْدِ إلَيْهِ وَهُوَ النِّيَّةُ ثُمَّ الْإِشَارَةُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ إلَى تَحْقِيقِ الِانْصِرَافِ بِنَبْذِ مَا سِوَاهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ أَوْ إلَى نَفْيِ الْكِبْرِيَاءِ عَمَّا سِوَاهُ ثُمَّ أَوَّلُ أَذْكَارِهَا التَّكْبِيرُ وَهُوَ النِّهَايَةُ فِي التَّعْظِيمِ الْقَوْلِيِّ وَأَوَّلُ ثَنَائِهَا ثَنَاءٌ لَا يَشُوبُهُ ذِكْرُ مَا سِوَاهُ ثُمَّ الْقِيَامُ مَعَ وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ صَارِفًا نَظَرَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ تَعْظِيمٌ ظَاهِرٌ ثُمَّ إعْقَابُهُ بِالرُّكُوعِ زِيَادَةٌ فِي التَّعْظِيمِ ثُمَّ إلْحَاقُ السُّجُودِ بِهِ بِوَضْعِ أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ عَلَى التُّرَابِ نِهَايَةٌ فِي التَّعْظِيمِ الْفِعْلِيِّ ثُمَّ مَا فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ تَعْظِيمٌ فِي تَعْظِيمٍ وَتَعْظِيمُ اللَّهِ حَسَنٌ فِي ذَاتِهِ إلَّا أَنَّهَا (مُنِعَتْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ) أَيْ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ لِمَا عُرِفَ ثَمَّةَ مِنْ الدَّلِيلِ الْمَانِعِ مِنْهَا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ مِنْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ وَسَقَطَتْ أَصْلًا بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إجْمَاعًا وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالْوَجْهُ إنْ كَانَ) حُسْنُ الْأَفْعَالِ (لِذَاتِهَا لَا يَتَخَلَّفُ) عَنْهَا أَصْلًا لِأَنَّ مَا بِالذَّاتِ لَا يُفَارِقُهَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً (فَحُرْمَتُهَا) أَيْ الْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ لِذَاتِهَا حَيْثُ تَكُونُ إنَّمَا تَكُونُ (لِعُرُوضِ قُبْحٍ بِخَارِجٍ) عَنْ ذَاتِهَا مُتَلَبِّسٍ بِهَا فَعَلَى هَذَا حُسْنُ الصَّلَاةِ إذْ كَانَ ذَاتِيًّا لَا يَسْقُطُ أَصْلًا حَتَّى وَلَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَإِنَّمَا مُنِعَتْ فِي الثَّلَاثَةِ مِنْهَا لِعُرُوضِ شَبَهِ فَاعِلِهَا بِالْكُفَّارِ فِي السُّجُودِ لِلشَّمْسِ كَمَا نَبَّهَتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَفِي غَيْرِهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ وَكَوْنِ ذَلِكَ الْقُبْحُ الْعَارِضُ يَرْبُو عِنْدَ الشَّارِعِ دَفْعُ حُصُولِهِ عَلَى حُصُولِ الْحُسْنِ الذَّاتِيِّ لَهَا وَقْتَئِذٍ وَلَا بِدَعْ فِي ذَلِكَ (وَمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهِ) أَيْ بِالْحُسْنِ لِنَفْسِهِ (مَا لِغَيْرِهِ) وَالْوَجْهُ مِمَّا لِغَيْرِهِ أَيْ حَسَنٌ لِغَيْرِ ذَاتِهِ حَالَ كَوْنِ الْغَيْرِ (بِخَلْقِهِ تَعَالَى لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ فِيهِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ) فَإِنَّ حُسْنَهَا (لِسَدِّ الْخَلَّةِ) أَيْ دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالْوَجْهُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ فَإِنَّهَا الْكَائِنَةُ لِلْعَبْدِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ عَلَيْهَا بِدُونِ اخْتِيَارٍ لِلْعَبْدِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ دَفْعِهَا فَإِنَّهُ لِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ فِيهِ دَخْلٌ (وَقَهْرُ عَدُوِّهِ تَعَالَى) وَهُوَ النَّفْسُ الْأَمَارَةُ بِالسُّوءِ بِكَفِّهَا عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا وَالْوَجْهُ وَلِلشَّهْوَةِ لِأَنَّهَا الثَّابِتَةُ لِلْعَبْدِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ عَلَيْهَا بِلَا اخْتِيَارٍ لِلْعَبْدِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ قَهْرِهَا فَإِنَّهُ مِمَّا لِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ فِيهِ دَخْلٌ (وَشَرَفُ الْمَكَانِ) أَيْ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ بِزِيَارَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ كَمَا فِي الْحَجِّ فَإِنَّ شَرَفَهُ بِتَشْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ فِيهِ إذْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا حَسَنَةٌ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ وَإِلَّا فَتَنْقِيصُ الْمَالِ وَكَفُّ مَمْلُوكِ اللَّهِ عَنْ نِعَمِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ وَقَطْعُ مَسَافَةٍ مَدِيدَةٍ وَزِيَارَةِ أَمْكِنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَيْسَتْ بِحَسَنَةٍ فِي ذَاتِهَا ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْوَسَائِطُ عَلَى مَا حَرَّرْنَاهُ كَانَتْ مُضَافَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا فِي حَقِّ الْعَبْدِ حُكْمًا فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ حَسَنَةً خَالِصَةً مِنْ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا لِلْعَبْدِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَالصَّلَاةِ وَمِنْ ثَمَّةَ شُرِطَتْ فِيهَا الْأَهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ كَالصَّلَاةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الزَّكَاةِ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ ثُمَّ هَذَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَذَهَبَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إلَى أَنَّ الْغَيْرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَقَهْرُ النَّفْسِ وَزِيَارَةُ الْبَيْتِ لَكِنَّ الْفَقِيرَ وَالْبَيْتَ لَا يَسْتَحِقَّانِ هَذِهِ الْعِبَادَةَ. وَالنَّفْسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَحْسُنُ قَهْرُهَا فَارْتَفَعَ الْوَسَائِطُ فَصَارَتْ تَعَبُّدًا مَحْضًا لِلَّهِ تَعَالَى وَدُفِعَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ لِلْعَبْدِ فِي الْخَارِجِ هِيَ الزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ لَا شَيْءٌ آخَرُ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ وَسَائِطَ لِانْتِفَاءِ التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ وَتَعَقَّبَهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ نَفْسَ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَتَعَقَّبَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا إذْ الْوَاسِطَةُ مَا يَكُونُ حُسْنُ الْفِعْلِ لِأَجْلِ حُسْنِهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ

نَفْسَ الْحَاجَةِ وَالشَّهْوَةِ لَيْسَتْ ذَلِكَ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْفِعْلِ حَسَنًا لِأَجْلِ وَاسِطَةٍ أَنْ تَكُونَ الْوَاسِطَةُ حَسَنَةً وَنَظِيرُهُ الْكَلَامُ مُتَّصِفٌ بِالْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ بِوَاسِطَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ مُتَّصِفًا بِهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَ (مَا) حَسُنَ (لِغَيْرِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُلْحَقٍ) بِمَا حَسُنَ لِنَفْسِهِ (كَالْجِهَادِ وَالْحَدِّ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ) فَإِنَّ حُسْنَهَا (بِوَاسِطَةِ الْكُفْرِ) أَيْ كُفْرِ الْكَافِرِ كَمَا فِي الْجِهَادِ لِأَنَّ فِيهِ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ وَكَبْتَ أَعْدَائِهِ (وَالزَّجْرَ) لِلْجَانِي عَنْ الْمَعَاصِي كَمَا فِي الْحَدِّ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِهَذَا الْمَعْنَى (وَالْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ غَيْرُ الْبَاغِي) وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ أَيْضًا أَيْ وَإِسْلَامُ الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا شُرِعَتْ لِقَضَاءِ حَقِّهِ وَلِهَذَا لَوْ انْتَفَى الْكُفْرُ انْتَفَى الْجِهَادُ أَوْ الْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ انْتَفَى الْحَدُّ أَوْ إسْلَامُ الْمَيِّتِ أَوْ قَضَاءُ حَقِّهِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ انْتَفَتْ شَرْعِيَّتُهَا وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ تَخْرِيبِ بِلَادِ اللَّهِ وَقَتْلِ عِبَادِ اللَّهِ وَإِيلَامِهِمْ وَتَعْذِيبِهِمْ وَالصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ بِدُونِ الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِحَسَنٍ فِي ذَاتِهِ وَإِنَّمَا (اُعْتُبِرَتْ الْوَسَائِطُ) فِي هَذَا الْقِسْمِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْوَسَائِطَ (بِاخْتِيَارِهِ) أَيْ الْعَبْدِ الْمُتَّصِفِ بِهَا فَلَمْ تُضَفْ إلَيْهِ تَعَالَى هَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَأَشَارَ فِي التَّلْوِيحِ إلَى تَعَقُّبِهِ بِمِثْلِ التَّعَقُّبِ عَلَيْهِمْ فِيمَا قَبْلَهُ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ وَذَهَبَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إلَى أَنَّ الْوَاسِطَةَ فِي الْجِهَادِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا يَتَأَدَّى بِعَيْنِهِمَا كَانَا شَبِيهَيْنِ بِالْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْجِهَادِ الْقَتْلُ وَالضَّرْبُ وَأَمْثَالُهُمَا وَهَذَا لَيْسَ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ فِي الْخَارِجِ صَارَ إعْلَاؤُهَا كَالسَّقْيِ فِي الْمَفْهُومِ هُوَ غَيْرُ الْإِرْوَاءِ وَلَكِنْ فِي الْخَارِجِ هُوَ عَيْنُهُ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِي الْبَاقِي قِيلَ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هُنَا ثَلَاثَةَ أُمُورٍ الْمَأْمُورُ بِهِ وَهُوَ الْجِهَادُ وَنَحْوُهُ وَالْمَقْصُودُ الَّذِي يَتَأَدَّى بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ وَالسَّبَبُ الْمُفْضِي إلَيْهِ الْمُوجِبُ لَهُ وَهُوَ كُفْرُ الْكَافِرِ وَإِسْلَامُ الْمَيِّتِ أَمَّا كَوْنُ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ مَقْصُودًا مِنْ الْجِهَادِ فَلِأَنَّ الْجِهَادَ فِي نَفْسِهِ تَخْرِيبُ بُنْيَانِ الرَّبِّ وَبِلَادِهِ فَلَا جِهَةَ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ وَكَذَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِلَا مَيِّتٍ عَبَثٌ وَالْمَعَانِي الْمَقْصُودَةُ مِنْ هَذِهِ الْمَأْمُورَاتِ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُغَايِرَةً لَهَا مَفْهُومًا هِيَ عَيْنُهَا خَارِجًا لِأَنَّ بِنَفْسِ الْقَتْلِ وَالصَّلَاةِ فِي الْخَارِجِ يَحْصُلُ الْإِعْلَاءُ وَقَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ وَأَمَّا كَوْنُ كُفْرِ الْكَافِرِ وَإِسْلَامِ الْمَيِّتِ سَبَبًا لِلْمَقْصُودِ فَلِشَرْعِيَّةِ الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ لِلْإِعْلَاءِ وَقَضَاءِ حَقِّ الْمَيِّتِ وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا جَعَلُوا كُفْرَ الْكَافِرِ وَنَحْوَهُ وَاسِطَةً لِحُسْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ قُلْت وَيَتَلَخَّصُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ السَّبَبُ الْمُفْضِي لِوُجُوبِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَالْغَرَضُ الْمُرَتَّبُ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ وَيَبْقَى الشَّأْنُ فِي أَيِّهِمَا أَرْجَحُ فِي الِاعْتِبَارِ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَلَعَلَّ الثَّانِي أَرْجَحُ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْغَيْرَ السَّبَبَ إلَّا مَعَ مُلَاحَظَةِ تَرَتُّبِ الْغَرَضِ عَلَى مُسَبِّبِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَتَقَدَّمَ أَقْسَامُ مُتَعَلِّقَاتِ النَّهْيِ) مَا بَيْنَ حِسِّيٍّ وَشَرْعِيٍّ وَبَيَانِ الْمُتَّصِفِ مِنْهَا بِالْقُبْحِ لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي تَنْبِيهٍ فِي ذَيْلِ النَّهْيِ (وَكُلُّهَا) أَيْ مُتَعَلِّقَاتِ أَوَامِرِ الشَّرْعِ وَنَهْيِهِ (يَلْزَمُهُ حُسْنُ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ) لِأَنَّ تَكْلِيفَ الْعَاجِزِ قَبِيحٌ فَلَا يُجْعَلُ مِنْ أَقْسَامِ حُسْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ خَاصَّةً كَمَا فَعَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا مَعَ بَيَانِ انْقِسَامِهَا إلَى مُمْكِنَةٍ وَمُيَسَّرَةٍ عِنْدَ مَشَايِخِنَا فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ ثُمَّ بَقِيَ هُنَا أُمُورٌ يَحْسُنُ التَّنَبُّهُ لَهَا الْأَوَّلُ إنَّ جَعْلَ الْمُصَنِّفِ الْقِسْمَ الثَّالِثَ مَا هُوَ مُلْحَقٌ بِالْحُسْنِ لِنَفْسِهِ وَحُسْنِهِ لِغَيْرِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ إنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ لَكِنَّهُ مُشَابِهٌ بِمَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَمِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْبَدِيعِ إنَّهُ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ وَمِمَّا يُوَافِقُ صَنِيعَ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ الْحَسَنَ لِنَفْسِهِ وَمِنْ هُنَا يُعْرَفُ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى بِالْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَفِيمَا لِغَيْرِهِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ فِيهِ مُلْحَقًا بِمَا لِنَفْسِهِ. الثَّانِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَغْفَلَ قِسْمًا يَكُونُ خَامِسًا لِهَذِهِ وَهُوَ مَا حَسُنَ لِغَيْرِهِ غَيْرِ مُلْحَقٍ بِالْحَسَنِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَتَأَدَّى الْغَيْرُ بِهِ كَالْوُضُوءِ وَالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ فَإِنَّ ذَاتَيْهِمَا اللَّتَيْنِ هُمَا الْغُسْلُ وَالْمَسْحُ لِأَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ وَنَفْلُ الْأَقْدَامِ لَيْسَتَا بِحَسَنَتَيْنِ وَإِنَّمَا حُسْنُهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِمَا إلَى

الصَّلَاةِ وَيُتَمَكَّنُ مِنْهَا بِهِمَا وَهِيَ فِعْلُ مَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ لَا يَتَأَدَّى بِهِمَا وَلَا بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْجِهَادِ وَمَا مَعَهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ غَيْرَ مُلْحَقٍ بِالْحَسَنِ لِنَفْسِهِ فَالْغَيْرُ الَّذِي هُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ فِي الْجِهَادِ مُتَأَدِّيًا بِالْجِهَادِ وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ ذَكَرَهَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَوَافَقَهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَيْهَا وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ وَالْمَعْنَى فِي وَضْعِهِ كَالصَّلَاةِ وَحَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ وَالْمَعْنَى مُتَّصِلٌ بِوَضْعِهِ بِوَاسِطَةٍ كَالزَّكَاةِ وَحَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَيَحْصُلُ الْمَعْنَى بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ نَحْوُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا مَعَهَا وَحَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَيَحْصُلُ بَعْدَهُ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ كَالْوُضُوءِ وَالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ وَوَافَقَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ لَكِنَّ هَكَذَا حَسَنٌ لَعَيْنِهِ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَحَسَنٌ لَعَيْنِهِ قَدْ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَالصَّلَاةِ وَحَسَنٌ لِغَيْرِهِ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَا لِأَجْلِهِ كَانَ حَسَنًا كَالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ وَالْوُضُوءِ وَحَسَنٌ لِغَيْرِهِ يَتَحَقَّقُ بِوُجُودِهِ مَا لِأَجْلِهِ كَانَ حَسَنًا كَالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا مَعَهَا فَالْأَكْمَلُ فِي اسْتِيفَاءِ الْأَقْسَامِ مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ كَمَا حَقَّقْنَاهُ. الثَّالِثُ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ثُمَّ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْحَسَنِ لَعَيْنِهِ أَوْ غَيْرِهِ يَقْتَضِي كَوْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ حَسَنًا لَعَيْنِهِ حَسَنًا لَا يَقْبَلُ السُّقُوطَ وَفِي الْبَدِيعِ وَقِيلَ بَلْ الْحَسَنُ لِغَيْرِهِ لِثُبُوتِ الْحَسَنِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ اقْتِضَاءً وَهُوَ ضَرُورِيٌّ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْأَدْنَى الرَّابِعُ أَنَّ مَا حَسُنَ لَعَيْنِهِ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ إسْقَاطٍ مِنْ الشَّارِعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ وَمَا حَسُنَ لِغَيْرِهِ يَسْقُطُ بِحُصُولِ مَا قَصَدَ بِهِ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ أَوْ لَا وَبِسُقُوطِ مَا قَصَدَ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَقَسَّمُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (مُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ عِبَادَاتٍ أَوْ عُقُوبَاتٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (إلَى حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ) قَالُوا: وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّفْعُ الْعَامُّ لِلْعَالَمِ مِنْ غَيْرِ اخْتِصَاصٍ بِأَحَدٍ نُسِبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِعَظَمِ خَطَرِهِ وَشُمُولِ نَفْعِهِ وَلِئَلَّا يَخْتَصَّ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ كَحُرْمَةِ الْبَيْتِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ مَصْلَحَةُ الْعَالَمِ بِاِتِّخَاذِهِ قِبْلَةً لِصَلَوَاتِهِمْ وَمَثَابَةً لِاعْتِذَارِ إجْرَامِهِمْ وَحُرْمَةِ الزِّنَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ عُمُومِ النَّفْعِ فِي سَلَامَةِ الْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَصِيَانَةِ الْأَوْلَادِ مِنْ الضَّيَاعِ وَارْتِفَاعِ السَّيْفِ بَيْنَ الْعَشَائِرِ بِسَبَبِ التَّنَازُعِ بَيْنَ الزُّنَاةِ وَإِلَّا فَبِاعْتِبَارِ التَّخْلِيقِ الْكُلُّ سَوَاءٌ فِي الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَبِاعْتِبَارِ التَّضَرُّرِ أَوْ الِانْتِفَاعِ هُوَ مُتَعَالٍ عَنْ الْكُلِّ قَالَ الْقَاآنِيُّ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ يَعْنِي بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَكُونُ الْمُسْتَحَقُّ هُوَ اللَّهُ حَتَّى لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (وَالْعَبْدُ كَذَلِكَ) أَيْ وَإِلَى حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى الْخُصُوصِ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ خَاصَّةٌ كَحُرْمَةِ مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّهَا حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى الْخُصُوصِ لِتَعَلُّقِ صِيَانَةِ مَالِهِ بِهَا وَلِهَذَا يُبَاحُ مَالُ الْغَيْرِ بِإِبَاحَةِ مَالِكِهِ وَلَا يُبَاحُ الزِّنَا بِإِبَاحَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا بِإِبَاحَةِ أَهْلِهَا وَأَوْرَدَ حُرْمَةَ مَالِ الْغَيْرِ أَيْضًا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّفْعُ الْعَامُّ وَهُوَ صِيَانَةُ أَمْوَالِ النَّاسِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ أَجْمَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا بِالِاسْتِيلَاءِ وَنَحْنُ نَمْلِكُ أَمْوَالَهُمْ بِذَلِكَ وَأَمْوَالُ الْمُؤْمِنِينَ تُبَاحُ لَنَا عِنْدَ وُجُودِ الرِّضَا مِنْهُمْ (وَمَا اجْتَمَعَا) أَيْ الْحَقَّانِ فِيهِ (وَحَقُّهُ) تَعَالَى (غَالِبٌ وَقَلَبَهُ) أَيْ وَمَا اجْتَمَعَا فِيهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ (وَلَمْ يُوجَدْ الِاسْتِقْرَاءُ مُتَسَاوِيَيْنِ) أَيْ مَا اجْتَمَعَا فِيهِ وَالْحَقَّانِ فِيهِ سَوَاءٌ ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَعْنَى الْحَقِّ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَيْضًا (فَالْأَوَّلُ) أَيْ مَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُصُوصِ (أَقْسَامٌ) ثَمَانِيَةٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ (عِبَادَاتٌ مَحْضَةٌ كَالْإِيمَانِ وَالْأَرْكَانِ) الْأَرْبَعَةِ لِلْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَهِيَ الصَّلَاةُ ثُمَّ الزَّكَاةُ ثُمَّ الصِّيَامُ ثُمَّ الْحَجُّ (ثُمَّ الْعُمْرَةُ وَالْجِهَادُ وَالِاعْتِكَافُ وَتَرْتِيبُهَا) أَيْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ (فِي الْأَشْرَفِيَّةِ هَكَذَا) أَيْ الْإِيمَانِ إذْ هُوَ أَفْضَلُهَا قَطْعًا وَكَيْفَ لَا وَهُوَ أَصْلُهَا وَلَا صِحَّةَ لَهَا بِدُونِهِ ثُمَّ الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا تَالِيَةُ الْإِيمَانِ وَسَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى إيمَانًا حَيْثُ قَالَ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهَا إظْهَارُ شُكْرِ نِعْمَةِ الْبَدَنِ ثُمَّ الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا تَالِيَةُ الصَّلَاةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفِيهَا إظْهَارُ شُكْرِ

نِعْمَةِ الْمَالِ الَّذِي هُوَ شَقِيقُ الرُّوحِ ثُمَّ الصَّوْمُ قَالُوا: لِأَنَّهُ شُرِعَ رِيَاضَةً وَقَهْرًا لِلنَّفْسِ بِكَفِّهَا عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ فَإِنَّ النَّفْسَ بِقَهْرِهَا وَرِيَاضَتِهَا تَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ فَكَانَ قُرْبَةً بِوَاسِطَةِ النَّفْسِ وَهِيَ دُونَ الْوَاسِطَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فِي الْمَنْزِلَةِ لِأَنَّ الْوَاسِطَةَ فِي الصَّلَاةِ الْكَعْبَةُ الْمُعَظَّمَةُ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا عِنْدَ الْعُذْرِ لَا غَيْرَ وَفِي الزَّكَاةِ الْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ ضَرْبُ اسْتِحْقَاقٍ فِي الصَّرْفِ إلَيْهِ فَكَانَ دُونَهُمَا فِي الْمَرْتَبَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضَعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا الصِّيَامُ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «كُلُّ عَمَلِ بْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامُ فَإِنَّهُ لِي» وَمِنْ هُنَا ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ إلَّا أَنَّهُ يَطْرُقُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ الْمَفْضُولُ بِمَا لَيْسَ لِلْفَاضِلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَفِرُّ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُمَا ثُمَّ الْحَجُّ قَالُوا: لِأَنَّهُ عِبَادَةُ هِجْرَةٍ وَسَفَرٍ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِأَفْعَالٍ يَقُومُ بِهَا بِبِقَاعٍ مُعَظَّمَةٍ وَكَأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الصَّوْمِ لِأَنَّ بِمَا فِيهِ مِنْ هَجْرِ الْوَطَنِ وَمُفَارَقَةِ الْخِلَّانِ وَالسَّكَنِ تَنْقَطِعُ عَنْهُ مُرَادُ الشَّهَوَاتِ وَتَضْعُفُ نَفْسُهُ فَيَتَيَسَّرَ لَهُ قَهْرُهَا بِالصَّوْمِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ ذَهَبَ الْقَاضِي حُسَيْنُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ وَأَيْضًا دُعِينَا إلَيْهِ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ وَأَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ كَالْإِيمَانِ وَهُوَ أَفْضَلُ فَكَذَا الْحَجُّ الَّذِي هُوَ قَرِينُهُ وَفِيهِ مَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُحَقِّقِ عَلَى أَنَّ فِي الْكَشَّافِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يُفَاضِلُ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ فَلَمَّا حَجَّ فَضَّلَ الْحَجَّ عَلَى الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا لِمَا شَاهَدَ مِنْ تِلْكَ الْخَصَائِصِ (قَالُوا: وَقُدِّمَتْ الْعُمْرَةُ وَهِيَ سُنَّةٌ عَلَى الْجِهَادِ) وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ فَرْضُ عَيْنٍ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِإِعْلَاءِ الدِّينِ وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ثُمَّ صَارَ فَرْضَ كِفَايَةٍ لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ كَسْرُ شَوْكَةِ الْمُشْرِكِينَ وَدَفْعُ أَذَاهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ يَحْصُلُ بِالْبَعْضِ (لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الْحَجِّ) وَأَفْعَالِهَا مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِهِ (وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهِ لِتَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُقْتَضٍ لِذَلِكَ وَلَعَلَّ لِهَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ بَعْدَ الْحَجِّ وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَصْلًا ثُمَّ الْجِهَادُ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَانَ دُونَ مَا سَبَقَ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ دُونَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ» وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْلَمَ قَلْبُكَ وَأَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ قَالَ: فَأَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ قَالَ: وَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، قَالَ: فَأَيُّ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْهِجْرَةُ قَالَ: وَمَا الْهِجْرَةُ؟ قَالَ: أَنْ تَهْجُرَ السُّوءَ قَالَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْجِهَادُ قَالَ: وَمَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: أَنْ تُقَاتِلَ الْكُفَّارَ إذَا لَقِيتَهُمْ قَالَ: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَمَلَانِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إلَّا مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِهِمَا حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ أَوْ عُمْرَةٌ مَبْرُورَةٌ» وَمِنْ هُنَا ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا تَارَةً بِأَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ تَأَخَّرَ إلَى السَّنَةِ التَّاسِعَةِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَانَ الْجِهَادُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَرْضَ عَيْنٍ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَذَا قَبْلَ فَرْضِ الْحَجِّ وَلَا إشْكَالَ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْجِهَادِ الْمَفْرُوضِ عَيْنًا عَلَى الْحَجِّ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ وَتَارَةً بِأَنَّ جِنْسَ الْجِهَادِ أَشْرَفُ مِنْ جِنْسِ الْحَجِّ فَإِنْ عَرَضَ لِلْحَجِّ وَصْفٌ يَمْتَازُ بِهِ عَلَى الْجِهَادِ صَارَ ذَلِكَ الْحَجُّ الْمَخْصُوصُ أَفْضَلَ مِنْ الْجِهَادِ وَإِلَّا فَالْجِهَادُ أَفْضَلُ وَيَشْهَدُ لِصَدْرِ هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا شَحُبَ وَجْهٌ وَلَا اغْبَرَّتْ قَدَمٌ فِي عَمَلٍ يُبْتَغَى فِيهِ دَرَجَاتُ الْآخِرَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ كَجِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَمِنْ هُنَا وَمِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ اهـ أَيْ: عَلَى الْأَعْيَانِ وَحِينَئِذٍ فَيُوَافِقُهُ مَا فِي قَوَاعِدِ الْقَرَافِيُّ قَالَ مَالِكٌ: الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ لِأَنَّ الْغَزْوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْحَجَّ فَرْضُ عَيْنٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكْثِرُ الْحَجَّ وَلَا يَحْضُرُ الْغَزْوَ اهـ وَيُشْكِلُ عَجْزَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«حَجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ خَيْرٌ مِنْ عَشْرِ غَزَوَاتٍ وَغَزْوَةٌ لِمَنْ قَدْ حَجَّ خَيْرٌ مِنْ عَشَرِ حِجَجٍ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ مَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَفْضَلِيَّةِ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخُبْزَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْجَائِعِ وَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِلْعَطْشَانِ فَإِنْ اجْتَمَعَا نُظِرَ إلَى الْأَغْلَبِ فَتَصَدُّقُ الْغَنِيِّ الشَّدِيدِ الْبُخْلِ بِدِرْهَمٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ حُبِّ الدُّنْيَا وَالصَّوْمُ لِمَنْ اسْتَحْوَذَتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ الْأَكْلِ أَفْضَلُ وَلَا مَا قَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمٍ فَإِنَّ صَوْمَ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِكْثَارَ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَقْتَصِرَ مِنْ الْآخَرِ عَلَى الْمُتَأَكِّدِ فَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ اهـ ثُمَّ بَعْد هَذَا كُلِّهِ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْفَرْضَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ أَفْضَلُ مِنْ نَفْلِهِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الْمَنْدُوبَ قَدْ يَفْضُلُ الْوَاجِبَ كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فَأَخْرَجَهَا وَتَطَوَّعَ بِشَاتَيْنِ فَإِنَّ الشَّاتَيْنِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْحَاصِلَةَ لِلْفُقَرَاءِ بِالشَّاتَيْنِ أَوْسَعُ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَكَيْفَ لَا وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى «وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْت عَلَيْهِ» وَمَا رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ يَفْضُلُ الْمَنْدُوبَ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً يَنْفِيهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ» مَعَ أَنَّ التَّوْسِعَةَ بِالْأَلْفِ أَعْظَمُ مِنْهَا بِالْوَاحِدِ وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي فَرْضِ كُلِّ جِنْسٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرَائِضِ مِنْ بَاقِي الْأَجْنَاسِ وَلِلْبَاحِثِ الْمُحَقِّقِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ فَوْقَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. ثُمَّ الِاعْتِكَافِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَشُرِعَ لِتَكْثِيرِ الصَّلَاةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِانْتِظَارِهَا فِي مَكَانِهَا وَهُوَ الْمَسَاجِدُ عَلَى صِفَةِ الِاسْتِعْدَادِ لَهَا مِنْ الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ الْمُنْتَظِرَ لَهَا فِيهَا حُكْمًا وَلِذَا اخْتَصَّ بِالْمَسَاجِدِ وَشَوَاهِدُهُ مِنْ السُّنَّةِ مَسْطُورَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا فَكَانَ دُونَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَرْتَبَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُمْ فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ يُشْكِلُ بِتَعْلِيلِهِمْ تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْجِهَادِ بِكَوْنِهَا مِنْ تَوَابِعِ الْحَجِّ لَوْ صَحَّ كَوْنُهَا مِنْ تَوَابِعِهِ ثُمَّ هَذَا مِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ مِنْ تَوَابِعِ الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَلْبَتَّةَ كَوْنُهُ أَفْضَلُ مِمَّا الْمَتْبُوعُ أَفْضَلُ مِنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ (وَعِبَادَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ) وَهِيَ فَعُولَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ مَأَنْت الْقَوْمَ أَمَأْنَهُمْ إذَا احْتَمَلْت ثِقَلَهُمْ أَوْ مِنْ أَتَانِي فُلَانٌ وَمَا مَأَنْت لَهُ مَأْنًا إذَا لَمْ تَسْتَعِدْ لَهُ وَقِيلَ مُفْعَلَةٌ مِنْ الْأَوْنِ وَهُوَ أَحَدُ جَانِبَيْ الْخُرْجِ لِأَنَّهُ ثِقَلٌ أَوْ مِنْ الْأَيْنِ وَهُوَ التَّعَبُ وَالشِّدَّةُ وَهَذِهِ الْعِبَادَةُ (صَدَقَةُ الْفِطْرِ) وَكَوْنُهَا عِبَادَةً ظَاهِرٌ مِنْ كَوْنِهَا شَرْعًا صَدَقَةً وَطُهْرَةً لِلصَّائِمِ عَنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَمِنْ اعْتِبَارِ صِفَةِ الْغِنَى فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْأَدَاءِ وَوُجُوبِ صَرْفِهَا فِي مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَكَوْنِهَا فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ (إذْ وَجَبَتْ) عَلَى الْمُكَلَّفِ (بِسَبَبِ غَيْرِهِ) وَهُوَ مَنْ يَلِيهِ وَيُمَوِّنُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ» (فَلَمْ يَشْرُطْ لَهَا كَمَالَ الْأَهْلِيَّةِ) كَمَا شَرَطَ لِلْعِبَادَاتِ الْخَالِصَةِ لِقُصُورِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا (فَوَجَبَتْ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) الْغَنِيَّيْنِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا وَرَقِيقِهِمَا يَتَوَلَّى أَدَاءَهَا الْأَبُ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ وَصِيٌّ نَصَّبَهُ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ) وَهُوَ الْقِيَاسُ لِسُقُوطِ الْخِطَابِ عَنْهُمَا يُرَجِّحَانِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ الْوُجُوبَ إلْحَاقًا لَهَا بِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ بِنَفَقَةِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُمَا فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِمَا إذَا كَانَا غَنِيَّيْنِ بِاتِّفَاقِهِمْ لَكِنْ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ ثُمَّ تِلْمِيذُهُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ كَلَامُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَوْضَحُ ثُمَّ ظَهَرَ وَجْهُ كَوْنِهَا عِبَادَةً فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ دُونَ الْعَكْسِ وَهَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي (وَمُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ كَالْعُشْرِ إذْ الْمُؤْنَةُ مَا بِهِ بَقَاءُ الشَّيْءِ وَبَقَاءُ الْأَرْضِ فِي أَيْدِينَا بِهِ) أَيْ بِالْعُشْرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِبَقَاءِ الْعَالَمِ إلَى الْوَقْتِ الْمَوْعُودِ وَهُوَ

بِبَقَاءِ الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الْقُوتِ وَغَيْرِهِ لِمَنْ عَلَيْهَا فَوَجَبَتْ عِمَارَتُهَا وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا كَمَا وَجَبَ عَلَى الْمُلَّاكِ نَفَقَةُ عَبِيدِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَبَقَاؤُهَا وَبَقَاءُ إنْزَالِهَا إنَّمَا هُوَ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ الْحَافِظُونَ لَهَا إمَّا مِنْ حَيْثُ الدُّعَاءُ وَهُمْ ضُعَفَاؤُهُمْ الْمُحْتَاجُونَ فَإِنَّ بِهِمْ يُسْتَنْزَلُ النَّصْرُ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَيُسْتَمْطَرُ فِي السَّنَةِ الشَّهْبَاءِ وَإِمَّا مِنْ حَيْثُ الذَّبُّ بِالشَّوْكَةِ عَنْ الدَّارِ وَغَوَائِلِ الْكُفَّارِ وَهُمْ الْمُقَاتِلَةُ فَوَجَبَ فِي بَعْضِهَا الْعُشْرُ نَفَقَةً لِلْأَوَّلِينَ وَفِي بَعْضِهَا الْخَرَاجُ نَفَقَةً لِلْآخَرِينَ وَجُعِلَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا نَفَقَةً عَلَيْهَا تَقْدِيرًا ثُمَّ فِي الْخَرَاجِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ كَمَا سَيَذْكُرُ وَفِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْعِبَادَةِ) فِيهِ (لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الْعُشْرِ (بِالنَّمَاءِ) الْحَقِيقِيِّ لَهَا وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْهَا كَتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ أَوْ لِأَنَّ مَصْرِفَهُ الْفُقَرَاءُ كَمَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَهَذَا أَشْبَهُ (وَإِذْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْأَصْلَ) وَالنَّمَاءُ وَصْفًا تَابِعًا لَهَا (كَانَتْ الْمُؤْنَةُ غَالِبَةً وَلِلْعِبَادَةِ) فِيهِ (لَا يُبْتَدَأُ الْكَافِرُ بِهِ) لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِي الْقُرْبَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ فِي الْعُشْرِ ضَرْبُ كَرَامَةٍ وَالْكُفْرُ مَانِعٌ مِنْهُ مَعَ إمْكَانِ الْخَرَاجِ (وَلَا يَبْقَى) الْعُشْرُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْكَافِرِ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْبَقَاءِ) لِلْعُشْرِ عَلَيْهِ (إلْحَاقًا) لِلْعُشْرِ (بِالْخَرَاجِ) فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً بِالْإِجْمَاعِ (بِجَامِعِ الْمُؤْنَةِ) فِيهِمَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ مُؤَنِ الْأَرْضِ وَالْكَافِرُ أَهْلٌ لِلْمُؤْنَةِ (وَالْعِبَادَةُ) فِي الْعُشْرِ (تَابِعَةٌ) فَيَسْقُطُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهَا (فَلَا يُثَابُ) الْكَافِرُ (بِهِ) أَيْ بِالْعُشْرِ (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ (وَإِنْ تَبِعَ) الْمُؤْنَةَ (فَهُوَ ثَابِتٌ) فِي الْعُشْرِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالنَّمَاءِ وَصَرْفِهِ إلَى مَصَارِفِ الْفُقَرَاءِ مُسْتَمِرٌّ (فَيَمْنَعُ) ثُبُوتَهُ فِيهِ مِنْ إلْغَائِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ ضَرُورَةُ عَدَمِ إمْكَانِ إلْغَائِهِ قُلْت: إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى مُحَمَّدٍ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْأَشْبَهُ فِي مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ إذَا كَانَ قَائِلًا بِأَنَّهُ يُوضَعُ مَوْضِعَ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَمَّا لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ فِيهِ كَالْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْهُ فَلَا يَتِمَّ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَيُجَابُ كَمَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ بِأَنَّ الْعُشْرَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ عَلَى الْكَافِرِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّضْعِيفِ فَالْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ بِدُونِ التَّضْعِيفِ عَلَيْهِ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ (فَتَصِيرُ) الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ (خَرَاجِيَّةً بِشِرَائِهِ) أَيْ الْكَافِرِ إيَّاهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي وَقْتِ صَيْرُورَتِهَا خَرَاجِيَّةً فَفِي السِّيَرِ كَمَا اشْتَرَى وَفِي رِوَايَةٍ مَا لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ إذَا بَقِيَتْ مُدَّةً يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا زَرَعَ أَوْ لَا (وَلِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَخِلَافًا لَهُ فِي أَنَّهُ (يُضَعَّفُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرِهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِيهِ وَالتَّضْعِيفُ تَغْيِيرٌ لِلْوَصْفِ فَقَطْ فَيَكُونُ أَسْهَلَ مِنْ إبْطَالِ الْعُشْرِ وَوَضْعِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ جَمِيعًا وَالتَّضْعِيفُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ (كَبَنِي تَغْلِبَ) وَلَا يُقَالُ فِيهِ تَضْعِيفٌ لِلْقُرْبَةِ وَالْكُفْرِ يُنَافِيهَا لِأَنَّا نَقُولُ بَعْدَ التَّضْعِيفِ صَارَ فِي حُكْمِ الْخَرَاجِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْكُفَّارِ وَخَلَا عَنْ وَصْفِ الْقُرْبَةِ (وَيُجَابُ بِأَنَّهَا) أَيْ الصَّدَقَةَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ هِيَ فِي الْمَعْنَى (جِزْيَةٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ) أَيْ بِكَوْنِهَا صَدَقَةً مُضَاعَفَةً (بِالتَّرَاضِي لِخُصُوصٍ عَارِضٍ) فَإِنَّ بَنِي تَغْلِبَ بِكَسْرِ اللَّامِ عَرَبٌ نَصَارَى قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ هَمَّ يَعْنِي عُمَرَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَنَفَرُوا فِي الْبِلَادِ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ أَوْ زُرْعَةُ بْنُ النُّعْمَانِ لَعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَوْمٌ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ إنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ حُرُوثٍ وَمَوَاشٍ وَلَهُمْ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ فَلَا تُعِنْ عَدُوَّك عَلَيْك بِهِمْ قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ هَذِهِ جِزْيَةٌ سَمَّوْهَا مَا شِئْتُمْ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّهَا هَلْ هِيَ جِزْيَةٌ عَلَى التَّحْقِيقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ نُقُودٌ أَوْ مَاشِيَةٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَهِيَ أَقْيَسُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ كَانَ الْجِزْيَةُ فَإِذَا صُولِحُوا عَلَى مَالٍ جُعِلَ وَاقِعًا مَوْقِعَ الْمُسْتَحَقِّ وَقِيلَ لَا بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ بِشَرَائِطِ الزَّكَاةِ وَأَسْبَابِهَا وَهُوَ

ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يُرَاعَى فِيهَا وَصْفُ الصِّغَارِ وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخُصُّ الْجِزْيَةَ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا وَمِنْ أَهْلِ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ بِالصُّلْحِ فَيُؤْخَذُ مِنْهَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِخِلَافِ أَرْضِهِمَا لِأَنَّ الْعُشْرَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَحْضَةٍ لِيَخُصَّ الْعُقَلَاءَ الْبَالِغِينَ فَيُؤْخَذُ مِنْ أَرْضِهِمَا وَقَدْ أَجَابَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ قَبْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ التَّضْعِيفَ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ لِلضَّرُورَةِ السَّالِفَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَافِرِ وَهُوَ الْخَرَاجُ فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ (وَمُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ) وَهِيَ (الْخَرَاجُ أَمَّا الْمُؤْنَةُ فَلِتَعَلُّقِ بَقَائِهَا) أَيْ الْأَرْضِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ (بِالْمُقَاتَلَةِ الْمَصَارِفُ) لَهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (وَالْعُقُوبَةُ لِلِانْقِطَاعِ بِالزِّرَاعَةِ عَنْ الْجِهَادِ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْضِ بِصِفَةِ التَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا عِمَارَةُ الدُّنْيَا وَإِعْرَاضٌ عَنْ الْجِهَادِ وَهُوَ سَبَبُ الذُّلِّ شَرْعًا (فَكَانَ) الْخَرَاجُ (فِي الْأَصْلِ صَغَارًا) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ قَالَ وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إلَّا أَدْخَلَهُ الذُّلَّ» (وَبَقِيَ) الْخَرَاجُ لِلْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَظِيفَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ (لَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ) أَوْ وَرِثَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ أَسْلَمَ مَالِكُهَا (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الصَّغَارَ (فِي ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ) لَا فِي بَقَائِهِ نَظَرًا إلَى مَا فِيهِ مِنْ رُجْحَانِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ الَّتِي الْمُؤْمِنُ مِنْ أَهْلِهَا وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ (وَحَقٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ أَيْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِسَبَبٍ مُبَاشِرٍ) أَيْ شَيْءٍ ثَابِتٌ بِذَاتِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَمِ بِسَبَبٍ مَقْصُودٍ وُضِعَ لَهُ يَجِبُ بِاعْتِبَارِهِ أَدَاؤُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَلْ ثَبَتَ بِحُكْمِ أَنَّ اللَّهَ مَالِكُ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَهُوَ (خُمُسُ الْغَنَائِمِ) أَيْ الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْكُفَّارِ قَهْرًا لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ فَإِنَّ الْجِهَادَ حَقُّ اللَّهِ إعْزَازًا لِدِينِهِ وَإِعْلَاءً لِكَلِمَتِهِ فَالْمُصَابُ كُلُّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْغَانِمِينَ امْتِنَانًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْجِبُوهَا بِالْجِهَادِ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِعَمَلِهِ لِمَوْلَاهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاسْتَبْقَى الْخُمُسَ حَقًّا لَهُ وَأَمَرَ بِالصَّرْفِ إلَى مَنْ سَمَّاهُمْ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَتَوَلَّى السُّلْطَانُ أَخْذَهُ وَقِسْمَتَهُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ فِي إقَامَةِ حُقُوقِهِ لَا أَنَّهُ حَقٌّ لَزِمَنَا أَدَاؤُهُ بِطَرِيقِ الطَّاعَةِ (وَمِنْهُ) أَيْ الْحَقِّ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ (الْمَعْدِنِ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْمَكَانُ بِقَيْدِ الِاسْتِقْرَارِ فِيهِ مِنْ عَدَنَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي نَفْسِ الْأَجْزَاءِ الْمُسْتَقِرَّةِ الَّتِي رَكَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلْقِهَا (وَالْكَنْزُ) وَهُوَ الْمُثْبَتُ فِيهَا مِنْ الْأَمْوَالِ بِفِعْلِ الْإِنْسَانِ وَالرِّكَازُ يَعُمُّهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ الرِّكَزِ مُرَادًا بِهِ الْمَرْكُوزُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ رَاكِزِهِ الْخَالِقَ أَوْ الْمَخْلُوقَ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الْمُرَادُّ بِالْمَعْدِنِ هُنَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْجَامِدُ الَّذِي يَذُوبُ وَيَنْطَبِعُ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَبِالْكَنْزِ مَا لَا عَلَامَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ حَتَّى كَانَ جَاهِلِيًّا لِأَنَّ هَذَيْنِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِمَا وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْوَاجِدِ وَبَقِيَ الْخُمُسُ لَهُ تَعَالَى مَصْرُوفًا إلَى مَنْ أُمِرَ بِالصَّرْفِ إلَيْهِ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ خُمُسُهُمَا وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ (فَلَمْ يَلْزَمْ أَدَاؤُهُ) أَيْ الْخُمُسِ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ (طَاعَةً) فَيُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ لِيَقَعَ دَفْعُهُ قُرْبَةً بِهَا (إذْ لَمْ يَقْصِدْ الْفِعْلَ) أَيْ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ دَفْعُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ (بَلْ مُتَعَلِّقُهُ) أَيْ الْفِعْلِ هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ فَالنَّفْيُ رَاجِعٌ إلَى الْقَيْدِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ (بَلْ هُوَ) أَيْ الْخُمُسُ (حَقٌّ لَهُ تَعَالَى) كَمَا بَيَّنَّا (فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ إذَا لَمْ يَتَّسِخْ إذْ لَمْ تَقُمْ بِهِ قُرْبَةٍ وَاجِبَةٌ) قُلْت: وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى قُرْبَةِ بِنَاءٍ عَلَى حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَيْهِمْ كَالْمَفْرُوضَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ كَيْفَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْخُمُسُ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ أَيْدِي النَّاسِ وَإِنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يُغْنِيكُمْ» . ثُمَّ إنَّمَا قَيَّدْنَا الْمَعْدِنَ وَالْكَنْزَ بِالْقَيْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِدُونِهِمَا لَيْسَ حُكْمَهُمَا ذَلِكَ كَمَا عُرِفَ فِي الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يُقَيِّدُوهُمَا بِهِمَا فِي الْأُصُولِ اعْتِمَادًا عَلَى إحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِمَا فِي الْفُرُوعِ ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا ذَكَرَ الْمَعَادِنَ مَعَ أَنَّهَا

غَنِيمَةٌ لِأَنَّ اسْمَ الْغَنِيمَةِ خَفِيٌّ فِي حَقِّهَا كَخَفَاءِ اسْمِ السَّارِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبَّاشِ وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ الشَّافِعِيُّ فِيهَا الْخُمُسَ حَيْثُ يُشْبِهُ الصَّيْدَ وَلَا نَحْنُ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ فِي دَارِهِ وَفِي أَرْضِهِ فِي رِوَايَةٍ عَلَى مَا عُرِفَ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْخَامِسُ (وَعُقُوبَاتٌ كَامِلَةٌ) أَيْ مَحْضَةٌ لَا يَشُوبُهَا مَعْنًى آخَرَ تَامَّةٌ فِي كَوْنِهَا عُقُوبَةً وَهِيَ (الْحُدُودُ) أَيْ حَدُّ الزِّنَا وَحْدُ السَّرِقَةِ وَحْدُ الشُّرْبِ فَإِنَّهَا شُرِعَتْ لِصِيَانَةِ الْأَنْسَابِ وَالْأَمْوَالِ وَالْعُقُولِ وَمُوجِبُهَا جِنَايَاتٌ لَا يَشُوبُهَا مَعْنَى الْإِبَاحَةِ فَاقْتَضَى كُلٌّ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُقُوبَةٌ كَامِلَةٌ زَاجِرَةٌ عَنْ ارْتِكَابِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا حَقُّهُ عَلَى الْخُلُوصِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مِلْكٍ حِمَى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ» ثُمَّ عَنْ الْمُبَرِّدِ سُمِّيَتْ الْعُقُوبَةُ عُقُوبَةً لِأَنَّهَا تَتْلُو الذَّنْبَ مِنْ عَقِبَهُ يَعْقُبُهُ إذَا تَبِعَهُ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ السَّادِسُ (وَ) عُقُوبَةٌ (قَاصِرَةٌ) وَهِيَ (حِرْمَانُ الْقَاتِلِ) إرْثَ الْمَقْتُولِ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ مَعْرُوفٍ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ (كَوْنُهُ) أَيْ حِرْمَانِ الْقَاتِلِ (حَقًّا لَهُ تَعَالَى لِأَنَّ مَا يَجِبُ لِغَيْرِهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (بِالتَّعَدِّي عَلَيْهِ) أَيْ الْغَيْرِ يَكُونُ (فِيهِ نَفْعٌ لَهُ) أَيْ لِلْغَيْرِ وَالْغَيْرُ هُنَا الْمَقْتُولُ (وَلَيْسَ فِي الْحِرْمَانِ نَفْعٌ لِلْمَقْتُولِ) فَثَبَتَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى زَاجِرٌ عَنْ ارْتِكَابِ مَا جَنَاهُ كَالْحَدِّ لِأَنَّ مَا لَا يَجِبُ لِغَيْرِ اللَّهِ يَجِبُ لِلَّهِ ضَرُورَةً (وَمُجَرَّدُ الْمَنْعِ) مِنْ الْإِرْثِ (قَاصِرٌ) فِي مَعْنَى الْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ أَلَمٌ فِي بَدَنِهِ وَلَا نُقْصَانٌ فِي مَالِهِ بَلْ مَنَعَ ذَلِكَ ثُبُوتَ مِلْكِهِ فِي تَرِكَةِ الْمَقْتُولِ. (تَنْبِيهٌ) وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا مَوْصُوفَ قَاصِرَةٍ عُقُوبَةً كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لِهَذَا الْقِسْمِ مِثَالًا غَيْرَ هَذَا وَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ لَهُ مِثَالٌ غَيْرُهُ حَتَّى كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ وَعُقُوبَاتٌ قَاصِرَةٌ الْوَاحِدُ لَكِنْ فِي التَّحْقِيقِ وَيَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ حِرْمَانُ الْوَصِيَّةِ بِالْقَتْلِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهِمَا قَاصِرٌ بِهَذَا الْقِسْمِ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْوَاحِدِ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ السَّابِعُ (وَحُقُوقُهُمَا) أَيْ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ مُجْتَمِعَانِ (فِيهَا كَالْكَفَّارَاتِ) لِلْيَمِينِ وَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْفِطْرِ الْعَمْدِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ قَتْلِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ وَصَيْدِ الْحَرَمِ أَمَّا أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَلِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِمَا هُوَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ صِيَامٍ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ وَيُؤْمَرُ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْفَتْوَى وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ جَبْرًا وَالشَّرْعُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَى الْمُكَلَّفِ إقَامَةَ شَيْءٍ مِنْ الْعُقُوبَاتِ عَلَى نَفْسِهِ بَلْ هِيَ مُفَوَّضَةٌ إلَى الْأَئِمَّةِ وَتُسْتَوْفَى جَبْرًا وَأَمَّا أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ إلَّا أَجْزِيَةً عَلَى أَفْعَالٍ مِنْ الْعِبَادِ لَا مُبْتَدَأَةً كَالْعِبَادَةِ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ كَفَّارَةً لِأَنَّهَا سِتَارَةٌ لِلذُّنُوبِ (وَجِهَةُ الْعِبَادَةِ غَالِبَةٌ فِيهَا) بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ مِثْلُ الْخَاطِئِ وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهِ وَالْمُحْرِمِ الْمُضْطَرِّ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ لِمَخْمَصَةٍ وَلَوْ كَانَتْ جِهَةُ الْعُقُوبَةِ فِيهَا غَالِبَةً لَامْتَنَعَ وُجُوبُهَا بِسَبَبِ الْعُذْرِ لِأَنَّ الْمَعْذُورَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً لِأَنَّ جِهَةَ الْعِبَادَةِ إنْ لَمْ تَمْنَعْ الْوُجُوبَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَعْذُورِينَ فَجِهَةُ الْعُقُوبَةِ تَمْنَعُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ (إلَّا الْفِطْرُ) أَيْ كَفَّارَتُهُ فَإِنَّ جِهَةَ الْعُقُوبَةِ فِيهَا غَالِبَةٌ (وَأَلْحَقَهَا) أَيْ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ (الشَّافِعِيُّ بِهَا) أَيْ بِبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ فِي تَغْلِيبِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى الْعُقُوبَةِ حَيْثُ لَمْ يُسْقِطْهَا بِالشُّبْهَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْحَنَفِيَّةُ) إنَّمَا قَالُوا بِتَغْلِيبِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا عَلَى الْعِبَادَةِ (لِتَقَيُّدِهَا) أَيْ وُجُوبِهَا (بِالْعَمْدِ) أَيْ بِالْفِطْرِ الْعَمْدِ (لِيَصِيرَ) الْفِطْرُ الْعَمْدُ (حَرَامًا وَهُوَ) أَيْ الْحَرَامُ (الْمُثِيرُ لِلْعُقُوبَةِ وَالْقُصُورِ) لِلْعُقُوبَةِ فِيهَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ كَامِلَةً (لِكَوْنِ الصَّوْمِ لَمْ يَصِرْ حَقًّا تَامًّا مُسَلَّمًا لِصَاحِبِ الْحَقِّ) وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَقَعَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ تَمَامَهُ بِإِكْمَالِهِ يَوْمًا فَقَصُرَتْ الْجِنَايَةُ فَقَصُرَتْ عُقُوبَتُهَا جَزَاءً وِفَاقًا (فَلِذَا) أَيْ لِقُصُورِ الْعُقُوبَةِ فِي هَذَا الْحَقِّ الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَةُ (تَأَدَّى) هَذَا الْحَقُّ (بِالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَشُرِطَتْ النِّيَّةُ) فِيهِ (فَتَفَرَّعَ) عَلَى غَلَبَةِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ (دَرْؤُهَا بِالشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ كَمَا يُدْرَأُ الْحَدُّ بِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ تَجِبْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْ جَامَعَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ أَنَّ الشَّمْسَ غَابَتْ وَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَأَيْضًا (فَوَجَبَتْ مَرَّةً بِمِرَارٍ) أَيْ بِفِطْرٍ مُتَعَدِّدٍ فِي أَيَّامٍ (قَبْلَ التَّكْفِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) وَاحِدٍ عِنْدَنَا كَمَا يُحَدُّ مَرَّةً وَاحِدَةً بِزِنَاهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إذَا لَمْ يُحَدَّ بِكُلِّ مَرَّةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ

عَلَيْهِ بِكُلِّ فِطْرِ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ (وَمِنْ اثْنَيْنِ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِفِطْرٍ مُتَعَدِّدٍ قَبْلَ التَّكْفِيرِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) أَيْ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا فِي التَّلْوِيحِ وَفِي الْكَافِي فِي الصَّحِيحِ (خِلَافًا لِمَا يُرْوَى عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ تَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ فِطْرِ الْأَيَّامِ مِنْهُمَا قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَسْطُورَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً زَادَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ حَكَى فِي الْحَقَائِقِ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَعَدُّدِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالتَّدَاخُلِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ (لِأَنَّ التَّدَاخُلَ دَرْءٌ) ثُمَّ مَعْنَى الزَّجْرِ مُعْتَبَرٌ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ كَمَا عُلِمَ وَالزَّجْرُ يَحْصُلُ بِوَاحِدَةٍ (وَلَوْ كَفَّرَ) عَنْ فِطْرِ يَوْمٍ (ثُمَّ أَفْطَرَ) فِي آخَرَ (فَأُخْرَى لِتَيَقُّنِ عَدَمِ انْزِجَارِهِ بِالْأُولَى فَتُفِيدُ) الْكَفَّارَةُ (الثَّانِيَةُ) الِانْزِجَارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ بِالْفِطْرِ الثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هُوَ الظَّاهِرُ. (تَتْمِيمٌ) وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ الْعُقُوبَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبَدِيعِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ فَتَكُونُ جِهَةُ الْجِنَايَةِ غَالِبَةً فَيَكُونُ فِي جَزَائِهَا جِهَةُ الْعُقُوبَةِ غَالِبَةً وَدُفِعَ بِأَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ الظِّهَارُ بَلْ الْعَوْدُ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالظِّهَارِ كَمَا هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ أَوْ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ جَمِيعًا كَمَا عَلَيْهِ آخَرُونَ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ اسْتَرْوَحَ كُلٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْقَوْلَيْنِ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] الْآيَةُ لِأَنَّ لَفْظَهَا يَحْتَمِلُهُمَا إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَرْتِيبُهَا عَلَيْهِمَا كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَخِيرِ وَقَدْ تَرَجَّحَ كَوْنُهُ الْأَخِيرَ لِأَنَّهُ بَسِيطٌ وَهُوَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرَكَّبِ وَيُرَدُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ لَا شَرْطِهِ وَالْكَفَّارَةُ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الظِّهَارِ لَا الْعَزْمِ وَعَلَى الْآخَرَانِ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ لَا تَتَقَرَّرُ الْكَفَّارَةُ أَوْ إيفَاءُ الْوَاجِبِ مِنْ الْوَطْءِ كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَلَعَلَّهُ الْأَشْبَهُ فَإِنَّ إيفَاءَ حَقِّهَا مِنْ الْوَطْءِ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمَّا ذَكَرَ الْإِمَامُ السُّرُوجِيُّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عِنْدَنَا لَا تَتَقَرَّرُ الْكَفَّارَةُ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَتْ لَمْ تَلْزَمْهُ عِنْدَنَا قَالَ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عِنْدَنَا لَا بِالظِّهَارِ وَلَا بِالْعَوْدِ إذْ لَوْ وَجَبَتْ لَمَا سَقَطَتْ بَلْ مُوجِبُ الظِّهَارِ ثُبُوتُ التَّحْرِيمِ فَإِذَا أَرَادَ رَفْعَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ وَلَمْ تُطَالِبْ الْمَرْأَةُ بِالْوَطْءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَصْلًا اهـ عَلَى أَنَّهُ كَمَا فِي الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا اسْتِحَالَةَ فِي جَعْلِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الَّتِي حُكْمُهَا تَكْفِيرُ الْمَعْصِيَةِ وَإِذْهَابُ السَّيِّئَةِ خُصُوصًا إذْ صَارَ مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا مَقْصُودًا وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ تُجْعَلَ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا مَعَ حُكْمِهَا الَّذِي هُوَ الثَّوَابُ الْمُوَصِّلُ إلَى الْجَنَّةِ تَصِيرُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَعْصِيَةِ فَتَصِيرُ الْمَعْصِيَةُ بِوَاسِطَةِ حُكْمِهَا سَبَبًا لِلْوُصُولِ إلَى الْجَنَّةِ وَهُوَ مُحَالٌ اهـ ثُمَّ يُشْكِلُ كَوْنُ الْغَلَبَةِ فِيهَا لِجِهَةِ الْعُقُوبَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُوبَاتِ الْمَحْضَةِ وَمَا الْعُقُوبَةُ غَالِبَةٌ فِيهِ التَّدَاخُلُ وَلَا تَدَاخُلَ هُنَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِالثَّانِي فَصَاعِدًا التَّكْرَارَ وَالتَّأْكِيدَ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُونَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ وَغَيْرِهَا أَنَّ دَاعِيَةَ الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ لَمَّا كَانَتْ قَوِيَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ شَهْوَةَ الْبَطْنِ أَمْرٌ مُعَوَّدٌ لِلنَّفْسِ اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى زَاجِرٍ فَوْقَ مَا فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ فَصَارَ الزَّجْرُ فِيهَا أَصْلًا وَالْعِبَادَةُ تَبَعًا فَإِنَّ مَنْ دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى الْإِفْطَارِ طَلَبًا لِلرَّاحَةِ فَتَأَمَّلَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ انْزَجَرَ لَا مَحَالَةَ وَبَاقِي الْكَفَّارَاتِ بِالْعَكْسِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلزَّجْرِ عَنْ الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ شُرِعَتْ فِيمَا يَنْدُبُ إلَى تَحْصِيلِ مَا تَعَلَّقَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ تَعَلُّقَ الْأَحْكَامِ بِالْعِلَلِ وَهُوَ الْعَوْدُ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ شُرِعَتْ فِيمَا يَجِب تَحْصِيلُ مَا تَعَلَّقَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ تَعَلُّقَ الْأَحْكَامِ بِالشُّرُوطِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ أَبَاهُ وَشَرْعُ الزَّاجِرِ فِيمَا يُنْدَبُ أَوْ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ لَا يَلِيقُ بِالْحِكْمَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَالثَّانِي حُقُوقُ الْعِبَادِ كَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَمِلْكِ الْمَبِيعِ وَالزَّوْجَةِ وَكَثِيرٍ وَمَا اجْتَمَعَا) أَيْ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ (فِيهِ وَحَقُّهُ تَعَالَى غَالِبٌ) وَهُوَ (حَدُّ الْقَذْفِ) لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقَعُ نَفْعُهُ عَامًّا بِإِخْلَاءِ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَمْ يَخْتَصَّ بِهَذَا إنْسَانٌ دُونَ إنْسَانٍ

وَمِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ صِيَانَةَ الْعِرْضِ وَدَفْعَ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ حَقُّ الْعَبْدِ إذْ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ ثُمَّ فِي هَذَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا لِأَنَّ فِي النَّفْسِ حَقَّيْنِ: حَقُّ الِاسْتِعْبَادِ لِلَّهِ وَحَقُّ الِانْتِفَاعِ لِلْعَبْدِ فَكَانَ الْغَالِبُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَيْسَ لِلْمَقْذُوفِ إسْقَاطُهُ) أَيْ الْحَدِّ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَحِّضٍ لَهُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ سُقُوطِ الْعِدَّةِ بِإِسْقَاطِ الزَّوْجِ إيَّاهَا لِمَا فِيهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْغَالِبِ فِي هَذَا الْحَدِّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى (لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَقْذُوفِ لِيُقِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ (لِأَنَّ حُقُوقَهُ تَعَالَى لَا يَسْتَوْفِيهَا إلَّا الْإِمَامُ) لِاسْتِنَابَةِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ فِي اسْتِيفَائِهَا دُونَ غَيْرِهِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ (لِتُهْمَتِهِ) أَيْ الْقَاذِفِ الْمَقْذُوفَ (بِالزِّنَا وَأَثَرُ الشَّيْءِ مِنْ بَابِهِ) أَيْ بَابِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَحَدُّ الزِّنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى اتِّفَاقًا (فَدَارَ) حَدُّ الْقَذْفِ (بَيْنَ كَوْنِهِ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا) كَحَدِّ الزِّنَا (أَوْ) بَيْنَ كَوْنِهِ (لَهُ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (وَلِلْعَبْدِ) كَمَا ذَكَرْنَا فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُقَالَ (فَتَغَلَّبَ) حَقُّ اللَّهِ (بِهِ) أَيْ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ يَتَوَلَّى اسْتِيفَاءَهُ مَوْلَاهُ فَيَصِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ مَرْعِيًا بِتَغْلِيبِ حَقِّ مَوْلَاهُ لَا مُهْدَرًا وَلَا كَذَلِكَ عَكْسُهُ هَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَذَهَبَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا بَيْنَ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَمُخْتَلِفٍ فِيهِ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَمِنْهَا مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ وَمَحَلُّ الْخَوْضِ فِيهَا الْكُتُبُ الْفِقْهِيَّةُ (وَمَا اجْتَمَعَا) أَيْ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ (وَالْغَالِبُ حَقُّ الْعَبْدِ) وَهُوَ (الْقِصَاصُ بِالِاتِّفَاقِ) فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي نَفْسِ الْعَبْدِ حَقُّ الِاسْتِعْبَادِ وَلِلْعَبْدِ حَقُّ الِاسْتِمْتَاعِ فَفِي شَرْعِيَّةِ الْقِصَاصِ إيفَاءٌ لِلْحَقَّيْنِ وَإِخْلَاءٌ لِلْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ إلَّا أَنَّ وُجُوبَهُ بِطَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ الْمُنْبِئَةِ عَنْ مَعْنَى الْجَبْرِ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ بِالْمَحِلِّ فَكَانَ حَقُّ الْعَبْدِ رَاجِحًا وَلِهَذَا فُرِضَ اسْتِيفَاؤُهُ لِلْوَارِثِ وَجَرَى فِيهِ الِاعْتِيَاضُ بِالْمَالِ وَالْعَفْوِ (وَيَنْقَسِمُ) مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مُطْلَقًا (أَيْضًا بِاعْتِبَارِ آخِرِ أَصْلٍ وَخَلَفٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ اتِّصَافُهُ بِالْأَصَالَةِ وَالْخَلْفِيَّةِ إلَى أَصْلٍ وَخَلَفٍ ثُمَّ (لَا يَثْبُتُ) كَوْنُهُ خَلَفًا (إلَّا بِالسَّمْعِ) نَصًّا أَوْ دَلَالَةً أَوْ إشَارَةً أَوْ اقْتِضَاءً (صَرِيحًا أَوْ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ صَرِيحٍ كَالْأَصْلِ لَا بِالرَّأْيِ فَحَذَفَ الْمُنْقَسِمَ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ (فَالْأَصْلُ كَالتَّصْدِيقِ فِي الْإِيمَانِ) فَإِنَّهُ أَصْلٌ مُحْكَمٌ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِعُذْرٍ مَا وَلَا يَبْقَى مَعَ التَّبْدِيلِ بِحَالٍ (وَالْخَلَفُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ التَّصْدِيقِ (الْإِقْرَارُ) بِاللِّسَانِ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ عَمَّا فِي الْجَنَانِ (وَإِذْ لَمْ يُعْلَمْ الْأَصْلَ يَقِينًا) لِأَنَّهُ غَيْبٌ (أُدِيرَ) الْحُكْمُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخَلَفِ (فَلَوْ أُكْرِهَ) الْكَافِرُ عَلَى الْإِسْلَامِ (فَأَقَرَّ) بِهِ (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) لِوُجُودِهِ ظَاهِرًا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَحِينَئِذٍ (فَرُجُوعُهُ) عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى الْكُفْرِ بِاللِّسَانِ (رِدَّةٌ لَكِنْ لَا تُوجِبُ الْقَتْلَ) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ شُبْهَةٌ لِإِسْقَاطِهِ (بَلْ) تُوجِبُ (الْحَبْسَ وَالضَّرْبَ حَتَّى يَعُودَ) إلَى الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَوْدِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَدُفِنَ) مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خِلَافُهُ إلَى أَنْ مَاتَ (فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ) أَيْ بِإِقْرَارِهِ بِالْإِسْلَامِ مُكْرَهًا (وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا (بَاقِي أَحْكَامُ الْخَلْفِيَّةِ فِي الدُّنْيَا) مِنْ إسْقَاطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ وَعَلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَمَّا الْآخِرَةُ فَالْمَذْهَبُ لِلْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ نَصُّ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ (أَصْلٌ) فِي أَحْكَامِهَا أَيْضًا (فَلَوْ صَدَّقَ) بِقَلْبِهِ (وَلَمْ يُقِرَّ) بِلِسَانِهِ (بِلَا مَانِعٍ) لَهُ مِنْ الْإِقْرَارِ وَاسْتَمَرَّ (حَتَّى مَاتَ كَانَ فِي النَّارِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ) وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ (التَّصْدِيقُ وَحْدَهُ) فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ هُوَ (وَالْإِقْرَارُ) شَرْطٌ (لِأَحْكَامِ الدُّنْيَا) أَيْ لِإِجْرَائِهَا عَلَيْهِ (كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْهُمْ أَبُو مَنْصُورُ الْمَاتُرِيدِيُّ ثُمَّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ الْإِقْرَارُ لِهَذَا الْغَرَضِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَانِ وَالْإِظْهَارِ عَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِإِتْمَامِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّكَلُّمِ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ قَادِرًا وَتَرَكَ التَّكَلُّمَ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِبَاءِ إذْ الْعَاجِزُ كَالْأَخْرَسِ مُؤْمِنٌ اتِّفَاقًا وَالْمُصِرُّ عَلَى عَدَمِ الْإِقْرَارِ مَعَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ كَافِرٌ وِفَاقًا لِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتِ عَدَمِ التَّصْدِيقِ (ثُمَّ صَارَ أَدَاءُ الْأَبَوَيْنِ فِي الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ خَلَفًا عَنْ أَدَائِهِمَا)

أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لِعَجْزِهِمَا عَنْ ذَلِكَ (فَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِمَا تَبَعًا لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الْأَبَوَيْنِ إذَا كَانَ الْمَتْبُوعُ وَالتَّابِعُ حِينَ الْإِسْلَامِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ أَوْ الْمَتْبُوعُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالتَّابِعُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا بِالْعَكْسِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا دَخَلَ عَسْكَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَارَ الْحَرْبِ وَأَسَرُوا الصَّغِيرَ مَعَ أُمِّهِ الْكَافِرَةِ مَثَلًا أَوَّلًا ثُمَّ أُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا فَإِنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ حَيًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَسْتَتْبِعُهُ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَعْتُوهُ كَذَلِكَ (ثُمَّ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ) صَارَتْ خَلَفًا عَنْ أَدَاءِ الصَّغِيرِ بِنَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ الْإِسْلَامِ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ إسْلَامِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَعَدَمُ خُرُوجِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ أَوَّلًا كَمَا أَشَارَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ (فَلَوْ سُبِيَ فَأُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَحْدَهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَكَذَا تَبَعِيَّةُ الْغَانِمِينَ) أَيْ تَبَعِيَّتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ الْغَانِمِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبَوَاهُ وَلَا أَحَدُهُمَا وَاخْتَصَّ بِهِ أَحَدُهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِشِرَائِهِ مِنْ الْإِمَامِ الْغَنِيمَةَ ثَمَّةَ صَارَتْ خَلَفًا عَنْ أَدَاءِ الصَّغِيرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ قَسَّمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَوَقَعَ فِي سَهْمِ أَحَدِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ خَلَفٌ عَنْ أَدَاءِ الصَّغِيرِ) عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَمَا ذَكَرْنَا (لَا أَنَّهُ يَخْلُفُ بَعْضَهَا بَعْضًا) لِأَنَّ الْخَلَفَ لَا خَلَفَ لَهُ كَذَا قَالُوا وَقَدْ قِيلَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ خَلَفًا مِنْ وَجْهٍ وَأَصْلًا مِنْ وَجْهٍ ثُمَّ كَوْنُ هَذِهِ التَّبَعِيَّاتِ مُرَتَّبَةً هَكَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ: تَبَعِيَّةُ صَاحِبِ الْيَدِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى تَبَعِيَّةِ الدَّارِ فَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ قُلْت: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُرَادَ أَيُّهُمَا وُجِدَ أَوَّلًا تَعَيَّنَ نِسْبَةَ التَّبَعِيَّةِ إلَيْهِ لِأَنَّ السَّبَقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ وَتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مَعْطُوفًا بِأَوْ أَوْ الْوَاوِ كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بَقِيَ أَنَّ الْخَلْفِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالسَّمْعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِيمَا كَانَ بَيْنَ مُسْلِمٍ أَصْلِيٍّ وَذِمِّيَّةٍ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ يُقَالُ هُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» فَجَعَلَ اتِّفَاقَهُمَا عِلَّةً نَاقِلَةً لِلْوَلَدِ عَنْ أَصْلِ الْفِطْرَةِ فَيَثْبُتُ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ فِيمَا اخْتَلَفَا فِيهِ وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَ مُسْلِمٍ عَارِضٍ إسْلَامُهُ وَذِمِّيَّةٍ وَبَيْنَ مُسْلِمَةٍ عَارِضٍ إسْلَامَهُمَا وَذِمِّيٍّ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ ثُبُوتَ أَحَدِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ لِلْوَلَدِ إذَا كَانَ أَبَوَاهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ فَإِذَا زَالَ الْوَصْفُ عَنْ أَحَدِهِمَا انْتَفَتْ الْعِلَّةُ فَيَنْتَفِي الْمَعْلُولُ فَيَتَرَجَّحُ ثُبُوتُ الْوَصْفِ الْمَفْطُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ فَيَلْزَمُ بِعَيْنِ هَذَا صَيْرُورَةُ الصَّغِيرِ مُسْلِمًا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ بَاقِي الْأَئِمَّةِ وَقَدْ يُقَالُ هُوَ مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَسْلَمَ ثَعْلَبَةُ وَأُسَيْدُ ابْنًا شُعْبَةَ فَعَصَمَ إسْلَامُهُمَا أَمْوَالَهُمَا وَأَوْلَادَهُمَا الصِّغَارَ» وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ وَأَمَّا جَعْلُهُ تَبَعًا لِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ لِلْغَانِمِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالسَّمْعِيِّ الْمُفِيدِ لَهُ فَإِنْ قُلْت: يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ السَّالِفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَوْنَ أَبَوَيْهِ نَاقِلَيْهِ عَنْ أَصْلِ الْفِطْرَةِ مَعْلُولٌ بِكَوْنِهِ تَحْتَ وِلَايَتِهِمَا وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَنْ اخْتَصَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِشِرَاءٍ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ قِسْمَةٍ وَبِمَا إذَا أُخْرِجَ وَحْدَهُ مَسْبِيًّا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ الْمَفْطُورِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّاقِلِ لَهُ عَنْهُ قُلْت: نَعَمْ لَوْ تَمَّ لَكِنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقْتَضِي أَنْ يَحْكُمَ بِإِسْلَامِهِ إذَا وَقَعَ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا فِي سَهْمِ مُسْلِمٍ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ أُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ الْمَسْطُورَ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِيهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (هَذَا) كُلُّهُ (إذَا لَمْ يَكُنْ) الصَّغِيرُ (عَاقِلًا وَإِلَّا) لَوْ كَانَ عَاقِلًا (اسْتَقَلَّ بِإِسْلَامِهِ) فَإِذَا أَسْلَمَ صَحَّ وَحِينَئِذٍ (فَلَا يَرْتَدُّ بِرِدَّةِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا) أَيْ أَبَوَيْهِ (عَلَى مَا سَيُعْلَمُ) فِي فَصْلِ الْأَهْلِيَّةِ وَلَكِنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَيَسْتَوِي فِيمَا قُلْنَا أَنْ يَعْقِلَ أَوْ لَا يَعْقِلَ إلَى هَذَا أَشَارَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ: لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ عَاقِلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَّبِعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا (وَمِنْهُ) أَيْ الْخَلَفِ عَنْ الْأَصْلِ

الفصل الثالث في المحكوم فيه

فِي مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ (الصَّعِيدُ) فَإِنَّهُ (خَلَفٌ عَنْ الْمَاءِ فَيَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالصَّعِيدِ (مَا يَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالْمَاءِ مِنْ الطَّهَارَةِ الْحُكْمِيَّةِ إلَى وُجُودِ النَّاقِضِ فَالْأَصَالَةُ وَالْخَلَفِيَّةُ بَيْنَ الْآلَتَيْنِ فَيَجُوزُ إمَامَةُ الْمُتَيَمِّمِ لِلْمُتَوَضِّئِ لِوُجُودِ شَرْطِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ كُلٍّ فَيَجُوزُ بِنَاءُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ كَالْغَاسِلِ عَلَى الْمَاسِحِ مَعَ أَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ مِنْ الرَّجُلِ فِي قَبُولِ الْحَدَثِ وَرَفْعِهِ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (وَلِمُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ أَنَّ الْأَصَالَةَ وَالْخَلَفِيَّةَ (بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ) أَيْ التَّيَمُّمِ وَكُلٍّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ (فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ) أَيْ أَنْ يَثْبُتَ بِالصَّعِيدِ مَا يَثْبُتُ بِالْمَاءِ (وَلَا يُصَلِّي الْمُتَوَضِّئُ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ) الْمُحْدِثَ (بِالْفِعْلِ) فَقَالَ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] (ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْفِعْلِ) عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] (وَلَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّهُ) أَيْ اللَّهَ تَعَالَى (نَقَلَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ) إلَى الصَّعِيدِ حَيْثُ قَالَ (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَكَانَ) الْمَاءُ هُوَ (الْأَصْلُ) وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا بَعْدَ اتِّفَاقهمْ عَلَى كَوْنِ الْخَلَفِ مُطْلَقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ إلَى غَايَةِ وُجُودِهِ أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وُضُوءًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَغُسْلًا فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ إلَّا مَا قِيلَ فِيمَا إذَا تَيَمَّمَ فِي الْمِصْرِ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ فَصَلَّى وَحَضَرَتْ أُخْرَى وَلَمْ يَجِدْ بَيْنَهُمَا وَقْتًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِيهِ أَنَّ الْخِلَافَةَ ضَرُورِيَّةٌ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَذْكُرُهُ لِلشَّافِعِيِّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ حَتَّى لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الثَّانِيَةِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمَا أَحْسَنُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ خَلَفٌ ضَرُورِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَثْبُتُ خَلْفِيَّتُهُ ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ الذِّمَّةِ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمِنْ ثَمَرَاتِ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ وَأَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ فَرَائِضَ وَنَوَافِلَ خِلَافًا لَهُ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ جَعْلَ الصَّعِيدِ أَوْ التَّيَمُّمِ خَلَفًا عَنْ الْمَاءِ أَوْ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ مَعَ كَوْنِهِ لَهُ حُكْمٌ بِرَأْسِهِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ يَنْفِي كَوْنَهُ خَلْفًا عَنْ الْأَصْلِ بَلْ يُفِيدُ كَوْنُهُ أَصْلًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَمَّا أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ ضَرُورَةُ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ فِيمَا لَهَا مِنْ الْأَوْقَاتِ وَتَكْثِيرًا لِلْخَيْرَاتِ فَمَا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَهُوَ لَا يَخْلُ بِمَعْنَى الْإِطْلَاقِ هَذَا (وَلَا بُدَّ فِي تَحْقِيق الْخَلَفِيَّةِ مِنْ عَدَمِ الْأَصْلِ) فِي الْحَالِ الْعَارِضِ إذْ لَا مَعْنَى إلَى الْمَصِيرِ إلَى الْخَلَفِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ (وَ) مِنْ (إمْكَانِهِ) أَيْ الْأَصْلِ لِيَصِيرَ السَّبَبُ مُنْعَقِدًا لِلْأَصْلِ ثُمَّ بِالْعَجْزِ عَنْهُ يَتَحَوَّلُ الْحُكْمُ عَنْهُ إلَى الْخَلَفِ (وَإِلَّا) فَحَيْثُ لَا إمْكَانَ لِوُجُودِ أَمْرٍ مَا (فَلَا أَصْلَ) أَيْ فَلَا يُوصَفُ ذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْأَصَالَةِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ فَرْعُ وُجُودِهِ فِي ذَاتِهِ (فَلَا خَلَفَ) أَيْ فَلَا يُوصَفُ ذَلِكَ الْغَيْرُ بَالْخَلَفِيَّةِ عَنْهُ أَيْضًا وَمِنْ هُنَا لَزِمَ التَّكْفِيرُ مَنْ حَلَفَ لَيَمَسَّنَّ السَّمَاءَ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ لِإِمْكَانِ مَسِّ السَّمَاءِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَصْعَدُونَ إلَيْهَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَعَدَ إلَيْهَا لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ إلَّا أَنَّهُ مَعْدُومٌ عُرْفًا وَعَادَةً فَانْتَقَلَ الْحُكْمُ مِنْهُ إلَى الْخَلَفِ الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَمْ يَلْزَمْ مَنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ مَا كَانَ أَوْ ثُبُوتِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَاضِي لِعَدَمِ إمْكَانِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْبَرُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ] (الْفَصْلُ الثَّالِثُ) فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ (الْمَحْكُومُ فِيهِ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ (وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ الْمَحْكُومِ بِهِ) اعْتِرَاضٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرِهِ وَهُوَ (فِعْلُ الْمُكَلَّفِ) يُرِيد أَنَّ التَّعْبِيرَ عَنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِالْمَحْكُومِ فِيهِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْمَحْكُومِ بِهِ كَمَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: إذْ لَمْ يَحْكُمْ الشَّارِعُ بِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَلْ حَكَمَ فِي الْفِعْلِ بِالْوُجُوبِ بِالْمَنْعِ بِالْإِطْلَاقِ وَالظَّاهِرُ أَنْ لَيْسَ فِي مَنْعِهِ حُكْمٌ بِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَلَا فِي إطْلَاقِهِ وَالْإِذْنِ فِيهِ وَإِنَّمَا يُخَالُ ذَلِكَ فِي إيجَابِهِ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ يَظْهَرُ أَنْ لَيْسَ إيجَابُهُ أَيْ إيجَابُ

الْمُكَلَّفِ فِعْلُهُ حُكْمًا بِنَفْسِ الْفِعْلِ وَلَوْ سُلَّمَ كَانَ بِاعْتِبَارِ قِسْمٍ يُخَالِفُهُ أَقْسَامٌ ثُمَّ إنَّمَا يَكُونُ الْمَحْكُومُ فِيهِ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ حَالَ كَوْنِ فِعْلِهِ (مُتَعَلِّقَ الْإِيجَابِ وَهُوَ) أَيْ فِعْلُهُ مُتَعَلِّقُ الْإِيجَابِ (الْوَاجِبُ لَمْ يَشْتَقُّوا لَهُ) أَيْ لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ الْمَذْكُورِ (بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ) أَيْ لِلْإِيجَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ اسْمًا (إلَّا اسْمَ الْفَاعِلِ) وَأَمَّا الْبَاقِي (فَمُتَعَلِّقُ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ مَفْعُولٌ) أَيْ اشْتَقُّوا لِمُتَعَلِّقِهَا بِاعْتِبَارِ أَثَرِهَا اسْمَ الْمَفْعُولِ (مَنْدُوبٌ مُبَاحٌ) مَكْرُوهٌ (وَ) اشْتَقُّوا (كُلًّا) مِنْ اسْمَيْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ (لِمُتَعَلِّقِ التَّحْرِيمِ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ تَخْصِيصًا بِالِاصْطِلَاحِ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ مُتَعَلِّقُ الْإِيجَابِ (وَالْأَخِيرُ) أَيْ مُتَعَلِّقُ التَّحْرِيمِ (وَرَسْمِ الْوَاجِبِ بِمَا) أَيْ فِعْلٍ (يُعَاقَبُ تَارِكُهُ) عَلَى تَرْكِهِ (مَرْدُودٌ بِجَوَازِ الْعَفْوِ) عَنْهُ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَالْأَوْلَى بِمَا عُفِيَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ جَائِزٍ وَاقِعًا وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْوُقُوعِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ فَيَكُونُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِخُرُوجِ الْوَاجِبِ الْمَعْفُوِّ عَنْ تَرْكِهِ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَلِلْمُعَرِّفِ بِهِ أَنْ يَقُولَ: الْمُرَادُ مَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ عَادَةً لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ (وَ) رَسْمَهُ (بِمَا) أَيْ فِعْلٍ (أَوْعَدَ) بِالْعِقَابِ (عَلَى تَرْكِهِ إنْ أُرِيدَ) بِالتَّرْكِ التَّرْكُ (الْأَعَمُّ مِنْ تَرْكِ وَاحِدٍ أَوْ الْكُلِّ لِيُدْخِلَ الْكِفَايَةَ) أَيْ الْوَاجِبُ كِفَايَةً فِي هَذَا التَّعْرِيفِ (لَزِمَ التَّوَعُّدُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ فِي الْكِفَايَةِ) مَعَ فِعْلِ غَيْرِهِ (أَوْ) أُرِيدَ بِهِ (تَرْكُ الْكُلِّ خَرَجَ مَتْرُوكُ الْوَاحِدِ أَوْ) أُرِيدَ بِهِ تَرْكُ (الْوَاحِدِ خَرَجَ الْكِفَايَةُ) وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْمُلَازِمَاتِ وَبُطْلَانِ اللَّازِمِ فِيهَا ظَاهِرٌ فَالتَّعْرِيفُ كَذَلِكَ (وَأَمَّا رَدُّهُ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفِ (بِصِدْقِ إيعَادِهِ كَوَعْدِهِ فَيَسْتَلْزِمُ الْعِقَابَ) عَلَى التَّرْكِ فَلَا يَنْعَكِسُ لِخُرُوجِ الْوَاجِبِ الْمَعْفُوِّ عَنْ تَرْكِهِ (فَيُنَاقِضُ تَجْوِيزَهُمْ الْعَفْوَ) لِأَنَّ صِدْقَ الْإِيعَادِ يُوجِبُ عَدَمَ وُقُوعِ الْعَفْوِ وَوُقُوعَ الْعَفْوِ يُوجِبُ عَدَمَ صِدْقِ الْإِيعَادِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الرَّدُّ (بِالْمُعْتَزِلَةِ أَلْيَقُ) لِاسْتِحَالَةِ الْخَلَفِ فِي الْوَعِيدِ عَلَيْهِ تَعَالَى عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا سَنَذْكُرُ (إلَّا أَنْ يُرَادَ) بِإِيعَادِهِ (إيعَادُ تَرْكِ وَاجِبِ الْإِيمَانِ) فَإِنَّ الْخَلَفَ فِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] وَأَمَّا الْإِيعَادُ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ غَيْرِهِ فَجَائِزٌ الَخَلَفُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] (فَلَا يَبْطُلُ التَّعْرِيفُ) الْمَذْكُورُ (إلَّا بِفَسَادِ عَكْسِهِ بِخُرُوجِ مَا سِوَاهُ) أَيْ مَا سِوَى وَاجِبِ الْإِيمَانِ الْمَعْفُوِّ عَنْ تَرْكِهِ لِصِدْقِ الْمَحْدُودِ بِدُونِ الْحَدِّ، هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي حَلْبَةِ الْمُجَلِّي أَنَّ ظَاهِرَ الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ أَنَّ الْأَشَاعِرَةَ عَلَى جَوَازِ الْخَلَفِ فِي الْوَعِيدِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جُودًا وَكَرْمًا لَا نَقْصًا وَأَنَّ فِي غَيْرِهِمَا الْمَنْعَ مِنْهُ مَعْزُوٌّ إلَى الْمُحَقِّقِينَ وَإِنَّ الشَّيْخَ حَافِظَ الدِّينِ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَأَنَّ الْأَشْبَهَ بَحْثًا تَرَجُّحُ الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً بِمَعْنَى جَوَازِ التَّخْصِيصِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِوَضْعِهِ اللُّغَوِيِّ لِلْمَعْنَى الْوَعِيدِيِّ مِنْ الْعُمُومِ لَا جَوَازُ عَدَمِ وُقُوعِ عَذَابِ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ الْإِخْبَارَ بِعَذَابِهِ فَإِنَّهُ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقُلْنَا ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ كَمَا يُعْرَفُ ثَمَّةَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّ الْأَوْجَهَ تَرْكُ إطْلَاقِ جَوَازِ الْخَلْفِ عَلَيْهِ تَعَالَى وَعْدًا وَوَعِيدًا دَفْعًا لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمُحَالَ الْمَذْكُورَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُخَالِفُ الْوَعْدُ الْوَعِيدَ فِي هَذَا التَّجْوِيزِ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ: لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) رَدُّ هَذَا التَّعْرِيفِ (بِأَنَّ مِنْهُ) أَيْ الْوَاجِبِ (مَا لَمْ يَتَوَعَّدْ عَلَيْهِ) فَإِنْ أُرِيدَ بِخُصُوصِهِ فَقَدْ يَسْلَمُ وَلَا ضَيْرَ فَإِنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ وَإِنْ أُرِيدَ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (فَمُنْدَفِعٌ بِثُبُوتِهِ) أَيْ الْإِيعَادِ (لِكُلِّهَا) أَيْ الْوَاجِبَاتِ (بِالْعُمُومَاتِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا} [النساء: 14] (وَرَسْمَ) الْوَاجِبَ أَيْضًا (بِمَا) أَيْ فِعْلٍ (يُخَافُ الْعِقَابُ بِتَرْكِهِ وَأَفْسَدَ طَرْدَهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَشَكَّ فِي وُجُوبِهِ) فَإِنَّ الْوُجُوبَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ مَعَ أَنَّ الشَّاكَّ يَخَافُ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فَيَصْدُقُ الْحَدُّ بِدُونِ الْمَحْدُودِ (وَيَدْفَعُ) هَذَا الْإِفْسَادُ (بِأَنَّ مَفْهُومَهُ) أَيْ مَا يَخَافُ الْعِقَابَ بِتَرْكِهِ (مَا بِحَيْثُ) يَخَافُ (فَلَا يَخْتَصُّ) تَرْكُ الْوَاجِبِ (بِخَوْفٍ وَاحِدٍ دُونَ وَاحِدٍ وَلَا خَوْفَ) عِقَابٍ عَادَةً (لِلْمُجْتَهِدِ فِي تَرْكِ مَا شَكَّ فِيهِ) أَيْ فِي وُجُوبِهِ لِعَدَمِ سَبَبِ الْخَوْفِ فَلَا يَصْدُقُ

الْحَدُّ بِدُونِ الْمَحْدُودِ (وَ) أَفْسَدَ (عَكْسُهُ بِوَاجِبِ شَكٍّ) ابْتِدَاءً (فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ أَوْ ظَنَّ) ابْتِدَاءً عَدَمِ وُجُوبِهِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ (لَا يَخَافُ) الْعِقَابَ بِتَرْكِهِ فَيَصْدُقُ الْمَحْدُودُ بِدُونِ الْحَدِّ (وَهُوَ) أَيْ إفْسَادُ عَكْسِهِ بِهَذَا (حَقٌّ وَمَنْبَعُ دَفْعِ الْأَوَّلِ) أَيْضًا لِأَنَّ الشَّكَّ ابْتِدَاءً فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ يُفِيدُ الشَّكَّ ابْتِدَاءً فِي وُجُوبِهِ وَمَا شُكَّ ابْتِدَاءً فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ وَوُجُوبِهِ لَيْسَ بِحَيْثُ مِمَّا يَخَافُ الْمُجْتَهِدُ الْعِقَابَ بِتَرْكِهِ عَادَةً (وَلِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ) رَسْمٌ آخَرُ وَهُوَ (مَا) أَيْ فِعْلٌ (يُذَمُّ شَرْعًا تَارِكُهُ بِوَجْهٍ مَا) فَشَمِلَ مَا الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ وَالْمَكْرُوهُ وَالْحَرَامُ وَخَرَجَ بِالْبَاقِي مَا عَدَا الْوَاجِبِ لِأَنَّ الْحَرَامَ يُذَمُّ فَاعِلُهُ لَا تَارِكُهُ وَالثَّانِي لَا يُذَمُّ فَاعِلُهُ وَقَيَّدَهُ ص بِشَرْعًا أَيْ بِأَنْ يَرِدَ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِحَالَةٍ لَوْ تَرَكَهُ كَانَ مُسْتَنْقِصًا مَلُومًا إلَى حَدٍّ يَصْلُحُ لِتَرَتُّبِ الْعِقَابِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِهِ وَبِوَجْهِ مَا لِيَدْخُلَ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ وَالْمُخَيَّرُ وَالْكِفَايَةُ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ (يُرِيدُ) بِتَرْكِهِ تَرْكَهُ (فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ بِلَا عُذْرِ نِسْيَانٍ وَنَوْمٍ وَسَفَرٍ وَمَعَ عَدَمِ فِعْلِ غَيْرِهِ) أَيْ تَرْكِ الْجَمِيعِ لَهُ (إنْ) كَانَ الْوَاجِبُ (كِفَايَةً وَ) تَرْكِ (الْكُلِّ) مِنْ الْأُمُورِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا (فِي) الْوَاجِبِ (الْمُخَيَّرِ) فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي تَرَكَهَا النَّائِمُ وَالنَّاسِي وَصَوْمَ الْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ غَيْرُ وَاجِبٍ مَعَ صِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهَا فَلَا يَطَّرِدُ (وَلَوْ أَرَادَ) الْقَاضِي (عَدَمَ الْوُجُوبِ مَعَهَا) أَيْ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْقَاضِي صَرَّحَ فِي التَّقْرِيبِ بِأَنَّهُ لَا وُجُوبَ عَلَى النَّائِمِ وَالنَّاسِي وَنَحْوِهِمَا حَتَّى السَّكْرَانِ وَأَنَّ الْمُسَافِرَ يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُ أَحَدِ الشَّهْرَيْنِ كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ (فَلَا يُذَمُّ) الْمُكَلَّفُ (مَعَهَا) أَيْ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ (بِالتَّرْكِ إلَى آخَرِ الْوَقْتِ وَبَعْدَ زَوَالِهَا) أَيْ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ (تَوَجَّهَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عِنْدَهُ) أَيْ الْقَاضِي (فَيُذَمُّ) الْمُكَلَّفُ (بِتَرْكِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (بِوَجْهٍ مَا وَهُوَ) أَيْ تَرْكُهُ الْقَضَاءَ بِوَجْهٍ مَا (مَا) أَيْ التَّرْكُ الَّذِي يَكُونُ (فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ) مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (وَلِبَعْضِهِمْ) وَلَعَلَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (اعْتِرَاضٌ جَدِيرٌ بِالْإِعْرَاضِ) فَلَا يُطَوَّلُ بِإِيرَادِهِ وَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجِعْ شُرُوحَ أُصُولِهِ وَحَوَاشِيَهَا ثُمَّ كَوْنُ الذَّمِّ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ تَرْكِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لَا عَلَى تَرْكِ الْأَدَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ بَلْ يَكْفِي فِي وُجُوبِهِ تَحَقُّقُ سَبَبِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَلَا وُجُودَ لِنَفْسِ وُجُوبٍ لَا غَيْرَ لِيَدَّعِيَ ثُبُوتَهُ فِي حَقِّ النَّائِمِ وَالنَّاسِي وَالْمُسَافِرِ فَلَا يَتِمُّ نَفْيُ اطِّرَادِ الْحَدِّ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الْمَذْكُورَيْنِ لَيْسَ عَلَى اصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ (أَمَّا عَلَى) اصْطِلَاحِ (الْحَنَفِيَّةِ فَالْوُجُوبُ يَنْفَكُّ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ هُوَ (السَّاقِطُ) لَا الْوُجُوبُ فَلَا يُتَّجَهُ الْقَوْلُ بِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الْمَذْكُورَيْنِ دُونَ الْمَحْدُودِ لِيَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ نَفْيُ اطِّرَادِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ ثَمَّ هَذَا (تَقْسِيمٌ) لِلْوَاجِبِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ تَقَيُّدِهِ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ وَتَقَيُّدِهِ بِهِ فَنَقُولُ: (الْوَاجِبُ) قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا وَاجِبٌ (مُطْلَقٌ) وَهُوَ الَّذِي (لَمْ يُقَيَّدْ طَلَبُ إيقَاعِهِ بِوَقْتٍ) مَحْدُودٍ (مِنْ الْعُمُرِ) بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ قَبْلُهُ وَيَفُوتُ بِفَوَاتِهِ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا فِي وَقْتٍ لَا مَحَالَةَ (كَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ وَالْكَفَّارَاتِ) وَقَضَاءِ رَمَضَانَ كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ لَا أَنَّهَا مِنْ الْمُؤَقَّتِ كَمَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّهَارِ لِأَنَّ كَوْنَهُ بِالنَّهَارِ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِهِ لَا قَيْدٌ لَهُ (وَالزَّكَاةُ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرِ الرَّازِيّ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ وَذَكَرَهُ ابْنُ شُجَاعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّظَرِ إلَى دَلِيلِ الِافْتِرَاضِ أَيْ دَلِيلِ الِافْتِرَاضِ لَا يُوجِبُ الْفَوْرِيَّةَ وَهُوَ لَا يَنْفِي وُجُودَ دَلِيلِ الْإِيجَابِ وَالْوَجْهُ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ مَعَهُ قَرِينَةُ الْفَوْرِ وَهِيَ أَنَّهُ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ وَهِيَ مُعَجَّلَةٌ فَمَتَى لَمْ يَجِبْ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيجَابِ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ فَلَزِمَ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ الْإِثْمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَالْكَرْخِيُّ وَهُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَهِيَ

الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِهَا إذَا تَعَلَّقَتْ بِتَرْكِ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَاجِبًا لِأَنَّهُمَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَنْهُمَا مَا يُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (وَالْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ وَأَدْرَجَ الْحَنَفِيَّةُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ) فِي هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا (نَظَرًا إلَى أَنَّ وُجُوبَهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ) عَنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَا تَتَقَيَّدْ بِوَقْتٍ (وَالظَّاهِرُ تَقَيُّدُهَا بِيَوْمِهِ) أَيْ يَوْمِ الْفِطْرِ (مِنْ) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اغْنُوهُمْ إلَى آخِرِهِ) أَيْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ كَمَا هُوَ لَفْظُ الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي كُتُبِ مَشَايِخِنَا أَوْ عَنْ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ كَمَا فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ لِلْحَاكِمِ (فَبَعْدَهُ) أَيْ فَإِخْرَاجِهَا فِيمَا بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ (قَضَاءٌ وَوُجُوبُهُ) أَيْ الْمُطْلَقِ (عَلَى التَّرَاخِي أَيْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ) عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي يَلِي وَقْتَ وُرُودِ الْأَمْرِ لَا وُجُوبَ تَأْخِيرِهِ عَنْهُ (مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ فَوَاتُهُ) إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُطَالَبٌ بِإِتْيَانِهِ بِهِ فِي مُدَّةِ عُمُرِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخَلِّيَهَا مِنْهُ (عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْفِرَقِ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ (خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ) وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَقَالُوا: وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ (وَمَبْنَاهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ (أَنَّ الْأَمْرَ لِلْفَوْرِ أَوْ لَا) وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ مُسْتَوْفَى ثَمَّةَ. ثَانِيهُمَا وَاجِبٌ مُقَيَّدٌ كَمَا قَالَ (وَمُقَيَّدٌ بِهِ) أَيْ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ (يَفُوتُ) الْوَاجِبُ (بِهِ) أَيْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَقْتُ الْمُقَيَّدُ بِهِ الْوَاجِبُ (بِالِاسْتِقْرَاءِ) أَقْسَامٌ (أَرْبَعَةٌ) : الْقِسْمُ (الْأَوَّلُ أَنْ يَفْضُلَ الْوَقْتُ عَنْ الْأَدَاءِ وَيُسَمَّى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ظَرْفًا اصْطِلَاحًا) مُوَافِقًا لِلُّغَةِ لِأَنَّهُ لُغَةُ مَا يَحِلُّ بِهِ الشَّيْءُ وَالْأَدَاءُ يَحِلُّ فِيهِ نَعَمْ تَخْصِيصُهُ بِهِ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ (وَمُوَسَّعًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ) أَيْ بِالْمُوَسَّعِ (سَمَّاهُ فِي الْكَشْفِ الصَّغِيرِ) أَيْ كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحُ الْمَنَارِ لِمُؤَلَّفِهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بَلْ وَقَفْت عَلَيْهِ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِيمَا يَظْهَرُ وَسَأَذْكُرُ سِيَاقَهُ فِيمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (كَوَقْتِ الصَّلَاةِ) الْمَكْتُوبَةِ لَهَا فَإِنَّهُ (سَبَبٌ مَحْضٌ عَلَامَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ) أَيْ وُجُوبِهَا فِيهِ (وَالنِّعَمُ) الْمُتَتَابِعَةُ عَلَى الْعِبَادِ فِيهِ هِيَ (الْعِلَّةُ) الْمُثِيرَةُ لِلْوُجُوبِ فِيهِ (بِالْحَقِيقَةِ) لِأَنَّهَا صَالِحَةٌ لِوُجُوبِ الشُّكْرِ شَرْعًا وَعَقْلًا بِخِلَافِ نَفْسِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَإِنَّمَا جَعَلَ سَبَبًا مَجَازًا لِأَنَّهُ مَحِلّ حُدُوثِ النِّعَمِ فَأُقِيمَ مَقَامُهَا تَيْسِيرًا (وَشَرْطُ صِحَّةِ مُتَعَلِّقِهِ) أَيْ الْوُجُوبِ (مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ مُتَعَلِّقُهُ وَهُوَ الْمُؤَدَّى (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَمَا قَالَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ أَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ (ظَرْفِيَّتُهُ لِلْمُؤَدَّى وَهُوَ) أَيْ الْمُؤَدَّى (الْفِعْلُ وَشَرْطِيَّتُهُ لِلْأَدَاءِ وَهُوَ) أَيْ الْأَدَاءُ (غَيْرُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (غَلَطٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ الْمَفْعُولُ فِي الْوَقْتِ) كَالْهَيْئَةِ الْحَاصِلَة مِنْ الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْوَقْتِ الْمُسَمَّاةِ بِالصَّلَاةِ (هُوَ الْمُرَادُ بِالْأَدَاءِ لَا أَدَاءِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْفِعْلِ) وَهُوَ إخْرَاجُ الْفِعْلِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ (لِأَنَّهُ) أَيْ فِعْلَ الْفِعْلِ أَمْرٌ (اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ وَفِيهِ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (مَسْأَلَةُ السَّبَبِ) لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا (الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْوَقْتِ عَيْنًا لِلسَّبَقِ وَالصَّلَاحِيَّةِ بِلَا مَانِعٍ وَعَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ) السَّبَبُ (هُوَ) أَيْ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْوَقْتِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ (فَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْأَدَاءُ انْتَقَلَتْ) السَّبَبِيَّةُ مِنْهُ (كَذَلِكَ) أَيْ كَمَا انْتَقَلَتْ مِنْ الْأَوَّلِ (إلَى مَا) أَيْ الْجُزْءِ الَّذِي بَعْدَهُ بِشَرْطِ أَنَّهُ (يَتَّصِلُ بِهِ) الْأَدَاءُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى مَا يَلِيهِ كَذَلِكَ حَتَّى الْجُزْءَ (الْأَخِيرَ وَعِنْدَ زُفَرَ) يَنْتَقِلُ مِنْ جُزْءٍ إلَى جُزْءٍ حَتَّى إلَى (مَا يَسَعُ مِنْهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْأَدَاءُ) هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ (وَبَعْدَ خُرُوجِهِ) السَّبَبِ (جُمْلَتُهُ اتِّفَاقًا) قُلْت وَيَطْرُقُهُ مَا فِي التَّحْقِيقِ وَذَهَبَ أَبُو الْيُسْرِ إلَى أَنَّ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ مُتَعَيِّنٌ لِلسَّبَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَافَ الْوُجُوبُ إلَى كُلِّ الْوَقْتِ بَعْدَ مُضِيِّهِ بِحَالٍ (فَتُؤَدَّى عَصْرُ يَوْمِهِ فِي) الْوَقْتِ (النَّاقِصِ) وَهُوَ وَقْتُ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ وَجَبَ نَاقِصًا لِأَنَّ نُقْصَانَ السَّبَبِ مُؤَثِّرٌ فِي نُقْصَانِ الْمُسَبَّبِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ مُؤَثِّرٌ فِي فَسَادِ الْمِلْكِ فَيَتَأَدَّى بِصِفَةِ النُّقْصَانِ (لَا أَمْسَهُ) أَيْ وَلَمْ يَتَأَدَّ عَصْرُ أَمْسِهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ النَّاقِصِ (لِأَنَّهُ) أَيْ سَبَبَ عَصْرِ أَمْسِهِ (نَاقِصٌ مِنْ وَجْهٍ) لِاشْتِمَالِ جُمْلَةِ الْوَقْتِ عَلَى الْوَقْتِ النَّاقِصِ فَالْوَاجِبُ بِهِ كَذَلِكَ (فَلَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ)

أَيْ فِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ (مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) لِأَنَّهُ دُونَهُ ذَكَرَ فِي مُخْتَلِفَاتِ الْقَاضِي الْغَيَّ (وَاعْتَرَضَ بِلُزُومِ صِحَّتِهِ) أَيْ عَصْرِ أَمْسِهِ (إذَا وَقَعَ بَعْضُهُ فِيهِ) أَيْ الْوَقْتِ النَّاقِصِ وَبَعْضُهُ فِي الْوَقْتِ الْكَامِلِ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْوَقْتَ حِينَئِذٍ كَامِلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ نَاقِصٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْوَاجِبِ لَكِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ (فَعَدَلَ) عَنْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ الْوَقْتَ الْكَامِلَ لَمَّا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النَّاقِصِ تَعَيَّنَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ كَامِلًا مَيْلًا (إلَى تَغْلِيبِ الصَّحِيحِ) الْأَكْثَرِ عَلَى الْفَاسِدِ الْأَقَلِّ (لِلْغَلَبَةِ) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى (فَوَرَدَ مَنْ أَسْلَمَ وَنَحْوُهُ) كَمَنْ بَلَغَ وَمَنْ طَهُرَ مِنْ حَائِضٍ (فِي) الْوَقْتِ (النَّاقِصِ) فَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى مَضَى (لَا يَصِحُّ مِنْهُ) قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ (فِي نَاقِصٍ غَيْرِهِ) مِنْ الْأَوْقَاتِ النَّاقِصَةِ (مَعَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ) لِلسَّبَبِ (فِي حَقِّهِ إلَى الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْوَقْتِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلْوُجُوبِ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَجَبَ بِهَا الْأَدَاءُ لِتَقَرُّرِ تَعَيُّنِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ لِلسَّبَبِيَّةِ فِي حَقِّ مَنْ هَذَا حَالُهُ (فَأُجِيبَ بِأَنَّ لَا رِوَايَةَ) فِي هَذَا عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ (فَيَلْتَزِمُ الصِّحَّةَ) فِيهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَعَزَاهُ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَوْ عَدَمِهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْأَوْجُهُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَنَّهُ لَا نَقْصَ فِي الْوَقْتِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَدَاءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّ النُّقْصَانَ لَازِمُ الْأَدَاءِ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ) الْأَخِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِعَبَدَةِ الشَّمْسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (لَا الْجُزْءِ) لِلْوَقْتِ مُطْلَقًا مِمَّا عَدَا هَذَا الْجُزْءِ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ (فَتُحْمَلُ) النُّقْصَانُ فِي الْأَدَاءِ فِيهِ (لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ فِيهِ) بِسَبَبِ شَرَفِ الْوَقْتِ وَوُرُودِ السُّنَّةِ بِهِ (فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ) فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْحَالُ كَمَا قَالَ (وَلَا نَقَصَ) فِي الْوَقْتِ أَصْلًا (وَجَبَ الْكَامِلُ) فَلَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا مَعَ عَدَمِ الْجَابِرِ لَهُ (قَالُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ: (كَوْنُهُ) أَيْ السَّبَبِ الْجُزْءَ (الْأَوَّلَ يُوجِبُ كَوْنَ الْأَدَاءِ بَعْدَهُ) أَيْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَقْتِ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْأَدَاءُ (قَضَاءً) كَمَا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ الْأَدَاءُ بِالْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ (وَ) كَوْنُهُ (الْكُلُّ) أَيْ كُلُّ الْوَقْتِ (يُوجِبُهُ) أَيْ الْأَدَاءُ (بَعْدَهُ) أَيْ الْوَقْتِ ضَرُورَةَ لُزُومِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ (وَهُمَا) أَيْ كَوْنُ الْأَدَاءِ بَعْدَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَقْتِ فِي الْوَقْتِ قَضَاءً وَإِيجَابُ الْفِعْلِ بَعْدَ الْوَقْتِ أَدَاءً (مُنْتَفِيَانِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِالتَّفْوِيتِ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِالْإِجْمَاعِ (قُلْنَا) : نَخْتَارُ الْأَوَّلَ ثُمَّ (الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ) كَوْنُ الْأَدَاءِ بَعْدَهُ قَضَاءً (لَوْ لَمْ يَكُنْ) الْجُزْءُ الْأَوَّلُ (سَبَبًا لِلْوُجُوبِ الْمُوَسَّعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ) أَيْ كَوْنَهُ (عَلَامَةً عَلَى تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْفِعْلِ مُخَيَّرًا فِي أَجْزَاءِ زَمَانٍ مُقَدَّرٍ يَقَعُ أَدَاءً فِي كُلٍّ مِنْهَا) أَيْ الْأَجْزَاءِ (كَالتَّخْيِيرِ فِي الْمَفْعُولِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَجَمِيعُهُ) أَيْ الْوَقْتِ (وَقْتُ الْأَدَاءِ وَالسَّبَبُ الْجُزْءُ السَّابِقُ) وَهَذَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الثَّلْجِيِّ وَعَامَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَنَصَّ السَّرَخْسِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا سَتَعْلَمُ فَلَا جَرَمَ أَنْ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ (وَلَا تَنْعَكِسُ الْفُرُوعُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا السَّبَبُ هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ عَيْنًا لَا تَنْعَكِسُ الْفُرُوعُ الْمَذْهَبِيَّةُ بَلْ يَسْتَمِرُّ قَوْلُنَا إنَّ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ إلَخْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَلْزَمُ الْأَدَاءَ فِيهِ نُقْصَانُ الْمُؤَدَّى لَا يَصِحُّ أَدَاءُ عَصْرِهِ فِي مِثْلِهِ مِنْ يَوْمٍ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَا يَجِبُ دَائِمًا كَامِلٌ إذْ لَا نَقْصَ فِي الْوَقْتِ كَمَا حُقِّقَ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ فِيهِ نَقْصٌ إلَّا عَصْرُ يَوْمِهِ كَمَا قُلْنَا (وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ الْمَفْعُولَ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ (قَضَاءً بَعْدُهُ) أَيْ بَعْدَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ وَفِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ (وَ) عَنْ (بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ السَّبَبَ الْجُزْءُ (الْأَخِيرُ فَفِيمَا قَبْلَهُ) أَيْ فَالْفِعْلُ قَبْلَ الْأَخِيرِ (نَفْلٌ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ لَيْسَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ) أَيْ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ بِأَنَّ الْمَعْزُوَّ إلَى بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَ صَحِيحًا عَنْهُمْ قُلْت: وَيُعَكِّرُهُ مَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلشَّيْخِ أَبِي بَكْرِ الرَّازِيّ بَعْدَ حِكَايَةِ مَا عَنْ الثَّلْجِيِّ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْوُجُوبَ فِي مِثْلِهِ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ فَإِنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ: إنَّ مَا فَعَلَهُ

فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ نَفْلٌ يَمْنَعُ لُزُومَ الْفَرْضِ فِي آخِرِهِ وَقَالَتْ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى مِنْ أَصْحَابِنَا: مَا فَعَلَهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُرَاعَى فَإِنْ لَحِقَ آخِرَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخِطَابِ بِهَا كَانَ مَا أَدَّاهُ فَرْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْخِطَابِ بِهَا كَانَ الْمَفْعُولُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ نَفْلًا اهـ مُخْتَصَرًا وَنَصَّ فِي الْكَشْفَيْنِ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ قَوْلَانِ لِمَشَايِخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا عَنْ الْكَرْخِيِّ مُوَافَقَةً لِابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ فَقَالَ (وَإِنَّمَا عَنْ الْكَرْخِيِّ إذَا لَمْ يَبْقَ بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ أَوَّلِ الْوَقْتِ (بِأَنْ يَمُوتَ أَوْ يُجَنَّ كَانَ) ذَلِكَ الْمَفْعُولُ (نَفْلًا) وَفِي الْمِيزَانِ عَنْ الْكَرْخِيِّ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا هَذَا وَالثَّانِيَةُ مَا قَبْلَهُ قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَهْجُورَةٌ وَالثَّالِثَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَصَّاصِ عَنْهُ أَنَّ الْوَقْتَ كُلَّهُ وَقْتُ الْفَرْضِ وَعَلَيْهِ أَدَاؤُهُ فِي وَقْتٍ مُطْلَقٍ مِنْ جَمِيعِ الْوَقْتِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأَدَاءِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْوُجُوبُ بِالْأَدَاءِ أَوْ بِتَضْيِيقِ الْوَقْتِ فَإِنْ أَدَّى فِي أَوَّلِهِ يَكُونُ وَاجِبًا وَإِنْ أَخَّرَ لَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ قَبْلَ التَّعْيِينِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ يَتَعَيَّنُ الْوُجُوبُ حَتَّى يَأْثَمَ بِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهَا (وَالْكُلُّ) مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلٌ (بِلَا مُوجِبٍ) وَتَشَبَّثَ كُلٌّ مِمَّنْ يُعَلِّقُهُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَا غَيْرَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَقَّتَ لَا يَنْتَظِرُ لِوُجُوبِهِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهِ سِوَى دُخُولِ الْوَقْتِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ مَعَ أَسْبَابِهَا وَإِذَا ثَبَتَ الْوُجُوبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَهُ لِامْتِنَاعِ التَّوَسُّعِ فِي الْوُجُوبِ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْوَاجِبَ مَا لَا يَسَعَ تَرْكُهُ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَالتَّوَسُّعُ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ يُعَلِّقُهُ بِآخِرِ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ التَّأْخِيرُ إلَى التَّضَيُّقِ وَامْتَنَعَ التَّوَسُّعُ كَانَ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِآخِرِهِ وَإِنَّ مَا قَبْلَهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْإِيجَابِ وَبِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَاضَتْ فِي آخَرِ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا وَأَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي آخَرِ الْوَقْتِ يَقْصُرُ إذَا لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا وَالْفُقَهَاءُ مِنْ أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَزِمَتْهَا وَأَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَقَامَ فِي آخِرِهِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ يُتِمُّهَا ثُمَّ الْمُؤَدَّى إمَّا أَنْ يَكُونَ نَفْلًا كَمَا قَالَ الْبَعْضُ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّرْكِ فِي أَوَّلِهِ لَا إلَى بَدَلٍ وَأَثِمَ وَهَذَا حَدُّ النَّفْلِ إلَّا أَنَّ بِأَدَائِهِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ وَهُوَ إظْهَارُ فَضْلِ الْوَقْتِ فَيُمْنَعُ لُزُومُهُ الْفَرْضَ كَمُحْدِثٍ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ يَقَعُ نَفْلًا وَمَعَ هَذَا يُمْنَعُ لُزُومُ فَرْضِ الْوَقْتِ بَعْدَ دُخُولِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا كَمَا قَالَ الْبَعْضُ كَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ لِلْمُصَدِّقِ كَشَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً فَإِنَّهُ إنْ تَمَّ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ يَدِ الْمُصَدِّقِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً تَشَبُّثٌ سَاقِطٌ فَإِنَّ النُّصُوصَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] «وَقَوْلِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْإِمَامَةِ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا أَيْ لِوَقْتِهَا وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَآخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ الْعَصْرُ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَطْبِيقَ الصَّلَاةِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَلَا فِعْلِهَا فِي كُلِّ جُزْءٍ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ أُرِيدَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ صَالِحٌ لِلْأَدَاءِ وَالْمُكَلَّفُ مُخَيَّرٌ فِيهِ فَثَبَتَ التَّوَسُّعُ شَرْعًا ضَرُورَةً لِامْتِنَاعِ قِسْمٍ آخَرَ وَلَيْسَ هُوَ مَعَ الْوُجُوبِ بِمُمْتَنِعٍ عَقْلًا فَإِنَّ قَوْلَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: خِطْ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ إمَّا فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ صَحِيحٌ عَقْلًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقَالَ مَا أَوْجَبَ شَيْئًا أَوْ أَوْجَبَ مَضِيقًا وَهُمَا مُحَالَانِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَوْجَبَ مُوَسَّعًا. ثُمَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ طَهُرَتْ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ الْبَاقِي مِنْهُ مَا يَسَعُهَا وَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ مُعَلَّقًا بِأَوَّلِهِ لَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ فَوَاتِ أَوَّلِهِ كَمَا لَوْ فَاتَ جَمِيعُ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَعَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْفَرْضِ لَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَلَا بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَوْ كَانَ نَفْلًا كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ لَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَوْ مَوْقُوفًا كَمَا زَعَمَ آخَرُونَ لَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَاسْتَوَتْ فِيهِ نِيَّةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَفِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَقَوْلُهُمْ وُجِدَ فِي

مسألة الواجب بالسبب

الْمُؤَدَّى أَوَّلَ الْوَقْتِ حَدُّ النَّفْلِ لِأَنَّهُ لَا عِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ فَاسِدٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ تَرْكٌ بَلْ هُوَ تَأْخِيرٌ بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْأَقْسَامَ فِي الْفِعْلِ ثَلَاثَةٌ: فِعْلٌ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْوَاجِبُ وَفِعْلٌ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ النَّدْبُ وَفِعْلٌ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَجْمُوعِ الْوَقْتِ لَكِنْ لَا يُعَاقَبُ بِالْإِضَافَةِ إلَى بَعْضِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ وَهَذَا قِسْمٌ ثَالِثٌ مُفْتَقِرٌ إلَى عِبَارَةٍ ثَالِثَةٍ وَحَقِيقَتُهُ لَا تَعْدُو النَّدْبَ وَالْوُجُوبَ فَأَوْلَى الْأَلْقَابِ بِهِ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ وَقَدْ وَجَدْنَا الشَّرْعَ يُسَمِّي هَذَا الْقِسْمَ وَاجِبًا بِدَلِيلِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى نِيَّةِ الْفَرْضِ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَعَلَى أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ ثَوَابَ الْفَرْضِ لَا ثَوَابَ النَّدْبِ فَإِذَنْ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ لَا يُنْكِرُهَا الْعَقْلُ، وَالنِّزَاعُ يَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ وَاللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى اهـ وَهَذَا السِّيَاقُ الَّذِي تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهِ (وَإِنَّمَا يَلْزَمُ) كَوْنُهُ قَضَاءً بَعْدَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فِي الْوَقْتِ (لَوْ كَانَ) الْجُزْءُ (الْأَوَّلُ سَبَبَ) الْوُجُوبِ (الْمَضِيقِ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (تَتَقَرَّرُ السَّبَبِيَّةُ عَلَى مَا) أَيْ الْجُزْءِ الَّذِي (يَلِيهِ الشُّرُوعُ) فِي الْوَاجِبِ (فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ (مَا سَنَذْكُرُ) فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي الْمَسْأَلَةَ الَّتِي تَلِي هَذِهِ وَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [مَسْأَلَة الواجب بِالسَّبَبِ] (مَسْأَلَةُ الْوَاجِبِ بِالسَّبَبِ الْفِعْلُ عَيْنًا مُخَيَّرًا) فِي أَجْزَاءِ زَمَانِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ (كَمَا قُلْنَا) آنِفًا فِي السَّابِقَةِ (وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ جُزْءٍ) مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ مَا لَمْ يَتَضَيَّقْ (أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ) أَيْ الْفِعْلِ (وَمِنْ الْعَزْمِ عَلَيْهِ) أَيْ الْفِعْلِ (فِيمَا بَعْدَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْجُزْءِ الْخَالِي هُوَ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الْفِعْلِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا مَا يَسَعُ الْفِعْلَ تَعَيَّنَ الْفِعْلُ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَعْزِمْ) عَلَى الْفِعْلِ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ (عَصَى وَعِنْدَ زُفَرَ عَصَى بِالتَّأْخِيرِ عَنْ قَدْرِ مَا يَسَعُ) الْأَدَاءَ مِنْ آخَرِ الْوَقْتِ (وَدَفْعُ) قَوْلِ الْقَاضِي (بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْجُزْءِ) الَّذِي لَيْسَ بِالْأَخِيرِ مِنْ آخَرِ الْوَقْتِ (مُمْتَثِلٌ لِكَوْنِهِ مُصَلِّيًا لَا) لِكَوْنِهِ (آتِيًا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ) الْفِعْلِ أَوْ الْعَزْمِ مُبْهَمًا وَلَوْ كَانَ هُنَا تَخْيِيرٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْعَزْمِ لَكَانَ الِامْتِثَالُ بِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَمُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمَفْهُومِ الْمُطْلَقِ كَمَا يُعْلَمُ فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ بِالتَّخْيِيرِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْقَاضِي (دَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الدَّفْعِ (بِأَنْ لَا مُنَافَاةَ) بَيْنَ كَوْنِهِ مُصَلِّيًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ آتِيًا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مُبْهَمًا لِكَوْنِهِ أَحَدَ جُزْأَيْهِ (فَلْيَكُنْ) مُمْتَثِلًا (لِكَوْنِ الصَّلَاةِ أَحَدَهُمَا) أَيْ الْأَمْرَيْنِ مُبْهَمًا (وَدَعْوَى التَّعَيُّنِ) أَيْ بِأَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ مِنْهُمَا (مَحَلُّ النِّزَاعِ إنَّمَا ذَلِكَ) أَيْ وُجُوبُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ (عِنْدَ التَّضَيُّقِ) فِي الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا مَا يَسَعُهَا وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ (وَفِي الْبَدِيعِ) فِي جَوَابِ قَوْلِ الْقَاضِي وَبِأَنَّهُ (لَوْ كَانَ الْعَزْمُ بَدَلًا) عَنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ أَتَى بِهِ (سَقَطَ بِهِ الْمُبْدَلُ) وَهُوَ الصَّلَاةُ (كَسَائِرِ الْإِبْدَالِ) كَالْجُمُعَةِ لِلظُّهْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا (مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ سُقُوطَهَا بِهِ لِأَنَّا لَا نَعْنِي أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهَا مُطْلَقًا (بَلْ) نَعْنِي أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ إيقَاعِهَا فِيمَا عَدَا الْجُزْءَ الْأَخِيرَ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ (اللَّازِمُ سُقُوطُ وُجُوبِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْبَدَلِيَّةُ لَيْسَتْ إلَّا فِي هَذَا الْقَدْرِ) أَيْ فِي سُقُوطِ وُجُوبِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِالْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي ثَانِي الْحَالِ قِيلَ وَأَيْضًا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ الْعَزْمَ وَحْدَهُ بَدَلًا بَلْ الْعَزْمُ مَعَ الْفِعْلِ فِي آخِرِهِ فَتَحَقَّقَ الْعَزْمُ فِيمَا عَدَا الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مَعَ تَرْكِ الْفِعْلِ فِيهِ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْبَدَلِ بِكَمَالِهِ (بَلْ الْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِ الْقَاضِي (أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَاجِبِ بِالْوَقْتِ وَلَا تَعَلُّقَ لِوُجُوبِ الْعَزْمِ بِهِ) أَيْ بِالْوَقْتِ (بَلْ وُجُوبُ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِ كُلِّ وَاجِبٍ) مُوَسَّعًا كَانَ أَوْ مُضَيَّقًا إجْمَالًا عِنْدَ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ إجْمَالًا وَتَفْصِيلًا عِنْدَ تَذَكُّرِهِ بِخُصُوصِهِ كَالصَّلَاةِ حُكْمٌ (مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ) يَثْبُتُ مَعَ ثُبُوتِ الْإِيمَانِ سَوَاءٌ دَخَلَ وَقْتُ الْوَاجِبِ أَوْ لَا فَهُوَ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَمَعَهُ بِحَسَبِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ لِيَتَحَقَّقَ التَّصْدِيقُ الَّذِي هُوَ الْإِذْعَانُ وَالْقَبُولُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالصَّلَاةِ وَمُقَيِّدًا كَوْنَ الْعَزْمِ بَدَلًا عَنْ الْفِعْلِ (هَذَا وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ مَذْهَبَ الْقَاضِي أَنَّ الْوَاجِبَ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ الصَّلَاةُ أَوْ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (بَعْدَهُ) أَيْ أَوَّلِ الْوَقْتِ (فِيهِ) أَيْ الْوَقْتِ (كَمَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْمُتَكَلِّمِينَ) إذْ فِي بُرْهَانِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ تَجْدِيدَ الْعَزْمِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي بَلْ يَحْكُمُونَ بِأَنَّ الْعَزْمَ الْأَوَّلَ يَنْسَحِبُ عَلَى جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَانْسِحَابِ النِّيَّةِ

مسألة تثبت السببية لوجوب الأداء في الواجب البدني بأول الوقت

عَلَى الْعِبَادَةِ الطَّوِيلَةِ مَعَ عُزُوبِهَا (لَا أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ يَلْزَمُ فِيهِ الْفِعْلُ أَوْ الْعَزْمُ الْمُسْتَلْزِمُ لِاسْتِصْحَابِ الْعَزْمِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ) لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ بِأَنَّ الْعَزْمَ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ كَافٍ وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مَا أَسَلَفنَا مِنْ أَنَّ هَذَا التَّخْيِيرَ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ أَمَّا فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ فَيَتَعَيَّنُ الْفِعْلُ قَطْعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ تَثْبُتُ السَّبَبِيَّةُ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الْوَاجِبِ الْبَدَنِيِّ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ] (مَسْأَلَةٌ تَثْبُتُ السَّبَبِيَّةُ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ) فِي الْوَاجِبِ الْبَدَنِيِّ (بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُوسِعًا كَمَا ذَكَرْنَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِخِلَافِ الْمَالِيِّ فَيَثْبُتُ بِالنِّصَابِ) الْمَمْلُوكِ لَهُ (وَالرَّأْسِ) الَّذِي يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ (أَوْ الْفِطْرِ) أَيْ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (وَالدَّيْنِ) الْمُؤَجَّلِ إلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ (أَصْلُ الْوُجُوبِ) لِلزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَتَفْرِيغِ الذِّمَّةِ مِنْ الدَّيْنِ (وَتَأَخُّرُ وُجُوبِ الدَّيْنِ) إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ وَطُلُوعِ فَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَحُلُولِ الْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ (بِدَلِيلِ السُّقُوطِ) لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَنْ الْمُكَلَّفِ (بِالتَّعْجِيلِ) لَهَا (وَهُوَ) أَيْ سُقُوطُهَا (فَرْعٌ سَبَقَ الْوُجُوبُ) لَهَا (وَ) فَرْعٌ (تَأَخَّرَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ جُمْهُورِهِمْ (كَذَلِكَ) أَيْ قَائِلُونَ بِانْفِصَالِ الْوُجُوبِ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ (فِي الْبَدَنِيِّ أَيْضًا) كَمَا فِي الْمَالِيِّ (فَثَبَتَ بِالْأَوَّلِ) مِنْ إجْزَاءِ الْوَقْتِ (أَصْلُ الْوُجُوبِ فَيُعْتَبَرُ حَالُ الْمُكَلَّفِ فِي) الْجُزْءِ (الْأَخِيرِ) مِنْ الْوَقْتِ (مِنْ الْحَيْضِ وَالْبُلُوغِ وَالسَّفَرِ وَأَضْدَادِهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ وَالصِّبَا وَالْإِقَامَةِ (فَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً أَوَّلَ الْوَقْتِ فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى حَاضَتْ آخِرَهُ لَا قَضَاءَ) عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَ الْبَاقِي مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ أَوْ تَحْرِيمَتَهَا فَقَطْ وَقَالَ زُفَرُ إنْ بَقِيَ مَا يَسَعُهَا لَا قَضَاءَ وَإِلَّا فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَدْرَكَ مَنْ عَرَضَ لَهُ إحْدَى هَذِهِ الْعَوَارِضِ قَبْلَ عُرُوضِهَا قَدْرَ الْفَرْضِ أَخَفُّ مَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَإِلَّا، فَلَا (وَفِي قَلْبِهِ) أَيْ إذَا كَانَتْ حَائِضًا أَوَّلَ الْوَقْتِ ثُمَّ طَهُرَتْ آخِرَهُ (قَلْبُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارَ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَالْبَاقِي قَدْرُ الْغُسْلِ مَعَ مُقَدِّمَاتِهِ كَالِاسْتِقَاءِ وَخَلْعِ الثَّوْبِ وَالتَّسَتُّرِ عَنْ الْأَعْيُنِ وَالتَّحْرِيمَةِ فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا وَفِي شَرْحٍ لِلْبَزْدَوِيِّ وَمَا ذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغُسْلُ الْمَسْنُونُ أَوْ الْفَرْضُ وَالظَّاهِرُ الْفَرْضُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ رُجْحَانُ جَانِبِ الطَّهَارَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ مَا لَمْ يُدْرِكْ مَا يَسَعُ جَمِيعَ الْوَاجِبِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَالَ الْكُفْرُ وَالْجُنُونُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ يَجِبُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا يَجِبُ عِنْدَ زُفَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ إذَا زَالَتْ هَذِهِ الْعَوَارِضُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الظُّهْرِ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْعِشَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ إدْرَاكُ زَمَنِ الطَّهَارَةِ، وَيُشْتَرَطُ امْتِدَادُ السَّلَامَةِ مِنْ الْمَوَانِعِ زَمَنَ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ (وَلَا يُنْكِرُونَ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (إمْكَانَ ادِّعَاءِ الشَّافِعِيَّةِ لَكِنْ ادَّعَوْهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ إمْكَانَهُ (غَيْرَ وَاقِعٍ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى نَائِمٍ كُلَّ الْوَقْتِ وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ (فَرْعُ وُجُودِ الْوُجُوبِ) عَلَيْهِ حَالَةَ النَّوْمِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، كَمَا لَا يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْ حَدَثَتْ لَهُ أَهْلِيَّةٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ بِإِسْلَامٍ أَوْ بُلُوغٍ وَأَوْرَدَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً عِبَادَةً تَلْزَمُهُ بَعْدَ حُدُوثِ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ بِخِطَابٍ مُبْتَدَأٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ وَهُوَ مَا رَوَى النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَأُجِيبُ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ شَرَائِطَ الْقَضَاءِ فِيهِ كَالنِّيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ كَانَ ابْتِدَاءَ فَرْضٍ لَمَا رُوعِيَتْ وَدُفِعَ بِأَنَّ عِنْدَ الْخَصْمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي حَقِّ النِّيَّةِ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي الصَّوْمِ بَلْ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ مَا عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ وَلَوْلَا الْعُذْرُ لَوَجَبَ فِي الْوَقْتِ وَبِهَذَا لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمَا وَجَبَا عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي حَالَةِ سُقُوطِ أَدَائِهِمَا عَنْهُ وَسَتَقِفُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ دَفْعُهُ وَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَا اعْتِبَارَ لِقَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ) أَيْ الْقَضَاءَ الْمَذْكُورَ (أَدَاءً مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ فَخْرَ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ أَيْ انْفِكَاكُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَتَرَاخِيهِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ كَالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا مَرَّ عَلَيْهِمَا وَقْتُ جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَجَنْبُ الْأَصْلِ

وَتَرَاخِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَالْخِطَابِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ هُنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ النَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَقِظَةِ وَالِانْتِبَاهِ أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ، وَقَالَ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْقَوَاعِدِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْأَدَاءَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا بِالْأَمْرِ هُوَ مَا يَأْتِيَانِ بِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَالْمِثْلُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ الْمُكَلَّفُ مُخَاطَبًا بِالْأَصْلِيِّ وَقَدْ فَاتَهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِفَهْمِ الْخِطَابِ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ أَبِي الْمُعِينِ فَيَنْدَفِعُ بِمَا يَنْدَفِعُ بِهِ وَالْأَشْبَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ قِوَامِ الدِّينِ الْأَتْقَانِيِّ اسْتِعَارَةُ مَعْنَى الْأَدَاءِ لِلْقَضَاءِ لِوُجُودِ مَعْنَى التَّسْلِيمِ فِيهِمَا لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْأَدَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ إذْ هِيَ تَسْلِيمُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُجَرَّدَ التَّسْلِيمِ فَلَا يُخَالِفُ فِي الْمَعْنَى كَوْنُهُ قَضَاءً كَمَا أَطْلَقَهُ الْقَوْمُ (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى انْتِفَاءِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ النَّائِمِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ فِيهِ أَيْضًا الْأَدَاءَ نَوْعَانِ نَوْعٌ يَكُونُ نَفْسُ الْفِعْلِ فِيهِ مَطْلُوبًا حَتَّى يَأْثَمَ بِتَرْكِهِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اسْتِطَاعَةِ سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَنَوْعٌ لَا يَكُونُ نَفْسُ الْفِعْلِ فِيهِ مَطْلُوبًا بَلْ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ ثُبُوتُ خَلْفِهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ حَتَّى لَا يَأْثَمَ بِتَرْكِ الْفِعْلِ وَيَكْفِي فِيهِ تَصَوُّرُ ثُبُوتِ الِاسْتِطَاعَةِ فَفِي مَسْأَلَةِ النَّائِمِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ غَيْرُ مَوْجُودٍ لِفَوَاتِ اسْتِطَاعَةِ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي مَوْجُودٌ لِتَصَوُّرِ حُدُوثِهَا بِالِانْتِبَاهِ فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى هَذَا وَعَدَمُ الْإِثْمِ بِنَاءً عَلَى انْتِقَاءِ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ مَا يُوَافِقُ هَذَا وَلَكِنْ عَلَى هَذَا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ انْفِصَالَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ وَقِيلَ الْقَضَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَى نَفْسِ الْوُجُوبِ دُونَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِمَعْنَى أَنَّ الْوُجُوبَ إذْ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ أَوْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَإِنْ أَمْكَنَ إيجَابُ الْأَدَاءِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ ثَابِتًا أَوَّلًا ثُمَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ لِفَوَاتِهِ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَصْلُحَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِإِفْضَائِهِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ لِمَانِعٍ ظَهَرَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْخَلْفِيَّةِ وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ وَهُوَ الْوَقْتُ يَصْلُحُ لِلْإِفْضَاءِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْتَيْقِظِ وَالْمُفِيقِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْقَضَاءِ فِي حَقِّ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ قَالَ الْكَاكِيُّ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُرَدُّ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ وَلَكِنْ يُرَدُّ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا بِهَذَا الطَّرِيقِ اهـ هَذَا وَقَدْ عَلَّلُوا عَدَمَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ الْوَقْتَ كُلَّهُ بِعَدَمِ الْخِطَابِ؛ لِأَنَّ خِطَابَ مَنْ لَا يَفْهَمُ لَغْوٌ وَفِي التَّلْوِيحِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ عَدَمَ الْخِطَابِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ اللَّغْوُ أَنْ لَوْ كَانَ مُخَاطَبًا بِأَنْ يَفْعَلَ فِي حَالَةِ النَّوْمِ مَثَلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِأَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ وَالْمَرِيضُ مُخَاطَبٌ بِأَنْ يَفْعَلَ فِي الْوَقْتِ أَوْ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ كَمَا فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا خِطَابَ الْمَعْدُومِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ صُدُورُ الْفِعْلِ حَالَةَ الْوُجُودِ حَتَّى قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ الْقُدْرَةُ الَّتِي بِهَا يَتَمَكَّنُ الْمَأْمُورُ مِنْ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا عِنْدَ الْأَمْرِ بَلْ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَبْعُوثًا إلَى النَّاسِ كَافَّةً وَصَحَّ أَمْرُهُ فِي حَقِّ مَنْ وُجِدَ بَعْدَهُ وَيَلْزَمُهُمْ الْأَدَاءُ بِشَرْطِ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ وَيَتَمَكَّنُوا مِنْ الْأَدَاءِ وَقَدْ يُصَرَّحُ بِذَلِكَ، كَالْمَرِيضِ يُؤْمَرُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا بَرَأَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء: 103] أَيْ إذَا أَمِنْتُمْ مِنْ الْخَوْفِ فَصَلُّوا بِلَا إيمَاءٍ اهـ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّائِمُ مُخَاطَبًا بِأَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ، وَالْمَرِيضُ مُخَاطَبًا بِأَنْ يَفْعَلَ فِي الْوَقْتِ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ، وَإِلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ أَيْضًا مُكَلَّفًا، وَمُخَاطَبًا بِأَنْ يَفْعَلَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهِمَا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي أَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ كَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِأَدَائِهِ وَلَيْسَ شَرْطًا فِي التَّكْلِيفِ بِوُجُوبِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ الْمُكَلَّفُ النَّائِمُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مُكَلَّفًا

بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا انْتَبَهَ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ كَانَ النَّائِمُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا - فَانْتَبِهْ - بَالِغًا لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ فَهْمِ الْخِطَابِ ثُمَّ إنَّ الْخِطَابَ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ إنَّمَا هُوَ الْخِطَابُ بِتَنْجِيزِ التَّكْلِيفِ وَالْخِطَابُ بِالْمَعْدُومِ بِمَعْنَى التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ وَهُوَ كَوْنُ الْمَعْدُومِ مَأْمُورًا وَمُكَلَّفًا عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْخِطَابِ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ وَالْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ وَالنَّائِمِ وَالْمُسْتَيْقِظِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّعَجُّبُ اهـ لَكِنَّ كَوْنَ الصَّبِيِّ إذَا اسْتَيْقَظَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بَالِغًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَكَذَا صِحَّةُ صَوْمِ الْمُسَافِرِ عَنْ الْفَرْضِ فَرْعُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسَافِرِ لِعَدَمِ جَوَازِ التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْوُجُوبِ (وَعَدَمُ إثْمِهِ) أَيْ الْمُسَافِرِ (لَوْ مَاتَ بِلَا أَدَاءً فِي سَفَرِهِ) دَلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ حَذَفَهُ لِإِرْشَادِ مَا قَبْلَهُ إلَيْهِ (وَصَرَّحُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (بِأَنْ لَا طَلَبَ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ بَلْ هُوَ) أَيْ أَصْلُ الْوُجُوبِ (مُجَرَّدُ اعْتِبَارٍ مِنْ الشَّارِعِ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (جَبْرًا لِفِعْلٍ كَالشُّغْلِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ) أَيْ الدَّيْنُ (فِعْلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَالِ أَوْ تَسْلِيمُهُ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ وَالْوُجُوبُ صِفَةُ الْأَفْعَالِ لَا الْأَعْيَانِ وَأَوْرَدَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَوْفَى فُلَانٌ الدَّيْنَ صَحِيحٌ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ فِعْلًا لَكَانَ الْمَعْنَى أَوْفَى الْإِيفَاءَ وَإِنَّ الْمَالَ يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا كَمَا فِي عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَاجِبَةٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْإِيفَاءَ هُوَ الْأَدَاءُ، وَالْفِعْلُ يُوصَفُ بِهِ وَبِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَيَّنَ الْفِعْلَ فَيُقَالُ أَدَّى الصَّلَاةَ وَقَضَاهَا أَيْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ وَأَتَى بِهِ فَكَذَا هُنَا مَعْنَى أَوْفَى الدَّيْنَ أَتَى بِهَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَالِ أَوْ تَسْلِيمُهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمَالَ يُوصَفُ بِهِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَحَلُّ الْوُجُوبِ كَالْمَوْهُوبِ يُسَمَّى هِبَةً، أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَالَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْفِعْلِ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْوُجُوبِ فَلَا يُقَالُ جِدَارٌ وَاجِبٍ كَمَا يَصِحُّ وَصْفُ الْفِعْلِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْمَالِ كَالصَّلَاةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْوُجُوبَ حَقِيقَةٌ مِنْ خَصَائِصِ الْفِعْلِ. (وَقَدْ يَشْكُلُ الْمَذْهَبَانِ) أَيْ مَذْهَبَا الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (بِأَنَّ الْفِعْلَ بِلَا طَلَبٍ كَيْفَ يَسْقُطُ الْوَاجِبُ وَهُوَ) أَيْ الْوَاجِبُ إنَّمَا يَكُونُ وَاجِبًا (بِالطَّلَبِ، وَالسُّقُوطُ) إنَّمَا يَكُونُ (بِتَقَدُّمِهِ) أَيْ الطَّلَبِ أَيْضًا. (وَقَصْدُ الِامْتِثَالِ) إنَّمَا يَكُونُ (بِالْعِلْمِ بِهِ) أَيْ بِالطَّلَبِ وَهُوَ يَقْتَضِي سَبْقَ الْوُجُوبِ (وَالشَّافِعِيَّةُ إنْ أَرَادُوهُ) أَيْ أَرَادُوا بِنَفْسِ الْوُجُوبِ مَا أَرَادَ الْحَنَفِيَّةُ (فَكَذَلِكَ) أَيْ وَرَدَ عَلَيْهِمْ مَا وَرَدَ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إسْقَاطٌ قَبْلَ الطَّلَبِ (وَإِنْ دَخَلَهُ طَلَبٌ قُلْنَا لَا يَعْقِلُ طَلَبُ فِعْلٍ بِلَا أَدَائِهِ وَقَضَائِهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْفِعْلَ (إمَّا مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ وَهُوَ) أَيْ الْمُطْلَقُ عَنْهُ (مَطْلُوبُ الْأَدَاءِ فِي الْعُمُرِ أَوْ مُقَيَّدٌ بِهِ) أَيْ الْوَقْتِ (فَهُوَ مَطْلُوبُ الْأَدَاءِ فِيهِ) أَيْ فِي وَقْتِهِ (مُخَيَّرًا فِي الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الْمُوسِعُ ثُمَّ) مَطْلُوبُ الْأَدَاءِ فِيهِ (مُضِيفًا) عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ (وَقَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ يَتَضَيَّقُ) الْوُجُوبُ (عِنْدَ الشُّرُوعِ وَتَتَقَرَّرُ السَّبَبِيَّةُ لِلَّذِي يَلِيهِ) الشُّرُوعُ (يَلْزَمُهُ كَوْنُ الْمُسَبَّبِ هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلسَّبَبِ وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْمُسَبَّبِ هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلسَّبَبِ (عَكْسُ وَضْعِهِ) أَيْ الْمُسَبَّبِ (وَ) عَكْسُ (وَضْعِ الْعَلَامَةِ) فَإِنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلْمُسَبَّبِ وَالْعَلَامَةُ هِيَ الْمَعْرِفَةُ لِمَا هِيَ عَلَامَةٌ لَهُ (وَمُفَوِّتًا) وَالظَّاهِرُ وَمُفَوِّتٍ (لِمَقْصُودِهَا) أَيْ الْعَلَامَةِ وَهِيَ التَّعْرِيفُ بِمَا هِيَ عَلَامَةٌ لَهُ عَطْفٌ عَلَى عَكْسٍ (وَبِهِ) أَيْ بِكَوْنِ الْمُسَبَّبِ هُنَا هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلسَّبَبِ (يَصِيرُ) هَذَا الْقَوْلُ (أَبْعَدَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَرْذُولِ أَنَّ التَّكْلِيفَ مَعَ الْفِعْلِ لِقَوْلِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (إنَّ الطَّلَبَ لَمْ يَسْبِقْهُ) أَيْ الْفِعْلَ (إذْ لَا طَلَبَ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ) أَيْ أَصْلُ الْوُجُوبِ (السَّابِقِ) عَلَى الْفِعْلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْ يَلْزَمُ الْحَنَفِيَّةَ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْفِعْلِ مَعَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي تَقَدَّمَ تَزْيِيفُهُ وَبُطْلَانُهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا الثَّابِتُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ أَصْلُ الْوُجُوبِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا طَلَبَ عَنْهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا يَتَضَيَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ لَيْسَ ذَاكَ بَلْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ قَبْلَ ذَلِكَ طَلَبٌ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْمُتَعَلِّقِ وَالْمُتَضَيِّقِ عِنْدَ الشُّرُوعِ

مسألة الأداء فعل الواجب في وقته المقيد به شرعا

هُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَهُوَ ذَلِكَ الْمَذْهَبُ بِعَيْنِهِ وَبِاسْتِلْزَامِ عَكْسِ وَضْعِ الْعَلَامَةِ وَالسَّبَبُ صَارَ أَبْعَدَ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّبَبِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ عَيْنًا بِقَوْلِنَا فِيهِ مَا سَنَذْكُرُ (وَالْوَجْهُ أَنَّ مَا أَمْكَنَ فِيهِ اعْتِبَارُ وُجُودِ الْأَدَاءِ بِالسَّبَبِ مُوَسَّعًا اُعْتُبِرَ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ يَثْبُتُ بِالشُّغْلِ) لِلذِّمَّةِ (وُجُوبُ الْأَدَاءِ مُوَسَّعًا أَيْ مُخَيَّرًا إلَى الْحُلُولِ أَوْ الطَّلَبِ بَعْدَهُ) أَيْ الْحُلُولِ (فَيَتَضَيَّقُ) وُجُوبُ الْأَدَاءِ حِينَئِذٍ (وَكَالثَّوْبِ الْمُطَارِ) أَيْ الَّذِي أَطَارَتْهُ الرِّيحُ (إلَى إنْسَانٍ يَجِبُ) أَدَاؤُهُ مُوَسَّعًا (إلَى طَلَبِ مَالِكِهِ) فَيَتَضَيَّقُ حِينَئِذٍ (وَمَا لَا) يُمْكِنُ فِيهِ اعْتِبَارُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالسَّبَبِ مُوَسَّعًا (كَالزَّكَاةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْأَدَاءُ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُوَسَّعًا فَإِمَّا إلَى الْحَوْلِ فَيَتَضَيَّقُ وَإِمَّا إلَى آخِرِ الْعُمُرِ وَالْأَوَّلُ) أَيْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُوَسَّعًا إلَى الْحَوْلِ (فَيَتَضَيَّقُ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ الْأَدَاءِ (بَعْدَ الْحَوْلِ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى مَا اخْتَارُوهُ) كَمَا أَسْلَفْنَاهُ (وَكَذَا الثَّانِي) أَيْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُوَسَّعًا إلَى آخِرِ الْعُمُرِ مُنْتَفٍ (لِأَنَّ حَاصِلَهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ فَيَضِيعُ مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْحُلُولِ نَعَمْ يَتِمُّ) كَوْنُ الزَّكَاةِ وَاجِبَةَ الْأَدَاءِ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُوَسَّعًا إلَى الْحَوْلِ (عَلَى) الْقَوْلِ (الْمُضَيِّقِ) لِلْوُجُوبِ (بِالْحَوْلِ وَالْمُصَرِّفِ) ثُمَّ قَوْلُهُ وَمَا لَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا (إقَامَةُ السَّبَبِ مُقَامَ الْوُجُوبِ شَرْعًا فِي حَقِّ التَّعْجِيلِ) قَبْلَ حَقِيقَةِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِإِذْنِ الشَّارِعِ فِي ذَلِكَ (فَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ لَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الِاعْتِبَارُ) وَهُوَ أَنَّ السَّبَبَ أُقِيمَ مُقَامَ الْوُجُوبِ شَرْعًا فِي حَقِّ التَّعْجِيلِ (أَوْ) يُعْتَبَرُ فِيهِ (أَنَّهُ بِالْمُبَادَرَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا شَرْعًا إلَى سَدِّ خَلَّةِ أَخِيهِ) الْفَقِيرِ (دَفَعَ عَنْهُ) أَيْ الْمُعَجِّلُ (الطَّلَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ) الطَّلَبُ (بِهِ شَرْعًا) وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ (أَلْزَمَ ذَلِكَ الدَّلِيلَ وَكَذَا فِي مُسْتَغْرِقِ الْوَقْتِ يَوْمًا) أُقِيمَ السَّبَبُ مُقَامَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي ثُبُوتِ مَصْلَحَةِ الْقَضَاءِ وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ ثُمَّ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَلَوْ أَرَادَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا) أَيْ أَنَّهُ أُقِيمَ السَّبَبُ مُقَامَ الْوُجُوبِ شَرْعًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ (لَمْ يَفْتَقِرُوا إلَى اعْتِبَارِ شَيْءٍ يُسَمَّى بِالْوُجُوبِ وَلَا طَلَبَ فِيهِ وَلَا تَكَلُّفَ كَلَامٍ زَائِدٍ وَلَا يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرُوا إلَّا عَلَى ذَلِكَ) . [مَسْأَلَةٌ الْأَدَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَيَّدِ بِهِ شَرْعًا] (مَسْأَلَةٌ الْأَدَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَيَّدِ بِهِ شَرْعًا) ثُمَّ أَوْضَحَ الْوَقْتَ الْمُقَيَّدَ بِهِ شَرْعًا بِاتِّبَاعِهِ بِقَوْلِهِ (الْعُمُرَ وَغَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْعُمُرِ لِيَشْمَلَ الْوَاجِبَ الْمُطْلَقَ وَالْمُؤَقَّتَ (وَهُوَ) أَيْ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ (تَسَاهُلٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُؤَقَّتِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِكَوْنِهِ أَدَاءً وُجُودُ جَمِيعِهِ فِي الْوَقْتِ بَلْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (بَلْ) الشَّرْطُ (ابْتِدَاؤُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (فِي غَيْرِ الْعُمُرِ كَالتَّحْرِيمَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ) فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّ بِإِدْرَاكِهَا فِي الْوَقْتِ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ أَدَاءً وَإِنْ كَانَ مَا سِوَاهَا مَفْعُولًا خَارِجَهُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ مُطْلَقًا وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ تَبَعًا لِمَا فِي الْوَقْتِ (وَرَكْعَةٍ لِلشَّافِعِيَّةِ) فَإِنَّ بِإِدْرَاكِهَا فِي الْوَقْتِ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ أَدَاءً وَإِنْ كَانَ مَا سِوَاهَا مَفْعُولًا خَارِجَهُ عَلَى مَا هُوَ أَصَحُّ الْأَوْجَهُ عِنْدَهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَفِي الْمُحِيطِ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا أَدَاءً وَبَعْضُهَا قَضَاءً كَمُصَلِّي الْعَصْرِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ عَلَيْهِ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ يُتِمُّ الْبَاقِيَ قَضَاءً لَا أَدَاءً وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا النَّاطِفِيُّ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَبُو حَامِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الشَّافِعِيَّةِ قِيلَ وَهُوَ التَّحْقِيقُ اعْتِبَارًا لِكُلِّ جُزْءٍ بِوَفَائِهِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلٌ. (وَالْإِعَادَةُ فِعْلُ مِثْلِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ مَرَّةً أُخْرَى (لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ وَ) غَيْرِ (عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ) فِي نَفْسِ الْوَاجِبِ فَفِعْلُ مِثْلِهِ شَامِلٌ لِلْقَضَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَفِيهِ مُخْرِجٌ لِفِعْلِ مِثْلِهِ بَعْدَهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَعْضُ وَإِلَّا فَقَوْلُ الْمِيزَانِ الْإِعَادَةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إتْيَانُ مِثْلِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ بِأَنْ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِعْلٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَأَدَّاهُ عَلَى وَجْهِ النُّقْصَانِ وَهُوَ نُقْصَانٌ فَاحِشٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَهِيَ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ اهـ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ثَانِيًا فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَ الْوَقْتِ يَكُونُ إعَادَةً كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالْبَاقِي مُخْرِجٌ لِمَا يَفْعَلُ ثَانِيًا لِمُفْسِدٍ فِي الْأَوَّلِ كَتَرْكِ

رُكْنٍ أَوْ لِعَدَمِ صِحَّةِ شُرُوعٍ لِفَقْدِ شَرْطٍ مَقْدُورٍ مِنْ طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ لَمَّا فَسَدَ أَوْ لَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِيهِ شَرْعًا حُكِمَ الْعَدَمُ شَرْعًا فَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ لِلثَّانِي الْجَامِعُ لِمُوجِبِ الِاعْتِبَارِ شَرْعًا وَهُوَ أَدَاءٌ إنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ وَقَضَاءٌ إنْ وَقَعَ خَارِجَهُ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِالْخَلَلِ مَا يُؤَثِّرُ نَقْصًا فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ بِهِ سُجُودُ السَّهْوِ كَمَا يُعْطِيهِ قُوَّةَ كَلَامِ الْمِيزَانِ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ تَكُونُ الْإِعَادَةُ وَاجِبَةً فَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُرَّاحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَأَنَّ بِالْأَوَّلِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ كَالْجَبْرِ بِسُجُودِ السَّهْوِ فَلَا يَدْخُلُ فِي تَقْسِيمِ الْوَاجِبِ إلَى أَدَاءٍ وَقَضَاءٍ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَالشَّيْخِ حَافِظِ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ زَادَ أَبُو الْيُسْرِ وَيَكُونُ الْفَرْضُ هُوَ الثَّانِي وَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِي تَقْسِيمِ الْوَاجِبِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمِيزَانِ أَوْ عَنْ الْأَدَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ. وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ مُصْطَلَحُ الْأَكْثَرِينَ أَوْ أَنَّهُ قِسْمٌ ثَالِثٌ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاصِلِ وَالْمِنْهَاجِ، ثُمَّ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ لَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ إذْ هُوَ لَازِمٌ تَرْكَ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ اهـ. وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْإِعَادَةَ قِسْمٌ مِنْ الْأَدَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَإِنْ قُلْنَا الْفَرْضُ هُوَ الْأَوَّلُ فَهِيَ غَيْرُهُمَا، وَإِنْ قُلْنَا الثَّانِي فَهِيَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى اصْطِلَاحِ أَصْحَابِنَا وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهَا فِعْلُ الشَّيْءِ ثَانِيًا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لِخَلَلٍ فِي فِعْلِهِ أَوَّلًا مِنْ فَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا الْإِخْفَاءِ فِي أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهَا أَدَاءٌ وَقِيلَ لِعُذْرٍ أَيْ لِخَلَلٍ فِي فِعْلِهِ أَوَّلًا أَوْ حُصُولِ فَضِيلَةٍ لَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِهِ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُذْرَ أَعَمُّ مِنْ الْخَلَلِ وَهُوَ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ اللَّوْمُ وَعَلَى هَذَا قِيلَ لَعَلَّ بِهِ عُذْرًا وَأَنْتَ تَلُومُ فَالصَّلَاةُ الْمَفْعُولَةُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ جَمَاعَةً بَعْدَ فِعْلِهَا عَلَى الِانْفِرَادِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ إعَادَةً عَلَى هَذَا لِحُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ دُونَ الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ الْخَلَلِ وَعَلَى هَذَا فَالْإِعَادَةُ أَعَمُّ مِنْ الْأَدَاءِ. (وَالْقَضَاءُ) تَعْرِيفُهُ بِنَاءً (عَلَى أَنَّهُ) وَاجِبٌ (بِسَبَبِهِ) أَيْ الْأَدَاءِ (فِعْلُهُ) أَيْ الْوَاجِبِ (بَعْدَهُ) أَيْ الْوَقْتِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى اعْتِرَاضٍ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ الْقَضَاءُ يَجِبُ بِسَبَبِ الْأَدَاءِ نَفْسِهِ فَالْمُقْتَضَى هُوَ نَفْسُ الْوَاجِبِ الْمُقَيَّدِ بِالْوَقْتِ إذَا فَعَلَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ مَعَ تَعْرِيفِهِمْ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ أَدَاءٌ مِثْلُ الْوَاجِبِ فَقَالَ (فَفِعْلُ مِثْلِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ (بَعْدَهُ) أَيْ الْوَقْتِ (خَارِجٌ) عَنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْأَدَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَالْقَضَاءِ ثُمَّ قَالَ اسْتِطْرَادًا (كَفِعْلِ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ مِنْ السُّنَنِ) بِوَقْتٍ (وَالْمُقَيَّدِ) مِنْهَا بِوَقْتٍ (كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ) فَإِنَّهَا لَا تُوصَفُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ حَقِيقَةً عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ. عَلَى أَنَّ الْأَدَاءَ نَوْعَانِ: وَاجِبٌ وَنَفْلٌ وَتَعْرِيفُهُ عَلَى هَذَا فِعْلُ مَا طَلَبَ مِنْ الْعَمَلِ بِعَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَ أَبُو زَيْدٍ أَوْ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا طَلَبَ شَرْعًا كَمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ (وَمَنْ يُحَقِّقُ الْقَضَاءَ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ) مِثْلُ سُنَّةِ الْفَجْرِ كَمَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ (يُبَدِّلُ الْوَاجِبَ بِالْعِبَادَةِ) فَيَقُولُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ بَعْدَ وَقْتِهَا أَوْ فِعْلُ مِثْلِ عَيْنِ مَا طَلَبَ شَرْعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ (فَتَسْمِيَةُ الْحَجِّ) الصَّحِيحِ (بَعْدَ) الْحَجِّ (الْفَاسِدِ قَضَاءً) كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ مَشَايِخِنَا وَغَيْرِهِمْ (مَجَازٌ) ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ الْعُمُرُ فَهُوَ أَدَاءٌ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا وَإِعَادَةٌ عَلَى تَعْرِيفِهَا الْمَذْكُورِ لِلشَّافِعِيَّةِ (وَتَضْيِيقُهُ) أَيْ وَقْتِ الْحَجِّ (بِالشُّرُوعِ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَتَأْخِيرُهُ إلَى عَامٍ آخَرَ كَمَا ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ كَوْنُهُ قَضَاءً بَعْدَ الْإِفْسَادِ لِفَوَاتِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِهِ كَمَا زَعَمُوا (كَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ) ثَانِيًا

(بَعْدَ إفْسَادِهَا وَالْتِزَامِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ) أَيْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ (أَنَّهَا) أَيْ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ (قَضَاءٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ وَقْتُهَا بِدُخُولِهِ فَفَاتَ وَقْتُ إحْرَامِهِ بِهَا (بَعِيدٌ إذْ لَا يَنْوِي) الْقَضَاءَ بِهَا اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَتْ قَضَاءً لَوَجَبَتْ نِيَّتُهُ. قُلْت وَقَوْلُ السُّبْكِيّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا قَضَاءً وُجُوبُ نِيَّةِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّا لَا نَشْرِطُ نِيَّةَ الْقَضَاءِ فِي الْقَضَاءِ وَلَا نِيَّةَ الْأَدَاءِ فِي الْأَدَاءِ عَجَبٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعَدُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ فَمُرَادُهُمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ الصِّحَّةَ لِمَنْ نَوَى جَاهِلَ الْوَقْتِ لِغَيْمٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ ظَانًّا خُرُوجَ الْوَقْتِ أَوْ بَقَاءَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ظَنِّهِ، أَمَّا الْعَالِمُ بِالْحَالِ فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ قَطْعًا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ تَصْرِيحِهِمْ وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْقَضَاءِ مُبْطِلَةٌ لِلْمُؤَدِّي بَعْدَ الْإِفْسَادِ فَلَا يُمْكِنُ نِيَّتُهُ، ثُمَّ التَّضْيِيقُ بِالشُّرُوعِ بِفِعْلِهِ لَا بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَالنَّظَرُ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ إلَى أَمْرِ الشَّرْعِ (وَبَعْضُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ هِيَ (إعَادَةٌ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ عَلَى تَعْرِيفِهَا لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَاسْتِبْعَادُ قَوْلِ الْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (فِيمَنْ) أَدْرَكَ وَقْتَ الْفِعْلِ، ثُمَّ (أَخَرَّ) الْفِعْلَ (عَنْ جُزْءٍ) مِنْهُ (مَعَ ظَنِّ مَوْتِهِ قَبْلَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (حَتَّى أَثِمَ) بِالتَّأْخِيرِ (اتِّفَاقًا) حَيْثُ قَالَ الْقَاضِي (إنَّهُ) أَيْ فِعْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا أَوَّلًا (قَضَاءٌ) خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ فِي كَوْنِهِ أَدَاءً (إنْ أَرَادَ) بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ (نِيَّةُ الْقَضَاءِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الظَّنَّ كَمَا صَارَ سَبَبًا لِتَعَيُّنِ ذَلِكَ الْوَقْتِ جُزْءًا صَارَ سَبَبًا أَيْضًا لِخُرُوجِ مَا بَعْدَهُ عَنْ كَوْنِهِ مُقَدَّرًا أَوَّلًا بِالْكُلِّيَّةِ ثَابِتٌ وَهُوَ خَبَرُ اسْتِبْعَادٍ لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَخُرُوجِ مَا بَعْدَهُ عَنْ كَوْنِهِ مُقَدَّرًا لَهُ أَوَّلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ تَعَيُّنَ ذَلِكَ الْجُزْءِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْعِصْيَانِ وَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُهُ فِي خُرُوجِ مَا بَعْدَهُ عَنْ كَوْنِهِ وَقْتًا عِنْدَ ظُهُورِ فَسَادِ الظَّنِّ الْمُقْتَضِي لِتَعَيُّنِهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا (فَلَفْظِيٌّ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّهُ فِعْلٌ وَاقِعٌ فِي وَقْتٍ كَانَ مُقَدَّرًا لَهُ شَرْعًا أَوَّلًا وَهُمْ يُوَافِقُونَهُ فِي كَوْنِهِ وَاقِعًا خَارِجَ مَا صَارَ وَقْتًا لَهُ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَلَا مُنَازَعَةَ فِي الْمَعْنَى (وَتَعْرِيفُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (بِفِعْلِ مِثْلِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ (إنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْقَضَاءَ (بِآخَرَ) أَيْ بِسَبَبٍ غَيْرِ سَبَبِ الْأَدَاءِ. (وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (بِمِثْلِ مَعْقُولٍ) أَيْ مُدْرِكٍ لِلْعَقْلِ مُمَاثَلَتَهُ لِلْفَائِتِ كَالصَّلَاةِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِلصَّوْمِ هَلْ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ أَوْ بِأَمْرٍ آخَرَ (فَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ) مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ وَعَامَّةُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَجِبُ (بِأَمْرٍ آخَرَ وَالْمُخْتَارُ لِلْحَنَفِيَّةِ) كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعِيهِمْ يَجِبُ (بِهِ) أَيْ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمِثْلَ بِالْمَعْقُولِ؛ لِأَنَّهُ بِمِثْلِ غَيْرِ مَعْقُولٍ أَيْ غَيْرِ مُدْرِكٍ لِلْعَقْلِ مُمَاثَلَتَهُ لِلْفَائِتِ لِعَجْزِهِ لَا أَنَّ الْعَقْلَ يَنْفِيهِ وَيْحُكُمْ بِعَدَمِ مُمَاثَلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ وَهِيَ لَا تَتَنَاقَضُ كَالْفِدْيَةِ لِلصَّوْمِ لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ بِالِاتِّفَاقِ (لِلْأَكْثَرِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ اقْتِضَاءِ صُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ صُمْ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا) لَوْ اقْتَضَاهُ (كَانَا) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَصَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (سَوَاءً) فِي كَوْنِهِمَا أَدَاءً بِمَنْزِلَةِ صُمْ إمَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِمَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ فَلَا يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ (وَالْجَوَابُ مُقْتَضَاهُ أَمْرَانِ الْتِزَامُ الصَّوْمِ وَكَوْنُهُ) أَيْ الصَّوْمِ (فِيهِ) أَيْ يَوْمِ الْخَمِيسِ. (فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الثَّانِي) وَهُوَ كَوْنُهُ فِيهِ الَّذِي بِهِ كَمَالُ الْمَأْمُورِ بِهِ (لِفَوَاتِهِ بَقِيَ اقْتِضَاؤُهُ الصَّوْمَ لَا فِي) خُصُوصِ (الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ) مِنْ الْمُسَاوَاةِ (لَوْ اقْتَضَاهُ) أَيْ صُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ الصَّوْمَ (فِي مُعَيَّنٍ) غَيْرِهِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (نَعَمْ لَوْ اقْتَضَى فَوَاتُهُ) أَيْ الْأَدَاءِ (ظُهُورَ بُطْلَانِ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ وَمَفْسَدَتَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى ظُهُورَ وَبِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى بُطْلَانِ (سَقَطَ) الْوَاجِبُ بِالْكُلِّيَّةِ (لِلْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ) وَهُوَ ظُهُورُ بُطْلَانِ مَصْلَحَتِهِ وَمَفْسَدَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ اقْتِضَاءُ فَوَاتِهِ ذَلِكَ (بَعِيدٌ إذْ عَقْلِيَّةُ حُسْنِ الصَّلَاةِ وَمَصْلَحَتُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ كَقَبْلِهِ) أَيْ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْوَقْتِ لِامْتِنَاعِ تَقْدِيمِ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ (وَغَايَةُ تَقْيِيدِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ (بِهِ) أَيْ

بِالْوَقْتِ (لِزِيَادَةِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ لِشَرَفِهِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ بِمَا وَجَبَ بِهِ الْأَدَاءُ (لَوْ لَمْ يَكُنْ) الْوَقْتُ (قَيْدًا فِيهِ) أَيْ فِي فِعْلِ الْوَاجِبِ (دَاخِلًا فِي الْمَأْمُورِ بِهِ جَازَ تَقْدِيمُهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ (مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَاجِبِ وَلَا وَاجِبَ قَبْلَ التَّعَلُّقِ) بِالْوَقْتِ فَصَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ غَيْرُ وَاجِبٍ قَبْلَ تَعَلُّقِهِ بِهِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَقَدْ انْدَرَجَ فِي هَذَا دَلِيلُ الْمُخْتَارِ (ثُمَّ قِيلَ ثَمَرَتُهُ) أَيْ الْخِلَافِ (فِي الصِّيَامِ الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ) إذَا فَاتَ وَقْتُهُ (يَجِبُ قَضَاؤُهُ عَلَى الثَّانِي) أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَسَنَذْكُرُ مَا فِيهِ (وَلَا) يَجِبُ (عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِأَمْرٍ آخَرَ لِعَدَمِ وُرُودِ دَلِيلٍ مَقْصُودٍ فِيهِ. قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمُنْتَخَبِ (وَقِيلَ الْقَضَاءُ) فِيهِ (اتِّفَاقٌ) ذَكَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ (فَلَا ثَمَرَةَ) لِهَذَا الْخِلَافِ وَفِيهِ بَحْثٌ فَاتَ فِي الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِسَبَبٍ آخَرَ مَقْصُودٍ غَيْرِ النَّذْرِ وَهُوَ التَّفْوِيتُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ مَقْصُودٍ حَتَّى كَأَنَّهُ إذَا فَوَّتَ فَقَدْ الْتَزَمَ الْمَنْذُورَ ثَانِيًا أَوْ قَضَاءَ الْمَنْذُورِ قَصْدًا وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِالنَّذْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفَوَاتُ عِنْدَ الْأَوَّلِينَ وَهُوَ عَدَمُ الْفِعْلِ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ كَالتَّفْوِيتِ وَهُوَ عَدَمُ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ فَاتَهُ الْأَدَاءُ لِعُذْرٍ لِعَدَمِ النَّصِّ الْمَقْصُودِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فِي حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَفِي التَّخْرِيجِ، وَإِنْ كَانَ الْفَوَاتُ عِنْدَهُمْ كَالتَّفْوِيتِ كَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَعَلَّهُ الْأَشْبَهُ فَلَا يَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي التَّخْرِيجِ لَا غَيْرُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَيُطَالِبُونَ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِالْأَمْرِ الْجَدِيدِ (بِالْأَمْرِ الْجَدِيدِ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَالْإِتْيَانِ بِهِ فِيهَا مُتَعَذَّرٌ فِيمَا يَظْهَرُ، ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا فِي الْمِيزَانِ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَهَكَذَا فِي عَامَّةِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ مَا فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْقَضَاءِ أَيَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ فَعَلَيْهِ أَنَّهُمْ يُطَالِبُونَ بِالنَّصِّ الْمَقْصُودِ (وَلَوْ قِيلَ) بَدَلَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ (بِسَبَبٍ) آخَرَ أَوْ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَمْرِ الَّذِي بِهِ وَجَبَ الْأَدَاءُ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ السَّرَخْسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ وَهُوَ أَوْلَى (شَمِلَ الْقِيَاسَ فَيُمْكِنُ) أَنْ يُجِيبُوا بِأَنَّ الدَّلِيلَ الْآخَرَ هُوَ الْقِيَاسُ (عَلَى الصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَعَلَى الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] اعْتِبَارًا لِمَا هُوَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً. وَأَمَّا مَا قِيلَ الْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبَتٌ فَيَكُونُ بَقَاءُ وُجُوبِ الْمَنْذُورِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي بَقَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ فِي الْكُلِّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ فَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَنُوقِضَ) الْمُخْتَارُ (بِنَذْرِ اعْتِكَافِ رَمَضَانَ إذَا لَمْ يَعْتَكِفْهُ) أَيْ رَمَضَانَ حَيْثُ (يَجِبُ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَضَاؤُهُ (بِصَوْمٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يُوجِبْهُ) أَيْ نَذْرُ اعْتِكَافِهِ صَوْمَهُ لِوُجُوبِهِ بِدُونِ النَّذْرِ (فَكَانَ) الْقَضَاءُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْأَدَاءِ (وَيَبْطُلُ) النَّذْرُ (كَأَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ) ابْنِ زِيَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِلَا صَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ، وَلَا إيجَابُهُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ (أُجِيبُ بِأَنَّهُ) أَيْ نَذْرَ الِاعْتِكَافِ (مُوجِبٌ) لِلصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ تَابِعٌ لَهُ فَيَجِبُ لِوُجُوبِهِ إلَّا أَنَّهُ (امْتَنَعَ) إيجَابُهُ لَهُ (فِي خُصُوصِ ذَلِكَ) أَيْ إضَافَتِهِ إلَى رَمَضَانَ بِعَارِضِ شَرَفِ الْوَقْتِ وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِصَوْمِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرْطٌ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ تَبَعًا لَا قَصْدًا (فَعِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ الْمَانِعِ وَهُوَ رَمَضَانُ (ظَهَرَ أَثَرُهُ) أَيْ نَذْرِ الِاعْتِكَافِ فِي إيجَابِ الصَّوْمِ كَمُتَطَهِّرٍ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ وَإِذَا انْتَقَضَتْ لَزِمَتْهُ لِأَدَائِهِمَا بِذَلِكَ النَّذْرِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ (وَلَزِمَ أَنْ لَا يَقْضِيَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ وَلَا وَاجِبٍ) آخَرَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لَكِنَّهُ مِمَّا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً فِي نَفْسِهِ فَإِذَا ظَهَرَ أَثَرُ النَّذْرِ فِي إيجَابِهِ

تذنيب لهذا البحث المتعلق بالأداء والقضاء

لَا يَتَأَدَّى بَعْدُ بِوَاجِبٍ آخَرَ كَمَا لَوْ نَذَرَهُ مُطْلَقًا أَوْ مُضَافًا إلَى غَيْرِ رَمَضَانَ (سِوَى قَضَاءِ) الرَّمَضَانِ (الْأَوَّلِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ (لِلْخَلْفِيَّةِ) أَيْ لِخَلْفِيَّةِ صَوْمِ الشَّهْرِ الْمُقْضَى عَنْ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ إذْ امْتِنَاعُ وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي هَذَا الِاعْتِكَافِ كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ لِشَرَفِ الْوَقْتِ وَقَدْ زَالَ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِاتِّصَالِهِ بِصَوْمِ الشَّهْرِ وَهُوَ بَاقٍ لِبَقَاءِ الْخَلْفِ فَيَجُوزُ لِبَقَاءِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ وَنَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِالْقَضَاءِ غَيْرُ الِاتِّصَالِ بِالْأَدَاءِ لِكَوْنِهِمَا غِيَرَيْنِ وَلَئِنْ سَلِمَ أَنَّ الِاتِّصَالَ عِلَّةٌ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ شَرَفِ الْوَقْتِ وَقَدْ فَاتَ وَمَنَعَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الِاتِّصَالُ بِصَوْمِ الشَّهْرِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَوْجُودٌ. [تَذْنِيبٌ لِهَذَا الْبَحْثِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ] (تَذْنِيبٌ) لِهَذَا الْبَحْثِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ يَشْتَمِلُ عَلَى أَقْسَامٍ لَهُمَا بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ (قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الْأَدَاءَ مُعَمِّمِينَ) التَّقْسِيمَ لَهُ (فِي الْمُعَامَلَاتِ) كَمَا فِي الْعِبَادَاتِ (إلَى كَامِلٍ) وَهُوَ الْمُسْتَجْمِعُ لِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمَشْرُوعَةِ (كَالصَّلَاةِ) الْمَشْرُوعِ فِيهَا الْجَمَاعَةُ مِثْلُ الْمَكْتُوبَةِ وَالْعِيدِ وَالْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ وَالتَّرَاوِيحِ (بِجَمَاعَةٍ) وَإِلَّا فَهِيَ صِفَةُ قُصُورٍ كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدِ (وَقَاصِرٍ) وَهُوَ مَا لَيْسَ بِمُسْتَجْمِعٍ لِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهِ (كَالصَّلَاةِ) الْمَكْتُوبَةِ إذَا صَلَّاهَا (مُنْفَرِدًا) وَكَيْفَ لَا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا» وَلَا مُنَافَاةَ فَإِنَّ الْقَلِيلَ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ أَوْ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ. (وَمَا) أَيْ وَأَدَاءٍ (فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ كَفِعْلِ اللَّاحِقِ) وَهُوَ مَنْ فَاتَهُ بَعْدَمَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِنَوْمٍ أَوْ سَبْقِ حَدَثٍ فَمَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ (بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ) فَهُوَ أَدَاءٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِي الْوَقْتِ قَضَاءٌ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ بِفَرَاغِهِ إذْ هُوَ مِثْلُ مَا انْعَقَدَ لَهُ إحْرَامُ الْإِمَامِ مِنْ الْمُتَابَعَةِ لَهُ وَالْمُشَارَكَةِ مَعَهُ لَا عَيْنُهُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ خَلْفَ الْإِمَامِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْعَزِيمَةُ فِي حَقِّهِ الْأَدَاءَ مَعَ الْإِمَامِ مُقَيَّدًا بِهِ وَقَدْ فَاتَهُ ذَلِكَ تَعَذَّرَ جَعْلُ الشَّارِعِ ذَلِكَ أَدَاءً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَصَحَّ اجْتِمَاعُهُمَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ مَعَ تَنَافِيهِمَا لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ أَدَاءً بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ قَضَاءً بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ جَعَلَ أَدَاءً شَبِيهًا بِالْقَضَاءِ لَا قَضَاءً شَبِيهًا بِالْأَدَاءِ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ (لَا يَقْرَأُ فِيهِ وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ وَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ) مِنْ الثُّنَائِيَّةِ إلَى الرُّبَاعِيَّةِ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا (بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ) فِيهِ فِي مَوْضِعٍ صَالِحٍ لَهَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَتَغَيَّرُ بِالْمُغَيَّرِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا لِانْقِضَائِهِ وَالْخَلَفُ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ فِي الْحُكْمِ فَكَذَا مَا فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي هَذَا. ثُمَّ هُوَ كَالْمُقْتَدِي حُكْمًا وَالْمُقْتَدِي لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ فَكَذَا مَا هُوَ مِثْلُهُ حُكْمًا بِخِلَافِ فِعْلِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ الْمُغَيَّرُ فِيهِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ يَصِيرُ فَرْضُهُ بِهِ أَرْبَعًا لِانْتِقَاءِ شَبَهِ الْقَضَاءِ فِيهِ وَقَبُولِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِلتَّغَيُّرِ بِالْمُتَغَيِّرِ فَكَذَا التَّبَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ فِي حُكْمِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ رَدُّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ سَالِمًا) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي غَصَبَهُ أَدَاءٌ كَامِلٌ لِكَوْنِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ (وَرَدُّهُ مَشْغُولًا بِجِنَايَةٍ) فِي يَدِهِ يَسْتَحِقُّ بِهَا رَقَبَتَهُ أَوْ طَرَفَهُ أَوْ بِدَيْنٍ بِاسْتِهْلَاكِهِ مَالَ إنْسَانٍ فِي يَدِهِ أَدَاءَ قَاصِرٍ لِكَوْنِهِ رَدًّا لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ وَلِأَصْلِ الْأَدَاءِ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمَالِكِ قَبْلَ الدَّفْعِ أَوْ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ بَرِئَ الْغَاصِبُ وَلِقُصُورِهِ إذَا دَفَعَ أَوْ قَتَلَ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بَيْعٌ فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ رَجَعَ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ كَأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يُوجَدْ (وَتَسْلِيمُ عَبْدِ غَيْرِهِ الْمُسَمَّى مَهْرًا بَعْدَ شِرَائِهِ) لِزَوْجَتِهِ الَّتِي سَمَّاهُ لَهَا أَدَاءً يُشْبِهُ الْقَضَاءَ فَكَوْنُهُ أَدَاءً؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالتَّسْمِيَةِ (فَتُجْبَرُ) الزَّوْجَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ قَبُولِهِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ مَنْعَهَا مِنْهُ. (وَيُشْبِهُ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ مَلَكَهُ حَتَّى نَفَذَ عِتْقُهُ) وَبَيْعُهُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ (مِنْهُ) أَيْ الزَّوْجِ (لَا مِنْهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ شَرْعًا لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ عَائِشَةَ وَأُهْدِيَ لِبَرِيرَةَ لَحْمٌ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدُمٍ مِنْ أُدُمِ الْبَيْتِ فَقَالَ أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ فَقَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَكَرِهْنَا أَنْ نُطْعِمَكَ مِنْهُ فَقَالَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ.» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا فَكَانَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مُصَادِفَةً مَحَلَّهَا فَيَنْفُذُ (وَ) قَسَّمُوا (الْقَضَاءَ إلَى مَا) أَيْ قَضَاءٍ (بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَغَيْرِ مَعْقُولٍ كَالصَّوْمِ لِلصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ لَهُ) أَيْ لِلصَّوْمِ وَهِيَ الصَّدَقَةُ بِنِصْفِ صَاعٍ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ بَدَلًا مِنْهُ عِنْدَ الْعَجْزِ الْمُسْتَدَامِ عَنْهُ فَالْأَوَّلُ مِثَالُ الْمَعْقُولِ وَالثَّانِي مِثَالُ غَيْرِ الْمَعْقُولِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ (وَمَا) أَيْ وَإِلَى قَضَاءٍ (يُشْبِهُ الْأَدَاءَ كَقَضَاءِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فِي الرُّكُوعِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيهِ وَخَافَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهَا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ لِلرُّكُوعِ، ثُمَّ أَتَى فِيهِ بِهَا (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) حَيْثُ قَالَ لَا يَأْتِي بِهَا فِيهِ، وَفِي التَّقْرِيبِ وَرَوَى هِلَالُ الرَّأْيِ عَنْ يُوسُفَ السَّمْتِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَهُ لِفَوَاتِهَا عَنْ مَحَلِّهَا وَهُوَ الْقِيَامُ وَعَدَمُ قُدْرَتِهِ عَلَى مِثْلِ مَنْ عِنْدَهُ قُرْبَةٌ فِي الرُّكُوعِ كَمَا لَوْ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ أَوْ الْقُنُوتَ، ثُمَّ رَكَعَ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرُّكُوعَ لَمَّا أَشْبَهَ الْقِيَامَ حَقِيقَةً مِنْ حَيْثُ بَقَاءُ الِانْتِصَابِ وَالِاسْتِوَاءِ فِي النِّصْفِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْبَدَنِ وَبِهِ فَارَقَ الْقِيَامُ الْقُعُودَ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَ عَالِيهِ مَوْجُودٌ فِيهِمَا وَحُكْمًا. لِأَنَّ الْمُدْرِكَ الْمُشَارِكَ لِلْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ مُدْرِكٌ لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَوَاتُ لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ شَرَعَ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا وَهُوَ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فِيمَا لَهُ شَبَهُ الْقِيَامِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا فِي حَالَةِ الِانْحِطَاطِ وَهِيَ مُحْتَسَبَةٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ تَكْبِيرَاتِهَا وَالتَّكْبِيرُ عِبَادَةٌ وَهِيَ تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي فِعْلِهَا لِبَقَاءِ جِهَةِ الْأَدَاءِ لَا بِبَقَاءِ الْمَحَلِّ مِنْ وَجْهٍ لَا بِاعْتِبَارِ جِهَةِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَالْقُنُوتِ فَإِنَّ كُلًّا غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِيمَا لَهُ شَبَهُ الْقِيَامِ بِوَجْهٍ ثُمَّ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَوَضْعَ الْكَفِّ عَلَى الرُّكْبَةِ سُنَّتَانِ إلَّا أَنَّ الرَّفْعَ فَاتَ هُنَا عَنْ مَحَلِّهِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْوَضْعَ لَمْ يَفُتْ فَكَانَ أَوْلَى، هَذَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ) الْمِثْلِيِّ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ مُتَقَارَبٍ (بِالْمِثْلِ صُورَةً) فَيَتْبَعُهَا الْمَعْنَى ضَرُورَةً كَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ بِالزَّيْتِ وَالْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَةِ قَضَاءَ كَامِلٍ مِثْلٌ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ. (ثُمَّ) ضَمَانُهُ بِالْمِثْلِ (مَعْنِيٌّ بِالْقِيمَةِ لِلْعَجْزِ) عَنْ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى لِانْقِطَاعِهِ بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْأَسْوَاقِ وَضَمَانِ الْقِيَمِيِّ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارَبِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ بِالْقِيمَةِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْقَضَاءِ بِالْمِثْلِ صُورَةَ قَضَاءٍ قَاصِرٍ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ، أَمَّا كَوْنُهُ قَضَاءً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ قَاصِرًا فَلِانْتِقَاءِ الصُّورَةِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ فَلِلْمُسَاوَاةِ فِي الْمَالِيَّةِ (وَبِغَيْرِ مَعْقُولٍ) أَيْ وَالْقَضَاءُ بِمِثْلِ قَاصِرٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ (ضَمَانُ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ بِالْمَالِ فِي) الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ (الْخَطَأِ) إذْ لَا مُمَاثَلَةَ صُورَةٍ بَيْنَ النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ وَالْمَالِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَالِكٌ مُبْتَذِلٌ وَالْمَالَ مَمْلُوكٌ مُبْتَذَلٌ وَلِلْقُصُورِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمِثْلِ الْكَامِلِ الْمَعْقُولِ وَهُوَ الْقِصَاصُ مُرَاعَاةً لِصِيَانَةِ نَفْسِ الْمَقْتُولِ أَوْ لِلطَّرَفِ عَنْ الْهَدْرِ وَلِلتَّخْفِيفِ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْقَاتِلِ وَالْجَانِي لِعَدَمِ قَصْدِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا. (وَإِعْطَاءُ قِيمَةِ عَبْدٍ سَمَّاهُ مَهْرًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ) قَضَاءً يُشْبِهُ الْأَدَاءَ (حَتَّى أُجْبِرَتْ) الزَّوْجَةُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى قِيمَةِ عَبْدٍ وَسَطٍ أَيْ قَبُولِهَا إيَّاهَا إذَا أَتَاهَا بِهَا كَمَا تُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ عَبْدٍ وَسَطٍ إذَا أَتَاهَا بِهِ لِكَوْنِهِ عَيْنَ الْوَاجِبِ (وَإِنْ كَانَتْ) الْقِيمَةُ (قَضَاءً لِشَبَهِهِ) أَيْ هَذَا الْقَضَاءِ (بِالْأَدَاءِ لِمُزَاحِمَتِهَا) أَيْ الْقِيمَةِ (الْمُسَمَّى إذْ لَا يُعْرَفُ) هَذَا الْمُسَمَّى لِجَهَالَتِهِ وَصْفًا (إلَّا بِهَا) أَيْ بِالْقِيمَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَعْيِينُهُ بِدُونِهَا وَلَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ فَصَارَتْ الْقِيمَةُ أَصْلًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُزَاحِمًا لِلْمُسَمَّى فَأَيُّهُمَا أَتَى بِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ بِدُونِ التَّقْوِيمِ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ قَضَاءً مَحْضًا فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (وَفِيهِ) أَيْ هَذَا الْحُكْمِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَرًا إلَى تَعْلِيلِهَا الْمَذْكُورِ. (نَظَرٌ) وَلَعَلَّهُ أَمَّا مَا قِيلَ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ تَتَعَيَّنَ الْقِيمَةُ وَلَا يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومُ الْجِنْسِ وَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ يَجِبُ هُوَ كَمَا لَوْ أَمْهَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ مَجْهُولَ الْوَصْفِ وَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ تَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ أَمْهَرَ عَبْدَ

غَيْرِهِ فَصَارَ الْوَاجِبُ كَأَنَّهُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ فَيَتَخَيَّرُ إذْ التَّسْلِيمُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ فَبِأَيٍّ أَتَاهَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَإِمَّا مَا قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ قِيمَتِهِ وَذَا يُوجِبُ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ وَيُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ أُجِيبُ بِأَنَّ التَّسْمِيَةَ إنَّمَا فَسَدَتْ فِي هَذِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِهَا ابْتِدَاءً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لِاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ عَبْدٌ أَوْ دَرَاهِمُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْعَبْدَ الْوَسَطَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَالْقِيمَةُ اُعْتُبِرَتْ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ تَسْلِيمِ الْمُسَمَّى إذْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِمَعْرِفَتِهَا لَا أَنَّهَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مَا سَمَّاهَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مُعَيَّنٌ فَاسْتَحَقَّ أَوْ هَلَكَ تَجِبُ الْقِيمَةُ مَهْرًا أَوْ يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِنَاءً عَلَى مُسَمًّى مَعْلُومٍ لَا ابْتِدَاءً فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَلَعَلَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ هُوَ الْأَظْهَرُ فِي كَوْنِهِ الْمُرَادَ وَلَا يَخْفَى مَا فِي جَوَابِهِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ النَّقَّادِ. (وَعَنْ سَبْقِ الْمُمَاثِلِ صُورَةً) وَمَعْنَى عَلَى الْمُمَاثِلِ مَعْنًى لَا غَيْرُ فِي الِاعْتِبَارِ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَطَعَ) يَدَ إنْسَانٍ عَمْدًا (ثُمَّ قَتَلَ) الْقَاطِعُ الْمَقْطُوعَ أَيْضًا (عَمْدًا قَبْلَ الْبُرْءِ) لِلْقَطْعِ (لِلْوَلِيِّ كَذَلِكَ) أَيْ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ مَعَ الْقَتْلِ مِثْلٌ كَامِلٌ لِفِعْلِهِ صُورَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَعْنًى وَهُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ بِلَا قَطْعٍ فَإِنَّهُ مِثْلٌ قَاصِرٌ لِمُسَاوَاتِهِ مَعْنًى لَا صُورَةً وَالْمِثْلُ الْكَامِلُ سَابِقٌ عَلَيْهِ فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهُ وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَاصِرِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا لَهُ الْعَفْوُ لَكِنْ قِيلَ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْقِصَاصَ لَوْ كَانَ بَيْنَ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ هُوَ وَلِيُّهُ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ الْكَبِيرُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْقَتْلِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الصَّغِيرِ فِي الْكَامِلِ وَهُوَ مُمْكِنٌ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا لَيْسَ لَهُ سِوَى الْقَتْلِ (بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَفْعَالَ جِنَايَةٌ (وَاحِدَةٌ) مَعْنًى عِنْدَهُمَا وَهِيَ الْقَتْلُ. (لِأَنَّ بِالْقَتْلِ ظَهَرَ أَنَّهُ) أَيْ الْجَانِيَ (قَصَدَهُ) أَيْ الْقَتْلَ (بِالْقَطْعِ) فَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِضَرَبَاتٍ (وَجِنَايَتَانِ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (وَمَا ذَكَرَا) مِنْ أَنَّ بِالْقَتْلِ ظَهَرَ أَنَّهُ قَصْدَهُ (لَيْسَ بِلَازِمٍ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَاحِيًا لِأَثَرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَفُوتُ بِهِ فَلَا تُتَصَوَّرُ السِّرَايَةُ بَعْدَ فَوَاتِهِ وَهُوَ عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِزْهَاقِ الرُّوحِ قَطْعًا فَوْقَ الْقَطْعِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً لِتَيَقُّنِهِ لَا لِلْقَطْعِ لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِالسِّرَايَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَخَلَّلَ الْبُرْءُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ وَيَقْتُلَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ وَاسْتَقَرَّ حُكْمُهَا بِالْبَرَاءَةِ، ثُمَّ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْكَامٌ أُخْرَى بِحَسَبِ اخْتِلَافِ وُجُوهِهَا تُعْرَفُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ (وَعَنْهُ) أَيْ سَبْقُ الْمُمَاثِلِ صُورَةً وَمَعْنًى عَلَى الْقَاصِرِ فِي الِاعْتِبَارِ أَيْضًا (قَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ (لَا يَضْمَنُ) الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ (الْمِثْلِيَّ بِالْقِيمَةِ إذَا انْقَطَعَ الْمِثْلُ) مِنْ أَيْدِي النَّاسِ (إلَّا يَوْمَ الْخُصُومَةُ) وَالْقَضَاءَ بِهَا (لِأَنَّ التَّضْيِيقَ) لِوُجُوبِ أَدَائِهِ الْمِثْلَ الْكَامِلَ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتُهُ (بِالْقَضَاءِ) بِهِ عَلَيْهِ (فَعِنْدَهُ) أَيْ الْقَضَاءِ بِهِ عَلَيْهِ (يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ) عَنْهُ فَيَتَحَوَّلُ إلَى الْقَاصِرِ. (بِخِلَافِ) الْمَغْصُوبِ (الْقِيَمِيِّ) حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ اتِّفَاقًا (لِأَنَّ وُجُوبَ قِيمَتِهِ بِأَصْلِ السَّبَبِ) الَّذِي هُوَ الْغَصْبُ (فَيُعْتَبَرُ) الْوُجُوبُ (يَوْمَ الْغَصْبِ وَلِأَبِي يُوسُفَ) فِي أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَةُ الْمِثْلِيِّ (يَوْمَ الْغَصْبِ) أَيْضًا أَنْ يُقَالَ (لِأَنَّهُ لَمَّا الْتَحَقَ) الْمِثْلِيُّ (بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ بِالِانْقِطَاعِ وَجَبَ الْخُلْفُ) وَهُوَ الْقِيمَةُ (وَوُجُوبُهُ) أَيْ الْخُلْفِ (بِسَبَبِ الْأَصْلِ) أَيْ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى (وَهُوَ) أَيْ السَّبَبُ (الْغَصْبُ وَمُحَمَّدٍ) قَالَ (الْقِيمَةُ لِلْعَجْزِ) عَنْ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى (وَهُوَ) أَيْ الْعَجْزُ (بِالِانْقِطَاعِ فَيُعْتَبَرُ يَوْمُهُ) أَيْ الِانْقِطَاعُ وَنَصَّ فِي التُّحْفَةِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَاتَّفَقُوا) أَيْ أَصْحَابُنَا (أَنْ بِإِتْلَافِ الْمَنَافِعِ) لِلْأَعْيَانِ كَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارُ (لَا ضَمَانَ لِعَدَمِ الْمِثْلِ الْقَاصِرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُمَاثِلُ الْعَيْنَ صُورَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْمَنْفَعَةَ لَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُصَانُ وَيُدَّخَرُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَالْمَنَافِعَ لَا تَبْقَى بَلْ كَمَا تُوجَدُ تَتَلَاشَى وَالتَّقَوُّمُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الضَّمَانِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْوُجُودِ؛. لِأَنَّ التَّقَوُّمَ لَا يَسْبِقُ الْوُجُودَ إذْ الْمَعْدُومُ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَبَعْدَ الْوُجُودِ لَا يُحْرَزْ لِعَدَمِ الْبَقَاءِ فَلَا يُتَقَوَّمُ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ لَا يَسْبِقُ الْإِحْرَازَ (وَالِاتِّفَاقُ) وَاقِعٌ (عَلَى نَفْيِ الْقَضَاءِ بِالْكَامِلِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُضْمَنُ بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ (لَوْ وَقَعَ)

ذَلِكَ فِيهَا (كَالْحَجْرِ عَلَى كَمِّيَّاتٍ مُتَسَاوِيَةٍ) أَيْ الْحَجْرِ عَلَى تَقْطِيعٍ وَاحِدٍ بِأُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَضْمَنُ مَنْفَعَةَ إحْدَاهَا بِالْأُخْرَى مَعَ وُجُودِ الْمُشَابَهَةِ صُورَةً وَمَعْنًى فَلَأَنْ لَا يَضْمَنَ بِالْأَعْيَانِ مَعَ أَنْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا صُورَةً وَمَعْنًى أَوْلَى وَلِمَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى ضَمَانِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالْعَيْنِ بِدَلِيلِ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَالِ لَا يَرِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَأَشَارَ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ (وُرُودُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ) أَيْ ثَبَتَ تَقَوُّمُهَا فِي الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْعَيْنِ مَقَامَهَا لِضَرُورَةِ حَاجَةِ النَّاسِ فَإِنَّ حَاجَتَهُمْ مَاسَّةٌ إلَى شَرْعِيَّةِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ يُضَافُ إلَيْهِ فَجُعِلَتْ مُحَرَّزَةً حُكْمًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِأَنْ أُقِيمَ الْعَيْنَ مَقَامَهَا وَأُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِ. وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْمَنَافِعِ حَتَّى لَوْ قَالَ آجَرْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا لَا يَصِحُّ وَلَيْسَ مِثْلُ هَذِهِ الضَّرُورَةِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنْ قِيلَ الْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى ضَمَانِهَا هُنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِي الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ انْفِتَاحَ بَابِ الظُّلْمِ وَإِبْطَالَ حَقِّ الْمُلَّاكِ بِالْكُلِّيَّةِ أُجِيبُ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ وَالْعُدْوَانُ مِمَّا يَنْدُرُ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَسَبِيلُهُ عَدَمُ الْوُجُودِ (وَلَمْ يَنْحَصِرْ دَفْعُهَا) أَيْ حَاجَةِ دَفْعِ الْعُدْوَانِ (فِي التَّضْمِينِ بَلْ الضَّرْبُ وَالْحَبْسُ أَدْفَعُ) لِلْعُدْوَانِ مِنْ التَّضْمِينِ وَنَحْنُ أَوْجَبْنَاهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا عَلَى الْمُتَعَدِّي تَعْزِيرًا لَهُ عَلَى عِدْوَانِهِ عَلَى أَنَّ ضَمَانَ الْمَنَافِعِ بِالْعَقْدِ لَوْ كَانَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْعُدْوَانُ عَلَيْهِ لِلْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ ضَمَانَ الْعَقْدِ إنَّمَا وَجَبَ بِالتَّرَاضِي وَلِلرِّضَا أَثَرٌ فِي إيجَابِ أَصْلِ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَفِي إيجَابِ الْفَضْلِ أَيْضًا. كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْفَضْلُ عَلَى الْقِيمَةِ لِرِضَاهُ بِهِ وَضَمَانِ الْعُدْوَانِ يُبْنَى عَلَى أَوْصَافِ الْعَيْنِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ بِجَبْرِ الْقَاضِي لَا عَلَى التَّرَاضِي فَانْتَفَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمَالِكِ بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ هَذَا، وَفِي الْمُجْتَبَى وَأَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ يُفْتُونَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُسَبَّلَاتِ وَالْأَوْقَافِ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيُوجِبُونَ أَجْرَ مَنَافِعِهَا عَلَى الْغَصَبَةِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا مَنَافِعُ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفَةِ مَضْمُونَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ لَا نَظَرًا لِلْوَقْفِ، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ لُزُومُ الْأَجْرَانِ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ بِكُلِّ حَالٍ وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى ضَمَانِ الْمَنَافِعِ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ إذَا كَانَ الْعَيْنُ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ بَلْ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ مَبَاحِثِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَنْبَغِيَ الْفَتْوَى بِضَمَانِ الْمَنَافِعِ مُطْلَقًا لَوْ غَلَبَ غَصْبُهَا وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا نَذْكُرُهُ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَلَا) يَضْمَنُ (الْقِصَاصَ بِقَتْلِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ) الْقِصَاصَ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ. (وَلَا) يَضْمَنُ أَيْضًا (مِلْكَ النِّكَاحِ بِشَهَادَةِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا) أَيْ الشُّهُودُ بِالطَّلَاقِ بِشَيْءٍ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا) أَيْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَاتِلَ لِلْقَاتِلِ يَضْمَنُ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْوَلِيِّ أَلَا يُرَى أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا صَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى الدِّيَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَدْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَتْلِهِ فَيَضْمَنُ وَأَنَّ الشُّهُودَ يَضْمَنُونَ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مُتَقَوِّمٌ عَلَى الزَّوْجِ فَيَكُونُ مُتَقَوِّمًا عَلَيْهِ زَوَالًا؛ لِأَنَّ الزَّائِلَ عَيْنُ الثَّابِتِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يَجُوزُ اكْتِسَابُهُ بِلَا بَدَلٍ بِخِلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ مَهْرٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا نَحْنُ لَا يَضْمَنُ الْقِصَاصَ بِالدِّيَةِ وَمِلْكَ النِّكَاحِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِالْمَهْرِ (لِأَنَّ الدِّيَةَ وَمَهْرَ الْمِثْلِ لَا يُمَاثِلَانِهِمَا) أَيْ الْقِصَاصَ وَمِلْكَ النِّكَاحِ صُورَةً وَلَا مَعْنًى، أَمَّا صُورَةٌ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِصَاصِ الِانْتِقَامُ وَالتَّشَفِّي بِإِعْدَامِ الْحَيَاةِ لِلْإِحْيَاءِ وَمِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ السَّكَنُ وَالِازْدِوَاجُ وَإِبْقَاءُ النَّسْلِ فَلَمْ يَكُونَا مَالًا مُتَقَوِّمًا. (وَالتَّقَوُّمُ) بِالْمَالِ فِي بَابِ الْقَتْلِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ (شَرْعِيٌّ لِلزَّجْرِ) كَمَا فِي قَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا (أَوْ لِجَبْرٍ) كَمَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ (وَلِلْخَطَرِ) أَيْ لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فِيهِمَا أَيْضًا صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ وَلِشَرَفِ بُضْعِ الْمَرْأَةِ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ حَالَةَ ثُبُوتِهِ تَعْظِيمًا لَهُ لِيَكُونَ مَصُونًا عَنْ الِابْتِذَالِ بِتَمَلُّكِهِ مَجَّانًا فَإِنَّ لَهُ خَطَرًا كَالنُّفُوسِ لِكَوْنِ النَّسْلِ حَاصِلًا مِنْهُ وَلِذَا لَا يُمْلَكُ إلَّا بِمَهْرٍ وَشُهُودٍ وَوَلِيٍّ فِي بَعْضٍ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِ

القسم الثاني ما يكون الوقت فيه سببا للوجوب مساويا للواجب

وَالْمَمْلُوكُ مَجَّانًا مُبْتَذَلٌ (لَا لِلتَّقَوُّمِ الْمَالِيِّ) لِلْقَتْلِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ وَلَمَّا كَانَ الْتِزَامُ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ فِي الصُّلْحِ بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ وَهُوَ إبْقَاءُ نَفْسِهِ وَحَاجَتِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ اُعْتُبِرَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ عَلَى أَنْ فِي تَهْذِيبِ الْبَغَوِيِّ الْقَاتِلُ لَا يَضْمَنُ الدِّيَةَ كَمَذْهَبِنَا، وَالْمِلْكُ الْوَارِدُ عَلَى الْبُضْعِ لَيْسَ بِذِي خَطَرٍ وَلِذَا صَحَّتْ إزَالَتُهُ بِالطَّلَاقِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا عِوَضٍ فَعِنْدَ زَوَالِ اسْتِيلَائِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْوِيمِ وَقَيَّدَ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ إذَا رَجَعُوا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ عِنْدَ سُقُوطِ تَسْلِيمِ الْبُضْعِ إلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بِصُنْعٍ مِنْهُ وَلَا بِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ فَلَمَّا أَوْجَبَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ نِصْفَهُ بِإِضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهِ مَعَ فَوَاتِ تَسْلِيمِ الْبُضْعِ، ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ قَصْرًا لِيَدِهِ عَنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ أَيْ ظَهَرَ بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا بَاطِلًا وَدَفَعُوهُ إلَيْهِ فَيَضْمَنُونَهُ لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. . [الْقِسْمُ الثَّانِي مَا يَكُونُ الْوَقْتِ فِيهِ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ] (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ (كَوْنُ الْوَقْتِ) أَيْ مَا يَكُونُ الْوَقْتُ فِيهِ (سَبَبًا لِلْوُجُوبِ مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ وَكُلُّ مُوَقَّتٍ فَالْوَقْتُ شَرْطُ أَدَائِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ وَهُوَ غَيْرُ جُزْءٍ مِنْهُ وَلَا مُؤَثِّرٌ فِي وُجُودِهِ (وَيُسَمُّونَهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا الْوَقْتَ (مِعْيَارًا) لِتَقْدِيرِ الْوَاجِبِ بِهِ حَتَّى يَزْدَادَ بِزِيَادَتِهِ وَيَنْقُصَ بِنَقْصِهِ فَهُوَ يُعْلَمُ بِهِ مِقْدَارَهُ كَمَا تُعْرَفُ مَقَادِيرُ الْأَوْزَانِ بِالْمِعْيَارِ (وَهُوَ رَمَضَانُ عُيِّنَ شَرْعًا لِفَرْضِ الصَّوْمِ فَانْتَفَى شَرْعِيَّةُ غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ فِيهِ فَلَمْ يَشْرِطُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (نِيَّةَ التَّعْيِينِ) أَيْ تَعْيِينِ أَنَّهُ الصَّوْمُ الْفَرْضُ فِي أَدَائِهِ (فَأُصِيبَ) صَوْمُهُ (بِنِيَّةِ مُبَايِنِهِ) أَيْ مُبَايِنِ صَوْمِهِ (كَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ بِنَاءً عَلَى لَغْوِ الْجِهَةِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي نِيَّةِ الْمُبَايِنِ (فَيَبْقَى الْمُطْلَقُ) الَّذِي هُوَ أَصْلُ نِيَّةِ الصَّوْمِ (وَبِهِ) أَيْ الْمُطْلَقِ (يُصَابُ) الصَّوْمُ الْفَرْضُ الرَّمَضَانِيُّ أَدَاءً (كَالْأَخَصِّ) مِثْلُ (زَيْدٍ يُصَابُ بِالْأَعَمِّ) مِثْلُ (إنْسَانٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ وُقُوعِهِ عَنْ رَمَضَانَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ (وَهُوَ) أَيْ وَنَفْيُ وُقُوعِهِ عَنْ رَمَضَانَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ (الْحَقُّ؛ لِأَنَّ نَفْيَ شَرْعِيَّةِ غَيْرِهِ) أَيْ صَوْمِ رَمَضَانَ. (إنَّمَا تُوجِبُ نَفْيَ صِحَّتِهِ) أَيْ الْغَيْرِ (إذَا نَوَاهُ) أَيْ الْغَيْرُ (وَنَفْيُ صِحَّةِ مَا نَوَاهُ مِنْ الْغَيْرِ لَا يُوجِبُ وُجُودَ نِيَّةِ مَا يَصِحُّ وَهُوَ) أَيْ النَّاوِي (يُنَادِي لَمْ أُرِدْهُ) أَيْ مَا يَصِحُّ إذْ لَمْ يَتَعَلَّقْ لَهُ قَصْدٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ (بَلْ لَوْ ثَبَتَ) وُقُوعُهُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ (كَانَ) وُقُوعُهُ عَنْهُ (جَبْرًا) وَهُوَ النَّافِي لِلصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَلَيْسَ إصَابَةُ الْأَخَصِّ بِالْأَعَمِّ بِمُجَرَّدِ إرَادَةِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ بَلْ كَمَا قَالَ (وَإِصَابَةُ الْأَخَصِّ بِالْأَعَمِّ) إنَّمَا يَكُونُ (بِإِرَادَتِهِ) أَيْ الْأَخَصِّ (بِهِ) أَيْ الْأَعَمِّ (وَنَقُولُ لَوْ أَرَادَ نِيَّةَ صَوْمِ الْفَرْضِ لِلصَّوْمِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَهُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ. وَأَمَّا كَوْنُ التَّعْيِينِ) أَيْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ رَمَضَانُ لِصَوْمِهِ (يُوجِبُ الْإِصَابَةَ) لِصَوْمِهِ (بِلَا نِيَّةٍ كَرِوَايَةٍ عَنْ زُفَرَ) . وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ أَيْضًا (فَعَجَبٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ الِاخْتِيَارُ لِلصَّوْمِ مِنْ الْمُكَلَّفِ شَرْطًا لِوُجُودِهِ شَرْعًا لَكِنَّهُ شَرْطٌ لَهُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَعَيُّنَ الْمَحَلِّ شَرْعًا لَيْسَ عِلَّةَ لِاخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ فَأَنَّى يَكُونُ لَهُ وُجُودٌ بِدُونِ نِيَّتِهِ. وَقَدْ تَدَاوَلَ كَثِيرٌ كَالشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَأَبِي زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ حِكَايَةَ هَذَا عَنْ زُفَرَ وَلَكِنْ فِي التَّقْرِيبِ وَالْمَبْسُوطِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مَنْ حَكَى هَذَا فَقَطْ غَلِطَ، وَإِنَّمَا قَالَ زُفَرُ إنَّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ (وَاسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ) مِنْ وُقُوعِ نِيَّةِ غَيْرِ رَمَضَانَ عَنْ رَمَضَانَ فِي رَمَضَانَ (نِيَّةَ الْمُسَافِرِ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ رَمَضَانَ مِنْ وَاجِبٍ آخَرَ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ فَقَالَ (تَقَعُ) نِيَّةُ ذَلِكَ الْغَيْرِ (عَنْ الْغَيْرِ) بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْأَجْنَاسِ (لِإِثْبَاتِ الشَّارِعِ التَّرَخُّصَ لَهُ) أَيْ الْمُسَافِرِ بِتَرْكِ الصَّوْمِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِلْمَشَقَّةِ (وَهُوَ) أَيْ التَّرَخُّصُ (فِي الْمَيْلِ إلَى الْأَخَفِّ) عِنْدَهُ مِنْ مَشْرُوعٍ لِوَقْتٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَمِنْ الْفِطْرِ (وَهُوَ) أَيْ الْأَخَفُّ (صَوْمُ الْوَاجِبِ الْمُغَايِرِ) لِمَشْرُوعِ الْوَقْتِ إذَا اخْتَارَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إسْقَاطَهُ مِنْ ذِمَّتِهِ أَهَمُّ عِنْدَهُ مِنْ إسْقَاطِ فَرْضِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِفَرْضِ الْوَقْتِ، وَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ وَأَنَّ مَصْلَحَةَ الدِّينِ أَهَمُّ مِنْ مَصْلَحَةِ الْبَدَنِ. (وَعَلَى هَذَا) التَّوْجِيهِ (يَقَعُ) الْمَنْوِيُّ (بِنِيَّةِ

النَّفْلِ عَنْ رَمَضَانَ) إذْ لَا تَرَخُّصَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْفَائِدَةَ لَيْسَتْ إلَّا الثَّوَابَ وَهُوَ فِي الْفَرْضِ أَكْثَرُ فَكَانَ هَذَا مَيْلًا إلَى الْأَثْقَلِ فَيَلْغُو وَصْفُ النَّفْلِيَّةِ وَيَبْقَى مُطْلَقُ الصَّوْمِ فَيَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ (وَهُوَ رِوَايَةٌ) لِابْنِ سِمَاعَةَ (عَنْهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي الْأَجْنَاسِ وَلَوْ صَامَهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ حَالَ سَفَرِهِ فِي رَمَضَانَ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَفِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ يَكُونُ عَنْ التَّطَوُّعِ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ التَّطَوُّعِ (وَلِأَنَّ انْتِفَاءَ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ فَرْضِ الْوَقْتِ لَيْسَ حُكْمَ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْوُجُوبَ مَوْجُودٌ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ بَلْ هُوَ (حُكْمُ التَّعْيِينِ) أَيْ تَعْيِينِ هَذَا الزَّمَانِ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ. (وَلَا تَعْيِينَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالتَّأْخِيرِ فَصَارَ هَذَا الْوَقْتُ فِي حَقِّهِ (كَشَعْبَانَ فَيَصِحُّ نَفْلُهُ) وَوَاجِبٌ آخَرُ عَلَيْهِ كَمَا يَصِحَّانِ فِي شَعْبَانَ (وَهُوَ رِوَايَةٌ) لِلْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهُ (مَغْلَطَةٌ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (لَيْسَ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لِيَنْدَرِجَ) التَّعْيِينُ عَلَيْهِ (فِيهِ) أَيْ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ (وَيَنْتَفِي) التَّعْيِينُ عَلَيْهِ (بِانْتِفَائِهِ) أَيْ الْوَقْتِ (بَلْ مَعْنَاهُ) أَيْ التَّعْيِينِ عَلَيْهِ (إلْزَامُهُ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (صَوْمَ الْوَقْتِ وَعَدَمَهُ) أَيْ إلْزَامُهُ صَوْمَ الْوَقْتِ (يَصْدُقُ بِتَجْوِيزِ الْفِطْرِ وَتَعْيِينُ الْوَقْتِ أَنْ لَا يَصِحَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ (صَوْمٌ آخَرُ فَجَازَ اجْتِمَاعُ عَدَمِ التَّعْيِينِ عَلَيْهِ بِتَجْوِيزِ الْفِطْرِ مَعَ تَعْيِينِ الْوَقْتِ بِأَنْ لَا يَصِحَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ (صَوْمٌ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ فَرْضِ الْوَقْتِ (لَوْ صَامَهُ) أَيْ لَوْ نَوَى صِيَامَ غَيْرِهِ. (فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ نَفْيِ التَّعْيِينِ عَلَيْهِ نَفْيُ تَعْيِينِ الْوَقْتِ وَحُقِّقَ فِي الْمَرِيضِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ أَنْ يَضُرَّهُ) الصَّوْمُ كَكَوْنِ مَرَضِهِ حُمَّى مُطْبَقَةً أَوْ وَجَعَ الرَّأْسِ أَوْ الْعَيْنِ (فَتَعَلُّقُ الرُّخْصَةِ) بِتَرْكِ صَوْمِ فَرْضِ الْوَقْتِ فِي حَقِّهِ (بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ) لِلْمَرَضِ (فَكَالْمُسَافِرِ) أَيْ فَهَذَا الْمَرِيضُ كَالْمُسَافِرِ فِي تَعَلُّقِ الرُّخْصَةِ فِي حَقِّهِ بِعَجْزٍ مُقَدَّرٍ لَا بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ بُخَارَى مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ أَوْ النَّفَلَ يَقَعُ عَمَّا نَوَاهُ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (وَ) بَيَّنَ (أَنْ لَا) يَضُرَّهُ الصَّوْمُ (كَفَسَادِ الْهَضْمِ) وَالْأَمْرَاضِ الرُّطُوبِيَّةِ (فَبِحَقِيقَتِهَا) أَيْ فَتَعَلُّقُ الرُّخْصَةِ بِحَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي هِيَ الْعَجْزُ (فَيَقَعُ) مَا نَوَاهُ هَذَا الْمَرِيضُ مِنْ الْغَيْرِ (عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ) إذَا لَمْ يَهْلِكْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ التَّرْخِيصُ فَكَانَ كَالصَّحِيحِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ بِدَلِيلِ قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ سَوَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا سَهْوٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ وَمُرَادُهُ مَرِيضٌ يُطِيقُ وَيُخَافُ مِنْهُ ازْدِيَادُ الْمَرَضِ اهـ وَالْقَائِمُ بِهَذَا التَّحْقِيقِ صَاحِبُ الْكَشْفِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا تَحْقِيقٌ يَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ كُلُّ فَرِيقٍ فَإِنَّ إجْمَاعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْمُبِيحَ لِلْفِطْرِ الْمَرَضُ الَّذِي يَضُرُّ بِسَبَبِهِ الصَّوْمُ صَاحِبَهُ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ وَأَدْنَاهُ الِازْدِيَادُ أَوْ الِامْتِدَادُ وَأَعْلَاهُ الْهَلَاكُ وَأَصْحَابُنَا قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَنَاطُ فَالْمَرَضُ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِسَبَبِهِ الصَّوْمُ صَاحِبَهُ غَيْرُ مُبِيحٍ لِصَاحِبِهِ التَّرْخِيصَ بِالْفِطْرِ إجْمَاعًا فَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَى صِيَامِ صَاحِبِهِ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ أَوْ النَّفْلِ التَّرَدُّدُ بَيْنَ وُقُوعِهِ عَنْ رَمَضَانَ أَوْ عَمَّا نَوَى بَلْ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَى صِيَامِ الصَّحِيحِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ بِهِ هَذَا الْمَرَضُ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّوْمِ وَالْمَرَضُ الَّذِي يَضُرُّ بِسَبَبِهِ الصَّوْمُ صَاحِبَهُ مُبِيحٌ وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَى صِيَامِهِ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ أَوْ النَّفْلِ التَّرَدُّدُ بَيْنَ وُقُوعِهِ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ أَوْ عَمَّا نَوَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنَاطَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ أَصْلًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَوْ وُجُودُ اشْتِدَادٍ أَوْ امْتِدَادٍ فِيهِ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَتَحَمَّلَ صَاحِبُهُ ذَلِكَ لِغَرَضٍ لَهُ فِيهِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمَنَاطُ دُونَ الْأَوَّلِ. فَمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ حَسَنٌ وَمِنْ ثَمَّةَ مَشَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ كَخُوَاهَرْ زَادَهْ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ والْوَلْوَالِجِيّ وَأَبِي الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤَوَّلَ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ

القسم الثالث من أقسام الوقت المقيد به الواجب وقت هو معيار لا سبب

وَالسَّرَخْسِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَرِيضٌ فِي الْجُمْلَةِ لَا الْمَرِيضُ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ مِنْ وَاجِبٍ أَوْ نَفْلٍ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ كَالصَّحِيحِ الْمُقِيمِ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ فَضْلًا عَمَّنْ سِوَاهُ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّطْوِيلِ بِتَوْجِيهِهِ وَدَفْعِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ وَقْتٌ هُوَ مِعْيَارٌ لَا سَبَبٌ] (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ وَقْتٌ هُوَ (مِعْيَارٌ لَا سَبَبٌ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ نَذْرِ صَوْمٍ مُعَيَّنٍ أَمَّا كَوْنُهُ مِعْيَارًا فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فَلِأَنَّ السَّبَبَ النَّذْرُ (فَإِدْرَاجُ) النَّذْرِ (الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْقِسْمِ كَمَا فَعَلَ الْبَزْدَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَأَسْلَفْنَا ذِكْرَهُ مُوَجَّهًا (غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا مُطْلَقٌ لَا مُقَيَّدٌ بِالْوَقْتِ فَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ) لَهُ فِي خُرُوجِهِ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ (لِلتَّعْيِينِ شَرْعًا) فَيَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ يَقَعُ فِيهِ عَمَّا نَوَى بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْعَبْدِ قَاصِرَةٌ فَلَهُ إبْطَالُ مَالِهِ وَهُوَ صَلَاحِيَّتُهُ لِلنَّفْلِ وَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْوَاجِبَاتِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْوَلَايَةُ الْمُطْلَقَةُ الْكَامِلَةُ فَلَهُ إبْطَالُ مَا لِلْعَبْدِ وَمَا عَلَيْهِ فَأَبْطَلَ صَلَاحِيَّتَهُ لِغَيْرِ فَرْضِ رَمَضَانَ نَفْلًا وَوَاجِبًا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الشَّارِعُ لِإِذْنِهِ تَعَالَى لَهُ بِإِلْزَامِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ تَعَدِّيهِ إلَى حَقِّهِ تَعَالَى أَيْضًا. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا غَيْرُ وَأَوْرَدَ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ إلَى حَقِّ الشَّارِعِ بَقِيَ مُحْتَمِلًا لِصَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْيِينَ فَلَا يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ كَالظُّهْرِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ أُجِيبُ بِأَنَّ صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مِنْ مُحْتَمِلَاتِ الْوَقْتِ وَأَصْلُ الْمَشْرُوعِ فِيهِ النَّفَلُ الَّذِي صَارَ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ وَهُوَ وَاحِدٌ فَيَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ وَكَذَا نِيَّةُ النَّفْلِ بِخِلَافِ الظُّهْرِ الْمُضَيَّقِ فَإِنَّ تَعَيُّنَ الْوَقْتِ يُعَارِضُ التَّقْصِيرَ فِي تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْوَقْتُ بَعْدَهُ لَهُ بَعْدَمَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ لَهُ قُلْت وَيَتَمَشَّى الْبَحْثُ السَّابِقُ لِلْمُصَنِّفِ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ فِي أَدَاءِ هَذَا بِهِمَا أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ (بِخِلَافِ مَا أَدْرَجُوهُ) مِنْ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعْيِينِ لَيْلًا حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الزَّمَانِ لَهَا. [الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَقْتٌ ذُو شَبَهَيْنِ بِالْمِعْيَارِ وَالظَّرْفِ] (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ وَقْتٌ (ذُو شَبَهَيْنِ بِالْمِعْيَارِ وَالظَّرْفِ) وَهُوَ (وَقْتُ الْحَجِّ لَا يَسَعُ فِي عَامٍ سِوَى) حَجٍّ (وَاحِدٍ) فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ يُشْبِهُ الْمِعْيَارَ كَالنَّهَارِ لِلصَّوْمِ (وَلَا يَسْتَغْرِقُ فِعْلُهُ) أَيْ الْحَجِّ (وَقْتَهُ) أَيْ جَمِيعَ أَجْزَاءِ وَقْتِهِ كَمَا يَسْتَغْرِقُ الصَّوْمُ النَّهَارَ وَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ يُشْبِهُ الظَّرْفَ (وَالْخِلَافُ فِي تَعْيِينِهِ) أَيْ وُجُوبِ أَدَائِهِ (مِنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ) أَيْ إمْكَانُ أَدَائِهِ لِحُصُولِ شَرَائِطِ وُجُوبِ أَدَائِهِ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَغَيْرِهِمَا (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) حَتَّى كَانَ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) حَيْثُ قَالَ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ إذَا أَخَّرَ فَحِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّأْخِيرُ وَيَصِيرُ مُضَيَّقًا عَلَيْهِ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ عَنْ الْوَقْتِ يُوجِبُ الْفَوْرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَأَوْجَبَ الْحَجَّ مُضَيَّقًا بِنَاءً عَلَيْهِ وَلَا يُوجِبُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَأَوْجَبَ الْحَجَّ مُوَسَّعًا بِنَاءً عَلَيْهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَالْكَرْخِيِّ. فَإِنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يُوجِبُ الْفَوْرَ بَلْ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَجِّ (ابْتِدَائِيٌّ) لِدَلِيلٍ لَاحَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَأَبُو يُوسُفَ قَالَ عَلَى الْفَوْرِ (لِلِاحْتِيَاطِ عِنْدَهُ) ؛ لِأَنَّ الْعَامَ الْأَوَّلَ مَوْجُودٌ بِيَقِينٍ وَلَا مُزَاحِمَ إلَّا بِإِدْرَاكِ الْعَامِ الثَّانِي وَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ (لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ) وَالْمَشْكُوكُ لَا يُزَاحِمُ الْمُتَيَقِّنَ فَيَتَعَيَّنُ الْعَامُ الْأَوَّلُ لِلْأَدَاءِ تَحَرُّزًا عَنْ الْفَوَاتِ (فَيَأْثَمُ) بِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلِاحْتِيَاطِ (فَمُوجِبُهُ) أَيْ الْحَجِّ أَمْرٌ (مُطْلَقٌ) عَنْ الْوَقْتِ فَلَا يُوجِبُهُ عَلَى الْفَوْرِ (وَلِذَا) أَيْ الِاحْتِيَاطِ (عِنْدَهُ اتَّفَقَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ) الْحَجَّ (بَعْدَهُ) أَيْ أَوَّلَ سِنِي الْإِمْكَانِ (وَقَعَ أَدَاءً) ؛ لِأَنَّا إنَّمَا قُلْنَا بِتَعْيِينِهِ لِلْأَدَاءِ لِلشَّكِّ فِي إدْرَاكِ الْعَامِ الثَّانِي فَإِذَا أَدْرَكَهُ زَالَ الشَّكُّ وَحَصَلَ الْيَقِينُ بِكَوْنِهِ مِنْ عُمُرِهِ وَوَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْفَوَاتِ وَسَقَطَ الْعَامُ الْأَوَّلُ وَتَعَيَّنَ الثَّانِي لِلْأَدَاءِ وَكَذَا

مسألة الأمر بواحد مبهم من أمور معلومة

الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَامٍ وَلَوْ كَانَ الْفَوْرُ مُتَعَيَّنًا قَطْعًا لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عَلَى تَعَيُّنِهِ لَكَانَ قَضَاءً عِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لِلْفَوْرِ لِفَوَاتِهِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُتَعَيَّنِ لَهُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ. (وَتَأَدَّى فَرْضُهُ) أَيْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ (بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ) لِلْحَجِّ (لِظَاهِرِ الْحَالِ) أَيْ حَالِ الْمُكَلَّفِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ الْمَشَاقَّ الْكَثِيرَةَ لِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ (لَا) أَنَّ تَأَدِّيَهُ بِمُطْلَقِهَا (مِنْ حُكْمِ الْإِشْكَالِ) أَيْ كَوْنِ الْوَقْتِ مُشْكِلًا لِشَبَهِهِ بِالظَّرْفِ وَبِالْمِعْيَارِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ التَّأَدِّي بِهَا لِظَاهِرِ الْحَالِ (يَقَعُ) حَجُّهُ (عَنْ النَّفْلِ إذَا نَوَاهُ) أَيْ النَّفَلَ (لِانْتِفَاءِ الظَّاهِرِ) بِالتَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ لِرُجْحَانِ الصَّرِيحِ عَلَيْهِ (وَقَدْ يُبْنَيَانِ) أَيْ تَأَدَّى فَرْضِهِ بِمُطْلَقِهَا وَوُقُوعُهُ عَنْ النَّفْلِ إذَا نَوَاهُ (عَلَى الشَّبَهَيْنِ) شَبَهِ الْمِعْيَارِ وَشَبَهِ الظَّرْفِ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ تَأَدِّيهِ بِمُطْلَقِهَا (لِشَبَهِ الْمِعْيَارِ) إذْ مِنْ شَأْنِ الْمُقَيِّدِ بِالْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مِعْيَارٌ لِلْوَاجِبِ شَرْعًا إصَابَتُهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ. (وَالنَّفَلُ لِلظَّرْفِ) ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ مَا كَانَ ظَرْفًا لِلْوَاجِبِ أَنْ يَصِحَّ وُقُوعُ النَّفْلِ فِيهِ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ وَالْبَانِي لِصِحَّةِ النَّفْلِ عَلَى شَبَهِ الظَّرْفِ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى بِنَاءِ وُقُوعِهِ عَنْ فَرْضِهِ بِمُطْلَقِ نِيَّتِهِ عَلَى شَبَهِهِ بِالْمِعْيَارِ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ بِنَائِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ كَمَا ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ (وَلَا يَخْفَى عَدَمُ وُرُودِ الدَّلِيلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَالِ عَلَى الدَّعْوَى) وَهِيَ (تَأَدِّيهِ بِنِيَّةِ الْمُطْلَقِ، وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ) الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ (حُكْمَ الْخَارِجِ) أَيْ غَيْرِ النَّاوِي (عَلَيْهِ) أَيْ الْحَاجِّ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْحَاجَّ (نَوَى الْفَرْضَ لَا) أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ (سُقُوطَهُ) أَيْ الْفَرْضِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْحَاجِّ (عِنْدَ اللَّهِ إذَا نَوَى الْحَجَّ مُطْلَقًا فِي الْوَاقِعِ) وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَمَا قِيلَ يَشْكُلُ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي يَسَعُهَا فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ وَلَا يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ دَلَالَةِ الْحَالِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَشْتَغِلُ بِأَدَاءِ النَّفْلِ مَعَ تَفْوِيتِ الْفَرْضِ فَظَهَرَ أَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى شَبَهِ الْمِعْيَارِ كَمَا لَحَظَهُ الْمُصَنِّفُ أَقْرَبُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ] (مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ) أَيْ إيجَابِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ (مِنْ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ صَحِيحٌ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْأَشَاعِرَةِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ بِذَلِكَ الْأَمْرِ الْوَاحِدَ الْمُبْهَمَ وَيُعْرَفُ بِالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ (كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ) أَيْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] فِي قُوَّةِ الْأَمْرِ بِالْإِطْعَامِ فَيُفِيدُ إيجَابَهُ وَقَدْ عَطَفَ الْكِسْوَةَ وَالتَّحْرِيرَ عَلَيْهِ فَيَقْتَضِي إيجَابَهُمَا أَيْضًا فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهَا وَاجِبًا عَلَى الْبَدَلِ لَا الْجَمْعِ لِاقْتِضَاءِ أَوْ ذَلِكَ (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ هُوَ (أَمْرٌ بِالْجَمِيعِ وَيَسْقُطُ) وُجُوبُ الْجَمِيعِ (بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَقِيلَ) أَيْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا أَمْرٌ (بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ عِنْدَهُ تَعَالَى) دُونَ الْمُكَلَّفِينَ (وَهُوَ) أَيْ الْوَاحِدُ الْمُعَيَّنُ (مَا يَفْعَلُ كُلٌّ) مِنْهُمْ (فَيَخْتَلِفُ) الْمَأْمُورُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ ضَرُورَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ مَا اخْتَارَهُ وَلَا شَكَّ فِي اخْتِلَافِ اخْتِيَارَاتِهِمْ. (وَقِيلَ لَا يَخْتَلِفُ) الْمَأْمُورُ بِهِ بِاخْتِلَافِ الْمَفْعُولِ لَهُمْ (وَيَسْقُطُ) الْمَأْمُورُ بِهِ (بِهِ) أَيْ بِالْمَأْمُورِ بِهِ (وَبِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْهَا وَيُسَمَّى هَذَا الْقَوْلُ التَّرَاجِمَ؛ لِأَنَّ الْأَشَاعِرَةَ تَرْوِيهِ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَنْ الْأَشَاعِرَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَتَعَاضَدَ الْفَرِيقَانِ عَلَى إفْسَادِهِ فَإِذًا لَا يَسُوغُ نَقْلُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ بَلْ قَالَ وَالِدُهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ قَائِلٌ (وَنَقْلُ) وُجُوبِ (الْجَمِيعِ عَلَى الْبَدَلِ) كَمَا هُوَ لَازِمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ أَمْرٌ بِالْجَمِيعِ وَيَسْقُطُ بِالْبَعْضِ وَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (لَا يُعْرَفُ وَلَا مَعْنًى لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ) هُوَ (الْمُخْتَارَ) بِنَاءً عَلَى اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّ تَارِكَهَا جَمِيعًا لَا يَأْثَمُ إثْمَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبَاتٍ وَمُقِيمُهَا جَمِيعًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ثَوَابُ وَاجِبَاتٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ الْبَهْشَمِيَّةِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا وَقَدْ مَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ أَمَّا عَلَى أَنَّ تَارِكَهَا يَأْثَمُ إثْمَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبَاتٍ وَالْآتِي بِهَا يَثْبُتُ لَهُ ثَوَابُ وَاجِبَاتٍ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِهِمْ فَالْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُخْتَارِ ظَاهِرٌ. (لَنَا الْقَطْعُ بِصِحَّةٍ أَوْجَبَتْ أَحَدَ هَذِهِ) الْأُمُورِ (فَإِنَّهُ) أَيْ قَوْلَهُ هَذَا (لَا يُوجِبُ جَهَالَةً مَانِعَةً مِنْ الِامْتِثَالِ لِحُصُولِ التَّعْيِينِ بِالْفِعْلِ) لِمُعَيَّنٍ مِنْهَا (وَتَعَلُّقِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِمَا يَفْعَلُ كُلٌّ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ

مسألة الواجب على الكفاية

(لَا يُوجِبُهُ) أَيْ مَفْعُولُ كُلٍّ (عَيْنًا عَلَى فَاعِلِهِ بَلْ) يُوجِبُ (مَا يَسْقُطُ) بِهِ الْوُجُوبُ مِنْ مَفْعُولِ كُلٍّ مِنْ الْأُمُورِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا إذْ كَانَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْوَاحِدِ الدَّائِرِ بَيْنَهَا الْمَأْمُورِ بِهِ لَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ ذَلِكَ الْمَفْعُولِ (وَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْوَاجِبِ وَالْمُخَيَّرِ فِيهِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ) الْوَاحِدَ (الْمُبْهَمُ) مِنْهَا (لَا عَلَى مَعْنًى بِشَرْطِ الْإِبْهَامِ) فِيهِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ (لَا يُعَيِّنُهُ الْمُوجِبُ) وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ مَفْهُومٌ الْوَاحِدِ الدَّائِرِ بَيْنَ الْمُعَيَّنَاتِ وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَفْهُومُ وَهُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ فَالْوُجُوبُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمُعَيَّنٍ، وَالتَّخْيِيرُ لَمْ يَقَعْ فِي مُبْهَمٍ وَإِلَّا لَجَازَ تَرْكُهُ وَهُوَ بِتَرْكِ الْكُلِّ وَهُوَ بَاطِلٌ. (فَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ هُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ (سَقَطَ) الْوُجُوبُ (بِالْمُعَيَّنِ) مِنْهَا (لِتَضَمُّنِهِ) أَيْ الْمُعَيِّنِ (مَفْهُومَ الْوَاحِدِ) الْمُبْهَمِ (تَتِمَّةٌ) ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ إذَا كَانَ فِي الْكُلِّ مَا هُوَ أَعْلَى ثَوَابًا وَعِقَابًا وَمَا هُوَ أَدْنَى كَذَلِكَ فَفَعَلَ الْمُكَلَّفُ الْكُلَّ فَقِيلَ الْمُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأُثِيبَ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ فَضَمُّ غَيْرِهِ إلَيْهِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا لَا يَنْقُضُهُ، وَإِنْ تَرَكَ الْكُلَّ وَعُوقِبَ عُوقِبَ عَلَى أَدْنَاهَا عِقَابًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ فَقَطْ لَمْ يُعَاقَبْ، وَإِنْ تَسَاوَى الْكُلُّ فَثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا فُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبَةً وَقِيلَ فِي الْمُرَتَّبِ الْوَاجِبُ ثَوَابًا أَوَّلُهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِتَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ قَبْلَ غَيْرِهِ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى كُلٍّ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ أَحَدُهَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ الَّذِي يَقَعُ نَظَرًا إلَى تَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى مُسَمًّى أَحَدِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ الْخُصُوصِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ وَاجِبًا حَتَّى إنَّ الْوَاجِبَ ثَوَابًا فِي الْمُرَتَّبِ أَوَّلُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ مِنْهَا إنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةُ الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ] (مَسْأَلَةُ الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ) وَهُوَ مُهِمٌّ مُتَحَتِّمٌ مَقْصُودٌ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ فَتَنَاوَلَ مَا هُوَ دِينِيٌّ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَدُنْيَوِيٌّ كَالصَّنَائِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَخَرَجَ الْمَسْنُونُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَحَتِّمٍ وَفَرْضُ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قُصِدَ حُصُولُهُ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ كَالْمَفْرُوضِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أُمَّتِهِ أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ عَيْنٌ أَيْ وَاحِدٌ وَاحِدٌ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَاجِبٌ (عَلَى الْكُلِّ وَيَسْقُطُ) الْوُجُوبُ عَنْهُمْ (بِفِعْلِ الْبَعْضِ) هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْكُلِّ الْكُلُّ الْإِفْرَادِيُّ وَقِيلَ الْمَجْمُوعِيُّ إذْ لَوْ تَعَيَّنَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَكَانَ إسْقَاطُهُ عَنْ الْبَاقِينَ رَفْعًا لِلطَّلَبِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْإِيجَابِ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ عَلَى وَاحِدٍ وَيَكُونُ التَّأْثِيمُ لِلْجَمِيعِ بِالذَّاتِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْعَرْضِ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ كَوْنِ سُقُوطِ الطَّلَبِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ كَحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْفِعْلِ هُنَا. فَيَكُونُ أَمَارَةً عَلَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ لِانْتِفَاءِ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ الْمُتَرَاخِي الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ النَّسْخُ، ثُمَّ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ فَإِنْ ظَنَّ كُلُّ طَائِفَةٍ أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ وَجَبَ أَيْ عَلَى كُلٍّ ثَمَّ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَإِنْ ظَنَّتْ طَائِفَةٌ قِيَامَ غَيْرِهَا بِهِ وَظَنَّتْ أُخْرَى عَكْسَهُ سَقَطَ عَنْ الْأُولَى وَوَجَبَ عَلَى الثَّانِيَةِ (وَقِيلَ) وَاجِبٌ (عَلَى الْبَعْضِ) وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، ثُمَّ الْمُخْتَارُ عَلَى هَذَا أَيُّ بَعْضٍ كَانَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ مُعَيَّنٌ فَمَنْ قَامَ بِهِ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ مَنْ قَامَ بِهِ لِسُقُوطِهِ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ دُونَ النَّاسِ يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِفِعْلِهِ وَبِفِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الْمَدِينِ بِأَدَاءِ غَيْرِهِ عَنْهُ (لَنَا أَثِمَ الْكُلُّ بِتَرْكِهِ) اتِّفَاقًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لَمَا أَثِمُوا (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ عَلَى الْبَعْضِ أَوَّلًا (سَقَطَ) الْوُجُوبُ (بِفِعْلِ الْبَعْضِ) وَلَوْ كَانَ عَلَى الْكُلِّ لَمَا سَقَطَ إذْ مِنْ الْمُسْتَبْعَدِ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. (قُلْنَا) لَا اسْتِبْعَادَ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُوبُ الْفِعْلِ لَا ابْتِلَاءُ كُلِّ مُكَلَّفٍ) كَمَا فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ (كَسُقُوطِ مَا عَلَى زَيْدٍ) مِنْ الدَّيْنِ الضَّامِنِ عَمْرٌو إيَّاهُ عَنْهُ (بِفِعْلِ

مسألة لا يجب شرط التكليف

عَمْرٍو) أَيْ بِأَدَائِهِ عَنْهُ اتِّفَاقًا لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ وَقَيَّدْنَا بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَدَاءَ مَا يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُؤَدِّي وَإِسْقَاطَ مَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ كَمَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ بِخِلَافِ أَدَاءِ عَمْرٍو وَمَا فِي ذِمَّةِ زَيْدٍ غَيْرُ ضَامِنٍ لَهُ فَإِنَّ الْخَصْمَ بِمَا قَالَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَدَاؤُهُ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِهِ لِإِسْقَاطِ مَا يَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ (قَالُوا) ثَانِيًا (أَمْرُ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ كَوَاحِدٍ مُبْهَمٍ) فَكَمَا جَازَ الثَّانِي أَعْنِي الْمُكَلَّفَ بِهِ الْمُبْهَمَ مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ بِإِلْغَاءِ الْإِبْهَامِ فِيهِ جَازَ الْأَوَّلُ أَعْنِي الْمُكَلَّفَ الْمُبْهَمَ بِإِلْغَاءِ الْإِبْهَامِ فِيهِ (أُجِيبُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ إثْمَ) مُكَلَّفٍ (مُبْهَمٍ غَيْرُ مَعْقُولٍ) بِخِلَافِ تَأْثِيمِ الْمُكَلَّفِ بِتَرْكِ أَحَدِ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ مُبْهَمًا فَإِنَّهُ مَعْقُولٌ فَالْإِبْهَامُ فِي الْمَأْمُورِ مَانِعٌ، وَفِي الْمَأْمُورِ بِهِ غَيْرُ مَانِعٍ. (قِيلَ) أَيْ قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ (مَذْهَبُهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْبَعْضِ (إثْمَ الْكُلِّ) بِسَبَبِ تَرْكِ الْبَعْضِ (لَكِنَّ قَوْلَ قَائِلِهِ) أَيْ الْوُجُوبَ عَلَى الْبَعْضِ (إنَّهُ) أَيْ الْوُجُوبَ (يَتَعَلَّقُ بِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ) أَيْ الْوَاجِبَ (لَنْ يَفْعَلَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ ظَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ الْفِعْلِ (الْكُلُّ عَمَّهُمْ) الْوُجُوبُ (وَإِنْ خَصَّ) ظَنَّ عَدَمَ الْفِعْلِ الْبَعْضُ (خَصَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضَ الظَّانَّ (الْإِثْمُ) عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَحِينَئِذٍ (فَالْمَعْنَى) الْمُكَلَّفُ بِالْوُجُوبِ بَعْضٌ (غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَقْتَ الْخِطَابِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُكَلَّفَ (لَا يَتَعَيَّنُ) لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِ (إلَّا بِذَلِكَ الظَّنِّ) وَهُوَ ظَنُّ أَنْ لَنْ يَفْعَلَهُ غَيْرُهُ (وَلَوْ لَمْ يَظُنَّ) هَذَا الظَّنَّ أَحَدٌ (لَا يَأْثَمْ أَحَدٌ وَيُشْكِلُ) هَذَا حِينَئِذٍ (بِبُطْلَانِ مَعْنَى الْوُجُوبِ) فَإِنْ لَازَمَهُ الْإِثْمُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَى الْمَلْزُومُ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ. (وَقَدْ يُقَالُ) فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا (إنَّمَا يَبْطُلُ) الْوُجُوبُ (لَوْ كُلِّفَ) الْمُكَلَّفُ بِالْوَاجِبِ الْمَذْكُورِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَفْعَلَ غَيْرُهُ أَوْ لَا (أَمَّا) لَوْ كُلِّفَ (الظَّانُّ) أَنْ لَنْ يَفْعَلَ غَيْرُهُ فَقَطْ (فَلَا) يَبْطُلُ مَعْنَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ بِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الظَّنِّ حِينَئِذٍ نَعَمْ الشَّأْنُ فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْبَعْضِ قَائِلُونَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا فَلَا (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْبَعْضِ (عُدُولٌ عَنْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ) الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الْكُلِّ (كَقَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ وَنَحْوِهِ بِلَا مُلْجِئٍ) لِلْعُدُولِ عَنْهُ (لِمَا حَقَّقْنَاهُ) مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ (قَالُوا) ثَالِثًا (قَالَ تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] . فَصَرَّحَ بِالْوُجُوبِ عَلَى طَائِفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْفِرْقَةِ بِوَاسِطَةِ لَوْلَا الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمَاضِي الدَّالَّةِ عَلَى التَّنْدِيمِ وَاللَّوْمِ (قُلْنَا) هَذَا مُؤَوَّلٌ (بِالسُّقُوطِ) لِلْوُجُوبِ عَنْ الْجَمِيعِ (بِفِعْلِهَا) أَيْ الطَّائِفَةِ مِنْ الْفِرْقَةِ (جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ) أَيْ هَذَا وَدَلِيلِنَا الدَّالِّ عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْجَمِيعِ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَفِعُ التَّنَافِي الظَّاهِرُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ هَذَا؛ لِأَنَّ دَلِيلَنَا كَمَا أَنَّهُ لَا يُلْغَى لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ (وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قِيلَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةٌ) أَيْ فَرْضٌ (عَلَى الْكِفَايَةِ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَحَكَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ (فَقَدْ يَسْتَشْكِلُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ) الْمُمَيِّزِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا (بِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْفِعْلُ وَقَدْ وُجِدَ (لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ مِنْ لَفْظِ الْوُجُوبِ) فَإِنَّهُ لَا وُجُوبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا يَحْضُرُنِي هَذَا مَنْقُولًا فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كُتُب الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا ظَاهِرُ أُصُولِهِ عَدَمُ السُّقُوطِ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةُ لَا يَجِبُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ] (مَسْأَلَةُ لَا يَجِبُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ اتِّفَاقًا كَتَحْصِيلِ النِّصَابِ) لِلتَّكْلِيفِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ (وَالزَّادِ) أَيْ وَتَحْصِيلِهِ لِوُجُوبِ الْحَجِّ (وَأَمَّا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ) الْمَأْمُورُ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ لَهُ (سَبَبًا عَقْلًا كَالنَّظَرِ) الْمُحَصِّلِ (لِلْعِلْمِ) الْوَاجِبِ كَمَا ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ (وَفِيهِ) أَيْ كَوْنِ النَّظَرِ سَبَبًا عَقْلِيًّا لِلْعِلْمِ (نَظَرٌ) بَلْ هُوَ سَبَبٌ عَادِيٌّ لَهُ فَإِنَّ اسْتِعْقَابَ النَّظَرِ الْعِلْمَ بِخَلْقِهِ تَعَالَى بِطَرِيقِ إجْرَاءِ الْعَادَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأَشَاعِرَةِ (أَوْ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ سَبَبًا لَهُ (شَرْعًا كَالتَّلَفُّظِ) بِمَا يُفِيدُ الْعِتْقَ (لِلْعِتْقِ أَوْ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ سَبَبًا لَهُ (عَادَةً كَالْأَوَّلِ) أَيْ النَّظَرِ لِلْعِلْمِ (وَحَزِّ الْعُنُقِ) لِلْقَتْلِ (أَوْ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ لَهُ (شَرْطًا عَقْلًا كَتَرْكِ الضِّدِّ) أَيْ جِنْسِهِ لِلْوَاجِبِ (أَوْ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ

شَرْطًا لَهُ (عَادَةً كَغَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ) كَغَسْلِ الْوَجْهِ (أَوْ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ شَرْطًا لَهُ (شَرْعًا) كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ. (فَالْحَنَفِيَّةُ وَالْأَكْثَرُ وَاجِبٌ بِهِ) أَيْ بِالْإِيجَابِ لِذَلِكَ الْوَاجِبِ (وَقِيلَ فِي الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ) أَيْ وَاخْتَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ أَنَّ الْمَقْدُورَ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرْطٌ شَرْعِيٌّ لَهُ يَجِبُ بِوُجُوبِهِ وَإِلَّا فَلَا (وَقِيلَ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ لَا يَجِبُ بِوُجُوبِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ أَوْ لَا (لَا فِي الشَّرْطِ وَغَيْرِهِ فَيُخْطِئَانِ) أَيْ هَذَانِ الْقَوْلَانِ (لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَسْبَابِ) أَيْ عَلَى أَنَّ إيجَابَ الْمُسَبَّبِ إيجَابٌ لِتَحْصِيلِ سَبَبِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لَهُ (إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّعَلُّقُ) لِلْإِيجَابِ إنَّمَا هُوَ (بِهَا) أَيْ بِالْأَسْبَابِ ابْتِدَاءً (فَالْأَمْرُ بِالْقَتْلِ وَالْعِتْقِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَزِّ) لِلْعُنُقِ وَنَحْوِهِ (وَالتَّلَفُّظِ) بِصِيغَةِ الْعِتْقِ (ابْتِدَاءً) لَا بِنَفْيِ الْحَيَاةِ وَلَا بِإِزَالَةِ الرِّقِّ (إذْ لَا تَعَلُّقَ بِغَيْرِ الْمَقْدُورِ) ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَقْدُورٍ لَنَا وَالْمُسَبَّبَاتُ قَدْ لَا تَكُونُ مَقْدُورَةً لَنَا كَهَذِهِ بِخِلَافِ مُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِ فَالْأَمْرُ الْمُتَعَلِّقُ ظَاهِرًا بِالْمُسَبَّبِ مُتَعَلِّقٌ فِي الْحَقِيقَةِ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَاجِبُ حَقِيقَةً. وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً إلَى الْمُسَبَّبِ ظَاهِرًا فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْقَوْلَانِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خَطَأً (وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ بِهِ) فِي قَوْلِهِمْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ وَاجِبٌ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادًا (لَزِمَ الْكُفْرُ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ إطْلَاقِهِ الْوَاجِبَ لِذَاتِهِ وَهُوَ لَيْسَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقَ قَطْعًا (لِلْأَكْثَرِ لَوْ لَمْ يَجِبْ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَاضِيَةِ (بَقِيَ جَوَازُ التَّرْكِ) لِلشَّرْطِ (دَائِمًا وَلَازَمَهُ) أَيْ جَوَازَ التَّرْكِ لَهُ دَائِمًا (جَوَازُ تَرْكِ مَا لَا يَتَأَتَّى) الْوَاجِبُ (بِدُونِهِ وَهُوَ) أَيْ جَوَازُ تَرْكِ مَا لَا يَتَأَتَّى الْوَاجِبُ بِدُونِهِ (مُنَافٍ لِوُجُوبِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ (فِي وَقْتٍ) فَإِنَّ جَوَازَ تَرْكِ مَا لَا يَتَأَتَّى هُوَ إلَّا بِهِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ تَرْكِ الْوَاجِبِ نَفْسَهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ (أَوْ) لَازَمَهُ (جَوَازُ فِعْلِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْمَشْرُوطُ (دُونَهُ) أَيْ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ أَتَى بِجَمِيعِ مَا أَمَرَ بِهِ فَتَجِبُ صِحَّتُهُ (فَمَا فُرِضَ شَرْطًا لَيْسَ شَرْطًا) مَوْقُوفًا عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِالْفَرْضِ (وَلَا يَخْفَى مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بِإِيجَابِ الْوَاجِبِ جَوَازُ التَّرْكِ لِجَوَازِ وُجُوبِهِ بِغَيْرِهِ (وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّرْكُ لَوْ لَمْ يَجِبْ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ (مُطْلَقًا) أَمَّا إذَا كَانَ وَاجِبًا مُطْلَقًا كَمَا نَحْنُ قَائِلُونَ بِهِ فَلَا (وَاسْتِدْلَالُهُمْ) أَيْ الْأَكْثَرِينَ (بِالْإِجْمَاعِ عَلَى) وُجُوبِ (التَّوَصُّلِ) إلَى الْوَاجِبِ وَلَوْ لَمْ يَجِبْ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ لَمَا وَجَبَ التَّوَصُّلُ إلَى الْوَاجِبِ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ (فِي غَيْرِ) مَحَلِّ (النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُوَصِّلَ إلَى الْوَاجِبِ وَاجِبٌ (غَيْرُ مُوجِبِ الْأَصْلِ) الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فَإِنَّ مُوجِبَهُ الْأَمْرُ وَمُوجِبَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ (وَإِذَنْ لَا حَاجَةَ لِلنَّافِي) لِوُجُوبِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بِإِيجَابِهِ فِي غَيْرِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ (إلَى الْجَوَابِ بِتَخْصِيصِ الدَّعْوَى بِغَيْرِ الْأَسْبَابِ) كَمَا فَعَلَاهُ. (وَاسْتِدْلَالُهُ) أَيْ النَّافِي (لَوْ وَجَبَ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بِإِيجَابِ الْوَاجِبِ (امْتَنَعَ التَّصْرِيحُ بِنَفْيِ وُجُوبِهِ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ لِمُنَاقَضَتِهِ لَهُ وَالْقَطْعِ بِصِحَّةِ إيجَابِ غَسْلِ الْوَجْهِ وَنَفْيِ إيجَابِ غَسْلِ غَيْرِهِ (إنْ أَرَادَ) بِامْتِنَاعِ التَّصْرِيحِ بِنَفْيِ وُجُوبِهِ (نَفْيَ وُجُوبِهِ بِهِ) أَيْ بِإِيجَابِ الْوَاجِبِ (فَنَفْيُ التَّالِي) الَّذِي هُوَ امْتِنَاعُ التَّصْرِيحِ بِنَفْيِ وُجُوبِهِ (عَيْنُ النِّزَاعِ أَوْ) نَفْيُ وُجُوبِهِ (مُطْلَقًا نَفَيْنَا الْمُلَازَمَةَ) أَيْ مَنَعْنَاهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَكَذَا قَوْلُهُ) أَيْ النَّافِي (وَصَحَّ قَوْلُ الْكَعْبِيِّ فِي نَفْيِ الْمُبَاحِ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَاجِبِ وَهُوَ تَرْكُ الْحَرَامِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْمُبَاحِ فَيَجِبُ الْمُبَاحُ وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَيْهِ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ وَكَذَا قَوْلُ النَّافِي (وَوَجَبَ نِيَّةُ الْمُقَدِّمَةِ) ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ عِبَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَاجِبَةٌ فَتَجِبُ بِهِ (وَمَعْنَاهُ) أَيْ وُجُوبِ نِيَّةِ الْمُقَدِّمَةِ أَنَّهَا تَجِبُ فِيهَا (كَمَا لَوْ وَجَبَ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ الْمُقَدِّمَةُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْوَاجِبِ فَإِنَّ النِّيَّةَ تَجِبُ فِيهِ لَكِنَّ وُجُوبَهَا فِي الْمُقَدِّمَةِ مَمْنُوعٌ بَلْ يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْعَمَلِ نِيَّةُ الْوَاجِبِ دُونَ

مسألة تحريم أحد أشياء معينة

مُقَدِّمَتِهِ عَلَيْهِ مَنَعَ الْمُلَازَمَةَ. (وَإِنَّمَا يَلْزَمَانِ) أَيْ نَفْيُ الْمُبَاحِ وَوُجُوبُ نِيَّةِ الْمُقَدِّمَةِ (لَوْ تَعَيَّنَ) الْمُبَاحُ لِلِامْتِثَالِ (أَوْ شُرِعَ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ (عِبَادَةً لَكِنَّهُ) أَيْ الِامْتِثَالَ (يُمْكِنُ بِغَيْرِهِ) أَيْ الْمُبَاحِ (وَنَلْتَزِمُهُ) أَيْ وُجُوبَ النِّيَّةِ (فِي مُقَدِّمَةٍ هِيَ عِبَادَةٌ) لَا مُطْلَقًا (وَكَذَا قَوْلُهُ) أَيْ النَّافِي (لَوْ كَانَ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ وَاجِبًا (لَزِمَ تَعَقُّلُهُ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ (لِلْآمِرِ) لِامْتِنَاعِ إيجَابِ الشَّيْءِ بِدُونِ تَعَقُّلِهِ (وَالْقَطْعُ بِنَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ لُزُومِ تَعَقُّلِهِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ بِالشَّيْءِ قَدْ يَذْهَلُ عَمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ عِنْدَ الْأَمْرِ بِهِ (مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ بِأَنَّهُ) أَيْ لُزُومَ تَعَقُّلِ الْمُوجِبِ إنَّمَا هُوَ (فِي الْوَاجِبِ أَصَالَةً) أَمَّا فِي إيجَابِ الشَّيْءِ بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِهِ فَلَا فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَجَبَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بِإِيجَابِ الْوَاجِبِ لَلَزِمَ وُجُوبُهُ بِلَا تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْخِطَابُ حَتْمًا فَهُوَ وَاجِبٌ وَمَا لَا فَلَا لِدُخُولِ التَّعَلُّقِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِيقَةِ الْوُجُوبِ. وَهَذَا مِمَّا أَوْرَدَهُ النَّافِي أَيْضًا دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ فَجَوَابُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلُزُومُ الْوُجُوبِ) لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ (بِلَا تَعَلُّقٍ) لِلْخِطَابِ بِهِ (مَمْنُوعٌ لِمَا نَذْكُرُ) قَرِيبًا (فَإِنْ دُفِعَ) هَذَا الْمَنْعُ (بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ خِطَابُ الْوَاجِبِ إنَّ دَلِيلَهُ غَيْرُ دَالٍّ عَلَيْهِ (إذْ لَوْ دَلَّ) دَلِيلُهُ عَلَيْهِ (لَعُقِلَ) لِامْتِنَاعِ إيجَابِ الشَّيْءِ بِدُونِ تَعَقُّلِهِ (وَإِذْ لَمْ يُعْقَلْ لَمْ يَدُلَّ فَلَا إيجَابَ بِهِ) أَيْ بِدَلِيلِ الْوَاجِبِ (وَوُجُوبُهُ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ دَلِيلِ الْوَاجِبِ (لَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ قُلْنَا وَهُوَ الدَّلِيلُ الْحَقُّ لِلْأَكْثَرِ إنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى) اصْطِلَاحِ (الْأُصُولِيِّينَ لَا تَخْتَصُّ بِاللَّوَازِمِ الْبَيِّنَةِ بِالْأَخَصِّ) أَيْ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَهُوَ كَوْنُ اللَّازِمِ يَحْصُلُ فِي الذِّهْنِ كُلَّمَا حَصَلَ الْمَلْزُومُ بَلْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَهُوَ كَوْنُهُ حَاصِلًا لِلْمَلْزُومِ كُلَّمَا تَعَقَّلَا وَلَا شَكَّ فِي دَلَالَةِ دَلِيلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الدَّلَالَةِ. (وَتَقَدَّمَ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ أَنَّ دَلَالَتَهُ) أَيْ مَفْهُومَهَا (قَدْ تَكُونُ نَظَرِيَّةً وَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ) فَلَا بُعْدَ فِي كَوْنِ دَلِيلِ الْوَاجِبِ مُوجِبًا لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ بَلْ كَمَا قَالَ (فَعَلَى مَا عُلِمَ مُقَدِّمَةٌ مِمَّا هِيَ) أَيْ الْمُقَدِّمَةُ (لَهُ أَظْهَرُ) أَيْ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِيِّ لِلْوَاجِبِ عَلَى وُجُوبِ مَا عُلِمَ مُقَدِّمَةٌ لِمَدْلُولِهِ بِحَيْثُ يَتَوَقَّفُ هُوَ عَلَيْهَا وَهُوَ اللَّفْظُ الْمُلْزِمُ لِمَا لَهُ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةُ كَدَلَالَةِ صَلِّ عَلَى طَلَبِ مَا عُرِفَ مُقَدِّمَةً يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ مِنْ طَهَارَةٍ وَغَيْرِهَا الْتِزَامًا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى وُجُوبِ الْأَصْلِ لِتَوَقُّفِ تَحَقُّقِ الْأَصْلِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ تَوَقُّفِ تَحَقُّقِهِ عَلَى الْأَصْلِ (وَفُرِّعَ عَلَيْهِ) أَيْ وُجُوبَ الْمُقَدِّمَةِ بِوُجُوبِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ (تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ بِالْأَجْنَبِيَّةِ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَاجِبٌ وَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهِ إلَّا بِالْكَفِّ عَنْ الزَّوْجَةِ فَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْهَا لِيُتَيَقَّنَ الْكَفَّ عَنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ تَحْرِيمُ أَحَدِ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ] (مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَحْرِيمُ أَحَدِ أَشْيَاءَ) مُعَيَّنَةٍ (كَإِيجَابِهِ) أَيْ أَحَدِ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ إلَّا أَنَّ التَّخْيِيرَ هُنَا فِي التُّرُوكِ وَهُنَاكَ فِي الْأَفْعَالِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُكَلَّفِ هُنَا (فِعْلُهَا) أَيْ الْأَشْيَاءِ (إلَّا وَاحِدًا لَا جَمْعَهَا) أَيْ الْأَشْيَاءِ (فِعْلًا) لِئَلَّا يَكُونَ فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ بِخِلَافِهِ ثَمَّةَ فَإِنَّ لَهُ هُنَاكَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْجَمِيعِ وَبِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا عُرِفَ (وَفِيهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْأَقْوَالِ (مَا تَقَدَّمَ) فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ حَتَّى قِيلَ فَيُقَالُ عَلَى قِيَاسِهِ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ، نَحْوُ لَا تَتَنَاوَلْ السَّمَكَ أَوْ اللَّبَنَ يَحْرُمُ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ. وَقِيلَ يَحْرُمُ جَمِيعُهَا فَيُعَاقَبُ بِفِعْلِهَا عِقَابَ فِعْلِ مُحَرَّمَاتٍ وَيُثَابُ بِتَرْكِهَا امْتِثَالًا ثَوَابَ تَرْكِ مُحَرَّمَاتٍ وَيَسْقُطُ تَرْكُهَا الْوَاجِبُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقِيلَ الْمُحَرَّمُ وَاحِدٌ مِنْهَا مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ وَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِهِ أَوْ تَرْكِ غَيْرِهِ مِنْهَا وَقِيلَ الْمُحَرَّمُ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ لِلتَّرْكِ مِنْهَا بِأَنْ يَتْرُكَهُ دُونَ غَيْرِهِ. وَإِنْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ تُرِكَتْ كُلُّهَا امْتِثَالًا أَوْ فُعِلَتْ وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ بَعْضُهَا أَخَفُّ عِقَابًا وَثَوَابًا فَقِيلَ ثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابِ فِي الْمُتَسَاوِيَةِ عَلَى تَرْكِ وَفِعْلِ وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِي الْمُتَفَاوِتَةِ عَلَى تَرْكِ أَشَدِّهَا وَقِيلَ أَخَفُّهَا سَوَاءٌ فُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَقِيلَ الْعِقَابُ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى فِعْلِ آخِرِهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِارْتِكَابِ الْحَرَامِ بِهِ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ

مسألة اجتماع الوجوب والحرمة

تَرْكُهُ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الثَّوَابَ الْوَاجِبَ وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِ وَفِعْلِ أَحَدِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا حَتَّى إنَّ الْعِقَابَ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى آخِرِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا يَتَأَدَّى بِتَرْكِهِ الْوَاجِبُ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا، ثُمَّ تَزِيدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ بِأَنَّ بَعْضَ الْمُعْتَزِلَةِ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي اللُّغَةِ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ كَمَا وَرَدَ فِيهَا الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ وَرَدَ بِالْمَنْعِ حَتَّى إنَّهُ لَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ طَاعَةِ الْجَمِيعِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] لَمْ تُحْمَلْ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ. (فَتَفْرِيعُ تَحْرِيمِ الْكُلِّ) أَيْ زَوْجَاتِهِ (فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَاتِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ) عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ جَوَازُ تَحْرِيمِ أَحَدِ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ (مُنَاقَضَةٌ لِهَذَا الْأَصْلِ) فَإِنَّ مِنْ حُكْمِهِ أَنَّ لَهُ فِعْلَهَا إلَّا وَاحِدًا فَتَحْرِيمُ الْكُلِّ مُنَافٍ لَهُ (بِخِلَافِ) تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ فِي (الِاشْتِبَاهِ) بِأَجْنَبِيَّةٍ فَإِنَّهَا إنَّمَا (حُرِّمَتْ الزَّوْجَةُ لِاحْتِمَالِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (الْمُحَرَّمَةَ احْتِيَاطًا وَلَا احْتِمَالَ فِي الْوَاحِدَةِ الْمَوْطُوءَةِ هُنَا؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ) أَيْ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ (تَرْكُ وَاحِدَةٍ وَقَدْ فَعَلَ) إذَا وَطِئَهُنَّ إلَّا وَاحِدَةً (إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ) إحْدَاهُنَّ لِلطَّلَاقِ (وَيَنْسَى) الْمُعَيَّنَةَ (فَكَالِاشْتِبَاهِ) أَيْ فَيَحْرُمْنَ احْتِيَاطَ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُنَّ الْمُحَرَّمَةَ وَبَعْدَ أَنْ عَبَّرَ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ هَذَا الْفَرْعِ بِإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِبَقَاءِ حِلِّ وَطْئِهِمَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَإِذَا لَمْ يُعَيَّنْ لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا بَلْ الْوَاقِعُ أَمْرٌ لَهُ صَلَاحِيَّةُ التَّأْثِيرِ فِي الطَّلَاقِ عِنْدَ التَّعْيِينِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حُرِّمَتَا جَمِيعًا إلَى وَقْتِ الْبَيَانِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ وَجَزَمَ الْبَيْضَاوِيُّ بِهَذَا تَفْرِيعًا عَلَى وُجُوبِ الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ بِالْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبِ. [مَسْأَلَةٌ اجْتِمَاعِ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ] (مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ فِي الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ وَالْجِهَةِ وُجُوبُهُ وَحُرْمَتُهُ بِإِطْبَاقِ مَانِعِي تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَبَعْضِ الْمُجِيزِينَ) لَهُ (لِتَضَمُّنِهِ) أَيْ جَوَازِ اجْتِمَاعِ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ فِيهِ (الْحُكْمَ بِجَوَازِ التَّرْكِ وَعَدَمِهِ) أَيْ جَوَازِ التَّرْكِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْفِعْلِ بِمَعْنَى الْإِذْنِ فِيهِ جِنْسٌ لِلْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرِ الْحَرَامِ، وَالنَّوْعُ مُتَضَمِّنٌ لِجِنْسِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْفِعْلِ كَوْنُ الشَّارِعِ آذِنًا فِيهِ وَمِنْ حُرْمَتِهِ كَوْنُهُ غَيْرَ آذِنٍ فِيهِ كَمَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ طَالِبًا لِتَرْكِهِ غَيْرَ طَالِبٍ لَهُ وَهُوَ تَكْلِيفُ مُحَالٍ مُمْتَنِعٌ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فَإِنَّ جَوَازَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَيَجُوزُ فِي الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ جِنْسًا وَقَدْ يُقَالُ نَوْعًا أَنْ يَكُونَ فَرْدٌ مِنْهَا وَاجِبًا وَفَرْدٌ مِنْهَا حَرَامًا إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37] وَمَنَعَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ لِذَاتِهِ هَذَا بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحُسْنِ مُنَافِيَةٌ لِحَقِيقَةِ الْقُبْحِ فَلَوْ اجْتَمَعَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً وَاحِدَةً وَهِيَ ذَاتُ الْفِعْلِ مُقْتَضِيَةٌ لِمُتَنَافِيَيْنِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةُ الْفِعْلِ مَقُولَةً عَلَى آحَادِهَا بِالتَّشْكِيكِ وَلَا تَكُونُ مُقْتَضِيَةً لِوَاحِدٍ مِنْهَا وَيَكُونُ بَعْضُ آحَادِهَا مُقْتَضِيًا لِلْحُسْنِ وَبَعْضُهَا لِلْقُبْحِ وَقَوْلُهُمْ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ مُتَعَلِّقَانِ فِي السُّجُودِ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ لَا بِالسُّجُودِ فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَمَا كَانَ لِلْمَخْلُوقِ فَهُوَ حَرَامٌ فَبَعْدَ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلدَّعْوَى بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ لَا يُجْدِيهِمْ نَفْعًا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَهُوَ قَصْدُ التَّعْظِيمِ وَاحِدٌ، ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ لِانْعِقَادِهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِ عَلَى أَنَّ السَّاجِدَ لِلشَّمْسِ عَاصٍ بِنَفْسِ السُّجُودِ وَالْقَصْدِ جَمِيعًا كَمَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ. وَمَنَعَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ بِالْأَوْصَافِ وَالْإِضَافَاتِ وَهَذَا بِاسْتِلْزَامِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَوْصَافِ وَالْإِضَافَاتِ يُوجِبُ التَّغَايُرَ فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ مُغَايِرًا لِمُتَعَلِّقِ الْحُرْمَةِ فَلَا مُحَالَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْوَاحِدِ الشَّخْصِيِّ ذِي الْجِهَتَيْنِ الْمُتَلَازِمَتَيْنِ وُجُوبُهُ وَحُرْمَتُهُ بِاعْتِبَارِهِمَا وَإِلَّا لَزِمَ وُقُوعُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَنْ ذَاتٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِمَا لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَّا بِهِ (وَيَجُوزُ فِي) الْوَاحِدِ الشَّخْصِيِّ (ذِي الْجِهَتَيْنِ) الْغَيْرِ الْمُتَلَازِمَيْنِ وُجُوبُهُ وَحُرْمَتُهُ فَيَجِبُ بِإِحْدَاهُمَا وَيَحْرُمُ بِالْأُخْرَى (كَالصَّلَاةِ فِي) الْأَرْضِ (الْمَغْصُوبَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ) فَتَجِبُ لِكَوْنِهَا صَلَاةً وَتَحْرُمُ لِكَوْنِهَا غَصْبًا (خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْجُبَّائِيِّ) فَقَالُوا (فَلَا يَصِحُّ) الصَّلَاةُ (فَلَا يَسْقُطُ الطَّلَبُ وَلِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ) فَقَالَ

(لَا يَصِحُّ) الصَّلَاةُ (وَيَسْقُطُ) الطَّلَبُ (لَنَا الْقَطْعُ فِيمَنْ أَمَرَ بِخِيَاطَةٍ لَا فِي مَكَانِ كَذَا فَخَاطَ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ (إنَّهُ مُطِيعٌ عَاصٍ لِلْجِهَتَيْنِ) أَيْ مُطِيعٌ لِجِهَةِ الْأَمْرِ بِالْخِيَاطَةِ عَاصٍ لِجِهَةِ النَّهْيِ عَنْ فِعْلِهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَكُونُ مُطِيعًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَلَاةٌ عَاصِيًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَصْبٌ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ اجْتِمَاعَ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ (لَوْ امْتَنَعَ فَلِاتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ) أَيْ مُتَعَلِّقِهِمَا (وَالْقَطْعِ بِالتَّعَدُّدِ) هُنَا (فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ الصَّلَاةُ وَ) مُتَعَلِّقَ (النَّهْيِ الْغَصْبُ جَمَعَهُمَا) أَيْ الْمُتَعَلِّقَيْنِ (مَعَ إمْكَانِ الِانْفِكَاكِ) بَيْنَهُمَا لِجَوَازِ وُجُودِ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ. (وَأَيْضًا لَوْ امْتَنَعَ) الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (امْتَنَعَ صِحَّةُ صَوْمٍ مَكْرُوهٍ وَصَلَاةٍ) مَكْرُوهَةٍ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ كَمَا يُضَادُّ التَّحْرِيمَ يُضَادُّ الْكَرَاهَةَ فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ مَعَ التَّحْرِيمِ لَمَا ثَبَتَ مَعَ الْكَرَاهَةِ إذْ لَا مَانِعَ إلَّا التَّضَادُّ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِثُبُوتِ كَرَاهَةِ كَثِيرٍ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ شَرْعًا (وَدَفَعَهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (بِاتِّحَادِ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هُنَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (وَهُوَ) أَيْ مُتَعَلِّقُهُمَا (الْكَوْنُ فِي الْحَيِّزِ) وَهُوَ حُصُولُ الْجَوْهَرِ فِي حَيِّزِهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَنَفْسُ الْغَصْبِ الْمَنْهِيِّ (بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ) مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ (فَإِنْ فُرِضَ) الْمَكْرُوهُ (كَذَلِكَ) أَيْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيهِ مُتَّحِدٌ (مَنَعَ صِحَّتَهُ) أَيْ الْمَكْرُوهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُفْرَضْ اتِّحَادُهُ (لَمْ يُفِدْ) ثُبُوتُ الْمَكْرُوهِ ثُبُوتَ الْمَطْلُوبِ أَيْ كَانَتْ الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةً إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الصِّحَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي النَّهْيُ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى وَصْفٍ مُنْفَكٍّ عَنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ مُوجِبٍ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ وَالنَّهْيَ إلَى عَرَضٍ مُفَارِقِ الصِّحَّةِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ الَّتِي النَّهْيُ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى مَا هُوَ ذَاتِيٌّ فِيهَا مُوجِبًا لِاتِّحَادِ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لِأَنَّهُمَا رَاجِعَانِ إلَى الْكَوْنِ وَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ قَوْلُهُ وَدَفْعُهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (يُنَاقِضُ جَوَابَهُمْ الْآتِيَ) وَسَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ. (بَلْ لَيْسَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَكْرُوهِ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ (تَحَتُّمُ مَنْعٍ) قَطْعِيٍّ (فَلَا يُنَافِي) الْمَنْعُ مِنْهُمَا (الصِّحَّةَ) لَهُمَا (فَالْمَانِعُ) مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَاحِدٍ شَخْصِيٍّ ذِي جِهَتَيْنِ (خُصُوصُ تَضَادٍّ) وَهُوَ الْمَنْعُ الْحَتْمُ الْقَطْعِيُّ عَنْ الشَّيْءِ وَالْأَمْرِ بِهِ (لَا مُطْلَقُهُ) أَيْ التَّضَادِّ (وَالِاسْتِدْلَالُ) لِلْمُخْتَارِ. (لَوْ لَمْ تَصِحَّ) الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (لَمْ يَسْقُطْ) التَّكْلِيفُ بِهَا (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ سُقُوطِهِ (مُنْتَفٍ) قَالَ الْقَاضِي (لِلْإِجْمَاعِ السَّابِقِ) عَلَى وُجُودِ أَحْمَدَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى سُقُوطِهِ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ ثُمَّ الِاسْتِدْلَال مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (دُفِعَ بِمَنْعِ صِحَّةِ نَقْلِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ لِمُخَالَفَةِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ إجْمَاعًا لَعَرَفَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْعَدُ بِمَعْرِفَتِهِ مِنْ الْقَاضِي لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ زَمَانًا مِنْ السَّلَفِ وَلَوْ عَرَفَهُ لَمَا خَالَفَهُ فَكَانَ خِلَافُهُ مُظْهِرًا لِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ لَا مُوجِبًا لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ السَّلَفِ مُتَعَمِّقُونَ فِي التَّقْوَى يَأْمُرُونَ بِالْقَضَاءِ وَانْدَفَعَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ: الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَى أَحْمَدَ (قَالُوا) أَيْ الْقَاضِي وَالْمُتَكَلِّمُونَ (لَوْ صَحَّتْ) الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (كَانَ) كَوْنُهَا صَحِيحَةً (مَعَ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (لِأَنَّ الصَّلَاةَ حَرَكَاتٌ وَسَكَنَاتٌ وَهُمَا) أَيْ الْحَرَكَاتُ وَالسَّكَنَاتُ (شَغْلُ حَيِّزٍ) فَهُمَا مَأْمُورٌ بِهِمَا (وَشَغْلُهُ) أَيْ الْحَيِّزِ ظُلْمًا (الْغَصْبَ) وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ (أُجِيبُ بِأَنَّهُ) أَيْ مُتَعَلِّقَهُمَا وَاحِدٌ لَكِنْ (بِجِهَتَيْنِ فَيُؤْمَرُ بِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَلَاةٌ وَيُنْهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَصْبٌ) فَهُوَ إذًا مُتَعَدِّدٌ بِالِاعْتِبَارِ، وَإِنْ اتَّحَدَ بِالذَّاتِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّفْعِ يُنَاقِضُهُ. (وَأَلْزَمَ) عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَعَدُّدَ الْجِهَةِ كَافٍ (صِحَّةَ صَوْمِ) يَوْمِ (الْعِيدِ) لِكَوْنِ صَوْمِهِ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ (وَالْجَوَابُ بِتَخْصِيصِ الدَّعْوَى بِمَا يُمْكِنُ فِيهِ انْفِكَاكُهُمَا) أَيْ إنَّمَا نَقُولُ بِجَوَازِ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ عِنْدَ جَوَازِ انْفِكَاكِ الْجِهَتَيْنِ يَعْنِي بِأَنْ لَا تَتَلَازَمَ جِهَتَا الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ فِي الْخِلَافِيَّةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ جِهَةِ الصَّلَاتِيَّةِ وَالْغَصْبِيَّةِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْأُخْرَى فَتَتَحَقَّقُ صَلَاةٌ وَلَا غَصْبَ وَلَوْ فِي بَعْضِهَا بِلُحُوقِ الْإِذْنِ وَغَصْبٌ وَلَا صَلَاةَ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّ الْمُجَوِّزَ وَهُوَ جِهَةُ

كَوْنِهِ صَوْمًا لَا يَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهِ فِي الْعِيدِ؛ لِأَنَّ لُحُوقَ الْإِذْنِ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعَذُّرُ ذَلِكَ بِتَعَذُّرِ النَّسْخِ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ نَهْيُ تَحْرِيمٍ وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ كَمَا قَالَ (وَبِأَنَّ نَهْيَ التَّحْرِيمِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعَيْنِ) أَيْ عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَيُفِيدُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ (إلَّا لِدَلِيلٍ) يُفِيدُ خِلَافَهُ. (وَقَدْ وُجِدَتْ إطْلَاقَاتٌ فِي الصَّلَاةِ) فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (أَوْجَبَتْهُ) أَيْ النَّهْيَ (لِخَارِجٍ) أَيْ لِوَصْفٍ خَارِجٍ عَنْ الذَّاتِ وَهِيَ الْآيَاتُ الْمُطْلَقَةُ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَكَانٍ (وَإِجْمَاعِ غَيْرِ أَحْمَدَ) عَلَى صِحَّتِهَا (لَا فِي الصَّوْمِ) أَيْ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ صَارِفٌ عَنْ ظَاهِرِ بُطْلَانِهِ بَلْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ وُجِدَ فِي الصَّوْمِ إطْلَاقَاتٌ أَيْضًا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ غَيْرَ يَوْمِ الْعِيدِ وَإِذَا ثَبَتَ طَلَبُهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ نَدْبًا لَزِمَ أَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْهُ فِي وَقْتٍ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ كَانَ النَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ يَجِبُ صِحَّتُهُ وَيَعُودُ الْإِلْزَامُ، ثُمَّ لَا إجْمَاعَ مَعَ خِلَافِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ ثَابِتٌ فِي صِحَّةِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ أَيْضًا فَإِنَّهُمْ يُصَحِّحُونَ نَذْرَهُ وَإِنَّهُ لَوْ صَامَهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَضِهِ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي النَّهْيِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَأَيْضًا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ انْفِكَاكِ الْجِهَتَيْنِ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَتَعَقَّلُ انْفِكَاكُهَا عَنْ الْأُخْرَى كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فَالْجِهَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ مُمْكِنَتَا الِانْفِكَاكِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُمْكِنُ وُجُودُ صَلَاةٍ بِلَا غَضَبٍ وَغَصْبٍ بِلَا صَلَاةٍ يُمْكِنُ وُجُودُ صَوْمٍ بِلَا يَوْمِ عِيدٍ وَيَوْمِ عِيدٍ بِلَا صَوْمٍ فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالِانْفِكَاكِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ فِي صُورَةِ الصَّلَاةِ بِالْكَوْنِ وَشَغْلِ الْحَيِّزِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَنَهَى عَنْ شَغْلِ الْحَيِّزِ الْغَصْبِيِّ بِخُصُوصِهِ بِهَا أَمَرَ فِي صُورَةِ الصَّوْمِ إذَا كَانَ مَنْذُورًا بِالْوَفَاءِ بِهِ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وَنَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ بِخُصُوصِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا نَعَمْ هَذَا فَرْعُ انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُنْعَقِدٌ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة فَلَا يَسْتَوِيَانِ فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَهُمْ قَالُوا (وَلِأَنَّ مَنْشَأَ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ) فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبَةِ (مُتَعَدِّدٌ بِخِلَافِ صَوْمِ الْعِيدِ) كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا تَوْجِيهُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ يُمْنَعُ) هَذَا (بَلْ الشَّغْلُ مَنْشَؤُهُمَا) أَيْ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَهُوَ مُتَّحِدٌ فِيهِمَا كَمَا حَقَقْنَا فَلَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْحُكْمِ (هَذَا فَأَمَّا الْخُرُوجُ) مِنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (بَعْدَ تَوَسُّطِهَا فَفِقْهِيٌّ) أَيْ فَالْبَحْثُ عَنْ حُكْمِهِ بَحْثٌ فَرْعِيٌّ (لَا أَصْلِيٌّ وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْفَرْعِيُّ لَهُ (وُجُوبُهُ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِمَا هُوَ شَرْطُهُ مِنْ السُّرْعَةِ وَسُلُوكِ أَقْرَبِ الطُّرُقِ وَأَقَلِّهَا ضَرَرًا عَلَى قَصْدِ التَّوْبَةِ وَهُوَ قَصْدُ نَفْيِ الْمَعْصِيَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْخُرُوجُ عَنْ مِلْكِ الْغَيْرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبِدْعِيٍّ؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ أَدْنَى الضَّرَرَيْنِ يَصِيرُ وَاجِبًا نَظَرًا إلَى دَفْعِ أَعْلَاهُمَا (فَقَطْ) أَيْ: لَا، وَحُرْمَتُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي هَاشِمٍ إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ انْفِصَالٌ عَنْ الْمُكْثِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْمَعْصِيَةُ مُسْتَمِرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي حَرَكَاتِهِ فِي صَوْبِ الْخُرُوجِ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِاسْتِمْرَارِهَا مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ وَالْإِمْكَانِ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَنْهِيِّ وَلَا إمْكَانَ هُنَا إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْخَلَاصُ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَى مَا تَوَرَّطَ فِيهِ آخِرًا بِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا مَنْهِيًّا عَنْ الْكَوْنِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ مَعَ بَذْلِهِ الْمَجْهُودَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا وَلَكِنَّهُ مُرْتَبِكٌ أَيْ مُشْتَبِكٌ فِي الْمَعْصِيَةِ مَعَ انْقِطَاعِ نَهْيِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ (وَاسْتَبْعَدَ اسْتِصْحَابَ الْمَعْصِيَةِ لِلْإِمَامِ) أَيْ اسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ وَغَيْرُهُمَا (إذْ لَا نَهْيَ عَنْهُ) أَيْ الْخُرُوجِ تَوْبَةً (وَثُبُوتُهَا) أَيْ الْمَعْصِيَةِ (بِلَا نَهْيٍ)

مسألة لفظ المأمور به في المندوب

أَيْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ (كَقَوْلِهِ) أَيْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ (مَمْنُوعٌ) قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ. وَإِنَّمَا حَكَمُوا بِالِاسْتِبْعَادِ دُونَ الِاسْتِحَالَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُسَلِّمُ أَنَّ دَوَامَ الْمَعْصِيَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِفِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي ابْتِدَائِهَا خَاصَّةً، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَإِذَا عَصَى الْمُكَلَّفُ بِفِعْلِ شَخْصٍ آخَرَ هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ فِعْلِهِ عَلَى مَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا» لَمْ يَسْتَبْعِدْ مَعْصِيَتَهُ لِفِعْلٍ لَهُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ بِهِ هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَأَشَارَ إلَى وَجْهِ قَوْلِ أَبِي هَاشِمٍ وَرَدَّهُ بِقَوْلِهِ (وَادِّعَاءِ جِهَتَيْ التَّفْرِيعِ وَالْغَصْبِ) فِي الْخُرُوجِ (فَيَتَعَلَّقَانِ) أَيْ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ (بِهِ) أَيْ بِالْخُرُوجِ كَمَا سَلَفَ بَيَانُهُ (يَلْزَمُهُ عَدَمُ إمْكَانِ الِامْتِثَالِ) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيهِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ التَّفْرِيعِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ جِهَةِ الْغَصْبِ وَحِينَئِذٍ (فَتَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ) التَّكْلِيفُ بِهِمَا إذْ طَلَبُ الْخُرُوجِ طَلَبٌ لِشَغْلِ الْحَيِّزِ فَلَوْ كَانَ شَغْلُ الْحَيِّزِ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَانَ طَالِبًا مِنْ الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلَهُ غَيْرَ طَالِبٍ لَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَكْلِيفُ مُحَالٍ (بِخِلَافِ صَلَاةِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ) الِامْتِثَالُ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ مُحَالٍ لِإِمْكَانِ انْفِكَاكِ جِهَتَيْهِمَا فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْبَحْثُ عَنْ حُكْمِ الْخُرُوجِ بَحْثًا أُصُولِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا بَحْثَ لِلْأُصُولِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ أُصُولِيٌّ عَنْ أَحْوَالِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا بَحْثُهُ عَنْ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ لِلْأَحْكَامِ مِنْ حَيْثُ إثْبَاتُهَا لِلْأَحْكَامِ وَثُبُوتُ الْأَحْكَامِ بِهَا فَوَظِيفَتُهُ هُنَا بَيَانُ امْتِنَاعِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفُ مُحَالٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ لَفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَنْدُوبِ] (مَسْأَلَةٌ اُخْتُلِفَ فِي لَفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَنْدُوبِ) أَيْ فِي أَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِهِ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ (قِيلَ) أَيْ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (عَنْ الْمُحَقِّقِينَ: حَقِيقَةٌ، وَالْحَنَفِيَّةِ وَجَمْعٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: مَجَازٌ وَيَجِبُ كَوْنُ مُرَادِ الْمُثْبِتِ) لِلْحَقِيقَةِ (إنَّ الصِّيغَةَ) أَيْ صِيغَةَ الْأَمْرِ (فِي النَّدْبِ يُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ أَمْرٍ حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى عُرْفِ النُّحَاةِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ) اسْمٌ (لِلصِّيغَةِ الْمُقَابِلَةِ لِصِيغَةِ الْمَاضِي وَأَخِيهِ) أَيْ وَصِيغَةِ الْمُضَارِعِ حَالَ كَوْنِ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ (مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِيجَابِ أَوْ غَيْرِهِ) كَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ (فَمُتَعَلِّقُهُ) أَيْ الْأَمْرِ اسْمًا لِلصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ (الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً وَالنَّافِي) لِلْحَقِيقَةِ مُسْتَمِرٌّ (عَلَى مَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ خَاصٌّ فِي الْوُجُوبِ) وَالْمُرَادُ بِهِ الصِّيغَةُ وَهُوَ أَيْ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ (أَوْجَهُ لِابْتِنَائِهِ) أَيْ النَّفْيِ (عَلَى الثَّابِتِ لُغَةً) مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ خَاصٌّ بِالْوُجُوبِ (وَابْتِنَاءِ الْأَوَّلِ) أَيْ الْإِثْبَاتِ حَقِيقَةً (عَلَى الِاصْطِلَاحِ) لِلنَّحْوِيِّينَ فِي أَنَّ الصِّيغَةَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُجُوبِ. (وَاسْتِدْلَالُ الْمُثْبِتِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى انْقِسَامِ الْأَمْرِ إلَى أَمْرِ إيجَابٍ وَأَمْرِ نَدْبٍ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى إرَادَةِ أَهْلِ الِاصْطِلَاحِ مِنْ النُّحَاةِ) بِأَهْلِ اللُّغَةِ مَجَازًا وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُخَالِفُ فِيهِ حَتَّى يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (لِأَنَّ مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ خَاصٌّ فِي الْوُجُوبِ حُكْمُ اللُّغَةِ كَاسْتِدْلَالِهِمْ) أَيْ وَإِرَادَةُ أَهْلِ الِاصْطِلَاحِ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ لِلْمُثْبِتِينَ كَإِرَادَةِ الِاصْطِلَاحِ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ أَيْضًا (بِأَنَّ فِعْلَهُ) أَيْ الْمَنْدُوبَ (طَاعَةٌ وَهِيَ) أَيْ الطَّاعَةُ (فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَيْ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَأْمُورِ فِي الِاصْطِلَاحِ) النَّحْوِيِّ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُمْ ذَلِكَ (فَعَيْنُ النِّزَاعِ) إذْ لَيْسَ النِّزَاعُ إلَّا فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْمَأْمُورِ عَلَى الْمَنْدُوبِ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ إنَّمَا يَتَمَشَّى (عَلَى تَقْدِيرِ اصْطِلَاحٍ فِي الطَّاعَةِ) وَهُوَ أَنَّ الطَّاعَةَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ بِالِاصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّ (وَهُوَ) أَيْ وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ فِيهَا (مُنْتَفٍ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ تَسْمِيَةِ فِعْلِ الْمُهَدَّدِ عَلَيْهِ طَاعَةً لِأَحَدٍ) أَيْ لَا يُقَالُ لِلْفِعْلِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ افْعَلْ بِهِ تَهْدِيدًا إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَا إنَّهُ أَمْرٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ قَطْعًا مَعَ صِدْقِ الْأَمْرِ اصْطِلَاحًا نَحْوِيًّا عَلَى صِيغَتِهِ بَلْ الطَّاعَةُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ الْمَنْدُوبِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْمُثْبِتُونَ فِي الِاصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّ بَلْ أَرَادُوا فِي اللُّغَةِ (فَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ) الَّتِي هِيَ مُسَمًّى لَفْظِ أَمْرٍ (حَقِيقَةٌ فِي النَّدْبِ مُشْتَرَكًا) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيجَابِ (أَوْ خَاصًّا) لِلنَّدَبِ (وَهُمْ) أَيْ الْمُثْبِتُونَ (يَنْفُونَهُ) أَيْ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا أَوْ خَاصَّةٌ فِي النَّدْبِ وَيَجْعَلُونَهَا حَقِيقَةً فِي الْوُجُوبِ خَاصَّةً فَلَا يَكُونُ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورًا بِهِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا وَحِينَئِذٍ

(فَاسْتِدْلَالُ النَّافِي بِأَنَّهُ) أَيْ الْمَنْدُوبَ (لَوْ كَانَ مَأْمُورًا أَيْ حَقِيقَةً لَكَانَ تَرْكُهُ مَعْصِيَةً) لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ تَارِكَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَاصٍ إذْ كَانَ الْأَمْرُ خَاصًّا بِصِيغَةِ الْإِيجَابِ (وَلِمَا صَحَّ) . قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ أَوْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَدَبَهُمْ إلَى السِّوَاكِ وَنَفَى كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِهِ لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَمْرِ ثَمَّ فَاسْتِدْلَالُ النَّافِي مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (زِيَادَةٌ) مِنْهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا (وَتَأْوِيلُهُ) أَيْ الْأَمْرِ فِي هَذَيْنِ (بِحَمْلِهِ) أَيْ الْأَمْرِ (عَلَى قِسْمٍ خَاصٍّ هُوَ أَمْرُ الْإِيجَابِ) كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ مُخَالَفَةً لِلظَّاهِرِ (بِلَا دَلِيلٍ وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُثْبِتِينَ (لِدَلِيلِنَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ) وَحِينَئِذٍ فَأَخَفُّ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الْمُثْبِتِينَ أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْمُخَالَفَةُ لَفْظِيَّةً فَالْمُثْبِتُ يَعْنِي الِاصْطِلَاحَ النَّحْوِيَّ وَلَا يُخَالِفُهُ النَّافِي وَالنَّافِي مَشَى عَلَى الْجَادَّةِ وَلَا يُخَالِفُهُ الْمُثْبِتُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَمِثْلُ هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ (فِي اللَّفْظِيَّةِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَنْدُوبَ تَكْلِيفٌ وَالصَّحِيحُ) الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (عَدَمُهُ) أَيْ كَوْنُهُ تَكْلِيفًا (خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْقَاضِي أَيْضًا) ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْخِلَافُ لَفْظِيًّا (لِدَفْعِ بُعْدِهِ) أَيْ خِلَافِهِ (بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِقَوْلِهِ إنَّهُ تَكْلِيفٌ (إيجَابُ اعْتِقَادِهِ) أَيْ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ مَنْدُوبًا وَإِنْ كَانَ هَذَا الدَّفْعُ بَعِيدًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّدْبَ حُكْمٌ وَالْوُجُوبَ حُكْمٌ آخَرُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِمَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَكَيْفَ لَا، وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ إهْدَارُ النَّدْبِ مِنْ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ، ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ وَرَدُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ فِعْلَ الْمَنْدُوبِ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ شَاقٌّ؛ لِأَنَّهُ فِي سَعَةٍ مِنْ تَرْكِهِ لِعَدَمِ الْإِلْزَامِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ أَيْضًا وَإِلَّا فَغَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ التَّكْلِيفِ. فَإِنْ فُسِّرَ بِإِلْزَامِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَيْسَ بِتَكْلِيفٍ، وَإِنْ فُسِّرَ بِطَلَبِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَتَكْلِيفٌ لَكِنَّ هَذَا إنْ تَمَّ فِي تَوْجِيهِ خِلَافِهِ فِي الْمَنْدُوبِ لَا يَتِمُّ فِي تَوْجِيهِ خِلَافِهِ فِي الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَلَبَ فِيهِ بِخِلَافِ الدَّفْعِ الْمَذْكُورِ فَلَا جَرَمَ أَنْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَرَتَّبَ خِلَافَهُ فِي الْمُبَاحِ أَيْضًا عَلَيْهِ فَقَالَ (إلَّا أَنَّ الْمُبَاحَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِكَوْنِ النَّدْبِ تَكْلِيفًا إيجَابَ اعْتِقَادِ نَدْبِيَّتِهِ (تَكْلِيفٌ) أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إيجَابُ اعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ (وَبِهِ) أَيْ وَيَكُونُ الْمُبَاحُ تَكْلِيفًا (قَالَ) الْأُسْتَاذُ (أَيْضًا) وَمَنْ سِوَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَكْلِيفٍ قِيلَ: وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا مَعَ أَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَهُ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (وَمِثْلُهُمَا) أَيْ الْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورًا بِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَكَوْنِهِ تَكْلِيفًا أَوْ لَا وَفِي كَوْنِ الْمُبَاحِ تَكْلِيفًا أَوْ لَا لَفْظِيٌّ (الْمَكْرُوهُ) أَيْ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَكَوْنِهِ تَكْلِيفًا فَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا (مَنْهِيٌّ) عَنْهُ (أَيْ اصْطِلَاحًا) نَحْوِيًّا (حَقِيقَةً مَجَازًا لُغَةً) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الِاصْطِلَاحِ يُقَالُ عَلَى لَا تَفْعَلْ اسْتِعْلَاءً سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَنْعِ الْحَتْمِ أَوْ لَا أَمَّا فِي اللُّغَةِ فَيُمْتَنَعُ أَنْ يُقَالَ حَقِيقَةُ نَهْيٍ عَنْ كَذَا إلَّا إذَا مُنِعَ مِنْهُ فَالْقَائِلُ " حَقِيقَةٌ " يُرِيدُ الِاصْطِلَاحَ وَالْقَائِلُ " مَجَازٌ " يُرِيدُ اللُّغَةَ (وَإِنَّهُ) أَيْ الْمَكْرُوهَ (لَيْسَ تَكْلِيفًا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلْزَامَ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَتَكْلِيفٌ عِنْدَ الْأُسْتَاذِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِاعْتِقَادِ كَرَاهَتِهِ تَنْزِيهًا أَوْ طَلَبِ تَرْكِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَفِيهِمَا) أَيْ مَسْأَلَتَيْ الْمَكْرُوهِ هَاتَيْنِ (مَا فِيهِمَا) أَيْ مَسْأَلَتَيْ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ مُكَلَّفٌ بِهِمَا. (وَالْمُرَادُ) بِالْمَكْرُوهِ الْمَكْرُوهُ (تَنْزِيهًا) كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ تَحْرِيمًا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ تَكْلِيفٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالُوا (وَيُطْلَقُ) الْمَكْرُوهُ إطْلَاقًا شَائِعًا (عَلَى الْحَرَامِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى مِمَّا لَا صِيغَةَ) نَهْيٍ (فِيهِ) أَيْ تَرْكِهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى بِأَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مَا لَا صِيغَةَ نَهْيٍ فِيهِ (فَالتَّنْزِيهِيَّة مَرْجِعُهَا إلَيْهِ) أَيْ خِلَافِ الْأَوْلَى بَلْ هِيَ هُوَ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهَا مَا تَرْكُهُ أَوْلَى فَالتَّفْرِقَةُ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ بِأَخْذِ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ فِي خِلَافِ الْأَوْلَى (وَكَذَا يُطْلَقُ الْمُبَاحُ عَلَى مُتَعَلِّقِ) الْإِبَاحَةِ (الْأَصْلِيَّةِ) الَّتِي هِيَ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِمَا هُوَ الْمَنَافِعُ لِعَدَمِ ظُهُورِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ (كَمَا)

مسألة نفي الكعبي المباح خلافا للجمهور

يُطْلَقُ الْمُبَاحُ أَيْضًا (عَلَى مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الشَّارِعِ تَخْيِيرًا) بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ عَلَى السَّوَاءِ وَهِيَ الْإِبَاحَةُ الشَّرْعِيَّةُ (وَكِلَاهُمَا) أَيْ الْمُتَعَلِّقَيْنِ إنَّمَا يُعْرَفَانِ (بَعْدَ الشَّرْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ التَّنَزُّلِ، وَفِي ذَلِكَ تَحْرِيرٌ أَوْرَدْنَاهُ ثَمَّةَ فَلْيُرَاجَعْ. (أَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ الْمُبَاحِ عِنْدَهُمْ يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ (وَالْعَقْلِيَّةِ) وَمُتَعَلِّقُهَا عِنْدَهُمْ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ الَّتِي يُدْرِكُ الْعَقْلُ عَدَمَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا خِطَابٌ لِحُكْمِ الْعَقْلِ بِعَدَمِ الْحَرَجِ فِي فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا (وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ) أَيْ جَوَازَ إطْلَاقِ الْمُبَاحِ شَرْعًا عَلَى مُتَعَلِّقِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحَرَجِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ (خِلَافًا فِي أَنَّ لَفْظَ الْمُبَاحِ هَلْ يُطْلَقُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الشَّارِعِ تَخْيِيرًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَحْرِيرِ التَّفْتَازَانِيِّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْمُبَاحَ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ مَا انْتَفَى الْحَرَجُ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَعِنْدَنَا مَا تَعَلَّقَ خِطَابُ الشَّارِعِ بِذَلِكَ بِهِ (فَلَا حَاصِلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ) بِالشَّرْعِ (الشَّارِعَ فَلَا يُعْرَفُ لَهُ) أَيْ لِلشَّارِعِ (اصْطِلَاحٌ فِي الْمُبَاحِ أَوْ) أَرَادَ بِهِ (أَهْلَ الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيَّ فَلَا خِلَافَ بُرْهَانِيًّا) بَلْ هُوَ حِينَئِذٍ لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاصْطِلَاحِ (وَيُرَادِفُ الْمُبَاحَ) بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى تَخْيِيرًا بَيْنَ الْفِعْلِ وَتَرْكِهِ عَلَى السَّوَاءِ (الْجَائِزُ وَيَزِيدُ) الْجَائِزُ عَلَيْهِ فِي الْإِطْلَاقِ (بِإِطْلَاقِهِ) أَيْ الْجَائِزِ (عَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا) أَيْ مَا لَا يَحْرُمُ شَرْعًا (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (وَاجِبًا وَمَكْرُوهًا) أَيْ أَوْ مَكْرُوهًا فَيُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى (وَعَقْلًا) أَيْ وَعَلَى مَا لَا يُمْتَنَعُ عَقْلًا وَهُوَ الْمُمْكِنُ الْعَامُّ سَوَاءٌ كَانَ (وَاجِبًا أَوْ رَاجِحًا أَوْ قَسِيمَيْهِ) أَيْ الرَّاجِحِ وَهُمَا الْمَرْجُوحُ وَالْمُسَاوِي وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ وَعَلَى مَا اسْتَوَى شَرْعًا أَوْ عَقْلًا فِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَأَخَصُّ مِنْ الثَّانِي مُطْلَقًا وَمِنْ الثَّالِثِ مِنْ وَجْهٍ إذَا حُمِلَ مَا اسْتَوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ عَقْلًا عَلَى الْمُمْكِنِ الْخَاصِّ الَّذِي نِسْبَةُ مَاهِيَّتِه إلَى الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ سَوَاءٌ كَمَا فِي عَدَمِ الِاقْتِضَاءِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا؛ لِأَنَّ الْجَائِزَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَرِدْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ كَمَا ذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ. وَعَلَى مَا يَشُكُّ الْمُجْتَهِدُ فِيهِ فِي الشَّرْعِ أَوْ فِي الْعَقْلِ بِاعْتِبَارِ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَعَدَمِ الِامْتِنَاعِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ فِيهِمَا بِالِاعْتِبَارَيْنِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ شَرْعًا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ مَا تَعَارَضَ فِيهِ دَلِيلَانِ يَقْتَضِي كُلٌّ مِنْهُمَا نَقِيضَ الْآخَرِ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي نَظَرِهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ فَيَقُولُ الْحُكْمُ فِيهِ إمَّا هَذَا أَوْ ذَاكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّابِعِ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ هُنَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَهُنَاكَ فِي حُكْمِ الشَّارِعِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْغَزَالِيُّ بِقَوْلِهِ لَيْسَ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ الْإِبَاحَةِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ مَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَتِهِ لَا دَلِيلَانِ مُتَقَابِلَانِ ثَانِيهَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الِامْتِنَاعِ الشَّرْعِيِّ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ مَا دَلَّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَامْتَنَعَ عَدَمُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ امْتِنَاعُ عَدَمِهِ فَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ فَعَدَمُ امْتِنَاعِ نَقِيضِهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ ثَالِثُهَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ عَقْلًا فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ رَابِعُهَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الِامْتِنَاعِ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ عَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي الشَّرْعِيِّ اهـ مُخْتَصَرًا وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا لِانْدِرَاجِهِ فِيمَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا وَمَا لَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ وَقَوْلُهُ (كَمَا يُقَالُ الْمَشْكُوكُ عَلَى الْمَوْهُومِ) صَحِيحٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَكِنَّ الْمُنَاسَبَةَ فِي تَشْبِيهِ مَا تَقَدَّمَهُ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ نَعَمْ أَشَارَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ إلَى مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَمَا يُقَالُ عَلَى مَا يَسْتَوِي طَرَفَاهُ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ وَعَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ مَعَانٍ كَذَلِكَ يُقَالُ الْجَائِزُ عَلَيْهَا وَهَذَا التَّشْبِيهُ ظَاهِرُ الْوَجْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةُ نَفْيِ الْكَعْبِيِّ الْمُبَاحَ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ] (مَسْأَلَةُ نَفْيِ الْكَعْبِيِّ الْمُبَاحَ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُبَاحَ (تَرْكُ حَرَامٍ) فَإِنَّ السُّكُوتَ تَرْكٌ لِلْقَذْفِ وَالسُّكُونَ تَرْكٌ لِلْقَتْلِ (وَتَرْكُهُ) أَيْ الْحَرَامِ (وَاجِبٌ وَلَوْ) كَانَ تَرْكُهُ وَاجِبًا (مُخَيَّرًا)

لِإِمْكَانِ تَرْكِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ كَالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَحَدَهَا فَإِذَا اخْتَارَ الْمُكَلَّفُ فِعْلَ الْمُبَاحِ كَانَ وَاجِبًا (فَانْدَفَعَ) بِقَوْلِهِ وَلَوْ مُخَيَّرًا (مَنْعُ تَعَيُّنِ الْمُبَاحِ لِلتَّرْكِ) لِلْحَرَامِ (لِجَوَازِهِ) أَيْ تَرْكِ الْحَرَامِ (بِوَاجِبٍ) لَكِنَّهُ قِيلَ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ وَاجِبًا مُخَيَّرًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هُنَا فَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَعَيُّنُهَا بِالنَّوْعِ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَمَا بِهِ يَحْصُلُ تَرْكُ الْحَرَامِ مُتَعَيِّنٌ بِالنَّوْعِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ مُبَاحٌ وَدُفِعَ بِأَنَّ تَرْكَهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَفْعَالِ وَتَعَيُّنُهَا النَّوْعِيُّ إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَعَيُّنِ حَقَائِقِهَا وَتَمَيُّزِ كُلٍّ مِنْهَا عَمَّا عَدَاهُ بِمَا يَخُصُّهُ كَالصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ مَثَلًا لَا بِالْأَعْرَاضِ الْعَامَّةِ كَكَوْنِهَا وَاجِبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً وَأُجِيبُ بِأَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْفِعْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَالْفُقَهَاءُ دَوَّنُوا تِلْكَ الْأَنْوَاعَ وَالتَّعْبِيرُ عَنْهَا بِالْأَعْرَاضِ الْعَامَّةِ لِلْإِغْنَاءِ عَنْ التَّفْصِيلِ الْمَعْلُومِ لَا لِلْجَهْلِ بِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ (وَيُورَدُ) عَلَى الْكَعْبِيِّ أَنَّهُ (لَيْسَ تَرْكُهُ) أَيْ الْحَرَامَ (عَيْنَ فِعْلِ الْمُبَاحِ) غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ (وَأَجَابَ) الْكَعْبِيُّ (بِأَنَّ) هَذَا لَا يَضُرُّ فَإِنَّ (مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ) وَبِهِ يَتِمُّ دَلِيلُنَا فَيُقَال تَرْكُ الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ مُقَدِّمَةٌ لِلْوَاجِبِ وَمُقَدِّمَةُ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ. (وَأَوْرَدَ) عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ (أَنَّهُ مُصَادَمَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى انْقِسَامِ الْفِعْلِ إلَيْهِ) أَيْ الْمُبَاحِ (وَبَاقِيهَا) أَيْ أَقْسَامِهِ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمَنْدُوبِ فَلَا يُسْمَعُ (فَأَجَابَ) الْكَعْبِيُّ (بِوُجُوبِ تَأْوِيلِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ عَلَى انْقِسَامِ الْفِعْلِ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَنَّهُ مُنْقَسِمٌ إلَيْهَا (بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (فِي ذَاتِهِ) أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ كَوْنِهِ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ (لَا بِمُلَاحَظَةِ مَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْفِعْلِ مِنْ كَوْنِهِ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ فَيَكُونُ الْمُبَاحُ نَظَرًا إلَى ذَاتِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مُبَاحًا وَبِالنَّظَرِ إلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ كَوْنِهِ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ وَاجِبًا، وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ (لِقَطِيعَةِ دَلِيلِنَا) الْمَذْكُورِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَلِيلِنَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِبَقَاءِ الْعَمَلِ بِالْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ عَلَى وُجُوبِ الْمُبَاحِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْأَدِلَّةِ الْإِعْمَالُ لَا الْإِهْمَالُ (وَيَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ) أَيْ هَذَا (مُرَادَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يَقْتَضِي وُجُوبَ مُبَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ تَجُرُّ إلَى مِثْلِ قَوْلِ الْكَعْبِيِّ فَيَجِبُ كَوْنُ مُرَادِهِمْ أَنَّ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ مُبَاحَةٌ فِي ذَاتِهَا وَلَكِنْ لَزِمَهَا الْوُجُوبُ لِعَارِضِ التَّوَصُّلِ إلَى الْوَاجِبِ بِهَا (فَإِنْ لَزِمَ وُجُوبُ الْمَعْصِيَةِ مُخَيَّرًا) لِلْكَعْبِيِّ عَلَى سَبِيلِ النَّقْضِ الْإِجْمَالِيِّ لِدَلِيلِهِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ لَزِمَ كَوْنُ الْمُحَرَّمِ إذَا تَرَكَ بِهِ مُحَرَّمًا آخَرَ كَاللِّوَاطَةِ إذَا تَرَكَ بِهَا الزِّنَا وَاجِبًا لِقِيَامِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُحَرَّمَ يَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ فَيَكُونُ وَاجِبًا (فَقَدْ ذَكَرَ جَوَابَهُ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي إلْزَامِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ مِنْ كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ مَعْصِيَةً، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ خِلَافُ ذَلِكَ فَيَكُونُ وَاجِبًا حَرَامًا مَعًا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَإِيضَاحُهُ أَنَّهُ يَقُولُ لَا مَانِعَ مِنْ اتِّصَافِ الْفِعْلِ بِالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ مَعًا بِاعْتِبَارِ جِهَتَيْنِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ فَيَصِيرُ الْحَرَامُ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ وَاجِبًا بِتَرْكِ حَرَامٍ آخَرَ لِغَيْرِهِ (وَجَوَابَ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَوُجُوبُ الْمَعْصِيَةِ مِنْ قِبَلِ الْجُمْهُورِ (مَنْعَ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ وَاقْتِصَارُهُمْ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ (عَنْ آخِرِهِمْ) عَلَى هَذَا الْجَوَابِ (يُنَادِي بِانْتِفَاءِ دَفْعِهِ) أَيْ قَوْلِ الْكَعْبِيِّ (إلَّا لِلنَّافِي) كَوْنَ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبًا (وَلَيْسَ) هَذَا هُوَ (الْمَذْهَبُ الْحَقُّ) لِلْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ (وَلَا مُخَلِّصَ لِأَهْلِهِ) حِينَئِذٍ بَلْ يَكُونُونَ مُلْزَمِينَ بِقَوْلِهِ بِنَفْيِ الْمُبَاحِ رَأْسًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَهُوَ) أَيْ جَوَابُهُ (أَقْرَبُ إلَيْك مِنْك لِانْكِشَافِ مَنْعِ أَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ تَرْكُ حَرَامٍ بَلْ لَا شَيْءَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُبَاحِ (إيَّاهُ) أَيْ تَرْكَ حَرَامٍ (وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ الْمُبَاحَ تَرْكُ الْحَرَامِ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ التَّرْكَ وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْفِعْلِ فَرْعُ خُطُورِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (وَ) فَرْعُ (دَاعِيَةِ النَّفْسِ لَهُ) أَيْ لِلْفِعْلِ (وَيَقْطَعُ بِإِسْكَانِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ وَفِعْلِهَا) أَيْ الْجَوَارِحِ (لَا عَنْ دَاعِيَةِ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ تَرْكًا لَهَا) أَيْ لِلْمَعْصِيَةِ (بِذَلِكَ) الْإِسْكَانِ وَالْفِعْلِ لِلْجَوَارِحِ (وَعِنْدَ تَحَقُّقِهَا)

تقسيم للحنفية الحكم إما رخصة أو عزيمة

أَيْ دَاعِيَةِ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ (فَالْكَفُّ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً يُثْبِتُهُ) أَيْ وُجُوبَهُ (مَا قَامَ بِإِطْلَاقِهِ الدَّلِيلُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فَخَرَجَ تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ بِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا لِتَرْكِ الْأَوْلَى بِذَلِكَ فَيَلْتَزِمُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ التَّرْكِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا صُدِّرَ الْجَوَابُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ تَعْجِيبًا مِنْ ذُهُولِ الْكُلِّ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ مَعَ أَنَّهُمْ الْمُحَقِّقُونَ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الْعِلْمِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مُبَاحٍ تَرْكُ حَرَامٍ مَمْنُوعٌ لِلْقَطْعِ بِفِعْلِ مُبَاحَاتٍ لَا تُحْصَى مِنْ غَيْرِ خُطُورِ مَعْصِيَةٍ يُرَادُ بِفِعْلِ تِلْكَ الْمُبَاحَاتِ تُرْكُهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّرْكَ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِخُطُورِ الْمَتْرُوكِ وَدَاعِيَّةِ النَّفْسِ إلَى فِعْلِهِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ فَثَبَتَ الْمُبَاحُ مُجَرَّدًا عَنْ كَوْنِهِ تَرْكًا لِشَيْءٍ فَبَطَلَ دَلِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اهـ ثُمَّ كَوْنُ مَذْهَبِ الْكَعْبِيِّ إنْكَارَ الْمُبَاحِ رَأْسًا كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَا نَقَلَهُ كَثِيرٌ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ بَرْهَانٍ وَالْآمِدِيِّ وَقِيلَ بَلْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُبَاحَ مَأْمُورٌ بِهِ دُونَ الْأَمْرِ بِالنَّدْبِ وَالْأَمْرِ بِالْإِيجَابِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ لِآخَرِينَ كَالْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ وَهُوَ غَرِيبٌ. (مَسْأَلَةٌ قِيلَ الْمُبَاحُ جِنْسُ الْوَاجِبِ) ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ مَا أُذِنَ فِي فِعْلِهِ وَهَذَا جُزْءُ حَقِيقَةِ الْوَاجِبِ لِاخْتِصَاصِ الْوَاجِبِ بِقَيْدٍ زَائِدٍ وَهُوَ لَا فِي تَرْكِهِ وَلَا مَعْنَى لِلْجِنْسِ إلَّا كَوْنُهُ تَمَامَ الْجُزْءِ الْمُشْتَرَكِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (غَلَطٌ بَلْ) الْمُبَاحُ (قَسِيمُهُ) أَيْ الْوَاجِبِ (مُنْدَرِجٌ مَعَهُ) أَيْ الْوَاجِبِ (تَحْتَ جِنْسِهِمَا إطْلَاقُ الْفِعْلِ لِمُبَايَنَتِهِ) أَيْ الْمُبَاحِ لِلْوَاجِبِ (بِفَصْلِهِ إطْلَاقَ التَّرْكِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ مُطْلَقِ التَّرْكِ (وَتَقَدَّمَ فِي) مَسْأَلَةٍ لَا شَكَّ فِي تَبَادُرِ كَوْنِ الصِّيغَةِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ مَجَازًا فِي بَحْثِ (الْأَمْرِ مَا يُرْشِدُ إلَيْهِ) أَيْ كَوْنُهُ مُبَايِنًا فَلْيُسْتَذْكَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ. [تَقْسِيمٌ لِلْحَنَفِيَّةِ الْحُكْمُ إمَّا رُخْصَةٌ أَوْ عَزِيمَةٌ] (تَقْسِيمٌ لِلْحَنَفِيَّةِ الْحُكْمُ إمَّا رُخْصَةٌ وَهُوَ) أَيْ الرُّخْصَةُ (مَا) أَيْ حُكْمُ (شُرِعَ تَخْفِيفًا لِحُكْمٍ) آخَرَ (مَعَ اعْتِبَارِ دَلِيلِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْآخَرِ (قَائِمَ الْحُكْمِ) أَيْ بَاقِيًا الْعَمَلَ بِهِ (لِعُذْرِ خَوْفِ) تَلَفِ (النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ) وَلَوْ أُنْمُلَةً إذَا لَمْ يَمْتَثِلْ ذَلِكَ فَخَرَجَتْ الْعَزِيمَةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ تَخْفِيفًا لِحُكْمٍ آخَرَ بَلْ شُرِعَتْ ابْتِدَاءً لَا بِنَاءً عَلَى عَارِضٍ كَمَا سَيَأْتِي وَمِنْهَا خِصَالُ الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةُ وَالتَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ (كَإِجْرَاءِ الْمُكْرَهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ (كَلِمَةَ الْكُفْرِ) عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ (وَجِنَايَتِهِ) أَيْ الْمُحْرِمِ الْمُكْرَهِ بِذَلِكَ (عَلَى إحْرَامِهِ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَفْرِقَةٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إحْرَامَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَعَلَّهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا عَلَى صَرِيحٍ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْفَسَادِ أَوْ لِلدَّمِ فَقَطْ أَوْ لِأَعَمَّ مِنْهُمَا وَمِنْ الصَّدَقَةِ إلَّا مَا عَسَاهُ يُفْهَمُ مِمَّا فِي شَرْحٍ لِأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ جِنَايَةَ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ. اهـ. وَيُخَالُ مِنْ اقْتِصَارِ بَعْضِهِمْ عَلَى تَعْلِيلِ التَّرَخُّصِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْجِنَايَةِ بِأَنَّ فِيهِ انْجِبَارَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِالدَّمِ أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنَايَةُ الَّتِي تُوجِبُ الدَّمَ لَا الصَّدَقَةَ وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ التَّرَخُّصُ فِي الْجِنَايَةِ الَّتِي تُوجِبُ الدَّمَ فَفِي الَّتِي تُوجِبُ الصَّدَقَةَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى (وَرَمَضَانَ) أَيْ وَجِنَايَةُ الصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا مَكْرُوهًا بِذَلِكَ عَلَى جِنَايَتِهِ عَلَى صَوْمِهِ بِالْإِفْسَادِ (وَتَرْكِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ إذَا أَمَرَ وَنَهَى وَصَلَّى (وَتَنَاوُلِ الْمُضْطَرِّ مَالَ الْغَيْرِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الرُّخْصَةِ (أَحَقُّ نَوْعَيْهَا) أَيْ أُولَاهُمَا حَقِيقَةً بِاسْمِ الرُّخْصَةِ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْعَزِيمَةِ فِيهِ وَقِيَامِ حُكْمِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ دَالٍّ عَلَى تَرَاخِيهِ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ (فَالْعَزِيمَةُ أَوْلَى وَلَوْ مَاتَ بِسَبَبِهَا) أَيْ الْعَزِيمَةِ كَمَا فِي هَذِهِ الْأُمُورِ أَمَّا قِيَامُ دَلِيلِ الْعَزِيمَةِ فِي اسْتِمْرَارِ الْإِيمَانِ وَعَدَمِ تَرَاخِي حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُهُ عَنْهُ فَظَاهِرٌ فَإِنَّ دَلِيلَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ قَطْعِيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ تَرَاخِي حُكْمِهِ عَنْهُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا فَيَقُومُ حُكْمُهُ وَهُوَ وُجُوبُهُ بِقِيَامِ دَلِيلِهِ وَيَدُومُ بِدَوَامِهِ. وَإِنَّمَا رَخَّصَ الشَّارِعُ لَهُ فِي إجْرَاءِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ عَلَى لِسَانِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ إجْرَائِهَا وَالصَّبْرِ عَلَى الْقَتْلِ يَفُوتُ حَقُّهُ صُورَةً بِتَخْرِيبِ بَدَنِهِ وَمَعْنًى بِزَهُوقِ رُوحِهِ وَحَقُّ اللَّهِ لَا يَفُوتُ مَعْنًى لِكَوْنِ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَزِيمَةُ أَوْلَى، وَإِنْ لَزِمَ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا الْقَتْلُ لِمَا فِيهَا مِنْ رِعَايَةِ حَقِّ اللَّهِ صُورَةً وَمَعْنًى بِتَفْوِيتِ حَقِّهِ صُورَةً

وَمَعْنًى فَكَانَ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ فَكَانَ شَهِيدًا كَمَا فِي الْجِهَادِ مَعَ الْكُفَّارِ ثُمَّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَا وَرَاءَك قَالَ شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُرِكَتْ حَتَّى نِلْت مِنْك وَذَكَرْت آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ قَالَ فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَك قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ قَالَ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] نَزَلَتْ فِي عَمَّارٍ وَمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا «أَنَّ عُيُونًا لِمُسَيْلِمَةَ أَخَذُوا رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأْتُوهُ بِهِمَا فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَأَهْوَى إلَى أُذُنَيْهِ فَقَالَ إنِّي أَصَمُّ فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ مِثْلَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، وَقَالَ لِلْآخَرِ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ فَأَرْسَلَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْت قَالَ وَمَا شَأْنُك فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ وَقِصَّةِ صَاحِبِهِ فَقَالَ أَمَّا صَاحِبُك فَمَضَى عَلَى إيمَانِهِ وَأَمَّا أَنْتَ فَأَخَذَتْ بِالرُّخْصَةِ» . وَأَمَّا قِيَامُ دَلِيلِ الْعَزِيمَةِ فِي الْبَاقِي وَهُوَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ إلَى انْتِهَائِهِمَا شَرْعًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّابِتَةِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ عَلَى الْإِحْرَامِ وَعَلَى الصِّيَامِ بِمَا يُوجِبُ الْإِفْسَادَ وَالْقِيَامَ بِفَرِيضَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَدَاءِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي وَقْتِهَا وَالْكَفِّ عَنْ تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الْعُدْوَانِ وَعَدَمِ تَرَاخِي أَحْكَامِ هَذِهِ عَنْ أَدِلَّتِهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَمَعْرُوفٌ فِي مَظَانِّهِ، وَإِنَّمَا رَخَّصَ الشَّارِعُ لِلْمُحْرِمِ وَالصَّائِمِ الْمَذْكُورَيْنِ الْإِقْدَامَ عَلَى الْجِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِلْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ بِأَمْرِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَصَلَاتِهِ الْمَكْتُوبَةِ فِي وَقْتِهَا فِي تَرْكِ ذَلِكَ وَلِلْمُضْطَرِّ فِي تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْجِنَايَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَالْكَفِّ عَنْ تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ فَوَاتَ حَقِّهِمْ صُورَةً وَمَعْنًى وَحَقُّ اللَّهِ لَا يَفُوتُ مَعْنًى مَعَ انْجِبَارِهِ فِي الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ وَالدَّمِ أَوْ بِالدَّمِ أَوْ الصَّدَقَةِ، وَفِي الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ بِالْقَضَاءِ وَفِي تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ بِالضَّمَانِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَزِيمَةُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْلَى، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهَا الْقَتْلُ أَمَّا فِي الْعِبَادَاتِ فَلِبَذْلِ نَفْسِهِ لِلَّهِ لِإِقَامَةِ حَقِّ اللَّهِ وَإِظْهَارِ الصَّلَابَةِ فِي الدِّينِ وَإِعْزَازِهِ. وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ حَقُّ الْعِبَادَةِ فَقِيَاسًا عَلَى الْعِبَادَاتِ لِمَا فِيهِ أَيْضًا مِنْ إظْهَارِ الْقُوَّةِ فِي الدِّينِ بِبَذْلِ نَفْسِهِ فِي الِاجْتِنَابِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِ كَانَ مَأْجُورًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا وَفِي مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْأَصْلُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَا حَرَّمَهُ النَّصُّ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ ثُمَّ أُبِيحَ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ آثِمًا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ نَفْسَهُ لَا لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ إذْ لَيْسَ فِي التَّوَرُّعِ عَنْ الْمُبَاحِ إعْزَازُ دِينِ اللَّهِ وَمَنْ أَتْلَفَ نَفْسَهُ لَا لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ كَانَ آثِمًا وَمَا حَرَّمَهُ النَّصُّ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَرَخَّصَ فِيهِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ لَيْسَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ كَالْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَمَظَالِمِ الْعِبَادِ إذَا امْتَنَعَ فَقُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مُهْجَتَهُ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ حَيْثُ تَوَرَّعَ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ وَكَذَا مَا ثَبَتَ حُرْمَتُهُ بِالنَّصِّ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِإِبَاحَتِهِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَعَلَى الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ لِلْمُقِيمِ الصَّحِيحِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ فَقُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مُهْجَتَهُ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ كَذَلِكَ. (أَوْ) مَا شُرِعَ تَخْفِيفًا لِحُكْمٍ آخَرَ مَعَ اعْتِبَارِ دَلِيلِهِ (مُتَرَاخِيًا) حُكْمُهُ (عَنْ مَحَلِّهَا) أَيْ الرُّخْصَةِ (كَفِطْرِ الْمُسَافِرِ) وَالْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ دَلِيلَ وُجُوبِ الصَّوْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] قَائِمٌ لَكِنْ تَرَاخَى حُكْمُهُ عَنْ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ وَهُوَ السَّفَرُ وَالْمَرَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] (وَالْعَزِيمَةُ) فِي هَذَا النَّوْعِ (أَوْلَى مَا لَمْ يَسْتَضِرَّ) بِهَا نَظَرًا إلَى قِيَامِ السَّبَبِ وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ

فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» وَيُوَضِّحُهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ «حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ فِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ وَصَامَ هُوَ فِي السَّفَرِ أَيْضًا» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَبَحَثْنَا عَنْ ذَلِكَ فَظَهَرَ أَنَّهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الرُّخْصَةِ لَمْ يَتَمَحَّضْ فِي الْفِطْرِ بَلْ فِي الْعَزِيمَةِ مَعْنَاهَا أَيْضًا وَهُوَ مُوَافَقَةُ الصَّائِمِينَ وَلِيُوَطِّنَ النَّفْسَ عَلَى صَوْمِ أَيَّامِ رَمَضَانَ وَكُلُّ مَا وُطِّنَتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ خَفَّ أَمْرُهُ عَلَيْهَا فَكَانَ فِي تَمَحُّضِ مَعْنَى الرُّخْصَةِ فِي الْفِطْرِ تَرَدُّدٌ إذَا لَمْ يَسْتَضِرَّ بِهِ فَإِذَا اسْتَضَرَّ تَمَحَّضَ حِينَئِذٍ فِي الْفِطْرِ مَعْنَى الرُّخْصَةِ (فَلَوْ مَاتَ بِهَا) أَيْ بِالْعَزِيمَةِ (أَثِمَ) لِقَتْلِهِ نَفْسَهُ بِلَا مُبِيحٍ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَهُ فَقِيلَ لَهُ إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَضَرُّوا بِهِ بِدَلِيلِ مَا فِي لَفْظٍ لَهُ فَقِيلَ لَهُ إنَّ النَّاسَ قَدْ شُقَّ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ (وَالْعَزِيمَةُ ذَلِكَ الْحُكْمُ) الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَخْفِيفًا لِحُكْمٍ (فَيُقَيَّدُ) ذَلِكَ الْحُكْمُ (بِمُقَابَلَةِ رُخْصَةٍ وَقَدْ لَا يَتَقَيَّدُ) بِمُقَابَلَةِ رُخْصَةٍ (فَيُقَالُ مَا) أَيْ حُكْمٌ (شُرِعَ ابْتِدَاءً غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْعَوَارِضِ) أَيْ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ وَهُوَ إيضَاحٌ لِابْتِدَائِيَّةِ شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ فَخَرَجَتْ الرُّخْصَةُ وَعَمَّتْ الْعَزِيمَةُ مَا كَانَ هَكَذَا مِمَّا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ رُخْصَةٍ أَوْ لَا فِي مُقَابَلَتِهَا (وَتُعْرَفُ الرُّخْصَةُ بِمَا تَغَيَّرَ مِنْ عُسْرٍ إلَى يُسْرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ) وَهُوَ إيضَاحٌ لِمَا تَغَيَّرَ لِلْعِلْمِ مِنْ السِّيَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ حُكْمُ تَغَيُّرٍ إلَخْ. (وَقُسِّمَ كُلٌّ) مِنْ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ (أَرْبَعَةً) مِنْ الْأَقْسَامِ فَقُسِّمَتْ (الْعَزِيمَةُ إلَى فَرْضِ مَا) أَيْ حُكْمٌ (قُطِعَ بِلُزُومِهِ) مَأْخُوذٌ (مِنْ فَرْضٍ قُطِعَ وَوَاجِبِ مَا) أَيْ حُكْمٍ (ظُنَّ) لُزُومُهُ سُمِّيَ وَاجِبًا (لِسُقُوطِ) أَيْ وُقُوعِ (لُزُومِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ) جَبْرًا (بِلَا عِلْمٍ) لَهُ بِثُبُوتِهِ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ فَهُوَ يَتَحَمَّلُهُ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِلُزُومِهِ لَهُ قَطْعًا بِخِلَافِ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ عِلْمُهُ بِهِ قَطْعًا يَتَحَمَّلُهُ بِاخْتِيَارِهِ وَشَرْحِ صَدْرِهِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ (مِنْ وَجَبَ سَقَطَ وَالشَّافِعِيَّةُ) بَلْ الْجُمْهُورُ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ اسْمَانِ (مُتَرَادِفَانِ) لِفِعْلٍ مَطْلُوبٍ طَلَبًا جَازِمًا (وَلَا يُنْكِرُونَ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ بَلْ الْجُمْهُورُ (انْقِسَامَ مَا لَزِمَ) فِعْلُهُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى طَلَبِهِ طَلَبًا جَازِمًا (إلَى قَطْعِيٍّ) أَيْ ثَابِتٍ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ دَلَالَةً وَسَنَدًا (وَظَنِّيٍّ) أَيْ ثَابِتٍ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ دَلَالَةً وَسَنَدًا أَوْ دَلَالَةً لَا سَنَدًا وَبِالْقَلْبِ (وَلَا) يُنْكِرُونَ (اخْتِلَافَ حَالِهِمَا) أَيْ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ مِنْ حَيْثُ الْإِكْفَارُ وَعَدَمُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ الِاسْمَيْنِ هَلْ هُمَا لِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي ذَاتِهِ تَتَفَاوَتُ أَفْرَادُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِالنَّظَرِ إلَى طَرِيقِ ثُبُوتِهِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِفَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارٍ فِي طَرِيقِ ثُبُوتِهِ حَتَّى إنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُجَرَّدِ اخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ مِنْ ذَيْنِك الِاسْمَيْنِ وَإِنَّ تَسْمِيَتَهُ بِهِ حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ دُونَ الْآخَرِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى الْأَوَّلِ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى الثَّانِي (فَهُوَ) نِزَاعٌ (لَفْظِيٌّ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ. (غَيْرَ أَنَّ إفْرَادَ كُلِّ قِسْمٍ بِاسْمٍ أَنْفَعُ عِنْدَ الْوَضْعِ) لِمَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ (لِلْحُكْمِ) عَلَيْهِ فَإِنَّك حِينَئِذٍ تَضَعُ الْفَرْضَ مَوْضُوعَ مَسْأَلَةٍ لِتَحْكُمَ عَلَيْهِ بِمَا يُنَاسِبُهُ وَتَضَعَ الْوَاجِبَ لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا اسْمٌ وَاحِدٌ يَعُمُّ مَعْنَيَيْنِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ فَإِنَّك تَضَعُ أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِاسْمِهِ الَّذِي يَخُصُّهُ لِتَحْكُمَ عَلَيْهِ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْحُكْمِ بِحَسَبِ طَرِيقِ ثُبُوتِهِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نَصْبِ قَرِينَةٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقِسْمُ الَّذِي طَرِيقُ ثُبُوتِهِ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ لِدَلَالَةِ لَفْظِهِ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كِلَا الِاسْمَيْنِ لِلْقِسْمَيْنِ فَإِنَّ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ قَرِينَةٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الِاسْمِ قِسْمٌ مُعَيَّنٌ مِنْهُمَا (وَإِلَى سُنَّةِ الطَّرِيقَةِ الدِّينِيَّةِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ) الْخُلَفَاءِ (الرَّاشِدِينَ أَوْ بَعْضِهِمْ) الَّتِي يُطَالَبُ الْمُكَلَّفُ بِإِقَامَتِهَا مِنْ غَيْرِ افْتِرَاضٍ وَلَا وُجُوبٍ فَيَخْرُجُ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفْصِحُ عَنْ هَذَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ مَقُولَةٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ

أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لِمَا صَحَّحَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةِ «الْخِلَافَةِ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا» وَفِي رِوَايَةٍ «الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي، وَفِي لَفْظِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ أَوْ قَالَ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ» وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى خِلَافَتِهِمْ (وَيَنْقَسِمُ مُطْلَقُهَا) أَيْ السُّنَّةِ (إلَى سُنَّةِ هَدْيٍ) وَهِيَ مَا يَكُونُ إقَامَتُهَا تَكْمِيلًا لِلدِّينِ (تَارِكُهَا) بِلَا عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ (مُضَلَّلٌ مَلُومٌ كَالْأَذَانِ) لِلْمَكْتُوبَاتِ كَمَا هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَإِلَّا فَقَدْ ذَهَبَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إلَى وُجُوبِهِ وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ أَصْلًا وَهُوَ قَوِيٌّ (وَالْجَمَاعَةِ) لَهَا وَيَشْهَدُ لَهُ مَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافَظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. (وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ الْمُجْمِعُونَ عَلَى تَرْكِهَا) أَيْ سُنَّةِ الْهُدَى كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أَهْلِ مِصْرَ تَرَكُوا الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ أُمِرُوا بِهِمَا فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا بِالسِّلَاحِ (لِلِاسْتِخْفَافِ) ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ إعْلَامِ الدِّينِ فَالْإِصْرَارُ عَلَى تَرْكِهِ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ فَيُقَاتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَمِنْ هُنَا قِيلَ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ قُوتِلُوا دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْأَذَانِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ وَيَشْكُلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَكَهُ وَاحِدٌ ضَرَبْته وَحَبَسْته بَلْ وَمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ تَرَكَ أَهْلُ كُورَةٍ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا وَلَوْ تَرَكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ ضَرَبْته وَحَبَسْته؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُصِرًّا عَلَى التَّرْكِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ اسْتِخْفَافٌ كَمَا فِي الْجَمَاعَةِ الْمُصِرِّينَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ لَا مُلَامَ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ السُّنَنِ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ (وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مُطْلِقُهَا) أَيْ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِي عَلَى مَا فِي الْأُمِّ أَوْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى لِسَانِ الشَّرْعِ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ (يَنْصَرِفُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَسْنُونِهِ (- عَلَيْهِ السَّلَامُ -) وَعَزَاهُ مِنْ الرَّاوِي صَاحِبِ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ إلَى أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَبِهِ أَخَذَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ (صَحِيحٌ فِي عُرْفِ الْآنَ وَالْكَلَامُ فِي عُرْفِ السَّلَفِ لِيُعْمَلَ بِهِ فِي نَحْوِ قَوْلِ الرَّاوِي) صَحَابِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (السُّنَّةُ أَوْ مِنْ السُّنَّةِ وَكَانُوا) أَيْ السَّلَفُ (يُطْلِقُونَهَا) أَيْ السُّنَّةَ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا) أَيْ سُنَّتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَلَا سِيَّمَا الْعُمَرَيْنِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِصَّةِ جَلْدِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ لَمَّا أَمَرَ الْجَلَّادَ بِالْإِمْسَاكِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ جَلَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ، وَقَالَ: مَالِكٌ قَالَ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُلَاةُ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ سُنَنًا الْأَخْذُ بِهَا اعْتِصَامٌ بِكِتَابِ اللَّهِ وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ تَبْدِيلُهَا وَلَا تَغْيِيرُهَا وَلَا النَّظَرُ فِي أَمْرٍ خَالَفَهَا مَنْ اهْتَدَى بِهَا فَهُوَ مُهْتَدٍ وَمَنْ اسْتَنْصَرَ بِهَا فَهُوَ مَنْصُورٌ وَمَنْ تَرَكَهَا وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي مَدِيحِ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَجَاءَ بِسُنَّةِ الْعُمَرَيْنِ فِيهَا ... شِفَاءً لِلصُّدُورِ مِنْ السَّقَامِ ، وَفِي سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ إنَّا لَنَرْجُو أَنْ تُعِيدَ لَنَا ... سُنَنَ الْخَلَائِفِ مِنْ بَنِي فِهْرِ عُثْمَانَ إذْ ظَلَمُوا وَانْتَهَكُوا ... دَمَهُ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَدِعَامَةَ الدِّينِ الَّتِي اعْتَدَلَتْ ... عُمَرًا وَصَاحِبَهُ أَبَا بَكْرِ

وَكَيْفَ لَا وَقَدْ ثَبَتَ إطْلَاقُ السُّنَّةِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا سَنُّوهُ كَمَا رَوَيْنَا آنِفًا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُتَابَعُوهُمْ وَالصَّيْرَفِيُّ لَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يَرَى فِي الْقَدِيمِ أَنَّ ذَلِكَ مَرْفُوعٌ إذَا صَدَرَ مِنْ الصَّحَابِيِّ أَوْ التَّابِعِيِّ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُطْلِقُونَهُ وَيُرِيدُونَ سُنَّةَ الْبَلَدِ اهـ لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ النَّقْلُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِكَوْنِهِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ مَعًا، وَقَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْحَافِظُ زَيْنِ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَالْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ التَّابِعِيِّ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ مِنْ السُّنَّةِ كَثِيرًا مَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَيَتَرَجَّحُ ذَلِكَ إذَا قَالَهُ التَّابِعِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَهُ الصَّحَابِيُّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ بَلْ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْحَاكِمِ فَقَالَ فِي مُسْتَدْرَكِهِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ أَيْضًا إذَا قَالَهَا غَيْرُ الصَّحَابِيِّ فَكَذَلِكَ مَا لَمْ يُضِفْهَا إلَى صَاحِبِهَا كَسُنَّةِ الْعُمَرَيْنِ وَهَذَا مِنْهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى الْخِلَافِ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ الْمُقْتَدِي وَالْمُتَّبِعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِضَافَةُ مُطْلَقِهَا إلَيْهِ حَقِيقَةٌ وَإِلَى غَيْرِهِ مَجَازٌ لِاقْتِدَائِهِ فِيهَا بِسُنَّتِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ فِي قِصَّتِهِ مَعَ الْحَجَّاجِ حِينَ قَالَ لَهُ إنْ كُنْت تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قُلْت لِسَالِمٍ أَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَهَلْ يَعْنُونَ بِذَلِكَ إلَّا سُنَّتَهُ فَنَقَلَ سَالِمٌ وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَحَدُ الْحُفَّاظِ مِنْ التَّابِعِينَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ إذَا أَطْلَقُوا السُّنَّةَ لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إلَّا سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْحَدِيثِ وَإِطْلَاقِهَا عَلَى سُنَّتِهِمْ لَا يَلْزَمُنَا؛ لِأَنَّنَا لَا نُنْكِرُ جَوَازَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا نَمْنَعُ فَهْمَ سُنَّةِ غَيْرِهِ مِنْ إطْلَاقِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْمِيزَانِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا لَوْ قِيلَ اللَّفْظُ مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِسُنَّتِهِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِسُنَّتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَإِلَى) سُنَنٍ (زَائِدَةٍ كَمَا فِي أَكْلِهِ وَقُعُودِهِ وَلُبْسِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا أَخْذُهَا حَسَنٌ وَتَرْكُهَا لَا بَأْسَ بِهِ أَيْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَرَاهَةٌ وَلَا إسَاءَةٌ (وَإِلَى نَفْلٍ) وَهُوَ الْمَشْرُوعُ زِيَادَةً عَلَى الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ لَنَا لَا عَلَيْنَا (يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَأَدَاءُ الْعِبَادَةِ سَبَبٌ لِنَيْلِ الثَّوَابِ (فَقَطْ) أَيْ وَلَا يُعَاقَبُ وَلَا يُعَاتَبُ عَلَى تَرْكِهِ لِعَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ وَالْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ صَوْمُ الْمُسَافِرِ حَيْثُ يُوجَدُ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهُ يَقَعُ فَرْضًا لِمَنْعِ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى التَّرْكِ أَصْلًا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا يُلَامُ عَلَى التَّأْخِيرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ (وَمِنْهُ) أَيْ النَّفْلِ الرَّكْعَتَانِ (الْأُخْرَيَانِ) مِنْ الرَّبَاعِيَةِ (لِلْمُسَافِرِ) ؛ لِأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِمَا وَلَا يُعَاقَبُ وَلَا يُعَاتَبُ عَلَى تَرْكِهِمَا (فَلَمْ يَنُوبَا عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ) عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ بِالْمُوَاظَبَةِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَصْدِ السُّنَّةِ فِي وُقُوعِهَا سُنَّةً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى الْأُخْرَيَانِ (وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ دَلِيلُ نَدْبٍ يَخُصُّهُ وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ وَالْمَنْدُوبُ) كَالرَّكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالسِّتَّةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ (وَثُبُوتُ التَّخْيِيرِ فِي ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ) النَّفْلِ بَيْنَ التَّلَبُّسِ بِهِ وَعَدَمِ التَّلَبُّسِ بِهِ (لَا يَسْتَلْزِمُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا اسْتِمْرَارَهُ) أَيْ التَّخْيِيرِ (بَعْدَهُ) أَيْ الشُّرُوعِ فِيهِ (كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَإِذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْهُ (فَجَازَ الِاخْتِلَافُ) بَيْنَ ثُبُوتِ التَّخْيِيرِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَبَيْنَ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إذَا شَرَعَ (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ (يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ) يُعِينُ هَذَا الْجَائِزَ وَاقِعًا وَقَدْ وُجِدَ (وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ) الثَّابِتِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ النَّفْلِ (فَوَجَبَ الْإِتْمَامُ فَلَزِمَ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ وَالرُّخْصَةِ) أَيْ وَقُسِّمَتْ (إلَى مَا ذَكَرَ) أَيْ إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَتَمُّ فِي مَعْنَى الرُّخْصَةِ وَالْآخَرُ مُقَابِلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ التَّقْسِيمِ (وَ) إلَى (مَا وَضَعَ عَنَّا مِنْ إصْرٍ) أَيْ حُكْمٍ مُغَلَّظٍ شَاقٍّ (كَانَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا) مِنْ بَعْضِ الْأُمَمِ (فَلَمْ يُشْرَعْ عِنْدَنَا) أَيْ فِي مِلَّتِنَا أَصْلًا تَكْرِيمًا لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَحْمَةً لَنَا

(كَقَرْضِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ) مِنْ الثَّوْبِ وَالْجِلْدِ (وَأَدَاءِ الرُّبُعِ فِي الزَّكَاةِ) أَيْ جَعْلِ رُبُعِ الْمَالِ مِقْدَارَ زَكَاتِهِ وَاشْتِرَاطِ قَتْلِ النَّفْسِ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ وَبَتِّ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ عَمْدًا كَانَ الْقَتْلُ أَوْ خَطَأً وَإِحْرَاقِ الْغَنَائِمِ وَتَحْرِيمِ الْعُرُوقِ فِي اللَّحْمِ وَالسَّبْتِ وَالطَّيِّبَاتِ بِالذُّنُوبِ، وَأَنْ لَا يُطَهِّرَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ غَيْرُ الْمَاءِ وَكَوْنِ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسِينَ وَأَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَحُرْمَةِ الْجِمَاعِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ فِي الصَّوْمِ وَالْأَكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ فِيهِ وَكِتَابَةِ ذَنْبِ الْمُذْنِبِ لَيْلًا عَلَى بَابِ دَارِهِ صَبَاحًا. (وَ) إلَى (مَا) أَيْ حُكْمٌ (سَقَطَ أَيْ لَمْ يَجِبْ) أَيْ لَمْ يَثْبُتْ (مَعَ الْعُذْرِ مَعَ شَرْعِيَّتِهِ فِي الْجُمْلَةِ) وَيُسَمَّى هَذَا الْقِسْمُ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ (وَهَذَانِ) الْقِسْمَانِ لِلرُّخْصَةِ (بِاعْتِبَارِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرُّخْصَةِ) سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ لِصِحَّةِ إطْلَاقِهَا عَلَيْهِمَا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِسُقُوطِ ذَلِكَ فِي حَقِّنَا تَوْسِعَةً وَتَخْفِيفًا بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ مَنْ قَبْلَنَا إذَا قَابَلْنَا أَنْفُسَنَا بِهِمْ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِسُقُوطِهِ فِي مَحِلِّ الْعُذْرِ مَعَ شَرْعِيَّتِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَتْ الْمَجَازِيَّةُ فِي الْأَوَّلِ أَتَمُّ (لَا) أَنَّهُمَا قِسْمَانِ لِلرُّخْصَةِ بِاعْتِبَارِ (حَقِيقَتِهَا) وَهِيَ مَا اُسْتُبِيحَ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُحَرِّمِ لِانْتِفَائِهَا فِيهِمَا فَهَذَا التَّقْسِيمُ إنَّمَا يُخْرِجُ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلِينَ لَا غَيْرُ بِخِلَافِ التَّقْسِيمِ الْحَقِيقِيِّ لِلْعَزِيمَةِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ الْأَرْبَعَةَ، ثُمَّ مِثْلُ هَذَا الْأَخِيرِ بِقَوْلِهِ (كَالْقَصْرِ) لِلصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ لِلْمُسَافِرِ (لِإِيجَابِ السَّبَبِ) الْمُوجِبِ لَهَا (وَالْأَرْبَعِ فِي غَيْرِ الْمُسَافِرِ وَرَكْعَتَيْنِ فِيهِ) أَيْ الْمُسَافِرِ (بِحَدِيثِ عَائِشَةَ) فِي الصَّحِيحَيْنِ حَيْثُ قَالَتْ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ (وَسُقُوطُ حُرْمَةِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ) أَيْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ مَخَافَةَ الْهَلَاكِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْعَطَشِ وَالْجُوعِ (وَالْمُكْرَهِ) عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ بِالْقَتْلِ فَحُرْمَتُهُمَا سَاقِطَةٌ مَعَ عُذْرِ الِاضْطِرَارِ ثَابِتًا عِنْدَ عَدَمِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ وَاضِحٌ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مِنْ سُقُوطِ الْحُرْمَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (لِلِاسْتِثْنَاءِ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] إذْ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْحَظْرِ إبَاحَةٌ (فَتَجِبُ الرُّخْصَةُ) الَّتِي هِيَ الشُّرْبُ وَالْأَكْلُ كَمَا يَجِبُ شُرْبُ الْمَاءِ وَأَكْلُ الْخُبْزِ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ (وَلَوْ مَاتَ لِلْعَزِيمَةِ) أَيْ لِلِامْتِنَاعِ عَنْهُمَا (أَثِمَ) كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ وَأَكْلِ الْخُبْزِ حَتَّى مَاتَ لِإِلْقَائِهِ بِنَفْسِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ مِنْ غَيْرِ مُلْجِئٍ لَكِنَّ هَذَا إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ خَفَاءً فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا مُضْطَرٌّ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحَرَامَ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَرْتَفِعُ، وَإِنَّمَا رُفِعَ إثْمُهَا كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ فَلَا يَأْثَمُ بِالِامْتِنَاعِ وَيَحْنَثُ فِي الْحَلِفِ الْمَذْكُورِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ مِثْلِ هَذَا الْقِسْمِ بَلْ يَكُونُ مِنْ مِثْلِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ قَالُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3] أَيْ يُغْفَرُ لَهُ مَا أَكَلَ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ حِينَ اُضْطُرَّ إلَيْهِ فَدَلَّ إطْلَاقُ الْمَغْفِرَةِ عَلَى قِيَامِ الْحُرْمَةِ إلَّا أَنَّهُ تَعَالَى رَفَعَ الْمُؤَاخَذَةَ رَحْمَةً عَلَى عِبَادِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ إطْلَاقَ ذِكْرِ الْمَغْفِرَةِ مَعَ الْإِبَاحَةِ بِاعْتِبَارِ مَا يَقَعُ مِنْ تَنَاوُلِ الْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى بَقَاءِ الْمُهْجَةِ إذْ يَعْسُرُ عَلَى الْمُضْطَرِّ رِعَايَةُ ذَلِكَ هَذَا وَأَوْرَدَ الْمُكْرَهُ إنْ كَانَ مُضْطَرًّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا لَمْ يَدْخُلْ فِي إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ كُلَّ مُكْرَهٍ بِمَا فِيهِ إلْجَاءٌ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا مُضْطَرٌّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ إلَّا أَنَّ الِاضْطِرَارَ نَوْعَانِ مَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمَّى بِالْإِكْرَاهِ عُرْفًا وَيَسْتَبِدُّ بِنَوْعٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَيَكُونُ فِي ذِكْرِهِ إشَارَةٌ إلَى النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا وَإِلَى أَنَّهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ (وَمِنْهُ) أَيْ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ مِنْ الرُّخْصَةِ (سُقُوطُ غَسْلِ الرِّجْلِ) الَّذِي كَانَ الْعَزِيمَةَ حَيْثُ لَا خُفَّ (مَعَ الْخُفِّ) فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ اسْتِتَارَ الْقَدَمِ بِالْخُفِّ مَنْعُ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَيْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَزَعَهُ بَعْدَ الْمَسْحِ لَزِمَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَسِرِ إلَيْهِمَا لَمْ يَجِبْ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْبَدَنِ بِدُونِ الْحَدَثِ فَظَهَرَ أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ سَاقِطٌ وَأَنَّ الْمَسْحَ شُرِعَ تَيْسِيرًا ابْتِدَاءً لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلِ يَتَأَدَّى بِالْمَسْحِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اشْتَرَطَ كَوْنَ أَوَّلِ حَدَثٍ بَعْدَ اللُّبْسِ

طَارِئًا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ حِينَئِذٍ يَصْلُحُ رَافِعًا لِلْحَدَثِ السَّارِي إلَى الْقَدَمِ وَظَهَرَ أَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَدَثِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا فِي الرِّجْلِ مَا دَامَتْ مُسْتَتِرَةً بِالْخُفِّ وَجَعَلَ الْخُفَّ مَانِعًا مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (الْأَخْذُ بِالْعَزِيمَةِ) وَهُوَ غَسْلُ الرِّجْلِ (أَوْلَى) مِنْ الْأَخْذِ بِالرُّخْصَةِ فِيهَا (مَعْنَاهُ إمَاطَةُ) أَيْ إزَالَةُ (سَبَبِ الرُّخْصَةِ بِالنَّزْعِ) لِلْخُفِّ لِيَغْسِلَهُمَا أَوْلَى مِنْ عَدَمِهَا لِيَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ هَذَا. وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ أَنَّ كَوْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ سَهْوٌ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ هَذَا النَّوْعِ أَنْ لَا تَبْقَى الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً مَعَهُ لَكِنَّ الْغَسْلَ فِي الرِّجْلِ مَشْرُوعٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ خُفَّيْهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَبْطُلُ مَسْحُهُ إذَا خَاضَ فِي الْمَاءِ وَدَخَلَ فِي الْخُفِّ حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعِ الْخُفِّ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغُسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ مَبْنَى هَذِهِ التَّخْطِئَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَتَبْقَى الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ بِالْمَسْحِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُتَيَمِّمِ وَالْمَعْذُورِينَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ لَمْ يُزَلْ بِهِ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ إذْ لَوْ لَمْ تَجِبْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَ مَحَلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغُسْلِ كَالْفَخِذِ وَوِزَانُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ فَوْقَ الْخُفَّيْنِ. وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْأَجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ، ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغُسْلِ بِالْخَوْضِ وَالنَّزْعِ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغُسْلِ وَقَدْ حَصَلَ اهـ قُلْت عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لِلْفَرْعِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ بَلْ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ لَا يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ اسْتِتَارَ الْقَدَمِ بِالْخُفِّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ فَلَا يَقَعُ هَذَا غَسْلًا مُعْتَبَرًا فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمَسْحِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُجْتَبِي وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْعِيَاضِيِّ لَا يَنْتَقِضُ، وَإِنْ بَلَغَ الْمَاءُ الرُّكْبَةَ وَلَا رَيْبَ فِي اتِّجَاهِ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَالْأَوْجَهُ إلَخْ يُفِيدُ تَمْشِيَةَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رِجْلَيْهِ ثَانِيًا إذَا نَزَعَهُمَا أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَ النَّزْعِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَعْمَلُ ذَلِكَ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَمَلَهُ مِنْ السِّرَايَةِ إلَى الرِّجْلَيْنِ وَقْتَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى مُزِيلٍ لَهُ عَنْهُمَا حِينَئِذٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُزِيلَ لَا يَظْهَرُ عَمَلُهُ فِي حَدَثٍ طَارِئٍ بَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَالسَّلَمُ) وَهُوَ بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ (سَقْطُ اشْتِرَاطُ مِلْكِ الْمَبِيعِ) فِيهِ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ لِتَرْخِيصِهِ فِيهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَقَالَ مَنْ أَسَلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» تَيْسِيرًا وَتَخْفِيفًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَفَالِيسِ فَكَانَ رُخْصَةً مَجَازًا لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُحَرِّمَ قَدْ انْعَدَمَ فِي حَقِّهِ شَرْعًا (فَلَوْ لَمْ يَبِعْ سَلَمًا وَتَلِفَ جُوعًا) أَيْ حَتَّى إنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ قَبُولِ السَّلَمِ عِنْدَ الْجُوعِ حَتَّى مَاتَ (أَثِمَ) كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ (وَاكْتَفَى بِالْعَجْزِ التَّقْدِيرِيِّ عَنْ الْمَبِيعِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فِي مِلْكِهِ وَلَكِنَّهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إلَى حَاجَتِهِ إذْ السَّلَمُ عَقْدٌ بِأَرْخَصِ الثَّمَنَيْنِ فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْرُوفٌ إلَى حَاجَتِهِ وَإِلَّا حَجَزَهُ عَقْلُهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ (فَلَمْ يَشْرِطْ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَجْزِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي مِلْكِهِ حَقِيقَةً (وَاقْتَصَرَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ

تتمة الصحة ترتب المقصود من الفعل عليه

لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ لَوْلَا الْعُذْرُ رُخْصَةٌ) فَمَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ أَيْ لِفِعْلٍ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ لِتَرْكٍ كَتَرْكِ الصَّوْمِ لِلْمُسَافِرِ جِنْسٌ مُتَنَاوِلٌ لِلْمَطْلُوبِ وَغَيْرِهِ وَلِعُذْرٍ أَيْ مَا يَطْرَأُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ مِنْ أَمْرٍ مُنَاسِبٍ لِلتَّسْهِيلِ عَلَيْهِ مُخْرَجٌ لِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَشْرُوعَةِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْخِصَالِ الْمُرَتَّبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ وَمَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ أَيْ بَقَاءِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى حُرْمَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ مَعْمُولًا بِهِ أَيْ مُثْبِتًا لِلْحُرْمَةِ حَتَّى فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ أَيْضًا لَوْلَا الْعُذْرُ فَهُوَ قَيْدٌ لِوَصْفِ التَّحْرِيمِ لَا لِلْقِيَامِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ مُخْرِجٌ لِمَا نُسِخَ تَحْرِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيَامَ لِلْمُحَرِّمِ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ مَعْمُولًا بِهِ وَمَا خُصَّ مِنْ دَلِيلِ الْمُحَرِّمِ؛ لِأَنَّ التَّخَلُّفَ لَيْسَ بِمَانِعٍ فِي حَقِّهِ بَلْ التَّخْصِيصُ بَيَانُ أَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ. (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ الْمَشْرُوعُ هَكَذَا (فَعَزِيمَةٌ وَمُقْتَضَاهُ) أَيْ هَذَا الِاقْتِصَارِ (انْتِفَاءُ التَّعَلُّقِ) أَيْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ (بِقَائِمِ الْعُذْرِ) لِعَدَمِ إثْبَاتِ الْمُحَرِّمِ الْحُرْمَةَ فِي حَقِّهِ (وَيَقْتَضِي امْتِنَاعَ صَبْرِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْكَلِمَةِ) أَيْ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ بِالْقَتْلِ (لِحُرْمَةِ قَتْلِ النَّفْسِ بِلَا مُبِيحٍ) وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ فِي قَوْلِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ إذَا بَقِيَ مَعْمُولًا بِهِ وَكَانَ التَّخَلُّفُ عَنْهُ لِمَانِعٍ طَارِئٍ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ لَوْلَاهُ لَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِ فَهُوَ الرُّخْصَةُ اهـ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّف إنْ لَمْ يَبْقَ مُكَلَّفًا عِنْدَ طُرُوِّ الْعُذْرِ لَمْ يُثْبِتْ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَحْكَامِ الْاقْتِضَائِيَّة وَالتَّخْيِيرِيَّة وَالتَّكْلِيفُ شَرْطٌ لَهَا فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ عَدَمُ تَحْرِيمِ مِثْلِ إجْرَاءِ الْمُكْرَهِ كَلِمَةَ الشِّرْكِ عَلَى لِسَانِهِ وَإِفْطَارِهِ فِي رَمَضَانَ وَإِتْلَافِهِ مَالَ الْغَيْرِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ رُخْصَةً؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ يَمْنَعُ التَّكْلِيفَ اهـ. ثُمَّ قَدْ يُقَالُ تَعْرِيفُ الرُّخْصَةِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ لِلْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ لَكِنْ بِلَا ذِكْرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ غَيْرِ جَامِعٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَدَقَ عَلَى الرُّخْصَةِ الْوَاجِبَةِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الرُّخْصَةِ الْمَنْدُوبَةِ كَقَصْرِ الرَّبَاعِيَةِ لِمُسَافِرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا عَلَى الرُّخْصَةِ الْمُبَاحَةِ كَالسَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْمِنْهَاجِ الْحُكْمُ إنْ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لِعُذْرٍ فَرُخْصَةٌ وَإِلَّا فَعَزِيمَةٌ وَجَمْعُ الْجَوَامِعِ وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إنْ تَغَيَّرَ إلَى سُهُولَةٍ لِعُذْرٍ فَرُخْصَةٌ وَإِلَّا فَعَزِيمَةٌ، ثُمَّ تَقْسِيمُ الْحُكْمِ إلَيْهِمَا طَرِيقُ الْحَاصِلِ وَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا وَآخَرُونَ كَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ هَذَا وَبَعْضُهُمْ كَالْبَيْضَاوِيِّ عَلَى دُخُولِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ فِي الْعَزِيمَةِ وَبَعْضُهُمْ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ إلَّا الْمُحَرِّمَ وَخَصَّهَا الْقَرَافِيُّ بِالْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، وَقَالَ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَاحُ مِنْ الْعَزَائِمِ فَإِنَّ الْعَزْمَ هُوَ الطَّلَبُ الْمُؤَكَّدُ فِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ بِالْوَاجِبِ لَا غَيْرُ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِ الْجُمْهُورِ، ثُمَّ الْآمِدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ وَقِيلَ لِلشَّارِعِ فِي الرُّخَصِ حُكْمَانِ كَوْنُهَا وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ إبَاحَةً وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ وَكَوْنُهَا مُسَبَّبَةً عَنْ عُذْرٍ طَارِئٍ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ يُنَاسِبُ تَخْفِيفَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالْمُسَبَّبِيَّة وَلَا بِدَعَ فِي جَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَتَيْنِ فَإِنَّ إيجَابَ الْجَلْدِ لِلزَّانِي مِنْ أَحْكَامِ الِاقْتِضَاءِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُسَبَّبًا عَنْ الزِّنَا وَعَلَيْهِ مَشَى الْأَبْهَرِيُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [تَتِمَّةٌ الصِّحَّةُ تَرَتُّبُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْفِعْلِ عَلَيْهِ] (تَتِمَّةٌ) لِهَذَا الْفَصْلِ (الصِّحَّةُ تَرَتُّبُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْفِعْلِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْفِعْلِ (فَفِي الْمُعَامَلَاتِ الْحِلُّ وَالْمِلْكُ) ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ مِنْهَا فَتَرَتُّبُهُمَا عَلَيْهَا صِحَّتُهَا (وَفِي الْعِبَادَاتِ الْمُتَكَلِّمُونَ) قَالُوا هِيَ (مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ) أَيْ أَمْرِ الشَّارِعِ وَقَوْلِهِ (فِعْلَهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ بِالْجَرِّ حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَجْمِعًا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ) بَدَلٌ مِنْهُ إذْ مُوَافَقَةُ الْفِعْلِ لِأَمْرِ الشَّرْعِ هِيَ الْمَقْصُودُ مِنْ طَلَبِهِ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ (وَهُوَ) أَيْ فِعْلُهُ مُسْتَجْمِعًا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ (مَعْنَى الْإِجْزَاءِ وَالْفُقَهَاءُ) قَالُوا (هُمَا) أَيْ الصِّحَّةُ وَالْإِجْزَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ (انْدِفَاعُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِيهَا فَالْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا كَمَا اسْتَحْسَنَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ لَا فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ (فَفِيهِ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ

عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (زِيَادَةُ قَيْدٍ) عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهَا مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ بِهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ كَوْنُ الْفِعْلِ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ لِمَا فِي تِلْكَ مِنْ الْمُشَاحَّةِ اللَّفْظِيَّةِ بِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَجِبْ فَكَيْفَ يَسْقُطُ وَأَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْعَضُدِ إنَّهَا دَفْعُ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ صِفَةُ الْفِعْلِ وَالدَّفْعَ صِفَةُ الْمُكَلَّفِ فَغَيَّرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِمَا يُطَابِقُ الْحَالَ وَهُوَ انْدِفَاعُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ (فَصَلَاةُ ظَانِّ الطَّهَارَةِ مَعَ عَدَمِهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (صَحِيحَةٌ وَمُجْزِئَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِمُوَافَقَةِ الْأَمْرِ عَلَى ظَنِّهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا بِقَدْرِ وُسْعِهِ (لَا الثَّانِي) أَيْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ سُقُوطِ الْقَضَاءِ لَهَا (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ ظُهُورِهِ) أَيْ عَدَمِ الطَّهَارَةِ (غَيْرَ أَنَّ الْإِجْزَاءَ لَا يُوصَفُ بِهِ وَبِعَدَمِهِ إلَّا مُحْتَمَلُهُمَا) أَيْ الْإِجْزَاءُ بِأَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَدٍّ بِهِ شَرْعًا لِكَوْنِهِ مُسْتَجْمِعًا لِلشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَعَدَمُهُ بِأَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُعْتَدٍّ بِهِ لِانْتِفَاءِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ (مِنْ الْعِبَادَاتِ) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ (بِخِلَافِ الْمَعْرِفَةِ) لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُمَا فَإِنَّهُ إنْ عَرَّفَهُ تَعَالَى بِطَرِيقٍ مَا فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُهُ فَلَا يُقَالُ عَرَفَهُ مَعْرِفَةً غَيْرَ مُجْزِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مَا عَرَفَهُ بَلْ الْوَاقِعُ جَهْلٌ لَا مَعْرِفَةٌ (وَقِيلَ يُوصَفُ بِهِمَا) أَيْ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ أَيْضًا مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهَيْنِ وَهُوَ (رَدُّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمِلْكِ) حَالَ كَوْنِهِ (مَحْجُورًا) لِسَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ (وَغَيْرَ مَحْجُورٍ) فَيُوصَفُ الْأَوَّلُ بِالْإِجْزَاءِ وَالثَّانِي بِعَدَمِهِ (وَدَفَعَ) وَالدَّافِعُ الْإِسْنَوِيُّ (بِأَنَّهُ) أَيْ رَدَّهَا إلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (لَيْسَ تَسْلِيمًا لِمُسْتَحِقِّ التَّسْلِيمِ) بِخِلَافِ رَدِّهَا إلَى غَيْرِ الْمَحْجُورِ فَلَا يَكُونُ مِنْ مِثْلِ مَا يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ بَلْ مِنْ مِثْلِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَذْكُرُ مِنْهُ كَمَا وَقَعَ فِي الْمَحْصُولِ وَالتَّحْصِيلِ وَالْمِنْهَاجِ. وَيَظْهَرُ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْمَالِكِ الْمَحْجُورِ لَيْسَ رَدًّا غَيْرَ مُجْزٍ فَيَكُونُ الرَّدُّ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِمَّا يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ مُجْزِيًا وَغَيْرَ مُجْزٍ فَالْوَجْهُ حَذْفُهُ مِنْ مِثْلِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ كَمَا حَذَفَهُ فِي الْحَاصِلِ (ثُمَّ قِيلَ مُقْتَضَى) كَلَامِ (الْفُقَهَاءِ) أَنَّ الْإِجْزَاءَ (لَا يَخْتَصُّ بِالْوَاجِبِ فَفِي حَدِيثِ الْأُضْحِيَّةِ) عَنْ «أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً قَبْلَ الصَّلَاةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا تُجْزِي عَنْك قَالَ عِنْدِي جَذَعَةٌ مِنْ الْمَعْزِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُجْزِي إلَى آخِرِهِ أَيْ عَنْك وَلَا تُجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ سُنَّةٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ (وَنَظَرَ فِيهِ بِرِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ) مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى مَا قَالَ «لَا تُجْزِي صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» عَلَى وُجُوبِهَا) أَيْ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا عَلَى الْوُجُوبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ خَاصٌّ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ الْوُجُوبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَقَالُوا هُوَ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِهَا (أَدَلُّ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ) أَيْ مِنْ لَفْظِهِمَا عَلَى وُجُوبِهَا وَهُوَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْكِتَابِ بِنَاءً عَلَى مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى النَّسَبِ لَا عَلَى نَفْيِ الْخَبَرِ وَالْخَبَرُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْجَارِ مَحْذُوفٌ فَيُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ صَحِيحَةً فَيُوَافِقُ مَطْلُوبَهُمْ أَوْ كَامِلَةً فَيُوَافِقُ الْحَنَفِيَّةَ وَفِيهِ نَظَرٌ (وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَلْيَسْتَطِبْ بِهَا فَإِنَّهَا تُجْزِي عَنْهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَرْضٌ عِنْدَهُمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) النَّظَرُ (يُحَوِّلُ الدَّلِيلَ) الْمَذْكُورَ عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ يُوصَفُ بِهِ الْمَنْدُوبُ (اعْتِرَاضًا عَلَيْهِمْ) يَعْنِي قَوْلَكُمْ أَنَّهُ يَخُصُّ الْوَاجِبَ حَتَّى جَعَلْتُمْ حَدِيثَ «لَا تُجْزِي صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» وَحَدِيثَ فَإِنَّهَا تُجْزِي دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ يَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْأُضْحِيَّةِ نَقْضًا تَقْرِيرُهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَقُلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُجْزِي إلَى آخِرِهِ (وَالصِّحَّةُ عَمَّتْهُمَا) أَيْ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ (كَالْفَسَادِ) فِي عُمُومِهِ لَهُمَا (وَهُوَ) أَيْ الْفَسَادُ (الْبُطْلَانُ) عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (وَالْحَنَفِيَّةُ كَذَلِكَ) أَيْ يَقُولُونَ بِأَنَّ الْفَسَادَ مُرَادِفٌ لِلْبُطْلَانِ (فِي الْعِبَادَاتِ بِفَوَاتِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ) فَالْفَاسِدَةُ هِيَ الْبَاطِلَةُ وَهِيَ مَا فَاتَ فِيهَا رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ (وَقَدَّمْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي النَّهْيِ) وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ إنْ نَافَى حُكْمُهُ

حُكْمَ الْفِعْلِ بَطَلَ مُطْلَقًا غَيْرَ أَنَّهُ جَعَلَ الْمُرَادَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِبَادَةِ هُنَاكَ هُوَ حُصُولُ ثَوَابِهِ تَعَالَى وَانْدِفَاعُ عِقَابِهِ فَحَكَمَ بِأَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ تَحْرِيمًا يُبْطِلُ الْعِبَادَةَ دُونَ الْمُعَامَلَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْأُخْرَوِيَّ الْعِقَابُ الْمُنَافِي لِحُكْمِ الْعِبَادَةِ أَيْ أَثَرِهَا فَحَكَمَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِمْ فِي صِحَّةِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ لَوْ صَامَهُ وَحُكْمُ الْمُعَامَلَةِ ثُبُوتُ مِلْكِ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ وَيَثْبُتُ مَعَ الْحُرْمَةِ ذَلِكَ فَجَعَلَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِبَادَةِ أُخْرَوِيًّا وَمِنْ الْمُعَامَلَةِ دُنْيَوِيًّا. (وَفِي الْمُعَامَلَةِ) قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ (كَوْنُهَا تَرَتَّبَ أَثَرُهَا) وَهُوَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا حَالَ كَوْنِهَا (مَطْلُوبَةَ التَّفَاسُخِ شَرْعًا الْفَسَادُ وَغَيْرَ مَطْلُوبَةٍ) التَّفَاسُخَ شَرْعًا (الصِّحَّةُ وَعَدَمُهُ) أَيْ تَرَتُّبِ أَثَرِهَا عَلَيْهَا (الْبُطْلَانُ) ، وَإِنَّمَا قَالُوا هَكَذَا (لِثُبُوتِ التَّرَتُّبِ كَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي النَّهْيِ فَفَرْقٌ) بَيْنَ مُسَمَّيَاتِ أَفْرَادِ الْمُعَامَلَةِ (بِالْأَسْمَاءِ) الْمَذْكُورَةِ، وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُسَمَّيَاتِهَا ظَاهِرٌ أَمَّا بَيْنَ الصَّحِيحِ وَمُسَمَّاهُ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلِأَنَّهُ مُوَصِّلٌ إلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ مِنْ دَفْعِ الْحَاجَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مَعَ سَلَامَةِ الدِّينِ. وَأَمَّا بَيْنَ الْفَاسِدِ وَمُسَمَّاهُ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ فَلِأَنَّهُ يُقَالُ لُؤْلُؤَةٌ فَاسِدَةٌ إذَا بَقِيَ أَصْلُهَا وَذَهَبَ لَمَعَانُهَا وَبَيَاضُهَا وَلَحْمٌ فَاسِدٌ إذَا أَنْتَنَ وَلَكِنْ بَقِيَ صَالِحًا لِلْغِذَاءِ. وَأَمَّا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَمُسَمَّاهُ وَهُوَ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَيُقَالُ لَحْمٌ بَاطِلٌ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْغِذَاءِ (وَاسْتِدْلَالُ مَانِعِي اتِّصَافِ الْمَنْدُوبِ بِالْإِجْزَاءِ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (بِمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ) مِنْ الْحَدِيثِ الْمَاضِي (قَدْ يُمْنَعُ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ) أَيْ الِاسْتِنْجَاءَ (مَنْدُوبٌ) عِنْدَهُمْ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْخَارِجُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ (كَاسْتِدْلَالِ الْمُعَمَّمِينَ) أَيْ كَمَا يَمْنَعُ اسْتِدْلَالُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُوصَفُ بِهِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ (بِمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ) أَيْ بِحَدِيثِهَا فَقَطْ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةَ (وَاجِبَةٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَلَا يَضُرُّهُمْ) أَيْ مَانِعِي اتِّصَافِ الْمَنْدُوبِ بِالْإِجْزَاءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (مَا فِي الْفَاتِحَةِ) مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (لِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ (وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ التَّعْمِيمُ) أَيْ تَعْمِيمُ اتِّصَافِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ بِهِ (لِحَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ) وَحَدِيثِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَالصِّحَّةُ عَمَّتْهُمَا. (ثُمَّ قَدْ يُظَنُّ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْوَضِيعَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ) الظَّنَّ (إذْ كَوْنُ الْمَفْعُولِ مُوَافِقًا لِلْأَمْرِ الطَّالِبِ لَهُ) كَمَا هُوَ مَعْنَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ (أَوْ) كَوْنُهُ (مُخَالِفًا) لِلْأَمْرِ الطَّالِبِ لَهُ كَمَا هُوَ مَعْنَى عَدَمِ الصِّحَّةِ عِنْدَهُمْ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَفْعُولِ (تَمَامَ مَا طَلَبَ حَتَّى يَكُونَ مُسْقِطًا أَيْ دَافِعًا لِوُجُوبِ قَضَائِهِ) كَمَا هُوَ مَعْنَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا يَخْفَى وَجْهُ تَفْسِيرِ إسْقَاطِ الْوُجُوبِ بِدَفْعِهِ (وَعَدَمِهِ) أَيْ وَكَوْنُ الْمَفْعُولِ عَدَمَ تَمَامِ الْمَطْلُوبِ كَمَا هُوَ مَعْنَى عَدَمِ الصِّحَّةِ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ كَوْنُ الْمَفْعُولِ إلَخْ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ (يَكْفِي فِي مَعْرِفَتِهِ الْعَقْلُ) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى تَوْقِيفِ الشَّرْعِ) عَلَى ذَلِكَ (كَكَوْنِهِ) أَيْ كَمَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ (مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ وَتَارِكًا) لَهَا بِالْعَقْلِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ (فَحُكْمُنَا بِهِ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ (عَقْلِيٌّ صِرْفٌ) أَيْ خَالِصٌ هَذَا مَا قَرَّرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ شَرْحًا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَأَمَّا الصِّحَّةُ وَالْبُطْلَانُ أَوْ الْحُكْمُ بِهِمَا فَأَمْرٌ عَقْلِيٌّ؛ لِأَنَّهُمَا إمَّا كَوْنُ الْفِعْلِ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ وَإِمَّا مُوَافَقَةُ أَمْرِ الشَّارِعِ، وَالْبُطْلَانُ وَالْفَسَادُ نَقِيضُهَا، قَالُوا: وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْقَاضِي بِالْعِبَادَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ فِي الْمُعَامَلَاتِ إذْ لَا يُسْتَرَابُ فِي أَنَّ كَوْنَ الْمُعَامَلَاتِ مُسْتَتْبَعَةً لِثَمَرَاتِهَا الْمَطْلُوبَةِ مِنْهَا مُتَوَقِّفَةً عَلَى تَوْقِيفٍ مِنْ الشَّارِعِ فَلَمْ تُذْكَرْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ وَهُوَ إنْكَارُ كَوْنِهِمَا مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا بِخِلَافِهِمَا فِي الْعِبَادَاتِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَرَتُّبَ الْأَثَرِ) الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ عَلَى الْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ (وَضْعِيٌّ) لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ وُرُودَ أَمْرِ الشَّارِعِ بِالصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ يَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِهَا صَحِيحَةً وَغَيْرَ صَحِيحَةٍ بِمَعْنَى كَوْنِهَا مُنْدَفِعًا عَنْهَا الْقَضَاءُ وَغَيْرَ مُنْدَفِعٍ إلَى تَوْقِيفٍ لِلشَّارِعِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ كَصَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ الْمُقِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ الْوُضُوءِ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُهَا يُسْقِطُهُ كَصَلَاةِ الْمُسَافِرِ الْمُتَيَمِّمِ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِبَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ

فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِهَا صَحِيحَةً وَغَيْرَ صَحِيحَةٍ بِمَعْنَى كَوْنِهَا مُوَافِقَةً لِأَمْرِ الشَّارِعِ أَمْ لَا بَعْدَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا إلَى تَوْقِيفِ الشَّارِعِ (وَكَوْنِ الْحُكْمِ بِهِ) أَيْ تَرَتُّبِ الْأَثَرِ عَلَى الْفِعْلِ (بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ) أَيْ تَرَتُّبِ الْأَثَرِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ (بِالْعَقْلِ شَيْءٌ آخَرُ) ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ الصَّوَابُ أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلَانَ وَالْحُكْمَ بِهِمَا أُمُورٌ شَرْعِيَّةٌ، وَكَوْنُ الْفِعْلِ مُسْقِطًا أَوْ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ هُوَ فِعْلُ اللَّهِ وَتَصْيِيرُهُ إيَّاهُ سَبَبًا لِذَلِكَ فَمَا الْمُوَافَقَةُ وَلَا الْإِسْقَاطُ بِعَقْلِيِّينَ؛ لِأَنَّ لِلشَّرْعِ فِيهِمَا مَدْخَلًا وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الصِّحَّةُ شَرْعِيَّةً لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِهَا لَكِنَّهُ يَقْضِي بِالصِّحَّةِ إجْمَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا شَرْعِيَّةٌ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْأَقْضِيَةِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ. (وَاعْلَمْ أَنَّ نَقْلَ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْأَصْلِ وُقُوعُ الظَّانِّ مُخْطِئًا عَلَى عَكْسِ الشَّافِعِيَّةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْقَائِلَةُ هَلْ تَثْبُتُ صِفَةُ الْجَوَازِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ إذَا أَتَى) الْمَأْمُورُ (بِهِ) أَيْ بِالْمَأْمُورِ بِهِ (إلَى آخِرِهَا) وَهُوَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَرَاءَ الْأَمْرِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُثْبِتُ بِهِ صِفَةَ الْجَوَازِ كَذَا فِي الْمَنَارِ قُلْت، وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ تَخْتَصَّ الشَّافِعِيَّةُ بِنَقْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي مَعْنَى الصِّحَّةِ بَلْ شَارَكَهُمْ فِيهِ كَذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ فِيهِمَا كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ إلَى الشَّافِعِيَّةِ وَلَمْ تَخْتَصَّ الْحَنَفِيَّةُ بِالْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي ثُبُوتِ صِفَةِ الْجَوَازِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ إذَا أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ بَلْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْإِجْزَاءُ الِامْتِثَالُ لِلْأَمْرِ وَحِينَئِذٍ فَالْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ إخْلَالٍ بِشَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهِ يُحَقِّقُ الْإِجْزَاءَ اتِّفَاقًا لِامْتِنَاعِ انْفِكَاكِ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ مَعْنَى الِامْتِثَالِ لِلْأَمْرِ الْإِتْيَانُ الْمَذْكُورُ وَقِيلَ الْإِجْزَاءُ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ وَحِينَئِذٍ فَقَالَ الْجُمْهُورُ إتْيَانُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ يَسْتَلْزِمُ سُقُوطَ الْقَضَاءِ إذْ لَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ لَجَازَ أَنْ يَبْقَى الطَّلَبُ مُتَعَلِّقًا بِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِ مَعَ إتْيَانِهِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ مَا فَعَلَ كَانَ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِهِ عِوَضًا عَنْهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لَزِمَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ أَوَّلًا بِكُلِّ الْمَأْمُورِ بِهِ بَلْ بِبَعْضِهِ وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ أَتَى بِهِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِهِ وَاسْتِئْنَافًا فَلَيْسَ بِقَضَاءٍ وَذَهَبَ أَبُو هَاشِمٍ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ إلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ الْحَكِيمُ افْعَلْ كَذَا فَإِذَا فَعَلْت أَدَّيْت الْوَاجِبَ وَيَلْزَمُك مَعَ ذَلِكَ الْقَضَاءُ قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي الْعُمَدِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا غَيْرُ مُجْزِئٍ وَلَا نَعْنِي بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُمْتَثَلْ وَلَا أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ وَقَعَ مَوْقِعَ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا يُقْضَى. اهـ. فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي الْإِجْزَاءِ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ لَهُ وَلَا فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِالْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ وَأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ أَنَّ الْقَضَاءَ مَا فُعِلَ بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ اسْتِدْرَاكًا بَلْ هَذَا تَفْسِيرٌ لِأَحَدِ قِسْمَيْهِ فَهُوَ عِنْدَهُ مِثْلُ الْوَاجِبِ أَوَّلًا. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِهِ فَإِذَنْ النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَعَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَدَّ أَمْرٌ آخَرُ بِعِبَادَةٍ يُوقِعُهَا الْمَأْمُورُ عَلَى حَسَبِ مَا أَوْقَعَ الْأَوْلَى وَأَنَّهُ كَمَا ثَمَّ مَنْ لَمْ يُسَمِّهَا قَضَاءً، ثُمَّ مَنْ يُسَمِّيهَا قَضَاءً، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ بَعِيدَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ التَّحْقِيقِ وَاحِدَةٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ لَيْسَ بَيْنَ النُّقُولِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ. وَأَمَّا أَنَّ الْفَرْعَ قِيلَ فِيهِ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ صَحِيحَةٌ وَمُجْزِيَةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرُ مُجْزِيَةٍ وَلَا صَحِيحَةٍ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بَلْ فِي الْبَدِيعِ قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ لَا يَكُونُ الِامْتِثَالُ دَلِيلَ الْإِجْزَاءِ بِمَعْنَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ الِامْتِثَالُ مُسْتَلْزِمًا لِلْإِجْزَاءِ بِمَعْنَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُعِيدَ الصَّلَاةَ أَوْ يَأْثَمَ إذَا عَلِمَ الْحَدَثَ بَعْدَمَا صَلَّى بِظَنِّ الطَّهَارَةِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِعَادَةِ وَغَيْرُ آثِمٍ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةُ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إمَّا مَأْمُورٌ أَنْ يُصَلِّيَ بِظَنِّ الطَّهَارَةِ أَوْ بِيَقِينِهَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِإِتْيَانِهِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَزِمَ الْإِثْمُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ قُلْنَا الْمُكَلَّفُ مَأْمُورٌ بِأَمْرٍ ثَانٍ بِتَوَجُّهِهِ بِالْأَدَاءِ حَالَ الْعِلْمِ بِفَسَادِ الْأَدَاءِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ حَتَّى لَوْ مَاتَ عِنْدَ الْعِلْمِ أَجْزَأَتْهُ

الفصل الرابع في المحكوم عليه المكلف

تِلْكَ الصَّلَاةُ وَسَقَطَتْ الْإِعَادَةُ وَحِينَئِذٍ لَا يَأْثَمُ إذَا صَلَّى بِظَنِّ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ هَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَلِمَنْ يُوجِبُ الْقَضَاءَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَنْ يَجْعَلَ الْإِجْزَاءَ بِالِامْتِثَالِ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالْفَسَادِ أَمَّا مَعَ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالْفَسَادِ فَلَيْسَ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ دَلِيلَ الْإِجْزَاءِ اهـ مَشْرُوحًا وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تُفِيدُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عِنْدَ ظُهُورِ عَدَمِ الطَّهَارَةِ اتِّفَاقٌ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ كَمَا تُفِيدُ أَيْضًا أَنْ لَا وُجُوبَ لِلْقَضَاءِ اتِّفَاقًا عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ] [مَسْأَلَةُ تَكْلِيفِ الْمَعْدُومِ] (الْفَصْلُ الرَّابِعُ) فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ مَسْأَلَةُ تَكْلِيفِ الْمَعْدُومِ مَعْنَاهُ قِيَامُ الطَّلَبِ) لِلْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ (مِمَّنْ سَيُوجَدُ بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ فَالتَّعْلِيقُ) لِلطَّلَبِ (بِهَذَا الْمَعْنَى) لِلْمَعْدُومِ فِي الْأَزَلِ (هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّكْلِيفِ الْأَزَلِيِّ وَلَيْسَ) تَكْلِيفُ الْمَعْدُومِ بِهَذَا الْمَعْنَى (بِمُمْتَنِعِ) عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ وَحُكِيَ امْتِنَاعُ تَكْلِيفِ الْمَعْدُومِ عَنْ غَيْرِهِمْ (قَالُوا) ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ (يَلْزَمُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ بِلَا مَأْمُورٍ) وَمَنْهِيٍّ (وَمُخَيَّرٍ وَهُوَ) أَيْ وَلُزُومُ ذَلِكَ (مُمْتَنِعٌ) فَيَمْتَنِعُ الْمَلْزُومُ (قُلْنَا) يَلْزَمُ ذَلِكَ (فِي اللَّفْظِيِّ ذِي التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ) مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (وَالْخِطَابِ الشِّفَاهِيِّ فِي الْخَبَرِ أَمَّا) الطَّلَبُ (النَّفْسِيُّ فَتَعَلُّقُهُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى) بِالْمَعْدُومِ (وَاقِعٌ نَجِدُهُ فِي طَلَبِ صَلَاحِ وَلَدٍ سَيُوجَدُ أَوْ إنْ وُجِدَ وَتَجِدُ مَعْنَى الْخَبَرِ فِي نَفْسِك مُتَرَدِّدًا لِلِاعْتِبَارِ وَغَيْرِهِ أَمَّا حَقِيقَةُ الْأَمْرِيَّةِ) وَالنَّهْيِيَّةِ (وَالْخَبَرِيَّةِ الْمُمْتَنِعَةِ بِلَا مُخَاطَبٍ مَوْجُودٍ فَبِعُرُوضِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ لِلنَّفْسِيِّ فَحَيْثُ نَفَوْا عَنْهُ التَّعَلُّقَ فَهُوَ) أَيْ نَفْيُهُمْ عَنْهُ (بِهَذَا) الْمَعْنَى (وَإِذَا أَثْبَتَ) لَهُ التَّعَلُّقَ (فَبِذَاكَ) الْمَعْنَى فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّفْسِيِّ كَمَا هُوَ الْحَقُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ يَصِحُّ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (تَكْلِيفُهُ تَعَالَى بِمَا عَلِمَ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُجُودِهِ) الَّذِي لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ (فِي الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ الْفِعْلِ كَمَا لَوْ أَمَرَ اللَّهُ بِصِيَامِ غَدٍ مَنْ عُلِمَ مَوْتُهُ قَبْلَ الْغَدِ (خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالِاتِّفَاقُ) عَلَى صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ (فِيمَنْ لَا يُعْلَمُ) انْتِفَاءُ شَرْطِ وُجُودِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ وَقْتَ فِعْلِهِ وَهُوَ مُنْحَصِرٌ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ صُمْ غَدًا غَيْرَ عَالِمٍ بِبَقَاءِ حَيَاتِهِ إلَى غَدٍ (لَنَا لَوْ شَرَطَ) لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ (الْعِلْمَ) لِلْمُكَلَّفِ (بِالْوُجُودِ) لِلشَّرْطِ الَّذِي لَيْسَ بِمَقْدُورٍ فِي وَقْتِ الْفِعْلِ (لَمْ يَعْصِ مُكَلَّفٌ بِالتَّرْكِ لِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ التَّرْكِ (انْتِفَاءَ إرَادَةِ الْفِعْلِ) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُكَلَّفَ بِهِ مَشْرُوطٌ بِالْإِرَادَةِ (وَهُوَ) أَيْ انْتِفَاؤُهَا (مَعْلُومٌ لَهُ تَعَالَى فَلَا تَكْلِيفَ) بِهِ لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِانْتِفَائِهَا (فَلَا مَعْصِيَةَ) ؛ لِأَنَّهَا مُخَالَفَةُ التَّكْلِيفِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ (وَيَلْزَمُ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالتَّكْلِيفِ أَبَدًا) وَهَذَا دَلِيلٌ ثَانٍ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى لَمْ يَعْصِ (لِتَجْوِيزِ الِانْتِفَاءِ) أَيْ لِتَجْوِيزِ الْمُكَلَّفِ انْتِفَاءَ شَرْطِ الْوُجُودِ (فِي الْوَقْتِ وَإِجْزَائِهِ لَوْ) كَانَ الْوَقْتُ (مُوَسَّعًا لِغَيْبِهِ) أَيْ غَيْبِ وُجُودِ الشَّرْطِ بِتَجْوِيزِ مَوْتِهِ قَبْلَ فِعْلِهِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ وَإِذَا جَوَّزَ فِي كُلِّ جُزْءٍ هُوَ فِيهِ انْتِفَاءُ شَرْطِ التَّكْلِيفِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي بَعْدَهُ لَمْ يَجْزِمْ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي ذَلِكَ وَالْعِلْمُ بِالتَّكْلِيفِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ سَابِقًا عَلَى الِامْتِثَالِ وَذَلِكَ بِالْعِلْمِ بِكَوْنِهِ يَبْقَى مَثَلًا بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ إلَى وَقْتِ الِامْتِثَالِ. فَإِذَا فُرِضَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ لَمْ يَعْلَمْ عِلْمَ شَرْطِ التَّكْلِيفِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّكْلِيفِ إذْ مَا لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ شَرْطِ الشَّيْءِ لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَهُ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ التَّكْلِيفَ لَا يُتَصَوَّرُ الِامْتِثَالُ (فَيَمْتَنِعُ الِامْتِثَالُ) وَلَوْ فَعَلَ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالتَّكْلِيفِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالتَّكْلِيفِ (عَدَمُ إقْدَامِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الذَّبْحِ) لِوَلَدِهِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ حِلِّهِ عِنْدَ وَقْتِهِ وَهُوَ عَدَمُ النَّسْخِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَيْهِ قَطْعًا وَهَذَا دَلِيلٌ ثَالِثٌ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَوْ عَلَى مَا قَبْلَ قَبْلِهِ (وَالْإِجْمَاعُ عَلَى الْقَطْعِ) لِلْمُكَلَّفِ (بِتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ) بِالْمُخَالَفَةِ (وَالتَّمَكُّنِ) مِنْ الْفِعْلِ (فَانْتَفَى) بِوَاسِطَةِ هَذَا الْإِجْمَاعِ (مَا يُخَالُ) أَيْ مَا اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا مَنْ

ظَنَّ (أَنَّ الْإِقْدَامَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ (وَمِنْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْخَلِيلِ عَلَى الْوَاجِبِ (لِظَنِّ التَّكْلِيفِ بِظَنِّ عَدَمِ النَّاسِخِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَهُوَ) أَيْ ظَنُّ التَّكْلِيفِ مَعَ ظَنِّ عَدَمِ النَّاسِخِ (كَافٍ فِي لُزُومِ الْعَمَلِ كَوُجُوبِ الشُّرُوعِ) فِي الْفَرْضِ (بِنِيَّةِ الْفَرْضِ) إجْمَاعًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَمْ يَجِبْ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ (قَالُوا) أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ أَوَّلًا (لَوْ لَمْ يَشْرِطْ) فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ الْعِلْمَ بِوُجُودِ شَرْطِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ فِي وَقْتِهِ (لَمْ يَشْتَرِطْ إمْكَانَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ مَا عُدِمَ شَرْطُهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَمَرَّ فِي تَكْلِيفِ الْمُحَالِ نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ التَّكْلِيفِ بِغَيْرِ الْمُمْكِنِ (وَالْجَوَابُ النَّقْضُ) الْإِجْمَالِيُّ (بِتَكْلِيفِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ الِانْتِفَاءَ) أَيْ بِالتَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ الَّذِي جَهِلَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ إمْكَانِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ شَرْطِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَأْمُورِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ عَالِمًا بِعَدَمِ شَرْطِهِ كَمَا فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ جَاهِلًا كَمَا فِي الشَّاهِدِ مِثْلُ أَمْرِ السَّيِّدِ غُلَامَهُ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ لِعِلْمِ الْآمِرِ أَوْ جَهْلِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا التَّكْلِيفُ وَقَدْ صَحَّ اتِّفَاقًا (وَبِالْحِلِّ بِأَنَّ) الْإِمْكَانَ (الْمَشْرُوطَ) فِي التَّكْلِيفِ (كَوْنُ الْفِعْلِ يَتَأَتَّى) أَيْ يُمْكِنُ إيجَادُهُ (عِنْدَ) وُجُودِ (وَقْتِهِ وَشَرَائِطِهِ لَا) أَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ (وُجُودِهَا) أَيْ شَرَائِطِ الْفِعْلِ (بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ عَدَمَهَا) أَيْ شَرَائِطِ الْفِعْلِ (لَا يُنَافِي) الْإِمْكَانَ (الذَّاتِيَّ) لَهُ وَالْإِمْكَانُ الذَّاتِيُّ لِلْفِعْلِ هُوَ الشَّرْطُ فِي التَّكْلِيفِ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ تَكْلِيفُ كُلِّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَمَعْصِيَتِهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى مُتَعَلِّقٌ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَلَا يَتُوبُ (قَالُوا) ثَانِيًا (لَوْ صَحَّ) التَّكْلِيفُ (مَعَ عِلْمِ الْآمِرِ بِالِانْتِفَاءِ) لِشَرْطِهِ (صَحَّ) التَّكْلِيفُ (مَعَ عِلْمِ الْمَأْمُورِ) بِانْتِفَائِهِ. (إذْ الْمَانِعُ) مِنْ الصِّحَّةِ ثَمَّةَ إنَّمَا هُوَ (عَدَمُ إمْكَانِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (دُونَهُ) أَيْ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ الْإِمْكَانُ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ إمْكَانِهِ (مُشْتَرِكٌ) بَيْنَ عِلْمِ الْآمِرِ بِالِانْتِفَاءِ وَعِلْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ. (الْجَوَابُ مَنْعُ مَانِعِيَّةِ مَا ذُكِرَ) مِنْ الصِّحَّةِ (بَلْ) الْمَانِعُ مِنْهَا (انْتِفَاءُ فَائِدَةِ التَّكْلِيفِ وَهُوَ) أَيْ انْتِفَاؤُهَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا انْتَفَى الشَّرْطُ (فِي عِلْمِ الْمَأْمُورِ لَا) فِي عِلْمِ (الْآمِرِ فَإِنَّهَا) أَيْ فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ (فِيهِ) أَيْ فِي انْتِفَاءِ الشَّرْطِ فِي عِلْمِ الْآمِرِ (الِابْتِلَاءُ) لِلْمَأْمُورِ (لِيَظْهَرَ عَزْمُهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ عَلَى الْفِعْلِ (وَبِشْرُهُ) بِهِ (وَضِدُّهُمَا) أَيْ الْعَزْمِ وَالْبِشْرِ وَهُوَ التَّرْكُ وَالْكَرَاهَةُ لَهُ (وَبِذَلِكَ) أَيْ ظُهُورِ الْعَزْمِ وَالْبِشْرِ وَضِدِّهِمَا (يَتَحَقَّقُ الطَّاعَةُ وَالْعِصْيَانُ) فَالطَّاعَةُ عَلَى ظُهُورِ الْعَزْمِ وَالْبِشْرِ وَالْعِصْيَانُ عَلَى ظُهُورِ ضِدِّهِمَا (وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ) الْمَسْأَلَةَ (ذُكِرَتْ فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَيْسَتْ سِوَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا عَلِمَ تَعَالَى عَدَمَ وُقُوعِهِ) مِنْ الْمُكَلَّفِ بِهِ (وَهُمْ ذَكَرُوا فِي مَسْأَلَةِ شَرْطِ الْمَطْلُوبِ الْإِمْكَانَ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِهِ) أَيْ بِمَا عَلِمَ تَعَالَى عَدَمَ وُقُوعِهِ (فَحِكَايَةُ الْخِلَافِ مُنَاقِضَةٌ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شَارِحِي كَلَامِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ (ثُمَّ عَلَى بَعْدِهِ) أَيْ الْخِلَافِ (يَكْفِي عَنْ الْإِكْثَارِ) أَنْ يُقَالَ (لَنَا الْقَطْعُ بِتَكْلِيفِ كُلِّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرٍ وَمَعْصِيَةٍ بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَإِذْ مُنْكِرُهُ) أَيْ الْجَوَازِ (يَكْفُرُ بِإِنْكَارِ ضَرُورِيٍّ دِينِيٍّ) ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ أَنَّ الْكُفَّارَ مَأْمُورُونَ بِتَرْكِ الْكُفْرِ إلَى الْإِيمَانِ (فَإِنْكَارُ إيجَابِ الْإِيمَانِ كُفْرٌ إجْمَاعًا) اسْتَبْعَدْنَا الْخِلَافَ خُصُوصًا مِنْ (الْإِمَامِ) . وَأَمَّا السُّبْكِيُّ فَقَالَ مَا لِوُقُوعِهِ شَرْطٌ إنْ عَلِمَ الْآمِرُ الشَّرْطَ وَاقِعًا فَلَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَيُفْرَضُ فِي السَّيِّدِ يَأْمُرُ عَبْدَهُ فَكَذَلِكَ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَإِنْ عَلِمَ انْتِفَاءَهُ فَعَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَى فَهْمِهِ حِينَ إطْلَاقِ التَّكْلِيفِ كَالْحَيَاةِ وَالتَّمْيِيزِ فَإِنَّ السَّامِعَ مَتَى سَمِعَ التَّكْلِيفَ يَتَبَادَرُ ذِهْنُهُ إلَى أَنَّهُ يَسْتَدْعِي حَيًّا مُمَيِّزًا وَهَذَا هُوَ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالثَّانِي خِلَافُهُ وَهُوَ مَا كَانَ خَارِجِيًّا لَا يَتَبَادَرُ إلَيْهِ الذِّهْنُ وَهُوَ تَعَلُّقُ عِلْمِ اللَّهِ مَثَلًا بِأَنَّ زَيْدًا لَا يُؤْمِنُ فَإِنَّ انْتِفَاءَ هَذَا التَّعَلُّقِ شَرْطٌ فِي وُجُودِ إيمَانِهِ وَلَكِنَّ السَّامِعَ يَقْضِي بِإِمْكَانِ زَيْدٍ غَيْرَ نَاظِرٍ إلَى هَذَا الشَّرْطِ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ الْإِمَامُ وَلَا غَيْرُهُ وَهُوَ مَا سَبَقَ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا يُتَرْجِمُهَا أَئِمَّتُنَا بِمَا تَرْجَمَهَا الْمُصَنِّفُ، وَإِنَّمَا هِيَ مُتَرْجَمَةٌ عِنْدَهُمْ بِمَا جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ

مسألة مانعو تكليف المحال مجمعون على أن شرط التكليف فهمه

فَائِدَةً لَهُمَا وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَعْلَمُ الْمَأْمُورُ كَوْنَهُ مَأْمُورًا فِي أَوَّلِ وَقْتٍ تَوَجَّهَ الْخِطَابُ إلَيْهِ أَمْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَانُ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ وَالْجَاهِلُ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ جَاهِلٌ بِالْمَشْرُوطِ لَا مَحَالَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا بِالْأَوَّلِ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ بِالثَّانِي وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ فِي زَمَنِ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ وَعَدَمِهِ وَلَكِنَّ عِبَارَةَ الْكِتَابِ قَاصِرَةٌ فَالْفِعْلُ الْمُمْكِنُ بِذَاتِهِ إذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَبْدَهُ فَسَمِعَ الْأَمْرَ فِي زَمَنٍ، ثُمَّ فَهِمَهُ فِي زَمَنٍ يَلِيه هَلْ يَعْلَمُ الْعَبْدُ إذْ ذَاكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ مَعَ أَنَّ مِنْ الْمُحْتَمَلَاتِ أَنْ يَقْطَعَهُ عَنْ الْفِعْلِ قَاطِعُ عَجْزٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ يَكُونُ مَشْكُوكًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مَشْرُوطٌ بِالسَّلَامَةِ فِي الْعَاقِبَةِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُهَا أَصْحَابُنَا عَلَى الْأَوَّلِ فَيَرَوْنَ ذَلِكَ مُحَقَّقًا مُسْتَفَادًا مِنْ صِيغَةِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي رَافِعٍ يَرْفَعُ الْمُسْتَقِرَّ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى الْعَكْسِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ مَانِعُو تَكْلِيفِ الْمُحَالِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ فَهْمُهُ] (مَسْأَلَةٌ مَانِعُو تَكْلِيفِ الْمُحَالِ) مُجْمِعُونَ (عَلَى أَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ فَهْمُهُ) أَيْ التَّكْلِيفِ أَيْ تَصَوُّرُهُ بِأَنْ يَفْهَمَ الْمُكَلَّفُ الْخِطَابَ قَدْرَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ لَا بِأَنْ يَصْدُقَ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ وَعَدَمُ تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ (وَبَعْضُ مَنْ جَوَّزَهُ) أَيْ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ عَلَى هَذَا أَيْضًا (لِأَنَّهُ) أَيْ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ عِنْدَهُ قَدْ يَكُونُ (لِلِابْتِلَاءِ وَهُوَ) أَيْ الِابْتِلَاءُ وَهُوَ الِاخْتِبَارُ (مُنْتَفٍ هُنَا) ؛ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِدُونِ الْفَهْمِ لَا يَصِحُّ (وَاسْتَدَلَّ) كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ لِلْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ (لَوْ صَحَّ) تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ (كَانَ) تَكْلِيفُهُ (طَلَبَ) حُصُولِ (الْفِعْلِ) مِنْهُ مُتَلَبِّسًا (بِقَصْدِ الِامْتِثَالِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى التَّكْلِيفِ (وَهُوَ) أَيْ طَلَبُهُ بِهَذَا الْقَصْدِ (مُمْتَنِعٌ مِمَّنْ لَا يَشْعُرُ بِالْأَمْرِ وَقَدْ يُدْفَعُ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّ الْمُسْتَحِيلَ) فِي تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ (الِامْتِثَالُ وَلَا يُوجِبُ) اسْتِحَالَةُ الِامْتِثَالِ فِيهِ (اسْتِحَالَةَ التَّكْلِيفِ) أَيْ تَكْلِيفِهِ (إذْ غَايَتُهُ) أَيْ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ (تَكْلِيفٌ بِمُسْتَحِيلٍ وَبِلَا فَائِدَةِ الِابْتِلَاءِ وَيَجِبُ ذَلِكَ) أَيْ جَوَازُ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ (مِمَّنْ يُجِيزُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (تَعْذِيبَ الطَّائِعِ تَعَالَى عَنْهُ بَلْ) جَوَازُ هَذَا (أَوْلَى) مِنْ جَوَازِ تَعْذِيبِ الطَّائِعِ (وَأَيْضًا لَوْ صَحَّ) تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ (صَحَّ تَكْلِيفُ الْبَهَائِمِ إذْ لَا مَانِعَ فِيهَا) أَيْ الْبَهَائِمِ مِنْ التَّكْلِيفِ (سِوَى عَدَمِ الْفَهْمِ وَقُلْتُمْ لَا يَمْنَعُ) عَدَمُ الْفَهْمِ التَّكْلِيفَ (وَلَا يَتَوَقَّفُ مُجِيزُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ عَنْ الْتِزَامِهِ) أَيْ جَوَازُ تَكْلِيفِ الْبَهَائِمِ (غَايَتُهُ) أَنَّهُ جَائِزٌ (لَمْ يَقَعْ وَلَيْسَ عَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ التَّكْلِيفِ عِلَّةً لِثُبُوتِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ (لِيَلْزَمَ الْوُقُوعُ بَلْ هِيَ) أَيْ عِلَّةُ ثُبُوتِ التَّكْلِيفِ (الِاخْتِيَارُ) أَيْ اخْتِيَارُهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَثْبُتْ (وَلَوْ جُعِلَ هَذَا) الْخِلَافُ (وَنَحْوُهُ) خِلَافًا (لَفْظِيًّا فَالْمَانِعُ) مِنْ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ يَقُولُ (لِاتِّفَاقِنَا عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ) أَيْ الْمُحَقَّقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (نَقِيضُهُ) أَيْ تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ وَهُوَ عَدَمُ تَكْلِيفِهِ (فَيَمْتَنِعُ) التَّكْلِيفُ (بِلَا فَهْمٍ) لِلتَّكْلِيفِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ (اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ) وَهُمَا تَكْلِيفُهُ وَعَدَمُ تَكْلِيفِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ (وَالْمُجِيزُ) لِتَكْلِيفِهِ مُجِيزٌ (بِالنَّظَرِ إلَى مَفْهُومِ تَكْلِيفٍ) وَهُوَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ أَوْ طَلَبُهُ عَلَى الْخِلَافِ (بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْفِعْلِ (عَلَى نَحْوِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَاكِمِ) مِنْ إمْكَانِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَتَعْذِيبُ الطَّائِعِ لَفْظِيٌّ (قَالُوا) أَيْضًا (لَوْ لَمْ يَصِحَّ) تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ (لَمْ يَقَعْ) لَكِنَّهُ وَقَعَ وَكَيْفَ لَا (وَقَدْ كُلِّفَ السَّكْرَانُ حَيْثُ اُعْتُبِرَ طَلَاقُهُ وَإِتْلَافُهُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ اعْتِبَارَهُمَا مِنْهُ (مِنْ رَبْطِ الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا وَضْعًا) كَرَبْطِ وُجُوبِ الصَّوْمِ بِشُهُودِ الشَّهْرِ لَا مِنْ التَّكْلِيفِ (قَالُوا) أَيْضًا (قَالَ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء: 43] الْآيَةَ فَخُوطِبُوا) أَيْ السُّكَارَى (حَالَ السُّكْرِ أَنْ لَا يُصَلُّوا) وَهُوَ تَكْلِيفٌ لِمَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا (مُعَارَضَةُ قَاطِعً) وَهُوَ الدَّلِيلُ الدَّالُ عَلَى امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ (بِظَاهِرٍ) وَهُوَ الْآيَةُ (فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ) أَيْ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ لِلْقَاطِعِ (إمَّا بِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ السُّكْرِ عِنْدَ قَصْدِ الصَّلَاةِ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إذَا وَرَدَ عَلَى وَاجِبٍ شَرْعًا وَقَدْ تَقَيَّدَ بِغَيْرِ وَاجِبٍ

انْصَرَفَ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ فَلَا يَكُونُ النَّهْيُ فِي الْآيَةِ لِلسَّكْرَانِ عَنْ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا وَاجِبَةً بَلْ نَهْيًا لِلصَّاحِي عَنْ السُّكْرِ كَمَا إذَا وَرَدَ عَلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ لَا بِالْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ وَقَدْ تَقَيَّدَ بِغَيْرِهِ حَيْثُ يَنْصَرِفُ إلَى الْقَيْدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] فَإِنَّهُ نَهْيٌ عَنْ عَدَمِ الْإِسْلَامِ لَا عَنْ الْمَوْتِ وَحَرْفُ النَّفْيِ إذَا دَخَلَ عَلَى جُمْلَةٍ يَتَوَجَّهُ النَّفْيُ إلَى الْقَيْدِ غَالِبًا (أَوْ) بِأَنَّهُ (نَهَى الثَّمِلَ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ قِيلَ هُوَ مَنْ بَدَتْ بِهِ أَوَائِلُ الطَّرَبِ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ دُونَ الطَّافِحِ (لِعَدَمِ التَّثَبُّتِ) فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ (كَالْغَصْبِ) وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا التَّأْوِيلَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَوْ قَالَ النَّشْوَانُ بَدَلَ الثَّمِلِ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الثَّمِلَ وَالطَّافِحَ سَوَاءٌ وَهُوَ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ الشَّرَابُ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَمْزَةَ وَجَعَلَ حَمْزَةَ يُصْعِدُ نَظَرَهُ ثُمَّ قَالَ وَهَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدُ أَبِي فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ ثَمِلٌ» أَيْ سَكْرَانُ شَدِيدُ السُّكْرِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ الدَّالَ عَلَى امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ (إنَّمَا يَكُونُ قَاطِعًا بِلُزُومِ) اجْتِمَاعِ (النَّقِيضَيْنِ) عَلَى تَقْدِيرِ تَكْلِيفِهِ (كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْجَمْعِ) بَيْنَ قَوْلَيْ الْمَانِعِ لَهُ وَالْمُجِيزِ لَهُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيَّتُهُ بِذَلِكَ (فَمَمْنُوعٌ) كَوْنُهُ قَاطِعًا (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُجِيزِينَ (كَيْفَ وَقَدْ ادَّعَوْا الْوُقُوعَ) ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ النَّهْيُ خِطَابًا لَهُ حَالَ سُكْرِهِ فَنَصٌّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ سُكْرِهِ كَمَا هُوَ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ اسْتَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا فِي حَالِ سُكْرِهِ أَيْضًا إذْ لَا يُقَالُ لِلْعَاقِلِ إذَا جُنِنْت فَلَا تَفْعَلْ كَذَا؛ لِأَنَّهُ إضَافَةُ الْخِطَابِ إلَى وَقْتِ بُطْلَانِ أَهْلِيَّتِهِ وَإِيضَاحُهُ كَمَا أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْسَحِبْ هَذَا الْخِطَابُ بِالتَّرْكِ عَلَيْهِ حَالَ سُكْرِهِ لَمْ يُفِدْ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ ابْتِدَاءً فِي حَالِ صَحْوِهِ لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ التَّرْكُ فِي حَالِ سُكْرِهِ فَكَانَ فِي حَالِ سُكْرِهِ مَطْلُوبًا مِنْهُ التَّرْكُ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ مُخَاطَبًا حَالَ سُكْرِهِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ تَعَقُّبًا لِلتَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنْتَشِي مَعَ حُضُورِ عَقْلِهِ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ وَلَا نَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ الَّذِي نَرْتَضِيهِ مَذْهَبًا وَنَرَى ارْتِدَادَ الْخِلَافِ إلَيْهِ أَنَّ مَنْ لَا يَفْهَمُ إنْ كَانَ لَا قَابِلِيَّةَ لَهُ كَالْبَهَائِمِ فَامْتِنَاعُ تَكْلِيفِهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَخِطَابُ الْوَضْعِ نَعَمْ قَدْ يُكَلَّفُ صَاحِبُهَا فِي أَبْوَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ بِمَا تَفْعَلُهُ عَلَى مَا يُفَصِّلُهُ الْفَقِيهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ قَابِلِيَّةٌ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا فِي امْتِنَاعِ فَهْمِهِ كَالطِّفْلِ وَالنَّائِمِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ مَا أَسْكَرَهُ فَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِالْوَضْعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَعْذُورٍ كَالْعَاصِي بِسُكْرِهِ فَيُكَلَّفُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا ثُمَّ قَالَ وَيَشْهَدُ لِتَفْرِقَتِنَا بَيْنَ مَنْ لَهُ قَابِلِيَّةٌ وَمَنْ لَا قَابِلِيَّةَ لَهُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَطْفَالِ دُونَ الْمَيِّتِ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا لَوْ انْتَفَخَ مَيِّتٌ وَتَكَسَّرَتْ قَارُورَةٌ بِسَبَبِ انْتِفَاخِهِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهَا اهـ وَجَمِيعُ هَذَا حَسَنٌ وَقَدْ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا بِبَعْضِهِ وَقَوَاعِدُهُمْ لَا تَنْبُو عَنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَ. (هَذَا وَاسْتَلْزَمَ) الْقَوْلُ بِأَنَّ الْفَهْمَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ (اشْتِرَاطَ الْعَقْلِ الَّذِي بِهِ الْأَهْلِيَّةُ) لِلتَّكْلِيفِ (فَالْحَنَفِيَّةُ) قَالُوا الْعَقْلُ (نُورٌ يُبْتَدَأُ بِهِ مِنْ مُنْتَهَى دَرْكِ الْحَوَاسِّ فَيَبْدُو بِهِ الْمُدْرَكُ لِلْقَلْبِ، أَيْ الرُّوحِ وَالنَّفْسِ النَّاطِقَةِ فَيُدْرِكُهُ) أَيْ الْقَلْبُ الْمُدْرِكُ (بِخَلْقِهِ تَعَالَى فَالنُّورُ آلَةُ إدْرَاكِهَا) أَيْ النَّفْسِ الْمُدْرِكِ (وَشَرْطُهُ) أَيْ إدْرَاكُهَا (كَالضَّوْءِ لِلْبَصَرِ) أَيْ كَمَا أَنَّ الضَّوْءَ شَرْطٌ عَادِيٌّ (فِي إيصَالِهِ) أَيْ الْبَصَرِ الْمُبْصَرَاتِ إلَى النَّفْسِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى (وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَ) مِنْ التَّعْرِيفِ (أَنَّ لِدَرْكِ الْحَوَاسِّ) الظَّاهِرَةِ (مَبْدَأً) وَهِيَ جَمْعُ حَاسَّةٍ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ الْحَسَّاسَةِ، وَهِيَ خَمْسٌ اللَّمْسُ وَهِيَ قُوَّةٌ تَأْتِي فِي الْأَعْصَابِ إلَى جَمِيعِ الْجِلْدِ وَأَكْثَرِ اللَّحْمِ وَالْغِشَاءِ مِنْ شَأْنِهَا إدْرَاكُ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَالْيُبُوسَةِ وَالْخُشُونَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ كَوْنُ اللَّامِسَةِ قُوَّةً بِهَا يُدْرِكُ جَمِيعَ الْمَلْمُوسَاتِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَفِي الْقَانُونِ أَكْثَرُ الْمُحْصِينَ عَلَى أَنَّ اللَّمْسَ قُوًى كَثِيرَةٌ بَلْ قُوًى أَرْبَعٌ وَقَالَ اللَّمْسُ أَوَّلُ الْحَوَاسِّ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الْحَيَوَانُ حَيَوَانًا. وَالذَّوْقُ وَهِيَ قُوَّةٌ مُنْبَثَّةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ عَلَى جِرْمِ اللِّسَانِ يُدْرِكُ بِهَا الطُّعُومَ. وَالسَّمْعُ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي مِقْعَرِ الصِّمَاخِ يُدْرِكُ بِهَا الْأَصْوَاتَ

وَالْبَصَرُ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الْعُصْبَتَيْنِ الْمُجَوَّفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَتَيَامَنُ النَّابِتُ مِنْهُمَا يَسَارًا وَيَتَيَاسَرُ النَّابِتُ مِنْهُمَا يَمِينًا ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ عَلَى تَقَاطُعِ صَلِيبَيْنِ ثُمَّ يَنْفُذُ النَّابِتُ مِنْهُمَا يَمِينًا إلَى الْحَدَقَةِ الْيُمْنَى وَالنَّابِتِ يَسَارًا إلَى الْحَدَقَةِ الْيُسْرَى يُدْرِكُ بِهَا الْأَضْوَاءَ وَالْأَلْوَانَ وَالْأَشْكَالَ وَالْمَقَادِيرَ وَالْحُسْنَ وَالْقُبْحَ وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَالشَّمُّ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الزَّائِدَتَيْنِ النَّابِتَتَيْنِ فِي مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ الشَّبِيهَتَيْنِ بِحَلَمَتَيْ الثَّدْيِ يُدْرِكُ بِهَا الرَّوَائِحَ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ ذِي الرَّائِحَةِ إلَى الْخَيْشُومِ. (قِيلَ) أَيْ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ (هُوَ) أَيْ الْمَبْدَأُ (ارْتِسَامُ الْمَحْسُوسَاتِ أَيْ) انْطِبَاعُ (صُوَرِهَا) أَيْ الْمَحْسُوسَاتِ (فِيهَا) أَيْ الْحَوَاسِّ الْمَذْكُورَةِ لَا نَفْسِهَا فَإِنَّ الْمَحْسُوسَ هُوَ هَذَا اللَّوْنُ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ مَثَلًا وَهُوَ لَيْسَ بِمُرْتَسَمٍ فِي الْبَاصِرَةِ بَلْ صُورَتُهُ كَمَا أَنَّ الْمَعْلُومَ هُوَ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ وَالْحَاصِلُ فِي النَّفْسِ صُورَتُهُ وَمَعْنَى مَعْلُومِيَّتِهِ حُصُولُ صُورَتِهِ لَا حُصُولُ نَفْسِهِ (وَنِهَايَتُهُ) أَيْ دَرْكِهَا (فِي الْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ) الْخَمْسِ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ (وَهِيَ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ فِي مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ) ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي مُقَدَّمِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الدِّمَاغِ وَمَبَادِئِ عَصَبِ الْحِسِّ يَجْتَمِعُ فِيهَا صُوَرُ جَمِيعِ الْمَحْسُوسَاتِ فَيُدْرِكُهَا (فَيُودِعُهَا) أَيْ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ صُوَرَهَا (خِزَانَتَهُ) أَيْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ يَعْنِي (الْخَيَالَ) لِيَحْفَظَهَا إذْ هِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي مُؤَخَّرِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الدِّمَاغِ يَجْتَمِعُ فِيهَا مِثْلُ الْمَحْسُوسَاتِ وَتَبْقَى فِيهَا بَعْدَ الْغَيْبَةِ عَنْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ (ثُمَّ الْمُفَكِّرَةُ) ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا يَقَعُ التَّرْكِيبُ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَعَانِي الْمُدْرَكَةِ بِالْوَهْمِ كَإِنْسَانٍ لَهُ رَأْسَانِ أَوْ عَدِيمِ الرَّأْسِ وَالْمُرَادُ بِالصُّوَرِ مَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَبِالْمَعَانِي مَا لَا يُمْكِنُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (تَأْخُذُهَا) أَيْ الْمُفَكِّرَةَ صُوَرُ الْمَحْسُوسَاتِ (لِلتَّرْكِيبِ كَمَا تَأْخُذُ) الْمُفَكِّرَةُ (مِنْ خِزَانَةِ الْوَهْمِ) أَيْ الْقُوَّةُ (الْحَافِظَةُ فِي الْمُؤَخَّرِ) أَيْ مُؤَخَّرِ الدِّمَاغِ (مُسْتَوْدَعَاتِهِ مِنْ الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَحْسُوسِ) . فَالْوَهْمُ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي آخَرِ الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا تُدْرَكُ الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةُ الْغَيْرُ الْمَحْسُوسَةِ أَيْ الَّتِي لَمْ تَتَأَدَّ إلَيْهَا مِنْ طُرُقِ الْحَوَاسِّ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْمَحْسُوسَاتِ (كَصَدَاقَةِ زَيْدٍ) وَعَدَاوَةِ عَمْرٍو وَالْحَافِظَةُ قُوَّةٌ مَرْتَبَةٌ فِي الْبَطْنِ الْأَخِيرِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي أَدْرَكَهَا الْوَهْمُ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمُقَدَّمِ الْحِسَّ الْمُشْتَرَكَ وَالْخَيَالُ خِزَانَتُهُ وَفِي الْمُؤَخَّرِ الْوَهْمُ وَالْحَافِظَةُ خِزَانَتُهُ وَفِي الْوَسَطِ الْمُفَكِّرَةُ ثُمَّ كَانَ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ فِي الْمُقَدَّمِ لِيَكُونَ قَرِيبًا مِنْ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ فَيَكُونَ التَّأَدِّي إلَيْهِ سَهْلًا ثُمَّ وَلِيَهُ الْخَيَالُ؛ لِأَنَّ خِزَانَةَ الشَّيْءِ خَلَفَهُ ثُمَّ الْوَهْمُ فِي مُقَدَّمِ الْمُؤَخَّرِ لِتَكُونَ الصُّوَرُ الْجُزْئِيَّةُ بِحِذَاءِ مَعَانِيهَا الْجُزْئِيَّةِ وَالْحَافِظَةُ فِي مُؤَخَّرِهِ؛ لِأَنَّهَا خِزَانَتُهُ وَالْمُفَكِّرَةُ فِي الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ لِتَكُونَ قَرِيبَةً مِنْ الصُّوَر وَالْمَعَانِي فَيُمْكِنُهَا الْأَخْذُ مِنْهَا بِسُهُولَةٍ (وَهَذَا الْأَخْذُ ابْتِدَاءَ عَمَلِ الْعَقْلِ) ثُمَّ كَوْنُ هَذِهِ الْمَحَالِّ مَحَالَّ لِلْقُوَى الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ وَقَالَ الشَّرِيفُ وَالْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا أَنَّ الْمُتَخَيَّلَةَ فِي مُقَدَّمِ الْوَسَطِ وَالْوَهْمِيَّةَ فِي مُؤَخَّرِهِ وَالْحَافِظَةَ فِي مُقَدَّمِ الْبَطْنِ الْأَخِيرِ وَلَيْسَ فِي مُؤَخَّرِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْقُوَى إذْ لَا حَارِسَ هُنَا مِنْ الْحَوَاسِّ فَتَكْثُرُ مُصَادَمَتُهُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى الِاخْتِلَالِ (وَلَمَّا احْتَاجَ هَذِهِ) الْحَوَاسُّ الْبَاطِنَةُ (إلَى سَمْعٍ) يَثْبُتُهَا (عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَكْتَفِ) فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُودِهَا (بِكَوْنِ فَسَادِ هَذِهِ الْبُطُونِ) الَّتِي هِيَ مَحَالُّهَا (يُوجِبُ فَسَادَ ذَلِكَ الْأَثَرِ) وَلَوْلَا اخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْقُوَى بِمَحَلِّهِ لَمَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ النَّاطِقَةَ لَيْسَتْ مُدْرِكَةٌ لِلْجُزْئِيَّاتِ الْمَادِّيَّةِ بِالذَّاتِ وَأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مَبْدَأً لِأَثَرَيْنِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ عَلَى أُصُولِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَمْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقُوَّةُ وَاحِدَةً وَالْآلَاتُ وَالشَّرَائِطُ مُتَعَدِّدَةً فَتَصْدُرُ تِلْكَ الْأَعْمَالُ عَنْهَا بِحَسَبِ تَعَدُّدِهَا كَمَا جَوَّزُوهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى ثُمَّ قَدْ يَفْسُدُ الشَّيْءُ بِفَسَادِ غَيْرِ مَحَلِّهِ لِارْتِبَاطٍ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي امْتِنَاعِ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ (وَكَانَ الْمُحَقَّقُ هُوَ الْإِدْرَاكُ وَهُوَ بِخَلْقِهِ تَعَالَى) بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ الْإِدْرَاكَ لِلْمُدْرِكِ كَائِنًا مَا كَانَ فِي النَّفْسِ

عِنْدِ وُجُودِ السَّبَبِ الْعَادِي لَهُ وَبِدُونِهِ كَمَا هُوَ الْحَقُّ. (لَمْ يَزِدْ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ) وَالْمَسْطُورُ فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ مَعْنَى هَذَا لِلْأَشْعَرِيِّ بِلَفْظِ الْعِلْمِ بِبَعْضِ الضَّرُورِيَّاتِ أَيْ الْكُلِّيَّاتِ الْبَدِيهِيَّةِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ اكْتِسَابِ النَّظَرِيَّاتِ إذْ لَوْ كَانَ غَيْرُ الْعِلْمِ لَصَحَّ انْفِكَاكُهُمَا بِأَنْ يُوجَدَ عَالِمٌ لَا يَعْقِلُ وَعَاقِلٌ لَا يَعْلَمُ وَهُوَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِجَمِيعِ الضَّرُورِيَّاتِ لَمَا صَدَقَ عَلَى مَنْ يَفْقِدُ بَعْضَهَا لِفَقْدِ شَرْطِهَا مِنْ الْتِفَاتٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ تَوَاتُرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ عَاقِلٌ اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالنَّظَرِيَّاتِ لَكَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِكَمَالِ الْعَقْلِ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعَقْلِ بِمَرْتَبَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ نَفْسُ الْعَقْلِ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ لَجَازَ انْفِكَاكُهُمَا لِجَوَازِ تَلَازُمٍ الْمُتَغَايِرَيْنِ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ الِانْفِكَاكُ بَيْنَهُمَا كَالْجَوْهَرِ وَالْحُصُولِ فِي الْحَيِّزِ وَقَدْ يُوجَدُ الْعَاقِلُ بِدُونِ الْعِلْمِ كَمَا فِي النَّوْمِ نَعَمْ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ لِلسَّيِّدِ الشَّرِيفِ وَقَالَ الْقَاضِي هُوَ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْوَاجِبَاتِ وَاسْتِحَالَةِ الْمُسْتَحِيلَاتِ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ اهـ وَمَشَى عَلَى هَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِرْشَادِ قَالَ الشَّرِيفُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِكَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ وَزَادَتْ الْمُعْتَزِلَةُ فِي الْعُلُومِ الَّتِي يَعْتَبِرُ بِهَا الْعَقْلُ الْعِلْمَ بِحُسْنِ الْحَسَنِ وَقُبْحِ الْقَبِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَهُ فِي الْبَدِيهِيَّاتِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَكْثَرُ) عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ (قُوَّةٌ بِهَا إدْرَاكُ الْكُلِّيَّاتِ لِلنَّفْسِ) وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِمَّا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْعَقْلَ قُوَّةٌ حَاصِلَةٌ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالضَّرُورِيَّاتِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ اكْتِسَابِ النَّظَرِيَّاتِ وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالَ الْإِمَامُ إنَّهَا غَرِيزَةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا قُوَّةٌ بِهَا يُمَيَّزُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ وَمَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ إنَّهُ نُورٌ يُضِيءُ بِهِ، طَرِيقٌ يُبْتَدَأُ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَيْهِ دَرْكُ الْحَوَاسِّ أَيْ قُوَّةٌ حَاصِلَةٌ لِلنَّفْسِ عِنْدَ إدْرَاكِ الْجُزْئِيَّاتِ بِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ سُلُوكِ طَرِيقِ اكْتِسَابِ النَّظَرِيَّاتِ وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْحُكَمَاءُ الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ اهـ إلَّا أَنَّ هَذَا الِاخْتِصَارَ لَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ. (وَمَحَلُّهَا) أَيْ الْقُوَّةُ الَّتِي هِيَ الْعَقْلُ (الدِّمَاغَ لِلْفَلَاسِفَةِ) وَخُصُوصًا الْأَطِبَّاءُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَأَبِي الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَعَزَاهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ إلَى عَامَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَقَالَ وَهُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُضِيءٌ مَحَلُّهُ الرَّأْسُ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَثَرُهُ يَقَعُ عَلَى الْقَلْبِ فَيَصِيرُ الْقَلْبُ مُدْرِكًا بِنُورِ الْعَقْلِ الْأَشْيَاءَ كَالْعَيْنِ تَصِيرُ مُدْرِكَةً بِنُورِ الشَّمْسِ وَبِنُورِ السِّرَاجِ الْأَشْيَاءَ فَإِذَا قَلَّ النُّورُ وَضَعُفَ قَلَّ الْإِدْرَاكُ وَضَعُفَ وَإِذَا انْعَدَمَ النُّورُ انْعَدَمَ الْإِدْرَاكُ اهـ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الرَّجُلَ يُضْرَبُ فِي رَأْسِهِ فَيَزُولُ عَقْلُهُ وَلَوْلَا أَنَّهُ فِيهِ لَمَا زَالَ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَزُولُ بِضَرْبِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ وَمِنْ هُنَا نُسِبَ هَذَا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ تَارَةً وَإِلَى مُحَمَّدٍ أُخْرَى لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فِيمَنْ ضُرِبَ رَأْسُهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ فِيهِ الدِّيَةُ (وَالْقَلْبُ) اللَّحْمُ الصَّنَوْبَرِيُّ الشَّكْلُ الْمُودَعُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مِنْ الصَّدْرِ (لِلْأُصُولِيَّيْنِ) كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الحج: 46] فَجَعَلَ الْعَقْلَ بِالْقَلْبِ كَمَا جَعَلَ السَّمْعَ بِالْأُذُنِ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] عَقْلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ. وَأُجِيبَ عَنْ حُجَّةِ الْأَوَّلِينَ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ زَوَالُ الْعَقْلِ وَهُوَ فِي الْقَلْبِ بِفَسَادِ الدِّمَاغِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِارْتِبَاطِ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ عَدَمُ نَبَاتِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِارْتِبَاطِ وَمِنْ هَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْفَرْعِ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ التَّحْقِيقُ أَنَّ أَصْلَهُ وَمَادَّتَهُ مِنْ الْقَلْبِ وَيَنْتَهِي إلَى الدِّمَاغِ (وَهِيَ) أَيْ الْقُوَّةُ الْمُفَسَّرُ بِهَا الْعَقْلُ (الْمُرَادُ بِذَلِكَ النُّورُ) وَقَالَ اللَّامِشِيُّ جَوْهَرٌ يُدْرَكُ بِهِ الْغَائِبَاتُ بِالْوَسَائِطِ وَالْمَحْسُوسَاتُ بِالْمُشَاهَدَةِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (مِنْ مُنْتَهَى دَرْكِ الْحَوَاسِّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَمَلَ الْعَقْلِ لَيْسَ فِيهَا) أَيْ مُدْرَكَاتِ الْحَوَاسِّ (فَإِنَّهَا مُدْرَكَاتُ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ) وَالْمَجَانِينِ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى الْعَقْلِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ (بَلْ) عَمَلُ الْعَقْلِ (فِيمَا يَنْزِعُهُ مِنْهَا) أَيْ الْمُدْرَكَاتِ الْحِسِّيَّةِ (وَهُوَ) أَيْ عَمَلُهُ (عِنْدَ انْتِهَاءِ دَرْكِ الْحَوَاسِّ وَعَمَلُهُ التَّرْتِيبُ السَّالِفُ) أَيْ النَّظَرُ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (فَيَخْلُقُ اللَّهُ عَقِيبَهُ) أَيْ التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ النَّظَرُ

(عِلْمَ الْمَطْلُوبِ بِالْعَادَةِ) أَيْ بِإِجْرَائِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّكْرَارِ دَائِمًا مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ وَوَجْهُهُ مَعْرُوفٌ فِي فَنِّهِ هَذَا وَقَدْ أُورِدَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ بَعْدَ بِدَايَةِ الْمَعْقُولَاتِ كَمَا إذَا اسْتَدْلَلْنَا مِنْ وُجُودِ الْعَالَمِ عَلَى أَنَّ لَهُ صَانِعًا عَالِمًا ثُمَّ طَلَبْنَا بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ عِلْمُهُ عَيْنُ ذَاتِهِ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ لَا هُوَ وَلَا ذَاكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَبَ بَعْدَ بِدَايَةِ الْمَعْقُولَاتِ بِمَرْتَبَةٍ أَوْ بِمَرَاتِبَ لَا يَمْنَعُ كَوْنُ الْبِدَايَةِ مِنْ انْتِهَاءِ الْحِسِّ وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ مُسْتَغْنِيًا عَنْ الْحِسِّ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَصْدُقُ قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَيْهِ دَرْكُ الْحَوَاسِّ؛ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَيْهِ ابْتِدَاءُ الْمَعْقُولَاتِ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا لَهُ صُورَةٌ مَحْسُوسَةٌ. وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ فَإِنَّمَا يُبْتَدَأُ بِطَرِيقِ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ حَيْثُ يُوجَدُ (وَأَمَّا جَعْلُ النُّورِ الْعَقْلَ الْأَوَّلَ عِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ) أَيْ جَعْلُ هَذَا التَّعْرِيفِ لِلْعَقْلِ هُنَا تَعْرِيفًا لِلْعَقْلِ الْأَوَّلِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ حَيْثُ أَرَادُوا بِهِ (الْجَوْهَرَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْمَادَّةِ فِي نَفْسِهِ وَفِعْلِهِ) وَزَعَمُوا أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالنُّورِ الْمُنَوِّرَ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور: 35] كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ احْتِمَالًا مُمْكِنًا (فَبَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ) فَإِنَّ الْأُصُولِيِّينَ جَعَلُوا الْعَقْلَ مِنْ صِفَاتِ الْمُكَلَّفِ ثُمَّ فَسَرُّوهُ هَذَا التَّفْسِيرَ (وَكَذَا) بَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ (جَعْلُهُ) أَيْ النُّورَ الَّذِي هُوَ تَفْسِيرُ الْعَقْلِ هُنَا (إشْرَاقَهُ) أَيْ الْأَثَرِ الْفَائِضِ مِنْ هَذَا الْجَوْهَرِ عَلَى نَفْسِ الْإِنْسَانِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْعَقْلِ هُنَا النُّورَ الْمَعْنَوِيَّ الْخَالِصَ بِإِشْرَاقِ ذَلِكَ الْجَوْهَرِ كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ احْتِمَالًا آخَرَ مُمْكِنًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْمُكَلَّفِ أَيْضًا بَلْ هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْجَوْهَرِ الْأَوَّلِ وَلَازِمِهِ. (مَعَ أَنَّ مَا يَحْصُلُ بِإِشْرَاقِهِ) وَإِفَاضَةِ نُورِهِ (عَلَى النَّفْسِ وَالْمُدْرِكِ) وَهُوَ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لَهَا (الْإِدْرَاكُ) وَهُوَ فَاعِلُ يَحْصُلُ إنَّمَا هُوَ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْفَلَاسِفَةِ (الْعَقْلُ الْعَاشِرُ الْمُتَعَلِّقُ بِفَلَكِ الْقَمَرِ وَإِلَيْهِ يَنْسُبُونَ الْحَوَادِثَ الْيَوْمِيَّةَ عَلَى مَا هُوَ كُفْرُهُمْ لَا) الْعَقْلُ (الْأَوَّلُ وَكَذَا) بَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ (جَعْلُهُ) أَيْ النُّورَ الَّذِي هُوَ تَفْسِيرُ الْعَقْلِ هُنَا (الْمَرْتَبَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ مَرَاتِبِ النَّفْسِ) النَّاطِقَةِ بِحَسَبِ مَا لَهَا مِنْ التَّعَقُّلِ، وَهِيَ أَرْبَعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى اسْتِعْدَادٌ بَعِيدٌ نَحْوَ الْكَمَالِ وَهُوَ مَحْضُ قَابِلِيَّةِ النَّفْسِ لِإِدْرَاكِ الْمَعْقُولَاتِ مَعَ خُلُوِّهَا عَنْ إدْرَاكِهَا بِالْفِعْلِ كَمَا لِلْأَطْفَالِ فَإِنَّ لَهُمْ فِي حَالِ الطُّفُولِيَّةِ وَابْتِدَاءِ الْخِلْقَةِ اسْتِعْدَادًا مَحْضًا لَيْسَ مَعَهُ إدْرَاكٌ وَلَيْسَ هَذَا الِاسْتِعْدَادُ حَاصِلًا لِسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَيُسَمَّى عَقْلًا هَيُولَانِيًّا تَشْبِيهًا بِالْهَيُولَى الْأُولَى الْخَالِيَةِ فِي نَفْسِهَا عَنْ جَمِيعِ الصُّوَرِ الْقَابِلَةِ لَهَا فَهِيَ كَقُوَّةِ الطِّفْلِ لِلْكِتَابَةِ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ اسْتِعْدَادٌ مُتَوَسِّطٌ وَهُوَ اسْتِعْدَادُهَا لِتَحْصِيلِ النَّظَرِيَّاتِ بَعْدَ حُصُولِ الضَّرُورِيَّاتِ وَيُسَمَّى عَقْلًا بِالْمَلَكَةِ لِمَا حَصَلَ لَهَا مِنْ مَلَكَةِ الِانْتِقَالِ إلَى النَّظَرِيَّاتِ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّيِّ الْمُسْتَعِدِّ لِتَعَلُّمِ الْكِتَابَةِ وَتَخْتَلِفُ مَرَاتِبُ النَّاسِ فِي هَذَا اخْتِلَافًا عَظِيمًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ دَرَجَاتِ الِاسْتِعْدَادِ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ اسْتِعْدَادٌ قَرِيبٌ جِدًّا وَهُوَ الِاقْتِدَارُ عَلَى اسْتِحْصَالِ النَّظَرِيَّاتِ مَتَى شَاءَتْ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى كَسْبٍ جَدِيدٍ لِكَوْنِهَا مُكْتَسِبَةً مَخْزُونَةً تَحْضُرُ بِمُجَرَّدِ الْتِفَاتٍ بِمَنْزِلَةِ الْقَادِرِ عَلَى الْكِتَابَةِ حِينَ لَا يَكْتُبُ وَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ مَتَى شَاءَ وَيُسَمَّى عَقْلًا بِالْفِعْلِ لِشِدَّةِ قُرْبِهِ مِنْ الْفِعْلِ الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ الْكَمَالُ وَهُوَ أَنْ يُحَصِّلَ النَّظَرِيَّاتِ مُشَاهَدَةً بِمَنْزِلَةِ الْكَاتِبِ حِين يَكْتُبُ. وَيُسَمَّى عَقْلًا مُسْتَفَادًا أَيْ مِنْ خَارِجٍ هُوَ الْعَقْلُ الْفَعَّالُ الَّذِي يُخْرِجُ نُفُوسَنَا مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ فِيمَا لَهُ مِنْ الْكِمَالَاتِ وَنِسْبَتُهُ إلَيْنَا نِسْبَةُ الشَّمْسِ إلَى أَبْصَارِنَا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (أَعْنِيَ الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ) وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا بَعِيدًا أَيْضًا (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ النُّورَ الْمَذْكُورَ (آلَةٌ لَهَا) أَيْ لِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَيْ لِحُصُولِهَا لِلنَّفْسِ لَا أَنَّهُ عَيْنُهَا (وَالْمُسَمَّى) بِالْعَقْلِ بِالْمَلَكَةِ (هِيَ) أَيْ النَّفْسُ (فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَوْ الْمَرْتَبَةِ) الَّتِي فِيهَا النَّفْسُ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَتَخْتَلِفُ عِبَارَاتُ الْقَوْمِ فِي أَنَّ الْمَذْكُورَاتِ أَسَامٍ لِهَذِهِ الِاسْتِعْدَادَاتِ وَالْكَمَالِ أَوْ لِلنَّفْسِ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهَا بِهَا أَوْ لِقُوًى فِي النَّفْسِ هِيَ مَبَادِئُهَا مَثَلًا يُقَالُ تَارَةً إنَّ الْعَقْلَ الْهَيُولَانِيَّ هُوَ اسْتِعْدَادُ النَّفْسِ لِقَبُولِ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ وَتَارَةً أَنَّهُ قُوًى اسْتِعْدَادِيَّةٌ أَوْ قُوَّةٌ مِنْ شَأْنِهَا الِاسْتِعْدَادُ الْمَحْضُ وَتَارَةً أَنَّهُ النَّفْسُ فِي مَبْدَأِ

فصل اختص الحنفية بعقده في الأهلية أهلية الإنسان

الْفِطْرَةِ مِنْ حَيْثُ قَابِلِيَّتُهَا لِلْعُلُومِ وَكَذَا الْبَوَاقِي اهـ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يَكُونَ النُّورُ الَّذِي هُوَ تَفْسِيرُ الْعَقْلِ هُنَا هُوَ الْعَقْلُ بِالْمَلَكَةِ مُرَادًا بِهِ الْقُوَّةُ الْمَذْكُورَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَيْفَ لَا وَالْمُرَادُ بِالْقُوَّةِ الْمَعْنَى الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الشَّيْءُ فَاعِلًا أَوْ مُنْفَعِلًا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِ نَعَمْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنْ يُقَالَ (وَكُلُّ هَذِهِ) الِاحْتِمَالَاتِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ (فَضَلَاتُ الْفَلَاسِفَةِ لَا يَلِيقُ بِالشَّرْعِيِّ) أَيْ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (الْبِنَاءُ عَلَيْهَا إذْ لَمْ يَصِحَّ اعْتِبَارُهَا شَرْعًا ثُمَّ يَتَفَاوَتُ) الْعَقْلُ بِحَسَبِ الْفِطْرَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَشَهَادَةٍ مِنْ الْآثَارِ فَرُبَّ صَبِيٍّ أَعْقَلَ مِنْ بَالِغٍ وَمِنْ الْأَخْبَارِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَأَيْت مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ» . (وَلَا يُنَاطُ) التَّكْلِيفُ (بِكُلِّ قَدْرٍ فَأُنِيطَ بِالْبُلُوغِ) أَيْ بُلُوغِ الْآدَمِيِّ حَالَ كَوْنِهِ (عَاقِلًا وَيُعْرَفُ) كَوْنُهُ عَاقِلًا (بِالصَّادِرِ عَنْهُ) مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ كَانَ مُعْتَدِلَ الْعَقْلِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً كَانَ قَاصِرَ الْعَقْلِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ اعْتِدَالَ الْحَالِ بِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ بِلَا عَتَهٍ مَقَامَ كَمَالِ الْعَقْلِ فِي تَوَجُّهِ الْخِطَابِ تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ ثُمَّ صَارَ صِفَةُ الْكَمَالِ الَّذِي يُتَوَهَّمُ وُجُودُهُ قَبْلَ هَذَا الْحَدِّ سَاقِطَ الِاعْتِبَارِ كَمَا سَقَطَ تَوَهُّمُ بَقَاءِ النُّقْصَانِ بَعْدَ هَذَا الْحَدِّ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ إذَا أُقِيمَ مُقَامَ الْبَاطِنِ يَدُورُ الْحُكْمُ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا (وَأَمَّا قَبْلَهُ) أَيْ الْبُلُوغِ هَلْ يُوجَدُ التَّكْلِيفُ (فِي صَبِيٍّ عَاقِلٍ فَعَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ) كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ (وَالْمُعْتَزِلَةِ إنَاطَةُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِ) أَيْ بِعَقْلِهِ (وَعِقَابُهُ) أَيْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ (بِتَرْكِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ لِمُسَاوَاتِهِ الْبَالِغَ فِي كَمَالِ الْعَقْلِ وَإِنَّمَا عُذِرَ فِي عَمَلِ الْجَوَارِحِ لِضَعْفِ الْبِنْيَةِ بِخِلَافِ عَمَلِ الْقَلْبِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ كَمَالَ الْعَقْلِ مُعَرِّفٌ لِلْوُجُوبِ كَالْخِطَابِ وَالْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْعَقْلَ عِنْدَهُمْ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ مُوجِدٌ لِأَفْعَالِهِ (وَنَفَاهُ) أَيْ وُجُوبَ الْإِيمَانِ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ (بَاقِيَ الْحَنَفِيَّةِ دِرَايَةً) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ إذْ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ امْتِنَاعُ التَّكْلِيفِ لَا أَنَّهُ رَفْعٌ بَعْدَ وَضْعِهِ اهـ لَكِنْ فِي السُّنَنِ الصُّغْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ الْأَحْكَامُ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَقَبْلَهَا إلَى عَامِ الْخَنْدَقِ كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِالتَّمْيِيزِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْمَعْرِفَةِ لَهُ أَيْضًا فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُمَيِّزِ بَعْدَ الْوَضْعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَحَمْلُهُ عَلَى الشَّرَائِعِ بِدُونِ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا مُوجِبَ لَهُ (وَرِوَايَةً لِعَدَمِ انْفِسَاخِ نِكَاحِ الْمُرَاهِقَةِ بِعَدَمِ وَصْفِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ كَمَا سَلَفَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا. (وَاتَّفَقَ غَيْرُ الطَّائِفَةِ مِنْ الْبُخَارِيَّيْنِ) الْحَنَفِيَّةُ (عَلَى وُجُوبِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ (عَلَى بَالِغٍ) عَاقِلٍ (لَمْ يَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ) السَّابِقِ فِي الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ [فَصْلٌ اخْتَصَّ الْحَنَفِيَّةُ بِعَقْدِهِ فِي الْأَهْلِيَّةِ أَهْلِيَّةُ الْإِنْسَانِ] [الْأَهْلِيَّةُ ضَرْبَانِ وُجُوبٌ وَأَدَاءٌ] (وَهَذَا فَصْلٌ اخْتَصَّ الْحَنَفِيَّةُ بِعَقْدِهِ فِي الْأَهْلِيَّةِ) أَهْلِيَّةُ الْإِنْسَانِ لِلشَّيْءِ صَلَاحِيَّتُهُ لِصُدُورِهِ وَطَلَبِهِ مِنْهُ وَقَبُولِهِ إيَّاهُ (، وَهِيَ ضَرْبَانِ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ) لِلْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ (وَأَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ كَوْنُهُ مُعْتَبَرًا فِعْلُهُ شَرْعًا وَالْأَوَّلُ بِالذِّمَّةِ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ بِهِ الْأَهْلِيَّةُ لِوُجُوبِ مَا لَهُ وَعَلَيْهِ) مِنْ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ إذْ الْوُجُوبُ شَغْلُ الذِّمَّةِ وَأَوْرَدَ بِأَنَّ هَذَا صَادِقٌ عَلَى الْعَقْلِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ لَا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ مُغَايِرٍ لِلْعَقْلِ وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّ الْعَقْلَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ فَهْمِ الْخِطَابِ وَالْوُجُوبُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَصْفِ الْمُسَمَّى بِالذِّمَّةِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ ثُبُوتُ الْعَقْلِ بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ بِأَنْ رُكِّبَ فِي حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ بِمَنْزِلَةِ السَّبَبِ لِكَوْنِ الْإِنْسَانِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَالْعَقْلُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ وَتُعَقِّبَ بِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ مَانِعُ كَوْنِ الْوَصْفِ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْوُجُوبُ أَمْرًا آخَرَ غَيْرَ الْعَقْلِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ أَنَّ الْعَقْلَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ لَيْسَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مُجَرَّدِ الدَّعْوَى ثُمَّ ظَاهِرُ التَّقْوِيمِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّمَّةِ الْعَقْلُ (وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَمُتَابِعُوهُ الذِّمَّةُ نَفْسٌ وَرَقَبَةٌ لَهَا

ذِمَّةٌ وَ (عَهْدٌ) فَالرَّقَبَةُ تَفْسِيرٌ لِلنَّفْسِ وَالْعَهْدُ تَفْسِيرٌ لِلذِّمَّةِ (وَالْمُرَادُ أَنَّهَا) أَيْ الذِّمَّةَ (الْعَهْدُ) الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] الْآيَةَ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُوَضِّحَةً ذَلِكَ. فَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172] الْآيَةَ قَالَ جَمَعَهُمْ لَهُ يَوْمَئِذٍ جَمِيعًا مَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَجَعَلَهُمْ أَزْوَاجًا ثُمَّ صَوَّرَهُمْ فَاسْتَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدَنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ قَالَ فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمْ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ فَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا فَإِنِّي أُرْسِلُ إلَيْكُمْ رُسُلًا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي فَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّك رَبُّنَا وَإِلَهُنَا لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُك وَرُفِعَ لَهُمْ أَبُوهُمْ آدَم فَرَأَى فِيهِمْ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَحَسَنَ الصُّورَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَبِّ لَوْ سَوَّيْت بَيْنَ عِبَادِك فَقَالَ إنِّي أُحِبُّ أَنْ أُشْكَرَ وَرَأَى فِيهِمْ الْأَنْبِيَاءَ مِثْلَ السُّرُجِ وَخُصُّوا بِمِيثَاقٍ آخَرَ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ} [الأحزاب: 7] وَهُوَ قَوْلُهُ {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] وَهُوَ قَوْلُهُ {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى} [النجم: 56] وَقَوْلُهُ {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] وَكَانَ رُوحُ عِيسَى مِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ الَّتِي أُخِذَ عَلَيْهَا الْمِيثَاقُ فَأُرْسِلَ ذَلِكَ الرُّوحُ إلَى مَرْيَمَ حِينَ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَدَخَلَ مِنْ فِيهَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ لِهَذَا الْمَوْقُوفِ حُكْمَ الرَّفْعِ فَإِنْ قِيلَ مَا السَّبَبُ فِي أَنَّ النَّاسَ لَا يَذْكُرُونَ ذَلِكَ أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَرْوَاحًا مُجَرَّدَةً وَالذِّكْرُ إنَّمَا هُوَ بِحَاسَّةٍ بَدَنِيَّةٍ أَوْ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْبَدَنِ وَالْبَدَنُ وَقُوَاهُ وَمُتَعَلِّقَاتُهُ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا السُّؤَالُ كَمَنْ يَقُولُ لَوْ كَانَ زَيْدٌ حَضَرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ لَكَانَ ثَوْبُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ حُضُورِهِ مُجَرَّدًا عَنْ لِبَاسٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَجَرُّدُ النَّفْسِ شَرْطًا فِي ذَلِكَ أَوْ تَعَلُّقُهَا بِالْبَدَنِ مَانِعًا مِنْهُ فَإِذَا تَجَرَّدَتْ بِالْمَوْتِ كُشِفَ عَنْهَا غِطَاؤُهَا فَأَبْصَرَتْ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَوَرَاءَهَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ الْآنَ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَهُمْ لَا يَذْكُرُونَهُ فَالْجَوَابُ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ إقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ الْآنَ بَلْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ الْمَقَامَ إمَّا بِخَلْقِ الذِّكْرِ فِيهِمْ أَوْ بِإِزَالَةِ الْمُوجِبِ لِلنِّسْيَانِ ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ قِيَامُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَمْ يَذْكُرُوا كَمَا لَزِمَهُمْ الْإِيمَانُ بِمَا لَمْ يُدْرِكُوا وَلِأَنَّ الصَّادِقَ أَخْبَرَهُمْ بِوُقُوعِ ذَلِكَ الْمَقَامِ فَلَزِمَهُمْ تَصْدِيقُهُ ثُمَّ تَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَقَوْلُ الْقَائِلِ (فَفِي ذِمَّتِهِ) كَذَا مُرَادٌ بِهِ (فِي نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ عَهْدِهَا مِنْ) إطْلَاقِ (الْحَالِ) وَهُوَ الذِّمَّةُ (فِي الْمَحَلِّ) وَهُوَ النَّفْسُ أَيْ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ (جُعِلَتْ) النَّفْسُ (كَظَرْفٍ) يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْوُجُوبُ (لِقُوَّةِ التَّعَلُّقِ فَقَبْلَ الْوِلَادَةِ) الْجَنِينُ جُزْءٌ مِنْ أُمِّهِ مِنْ وَجْهٍ حِسًّا لِقَرَارِهِ وَانْتِقَالِهِ بِقَرَارِهَا وَانْتِقَالِهَا كَيَدِهَا وَرِجْلِهَا وَحُكْمًا لِعِتْقِهِ وَرَقِّهِ وَدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ بِعِتْقِهَا وَرَقِّهَا وَبَيْعِهَا (ثُمَّ نَفْسٌ مُنْفَصِلٌ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ إنْسَانٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ التَّفَرُّدِ بِالْحَيَاةِ (فَهِيَ) أَيْ الذِّمَّةُ ثَابِتَةٌ (مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوبِ لَهُ مِنْ وَصِيَّةٍ وَمِيرَاثٍ وَنَسَبٍ وَعِتْقٍ عَلَى الِانْفِرَادِ) أَيْ دُونَ الْأُمِّ إذَا كَانَ مُحَقَّقُ الْوُجُودِ وَقْتَ تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا لَهُ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ (لَا عَلَيْهِ) أَيْ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ (فَلَا يَجِبُ فِي مَالِهِ ثَمَنُ مَا اشْتَرَى الْوَلِيُّ لَهُ وَبَعْدَ الْوِلَادَةِ تَمَّتْ لَهُ) الذِّمَّةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (فَاسْتَعْقَبَتْ) الذِّمَّةُ الْوُجُوبَ (لَهُ وَعَلَيْهِ إلَّا مَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْوَاجِبُ الْعَاجِزُ عَنْهُ (مِمَّا لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْمَالِ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ كَمَا تَعْتَمِدُ قِيَامَ الذِّمَّةِ وَوُجُودَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَهِيَ مَحَلُّهُ تَعْتَمِدُ صَلَاحِيَّةُ الْوُجُوبِ لِلْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ بِالْوُجُوبِ وَمَا لَيْسَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْمَالِ مُنْتَفٍ عَنْهُ لِعَجْزِهِ عَنْ أَدَائِهِ كَالْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ فَإِنَّ فَائِدَةَ وُجُوبِهَا الْأَدَاءُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ عَنْ اخْتِيَارٍ وَقَصْدٍ صَحِيحٍ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلَا يَنُوبُ وَلِيُّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ جَبْرِيٌّ

لَا اخْتِيَارِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ طَاعَةٌ (وَذَلِكَ) أَيْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِمَّا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ فَلَا تَنْتَفِي فَائِدَتُهُ (كَمَالُ الْغُرْمِ) أَيْ الْغَرَامَاتُ الْمَالِيَّةُ الَّتِي هِيَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ حَتَّى لَوْ انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ (وَالْعِوَضُ) فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْمَالُ لَا الْأَدَاءُ إذَا الْغَرَضُ فِي الْأَوَّلِ جَبْرُ الْفَائِتِ وَفِي الثَّانِي حُصُولُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِعَيْنِ الْمَالِ وَأَدَاءِ وَلِيِّهِ فِي حُصُولِ هَذَا الْمَقْصُودِ كَأَدَائِهِ. (وَالْمُؤْنَةُ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ) ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ الْمُؤَنِ وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فِيهِمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ الْمَقْصُودُ فِيهِمَا الْمَالُ وَأَدَاءُ الْوَلِيِّ فِيهِ كَأَدَائِهِ (وَصِلَةٌ كَالْمُؤْنَةِ) أَيْ وَمِثْلُ صِلَةٍ تُشْبِهُ الْمُؤْنَةَ (كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ) فَإِنَّهَا صِلَةٌ تُشْبِهُ الْمُؤْنَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ كِفَايَةً لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَقَارِبُهُ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَسَارَ لَهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا سَدُّ خَلَّةِ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ بِوُصُولِ كِفَايَتِهِ إلَيْهِ وَذَلِكَ بِالْمَالِ فَأَدَاءُ الْوَلِيِّ فِيهِ كَأَدَائِهِ (وَكَالْعِوَضِ) أَيْ وَمِثْلِ صِلَةٍ تُشْبِهُ الْعِوَضَ (كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ) فَإِنَّهَا تُشْبِهُ الْعِوَضَ مِنْ جِهَةِ وُجُوبِهَا جَزَاءً لِلِاحْتِبَاسِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا عِنْدَ الرَّجُلِ وَجُعِلَتْ صِلَةً لَا عِوَضًا مَحْضًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِطَرِيقِ التَّسْمِيَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَعْوَاضِ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِوَضًا عَنْ الِاحْتِبَاسِ لِلرَّجُلِ لَسَقَطَتْ بِفَوْتِهِ كَيْفَمَا فَاتَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ مَتَى لَمْ يُسَلِّمْ الْمُؤَاجِرُ مَا آجَرَ بِأَيِّ مَنْعٍ كَانَ سَقَطَ الْأَجْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا لَوْ حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ الْحَالِّ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ فَلِكَوْنِهَا صِلَةً تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْتِزَامٌ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَلِشَبَهِهَا بِالْأَعْوَاضِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالِالْتِزَامِ (لَا) مَا يَكُونُ مِنْ الصِّلَةِ (كَالْأَجْزِيَةِ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مَالِهِ (كَالْعَقْلِ) أَيْ كَتَحَمُّلِ شَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ صِلَةٌ لَكِنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجَزَاءِ عَلَى تَرْكِ حِفْظِ السَّفِيهِ وَالْأَخْذِ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ وَلِذَا اخْتَصَّ بِهِ رِجَالُ الْعَشِيرَةِ دُونَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ مَعَ أَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ وَالْقَصْدِ، وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فِيهِ وَهَذَا (بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا إنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ (لِلْحَرَجِ) وَهَذَا قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ مَاشٍ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ مِنْ وُجُوبِ حُقُوقِ اللَّهِ جَمِيعًا عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْأَسْبَابِ وَقِيَامِ الذِّمَّةِ وَقَدْ تَحَقَّقَا فِي حَقِّهِ. كَمَا فِي حَقِّ الْبَالِغِ لَا عَلَى الْقُدْرَةِ إذْ هِيَ وَالتَّمْيِيزُ إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ حُكْمٌ وَرَاءَ أَصْلِ الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ تَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ إخْلَاءٌ لِإِيجَابِ الشَّرْعِ عَنْ الْفَائِدَةِ فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ وَفِي الْآخِرَةِ، وَهِيَ الْجَزَاءُ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَلَيْهِ ثُمَّ سَقَطَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ لَكَانَ يَنْبَغِي إذَا أَدَّى أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ وَحَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْمُؤَدَّى عَنْ الْوَاجِبِ بِالِاتِّفَاقِ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ أَصْلًا وَلَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مَاشٍ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْوُجُوبَ مُنْتَفٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَسْتَتْبِعُ فَائِدَتَهُ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْأَدَاءِ إذْ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْخِطَابُ بِالْأَدَاءِ فِي حَالِ الصِّبَا وَالْقَضَاءُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَرَجِ الْبَيِّنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِلُزُومِ الْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ شَرْعًا لِلْوُجُوبِ لَوْ قُلْنَا بِهِ قُلْنَا (وَلَا يَقْضِي) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ (مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ) أَيْ شَهْرِ رَمَضَانَ (إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَائِهِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبَاهُ) أَيْ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ الشَّهْرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا قَضَاءُ مَا فَاتَهُمَا مِنْهُ لِثُبُوتِ أَصْلِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِمَا لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ مَا دُونَ شَهْرٍ مِنْ سَنَةٍ لَا يُوقِعُ فِي الْحَرَجِ (بِخِلَافِ الْمُسْتَوْعِبِ مِنْ الْجُنُونِ) لِلشَّهْرِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ مَعَهُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَ الْجُنُونِ كَثِيرٌ غَيْرُ نَادِرٍ فَلَوْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ مَعَهُ لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ لَزِمَ الْحَرَجُ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ مَعَهُ إذَا امْتَدَّ تَمَامَ الشَّهْرِ لِيَظْهَرَ حُكْمُهُ فِي الْقَضَاءِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَلَا حَرَجَ فِي النَّادِرِ. (وَالْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا) أَيْ وَبِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ (يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي حَقِّ الصَّلَاةِ) وَهَذَا سَهْوٌ وَالصَّوَابُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَحْثِ الْجُنُونِ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنَّ الْمُمْتَدَّ مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَيْلَةً

فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ مَعَهُ لِيَظْهَرَ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ بِانْتِفَاءِ ثُبُوتِ الْكَثْرَةِ لِعَدَمِ الدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ أَكْثَرَ مِنْهُمَا عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الْمُرَادِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ لِثُبُوتِ الْحَرَجِ بِثُبُوتِ الْكَثْرَةِ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ فَلَا يَقْضِي شَيْئًا (بِخِلَافِ النَّوْمِ فِيهِمَا) أَيْ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ اسْتِيعَابًا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ مَعَهُ لِيَظْهَرَ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ (إذْ لَا حَرَجَ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ عَادَةً) بَلْ هُوَ نَادِرٌ فَإِنْ قِيلَ النِّيَابَةُ تَجْرِي فِي الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ كَتَوْكِيلِ الْمُكَلَّفِ غَيْرَهُ بِأَدَاءِ زَكَاةِ مَالِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَيُؤَدِّيَ عَنْهُ وَلِيُّهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَارِيَ فِيهَا النِّيَابَةُ شَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ اخْتِيَارِيَّةً؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّائِبِ فِيهَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ فَيَصِحُّ عِبَادَةً وَهَذَا لَا يَتِمُّ فِي الْجَبْرِيَّةِ كَنِيَابَةِ الْوَلِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالزَّكَاةُ وَإِنْ تَأَدَّتْ بِالنَّائِبِ لَكِنَّ إيجَابَهَا لِلِابْتِلَاءِ بِالْأَدَاءِ بِالِاخْتِيَارِ وَلَيْسَ) الصَّبِيُّ (مِنْ أَهْلِهِمَا) أَيْ الْأَدَاءِ وَالِاخْتِيَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَنَّ إيجَابَ الْعِبَادَةِ لِلِابْتِلَاءِ بِالْأَدَاءِ بِالِاخْتِيَارِ (أَسْقَطَ مُحَمَّدٌ الْفِطْرَةَ) أَيْ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ (تَرْجِيحًا لِمَعْنَى الْعِبَادَةِ) فِيهَا وَانْتِفَائِهَا فِيهِ. (وَاكْتَفَيَا) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (بِالْقَاصِرَةِ) أَيْ بِالْأَهْلِيَّةِ الْقَاصِرَةِ فِيهَا فَأَوْجَبَاهَا عَلَيْهِ (تَرْجِيحًا لِلْمُؤْنَةِ) فِيهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَوْضَحُ (وَبِخِلَافِ الْعُقُوبَاتِ كَالْقِصَاصِ وَالْأَجْزِيَةِ كَحِرْمَانِ الْإِرْثِ بِقَتْلِهِ) لِمُوَرِّثِهِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَالْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا جَزَاءُ التَّقْصِيرِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ لَا قَصْدَ لَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ وَاسْتَثْنَى فَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَالْحَلْوَانِيُّ وَمُوَافِقُوهُمْ (مِنْ الْعِبَادَاتِ) أَيْ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ (الْإِيمَانَ فَأَثْبَتَ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَذَا مُوَافِقُوهُ (وُجُوبَهُ) أَيْ الْإِيمَانِ (فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لِسَبَبِيَّةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ) بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّةِ الْبَارِي تَعَالَى لِنَفْسِ وُجُوبِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَثْبُتُ جَبْرًا وَقِيَامُ الذِّمَّةِ لَهُ (لَا الْأَدَاءِ) أَيْ، وَلَمْ يُثْبِتْ وُجُوبَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُ لَهُ مَنُوطَةٌ بِكَمَالِ الْعَقْلِ وَاعْتِدَالِهِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْبُلُوغِ. (فَإِذَا أَسْلَمَ عَاقِلًا وَقْع) إسْلَامُهُ (فَرْضًا) ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ بَلْ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ كَصَوْمِ الْمُسَافِرِ ثُمَّ هُوَ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ بَلْ لَا يَحْتَمِلُ النَّفَلَ أَصْلًا فَوَقَعَ فَرْضًا (فَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُهُ) أَيْ إسْلَامِهِ حَالَ كَوْنِهِ (بَالِغًا كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ بَعْدَ السَّبَبِ) لِوُجُوبِهَا فَصَارَ أَدَاءُ الْإِيمَانِ فِي حَقِّهِ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ سَبَبِ وُجُوبِهَا قَبْلَ وُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَيْهِ (فَإِنْ قِيلَ مِثْلُهُ) أَيْ جَوَازُ تَعْجِيلِ الْحُكْمِ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ وُجُوبِهِ قَبْلَ وُجُوبِ أَدَائِهِ (يَتَوَقَّفُ عَلَى السَّمْعِ) ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ مَا سَيَجِبُ إذَا وَجَبَ بِفِعْلٍ قَبْلَ الْوُجُوبِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (قُلْنَا) نَعَمْ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ (إسْلَامُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) إذْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ عَشَرِ سِنِينَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «دَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّايَةَ إلَى عَلِيٍّ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ الذَّهَبِيُّ هَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ وَلَهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرِ سِنِينَ بَلْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عُمُرُهُ حِينَ أَسْلَمَ خَمْسَ سِنِينَ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمَبْعَثِ وَمِنْ الْمَبْعَثِ إلَى بَدْرٍ خَمْسَ عَشْرَةَ فَلَعَلَّ فِيهِ تَجَوُّزًا بِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ الَّذِي فَوْقَ الْعِشْرِينَ حَتَّى يُوَافِقَ قَوْلَ عُرْوَةَ قَالُوا وَصَحَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إسْلَامَهُ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إقْرَارِهِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ عَفِيفِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لَهُ فِي أَوَّلِ الْمَبْعَثِ لَمْ يُوَافِقْ مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ إلَّا امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ وَهَذَا الْغُلَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ عَفِيفٌ فَرَأَيْتهمْ يُصَلُّونَ فَوَدِدْت أَنِّي أَسْلَمْت حِينَئِذٍ فَأَكُونُ رُبُعَ الْإِسْلَامِ. قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ يُقَالُ تَصْحِيحُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إسْلَامَهُ إنْ أُرِيدَ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَمُسْلِمٌ وَكَلَامُنَا فِي تَصْحِيحِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَتَّى لَا يَرِثَ أَقَارِبَهُ الْكُفَّارَ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّحَهُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بَلْ

فِي الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ عَلَى مَا هُوَ ثَابِتٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ نَعَمْ لَوْ نُقِلَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّحْت إسْلَامَهُ أَمْكَنَ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْجِهَتَيْنِ لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ وَقَدْ أُورِدَ هَذَا السُّؤَالَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْوَجْهِ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا هُوَ الْوَجْهُ اهـ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَصْحِيحُ إسْلَامِهِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ تَصْحِيحٌ ظَاهِرٌ لَهُ دَلَالَةٌ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْإِسْلَامِ دُنْيَا وَأُخْرَى وَمِنْ ثَمَّةَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ كَافِرٍ صَلَّى إلَى قِبْلَتِنَا فِي جَمَاعَتِنَا حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِسْلَامِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي ثُبُوتِ تَصْحِيحِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الْإِسْلَامِيَّةِ نَقْلَ تَصْحِيحِهِ فِي كُلِّ حُكْمٍ مِنْهَا فَانْتَفَى الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ إسْلَامُهُ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ لَا الدُّنْيَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَكَلَامُنَا فِي صَبِيٍّ عَاقِلٍ يُنَاظِرُ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِحَّةِ رِسَالَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُلْزِمُ الْخَصْمَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِي مَعْرِفَتِهِ شُبْهَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعَلَمُ. (وَعَلَى مَا قَدَّمْنَا) مِنْ الْبَحْثِ الَّذِي يَنْتَفِي بِهِ تَحَقُّقُ أَصْلِ الْوُجُوبِ فِي مَسْأَلَةٍ تُثْبِتُ السَّبَبِيَّةَ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُوَسَّعًا فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ (يَكْفِي السَّمْعُ عَنْ أَصْلِ الْوُجُوبِ وَنَفَاهُ) أَيْ أَصْلَ الْوُجُوبِ لِلْإِيمَانِ عَنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ (شَمْسُ الْأَئِمَّةِ) السَّرَخْسِيُّ (لِعَدَمِ حُكْمِهِ) أَيْ الْوُجُوبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ وَالْمَحَلُّ قَائِمًا (وَلَوْ أَدَّى وَقَعَ فَرْضًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ كَانَ لِعَدَمِ حُكْمِهِ فَإِذَا وُجِدَ) الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْأَدَاءُ (وُجِدَ) الْوُجُوبُ بِمُقْتَضَى الْأَدَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صَوْمِ الْمُسَافِرِ وَكَأَدَاءِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُجُوبُهَا ثَابِتًا فِي حَقِّهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ. (وَالْأَوَّلُ) أَيْ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ (أَوْجَهُ) ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَأْتِي فِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا أَصْلِ الْوُجُوبِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُكْمَ الْوُجُوبِ هُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إنَّمَا ذَلِكَ حُكْمُ الْخِطَابِ بَلْ حُكْمُهُ صِحَّةُ الْأَدَاءِ، وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ هُنَا فَثَبَتَ الْوُجُوبُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الْمَانِعِ قُلْت وَلَكِنْ هَذَا عَلَى تَحَقُّقِ أَصْلِ الْوُجُوبِ لَا عَلَى بَحْثِ الْمُصَنِّفِ الْمُقْتَضِي لِانْتِفَائِهِ ثُمَّ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ الْقَصْدُ إلَى تَصْدِيقٍ وَإِقْرَارٍ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَقَدْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَكْفِيهِ اسْتِصْحَابُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ بِهِ إسْقَاطُ الْفَرْضِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَا يَكُونُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ بَلْ لَا يَكْفِيهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ مِنْهَا إلَّا مَا قَرَنَهُ بِنِيَّةِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ امْتِثَالًا لِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ فَرْضِ الْإِيمَانِ لِلْبَالِغِ الْمَحْكُومِ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ صَبِيًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ إذَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لَمْ يَفْعَلْهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ عَنْ آخِرِهِمْ (وَلِعَدَمِ حُكْمِ الْوُجُوبِ مِنْ الْأَدَاءِ لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَائِضِ لِانْتِفَاءِ الْأَدَاءِ شَرْعًا) فِي حَالَةِ الْحَيْضِ (وَالْقَضَاءُ) بَعْدَ الطَّهَارَةِ مِنْهُ (لِلْحَرَجِ وَالتَّكْلِيفُ لِلرَّحْمَةِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ تَكْلِيفَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ مَا هُوَ فِي قُدْرَتِهِمْ مِنْ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَلَا سِيَّمَا مَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ إنَّمَا هُوَ لِرَحْمَتِهِ تَعَالَى لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الِامْتِثَالِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْحَالِ طَرِيقُ الثَّوَابِ فِي السُّنَّةِ الْإِلَهِيَّةِ (وَالْحَرَجُ طَرِيقُ التَّرْكِ) الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْعِقَابِ (فَلَمْ يَتَعَلَّقْ) التَّكْلِيفُ (ابْتِدَاءً بِمَا فِيهِ) الْحَرَجُ (فَضْلًا) مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ (بِخِلَافِ الصَّوْمِ) فَإِنَّهُ لَا حَرَجَ فِي قَضَائِهَا إيَّاهُ (فَثَبَتَ) أَصْلُ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا (لِفَائِدَةِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ) وَسَنُوَضِّحُ وَجْهَهُ فِي الْكَلَامِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَأَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ نَوْعَانِ قَاصِرَةٌ لِقُصُورِ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ) أَوْ الْعَقْلِ لَا غَيْرُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْمَعْتُوهُ الْبَالِغُ) وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْبَدَنِ (وَالثَّابِتُ مَعَهَا) أَيْ الْقَاصِرَةِ (صِحَّةُ الْأَدَاءِ) ؛ لِأَنَّ فِي صِحَّتِهِ نَفْعَهُ بِلَا شَائِبَةِ ضَرَرٍ (وَكَامِلَةٌ بِكَمَالِهِمَا) أَيْ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ (وَيَلْزَمُهَا) أَيْ الْكَامِلَةَ (وُجُوبُهُ) أَيْ الْأَدَاءِ لِتَحَقُّقِ شَرْطِهِ وَقَدْ يَكُونُ كَامِلَ الْعَقْلِ ضَعِيفَ الْبَدَنِ كَالْمَفْلُوجِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ أَدَاءُ مَا يَتَعَلَّقُ بِقُوَّةِ الْبَدَنِ وَسَلَامَتِهِ (فَمَا) يَكُونُ (مَعَ الْقَاصِرَةِ) سِتَّةً؛ لِأَنَّهُ (إمَّا حَقٌّ لِلَّهِ لَا يَحْتَمِلُ حُسْنُهُ الْقُبْحَ أَوْ قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ الْحُسْنَ أَوْ مُتَرَدِّدٌ) بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ (فَإِمَّا فِيهِ نَفْعٌ أَوْ

ضَرَرٌ مَحْضَانِ أَوْ مُتَرَدِّدٌ) بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَحْتَمِلُ حُسْنُهُ الْقُبْحَ (الْإِيمَانُ لَا يَسْقُطُ حُسْنُهُ وَفِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ) فَيَصِحُّ مِنْهُ لِذَلِكَ وَلِأَهْلِيَّتِهِ لِلثَّوَابِ وَكَيْفَ لَا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ حَقِيقَةً فَكَذَا حُكْمًا (وَتَخَلُّفُ الْوُجُودِ الْحُكْمِيِّ عَنْ) الْوُجُودِ (الْحَقِيقِيِّ) إنَّمَا يَكُونُ (لِحَجْرِ الشَّرْعِ) عَنْهُ (وَلَمْ يُوجَدْ) حَجْرُ الشَّرْعِ عَنْهُ وَكَيْفَ يُوجَدُ (وَلَا يَلِيقُ) الْحَجْرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ لِحُسْنِهِ حُسْنًا لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا بِحَالٍ وَلَوْ صَارَ مَحْجُورًا عَنْهُ لَكَانَ قَبِيحًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَلِنَفْعِهِ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ ضَرَرٌ فَإِنْ قِيلَ بَلْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ عَنْ مُوَرِّثِهِ الْكَافِرِ وَالْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ (وَضَرَرُ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَفُرْقَةُ النِّكَاحِ مُضَافَانِ إلَى كُفْرِ الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شُرِعَ عَاصِمًا لِلْحُقُوقِ لَا قَاطِعًا (وَلَوْ سَلِمَ) لُزُومُ ذَلِكَ لَهُ (فَحُكْمُ الشَّيْءِ الْمُوجِبِ) بِالْجَرِّ صِفَةُ الشَّيْءِ وَفَاعِلُهُ (ثُبُوتُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (صِحَّتِهِ) أَيْ صِحَّةِ حُكْمِ الشَّيْءِ وَهُوَ مَفْعُولُهُ ثُمَّ حُكْمُ الشَّيْءِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (مَا) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي (وُضِعَ) الشَّيْءُ (لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْحُكْمِ. (وَوَضْعُهُ) أَيْ الْإِيمَانِ (لَيْسَ لِذَلِكَ) أَيْ لِحِرْمَانِ الْإِرْثِ وَالْفُرْقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَبَيْنَهُ (وَإِنْ لَزِمَ) ذَلِكَ (عِنْدَهُ) أَيْ الْإِيمَانُ ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِهِ وَلَازِمًا مِنْ لَوَازِمِهِ التَّابِعَةِ لِوُجُودِهِ وَمِنْ ثَمَّةَ ثَبَتَا فِي ثُبُوتِ إسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يُعَدَّا ضَرَرًا يَمْنَعُ صِحَّةَ ثُبُوتِهِ (بَلْ) وَضَعَهُ (لِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الْإِسْلَامَ (مُوجِبٌ إرْثَهُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَلَمْ يَكُنْ) لَازِمُهُ (مَحْصُورًا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ حِرْمَانِ الْإِرْثِ وَيَعُودُ مِلْكُ نِكَاحِهِ إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ فَيَتَعَارَضُ النَّفْعُ وَالضَّرَرُ وَيَتَسَاقَطَانِ فَيَبْقَى الْإِسْلَامُ فِي نَفْسِهِ نَفْعًا مَحْضًا لَا يَشُوبُهُ مَعْنَى الضَّرَرِ وَصَارَ هَذَا (كَقَبُولِ هِبَةِ الْقَرِيبِ مِنْ الصَّبِيِّ يَصِحُّ مَعَ تَرَتُّبِ عِتْقِهِ) عَلَى الْقَبُولِ (وَهُوَ) أَيْ عِتْقُهُ (ضَرَرٌ) مَحْضٌ (لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ) لِلْهِبَةِ إنَّمَا هُوَ (الْمِلْكُ بِلَا عِوَضٍ) لَا الْعِتْقُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ لِصِحَّتِهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ (مِنْهُ) وَنَفْعِهِ بِأَدَائِهِ (لَا وُجُوبِهِ) عَلَيْهِ (وَضَرْبُهُ لِعَشْرٍ عَلَى الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشَرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (تَأْدِيبًا) لِيَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْتَادَ الصَّلَاةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ مِنْ أَنْفَعِ الْمَنَافِعِ. (كَالْبَهِيمَةِ) أَيْ كَضَرْبِهَا عَلَى بَعْضِ الْأَفْعَالِ فَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُضْرَبُ الدَّابَّةُ عَلَى النِّفَارِ وَلَا تُضْرَبُ عَلَى الْعِثَارِ» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ مَنَاكِيرِ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ (لَا لِلتَّكْلِيفِ وَالثَّانِي) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ قُبْحُهُ الْحُسْنَ (الْكُفْرُ) فَإِنَّهُ قَبِيحٌ مِنْ كُلِّ شَخْصٍ فِي كُلِّ حَالٍ وَهُوَ (يَصِحُّ مِنْهُ أَيْضًا فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ اتِّفَاقًا) وَإِلَّا صَارَ الْجَهْلُ بِهِ تَعَالَى عِلْمًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ جَهْلٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُجْعَلُ عِلْمًا فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَكَيْفَ فِي حَقِّ رَبِّ الْأَرْبَابِ وَالْعَفْوُ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ مَعَ الْكُفْرِ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ أَدَاؤُهُ لِعَقْلِهِ وَصِحَّةِ دَرْكِهِ لَمْ يَرِدْ بِهِ شَرْعٌ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ عَقْلٌ (وَكَذَا) يَصِحُّ (فِي) أَحْكَامِ (الدُّنْيَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) آخِرًا وَالشَّافِعِيِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ مَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ فَمَا يَكُونُ ضَرَرًا مَحْضًا أَوْلَى وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْكُفْرَ مَحْظُورٌ مُطْلَقًا فَلَا يَسْقُطُ بِعُذْرٍ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ (فَتَبِينُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ) مِنْ مُوَرِّثِهِ الْمُسْلِمِ بِالرِّدَّةِ تَبَعًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مِنْ تَوَابِعِهَا لَا قَصْدًا لِلضَّرَرِ فِي حَقِّهِ إذْ هُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ بِوَجْهٍ بِوَاسِطَةِ لُزُومِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَمَا إذَا ثَبَتَ الِارْتِدَادُ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ بِأَنْ ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَزِمَهُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ حَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ بِوَاسِطَةِ لُزُومِهِ (وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَلْ) وَقْتَئِذٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَتْلَ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الِارْتِدَادِ (بَلْ) قَتْلُ الْكَافِرِ إنَّمَا هُوَ (بِالْحِرَابَةِ) لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ. (وَلَيْسَ) الصَّبِيُّ

(مِنْ أَهْلِهَا وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ صَبِيًّا خِلَافًا) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (أَوْرَثَ شُبْهَةً فِيهِ) أَيْ الْقَتْلِ (وَالثَّالِثُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ (كَالصَّلَاةِ وَأَخَوَاتِهَا) مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَإِنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا وَحُسْنَهَا قَدْ يَكُونُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ كَوَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَحُكْمُ هَذِهِ أَنَّهَا (تَصِحُّ) مِنْهُ (لِمَصْلَحَةِ ثَوَابِهَا) فِي الْآخِرَةِ وَاعْتِيَادِ أَدَائِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ بِحَيْثُ لَا تَشُقُّ عَلَيْهِ (بِلَا عُهْدَةٍ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ) الْمُضِيُّ فِيهَا (وَلَا بِالْإِفْسَادِ) قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي عِبَادَةٍ مِنْ هَذِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِتْمَامُ مَعَ فَوَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَذَا الصَّبِيُّ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَكَانَتْ نَفْعًا مَحْضًا فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا كَانَ مَالِيًّا مِنْهَا كَالزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِهِ فِي الْعَاجِلِ بِنُقْصَانِ مَالِهِ (وَالرَّابِعُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ (كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْهُ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلِذَا) أَيْ وَلِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِ مَا فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ (وَجَبَتْ أُجْرَتُهُ) أَيْ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ (إذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ مَعَ بُطْلَانِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ بُطْلَانَ عَقْدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ (وَلَحِقَهُ) أَيْ الصَّبِيَّ وَهُوَ (أَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ إذْنِ الْوَلِيِّ. (فَإِذَا عَمِلَ بَقِيَ الْأَجْرُ نَفْعًا مَحْضًا) وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ فِيهِ (فَيَجِبُ بِلَا اشْتِرَاطِ سَلَامَتِهِ) مِنْ الْعَمَلِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي الْعَمَلِ لَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا أَقَامَ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُمْلَكُ بِالضَّمَانِ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ) الْمَحْجُورِ (آجَرَ نَفْسَهُ) بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ (تَجِبُ) الْأُجْرَةُ (بِشَرْطِهَا) أَيْ السَّلَامَةِ مِنْ الْعَمَلِ (فَلَوْ هَلَكَ ضَمِنَ) الْمُسْتَأْجِرُ (قِيمَتَهُ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ فَيَمْلِكُهُ فَلَا تَجِبُ أُجْرَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ (وَصَحَّتْ وَكَالَتُهُمَا) أَيْ قَبُولُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ تَوْكِيلَ غَيْرِهِمَا لَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِمَا (بِلَا عُهْدَةٍ) تَرْجِعُ إلَيْهِمَا مِنْ لُزُومِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْعَيْبِ (لِأَنَّهُ) أَيْ قَبُولَهُمَا الْوَكَالَةَ بِلَا عُهْدَةٍ (نَفْعٌ) مَحْضٌ لَهُمَا (إذْ يَكْتَسِبُ بِذَلِكَ إحْسَانَ التَّصَرُّفِ، وَجِهَةُ الضَّرَرِ وَهِيَ لُزُومُ الْعُهْدَةِ مُنْتَفِيَةٌ فَتَمَحَّضَ نَفْعًا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أَيْ اخْتَبِرُوا عُقُولَهُمْ وَتَعَرَّفُوا أَحْوَالَهُمْ بِالتَّصَرُّفِ قَبْلَ الْبُلُوغِ حَتَّى إذَا تَبَيَّنْتُمْ مِنْهُمْ هِدَايَةً دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ بِلَا تَأْخِيرٍ عَنْ حَدِّ الْبُلُوغِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِمَا مَا فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ (اسْتَحَقَّا الرَّضْخَ) أَيْ مَا دُونَ السَّهْمِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (إذَا قَاتَلَا بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى وَالْقِيَاسُ لَا شَيْءَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَصِيرَانِ مِنْ أَهْلِهِ بِالْإِذْنِ كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَحْجُورَيْنِ عَنْ مَحْضِ الْمَنْفَعَةِ وَاسْتِحْقَاقُ الرَّضْخِ بَعْدَ الْقِتَالِ كَذَلِكَ فَيَكُونَانِ كَالْمَأْذُونَيْنِ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى. (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ اسْتِحْقَاقُ الرَّضْخِ (قَوْلُ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَمَانَهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقِتَالِ وَإِذَا كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الْقِتَالِ كَانَ لَهُمَا الرَّضْخُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَأَكْثَرُ تَفْرِيعَاتِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ كَتَفْرِيعَاتِ الزِّيَادَاتِ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُمَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وِلَايَةُ الْقِتَالِ فَلَا يَرْضَخُ لَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا شُهُودُ الْقِتَالِ بِدُونِ الْإِذْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا جَوَابُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَنْ الْقِتَالِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَقَدْ انْقَلَبَ نَفْعًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لِلْحَجْرِ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ (وَإِنَّمَا لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ) بِثُلُثِ مَالِهِ فَمَا دُونَهُ (مَعَ حُصُولِ نَفْعِ الثَّوَابِ وَعَدَمِ الضَّرَرِ إذْ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ حَيًّا) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ (لِإِبْطَالِهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (نَفْعَ الْإِرْثِ عَنْهُ) لِأَقَارِبِهِ الْوَرَثَةِ (وَهُوَ) أَيْ نَفْعُ إرْثِهِمْ لَهُ (أَنْفَعُ) لَهُ مِنْ نَفْعِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجَانِبِ (لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ شَرْعًا لِلصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ) فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكَيْنِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَعْدٍ إنَّك إنْ تَدَعْ

وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إنَّ هَا هُنَا غُلَامًا يَفَاعًا لَمْ يَحْتَلِمْ مِنْ غَسَّانَ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِ وَهُوَ ذُو مَالٍ وَلَيْسَ لَهُ هَا هُنَا إلَّا ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ مُرُوهُ فَلْيُوصِ لَهَا فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ بِئْرُ جُشَمٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ فَبِعْت ذَلِكَ الْمَالَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا وَقَدْ أَجَابَ الْمَشَايِخُ عَنْهُ بِمَا لَا يَعْرَى عَنْ نَظَرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَالْخَامِسُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ وَهُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ (كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالصَّدَقَةِ) وَالْهِبَةِ وَحُكْمُ هَذَا أَنَّهُ (لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْمِلْكِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَعُودُ إلَيْهِ وَالصِّبَا مَظِنَّةُ الرَّحْمَةِ وَالْإِشْفَاقِ لَا مَظِنَّةُ الْإِضْرَارِ وَاَللَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَلَمْ يُشَرِّعْ فِي حَقِّهِ الْمَضَارَّ (كَمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) مِنْ وَلِيٍّ وَوَصِيٍّ وَقَاضٍ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إثْبَاتُهَا فِيمَا هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ فِي حَقِّهِ وَحِينَئِذٍ فَكَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فِي حَقِّهِ عَدَمَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَأَمَّا عِنْدَ تَحَقُّقِهَا فَمَشْرُوعٌ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةُ السَّرَخْسِيُّ زَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ حَتَّى إنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَهَذَا وَهْمٌ عِنْدِي فَإِنَّ الطَّلَاقَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ إذْ لَا ضَرَرَ فِي إثْبَاتِ أَصْلِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا الضَّرَرُ فِي الْإِيقَاعِ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى صِحَّةِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ جِهَتِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَانَ صَحِيحًا وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَوْ أَثْبَتَنَا مِلْكَ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهِ كَانَ خَالِيًا عَنْ حُكْمِهِ وَهُوَ وِلَايَةُ الْإِيقَاعِ وَالسَّبَبُ الْخَالِي عَنْ حُكْمِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا كَبَيْعِ الْحُرِّ وَطَلَاقِ الْبَهِيمَةِ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ خُلُوَّهُ عَنْ حُكْمِهِ إذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ حَتَّى إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَأَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِذَا ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَكَانَ طَلَاقًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِذَا وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا فَخَاصَمَتْهُ فِي ذَلِكَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ طَلَاقًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ (إلَّا إقْرَاضَ الْقَاضِي فَقَطْ مِنْ الْمَلِيِّ) مَالَهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ. (لِأَنَّهُ) أَيْ إقْرَاضَهُ (حِفْظٌ) لَهُ (مَعَ قُدْرَةِ الِاقْتِضَاءِ بِعِلْمِهِ) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى دَعْوَى وَبَيِّنَةٍ فَكَانَ بِهَذَا الشَّرْطِ نَظَرًا مِنْ الْقَاضِي لَهُ وَنَفْعًا (بِخِلَافِ الْأَبِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِهِ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ بِنَفْسِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ فَلَا يَمْلِكُهُ (إلَّا فِي رِوَايَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فَيَمْلِكُهُ (كَاقْتِرَاضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَهْلِكُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ إذَا كَانَ مَلِيًّا قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى (وَالسَّادِسُ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ (كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ فِيهِ احْتِمَالُ الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ) فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ رَابِحًا وَالْإِجَارَةُ وَالنِّكَاحُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ فَهِيَ نَفْعٌ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ خَاسِرًا وَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ فَهِيَ ضَرَرٌ (وَتَعْلِيلُ النَّفْعِ بِدُخُولِ الْبَدَلِ فِي مِلْكِهِ وَالضَّرَرِ بِخُرُوجِ الْآخَرِ) كَمَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (يُوجِبُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ) كَانَ ضَرَرًا وَنَفْعًا وَيَلْزَمُهُ أَنَّهُ (لَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ قَطُّ وَذَكَرَ) الْمُعَلِّلُ الْمَذْكُورُ (أَنَّهُ يَنْدَفِعُ احْتِمَالُ الضَّرَرِ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ) كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ بَيَانُ تَرَدُّدِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهَا عَلَى دُخُولِ شَيْءٍ فِي الْمِلْكِ وَخُرُوجِ الْبَدَلِ عَنْ الْمِلْكِ فَبِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ انْدَفَعَ تَوَهُّمُ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ إلَّا فِيمَا لَهُ فِيهِ نَفْعٌ غَالِبًا فَالْتَحَقَ بِمَا يَتَمَحَّضُ نَفْعًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي اسْتِفَادَتِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بِنَوْعِ عِنَايَةٍ عَلَى مَا فِيهَا (فَيَمْلِكُهُ) أَيْ الصَّبِيُّ هَذَا الْقِسْمَ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ رَأْيِ الْوَلِيِّ لِانْدِفَاعِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الصَّبِيَّ (أَهْلٌ لِحُكْمِهِ) أَيْ هَذَا التَّصَرُّفِ (إذْ يَمْلِكُ الْبَدَلَ إذَا بَاشَرَهُ الْوَلِيُّ) أَيْ يَمْلِكُ الثَّمَنَ وَالْأُجْرَةَ إذَا بَاعَ الْوَلِيُّ عَيْنًا مِنْ مَالِهِ أَوْ آجَرَهَا وَالْعَيْنُ إذَا اشْتَرَاهَا لَهُ. (وَأَهْلٌ لَهُ) أَيْ لِهَذَا التَّصَرُّفِ (إذْ صَحَّتْ وَكَالَتُهُ بِهِ) أَيْ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِيهِ (وَفِيهِ) أَيْ فِي جَوَازِ هَذَا التَّصَرُّفِ لَهُ (نَفْعُ تَوْسِعَةِ طَرِيقِ تَحْصِيلِ

فصل في بيان أحكام عوارض الأهلية

الْمَقْصُودِ) لَهُ لِحُصُولِهِ حِينَئِذٍ تَارَةً بِالْوَلِيِّ وَتَارَةً بِنَفْسِهِ مَعَ تَصْحِيحِ عِبَارَتِهِ وَزِيَادَةِ دُرْبَتِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حُصُولِ الرِّبْحِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُبَاشَرَةُ الْوَلِيِّ (ثُمَّ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (لَمَّا انْجَبَرَ الْقُصُورُ بِالْإِذْنِ كَانَ كَالْبَالِغِ فَيَمْلِكُهُ) أَيْ هَذَا التَّصَرُّفَ (بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) وَهُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ (مَعَ الْأَجَانِبِ وَالْوَلِيِّ فِي رِوَايَةٍ) كَمَا يَمْلِكُهُ الْبَالِغُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ (وَفِي أُخْرَى لَا) يَمْلِكُهُ مَعَ الْوَلِيِّ (لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَصِيلًا فِي الْمِلْكِ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ حَقِيقَةً فَيُشْبِهُ تَصَرُّفُهُ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (فَفِي الرَّأْيِ) أَصِيلٌ (مِنْ وَجْهٍ) لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ وَالرَّأْيِ ثَابِتٌ لَهُ إلَّا أَنَّ فِي رَأْيِهِ خَلَلًا حَتَّى احْتَاجَ إلَى أَنْ يَنْجَبِرَ بِرَأْيِ الْوَلِيِّ فَيُشْبِهُ تَصَرُّفُهُ تَصَرُّفَ الْوُكَلَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (فَفِيهِ) أَيْ هَذَا التَّصَرُّفِ (شُبْهَةُ النِّيَابَةِ عَنْ الْوَلِيِّ) نَظَرًا إلَى وَصْفِ الرَّأْيِ بِالْخَلَلِ (فَكَأَنَّ الْوَلِيَّ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ) بَيْعُهُ مِنْهُ (بِغَبْنٍ) فَاحِشٍ كَمَا لَا يَبِيعُ الْوَلِيُّ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ (وَأَيْضًا إذَا كَانَ) فِي الرَّأْيِ أَصِيلًا (مِنْ وَجْهٍ صَحَّ لَا فِي مَحَلِّ التُّهْمَةِ) وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَمَعَ الْوَلِيِّ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَصِحُّ فِي مَحَلِّهَا وَهُوَ بَيْعُهُ مِنْ الْوَلِيِّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ إذْ يَتَمَكَّنُ فِيهِ تُهْمَةُ أَنَّ الْوَلِيَّ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ لَا لِلنَّظَرِ لِلصَّبِيِّ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ) بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ (مُطْلَقًا) أَيْ لَا مِنْ الْوَلِيِّ وَلَا غَيْرِهِ (لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الْإِذْنَ) مِنْ الْوَلِيِّ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ (كَانَ) الصَّبِيُّ (آلَةَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ بِنَفْسِهِ) وَهُوَ لَا يَجُوزُ مِنْهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، قَالَ الْقَاآنِيُّ: وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُمَا أَظْهَرُ فَلْيُتَأَمَّلْ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ] [النَّوْع الْأَوَّل الْعَوَارِض السَّمَاوِيَّة] [الصِّغَرُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ] (وَهَذَا فَصْلٌ آخَرُ اخْتَصُّوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (بِهِ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ أَيْ أُمُورٌ لَيْسَتْ ذَاتِيَّةً لَهَا طَرَأَتْ أَوَّلًا) أَيْ خِصَالٌ أَوْ آفَاتٌ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْأَحْكَامِ بِالتَّغْيِيرِ أَوْ الْإِعْدَامِ سُمِّيَتْ بِهَا لِمَنْعِهَا الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِأَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَدَاءِ عَنْ الثُّبُوتِ إمَّا؛ لِأَنَّهَا مُزِيلَةٌ لِأَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ كَالْمَوْتِ أَوْ لِأَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ أَوْ مُغَيِّرَةٌ لِبَعْضِ الْأَحْكَامِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ الْأَهْلِيَّةِ لِلْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ كَالسَّفَرِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْكُهُولَةَ وَالشَّيْخُوخَةَ وَنَحْوَهُمَا فِي جُمْلَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِحْدَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ (فَدَخَلَ الصِّغَرُ) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الطُّرُوءِ وَالْحُدُوثِ بَعْدَ الْعَدَمِ فِيهَا أَوْ كَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الذَّاتِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ الْكَبِيرُ إنْسَانًا كَالصَّغِيرِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا يَخْلُو عَنْهُ إلَّا نَادِرًا كَآدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَمُلَخَّصُهَا أَحْوَالٌ مُنَافِيَةٌ لِأَهْلِيَّتِهِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لَهُ (وَهِيَ) أَيْ الْعَوَارِضُ (نَوْعَانِ: سَمَاوِيَّةٌ أَيْ لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا اخْتِيَارٌ) فَنُسِبَتْ إلَى السَّمَاءِ بِمَعْنَى أَنَّهَا نَازِلَةٌ مِنْهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَهِيَ أَحَدَ عَشَرَ (الصِّغَرُ وَالْجُنُونُ وَالْعَتَهُ وَالنِّسْيَانُ وَالنَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ وَالرِّقُّ وَالْمَرَضُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالْمَوْتُ) قَالُوا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَمْلَ وَالْإِرْضَاعَ وَالشَّيْخُوخَةَ الْقَرِيبَةَ إلَى الْفِنَاءِ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ لِدُخُولِهَا فِي الْمَرَضِ وَأَوْرَدَ الْإِغْمَاءَ وَالْجُنُونَ مِنْ الْمَرَضِ وَقَدْ أُفْرِدَا بِالذِّكْرِ وَأُجِيبَ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهَا بِخِلَافِ تِلْكَ (وَمُكْتَسَبَةٌ أَيْ كَسَبَهَا الْعَبْدُ أَوْ تَرَكَ إزَالَتَهَا) ، وَهِيَ سَبْعَةٌ سِتَّةٌ مِنْهُ، وَهِيَ الْجَهْلُ وَالسَّفَهُ وَالسُّكْرُ وَالْهَزْلُ وَالْخَطَأُ وَالسَّفَرُ وَوَاحِدٌ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ. (النَّوْعُ الْأَوَّلُ السَّمَاوِيَّةُ عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ) قَدَّمَهَا؛ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ فِي الْعَارِضِيَّةِ لِخُرُوجِهَا عَنْ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي الْأَحْكَامِ مِنْ الْمُكْتَسَبَةِ (أَمَّا الصِّغَرُ) وَقَدَّمَهُ لِكَوْنِهِ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ (فَقَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ) الصَّغِيرُ هُوَ (كَالْمَجْنُونِ الْمُمْتَدِّ) لِانْتِفَاءِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ الصَّغِيرُ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْمَجْنُونِ تَمْيِيزٌ لَا عَقْلٌ وَهُوَ عَدِيمُهُمَا فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِشَيْءٍ (فَإِذَا عَقَلَ تَأَهَّلَ لِلْأَدَاءِ) أَهْلِيَّةً قَاصِرَةً (دُونَ الْوُجُوبِ إلَّا الْإِيمَانَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) قَرِيبًا مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ بِعُذْرِ الصِّبَا مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ عَنْ الْبَالِغِ مِنْ عِبَادَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ حَدٍّ (وَتَقَدَّمَ وَضْعُ الْأَجْزِيَةِ عَنْهُ) سَالِفًا قَرِيبًا (وَبَيْنُونَةُ زَوْجَتِهِ) الْمُسْلِمَةِ (بِكُفْرِهِ) أَيْ رِدَّتِهِ أَوْ إبَائِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهَا (لَيْسَ جَزَاءً بَلْ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِ لِاسْتِفْرَاشِ الْمُسْلِمَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى

الجنون من عوارض الأهلية

{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] (كَحِرْمَانِهِ الْإِرْثَ بِهِ) أَيْ بِكُفْرِهِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْإِرْثِ مِنْهُ (لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ) ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ لِسَبَبِيَّةِ الْإِرْثِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ زَكَرِيَّاءَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5] {يَرِثُنِي} [مريم: 6] وَالْكَافِرُ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّتُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] (كَالرَّقِيقِ) أَيْ كَمَا يَحْرُمُ الْمَرْقُوقُ وَافِرًا كَانَ الرِّقُّ فِيهِ أَوْ نَاقِصًا بَالِغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ الْإِرْثَ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ سَبَبِيَّتِهِ فَلَا يَكُونُ انْتِفَاءُ الْإِرْثِ فِيهِمَا جَزَاءً عَلَى فِعْلِهِمَا بَلْ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ سَبَبِيَّتِهِ الَّتِي هِيَ اتِّصَالُ الشَّخْصِ بِالْمَيِّتِ بِقَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ وَلَاءٍ وَمِثْلُهُ لَا يُعَدُّ جَزَاءً أَلَا يُرَى أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبُ إرْثٍ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَرِثُهُ وَلَا يُقَالُ حِرْمَانُهُ جَزَاءٌ بَلْ لَمْ يُشْرَعْ الْإِرْثُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ سَبَبِهِ [الْجُنُونُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ] (وَأَمَّا الْجُنُونُ) وَهُوَ اخْتِلَالٌ لِلْعَقْلِ مَانِعٌ مِنْ جَرَيَانِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ عَلَى نَهْجِهِ إلَّا نَادِرًا إمَّا لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ خِلْقَةً فَلَمْ يَصْلُحْ لِقَبُولِ مَا أُعِدَّ لِقَبُولِهِ مِنْ الْفِعْلِ كَعَيْنِ الْأَكْمَهِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَلَا فَائِدَةَ فِي الِاشْتِغَالِ بِعِلَاجِهِ وَإِمَّا لِخُرُوجِ مِزَاجِ الدِّمَاغِ مِنْ الِاعْتِدَالِ بِسَبَبِ خَلْطٍ وَآفَةٍ مِنْ رُطُوبَةٍ مُفْرِطَةٍ أَوْ يُبُوسَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ وَهَذَا مِمَّا يُعَالَجُ بِمَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَإِمَّا بِاسْتِيلَاءِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ وَإِلْقَاءِ الْخَيَالَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا قَدْ يَنْجِعُ فِيهِ الْأَدْوِيَةُ الْإِلَهِيَّةُ (فَيُنَافِي شَرْطَ الْعِبَادَاتِ النِّيَّةَ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ شَرْطِ الْعِبَادَاتِ لِسَلْبِهِ الِاخْتِيَارَ (فَلَا تَجِبُ) الْعِبَادَاتُ مُطْلَقًا (مَعَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ الْمُتَّصِلُ بِزَمَنِ الصِّبَا بِأَنْ جُنَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَبَلَغَ مَجْنُونًا وَالْعَارِضِيُّ وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ أَمَّا وُجُوبُ الْأَدَاءِ فَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ بِلَا عَقْلٍ وَلَا قَصْدٍ صَحِيحٍ وَهُوَ مُنَافٍ لَهُمَا وَأَمَّا أَصْلُ الْوُجُوبِ فَلِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ عَلَى تَقْدِيرِ إمْكَانِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَمَا لَا يَمْتَدُّ) مِنْهُ حَالَ كَوْنِهِ (طَارِئًا) عَلَيْهِ (جُعِلَ كَالنَّوْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا (عَارِضٌ يَمْنَعُ فَهْمَ الْخِطَابِ زَالَ قَبْلَ الِامْتِدَادِ) مَعَ عَدَمِ الْحَرَجِ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ فَلَا يُنَافِي كُلَّ عِبَادَةٍ لَا يُؤَدِّي إيجَابُهَا إلَى الْحَرَجِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَعْدَ زَوَالِهِ كَالنَّوْمِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْجُنُونَ (لَا يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ إذْ هُوَ) أَيْ أَصْلُ الْوُجُوبِ مُتَعَلِّقٌ (بِالذِّمَّةِ، وَهِيَ) أَيْ الذِّمَّةُ مَوْجُودَةٌ (لَهُ) أَيْ لِلْمَجْنُونِ (حَتَّى وَرِثَ) مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْإِرْثِ (وَمَلَكَ) مَا تَحَقَّقَ لَهُ فِيهِ سَبَبُ الْمِلْكِ مِنْ مَالٍ أَوْ حَقٍّ مَالِيٍّ وَالْإِرْثُ وَالْمِلْكُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ بِدُونِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْأَدَاءُ تَحْقِيقًا وَتَقْدِيرًا بِلُزُومِ الْحَرَجِ يَنْعَدِمُ الْوُجُوبُ. (وَكَانَ أَهْلًا لِلثَّوَابِ) ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا بَعْدَ الْجُنُونِ وَالْمُسْلِمُ يُثَابُ وَالثَّوَابُ مِنْ أَحْكَامِ الْوُجُوبِ أَيْضًا (كَأَنْ نَوَى صَوْمَ الْغَدِ فَجُنَّ فِيهِ) أَوْ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ حَالَ كَوْنِهِ (مُمْسِكًا كُلِّهِ صَحَّ فَلَا يَقْضِي) ذَلِكَ الْيَوْمَ (لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْغَدِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَمَضَانَ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا حَرَجَ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ ثَابِتًا تَقْدِيرًا بِتَوَهُّمِهِ فِي الْوَقْتِ وَقَضَائِهِ بَعْدَهُ كَمَا فِي النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِعَ أَلْحَقَ الْعَارِضَ مِنْ النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ بِالْعَدَمِ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ حَيْثُ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْفِعْلِ الْمَوْجُودِ فِيهِمَا وَعُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ أَلْحَقُوا الْعَارِضَ مِنْ الْجُنُونِ بِالْعَدَمِ بَعْدَ زَوَالِهِ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ وَجَعَلُوا السَّبَبَ الْمَوْجُودَ فِيهِ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ إيجَابِ الْقَضَاءِ عِنْدَ زَوَالِ الْعَارِضِ فَكَانَ هَذَا الِاسْتِحْسَانُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ الْقِيَاسِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَانِعًا لِوُجُوبِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ عَارِضِيًّا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِزَوَالِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ وَعَدَمِ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ بِدُونِهَا بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُنَافِيَانِ الْعَقْلَ وَلَا يُزِيلَانِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِهِمَا الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ آلَةِ الْقُدْرَةِ فَكَانَ الْعَقْلُ ثَابِتًا كَمَا كَانَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَ. (وَصَحَّ إسْلَامُهُ تَبَعًا) لِأَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَالصَّبِيِّ (وَإِنَّمَا يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ لِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ لِصَيْرُورَتِهِ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ) أَيْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ أَسْلَمَ أُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ (بِخِلَافِهِ) (أَيْ الْإِسْلَامِ) (أَصَالَةً) فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ

مِنْهُ (لِعَدَمِ رُكْنِيَّةِ الِاعْتِقَادِ) أَيْ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى التَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعَقْلِ وَهُوَ عَدِيمُهُ (لَا حَجْرًا) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَنْ الْإِيمَانِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ (بِخِلَافِ) الْإِسْلَامِ (التَّبَعِ) أَيْ التَّابِعِ لِإِسْلَامِهِمَا أَوْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا (لَيْسَ) الِاعْتِقَادُ فِيهِ (رُكْنًا وَلَا شَرْطًا لَهُ وَإِنَّمَا عَرَضَ) عَلَى وَلِيِّهِ إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ (دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا إذْ لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْجُنُونِ (نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ) فَفِي التَّأْخِيرِ ضَرَرٌ بِهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ لِقُدْرَةِ الْمَجْنُونِ عَلَى الْوَطْءِ ثُمَّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْآبَاءِ عَلَى الْأَوْلَادِ عَادَةً فَلَعَلَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُسْلِمَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَالِدَانِ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُ خَصْمًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْآبَاءَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ هُنَا لِلتَّعَذُّرِ (بِخِلَافِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْعَاقِلِ أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ لَا يَعْرِضُ عَلَى وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّ لِعَقْلِهِ حَدًّا مَعْلُومًا) وَهُوَ الْبُلُوغُ فَيُنْتَظَرُ فَإِذَا بَلَغَ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ. (وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ) أَيْ الصَّبِيِّ الْمَجْنُونِ لِمَا ذُكِرَ (وَيَصِيرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا بِارْتِدَادِ أَبَوَيْهِ وَلَحَاقِهِمَا بِهِ) أَيْ بِالْمَجْنُونِ بِدَارِ الْحَرْبِ (إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا وَهُمَا مُسْلِمَانِ) ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ بِاَللَّهِ قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ بِوَاسِطَةِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ وَقَدْ ثَبَتَ الْإِسْلَامُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا لَهُمَا فَيَزُولُ بِزَوَالِ مَا يَتْبَعُهُ ثُمَّ كَوْنُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمِينَ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ أَحَدِهِمَا وَارْتِدَادَهُ وَلُحُوقَهُ مَعَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَافٍ فِي ارْتِدَادِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا لِظُهُورِ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ بِزَوَالِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهَا كَالْخَلَفِ عَنْهُمَا (أَوْ بَلَغَ مُسْلِمًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ أَسْلَمَ عَاقِلًا فَجُنَّ) قَبْلَ الْبُلُوغِ (فَارْتَدَّا أَوْ لَحِقَا بِهِ) بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا فِي الْإِيمَانِ بِتَقَرُّرِ رُكْنِهِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِالتَّبَعِيَّةِ أَوْ عُرُوضِ الْجُنُونِ ثُمَّ قَالَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ (إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْأَدَاءُ) وَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ الْفِعْلُ لَا مُقَابِلُ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ (أَيْ الْفِعْلِ تَحْقِيقًا وَتَقْدِيرًا بِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي الْقَضَاءِ وَتَقَدَّمَ وَجْهُهُ) حَيْثُ قَالَ: وَالتَّكْلِيفُ رَحْمَةٌ وَالْحَرَجُ طَرِيقُ التَّرْكِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ ابْتِدَاءً بِمَا فِيهِ فَضْلًا (انْتَفَى) أَصْلُ الْوُجُوبِ (لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ) مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْأَصْلِيُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) عَطْفٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ وَمَا لَا يَمْتَدُّ طَارِئًا أَيْ وَكَذَا الْجُنُونُ الْأَصْلِيُّ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُمْتَدِّ مِنْ الْجُنُونِ الطَّارِئِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْأَصْلِيِّ بَيْنَ الْمُمْتَدِّ وَغَيْرِهِ فِي السِّقَاطِ كَمَا فَرَّقَ فِي الْعَارِضِيِّ بَيْنَهُمَا بِالْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهِ (إنَاطَةً لِلْإِسْقَاطِ بِكُلٍّ مِنْ الِامْتِدَادِ وَالْأَصَالَةِ) وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَى أَصْحَابِنَا وَفِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ وَالْإِمَامُ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَالزَّاهِدُ الصَّفَّارُ. (وَخَصَّهُ) أَيْ الْإِسْقَاطَ (أَبُو يُوسُفَ بِالِامْتِدَادِ) لَا غَيْرُ فِيهِمَا فَأَسْقَطَ عِنْدَهُ الْمُمْتَدَّ مِنْهُمَا دُونَ غَيْرِهِ وَنَصَّ فِي طَرِيقَةِ أَبِي الْمُعِينِ عَلَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ بِلَفْظِ قِيلَ ثُمَّ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا هَكَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا (وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى الْقَلْبِ) وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَنَاطَ الْإِسْقَاطَ بِالِامْتِدَادِ وَعَدَمَ الْإِسْقَاطِ بِعَدَمِ الِامْتِدَادِ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ فَرَّقَ فِي الْعَارِضِيِّ بَيْنَ الْمُمْتَدِّ وَغَيْرِهِ فِي الْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهِ وَسَوَّى فِي الْأَصْلِيِّ فِي الْإِسْقَاطِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَدًّا أَوْ لَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَشْفِ الْمَنَارِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ التَّقْرِيرِ هِيَ الْمُنَاسَبَةُ لِشَرْحِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَلِلْمُصَنِّفِ هُنَا حَاشِيَةٌ لَهَا مَحْمَلٌ صَحِيحٌ فِي ذَاتِهَا وَلَكِنَّهَا لَا تُوَافِقُ شَرْحَ هَذَا الْمَوْضِعِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، وَجْهُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجُنُونِ الْحُدُوثُ إذْ السَّلَامَةُ عَنْ الْآفَاتِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْجِبِلَّةِ فَتَكُونُ أَصَالَةُ الْجُنُونِ أَمْرًا عَارِضًا فَيُلْحَقُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْجُنُونُ الطَّارِئُ ثَانِيهِمَا أَنَّ زَوَالَ الْجُنُونِ بَعْدَ الْبُلُوغِ دَلَّ عَلَى أَنَّ حُصُولَهُ كَانَ لِأَمْرٍ عَارِضٍ عَلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ فَكَانَ مِثْلَ الطَّارِئِ، وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ أَمْرَانِ أَيْضًا: أَحَدُهُمَا الطَّرَيَانُ بَعْدَ الْبُلُوغِ رَجَّحَ الْعُرُوضَ فَجُعِلَ عَفْوًا عِنْدَ عَدَمِ الِامْتِدَادِ إلْحَاقًا بِسَائِرِ الْعَوَارِضِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا فَزَالَ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصِّغَرِ فَلَا يُوجِبُ قَضَاءَ

مَا مَضَى ثَانِيهِمَا أَنَّ الْأَصْلِيَّ يَكُونُ لِآفَةٍ فِي الدِّمَاغِ مَانِعَةٍ عَنْ قَبُولِ الْكَمَالِ فَيَكُونُ أَمْرًا أَصْلِيًّا لَا يَقْبَلُ اللَّحَاقَ بِالْعَدَمِ وَالطَّارِئُ قَدْ اعْتَرَضَ عَلَى مَحَلٍّ كَامِلٍ لِلُحُوقِ آفَةٍ فَيَلْحَقُ بِالْعَدَمِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَلَيْسَ فِيمَا إذَا كَانَ جُنُونُهُ أَصْلِيًّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى (وَإِذَا كَانَ الْمُسْقِطُ) لِوُجُوبِ الْعِبَادَاتِ فِي التَّحْقِيقِ هُوَ (الْحَرَجُ لَزِمَ اخْتِلَافُ الِامْتِدَادِ الْمُسْقِطِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْنَافِ الْعِبَادَاتِ (فَقُدِّرَ) الِامْتِدَادُ الْمُسْقِطُ (فِي الصَّلَاةِ بِزِيَادَتِهِ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِزَمَانٍ يَسِيرٍ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِصَيْرُورَةِ الصَّلَوَاتِ) الْفَوَائِتِ (سِتًّا) بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ (وَهُوَ أَقْيَسُ) ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ الْوُجُوبِ عِنْدَ كَثْرَتِهَا وَكَثْرَتُهَا بِدُخُولِهَا فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ نَصَّ السَّرَخْسِيِّ وَصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (لَكِنَّهُمَا) أَيْ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَإِنْ اشْتَرَطَا تَكْرَارَهَا (أَقَامَا الْوَقْتَ) إذْ هُوَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ لَهَا (مَقَامَ الْوَاجِبِ) أَيْ الصَّلَاةِ (كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ) وَسَائِرِ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ ثُمَّ كَوْنُ هَذَا قَوْلَهُمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْهِدَايَةِ وَمَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَغَيْرِهَا وَجَعَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَالسَّرَخْسِيُّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمَنْظُومَةِ وَالْمُخْتَلِفِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ (وَفِي الصَّوْمِ) أَيْ وَقُدِّرَ امْتِدَادُ الْجُنُونِ الْمُسْقِطِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ (بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ) حَتَّى لَوْ أَفَاقَ فِي جُزْءٍ مِنْهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي الْكَامِلِ نَقْلًا عَنْ الْحَلْوَانِيِّ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَأَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الْجُنُونُ بَاقِيَ الشَّهْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يُصَامُ فِيهِ فَكَانَ الْجُنُونُ وَالْإِفَاقَةُ فِيهِ سَوَاءً، وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَلَوْ أَفَاقَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُفْتَتَحُ فِيهِ اهـ وَهَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَحُمَيْدٌ الضَّرِيرُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ لَكِنْ إذَا كَانَ سُقُوطُ الْوَاجِبِ لِلْحَرَجِ وَامْتِدَادُ الْجُنُونِ شَهْرًا كَثِيرٌ غَيْرُ نَادِرٍ فَيَلْزَمُ الْحَرَجُ بِثُبُوتِهِ مَعَ اسْتِيعَابِ الْجُنُونِ الشَّهْرَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْهُ؛ لِأَنَّ صَوْمَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فِي سَنَةٍ لَا يُوقِعُ فِي الْحَرَجِ يَجِبُ أَنْ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ الشَّهْرِ بَيْنَ أَنْ يُفِيقَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْهُ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ فِي نَهَارٍ مِنْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ أَوَّلَهُ أَوْ آخِرَهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا أَفَاقَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا جَمِيعَ الشَّهْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ نَعَمْ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ فِيهَا أَوْ نَوَاهُ ثُمَّ أَفْطَرَ فِي نَهَارِهِ أَمَّا إذَا نَوَاهُ، وَلَمْ يُفْطِرْ قَضَى الشَّهْرَ إلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَهُوَ مَحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ إلَّا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ. وَكَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يُفَرِّقَ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ أَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ فِي الْأَصْلِيِّ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا أَدْرَكَ لَا قَضَاءَ مَا مَضَى ثُمَّ قَالُوا إنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ التَّكْرَارُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ لَازْدَادَتْ الزِّيَادَةُ الْمُؤَكِّدَةُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُؤَكَّدِ إذْ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الصِّيَامِ مَا لَمْ يَمْضِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَالتَّحْقِيقُ مَا سَبَقَ. (وَفِي الزَّكَاةِ) قُدِّرَ امْتِدَادُ الْجُنُونِ الْمُسْقِطِ لِوُجُوبِهَا (بِاسْتِغْرَاقِ الْحَوْلِ) بِهِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِدُخُولِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ التَّكْرَارَ بِخُرُوجِهَا لَا بِدُخُولِهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ أَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ فِي نَفْسِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ (وَأَبُو يُوسُفَ) فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْهُ قَالَ (أَكْثَرُهُ) أَيْ الْحَوْلِ إذَا اسْتَوْعَبَهُ الْجُنُونُ (كَكُلِّهِ) إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا وَتَخْفِيفًا فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ وَالنِّصْفُ مُلْحَقٌ بِالْأَقَلِّ (فَلَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا مَالِكًا) لِلنِّصَابِ ثُمَّ أَفَاقَ

العته من عوارض الأهلية

(فَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ الْإِفَاقَةِ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلِيَّ مُلْحَقٌ بِالصِّبَا عِنْدَهُ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فِي أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَوْلِ مِنْ الْبُلُوغِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلِيَّ وَالْعَارِضِيَّ سَوَاءٌ عِنْدَهُ فِي أَنَّ الْمُسْقِطَ فِيهِمَا الِامْتِدَادُ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَوْ أَفَاقَ بَعْدَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا وَتَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَتْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا أَبِي يُوسُفَ مَا لَمْ يَتِمَّ) الْحَوْلُ مِنْ الْإِفَاقَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى فَلَوْ أَفَاقَ بِالْفَاءِ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الْعَارِضِيِّ وَجَبَتْ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى تَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ. [الْعَتَهُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ] (وَأَمَّا الْعَتَهُ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ مَرَّةً وَمَرَّةً) وَهَذَا اخْتِصَارٌ مُجْحِفٌ لِتَعْرِيفِهِ بِاخْتِلَالِ الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ فَيُشْبِهُ مَرَّةً كَلَامَ الْعُقَلَاءِ، وَمَرَّةً كَلَامَ الْمَجَانِينَ وَكَذَا سَائِرُ أُمُورِهِ وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَا قِيلَ آفَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ الذَّاتِ تُوجِبُ خَلَلًا فِي الْعَقْلِ فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَيُشْبِهُ بَعْضُ كَلَامِهِ كَلَامَ الْعُقَلَاءِ وَبَعْضُهُ كَلَامَ الْمَجَانِينِ فَخَرَجَ بِنَاشِئَةٍ عَنْ الذَّاتِ مَا يَكُونُ بِالْمُخَدَّرَاتِ (فَكَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ) أَيْ فَالْمَعْتُوهُ كَهَذَا (فِي صِحَّةِ فِعْلِهِ وَتَوْكِيلِهِ) أَيْ وَقَبُولِ الْوَكَالَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ وَالشِّرَاءِ لَهُ وَطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ (بِلَا عُهْدَةٍ) حَتَّى لَا يُطَالَبَ فِي الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِنَقْدِ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ وَفِي صِحَّةِ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ وَهُوَ أَهْلٌ لِاعْتِبَارِهِ مِنْهُ (كَإِسْلَامِهِ) أَمَّا أَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا أَنَّهُ أَهْلٌ لِاعْتِبَارِهِ مِنْهُ فَلِوُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَلَا بِدُونِ إذْنِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَبِخِلَافِ مَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ كَالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ بِدُونِ إذْنِهِ كَمَا فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ أَيْضًا (وَلَا تَجِبُ الْعِبَادَاتُ عَلَيْهِ) كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ أَيْضًا كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَالْعُقُوبَاتُ) كَمَا لَا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ أَيْضًا بِجَامِعٍ وُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ مَعَ تَمَكُّنِ خَلَلٍ فِيهِ فِيهِمَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَضَمَانُ مُتْلَفَاتِهِ لَيْسَ عُهْدَةً) ؛ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ مَعَ التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْوَكَالَةِ وَلَيْسَ الْإِتْلَافُ تَصَرُّفًا شَرْعِيًّا وَلِأَنَّ الْمَنْفِيَّ عُهْدَةٌ تَحْتَمِلُ الْعَفْوَ فِي الشَّرْعِ وَضَمَانُ الْمُتْلَفِ لَا يَحْتَمِلُهُ. لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ شُرِعَ جَبْرًا لِمَا اُسْتُهْلِكَ مِنْ الْمَحَلِّ الْمَعْصُومِ وَلِهَذَا قُدِّرَ بِالْمِثْلِ لَا جَزَاءً لِلْفِعْلِ، وَكَوْنُ الْمُسْتَهْلِكِ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا مَعْتُوهًا لَا يُنَافِي عِصْمَةَ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ لِحَقِّ الْعِبَادِ وَحَاجَتِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَزُولُ بِالصِّبَا وَالْعَتَهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُذْرَ الثَّابِتَ لِلْمُتْلِفِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْحَقِّ الثَّابِتِ لِلْمُتْلَفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ كَمَا هُوَ مُحْتَاجٌ نَعَمْ جَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ مَا ثَبَتَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لِغِنَاهُ تَعَالَى عَنْ الْعَالَمِينَ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَوْ تَنَاوَلَ مَالَ الْغَيْرِ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ وَوَجَبَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ (وَتَوَقَّفَ نَحْوُ بَيْعِهِ) وَشِرَائِهِ وَإِجَارَتِهِ عَلَى إذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ كَمَا تَثْبُتُ عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا مِنْ بَابِ النَّظَرِ وَنُقْصَانُ الْعَقْلِ مَظِنَّةُ النَّظَرِ وَالرَّحْمَةِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْعَجْزِ (وَلَا يَلِي عَلَى غَيْرِهِ) لِعَجْزِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ قُدْرَةُ التَّصَرُّفِ عَلَى غَيْرِهِ (وَلَا يُؤَخَّرُ الْعَرْضُ) لِلْإِسْلَامِ (عَلَيْهِ عِنْدَ إسْلَامِ امْرَأَتِهِ) إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا (لِمَا قُلْنَا) فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَهُوَ صِحَّتُهُ مِنْهُ فَإِنَّ إسْلَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ لِوُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ (وَفِي التَّقْوِيمِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتُ احْتِيَاطًا) فِي وَقْتِ الْخِطَابِ وَهُوَ الْبُلُوغُ بِخِلَافِ الصِّبَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ سُقُوطِ الْخِطَابِ وَرَدَّهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْعَتَهَ نَوْعُ جُنُونٍ فَيَمْنَعُ وُجُوبَ أَدَاءِ الْحُقُوقِ جَمِيعًا إذْ الْمَعْتُوهُ لَا يَقِفُ عَلَى عَوَاقِبِ الْأُمُورِ كَصَبِيٍّ ظَهَرَ فِيهِ قَلِيلُ عَقْلٍ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ نُقْصَانَ الْعَقْلِ لَمَّا أَثَّرَ فِي سُقُوطِ الْخِطَابِ عَنْ الصَّبِيِّ كَمَا أَثَّرَ عَدَمُهُ فِي حَقِّهِ أَثَّرَ فِي سُقُوطِ الْخِطَابِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَيْضًا كَمَا أَثَّرَ عَدَمُهُ فِي السُّقُوطِ بِأَنْ صَارَ مَجْنُونًا؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْبُلُوغِ لَا فِي كَمَالِ الْعَقْلِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ بِحُدُوثِ هَذِهِ الْآفَةِ كَانَ الْبُلُوغُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فَالْخِطَابُ يَسْقُطُ عَنْ الْمَجْنُونِ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ تَحْقِيقًا لِلْعَدْلِ وَهُوَ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَكْلِيفِ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمَعْتُوهِ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ فِي آخِرِ أَحْوَالِهِ تَحْقِيقًا لِلْفَضْلِ وَهُوَ نَفْيُ الْحَرَجِ عَنْهُ نَظَرًا لَهُ وَمَرْحَمَةً عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ. [النِّسْيَانُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ] (وَأَمَّا النِّسْيَانُ عَدَمُ الِاسْتِحْضَارِ) لِلشَّيْءِ (فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ) أَيْ حَاجَةِ

النوم من عوارض الأهلية

اسْتِحْضَارِهِ (فَشَمَلَ) هَذَا (النِّسْيَانَ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ وَالسَّهْوَ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُفَرِّقُ) بَيْنَهُمَا وَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ السَّهْوَ زَوَالُ الصُّورَةِ عَنْ الْمُدْرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا فِي الْحَافِظَةِ وَالنِّسْيَانُ زَوَالُهَا عَنْهُمَا مَعًا فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ فِي حُصُولِهَا إلَى سَبَبٍ جَدِيدٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ الْوِجْدَانِيَّاتِ الَّتِي لَا تَفْتَقِرُ إلَى تَعْرِيفٍ بِحَسَبِ الْمَعْنَى فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ النِّسْيَانَ كَمَا يَعْلَمُ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ (فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ) وَلَا وُجُوبَ الْأَدَاءِ (لِكَمَالِ الْعَقْلِ وَلَيْسَ عُذْرًا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ) حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ جَبْرًا لِحَقِّ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَرَمَةٌ لِحَاجَتِهِمْ لَا لِلِابْتِلَاءِ وَبِالنِّسْيَانِ لَا يَفُوتُ هَذَا الِاحْتِرَامُ (وَفِي حُقُوقِهِ تَعَالَى) هُوَ (عُذْرُ سُقُوطِ الْإِثْمِ) كَمَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَضَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. (أَمَّا الْحُكْمُ) الدُّنْيَوِيُّ (فَإِنْ كَانَ) النِّسْيَانُ لِمَا هُوَ فِيهِ حَتَّى فَعَلَ مَا يُنَافِيهِ (مَعَ مُذَكِّرٍ) لَهُ بِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ (وَلَا دَاعٍ) وَالْأَحْسَنُ وَلَا دَاعِيَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ (كَأَكْلِ الْمُصَلِّي) فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا فَإِنَّ هَيْئَةَ الْمُصَلِّي مُذَكِّرَةٌ لَهُ مَانِعَةٌ مِنْ النِّسْيَانِ إذَا لَاحَظَهَا وَدُعَاءُ الطَّبْعِ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ مُنْتَفٍ عَادَةً لِقِصَرِ مُدَّتِهَا فَحِينَئِذٍ (لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُهُ) فَيُفْسِدْ الصَّلَاةَ (لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ سَلَامِهِ فِي الْقَعْدَةِ) الْأُولَى نِسْيَانًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا الْأَخِيرَةُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حُكْمُهُ فَلَا يُفْسِدُهَا لِانْتِفَاءِ الْمُذَكِّرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُصَلِّي هَيْئَةٌ مُذَكِّرَةٌ أَنَّهَا الْأُولَى وَكَثْرَةُ تَسْلِيمِهِ فِي الْقَعْدَةِ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ (أَوْ) كَانَ (لَا مَعَهُ) أَيْ لَا مَعَ مُذَكِّرٍ وَلَكِنْ (مَعَ دَاعٍ) إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ (كَأَكْلِ الصَّائِمِ) فِي حَالِ صَوْمِهِ نَاسِيًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّوْمِ هَيْئَةٌ مُذَكِّرَةٌ بِهِ وَالطَّبْعُ دَاعٍ إلَيْهِ لِطُولِ مُدَّتِهِ (أَوْ) كَانَ (لَا) مَعَ مُذَكِّرٍ (وَلَا) مَعَ دَاعٍ إلَيْهِ (فَأَوْلَى) أَنْ يَسْقُطَ حُكْمُهُ (كَتَرْكِ الذَّابِحِ التَّسْمِيَةَ) فَإِنَّهُ لَا دَاعِيَ إلَى تَرْكِهَا وَلَيْسَ ثَمَّةَ مَا يُذَكِّرُ إخْطَارَهَا بِالْبَالِ أَوْ إجْرَاءَهَا عَلَى اللِّسَانِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ قُلْتُ وَيُشْكِلُ الْأَوَّلُ بِتَعْلِيلِهِمْ حَلَّهَا بِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْحَيَوَانِ يُوجِبُ خَوْفًا وَهَيْبَةً وَيَتَغَيَّرُ حَالُ الْبَشَرِيَّةِ غَالِبًا لِنُفُورِ الطَّبْعِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يُحْسِنُ الذَّبْحَ كَثِيرٌ خُصُوصًا مَنْ كَانَ طَبْعُهُ رَقِيقًا يَتَأَلَّمُ بِإِيذَاءِ الْحَيَوَانِ فَيَشْتَغِلُ الْقَلْبُ بِهِ فَيَتَمَكَّنُ النِّسْيَانُ مِنْ التَّسْمِيَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَيُنَاقَشُ الثَّانِي بِأَنَّ هَيْئَةَ إضْجَاعِهَا وَبِيَدِهِ الْمُدْيَةُ لِقَصْدِ إزْهَاقِ رُوحِهَا مُذَكِّرَةٌ لَهُ بِالتَّسْمِيَةِ فَالْأَوْلَى التَّوْجِيهُ بِمَا قَالُوهُ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى إبْدَاءُ حِكْمَةٍ وَإِلَّا فَالْمُفْزِعُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ السَّمْعِيُّ كَمَا عُرِفَ فِي الْفُرُوعِ. [النَّوْمُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ] (وَأَمَّا النَّوْمُ فَفَتْرَةُ تَعْرُضُ مَعَ) قِيَامِ (الْعَقْلِ تُوجِبُ الْعَجْزَ عَنْ إدْرَاكِ الْمَحْسُوسَاتِ وَالْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَاسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ فَالْفَتْرَةُ هِيَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ انْحِبَاسُ الرُّوحِ مِنْ الظَّاهِرِ إلَى الْبَاطِنِ وَهَذِهِ الرُّوحُ بِوَاسِطَةِ الْعُرُوقِ الضَّوَارِبِ تَنْتَشِرُ إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَقَدْ تَنْحَجِرُ) أَيْ تَنْحَبِسُ (فِي الْبَاطِنِ بِأَسْبَابٍ مِثْلِ طَلَبِ الِاسْتِرَاحَةِ مِنْ كَثْرَةِ الْحَرَكَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِتَأْثِيرٍ فِي الْبَاطِنِ كَنُضْجِ الْغِذَاءِ) وَلِذَا يَغْلِبُ النَّوْمُ عِنْدَ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ (وَنَحْوِهِ) كَأَنْ يَكُونَ الرُّوحُ قَلِيلًا نَاقِصًا فَلَا يَفِي بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا وَلِنُقْصَانِهِ وَزِيَادَتِهِ أَسْبَابٌ طَبِيعِيَّةٌ وَالْإِعْيَاءُ مَعْنَاهُ نُقْصَانُ الرُّوحِ بِالتَّحَلُّلِ بِسَبَبِ الْحَرَكَةِ وَمِثْلُ الرُّطُوبَةِ وَالثِّقَلِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ فَيَمْنَعُهُ عَنْ سُرْعَةِ الْحَرَكَةِ كَمَا يَغْلِبُ فِي الْحَمَّامِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ وَتَنَاوُلِ الشَّيْءِ الْمُرَطَّبِ لِلدِّمَاغِ فَإِذَا رَكَدَتْ الْحَوَاسُّ بِسَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ بَقِيَتْ النَّفْسُ فَارِغَةً عَنْ شُغْلِ الْحَوَاسِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَزَالُ مَشْغُولَةً بِالتَّفَكُّرِ فِيمَا تُورِدُهُ الْحَوَاسُّ عَلَيْهَا فَإِذَا وَجَدَتْ فُرْصَةَ الْفَرَاغِ ارْتَفَعَ عَنْهَا الْمَانِعُ فَتَتَّصِلُ بِالْجَوَاهِرِ الرُّوحَانِيَّةِ الْمُنْتَقَشُ فِيهَا الْمَوْجُودَاتُ كُلُّهَا الْمُعَبِّرِ عَنْهَا بِاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَانْطَبَعَ فِيهَا مَا فِيهَا وَهُوَ الرُّؤْيَا فَإِنْ لَمْ تَتَصَرَّفْ الْقُوَّةُ الْمُخَيِّلَةُ الْحَاكِيَةُ لِلْأَشْيَاءِ بِتَمْثِيلِهَا صَدَقَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَا بِعَيْنِهَا وَلَا تَعْبِيرَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُخَيِّلَةُ غَالِبَةً أَوْ إدْرَاكُ النَّفْسِ لِلصُّوَرِ ضَعِيفًا بَدَّلَتْ الْمُخَيِّلَةُ مَا رَأَتْهُ بِمِثَالٍ كَالرَّجُلِ بِشَجَرَةٍ وَنَحْوِهِ، وَهِيَ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى التَّعْبِيرِ وَالْمُرَادُ بِالرُّوحِ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُرَكَّبٌ مِنْ بُخَارٍ وَأَخْلَاطٍ مُفْضِيَةٍ لِلْقَلْبِ وَهُوَ مَرْكَبُ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ وَالْحَيَوَانِيَّة وَبِهَا تَصِلُ الْقُوَى الْحَاسَّةُ إلَى آلَاتِهَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَكَانَ الْأَوْلَى

تَقْيِيدَ الْفَتْرَةِ بِالطَّبِيعِيَّةِ لِيَخْرُجَ الْإِغْمَاءُ وَقَيَّدَ الْأَفْعَالَ بِالِاخْتِيَارِيَّةِ أَيْ الصَّادِرَةِ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ لِبَقَاءِ الْحَرَكَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ كَالتَّنَفُّسِ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ النَّوْمُ رِيحٌ تَأْتِي الْحَيَوَانَ إذَا شَمَّهَا ذَهَبَتْ حَوَاسُّهُ كَمَا تُذْهِبُ الْخَمْرُ بِعَقْلِ شَارِبِهَا وَقِيلَ انْعِكَاسُ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ إلَى الْبَاطِنَةِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يَرَى الرُّؤْيَا قِيلَ وَلَهُ أَرْبَعُ عَلَامَاتٍ: فَقَدْ الشُّعُورُ حَتَّى لَوْ مَسَّهُ إنْسَانٌ لَمْ يُحِسَّ بِهِ، وَاسْتِرْخَاءُ الْأَعْضَاءِ فَلَوْ قَبَضَ دَرَاهِمَ ثُمَّ نَعَسَ فَسَقَطَتْ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهَا دَلَّ عَلَى نَوْمِهِ، وَأَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ كَلَامُ الْحَاضِرِينَ فَلَا يَدْرِي مَا قَالُوا، وَأَنْ يَرَى فِي نَوْمِهِ رُؤْيَا، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ فِي هَذَا قُصُورًا (فَأَوْجَبَ تَأْخِيرَ خِطَابِ الْأَدَاءِ) إلَى زَوَالِهِ لِامْتِنَاعِ الْفَهْمِ وَإِيجَادِ الْفِعْلِ حَالَةَ النَّوْمِ (لَا) تَأْخِيرَ (أَصْلِ الْوُجُوبِ) وَلَا إسْقَاطَهُ حَالَتَئِذٍ لِعَدَمِ إخْلَالِهِ بِالذِّمَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَلِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ حَقِيقَةً بِالِانْتِبَاهِ أَوْ خَلَفًا بِالْقَضَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَالْعَجْزُ عَنْ الْأَدَاءِ إنَّمَا يُسْقِطُ الْوُجُوبَ حَيْثُ يَتَحَقَّقُ الْحَرَجُ بِتَكْثِيرِ الْوَاجِبِ وَامْتِدَادِ الزَّمَانِ وَالنَّوْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ عَادَةً (وَلِذَا) أَيْ وَلِوُجُودِ أَصْلِ الْوُجُوبِ حَالَةَ النَّوْمِ (وَجَبَ الْقَضَاءُ) لِلصَّلَاةِ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا وَهُوَ نَائِمٌ (إذَا زَالَ) النَّوْمُ (بَعْدَ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ وُجُودِ الْوُجُوبِ فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَقَدَّمْنَا فِي مَسْأَلَةِ تَثَبُّتِ السَّبَبِيَّةِ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُوَسَّعًا فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ أَنَّ أَبَا الْمُعِينِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً عِبَادَةٌ تَلْزَمُهُ بَعْدَ حُدُوثِ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ وَمَا لَهُ فِي هَذَا وَمَا عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ (وَ) أَوْجَبَ (إبْطَالُ عِبَارَاتِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَالطَّلَاقِ) وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهَا (وَلَمْ تُوصَفُ) عِبَارَاتُهُ (بِخَبَرٍ وَإِنْشَاءٍ وَصِدْقٍ، وَكَذِبٍ كَالْأَلْحَانِ) أَيْ كَمَا لَا يُوصَفُ بِهَا أَصْوَاتُ الطُّيُورِ لِانْتِفَاءِ الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ (فَلِذَا) أَيْ إبْطَالُ النَّوْمِ عِبَارَاتُ النَّائِمِ (اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي جَمَاعَةٍ (أَنَّ قِرَاءَتَهُ لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ) وَنَصَّ فِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ. لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطُ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَفِي النَّوَادِرِ تَنُوبُ) وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّائِمَ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْمُصَلِّي وَالْقِرَاءَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَجَازَ أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا مَعَ النَّوْمِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ إنَّهُ الْأَوْجُهُ وَالِاخْتِيَارُ الْمَشْرُوطُ قَدْ وُجِدَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَافٍ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ ذَاهِلًا عَنْ فِعْلِهِ كُلَّ الذُّهُولِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ اهـ قُلْتُ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ حَالَةَ النَّوْمِ يُجْزِئُهُ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَفِي الْمُبْتَغَى رَكَعَ وَهُوَ نَائِمٌ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ أَصْلِيَّانِ لَا يَسْقُطَانِ بِحَالٍ بِخِلَافِهَا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا مُؤَثِّرٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا دُونَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَفِي هَذَا مَزِيدُ بَحْثٍ وَفَوَائِدُ أَوْرَدْته فِي كِتَابِي حَلْبَةِ الْمُجِلِّي فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي ثُمَّ عَطَفَ عَلَى أَنَّ قِرَاءَتَهُ (وَأَنْ لَا تُفْسِدَ قَهْقَهَتُهُ الْوُضُوءَ وَلَا الصَّلَاةَ وَإِنْ قِيلَ إنَّ أَكْثَرَ الْمُتَأَخِّرِينَ) وَفِي الْمُغْنِي عَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّ قَهْقَهَتَهُ (تُفْسِدُهُمَا) أَيْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَمَّا الْوُضُوءُ فَلِثُبُوتِ كَوْنِهَا حَدَثًا فِي صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ بِالنَّصِّ وَقَدْ وُجِدَتْ وَلَا فَرْقَ فِي الْإِحْدَاثِ بَيْنَ النَّوْمِ وَالْيَقِظَةِ قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَدَثِ الْحَقِيقِيِّ، وَهِيَ حَدَثٌ حُكْمِيٌّ ثَابِتٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ الْمُسْتَيْقِظِ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ وَهُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ الْخَاصَّةِ بِخُصُوصِ هَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِيهَا نَائِمًا فَلَا يَكُونُ حَدَثًا وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلِأَنَّ فِي الْقَهْقَهَةِ مَعْنَى الْكَلَامِ وَالنَّوْمُ كَالْيَقِظَةِ فِيهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَوَجْهُ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ وَقَدْ نَصَّ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ زَوَالُ مَعْنَى الْجِنَايَةِ بِالنَّوْمِ ثُمَّ النَّوْمُ يُبْطِلُ حُكْمَ الْكَلَامِ وَهُوَ مَخْدُوشٌ بِمَا تَرَاهُ (وَتَفْرِيعُ النَّوَازِلِ الْفَسَادُ بِكَلَامِ النَّائِمِ عَلَيْهِ) أَيْ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ. (لِعَدَمِ فَرْقِ النَّصِّ) وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» (بَيْنَ الْمُسْتَيْقِظِ وَالنَّائِمِ وَإِنْزَالُ النَّائِمِ كَالْمُسْتَيْقِظِ) شَرْعًا لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ بَاهَى اللَّهُ بِهِ مَلَائِكَتَهُ فَيَقُولُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي وَجَسَدُهُ بَيْنَ يَدَيَّ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي عِلَلِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ لَا يَثْبُتُ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ مَشَى

الإغماء من عوارض الأهلية

عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا وَنَصَّ فِي الْوَلْوَالِجِيَّة عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُفْسِدُ الْوُضُوءَ لَا الصَّلَاةَ) وَتَقَدَّمَ وَجْهُ كُلٍّ بِمَا عَلَيْهِ (فَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي) عَلَى صَلَاتِهِ كَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ (وَقِيلَ عَكْسُهُ) أَيْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا وُضُوءُهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ لِلْفَتَاوَى وَفِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا (وَهُوَ أَقْرَبُ عِنْدِي؛ لِأَنَّ جَعْلَهَا حَدَثًا لِلْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ النَّائِمِ) لِعَدَمِ الْقَصْدِ (فَبَقِيَ) الْقَهْقَهَةُ بِمَعْنَى الضَّحِكِ أَوْ الْفِعْلِ (كَلَامًا بِلَا قَصْدٍ فَتَفْسُدُ) الصَّلَاةُ بِهِ (كَالسَّاهِي بِهِ) أَيْ بِالْكَلَامِ. [الْإِغْمَاءُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ] (وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ فَآفَةٌ فِي الْقَلْبِ أَوْ الدِّمَاغِ تُعَطِّلُ الْقُوَى الْمُدْرِكَةَ وَالْمُحَرِّكَةَ عَنْ أَفْعَالِهَا مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ مَغْلُوبًا) وَإِيضَاحُهُ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ مُلَخَّصًا قَرِيبًا أَنَّهُ يَنْبَعِثُ عَنْ الْقَلْبِ بُخَارٌ لَطِيفٌ يَتَكَوَّنُ مِنْ أَلْطَفِ أَجْزَاءِ الْأَغْذِيَةِ يُسَمَّى رُوحًا حَيَوَانِيًّا وَقَدْ أُفِيضَتْ عَلَيْهِ قُوَّةٌ تَسْرِي بِسَرَيَانِهِ فِي الْأَعْصَابِ السَّارِيَةِ فِي أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ فَتُثِيرُ فِي كُلِّ عُضْوٍ قُوَّةً تَلِيقُ بِهِ وَيَتِمُّ بِهَا مَنَافِعُهُ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى مُدْرِكَةٍ وَهِيَ الْحَوَاسُّ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ، وَمُحَرِّكَةٌ وَهِيَ الَّتِي تُحَرِّكُ الْأَعْضَاءَ بِتَمْدِيدِ الْأَعْصَابِ وَإِرْخَائِهَا لِتَنْبَسِطَ إلَى الْمَطْلُوبِ أَوْ تَنْقَبِضَ عَنْ الْمُنَافِي فَمِنْهَا مَا هِيَ مَبْدَأُ الْحَرَكَةِ إلَى جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَتُسَمَّى قُوَّةً شَهْوَانِيَّةً وَمِنْهَا مَا هِيَ مَبْدَأُ الْحَرَكَةِ إلَى دَفْعِ الْمَضَارِّ وَتُسَمَّى قُوَّةً غَضَبِيَّةً وَأَكْثَرُ تَعَلُّقِ الْمُدْرِكَةِ بِالدِّمَاغِ وَالْمُحَرَّكَةِ بِالْقَلْبِ فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْقَلْبِ أَوْ الدِّمَاغِ آفَةٌ بِحَيْثُ تَتَعَطَّلُ تِلْكَ الْقُوَى عَنْ أَفْعَالِهَا وَإِظْهَارِ آثَارِهَا كَانَ ذَلِكَ إغْمَاءً فَهُوَ مَرَضٌ لَا زَوَالٌ لِلْعَقْلِ كَالْجُنُونِ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْعَقْلُ غَيْرَ بَاقٍ (عُصِمَ مِنْهُ الْأَنْبِيَاءُ) كَمَا عُصِمُوا مِنْ الْجُنُونِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ (وَهُوَ) أَيْ الْإِغْمَاءُ (فَوْقَ النَّوْمِ) فِي الْعَارِضِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ حَالَةٌ طَبِيعِيَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ حَتَّى عَدَّهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْحَيَوَانِ اسْتِرَاحَةً لِقُوَاهُ، وَالْإِغْمَاءُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ أَشَدَّ فِي الْعَارِضِيَّةِ وَفِي سَلْبِ الِاخْتِيَارِ وَتَعَطُّلِ الْقُوَى فَإِنَّهُمَا فِي الْإِغْمَاءِ أَشَدُّ فَإِنَّ مَوَادَّهُ غَلِيظَةٌ بَطِيئَةُ التَّحَلُّلِ وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّنَبُّهُ وَيَبْطُؤُ الِانْتِبَاهُ بِخِلَافِ النَّوْمِ فَإِنَّ سَبَبَهُ تَصَاعُدُ أَبْخِرَةٍ لَطِيفَةٍ سَرِيعَةِ التَّحَلُّلِ إلَى الدِّمَاغِ فَلِذَا يَتَنَبَّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ (فَلَزِمَهُ) أَيْ الْإِغْمَاءُ مِنْ إيجَابِ تَأْخِيرِ الْخِطَابِ وَإِبْطَالِ الْعِبَادَاتِ (مَا لَزِمَهُ) أَيْ النَّوْمُ مِنْ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى (وَزِيَادَةُ كَوْنِهِ) أَيْ الْإِغْمَاءِ (حَدَثًا وَلَوْ فِي جَمِيعِ حَالَاتِ الصَّلَاةِ) مِنْ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقُعُودٍ وَاضْطِجَاعٍ لِزَوَالِ الْمُسْكَةِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَمَنَعَ الْبِنَاءَ) إذَا وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ (بِخِلَافِ النَّوْمِ فِي الصَّلَاةِ مُضْطَجِعًا) بِأَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَاضْطَجَعَ فِي حَالَةِ نَوْمِهِ (لَهُ الْبِنَاءُ) إذَا تَوَضَّأَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِغْمَاءَ نَادِرٌ وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ النَّوْمِ وَالنَّصُّ بِجَوَازِ الْبِنَاءِ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْحَدَثِ الْغَالِبُ الْوُقُوعِ وَلَوْ تَعَمَّدَ النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ مُضْطَجِعًا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَيَّدَ بِالِاضْطِجَاعِ؛ لِأَنَّ نَوْمَ الْمُصَلِّي غَيْرُ مُضْطَجِعٍ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ هَذَا وَالْإِغْمَاءُ إذَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِاعْتِبَارِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبِاعْتِبَارِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَاةُ اسْتِحْسَانًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجُنُونِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إذَا اسْتَوْعَبَ وَقْتَ صَلَاةٍ سَقَطَتْ بِهِ بِخِلَافِ النَّوْمِ ثُمَّ فِي الْمُحِيطِ لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ حَصَلَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ وَالتَّرْفِيهَ اهـ وَفِي تَسْمِيَةِ هَذَا إغْمَاءً مُسَاهَلَةٌ بَلْ هَذَا سُكْرٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَفِيهِ أَيْضًا. وَلَوْ شَرِبَ الْبَنْجَ أَوْ الدَّوَاءَ حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ مَتَى كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمَا هُوَ مُبَاحٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِمَرَضٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي إغْمَاءٍ حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا فِي إغْمَاءٍ حَصَلَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ مَتَى جَاءَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لَا يُسْقِطُ الْحَقَّ وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ وَالْفَزَعَ إنَّمَا يَجِيءُ لِضَعْفِ قَلْبِهِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمَرَضِ ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يُفِقْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَصْلًا هَذِهِ الْمُدَّةَ فَإِنْ كَانَ يُفِيقُ سَاعَةً ثُمَّ يُعَاوِدُهُ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا إنْ كَانَ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَهِيَ إفَاقَةٌ مُعْتَبَرَةٌ يَبْطُلُ حُكْمُ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْإِغْمَاءِ إنْ كَانَ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ ثَانِيهِمَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَقْتٌ

الرق من عوارض الأهلية

مَعْلُومٌ بَلْ يُفِيقُ بَغْتَةً فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ بَغْتَةً فَهَذِهِ إفَاقَةٌ مُعْتَبَرَةٌ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الرِّقُّ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ] (وَأَمَّا الرِّقُّ) فَهُوَ لُغَةً الضَّعْفُ وَمِنْهُ صَوْتٌ رَقِيقٌ وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ (فَعَجْزٌ حُكْمِيٌّ عَنْ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَمَالِكِيَّةِ الْمَالِ) وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِهَا (كَائِنٌ عَنْ جَعْلِهِ) أَيْ الْمَرْقُوقِ (شَرْعًا عُرْضَةً) أَيْ مَحَلًّا مَنْصُوبًا مُتَهَيِّئًا (لِلتَّمَلُّكِ وَالِابْتِذَالِ) أَيْ الِامْتِهَانِ وَقَيَّدَ بِالْحُكْمِيِّ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَرِقَّاءِ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْحِرَفِيِّ الْقَوِيِّ الْحِسِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْبَدَنِ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا ثُمَّ هُوَ حَقُّ اللَّهِ ابْتِدَاءً بِمَعْنَى أَنَّهُ يَثْبُتُ جَزَاءً لِلْكُفْرِ فَإِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا اسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَأَلْحَقُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْبَهَائِمِ فِي عَدَمِ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ فِي آيَاتِ التَّوْحِيدِ جَازَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِجَعْلِهِمْ عَبِيدَ عَبِيدِهِ مُتَمَلَّكِينَ مُبْتَذَلِينَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهَائِمِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً ثُمَّ صَارَ حَقًّا لِلْعَبْدِ بَقَاءً بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الرَّقِيقَ مِلْكًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَعْنَى الْجَزَاءِ وَجِهَةِ الْعُقُوبَةِ حَتَّى إنَّهُ يَبْقَى رَقِيقًا وَإِنْ أَسْلَمَ وَاتَّقَى (فَلَا يَتَجَزَّأُ الرِّقُّ) قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ بِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ ثُبُوتًا حَتَّى لَوْ فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً وَرَأَى الصَّوَابَ فِي اسْتِرْقَاقِ أَنْصَافِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ (لِاسْتِحَالَةِ قُوَّةِ الْبَعْضِ الشَّائِعِ) مِنْ الْمَحَلِّ (بِاتِّصَافِهِ بِالْوِلَايَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ) دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ (فَكَذَا ضِدُّهُ) أَيْ الرِّقِّ (وَهُوَ الْعِتْقُ) لَا يَتَجَزَّأُ أَيْضًا اتِّفَاقًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَيْضًا (وَإِلَّا) لَوْ تَجَزَّأَ الْعِتْقُ (تَجَزَّأَ) الرِّقُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي بَعْضِ الْمَحَلِّ شَائِعًا فَالْبَعْضُ الْآخَرُ إنْ عَتَقَ فَلَا تُجْزِئُ مَعَ فَرْضِ أَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ هَذَا خَلَفٌ وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ لَزِمَ الْمُحَالُ الْمَذْكُورُ (وَكَذَا الْإِعْتَاقُ عِنْدَهُمَا) لَا يَتَجَزَّأُ فَإِذَا أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَتَقَ كُلُّهُ. (وَإِلَّا) لَوْ تَجَزَّأَ (ثَبَتَ الْمُطَاوَعُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ (بِلَا مُطَاوِعٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهُوَ الْعِتْقُ (إنْ لَمْ يَنْزِلْ) أَيْ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ (شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُطَاوِعُ الْإِعْتَاقِ وَلَازِمُهُ يُقَالُ أَعْتَقْته فَعَتَقَ كَكَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ وَالْمُطَاوَعَةُ حُصُولُ الْأَثَرِ عَنْ تَعَلُّقِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي بِمَفْعُولِهِ وَأَثَرُ الشَّيْءِ لَازِمٌ لَهُ (وَقَلْبُهُ) أَيْ وَثَبَتَ الْمُطَاوِعُ بِكَسْرِ الْوَاوِ بِلَا مُطَاوَعٍ بِفَتْحِهَا (إنْ نَزَلَ) أَيْ عَتَقَ (كُلُّهُ) ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ وَلَا يَنْزِلُ بَعْضُهُ بِإِعْتَاقِ بَعْضِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ تَجَزُّؤِ الْعِتْقِ (وَتَجَزَّأَ) الْإِعْتَاقُ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِعْتَاقَ (إزَالَةُ الْمِلْكِ الْمُتَجَزِّئِ) اتِّفَاقًا (حَتَّى صَحَّ شِرَاءُ بَعْضِهِ وَبَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ بَعْضِهِ (وَإِنْ تَعَلَّقَ بِتَمَامِهِ) أَيْ الْإِعْتَاقُ (مَا لَا يَتَجَزَّأُ) وَهُوَ الْعِتْقُ فَإِنْ وَصْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ (كَالْوُضُوءِ تَعَلَّقَ بِتَمَامِهِ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَهُوَ) أَيْ الْوُضُوءُ (مُنْجَزٌ دُونَهَا) أَيْ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ (وَالْمُطَاوَعَةُ فِي أَعْتَقَهُ فَعَتَقَ) إنَّمَا هِيَ (عِنْدَ إضَافَتِهِ) أَيْ الْإِعْتَاقِ (إلَى كُلِّهِ كَمَا هُوَ اللَّفْظُ) أَيْ أَعْتَقَهُ (فَلَا يَثْبُتُ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ شَيْءٌ مِنْ الْعِتْقِ) إذْ لَوْ ثَبَتَ الْعِتْقُ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ تَجَزُّؤِ الْعِتْقِ وَثُبُوتِهِ فِي الْكُلِّ حِينَئِذٍ بِلَا سَبَبٍ مَعَ تَضَرُّرِ الْمَوْلَى بِذَلِكَ (وَلَا) يَثْبُتُ أَيْضًا بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ (زَوَالُ شَيْءٍ مِنْ الرِّقِّ عِنْدَهُ) لَكِنْ مِنْ الْمِلْكِ (بَلْ هُوَ) أَيْ مُعْتَقُ الْبَعْضِ (كَالْمُكَاتَبِ) فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ سَائِرُ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ مُعْتَقَ الْبَعْضِ (لَا يُرَدُّ) إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى أَحَدٍ، وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ (فَأَثَرُهُ) أَيْ إعْتَاقِ الْبَعْضِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ إزَالَةُ بَعْضِ الْمِلْكِ (فِي فَسَادِ الْمِلْكِ) فِي الْبَاقِي حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمَوْلَى بَيْعَ مُعْتَقِ الْبَعْضِ وَلَا إبْقَاءَهُ فِي مِلْكِهِ وَيَصِيرُ هُوَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَيَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ. (وَهَذَا) إنَّمَا كَانَ (لِوُجُوبِ قَصْرِ مُلَاقَاةِ التَّصَرُّفِ حَقَّ الْمُتَصَرِّفِ) لَا حَقَّ غَيْرِهِ (إلَّا ضِمْنًا كَمَا فِي إعْتَاقِ الْكُلِّ) فَإِنَّ فِيهِ إزَالَةَ حَقِّ الْعَبْدِ قَصْدًا وَأَصْلًا وَلَزِمَ مِنْهُ زَوَالُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ضِمْنًا وَتَبَعًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّعَقُّبِ لِمَنْ قَالَ مِنْ مَشَايِخِنَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْإِعْتَاقِ بِأَنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ بِمَا ذَكَرَهُ ثَمَّةَ لَيْسَ بِتَعَقُّبٍ سَدِيدٍ وَيَزْدَادُ لَدَى النَّاظِرِ وُضُوحًا بِمُرَاجَعَةِ أَوَائِلِ بَابِ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَالرِّقُّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) ابْتِدَاءً (وَالْمِلْكُ

حَقُّهُ) أَيْ الْعَبْدِ بَقَاءً كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَنَّهُ) أَيْ الرِّقَّ (يُنَافِي مِلْكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّقِيقَ (مَمْلُوكٌ مَالًا فَاسْتَلْزَمَ) كَوْنُهُ مَمْلُوكًا مَالًا (الْعَجْزَ وَالِابْتِذَالَ) ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ الْمَالِيَّةَ تُنَبِّئُ عَنْهُمَا (وَالْمَالِكِيَّةُ تَسْتَلْزِمُ ضِدَّهُمَا) أَيْ الْعَجْزِ وَالِابْتِذَالَ وَضِدَّاهُمَا الْقُدْرَةُ وَالْكَرَامَةُ لِإِنْبَائِهَا عَنْهُمَا (وَتَنَافِي اللَّوَازِمَ يُوجِبُ تَنَافِيَ الْمَلْزُومَاتِ فَلَا يَجْتَمِعُ إلَى مَمْلُوكِيَّتِهِ مَالًا مَالِكِيَّتُهُ لِلْمَالِ فَلَا يَتَسَرَّى) الرَّقِيقُ الْأَمَةَ (وَلَوْ مَلَكَهَا) حَالَ كَوْنِهِ (مُكَاتَبًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ) أَيْ الْمَالِ (مِنْ النِّكَاحِ) فَإِنَّهُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ (لِأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ حَتَّى انْعَقَدَ) إنْكَاحُهُ نَفْسَهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمَوْلَى. (وَشَرَطَ الشَّهَادَةَ عِنْدَهُ) أَيْ الْعَقْدِ (لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَإِنَّمَا وَقَفَ إلَى إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ عَقْدَ النِّكَاحِ (لَمْ يُشْرَعْ إلَّا بِالْمَالِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَيَضُرُّ) الْعَقْدُ (بِهِ) أَيْ بِالْمَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ نُقْصَانِ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَتَعَلَّقُ بِهِ (فَيَتَوَقَّفُ) نَفَاذُ الْعَقْدِ (عَلَى الْتِزَامِهِ) أَيْ الْمَوْلَى بِالْإِذْنِ السَّابِقِ أَوْ الْإِمْضَاءِ اللَّاحِقِ (وَ) مِنْ (الدَّمِ لِمِلْكِهِ الْحَيَاةَ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى الْبَقَاءِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ إلَّا بِبَقَائِهَا (فَلَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إتْلَافَهُ) أَيْ دَمَهُ إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ (وَقَتْلَ الْحُرِّ بِهِ) أَيْ بِالْعَبْدِ قِصَاصًا فِي الْعَمْدِ (وَوُدِيَ) أَيْ وَفُدِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهَا فِي الْخَطَأِ (وَصَحَّ إقْرَارُهُ) أَيْ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ مَحْجُورًا (بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) أَيْ بِالْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهُمَا لِمُلَاقَاةِ حَقِّ نَفْسِهِ قَصْدًا فَيَصِحُّ مِنْهُ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ لُزُومُ إتْلَافِ مَالِيَّتِهِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهِ ضِمْنِيًّا فَانْتَفَى نَفْيُ زُفَرَ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِكَوْنِهِ وَارِدًا عَلَى نَفْسِهِ وَطَرَفِهِ وَكِلَاهُمَا مَالُ الْمَوْلَى وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِضَمَانِ الْمَالِ فَإِنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِهِ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا وَبَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا (وَالسَّرِقَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ) أَيْ وَبِسَرِقَةِ مَالٍ غَيْرِ قَائِمٍ بِيَدِهِ (وَالْقَائِمَةِ) أَيْ وَبِسَرِقَةِ مَالٍ قَائِمٍ بِيَدِهِ (فِي الْمَأْذُونِ اتِّفَاقًا وَفِي الْمَحْجُورِ وَالْمَالُ قَائِمٌ) بِيَدِهِ (كَذَلِكَ) أَيْ صَحَّ إقْرَارُهُ بِهَا (وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى) فِي ذَلِكَ (فَيُقْطَعْ) فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَالْحُرِّ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ مَحْجُورًا. (وَيَرُدَّ) الْمَالَ إذَا كَانَ قَائِمًا أَمَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا فَلِأَنَّهُ لَاقَى حَقَّ نَفْسِهِ وَهُوَ الْكَسْبُ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ فِيهِ فَيَصِحُّ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَحْجُورًا فَلِسُقُوطِ حَقِّ الْمَوْلَى فِيهِ بِتَصْدِيقِهِ (وَلَا ضَمَانَ فِي الْهَالِكَةِ) صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا (وَإِنْ قَالَ) الْمَوْلَى (الْمَالُ لِي) فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا وَالْمَالُ قَائِمٌ (فَلِأَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ دَمِ نَفْسِهِ (وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنُ الْمَالِ لِلْمَوْلَى هُوَ (الظَّاهِرُ) تَبَعًا لِرَقَبَتِهِ (وَقَدْ) يَنْفَصِلُ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ عَنْ الْآخَرِ إذْ قَدْ (يُقْطَعُ بِلَا وُجُوبِ مَالٍ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ) أَيْ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ (وَعَكْسُهُ) أَيْ وَيَجِبُ الْمَالُ وَلَا يُقْطَعُ كَمَا (إذَا شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ شَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرَّجُلِ تُقْبَلُ فِي الْمَالِ لَا فِي الْحُدُودِ (وَلِمُحَمَّدٍ لَا) يُقْطَعُ (وَلَا يَرُدُّ) الْمَالَ (لِمَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ) مِنْ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ بَاطِلٌ لِكَوْنِهِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَبْقَى الْمَالُ لِلْمَوْلَى (وَلَا قَطْعَ) عَلَى الْعَبْدِ (بِمَالِ السَّيِّدِ) أَيْ بِسَرِقَتِهِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ يُقْطَعُ وَيَرُدُّ) الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ (الْقَطْعُ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَيَسْتَحِيلُ) الْقَطْعُ (بِمَمْلُوكٍ لِلسَّيِّدِ فَقَدْ كَذَّبَهُ) أَيْ الْمَوْلَى (الشَّرْعُ وَالْمَقْطُوعُ) مِنْ الشَّرْعِ (انْحِطَاطُهُ) أَيْ الرَّقِيقِ (بِالْحَجْرِ) مِنْ الشَّرْعِ (فِي أُمُورٍ إجْمَاعِيَّةٍ مِمَّا ذَكَرْنَا) مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ (فَمَا اسْتَلْزَمَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْإِجْمَاعِيَّةِ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ نَفْسِهِ (كَعَدَمِ مَالِكِيَّةِ الْمَالِ أَوْ قَامَ بِهِ سَمْعٌ حُكِمَ بِهِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ انْحِطَاطُ ذِمَّتِهِ) عَنْ تَحَمُّلِ الدَّيْنِ لِضَعْفِهَا. ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَالٌ بِالرِّقِّ كَأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنْسَانٌ مُكَلَّفٌ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذِمَّةٌ إذْ التَّكْلِيفُ لَا يَكُونُ بِدُونِهَا فَثَبَتَتْ لَهُ مَعَ الضَّعْفِ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيَتِهَا لِتَحَمُّلِ الدَّيْنِ بِانْضِمَامِ مَالِيَّةِ

الرَّقَبَةِ أَوْ الْكَسْبِ إلَيْهَا فَلَا يُطَالَبُ بِدُونِ انْضِمَامِ أَحَدِهِمَا إلَيْهَا إذْ لَا مَعْنَى لِاحْتِمَالِهَا الدَّيْنَ إلَّا صِحَّةُ الْمُطَالَبَةِ فَظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَقْوَ عَلَى ذَلِكَ (حَتَّى ضُمَّ إلَيْهَا) أَيْ ذِمَّتِهِ (مَالِيَّةُ رَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ فَيَبِيعُ فِيمَا يَلْزَمُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَفْدِهِ وَلَا كَسْبَ أَوْ لَمْ يَفِ) كَسْبُهُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ بَيْعُهُ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَحِينَئِذٍ يُسْتَسْعَى وَالدَّيْنُ الَّذِي يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى (كَمَهْرٍ وَدَيْنِ تِجَارَةٍ عَنْ إذْنٍ) لِرِضَا الْمَوْلَى بِذَلِكَ (أَوْ تَبَيَّنَ اسْتِهْلَاكٌ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ (لَا إقْرَارُهُ) أَيْ لَا بِإِقْرَارِهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ حَالَ كَوْنِهِ (مَحْجُورًا) لِوُجُودِ التُّهْمَةِ وَعَدَمِ رِضَا الْمَوْلَى بِذَلِكَ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كَسْبِهِ لَكِنْ يُؤَخَّرُ إلَى عِتْقِهِ (وَحِلُّهُ) أَيْ وَانْحِطَاطُ الْحِلِّ الثَّابِتِ لَهُ بِالنِّكَاحِ عَنْ الْحِلِّ الثَّابِتِ لِلْحُرِّيَّةِ (فَاقْتَصَرَ) حِلُّهُ (عَلَى ثِنْتَيْنِ نِسَاءً) لَهُ حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ مَالِكٌ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي تَنْصِيفِ الْمُتَعَدِّدِ كَأَقْرَاءِ الْعِدَّةِ وَعَدَدِ الطَّلَاقِ وَجَلَدَاتِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ النِّعَمِ بِآثَارِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَقَدْ أَثَّرَ الرِّقُّ فِي نُقْصَانِهَا حَتَّى أُلْحِقَ بِالْبَهَائِمِ يُبَاعُ بِالْأَسْوَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ فَكَذَا أَثَّرَ فِي نُقْصَانِ الْحِلِّ إلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ كَمَا أَثَّرَ فِي الْعُقُوبَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَفِي مُغْنِي ابْنِ قُدَامَةَ وَقَدْ رَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ أَجْمَعُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَيُقَوِّيهِ مَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّاسَ كَمْ يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثِنْتَيْنِ وَطَلَاقُهُ ثِنْتَانِ وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عُمَرَ (وَاقْتَصَرَ) الْحِلُّ (فِيهَا) أَيْ الْأَمَةِ (عَلَى تَقَدُّمِهَا عَلَى الْحُرَّةِ لَا مُقَارِنَةً) لَهَا فِي الْعَقْدِ (وَمُتَأَخِّرَةً) عَنْهَا أَمَّا نَفْيُ حِلِّ تَأَخُّرِهَا عَنْهَا فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَتَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ لَكِنْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ بِالْبَعْضِ قَامَتْ بِالْجَمِيعِ وَأَمَّا نَفْيُ حِلِّ مُقَارَنَتِهَا لَهَا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فَتُغَلَّبُ الْحُرْمَةُ عَلَى الْحِلِّ (وَطَلْقَتَيْنِ) أَيْ وَاقْتَصَرَ مَا بِهِ يَفُوتُ حِلُّهَا وَهُوَ بَيْنُونَتُهَا الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ عَلَى تَطْلِيقِهَا ثِنْتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا إذَا كَانَ حُرًّا (وَحَيْضَتَيْنِ عِدَّةً) أَيْ وَاقْتَصَرَ مَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى وُجُودِ سَبَبِ انْقِطَاعِ حِلِّهَا بِمِلْكِ النِّكَاحِ نَاجِزًا أَوْ مُؤَجَّلًا بِغَيْرِ الْمَوْتِ مِنْ التَّرَبُّصِ الْمَشْرُوعِ لِتَعْظِيمِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهُوَ الْعِدَّةُ عَلَى وُجُودِ حَيْضَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِ السَّبَبِ وَالْحُجَّةُ فِيهِمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَإِنَّمَا كَانَ طَلَاقُهَا ثِنْتَيْنِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَيْنِ (تَنْصِيفًا) لِلثَّابِتِ مِنْهُمَا لِلْحُرَّةِ وَهُوَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَثَلَاثُ حِيَضٍ إذْ كُلُّ مِنْ الطَّلْقَةِ وَالْحَيْضَةِ لَا تَتَنَصَّفُ فَتَكَامَلَ لِرُجْحَانِ جَانِبِ الْوُجُودِ عَلَى الْعَدَمِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ اسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا فَعَلْت رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ (وَكَذَا فِي الْقَسْمِ) نَقَصَ حِلُّهَا حَتَّى اقْتَصَرَ عَلَى النِّصْفِ مِمَّا لِلْحُرَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ وَذَهَبَ فِي أُخْرَى وَأَحْمَدُ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، وَالْحُجَّةُ لِلْأَوَّلِ مَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إذَا نُكِحَتْ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ فَلِهَذِهِ الثُّلُثَانِ وَلِهَذِهِ الثُّلُثُ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ «أَنَّ الْحُرَّةَ إذَا أَقَامَتْ عَلَى ضَرَائِرَ فَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ» أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. (وَعَنْ تَنَصُّفِ النِّعْمَةِ) الَّتِي لِلْحُرِّ فِي حَقِّ الرَّقِيقِ (تَنَصَّفَ حَدُّهُ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ النَّصُّ الْقُرْآنِيُّ السَّابِقُ وَهَذَا فِيمَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ، وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ فَيَتَكَامَلُ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ فِيهِ سَوَاءٌ (وَإِنَّمَا نَقَصَتْ دِيَتُهُ إذَا سَاوَتْ قِيمَتُهُ دِيَةَ الْحُرِّ) كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُؤَدَّى (ضَمَانُ النَّفْسِ وَهُوَ) أَيْ ضَمَانُ النَّفْسِ وَاجِبٌ (بِخَطَرِهَا) أَيْ بِسَبَبِ شَرَفِهَا (وَهُوَ) أَيْ خَطَرُهَا (بِالْمَالِكِيَّةِ لِلْمَالِ وَلِمِلْكِ النِّكَاحِ وَهَذَا) أَيْ مِلْكُ النِّكَاحِ (مُنْتَفٍ فِي الْمَرْأَةِ)

الْحُرَّةِ إذْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ فِيهِ لَا مَالِكَةٌ (فَتَنَصَّفَتْ دِيَتُهَا) عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ الذَّكَرِ (وَثَابِتٌ لِلْعَبْدِ مَعَ نَقْصٍ فِي) مَالِكِيَّةِ (الْمَالِ لِتَحَقُّقِهِ) أَيْ مِلْكِهِ الْمَالَ (يَدًا) أَيْ تَصَرُّفًا (فَقَطْ) أَيْ لَا رَقَبَةً فَلَزِمَ بِوَاسِطَةِ نُقْصَانِ مِلْكِ الْيَدِ نُقْصَانُ شَيْءٍ مِنْ قِيمَتِهِ. (وَلِكَوْنِ مَالِكِيَّةِ الْيَدِ فَوْقَ مَالِكِيَّةِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ مِلْكَ الرَّقَبَةِ هُوَ (الْمَقْصُودُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ شُرِعَ وَسِيلَةً إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمِلْكِ مُكْنَةُ الصَّرْفِ إلَى قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالْيَدُ هُوَ الْمُمَكِّنُ وَالْمُوَصِّلُ إلَيْهِ فَإِنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَإِنْ كَانَ تَامًّا فَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الصَّرْفُ مَعَهُ إلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِ لِبُعْدِهِ أَوْ لِمَانِعٍ آخَرَ (لَمْ يَتَقَدَّرْ نَقْصُ دِيَتِهِ بِالرُّبُعِ) لِانْتِفَاءِ التَّوْزِيعِ الْمُوجِبِ لَهُ (بَلْ لَزِمَ أَنْ يَنْقُصَ بِمَالِهِ خَطَرٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ) إذْ بِهَا يَمْلِكُ الْبُضْعَ الْمُحْتَرَمَ وَتُقْطَعُ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ (وَاعْتُرِضَ) وَالْمُعْتَرِضُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (لَوْ صَحَّ) كَوْنُ الْعِلَّةِ لِنُقْصَانِ دِيَةِ الْعَبْدِ عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ هَذَا (لَمْ تَتَنَصَّفُ أَحْكَامُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (إذْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي كَمَالِهِ إلَّا نُقْصَانُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ) فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ نُقْصَانُهُ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا بِأَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا (وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ مَالِكِيَّةُ النِّكَاحِ) ثَابِتَةً (لَهُ كَمَلًا) أَيْ كَامِلَةً (لَمْ تَنْتَقِصْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالِازْدِوَاجِ كَعَدَدِ الزَّوْجَاتِ وَالْعِدَّةِ وَالْقَسْمِ وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْأُمُورَ (مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى مَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ (وَهِيَ) أَيْ مَالِكِيَّةُ النِّكَاحِ (كَامِلَةٌ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ (بَلْ) إنَّمَا نَقَصَتْ دِيَتُهُ عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ (لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ) أَيْ الْعَبْدِ (الْمَالِيَّةُ) فَلَا يَتَنَصَّفُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ (غَيْرَ أَنَّ فِي الْإِكْمَالِ) لِقِيمَةِ الْعَبْدِ إذَا بَلَغَتْ دِيَةُ الْحُرِّ (شُبْهَةَ الْمُسَاوَاةِ بِالْحُرِّ) وَشُبْهَةُ الشَّيْءِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَقِيقَتِهِ وَكَمَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُسَاوَاةِ مُنْتَفِيَةٌ فَكَذَا شَبَهُهَا (فَنَقَصَ بِمَالِهِ خَطَرٌ وَأُجِيبَ) كَمَا فِي التَّلْوِيحِ (بِأَنَّ نُقْصَانَ الزَّوْجَاتِ لَيْسَ لِنُقْصَانِ خَطَرِ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ الْمَالِكِيَّةُ لِيَلْزَمَ) النُّقْصَانُ (بِأَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ) كَمَا فِي الدِّيَةِ. (بَلْ لِنُقْصَانِ الْحِلِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْكَرَامَةِ وَتَقْدِيرُ النَّقْصِ بِهِ) أَيْ فِي الْحِلِّ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا مُفَوَّضٌ (إلَى الشَّرْعِ فَقَدَّرَهُ بِالنِّصْفِ إجْمَاعًا) وَهُوَ مُشْكِلٌ بِخِلَافِ مَالِكٍ إذَا لَمْ يَثْبُتْ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا بِاعْتِبَارِ خَطَرِ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ) ثَابِتٌ (بِالْمَالِكِيَّةِ وَنُقْصَانُ الرَّقِيقِ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ الرُّبُعِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّقْصَانَ فِي الشَّيْءِ يُوجِبُ النُّقْصَانَ فِي الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ لَا فِي حُكْمٍ لَا يُلَائِمُهُ فَالنُّقْصَانُ فِي الْمَالِكِيَّةِ يُوجِبُ النُّقْصَانَ فِي الدِّيَةِ لَا فِي عَدَدِ الْمَنْكُوحَاتِ وَالنُّقْصَانُ فِي الْحِلِّ بِالْعَكْسِ فَانْتَفَى الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ (وَكَمَالُ مَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ إنْ لَمْ يُوجِبْ نُقْصَانَ عَدَدِهِنَّ) أَيْ الزَّوْجَاتِ (لَا يَنْفِي أَنْ يُوجِبَهُ) أَمْرٌ (آخَرُ هُوَ نُقْصَانُ الْحِلِّ وَلَا تَسْتَقِيمُ الْمُلَازَمَةُ بَيْنَ كَمَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ) فِي الرَّقِيقِ (وَعَدَمِ تَنْصِيفِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالِازْدِوَاجِ فَإِنَّ أَكْثَرَهُ) أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالِازْدِوَاجِ (كَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْقِسْمِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجَةِ وَلَا تَمْلِكُ) الْأَمَةُ (النِّكَاحَ أَصْلًا) فَضْلًا عَنْ كَمَالِ الْمَالِكِيَّةِ فَانْتَفَى الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الِاعْتِرَاضِ أَيْضًا (وَإِنَّمَا قَالَ شُبْهَةُ الْمُسَاوَاةِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ لَوْ وَجَبَتْ وَكَانَتْ ضِعْفَ دِيَةِ الْحُرِّ لَا مُسَاوِيَةً؛ لِأَنَّهَا) أَيْ الْقِيمَةَ (تَجِبُ فِي الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ الْمَمْلُوكِيَّةِ) وَالِابْتِذَالِ (وَفِي الْحُرِّ بِاعْتِبَارِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْكَرَامَةِ) وَالْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي حَقِيقَةً وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ صُورَةً فَلَا مُسَاوَاةَ حَقِيقَةً (وَكَوْنُ مُسْتَحَقِّهِ) أَيْ ضَمَانِ نَفْسِ الْعَبْدِ (السَّيِّدَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ) أَيْ ضَمَانَ نَفْسِهِ (بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ. (أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ السَّيِّدَ (الْمُسْتَحِقَّ لِلْقِصَاصِ بِقَتْلِ عَبْدٍ إيَّاهُ) أَيْ عَبْدِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْقِصَاصُ (بَدَلُ الدَّمِ إجْمَاعًا فَالْحَقُّ أَنَّ مُسْتَحِقَّهُ) أَيْ الضَّمَانِ (الْعَبْدُ وَلِهَذَا يَقْضِي مِنْهُ) أَيْ مِنْ الضَّمَانِ (دَيْنَهُ) أَيْ دَيْنَ الْعَبْدِ (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ (لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ شَرْعًا لِمِلْكِ الْمَالِ خَلَفَهُ الْمَوْلَى) فِيهِ (لِأَنَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ كَالْوَارِثِ وَاخْتُلِفَ فِي أَهْلِيَّتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (لِلتَّصَرُّفِ وَمِلْكِ الْيَدِ فَقُلْنَا نَعَمْ) أَهْلٌ لَهُمَا (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا) أَيْ أَهْلِيَّتَيْ التَّصَرُّفِ وَمِلْكَ الْيَدِ (بِأَهْلِيَّةِ التَّكَلُّمِ وَالذِّمَّةِ مُخَلِّصَةٌ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَالْأُولَى) أَيْ أَهْلِيَّةُ التَّكَلُّمِ (بِالْعَقْلِ) وَهُوَ لَا يَخْتَلُّ بِالرِّقِّ (وَلِذَا) أَيْ عَدَمِ اخْتِلَالِهَا بِالرِّقِّ

(كَانَتْ رِوَايَاتُهُ مُلْزِمَةً الْعَمَلَ لِلْخَلْقِ وَقُبِلَتْ فِي الْهَدَايَا وَغَيْرِهَا) مِنْ الدَّنَايَاتِ (وَالثَّانِيَةُ) أَيْ أَهْلِيَّتُهُ لِلذِّمَّةِ (بِأَهْلِيَّةِ الْإِيجَابِ) عَلَيْهِ (وَالِاسْتِيجَابُ) لَهُ (وَلِذَا) أَيْ لِتَأَهُّلِهِ لِلْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابِ (خُوطِبَ بِحُقُوقِهِ تَعَالَى) وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (وَلَمْ يَصِحَّ شِرَاءُ الْمَوْلَى عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ شَرَطَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُ وَلَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ لَجَازَ كَمَا لَوْ الْتَزَمَ الْمَوْلَى ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ (وَلَا يَمْلِكُ) الْمَوْلَى (أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَوْدَعَ عِنْدَ الْعَبْدِ) وَالْمُنَاسِبُ كَمَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَوْدَعَهُ الْعَبْدُ غَيْرَهُ (وَصِحَّةُ إقْرَارِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (عَلَيْهِ) أَيْ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ (لِمِلْكِ مَالِيَّتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (كَإِقْرَارِ الْوَارِثِ) عَلَى مُوَرِّثِهِ بِالدَّيْنِ (فَهُوَ) أَيْ فَإِقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ (إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا حُجِرَ) الْعَبْدُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ التَّصَرُّفِ مَعَ قِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ (لِحَقِّ الْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَالْكَسْبِ اسْتِيفَاءً وَهُمَا مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ رِضَاهُ فَإِذَا أَذِنَ فَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ. (فَإِذْنُهُ فَكَّ الْحَجْرَ) الثَّابِتَ بِالرِّقِّ (وَرَفْعُ الْمَانِعِ) مِنْ التَّصَرُّفِ حُكْمًا وَإِثْبَاتُ الْيَدِ لَهُ فِي كَسْبِهِ لَا إثْبَاتُ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ لَهُ (كَالنِّكَاحِ) أَيْ كَمِلْكِهِ نِكَاحَ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نَفَاذُهُ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ارْتَفَعَ الْمَانِعُ (فَيَتَصَرَّفُ) بَعْدَ الْإِذْنِ (بِأَهْلِيَّتِهِ) كَالْكِتَابَةِ (لَا إنَابَةً) عَنْ الْمَوْلَى حَتَّى تَكُونَ يَدُهُ فِي إكْسَابِهِ يَدَ نِيَابَةٍ عَنْهُ كَالْمُودِعِ (كَالشَّافِعِيِّ) أَيْ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ لَكَانَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَسَبَبٌ لَهُ وَالسَّبَبُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا لِحِكْمَةٍ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا فَكَذَا الْمَلْزُومُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِاسْتِحْقَاقِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تُسْتَفَادُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ التَّصَرُّفِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَذِنَ) الْمَوْلَى لَهُ (فِي نَوْعٍ) مِنْ التِّجَارَةِ (كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي كُلِّ أَنْوَاعِهَا (وَتَثْبُتُ يَدُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (عَلَى كَسْبِهِ كَالْمُكَاتَبِ وَإِنَّمَا مَلَكَ) الْمَوْلَى (حَجْرَهُ) أَيْ الْمَأْذُونِ لَا الْمُكَاتَبِ (لِأَنَّهُ) أَيْ فَكَّ الْحَجْرَ فِي الْمَأْذُونِ (بِلَا عِوَضٍ) فَلَا يَكُونُ لَازِمًا كَالْهِبَةِ (بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ) فَإِنَّهَا بِعِوَضٍ فَتَكُونُ لَازِمَةً كَالْبَيْعِ ثُمَّ هَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِوُجُودِ فَكِّ الْحَجْرِ الْمَانِعِ مِنْ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّتِهِ فَلَغَا التَّقْيِيدُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَخْتَصُّ بِمَا أَذِنَ فِيهِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لَمَّا كَانَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُ كَالْوَكِيلِ صَارَ مُقْتَصِرًا عَلَى مَا أَذِنَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ إذْنِ الْأَصِيلِ ثُمَّ لِلْمَشَايِخِ فِي ثُبُوتِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي إكْسَابِهِ لِلْمَوْلَى طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ تَصَرُّفَهُ يُفِيدُ ثُبُوتَ مِلْكِ الْيَدِ لَهُ وَثُبُوتَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِمَوْلَاهُ ابْتِدَاءً ثَانِيهِمَا أَنَّ تَصَرُّفَهُ يُفِيدُ ثُبُوتَ كِلَيْهِمَا لَهُ ثُمَّ يَسْتَحِقُّ الْمَوْلَى مِلْكَ الرَّقَبَةِ خِلَافَةً عَنْ الْعَبْدِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهَا وَكَوْنُ الْمَوْلَى أَقْرَبَ النَّاسِ إلَيْهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ. وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى فِيمَا يَشْتَرِيهِ) الْعَبْدُ (وَيَصْطَادُهُ وَيَتَّهِبُهُ لِخِلَافَتِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (عَنْهُ) أَيْ الْعَبْدِ (لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ) لِمِلْكِ رَقَبَةِ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ اصْطَادَهُ أَوْ اتَّهَبَهُ (كَالْوَارِثِ) مَعَ الْمَوْرُوثِ (وَكَوْنُ مِلْكِ التَّصَرُّفِ لَا يُسْتَفَادُ إلَّا مِنْ مِلْكِ الرَّقَبَةِ مَمْنُوعٌ نَعَمْ هُوَ) أَيْ مِلْكُ الرَّقَبَةِ (وَسِيلَةٌ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مِلْكِ التَّصَرُّفِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مِلْكِهَا) أَيْ الرَّقَبَةِ (عَدَمُ الْمَقْصُودِ لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ) لِمِلْكِ التَّصَرُّفِ (وَإِذْ كَانَتْ لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ (ذِمَّةٌ وَعِبَارَةٌ صَحَّ الْتِزَامُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (فِيهَا) أَيْ فِي الذِّمَّةِ (وَوَجَبَ لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ (طَرِيقُ قَضَاءٍ) لِمَا الْتَزَمَهُ (دَفْعًا لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْإِيجَابِ فِي الذِّمَّةِ بِلَا أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ وَأَدْنَاهُ) أَيْ طَرِيقِ الْقَضَاءِ (مِلْكُ الْيَدِ) فَيَلْزَمُ ثُبُوتُهُ لِلْعَبْدِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَلِذَا) أَيْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْيَدِ لِلْعَبْدِ وَكَوْنِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ مُتَلَقًّى مِنْهُ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ دَيْنُهُ) أَيْ الْعَبْدِ الْمُسْتَغْرِقِ لِمَالِهِ (بِمَنْعِ مِلْكِ الْمَوْلَى كَسْبَهُ) لِشُغْلِهِ بِحَاجَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ (وَاخْتُلِفَ فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (فَعِنْدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (لَا) يُقْتَلُ بِهِ قِصَاصًا (لِابْتِنَائِهِ) أَيْ الْقَتْلِ قِصَاصًا (عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْكَرَامَاتِ) ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَهُمَا إذْ الْحُرُّ نَفْسٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْعَبْدُ نَفْسٌ وَمَالٌ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ ابْتِنَاءَ الْقِصَاصِ عَلَيْهَا (بَلْ) الْمَنَاطُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ (فِي عِصْمَةِ الدَّمِ فَقَطْ لِلِاتِّفَاقِ

عَلَى إهْدَارِهِ) أَيْ التَّسَاوِي فِي الْقِصَاصِ (فِي الْعِلْمِ وَالْجَمَالِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ) وَالشَّرَفِ (وَهُمَا) أَيْ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ (مُسْتَوِيَانِ فِيهَا) أَيْ عِصْمَةِ الدَّمِ (وَيُنَافِي) الرِّقُّ (مَالِكِيَّةَ مَنَافِعِ الْبَدَنِ) إجْمَاعًا. (إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ إلَّا نَحْوُ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ) فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِهِ نَظَرًا لِلْمَوْلَى فَبَقِيَتْ مَنَافِعُهُ عَلَى مِلْكِهِ (بِالنَّصِّ لِلْمَالِ) فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» . قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ «وَقَالَ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ قَالَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» . قَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَالْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ ثُمَّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ لِلْوُجُوبِ الْإِجْمَاعُ (وَالْجِهَادِ) أَيْ وَبِخِلَافِ الْجِهَادِ أَيْضًا (فَلَيْسَ لَهُ الْقِتَالُ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ) إذْنِ (الشَّرْعِ فِي عُمُومِ النَّفِيرِ وَلَا يَسْتَحِقُّ) الْعَبْدُ إذَا قَاتَلَ (سَهْمًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ اسْتِحْقَاقَ سَهْمٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ (لِلْكَرَامَةِ) وَهُوَ نَاقِصٌ فِيهَا (بَلْ) يَسْتَحِقُّ (رَضْخًا لَا يَبْلُغُهُ) أَيْ السَّهْمُ «فَعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ شَهِدْت خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي فَأَمَرَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (بِخِلَافِ) اسْتِحْقَاقِ (السَّلَبِ بِالْقَتْلِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ) مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَإِنَّهُ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ أَوْ بِإِيجَابِ الْإِمَامِ (فَسَاوَى) الْعَبْدُ (فِيهِ الْحُرَّ وَالْوِلَايَاتِ) أَيْ وَيُنَافِي الرِّقُّ الْوِلَايَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ كَوِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الْقُدْرَةِ الْحُكْمِيَّةِ إذْ الْوِلَايَةُ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى وَالرِّقُّ عَجْزٌ حُكْمِيٌّ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الْوِلَايَاتِ وِلَايَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ التَّعَدِّي مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِ التَّعَدِّي وَلَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ (وَصِحَّةُ أَمَانِ) الْعَبْدِ (الْمَأْذُونِ فِي الْقِتَالِ) الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ (لِاسْتِحْقَاقِ الرَّضْخِ) فِي الْغَنِيمَةِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ إلَّا أَنَّ مَوْلَاهُ يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي سَائِرِ أَكْسَابِهِ (فَأَمَانُهُ إبْطَالُ حَقِّهِ أَوَّلًا) فِي الرَّضْخِ. (ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْغَازِينَ فَيَلْزَمُ سُقُوطُ حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الثُّبُوتِ وَالسُّقُوطِ (كَشَهَادَتِهِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) تُوجِبُ عَلَى النَّاسِ الصَّوْمَ بِقَوْلِهِ لِإِيجَابِهِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ أَوَّلًا ثُمَّ لَا يَتَعَدَّى إلَى سَائِرِهِمْ، وَكَذَا رِوَايَتُهُ لِأَحَادِيثِ الشَّارِعِ فَصَارَ هَذَانِ أَصْلَ أَمَانِهِ (لَا) أَنَّ أَمَانَهُ (وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ) لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا وُضِعَ الشَّيْءُ لَهُ، وَحُكْمُ أَمَانِهِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ مَا ذَكَرْنَا (بِخِلَافِ) الْعَبْدِ (الْمَحْجُورِ) عَنْ الْقِتَالِ لَا أَمَانَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونَ؛ لِأَنَّهُ (لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ) وَقْتَ الْأَمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّرِكَةِ فِي الْغَنِيمَةِ (فَلَوْ صَحَّ) أَمَانُهُ (كَانَ إسْقَاطًا لِحَقِّهِمْ) أَيْ الْغَازِينَ فِي أَمْوَالِ الْكُفَّارِ وَأَنْفُسِهِمْ اغْتِنَامًا وَاسْتِرْقَاقًا (ابْتِدَاءً) قَالَ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ أَمَانُهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وَمُحَمَّدٍ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الرَّضْخَ إذَا قَاتَلَ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ (وَاسْتِحْقَاقُهُ) الرَّضْخَ (إذَا افْتَاتَ بِالْقِتَالِ) أَيْ قَاتَلَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ (وَسَلِمَ لِتَمَحُّضِهِ) أَيْ الْقِتَالِ (مُصْلِحَةً لِلْمَوْلَى بَعْدَهُ) أَيْ الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَمَّا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً فَيَكُونُ كَالْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ الْمَوْلَى دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُجِرَ عَنْهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى لِانْتِفَاءِ اشْتِغَالِهِ بِخِدْمَتِهِ وَقْتَ الْقِتَالِ وَرُبَّمَا يُقْتَلُ فَإِذَا فَرَغَ سَالِمًا وَأُصِيبَتْ الْغَنِيمَةُ زَالَ الضَّرَرُ فَيَثْبُتُ الْإِذْنُ مِنْهُ دَلَالَةً (فَلَا شَرِكَةَ لَهُ) فِي الْغَنِيمَةِ (حَالَ الْأَمَانِ) فَلَا يَكُونُ فِيهِ كَالْمَأْذُونِ فِي الْقِتَالِ نَعَمْ مَا فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانُهُ أَمَانُهُمْ يُفِيدُ إطْلَاقُهُ صِحَّةَ أَمَانِ الْعَبْدِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (فَلَا يَضْمَنُ) الرَّقِيقُ (بَدَلَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ بَدَلَهُ (صِلَةٌ) وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الصِّلَاتِ (فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ فِي جِنَايَتِهِ) عَلَى غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ (خَطَأً) ؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجِنَايَةِ الْخَطَأِ ضَمَانٌ هُوَ صِلَةٌ فِي حَقِّ الْجَانِي حَتَّى كَأَنَّهُ يَهَبُهُ ابْتِدَاءً أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا بِحَوْلٍ بَعْدَهُ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْمَالِ الثَّابِتِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَا عَاقِلَةَ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِيَجِبَ عَلَيْهِمْ. (لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُهْدَرْ الدَّمُ صَارَتْ رَقَبَتُهُ جَزَاءً) أَيْ قَائِمَةً مُقَامَ الْأَرْشِ حَتَّى لَا يَكُونَ الِاسْتِحْقَاقُ

المرض من عوارض الأهلية

عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يَصِيرُ الدَّمُ هَدَرًا (إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى فِدَاءَهُ فَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْفِدَاءُ الْمَوْلَى (دَيْنًا) فِي ذِمَّتِهِ (فَلَا يَبْطُلُ) اخْتِيَارُهُ الْفِدَاءَ (بِالْإِفْلَاسِ) حَتَّى إنَّهُ لَا يَعُودُ تَعَلُّقُ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى مَا يُؤَدِّيهِ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (فَلَا يَجِبُ) بِهِ عَلَى الْمَوْلَى (الدَّفْعُ) لِلْعَبْدِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بَلْ هُوَ عَبْدُهُ لَا سَبِيلَ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ (وَعِنْدَهُمَا اخْتِيَارُهُ) أَيْ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ (كَالْحَوَالَةِ كَأَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ (أَحَالَ عَلَى مَوْلَاهُ) بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الْجَانِي هُوَ الْمَصْرُوفُ إلَى جِنَايَتِهِ كَمَا فِي الْعَمْدِ وَصُيِّرَ إلَى الْأَرْشِ فِي الْخَطَأِ إذَا كَانَ الْجَانِي حُرًّا لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ فَكَانَ اخْتِيَارُ الْفِدَاءِ نَقْلًا مِنْ الْأَصْلِ إلَى الْعَارِضِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ (فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ) الْأَرْشَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ (عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّفْعِ) الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَأُجِيبَ بِمَنْعٍ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِنَايَةِ الْخَطَأُ ذَلِكَ بَلْ الْأَرْشُ هُوَ الْأَصْلُ الثَّابِتُ فِيهَا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] وَصُيِّرَ إلَى الدَّفْعِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلصِّلَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِاخْتِيَارِ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَعَادَ الْأَمْرُ إلَى الْأَصْلِ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِالْإِفْلَاسِ وَقِيلَ هَذِهِ فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّفْلِيسِ فَعِنْدَهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا كَانَ هَذَا التَّصَرُّفُ مِنْ الْمَوْلَى تَحْوِيلًا لِحَقِّ الْأَوْلِيَاءِ إلَى ذِمَّتِهِ لَا إبْطَالًا وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ مُعْتَبَرًا وَكَانَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ تَأْوِيلًا كَانَ هَذَا الِاخْتِيَارُ مِنْ الْمَوْلَى إبْطَالًا وَلَا يُقَالُ قَدْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ضَمَانُ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ فَإِنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ بِمُقَابَلَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ أَوْ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَوُجُوبُ الْمَهْرِ لَيْسَ ضَمَانًا) إذْ لَا تَلَفَ وَلَا صِلَةَ (بَلْ) يَجِبُ (عِوَضًا عَمَّا اسْتَوْفَاهُ مِنْ الْمِلْكِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ) . [الْمَرَضُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ] (وَأَمَّا الْمَرَضُ) وَعَنْهُ عِبَارَاتٌ مِنْهَا مَا يَعْرِضُ الْبَدَنَ فَيُخْرِجُهُ عَنْ الِاعْتِدَالِ الْخَاصِّ وَمِنْهَا هَيْئَةٌ غَيْرُ طَبِيعِيَّةٍ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ تَكُونُ بِسَبَبِهَا الْأَفْعَالُ الطَّبِيعِيَّةُ وَالنَّفْسَانِيَّةُ وَالْحَيَوَانِيَّةُ غَيْرَ سَلِيمَةٍ، وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ يُعْرَفُ فِي فَنِّهِ (فَلَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْحُكْمِ) أَيْ ثُبُوتَهُ وَوُجُوبَهُ لَهُ وَعَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ أَوْ الْعِبَادِ (وَالْعِبَارَةُ إذْ لَا خَلَلَ فِي الذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَالنُّطْقِ) فَصَحَّ مِنْهُ سَائِرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَارَةِ مِنْ نِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهَا (لَكِنَّهُ) أَيْ الْمَرَضَ (لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَجْزِ شُرِعَتْ الْعِبَادَاتُ فِيهِ عَلَى) قَدْرِ (الْمُكْنَةِ) حَتَّى شُرِعَ لَهُ الصَّلَاةُ (قَاعِدًا) إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ (وَمُضْطَجِعًا) إذَا عَجَزَ عَنْهُمَا (وَلَمَّا كَانَ الْمَوْتُ عِلَّةَ الْخِلَافَةِ) لِلْوَارِثِ وَالْغَرِيمِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَيَخْلُفُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ فِيهِ وَالذِّمَّةُ تَخْرَبُ بِهِ فَيَصِيرُ الْمَالُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ قَضَاءِ الدَّيْنِ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ فَيَخْلُفُهُ الْغَرِيمُ فِي الْمَالِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَرَضُ (سَبَبُهُ) أَيْ الْمَوْتِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرَادُفِ الْآلَامِ وَضَعْفِ الْقُوَى الْمُفْضِي إلَى مُفَارِقَةِ الرُّوحِ الْجَسَدَ (كَانَ) الْمَرَضُ (سَبَبَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَارِثِ وَالْغَرِيمِ بِمَالِهِ) فِي الْحَالِ (فَكَانَ) الْمَرَضُ (سَبَبًا لِلْحَجْرِ فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْمَالِ (لِلْغَرِيمِ) إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا (وَ) فِي (الثُّلُثَيْنِ فِي الْوَرَثَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ) أَيْ الْمَرَضِ (الْمَوْتُ) حَالَ كَوْنِ الْحَجْرِ (مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِهِ) أَيْ الْمَرَضِ، إذْ الْحُكْمُ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ. (بِخِلَافِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقَا) أَيْ حَقُّ الْغَرِيمِ وَحَقُّ الْوَارِثِ (بِهِ كَالنِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَتُحَاصِصُ) الزَّوْجَةُ (الْمُسْتَغْرِقِينَ) أَيْ الَّذِي اسْتَغْرَقَتْ دُيُونُهُمْ التَّرِكَةَ بِقَدْرِ مَهْرِهَا وَكَالنَّفَقَةِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَتَعَلَّقُ حَاجَةُ الْمَيِّتِ بِهِ وَمَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ وَعَلَى ثُلُثَيْ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ إنْ كَانَ وَعَلَى ثُلُثَيْ الْجَمِيعِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ سَبَبًا لِلْحَجْرِ قَبْلَ اتِّصَالِ الْمَوْتِ بِهِ وَكَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْإِطْلَاقُ لَمْ يَثْبُتْ الْحَجْرُ بِهِ بِالشَّكِّ (فَكُلُّ تَصَرُّفٍ) وَاقِعٍ مِنْ الْمَرِيضِ (يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ (يَصِحُّ فِي الْحَالِ) لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمَانِعِ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فِي الْحَالِ بِاتِّصَالِ الْمَوْتِ بِهِ (ثُمَّ يَفْسَخُ) ذَلِكَ التَّصَرُّفَ (إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ) أَيْ فَسْخِهِ بِأَنْ مَاتَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْحَجْرَ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَيَظْهَرُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ تَصَرُّفُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ (وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ) أَيْ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ وَاقِعٍ مِنْ الْمَرِيضِ

لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ (كَالْإِعْتَاقِ الْوَاقِعِ عَلَى حَقِّ غَرِيمٍ بِأَنْ يَعْتِقَ الْمَرِيضُ الْمُسْتَغْرِقُ) دَيْنُهُ تَرِكَتَهُ عَبْدًا مِنْهَا (أَوْ) الْوَاقِعِ (عَلَى حَقِّ وَارِثٍ كَإِعْتَاقِ عَبْدٍ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ يَصِيرُ) الْعِتْقُ (كَالْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ) أَيْ كَالتَّدْبِيرِ حَتَّى كَانَ عَبْدًا فِي شَهَادَتِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ مَا دَامَ مَوْلَاهُ مَرِيضًا وَإِذَا مَاتَ (فَلَا يَنْقُضُ وَيَسْعَى) الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ (فِي كُلِّهِ) أَيْ مِقْدَارِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ (أَوْ) يَسْعَى (فِي ثُلُثَيْهِ) لِلْوَارِثِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ، وَلَمْ يُجِزْهُ الْوَارِثُ (أَوْ أَقَلَّ كَالسُّدُسِ إذَا سَاوَى) الْعَبْدُ (النِّصْفَ) أَيْ نِصْفَ التَّرِكَةِ، وَلَمْ يُجِزْهُ الْوَارِثُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ نَفَذَ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ. (بِخِلَافِ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ) الْعَبْدَ الرَّهْنَ (يَنْفُذُ) عِتْقُهُ لِلْحَالِ مَعَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ (لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ لَا الرَّقَبَةِ فَلَا يُلَاقِيهِ) أَيْ الْعِتْقُ حَقَّهُ (قَصْدًا) وَحَقُّ الْغَرِيمِ وَالْوَارِثِ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَصِحَّةِ الْإِعْتَاقِ يُبْتَنَى عَلَيْهَا لَا عَلَى مِلْكِ الْيَدِ وَلِذَا صَحَّ إعْتَاقُ الْآبِقِ مَعَ زَوَالِ الْيَدِ عَنْهُ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ (فَإِنْ كَانَ) الرَّاهِنُ (غَنِيًّا فَلَا سِعَايَةَ) عَلَى الْعَبْدِ لِعَدَمِ تَعَذُّرِ أَخْذِ الْحَقِّ مِنْ الرَّاهِنِ وَهُوَ الْأَدَاءُ إنْ كَانَ حَالًّا أَوْ قِيمَةُ الرَّهْنِ إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا (وَإِنْ) كَانَ الرَّاهِنُ (فَقِيرًا سَعَى) الْعَبْدُ لِلْمُرْتَهِنِ (فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) لِتَعَذُّرِ أَخْذِ الْحَقِّ مِنْ الرَّاهِنِ فَيُؤْخَذُ مِمَّنْ حَصَلَتْ لَهُ فَائِدَةُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ ثُمَّ إنَّمَا سَعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنْ كَانَ أَقَلَّ فَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ هَذَا الْقَدْرُ (وَيَرْجِعُ) الْعَبْدُ (عَلَى مَوْلَاهُ عِنْدَ غِنَاهُ) بِمَا أَدَّاهُ؛ لِأَنَّهُ اُضْطُرَّ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ (فَمُعْتَقُ الرَّاهِنِ حُرٌّ مَدْيُونٌ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ السِّعَايَةِ وَمُعْتَقُ الْمَرِيضِ الْمُسْتَغْرِقِ كَالْمَكَاتِبِ) وَالْأَوَّلُ كَالْمُدَبَّرِ كَمَا ذَكَرْنَا (فَلَا تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُ قَبْلَ السِّعَايَةِ (وَقَدْ أَدْمَجُوا) أَيْ أَدْرَجَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْكَلَامِ فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْآفَةِ الْعَارِضَةِ (فَرْعًا مَحْضًا) وَهُوَ (لَمَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ) بِالسُّنَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّسْخِ (بَطَلَتْ) مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا وَصِيَّةً (صُورَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً مَعْنًى (حَتَّى لَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ عَيْنًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ) فَصَاعِدًا (مِنْهُ) أَيْ الْوَارِثِ (لَا يَجُوزُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّهِمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ (بِالصُّورَةِ كَمَا بِالْمَعْنَى) حَتَّى لَا يَجُوزَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ لِنَفْسِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَا أَنْ يَأْخُذَ التَّرِكَةَ وَيُعْطِيَ الْبَاقِينَ الْقِيمَةَ وَلِلنَّاسِ مُنَافَسَاتٌ فِي صُوَرِ الْأَشْيَاءِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَعَانِيهَا فَكَانَ إيثَارُهُ الْبَعْضَ بِعَيْنٍ مِنْهَا بَيْعًا مِنْهُ إيصَاءً لَهُ بِهِ صُورَةً لَا مَعْنًى لِكَوْنِهِ مُقَابَلًا بِالْعِوَضِ. (خِلَافًا لَهُمَا بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) حَيْثُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا إذْ لَا حَجْرَ عَلَى الْمَرِيضِ فِي التَّصَرُّفِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فِيمَا لَا يُخِلُّ بِالثُّلُثَيْنِ فَلَمْ يَتِمَّ تَعْلِيلُهُمَا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ شَيْءٍ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ (وَمَعْنًى) أَيْ وَبَطَلَتْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا وَصِيَّةً مَعْنًى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً صُورَةً (بِأَنْ يُقِرَّ لِأَحَدِهِمْ بِمَالٍ) لِسَلَامَةِ الْمَالِ لَهُ بِلَا عِوَضٍ وَانْتِفَاءُ الصُّورَةِ ظَاهِرٌ (وَشُبْهَةً) أَيْ وَبَطَلَتْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا وَصِيَّةً مِنْ حَيْثُ الشُّبْهَةُ (بِأَنْ بَاعَ) الْوَارِثُ (الْجَيِّدَ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بِرَدِيءٍ مِنْهَا) مُجَانِسٍ لِلْمَبِيعِ كَالْفِضَّةِ الْجَيِّدَةِ بِالْفِضَّةِ الرَّدِيئَةِ (لِتَقَوُّمِ الْجَوْدَةِ فِي التُّهْمَةِ كَمَا فِي بَيْعِ الْوَلِيِّ مَالَ الصَّبِيِّ كَذَلِكَ) أَيْ الْجَيِّدِ مِنْهَا بِالرَّدِيءِ الْمُجَانِسِ لِلْجَيِّدِ (مِنْ نَفْسِهِ) فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الْوَصِيَّةِ بِالْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ خِلَافِ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ إيصَالُ مَنْفَعَةِ الْجَوْدَةِ إلَيْهِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فَتُقُوِّمَتْ فِي حَقِّهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْبَاقِينَ فِي الْبَيْعِ مِنْ الْوَارِثِ وَعَنْ الصِّغَارِ فِي بَيْعِ الْوَلِيِّ مِنْ نَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ بَاعَ الْجَيِّدَ بِالرَّدِيءِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْجَوْدَةُ مُعْتَبَرَةً لَجَازَ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ. (وَلِذَا) أَيْ وَلِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ شُبْهَةً (لَمْ يَصِحّ إقْرَارُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ (بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ الْوَارِثِ وَإِنْ لَزِمَهُ) أَيْ الدَّيْنُ الْوَارِثَ (فِي صِحَّتِهِ) أَيْ الْمَرِيضِ (وَهِيَ) أَيْ صِحَّتُهُ (حَالَ عَدَمِ التُّهْمَةِ فَكَيْفَ بِهِ) أَيْ بِالْإِقْرَارِ بِاسْتِيفَائِهِ (إذَا ثَبَتَ) لُزُومُهُ لِلْوَارِثِ (فِي الْمَرَضِ) وَهُوَ حَالَةُ التُّهْمَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالِاسْتِيفَاءِ

الحيض من عوارض الأهلية

فِي الْمَرَضِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُصَادِفُ مَحَلًّا مَشْغُولًا بِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ كَانَ لَهُ عَلَى الْوَارِثِ حَالَ الصِّحَّةِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمَّا عَامَلَهُ فِي الصِّحَّةِ اسْتَحَقَّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ بِمَرَضِهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَائِهِ فِي مَرَضِهِ كَانَ صَحِيحًا فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَهُوَ عِنْدَ الْمَرَضِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ بَلْ بِمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ دَيْنِهِمْ مِنْهُ فَلَمْ يُصَادِفْ إقْرَارُهُ مَحَلًّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ. [الْحَيْضُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ] (وَأَمَّا الْحَيْضُ) وَهُوَ عَلَى أَنَّ مُسَمَّاهُ خَبَثُ دَمٍ مِنْ الرَّحِمِ لَا لِوِلَادَةٍ وَحَدَثُ مَانِعِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ عَمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَعَنْ الصَّوْمِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْقُرْبَانِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفِ. (وَالنِّفَاسُ) وَهُوَ الدَّمُ مِنْ الرَّحِمِ عَقِبَ الْوِلَادَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ هَذَا عَلَى أَنَّ مُسَمَّاهُ خَبَثٌ وَأَمَّا عَلَى أَنَّ مُسَمَّاهُ حَدَثٌ فَمَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ أَوْ الْوِلَادَةِ عَمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ إلَخْ (فَلَا يُسْقِطَانِ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَلَا الْأَدَاءِ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُخِلَّانِ بِالذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَقُدْرَةِ الْبَدَنِ (إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْهُمَا شَرْطُ) أَدَاءِ (الصَّلَاةِ) بِالسُّنَّةِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلنِّسَاءِ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» وَبِالْإِجْمَاعِ (عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ) لِكَوْنِهِمَا مِنْ الْأَنْجَاسِ أَوْ الْأَحْدَاثِ وَالطَّهَارَةُ مِنْهُمَا شَرْطٌ لَهَا (وَ) شَرْطُ أَدَاءِ (الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ لِتَأَدِّيهِ مَعَ النَّجَاسَةِ وَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ (ثُمَّ انْتَفَى وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّلَاةِ) عَلَيْهِمَا (لِلْحَرَجِ) لِدُخُولِهَا فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا أَوْ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُدَّةُ النِّفَاسِ فِي الْعَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا (دُونَ الصَّوْمِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِ وُجُوبُ قَضَائِهِ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ وَالنِّفَاسُ يَنْدُرُ فِيهِ (كَمَا مَرَّ) فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ وَلِعَدَمِ حُكْمِ الْوُجُوبِ مِنْ الْأَدَاءِ لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَائِضِ لِانْتِفَاءِ الْأَدَاءِ شَرْعًا وَالْقَضَاءُ لِلْحَرَجِ وَالتَّكْلِيفُ لِلرَّحْمَةِ وَالْحَرَجُ طَرِيقُ التَّرْكِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ ابْتِدَاؤُهُمَا فِيهِ فَضْلًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَيَثْبُتُ لِفَائِدَةِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ وَيَشْهَدُ لَهُمَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ يَعْنِي الْحَيْضَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» وَعَلَيْهِمَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ثُمَّ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ (فَانْتَفَى) وُجُوبُ أَدَاءِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمَا فِي حَالَتَيْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. (أَوَّلًا) فِيهِ (خِلَافٌ) بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ فَقِيلَ يَجِبُ وَنَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءُ لِتَحَقُّقِ الْأَهْلِيَّةِ وَالسَّبَبِ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمَا فَكَانَ الْمَأْتِيُّ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْفَائِتِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَذَكَرَ مُتَأَخِّرٌ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَشُهُودُ الشَّهْرِ مُوجِبٌ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ لَا مُطْلَقًا وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ هُنَا شُهُودُ الشَّهْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ لَا عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ قَضَاءُ الظُّهْرِ مَثَلًا عَلَى مَنْ نَامَ جَمِيعَ وَقْتِهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ هَذَا عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِمَا بِهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَأَظْهَرُ إذْ لَا يَسْتَدْعِي وُجُوبًا سَابِقًا فَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَأَوْرَدَ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُسَمَّى قَضَاءً لِعَدَمِ اسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ مِنْ الْوُجُوبِ وَأُجِيبَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ انْحَصَرَ مُوجِبُ التَّسْمِيَةِ فِيمَا ذَكَرْتُمْ وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ قَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْرَاكِ مَصْلَحَةِ مَا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ، وَلَمْ يَجِبْ لِمَانِعٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالِانْتِفَاءُ أَقْيَسُ) بَلْ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ حَالَةَ الْحَيْضِ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا مَأْمُورًا بِهِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَمِنْ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ السُّبْكِيُّ الْخُلْفُ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ حَالَةَ الْعُذْرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَالْقَضَاءُ بَعْدَ زَوَالِهِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا لَكِنْ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الذَّخَائِرِ فِيمَا إذَا قُلْنَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي النِّيَّةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا

الموت من عوارض الأهلية

نَوَتْ الْقَضَاءَ وَإِلَّا نَوَتْ الْأَدَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتُ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [الْمَوْتُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ] (وَأَمَّا الْمَوْتُ) وَعَزَى إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لِلْحَيَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] وَإِلَى الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ وَأَنَّ الْخَلْقَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ ثُمَّ هُوَ لَيْسَ بِعَدَمٍ مَحْضٍ وَلَا فَنَاءٍ صِرْفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ انْقِطَاعُ تَعَلُّقِ الرُّوحِ بِالْبَدَنِ وَمُفَارَقَتُهُ وَتَبَدُّلُ حَالٍ وَانْتِقَالٌ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ (فَيَسْقُطُ بِهِ) عَنْ الْمَيِّتِ (الْأَحْكَامُ الْأُخْرَوِيَّةُ) وَهَذَا سَهْوٌ وَالصَّوَابُ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الدُّنْيَوِيَّةِ (التَّكْلِيفِيَّةُ كَالزَّكَاةِ) وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ (وَغَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ وَلَا عَجْزَ فَوْقَ الْعَجْزِ بِالْمَوْتِ (إلَّا الْإِثْمَ) بِسَبَبِ تَقْصِيرِهِ فِي فِعْلِهِ حَالَ حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَالْمَيِّتُ مُلْحَقٌ بِالْأَحْيَاءِ فِيهَا (وَمَا شُرِعَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (لِحَاجَةِ غَيْرِهِ، فَإِنْ) كَانَ ذَلِكَ الْمَشْرُوعُ (حَقًّا مُتَعَلِّقًا بِعَيْنٍ بَقِيَ) ذَلِكَ الْحَقُّ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ (بِبَقَائِهَا) أَيْ تِلْكَ الْعَيْنِ (كَالْأَمَانَاتِ وَالْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمُعَيَّنُ (لِصَاحِبِهِ لَا الْفِعْلِ وَلِذَا) أَيْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ حُصُولَ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ حَقِّهِ (لَوْ ظَفَرَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ صَاحِبُهُ كَانَ (لَهُ أَخْذُهُ بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكْلِيفِ بِهَا فِعْلُهَا عَنْ اخْتِيَارٍ وَقَدْ فَاتَ الِاخْتِيَارُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَبْقَى التَّكْلِيفُ بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعِبَادَاتِ هَذَا (لَوْ ظَفَرَ الْفَقِيرُ بِمَالِ الزَّكَاةِ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا تَسْقُطُ) الزَّكَاةُ عَنْ مَالِكِهِ (بِهِ) أَيْ بِأَخْذِهِ الْمَذْكُورِ لِانْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ (وَإِنْ) كَانَ ذَلِكَ الْمَشْرُوعُ (دَيْنًا لَمْ يَبْقَ بِمُجَرَّدِ الذِّمَّةِ لِضَعْفِهَا بِالْمَوْتِ فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ ضَعْفِهَا (بِالرِّقِّ) فَإِنَّهُ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْإِعْتَاقِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالْمَوْتُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ عَادَةً (بَلْ) إنَّمَا يَبْقَى (إذَا قَوِيَتْ) ذِمَّتُهُ (بِمَالٍ) تَرَكَهُ (أَوْ كَفِيلٍ) بِهِ (قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَحَلُّ الِاسْتِيفَاءِ) الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوُجُوبِ (وَذِمَّةُ الْكَفِيلِ تُقَوِّي ذِمَّةَ الْمَيِّتِ) . ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ) بِأَنْ مَاتَ مُفْلِسًا وَلَا كَفِيلَ بِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ (لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ) أَيْ بِمَا عَلَى الْمَيِّتِ (لِانْتِقَالِهِ) أَيْ مَا عَلَى الْمَيِّتِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْأُولَى لِسُقُوطِهِ عَنْ ذِمَّتِهِ (بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ لِخُرُوجِهَا بِهِ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لَهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْكَفَالَةَ (الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ) بِمَا يُطَالِبُ بِهِ الْأَصِيلُ (لَا تَحْوِيلُ الدَّيْنِ) عَنْ الْأَصِيلِ إلَى الْكَفِيلِ (وَلَا مُطَالَبَةَ) لِلْأَصِيلِ (فَلَا الْتِزَامَ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا (بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِالدَّيْنِ تَصِحُّ) الْكَفَالَةُ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الدَّيْنِ (لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَائِمَةٌ) لِكَوْنِهِ حَيًّا مُكَلَّفًا وَالْمُطَالَبَةُ ثَابِتَةٌ، إذْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى فَيُطَالِبَ فِي الْحَالِ أَوْ يَعْتِقَهُ فَيُطَالِبَ بَعْدَهُ فَصَحَّ الْتِزَامُهَا بِالْكَفَالَةِ وَإِذَا صَحَّتْ فَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْأَصِيلُ غَيْرَ مُطَالَبٍ بِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنْ الْأَصِيلِ لِعُذْرِ عَدَمٍ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ كَمَنْ كَفَلَ دَيْنًا عَلَى مُفْلِسٍ حَيٍّ يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ قِيلَ ضَمُّ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ إلَى ذِمَّتِهِ لِاحْتِمَالِ الدَّيْنِ يَقْتَضِي كَوْنَهَا غَيْرَ كَامِلَةٍ وَإِلَّا لَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْحُرِّ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ (وَإِنَّمَا انْضَمَّ إلَيْهَا) أَيْ إلَى ذِمَّتِهِ (مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ فِيمَا ظَهَرَ) وَالْأَوْلَى إذَا ظَهَرَ الدَّيْنُ (فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِيُبَاعَ نَظَرًا لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ لِيُمْكِنَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّتِهَا الَّتِي هِيَ حَقُّ الْمَوْلَى لَا؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ غَيْرُ كَامِلَةٍ. (وَتَصِحُّ) الْكَفَالَةُ الْمَذْكُورَةُ (عِنْدَهُمَا) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بَلْ عَزَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ (لِأَنَّ بِالْمَوْتِ لَا يَبْرَأُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ مُبَرِّئًا لِلْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَمُبْطِلًا لَهَا (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُهُ غَيْرَ مُبَرِّئٍ مِنْهَا (يُطَالَبُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ إجْمَاعًا وَفِي الدُّنْيَا إذَا ظَهَرَ مَالٌ وَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ عَنْ الْمَيِّتِ) بِأَدَاءِ الدَّيْنِ (حَلَّ أَخْذُهُ وَلَوْ بَرِئَتْ) ذِمَّتُهُ مِنْهُ بِالْمَوْتِ (لَمْ يَحِلَّ) أَخْذُهُ (وَالْعَجْزُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ) لِلْمَيِّتِ (لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمَيِّتِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا) أَيْ الْكَفَالَةِ عَنْهُ بِهِ (كَكَوْنِهِ) أَيْ الْأَصِيلِ (مُفْلِسًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ) جَابِرٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأُتِيَ بِمَيِّتٍ فَقَالَ أَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا نَعَمْ دِينَارَانِ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (وَالْجَوَابُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْحَدِيثِ (بِاحْتِمَالِهِ)

أَيْ قَوْلِهِ هُمَا عَلَيَّ (الْعِدَّةُ) بِوَفَائِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ لِلْعِدَةِ (الظَّاهِرُ إذْ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ لِلْمَجْهُولِ) بِلَا خِلَافٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ كَانَ مَجْهُولًا وَإِلَّا لَذُكِرَ قُلْت وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا فِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ لِلْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ «فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ هِيَ عَلَيْك وَفِي مَالِكَ وَالْمَيِّتُ مِنْهَا بَرِيءٌ فَقَالَ نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ عَلِمَ صَاحِبَ الدَّنَانِيرِ حِينَ كَفَلَهَا. وَأَجَابَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ هُمَا عَلَيَّ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْإِنْشَاءِ لِلْكَفَالَةِ وَالْإِقْرَارِ بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي خُصُوصِ مَحَلِّ النِّزَاعِ قُلْت وَيُعَكِّرُهُ مَا فِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ لِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ الدِّينَارَانِ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَوْفَى اللَّهُ الْغَرِيمَ وَبَرِيءَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مِنْ حَدِيثٍ قَالَ فِيهِ «ثُمَّ أُتِيَ بِثَالِثَةٍ أَيْ بِجِنَازَةٍ ثَالِثَةٍ فَقَالُوا صَلِّ عَلَيْهَا قَالَ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا لَا قَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ» ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ يُقَوِّي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَمِنْ ثَمَّةَ أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ (وَالْمُطَالَبَةُ فِي الْآخِرَةِ رَاجِعَةٌ إلَى الْإِثْمِ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى بَقَاءِ الذِّمَّةِ فَضْلًا عَنْ قُوَّتِهَا وَبِظُهُورِ الْمَالِ تَقَوَّتْ بَلْ) كَانَتْ قَوِيَّةً حِين عُقِدَتْ الْكَفَالَةُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْمَالُ وَلَكِنْ كَانَتْ قُوَّتُهَا خَفِيَّةً فَلَمَّا ظَهَرَ الْمَالُ (ظَهَرَ قُوَّتُهَا وَهُوَ) أَيْ تَقَوِّيهَا (الشَّرْطُ) لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ عَنْهَا (حَتَّى لَوْ تَقَوَّتْ بِلُحُوقِ دَيْنٍ بَعْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ اللَّاحِقِ (بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَتَلِفَ بِهِ) وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ بِهَا أَيْ بِالْبِئْرِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعِيَّةٌ (حَيَوَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْحَافِرِ (فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ السَّبَبِ الْحَفْرِ الثَّابِتِ حَالَ قِيَامِ الذِّمَّةِ) الصَّالِحَةِ لِلْوُجُوبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَعْنِي الْحَيَاةَ (وَالْمُسْتَنِدُ يَثْبُتُ أَوَّلًا فِي الْحَالِ) ثُمَّ يَسْتَنِدُ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ ثُبُوتُهُ فِي الْحَالِ (اعْتِبَارُ قُوَّتِهَا حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ ثُبُوتِهَا (بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ اللَّاحِقِ (وَصِحَّةُ التَّبَرُّعِ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ) الدَّيْنُ. (وَإِنْ كَانَ سَاقِطًا فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ وَالسُّقُوطُ بِالْمَوْتِ لِضَرُورَةِ فَوْتِ الْمَحَلِّ فَيَتَقَدَّرُ) السُّقُوطُ (بِقَدْرِهِ) أَيْ فَوْتِ الْمَحَلِّ (فَيَظْهَرُ) السُّقُوطُ (فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ لَا) فِي حَقِّ (مَنْ لَهُ وَإِنْ كَانَ) الْمَشْرُوعُ عَلَيْهِ مَشْرُوعًا (بِطَرِيقِ الصِّلَةِ لِلْغَيْرِ كَنَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ سَقَطَتْ) هَذِهِ الصِّلَاتُ بِالْمَوْتِ (لِأَنَّ الْمَوْتَ فَوْقَ الرِّقِّ) فِي تَأْثِيرِ ضَعْفِ الذِّمَّةِ (وَلَا صِلَةَ وَاجِبَةٌ مَعَهُ) أَيْ الرِّقِّ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ (إلَّا أَنْ يُوصَى بِهِ) أَيْ بِالْمَشْرُوعِ صِلَةً (فَيُعْتَبَرُ كَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ هَذَا الْمَشْرُوعِ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ (مِنْ الثُّلُثِ) لِتَصْحِيحِ الشَّارِعِ ذَلِكَ مِنْهُ نَظَرًا لَهُ (وَأَمَّا مَا شُرِعَ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (فَيَبْقَى مِمَّا لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (إلَيْهِ حَاجَةٌ قَدْرَ مَا تَنْدَفِعُ) الْحَاجَةُ (بِهِ عَلَى مِلْكِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِيَبْقَى وَقَوْلُهُ (مِنْ التَّرِكَةِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مِمَّا لَهُ إلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا (دَيْنًا) أَيْ إيفَاءً لَهُ (وَوَصِيَّةً) أَيْ تَنْفِيذًا لَهَا مِنْ الثُّلُثِ (وَجِهَازًا) أَيْ وَتَجْهِيزًا لَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ بِالْمَعْرُوفِ (وَيُقَدَّمُ) التَّجْهِيزُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ (إلَّا فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي فَفِي هَذِهِ) الصُّوَرِ وَأَمْثَالِهَا (صَاحِبُ الْحَقِّ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ) مِنْ تَجْهِيزِهِ لِتَأْكِيدِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ وَتَقَدَّمَ الدَّيْنُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِبَقَاءِ مَالِهِ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَمَا فِيمَا تَقَدَّمَ (بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (إلَى ثَوَابِ الْعِتْقِ) فَفِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» (وَحُصُولُ الْوَلَاءِ) الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ الَّتِي هِيَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ حَاصِلَةٌ فِي عَوْدِ الْمُكَاتَبِ إلَى الرِّقِّ. (وَبَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ عَنْ وَفَاءٍ) لِلْكِتَابَةِ (لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (إلَى الْمَالِكِيَّةِ) لِلْأَمْوَالِ (الَّتِي عَقَدَ لَهَا) عَقْدَ الْكِتَابَةِ (وَحُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي حَالِهَا) أَيْ

الْكِتَابَةِ وُلِدُوا فِيهَا أَوْ اشْتَرَاهُمْ فِيهَا بَلْ حَاجَتُهُ إلَى بَقَائِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ نَيْلِ شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ بِدَفْعِ الرِّقِّ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ عَنْهُ وَعَنْ أَوْلَادِهِ أَوْلَى مِنْ حَاجَةِ الْمَوْلَى (فَيَعْتِقُ) الْمُكَاتَبُ (فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِنَادِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْعِتْقِ الْمُقَرَّرِ لَهَا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ (دُونَ الْمَمْلُوكِيَّةِ إذْ لَا حَاجَةَ) لَهُ إلَيْهَا (إلَّا ضَرُورَةُ بَقَاءِ مِلْكِ الْيَدِ) وَمَحَلِّيَّةُ التَّصَرُّفِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ (لِيُمْكِنَ الْأَدَاءُ فَبَقَاؤُهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ (كَوْنُ سَلَامَةِ الْأَكْسَابِ قَائِمَةً وَثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ عِنْدَ دَفْعِ وَرَثَتِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ مَالَ الْكِتَابَةِ إلَى الْمَوْلَى (وَثُبُوتُ عِتْقِهِ) أَيْ نُفُوذُ الْعِتْقِ فِي الْمُكَاتَبِ (شَرْطٌ ذَلِكَ) وَالْوَجْهُ لِذَلِكَ أَيْ لِعِتْقِهِ (ضِمْنِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْأَهْلِيَّةُ لِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ) لِمَا ثَبَتَ شَرْطًا لِمِلْكِ الْبَدَلِ يَثْبُتُ (عِنْدَ) أَدَاءِ (الْبَدَلِ) مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ حَالَ أَدَاءِ الْبَدَلِ هَالِكًا (وَمَعَ بَقَائِهَا) أَيْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ إلَى الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا يَنْقَضِي بِهِ حَاجَةٌ (يَثْبُتُ الْإِرْثُ) لِوَارِثِهِ مِنْهُ (نَظَرًا لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (إذْ هُوَ) أَيْ الْإِرْثُ (خِلَافُهُ لِقَرَابَتِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ) فِيمَا يَتْرُكُهُ إقَامَةً مِنْ الشَّارِعِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُقَامَهُ لِيَكُونَ انْتِفَاعُهُمْ بِمِلْكِهِ كَانْتِفَاعِهِ بِنَفْسِهِ بِهِ. (وَلِكَوْنِهِ) أَيْ الْمَوْتِ (سَبَبَ الْخِلَافَةِ خَالَفَ التَّعْلِيقَ) لِلْعِتْقِ (بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ (عَلَى) الْمَعْنَى (الْأَعَمِّ) لِلتَّعْلِيقِ (مِنْ الْإِضَافَةِ) وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى مَا هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُقُوعِ وَالْمَعْنَى الْأَعَمُّ لَهُ هُوَ تَأْخِيرُ الْحُكْمِ عَنْ زَمَانِ الْإِيجَابِ لِمَانِعٍ مِنْهُ وَقْتَئِذٍ مُقْتَرِنٍ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ التَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِغَيْرِ الْمَوْتِ (فَصَحَّ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ (وَهُوَ) أَيْ تَعْلِيقُهُ بِهِ (مَعْنَى الْوَصِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ (وَلَزِمَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ (وَهُوَ) أَيْ لُزُومُهُ (مَعْنَى التَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ) وَهُوَ تَعْلِيقُ الْمَوْلَى عِتْقَ مَمْلُوكِهِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا قَالَ فَصَحَّ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ وَلَزِمَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَبِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ لِلُزُومِهِ وَصَحَّ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ (فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ) أَيْ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بَلْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَالسَّلَفِ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَأَحْمَدَ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّدْبِيرَ الْمُطْلَقَ (وَصِيَّةٌ وَالْبَيْعُ رُجُوعٌ) عَنْهَا وَالرُّجُوعُ عَنْهَا جَائِزٌ (وَالْحَنَفِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَهُ) أَيْ التَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ (وَبَيْنَ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ بِالْمَوْتِ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّدْبِيرَ (لِلتَّمْلِيكِ) أَيْ تَمْلِيكِهِ رَقَبَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ (وَالْإِضَافَةُ) لِلتَّمْلِيكِ (إلَى زَمَانِ زَوَالِ مَالِكِيَّتِهِ لَا تَصِحُّ وَصَحَّتْ) سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ بِالْمَوْتِ وَمِنْهَا التَّدْبِيرُ. (فَعُلِمَ اعْتِبَارُهُ) أَيْ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ (سَبَبًا لِلْحَالِ شَرْعًا وَإِذَا كَانَ أَنْتَ حُرٌّ سَبَبًا لِلْعِتْقِ لِلْحَالِ وَهُوَ) أَيْ الْعِتْقُ (تَصَرُّفٌ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ ثَبَتَ بِهِ) أَيْ بِأَنْتَ حُرٌّ (حَقُّ الْعِتْقِ) لِلسَّبَبِيَّةِ الْقَائِمَةِ لِلْحَالِ (وَهُوَ) أَيْ حَقُّ الْعِتْقِ (كَحَقِيقَتِهِ) أَيْ الْعِتْقِ (كَأُمِّ الْوَلَدِ) فَإِنَّهَا اسْتَحَقَّتْ لِسَبَبِ الِاسْتِيلَادِ حَقَّ الْعِتْقِ لِلْحَالِ بِالِاتِّفَاقِ (إلَّا فِي سُقُوطِ التَّقَوُّمِ فَإِنَّهَا) أَيْ أُمَّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (لَا تَضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَلَا بِإِعْتَاقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْهَا) بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ (لِمَا عُرِفَ) فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْفُرُوعِ وَهُوَ أَنَّ التَّقَوُّمَ بِإِحْرَازِ الْمَالِيَّةِ وَهُوَ أَصْلٌ فِي الْأَمَةِ وَالتَّمَتُّعُ بِهَا تَبَعٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمُدَبَّرِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَ هَذَا الْأَصْلِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا لَمَّا اسْتَفْرَشَتْ وَاسْتَوْلَدَتْ صَارَتْ مُحْرِزَةً لِلْمَالِيَّةِ وَصَارَتْ الْمَالِيَّةُ تَبَعًا فَسَقَطَ تَقَوُّمُهَا وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ كَالْمُدَبَّرِ إلَّا أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ وَأَمُّ الْوَلَدِ لَا تَسْعَى؛ لِأَنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَى الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِمْ وَالتَّدْبِيرُ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا (وَلِذَا) أَيْ بَقَاءُ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِقَدْرِ مَا يَنْقَضِي بِهِ حَاجَةُ الْمَيِّتِ (قُلْنَا الْمَرْأَةُ تَغْسِلُ زَوْجَهَا لِمِلْكِهِ إيَّاهَا فِي الْعِدَّةِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي حُكْمِ الْقَائِمِ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَرَثَةِ فَيَتَوَقَّفُ زَوَالُهُ عَلَى انْقِضَائِهَا (وَحَاجَتُهُ) إلَيْهَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْخِدْمَةِ، وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ لَوَازِمِهَا وَكَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ

النوع الثاني عوارض الأهلية المكتسبة

أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا نِسَاؤُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. (وَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (فَالْقِصَاصُ) فَإِنَّهُ شُرِعَ (لِدَرْكِ الثَّأْرِ) وَالتَّشَفِّي (وَالْمُحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَرَثَةُ لَا الْمَيِّتُ ثُمَّ الْجِنَايَةُ) بِقَتْلِهِ (وَقَعَتْ عَلَى حَقِّهِمْ لِانْتِفَاعِهِمْ بِحَيَاتِهِ) بِالِاسْتِئْنَاسِ بِهِ وَالِانْتِصَارِ بِهِ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَحَقُّهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (أَيْضًا بَلْ أَوْلَى) لِانْتِفَاعِهِ بِحَيَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ انْتِفَاعِهِمْ إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ عِنْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ فَيَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْوَرَثَةِ الْقَائِمِينَ مُقَامَهُ خِلَافَةً عَنْهُ كَمَا يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً عِنْدَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ خِلَافَةً عَنْ الْوَكِيلِ فَالسَّبَبُ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْمُوَرِّثِ وَالْحَقُّ وَجَبَ لِلْوَرَثَةِ (فَصَحَّ عَفْوُهُ) رِعَايَةً لِجَانِبِ السَّبَبِ (وَعَفْوُهُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ) رِعَايَةً لِجَانِبِ الْوَاجِبِ مَعَ أَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيَجِبُ تَصْحِيحُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ ثُبُوتِهِ لَا سِيَّمَا إسْقَاطُ الْمُوَرِّثِ فَإِنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ (فَكَانَ) الْقِصَاصُ (ثَابِتًا ابْتِدَاءً لِلْكُلِّ وَعَنْهُ) أَيْ كَوْنُ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُوَرَّثُ الْقِصَاصُ) ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ مَوْقُوفٌ عَلَى الثُّبُوتِ لِلْمُوَرِّثِ ثُمَّ النَّقْلِ عَنْهُ إلَى الْوَرَثَةِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ (فَلَا يَنْتَصِبُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْبَقِيَّةِ) فِي طَلَبِ الْقِصَاصِ (حَتَّى تُعَادَ بَيِّنَةُ الْحَاضِرِ) عَلَى الْقِصَاصِ (عِنْدَ حُضُورِ الْغَائِبِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ فِي حَقِّ الْقِصَاصِ كَالْمُنْفَرِدِ وَلَيْسَ الثُّبُوتُ فِي حَقِّ أَحَدِهِمْ ثُبُوتًا فِي حَقِّ الْبَاقِينَ. (وَعِنْدَهُمَا يُوَرَّثُ) الْقِصَاصُ (لِأَنَّ خَلَفَهُ) أَيْ الْقِصَاصَ مِنْ الْمَالِ (مَوْرُوثٌ إجْمَاعًا وَلَا يُخَالِفُ) الْخَلَفُ (الْأَصْلَ وَالْجَوَابُ أَنَّ ثُبُوتَهُ) أَيْ الْقِصَاصِ (حَقًّا لَهُمْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ) أَيْ الْقِصَاصِ (لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (فَإِذَا صَارَ) الْقِصَاصُ (مَالًا) بِالصُّلْحِ أَوْ عَفْوِ الْبَعْضِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَالُ (يَصْلُحُ لِحَوَائِجِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ مِنْ التَّجْهِيزِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ زَالَ الْمَانِعُ وَارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ فَقُلْنَا (رَجَعَ) الْخَلَفُ (إلَيْهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ الْأَصْلُ) بِهَذَا الْقَتْلِ كَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْأَصْلُ (فَيَثْبُتُ لِوَرَثَتِهِ الْفَاضِلُ عَنْهَا) أَيْ حَوَائِجُهُ خِلَافَةً لَا أَصَالَةً وَالْخَلَفُ قَدْ يُفَارِقُ الْأَصْلَ عِنْدِ اخْتِلَافِ الْحَالِ كَالتَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ وَالتُّرَابُ لَا فَهَذِهِ تَفَاصِيلُ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَهِيَ سِتَّةٌ (وَأَحْكَامُ الْآخِرَةِ كُلُّهَا) ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ مَا يَجِبُ لَهُ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ حَقٍّ رَاجِعٍ إلَى النَّفْسِ أَوْ الْعِرْضِ أَوْ الْمَالِ وَمَا يَجِبُ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ كَذَلِكَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ عِقَابٍ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ ثَوَابٍ (ثَابِتَةٌ فِي حَقِّهِ) وَالْقَبْرُ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِحْيَاءِ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ كَالْبَطْنِ لِلْجَنِينِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْأَحْيَاءِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ» وَذَكَرَ الْأَئِمَّةُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَحْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْأَخْيَارِ وَالْأَشْرَارِ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْبَصَائِرِ وَالْأَبْصَارِ وَكَيْفَ لَا وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّارَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ الْمَهَالِكِ وَأَخَذَ بِنَوَاصِينَا إلَى سُلُوكِ أَسْلَمِ الطُّرُقِ وَالْمَسَالِكِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى رِضَاهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ. [النَّوْع الثَّانِي عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةُ] [السُّكْرُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ] (النَّوْعُ الثَّانِي الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَمِنْ الْأُولَى) أَيْ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ نَفْسِهِ (السُّكْرُ) وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي حَدِّهِ (وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا، فَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُ مُبَاحًا كَسُكْرِ الْمُضْطَرِّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ) ، وَهِيَ الَّتِي مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَشْرُطَا قَذْفَهُ بِالزَّبَدِ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ وَدَفْعِ عَطَشٍ وَالْمُكْرَهُ عَلَى شُرْبِهَا بِقَتْلِهِ أَوْ قَطْعِ عُضْوِهِ (وَالْحَاصِلُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ) كَالْبَنْجِ وَالدَّوَاءُ مَا يَكُونُ فِيهِ كَيْفِيَّةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الِاعْتِدَالِ بِهَا تَنْفَعِلُ الطَّبِيعَةُ عَنْهُ وَتَعْجِزُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ (وَالْأَغْذِيَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ) وَالْغِذَاءُ مَا يَنْفَعِلُ عَنْ الطَّبِيعَةِ فَتَتَصَرَّفُ فِيهِ وَتُحِيلُهُ إلَى مُشَابَهَةِ الْمُتَغَذَّى فَيَصِيرُ جُزْءًا مِنْهُ بَدَلًا عَمَّا يَتَحَلَّلُ (وَالْمُثَلَّثُ) وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ ثُمَّ رُقِّقَ بِالْمَاءِ وَتُرِكَ حَتَّى اشْتَدَّ إذَا شَرِبَ مِنْهُ مَا دُونَ السُّكْرِ (لَا بِقَصْدِ السُّكْرِ)

وَلَا لِلَّهْوِ وَالطَّرِبِ (بَلْ الِاسْتِمْرَاءِ وَالتَّقَوِّي) عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ أَوْ التَّدَاوِي كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِيهِ (فَكَالْإِغْمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللَّهْوِ فَصَارَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَرَضِ (لَا يَصِحُّ مَعَهُ تَصَرُّفٌ وَلَا طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ وَإِنْ رُوِيَ عَنْهُ) أَيْ وَإِنْ رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الْبَنْجَ وَعَمَلَهُ) أَيْ وَتَأْثِيرَهُ فِي الْعَقْلِ ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى أَكْلِهِ (صَحَّ) كُلٌّ مِنْ طَلَاقِهِ وَعَتَاقِهِ وَلِدَفْعِ خُصُوصِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ صَرَّحَ بِهِمَا. (وَإِنْ) كَانَ طَرِيقُهُ (مُحَرَّمًا كَمِنْ مُحَرَّمٍ) أَيْ تَنَاوُلِ مُحَرَّمٍ وَمِنْهُ شُرْبُ الْمُثَلَّثِ عَلَى قَصْدِ السُّكْرِ أَوْ اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ (فَلَا يَبْطُلُ التَّكْلِيفُ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ مَانِعُو تَكْلِيفِ الْمُحَالِ (فَيَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ وَتَصِحُّ عِبَارَاتُهُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَتَزْوِيجِ الصِّغَارِ وَالتَّزَوُّجِ وَالْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ قَائِمٌ وَإِنَّمَا عَرَضَ فَوَاتُ فَهْمِ الْخِطَابِ بِمَعْصِيَةٍ فَبَقِيَ) التَّكْلِيفُ مُتَوَجِّهًا (فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَ) وُجُوبِ (الْقَضَاءِ) لِلْعِبَادَاتِ الْمَشْرُوعِ لَهَا الْقَضَاءُ إذَا فَاتَتْهُ فِي حَالَةِ السُّكْرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا مِنْهُ حَالَتَئِذٍ وَجَعَلَ الْفَهْمَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ زَجْرًا لَهُ (إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ الْكَفَاءَةُ مُطْلَقًا) أَيْ أَبًا كَانَ الْمُزَوِّجُ أَوْ غَيْرَهُ (فِي تَزْوِيجِ الصَّغَائِرِ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى هَذَا أَيْضًا (لِأَنَّ إضْرَارَهُ بِنَفْسِهِ لَا يُوجِبُ إضْرَارَهَا وَيَصِحُّ إسْلَامُهُ) تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِسْلَامِ بِوُجُودِ أَحَدِ رُكْنَيْهِ وَكَوْنُ الْأَصْلِ الْمُطَابِقَةَ لِلِاعْتِقَادِ (كَالْمُكْرَهِ) أَيْ كَمَا صَحَّ إسْلَامُ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى وَلِأَنَّ دَلِيلَ الرُّجُوعِ وَهُوَ السُّكْرُ وَإِنْ كَانَ يُقَارِنُ الْإِسْلَامَ فَالْإِسْلَامُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ لِكَوْنِهِ رِدَّةً، وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ كَمَا قَالَ (لَا رِدَّتُهُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ) لِذِكْرِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ ذَلِكَ بَعْدَ الصَّحْوِ فَلَمْ يُوجَدْ رُكْنُهَا وَهُوَ تَبَدُّلُ الِاعْتِقَادِ وَصَارَ كَمَا لَوْ جَرَتْ عَلَى لِسَانِ الصَّاحِي خَطَأً (وَبِالْهَزْلِ) أَيْ وَيَكْفُرُ إذَا تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ هَزْلًا مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِهِ لِمَا يَقُولُ (لِلِاسْتِخْفَافِ) أَيْ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ وَلَا اسْتِخْفَافَ مِنْ السَّكْرَانِ كَمَا أَنَّهُ لَا اعْتِقَادَ لَهُ. لِأَنَّهُمَا فَرْعُ اعْتِبَارِ الْإِدْرَاكِ قَائِمًا بِهِ لَكِنَّ الشَّارِعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ كَوْنِهِ قَائِمًا بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى خُصُوصِ هَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَفْقُودٍ رَحْمَةً لَهُ بِدَلِيلِ مَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا فَدَعَانَا وَسَقَانَا مِنْ الْخَمْرِ فَأَخَذَتْ الْخَمْرُ مِنَّا وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُونِي فَقَرَأَتْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 2] وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] . قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَالْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَفِي رِوَايَتِهِ فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ ثُمَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَهُوَ صِحَّةُ رِدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ كَالصَّاحِي كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ ثُمَّ هَذَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْحُكْمِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ذَاكِرًا لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا (وَلَوْ أَقَرَّ بِمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ كَالزِّنَا) وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى الَّتِي هِيَ حُدُودٌ خَالِصَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى (لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ يُوجِبُ رُجُوعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بَعْدَ سَاعَةٍ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ مَعَ زِيَادَةِ شُبْهَةٍ أَنَّهُ يَكْذِبُ عَلَى نَفْسِهِ مُجُونًا وَتَهَتُّكًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حَالِهِ فَيَنْدَرِئُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَبْنَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ نَعَمْ يَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ لَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ فَكَيْفَ بِدَلِيلِهِ (وَبِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ) أَيْ الرُّجُوعَ (كَالْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ بَاشَرَ سَبَبَ الْحَدِّ) مِنْ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَذْفٍ (مُعَايَنَةَ حَدٍّ إذَا صَحَا) لِيَحْصُلَ الِانْزِجَارُ لَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْوَجْهُ إسْقَاطُ الْقِصَاصِ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَدٍّ أَوْ إبْدَالِ حَدٍّ بِقَوْلِهِ أَخَذَ بِمُوجِبِهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ حُدَّ إذَا صَحَا وَأُخِذَ بِمُوجِبِ الْبَاقِي وَحَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ دَلَالَةً مِنْ قَوْلِهِ حُدَّ إذَا صَحَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْإِقْرَارُ بِالْقَذْفِ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ فَالْقِصَاصُ وَغَيْرُهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ أَوْلَى بِذَلِكَ وَوَجَبَ الْحَدُّ بِمُعَايَنَةٍ مُبَاشَرَةٍ سَبَبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَرَدَّ لَهُ لِوُجُودِهِ مُشَاهَدَةً. (وَحَدُّهُ) أَيْ السُّكْرِ (اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ وَالْهَذَيَانِ) كَمَا هُوَ مُطْلَقًا قَوْلُهُمَا وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ غَالِبُ كَلَامِهِ هَذَيَانًا

الهزل من عوارض الأهلية المكتسبة

فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصُّحَاةِ فِي إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ فِي الْعُرْفِ مَنْ اخْتَلَطَ جِدُّهُ بِهَزْلِهِ فَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ إذَا كَانَ يَهْذِي سُمِّيَ سَكْرَانًا وَتَأَيَّدَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا سَكِرَ هَذَى رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ (وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي السُّكْرِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ أَنْ لَا يُمَيِّزَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ وَلَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ إذْ لَوْ مَيَّزَ) بَيْنَهَا (فَفِيهِ) أَيْ سُكْرِهِ (نُقْصَانٌ وَهُوَ) أَيْ نُقْصَانُهُ (شُبْهَةُ الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ السُّكْرِ وَهُوَ الصَّحْوُ (فَيَنْدَرِئُ) الْحَدُّ (بِهِ) أَيْ بِهَذَا النُّقْصَانِ (وَأَمَّا) حَدُّ السُّكْرِ عِنْدَهُ (فِي غَيْرِ وُجُوبِ الْحَدِّ مِنْ الْأَحْكَامِ فَالْمُعْتَبَرُ عِنْده أَيْضًا اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ حَتَّى لَا يَرْتَدَّ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَعَهُ) أَيْ مَعَ اخْتِلَاطِ الْكَلَامِ (وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ بِمَا يُوجِبُ) الْحَدَّ عِنْدَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى قَوْلَهُمَا لِضَعْفِ وَجْهِ قَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ قَالَ يُؤْخَذُ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ بِأَقْصَاهَا فَقَدْ سَلَّمَ أَنَّ السُّكْرَ يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْحَالَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا وَأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ هِيَ سُكْرٌ. وَالْحَدُّ إنَّمَا أُنِيطَ فِي الدَّلِيلِ الَّذِي أَثْبَتَ حَدَّ السُّكْرِ بِمَا يُسَمَّى سُكْرًا لَا بِالْمَرْتَبَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي ذَكَرَ قَلَّمَا يَصِلُ إلَيْهَا سَكْرَانُ فَيُؤَدِّي إلَى عَدَمِ الْحَدِّ بِالسُّكْرِ هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ اخْتِلَاطَ الْكَلَامِ أَوْ عَدَمَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ نَفْسُ السُّكْرِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَامَةٌ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ مَعْنَى يُزِيلُ الْعَقْلَ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ مُزِيلٍ لَهُ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ السُّكْرُ جُنُونًا وَقِيلَ غَفْلَةً تَعْرِضُ لِغَلَبَةِ السُّرُورِ عَلَى الْعَقْلِ بِمُبَاشَرَةِ مَا يُوجِبُهَا قَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِيُّ فَتَخْرُجُ الْغَفْلَةُ الَّتِي لَا تُوجِبُ السُّرُورَ كَاَلَّتِي مِنْ شُرْبِ الْأَفْيُونِ وَالْبَنْجِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْجُنُونِ لَا مِنْ السُّكْرِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا فِي الشَّرْعِ أُلْحِقَتْ بِهِ وَلَا يَعْرَى عَنْ نَظَرٍ وَفِي التَّلْوِيحِ، وَهِيَ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ امْتِلَاءِ دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ إلَيْهِ فَيَتَعَطَّلُ مَعَهُ عَقْلُهُ الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ اهـ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ الْمُمَيِّزُ إلَخْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَ. [الْهَزْلُ مِنْ عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ] (وَمِنْهَا) أَيْ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ نَفْسِهِ (الْهَزْلُ) وَهُوَ لُغَةً اللَّعِبُ وَاصْطِلَاحًا (أَنْ لَا يُرَادَ بِاللَّفْظِ وَدَلَالَتِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَلَا الْمَجَازِيُّ) لِلَّفْظِ بَلْ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُهُمَا وَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ مِنْهُ (ضِدُّهُ الْجِدُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْمَجَازِيُّ لَهُ (وَمَا يَقَعُ) الْهَزْلُ (فِيهِ) مِنْ الْأَقْسَامِ (إنْشَاءَاتٌ فَرِضَاهُ) أَيْ الْهَازِلِ (بِالْمُبَاشَرَةِ) أَيْ بِالتَّكَلُّمِ بِصِيَغِهَا (لَا بِحُكْمِهَا) أَيْ لَا بِثُبُوتِ الْأَثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الْمَوْضُوعَةِ لَهُ (أَوْ إخْبَارَاتٌ أَوْ اعْتِقَادَاتٌ) ؛ لِأَنَّ مَا يَقَعُ الْهَزْلُ فِيهِ إنْ كَانَ إحْدَاثَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِنْشَاءٌ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ إلَى بَيَانِ الْوَاقِعِ فَإِخْبَارٌ وَإِلَّا فَاعْتِقَادٌ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْإِنْشَاءُ (إحْدَاثُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَيْ) إحْدَاثُ (تَعَلُّقِهِ) وَإِلَّا فَنَفْسُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ قَدِيمٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْهَزْلُ فِيهِ إمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَإِمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهُ (فَإِمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ) أَيْ الْفَسْخَ وَالْإِقَالَةَ (كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِمَّا أَنْ يَتَوَاضَعَا فِي أَصْلِهِ) أَيْ تَجْرِي الْمُوَاضَعَةُ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ قَبْلَ الْعَقْدِ (عَلَى التَّكَلُّمِ بِهِ) أَيْ بِلَفْظِ الْعَقْدِ (غَيْرَ مُرِيدِينَ حُكْمَهُ) أَيْ الْعَقْدِ (أَوْ) يَتَوَاضَعَا (عَلَى قَدْرِ الْعِوَضِ أَوْ) يَتَوَاضَعَا عَلَى (جِنْسِهِ) أَيْ الْعِوَضِ (فَفِي الْأَوَّلِ) أَيْ تَوَاضُعِهِمَا فِي أَصْلِهِ (إنْ اتَّفَقَا بَعْدَهُ) أَيْ الْعَقْدِ (عَلَى الْإِعْرَاضِ عِنْدَهُ) أَيْ الْعَقْدِ (إلَى الْجِدِّ) بِأَنْ قَالَا بَعْدَ الْبَيْعِ قَدْ أَعْرَضْنَا وَقْتَ الْبَيْعِ عَنْ الْهَزْلِ وَبِعْنَا بِطَرِيقِ الْجِدِّ (لَزِمَ الْبَيْعُ) وَبَطَلَ الْهَزْلُ بِقَصْدِهِمَا الْجِدَّ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلرَّفْعِ وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ يَقْبَلُ الرَّفْعَ بِالْإِقَالَةِ فَهَذَا أَوْلَى فَهَذِهِ أُولَى صُوَرِ الِاتِّفَاقِ (أَوْ) اتَّفَقَا (عَلَى الْبِنَاءِ) لِلْعَقْدِ (عَلَيْهِ) أَيْ التَّوَاضُعِ (فَكَشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ صَارَ الْعَقْدُ كَالْعَقْدِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ (لَهُمَا) أَيْ لِلْعَاقِدَيْنِ (مُؤَبَّدًا إذَا رَضِيَا) فِيهِ (بِالْمُبَاشَرَةِ فَقَطْ) أَيْ لَا بِالْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ أَيْضًا كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ (فَيَفْسُدُ) الْعَقْدُ فِيهِ كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ (وَلَا يَمْلِكُ) الْمَبِيعَ فِيهِ (بِالْقَبْضِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ) كَذَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ وَفِي التَّلْوِيحِ لَوْ قَالَ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ الْحُكْمِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْمَانِعُ عَنْ الْمِلْكِ لَا عَدَمِ الرِّضَا.

كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ لِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الرِّضَا إذْ الِاخْتِيَارُ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَتُهُ وَالرِّضَا إيثَارُهُ وَاسْتِحْسَانُهُ فَالْمُكْرَهُ عَلَى الشَّيْءِ يَخْتَارُهُ وَلَا يَرْضَاهُ وَمِنْ هُنَا قَالُوا الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِحُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِرِضَاهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ هَذَا حَيْثُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ بِالْقَبْضِ لِوُجُودِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ (فَإِنْ نَقَضَهُ) أَيْ الْعَقْدَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ (أَحَدُهُمَا) أَيْ الْعَاقِدَيْنِ (انْتَقَضَ) ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا النَّقْضُ فَيَنْفَرِدُ بِهِ (لَا إنْ أَجَازَهُ) أَيْ أَحَدُهُمَا الْعَقْدَ دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَارَتِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لَهُمَا فَإِجَازَةُ أَحَدِهِمَا لَا تُبْطِلُ اخْتِيَارَ الْآخَرِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَجَازَاهُ) أَيْ الْعَاقِدَانِ الْعَقْدَ (جَازَ بِقَيْدِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ إجَازَتُهُمَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ عِنْدَهُ لِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ لَا فِيمَا بَعْدَهَا لِتَقَرُّرِ الْفَسَادِ بِمُضِيِّهَا (وَمُطْلَقًا) أَيْ وَجَازَ إذَا أَجَازَاهُ أَيَّ وَقْتٍ أَرَادَ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ النَّقْضُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدُ عِنْدَهُمَا فَهَذِهِ ثَانِيَةُ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ (أَوْ) اتَّفَقَا عَلَى (إنْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا) أَيْ لَمْ يَقَعْ بِخَاطِرِهِمَا وَقْتَ الْعَقْدِ (شَيْءٌ) أَيْ لَا الْبِنَاءُ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَلَا الْإِعْرَاضُ عَنْهَا وَهَذِهِ ثَالِثَةُ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ (أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَاضِ) عَنْ الْمُوَاضَعَةِ (وَالْبِنَاءِ) عَلَيْهَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا بَنَيْنَا الْعَقْدَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ. وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ أَعْرَضْنَا عَنْهَا بِالْجِدِّ وَهَذِهِ رَابِعَةٌ وَالْحُكْمُ فِيهَا وَفِيمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ (صَحَّ الْعَقْدُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا (عَمَلًا بِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْعَقْدِ) الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الصِّحَّةُ وَاللُّزُومُ حَتَّى يَقُومَ الْمُعَارِضُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْمِلْكِ وَالْجِدُّ هُوَ الظَّاهِرُ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ فِيهِ (أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْمُوَاضَعَةِ) ؛ لِأَنَّهَا عَارِضٌ لَمْ تُنَوِّرْ دَعْوَى مُدَّعِيهَا بِالْبَيَانِ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ (وَلَمْ يَصِحَّ) الْعَقْدُ فِيهِمَا (عِنْدَهُمَا لِعَادَةِ الْبِنَاءِ) أَيْ لِاعْتِيَادِ بِنَائِهِمَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ (وَكَيْ لَا تَلْغُوَ الْمُوَاضَعَةُ السَّابِقَةُ) أَيْ يَكُونُ الِاشْتِغَالُ بِهَا عَبَثًا (وَالْمَقْصُودُ) مِنْهَا (وَهُوَ صَوْنُ الْمَالِ عَنْ الْمُتَغَلِّبِ فَهُوَ) أَيْ الْبِنَاءُ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ (الظَّاهِرُ وَدُفِعَ بِأَنَّ) الْعَقْدَ (الْآخَرَ) وَهُوَ الْعَقْدُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْضُرَهُمَا شَيْءٌ (نَاسِخٌ) لِلْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ لِخُلُوِّهِ عَنْهَا مَعَ أَنَّ عَقْلَ الْعَاقِدَيْنِ وَدِينَهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُفْسِدُهُ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى الْفَسَادِ كَمَا فِي صُوَرِ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْهَزْلِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ تَرْجِيحًا لِقَوْلِهِمَا فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ (وَقَدْ يُقَالُ هُوَ) أَيْ كَوْنُ الْآخَرِ نَاسِخًا لِلْمُوَاضَعَةِ (فَرْعُ الرِّضَا) بِهِ (إذْ مُجَرَّدُ صُورَةِ الْعَقْلِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ رَفْعَ مَا سَبَقَ (إلَّا بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الرِّضَا بِهِ (وَفُرِضَ عَدَمُ إرَادَةِ شَيْءٍ) فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ (فَيُصْرَفُ) الْعَقْدُ (إلَى مُوَافَقَةِ) التَّوَاضُعِ (الْأَوَّلِ وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا) فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ (أَعْرَضَ لَا يُوجِبُ صِحَّتَهُ) أَيْ الْعَقْدِ. (إذْ لَا يَقُومُ الْعَقْدُ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَعْرَضْت) عِنْدَ الْعَقْدِ عَنْ الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ (وَالْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ) وَهَذِهِ صُورَةٌ خَامِسَةٌ (أَوْ بَنَى أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي) شَيْءٌ وَهَذِهِ صُورَةٌ سَادِسَةٌ (فَعَلَى أَصْلِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ (عَدَمُ الْحُضُورِ كَالْإِعْرَاضِ) عَمَلًا بِالْعَقْدِ فَيَصِحُّ فِي الصُّورَتَيْنِ (وَهُمَا) يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِمَا أَنْ يَكُونَا قَائِلِينَ بِأَنَّهُ (كَالْبِنَاءِ) تَرْجِيحًا لِلْمُوَاضَعَةِ بِالْعَادَةِ وَالسَّبْقِ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا وَفِي التَّلْوِيحِ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ صُورَةِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْرَاضِ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ اهـ وَتُعَقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ جِهَةُ الصِّحَّةِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا بَنَى أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَى أَصْلِهِ لِاجْتِمَاعِ الْمُصَحِّحِ وَالْمُفْسِدِ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُفْسِدِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَمَسُّكَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ الصِّحَّةُ وَهُمَا) أَيْ تَمَسُّكُهُمَا (بِأَنَّ الْعَادَةَ تَحْقِيقُ الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي دَعْوَى الْإِعْرَاضِ أَوْ الْبِنَاءِ وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الِاخْتِلَافِ بِأَنْ يُقِرَّا بِإِعْرَاضِ أَحَدِهِمَا وَبِنَاءِ الْآخَرِ فَلَا قَائِلَ بِالصِّحَّةِ) بَلْ الِاتِّفَاقُ حِينَئِذٍ عَلَى بُطْلَانِ الْعَقْدِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (وَمَجْمُوعُ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ

وَالِاخْتِلَافِ) فِي ادِّعَاءِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى إعْرَاضِهِمَا أَوْ بِنَائِهِمَا أَوْ ذُهُولِهِمَا أَوْ بِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَإِعْرَاضِ الْآخَرِ أَوْ) بِنَاءِ أَحَدِهِمَا (وَذُهُولِهِ) أَيْ الْآخَرِ (أَوْ إعْرَاضِ أَحَدِهِمَا وَذُهُولِ الْآخَرِ سِتَّةٌ وَالِاخْتِلَافُ دَعْوَى أَحَدِهِمَا إعْرَاضَهُمَا وَبِنَاءَهُمَا وَذُهُولَهُمَا وَبِنَاءَهُ مَعَ إعْرَاضِ الْآخَرِ أَوْ) بِنَاءَهُ مَعَ (ذُهُولِهِ) أَيْ الْآخَرِ (وَإِعْرَاضَهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ) إعْرَاضَهُ (مَعَ ذُهُولِهِ) أَيْ الْآخَرِ (وَذُهُولَهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ) ذُهُولَهُ مَعَ (إعْرَاضِهِ) أَيْ الْآخَرِ (تِسْعَةٌ وَكُلٌّ) مِنْ هَذِهِ التَّقَادِيرِ التِّسْعَةِ تَكُونُ (مَعَ دَعْوَى الْآخَرِ إحْدَى الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ) مِنْهَا. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (تَمَّتْ) صُوَرُ الِاخْتِلَافِ (ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ) حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ التِّسْعَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ (وَسِتَّةُ الِاتِّفَاقِ) أَيْ وَسِتَّةُ أَقْسَامِ الِاتِّفَاقِ تُضَمُّ إلَيْهَا فَتَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَسَبْعِينَ قِيلَ وَالْحَقُّ أَنْ تُجْعَلَ صُوَرُ الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ سِتًّا وَثَلَاثُونَ إنْ أَرَادَ بِأَحَدِهِمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَإِحْدَى وَثَمَانِينَ إنْ أَرَادَ بِهِ مُعَيَّنًا فَحِينَئِذٍ صُوَرُ الِاتِّفَاقِ تِسْعٌ وَصُوَرُ الِاخْتِلَافِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ التِّسْعَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُسْتَخْرَجْ لِكُلٍّ مِنْ الْأَقْسَامِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ (وَإِمَّا) أَنْ يَتَوَاضَعَا (فِي قَدْرِ الْعِوَضِ بِأَنْ تَوَاضَعَا) عَلَى الْبَيْعِ (بِأَلْفَيْنِ وَالثَّمَنُ أَلْفٌ فَهُمَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (يَعْمَلَانِ) فِي التَّقَادِيرِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْبِنَاءِ وَعَلَى الْإِعْرَاضِ وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ مِنْهُمَا وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ (بِالْمُوَاضَعَةِ إلَّا فِي إعْرَاضِهِمَا) عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا يَعْمَلَانِ بِالْإِعْرَاضِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ أَلْفَيْنِ وَهَذَا أَيْضًا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (وَهُوَ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَصَحِّ عَنْهُ يَعْمَلُ (بِالْعَقْدِ) فَيَقُولُ بِصِحَّتِهِ بِأَلْفَيْنِ (فِي الْكُلِّ وَالْفَرْقُ لَهُ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ (بَيْنَ الْبِنَاءِ هُنَا وَثَمَّةَ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوَاضَعَةُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ حَيْثُ قَالَ بِفَسَادِهِ فِي بِنَائِهِمَا كَمَا قَالَا (أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُوَاضَعَةِ) هُنَا (تَجْعَلُ قَبُولَ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ شَرْطًا لِقَبُولِ الْبَيْعِ بِالْأَلْفِ) الْآخَرِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْأَلْفَيْنِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ حِينَئِذٍ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ لَا يَجِبَ أَحَدُ الْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْهَزْلِ فِي مَنْعِ الْوُجُوبِ لَا فِي الْإِخْرَاجِ بَعْدَ الْوُجُوبِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِهِمَا (فَيَفْسُدُ) الْبَيْعُ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ (فَالْحَاصِلُ التَّنَافِي بَيْنَ تَصْحِيحِهِ) أَيْ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْجِدِّ فِيهِ (وَاعْتِبَارُ الْمُوَاضَعَةِ) فِي الثَّمَنِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْهَزْلِ فِيهِ (تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ) وَهُوَ الْمَبِيعُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ جَادٌّ فِيهِ عَلَى الْوَصْفِ وَهُوَ الثَّمَنُ إذْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَبِيعِ لَا مَقْصُودٌ وَإِلَّا لَزِمَ إهْدَارُ الْأَصْلِ لِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ وَهُوَ بَاطِلٌ. (فَيَنْتَفِي الثَّانِي) أَيْ اعْتِبَارُ الْمُوَاضَعَةِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا ثَمَّةَ مُعَارِضٌ يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِهَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا اتِّفَاقًا (وَإِمَّا) أَنْ يَتَوَاضَعَا (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الثَّمَنِ بِأَنْ يَتَّفِقَا فِي إظْهَارِ الْعَقْدِ بِمِائَةِ دِينَارٍ مَثَلًا يَكُونُ الثَّمَنُ فِي الْوَاقِعِ أَلْفَ دِرْهَمٍ (فَالْعَمَلُ بِالْعَقْدِ اتِّفَاقًا فِي الْكُلِّ) مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَعَلَى الْبِنَاءِ وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ مِنْهُمَا وَمِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ (وَالْفَرْقُ لَهُمَا) بَيْنَ الْهَزْلِ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ حَيْثُ قَالَا فِي الْقَدْرِ يُعْمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ فِي الْبِنَاءِ وَفِي الْجِنْسِ يُعْمَلُ بِالْعَقْدِ فِيهِ (أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُوَاضَعَةِ مَعَ الصِّحَّةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُعْدَمُ لِعَدَمِ تَسْمِيَةِ بَدَلٍ) فِيهِ إذْ هِيَ رُكْنٌ فِيهِ (وَبِاعْتِبَارِ الْمُوَاضَعَةِ يَكُونُ) الْبَدَلُ (أَلْفًا وَلَيْسَ) الْأَلْفُ (مَذْكُورًا فِي الْعَقْدِ بَلْ) الْمَذْكُورُ فِيهِ (مِائَةُ دِينَارٍ، وَهِيَ غَيْرُ الثَّمَنِ) فَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الصِّحَّةِ مَعَ الْعَمَلِ بِهَا، فَإِنْ قِيلَ دَعْهُ لَا تَجْتَمِعُ مَعَ الصِّحَّةِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا أَوْجَبَا الْمُوَاضَعَةَ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فِي الْأَصْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُوَاضَعَةِ لَيْسَ إلَّا لِتَحْقِيقِ غَرَضِهِمَا مِنْهَا وَغَرَضُهُمَا مِنْهَا فِي الْأَصْلِ أَنْ لَا يَصِحَّ كَيْ لَا يَخْرُجَ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِهِ وَغَرَضُهُمَا مِنْهَا فِي الْبَدَلِ لَيْسَ إلَّا صِحَّةَ الْعَقْدِ مَعَ الْبَدَلِ الْمُتَوَاضِعِ عَلَيْهِ فَالْعَمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ هُوَ التَّصْحِيحُ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الْجِنْسِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (بِخِلَافِهَا) أَيْ

الْمُوَاضَعَةِ (فِي الْقَدْرِ يُمْكِنُ التَّصْحِيحُ مَعَ اعْتِبَارِهَا) أَيْ الْمُوَاضَعَةِ. (فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْأَلْفِ الْكَائِنَةِ فِي ضِمْنِ الْأَلْفَيْنِ) إذْ الْأَلْفُ مَوْجُودَةٌ فِي الْأَلْفَيْنِ فَتَكُونُ مَذْكُورَةً فِي الْعَقْدِ فَيَكُونُ ثَمَنًا وَلَمَّا كَانَ مِنْ وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْعَمَلِ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا فِيمَا إذَا تَوَاضَعَا فِي الْقَدْرِ أَنَّ فِي الْعَمَلِ بِالْمُوَاضَعَةِ لُزُومَ شَرْطٍ فَاسِدٍ فِيهَا وَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُمَا مُحْتَاجَانِ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ قِيلَ فِيهِ (وَالْهَزْلُ بِالْأَلْفِ الْأُخْرَى) وَإِنْ كَانَ شَرْطًا مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ لَكِنَّهُ (شَرْطٌ لَا طَالِبٌ مِنْ الْعِبَادِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ ثَمَنِيَّتِهِ) فَلَا يَطْلُبُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ ذَكَرَاهُ وَلَا غَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ (وَلَا يَفْسُدُ) الْعَقْدُ بِهِ إذْ كُلُّ شَرْطٍ لَا طَالِبَ لَهُ مِنْ الْعِبَادِ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ (كَشَرْطِ أَنْ لَا يَعْلِفَ الدَّابَّةَ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لَكِنَّ الْجَوَابَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَقَعَ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الطَّالِبُ لَكِنْ لَا يُطَالَبُ بِهِ لِلْمُوَاضَعَةِ وَعَدَمُ الطَّلَبِ بِوَاسِطَةِ الرِّضَا لَا يُفِيدُ الصِّحَّةَ كَالرِّضَا بِالرِّبَا اهـ وَأَيْضًا الْعَمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ فِيهَا لَا يُوجِبُ جَعْلَ قَبُولِ مَا لَيْسَ بِثَمَنٍ شَرْطًا لِقَبُولِ مَا هُوَ ثَمَنٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَيُوجِبُ الْفَسَادَ كَاشْتِرَاطِ قَبُولِ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ لِقَبُولِ مَا هُوَ مَبِيعٌ وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ مُعْتَبَرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَالِبٌ مِنْ الْعِبَادِ كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ أَخَذَ فِي قَسِيمِ قَوْلِهِ فَأَمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَقَالَ (وَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهُ) أَيْ النَّقْضَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْفَسْخُ وَالْإِقَالَةُ (مِمَّا لَا مَالَ فِيهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ) مَجَّانًا فِيهِمَا (وَالْعَفْوِ) عَنْ الْقِصَاصِ (وَالْيَمِينِ وَالنَّذْرِ فَيَصِحُّ) كُلٌّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ. (وَيَبْطُلُ الْهَزْلُ لِلرِّضَا بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ مَلْزُومٌ لِلْحُكْمِ شَرْعًا) فَيَنْعَقِدُ وَلَا يَمْنَعُ الْهَزْلُ مِنْ انْعِقَادِهِ وَحُكْمُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لَا يَحْتَمِلُ التَّرَاخِيَ وَالرَّدَّ بِالْإِقَالَةِ ثُمَّ بَيَّنَ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ بِقَوْلِهِ (أَيْ الْعِلَّةِ) وَسَنَذْكُرُ قَرِيبًا مِنْ السُّنَّةِ مَا يُؤَيِّدُهُ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنِهِ مَلْزُومًا لِلْحُكْمِ (لَا يَحْتَمِلُ شَرْطَ الْخِيَارِ) ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّرَاخِيَ فِي الْحُكْمِ (بِخِلَافِ قَوْلِنَا الطَّلَاقُ الْمُضَافُ) كَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا (سَبَبٌ لِلْحَالِ فَإِنَّهُ) أَيْ السَّبَبَ (يَعْنِي بِهِ الْمُفْضِي) لِلْوُقُوعِ لَا الْعِلَّةَ وَلِذَا لَا يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْإِيجَابِ وَجَازَ تَأَخُّرُ الْحُكْمِ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ عِلَّةً لَاسْتَنَدَ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُنَجَّزَ عِلَّةٌ مَلْزُومَةٌ لِحُكْمِهِ فَإِذَا أُضِيفَ صَارَ سَبَبًا فَقَطْ وَحَقِيقَةُ السَّبَبِ مَا يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ إفْضَاءً لَا مَا يَسْتَلْزِمُهُ فِي الْحَالِ (وَمَا فِيهِ) الْمَالُ تَبَعًا (كَالنِّكَاحِ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ الْحِلُّ لِلتَّوَالُدِ، وَالْمَالُ شُرِعَ فِيهِ لِإِظْهَارِ خَطَرِ الْمَحَلِّ وَلِهَذَا يَصِحُّ بِدُونِ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَيَتَحَمَّلُ فِي الْمَهْرِ مِنْ الْجَهَالَةِ مَا لَا يَتَحَمَّلُ فِي غَيْرِهِ، لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ مَحَلُّ نَظَرٍ فَإِنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَبِرِدَّتِهَا فَسْخٌ اهـ. قُلْت وَبِكَوْنِ رِدَّتِهَا فَسْخًا يَظْهَرُ أَيْضًا عَدَمُ تَمَامِ مَا قِيلَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ رِدَّتَهَا فِيمَا هَذَا شَأْنُهُ فَسْخٌ. (فَإِنْ) تَوَاضَعَا (فِي أَصْلِهِ) بِأَنْ قَالَ أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِأَلْفٍ هَازِلًا عِنْدَ النَّاسِ وَلَا يَكُونُ بَيْنَنَا فِي الْوَاقِعِ نِكَاحٌ وَوَافَقَتْهُ عَلَى ذَلِكَ وَحَضَرَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ (لَزِمَ) النِّكَاحُ وَانْعَقَدَ صَحِيحًا قَضَاءً وَدِيَانَةً اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ فِيهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلْفَسْخِ بَعْدَ تَمَامِهِ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (أَوْ) تَوَاضَعَا (فِي قَدْرِ الْمَهْرِ) أَيْ عَلَى أَلْفَيْنِ وَيَكُونُ الْوَاقِعُ أَلْفًا (فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ فَأَلْفَانِ) الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ لِبُطْلَانِ الْمُوَاضَعَةِ بِإِعْرَاضِهِمَا عَنْهَا (أَوْ) اتَّفَقَا عَلَى (الْبِنَاءِ فَأَلْفٌ) الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْآخَرَ ذُكِرَ هَزْلًا وَلَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِ الْهَزْلِ فِيهِ إذْ الْمَالُ لَا يَجِبُ مَعَ الْهَزْلِ (وَالْفَرْقُ لَهُ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ (بَيْنَهُ) أَيْ الْهَزْلِ بِقَدْرِ الْمَهْرِ (وَبَيْنَ) الْهَزْلِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ فِي (الْمَبِيعِ) حَيْثُ اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْبِنَاءِ فِي الْمُوَاضَعَةِ عَلَى قَدْرِ الْبَدَلِ فِي الْبَيْعِ وَاعْتَبَرَ الْمُوَاضَعَةَ فِي اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْبِنَاءِ هُنَا (أَنَّهُ) أَيْ الْبَيْعَ

(يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ) الْفَاسِدِ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَوَجَبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْمُوَاضَعَةِ فِيهِ وَاعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ كَيْ لَا يَفْسُدَ الْبَيْعُ فَيَفُوتَ مَقْصُودُهُمَا وَهُوَ الصِّحَّةُ (لَا النِّكَاحُ) أَيْ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْمُوَاضَعَةِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ فَسَادٍ فَاعْتُبِرَ. (وَإِنْ اتَّفَقَا أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ أَوْ اخْتَلَفَا جَازَ بِأَلْفٍ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَابِعٌ حَتَّى صَحَّ الْعَقْدُ بِدُونِهِ فَيَعْمَلُ بِالْهَزْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) فَإِنَّ الثَّمَنَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا تَابِعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْإِيجَابِ لِكَوْنِهِ أَحَدَ رُكْنَيْ الْبَيْعِ (حَتَّى فَسَدَ لِمَعْنًى فِي الثَّمَنِ) كَجَهَالَتِهِ (فَضْلًا عَنْ عَدَمِهِ) أَيْ ذِكْرِ الثَّمَنِ (فَهُوَ) أَيْ الثَّمَنُ (كَالْمَبِيعِ وَالْعَمَلُ بِالْهَزْلِ يَجْعَلُهُ شَرْطًا فَاسِدًا) كَمَا تَقَدَّمَ (فَيَلْزَمُ مَا تَقَدَّمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (وَهِيَ أَصَحُّ) كَمَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ (أَلْفَانِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ كُلًّا) مِنْ الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ (لَا يَثْبُتُ إلَّا قَصْدًا وَنَصًّا وَالْعَقْلُ يَمْنَعُ مِنْ الثَّبَاتِ عَلَى الْهَزْلِ فَيُجْعَلُ) عِنْدَهُمَا بِأَلْفَيْنِ عَقْدًا (مُبْتَدَأً عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا) لَا بِنَاءً عَلَى الْمُوَاضَعَةِ ذَكَرَهُ فِي كَشْفِ الْمَنَارِ وَهُوَ قَاصِرٌ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَا فَالْأَوْلَى كَمَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْفَسَادِ إهْدَارٌ لِجَانِبِ الْفَسَادِ وَاعْتِبَارٌ لِلْجِدِّ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ فَيَشْمَلُ مَا إذَا لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ كَمَا يَشْمَلُ مَا إذَا اخْتَلَفَا (أَوْ) تَوَاضَعَا (فِي الْجِنْسِ) أَيْ جِنْسِ الْمَهْرِ بِأَنْ يَذْكُرَا فِي الْعَلَانِيَةِ مِائَةَ دِينَارٍ وَيَكُونَ الْمَهْرُ فِي الْوَاقِعِ أَلْفَ دِرْهَمٍ (فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ فَالْمُسَمَّى) وَهُوَ مِائَةُ دِينَارٍ لِبُطْلَانِ الْمُوَاضَعَةِ بِالْإِعْرَاضِ (أَوْ) تَوَافَقَا عَلَى (الْبِنَاءِ فَمَهْرُ الْمِثْلِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ إذْ الْمُسَمَّى هَزْلٌ وَلَا يَثْبُتُ الْمَالُ بِهِ) أَيْ بِالْهَزْلِ (وَالْمُتَوَاضَعُ عَلَيْهِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ) وَالتَّزَوُّجُ بِلَا مَهْرٍ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ (بِخِلَافِهَا) أَيْ الْمُوَاضَعَةِ (فِي الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَدْرَ الْمُتَوَاضَعَ عَلَيْهِ كَالْأَلْفِ (مَذْكُورٌ ضِمْنَ الْمَذْكُورِ) فِي الْعَقْدِ كَالْأَلْفَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) تَوَافَقَا (عَلَى أَنْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا) شَيْءٌ (أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ (مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بُطْلَانُ الْمُسَمَّى) . ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَابِعٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ عَلَى الْهَزْلِ (كَيْ لَا يَصِيرَ الْمَهْرُ مَقْصُودًا بِالصِّحَّةِ كَالْبَيْعِ) أَيْ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالْوَاقِعُ أَنْ لَا حَاجَةَ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ إلَى صِحَّةِ الْمَهْرِ وَإِذَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْهَزْلِ بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ (فَيَلْزَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ (الْمُسَمَّى) وَالْمُوَاضَعَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ بِالْمَهْرِ فِي حُكْمِ الصِّحَّةِ (كَالْبَيْعِ) أَيْ مِثْلِ الثَّمَنِ فِي ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَكَمَا جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَمَلَ بِصِحَّةِ الْإِيجَابِ أَوْلَى مِنْ الْمُوَاضَعَةِ فِي صُورَتَيْ السُّكُوتِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْمُوَاضَعَةِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الصِّحَّةِ عَلَى الْفَسَادِ فَكَذَا فِي تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ يُؤَثِّرُ فِي تَسْمِيَتِهِ بِالْإِفْسَادِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ (وَعِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْوَاجِبُ (مَهْرُ الْمِثْلِ لِتَرْجِيحِهِمَا الْمُوَاضَعَةَ بِالْعَادَةِ فَلَا مَهْرَ) مُسَمًّى (لِعَدَمِ الذِّكْرِ فِي الْعَقْدِ وَ) عَدَمِ (ثُبُوتِ الْمَالِ بِالْهَزْلِ وَمَا فِيهِ) الْمَالُ (مَقْصُودًا بِأَنْ لَا يَثْبُتَ) الْمَالُ (بِلَا ذِكْرِهِ) أَيْ الْمَالِ (كَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَهَزْلُهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (فِي الْأَصْلِ) بِأَنْ تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بِمَالٍ أَوْ يُعْتِقَهَا عَلَى مَالٍ أَوْ يُصَالِحَهُ عَلَى مَالٍ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى وَجْهِ الْهَزْلِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالصُّلْحِ (أَوْ الْقَدْرِ) بِأَنْ طَلَّقَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ أَوْ أَعْتَقَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ أَوْ صَالَحَهُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى أَلْفَيْنِ مَعَ الْمُوَاضَعَةِ بِأَنَّ الْمَالَ أَلْفٌ (أَوْ الْجِنْسِ) بِأَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ يُعْتِقَهَا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ يُصَالِحَهُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ مَعَ الْمُوَاضَعَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ أَلْفُ دِرْهَمٍ (يَلْزَمُ الطَّلَاقَ وَالْمَالَ فِي الْإِعْرَاضِ وَعَدَمِ الْحُضُورِ) لِلْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ (وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ اتِّفَاقًا) مَعَ اخْتِلَافٍ فِي التَّخْرِيجِ (فَفِي الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ عَدَمِ الْحُضُورِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (لِتَرْجِيحِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَذَلِكَ) أَيْ تَرْجِيحُهُ عَلَيْهَا (فِي الِاخْتِلَافِ يَجْعَلُ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْإِعْرَاضِ) . ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ الصِّحَّةُ وَاللُّزُومُ مَا لَمْ يُوجَدْ مُعَارِضٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فَمُدَّعِي الْإِعْرَاضِ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَفِي

الْأَوَّلِ أَعْنِي الْإِعْرَاضَ ظَاهِرٌ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لَبُطْلَانِهَا بِالْإِعْرَاضِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ حُكْمًا وَدَلِيلًا (وَلِعَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (فِي صُوَرِهَا) أَيْ الْمُوَاضَعَةِ الثَّلَاثِ (حَتَّى لَزِمَا) أَيْ الطَّلَاقُ وَالْمَالُ (فِي الْبِنَاءِ) عَلَى الْمُوَاضَعَةِ (أَيْضًا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِالْهَزْلِ لَكِنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّلَاقِ لِاسْتِغْنَائِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ (عَنْهُ) أَيْ الْمَالِ (لَوْلَا الْقَصْدُ إلَى ذِكْرِهِ فَإِذَا ثَبَتَ الْمُتَضَمِّنُ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَهُوَ الطَّلَاقُ (ثَبَتَ) الْمُتَضَمَّنُ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمَالُ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا، فَإِنْ قِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ جَعْلُ الْمَالِ فِي هَذَا تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ سَلَفَ أَنَّهُ فِيهِ مَقْصُودٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ أَنَّهُ فِيهِ تَبَعٌ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْهَزْلَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي أَصْلِهِ فَإِنَّ الْمَالَ تَابِعٌ فِي النِّكَاحِ وَقَدْ أَثَّرَ فِي الْمَالِ حَتَّى كَانَ الْمَهْرُ أَلْفًا فِيمَا إذَا هَزَلَا بِأَلْفَيْنِ أُجِيبَ بِمَنْعِ عَدَمِ الِاسْتِقَامَةِ وَكَيْفَ لَا (وَالتَّبَعِيَّةُ) أَيْ تَبَعِيَّةُ الْمَالِ لِلطَّلَاقِ (بِهَذَا الْمَعْنَى) وَهُوَ كَوْنُهُ فِي الثُّبُوتِ تَابِعًا لَهُ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فِيهِ وَالشُّرُوطُ أَتْبَاعٌ عَلَى مَا عُرِفَ (لَا تُنَافِي الْمَقْصُودِيَّةَ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَاقِدِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالذِّكْرِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَتَيْنِ (بِخِلَافِ تَبَعِيَّتِهِ) أَيْ الْمَالِ (فِي النِّكَاحِ فَبِمَعْنَى أَنَّهُ) أَيْ الْمَالَ (غَيْرُ الْمَقْصُودِ) لِلْعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُمَا الْحِلُّ لَا الْمَالُ. (وَهَذَا) الْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنْ تَبَعِيَّةِ الْمَالِ فِيهِ (لَا يُنَافِي الْأَصَالَةَ) لِلْمَالِ (مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهُ) أَيْ الْمَالِ (عِنْدَ ثُبُوتِهِ) أَيْ النِّكَاحِ بِلَا ذِكْرِهِ بَلْ وَمَعَ نَفْيِهِ إظْهَارًا لِخَطَرِ الْبُضْعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْهُ بَلْ مَقْصُودٍ فِيهِ لِإِظْهَارِ شَرَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ جِهَةِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ بَيْعٌ، وَكَذَا مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِهِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ لِثُبُوتِ الْعَقْدِ لَكِنَّ ثُبُوتَهُ عَقِبَ ثُبُوتِهِ مَقْصُودٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَيُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي النِّكَاحِ وَفِي شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لِلشَّيْخِ قِوَامِ الدِّينِ الْكَاكِيِّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ فِي التَّلْجِئَةِ أَنَّهُمَا لَوْ تَوَاضَعَا فِي النِّكَاحِ عَلَى أَلْفٍ سِرًّا ثُمَّ عَقَدَا عَلَانِيَةً بِأَلْفَيْنِ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ، وَكَذَا الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ وَالْعَتَاقُ وَعَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فَعَلَى هَذَا كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ مِثْلَ النِّكَاحِ إذَا كَانَ الْهَزْلُ فِي قَدْرِ الْبَدَلِ (وَعِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبِنَاءِ فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْهَزْلُ بِأَصْلِ التَّصَرُّفِ أَوْ بِقَدْرِ الْبَدَلِ فِيهِ أَوْ بِجِنْسِهِ (يَتَوَقَّفُ الطَّلَاقُ عَلَى مَشِيئَتِهَا) أَيْ اخْتِيَارِ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ بِالْمُسَمَّى عَلَى طَرِيقِ الْجِدِّ وَإِسْقَاطِ الْهَزْلِ كَمَا يَتَوَقَّفُ وُقُوعُهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْخُلْعِ مِنْ جَانِبِهَا عَلَى اخْتِيَارِهَا؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ فِي الْخُلْعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالثَّلَاثِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْخُلْعِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطِ فَإِنَّهُ طَلَاقٌ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِهِ بِمُدَّةٍ فَلَهَا النَّقْضُ وَالْإِجَازَةُ مُؤَبَّدًا وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِثْبَاتِ وَتَعْلِيقُهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَكِنَّ الْجَوَازَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ مُقَدَّرًا بِالثَّلَاثِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ فِي الْخُلْعِ أَيْضًا مُقَدَّرًا بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ مِنْ جَانِبِهَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَالُ فِيهِ مَقْصُودًا لَا تَابِعًا وَهُوَ هُنَا تَابِعٌ فِي الثُّبُوتِ لِلطَّلَاقِ وَالِاعْتِبَارُ لِلْمَتْبُوعِ دُونَ التَّابِعِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ مُوَافَقَةً لِلتَّلْوِيحِ (لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْمُوَاضَعَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ) أَيْ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ (أَنْ يَتَعَلَّقَ) الطَّلَاقُ (بِجَمِيعِ الْبَدَلِ وَلَا يَقَعُ فِي الْحَالِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْفَرْضُ أَنَّهُمَا هَزَلَا بِالْعَقْدِ إذْ بَنَيْنَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَمَعْنَى الْهَزْلِ بِالْخُلْعِ لَيْسَ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ الطَّلَاقَ مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِ الْبَدَلِ مَعَ قَبُولِهَا وَلَا يَقَعُ فِي الْحَالِ لَمَّا عُرِفَ أَنَّ الْهَازِلَ مُطْلَقًا غَيْرُ رَاضٍ بِالْحُكْمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَهَزْلُهُمَا شَرْطٌ فَاسِدٌ فِيمَا هَزَلَا بِهِ لَكِنَّ الْخُلْعَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْخُلْعُ يَبْقَى مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهَا بِقِي أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مَوْقُوفًا أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِمَا لَا عَلَى مَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا لِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْهَزْلَ كَشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا وَلَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا هَازِلَانِ، وَكَذَا إذَا بَنَى أَحَدُهُمَا فِي

الْبَيْعِ وَأَعْرَضَ الْآخَرُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْبَحْثِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي دَعْوَى الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ لَا إذَا اخْتَلَفَا فِي نَفْسِ الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْخُلْعِ وَمَا مَعَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ يَمِينٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ شَرْطَ الْخِيَارِ فَإِذَا هَزَلَ هُوَ بِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ هَزْلُهُ كَشَرْطِهِ الْخِيَارَ لَهَا كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفِ عَلَى أَنَّكِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَتْ قَبِلْت فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عِنْدَهُ حَتَّى تَشَاءَ بَعْدَ هَذَا الْقَبُولِ أَوْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِذَنْ ظَهَرَ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَلُزُومَ الْمَالِ إذَا هَزَلَا إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَتِهَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ قَيْدَ الثَّلَاثِ فِي مَشِيئَتِهَا هُنَا عِنْدَهُ وَصَرَّحُوا بِتَقْيِيدِهِ عِنْدَهُ فِي إجَازَتِهِمَا فِي الْهَزْلِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ اهـ بَلْ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِنَفْيِ التَّقْيِيدِ لِمَشِيئَتِهَا بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ فِي الْخُلْعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ قَدَّمْنَاهُ آنِفًا (وَكُلٌّ مِنْ الْعِتْقِ وَالصُّلْحِ) عَنْ دَمِ الْعَمْدِ (فِيهِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (مِثْلُ مَا فِي الطَّلَاقِ) مِنْ الْحُكْمِ وَالتَّفْرِيعِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَأَمَّا تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ هَزْلًا فَقِيلَ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ) وَهُوَ طَلَبُهَا كَمَا عُلِمَ بِالْبَيْعِ هُوَ (كَالسُّكُوتِ) مُخْتَارًا (يُبْطِلُهَا) إذْ اشْتِغَالُهُ بِالتَّسْلِيمِ هَازِلًا سُكُوتٌ عَنْ طَلَبِهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَهِيَ تَبْطُلُ بِحَقِيقَةِ السُّكُوتِ مُخْتَارًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ فَكَذَا بِالسُّكُوتِ حُكْمًا (وَبَعْدَهُ) أَيْ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ طَلَبِ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادُ وَهُوَ أَنْ يَنْهَضَ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ فَيَشْهَدُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ بِيَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ عَلَى طَلَبِهَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ كَانَ بَعْدَ طَلَبِ الْخُصُومَةِ وَالتَّمَلُّكِ (يَبْطُلُ التَّسْلِيمُ فَتَبْقَى الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ تَسْلِيمَهَا (مِنْ جِنْسِ مَا يَبْطُلُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ لِكَوْنِهِ اسْتِيفَاءَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ) وَمِنْ ثَمَّةَ يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ تَسْلِيمَ شُفْعَةِ الصَّبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا يَمْلِكَانِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لَهُ (فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا بِالْحُكْمِ وَالْهَزْلِ بِنَفْيِهِ) أَيْ الرِّضَا بِالْحُكْمِ (وَكَذَا يَبْطُلُ بِهِ) أَيْ بِالْهَزْلِ (إبْرَاءُ الْمَدْيُونِ وَالْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ إبْرَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا (مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ) كَخِيَارِ الشَّرْطِ (وَكَذَا الْإِخْبَارَاتُ وَهُوَ الثَّانِي) مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْإِنْشَاءُ يَبْطُلُ بِالْهَزْلِ (سَوَاءٌ كَانَتْ) الْإِخْبَارَاتُ إخْبَارَاتٍ (عَمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ) كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ (أَوْ) كَانَتْ إخْبَارَاتٍ عَمَّا (لَا) يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ (كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ شَرْعًا وَلُغَةً كَمَا إذَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُقِرَّا بِأَنَّ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا أَوْ بَيْعًا فِي هَذَا بِكَذَا أَوْ لُغَةً فَقَطْ مُقَرَّرَةً شَرْعًا كَالْإِقْرَارِ بِأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ كَذَا لَا يَثْبُتُ) شَيْءٌ مِنْهَا هَزْلًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ (يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْمُخْبَرِ بِهِ) أَيْ تَحَقَّقَ الْحُكْمُ الَّذِي صَارَ الْخَبَرُ عِبَارَةً عَنْهُ وَإِعْلَامًا بِثُبُوتِهِ أَوْ نَفْيِهِ، وَالْهَزْلُ يُنَافِي ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ. (أَلَا يُرَى أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ مُكْرَهًا بَاطِلٌ فَكَذَا هَازِلًا) ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ دَلِيلُ الْكَذِبِ كَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ مُنْعَقِدًا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلَانَ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَا وُجُودَ هُنَا لِطَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ إنْسَانٌ زَوْجَةَ غَيْرِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ فَإِذَا أَجَازَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ طَلُقَتْ وَعَتَقَ (وَكَذَا فِي الِاعْتِقَادَاتِ وَهُوَ الثَّالِثُ) وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ كَذَا وَالِاقْتِصَارَ عَلَى الثَّالِثِ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ. (وَأَمَّا ثُبُوتُ الرِّدَّةِ بِالْهَزْلِ) أَيْ بِتَكَلُّمِ الْمُسْلِمِ بِالْكُفْرِ هَزْلًا (فِيهِ) أَيْ فَثُبُوتُهَا بِالْهَزْلِ نَفْسِهِ (لِلِاسْتِخْفَافِ) ؛ لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَالرِّضَا بِذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ وَهُوَ كُفْرٌ بِالنَّصِّ قَالَ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66] وَبِالْإِجْمَاعِ (لَا بِمَا هَزَلَ بِهِ) وَهُوَ اعْتِقَادُ مَعْنَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا هَازِلًا (إذْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ وَيَلْزَمُ الْإِسْلَامُ) أَيْ نَحْكُمُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا (بِالْهَزْلِ بِهِ) أَيْ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ هَازِلًا (تَرْجِيحًا) لِجَانِبِ الْإِيمَانِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْإِنْسَانِ التَّصْدِيقُ وَالِاعْتِقَادُ (كَالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْمُكْرَهَ مُطْلَقًا عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ (عِنْدَنَا) لِوُجُودِ رُكْنِهِ مِنْهُ بَلْ الْهَازِلُ أَوْلَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ

السفه من عوارض الأهلية المكتسبة

بِالتَّكَلُّمِ بِهَا وَالْمُكْرَهُ غَيْرُ رَاضٍ بِالتَّكَلُّمِ بِهَا وَوَافَقْنَا الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْحَرْبِيِّ لَا الذِّمِّيِّ كَمَا سَيُعْرَفُ فِي الْإِكْرَاهِ وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ وَجْهُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ عِنْدَنَا. [السَّفَهُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسِبَة] (وَمِنْهَا) أَيْ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ نَفْسِهِ (السَّفَهُ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْخِفَّةُ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفِقْهِ (خِفَّةٌ تَبْعَثُ) الْإِنْسَانَ (عَلَى الْعَمَلِ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ) ، وَلَمْ يَقُلْ وَالشَّرْعُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْلِ أَنْ لَا يُخَالِفَ الشَّرْعَ لِلْأَدِلَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ (مَعَ عَدَمِ اخْتِلَالِهِ) أَيْ الْعَقْلِ فَخَرَجَ الْجُنُونُ وَالْعَتَهُ (وَلَا يُنَافِي) السَّفَهُ أَهْلِيَّةَ الْخِطَابِ وَلَا أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِمَنَاطِهِمَا وَهُوَ الْعَقْلُ وَسَائِرُ الْقُوَى الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ إلَّا أَنَّ السَّفِيهَ يُكَابِرُ عَقْلَهُ بِعَمَلِهِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَاهُ فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي مُطَالَبٌ بِالْعَمَلِ بِمُوجِبِهَا مُثَابٌ عَلَيْهِ مُعَاقَبٌ عَلَى مُخَالِفَتِهِ فَلَا يُنَافِي (شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَهْلًا لِوُجُوبِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَهْلًا لِحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَهِيَ التَّصَرُّفَاتُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ حُقُوقَهُ أَعْظَمُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ إلَّا مَنْ هُوَ كَامِلُ الْحَالِ وَالْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ حُقُوقِهِمْ وَمِنْ ثَمَّةَ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَنَحْوُهُمَا (وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ مَالِهِ) أَيْ السَّفِيهِ مِنْهُ (أَوَّلَ بُلُوغِهِ) سَفِيهًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] أَيْ لَا تُعْطُوا الْمُبَذِّرِينَ أَمْوَالَهُمْ يُنْفِقُونَهَا فِيمَا لَا يَنْبَغِي وَأَضَافَ الْأَمْوَالَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُقِيمُ بِهِ النَّاسُ مَعَايِشَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] أَوْ لِأَنَّهُمْ الْمُتَصَرِّفُونَ فِيهَا الْقَوَّامُونَ عَلَيْهَا. (وَعَلَّقَهُ) أَيْ إيتَاءَ الْأَمْوَالِ إيَّاهُمْ (بِإِينَاسِ الرُّشْدِ) عَلَى وَجْهِ التَّنْكِيرِ الْمُفِيدِ لِلتَّقْلِيلِ حَيْثُ قَالَ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] أَيْ إنْ عَرَفْتُمْ وَرَأَيْتُمْ فِيهِمْ صَلَاحًا فِي الْفِعْلِ وَحِفْظًا لِلْمَالِ فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ (فَاعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ مَظِنَّتَهُ) أَيْ الرُّشْدِ (بُلُوغَ سِنِّ الْجَدِّيَّةِ) أَيْ كَوْنِهِ جَدًّا لِغَيْرِهِ أَعْنِي (خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً) إذْ أَدْنَى مُدَّةِ الْبُلُوغِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ ثُمَّ يَبْلُغُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَصِيرُ هُوَ جَدًّا فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ مَظِنَّةَ بُلُوغِ الرُّشْدِ (لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ رُشْدٍ مَا نَظَرًا إلَى دَلِيلِهِ) أَيْ حُصُولِ الرُّشْدِ لَهُ شَرْطًا لِوُجُوبِ الدَّفْعِ لَهُ (مِنْ مُضِيِّ زَمَانِ التَّجْرِبَةِ) إذْ التَّجَارِبُ لِقَاحُ الْعُقُولِ (وَهُوَ) أَيْ حُصُولُ رُشْدٍ مَا (الشَّرْطُ لِتَنْكِيرِهِ) أَيْ رُشْدٍ فِي الْإِثْبَاتِ فِي الْآيَةِ فَيَتَحَقَّقُ بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَمَا فِي الشُّرُوطِ الْمُنَكَّرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ بَلَغَ هَذَا السِّنَّ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الرُّشْدِ إلَّا نَادِرًا فَأُقِيم مَقَامَ الرُّشْدُ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي الشَّرْعِ مِنْ تَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِالْغَالِبِ فَقَالَ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالَ بَعْدَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ أَوْ لَا (وَوَقَفَاهُ) أَيْ إيتَاءَ مَالِهِ (عَلَى حَقِيقَتِهِ) أَيْ الرُّشْدِ (وَفُهِمَ تَخَلُّقُهُ) أَيْ السَّفِيهِ بِالرُّشْدِ (وَاخْتَلَفُوا فِي حَجْرِهِ) أَيْ السَّفِيهِ (بِأَنْ يُمْنَعَ نَفَاذَ تَصَرُّفَاتِهِ الْقَوْلِيَّةِ الْمُحْتَمَلَةِ لِلْهَزْلِ) أَيْ الَّتِي يُبْطِلُهَا الْهَزْلُ، وَهِيَ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَمَّا الْفِعْلِيَّةُ كَالْإِتْلَافَاتِ وَالْقَوْلِيَّةُ الَّتِي لَا يُبْطِلُهَا الْهَزْلُ، وَهِيَ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَالسَّفَهُ لَا يَمْنَعُ نَفَاذَهَا بِالِاتِّفَاقِ (فَأَثْبَتَاهُ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ حَجْرَ السَّفِيهِ عَنْهَا (نَظَرًا لَهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ مَالِهِ (لِوُجُوبِهِ) أَيْ النَّظَرِ (لِلْمُسْلِمِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْلِمٌ لِإِسْلَامِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا بِعِصْيَانِهِ وَنَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَيْضًا فَإِنَّهُ بِإِسْرَافِهِ وَإِتْلَافِهِ يَصِيرُ مَظِنَّةً لِلدُّيُونِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَصِيرُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَالًا وَعَلَى بَيْتِ مَالِهِمْ عِيَالًا. (وَنَفَاهُ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ حَجْرَ السَّفِيهِ عَنْهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ السَّفَهَ (لَمَّا كَانَ مُكَابَرَةً) لِلْعَقْلِ فِي التَّبْذِيرِ بِغَلَبَةِ الْهَوَى مَعَ الْعِلْمِ بِقُبْحِهِ (وَتَرْكًا لِلْوَاجِبِ) وَهُوَ مُقْتَضَى الْعَقْلِ (لَمْ يَسْتَوْجِبْ النَّظَرَ) صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلَمَّا كَانَ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ مِنْ قِبَلِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُجِيزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ وَالْعَفْوُ عَنْهُ جَائِزٌ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ إنَّمَا يَحْسُنُ) الْحَجْرُ عَلَيْهِ (إذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ) الْحَجْرُ عَلَيْهِ (ضَرَرًا فَوْقَهُ) أَيْ هَذَا الضَّرَرِ لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ (مِنْ إهْدَارِ أَهْلِيَّتِهِ وَإِلْحَاقِهِ بِالْجَمَادَاتِ) فَإِنَّ الْأَهْلِيَّةَ نِعْمَةٌ

أَصْلِيَّةٌ بِهَا يَتَّصِفُ بِالْآدَمِيَّةِ وَيَتَمَيَّزُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَمَا يَحْصُلُ لَهُ بِالْحَجْرِ مِنْ نِعْمَةِ الْيَدِ، وَهِيَ مِلْكُ الْمَالِ نِعْمَةٌ زَائِدَةٌ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِفَوَاتِهَا صِفَاتُ الْإِنْسَانِيَّةِ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَفْتَقِرَ وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْأَعْلَى لِصَوْنِ الْأَدْنَى (وَلِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى اعْتِبَارِ إقْرَارِهِ بِأَسْبَابِ الْحَدِّ فَلَوْ لَزِمَ شَرْعًا الْحَجْرُ عَلَيْهِ فِي أَقْوَالِهِ الْمُتْلِفَةِ لِلْمَالِ لَلَزِمَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فِي الْمُتْلِفَةِ لِنَفْسِهِ) فَإِنَّ النَّفْسَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لَهَا وَخُلِقَ لِمَصْلَحَتِهَا وَوِقَايَةٌ لَهَا وَخُصُوصًا الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُقُوبَاتِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَحَيْثُ لَمْ يَنْظُرْ لَهُ فِي دَفْعِ ضَرَرِ النَّفْسِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ لَهُ فِي دَفْعِ ضَرَرِ الْمَالِ (وَمَعَ هَذَا الْأَحَبِّ) إلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُمَا) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (لِأَنَّ النَّصَّ) السَّابِقَ نَاصٌّ (عَلَى مَنْعِ الْمَالِ مِنْهُ كَيْ لَا يُتْلِفُهُ قَطْعًا وَإِذَا لَمْ يُحْجَرْ) عَلَيْهِ (أَتْلَفَهُ بِقَوْلِهِ فَلَا يُفِيدُ) مَنْعُ الْمَالِ مِنْهُ وَأَيْضًا (دَفْعًا) وَكَانَ الْأَوْلَى وَدَفْعًا (لِلضَّرَرِ الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُلَبِّسُ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ غَنِيٌّ بِالتَّزَيِّي بِزِيِّ الْأَغْنِيَاءِ (فَيُقْرِضُهُ الْمُسْلِمُونَ أَمْوَالَهُمْ فَيُتْلِفُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ) مِنْ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِهِمْ كَمَا سَلَفَ. (وَهُوَ) أَيْ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ (وَاجِبٌ بِإِثْبَاتِ) الضَّرَرِ (الْخَاصِّ فَصَارَ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُكَارِي الْمُفْلِسِ) وَهُوَ الَّذِي يَتَقَبَّلُ الْكِرَاءَ وَيُؤَجِّرُ الدَّوَابَّ وَلَيْسَ لَهُ ظَهْرٌ يَحْمِلُ عَلَيْهِ وَلَا مَالٌ يَشْتَرِي بِهِ الدَّوَابَّ (وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ) وَهُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ كَذَا فِي طَرِيقَةِ عَلَاءِ الدِّينِ الْعَالِمِ وَلَفْظُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْمُفْتِي الْجَاهِلُ لِعُمُومِ الضَّرَرِ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْأَمْوَالِ وَمِنْ الثَّانِي فِي الْأَبْدَانِ وَمِنْ الثَّالِثِ فِي الْأَدْيَانِ إلَّا أَنَّ فِي الْبَدَائِعِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى هَؤُلَاءِ حَقِيقَةَ الْحَجْرِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُفْتِيَ لَوْ أَفْتَى بَعْدَ الْحَجْرِ وَأَصَابَ فِي الْفَتْوَى جَازَ وَلَوْ أَجَابَ قَبْلَهُ وَأَخْطَأَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا الطَّبِيبُ لَوْ بَاعَ الْأَدْوِيَةَ بَعْدَ الْحَجْزِ نَفَذَ بَيْعُهُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ بِأَنْ يُمْنَعُوا مِنْ عَمَلِهِمْ حِسًّا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (وَإِذَا كَانَ الْحَجْرُ) عَلَى السَّفِيهِ (لِلنَّظَرِ لَهُ لَزِمَ أَنْ يَلْحَقَ فِي كُلِّ صُورَةٍ بِالْأَنْظَرِ فَفِي الِاسْتِيلَادِ يُجْعَلُ كَالْمَرِيضِ فَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ أَمَتِهِ إذَا ادَّعَاهُ) حَتَّى كَانَ حُرًّا وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَإِذَا مَاتَ كَانَتْ حُرَّةً (وَلَا يَسْعَى) ؛ لِأَنَّ تَوْفِيرَ النَّظَرِ بِإِلْحَاقِهِ بِالْمُصْلِحِ فِي حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ لِحَاجَتِهِ إلَى بَقَاءِ نَسْلِهِ وَصِيَانَةِ مَائِهِ فَيَلْحَقُ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِالْمَرِيضِ الْمَدْيُونُ إذَا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَتِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِيهِ كَالصَّحِيحِ حَتَّى تَعْتِقَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَا تَسْعَى وَلَا وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ غُرَمَائِهِ (وَفِي شِرَاءِ ابْنِهِ) وَهُوَ مَعْرُوفٌ (كَالْمُكْرَهِ) أَيْ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْمُكْرَهِ فَيَفْسُدُ (فَيَثْبُتُ لَهُ) أَيْ لِلسَّفِيهِ الْمِلْكُ (بِالْقَبْضِ) وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ حِينَ قَبَضَهُ (وَلَا يَلْزَمُ) السَّفِيهَ (الثَّمَنُ أَوْ الْقِيمَةُ فِي مَالِهِ جَعْلًا لَهُ) أَيْ لِلسَّفِيهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ (كَالصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّ تَوْفِيرَ النَّظَرِ فِي إلْحَاقِهِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ. (وَإِذْ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ السَّفِيهَ الثَّمَنُ أَنَّ الْقِيمَةَ وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ أَحَدَهُمَا بِالْعَقْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا ذَكَرْنَا بَلْ يَسْعَى الِابْنُ فِي قِيمَتِهِ (لَمْ يَسْلَمْ لَهُ) أَيْ لِلسَّفِيهِ أَيْضًا (شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ بَلْ تَكُونُ) السِّعَايَةُ (كُلُّهَا لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ كَعَكْسِهِ) أَيْ كَمَا أَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (وَالْحَجْرُ لِلنَّظَرِ عِنْدَهُمَا أَنْوَاعٌ) يَكُونُ (لِلسَّفِيهِ بِنَفْسِهِ) أَيْ بِسَبَبِ نَفْسِ السَّفَهِ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا بِأَنْ بَلَغَ سَفِيهًا أَوْ عَارِضِيًّا بِأَنْ حَدَثَ بَعْدَ الْبُلُوغِ (بِلَا) تَوَقُّفٍ عَلَى (قَضَاءٍ) عَلَيْهِ بِالْحَجْرِ (كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ) أَيْ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي بِحَجْرِهِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِتَرَدُّدِهِ) أَيْ السَّفَهِ (بَيْنَ النَّظَرِ بِإِبْقَاءِ مِلْكِهِ) أَيْ السَّفِيهِ (وَالضَّرَرِ بِإِهْدَارِ عِبَارَتِهِ) فَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالْقَضَاءِ عَلَى أَنَّ الْغَبْنَ فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةُ السَّفَهِ قَدْ لَا يَكُونُ لِلسَّفَهِ بَلْ حِيلَةً لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُعَامِلِينَ لَهُ فَكَانَ مُحْتَمَلًا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ وَالْعَتَهِ (وَ) يَكُونُ (لِلدَّيْنِ) عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (خَوْفَ التَّلْجِئَةِ) أَيْ الْمُوَاضَعَةِ لِمَالِهِ (بَيْعًا وَإِقْرَارًا) فِي أَصْلِ التَّصَرُّفِ أَوْ فِي قَدْرِ الْبَدَلِ أَوْ فِي جِنْسِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي بَابِ الْهَزْلِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا سَابِقَةً وَالْهَزْلُ قَدْ يَكُونُ مُقَارِنًا فَهِيَ أَخَصُّ (فَبِالْقَضَاءِ) أَيْ يَتَوَقَّفُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ (اتِّفَاقًا بَيْنَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ

السفر من عوارض الأهلية المكتسبة

(لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَجْرَ عَلَيْهِ (نَظَرٌ لِلْغُرَمَاءِ فَتَوَقَّفَ عَلَى طَلَبِهِمْ) وَيَتِمُّ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ لِلنَّظَرِ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى طَلَبِ أَحَدٍ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بِلَا طَلَبٍ (فَلَا يَتَصَرَّفُ) الْمَدْيُونُ (فِي مَالِهِ إلَّا مَعَهُمْ) أَيْ الْغُرَمَاءِ (فِيمَا فِي يَدِهِ وَقْتَ الْحَجْرِ) مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِيهِ رِعَايَةٌ لِحَقِّهِمْ (أَمَّا فِيمَا كَسَبَهُ بَعْدَهُ) أَيْ الْحَجْرِ مِنْ الْمَالِ (فَعُمُومٌ) أَيْ فَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُهُ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْحَجْرِ لَهُ فِيهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ (وَ) يَكُونُ (لِامْتِنَاعِ الْمَدْيُونِ عَنْ صَرْفِ مَالِهِ إلَى دَيْنِهِ) الْمُسْتَغْرِقِ لَهُ (فَيَبِيعُهُ الْقَاضِي وَلَوْ) كَانَ مَالُهُ (عَقَارًا كَبَيْعِهِ) أَيْ الْقَاضِي (عَبْدَ الذِّمِّيِّ إذَا أَبَى) الذِّمِّيُّ (بَيْعَهُ) أَيْ عَبْدِهِ (بَعْدَ إسْلَامِهِ) أَيْ عَبْدِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِيهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. [السَّفَرُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ] (وَمِنْهَا) أَيْ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ نَفْسِهِ (السَّفَرُ) وَهُوَ لُغَةً قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَشَرْعًا فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا خُرُوجٌ عَنْ مَحَلِّ الْإِقَامَةِ بِقَصْدِ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِسَيْرٍ وَسَطٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَهُوَ (لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْأَحْكَامِ) وُجُوبًا وَأَدَاءً مِنْ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا لِبَقَاءِ الْقُدْرَةِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ (بَلْ جُعِلَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ (فَشُرِعَتْ رُبَاعِيَّتُهُ) مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ (رَكْعَتَيْنِ ابْتِدَاءً) كَمَا تَقَدَّمَ وَجْهُهُ فِي الرُّخْصَةِ (وَلَمَّا كَانَ) السَّفَرُ (اخْتِيَارِيًّا دُونَ الْمَرَضِ) وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ (فَارَقَهُ) أَيْ السَّفَرَ الْمَرَضُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ (فَالْمُرَخِّصُ إذَا كَانَ) أَيْ وُجِدَ (أَوَّلَ الْيَوْمِ) مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ (فَتَرَكَ) مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ الْمُرَخِّصُ (الصَّوْمَ) ذَلِكَ الْيَوْمَ (فَلَهُ) التَّرْكُ (أَوْ صَامَ) صَحَّ صِيَامُهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْفِطْرَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ (فَإِنْ كَانَ) الْمُرَخِّصُ (الْمَرَضَ حَلَّ الْفِطْرُ أَوْ) كَانَ الْمُرَخِّصُ (السَّفَرَ فَلَا) يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي الْمَرَضِ مِمَّا لَا مَدْفَعَ لَهُ فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ وَبَعْدَ الشُّرُوعِ عَلِمَ لُحُوقَ الضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ لَا مَدْفَعَ لَهُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ الدَّاعِي إلَى الْإِفْطَارِ بِأَنْ لَا يُسَافِرَ (إلَّا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ (لَوْ أَفْطَرَ) لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي وُجُوبِهَا بِاقْتِرَانِ صُورَةِ السَّفَرِ بِالْفِطْرِ (وَإِنْ وُجِدَ) الْمُرَخِّصُ (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْيَوْمِ (وَقَدْ شَرَعَ) فِي صَوْمِهِ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لِعَدَمِ الْمُرَخِّصِ لَهُ حِينَئِذٍ (فَإِنْ طَرَأَ الْعُذْرُ ثُمَّ الْفِطْرُ فَفِي الْمَرَضِ حَلَّ الْفِطْرُ لَا) فِي (السَّفَرِ) ؛ لِأَنَّ بِعُرُوضِ الْمَرَضِ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِخِلَافِ عُرُوضِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ اخْتِيَارِيٌّ وَالْمَرَضُ ضَرُورِيٌّ وَلَكِنْ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِمَا ذَكَرْنَا (وَفِي قَلْبِهِ) أَيْ فِطْرُهُ قَبْلَ الْعُذْرِ ثُمَّ عُرُوضُ الْعُذْرِ (لَا يَحِلُّ) الْإِفْطَارُ لِعَدَمِ الْعُذْرِ عِنْدَهُ (لَكِنْ لَا كَفَّارَةَ إذَا كَانَ الطَّارِئُ الْمَرَضَ؛ لِأَنَّهُ سَمَاوِيٌّ تَبَيَّنَ بِهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ. وَتَجِبُ) الْكَفَّارَةُ (فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ وَتَقَرَّرَتْ) الْكَفَّارَةُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ السَّفَرِ بِإِفْطَارِ صَوْمٍ وَاجِبٍ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَانِ شُبْهَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَ السَّفَرُ خَارِجًا عَنْ اخْتِيَارِهِ بِأَنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى السَّفَرِ فِيهِ سَقَطَتْ عَنْهُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَيَخْتَصُّ ثُبُوتُ رُخَصِهِ) أَيْ السَّفَرِ مِنْ قَصْرِ الرُّبَاعِيَّةِ وَفِطْرِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِمَا (بِالشُّرُوعِ فِيهِ) أَيْ فِي السَّفَرِ (قَبْلَ تَحَقُّقِهِ) أَيْ السَّفَرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ تَحَقُّقَهُ (بِامْتِدَادِهِ) أَيْ السَّفَرِ (ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهَا وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الْمُسَافِرَ (لَوْ أَقَامَ) أَيْ نَوَى الْإِقَامَةَ (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (صَحَّ) مُقَامُهُ (وَلَزِمَتْ أَحْكَامُ الْإِقَامَةِ وَلَوْ) كَانَ (فِي الْمَفَازَةِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ مُقَامَهُ (دُفِعَ لَهُ) أَيْ لِلسَّفَرِ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ فَتَعُودُ الْإِقَامَةُ الْأُولَى (وَبَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (لَا) يَصِحُّ مُقَامُهُ (إلَّا فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ) الْمُقَامُ مِنْ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُقَامَ حِينَئِذٍ (رُفِعَ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ) أَيْ السَّفَرِ فَكَانَتْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ ابْتِدَاءَ إيجَابٍ فَلَا تَصِحُّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِاسْتِحَالَةِ إيجَابِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَالْمَفَازَةُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِإِثْبَاتِ الْإِقَامَةِ ابْتِدَاءً فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِقَامَةُ فِيهَا

الخطأ عوارض الأهلية المكتسبة

وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ (وَلَا يَمْنَعُ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ) مِنْ قَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ (الرُّخْصَةَ) عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ يَمْنَعُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الرُّخْصَةَ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَعْصِيَةِ فَيُجْعَلُ السَّفَرُ مَعْدُومًا فِي حَقِّهَا كَالسُّكْرِ يُجْعَلُ مَعْدُومًا فِي حَقِّ الرُّخَصِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِزَوَالِ الْعَقْلِ لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً ثَانِيهِمَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] فَإِنَّهُ جَعَلَ رُخْصَةَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ مَنُوطَةً بِالِاضْطِرَارِ حَالَ كَوْنِ الْمُضْطَرِّ غَيْرَ بَاغٍ أَيْ خَارِجٍ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَادٍ أَيْ ظَالِمٍ لِلْمُسْلِمِينَ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ فَيَبْقَى فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الرُّخَصِ بِالْقِيَاسِ أَوْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْفَصْلِ وَلِأَصْحَابِنَا إطْلَاقُ نُصُوصِ الرُّخَصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ» وَمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً» وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِيهِ جَعْلَ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلرُّخْصَةِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَعْصِيَةَ (لَيْسَتْ إيَّاهُ) أَيْ السَّفَرَ بَلْ هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تُوجَدُ بِدُونِهِ وَيُوجَدُ بِدُونِهَا وَالسَّبَبُ هُوَ السَّفَرُ نَعَمْ هِيَ مُجَاوِرَةٌ لَهُ وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ اعْتِبَارِهِ شَرْعًا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ بِهِ وَالْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ مَغْصُوبٍ (بِخِلَافِ السَّبَبِ الْمَعْصِيَةُ كَالسُّكْرِ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ) حَيْثُ لَا مُبِيحَ لَهُ شَرْعًا فَإِنَّهُ حَدَثَ عَنْ مَعْصِيَةٍ فَلَا تُنَاطُ بِهِ الرُّخْصَةُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا وَالْفَرْضُ انْتِفَاءُ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ فَانْتَفَى الْوَجْهُ الْأَوَّلُ (وقَوْله تَعَالَى {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] أَيْ فِي الْأَكْلِ) ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ وَعَدَمَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الِاضْطِرَارِ بَلْ بِالْأَكْلِ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ فِي الْآيَةِ مِنْ تَقْدِيرِ فِعْلِهِ عَامِلًا فِي الْحَالِ أَيْ فَمَنْ اُضْطُرَّ فَأَكَلَ حَالَ كَوْنِهِ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَيَكُونُ الْبَغْيُ وَالْعِدَاءُ فِي الْأَكْلِ الَّذِي سِيقَتْ الْآيَةُ لِبَيَانِ حُرْمَتِهِ وَحِلِّهِ أَيْ غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ فِي الْأَكْلِ قَدْرَ الْحَاجَةِ عَلَى أَنَّ عَادٍ مُكَرَّرٌ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ غَيْرَ طَالِبٍ لِلْمُحَرَّمِ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ وَلَا مُجَاوِزٍ قَدْرَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ وَيَدْفَعُ الْهَلَاكَ أَوْ غَيْرَ مُتَلَذِّذٍ وَلَا مُتَرَدِّدٍ أَوْ غَيْرَ بَاغٍ عَلَى مُضْطَرٍّ آخَرَ بِالِاسْتِئْثَارِ عَلَيْهِ وَلَا مُجَاوِزٍ سَدَّ الْجَوْعَةِ. (وَقِيَاسُ السَّفَرِ) فِي كَوْنِهِ مُرَخِّصًا (عَلَيْهِ) أَيْ أَكْلُ الْمَيِّتَةِ الْمَنُوطِ بِالِاضْطِرَارِ فِي اشْتِرَاطِ نَفْيِ عِصْيَانِ الْمُسَافِرِ كَمَا فِي الْأَكْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ (يُعَارِضُ إطْلَاقَ نَصِّ إنَاطَتِهِ) أَيْ ثُبُوتِ الرُّخَصِ (بِهِ) أَيْ بِالسَّفَرِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِذَلِكَ كَمَا أَسْلَفْنَا بَعْضَهُ (وَيَمْنَعُ تَخْصِيصُهُ) أَيْ نَصَّهُ (ابْتِدَاءً بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ فِي التَّخْصِيصِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ التَّرَخُّصَ لِلْمُضْطَرِّ (لَمْ يُنَطْ بِالسَّفَرِ) إجْمَاعًا بَلْ يُبَاحُ لِلْمُقِيمِ الْمُضْطَرِّ الْعَاصِي (فَيَأْكُلُ مُقِيمًا عَاصِيًا) فَانْتَفَى الْوَجْهُ الثَّانِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [الْخَطَأُ عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةُ] (وَمِنْهَا) أَيْ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ نَفْسِهِ (الْخَطَأُ أَنْ يَقْصِدَ بِالْفِعْلِ غَيْرَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْجِنَايَةَ كَالْمَضْمَضَةِ تَسْرِي إلَى الْحَلْقِ وَالرَّمْيِ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا) فَإِنَّ الْقَصْدَ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ الْفَمَ لَيْسَ إلَى وُلُوجِهِ الْحَلْقَ وَبِالرَّمْيِ لَيْسَ إلَى الْآدَمِيِّ (وَالْمُؤَاخَذَةُ بِهِ) أَيْ بِالْخَطَأِ (جَائِزَةٌ) عَقْلًا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ (خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُؤَاخَذَةَ (بِالْجِنَايَةِ) ، وَهِيَ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْقَصْدِ (قُلْنَا هِيَ) أَيْ الْجِنَايَةُ (عَدَمُ التَّثَبُّتِ) وَالِاحْتِيَاطِ وَالذُّنُوبُ كَالسَّمُومِ فَكَمَا أَنَّ تَنَاوُلَهَا يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَتَعَاطِي الذُّنُوبِ يُفْضِي إلَى الْعِقَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَزِيمَةً (وَلِذَا) أَيْ جَوَازُهَا بِهِ عَقْلًا (سُئِلَ) الْبَارِّي تَعَالَى (عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ) فَفِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلدُّعَاءِ فَائِدَةٌ بَلْ كَانَتْ الْمُؤَاخَذَةُ جَوْرًا وَصَارَ الدُّعَاءُ فِي التَّقْدِيرِ رَبَّنَا لَا تَجُرْ عَلَيْنَا بِالْمُؤَاخَذَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ. لَكِنَّهَا سَقَطَتْ بِبَرَكَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] قَالَ دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا قَالَ فَأَلْقَى اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قَالَ قَدْ فَعَلْت» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَوَهِمَ الْحَاكِمُ فَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ (وَعَنْهُ) أَيْ

كَوْنُ الْخَطَأِ جِنَايَةً (كَانَ مِنْ) الْعَوَارِضِ (الْمُكْتَسَبَةِ) مِنْ نَفْسِهِ (غَيْرَ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ) أَيْ الْخَطَأَ (عُذْرًا فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ) تَعَالَى (إذَا اجْتَهَدَ) الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ فِي ذَلِكَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ» (وَ) جَعَلَهُ (شُبْهَةً) دَارِئَةً (فِي الْعُقُوبَاتِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِحَدٍّ) فِيمَا لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ (وَلَا قِصَاصَ) فِيمَا لَوْ رَمَى إلَى إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ (دُونَ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَوَجَبَ ضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ خَطَأً) كَمَا لَوْ رَمَى إلَى شَاةِ إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا صَيْدٌ أَوْ أَكَلَ مَالَهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مِلْكُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ لَا جَزَاءُ فِعْلٍ فَيَعْتَمِدُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ وَكَوْنُهُ خَاطِئًا لَا يُنَافِيهَا (وَصَلَحَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ فِي الْقَتْلِ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ) عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (وَلِكَوْنِهِ) أَيْ الْخَطَأِ لَا يَنْفَكُّ (عَنْ تَقْصِيرٍ) فِي التَّثْبِيتِ (وَجَبَ بِهِ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ الْكَفَّارَةِ) فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءٌ قَاصِرٌ وَهُوَ صَالِحٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إذْ أَصْلُ الْفِعْلِ وَهُوَ الرَّمْيُ إلَى الصَّيْدِ مُبَاحٌ وَتَرْكُ التَّثْبِيتِ فِيهِ مَحْظُورٌ فَكَانَ قَاصِرًا فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ كَمَا كَانَتْ قَاصِرَةً فِي مَعْنَى الْجَزَاءِ (وَيَقَعُ طَلَاقُهُ) بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا اسْقِينِي فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ بِالْقَصْدِ الصَّحِيحِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي الْمُخْطِئِ كَالنَّائِمِ. وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَقَعُ (لِأَنَّ الْغَفْلَةَ عَنْ مَعْنَى اللَّفْظِ خَفِيٌّ) وَفِي الْوُقُوفِ عَلَى قَصْدِهِ حَرَجٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ وَلَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ (فَأُقِيمَ تَمْيِيزُ الْبُلُوغِ) عَنْ عَقْلٍ (مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ قَصْدِهِ نَفْيًا لِلْحَرَجِ كَمَا فِي السَّفَرِ مَعَ الْمَشَقَّةِ (بِخِلَافِ النَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ الْقَصْدِ فِيهِ (ظَاهِرٌ) لِلْعِلْمِ يَقِينًا بِأَنَّ النَّوْمَ يُنَافِي أَصْلَ الْعَمَلِ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ نُورِهِ فَكَانَتْ أَهْلِيَّةُ الْقَصْدِ مَعْدُومَةً بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ فِي دَرْكِهِ (فَأُقِيمَ) تَمْيِيزُ الْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ (مَقَامَهُ) أَيْ الْقَصْدَ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (فَفَارَقَ عِبَارَةُ النَّائِمِ عِبَارَةَ الْمُخْطِئِ وَذَكَرْنَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْوُقُوعَ) لِطَلَاقِ الْمُخْطِئِ إنَّمَا هُوَ (فِي الْحُكْمِ وَقَدْ يَكُونُ) التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ لَهُمْ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا هُوَ (مُقْتَضَى هَذَا الْوَجْهِ) وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْحُكْمِ (أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ امْرَأَتُهُ) وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إسْعَافًا فَفِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَطَلَاقُ الرَّجُلِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَاقِعٌ وَفِي النَّسَفِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يَدِينُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِيهِمَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الشَّرْعِ أَنْ لَا يَقَعَ بِلَا قَصْدِ لَفْظِ الطَّلَاقِ عِنْدَ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فِيمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ وَاقِعٌ أَيْ فِي الْقَضَاءِ وَقَدْ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يُدَيَّنُ بِخِلَافِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ. ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ السَّبَبَ عَالِمًا بِأَنَّهُ سَبَبٌ رَتَّبَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ أَرَادَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ إلَّا إنْ أَرَادَ مَا يَحْتَمِلُهُ وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِ اللَّفْظِ وَلَا بِاللَّفْظِ فَمِمَّا يَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وَفُسِّرَ بِأَمْرَيْنِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ مَعَ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِلسَّبَبِ عَالِمٌ بِحُكْمِهِ فَأَلْغَاهُ لِغَلَطِهِ فِي ظَنِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ إلَى الْيَمِينِ كَلَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ، فَرُفِعَ حُكْمُهُ الدُّنْيَوِيُّ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إلَيْهِ فَهَذَا تَشْرِيعٌ لِعِبَادِهِ أَنْ لَا يُرَتِّبُوا الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ وَكَيْفَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّائِمِ عِنْدَ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ مِنْ حَيْثُ لَا قَصْدَ لَهُ إلَى اللَّفْظِ وَلَا حُكْمِهِ وَإِنَّمَا لَا يُصَدِّقُهُ غَيْرُ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ وَهُوَ الْقَاضِي وَفِي الْحَاوِي مَعْزُوًّا لِلْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنْ أَسَدًا سُئِلَ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ زَيْنَبُ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ. فَقَالَ فِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ الَّتِي سَمَّى وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَمَّا الَّتِي سَمَّى فَلِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ طَلُقَتْ بِالنِّيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعَلَمُ. (وَكَذَا قَالُوا يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ) أَيْ الْمُخْطِئِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِعْت هَذَا مِنْك بِأَلْفٍ وَقِبَلَ الْآخَرُ وَصَدَّقَهُ فِي أَنَّ

الإكراه من عوارض الأهلية المكتسبة

الْبَيْعَ خَطَأٌ مِنْهُ إذْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ بَيْعًا (فَاسِدًا وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ) عَنْ أَصْحَابِنَا وَلَكِنْ يَجِبُ هَذَا (لِلِاخْتِيَارِ فِي أَصْلِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَدَرَ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ لِإِقَامَةِ الْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ مَقَامَ الْقَصْدِ (وَعَدَمِ الرِّضَا) فَيَنْعَقِدُ لِلِاخْتِيَارِ فِي أَصْلِهِ فَيَفْسُدُ لِعَدَمِ الرِّضَا حَقِيقَةً كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ فَيَمْلِكُ الْبَدَلَ بِالْقَبْضِ وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كَالْمُكْرَهِ بَلْ كَالْهَازِلِ بَلْ فَوْقَهُ فَقَالَ (وَالْوَجْهُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُخْطِئَ (فَوْقَ الْهَازِلِ إذْ لَا قَصْدَ) لِلْمُخْطِئِ (فِي خُصُوصِ اللَّفْظِ وَلَا حُكْمِهِ) فَإِنَّهُ غَيْرُ مُخْتَارٍ وَلَا رَاضٍ بِالتَّكَلُّمِ بِخُصُوصِ اللَّفْظِ وَلَا بِحُكْمِهِ بِخِلَافِ الْهَازِلِ فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ رَاضٍ بِخُصُوصِ اللَّفْظِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَأَقَلُّ الْأَمْرِ أَنْ يُجْعَلَ كَالْهَازِلِ فَلَا يَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ كَالْهَازِلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْإِكْرَاهُ مِنْ عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةُ] (وَأَمَّا مَا) هُوَ مُكْتَسَبٌ (مِنْ غَيْرِهِ فَالْإِكْرَاهُ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى مَا لَا يَرْضَاهُ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَلَا يَخْتَارُ مُبَاشَرَتَهُ لَوْ تُرِكَ وَنَفْسُهُ (وَهُوَ مُلْجِئٌ) بِأَنْ يُضْطَرَّ الْفَاعِلُ إلَى مُبَاشَرَةِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (بِمَا يُفَوِّتُ النَّفْسَ أَوْ الْعُضْوَ) وَلَوْ أُنْمُلَةً؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ (بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ تَفْوِيتُ أَحَدِهِمَا بَلْ إنَّ ذَلِكَ تَهْدِيدٌ وَتَخْوِيفٌ لَا تَحْقِيقٌ (لَا) يَكُونُ إكْرَاهًا أَصْلًا (فَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ) بِأَنْ يَجْعَلَهُ مُسْتَنِدًا إلَى اخْتِيَارٍ آخَرَ لَا أَنَّهُ يَعْدَمُهُ أَصْلًا إذْ حَقِيقَتُهُ الْقَصْدُ إلَى مَقْدُورٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِ جَانِبَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ اسْتَقَلَّ الْفَاعِلُ فِي قَصْدِهِ فَصَحِيحُ وَإِلَّا فَفَاسِدٌ (وَيَعْدَمُ الرِّضَا وَغَيْرَهُ) أَيْ وَغَيْرَ مُلْجِئٍ لِكَوْنِ الْحَمْلِ عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (بِضَرْبٍ لَا يُفْضِي إلَى تَلَفِ عُضْوٍ وَحَبْسٍ فَإِنَّمَا يَعْدَمُ الرِّضَا) خَاصَّةً (لِتَمَكُّنِهِ) أَيْ الْمُكْرَهِ (مِنْ الصَّبْرِ) عَلَى الْمُكْرَهِ بِهِ (فَلَا يُفْسِدُهُ) أَيْ هَذَا الِاخْتِيَارَ الْإِكْرَاهُ (وَأَمَّا) تَهْدِيدُهُ (بِحَبْسِ نَحْوَ ابْنِهِ) وَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَأُخْتِهِ وَأَخِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُتَأَيِّدَةَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْوِلَادِ (فَقِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ فِي أَنَّهُ إكْرَاهٌ) الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ إكْرَاهٌ؛ لِأَنَّ بِحَبْسِهِمْ يَلْحَقُ بِهِ مِنْ الْحُزْنِ وَالْهَمِّ مَا يَلْحَقُ بِحَبْسِ نَفْسِهِ أَوْ أَكْثَرُ فَكَمَا أَنَّ التَّهْدِيدَ فِي حَقِّهِ بِذَلِكَ يُعْدِمُ تَمَامَ الرِّضَا فَكَذَا التَّهْدِيدُ بِحَبْسِ أَحَدِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ فِي قَطْعِ يَدِ نَحْوِ ابْنِهِ أَوْ قَتْلِهِ فِي كَوْنِهِ إكْرَاهًا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ (وَهُوَ) أَيْ الْإِكْرَاهُ (مُطْلَقًا) أَيْ مُلْجِئًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُلْجِئٍ (لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ) عَلَى الْمُكْرَهِ (لِلذِّمَّةِ) أَيْ لِقِيَامِ الذِّمَّةِ (وَالْعَقْلِ) وَالْبُلُوغِ (وَلِأَنَّ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ قَدْ يُفْتَرَضُ) فِعْلُهُ (كَالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ عَلَى الشُّرْبِ) لِلْمُسْكِرِ وَلَوْ خَمْرًا (فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ) أَيْ تَرْكِ شُرْبِهِ عَالِمًا بِسُقُوطِ حُرْمَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي لِإِبَاحَتِهِ فِي حَقِّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُبَاحِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ فَرْضٌ (وَيَحْرُمُ كَعَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ ظُلْمًا فَيُؤْجَرُ عَلَى التَّرْكِ كَعَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ) عَلَى لِسَانِهِ لِمَا سَتَعْلَمُ (بِخِلَافِ الْمُبَاحِ كَالْإِفْطَارِ لِلْمُسَافِرِ) فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَى التَّرْكِ بَلْ يَأْثَمُ لِصَيْرُورَتِهِ فَرْضًا بِالْإِكْرَاهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ قَالَ سَالِفًا كَالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ عَلَى الشُّرْبِ وَالْإِفْطَارِ لَكَانَ أَوْلَى وَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَرْضٌ وَمُبَاحٌ وَرُخْصَةٌ وَحَرَامٌ وَيُؤْجَرُ عَلَى التَّرْكِ فِي الْحَرَامِ وَالرُّخْصَةِ وَيَأْثَمُ فِي الْفَرْضِ وَالْمُبَاحِ وَكُلُّ مِنْ الْأَجْرِ وَالْإِثْمِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ وَالْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ جَوَازُ الْفِعْلِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَصَبَرَ حَتَّى قُتِلَ لَمْ يَأْثَمْ، وَلَمْ يُؤْجَرْ وَبِالرُّخْصَةِ جَوَازُ الْفِعْلِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَصَبَرَ حَتَّى قُتِلَ يُؤْجَرُ عَمَلًا بِالْعَزِيمَةِ وَبِهَذَا سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِعْلُ وَلَوْ تَرَكَهُ وَصَبَرَ حَتَّى قُتِلَ لَا يَأْثَمُ فَهِيَ مَعْنَى الرُّخْصَةِ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ يَأْثَمُ فَهُوَ مَعْنَى الْفَرْضِ. (وَلَا يُنَافِي الِاخْتِيَارَ) ؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ لِلْفَاعِلِ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مَا لَا يَرْضَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ (بَلْ الْفِعْلُ عَنْهُ) أَيْ الْإِكْرَاهِ (اخْتِيَارُ أَخَفِّ الْمَكْرُوهَيْنِ) عِنْدَ الْفَاعِلِ مِنْ الْمُكْرَهِ بِهِ وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (ثُمَّ أَصْلُ الشَّافِعِيِّ) أَيْ الْأَمْرُ الْكُلِّيِّ الَّذِي بَنَى الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ (أَنَّهُ) أَيْ الْإِكْرَاهَ مَا كَانَ مِنْهُ (بِغَيْرِ حَقٍّ إنْ كَانَ عُذْرًا شَرْعًا بِأَنْ يَجْعَلَ الشَّارِعُ) وَالْأَحْسَنُ بِأَنْ يُحِلَّ (لِلْفَاعِلِ الْإِقْدَامَ) عَلَى الْفِعْلِ كَمَا قَالَ فِي قَسِيمِهِ الْآتِي بِأَنْ لَا يُحِلَّ (قَطْعَ) الْإِكْرَاهِ (الْحُكْمَ) أَيْ حُكْمَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (عَنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ)

سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى (قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَوْلِ) يَكُونُ (بِقَصْدِ الْمَعْنَى وَ) صِحَّةُ (الْعَمَلِ بِاخْتِيَارِهِ) لِيَكُونَ تَرْجَمَةً عَمَّا فِي الضَّمِيرِ وَدَلِيلًا عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الْإِكْرَاهُ (يُفْسِدُهُمَا) أَيْ الْقَصْدَ وَالِاخْتِيَارَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ إنَّمَا تَكَلَّمَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِنَيْلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي قَلْبِهِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا (وَأَيْضًا نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَيْهِ) أَيْ الْفَاعِلِ (بِلَا رِضَاهُ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِهِ) وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مُحْتَرَمُ الْحُقُوقِ (وَعِصْمَتُهُ) أَيْ الْفَاعِلِ (تَدْفَعُهُ) أَيْ الضَّرَرَ عَنْهُ بِدُونِ رِضَاهُ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهُ بِلَا اخْتِيَارِهِ ثُمَّ إذَا قَطَعَ الْحُكْمَ عَنْ الْفَاعِلِ بِقَوْلٍ (إنْ أَمْكَنَ نِسْبَتُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (إلَى الْحَامِلِ) وَهُوَ الْمُكْرَهُ بِإِمْكَانِ أَنْ يُبَاشِرَهُ الْحَامِلُ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ. (كَعَلَى إتْلَافِ الْمَالِ نُسِبَ) الْفِعْلُ (إلَيْهِ) أَيْ الْحَامِلِ وَيَكُونُ هُوَ الْمُؤَاخَذُ بِهِ وَيُجْعَلُ الْفَاعِلُ آلَةً لِلْحَامِلِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُمْكِنْ نِسْبَتُهُ إلَى الْحَامِلِ (بَطَلَ) بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ أَحَدٌ (كَعَلَى الْأَقْوَالِ إقْرَارٌ وَبَيْعٌ وَغَيْرُهُمَا) كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْإِكْرَاهُ (عُذْرًا بِأَنْ لَا يُحِلُّ) لِلْفَاعِلِ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ (كَعَلَى الْقَتْلِ وَالزِّنَا لَا يَقْطَعُهُ) أَيْ الْحُكْمُ (عَنْهُ) أَيْ الْفَاعِلِ (فَيَقْتَصُّ مِنْهُ الْمُكْرَهُ) الَّذِي هُوَ الْقَاتِلُ بِالْقَتْلِ (وَيُحَدُّ) الْمُكْرَهُ الَّذِي هُوَ الزَّانِي بِالزِّنَا، فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا بِالِاقْتِصَاصِ مِنْ الْحَامِلِ أَيْضًا أُجِيبَ لَا (وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْ الْحَامِلِ أَيْضًا عِنْدَهُ بِالتَّسْبِيبِ) فِي قَتْلِهِ بِإِكْرَاهِهِ أَوْ هُوَ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ إذَا تَعَيَّنَ لِلْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِهِ الْإِحْيَاءُ بِسَدِّ بَابِ الْقَتْلِ عَدُوَّانَا وَالْقَتْلُ بِالْإِكْرَاهِ شَائِعٌ مِنْ أَهْلِ الْجَوْرِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُلْجِئِ لَانْفَتَحَ بَابُ الْقَتْلِ (وَمَا) كَانَ مِنْ الْإِكْرَاهِ (بِحَقٍّ لَا يَقْطَعُ) نَفْسَ الْفِعْلِ عَنْ الْفَاعِلِ (فَصَحَّ إسْلَامُ الْحَرْبِيِّ وَبَيْعُ الْمَدْيُونِ الْقَادِرِ) عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ (مَالَهُ لِلْإِيفَاءِ وَطَلَاقُ الْمُولِي) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ زَوْجَتِهِ مِنْ الْإِيلَاءِ (بَعْدَ الْمُدَّةِ مُكْرَهِينَ) أَيْ حَالَ كَوْنِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْحَرْبِيُّ وَالْمَدْيُونُ وَالْمُولِي مُكْرَهِينَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَبَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ إكْرَاهَ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ جَائِزٌ فَعُدَّ اخْتِيَارُهُ قَائِمًا فِي حَقِّهِ إعْلَاءً لِلْإِسْلَامِ كَمَا عُدَّ قَائِمًا فِي حَقِّ السَّكْرَانِ زَجْرًا لَهُ. (بِخِلَافِ إسْلَامِ الذِّمِّيِّ) بِالْإِكْرَاهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ إكْرَاهَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ اخْتِيَارِهِ قَائِمًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلِصِحَّةِ إكْرَاهِ كُلٍّ مِنْ الْمَدْيُونِ وَالْمَوْلَى عَلَى الْإِيفَاءِ وَالطَّلَاقُ بَعْدَ الْمُدَّةِ لِكَوْنِهِ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا هُوَ حَقٌّ عَلَيْهِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ إكْرَاهَهُ عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ مُضِيِّهَا بَاطِلٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ (وَالْإِكْرَاهُ بِحَبْسٍ مُخَلَّدٍ وَضَرْبٍ مُبَرِّحٍ) أَيْ شَدِيدٍ (وَقَتْلٍ سَوَاءٌ عِنْدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ فِي الْحَبْسِ ضَرَرًا كَالْقَتْلِ وَالْعِصْمَةُ تَقْتَضِي دَفْعَ الضَّرَرِ (بِخِلَافِ نَحْوِ إتْلَافِ الْمَالِ وَإِذْهَابِ الْجَاهِ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا (وَأَصْلُ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ الَّذِي يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ (أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ إمَّا قَوْلٌ لَا يَنْفَسِخُ) كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (فَيَنْفُذُ كَمَا) يَنْفُذُ (فِي الْهَزْلِ) بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلِاخْتِيَارِ وَالْإِكْرَاهُ مُفْسِدٌ لَهُ لَا مُنَافٍ (مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمُكْرَهِ) أَيْ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آلَةً لِلْحَامِلِ فِيهِ (إلَّا مَا أَتْلَفَ) مِنْ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ بِإِكْرَاهِهِ (كَالْعِتْقِ فَيُجْعَلُ) الْفَاعِلُ (آلَةً) لِلْحَامِلِ فِي إتْلَافِ مَالِيَّةِ الْعَتِيقِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ (فَيَضْمَنُ) الْحَامِلُ لِلْفَاعِلِ قِيمَةَ الْعَبْدِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ وَهُوَ مُقْتَصَرٌ عَلَى الْفَاعِلِ. وَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ وَالْوَلَاءُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَفَذَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ مَالِكِهِ وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ (بِخِلَافِ مَا لَمْ يَتْلَفْ كَعَلَى قَبُولِهَا الْمَالَ فِي الْخُلْعِ) أَيْ كَإِكْرَاهِ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا عَلَى أَنْ تَقْبَلَ مِنْ زَوْجِهَا الْخُلْعَ عَلَى مَالٍ (إذْ يَقَعُ) الطَّلَاقُ إذَا قَبِلَتْ (وَلَا يَلْزَمُهَا) الْمَالُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ قَاصِرًا كَانَ أَوْ كَامِلًا يُعْدِمُ الرِّضَا بِالسَّبَبِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا وَالطَّلَاقُ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى الرِّضَا وَالْتِزَامُ الْمَالِ مُفْتَقِرٌ إلَيْهِ وَقَدْ انْعَدَمَ (بِخِلَافِهِ)

أَيْ الْإِكْرَاهِ (فِي الزَّوْجِ) عَلَى أَنْ يَخْلَعَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ غَيْرَ مُكْرَهَةٍ فَإِنَّهُ (يَقَعُ الْخُلْعُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِهِ طَلَاقٌ وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ (وَيَلْزَمُهَا) الْمَالُ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهُ طَائِعَةً بِإِزَاءِ مَا سَلَّمَ لَهَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلًا لَا يَنْفَسِخُ بَلْ كَانَ قَوْلًا يَنْفَسِخُ (فَسَدَ كَالْبَيْعِ) وَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَيَمْنَعُ نَفَاذَهُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطُ النَّفَاذِ وَقَدْ فَاتَ بِهِ فَانْعَقَدَ فَاسِدًا حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً صَحَّ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ عَدَمُ الرِّضَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَجَلٍ فَاسِدٍ أَوْ خِيَارٍ فَاسِدٍ فَإِنَّهُ إذَا أَسْقُط مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ الْأَجَلُ مَا شُرِطَ لَهُ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ جَازَ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ فَكَذَا هَذَا. (وَالْأَقَارِيرُ) بِمَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الْمَالِيَّاتِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا تَعْتَمِدُ عَلَى قِيَامِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِهِ سَابِقًا عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِقْرَارُ فِي ذَاتِهِ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تُهْمَةٌ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ تَرَجَّحَ صِدْقُهُ بِوُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ فَيَحْكُمُ بِهِ وَإِذَا كَانَ بِخِلَافِهِ لَمْ يَتَرَجَّحْ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَفِي الْإِقْرَارِ مُكْرَهًا قَامَتْ قَرِينَةُ عَدَمِ صِدْقِهِ وَعَدَمِ وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ وَخَوْفَهُ عَلَى تَلَفِ نَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِوُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ الْإِكْرَاهُ يُعَارِضُهُ أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُؤْمِنِ وَوُجُودُ الْمُخْبَرِ بِهِ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْكَلَامِ فَلَا يَقُومُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْمُخْبَرِ بِهِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَارِضَةَ إنَّمَا تَنْفِي الْمَدْلُولَ لَا الدَّلِيلَ وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى رُجْحَانٌ لِجَانِبِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِالشَّكِّ (مَعَ اقْتِصَارِهَا) أَيْ الْأَقَارِيرِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُقِرِّ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ آلَةً لِلْمُكْرَهِ (أَوْ فِعْلٍ لَا يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً) لِلْحَامِلِ عَلَيْهِ (كَالزِّنَا وَأَكْلِ رَمَضَانَ وَشُرْبِ الْخَمْرِ) إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الشَّخْصِ وَاطِئًا بِآلَةِ غَيْرِهِ أَوْ آكِلًا أَوْ شَارِبًا بِفَمِ غَيْرِهِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ (اقْتَصَرَ) حُكْمُهُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْفَاعِلِ (وَلَزِمَهُ حُكْمُهُ) حَتَّى لَوْ أَكْرَهَ صَائِمٌ صَائِمًا عَلَى الْأَكْلِ فَسَدَ صَوْمُ الْآكِلِ لَا غَيْرُ (إلَّا الْحَدَّ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَاعِلِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الزِّنَا لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ امْتِنَاعُ نِسْبَةِ نَفْسِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إلَى الْحَامِلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَاتِ عَنْ أَصْحَابِنَا (وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ هُمَا) أَيْ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ (إتْلَافٌ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي لُزُومِهِ الْفَاعِلَ أَوْ الْحَامِلَ) فَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا أَكْرَهَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَحْمُولِ لَا الْحَامِلِ وَإِنْ صَلَحَ آلَةً لَهُ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَكْلِ حَصَلَتْ لِلْمَحْمُولِ فَكَانَ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا يَجِبُ الْعُقْرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ حَصَلَتْ لَهُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ حَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ تَلِفَتْ بِلَا مَنْفَعَةٍ لِلْمَحْمُولِ. وَفِي الْمُحِيطِ أَكْرَهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ غَيْرِهِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْحَامِلِ وَإِنْ كَانَ الْمَحْمُولُ جَائِعًا وَحَصَلَتْ لَهُ مَنْفَعَتُهُ لِأَنَّ الْمَحْمُولَ أَكَلَ طَعَامَ الْحَامِلِ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَكْلِ إكْرَاهٌ عَلَى الْقَبْضِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْأَكْلُ بِدُونِهِ غَالِبًا فَصَارَ قَبْضُهُ مَنْقُولًا إلَى الْحَامِلِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ فَصَارَ غَاصِبًا ثُمَّ مَالِكًا لِلطَّعَامِ بِالضَّمَانِ ثُمَّ آذِنًا لَهُ بِالْأَكْلِ (إلَّا مَالَ الْفَاعِلِ) أَيْ إلَّا إذَا أَكْرَهَ الْفَاعِلُ عَلَى أَكْلِ مَالِ نَفْسِهِ فَأَكَلَهُ حَالَ كَوْنِهِ (جَائِعًا فَلَا رُجُوعَ) لَهُ عَلَى الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ لَهُ، وَلَمْ يَصِرْ آكِلًا طَعَامَ الْحَامِلِ بِإِذْنِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ غَاصِبًا قَبْلَ الْأَكْلِ لِعَدَمِ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ مَا دَامَ الطَّعَامُ فِي يَدِهِ أَوْ فِي فِيهِ فَصَارَ آكِلًا طَعَامَ نَفْسِهِ (أَوْ شَبْعَانَ فَعَلَى الْحَامِلِ قِيمَتُهُ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِ) أَيْ الْفَاعِلِ (بِهِ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا (وَالْعُقْرُ عَلَى الْفَاعِلِ بِلَا رُجُوعٍ) عَلَى الْحَامِلِ كَمَا ذَكَرْنَا (أَمَّا لَوْ أَتْلَفَهَا) أَيْ الْمَوْطُوءَةَ بِالْوَطْءِ (يَنْبَغِي الضَّمَانُ عَلَى الْحَامِلِ، وَكَذَا) اقْتَصَرَ حُكْمُ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ عَلَى الْفَاعِلِ (إنْ اُحْتُمِلَ) كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ فِيهِ (وَلَزِمَ آلِيَّتُهُ) أَيْ الْفَاعِلِ لِلْحَامِلِ لَازِمٌ هُوَ (تَبَدُّلُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِمُخَالَفَةِ الْمُكْرَهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ بُطْلَانَ الْإِكْرَاهِ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ حَمْلِ الْغَيْرِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ الْحَامِلُ وَيَرْضَاهُ عَلَى خِلَافِ رِضَا الْفَاعِلِ وَهُوَ فِعْلٌ مُعَيَّنٌ فَإِذَا فَعَلَ غَيْرَهُ كَانَ طَائِعًا بِالضَّرُورَةِ لَا مُكْرَهًا (كَإِكْرَاهِ الْمُحْرِمِ) مُحْرِمًا آخَرَ (عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَامِلَ إنَّمَا أَكْرَهَهُ (عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ فَلَوْ جَعَلَ)

الْفَاعِلَ (آلَةً) لِلْحَامِلِ (صَارَ) قَتْلُ الصَّيْدِ جِنَايَةً (عَلَى إحْرَامِ الْحَامِلِ) فَلَمْ يَكُنْ آتِيًا بِمَا أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ، فَإِنْ قِيلَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَاعِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الْإِثْمِ فَقَطْ إذْ الْجَزَاءُ يَجِبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْفَاعِلِ وَالْحَامِلِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ هُنَا قَتْلُ الصَّيْدِ بِالْيَدِ وَالْجَزَاءُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ مُقْتَصَرٌ عَلَى الْفَاعِلِ (وَلُزُومِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ الْحَامِلِ (مَعَهُ) أَيْ الْفَاعِلِ. (لِأَنَّهُ) أَيْ إكْرَاهَ الْحَامِلِ لِلْفَاعِلِ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ (يَفُوقُ الدَّلَالَةَ) أَيْ دَلَالَتَهُ عَلَى مَنْ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَفِيهَا يَجِبُ الْجَزَاءُ فَفِيهِ أَوْلَى فَالْجَزَاءُ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ جَانٍ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ وَالْقَتْلُ بِالْيَدِ لَمْ يَتَجَاوَزْ الْفَاعِلُ فِي حَقِّ مَا وَجَبَ بِهِ الْجَزَاءُ (وَ) كَالْإِكْرَاهِ لِلْغَيْرِ (عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ) لِمِلْكِهِ (اقْتَصَرَ التَّسْلِيمُ عَلَى الْفَاعِلِ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ وَنُسِبَ إلَى الْحَامِلِ وَجُعِلَ الْفَاعِلُ آلَةً (تَبَدَّلَ مَحَلُّ التَّسْلِيمِ عَنْ الْبَيْعِيَّةِ إلَى الْمَغْصُوبِيَّةِ) ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مِنْ جِهَةِ الْحَامِلِ يَكُونُ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِيلَاءِ فَيَصِيرُ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ غَصْبًا (بِخِلَافِ نِسْبَتِهِ) أَيْ التَّسْلِيمِ (إلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مُتَمَّمٌ لِلْعَقْدِ فَيَمْلِكُهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ (مِلْكًا فَاسِدًا) لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ وَعَدَمِ نَفَاذِهِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْتَلْزِمُ تَبْدِيلُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ تَبْدِيلَ ذَاتِ الْفِعْلِ فِي الْأَوَّلِ وَاسْتَلْزَمَ تَبْدِيلُهُ تَبْدِيلَ ذَاتِ الْفِعْلِ فِي الثَّانِي (وَإِنْ) احْتَمَلَ كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ فِي الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (لَمْ تَلْزَمْ) آلِيَّتُهُ تَبَدَّلَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ (كَعَلَى إتْلَافِ الْمَالِ وَالنَّفْسِ فَفِي الْمُلْجِئِ نَسَبً) الْفِعْلِ (إلَى الْحَامِلِ ابْتِدَاءً) لَا نَقْلًا مِنْ الْفَاعِلِ إلَيْهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. (فَلَزِمَهُ) أَيْ الْحَامِلُ (ضَمَانَ الْمَالِ) فِي إكْرَاهِهِ الْغَيْرَ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ وَالْقِصَاصِ فِي إكْرَاهِهِ الْغَيْرَ عَلَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعَدُوَّانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ زُفَرُ الْقِصَاصَ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ قَتْلَهُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ عَمْدًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ بَلْ الْوَاجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْحَامِلِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا هُوَ بِمُبَاشَرَةِ جِنَايَةٍ تَامَّةٍ وَعُدِمَتْ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْ الْفَاعِلِ وَالْحَامِلِ لِبَقَاءِ الْإِثْمِ فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ فَيَقْدُمُ عَلَى مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إبْقَاءِ الْحَيَاةِ بِقَضِيَّةِ الطَّبْعِ بِمَنْزِلَةِ آلَةٍ لَا اخْتِيَارَ لَهَا كَالسَّيْفِ فِي يَدِ الْقَاتِلِ فَيُضَافُ الْفِعْلُ إلَى الْحَامِلِ (وَ) يَلْزَمُهُ (الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ فِي إكْرَاهِهِ) غَيْرَهُ (عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ فَأَصَابَ إنْسَانًا عَلَى عَاقِلَةِ الْحَامِلِ) وَإِنَّمَا كَانَ الْفَاعِلُ آلَةً لِلْحَامِلِ فِي هَذِهِ (لِأَنَّهُ عَارَضَ اخْتِيَارَهُ) أَيْ الْفَاعِلِ (اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَامِلِ فَوَجَبَ تَرْجِيحُهُ بِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ فَصَارَ الْمَرْجُوحُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْعَدَمِ وَالْتُحِقَ بِالْآلَةِ الَّتِي لَا اخْتِيَارَ لَهَا فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَلْزَمُ الْفَاعِلُ لَا الْآلَةَ (وَكَذَا حِرْمَانُ الْإِرْثِ) يُنْسَبُ إلَى الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ مِمَّا يَصْلُحُ كَوْنُهُ آلَةً فِيهِ لِلْحَامِلِ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ الْمَحَلِّ (أَمَّا الْإِثْمُ) فَالْفَاعِلُ لَا يَصْلُحُ آلَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ وَيَكْتَسِبَ الْإِثْمَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَصْدُ الْقَلْبِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَصْدُ بِقَلْبِ الْغَيْرِ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ التَّكَلُّمُ بِلِسَانِ الْغَيْرِ وَلَوْ فَرَضْنَاهُ آلَةً يَلْزَمُ تَبَدُّلُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ إذْ الْجِنَايَةُ حِينَئِذٍ تَكُونُ عَلَى دَيْنِ الْحَامِلِ وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ الْفَاعِلَ بِذَلِكَ فَيَنْتَفِي الْإِكْرَاهُ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ آلَةً (فَعَلَيْهَا) أَيْ الْجَاعِلِ وَالْفَاعِلِ الْإِثْمُ الْحَامِلُ (لِحَمْلِهِ) الْفَاعِلِ عَلَى الْقَتْلِ فَقَدْ قَصَدَ بِهِ قَتْلَ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ (وَإِيثَارُ الْآخَرِ) وَهُوَ الْفَاعِلِ (حَيَاتَهُ) عَلَى مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَتَحْقِيقُهُ مَوْتَهُ بِمَا فِي وُسْعِهِ مِنْ الْجُرْحِ الصَّالِحِ لِزَهُوقِ الرُّوحِ طَاعَةً لِلْمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى نَهَاهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ هَذَا (فِي الْعَمْدِ وَفِي الْخَطَأِ لِعَدَمِ تَثَبُّتِهِمَا) أَيْ الْحَامِلِ وَالْفَاعِلِ. (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ (اقْتَصَرَ) حُكْمُ الْفِعْلِ (عَلَى الْفَاعِلِ) ؛ لِأَنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى الْحَامِلِ إنَّمَا كَانَ لِفَسَادِ اخْتِيَارِ الْفَاعِلِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمُلْجِئِ (فَيَضْمَنُ) مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ (وَيُقْتَصُّ) مِنْهُ بِقَتْلِ غَيْرِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا (وَكُلُّ الْأَقْوَالِ لَا تَحْتَمِلُ آلِيَّةَ قَائِلِهَا) لِلْحَامِلِ عَلَيْهَا (لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْحَامِلِ عَلَى تَطْلِيقِ زَوْجَةِ غَيْرِهِ وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ) أَيْ غَيْرِهِ قَالُوا لِامْتِنَاعِ التَّكَلُّمِ بِلِسَانِ غَيْرِهِ وَأَمَّا مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الرَّسُولِ كَلَامُ الْمُرْسَلِ فَمَجَازٌ إذْ الْعِبْرَةُ بِالتَّبْلِيغِ وَهُوَ قَدْ يَكُونُ مُشَافَهَةً وَقَدْ يَكُونُ بِوَاسِطَةٍ وَفِي الطَّرِيقَةِ الْبَرْغَوِيَّةِ لَا نَظَرَ إلَى التَّكَلُّمِ

بِلِسَانِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ وَإِنَّمَا النَّظَرُ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْكَلَامِ وَإِلَى الْحُكْمِ فَمَتَى كَانَ فِي وُسْعِهِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ يَجْعَلُ غَيْرَهُ آلَةً لَهُ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ لَمْ يَجْعَلْ غَيْرَهُ آلَتَهُ فَالرَّجُلُ قَادِرٌ عَلَى تَطْلِيقِ امْرَأَتِهِ وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ فَإِذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ يُجْعَلُ فَاعِلًا تَقْدِيرًا وَاعْتِبَارًا بِخِلَافِ الْحَامِلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ عَلَى تَطْلِيقِ امْرَأَةِ الْغَيْرِ وَإِعْتَاقِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَجْعَلَ الْفَاعِلَ آلَتَهُ (بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ) فَإِنَّ مِنْهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ وَمِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ كَمَا سَلَفَ (هَذَا تَقْسِيمُ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهِ) . أَيْ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (إلَى الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ وَأَمَّا) تَقْسِيمُهُ (بِاعْتِبَارِ حِلِّ إقْدَامِ الْمُكْرَهِ) أَيْ الْفَاعِلِ (وَعَدَمِهِ) أَيْ حِلِّ إقْدَامِهِ (فَالْحُرُمَاتُ إمَّا بِحَيْثُ لَا تَسْقُطُ وَلَا يُرَخَّصُ فِيهَا كَالْقَتْلِ وَجُرْحِ الْغَيْرِ) ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ دَلِيلِ الرُّخْصَةِ خَوْفَ تَلَفِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ أَوْ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّيَانَةِ عَنْهُمَا سَوَاءٌ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُكْرَهِ أَنْ يُتْلِفَ نَفْسَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ عَبْدُهُ لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ فَصَارَ الْإِكْرَاهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فِي حَقِّ إبَاحَةِ قَتْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لِتَعَارُضِ الْحُرْمَتَيْنِ إذْ التَّرَخُّصُ لَوْ ثَبَتَ بِالْإِكْرَاهِ لِصِيَانَةِ حُرْمَةِ نَفْسِ الْمُكْرَهِ مَنَعَ ثُبُوتُهُ وُجُوبَ صِيَانَةِ حُرْمَةِ نَفْسِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ لِلتَّعَارُضِ وَحُرْمَةُ طَرَفِ غَيْرِهِ مِثْلُ حُرْمَةِ نَفْسِ ذَلِكَ الْغَيْرِ فَلَا يُرَخَّصُ بِالْجُرْحِ وَإِتْلَافِ طَرَفِ غَيْرِهِ لِحِمَايَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ طَرَفَ الْغَيْرِ لِيَأْكُلَهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ مَا إذَا أَكْرَهَ عَلَى قَطْعِ طَرَفِ نَفْسِهِ بِالْقَتْلِ بِأَنْ قِيلَ لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ تَقْطَعُ أَنْتَ يَدَك حُلَّ لَهُ قَطْعُ يَدِهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَوْقَ حُرْمَةِ يَدِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَهُ وِقَايَةُ نَفْسِهِ كَأَمْوَالِهِ فَجَازَ أَنْ يَخْتَارَ أَدْنَى الضَّرَرَيْنِ لِدَفْعِ الْأَعْلَى كَمَا لَهُ أَنْ يَبْذُلَ مَالَهُ لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ وَلِأَنَّ فِي بَذْلِ طَرَفِهِ صِيَانَةَ نَفْسِهِ إذْ فِي فَوَاتِ النَّفْسِ فَوَاتُ الْيَدِ وَلَا عَكْسَ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ قَطْعُ طَرَفِ الْغَيْرِ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ لِإِلْحَاقِ الطَّرَفِ بِالْمَالِ أُجِيبَ بِأَنَّ إلْحَاقَهُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ فَإِنَّ النَّاسَ يَبْذُلُونَ الْمَالَ صِيَانَةً لِنَفْسِ الْغَيْرِ لَا الطَّرَفِ وَيَبْذُلُ الْإِنْسَانُ كُلًّا مِنْهُمَا لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ (وَزِنَا الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ زِنَاهُ (قَتْلٌ مَعْنًى) لِوَلَدِهِ إمَّا لِانْقِطَاعِ نَسَبِهِ عَنْهُ إذْ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ كَالْمَيِّتِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّسَبِ وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ لِعَجْزِهَا فَيَهْلِكَ فَإِنْ قِيلَ يَتِمُّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ أَمَّا فِيهَا فَلَا لِنِسْبَتِهِ إلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ وَوُجُوبُ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّ حِكْمَةَ الْحُكْمِ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ عَلَى أَنْ صَاحِبَ الْفِرَاشِ قَدْ يَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ لِتُهْمَةِ الزِّنَا وَيُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ وَيَنْقَطِعُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَيَكُونُ هَالِكًا وَعَلَى هَذَا فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الزِّنَا إهْلَاكٌ فِي صُورَةٍ مُطْلَقًا وَفِي أُخْرَى قَدْ وَقَدْ فَكَانَ مَعْنَى الْإِهْلَاكِ غَالِبًا فَاعْتُبِرَ إهْلَاكًا مُطْلَقًا اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ وَدَفْعًا لِلْمُفْسِدَةِ وَأَوْرَدَ حُصُولَ الْوَلَدِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَالْهَلَاكُ مَوْهُومٌ لِقُدْرَةِ الْأُمِّ عَلَى كَسْبٍ يُنَاسِبُهَا وَهَلَاكُ الْمُكْرَهِ مُتَيَقَّنٌ فَلَا يُعَارِضُهُ. وَدُفِعَ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِلْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ لَا الْمُتَحَقِّقَةِ وَكَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْوَطْءِ سَبَبًا لِلْعُلُوقِ وَمِنْ كَوْنِهَا عَاجِزَةً عَنْ الْإِنْفَاقِ وَمِنْ كَوْنِهِ هَالِكًا عِنْدَ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ ظَاهِرَةٌ وَبَعْضُهَا أَظْهَرُ مِنْ بَعْضٍ فَبُنِيَ الْحُكْمُ عَلَى هَذِهِ الظَّوَاهِرِ عَلَى أَنَّ هَلَاكَ الْمُكْرَهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ الْمُكْرَهُ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَا يُخَوَّفُ بِهِ وَاقِعًا خُصُوصًا لِقَتْلِ الَّذِي يَنْفِرُ الطَّبْعُ مِنْهُ (فَلَا يُحِلُّهَا) أَيْ الْحُرُمَاتِ الَّتِي بِحَيْثُ لَا تَسْقُطُ كَقَتْلِ الْغَيْرِ وَجُرْحِهِ وَزِنَا الرَّجُلِ (الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ أَوْ) بِحَيْثُ (تَسْقُطُ كَحُرْمَةِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَيُبِيحُهَا) أَيْ الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ (لِلِاسْتِثْنَاءِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتَثْنَى عَنْ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا حَالَةَ الِاضْطِرَارِ بِمَعْنَى أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ فِيهَا حَالَتَئِذٍ فَتَبْقَى الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ ضَرُورَةً (وَالْمُلْجِئُ نَوْعٌ مِنْ الِاضْطِرَارِ أَوْ تَثْبُتُ) الْإِبَاحَةُ فِي الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ (بِدَلَالَتِهِ) أَيْ الِاضْطِرَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ فَوَاتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ (إنْ اخْتَصَّ) الِاضْطِرَارُ (بِالْمَخْمَصَةِ فَيَأْثَمُ) الْمُكْرَهُ (لَوْ أَوْقَعَ) الْقَتْلَ أَوْ قَطْعَ الْعُضْوِ (بِهِ لِامْتِنَاعِهِ) مِنْ تَنَاوُلِ ذَلِكَ (إنْ) كَانَ (عَالِمًا بِسُقُوطِهَا) أَيْ الْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الشَّاةِ وَشُرْبِ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَيُرْجَى أَنْ لَا يَكُونَ آثِمًا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إقَامَةَ الشَّرْعِ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ فِي زَعْمِهِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ زَوَالِ الْحُرْمَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ خَفِيَ

فَعُذِرَ بِالْجَهْلِ كَمَا فِي الْخِطَابِ قَبْلَ الشُّهْرَةِ كَالصَّلَاةِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. (وَلَا يُبِيحُهَا) أَيْ الْحُرُمَاتِ الَّتِي بِحَيْثُ تَسْقُطُ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ الْإِكْرَاهُ (غَيْرُ الْمُلْجِئِ بَلْ يُوَرِّثُ) غَيْرُ الْمُلْجِئِ (شُبْهَةً فَلَا حَدَّ بِالشُّرْبِ مَعَهُ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ بِالْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ وَنَحْوِهِ فِي الْأَفْعَالِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَوْ كَانَ مُلْجِئًا أَوْجَبَ الْحِلَّ فَإِذَا وُجِدَ جُزْءٌ مِنْهُ يَصِيرُ شُبْهَةً كَالْمِلْكِ فِي الْجُزْءِ مِنْ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ يَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ الشَّرِيكِ بِوَطْئِهَا (أَوْ) بِحَيْثُ (لَا تَسْقُطُ) أَيْ لَا يَحِلُّ مُتَعَلِّقُهَا قَطُّ (لَكِنْ رُخِّصَتْ) مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ وَحِينَئِذٍ (فَإِمَّا مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ) بِحَالٍ (كَحُرْمَةِ التَّكَلُّمِ بِكُفْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ حَرَامٌ صُورَةً وَمَعْنًى حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً وَإِجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ صُورَةً كُفْرٌ إذْ الْأَحْكَامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالظَّاهِرِ فَيَكُونُ حَرَامًا إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ رَخَّصَ فِيهِ بِشَرْطِ اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] (أَوْ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ) أَيْ السُّقُوطَ (كَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَأَخَوَاتِهَا) مِنْ الصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ فَإِنَّ حُرْمَةَ تَرْكِهَا مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ مُؤَبَّدَةٌ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ لَكِنَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مُحْتَمِلٌ لِلسُّقُوطِ فِي الْجُمْلَةِ بِالْأَعْذَارِ (فَيُرَخَّصُ) تَرْكُهَا (بِالْمُلْجِئِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي نَفْسِهِ يَفُوتُ أَصْلًا وَحَقُّ صَاحِبِ الشَّرْعِ يَفُوتُ إلَى خَلَفٍ. (فَلَوْ صَبَرَ) ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ حَتَّى قُتِلَ (فَهُوَ شَهِيدٌ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَالَى لَمْ يَسْقُطْ بِالْإِكْرَاهِ وَفِيمَا فَعَلَ إظْهَارُ الصَّلَابَةِ فِي الدِّينِ وَبَذْلُ نَفْسِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقَسَمِ (زِنَاهَا) أَيْ إذَا أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا فَتَمْكِينُهَا مِنْ الزِّنَا حَرَامٌ (لَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ الَّتِي هِيَ حَقُّهُ تَعَالَى الْمُحْتَمِلُ لِلرُّخْصَةِ) لَهَا مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ فِي الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ. (لِعَدَمِ الْقَطْعِ) لِنَسَبِ وَلَدِهَا مِنْ الزِّنَا عَنْهَا بِحَالٍ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى الْقَتْلِ الَّذِي هُوَ الْمَانِعُ مِنْ التَّرَخُّصِ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ وَأَوْرَدَ الْمَرْأَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَ فَقَدْ يَنْفِيهِ فَيُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ أَيْضًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْهَلَاكَ يُضَافُ إلَى الرَّجُلِ بِإِلْقَاءِ بَذْرَةٍ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَا إلَى فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ وَالْفِعْلُ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ دُونَ الْمَحَلِّ (بِخِلَافِ) الْإِكْرَاهِ (غَيْرِ الْمُلْجِئِ فِيهِ) أَيْ فِي زِنَاهَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُرَخَّصٍ لَهَا فِي ذَلِكَ (لَكِنْ لَا تُحَدُّ الْمَرْأَةُ) بِالتَّمْكِينِ فِيهِ (وَيُحَدُّ هُوَ) أَيْ الرَّجُلُ (مَعَهُ) أَيْ الْإِكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ؛ لِأَنَّ الْمُلْجِئَ لَيْسَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَكُونَ غَيْرُ الْمُلْجِئِ شُبْهَةَ رُخْصَةٍ (لَا مَعَ الْمُلْجِئِ) اسْتِحْسَانًا كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَا بِهِ. وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُحَدُّ مَعَ الْمُلْجِئِ أَيْضًا كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا وَزُفَرُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الرَّجُلِ إلَّا بِانْتِشَارِ آلَتِهِ وَهُوَ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَعَ الْخَوْفِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ تَمْكِينَهَا يَتَحَقَّقُ مَعَ خَوْفِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ (لِأَنَّهُ) أَيْ زِنَاهُ مَعَ الْمُلْجِئِ (مَعَ قَطْعِ الْعُضْوِ) أَوْ تَلَفِ الْعُضْوِ (لَا لِلشَّهْوَةِ) لِيُزْجَرَ بِالْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْزَجِرًا إلَى أَنْ تَحَقَّقَ الْإِكْرَاهُ فَكَانَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِهِ وَانْتِشَارُ الْآلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا بِالْفُحُولِيَّةِ الْمُرَكَّبَةِ فِي الرِّجَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ قَدْ تَنْتَشِرُ آلَتُهُ طَبْعًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ لَهُ وَلَا قَصْدٍ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخَوْفِ (وَإِمَّا) مُتَعَلِّقَةٌ (بِحُقُوقِ الْعِبَادِ كَحُرْمَةِ إتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ) فَإِتْلَافُ مَالِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ حُرْمَةً هِيَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ وَوُجُوبَ عَدَمِ إتْلَافِهِ حَقٌّ لِلْعَبْدِ وَالْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَرْكِ الْعِصْمَةِ ثُمَّ حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ (لَا تَسْقُطُ) بِحَالٍ (لِأَنَّهَا) أَيْ حُرْمَةُ مَالِهِ (حَقُّهُ) أَيْ الْعَبْدِ وَإِتْلَافُ مَالِهِ ظُلْمٌ وَحُرْمَةُ الظُّلْمِ مُؤَبَّدَةٌ لَكِنَّهَا حَقُّهُ (الْمُحْتَمِلُ لِلرُّخْصَةِ بِالْمُلْجِئِ) حَتَّى لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إتْلَافِهِ إكْرَاهًا مُلْجِئًا رُخِّصَ لَهُ فِيهِ (لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ فَوْقَ حُرْمَةِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ مُهَانٌ مُبْتَذَلٌ رُبَّمَا يَجْعَلُهُ صَاحِبُهُ صِيَانَةً لِنَفْسِ الْغَيْرِ أَوْ طَرَفِهِ (وَلَا تَزُولُ الْعِصْمَةُ) لِلْمَالِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِالْإِكْرَاهِ (لِأَنَّهَا) أَيْ عِصْمَتَهُ (لِحَاجَةِ مَالِكِهِ) إلَيْهِ (وَلَا تَزُولُ) الْحَاجَةُ (بِإِكْرَاهِ الْآخَرِ) فَيَكُونُ إتْلَافُهُ وَإِنْ رُخِّصَ فِيهِ بَاقِيًا عَلَى الْحُرْمَةِ. (وَلَوْ صَبَرَ عَلَى الْقَتْلِ كَانَ شَهِيدًا) ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ لِدَفْعِ الظُّلْمِ كَمَا إذَا امْتَنَعَ عَنْ تَرْكِ الْفَرَائِضِ حَتَّى قُتِلَ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْعِبَادَاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ التَّرْكِ فِيهَا مِنْ بَابِ إعْزَازِ الدِّينِ قَيَّدُوا الْحُكْمَ

الباب الثاني من المقالة الثانية في أدلة الأحكام الشرعية

بِالِاسْتِثْنَاءِ فَقَالُوا كَانَ شَهِيدًا (إنْ شَاءَ اللَّهُ وَبَقِيَ مِنْ الْمُكْتَسَبَةِ الْجَهْلُ نَذْكُرُهُ فِي الِاجْتِهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) . [الْبَابُ الثَّانِي مِنْ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ] (الْبَابُ الثَّانِي) مِنْ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَحْوَالِ الْمَوْضُوعِ فِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ (أَدِلَّةُ الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ (الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ) بِحُكْمِ الِاسْتِقْرَاءِ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ إمَّا وَحْيٌ أَوْ غَيْرُهُ وَالْوَحْيُ إمَّا مَتْلُوٌّ فَهُوَ الْكِتَابُ أَوْ غَيْرُ مَتْلُوٍّ فَهُوَ السُّنَّةُ، وَغَيْرُ الْوَحْيِ إمَّا قَوْلُ كُلِّ الْأُمَّةِ مِنْ عَصْرٍ فَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ أَوْ أَنَّ الدَّلِيلَ إمَّا وَاصِلٌ إلَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ إمَّا مَتْلُوٌّ وَهُوَ الْكِتَابُ أَوْ غَيْرُ مَتْلُوٍّ وَهُوَ السُّنَّةُ وَيَنْدَرِجُ فِيهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلُهُ وَتَقْرِيرُهُ وَالثَّانِي إمَّا وَاصِلٌ عَنْ مَعْصُومٍ عَنْ خَطَأٍ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ أَوْ عَنْ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ (وَمَنْعُ الْحَصْرِ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا وَالِاحْتِيَاطُ وَالِاسْتِصْحَابُ وَالتَّعَامُلُ مَرْدُودٌ بِرَدِّهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ (إلَى أَحَدِهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى (مُعَيَّنًا) كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ إلَى السُّنَّةِ وَشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ إلَى الْكِتَابِ إذَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَإِلَى السُّنَّةِ إذَا قَصَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ وَالتَّعَامُلُ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ إلَى الْإِجْمَاعِ (وَمُخْتَلِفًا فِي الِاحْتِيَاطِ وَالِاسْتِصْحَابِ) كَمَا سَيَأْتِي فِي خَاتِمَةِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَعْنَى الْإِضَافَةِ) فِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ (أَنَّ الْأَحْكَامَ النِّسَبُ الْخَاصَّةُ النَّفْسِيَّةُ) بِالطَّلَبِ وَالتَّخْيِيرِ (وَالْأَرْبَعَةَ) أَيْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ وَالْقِيَاسَ (أَدِلَّتُهَا) أَيْ النِّسَبُ الْمَذْكُورَةُ (وَبِذَلِكَ) أَيْ وَبِسَبَبِ كَوْنِهَا أَدِلَّةً (سُمِّيَتْ أُصُولًا) لِأَنَّ الْأَصْلَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ (وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (الْقِيَاسَ أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ) لِإِسْنَادِ الْحُكْمِ إلَيْهِ ظَاهِرًا (فَرْعًا مِنْ وَجْهٍ لِثُبُوتِ حُجِّيَّتِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ كَمَا يُصَرَّحُ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ (يُوجِبُ مِثْلَهُ) أَيْ الْأَصَالَةَ مِنْ وَجْهٍ وَالْفَرْعِيَّةَ مِنْ وَجْهٍ (فِي السُّنَّةِ) لِإِسْنَادِ الْحُكْمِ إلَيْهَا ظَاهِرًا وَثُبُوتِ حُجِّيَّتِهَا بِالْكِتَابِ (وَالْإِجْمَاعِ) لِإِسْنَادِ الْحُكْمِ إلَيْهِ ظَاهِرًا وَثُبُوتُ حُجِّيَّتِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا مُوجِبَ لِلِاقْتِصَارِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقِيَاسِ حَتَّى أَنَّهُ أَوْجَبَ إفْرَادَهُ بِالذِّكْرِ عَنْ الثَّلَاثَةِ فَقَالُوا أُصُولُ الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ الْقِيَاسُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْهَا. وَقِيلَ أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ لِلْفِقْهِ فَقَطْ وَهِيَ أَصْلٌ لَهُ وَلِعِلْمِ الْكَلَامِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ عَدَمُ الْقَطْعِ وَفِيهَا الْقَطْعُ (وَالْأَقْرَبُ) أَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِالذِّكْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا (لِاحْتِيَاجِهِ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ إلَى أَحَدِهَا) لِابْتِنَائِهِ عَلَى عِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْ أَحَدِهَا وَعَدَمِ احْتِيَاجِهَا إلَيْهِ (وَلَا يَرِدُ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْمُسْتَنِدِ) لَهُ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ فِيهِمْ عِلْمًا ضَرُورِيًّا وَيُوَفِّقَهُمْ لِاخْتِيَارِ الصَّوَابِ كَمَا هُوَ قَوْلُ شِرْذِمَةٍ عَلَى هَذَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ افْتِقَارِ الْإِجْمَاعِ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حِينَئِذٍ وَلُزُومِ افْتِقَارِ الْقِيَاسِ إلَى أَحَدِهِمَا (وَلَا) يَرِدُ (عَلَى لُزُومِهِ) أَيْ الْمُسْتَنَدِ لَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ عَلَيْهِ أَيْضًا (لِأَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُسْتَنَدِ (قَوْلُ كُلٍّ) إلَّا فُرَادَى (وَلَيْسَ) قَوْلُ كُلٍّ إلَّا فُرَادَى (إجْمَاعًا بَلْ هُوَ) أَيْ الْإِجْمَاعُ (كُلُّهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (الْمُتَوَقِّفُ عَلَى) قَوْلِ (كُلِّ وَاحِدٍ وَلَا يَحْتَاجُ) الْمَجْمُوعُ إلَى مُسْتَنَدٍ (وَإِلَّا) لَوْ احْتَاجَ الْمَجْمُوعُ إلَى مُسْتَنَدٍ (كَانَ الثَّابِتُ بِهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ (بِمَرْتَبَةِ الْمُسْتَنَدِ) أَيْ فِي رُتْبَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ يُثْبِتُ أَمْرًا زَائِدًا لَا يُثْبِتُهُ الْمُسْتَنَدُ وَهُوَ قَطْعِيَّةُ الْحُكْمِ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِنْ الْجَوَابِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُسْتَنَدِ فِي تَحَقُّقِهِ لَا فِي نَفْسِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُكْمِ فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ بِهِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى مُلَاحَظَةِ الْمُسْتَنَدِ وَالِالْتِفَاتِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ لَا يُمْكِنُ بِدُونِ اعْتِبَارِ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَالْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْهُ ثُمَّ الْكَلَامُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ تَرْتِيبُهَا الذِّكْرِيُّ تَقْدِيمًا لِلْأَقْدَمِ بِالذَّاتِ وَالشَّرَفِ فَالْأَقْدَمِ فَنَقُولُ (الْكِتَابُ) هُوَ (الْقُرْآنُ) تَعْرِيفًا (لَفْظِيًّا) فَإِنَّهُمَا

مُتَرَادِفَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَلَبَ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ عَلَى الْمَجْمُوعِ الْمُعَيَّنِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَقْرُوءِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعِبَادِ ثُمَّ اسْتِعْمَالُ الْقُرْآنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَشْهَرُ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ وَأَظْهَرُ (وَهُوَ) أَيْ الْقُرْآنُ (اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ الْمُنَزَّلُ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّذَكُّرِ الْمُتَوَاتِرُ) فَاللَّفْظُ: شَامِلٌ لِلْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَغَيْرِهَا، مُخْرِجٌ لِلْكَلَامِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى. وَالْعَرَبِيُّ: مُخْرِجٌ لِمَا سِوَاهُ مِنْ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْمُنَزَّلُ: أَيْ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّذَكُّرِ: أَيْ لِلتَّفَكُّرِ فِيهِ فَيُعْرَفُ مَا يُدَبَّرُ أَيْ مَا يَتْبَعُ ظَاهِرَهُ مِنْ التِّلَاوَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالْمَعَانِي الْمُسْتَنْبَطَةِ، وَيَتَّعِظُ بِهِ ذَوُو الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ أَوْ يَسْتَحْضِرُونَ بِهِ مَا هُوَ كَالْمَرْكُوزِ فِي عُقُولِهِمْ مِنْ فَرْطِ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِمَا نُصِبَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلَائِلِ فَإِنَّ الْكُتُبَ الْإِلَهِيَّةَ لِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ وَالْإِرْشَادِ إلَى مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْعَقْلُ وَلَعَلَّ التَّدَبُّرَ لِمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ وَالتَّذَكُّرُ لِمَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْعَقْلُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} [ص: 29] وَهَذَا اقْتِبَاسٌ مِنْهُ مُخْرِجٌ لِمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ وَبَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْإِلَهِيَّةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَمْ يُسْنِدْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» الْحَدِيثَ. وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رُوِيَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا.» وَالْمُتَوَاتِرُ وَسَتَعْرِفُ مَعْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ مُخْرِجٌ لِمَا كَانَ هَكَذَا غَيْرَ مُتَوَاتِرٍ كَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَأُبَيُّ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ وَبَعْضُ الْأَحَادِيثِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي أَسْنَدَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ كَالْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَيُّ الْبِلَادِ شَرٌّ قَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ فَسَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي فَانْطَلَقَ فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ إنِّي سَأَلْت رَبِّي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ شَرُّ الْبِلَادِ الْأَسْوَاقُ» فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ (فَخَرَجَتْ الْأَحَادِيثُ الْقُدْسِيَّةُ) أَيْ الْإِلَهِيَّةُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَخْرَجَهَا لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ نَوْعَيْهَا الْمَذْكُورَيْنِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ يَبْقَى اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ الَّذِي أَسْنَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ الْمَقْصُودُ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّذَكُّرِ وَلَيْسَ بِقُرْآنٍ دَاخِلًا فِي هَذَا التَّعْرِيفِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَخْرَجٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ دُخُولَ هَذَا وَخُرُوجَهُ فَرْعُ وُجُودِهِ وَلَا وُجُودَ لَهُ فَلَا إشْكَالَ (وَالْإِعْجَازُ) أَيْ وَثُبُوتُهُ لَهُ وَهُوَ أَنْ يَرْتَقِيَ فِي بَلَاغَتِهِ إلَى حَدٍّ يَخْرُجُ عَنْ طَوْقِ الْبَشَرِ وَيُعْجِزُهُمْ عَنْ مُعَارَضَتِهِ (تَابِعٌ لَازِمٌ) غَيْرُ بَيِّنٍ (لِأَبْعَاضٍ خَاصَّةٍ مِنْهُ لَا بِقَيْدِ سُورَةٍ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (وَلَا كُلِّ بَعْضٍ نَحْوَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ فَإِنَّهَا جُمَلٌ لَا إعْجَازَ فِيهَا (وَهُوَ) أَيْ الْقُرْآنُ (مَعَ جُزْئِيَّةِ اللَّامِ) فِيهِ أَيْ كَوْنِهِ مُقْتَرِنًا بِهَا لِإِفَادَةِ التَّعْرِيفِ الْعَهْدِيِّ (لِلْمَجْمُوعِ) مِنْ الْفَاتِحَةِ إلَى آخِرِ سُورَةِ النَّاسِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى مَا دُونَهُ مِنْ آيَةٍ وَسُورَةٍ (وَلَا مَعَهَا) أَيْ جُزْئِيَّةِ اللَّامِ لَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُقْتَرِنًا بِهَا تَعْرِيفُهُ (لَفْظٌ إلَخْ) أَيْ عَرَبِيٌّ مُنَزَّلٌ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّذَكُّرِ مُتَوَاتِرٌ (فَيَصْدُقُ عَلَى الْآيَةِ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَهَذَا أَنْسَبُ بِغَرَضِ الْأُصُولِيِّ لِأَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَلِيلُ الْحُكْمِ وَذَلِكَ آيَةٌ لَا مَجْمُوعُ الْقُرْآنِ (وَهَذَا) التَّعْرِيفُ لِلْقُرْآنِ (لِلْحُجَّةِ الْقَائِمَةِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حُجَّةً قَائِمَةً عَلَى الْعِبَادِ فِي الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ. (وَ) تَعْرِيفُهُ (بِلَا هَذَا الِاعْتِبَارِ) أَيْ كَوْنُهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِيهَا (كَلَامُهُ تَعَالَى الْعَرَبِيُّ الْكَائِنُ لِلْإِنْزَالِ وَلِلْعَرَبِيِّ) أَيْ كَوْنُهُ عَرَبِيًّا (رَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ (لِلْقَادِرِ) عَلَى الْعَرَبِيِّ (بِالْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ قِرَاءَةُ مُسَمَّى الْقُرْآنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَمَا فِي الْخَارِجِ الْمُنْحَصِرِ فِيهِ الْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ رَوَاهُ نُوحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَجْنُونٌ فَيُدَاوَى أَوْ زِنْدِيقٌ فَيُقْتَلُ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَهَبَ أَوَّلًا إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِلْمَعْنَى وَحْدَهُ اسْتِدْلَالًا بِجَوَازِ الْقِرَاءَةِ

بِالْفَارِسِيَّةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّظْمَ الْعَرَبِيَّ لَيْسَ رُكْنًا لِلْقُرْآنِ عِنْدَهُ بَلْ قَالَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ (رُكْنٌ زَائِدٌ) فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً لِأَنَّ النَّظْمَ الْعَرَبِيَّ مَقْصُودٌ لِلْإِعْجَازِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ الْمُنَاجَاةُ لَا الْإِعْجَازُ فَلَا يَكُونُ النَّظْمُ لَازِمًا فِيهَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعَارَضَةُ النَّصِّ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ النَّصَّ طَلَبٌ بِالْعَرَبِيِّ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُجِيزُهُ بِغَيْرِهَا، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يَتَعَلَّقَ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي شَرِيعَةِ النَّبِيِّ الْآتِي بِالنَّظْمِ الْمُعْجِزِ بِقِرَاءَةِ ذَلِكَ الْمُعْجِزِ بِعَيْنِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ (لَا يُفِيدُ) دَفْعَ الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ (بَعْدَ دُخُولِهِ) أَيْ الرُّكْنِ لِلشَّيْءِ فِي مَاهِيَّتِه لِأَنَّ كَوْنَهُ زَائِدًا عَلَى الْمَاهِيَّةِ مَعَ الدُّخُولِ فِيهَا غَيْرُ مَعْقُولٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَدِيعِ (وَدَفْعُهُ) أَيْ هَذَا التَّعَقُّبِ كَمَا فِي شَرْحِهِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ (بِإِرَادَتِهِمْ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَازُ) لِلصَّلَاةِ أَيْ وَجَوَازُ الصَّلَاةِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى فَقَطْ إذْ لَيْسَ الْإِعْجَازُ الْمُتَعَلِّقُ بِاللَّفْظِ مَقْصُودًا فِي الصَّلَاةِ (مَعَ دُخُولِهِ) أَيْ النَّظْمِ الْعَرَبِيِّ (فِي الْمَاهِيَّةِ) أَيْ الْقُرْآنِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهِ رُكْنًا لِمَاهِيَّةِ الْقُرْآنِ وَزَائِدًا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ (دَفْعٌ بِعَيْنِ الْإِشْكَالِ لِأَنَّ دُخُولَهُ) أَيْ النَّظْمِ الْعَرَبِيِّ فِي مَاهِيَّةِ الْقُرْآنِ هُوَ (الْمُوجِبُ لِتَعَلُّقِ الْجَوَازِ بِهِ) أَيْ بِالنَّظْمِ الْعَرَبِيِّ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِقِرَاءَةِ مُسَمَّى الْقُرْآنِ (عَلَى أَنَّ مَعْنَى الرُّكْنِ الزَّائِدِ عِنْدَهُمْ مَا قَدْ يَسْقُطُ شَرْعًا) كَمَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي الْإِقْرَارِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتًا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْأَدَاءِ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ إيمَانُهُ إيمَانَ يَأْسٍ (وَادِّعَاؤُهُ) أَيْ السُّقُوطَ شَرْعًا (فِي النَّظْمِ) الْعَرَبِيِّ (عَيْنُ النِّزَاعِ، وَالْوَجْهُ فِي الْعَاجِزِ) عَنْ النَّظْمِ الْعَرَبِيِّ (أَنَّهُ) أَيْ الْعَاجِزَ عَنْهُ (كَالْأُمِّيِّ) لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ كَلَا قُدْرَةٍ، فَكَانَ أُمِّيًّا حُكْمًا فَلَا يَقْرَأُ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إذْ فِي الْمُجْتَبَى وَاخْتَلَفَ فِيمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَيُحْسِنُ بِغَيْرِهَا، الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا قِرَاءَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا اهـ وَعَلَى أَنَّهُ يُصَلِّيَ بِلَا قِرَاءَةِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بَلْ يُسَبِّحَ وَيُهَلِّلَ (فَلَوْ أَدَّى) الْعَاجِزُ (بِهِ) أَيْ بِالْفَارِسِيِّ فِي الصَّلَاةِ (قِصَّةً) أَوْ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا (فَسَدَتْ) الصَّلَاةُ بِمُجَرَّدِ قِرَاءَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ غَيْرِ قُرْآنٍ (لَا ذِكْرًا) أَوْ تَنْزِيهًا إلَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَفْسُدُ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ إخْلَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ يَقْرَأُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ يَذْبَحُ وَيُسَمِّي بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ قَالَ يُجْزِئُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُجْزِئُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا فِي الذَّبِيحَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ وَقَاضِي خَانْ نَقْلًا عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ الْفَسَادَ بِهَا عِنْدَهُمَا (وَعَنْهُ) أَيْ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ لِلْقُرْآنِ حَيْثُ أُخِذَ فِيهِ التَّوَاتُرُ (يَبْطُلُ إطْلَاقُ عَدَمِ الْفَسَادِ) لِلصَّلَاةِ (بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ) فِيهَا كَمَا فِي الْكَافِي لِانْتِفَاءِ التَّوَاتُرِ فِيهَا إذْ هِيَ مَا نُقِلَ آحَادًا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا مَا عَدَا الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ لِأَبِي عَمْرٍو وَنَافِعٍ وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَابْنِ كَثِيرٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَقَالَ السُّبْكِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهَا مَا وَرَاءَ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ لِلْمَذْكُورِينَ وَيَعْقُوبَ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَخَلَفٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ قَالَتْ الْأُمَّةُ لَوْ صَلَّى بِكَلِمَاتٍ تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ النَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ وَبَابُ الْقُرْآنِ بَابُ يَقِينٍ وَإِحَاطَةٍ فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ كَوْنُهُ قُرْآنًا، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ قُرْآنٌ فَتِلَاوَتُهُ فِي الصَّلَاةِ كَتِلَاوَةِ خَبَرٍ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلصَّلَاةِ وَكَذَا فِي التَّقْوِيمِ لَكِنْ فِي الدِّرَايَةِ وَلَوْ قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ لَيْسَتْ فِي مُصْحَفِ الْعَامَّةِ كَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ وَلَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا قَرَأَ هَذَا وَلَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا آخَرَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ فِي مُصْحَفِ الْإِمَامِ نَحْوَ مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ فِي مُصْحَفِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ذِكْرًا وَلَا تَهْلِيلًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ

كَلَامِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا كَانَ فِي مُصْحَفِ الْإِمَامِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَجُوزُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ بِلَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهَا وَلَا يُقَالُ كَيْفَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغَّبَنَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِقِرَاءَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِمَا كَانَ فِي مُصْحَفِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ ذَاكَ قَدْ انْتَسَخَ وَابْنُ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِقِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ أَخَذُوا بِقِرَاءَتِهِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ فَإِنَّمَا رَغَّبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تِلْكَ الْقِرَاءَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغْيِيرُ مَعْنًى وَلَا زِيَادَةُ حَرْفٍ وَلَا نُقْصَانُهُ وَلَا تَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ وَتَمْتَنِعُ إنْ كَانَ فِيهَا زِيَادَةُ حَرْفٍ أَوْ تَغْيِيرُ مَعْنًى وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ إذَا تَعَمَّدَ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَمِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَظْهَرُ عَدَمُ تَسْلِيمِ نَقْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذَّةِ وَلَا الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَقْرَأُ بِهَا (وَلَزِمَ فِيمَا لَمْ يَتَوَاتَرْ نَفْيُ الْقُرْآنِيَّةِ) عَنْهُ (قَطْعًا غَيْرَ أَنَّ إنْكَارَ الْقَطْعِيِّ إنَّمَا يَكْفُرُ) مُنْكِرُهُ (إذَا كَانَ) ذَلِكَ الْقَطْعِيُّ (ضَرُورِيًّا) مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ كَمَا هُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ (وَمَنْ لَمْ يَشْرُطْهُ) أَيْ الضَّرُورِيَّ فِي الْقَطْعِيِّ الْمُكَفَّرِ بِإِنْكَارِهِ كَالْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ (إذَا لَمْ يُثْبِتْ فِيهِ شُبْهَةً قَوِيَّةً فَلِذَا) أَيْ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ فِي الْقَطْعِيِّ الْمُنْكَرِ ثُبُوتًا وَانْتِفَاءً (لَمْ يَتَكَافَرُوا) أَيْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدٌ مِنْ الْمُخَالِفِينَ الْآخَرَ (فِي التَّسْمِيَةِ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ لِتُقَوِّيهِ فِي كُلِّ طَرَفٍ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ فَإِنَّهُ عُذْرٌ وَاضِحٌ فِي عَدَمِ التَّكْفِيرِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُكَابِرٍ لِلْحَقِّ وَلَا قَاصِدٍ إنْكَارَ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِّ الْوُضُوحِ إلَى حَدِّ الْإِشْكَالِ وَأَوْرَدَ الدَّلِيلُ عِنْدَ كُلٍّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ قَطْعِيٍّ وَإِلَّا لَمَا جَازَ نَفْيُهَا وَإِثْبَاتُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ تُطْلَقُ قُوَّةُ الشُّبْهَةِ عَلَى دَلِيلِ كُلٍّ وَهِيَ إنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى الظَّنِّيِّ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَلِيلُ كُلٍّ قَطْعِيًّا عِنْدَهُ فَهُوَ ظَنِّيٌّ عِنْدَ مُخَالِفِهِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ قُوَّةَ الشُّبْهَةِ بِاعْتِبَارِ زَعْمِهِ قِيلَ فَمَنْ يَعْتَقِدُ قَطْعِيَّةَ دَلِيلِهِ وَيَجْزِمُ بِخَطَأِ مُخَالِفِهِ كَيْفَ يُسَلِّمُ قُوَّةَ الشُّبْهَةِ فِي دَلِيلِهِ فَإِنَّ إفَادَةَ الظَّنِّ بِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ تَقْدَحُ فِي كَوْنِ دَلِيلِهِ قَطْعِيًّا عِنْدَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلظَّنِّ وَقُوَّةِ الشُّبْهَةِ مَعَ الْقَطْعِيِّ لِأَنَّ الظَّنَّ يَضْمَحِلُّ بِمُقَابَلَةِ الْقَاطِعِ أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِتَحَقُّقِ قُوَّةِ الشُّبْهَةِ فِي دَلِيلِ الْمُخَالِفِ حُصُولَ الظَّنِّ بِهِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ دَلِيلَهُ قَوِيُّ الشُّبْهَةِ بِالْحَقِّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفِكْرِ التَّامِّ فِي دَلِيلِ نَفْسِهِ لِيَظْهَرَ بُطْلَانُ دَلِيلِ مُخَالِفِهِ فَجُعِلَتْ تِلْكَ الشُّبْهَةُ الْقَوِيَّةُ عُذْرًا فِي مَنْعِ التَّكْفِيرِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ دَلِيلُ كُلٍّ قَطْعِيًّا لَزِمَ تَعَارُضُ الْقَطْعِيَّيْنِ قُلْنَا لَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِقَادِ كُلٍّ قَطْعِيَّةِ دَلِيلِهِ تَعَارُضُ الْقَطْعِيَّيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَعِنْدَ كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ مُخَالِفِهِ وَإِلَّا لَمْ تُوجَدْ الشُّبْهَةُ الْقَوِيَّةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَكَفَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِأَنَّهُ إنْ تَوَاتَرَ كَوْنُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنْكَارُ كَوْنِهَا مِنْهُ كُفْرٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُنْكِرُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَوْنُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَإِثْبَاتُهَا مِنْهُ كُفْرٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُلْحِقُ بِالْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكْفُرْ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ثُمَّ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى نَفْيِ قُرْآنِيَّتِهَا فِي غَيْرِ سَجْدَةِ النَّمْلِ مَنْ ذَهَبَ كَمَالِكٍ (لِعَدَمِ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا فِي الْأَوَائِلِ) أَيْ أَوَائِلِ السُّوَرِ (قُرْآنًا وَكِتَابَتُهَا) بِخَطِّ الْمُصْحَفِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ (لِشُهْرَةِ الِاسْتِنَانِ بِالِافْتِتَاحِ بِهَا فِي الشَّرْعِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ (وَالْآخَرُ) أَيْ الْمُثْبِتُ لِقُرْآنِيَّتِهَا فِي الْأَوَائِلِ يَقُولُ (إجْمَاعُهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (عَلَى كِتَابَتِهَا) بِخَطِّ الْمُصْحَفِ فِي الْأَوَائِلِ (مَعَ أَمْرِهِمْ بِتَجْرِيدِ الْمَصَاحِفِ) عَمَّا سِوَاهُ حَتَّى لَمْ يُثْبِتُوا آمِينَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَرِّدُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَخْلِطُوهُ بِشَيْءٍ يَعْنِي فِي كِتَابَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ حَدِيثٌ حَسَنٌ مَوْقُوفٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُد اهـ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ جَرِّدُوا الْقُرْآنَ لَا تُلْحِقُوا بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ فِي هَذِهِ الْمَحَالِّ (وَالِاسْتِنَانُ) لَهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ (لَا يُسَوِّغُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ عَلَى كِتَابَتِهَا بِخَطِّ الْمُصْحَفِ فِيهَا (لِتَحَقُّقِهِ) أَيْ الِاسْتِنَانِ

مسألة القراءة الشاذة هل هي حجة

(فِي الِاسْتِعَاذَةِ وَلَمْ تُكْتَبْ) فِي الْمُصْحَفِ. (وَالْأَحَقُّ أَنَّهَا) أَيْ التَّسْمِيَةُ فِي مَحَالِّهَا (مِنْهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (لِتَوَاتُرِهَا فِيهِ) أَيْ فِي الْمُصْحَفِ (وَهُوَ) أَيْ تَوَاتُرُهَا فِيهِ (دَلِيلُ كَوْنِهَا قُرْآنًا عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ لُزُومَ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا فِي) ثُبُوتِ (الْقُرْآنِيَّةِ) لَهَا فِي مَحَالِّهَا (بَلْ) الشَّرْطُ فِيمَا هُوَ قُرْآنٌ (التَّوَاتُرُ فِي مَحَلِّهِ) مِنْ الْقُرْآنِ (فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَوْنُهُ) أَيْ مَا هُوَ قُرْآنٌ (فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّهِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقُرْآنِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي التَّسْمِيَةِ (وَعَنْهُ) أَيْ: الِاشْتِرَاطُ فِيمَا هُوَ قُرْآنٌ تَوَاتُرُهُ فِي مَحَلِّهِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَوْنُهُ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ (لَزِمَ قُرْآنِيَّةُ الْمُكَرَّرَاتِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] (وَتَعَدُّدُهَا) أَيْ الْمُكَرَّرَاتِ فِي مَحَالِّهَا (قُرْآنًا) لِتَوَاتُرِهَا فِي مَحَالِّهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهَا (وَعَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ تَعَدُّدِ مَا هُوَ قُرْآنٌ (فِيمَا تَوَاتَرَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَامْتَنَعَ جَعْلُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمُتَوَاتِرِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ (مِنْهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَحَلِّهِ مَثَلًا لَوْ كَتَبَ {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] بَيْنَ آيَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ قُرْآنًا (ثُمَّ الْحَنَفِيَّةُ) الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ (آيَةٌ وَاحِدَةٌ مُنَزَّلَةٌ يُفْتَتَحُ بِهَا السُّوَرُ) لِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يُنْزَلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا يَعْرِفُ انْقِضَاءَ السُّورَةِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ مَعَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ حَمِدَنِي عَبْدِي» الْحَدِيثَ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي مَبْدَأِ الْوَحْيِ «أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 2] {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 3] » إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ لَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَلَا فِي آخِرِهَا فَيَكُونُ الْقُرْآنُ مِائَةً وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً وَآيَةً وَاحِدَةً لَا مَحَلَّ لَهَا بِخُصُوصِهَا (وَالشَّافِعِيَّةُ) عَلَى أَنَّهَا (آيَاتٌ فِي السُّوَرِ) أَيْ آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةِ وَبَرَاءَةٍ فَإِنَّهَا آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ بَرَاءَةٍ بِلَا خِلَافٍ. (وَتَرْكُ نِصْفِ الْقُرَّاءِ) أَيْ ابْنِ عَامِرٍ وَنَافِعٍ وَأَبِي عُمَرَ وَلَهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مُطْلَقًا وَحَمْزَةَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ (تَوَاتَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَهَا) فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ مُتَوَاتِرٌ (وَلَا مَعْنَى عِنْدَ قَصْدِ قِرَاءَةِ سُورَةٍ أَنْ يَتْرُكَ أَوَّلَهَا لَوْ لَمْ يَحُثَّ عَلَى أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ عَلَى نَحْوِهَا) فَكَيْفَ وَقَدْ حَثَّ عَلَيْهِ (وَتَوَاتُرُ قِرَاءَتِهَا) أَيْ التَّسْمِيَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ (عَنْهُ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِقِرَاءَةِ الْآخَرِينَ) مِنْ الْقُرَّاءِ لَهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ (لَا يَسْتَلْزِمُهَا) أَيْ التَّسْمِيَةَ (مِنْهَا) أَيْ السُّوَرِ (لِتَجْوِيزِهِ) أَيْ كَوْنِ قِرَاءَتِهَا فِيهَا (لِلِافْتِتَاحِ) بِهَا تَبَرُّكًا هَذَا وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَفِي شَرْحِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ وَأَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا آيَةٌ مِنْهَا وَبِهَا تَصِيرُ سَبْعَ آيَاتٍ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَيْسَ عَنْ أَصْحَابِنَا رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ لَيْسَتْ مِنْهَا إلَّا أَنَّ شَيْخَنَا أَبَا الْحَسَنِ الْكَرْخِيَّ حَكَى مَذْهَبَهُمْ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ بِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ آيَةً مِنْهَا عِنْدَهُمْ وَإِلَّا لَجَهَرَ بِهَا كَمَا جَهَرَ بِسَائِرِ آيِ السُّوَرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ إنْكَارِ) كَوْنِ (الْمُعَوِّذَتَيْنِ) مِنْ الْقُرْآنِ (لَمْ يَصِحَّ) عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّرْطُوسِيُّ وَغَيْرُهُ (وَإِنْ ثَبَتَ خُلُوُّ مُصْحَفِهِ) مِنْهُمَا (لَمْ يَلْزَمْ) أَنْ يَكُونَ خُلُوُّهُ مِنْهُمَا (لِإِنْكَارِهِ) أَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ قُرْآنِيَّتَهُمَا (لِجَوَازِهِ) أَيْ خُلُوِّهِ مِنْهُمَا (لِغَايَةِ ظُهُورِهِمَا) لِحُصُولِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِكَوْنِهِمَا مِنْ الْقُرْآنِ لِتَوَاتُرِهِمَا وَإِعْجَازِهِمَا ثُمَّ حِفْظِ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمَا (أَوْ لِأَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَهُ) أَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَنْ لَا يَكْتُبَ مِنْهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (إلَّا مَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَتْبِهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ) أَيْ أَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ [مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ هَلْ هِيَ حُجَّةٌ] (مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَنَا مَنْقُولٌ عَدْلٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا مُتَيَقِّنُ الْخَطَأِ قُلْنَا فِي قُرْآنِيَّتِهِ لَا خَبَرِيَّتِهِ مُطْلَقًا وَانْتِفَاءُ الْأَخَصِّ) أَيْ الْقُرْآنِيَّةِ (لَا يَنْفِي الْأَعَمَّ) أَيْ الْخَبَرِيَّةَ مُطْلَقًا (فَكَمَا لِأَخْبَارِ الْآحَادِ) فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهَا مِنْهَا (وَمَنَعَهُمْ) أَيْ مَانِعِي حُجِّيَّتِهَا (الْحَصْرُ)

مسألة لا يشتمل القرآن على ما لا معنى له

فِي كَوْنِهِ قُرْآنًا أَوْ خَبَرًا وَرَدَ بَيَانًا فَظُنَّ قُرْآنًا فَأَلْحَقَ بِهِ فَإِنَّ غَيْرَ الْخَبَرِ الْوَارِدِ لَا يَحْتَمِلُ هَذَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (بِتَجْوِيزِ ذِكْرِهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ (مَعَ التِّلَاوَةِ مَذْهَبًا) لِلْقَارِئِ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ اعْتَقَدَهُ كَاعْتِقَادِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَذِكْرُهُ فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ (بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ نَظْمَ مَذْهَبِهِ مَعَهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (إيهَامٌ أَنَّ مِنْهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (مَا لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (لَا جَرَمَ أَنَّ الْمُحَرَّرَ عَنْهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (كَقَوْلِنَا بِصَرِيحِ لَفْظِهِ) فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ أَحَدِهِمَا فِي بَابِ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ وَثَانِيهِمَا قَوْلُهُ ذَكَرَ اللَّهُ الْأَخَوَاتِ مِنْ الرَّضَاعِ بِلَا تَوْقِيتٍ ثُمَّ وَقَّتَتْ عَائِشَةُ الْخَمْسَ وَأَخْبَرَتْ أَنَّهُ مِمَّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا يُقْرَأُ فَأَقَلُّ حَالَاتِهِ أَنْ يَكُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَأْتِي بِهِ غَيْرُهُ فَهَذَا عَيْنُ قَوْلِنَا فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ حَتَّى احْتَجُّوا بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا عَلَى قَطْعِ الْيُمْنَى (وَمَنْشَأُ الْغَلَطِ) فِي أَنَّ مَذْهَبَهُ عَدَمُ حُجِّيَّتِهِ كَمَا نَسَبَهُ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ (عَدَمُ إيجَابِهِ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (التَّتَابُعَ) فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ (مَعَ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ) فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا عَجِيبٌ لِجَوَازِ كَوْنِ ذَلِكَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَوْ لِقِيَامِ مُعَارِضٍ اهـ وَعَلَى هَذَا مَشَى السُّبْكِيُّ فَقَالَ لَعَلَّهُ لِمُعَارَضَةِ ذَلِكَ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ نَزَلَتْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَسَقَطَتْ مُتَتَابِعَاتٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ [مَسْأَلَةٌ لَا يَشْتَمِلُ الْقُرْآنُ عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ] (مَسْأَلَةٌ لَا يَشْتَمِلُ) الْقُرْآنُ (عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ خِلَافًا لِمَنْ لَا يَعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْحَشْوِيَّةِ) بِإِسْكَانِ الشِّينِ لِأَنَّ مِنْهُمْ الْمُجَسَّمَةَ وَالْجِسْمُ مَحْشُوٌّ وَالْمَشْهُورُ فَتْحُهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ أَمَامَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي حَلَقَتِهِ فَوَجَدَ كَلَامَهُمْ رَدِيئًا فَقَالَ رُدُّوا هَؤُلَاءِ إلَى حَشَا الْحَلَقَةِ أَيْ جَانِبَهَا (تَمَسَّكُوا بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ) فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ (وَنَحْوَ {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل: 51] وَ {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: 13] قُلْنَا التَّأْكِيدُ كَثِيرٌ وَابَدَاءُ فَائِدَتِهِ قَرِيبٌ) وَاثْنَيْنِ وَوَاحِدٍ وَوَاحِدَةٍ وَصْفٌ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدِيعِ وَصَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْمُفَصَّلِ فِي نَفْخَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَرَادَهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى حَيْثُ قَالَ فِي الْكَشَّافِ الِاسْمُ الْحَامِلُ لِمَعْنَى الْإِفْرَادِ أَوْ التَّثْنِيَةِ دَالٌّ عَلَى شَيْئَيْنِ عَلَى الْجِنْسِيَّةِ وَالْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ فَإِذَا أُرِيدَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى بِهِ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي سَاقَ لَهُ الْحَدِيثَ هُوَ الْعَدَدُ شَفَعَ بِمَا يُؤَكِّدُهُ فَدَلَّ بِهِ عَلَى الْقَصْدِ إلَيْهِ وَالْعِنَايَةِ بِهِ أَلَا يُرَى أَنَّك لَوْ قُلْت إنَّمَا هُوَ إلَهٌ وَلَمْ تُؤَكِّدْهُ بِوَاحِدٍ لَمْ يَحْسُنْ وَخُيِّلَ أَنَّك تُثْبِتُ الْإِلَهِيَّةَ انْتَهَى فَقَوْلُهُ يُؤَكِّدُهُ أَيْ يُقَرِّرُهُ وَيُحَقِّقُهُ وَلَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ تَوْكِيدٌ صِنَاعِيٌّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِتَكْرِيرِ لَفْظِ الْمَتْبُوعِ أَوْ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ وَقَدْ وَهِمَ عَلَيْهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ اثْنَيْنِ وَوَاحِدَةً مِنْ التَّأْكِيدِ الصِّنَاعِيِّ وَذَهَبَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ {لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل: 51] مِنْ بَابِ الْوَصْفِ لِلْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ إنَّهُ الْحَقُّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ فِيهِ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْكَشَّافِ فَائِدَةُ هَذَا الْوَصْفِ التَّأْكِيدُ فِي الْآيَتَيْنِ وَأَمَّا فَائِدَةُ التَّأْكِيدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَقَدْ يَكُونُ لِتَحْقِيقِ مَفْهُومِ الْمَتْبُوعِ، أَيْ جَعْلَهُ مُسْتَقِرًّا مُحَقَّقًا بِحَيْثُ لَا يَظُنُّ بِهِ غَيْرُهُ، أَوْ دَفْعِ تَوَهُّمِ التَّجَوُّزِ أَوْ السَّهْوِ أَوْ عَدَمِ الشُّمُولِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي (وَأَمَّا الْحُرُوفُ) الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ (فَمِنْ الْمُتَشَابِهِ وَأَسْلَفْنَا فِيهِ خِلَافًا أَنَّ مَعْنَاهُ يُعْلَمُ أَوَّلًا) وَظَهَرَ ثَمَّةَ أَنَّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يُعْلَمُ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّهُ الْأَوْجَهُ (فَاللَّازِمُ) لِلْمُتَشَابِهِ عِنْدَهُمْ (عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ) أَيْ بِالْمُتَشَابِهِ وَهُوَ حَقٌّ كَمَا سَلَفَ (لَا عَدَمُهُ) أَيْ الْمَعْنَى. (وَقِيلَ مُرَادُهُمْ) أَيْ الْحَشْوِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ يَشْتَمِلُ عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ (لَا يُوقَفُ عَلَى مَعْنَاهُ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ حَيْثُ وَضَعَا الْمَسْأَلَةَ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ يَجُوزُ اشْتِمَالُهُ عَلَى مَا لَا يَفْهَمُ الْمُكَلَّفُونَ مَعْنَاهُ (فَكَقَوْلِ النَّافِي) أَيْ فَهُوَ حِينَئِذٍ كَقَوْلِ نَافِي عَدَمَ إدْرَاكِ الْمَعْنَى (فِي الْمُتَشَابِهِ) بَلْ هُوَ هُوَ (فَلَا خِلَافَ) بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَبَيْنَهُمْ عَلَى هَذَا بَلْ هُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ دَرْكِ مَعْنَى الْمُتَشَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَابْنِ بَرْهَانٍ يَجُوزُ

مسألة قراءة السبعة هل يجب تواترها

أَنْ يَشْتَمِلَ كَلَامُ اللَّهِ عَلَى مَا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ تَكْلِيفٌ فَلَا يَجُوزُ وَإِلَّا كَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ فَلَهَا مَعَانٍ [مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ السَّبْعَةِ هَلْ يَجِبُ تَوَاتُرُهَا] (مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ السَّبْعَةِ مَا) كَانَ مِنْهَا (مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ) بِأَنْ كَانَ هَيْئَةً لِلَفْظٍ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهَا وَلَا يَخْتَلِفُ خُطُوطُ الْمَصَاحِفِ بِهِ (كَالْحَرَكَاتِ وَالْإِدْغَامِ) فِي الْمِثْلَيْنِ أَوْ الْمُتَقَارِبَيْنِ وَهُوَ إدْرَاجُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا سَاكِنًا فِي الثَّانِي (وَالْإِشْمَامِ) وَهُوَ الْإِشَارَةُ بِالشَّفَتَيْنِ إلَى الْحَرَكَةِ بَعِيدُ الْإِسْكَانِ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ فَيُدْرِكُهُ الْبَصِيرُ لَا غَيْرُ (وَالرَّوْمِ) وَهُوَ إخْفَاءُ الصَّوْتِ بِالْحَرَكَةِ (وَالتَّفْخِيمِ وَالْإِمَالَةِ) وَهِيَ الذَّهَابُ بِالْفَتْحَةِ إلَى جِهَةِ الْكَسْرَةِ (وَالْقَصْرِ وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ وَأَضْدَادِهَا) أَيْ الْمَذْكُورَات مِنْ الْفَكِّ وَعَدَمِ الْإِشْمَامِ وَالرَّوْمِ وَالتَّرْقِيقِ وَعَدَمِ الْإِمَالَةِ وَالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ (لَا يَجِبُ تَوَاتُرُهَا وَخِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ (مِمَّا اخْتَلَفَ بِالْحُرُوفِ كَ: مَلِكِ) الْمَنْسُوبِ قِرَاءَتَهُ إلَى مَنْ عَدَا الْكِسَائِيَّ وَعَاصِمًا (وَمَالِكِ) الْمَنْسُوبِ قِرَاءَتَهُ إلَيْهِمَا وَيُسَمَّى بِقَبِيلِ جَوْهَرِ اللَّفْظِ (مُتَوَاتِرٌ وَقِيلَ مَشْهُورٌ) أَيْ آحَادُ الْأَصْلِ مُتَوَاتِرُ الْفُرُوعِ (وَالتَّقْيِيدُ) لِمَا هُوَ خِلَافُ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ مِنْهَا (بِاسْتِقَامَةِ وَجْهِهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ) كَمَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ (غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ) بِاسْتِقَامَةِ وَجْهِهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ (الْجَادَّةَ) الظَّاهِرَةَ فِي التَّرْكِيبِ (لَزِمَ عَدَمُ الْقُرْآنِيَّةِ فِي {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137] بِرَفْعِ قَتْلِ وَنَصْبِ أَوْلَادِهِمْ وَجَرِّ شُرَكَائِهِمْ عَلَى أَنَّ (قَتْلَ) مُضَافٌ إلَى شُرَكَائِهِمْ وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ أَوْلَادُهُمْ (لِابْنِ عَامِرٍ) لِأَنَّ الْجَادَّةَ فِي سِعَةِ الْكَلَامِ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ بِغَيْرِ الظَّرْفِ وَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ (أَوْ) أُرِيدَ بِهَا الِاسْتِقَامَةُ وَلَوْ (بِتَكَلُّفِ شُذُوذٍ وَخُرُوجٍ عَنْ الْأُصُولِ فَمُمْكِنٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ) فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ (وَقَدْ نَظَرَ فِي التَّفْصِيلِ) أَيْ نَظَرَ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ فِي كَوْنِ مَا مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ كَالْحَرَكَاتِ لَا يَجِبُ تَوَاتُرُهُ بِخِلَافِ مَا كَانَ مِنْهُ (لِأَنَّ الْحَرَكَاتِ وَمَا مَعَهَا أَيْضًا قُرْآنٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَصْرَ وَالْمَدَّ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي) أَيْ خِلَافَ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ (فَفِي عَدِّهِمَا مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي) أَيْ مِمَّا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ (نَظَرٌ) وَالْأَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي (مَالِكِ) وَ (مَلِكِ) إذْ (مَالِكِ) لَا يَزِيدُ عَلَى مِلْكٍ إلَّا بِالْمَدَّةِ الَّتِي هِيَ الْأَلِفُ (لَنَا) فِي أَنَّ مَا مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ أَنَّهُ (قُرْآنٌ فَوَجَبَ تَوَاتُرُهُ) ضَرُورَةً أَنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ مُتَوَاتِرٌ إجْمَاعًا لِكَوْنِ الْعَادَةِ قَاضِيَةً بِهِ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِالِاشْتِهَارِ (الْمَنْسُوبِ إلَيْهِمْ) هَذِهِ الْقِرَاءَاتُ (آحَادٌ) لِأَنَّهُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ وَالتَّوَاتُرُ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا الْعَدَدِ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَضْلًا عَمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ. (أُجِيبَ: بِأَنَّ نِسْبَتَهَا) أَيْ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ إلَيْهِمْ (لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالتَّصَدِّي) لِلِاشْتِغَالِ وَالْإِشْغَالِ بِهَا وَاشْتِهَارِهِمْ بِذَلِكَ (لَا لِأَنَّهُمْ النَّقَلَةُ) خَاصَّةً بِمَعْنَى أَنَّ رِوَايَتَهُمْ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهِمْ (بَلْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ) مَوْجُودٌ (مَعَهُمْ) فِي كُلِّ طَبَقَةٍ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلِأَنَّ الْمَدَارَ) لِحُصُولِ التَّوَاتُرِ (الْعِلْمُ) أَيْ حُصُولُ الْعِلْمِ عِنْدَ الْعَدَدِ (لَا الْعَدَدُ) الْخَاصُّ (وَهُوَ) أَيْ الْعِلْمُ (ثَابِتٌ) بِقِرَاءَاتِهِمْ [مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ] (مَسْأَلَةٌ بَعْدَ اشْتِرَاطِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُقَارَنَةَ فِي الْمُخَصِّصِ) الْأَوَّلِ لِلْعَامِّ الْمُخَصَّصِ (لَا يَجُوزُ) عِنْدَهُمْ (تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَوْ فُرِضَ نَقْلُ الرَّاوِي قُرْآنَ الشَّارِعِ الْمُخْرِجِ) لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ الْمَتْلُوِّ (بِالتِّلَاوَةِ) فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقُرْآنِ حَالَ كَوْنِهِ (تَقْيِيدًا) لِإِطْلَاقِ عُمُومِ الْمَتْلُوِّ وَحَالَ كَوْنِ الْمُخْرَجِ (مُفَادًا لِغَيْرِيَّةٍ) أَيْ مَا هُوَ غَيْرُ قُرْآنٍ هَذَا وَتَقَدَّمَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُقَارَنَةِ فِي الْمُخَصَّصِ الْأَوَّلِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ كَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِي التَّخْصِيصِ مُطْلَقًا لَكِنْ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ يُعْلَمُ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَالتَّمْهِيدُ الْمَذْكُورُ لِبَيَانِ مَنْعِهِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ مَعَ إمْكَانِ تَصَوُّرِ شَرْطِهِ فِيهِ لَا غَيْرُ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ امْتِنَاعَهُ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ لِانْتِفَاءِ تَصَوُّرِ شَرْطِهِ لَا لِلْإِشَارَةِ إلَى جَوَازِهِ عِنْدَ غَيْرِ شَارِطِيهَا مِنْهُمْ (وَكَذَا) لَا يَجُوزُ (تَقْيِيدُ مُطْلَقِهِ) أَيْ الْكِتَابِ (وَهُوَ) أَيْ تَقْيِيدُ مُطْلَقِهِ هُوَ (الْمُسَمَّى بِالزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (وَحَمْلُهُ)

أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا حَمْلُ الْكِتَابِ (عَلَى الْمَجَازِ لِمُعَارَضَتِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ لَهُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْعَامَّ قَطْعِيٌّ كَالْعِرَاقِيِّينَ ظَاهِرٌ (وَكَذَا الْقَائِلُ بِظَنِّيَّةِ الْعَامِّ مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَأَبِي مَنْصُورٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَيْضًا (عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ (لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخَبَرِ ثَابِتٌ (فِي ثُبُوتِ الْخَبَرِ وَالدَّلَالَةِ) أَيْ وَدَلَالَةِ الْخَبَرِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ (فَرْعُهُ) أَيْ ثُبُوتُ الْخَبَرِ (فَاحْتِمَالُهُ) أَيْ ثُبُوتِ الْخَبَرِ عَدَمُ ثُبُوتِهِ (عَدَمَهَا) أَيْ دَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ (فَزَادَ) خَبَرُ الْوَاحِدِ احْتِمَالًا عَلَى احْتِمَالِ الْكِتَابِ (بِهِ) أَيْ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ الْمُسْتَلْزِمِ عَدَمَ الدَّلَالَةِ أَصْلًا وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّخْصِيصِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ تَخْصِيصَ عَامٍّ إلَّا بِعَامٍّ كَالنِّسَاءِ فِي لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ فَفِيهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ مِثْلُ مَا فِي الْأَوَّلِ حَتَّى احْتَمَلَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ التَّخْصِيصَ وَوَقَعَ فَإِنَّهُ خَصَّ مِنْ تَخْصِيصِ مَنْ قَاتَلَ مِنْهُنَّ أَوْ كَانَتْ مَلِكَةً فَسَاوَى فِي احْتِمَالِ عَدَمِ إرَادَةِ الْبَعْضِ الْقَطْعِيِّ الْعَامِّ وَزَادَ هُوَ عَلَيْهِ بِاحْتِمَالِ عَدَمِ ثُبُوتِهِ رَأْسًا وَلَوْ انْفَرَدَ الْقَطْعِيُّ بِاحْتِمَالِ مَتْنِهِ دُونَ الْخَبَرِ كَانَ هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّابِتُ فِيهِ أَقْوَى مِنْ احْتِمَالِهِ لِأَنَّ تِلْكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرَادِ أَيُّهَا هُوَ وَهَذِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُجُودِ فَهُوَ فِي أَصْلِهَا وَذَاكَ فِي وَصْفِهَا بَعْدَ الْقَطْعِ بِثُبُوتِهَا كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (لَنَا) فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ (لَمْ يَثْبُتْ ثُبُوتَهُ) أَيْ الْكِتَابَ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ قَطْعِيٌّ وَثُبُوتَ خَبَرِ الْوَاحِدِ ظَنِّيٌّ (فَلَا يُسْقِطُ) خَبَرُ الْوَاحِدِ (حُكْمَهُ) أَيْ الْكِتَابِ (عَنْ تِلْكَ الْأَفْرَادِ) الَّتِي بِحَيْثُ يُخْرِجُهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ مِنْ عَامِّ الْكِتَابِ (وَإِلَّا) لَوْ أَسْقَطَ حُكْمَهُ عَنْهَا (قُدِّمَ الظَّنِّيُّ عَلَى الْقَاطِعِ) وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الظَّنَّ مُضْمَحِلٌّ بِالْقَطْعِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ) الْخَبَرُ (تَوَاتُرًا أَوْ شُهْرَةً) فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِهِ (لِلْمُقَاوَمَةِ) بَيْنَ الْكِتَابِ وَبَيْنَهُمَا أَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُورِ عَلَى رَأْيِ الْجَصَّاصِ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّهُ يُفِيدُ عِلْمَ الْيَقِينِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ أَبَانَ وَمُوَافِقِيهِ مِنْ أَنَّهُ يُفِيدُ عِلْمَ طُمَأْنِينَةٍ فَلِأَنَّهُ قَرِيبٌ بِالْيَقِينِ وَالْعَامُّ لَيْسَ بِحَيْثُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الظَّنِّ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَاتِهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ (فَثَبَتَ) كُلٌّ مِنْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمَشْهُورِ (تَخْصِيصًا) لِعُمُومِ الْكِتَابِ (وَزِيَادَةً) عَلَى مُطْلَقِهِ حَالَ كَوْنِهِ (مُقَارِنًا) لَهُ إذَا كَانَ هُوَ الْمُخَصَّصَ الْأَوَّلَ (وَنَسْخًا) أَيْ وَنَاسِخًا لَهُ حَالَ كَوْنِهِ (مُتَرَاخِيًا) وَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ لِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّخْصِيصِ، وَالنَّسْخَ عَلَى تَقْدِيرِ الزِّيَادَةِ (وَعَنْهُ) أَيْ اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي الْمُخَصَّصِ الْأَوَّلِ (حَكَمُوا بِأَنَّ تَقْيِيدَ الْبَقَرَةِ) فِي قَوْله تَعَالَى اذْبَحُوا بَقَرَةً بِالْمُقَيِّدَاتِ فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ (نَسْخٌ) لِإِطْلَاقِهَا لِكَوْنِ الْمُقَيِّدَاتِ مُتَأَخِّرَةً عَنْ طَلَبِ ذَبْحِ مُطْلَقِهَا (كَالْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ) كَ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] بِالنِّسْبَةِ إلَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] الْآيَةَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] بِالنِّسْبَةِ إلَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (وَعَنْ لُزُومِ الزِّيَادَةِ بِالْآحَادِ مَنَعُوا إلْحَاقَ الْفَاتِحَةِ وَالتَّعْدِيلِ) لِلْأَرْكَانِ (وَالطَّهَارَةِ) مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ (بِنُصُوصِ الْقِرَاءَةِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (وَالْأَرْكَانُ) أَيْ {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] (وَالطَّوَافُ) أَيْ {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] (فَرَائِضُ) بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» «وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي فَقَالَ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا» وَبِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ

قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقُ إلَّا بِخَيْرٍ» (بَلْ) أَلْحَقُوهَا (وَاجِبَاتٍ) لِلْمَذْكُورَاتِ (إذْ لَمْ يَرِدْ بِمَا تَيَسَّرَ الْعُمُومُ الِاسْتِغْرَاقِيُّ) وَهُوَ جَمِيعُ مَا تَيَسَّرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ (بَلْ) أَرَادَ بِهِ مَا تَيَسَّرَ (مِنْ أَيِّ مَكَان فَاتِحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) فَلَوْ قَالُوا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّعْدِيلِ وَالطَّوَافِ بِلَا طَهَارَةٍ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الْآحَادِ لَكَانَ نَسْخًا لِهَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ بِهَا وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَرَتَّبُوا عَلَيْهَا مُوجِبَهَا مِنْ وُجُوبِهَا فَيَأْثَمُ بِالتَّرْكِ وَيَلْزَمُ الْجَابِرُ فِيمَا شُرِعَ فِيهِ وَلَا تَفْسُدُ ثُمَّ كَوْنُ التَّعْدِيلِ وَاجِبًا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ سُنَّةٌ (وَتَرْكُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُسِيءَ) صَلَاتَهُ بَعْدَ أَوَّلِ رَكْعَةٍ حَتَّى أَتَمَّ (يُرَجِّحُ تَرْجِيحَ الْجُرْجَانِيِّ الِاسْتِنَانُ) لِأَنَّ مِنْ الْبَعِيدِ تَقْرِيرَهُ عَلَى مَكْرُوهٍ تَحْرِيمًا إلَّا أَنَّهُ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَجَازَ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ أَيْ لِأَنَّ نَفْيَ الصَّلَاةِ شَرْعًا لِعَدَمِ الصِّحَّةِ حَقِيقَةٌ، وَلِعَدَمِ كُلٍّ مِنْ الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ مَجَازٌ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ نَفْيَهَا لِعَدَمِ الْوَاجِبِ أَقْرَبُ إلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ مِنْ نَفْيِهَا لِعَدَمِ السُّنَّةِ وَلِلْمُوَاظَبَةِ وَقَدْ سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ تَرْكِهَا فَقَالَ إنِّي أَخَافُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَفِي الْبَدَائِعِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ (كَقَوْلِهِمْ فِي تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَوِلَائِهِ وَنِيَّتِهِ) إنَّهَا سُنَّةٌ (لِضَعْفِ دَلَالَةِ مُقَيِّدِهَا) كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (بِخِلَافِ وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ نَفْيَ الْكَمَالِ فِي خَبَرِهَا بَعِيدٌ عَنْ مَعْنَى اللَّفْظِ) لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الْوَاقِعِ خَبَرًا إنَّمَا هُوَ الِاسْتِقْرَارُ الْعَامُّ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فَالتَّقْدِيرُ لَا صَلَاةَ كَائِنَةً لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَعَدَمُ الْوُجُودِ شَرْعًا هُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ (وَبِظَنِّيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ) كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومَاتُهَا ظَنِّيَّةٌ يَثْبُتُ (النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْوُجُوبُ) يَثْبُتُ (بِقَطْعِيِّهَا) أَيْ الدَّلَالَةِ (مَعَ ظَنِّيَّةِ الثُّبُوتِ) كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومَاتُهَا قَطْعِيَّةٌ (وَقَلْبِهِ) أَيْ وَبِظَنِّيِّهَا مَعَ قَطْعِيَّةِ الثُّبُوتِ كَالْآيَاتِ الْمُؤَوَّلَةِ (وَالْفَرْضُ) يَثْبُتُ (بِقَطْعِيِّهِمَا) أَيْ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ كَالنُّصُوصِ الْمُفَسَّرَةِ وَالْمُحْكَمَةِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي مَفْهُومَاتُهَا قَطْعِيَّةٌ لِيَكُونَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ (وَيَشْكُلُ) عَلَى أَنَّ بِظَنَّيْهِمَا يَثْبُتُ النَّدْبُ وَالسُّنَّةُ (اسْتِدْلَالُهُمْ) لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ (بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ صَلَاةً لِصِدْقِ التَّشْبِيهِ) أَيْ تَشْبِيهِ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ (بِالثَّوَابِ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ مُوجِبًا مَا سِوَاهُ) أَيْ الْمَنْطِقَ (مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ فِي الطَّوَافِ) حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ (لِجَوَازِ نَحْوِ الشُّرْبِ) فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ هِيَ سُنَّةٌ. (فَالْوَجْهُ) الِاسْتِدْلَال لَهُ (بِحَدِيثِ «عَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ مُحْرِمَةً فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَرَتَّبَ مَنْعَ الطَّوَافِ عَلَى انْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ هَذَا حُكْمٌ وَسَبَبٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ لَا لِعَدَمِ دُخُولِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ (وَادَّعُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (لِلْعَمَلِ بِالْخَاصِّ لَفْظَ جَزَاءٍ) فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: 38] (انْتِفَاءَ عِصْمَةِ الْمَسْرُوقِ حَقًّا لِلْعَبْدِ لِاسْتِخْلَاصِهَا) أَيْ عِصْمَةِ الْمَسْرُوقِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى (عِنْدَ الْقَطْعِ) لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا. (فَإِنْ قُطِعَ) السَّارِقُ (تَقَرَّرَ) خُلُوصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى قُبَيْلَ فِعْلِ السَّرِقَةِ الْقَبْلِيَّةِ الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا يَتَّصِلُ بِهَا السَّرِقَةُ وَكَانَ الْقَطْعُ مُبَيِّنًا لَنَا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمُعَايَنَةِ الْمَشْرُوطِ عَلَى سَبْقِ الشَّرْطِ (فَلَا يَضْمَنُ) الْمَسْرُوقَ (بِاسْتِهْلَاكِهِ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْجَزَاءُ الْمُطْلَقُ (فِي الْعُقُوبَاتِ) يَكُونُ (عَلَى حَقِّهِ تَعَالَى خَالِصًا بِالِاسْتِقْرَاءِ) لِأَنَّهُ الْمُجَازِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمِنْ ثَمَّةَ سُمِّيَتْ الدَّارُ الْآخِرَةُ دَارَ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ الْمُجَازِي وَحْدَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ وَلِذَا لَمْ تُرَاعَ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ كَمَا رُوعِيَتْ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مَالًا كَانَ أَوْ عُقُوبَةً وَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا حَاكِمُ الشَّرْعِ وَلَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ الْمَالِكِ وَإِذَا كَانَ حَقُّ اللَّهِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاقِعَةً عَلَى حَقِّهِ فَيَسْتَحِقُّ الْعَبْدُ جَزَاءً مِنْ اللَّهِ بِمُقَابَلَتِهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ تُحَوَّلُ الْعِصْمَةُ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ مِنْ الْعَبْدِ إلَى اللَّهِ عِنْدَ فِعْلِ السَّرِقَةِ حَتَّى تَقَعَ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ لِيَسْتَحِقَّ الْجَزَاءَ مِنْهُ تَعَالَى وَمَتَى تَحَوَّلَتْ إلَيْهِ لَمْ

يَبْقَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ بَلْ صَارَ الْمَالُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مُلْحَقًا بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَعَصِيرِ الْمُسْلِمِ إذَا تَخَمَّرَ لَمْ يَبْقَ لِلْعَبْدِ بِسَرِقَةِ عَصِيرِهِ حَقٌّ فِيهِ فَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ رِعَايَةً لِحَقِّهِ لِانْتِقَالِهِ إلَيْهِ تَعَالَى وَقَدْ اسْتَوْفَى بِالْقَطْعِ مَا وَجَبَ بِالْهَتْكِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا آخَرَ فَهُوَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ بِهَا وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَسْرُوقِ فَكَانَ مَعْدُودًا مِنْهَا وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْمَسْرُوقِ وَالضَّمَانِ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ سَاقِطُ الْعِصْمَةِ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ السَّارِقِ غَيْرُ سَاقِطِ الْعِصْمَةِ وَلَا حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَالضَّمَانُ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ بِالنَّصِّ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا دِيَانَةً فَفِي الْإِيضَاحِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مُحَمَّدٍ يُفْتَى بِالضَّمَانِ لِلُحُوقِ الْخُسْرَانِ وَالنُّقْصَانِ لِلْمَالِكِ مِنْ جِهَةِ السَّارِقِ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ لَفْظُ جَزَاءٍ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعُقُوبَاتِ خَاصًّا بِالْعُقُوبَةِ عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّهِ تَعَالَى (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ بِالِاسْتِقْرَاءِ إنَّمَا هُوَ (بِعَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْخَاصِّ) إنَّمَا يَكُونُ (بِالْوَضْعِ) لَا بِعَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ (أَوْ لِأَنَّهُ) أَيْ الْجَزَاءُ (الْكَافِي فَلَوْ وَجَبَ) الضَّمَانُ مَعَ الْقَطْعِ (لَمْ يَكْفِ) الْقَطْعُ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ كَافٍ (وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ الْكَافِي جَزَاءَ الْمَصْدَرِ الْمَمْدُودِ بَلْ) الْكَافِي (الْمُجْزِئُ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَوْ الْجَازِئِ مِنْ الْجُزْءِ وَهُوَ الْكِفَايَةُ) كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ (فَهُوَ) أَيْ سُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْ السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِهِ (بِالْمَرْوِيِّ) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ (لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا فِيهِ) مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ لَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ» ثُمَّ إنَّ رَاوِيَهُ الْمِسْوَرَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ لَمْ يَلْقَهُ وَفِيهِ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ سَهْلٌ جِدًّا وَالثَّانِي غَيْرُ ضَائِرٍ لِأَنَّ الْمِسْوَرَ مَقْبُولٌ فَإِرْسَالُهُ غَيْرُ قَادِحٍ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَقِيلَ إنَّهُ الزُّهْرِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ فَبَطَلَ الْقَدْحُ بِهِ أَيْضًا (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ مَعَ الْقَطْعِ (لَيْسَ مِنْ الزِّيَادَةِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى النَّصِّ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ (لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَصْدُقُ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَإِثْبَاتِهِ فَيَكُونَا) أَيْ نَفْيُ الضَّمَانِ وَإِثْبَاتُهُ (مِنْ مَا صَدَقَاتِ الْمُطْلَقِ بَلْ هُوَ) أَيْ نَفْيُ الضَّمَانِ (حُكْمٌ آخَرُ أَثْبَتُ بِتِلْكَ الدَّلَالَةِ) الِاسْتِقْرَائِيَّة لِجَزَاءٍ (أَوْ بِالْحَدِيثِ) الْمَذْكُورِ (بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (وَجَبَ لَهُ) أَيْ لِلْعَمَلِ بِالْخَاصِّ (مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ فِي الْمُفَوِّضَةِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُهَا بِإِذْنِهَا بِلَا تَسْمِيَةِ مَهْرٍ أَوْ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا وَهِيَ مَنْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِلَا مَهْرٍ بِلَا إذْنِهَا (فَيُؤْخَذُ) مَهْرُ الْمِثْلِ (بَعْدَ الْمَوْتِ بِلَا دُخُولٍ عَمَلًا بِالْبَاءِ) الَّذِي هُوَ لَفْظٌ خَاصٌّ فِي الْإِلْصَاقِ حَقِيقَةً فِي قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] (لِإِلْصَاقِهَا الِابْتِغَاءَ وَهُوَ الْعَقْدُ) الصَّحِيحُ (بِالْمَالِ) فَإِنَّهُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ وَلَا نَظَرَ فِيهِ لِلْمُصَنِّفِ (وَحَدِيثُ بِرْوَعَ) وَهُوَ مَا «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ فَقَالَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهِ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد وَالْمُرَادُ صَدَاقُ مِثْلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ سَتَأْتِي فِي الْكَلَامِ فِي جَهَالَةِ الرَّاوِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ بِرْوَعَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَكْسِرُونَهَا وَفِي الْغَايَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ وَفِي الْمُغْرِبِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْكَسْرُ خَطَأٌ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَفِي الْجَمْهَرَةِ وَهُوَ خَطَأٌ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ فِعْوَلُ إلَّا حَرْفَانِ خِرْوَعَ وَهُوَ كُلُّ نَبْتٍ لَانَ وَعِتْوَدَ وَادٍ أَوْ مَوْضِعٌ (مُؤَيَّدٌ فَإِنَّهُ مُقَرَّرٌ بِخِلَافِ ادِّعَاءِ تَقْدِيرِ أَقَلِّهِ) أَيْ الْمَهْرِ (شَرْعًا عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: 50] لِأَنَّ الْفَرْضَ لَفْظٌ خَاصٌّ وُضِعَ لِمَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ التَّقْدِيرُ وَالضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ بِهِ لَفْظٌ خَاصٌّ يُرَادُ بِهِ ذَاتُ الْمُتَكَلِّمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدَّرَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ مُجْمَلٌ. (فَالْتَحَقَ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ» ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَسَنَدُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ حَسَنٌ (بَيَانًا بِهِ) فَصَارَتْ عَشَرَةُ الدَّرَاهِمِ مِنْ

الْفِضَّةِ تَقْدِيرًا لَازِمًا لِأَنَّهَا الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِهَا عَادَةً فَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مُقَدَّرًا شَرْعًا كَانَ مُبْطِلًا لِلْخَاصِّ لَا عَامِلًا بِهِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ نَظَرٍ (إذْ يَدْفَعُ) كَوْنُ الْمُرَادِ مِنْ الْآيَةِ هَذَا (بِجَوَازِ كَوْنِهِ) أَيْ مَا فَرَضْنَا (النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْمَهْرَ بِلَا كَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَهْرِ (لَا يَنْقُصُ شَرْعًا كَمَا فِيهِمَا) أَيْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ (وَتَعَلُّقُ الْعِلْمِ) بِالْمَفْرُوضِ فِي قَوْلِهِ {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا} [الأحزاب: 50] (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ التَّعْيِينُ فِي الْمَفْرُوضِ (لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الْعِلْمِ (بِضِدِّهِ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا (وَأَمَّا قَصْرُ الْمُرَادِ عَلَيْهِمَا) أَيْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ (لِعَطْفِ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) عَلَى قَوْلِهِ أَزْوَاجِهِمْ (وَلَا مَهْرَ لَهُنَّ) أَيْ لِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ عَلَى سَادَاتِهِنَّ (فَغَيْرُ لَازِمٍ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَفْرُوضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَزْوَاجِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَاءِ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ تَقْدِيرُ الْمَهْرِ شَرْعًا (بِالْخَبَرِ) الْمَذْكُورِ (مُقَيِّدًا لِإِطْلَاقِ الْمَالِ فِي أَنْ تَبْتَغُوا) بِأَمْوَالِكُمْ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لَكِنْ الْعَمَلُ بِهَذَا الْخَبَرِ يُوجِبُ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدكُمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ (وَكَذَا ادِّعَاءُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ لِلْعَمَلِ بِهِ) أَيْ بِالْخَاصِّ (وَهُوَ الْفَاءُ لِإِفَادَتِهَا تَعْقِيبٍ فَإِنْ طَلَّقَهَا الِافْتِدَاءَ) الْمُشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] لَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ (بَلْ) هِيَ (لِتَعْقِيبِ الطَّلَاقِ مَرَّتَانِ لِأَنَّهَا) أَيْ فَإِنْ طَلَّقَهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ (بَيَانُ الثَّالِثَةِ أَيْ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً فَلَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْكِحَ وَاعْتَرَضَ) بَيْنَهُمَا (جَوَازُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِمَالٍ أُولَى كَانَتْ) الطَّلْقَةُ (أَوْ ثَانِيَةً أَوْ ثَالِثَةً) دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مَجَّانًا تَارَةً وَبِعِوَضٍ أُخْرَى (وَلِذَا) أَيْ كَوْنِ جَوَازِهِ بِمَالٍ اعْتِرَاضًا بَيْنَهُمَا لَا أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (لَمْ يَلْزَمْ فِي شَرْعِيَّةِ الثَّالِثَةِ تَقَدُّمُ خُلْعٍ وَأَمَّا إيرَادُ أَثْبَتُّمْ التَّحْلِيلَ) لِلزَّوْجِ الثَّانِي (بِلَعْنِ الْمُحَلِّلِ) فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ مَنْ يُثْبِتُ الْحِلَّ كَالْمُحَرِّمِ مَنْ يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ «وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِزَوْجَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ لَمَّا أَتَتْهُ فَقَالَتْ كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْت بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد (زِيَادَةً عَلَى الْخَاصِّ لَفْظُ حَتَّى فِي {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] لِأَنَّهُ وُضِعَ لِمَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ الْغَايَةُ وَغَايَةُ الشَّيْءِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الشَّيْءُ فَيَكُونُ نِكَاحُ الزَّوْجِ الثَّانِي غَايَةً لِلْمُحَرَّمَةِ الثَّابِتَةِ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ لَا غَيْرُ وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ الْجَدِيدُ بِهِ فَإِثْبَاتُهُ بِأَحَدِ الْخَبَرَيْنِ زِيَادَةً لَهُ عَلَى الْخَاصِّ مُبْطِلَةٌ لَهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَهَذَا مِمَّا أَوْرَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالُوا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَالَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِثَلَاثٍ قِيَاسًا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ عَمَلًا بِكُلٍّ مِنْ الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ لَيْسَ عَدَمُ تَحْلِيلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ الثَّانِي الزَّوْجَةَ لِلْأَوَّلِ (وَ) عَدَمُ (الْعَوْدِ) أَيْ عَوْدِهَا (إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى) وَهِيَ مِلْكُ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ (مِمَّا صَدَقَاتِ مَدْلُولِهَا) أَيْ حَتَّى فِي الْآيَةِ (لِيَلْزَمَ إبْطَالُهُ) أَيْ مَدْلُولِهَا (بِالْخَبَرِ فَهُوَ) أَيْ إثْبَاتُ التَّحْلِيلِ بِالثَّانِي (إثْبَاتُ مَسْكُوتِ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ أَوْ بِمَفْهُومِ حَتَّى عَلَى أَنَّهُ) أَيْ مَفْهُومُهَا أَيْ الْعَمَلِ بِهِ (اتِّفَاقٌ) أَيْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُمْ فَلِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِشَارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ صَاحِبِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ (أَوْ بِالْأَصْلِ) الْكَائِنِ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ (وَعَلَى تَقْدِيرِهِ) أَيْ كَوْنِهِ إثْبَاتُ مَسْكُوتِ الْكِتَابِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (يُرِدْ الْعَوْدَ وَالتَّحْلِيلَ إنَّمَا جُعِلَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (فِي حُرْمَتِهَا بِالثَّلَاثِ وَلَا حُرْمَةَ قَبْلَهَا) أَيْ الثَّلَاثِ حُرْمَةُ الثَّلَاثِ (فَلَا يُتَصَوَّرُ) أَيْ الْعَوْدُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ حَالَةُ مِلْكِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا حُرِّمَتْ بِالثَّلَاثِ

الباب الثالث السنة

وَبِمَا دُونِ الثَّلَاثِ لَا تَحْرُمُ إذْ يَحِلُّ لَهُ تَزَوُّجُهَا فِي الْحَالِ وَكَذَا إثْبَاتُ الزَّوْجِ الْحِلَّ الْجَدِيدَ إنَّمَا هُوَ إذَا حُرِّمَتْ بِالثَّلَاثِ وَبِمَا دُونِهَا لَا تَحْرُمُ بَلْ الْحِلُّ ثَابِتٌ فَلَوْ أَثْبَتَ حِلًّا كَانَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. وَمَا قِيلَ الْحِلُّ الثَّابِتُ قَبْلَ الثَّلَاثِ حِلٌّ يَزُولُ بِطَلْقَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَاَلَّذِي يُثْبِتُهُ الزَّوْجُ بَعْدَ الطَّلْقَةِ أَوْ الطَّلْقَتَيْنِ حِلٌّ لَا يَزُولُ إلَّا بِالثَّلَاثِ فَهُوَ غَيْرُهُ فَلَيْسَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ جَوَابُهُ أَنَّ إثْبَاتَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَعْنِي الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ هُوَ عَيْنُ مَحَلِّ النِّزَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَى الدَّلِيلِ الْمُثْبَتِ لَهُ فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَ حِلًّا جَدِيدًا فِي الْغَلِيظَةِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُثْبِتَهُ فِي الْأَخَفِّ مِنْهَا أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا بِجَامِعِ أَنَّهُ نِكَاحُ زَوْجٍ بِإِلْغَاءِ كَوْنِهِ فِي حُرْمَةٍ غَلِيظَةٍ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ مَحَلٌّ وَالْمَحَلُّ لَا يَدْخُلُ فِي التَّعْلِيلِ وَإِلَّا انْسَدَّ بَابُ الْقِيَاسِ فَيَصِيرُ كَوْنُهُ نِكَاحَ زَوْجٍ تَمَامَ الْعِلَّةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي نِكَاحِ زَوْجٍ بَعْدَ طَلْقَةٍ وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ اعْتِبَارِ الزَّوْجِ كَذَلِكَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ لَازِمًا بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنَّ اعْتِبَارَهُ كَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ ثُبُوتِ حُرْمَةِ تَزَوُّجِهَا الْكَائِنَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الطَّلَقَاتِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَوْنُ الْحِلِّ جَدِيدًا ضَرُورِيًّا فَالزَّوْجُ إنَّمَا أَثْبَتَ الْحِلَّ فَقَطْ ثُمَّ لَزِمَ كَوْنُهُ جَدِيدًا بِسَبَبِ أَنَّهُ وَرَدَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الطَّلَقَاتِ فَهُوَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لَا بِوَضْعِ الشَّرْعِ الزَّوْجَ لِذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فَإِنَّ تَسْمِيَةَ الشَّارِعِ إيَّاهُ مُحَلِّلًا لَا يَقْتَضِي سِوَى هَذَا الْقَدْرِ دُونَ كَوْنِ الْحِلِّ يَمْلِكُ فِيهِ الثَّلَاثَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَفِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ لَا يُثْبِتُ الزَّوْجُ حِلَّ تَزَوُّجِهَا لِثُبُوتِهِ وَيَعُودُ لُزُومُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ شَرْحَ قَوْلِهِ (فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ (هَدْمُ الزَّوْجِ) الثَّانِي (مَا دُونَ الثَّلَاثِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَا يَخْفَى تَضَاؤُلُ أَنَّهُ) أَيْ مَا دُونَ الثَّلَاثِ (أَوْلَى بِهِ) أَيْ بِالْحِلِّ الْجَدِيدِ مِنْ الثَّلَاثِ (أَوْ) أَنَّهُ ثَابِتٌ (بِالْقِيَاسِ) عَلَيْهَا (فَالْحَقُّ هَدْمُ الْهَدْمِ) [الْبَابُ الثَّالِثُ السُّنَّةُ] (الْبَابُ الثَّالِثُ) (السُّنَّةُ) وَهِيَ لُغَةً (الطَّرِيقَةُ الْمُعْتَادَةُ) مَحْمُودَةً كَانَتْ أَوْ لَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَفِي الْأُصُولِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِعْلُهُ وَتَقْرِيرُهُ) مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ ثُمَّ مِنْهُمْ كَالْبَيْضَاوِيِّ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ التَّقْرِيرَ لِدُخُولِهِ فِي الْفِعْلِ لِأَنَّهُ كَفَّ عَنْ الْإِنْكَارِ وَالْكَفُّ فِعْلٌ وَقِيلَ الْقَوْلُ فِعْلٌ أَيْضًا فَلَوْ تَرَكَهُ جَازَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ اُشْتُهِرَ إطْلَاقُ الْفِعْلِ مُقَابِلًا لَهُ فَيَجِبُ ذِكْرُهُ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ (وَفِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ مَا وَاظَبَ عَلَى فِعْلِهِ مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ) فَقَالُوا مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ (لِيَلْزَمَ كَوْنُهُ) أَيْ الْمَفْعُولُ الْمُوَاظَبُ عَلَيْهِ (بِلَا وُجُوبٍ) لَهُ إذْ الْوَاجِبُ لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهِ بِلَا عُذْرٍ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ شُمُولِهِ لِجَمِيعِ الْمَسْنُونَاتِ (وَمَا لَمْ يُوَاظِبْهُ) أَيْ فِعْلُهُ (مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغِبَ فِيهِ وَعَادَةُ غَيْرِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (ذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْعِصْمَةِ مُقَدَّمَةً كَلَامِيَّةً لِتُوقِفَ حُجِّيَّةَ مَا قَامَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا) أَيْ الْعِصْمَةِ إذْ بِثُبُوتِهَا يَثْبُتُ حَقِّيَّةُ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ (وَهِيَ) أَيْ الْعِصْمَةُ (عَدَمُ قُدْرَةِ الْمَعْصِيَةِ أَوْ خَلْقِ مَانِعٍ) مِنْ الْمَعْصِيَةِ (غَيْرِ مُلْجِئٍ) إلَى تَرْكِهَا (وَمُدْرَكُهَا) أَيْ الْعِصْمَةِ وَمُسْتَنَدُهَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ (السَّمْعُ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ) السَّمْعُ وَ (الْعَقْلُ أَيْضًا) ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنْ الذُّنُوبِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ (الْحَقُّ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ كَبِيرَةٌ وَلَوْ) كَانَتْ (كُفْرًا عَقْلًا) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ (خِلَافًا لَهُمْ) أَيْ لِلْمُعْتَزِلَةِ (وَمَنَعَتْ الشِّيعَةُ الصَّغِيرَةَ أَيْضًا وَأَمَّا الْوَاقِعُ فَالْمُتَوَارَثُ أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَطُّ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلَا مَنْ نَشَأَ فَحَّاشًا، سَفِيهًا لَنَا لَا مَانِعَ فِي الْعَقْلِ مِنْ الْكَمَالِ بَعْدَ النَّقْصِ وَرَفَعَ الْمَانِعَ قَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ (بَلْ فِيهِ) أَيْ الْعَقْلِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ الْمَانِعُ (إفْضَاؤُهُ) أَيْ صُدُورُ الْمَعْصِيَةِ (إلَى التَّنْفِيرِ عَنْهُمْ وَاحْتِقَارِهِمْ) بَعْدَ الْبِعْثَةِ (فَنَافَى) صُدُورُهَا عَنْهُمْ (حِكْمَةَ الْإِرْسَالِ) وَهِيَ

اهْتِدَاءُ الْخَلْقِ بِهِمْ (مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ فَإِنْ بَطَلَ) الْقَوْلُ بِهِمَا (كَدَعْوَى الْأَشْعَرِيَّةِ بَطَلَ) قَوْلُهُمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَبْطُلْ الْقَوْلُ بِهِ مُطْلَقًا (مُنِعَتْ الْمُلَازَمَةُ) وَهُوَ صُدُورُ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ مُفْضٍ إلَى التَّنْفِيرِ عَنْهُمْ بَعْدَ الْبِعْثَةِ وَاحْتِقَارِهِمْ (كَالْحَنَفِيَّةِ بَلْ بَعْدَ صَفَاءِ السَّرِيرَةِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ يَنْعَكِسُ حَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ) مِنْ تِلْكَ الْحَالِ إلَى التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ. (وَيُؤَكِّدُهُ) أَيْ انْعِكَاسَ حَالِهِمْ حِينَئِذٍ (دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ) عَلَى صِدْقِهِ وَحَقِّيَّةِ مَا أَتَى بِهِ (وَالْمُشَاهَدَةُ وَاقِعَةٌ بِهِ) أَيْ بِانْعِكَاسِ الْحَالِ فِي الْقُلُوبِ حِينَئِذٍ (فِي آحَادٍ انْقَادَ الْخَلْقُ إلَى إجْلَالِهِمْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ) مِنْ أَحْوَالٍ تُنَافِي ذَلِكَ (فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهِ وَبَعْدَ الْبِعْثَةِ الِاتِّفَاقُ) مِنْ أَهْلِ الشَّرَائِعِ كَافَّةً (عَلَى عِصْمَتِهِ) أَيْ النَّبِيِّ (عَنْ تَعَمُّدِ مَا يُخِلُّ بِمَا يَرْجِعُ إلَى التَّبْلِيغِ) مِنْ اللَّهِ إلَى الْخَلَائِقِ كَالْكَذِبِ فِي الْأَحْكَامِ إذْ لَوْ جَازَ عَلَيْهِ التَّقَوُّلُ وَالِافْتِرَاءُ فِي ذَلِكَ عَقْلًا لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ وَهُوَ مُحَالٌ (وَكَذَا) الِاتِّفَاقُ عَلَى عِصْمَتِهِ مِنْ الْكَذِبِ (غَلَطًا) وَنِسْيَانًا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّبْلِيغِ (عِنْدَ الْجُمْهُورِ) لِمَا ذَكَرْنَا (خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمُعْجِزَةِ) عَلَى عَدَمِ كَذِبِهِ فِيمَا يَصْدُرُ مِنْهُ إنَّمَا هِيَ (عَلَى عَدَمِ الْكَذِبِ) فِي ذَلِكَ (قَصْدًا) أَيْ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا هُوَ مُتَذَكِّرٌ لَهُ عَامِدٌ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ النِّسْيَانِ وَفَلَتَاتِ اللِّسَانِ فَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الصِّدْقِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْكَذِبِ فِيهِ نَقْصٌ لِدَلَالَتِهَا (وَ) عَلَى (عَدَمِ تَقْرِيرِهِ عَلَى السَّهْوِ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَرِدْ الْبَيَانُ مِنْهُ أَوْ مِنْ اللَّهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَادِرٌ قَصْدًا (فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْأَمَانُ عَمَّا يُخْبِرُ بِهِ عَنْهُ تَعَالَى) فَانْتَفَى مَا قِيلَ يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْوُثُوقِ بِتَبْلِيغِهِ لِاحْتِمَالِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَانْتِفَاءِ دَلِيلٍ لِلسَّامِعِ يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ سَهْوًا وَغَلَطًا وَبَيْنَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ قَصْدًا فَيَخْتَلُّ الْمَقْصُودُ بِالْمُعْجِزَةِ وَهُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى صِدْقِهِ. (وَأَمَّا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَا يُخِلُّ بِمَا يَرْجِعُ إلَى التَّبْلِيغِ (مِنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ) وَهِيَ مَا يُلْحَقُ فَاعِلُهَا بِالْأَرْذَالِ وَالسُّفَّلِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِدَنَاءَةِ الْهِمَّةِ وَسُقُوطِ الْمُرُوءَةِ كَسَرِقَةِ كِسْرَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ (فَالْإِجْمَاعُ عَلَى عِصْمَتِهِمْ عَنْ تَعَمُّدِهَا سِوَى الْحَشْوِيَّةِ وَبَعْضِ الْخَوَارِجِ) وَهُمْ الْأَزَارِقَةُ حَتَّى جَوَّزُوا عَلَيْهِمْ الْكُفْرَ فَقَالُوا يَجُوزُ بِعْثَةُ نَبِيٍّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بَعْدَ نُبُوَّتِهِ وَالْفُضَيْلِيَّةُ مِنْهُمْ أَيْضًا فَجَوَّزُوا صُدُورَ الذَّنْبِ مِنْهُمْ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الذَّنْبَ كُفْرٌ ثُمَّ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ امْتِنَاعَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ السَّمْعِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِينَ فِيهِ إذْ الْعِصْمَةُ فِيمَا وَرَاءَ التَّبْلِيغِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَقْلًا وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْعَقْلِ بِنَاءً عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ. (وَ) عَلَى (تَجْوِيزِهَا) أَيْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ (غَلَطًا وَبِتَأْوِيلِ خَطَأٍ إلَّا الشِّيعَةَ فِيهِمَا) أَيْ فِي فِعْلِهِمَا غَلَطًا وَفِعْلِهِمَا بِتَأْوِيلٍ خَطَأٍ هَذَا عَلَى مَا فِي الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ الْمَوَاقِفِ وَأَمَّا سَهْوًا فَجَوَّزُوهُ الْأَكْثَرُونَ. قَالَ الشَّرِيفُ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ (وَجَازَ تَعَمُّدُ غَيْرِهَا) أَيْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ كَنَظْرَةٍ وَكَلِمَةِ سَفَهٍ نَادِرَةٍ فِي غَضَبٍ (بِلَا إصْرَارٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنَعَهُ) أَيْ تَعَمُّدَ غَيْرِهَا (الْحَنَفِيَّةُ وَجَوَّزُوا الزَّلَّةَ فِيهِمَا) أَيْ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ (بِأَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ إلَى مُبَاحٍ فَيَلْزَمُ مَعْصِيَةً) لِذَلِكَ لَا أَنَّهُ قَصَدَ عَيْنَهَا (كَوَكْزِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) أَيْ كَدَفْعِهِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَقِيلَ بِجَمْعِ الْكَفِّ الْقِبْطِيِّ وَاسْمُهُ فَانُونَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِذَلِكَ بَلْ أَفْضَى بِهِ ذَلِكَ إلَيْهِ (وَيَقْتَرِنُ بِالتَّنْبِيهِ) عَلَى أَنَّهَا زَلَّةٌ إمَّا مِنْ الْفَاعِلِ كَقَوْلِهِ {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [القصص: 15] أَيْ هَيَّجَ غَضَبِي حَتَّى ضَرَبَتْهُ فَوَقَعَ قَتِيلًا فَأَضَافَهُ إلَيْهِ تَسَبُّبًا أَوْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] أَيْ أَخْطَأَ بِأَكْلِ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ أَكْلِهَا، وَطَلَبَ الْمُلْكَ وَالْخُلْدَ بِذَلِكَ (وَكَأَنَّهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعَ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ الَّذِي أَفْضَى فِعْلُهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لَهُ (شِبْهَ عَمْدٍ) مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ لِقَصْدِهِ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ (فَلَمْ يُسَمُّوهُ خَطَأً) مُلَاحَظَةً لِلْقَصْدِ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ (وَلَوْ أَطْلَقُوهُ) أَيْ الْخَطَأَ عَلَيْهِ كَمَا أَطْلَقَهُ غَيْرُهُمْ (لَمْ يَمْتَنِعْ وَكَانَ أَنْسَبَ مِنْ الِاسْمِ الْمُسْتَكْرَهِ) أَيْ الزَّلَّةِ وَكَيْفَ يَمْتَنِعُ وَقَدْ قَالُوا لَوْ رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا كَانَ خَطَأً مَعَ قَصْدِهِ الرَّمْيَ إلَى الْآدَمِيِّ وَأَمَّا أَنَّهُ أَنْسَبُ مُطْلَقًا فَفِيهِ تَأَمُّلٌ بَلْ رُبَّمَا مَنَعَ الْأَنْسَبِيَّةَ فِي قِصَّةِ

فصل في حجية السنة

آدَمَ وَمَا شَابَهَهَا قَوْله تَعَالَى {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [البقرة: 36] كَمَا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي نَحْوِ وَكْزِ مُوسَى لَا مُطْلَقًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي حُجِّيَّةُ السُّنَّةِ] (فَصْلٌ حُجِّيَّةُ السُّنَّةِ) أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مُفِيدَةً الْفَرْضَ أَوْ الْوُجُوبَ أَوْ الِاسْتِنَانَ (ضَرُورِيَّةٌ دِينِيَّةٌ وَيَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِتَحَقُّقِهَا) أَيْ حُجِّيَّتِهَا (وَهِيَ) أَيْ السُّنَّةُ (الْمَتْنُ عَلَى طَرِيقِهِ) أَيْ الْمَتْنُ وَقَوْلُهُ (السَّنَدُ) بَدَلٌ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَوْلُهُ (الْإِخْبَارُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَتْنِ (بِأَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ) أَيْ بِالْمَتْنِ (فُلَانٌ أَوْ خَلْقٌ) بَدَلٌ مِنْ السَّنَدِ لِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ ثُبُوتُهَا وَعَدَمُهُ، ثُمَّ مَنَازِلُ الثُّبُوتِ ثُمَّ تَعْرِيفُ السَّنَدِ بِهَذَا. ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَعِنْدِي لَوْ قَالَ: طَرِيقُ الْمَتْنِ. كَانَ أَوْلَى وَهُوَ مَأْخُوذٌ إمَّا مِنْ السَّنَدِ مَا ارْتَفَعَ وَعَلَا مِنْ سَفْحِ الْجَبَلِ أَيْ أَسْفَلِهِ لِأَنَّ الْمُسْنَدَ يَرْفَعُهُ إلَى قَائِلِهِ أَوْ مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ سَنَدٌ أَيْ مُعْتَمَدٌ لِاعْتِمَادِ الْحُفَّاظِ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَضَعْفِهِ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَتْنُ (خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ) وَتَقَدَّمَ وَجْهُ حَصْرِهِ فِيهِمَا فِي أَوَائِلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى (فَالْخَبَرُ قِيلَ لَا يُحَدُّ لِعُسْرِهِ) أَيْ تَحْدِيدِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِيقِيِّ بِعِبَارَةٍ مُحَرَّرَةٍ جَامِعَةٍ لِلْجِنْسِ وَالْفَصْلِ الذَّاتِيِّ لِأَنَّ إدْرَاكَ ذَاتِيَّاتِ الْحَقِيقَةِ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ كَمَا قِيلَ مِثْلُهُ فِي الْعِلْمِ (وَقِيلَ لِأَنَّ عِلْمَهُ) أَيْ الْخَبَرِ (ضَرُورِيٌّ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالسَّكَّاكِيِّ (لِعِلْمِ كُلٍّ بِخَبَرٍ خَاصٍّ ضَرُورَةً وَهُوَ) أَيْ الْخَبَرُ الْخَاصُّ (أَنَّهُ مَوْجُودٌ وَتَمْيِيزُهُ) أَيْ وَلِتَمْيِيزِ كُلِّ الْخَبَرِ (عَنْ قَسِيمِهِ) الَّذِي هُوَ الْإِنْشَاءُ (ضَرُورَةً) وَلِذَا يُورَدُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعِهِ وَيُجَابُ عَنْ كُلٍّ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ وَإِذَا كَانَ الْخَبَرُ الْمُقَيَّدُ الَّذِي هُوَ الْخَاصُّ ضَرُورِيًّا (فَالْمُطْلَقُ) أَيْ الْخَبَرُ الْمُطْلَقُ الَّذِي هُوَ جُزْؤُهُ (كَذَلِكَ) أَيْ ضَرُورِيٌّ بَلْ أَوْلَى لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ تَصَوُّرِ الْكُلِّ ضَرُورِيًّا مَعَ كَوْنِ تَصَوُّرِ الْجُزْءِ مُكْتَسِبًا لِتَوَقُّفِ تَصَوُّرِ الْكُلِّ عَلَى تَصَوُّرِ الْجُزْءِ وَعَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَصَوُّرُ الْجُزْءِ. (وَأَوْرَدَ) عَلَى أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ (الضَّرُورَةَ تُنَافِي الِاسْتِدْلَالَ) عَلَى كَوْنِهِ ضَرُورِيًّا لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ لَا يَقْبَلُ الِاسْتِدْلَالَ (وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ الضَّرُورِيِّ يُنَافِي الِاسْتِدْلَالَ إنَّمَا هُوَ (عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ) لِلضَّرُورَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ (وَلَيْسَ) مَحَلُّهُمَا هُنَا مُتَّحِدًا (فَالضَّرُورِيُّ حُصُولُ الْعِلْمِ بِلَا نَظَرٍ وَكَوْنُهُ) أَيْ الْعِلْمِ (حَاصِلًا كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى وَجْهِ الضَّرُورَةِ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ حُصُولِهِ بِلَا نَظَرٍ وَهُوَ النَّظَرِيُّ (وَلَوْ أَوْرَدَ كَذَا الْحَاصِلُ ضَرُورَةً يَلْزَمُهُ ضَرُورِيَّةُ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا إذْ بَعْدَ حُصُولِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ ضَرُورَةً (لَا يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ الثَّانِي) وَهُوَ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ ضَرُورِيًّا (بَعْدَ تَجْرِيدِ مَفْهُومِ الضَّرُورِيِّ سِوَى عَلَى الِالْتِفَاتِ) أَيْ اسْتِحْضَارِ مَفْهُومِ الضَّرُورِيِّ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِلَا نَظَرٍ (وَتَطْبِيقِ) هَذَا (الْمَفْهُومِ) عَلَى الْعِلْمِ الْحَاصِلِ فَيَجِدُهُ حَصَلَ بِلَا نَظَرٍ فَيَعْلَمُ كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا وَهُوَ الْعِلْمُ الثَّانِي (وَلَيْسَ) هَذَا (النَّظَرُ) فَإِنَّ تَجْرِيدَ الطَّرَفَيْنِ وَتَوَجُّهَ النَّفْسِ مِمَّا يَلْزَمُ فِي كُلٍّ ضَرُورِيٌّ (كَانَ) هَذَا الْإِيرَادُ (لَازِمًا فَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ. (تَنْبِيهٌ) عَلَى خَفَائِهِ ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَمَّا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْجَوَابَ هُنَا كَالْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ الْعِلْمُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لِأَنَّ كُلًّا يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ وَالْمُطْلَقُ جُزْءٌ إلَخْ وَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ حَاصِلٌ هُنَا مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِهِ وَالْحُصُولُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَ الْحَاصِلِ فَيُعْرَفُ لِيَصِيرَ بِنَفْسِهِ مُتَصَوَّرًا فَأَجَابَ هُنَا كَذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ مَاهِيَّةَ الْخَبَرِ حَاصِلٌ فِيمَا ذَكَرْت مِنْ الْمِثَالِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَيُحَدُّ لِيَصِيرَ مُتَصَوَّرًا وَرَأَى الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هُنَا لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ لَا فِي نَفْسِ الْعِلْمِ فَقَوْلُنَا يَعْلَمُ كُلٌّ أَنَّهُ مَوْجُودٌ يُبَيِّنُ أَنَّ مَضْمُونَ أَنَا مَوْجُودٌ وَهُوَ الْخَبَرُ تَعَلَّقَ بِهِ الْعِلْمُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ أَصْلًا بَعْدَ فَرْضِ أَنَّهُ مَعْلُومٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُقَالَ تَعَلَّقَ بِهِ بِوَجْهٍ وَالْحَدُّ لِإِرَادَةِ الْعِلْمِ بِحَقِيقَتِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْجَوَابُ أَنَّ تَعَلُّقَ الْعِلْمِ بِهِ) أَيْ بِالْخَبَرِ (بِوَجْهٍ لَا يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَ حَقِيقَتِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (ضَرُورَةً) وَتَصَوُّرُ حَقِيقَتِهِ هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّعْرِيفِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ أَنَّ الْخَبَرَ ضَرُورِيٌّ فَقَالَ (وَالظَّاهِرُ أَنَّ إعْطَاءَ اللَّوَازِمِ) أَيْ إعْطَاءَ كُلِّ أَحَدٍ لَازِمَ الْخَبَرِ لِلْخَبَرِ وَلَازِمَ الْإِنْشَاءِ

لِلْإِنْشَاءِ (مِنْ وَضْعِ كُلٍّ) مِنْهُمَا (مَوْضِعَهُ) فَلَا يَضَعُ أَحَدٌ قُمْت مَكَانَ قُمْ وَلَا عَكْسَهُ وَمِنْ احْتِمَالِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَعَدَمِهِ (وَنَفْيِ) كُلِّ أَحَدٍ (مَا يَمْتَنِعُ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (عَنْهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَقُولُ إنَّ قُمْ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَرْعٌ تَصَوُّرُ الْحَقِيقَةِ) وَهِيَ الْمَعْنَى الَّذِي سَمَّيْنَا الدَّالَّ عَلَيْهِ خَبَرًا وَإِنْشَاءً (إذْ هِيَ) أَيْ حَقِيقَةُ مَعْنَى الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ هِيَ (الْمُسْتَلْزِمَةُ) لِذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ. (نَعَمْ لَا يَتَصَوَّرُهُمَا) أَيْ الْحَقِيقَتَيْنِ (مِنْ حَيْثُ هُمَا مُسَمَّيَا الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ) أَوْ غَيْرِهِمَا وَذَلِكَ لَا يَنْفِي ضَرُورِيَّةَ نَفْسِهِمَا كَمَا لَوْ لَمْ تُسَمَّ الْحَقَائِقُ بِأَسْمَاءِ أَصْلًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفِي كَوْنَ بَعْضِهِمَا ضَرُورِيًّا فَحِينَئِذٍ إذَا عُرِّفَ الْخَبَرُ وَالْإِنْشَاءُ (فَيُعَرِّفَانِ اسْمًا) أَيْ تَعْرِيفًا اسْمِيًّا لِإِفَادَةِ أَنَّ مُسَمَّى لَفْظِ الْخَبَرِ كَذَا وَمُسَمَّى لَفْظِ الْإِنْشَاءِ كَذَا (وَإِنْ كَانَ) التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ (قَدْ يَقَعُ حَقِيقِيًّا) بِأَنْ كَانَتْ ذَاتِيَّاتُ الْحَقِيقَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالِاسْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ (فَالْخَبَرُ مُرَكَّبٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ بِلَا نَظَرٍ إلَى خُصُوصِ مُتَكَلِّمٍ وَنَحْوِهِ) فَمُرَكَّبُ جِنْسٍ لِسَائِرِ الْمُرَكَّبَاتِ وَيَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ إلَخْ مُخْرِجٌ لِمَا عَدَا الْخَبَرِ مِنْهَا مِنْ مُرَكَّبٍ إضَافِيٍّ وَمَزْجِيٍّ وَتَقْيِيدِيٍّ وَإِنْشَائِيٍّ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَقَالَ بِلَا نَظَرٍ إلَى خُصُوصِ مُتَكَلِّمٍ وَنَحْوِهِ أَيْ وَخُصُوصِ الْكَلَامِ لِئَلَّا يُظَنَّ خُرُوجُ الْخَبَرِ الْمَقْطُوعِ بِصِدْقِهِ كَخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَبَرِ رَسُولِهِ وَالْمَقْطُوعُ بِكَذِبِهِ كَالْمَعْلُومِ خِلَافَهُ ضَرُورَةً كَالنَّقِيضَانِ يَجْتَمِعَانِ أَوْ يَرْتَفِعَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا نَظَرَ إلَى مُحَصَّلِ مَفْهُومِهِ وَهُوَ أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَحْكُومُ فِيهِ أَوْ لَيْسَ إيَّاهُ كَانَ صَالِحًا لِلِاتِّصَافِ بِكُلٍّ مِنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ فَيَنْدَرِجُ الْخَبَرَانِ الْمَذْكُورَانِ فِيهِ (وَأَوْرَدَ) عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ (الدَّوْرَ) أَيْ أَنَّهُ دَوِّرِي (لِتَوَقُّفِ) كُلٍّ مِنْ (الصِّدْقِ) وَالْكَذِبِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْخَبَرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الصِّدْقَ (مُطَابَقَةُ الْخَبَرِ) وَالْكَذِبُ عَدَمُ مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ وَقَدْ فَرَضَ تَوَقُّفَ الْخَبَرِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (وَبِمَرْتَبَةٍ) أَيْ وَأَوْرَدَ لُزُومَ الدَّوْرِ بِمَرْتَبَةٍ أَيْضًا (لَوْ قِيلَ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ) مَكَانَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُفَسِّرَ التَّصْدِيقَ بِالْخَبَرِ بِصِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ وَالتَّكْذِيبَ بِالْخَبَرِ بِكَذِبِ الْمُتَكَلِّمِ أَمَّا لَوْ فَسَّرَ التَّصْدِيقَ بِنِسْبَةِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى الصِّدْقِ وَهُوَ الْخَبَرُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ وَالتَّكْذِيبَ بِنِسْبَةِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى الْكَذِبِ وَهُوَ الْخَبَرُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الدَّوْرُ بِمَرْتَبَتَيْنِ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ الْخَبَرِ عَلَى التَّصْدِيقِ وَهُوَ عَلَى الصِّدْقِ وَهُوَ عَلَى الْخَبَرِ. وَكَذَا فِي التَّكْذِيبِ وَلَوْ فَسَّرَ التَّصْدِيقَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ كَوْنِ الْمُتَكَلِّمِ صَادِقًا وَالتَّكْذِيبَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ كَوْنِهِ كَاذِبًا لَزِمَهُ الدَّوْرُ بِمَرَاتِبَ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ الْخَبَرِ عَلَى التَّصْدِيقِ وَمَعْرِفَةِ التَّصْدِيقِ عَلَى مَعْرِفَةِ الصَّادِقِ وَمَعْرِفَةِ الصَّادِقِ عَلَى مَعْرِفَةِ الصِّدْقِ وَمَعْرِفَةِ الصِّدْقِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَبَرِ وَكَذَا فِي التَّكْذِيبِ وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَأْخُوذَ فِي حَدِّ الْخَبَرِ هُوَ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ اللَّذَانِ هُمَا صِفَةُ الْخَبَرِ أَعْنِي مُطَابَقَتَهُ لِلْوَاقِعِ وَعَدَمَ مُطَابَقَتِهِ لَهُ وَمَا أُخِذَ فِي حَدِّ الْخَبَرِ صِفَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ وَأَيْضًا اللَّازِمُ فَسَادُ تَعْرِيفِ الْخَبَرِ أَوْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لِلُزُومِ الدُّورِ لَا تَعْرِيفَ الْخَبَرِ عَلَى التَّعْيِينِ وَأَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (إنَّمَا يَلْزَمُ) الدَّوْرُ (لَوْ لَزِمَ) ذِكْرُ الْخَبَرِ (فِي تَعْرِيفِهِ) الصِّدْقَ وَكَذَا فِي تَعْرِيفِ الْكَذِبِ (وَلَيْسَ) ذِكْرُهُ لَازِمًا فِيهِمَا بَلْ يُعْرَفَانِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ تَعْرِيفُهُمَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَبَرِ (إذْ يُقَالُ فِيهِمَا) أَيْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ (مَا طَابَقَ نَفْسِيُّهُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) تَعْرِيفًا لِلصِّدْقِ أَيْ مَا يَكُونُ نِسْبَتُهُ النَّفْسِيَّةُ مُطَابِقَةً لِلنِّسْبَةِ الَّتِي فِي الْوَاقِعِ بِأَنْ يَكُونَا ثُبُوتِيَّتَيْنِ أَوْ سَلْبِيَّتَيْنِ (أَوْ لَا) أَيْ وَمَا لَا يُطَابِقُ نَفْسِيُّهُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَعْرِيفًا لِلْكَذِبِ أَيْ مَا يَكُونُ إحْدَى نِسْبَتَيْهِ الْمَذْكُورَتَيْنِ ثُبُوتِيَّةً وَالْأُخْرَى سَلْبِيَّةً أَوْ يُقَالُ هُمَا ضَرُورِيَّانِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ) فِي تَعْرِيفِ الْخَبَرِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ (كَلَامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً) يَرِدُ (عَلَيْهِ أَنَّ نَحْوَ قَائِمٍ) مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي الْحُسَيْنِ (كَلَامٌ) لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمُعْتَمَدِ الْحَقُّ أَنْ يُقَالَ الْكَلَامُ هُوَ مَا اُنْتُظِمَ مِنْ الْحُرُوفِ الْمَسْمُوعَةِ الْمُتَمَيِّزَةِ الْمُتَوَاضَعِ عَلَى اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمَعَانِي (وَيُفِيدُهَا) أَيْ قَائِمُ النِّسْبَةِ (بِنَفْسِهِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ النِّسْبَةُ مَدْلُولَهُ الَّذِي وُضِعَ لَهُ لَا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا عَقْلًا وَبِالنِّسْبَةِ نِسْبَةٌ مَعْنًى إلَى

الذَّاتِ (وَلَيْسَ) نَحْوَ قَائِمٍ (خَبَرًا) بِالِاتِّفَاقِ وَلَمَّا جَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلَهُ بِنَفْسِهِ لِإِخْرَاجِ قَائِمٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ لِإِفَادَتِهَا نِسْبَةً لَا بِنَفْسِهَا بَلْ مَعَ الْمَوْضُوعِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ مَثَلًا وَكَانَ مَمْنُوعًا عِنْدَ التَّحْقِيقِ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَمَا قِيلَ مَعَ الْمَوْضُوعِ مَمْنُوعٌ) بَلْ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ يُفِيدُهَا لَا بِقَيْدِ الْمَجْمُوعِ مِنْهُ وَمِنْ الْمَوْضُوعِ. (إذْ الْمُشْتَقُّ دَالٌّ عَلَى ذَاتٍ مَوْصُوفَةٍ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ مُشْتَقٍّ مِنْ الصِّفَاتِ وُضِعَ لِذَاتٍ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهَا فَيُفِيدُ النِّسْبَةَ بِنَفْسِهِ إذْ قَدْ وُضِعَ لِذَلِكَ فَلَزِمَتْ النِّسْبَةُ حِينَئِذٍ مَدْلُولَةً لِنَفْسِ الْمُشْتَقِّ وَأَمَّا مَعَ الْمَوْضُوعِ فَيُفِيدُ النِّسْبَةَ إلَى مُعَيَّنٍ فَإِنَّ الذَّاتَ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا الْوَصْفُ فِي الْمُشْتَقِّ مُبْهَمَةٌ وَبِذِكْرِ مَوْضُوعٍ تَتَعَيَّنُ ضَرْبًا مِنْ التَّعْيِينِ (فَالْمَوْضُوعُ لِمُجَرَّدِ تَعْيِينِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ) وَلَا دَخْلَ لِلْمَوْضُوعِ فِي إفَادَتِهَا هَذَا عَلَى هَذَا النَّقْلِ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ وَأَمَّا الْمَشْهُورُ عَنْهُ فِي تَعْرِيفِهِ لِلْخَبَرِ فَمَا نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عَنْهُ وَهُوَ كَلَامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ إضَافَةَ أَمْرٍ إلَى أَمْرٍ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ لِأَبِي الْحُسَيْنِ فِي الْمُعْتَمَدِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ وَتُرَاجَعْ حَاشِيَتُهُ وَحَاشِيَةُ التَّفْتَازَانِيِّ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ (وَأَمَّا إيرَادُ نَحْوِ قُمْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ صَادِقٌ عَلَيْهِ (لِإِفَادَتِهِ) أَيْ نَحْوِ قُمْ (نِسْبَةَ الْقِيَامِ) إلَى الْمُخَاطَبِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ الْقِيَامُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ لَا مُطْلَقُ الطَّلَبِ وَهُوَ لَيْسَ بِخَبَرٍ قَطْعًا (فَلَيْسَ) بِوَارِدٍ عَلَيْهِ (إذْ لَمْ يُوضَعْ) نَحْوَ قُمْ (سِوَى لِطَلَبِ الْقِيَامِ) أَيْ طَلَبِ الْمُتَكَلِّمِ الْقِيَامَ مِنْ الْمُخَاطَبِ (وَفَهْمِ النِّسْبَةِ) أَيْ نِسْبَةِ طَلَبِ الْقِيَامِ مِنْ الْمُخَاطَبِ إلَى الطَّالِبِ وَنِسْبَةِ وُقُوعِ الْقِيَامِ مِنْ الْمُخَاطَبِ إلَيْهِ أَيْ الْحُكْمِ بِوُقُوعِهِ مِنْهُ عِنْدَ الِامْتِثَالِ (بِالْعَقْلِ وَالْمُشَاهَدَةِ) لَفًّا وَنَشْرًا مُرَتَّبًا (لَا يَسْتَلْزِمُ الْوَضْعَ) أَيْ وَضْعَ نَحْوِ قُمْ (لَهَا) أَيْ لِلنِّسْبَةِ الْمَذْكُورَةِ بِنَوْعَيْهَا (فَلَيْسَ) فَهْمُ النِّسْبَةِ (بِنَفْسِهِ) أَيْ لَفْظِ الطَّلَبِ بَلْ دَلَالَةُ الطَّلَبِ عَلَى الْأَوَّلِ عَقْلِيَّةٌ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الثَّانِي أَصْلًا وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْحِسِّ. (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ (الْأَوْلَى) فِي تَعْرِيفِهِ (كَلَامٌ مَحْكُومٌ فِيهِ بِنِسْبَةٍ لَهَا خَارِجٌ فَطَلَبَتْ الْقِيَامَ مِنْهُ) أَيْ الْخَبَرِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَحْكُومٌ فِيهِ بِنِسْبَةِ طَلَبِ الْقِيَامِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَلَهَا خَارِجٌ قَدْ يُطَابِقُهُ فَيَكُونُ صِدْقًا وَقَدْ لَا يُطَابِقُهُ فَيَكُونُ كَذِبًا (لَا قُمْ) فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مَحْكُومًا فِيهِ بِنِسْبَةٍ إلَى الْقِيَامِ إلَى الْمَأْمُورِ وَنِسْبَةِ الطَّلَبِ إلَى الْآمِرِ لَكِنْ هَذِهِ النِّسْبَةُ لَيْسَ لَهَا خَارِجٌ تُطَابِقُهُ أَوْ لَا تُطَابِقُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا مُجَرَّدَ الطَّلَبِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ (فَعَلَى إرَادَةِ مَا يَحْسُنُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ بِالْكَلَامِ فَلَا يَرِدُ الْغُلَامُ الَّذِي لِزَيْدٍ) لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ (وَلَا حَاجَةَ إلَى مَحْكُومٍ) حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ حَتَّى يَحْكُمَ فِيهِ بِنِسْبَةٍ وَإِنَّمَا يَكْفِي كَلَامٌ فِيهِ نِسْبَةٌ لَهَا خَارِجٌ (بَلْ قَدْ يُوهِمُ) التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ (أَنَّ مَدْلُولَ الْخَبَرِ الْحُكْمُ) لِلْمُخْبِرِ بِوُقُوعِ النِّسْبَةِ. (وَحَاصِلُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (عِلْمٌ) لِأَنَّهُ إدْرَاكٌ (وَنَقْطَعُ بِأَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ (لَمْ يُوضَعْ لِعِلْمِ الْمُتَكَلِّمِ بَلْ) إنَّمَا وُضِعَ (لِمَا عِنْدَهُ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ وُقُوعِ النِّسْبَةِ وَاللَّا وُقُوعِهَا (فَالْأَحْسَنُ) فِي تَعْرِيفِ الْخَبَرِ (كَلَامٌ لِنِسْبَتِهِ خَارِجٌ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجِنْسِ الْقَرِيبِ وَهُوَ كَلَامٌ وَالْفَصْلُ الْقَرِيبُ وَهُوَ لِنِسْبَتِهِ خَارِجٌ مَعَ الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ وَعَدَمِ إيهَامِ خِلَافِ الْمُرَادِ (وَاعْلَمْ أَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ (يَدُلُّ عَلَى مُطَابَقَتِهِ) لِلْوَاقِعِ وَهُوَ الصِّدْقُ (فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نِسْبَةٍ) تَامَّةٍ ذِهْنِيَّةٍ (وَاقِعَةٍ) كَمَا فِي الْإِثْبَاتِ (أَوْ غَيْرِ وَاقِعَةٍ) كَمَا فِي السَّلْبِ مُشْعِرَةٍ بِحُصُولِ نِسْبَةٍ أُخْرَى فِي الْوَاقِعِ مُوَافَقَةٍ لَهَا فِي الْكَيْفِيَّةِ وَهَذِهِ الْأُخْرَى مَدْلُولَةٌ لِلْخَبَرِ بِتَوَسُّطِ الْأُولَى وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالْإِفَادَةِ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأُخْرَى الْمُشْعِرُ بِهَا مُوَافِقَةً لِلْأُولَى كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا وَإِلَّا كَانَ كَاذِبًا وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ صِدْقُ الْخَبَرِ ثُبُوتُ مَدْلُولِهِ مَعَهُ وَكَذِبُهُ تَخَلُّفُ مَدْلُولِهِ مَعَهُ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ عَلَى النِّسْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ وَضْعِيَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ وَدَلَالَةُ الذِّهْنِيَّةِ عَلَى حُصُولِ النِّسْبَةِ الْأُخْرَى بِطَرِيقِ الْإِشْعَارِ لَا بِاسْتِلْزَامٍ عَقْلِيٍّ وَجَازَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ مَدْلُولُهَا بِلَا وَاسِطَةٍ فَضْلًا عَنْ مَدْلُولِهَا بِوَاسِطَةٍ وَهَذَا مَعْنَى مَا قِيلَ مَدْلُولُ الْخَبَرِ هُوَ الصِّدْقُ وَأَمَّا الْكَذِبُ فَاحْتِمَالٌ عَقْلِيٌّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَمَدْلُولُ اللَّفْظِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ ثَابِتًا فِي الْوَاقِعِ) بَلْ جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا وَأَنْ لَا يَكُونَ ثَابِتًا (فَجَاءَ احْتِمَالُ الْكَذِبِ بِالنَّظَرِ

إلَى أَنَّ الْمَدْلُولَ) الْمَذْكُورَ هُوَ (كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوَّلًا) وَقَدْ سَبَقَ مَعْنَى هَذَا فِي أَقْسَامِ الْمُرَكَّبِ وَأَوْضَحْنَاهُ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَيْضًا ثَمَّةَ (وَمَا لَيْسَ بِخَبَرٍ إنْشَاءً وَمِنْهُ) أَيْ الْإِنْشَاءِ (الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالِاسْتِفْهَامُ وَالتَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي وَالْقَسَمُ وَالنِّدَاءُ وَيُسَمَّى الْأَخِيرَانِ) أَيْ الْقَسَمُ وَالنِّدَاءُ (تَنْبِيهًا أَيْضًا) بَلْ الْمَنْطِقِيُّونَ يُسَمُّونَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخِيرَةَ تَنْبِيهًا وَزَادَ بَعْضُهُمْ كَصَاحِبِ الشَّمْسِيَّةِ الِاسْتِفْهَامَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ بِخَبَرٍ يُسَمَّى إنْشَاءً فَإِنْ كَانَ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ فَسَهْلٌ وَإِلَّا فَلِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ (وَاخْتُلِفَ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ وَالْإِسْقَاطَاتِ كَبِعْت وَأَعْتَقْت إذَا أُرِيدَ حُدُوثُ الْمَعْنَى بِهَا فَقِيلَ إخْبَارَاتٌ عَمَّا فِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (فَيَنْدَفِعُ الِاسْتِدْلَال عَلَى إنْشَائِيَّتِهِ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ (بِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ) أَيْ الْإِنْشَاءِ وَهُوَ كَلَامٌ لَيْسَ لِنِسْبَتِهِ خَارِجٌ عَلَيْهِ (وَانْتِفَاءِ لَازِمِ الْإِخْبَارِ مِنْ احْتِمَالِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ) عَلَيْهِ لِأَنَّ بِعْت لَا يَدُلُّ عَلَى بَيْعٍ آخَرَ غَيْرَ الْبَيْعِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ (لِأَنَّ ذَلِكَ) الِاسْتِدْلَالَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يُفِيدُ نَفْيَ قَوْلِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ (لَوْ لَمْ يَكُنْ) مُرَادُهُ كَوْنَهُ (إخْبَارًا عَمَّا فِي النَّفْسِ) بِأَنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ خَارِجٍ أَمَّا إذَا أُرِيدَ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا فِي النَّفْسِ مِنْ الْمَعْنَى فَلَا وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ) مِنْ هَذِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ احْتِمَالِهِ الْكَذِبَ (أَنَّهُ إخْبَارٌ يُعْلَمُ صِدْقُهُ بِخَارِجٍ) هُوَ نَفْسُ اللَّفْظِ بِقَوْلِهِ بِعْت مَثَلًا فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ فَيُعْلَمُ صِدْقُهُ (كَإِخْبَارِهِ بِأَنَّ فِي ذِهْنِهِ كَذَا) أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ فِي ذِهْنِهِ مَعْنَى بِعْت بَعْدَ مَا قَالَ بِعْت (وَمَا اسْتَدَلَّ) بِهِ الْإِنْشَائِيُّونَ مِنْ أَنَّهُ (لَوْ كَانَ خَبَرًا لَكَانَ مَاضِيًا) لِوَضْعِ لَفْظِهِ لِذَلِكَ وَعَدَمِ وُرُودِ مُغَيِّرٍ. (وَامْتَنَعَ التَّعْلِيقُ) أَيْ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ تَوْقِيفُ دُخُولِ أَمْرٍ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ غَيْرِهِ وَالْمَاضِي دَخَلَ فِيهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ غَيْرِهِ وَكِلَا اللَّازِمَيْنِ مُنْتَفٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَعَلُّقِ الطَّلَاقِ بِدُخُولِ الدَّارِ فِيمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ طَلَّقْتُك (مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ مَاضٍ إذْ ثَبَتَ فِي ذِهْنِ الْقَائِلِ الْبَيْعُ وَالتَّعْلِيقُ) لِلطَّلَاقِ (وَاللَّفْظُ إخْبَارٌ عَنْهُمَا) أَيْ الْبَيْعِ وَالتَّعْلِيقِ الْكَائِنَيْنِ فِي الذِّهْنِ فَالْقَابِلُ لِلتَّعْلِيقِ بِالتَّحْقِيقِ هُوَ مَا فِي الذِّهْنِ وَاللَّفْظُ إخْبَارٌ عَنْهُ وَإِعْلَامٌ بِهِ (وَأَلْزَمَ امْتِنَاعَ الصِّدْقِ لِأَنَّهُ) أَيْ الصِّدْقُ (بِالْمُطَابَقَةِ وَهِيَ) أَيْ الْمُطَابَقَةُ (بِالتَّعَدُّدِ) أَيْ تَعَدُّدِ مَا فِي الْوَاقِعِ وَالنَّفْسِيِّ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الْكَلَامِ (وَلَيْسَ) هُنَا شَيْءٌ (إلَّا مَا فِي النَّفْسِ وَهُوَ) أَيْ مَا فِي النَّفْسِ (الْمَدْلُولُ) أَيْضًا (فَلَا خَارِجَ) فَلَا مُطَابَقَةَ فَلَا صِدْقَ (وَأُجِيبُ بِثُبُوتِهِ) أَيْ تَعَدُّدِ مَا فِي الْوَاقِعِ وَالنَّفْسِيِّ اعْتِبَارًا (فَمَا فِي النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَا فِي النَّفْسِ (مِنْ حَيْثُ هُوَ فِيهَا) أَيْ فِي النَّفْسِ (فَتُطَابِقُ الْمُتَعَدِّدَ) أَيْ فَيَكُونُ النِّسْبَةُ الْقَائِمَةُ بِالنَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَدْلُولُ اللَّفْظِ مُطَابِقَةً لَهَا لَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ ثَابِتَةٌ فِي النَّفْسِ قَالَ الْمُصَنِّفُ. (وَمَبْنَى هَذَا التَّكَلُّفِ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ (إخْبَارٌ عَمَّا فِي النَّفْسِ) كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ (لَكِنْ الْوِجْدَانُ شَاهِدٌ بِأَنَّ الْكَائِنَ فِيهَا) أَيْ فِي النَّفْسِ (مَا لَمْ يَنْطِقْ لَيْسَ) شَيْئًا (غَيْرَ إرَادَةِ الْبَيْعِ لَا يُعْلَمُ قَوْلُهَا) أَيْ النَّفْسَ (بِعْتُك قَبْلَهُ) أَيْ النُّطْقِ بِهِ (إنَّمَا يَنْطِقُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ بِعْتُك (فَهِيَ إنْشَاءَاتٌ) لَفْظُهَا عِلَّةٌ لِإِيجَادِ مَعْنَاهَا (ثُمَّ يَنْحَصِرُ) الْخَبَرُ (فِي صِدْقٍ إنْ طَابَق) حُكْمُهُ (الْوَاقِعَ) أَيْ الْخَارِجَ الْكَائِنَ لِنِسْبَةِ الْكَلَامِ الْخَبَرِيِّ بِأَنْ كَانَتْ نِسْبَتُهُ الذِّهْنِيَّةُ مُوَافِقَةً لِنِسْبَتِهِ الْخَارِجِيَّةِ فِي الْكَيْفِ بِأَنْ كَانَتَا ثُبُوتِيَّتَيْنِ أَوْ سَلْبِيَّتَيْنِ (وَكَذِبٍ إنْ لَا) تُطَابِقَ نِسْبَتُهُ الذِّهْنِيَّةُ النِّسْبَةَ الْخَارِجِيَّةَ فِي الْكَيْفِ بِأَنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ثُبُوتِيَّةً وَالْأُخْرَى سَلْبِيَّةً سَوَاءٌ اعْتَقَدَ الْمُطَابَقَةَ أَوْ عَدَمَهَا فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَحَصَرَهُ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ (الْجَاحِظُ فِي ثَلَاثَةٍ) الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ (الثَّالِثِ مَا لَا) أَيْ مَا لَيْسَ بِصَادِقٍ (وَلَا) كَاذِبٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ (إمَّا مُطَابِقٌ) لِلْوَاقِعِ (مَعَ الِاعْتِقَادِ) لِلْمُطَابَقَةِ (أَوْ) مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ مَعَ (عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ اعْتِقَادِهَا (أَوْ غَيْرُ مُطَابِقٍ) لِلْوَاقِعِ. (كَذَلِكَ) أَيْ مَعَ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ وَمَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِهَا (الثَّانِي مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْقِسْمَيْنِ وَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ الْمُطَابِقُ مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ وَيَصْدُقُ

بِصُورَتَيْنِ اعْتِقَادِ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِ اعْتِقَادِ شَيْءٍ أَصْلًا وَالثَّانِي مِنْ الثَّانِي غَيْرِ الْمُطَابِقِ مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ وَيَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ أَيْضًا اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِ اعْتِقَادِ شَيْءٍ (لَيْسَ كَذِبًا وَلَا صِدْقًا) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَالْأَوَّلُ مِنْ الْأَوَّلِ صِدْقٌ وَمِنْ الثَّانِي كَذِبٌ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ عَلَى قَوْلِهِ سِتَّةً وَاحِدٌ صِدْقٌ وَوَاحِدٌ كَذِبٌ وَأَرْبَعَةٌ وَاسِطَةٌ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةُ {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] أَيْ جُنُونٌ (حَصَرُوا) أَيْ الْكُفَّارُ (قَوْلَهُ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [سبأ: 7] (فِي الْكَذِبِ وَالْجِنَّةِ فَلَا كَذِبَ مَعَهَا) أَيْ الْجِنَّةِ لِأَنَّهُ قَسِيمُ الْكَذِبِ عَلَى زَعْمِهِمْ وَقَسِيمُ الشَّيْءِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ (وَلَمْ يَعْتَقِدُوا صِدْقَهُ) بَلْ هُمْ جَازِمُونَ بِكَذِبِهِ فَهَذَا حِينَئِذٍ لَيْسَ بِكَذِبٍ وَلَا صِدْقٍ ثُمَّ هُمْ عُقَلَاءُ عَارِفُونَ بِاللُّغَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْخَبَرِ مَا لَيْسَ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا لِيَكُونَ هَذَا مِنْهُمْ بِزَعْمِهِمْ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَالْجَوَابُ حَصَرُوهُ) أَيْ خَبَرَهُ (فِي الِافْتِرَاءِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَالْجِنَّةِ الَّتِي لَا عَمْدَ فِيهَا فَهُوَ) أَيْ حَصْرُهُمْ خَبَرَهُ إنَّمَا هُوَ (فِي كَذِبٍ عَمْدٍ وَغَيْرِ عَمْدٍ) أَيْ فِي نَوْعَيْهِ الْمُتَبَايِنَيْنِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَتَنَوَّعُ إلَيْهِمَا قَوْله تَعَالَى {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل: 39] وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» (أَوْ) حَصَرُوهُ (فِي تَعَمُّدِهِ) أَيْ الْكَذِبَ (وَعَدَمِ الْخَبَرِ) لِخُلُوِّهِ عَنْ الْقَصْدِ وَالشُّعُورِ الْمُعْتَدِّ بِهِ عَلَى مَا هُوَ حَالُ الْمَجْنُونِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي تَحَقُّقِ حَقِيقَةِ الْكَلَامِ فَضْلًا عَنْ الْخَبَرِ فَهُوَ حُصِرَ فِي فَرْدٍ لِلشَّيْءِ وَنَقِيضِ ذَلِكَ الشَّيْءِ (وَقَوْلُ عَائِشَةَ فِي ابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا كَذَبَ وَلَكِنَّهُ وَهَمَ) وَعَزَاهُ السُّبْكِيُّ إلَى الصَّحِيحَيْنِ. (تُرِيدُ) مَا كَذَبَ (عَمْدًا) وَلَيْسَ لَفْظُ مَا كَذَبَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي أَحَدِهِمَا وَإِنَّمَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ وَهَمَ إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ مَاتَ يَهُودِيًّا أَنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبَ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ» ثُمَّ قَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْمُوَطَّأِ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ النَّظَّامُ وَمُوَافِقُوهُ (الصِّدْقُ مُطَابَقَةُ الِاعْتِقَادِ) وَإِنْ كَانَ الِاعْتِقَادُ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ (وَالْكَذِبُ عَدَمُهَا) أَيْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ وَإِنْ كَانَ الِاعْتِقَادُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فَهُوَ كَمَا قَالَ (فَالْمُطَابِقُ) لِلْوَاقِعِ (كَذِبٌ إذَا اعْتَقَدَ عَدَمَهَا) أَيْ الْمُطَابَقَةِ لِلْوَاقِعِ وَالْمُخَالِفُ لِلْوَاقِعِ صِدْقٌ إذَا اعْتَقَدَ مُطَابَقَتَهُ لَهُ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ عِنْدَهُ أَيْضًا لِأَنَّ مَا لَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ كَاذِبٌ كَانَ هُنَاكَ اعْتِقَادٌ أَوْ لَا (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] فِي قَوْلِهِمْ {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ دُونَ اعْتِقَادِهِمْ (أُجِيبَ) بِأَنَّ التَّكْذِيبَ إنَّمَا هُوَ (فِي الشَّهَادَةِ لِعَدَمِ الْمُوَاطَأَةِ) أَيْ مُوَافَقَةِ اللِّسَانِ الْقَلْبَ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى خَبَرٍ ضِمْنِيٍّ يُشْعِرُ بِهِ تَأْكِيدُهُمْ كَلَامَهُمْ بِأَنَّ وَاللَّامِ وَكَوْنِ الْجُمْلَةِ اسْمِيَّةٌ وَهُوَ أَنَّ إخْبَارَنَا هَذَا صَادِرٌ عَنْ صَمِيمِ قُلُوبِنَا وَخُلُوصِ اعْتِقَادِنَا وَوُفُورِ رَغْبَتِنَا وَنَشَاطِنَا لَا إلَى خَبَرِهِمْ الْمَذْكُورِ صَرِيحًا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون: 1] (أَوْ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ) الشَّهَادَةُ (مِنْ الْعِلْمِ) لِأَنَّ مَنْ قَالَ أَشْهَدُ بِكَذَا تَضَمَّنَ إنِّي أَقُولُهُ عَنْ عِلْمٍ وَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِمُجَرَّدِهَا تَحْتَمِلُ الْعِلْمَ وَالزُّورَ وَتَقَيُّدُهُمَا لُغَةٌ أَوْ فِي دَعْوَاهُمْ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْغَيْبَةِ وَالْحُضُورِ بِشَهَادَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُنْبِئِ عَنْ الِاسْتِمْرَارِ أَوْ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَكِنْ لَا فِي الْوَاقِعِ بَلْ فِي زَعْمِهِمْ الْفَاسِدِ وَاعْتِقَادِهِمْ الْبَاطِلِ حَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ قَوْمٌ شَأْنُهُمْ الْكَذِبُ وَإِنْ صَدَقُوا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ. (وَالْمُوجِبُ لِهَذَا) التَّأْوِيلِ (وَمَا قَبْلَهُ) مِنْ تَأْوِيلِ قَوْلِ عَائِشَةَ (الْقَطْعُ مِنْ اللُّغَةِ بِالْحُكْمِ بِصِدْقِ قَوْلِ الْكَافِرِ كَلِمَةَ الْحَقِّ) كَالْإِسْلَامِ حَقٌّ لِكَوْنِهِ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ مَعَ عَدَمِ مُطَابَقَةِ اعْتِقَادِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ لِمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ دُونَ الِاعْتِقَادِ وَمَا ذَكَرَهُ الْفَرِيقَانِ ظُنُونٌ وَالْقَطْعِيُّ لَا يُتْرَكُ بِالظَّنِّيِّ بَلْ بِالْعَكْسِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ وَإِلَّا كَانَ يُدْفَعُ بِأَنَّ التَّأْوِيلَ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ الصِّدْقُ الْمُطَابَقَةُ الْخَارِجِيَّةُ مَعَ اعْتِقَادِهَا فَإِنَّ فَقْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ صَدَقَ فَقْدُ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ بِاعْتِقَادِ عَدَمِهَا أَمْ

بِعَدَمِ اعْتِقَادِ شَيْءٍ فَكَذِبٌ وَإِنَّ فَقْدَ أَحَدِهِمَا يُوصَفُ بِالصِّدْقِ مِنْ حَيْثُ مُطَابَقَتُهُ لِلِاعْتِقَادِ أَوْ لِلْخَارِجِ وَبِالْكَذِبِ مِنْ حَيْثُ انْتِفَاءُ الْمُطَابَقَةِ لِلْخَارِجِ أَوْ اعْتِقَادُهَا فِيهِ وَفِي الْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ وَقِيلَ إنْ طَابَقَ فَصِدْقٌ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ فَإِنْ عَلِمَ الْمُتَكَلِّمُ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فَكَذِبٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَخَطَأٌ لَا كَذِبٌ وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] لِأَنَّهُمْ نَسَبُوهُ إلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي إخْبَارِهِ عَنْ الْبَعْثِ عَنْ غَيْرِ عَمْدِ الْكَذِبِ فَصَارَ فِي خِطَابِهِ كَذِي الْجِنَّةِ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ انْتَهَى قُلْت وَيُوَافِقُهُ ظَاهِرًا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ (وَيَنْقَسِمُ) الْخَبَرُ (بِاعْتِبَارٍ آخَرَ) أَيْ الْحُكْمِ بِالْقَطْعِ بِصِدْقِهِ وَعَدَمِهِ (إلَى مَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ ضَرُورَةً) إمَّا بِنَفْسِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَهُوَ الْمُتَوَاتِرُ فَإِنَّهُ بِنَفْسِهِ يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِمَضْمُونِهِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ أَيْ اُسْتُفِيدَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِمَضْمُونِهِ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُهُ مَعْلُومًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ نَحْوُ الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ (أَوْ نَظَرًا كَخَبَرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) وَأَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَخَبَرِ مَنْ ثَبَتَ بِأَحَدِهَا صِدْقُهُ بِأَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ أَوْ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ بِصِدْقِهِ وَخَبَرِ مَنْ وَافَقَ خَبَرُهُ دَلِيلَ الْعَقْلِ فِي الْقَطْعِيَّاتِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ عِلْمُ وُقُوعِ مَضْمُونِهِ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَهُوَ الْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَةُ عَلَى صِدْقِ اللَّهِ وَصِدْقِ رَسُولِهِ وَعِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنْ الْكَذِبِ وَعَلَى أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلصَّادِقِ صَادِقٌ (أَوْ) مَا يُعْلَمُ (كَذِبُهُ بِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ) أَيْ مَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ ضَرُورَةً كَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ ضِعْفُ الِاثْنَيْنِ أَوْ نَظَرًا كَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ (وَمَا يَظُنُّ أَحَدُهُمَا) أَيْ صِدْقَهُ أَوْ كَذِبَهُ (كَخَبَرِ الْعَدْلِ) لِرُجْحَانِ صِدْقِهِ عَلَى كَذِبِهِ (وَالْكَذُوبِ) لِرُجْحَانِ كَذِبِهِ عَلَى صِدْقِهِ (أَوْ يَتَسَاوَيَانِ) أَيْ الِاحْتِمَالَانِ (كَالْمَجْهُولِ) أَيْ كَخَبَرِ مَجْهُولِ الْحَالِ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ فِي الْعَدَالَةِ وَعَدَمِهَا وَلَمْ يَشْتَهِرْ أَمْرُهُ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنَّ الْجَهْلَ بِحَالِهِ يُوجِبُ تَسَاوِي الِاحْتِمَالَيْنِ. (وَمَا قِيلَ مَا لَمْ يَعْلَمْ صِدْقَهُ يَعْلَمْ كَذِبَهُ) وَإِلَّا لَنُصِبَ عَلَى صِدْقِهِ دَلِيلٌ (كَخَبَرِ مُدَّعِي الرِّسَالَةَ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ صِدْقًا دَلَّ عَلَيْهِ بِالْمُعْجِزَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَى هَذَا بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ (بَاطِلٌ لِلُزُومِ ارْتِفَاعِ النَّقِيضَيْنِ فِي إخْبَارِ مَسْتُورَيْنِ بِنَقِيضَيْنِ) مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ أَحَدِهِمَا لِلُزُومِ كَذِبِهِمَا قَطْعًا وَيَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَهُمَا لِأَنَّ كَذِبَ كُلٍّ مِنْ النَّقِيضَيْنِ يَسْتَلْزِمُ صِدْقَ الْآخَرِ (وَلُزُومُ الْحُكْمِ بِكُفْرِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَلِمَةَ الْحَقِّ وَلَا يُعْلَمُ صِدْقُهُمْ بِقَاطِعٍ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالضَّرُورَةِ (بِخِلَافِ أَهْلِ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ) مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَلْزَمُ الْحُكْمُ بِكُفْرِهِمْ إذَا أَتَوْا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْعَدَالَةَ (دَلِيلٌ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالْعِلْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ الَّذِي فِي قَوْلِهِ وَمَا قِيلَ مَا لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ يُعْلَمْ كَذِبُهُ (الظَّنُّ) غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ فِيمَا يَظْهَرُ بَلْ الْوَجْهُ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ ثُمَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالْعِلْمِ الْأَوَّلِ الظَّنُّ (وَإِلَّا) لَوْ أَرَادَ بِهِ الْقَطْعَ (بَطَلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ) لِأَنَّهُ يُفِيدُ الظَّنَّ لَا الْقَطْعَ إلَّا مِنْ خَارِجٍ (وَلَا يَقُولُهُ) أَيْ بُطْلَانَ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (ظَاهِرِيٌّ فَلَا يَتِمُّ إلْزَامُ كُفْرِ كُلِّ مُسْلِمٍ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِتَرَجُّحِ صِدْقِ خَبَرِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُسْلِمٌ عَلَى كَذِبِهِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ فَيُعْلَمُ كَذِبُهُ فَيَلْزَمُ اللَّازِمُ الْمَذْكُورُ لِفَرْضِ أَنَّهُ عُلِمَ صِدْقُهُ أَيْ ظُنَّ، وَالْعِلْمُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الظَّنِّ كَمَا بِالْعَكْسِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ لُزُومُ ارْتِفَاعِ النَّقِيضَيْنِ ظَنًّا. وَأَمَّا تَمَسُّكُهُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحُكْمِ بِكَذِبِ مُدَّعِي الرِّسَالَةَ بِلَا دَلِيلٍ عَلَيْهَا فَجَوَابُهُ (وَالْحُكْمُ بِكَذِبِ الْمُدَّعِي) الرِّسَالَةَ بِلَا مُعْجِزَةٍ (بِدَلِيلِهِ) أَيْ التَّكْذِيبِ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ عَنْ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَهِيَ تَقْضِي بِكَذِبِ مَنْ يَدَّعِي مَا يُخَالِفُهَا بِلَا دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ لَا تَقْضِي بِكَذِبِهِ مِنْ غَيْرِ مُقْتَضٍ فَالْقِيَاسُ فَاسِدٌ تَنْبِيهٌ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ بِكَذِبِ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ بِلَا دَلِيلٍ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعِيٌّ قَالَ السُّبْكِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ صِدْقَهُ هَذَا وَمُدَّعِي النُّبُوَّةِ أَيْ الْإِيحَاءِ إلَيْهِ فَقَطْ لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْمُرَادَ مُدَّعِيهَا قَبْلَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) يَنْقَسِمُ الْخَبَرُ (بِاعْتِبَارٍ آخَرَ) أَيْ السَّنَدِ (إلَى مُتَوَاتِرٍ وَآحَادٍ فَالْمُتَوَاتِرُ) لُغَةً الْمُتَتَابِعُ عَلَى التَّرَاخِي وَاصْطِلَاحًا (خَبَرُ جَمَاعَةٍ يُفِيدُ الْعِلْمَ لَا بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ) عَنْهُ بَلْ بِنَفْسِهِ فَخَبَرُ جِنْسٌ شَامِلٌ لَهُ وَلِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَجَمَاعَةٍ تَخْرُجُ بَعْضُ أَفْرَادِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ خَبَرُ الْفَرْدِ، وَ (يُفِيدُ الْعِلْمَ) يَخْرُجُ

مَا كَانَ مِنْ خَبَرِ الْآحَادِ خَبَرُ جَمَاعَةٍ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْعِلْمِ وَلَا بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ عَمَّا يُفِيدُهُ مِنْ إخْبَارِ جَمَاعَةٍ بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَقْلِيَّةً كَخَبَرِ جَمَاعَةٍ بِأَنَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ وَخَبَرِ جَمَاعَةٍ مُوَافِقٍ كَخَبَرِ اللَّهِ وَخَبَرِ رَسُولِهِ أَوْ حِسِّيَّةً كَخَبَرِ جَمَاعَةٍ عَنْ عَطَشِهِمْ وَجُوعِهِمْ بِشَهَادَةِ آثَارِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَوْ عَادِيَّةً كَخَبَرِ جَمَاعَةٍ عَنْ مَوْتِ وَالِدِهِمْ مَعَ شَقِّ الْجُيُوبِ وَضَرْبِ الْخُدُودِ وَالتَّفَجُّعِ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ لَا تَكُونُ مُتَوَاتِرَةً (بِخِلَافِ مَا يَلْزَمُ) مِنْ الْقَرَائِنِ (نَفْسَهُ) أَيْ الْخَبَرَ مِثْلَ الْهَيْئَاتِ الْمُقَارِنَةِ لَهُ الْمُوجِبَةِ لِتَحْقِيقِ مَضْمُونِهِ (أَوْ الْمُخْبِرَ) أَيْ الْمُتَكَلِّمَ مِثْلَ كَوْنِهِ مَوْسُومًا بِالصِّدْقِ مُبَاشِرًا لِلْأَمْرِ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ (أَوْ الْمُخْبَرَ عَنْهُ) أَيْ الْوَاقِعَةَ الَّتِي أَخْبَرُوا عَنْ وُقُوعِهَا كَكَوْنِهَا أَمْرًا قَرِيبَ الْوُقُوعِ أَوْ بَعِيدَهُ فَإِنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ بِمَعُونَةِ مِثْلِ هَذِهِ الْقَرَائِنِ لَا تَقْدَحُ فِي التَّوَاتُرِ (وَعَنْهُ) أَيْ هَذَا اللَّازِمِ (يَتَفَاوَتُ عَدَدُهُ) أَيْ الْمُتَوَاتِرُ حَتَّى إنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إذَا كَانَ قَرِيبَ الْوُقُوعِ يَحْصُلُ بِإِخْبَارِ عَدَدٍ أَقَلَّ مِنْ عَدَدِ بَعِيدِهِ. (وَمَنَعَتْ السُّمَنِيَّةُ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ فِرْقَةٌ مِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى سُومَنَاتٍ بَلَدٍ مَشْهُورٍ بِالْهِنْدِ وَالْبَرَاهِمَةُ وَهُمْ طَائِفَةٌ لَا يُجَوِّزُونَ عَلَى اللَّهِ بِعْثَةَ الرُّسُلِ (إفَادَتَهُ الْعِلْمَ وَهُوَ) أَيْ مَنْعُهُمْ (مُكَابَرَةٌ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِوُجُودِ نَحْوِ مَكَّةَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْخُلَفَاءِ) بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا نَقْطَعُ بِالْمَحْسُوسَاتِ عِنْدَ الْإِحْسَاسِ بِهَا بِلَا تَفْرِقَةٍ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَعُودُ إلَى الْجَزْمِ فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا قَطْعِيًّا عَلَى إفَادَةِ هَذَا الْخَبَرِ الْعِلْمَ (وَتَشْكِيكُهُمْ) أَيْ السُّمَنِيَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ (بِأَنَّهُ كَأَكْلِ الْكُلِّ طَعَامًا) أَيْ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَادَةً (وَأَنَّ الْجَمِيعَ) مُرَكَّبٌ (مِنْ الْآحَادِ) بَلْ هُوَ نَفْسُ الْآحَادِ (وَكُلٌّ) مِنْهُمْ (لَا يَعْلَمُ خَبَرَهُ) أَيْ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ (فَكَذَا الْكُلُّ) وَإِلَّا انْقَلَبَ الْمُمْكِنُ مُمْتَنِعًا وَهُوَ مُحَالٌ (وَبِلُزُومِ تَنَاقُضِ الْمَعْلُومَيْنِ إذَا أَخْبَرَ جَمْعَانِ كَذَلِكَ) أَيْ يُفِيدُ خَبَرُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْعِلْمَ بِنَفْسِهِ (بِهِمَا) أَيْ بِذَيْنِك الْمَعْلُومَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ كَمَا إذَا أَخْبَرَ أَحَدُ الْجَمْعَيْنِ بِمَوْتِ زَيْدٍ فِي وَقْتِ كَذَا وَالْجَمْعُ الْآخَرُ بِحَيَاتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ بَاطِلٌ (وَ) بِلُزُومِ (صِدْقِ الْيَهُودِ فِي) نَقْلِهِمْ عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (لَا نَبِيَّ بَعْدِي) لِأَنَّهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ يُفِيدُ الْعِلْمَ خَبَرُهُمْ وَهُوَ بَاطِلٌ لِمُنَافَاتِهِ ثُبُوتَ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ. (وَ) بِلُزُومِ (عَدَمِ الْخِلَافِ) فِيهِ نَفْسَهُ حَيْثُ قُلْتُمْ يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ (وَبِأَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ الْعِلْمِ الَّذِي يُفِيدُهُ الْمُتَوَاتِرُ (وَغَيْرِهِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ ضَرُورَةَ) حَتَّى لَوْ عَرَضْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وُجُودَ جَالِينُوسَ وَكَوْنَ الْوَاحِدِ نِصْفَ الِاثْنَيْنِ وَجَدْنَا الثَّانِيَ أَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ بِالضَّرُورَةِ وَلَوْ حَصَلَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِالْمُتَوَاتِرِ لَمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْبَدِيهِيَّاتِ وَالْمَحْسُوسَاتِ لِأَنَّ الضَّرُورِيَّاتِ لَا تَخْتَلِفُ فِي الْجَزْمِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ النَّقِيضِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهَا (تَشْكِيكٍ فِي ضَرُورَةٍ) فَلَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ (وَأَبْعَدُهَا) أَيْ هَذِهِ التَّشْكِيكَاتِ (الْأَوَّلُ) وَهُوَ كَوْنُهُ كَاجْتِمَاعِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ عَلِمَ وُقُوعَ الْعِلْمِ بِالْمُتَوَاتِرِ مِنْ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ وَالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْإِمْكَانِ فَدَلَّ عَلَى إمْكَانِ اجْتِمَاعِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى خَبَرٍ وَاحِدٍ وَالْفَرْقُ وُجُودُ الدَّاعِي عَادَةً وَعَدَمُهُ عَادَةً ثَمَّةَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَمْزِجَةِ وَالشَّهَوَاتِ مُؤَثِّرٌ فِي اخْتِلَافِ الدَّاعِي إلَى الْمَأْكُولِ وَغَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي اخْتِلَافِهِ إلَى الْإِخْبَارِ إذْ لَا تَعَلُّقَ لِلْمِزَاجِ فِيهِ وَإِنَّمَا تَعَلُّقُهُ بِوُقُوعِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ فَلَا بُعْدَ فِي وُقُوعِهِ وَاطِّلَاعِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ عَلَيْهِ فَيَدْعُوهُمْ إلَى نَقْلِهِ (وَإِنَّمَا خُيِّلَ) أَيْ ظَنَّ هَذَا (فِي الْإِجْمَاعِ عَنْ) دَلِيلٍ (ظَنِّيٍّ) كَمَا سَيَأْتِي مَعَ جَوَابِهِ فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ (وَاخْتِلَافُ حَالِ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ ضَرُورِيٌّ) أَلَا يَرَى أَنَّ الْوَاحِدَ جُزْءٌ مِنْ الْعَشَرَةِ وَلَيْسَتْ الْعَشَرَةُ جُزْءًا مِنْ نَفْسِهَا وَلِمَجْمُوعِ طَاقَاتِ الْحَبْلِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا لَيْسَ لِطَاقَةٍ أَوْ طَاقَتَيْنِ مِنْهَا وَلِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَا مَا لَيْسَ لِمَا دُونَهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ أَمْرٍ لِكُلٍّ مِنْ الْآحَادِ عَلَى انْفِرَادِ ثُبُوتِهِ لِجُمْلَتِهَا وَلَا يَلْزَمُ الِانْقِلَابُ لِأَنَّ الْمُتَوَاتِرَ قَابِلٌ لِلْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ بِاعْتِبَارِ اجْتِمَاعِ النَّقَلَةِ إلَى حَدٍّ يَمْنَعُ الْعَقْلُ تَوَافُقَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ وَالْمُمْكِنُ لِذَاتِهِ قَدْ يَصِيرُ مُمْتَنِعًا. (وَالثَّالِثُ) أَيْ لُزُومُ تَنَاقُضِ مَعْلُومَيْنِ بِخَبَرَيْنِ مُتَوَاتِرَيْنِ بِهِمَا (فَرْضٌ مُمْتَنِعٌ) عَادَةً فَلَا

يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (وَأَخْبَارُ الْيَهُودِ آحَادُ الْأَصْلِ) لِأَنَّ الْيَهُودَ قَلُّوا فِي زَمَانِ بُخْتَ نَصَّرَ لِقَتْلِهِ إيَّاهُمْ فَفَاتَ شَرْطُ التَّوَاتُرِ فِيهِ وَهُوَ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَاسِطَةِ وَلِأَنَّ الْقَاطِعَ دَلَّ عَلَى كَذِبِهِمْ فِيمَا نَقَلُوا وَالْخَبَرُ إنَّمَا يَكُونُ مُتَوَاتِرًا إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُ قَاطِعٌ (وَقَدْ يُخَالِفُ فِي الضَّرُورِيِّ مُكَابَرَةٌ كَالسُّوفِسْطَائِيَّةِ) فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ وَيَزْعُمُ أَنَّهَا خَيَالَاتٌ بَاطِلَةٌ وَهُمْ الْعَنَانِيَّةُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ ثُبُوتَهَا وَيَزْعُمُ أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلِاعْتِقَادَاتِ حَتَّى لَوْ اعْتَقَدَ الْمُعْتَقِدُ الْعَرَضَ جَوْهَرًا وَالْجَوْهَرَ عَرَضًا فَالْأَمْرُ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ وَهُمْ الْعِنْدِيَّةُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ الْعِلْمَ بِثُبُوتِ شَيْءٍ وَلَا ثُبُوتَهُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ شَاكٌّ وَشَاكٌّ فِي أَنَّهُ شَاكٌّ وَهَلُمَّ جَرَّا وَهُمْ اللَّا أَدْرِيَّةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُكَابَرَةٌ مِنْهُمْ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ الْحَقُّ أَنْ لَا طَرِيقَ إلَى مُنَاظَرَتِهِمْ خُصُوصًا اللَّا أَدْرِيَّةُ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَرِفُونَ بِمَعْلُومٍ لِيَثْبُتَ بِهِ مَجْهُولٌ بَلْ الطَّرِيقُ تَعْذِيبُهُمْ بِالنَّارِ لِيَعْتَرِفُوا أَوْ يَحْتَرِقُوا وَسُوفُسْطَا اسْمٌ لِلْحِكْمَةِ الْمُمَوَّهَةِ وَالْعِلْمِ الْمُزَخْرَفِ، وَيُقَالُ سَفَطَ فِي الْكَلَامِ إذَا النَّطْرُونِيُّ وَسَفْسَطَ الرَّجُلُ إذَا تَجَاهَلَ فَسُمُّوا بِهَذَا الِاسْمِ لِهَذَيَانِهِمْ أَوْ تَجَاهُلِهِمْ فَانْتَفَى التَّشْكِيكُ الْخَامِسُ. (وَالْفَرْقُ) بَيْنَ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِالتَّوَاتُرِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ إنَّمَا هُوَ (فِي السُّرْعَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْجَلَاءِ وَالْخَفَاءِ) بِوَاسِطَةِ التَّفَاوُتِ فِي الْإِلْفِ وَالْعَادَةِ وَالْمُمَارَسَةِ وَالْإِخْطَارِ بِالْبَالِ وَتَصَوُّرَاتِ أَطْرَافِ الْأَحْكَامِ (لَا) لِلِاخْتِلَافِ (فِي الْقَطْعِ) بِوَاسِطَةِ احْتِمَالِ النَّقِيضِ وَالْأَوَّلُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الضَّرُورَةِ وَالثَّانِي مُنْتَفٍ فَانْتَفَى التَّشْكِيكُ السَّادِسُ (ثُمَّ الْجُمْهُورُ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ (عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ ضَرُورِيٌّ) لِحُصُولِهِ بِلَا نَظَرٍ وَلَا كَسْبٍ (وَالْكَعْبِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ) قَالَا هُوَ (نَظَرِيٌّ وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ قَالُوا) أَيْ النَّظَرِيُّونَ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِالتَّوَاتُرِ (يَحْتَاجُ إلَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ) لِيَرْكَبَا عَلَى وَجْهٍ مُنْتَجٍ هَكَذَا (الْمُخْبَرُ عَنْهُ مَحْسُوسٌ فَلَا يُشْتَبَهُ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا إشَارَةً إلَى وَجْهِ اشْتِرَاطِ الْإِسْنَادِ إلَى الْحِسِّ لِأَنَّ الْعَقْلِيَّ قَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى الْجَمْعِ الْكَثِيرِ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ (وَلَا دَاعِيَ لَهُمْ) أَيْ لِلْجَمَاعَةِ الْمُخْبِرِينَ (إلَى الْكَذِبِ) لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ (وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ مَحْسُوسٌ غَيْرُ مُشْتَبَهٍ وَلَا دَاعِيَ لِمُخْبِرٍ بِهِ إلَى الْكَذِبِ (صِدْقٌ) فَهَذَا الْخَبَرُ صِدْقٌ وَلَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا لَمَا احْتَاجَ إلَيْهِمَا (قُلْنَا احْتِيَاجُهُ) أَيْ الْعِلْمِ بِخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ (إلَى سَبْقِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ) أَيْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَتَرْتِيبِهِمَا عَلَى وَجْهٍ مُنْتَجٍ (مَمْنُوعٌ فَإِنَّا نَعْلَمُ عِلْمَنَا بِوُجُودِ بَغْدَادَ مِنْ غَيْرِ خُطُورِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) بِالْبَالِ حَتَّى إنَّ ذَلِكَ يَعْلَمُهُ مَنْ لَيْسَ يَعْلَمُ تَرْتِيبَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ مِنْ الصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ (فَكَانَ) الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ (مَخْلُوقًا عِنْدَهُ) أَيْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ لِسَامِعِهِ (بِالْعَادَةِ وَإِمْكَانِ صُورَةِ التَّرْتِيبِ) لِلْمُقَدَّمَتَيْنِ فِيهِ (لَا يُوجِبُ النَّظَرِيَّةَ) لِلْعِلْمِ الْحَاصِلِ مِنْهُ (لِإِمْكَانِهِ) أَيْ تَرْتِيبِهِمَا (فِي أَجْلَى الْبَدِيهِيَّاتِ كَالْكُلِّ أَعْظَمُ مِنْ جُزْئِهِ) بِأَنْ يُقَالَ الْكُلُّ فِيهِ جُزْءٌ آخَرُ غَيْرُ جُزْئِهِ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ أَعْظَمُ. (وَمَرْجِعُ الْغَزَالِيِّ) حَيْثُ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِالتَّوَاتُرِ ضَرُورِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشُّعُورِ بِتَوَسُّطِ وَاسِطَةٍ مُفْضِيَةٍ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْوَاسِطَةَ حَاضِرَةٌ فِي الذِّهْنِ وَلَيْسَ ضَرُورِيًّا بِمَعْنَى أَنَّهُ حَاصِلٌ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ كَقَوْلِنَا الْمَوْجُودُ لَا يَكُونُ مَعْدُومًا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ مُقَدِّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ هَؤُلَاءِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ جَامِعٌ وَالثَّانِيَةِ أَنَّهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ الْوَاقِعَةِ لَكِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ بِلَفْظٍ مَنْظُومٍ وَلَا إلَى الشُّعُورِ بِتَوَسُّطِهِمَا وَإِفْضَائِهِمَا إلَيْهِ (إلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُتَوَاتِرُ (مِنْ قَبِيلِ الْقَضَايَا الَّتِي قِيَاسَاتُهَا مَعَهَا) كَالْعَشَرَةِ نِصْفُ الْعِشْرِينَ (وَظَهَرَ) مِنْ قَوْلِنَا نَعْلَمُ عِلْمَنَا بِوُجُودِ بَغْدَادَ إلَى آخِرِهِ (عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ قَوْلِهِ أَيْ بُطْلَانُ قَوْلِهِ (قَالُوا) أَيْ الْمُنْكِرُونَ لِضَرُورَتِهِ (لَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا عُلِمَ ضَرُورِيَّتُهُ بِالضَّرُورَةِ) لِأَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ لِلْإِنْسَانِ وَلَا يَشْعُرُ بِالْعِلْمِ وَلَا بِكَيْفِيَّةِ حُصُولِهِ مُحَالٌ وَحِينَئِذٍ (فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ) لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَلَيْسَ ضَرُورِيًّا (قُلْنَا) أَوَّلًا مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ (لَوْ كَانَ نَظَرِيًّا عُلِمَ نَظَرِيَّتُهُ بِالضَّرُورَةِ) لِمَا ذَكَرْتُمْ (وَالْحِلُّ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ الشُّعُورُ بِصِفَتِهِ) الَّتِي هِيَ الضَّرُورَةُ لِإِمْكَانِ كَوْنِ الشَّيْءِ مَعْلُومًا وَلَا تَكُونُ صِفَتُهُ مَعْلُومَةً قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُمْ) أَيْ الْمُنْكِرِينَ

لِلضَّرُورَةِ (لَمْ يُلْزِمُوا) أَهْلَ الضَّرُورَةِ (مِنْ الشُّعُورِ بِهِ) أَيْ الْعِلْمِ (الشُّعُورَ بِصِفَتِهِ) أَيْ الْعِلْمِ (بَلْ أَلْزَمُوا كَوْنَ الْعِلْمِ بِهَا) أَيْ بِصِفَتِهِ (ضَرُورِيًّا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ) أَيْ الْعِلْمِ بِهَا (ضَرُورِيًّا الشُّعُورُ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا (بَلْ الضَّرُورَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْحُصُولَ بِوَجْهٍ إذْ يَتَوَقَّفُ) الشُّعُورُ بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا (عَلَى تَوَجُّهِ النَّفْسِ وَتَطْبِيقِ مَفْهُومِ الضَّرُورِيِّ الْمَشْهُورِ) وَهُوَ كَوْنُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَكَسْبٍ (وَلَيْسَ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ تَوَجُّهِ النَّفْسِ وَتَطْبِيقِ مَفْهُومِ الضَّرُورِيِّ (نَظَرِيًّا بَلْ الْجَوَابُ مَنْعُ انْتِفَاءِ التَّالِي) وَهُوَ عِلْمُ ضَرُورِيَّتِهِ بِالضَّرُورَةِ (وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ) آنِفًا حَيْثُ قَالَ قُلْنَا احْتِيَاجُهُ إلَى سَبْقِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ مَمْنُوعٌ (وَالْحَقُّ أَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تُوجِبُ عَدَمَ الِاخْتِلَافِ) كَمَا سَلَفَ قَرِيبًا (فَقَدْ يَنْشَأُ) الِاخْتِلَافُ (لَا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ بَلْ مِنْ الْغَلَطِ بِظَنِّ كُلٍّ مُتَوَقِّفٍ) عَلَى غَيْرِهِ نَظَرِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَقَدْ انْتَظَمَ الْجَوَابُ) الْقَائِلُ احْتِيَاجُهُ إلَى سَبْقِ الْعِلْمِ مَمْنُوعٌ إلَخْ (دَلِيلَ الْمُخْتَارِ) وَهُوَ أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ. (وَشُرُوطُ الْمُتَوَاتِرِ) الصَّحِيحَةُ فِي الْمُخْبِرِينَ ثَلَاثَةٌ (تَعَدُّدُ النَّقَلَةِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ التَّوَاطُؤَ عَادَةً) عَلَى الْكَذِبِ فَهَذَا أَحَدُهَا (وَالِاسْتِنَادُ) فِي إخْبَارِهِمْ (إلَى الْحِسِّ) أَيْ إحْدَى الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ لَا إلَى الْعَقْلِ وَتَقَدَّمَ وَجْهُهُ وَهَذَا ثَانِيهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ) الِاسْتِنَادُ إلَى الْحِسِّ (فِي كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ فِي اشْتِرَاطِ الْقَاضِي وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِمَا أَخْبَرُوا بِهِ لَا ظَانِّينَ فِيهِ، غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الْجَمِيعُ فَبَاطِلٌ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُخْبِرِينَ مُقَلِّدًا فِيهِ أَوْ ظَانًّا أَوْ مُجَازِفًا قَالَ السُّبْكِيُّ وَعِنْدِي هُنَا وَقْفَةٌ فَقَدْ يُقَالُ الْعِلْمُ لَا يَحْصُلُ إلَّا إذَا عَلِمَ الْكُلَّ (وَاسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ فِي ذَلِكَ) أَيْ التَّعَدُّدِ وَالِاسْتِنَادِ لِأَنَّ أَهْلَ كُلِّ طَبَقَةٍ لَهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ فَيُشْتَرَطُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِمْ (وَالْعِلْمُ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ أَوَّلًا (شَرْطُ الْعِلْمِ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ (عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ) أَيْ عِلْمَ الْمُتَوَاتِرِ (نَظَرِيًّا) لِأَنَّهُ الطَّرِيقُ إلَيْهِ (وَعِنْدَنَا) الْعِلْمُ بِالشُّرُوطِ (بَعْدَهُ) أَيْ الْعِلْمِ بِالتَّوَاتُرِ بِخَلْقِ اللَّهِ إيَّاهُ عِنْدَ سَمَاعِهِ (عَادَةً) فَإِنَّ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ عِلْمًا مِنْهُ عِلْمُ وُجُودِ الشَّرَائِطِ وَإِلَّا فَلَا، فَهِيَ شُرُوطٌ لَهُ لَا يَتَحَقَّقُ هُوَ فِي نَفْسِهِ إلَّا بَعْدَهَا لَا شَرْطُ الْعِلْمِ بِهِ وَكَيْفَ لَا (وَقَدْ) يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ مِنْهُ وَحَالُهُ أَنَّهُ (لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا) أَيْ الشُّرُوطِ بَلْ هُوَ ذَاهِلٌ عَنْ مُلَاحَظَتِهَا وَأَيْضًا لَوْ كَانَ سَبْقُ الْعِلْمِ بِالشُّرُوطِ ضَابِطًا لِحُصُولِ الْعِلْمِ لَمَا اخْتَلَفَ حُصُولُهُ عِنْدَ وُجُودِهَا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبْقُ الْعِلْمِ يُوجِبُ حُصُولَهُ لِقَوْمٍ بِوَاقِعَةٍ لَا لِغَيْرِهِمْ فِيهَا وَلَا لَهُمْ فِي غَيْرِهَا (وَلَا يَتَعَيَّنُ عَدَدٌ) مَخْصُوصٌ يَتَوَقَّفُ حُصُولُ التَّوَاتُرِ عَلَيْهِ (وَقِيلَ) يَتَعَيَّنُ فَقِيلَ (أَقَلُّهُمْ خَمْسَةٌ) لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الزِّنَى تَجِبُ تَزْكِيَتُهُمْ لِإِفَادَةِ خَبَرِهِمْ الظَّنَّ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يُفِيدُ الْيَقِينَ ثُمَّ بِالْأَوْلَى مَا دُونَهَا وَالْإِصْطَخْرِيُّ عَشَرَةٌ لِأَنَّ مَا دُونَهَا جَمْعُ الْآحَادِ فَاخْتَصَّ بِأَخْبَارِهَا وَالْعِشْرِينَ فَمَا زَادَ جَمْعُ الْكَثْرَةِ (وَاثْنَا عَشَرَ) كَعَدَدِ نُقَبَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمَبْعُوثِينَ طَلِيعَةً لَهُمْ إلَى الْجَبَابِرَةِ وَالْكَنْعَانِيِّينَ بِالشَّامِ فَإِنَّ كَوْنَهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. (وَعِشْرُونَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] فَيَتَوَقَّفُ بَعْثُ عِشْرِينَ لِمِائَتَيْنِ عَلَى إخْبَارِهِمْ بِصَبْرِهِمْ وَكَوْنِهِمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلَ ذَلِكَ (وَأَرْبَعُونَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا كَمَّلَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِخْبَارُ اللَّهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَافُو النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَدْعِي إخْبَارَهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ وَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَسَبْعُونَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: 155] أَيْ لِلِاعْتِذَارِ إلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَسَمَاعِهِمْ كَلَامَهُ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ لِيُخْبِرُوا قَوْمَهُمْ بِمَا يَسْمَعُونَهُ، وَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَثَلَثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ عَدَدُ أَهْلِ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَهِيَ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى الَّتِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا الْإِسْلَامَ وَلِذَلِكَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى

أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا لِاقْتِضَائِهِ زِيَادَةَ احْتِرَامِهِمْ يَسْتَدْعِي التَّنْقِيبَ عَنْهُمْ لِيُعْرَفُوا وَإِنَّمَا يُعْرَفُونَ بِإِخْبَارِهِمْ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَعَدَدُ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَفِي عَدَدِهِمْ رِوَايَاتٌ ثَلَاثٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَلْفٌ وَثَلَثُمِائَةٍ، أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ، أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ أَصَحُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالصَّحِيحُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَمَا لَا يُحْصَى وَمَا لَا يَحْصُرُهُمْ بَلَدٌ) لِيَمْتَنِعَ التَّوَاطُؤُ وَالْكُلُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ كَمَا قَالَ (وَالْحَقُّ عَدَمُهُ) أَيْ الْحَصْرِ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ (لِقَطْعِنَا بِقَطْعِنَا بِمَضْمُونِهِ) أَيْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ (بِلَا عِلْمٍ مُتَقَدِّمٍ بِعَدَدٍ) مَخْصُوصٍ (عَلَى النَّظَرِيَّةِ) أَيْ الطَّائِفَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُفِيدُ عِلْمًا نَظَرِيًّا (وَلَا) عِلْمٍ (مُتَأَخِّرٍ) بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ (عَلَى الضَّرُورِيَّةِ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُفِيدُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا (وَلِلْعِلْمِ بِاخْتِلَافِهِ) أَيْ الْعَدَدِ (بِحُصُولِ الْعِلْمِ مَعَ عَدَدٍ) خَاصٍّ (فِي مَادَّةٍ وَعَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ حُصُولِهِ (فِي) مَادَّةٍ (أُخْرَى مَعَ مِثْلِهِ) أَيْ الْعَدَدِ الْخَاصِّ الْمَذْكُورِ (فَبَطَلَ) بِهَذَا أَيْضًا (قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ وَالْقَاضِي كُلُّ خَبَرِ عَدَدٍ أَفَادَ عِلْمًا) بِشَيْءٍ لِشَخْصٍ (فَمِثْلُهُ) أَيْ خَبَرُ ذَلِكَ الْعَدَدِ (يُفِيدُهُ) أَيْ عِلْمًا بِشَيْءٍ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ ذَلِكَ الشَّخْصِ، ثُمَّ قَالَ تَعْلِيلًا لِاخْتِلَافِ الْعَدَدِ فِي إفَادَتِهِ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ مَضْمُونُ دَلِيلِ إبْطَالِ كَوْنِ عَدَدٍ مَا إذَا أَفَادَ الْعِلْمَ أَفَادَهُ فِي كُلِّ مَادَّةٍ (لِلِاخْتِلَافِ فِي لَوَازِمِ مَضْمُونِ الْخَبَرِ مِنْ قُرْبِهِ وَبُعْدِهِ وَمِنْ مُمَارَسَةِ الْمُخْبِرِينَ لِمَضْمُونِهِ وَالْعِلْمِ بِأَمَانَتِهِمْ وَضَبْطِهِمْ وَحُسْنِ إدْرَاكِ الْمُسْتَمِعِينَ) فَإِنَّ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي الْمُفِيدِ بِنَفْسِهِ فَاخْتِلَافُ حُصُولِ الْعِلْمِ بِالْأَعْدَادِ الْمَذْكُورَةِ وَاقِعٌ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ لَيْسَ غَيْرُ، وَتَفَاوُتُهَا فِي إيجَابِ الْعِلْمِ بِهَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بَسِيطَةٌ فَكَيْفَ إذَا تَرَكَّبَ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ثُمَّ أَمْرُ قَوْلِ الْقَاضِي وَأَبِي الْحُسَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (إلَّا أَنْ يُرَادَ) بِهِ (مَعَ التَّسَاوِي) لِلْخَبَرَيْنِ فِي ذَاتَيْهِمَا وَمُخْبِرَيْهِمَا وَمَخْبَرَيْهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (فَصَحِيحٌ) حِينَئِذٍ قَوْلُهُمَا لَكِنَّ التَّسَاوِي مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ (بَعِيدٌ) جِدًّا لِتَفَاوُتِهِمَا عَادَةً ثُمَّ تَلَخَّصَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إنَاطَةِ حُصُولِ الْعِلْمِ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ لِكُلِّ سَامِعٍ بِهِ. وَكَيْفَ وَالِاعْتِقَادُ يَتَزَايَدُ بِتَدْرِيجٍ خَفِيٍّ كَمَا يَحْصُلُ كَمَالُ الْعَقْلِ كَذَلِكَ لِلْإِنْسَانِ وَالْقُوَّةُ الْبَشَرِيَّةُ قَاصِرَةٌ عَنْ ضَبْطِهِ بَلْ الضَّابِطُ لِلْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ حُصُولُ الْعِلْمِ فَمَتَى أَفَادَ الْخَبَرُ بِمُجَرَّدِهِ الْعِلْمَ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ وَأَنَّ جَمِيعَ شَرَائِطِهِ مَوْجُودَةٌ وَإِنْ لَمْ يُفِدْهُ ظَهَرَ عَدَمُ تَوَاتُرِهِ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ (وَأَمَّا شَرْطُ الْعَدَالَةِ وَالْإِسْلَامِ كَيْ لَا يَلْزَمَ تَوَاتُرُ) خَبَرِ (النَّصَارَى بِقَتْلِ الْمَسِيحِ) وَهُوَ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} [النساء: 157] وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ (فَسَاقِطٌ كَشُرُوطِ الْيَهُودِ أَهْلِ الذِّلَّةِ) وَالْمَسْكَنَةِ أَنْ يَكُونُوا فِي الْمُخْبِرِينَ (لِخَوْفِهِمْ) أَيْ الْيَهُودِ (الْمُوَاطَأَةَ) عَلَى الْكَذِبِ مِنْ الْمُخْبِرِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ هَؤُلَاءِ بَلْ كَانَ الْكُلُّ مِنْ الْأَكَابِرِ وَالْعُظَمَاءِ لِعَدَمِ خَوْفِهِمْ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْكَذِبِ لِعِزَّتِهِمْ وَجَاهِهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ فِيهِمْ فَإِنَّ خَوْفَهُمْ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْكَذِبِ لِهَوَانِهِمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ أَمَّا سُقُوطُ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَاسِطَةُ فِي الْعَدَدِ الْمَانِعِ مِنْ تَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ (وَخَبَرُهُمْ آحَادُ الْأَصْلِ) فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِمْ قَلِيلِينَ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ لِأَنَّ الْمَسِيحَ شُبِّهَ لَهُمْ فَقَتَلُوهُ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ هُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157] وَأَمَّا سُقُوطُ الثَّانِي فَلِحُصُولِ الْعِلْمِ بِإِخْبَارِ الْعُظَمَاءِ عَنْ مَحْسُوسٍ كَغَيْرِهِمْ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْعِلْمُ مِنْ خَبَرِهِمْ أَسْرَعَ لِتَرَفُّعِهِمْ عَنْ رَذِيلَةِ الْكَذِبِ لِشَرَفِهِمْ وَحِفْظِ جَاهِهِمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ فَإِنَّهُمْ قَدْ يُقْدِمُونَ عَلَى الْكَذِبِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِمْ بِهِ لِدَنَاءَةِ نُفُوسِهِمْ وَخِسَّتِهِمْ وَعَدَمِ خَوْفِهِمْ مِنْ سُقُوطِ جَاهِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (تَتْمِيمٌ) وَأَمَّا شُرُوطُ الْمُتَوَاتِرِ فِي الْمُسْتَمِعِينَ فَثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا كَوْنُ الْمُسْتَمِعِ أَهْلًا لِقَبُولِ الْعِلْمِ بِالْمُتَوَاتِرِ ثَانِيهَا عَدَمُ عِلْمِهِ بِمَدْلُولِ الْخَبَرِ قَبْلَ سَمَاعِهِ وَإِلَّا كَانَ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ثَالِثُهَا أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَقِدًا بِخِلَافِ مَدْلُولِهِ إمَّا لِشُبْهَةِ دَلِيلٍ إنْ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ لِتَقْلِيدٍ إنْ كَانَ مِنْ الْعَوَامّ فَإِنَّ ارْتِسَامَ ذَلِكَ فِي ذِهْنِهِ وَاعْتِقَادَهُ لَهُ مَانِعٌ مِنْ قَبُولِ

غَيْرِهِ وَالْإِصْغَاءِ إلَيْهِ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ وَلَا تَعَقُّبٍ وَنَقَلَهُ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ دَالٌّ عَلَى إمَامَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ إفَادَتِهِ الْعِلْمَ عِنْدَ الْخَصْمِ اعْتِقَادُ خِلَافِهِ وَهَذَا تَعَقُّبٌ لَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَهَبَ إلَيْهِ لِهَذِهِ الدَّسِيسَةِ لَا غَيْرُ، فَإِذَا هُوَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ مَنْ سَلِمَ مِنْهَا (وَيَنْقَسِمُ الْمُتَوَاتِرُ إلَى مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِمَوْضُوعٍ فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ) كَالْأَمْكِنَةِ النَّائِيَةِ وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ (وَغَيْرِ مَوْضُوعٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ أَخْبَارِ الْآحَادِ (بَلْ يُعْلَمُ) ذَلِكَ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِلسَّامِعِ (عِنْدَهَا) أَيْ أَخْبَارِ الْآحَادِ (بِالْعَادَةِ كَأَخْبَارِ عَلِيٍّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحُرُوبِ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ) فِي الْعَطَاءِ (يَحْصُلُ عِنْدَهَا) أَيْ إخْبَارِهِمَا لِلسَّامِعِ عَادَةً (عِلْمُ الشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ، وَلَا شَيْءَ مِنْهَا) أَيْ أَخْبَارِهِمَا (يَدُلُّ عَلَى السَّجِيَّةِ ضِمْنًا، إذْ لَيْسَ الْجُودُ جُزْءَ مَفْهُومِ إعْطَاءِ آلَافٍ) لِأَنَّ الْجُودَ مَلَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ هِيَ مَبْدَأٌ لِإِفَادَةِ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي لَا لِعِوَضٍ (وَلَا الشَّجَاعَةُ جُزْءَ مَفْهُومٍ قَتْلِ آحَادٍ مَخْصُوصِينَ) لِأَنَّ الشَّجَاعَةَ مَلَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَقْتَضِي اعْتِدَالَ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ (وَلَا) يَدُلُّ عَلَى السَّجِيَّةِ (الْتِزَامًا إلَّا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ) لِلِالْتِزَامِ (لِجَوَازِ تَعَقُّلِ قَاتِلٍ أَلْفًا بِلَا خُطُورِ مَعْنَى الشَّجَاعَةِ فَمَا قِيلَ) أَيْ فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَوَاتِرُ فِي الْوَقَائِعِ (الْمَعْلُومُ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ بِتَضَمُّنٍ أَوْ الْتِزَامِ تَسَاهُلٍ) كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِمَّا حَقَّقْنَاهُ (وَأَمَّا الْآحَادُ فَخَبَرٌ لَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ الْعِلْمَ) سَوَاءٌ لَمْ يُفِدْهُ أَصْلًا أَوْ أَفَادَهُ بِالْقَرَائِنِ الزَّائِدَةِ فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ خَبَرُ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِنَفْسِهِ مُطَّرِدًا وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُطَّرِدٍ كَمَا سَيَأْتِي (وَقِيلَ مَا) أَيْ خَبَرٌ (يُفِيدُ الظَّنَّ وَاعْتُرِضَ بِمَا) أَيْ بِخَبَرٍ (لَمْ يُفِدْهُ) أَيْ الظَّنَّ فَيَبْطُلُ عَكْسُهُ بِهِ لِصِدْقِ الْمَحْدُودِ وَهُوَ كَوْنُهُ خَبَرَ وَاحِدٍ دُونَ الْحَدِّ (وَدُفِعَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ الَّذِي لَمْ يُفِدْ الظَّنَّ (لَا يُرَادُ) لِلْمُعَرِّفِ أَيْ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْمَحْدُودِ (إذْ لَا يَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالْخَبَرِ (حُكْمٌ) وَالْمَقْصُودُ تَعْرِيفُ الْخَبَرِ الَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ وَلَا يَكُونُ مُتَوَاتِرًا وَعَلَى هَذَا تَثْبُتُ الْوَاسِطَةُ (وَلَيْسَ) بِشَيْءٍ (إذْ يَثْبُتُ بِالضَّعِيفِ) أَيْ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ضَعَّفَهُ (بِغَيْرِ وَضْعِ) أَيْ كَذِبِ (الْفَضَائِلُ وَهُوَ النَّدْبُ) وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ (وَمِنْهُ) أَيْ خَبَرِ الْآحَادِ (قِسْمٌ يُسَمَّى الْمُسْتَفِيضَ) وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ (مَا رَوَاهُ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى التَّوَاتُرِ وَكَأَنَّهُ حُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ أَقَلُّ مَا تَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِفَاضَةُ اثْنَانِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْتَفِيضَ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ شَائِعًا وَقَدْ صَدَرَ عَنْ أَصْلٍ لِيُخْرِجَ مَا شَاعَ لَا عَنْ أَصْلٍ وَرُبَّمَا حَصَلَتْ الِاسْتِفَاضَةُ بِاثْنَيْنِ وَجَعَلَهُ الْأُسْتَاذُ الْإسْفَرايِينِيّ وَابْنُ فُورَكٍ وَاسِطَةً بَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ وَزَعَمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي الْعِلْمَ نَظَرًا وَالْمُتَوَاتِرُ يَقْتَضِيهِ ضَرُورَةً وَمَثَّلَ الْإسْفَرايِينِيّ بِمَا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَرَدَّهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالصِّدْقِ فِيهِ وَإِنَّمَا قُصَارَاهُ ظَنٌّ غَالِبٌ (وَالْحَنَفِيَّةُ) قَالُوا (الْخَبَرُ مُتَوَاتِرٌ وَآحَادٌ وَمَشْهُورٌ وَهُوَ) أَيْ الْمَشْهُورُ (مَا كَانَ آحَادُ الْأَصْلِ مُتَوَاتِرًا فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَبَيْنَهُ) أَيْ الْمَشْهُورِ (وَبَيْنَ الْمُسْتَفِيضِ) بِأَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ) لِصِدْقِهِمَا فِيمَا رَوَاهُ فِي الْأَصْلِ ثَلَاثَةٌ أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى التَّوَاتُرِ ثُمَّ تَوَاتَرَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، وَانْفِرَادُ الْمُسْتَفِيضِ عَنْ الْمَشْهُورِ فِيمَا رَوَاهُ فِي الْأَصْلِ ثَلَاثَةٌ أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى التَّوَاتُرِ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ. وَانْفِرَادُ الْمَشْهُورِ عَنْ الْمُسْتَفِيضِ فِيمَا رَوَاهُ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ تَوَاتَرَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَشْهُورُ (قِسْمٌ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَ الْجَصَّاصِ) فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (وَعَامَّتُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ (قَسِيمٌ) لِلْمُتَوَاتِرِ (فَالْآحَادُ مَا لَيْسَ أَحَدَهُمَا) أَيْ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمَشْهُورِ اتِّفَاقًا (وَالْمُتَوَاتِرُ عِنْدَهُ) أَيْ الْجَصَّاصِ (مَا أَفَادَ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ الْخَبَرِ ضَرُورَةً أَوْ) مَا أَفَادَ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ الْخَبَرِ (نَظَرًا وَهُوَ) أَيْ مُفِيدُ الْعِلْمِ بِمَضْمُونِ الْخَبَرِ نَظَرًا (الْمَشْهُورُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ أَنَّ الْمَشْهُورَ يُفِيدُ الْعِلْمَ نَظَرًا. (قِيلَ) الْجَصَّاصُ (يُكْفَرُ) جَاحِدُهُ (بِجَحْدِهِ) وَعَامَّتُهُمْ لَا يُكَفِّرُونَهُ فَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الْإِكْفَارِ وَعَدَمِهِ

فصل في شرائط الراوي

وَالْقَائِلُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ (وَالْحَقُّ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ الْإِكْفَارِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ (لِآحَادِيَّةِ أَصْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ) جَحْدُهُ (تَكْذِيبًا لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَلْ ضَلَالَةً لِتَخْطِئَةِ الْمُجْتَهِدِينَ) فِي الْقَبُولِ وَاتِّهَامِهِمْ بِعَدَمِ التَّأَمُّلِ فِي كَوْنِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَايَةَ التَّأَمُّلِ (وَلِأَنَّ الْإِفَادَةَ) لِلْعِلْمِ (إذَا كَانَتْ نَظَرِيَّةً تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ) أَيْ النَّظَرِ (وَقَدْ يَعْجِزُ السَّامِعُ لِلْمَشْهُورِ عَنْهُ) أَيْ النَّظَرِ (أَوْ يَذْهَلُ عَنْهُ وَحَاصِلُ ذَلِكَ النَّظَرِ) الَّذِي هُوَ وَصْفُ الْعِلْمِ الْمُفَادِ بِالْمَشْهُورِ عَلَى قَوْلِ الْجَصَّاصِ (الْإِجْمَاعُ الْمُتَأَخِّرُ) عَلَى (أَنَّهُ) أَيْ الْمَشْهُورُ (صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَلْزَمُ الْقَطْعُ بِهِ) أَيْ بِالْمَشْهُورِ (قُلْنَا اللَّازِمُ) مِنْ إجْمَاعِهِمْ (الْقَطْعُ بِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ) لَهُ (بِمَعْنَى اجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْقَبُولِ لَا الْقَطْعِ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمَشْهُورُ (قَالَهُ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَوْ كَانَ) الْإِجْمَاعُ الْمُتَأَخِّرُ (عَلَى الْعَمَلِ بِهِ) أَيْ بِالْمَشْهُورِ (فَكَذَلِكَ) أَيْ لَا يُكْفَرُ (لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى الْخَفَاءِ) فِيهِ وَهُوَ الْعَجْزُ وَالذُّهُولُ بِخِلَافِ إنْكَارِ الْمُتَوَاتِرِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَكْذِيبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَالْمَسْمُوعِ مِنْهُ وَتَكْذِيبُهُ كُفْرٌ وَعَلَى هَذَا فَلَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي الْأَحْكَامِ (ثُمَّ يُوجِبُ) الْمَشْهُورُ عِنْدَ عَامَّةِ الْحَنَفِيَّةِ (ظَنًّا فَوْقَ) ظَنِّ خَبَرِ (الْآحَادِ قَرِيبًا مِنْ الْيَقِينِ) وَهُوَ مَا سَمَّاهُ الْقَوْمُ عِلْمَ طُمَأْنِينَةٍ إذْ هِيَ زِيَادَةُ تَوْطِينٍ وَتَسْكِينٍ يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ عَلَى مَا أَدْرَكَتْهُ فَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ يَقِينًا فَاطْمِئْنَانُهَا زِيَادَةُ الْيَقِينِ وَكَمَالُهُ كَمَا يَحْصُلُ لِلْمُتَيَقِّنِ بِوُجُودِ مَكَّةَ بَعْدَمَا يُشَاهِدُهَا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا فَاطْمِئْنَانُهَا رُجْحَانُ جَانِبِ الظَّنِّ بِحَيْثُ يَكَادُ يَدْخُلُ فِي حَدِّ الْيَقِينِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَحَاصِلُهُ سُكُونُ النَّفْسِ عَنْ الِاضْطِرَابِ بِشُبْهَةٍ إلَّا عِنْدَ مُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ آحَادِ الْأَصْلِ (لِمَقُولِيَّةِ الظَّنِّ) عَلَى أَفْرَادِهِ (بِالتَّشْكِيكِ) فَبَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ فِي مَعْنَاهُ (فَوَجَبَ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِهِ) أَيْ بِالْمَشْهُورِ (كَتَقْيِيدِ) مُطْلَقِ (آيَةِ جَلْدِ الزَّانِي) الشَّامِلِ لِلْمُحْصَنِ وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ (بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْصَنٍ بِرَجْمِ مَاعِزٍ) مِنْ غَيْرِ جَلْدِ الثَّابِتِ جُمْلَةُ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. (وَقَوْلُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ بَلْ تَقْيِيدُهُ بِهِ مِنْ قَبِيلِ التَّقْيِيدِ بِمَا هُوَ مُتَوَاتِرُ الْمَعْنَى (وَ) تَقْيِيدُ مُطْلَقِ (صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) الشَّامِلِ لِلْمُتَتَابِعِ وَغَيْرِهِ (بِالتَّتَابُعِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ) فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ كَمَا تَقَدَّمَ (لِشُهْرَتِهَا) أَيْ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ) أَيْ الشُّهْرَةُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ (الشَّرْطُ) فِي وُجُوبِ تَقْيِيدِ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِهِ (وَ) تَقْيِيدُ (آيَةِ غَسْلِ الرَّجُلِ) فِي الْوُضُوءِ (بِعَدَمِ التَّخَفُّفِ) أَيْ لُبْسِ الْخُفِّ عَلَيْهَا (بِحَدِيثِ الْمَسْحِ) عَلَى الْخُفِّ الْمُخْرَجِ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهَا (إنْ لَمْ يَكُنْ) حَدِيثُهُ (مُتَوَاتِرًا) وَعَلَيْهِ مَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ أَنْكَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ يُخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرُ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا يُشْبِهُ الْمُتَوَاتِرَ وَمَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَبَرُ الْمَسْحِ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ لِشُهْرَتِهِ وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ جَوَازُ الْمَسْحِ بِآثَارٍ مَشْهُورَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ التَّوَاتُرِ وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ الْكَرْخِيُّ أَثْبَتْنَا الْكُفْرَ عَلَى مَنْ لَا يَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ الرَّاوِي] (فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ الرَّاوِي مِنْهَا كَوْنُهُ بَالِغًا حِينَ الْأَدَاءِ) وَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ وَقْتَ التَّحَمُّلِ (لِاتِّفَاقِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ (عَلَى) قَبُولِ رِوَايَةِ (ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَنَسٍ بِلَا اسْتِفْسَارٍ) عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي تَحَمَّلُوا فِيهِ مَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُصُوصًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَالنُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ وَسِنُّ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْعَشْرِ فَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ السِّيَرِ وَالْأَخْبَارِ وَمَنْ صَنَّفَ فِي الصَّحَابَةِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَوَّلُ مَوْلُودٍ فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَنَّهُ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَمِمَّا حَفِظَهُ فِي الصِّغَرِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ كُنْت أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي الْأُطُمِ الَّذِي فِيهِ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يَرْفَعُنِي وَأَرْفَعُهُ فَإِذَا رَفَعَنِي رَأَيْت أَبِي حِينَ يَمُرُّ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ يُقَاتِلُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مَنْ يَأْتِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَذَهَبَ الزُّبَيْرُ فَلَمَّا رَجَعَ قُلْت لَهُ يَا أَبَتِ لَقَدْ رَأَيْتُك وَأَنْتَ تَمُرُّ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ أَمَا وَاَللَّهِ إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَجْمَعَ لِي أَبَوَيْهِ يَتَفَدَّانِي بِهِمَا فِدَاك أَبِي وَأُمِّي» وَالْخَنْدَقُ إمَّا فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ فَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ عُمُرُهُ إذْ ذَاكَ أَرْبَعُ سِنِينَ وَبَعْضُ أَشْهُرٍ فَقَدْ ضَبَطَ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَهُوَ صَغِيرٌ جِدًّا وَالنُّعْمَانُ مِنْ أَقْرَانِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ فِي الْأَنْصَارِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وُلِدَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ وَمِمَّا صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْحَلَالُ بَيِّنٌ» الْحَدِيثَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَإِنْ جَاءَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَدْرَكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ تَحَمَّلَ صَغِيرًا وَأَدَّى كَبِيرًا فَقَدْ «قِيلَ لَهُ أَشَهِدْت الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ نَعَمْ وَلَوْلَا مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْته مِنْ الصِّغَرِ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا أَنَسٌ فَكَانَ ابْنُ عَشَرَ سِنِينَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَعَرَضَتْهُ أُمُّهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخِدْمَتِهِ فَقَبِلَهُ وَتُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً وَقَدْ رُوِيَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْفَا حَدِيثٍ وَمِائَتَا حَدِيثٍ وَسِتَّةٌ وَثَمَانُونَ حَدِيثًا وَلَمْ يُنْقَلْ الْفَحْصُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي تَلَقَّى فِيهِ ذَلِكَ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ التَّلَقِّي فِي غَيْرِ حَالَةِ الْبُلُوغِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لَمْ يَغْفُلْ الْفَحْصُ عَنْ وَقْتِهِ وَلَوْ فِي بَعْضِهَا وَلَوْ فُحِصَ عَنْهُ لَنُقِلَ ظَاهِرًا وَلَمْ يُنْقَلْ ثُمَّ قَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَهُ كِفَايَةٌ (فَبَطَلَ الْمَنْعُ) أَيْ مَنْعُ قَبُولِهِ لِكَوْنِ الصِّغَرِ مَظِنَّةَ عَدَمِ الضَّبْطِ وَالتَّحْرِيرِ وَيَسْتَمِرُّ الْمَحْفُوظُ إذْ ذَاكَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ. (وَأَمَّا إسْمَاعُهُمْ الصِّبْيَانَ) لِلْحَدِيثِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ (فَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ) قَبُولَ رِوَايَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَلْبَتَّةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلتَّبَرُّكِ بِدَلِيلِ إحْضَارِهِمْ مَنْ لَا يَضْبِطُ لَكِنْ هَذَا إذَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى رِوَايَةِ مَا تَحَمَّلُوهُ فِي الصِّبَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى رِوَايَةِ مَا تَحَمَّلُوهُ فِي الصِّبَا (وَقَبْلَ الْمُرَاهِقِ شُذُوذٌ مَعَ تَحْكِيمِ الرَّأْيِ) فَإِذَا وَقَعَ فِي ظَنِّ السَّامِعِ صِدْقُهُ قَبِلَ رِوَايَتَهُ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالدِّيَانَاتِ. (قُلْنَا الْمُعْتَمَدُ الصَّحَابَةُ وَلَمْ يَرْجِعُوا) أَيْ الصَّحَابَةُ (إلَيْهِ) أَيْ الْمُرَاهِقِ (وَاعْتِمَادُ أَهْلِ قُبَاءَ عَلَى أَنَسٍ أَوْ ابْنِ عُمَرَ لِسِنِّ الْبُلُوغِ) وَهُوَ جَوَابُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ عَنْ حُجَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ رِوَايَةَ الصَّبِيِّ فِي بَابِ الدَّيْنِ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ بِحَدِيثِ أَهْلِ قُبَاءَ حَيْثُ قَالُوا فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَتَاهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ وَهُمْ كَانُوا فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمئِذٍ صَغِيرًا عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ أَوْ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَتَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ كَانَ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ فَقَدْ اعْتَمَدُوا خَبَرَهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا بِعِلْمٍ وَهُوَ الصَّلَاةُ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّ الَّذِي أَتَاهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَإِنَّا نَحْمِلُ عَلَى أَنَّهُمَا جَاءَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ وَأَخْبَرَا بِذَلِكَ فَإِنَّمَا تَحَوَّلُوا مُعْتَمَدِينَ عَلَى رِوَايَةِ الْبَالِغِ وَهُوَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ بَالِغًا يَوْمئِذٍ وَإِنَّمَا رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِضَعْفِ بِنْيَتِهِ لَا لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا اهـ وَقَدْ مَشَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَعَقَّبَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ فِيهَا أُمُورًا أَحَدَهَا أَنَّ الْمُخْبِرَ لَمْ يَكُنْ ابْنَ عُمَرَ بَلْ كَانَ رَجُلًا غَيْرَهُ وَإِنَّمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَاوِيَ أَخْبَارِهِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ثَانِيَهَا «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا عُرِضَ يَوْمُ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُرِضَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُ» كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ثَالِثَهَا أَنَّ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَأَنَسًا كَانَ ابْنَ عَشَرَ سِنِينَ كَمَا سَلَفَ فَكَيْفَ يَكُونُ بَالِغًا وَلَمْ يُكْمِلْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَأُحُدٌ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَ عُمُرُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَابْنُ عُمَرَ كَانَ يَوْمئِذٍ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنَسٍ بِسَنَةٍ لَا بِالْعَكْسِ. (وَالْمُحَدِّثُونَ عَبَّادُ بْنُ نَهِيكِ بْنِ إسَافٍ وَهُوَ شَيْخٌ) أَيْ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُحَدِّثُونَ أَنَّ الَّذِي أَتَاهُمْ عَبَّادُ بْنُ نَهِيكِ بْنِ إسَافٍ الشَّاعِرُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَنَقَلَهُ الْأَبْنَاسِيُّ فِي رِجَالِ الْعُمْدَةِ

عَنْ ابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَوَضَعَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَزْوَ وَهُوَ الَّذِي صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَكْعَتَيْنِ إلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ بَنِي حَارِثَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَأَخْبَرَهُمْ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَقِيلَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ بْنِ قَيْظِيٍّ الْأَشْهَلِيِّ ذَكَرَهُ الْفَاكِهِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ وَهَذَا أَرْجَحُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَغَيْرُهُ اهـ. وَلَيْسَ هُوَ بِرَفِيقِ أُسَيْدَ بْنِ حُضَيْرٍ فِي الْمِصْبَاحَيْنِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْبُلْقِينِيُّ وَقِيلَ عَبَّادُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا فِي الصَّحَابَةِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْهُمْ نُسِبَ إلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ اهـ. وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» الْحَدِيثَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ «فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ» وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا» الْحَدِيثَ فَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لَمْ يُسَمَّ هَذَا وَمَنْ فَسَّرَ بِاَلَّذِي قَبْلَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ كَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَهَذِهِ الصُّبْحُ وَذَاكَ مَسْجِدُ بَنِي حَارِثَةَ وَذَا مَسْجِدُ قُبَاءَ ثُمَّ قَالَ فِي الشَّرْحِ مُشِيرًا إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهَذَا فِيهِ مُغَايَرَةٌ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ. وَالْجَوَابُ أَنْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَصَلَ وَقْتَ الْعَصْرِ إلَى مَنْ هُوَ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَالْآتِي إلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ أَوْ ابْنُ نَهِيكٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَوَصَلَ الْخَبَرُ وَقْتَ الصُّبْحِ إلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَهْلُ قُبَاءَ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يُسَمِّ الْآتِيَ بِذَلِكَ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ ابْنُ طَاهِرٍ وَغَيْرُهُ نَقَلُوا أَنَّهُ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ بَنِي حَارِثَةَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنْ كَانَ مَا نَقَلُوا مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبَّادُ أَتَى بَنِي حَارِثَةَ أَوَّلًا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَى أَهْلِ قُبَاءَ فَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ فِي الصُّبْحِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِهِمَا أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ مَرَّ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ وَبَنُو سَلَمَةَ غَيْرُ بَنِي حَارِثَةَ اهـ وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْجُمْهُورِ قَبُولَ أَخْبَارِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ بِخِلَافِ مَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ كَالْإِفْتَاءِ وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَنَحْوِهِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي (وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ) فِي حُكْمِهِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي نُقْصَانِ الْعَقْلِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ نُقْصَانُهُ بِالْعَتَهِ فَوْقَ نُقْصَانِهِ بِالصِّبَا إذْ قَدْ يَكُونُ الصَّبِيُّ أَعْقَلَ مِنْ الْبَالِغِ وَالْمَعْتُوهِ لَا. (ثُمَّ قِيلَ سِنُّ التَّحَمُّلِ خَمْسٌ) حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْمُتَأَخِّرِينَ (لِعَقْلِيَّةِ مَحْمُودٍ الْمَجَّةَ ابْنَ خَمْسٍ فِي الْبُخَارِيِّ) أَيْ لِمَا رَوَى هُوَ وَالنَّسَائِيُّ «عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ عَقَلْت مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ» (أَوْ) ابْنُ (أَرْبَعٍ) فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ خَمْسِ سِنِينَ وَالْمَجَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْمَجِّ وَهُوَ إرْسَالُ الْمَاءِ مِنْ الْفَمِ مَعَ النَّفْخِ وَقِيلَ لَا يَكُونُ مَجًّا حَتَّى يَتَبَاعَدَ بِهِ (وَقِيلَ) أَقَلُّ سِنِّ التَّحَمُّلِ (أَرْبَعٌ لِذَلِكَ) أَيْ كَوْنِ مَحْمُودِ الْمَذْكُورِ كَانَ سِنُّهُ أَرْبَعًا (وَلِتَسْمِيعِ ابْنِ اللَّبَّانِ) وَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ أَيْ تَسْمِيعُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِي لِلْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ اللَّبَّانِ الْأَصْفَهَانِيِّ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فَرَوَيْنَا عَنْ الْخَطِيبِ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ حَفِظْت الْقُرْآنَ وَلِي خَمْسُ سِنِينَ وَأُحْضِرْت عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِي وَلِي أَرْبَعُ سِنِينَ فَأَرَادُوا أَنْ يُسَمِّعُوا لِي فِيمَا حَضَرْت قِرَاءَتَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَصْغُرُ عَنْ السَّمَاعِ فَقَالَ لِي ابْنُ الْمُقْرِي اقْرَأْ سُورَةَ الْكَافِرُونَ فَقَرَأْتهَا فَقَالَ اقْرَأْ سُورَةَ التَّكْوِيرِ فَقَرَأْتهَا فَقَالَ لِي غَيْرُهُ اقْرَأْ سُورَةَ وَالْمُرْسَلَاتِ

فَقَرَأْتهَا وَلَمْ أَغْلَطْ فِيهَا فَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي سَمِّعُوا لَهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيَّ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ بَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيِّ قَالَ رَأَيْت صَبِيًّا ابْنَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَقَدْ حُمِلَ إلَى الْمَأْمُونِ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَنَظَرَ فِي الرَّأْيِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا جَاعَ يَبْكِي وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ بِسَنَدِهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ أَحْمَدَ بْنَ كَامِلٍ الْقَاضِي وَكَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى حِفْظِهِ فِيهِمْ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَانَ مُتَسَاهِلًا قُلْت وَلِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَقَالَ السَّلَفِيُّ أَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعَرَبِيَّ يَصِحُّ سَمَاعُهُ إذَا بَلَغَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ وَأَنَّ الْعَجَمِيَّ يَصِحُّ سَمَاعُهُ إذَا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ (وَصَحَّحَ عَدَمَ التَّقْدِيرِ بَلْ) الْمَنَاطُ فِي الصِّحَّةِ (الْفَهْمُ وَالْجَوَابُ) فَمَتَى كَانَ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ كَانَ سَمَاعُهُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا وَمَا ذَاكَ إلَّا (لِلِاخْتِلَافِ) أَيْ اخْتِلَافِ الصِّبْيَانِ بَلْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ فِي فَهْمِ الْخِطَابِ وَرَدِّ الْجَوَابِ فَلَا يَتَقَيَّدُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ (وَحِفْظُ الْمَجَّةِ وَإِدْرَاكُ ابْنِ اللَّبَّانِ لَا يَطَّرِدُ) كُلٌّ مِنْهُمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِفْظِ مَحْمُودِ الْمَجَّةِ حِفْظُ مَا سِوَاهَا مِمَّا يَسْمَعُهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَا أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُمَيِّزُ تَمْيِيزَ مَحْمُودٍ فِي سِنِّهِ وَلَا أَنْ لَا يَعْقِلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَسِنُّهُ أَقَلُّ مِنْ سِنِّهِ وَلَا مِنْ إدْرَاكِ ابْنِ اللَّبَّانِ فِي أَرْبَعٍ إدْرَاكَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ فِي أَرْبَعٍ وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الِاسْتِرْوَاحِ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي رَآهُ إبْرَاهِيمُ الْجَوْهَرِيُّ لِيَلْزَمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ ابْنَ أَرْبَعٍ صَحَّ تَحَمُّلُهُ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الصَّحِيحِ عَدَمَ التَّقْدِيرِ بِسِنٍّ خَاصٍّ (يُوقِفُ الْحُكْمَ بِقَبُولِ مَنْ عُلِمَ سَمَاعُهُ صَبِيًّا عَلَى مَعْرِفَةِ حَالِهِ فِي صِبَاهُ) فَيُعْطَى لِمَا يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ حُكْمُهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ (أَمَّا مَعَ عَدَمِهَا) أَيْ مَعْرِفَةِ حَالِهِ (فَيَجِبُ اعْتِبَارُ التَّمْيِيزِ لِسَبْعٍ) مِنْ السِّنِينَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ» صَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي سِنِّ التَّمْيِيزِ أَنْ يَصِيرَ الصَّغِيرُ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ (وَأَفْرَطَ مُعْتَبِرُ خَمْسَةَ عَشَرَ) حَتَّى قَالَ عَنْهُ أَحْمَدُ بِئْسَ الْقَوْلُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ وَهُوَ عَجَبٌ مِنْ هَذَا الْعَالِمِ الْمَكِينِ. وَقِيلَ مَتَى فَرَّقَ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالْحِمَارِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ الْحَمَّالِ (وَالْإِسْلَامُ كَذَلِكَ) أَيْ وَمِنْهَا كَوْنُ الرَّاوِي مُسْلِمًا حِينَ الْأَدَاءِ (لِقَبُولِ) رِوَايَةِ (جُبَيْرٍ فِي قِرَاءَتِهِ) أَيْ «أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ» فِي الصَّحِيحَيْنِ) مَعَ أَنَّ سَمَاعَهُ إيَّاهَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَمَّا جَاءَ فِي فِدَاءِ أَسَارَى بَدْرٍ (وَلِعَدَمِ الِاسْتِفْسَارِ) عَنْ مَرْوِيِّهِ هَلْ تَحَمُّلُهُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ أَوْ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَ تَحَمُّلُهُ حَالَةَ الْإِسْلَامِ شَرْطًا لَاسْتَفْسَرَ وَلَوْ اسْتَفْسَرَ لَنُقِلَ وَلَمْ يُنْقَلْ (بِخِلَافِهِ) أَيْ أَدَائِهِ (فِي الْكُفْرِ) فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] الْآيَةَ (وَهُوَ) أَيْ الْفَاسِقُ (الْكَافِرُ بِعُرْفِهِمْ) أَيْ السَّلَفِ (وَهُوَ) أَيْ الْكَافِرُ (مِنْهُ) أَيْ مِمَّنْ صَدَقَ عَلَيْهِ الْفَاسِقُ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْخَارِجِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَالْكَافِرُ خَارِجٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ (وَلِلتُّهْمَةِ) أَيْ تُهْمَةِ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ وَالْكَافِرُ عَدُوُّنَا فِي الدِّينِ فَرُبَّمَا تَحْمِلُهُ الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ عَلَى السَّعْيِ فِي هَدْمِ الدِّينِ بِإِدْخَالِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ تَنْفِيرًا لِلْعُقَلَاءِ عَنْهُ (وَالْمُبْتَدِعُ بِمَا هُوَ كُفْرٌ) كَغُلَاةِ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ (مِثْلُهُ) أَيْ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ (عِنْدَ الْمُكَفِّرِ) وَهُوَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِجَامِعِ الْفِسْقِ وَالْكُفْرِ (وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ إنْ اعْتَقَدَ حُرْمَةَ الْكَذِبِ قَبِلْنَا رِوَايَتَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا (لِأَنَّهُ) أَيْ ابْتِدَاعَهُ بِمَا هُوَ مُكَفِّرٌ لَهُ (بِتَأْوِيلِ الشَّرْعِ) فَكَيْفَ يَكُونُ كَالْمُنْكِرِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ اعْتِقَادُهُ حُرْمَةَ الْكَذِبِ يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فَوُجِدَ الْمُقْتَضِي لِلْقَبُولِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمُعَارِضِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ وَقِيلَ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ كُلَّ مُكَفَّرٍ بِبِدْعَةٍ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَدَّعِي أَنَّ مُخَالِفِيهَا مُبْتَدِعَةٌ وَقَدْ تُبَالِغُ فَتُكَفِّرُ مُخَالِفَهَا فَلَوْ أَخَذَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَاسْتَلْزَمَ تَكْفِيرَ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الَّذِي تُرَدُّ رِوَايَتُهُ مَنْ أَنْكَرَ أَمْرًا مُتَوَاتِرًا مِنْ الشَّرْعِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكَذَا مَنْ اعْتَقَدَ عَكْسَهُ. فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ ضَبْطُهُ لِمَا يَرْوِيهِ مَعَ وَرَعِهِ

وَتَقْوَاهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِهِ (وَغَيْرُهُ) أَيْ الْمُبْتَدِعِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ (كَالْبِدَعِ الْجَلِيَّةِ كَفِسْقِ الْخَوَارِجِ) وَهُمْ سَبْعُ فِرَقٍ ضَالَّةٍ لَهُمْ ضَلَالَاتٌ فَاضِحَةٌ وَأَبَاطِيلُ وَاضِحَةٌ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي أَصْنَافِهَا يُعْرَفُ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ (وَفِيهَا) أَيْ الْبِدَعِ الْجَلِيَّةِ مَذْهَبَانِ (الرَّدُّ) لِلشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] وَهُوَ فَاسِقٌ (وَالْأَكْثَرُ الْقَبُولُ) لِمَا اُشْتُهِرَ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أُمِرْت أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ» فَإِنَّ قَوْلَ صَاحِبِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ ظَاهِرُ الصِّدْقِ إذَا ظَنَّ صِدْقَهُ إلَّا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَلَا الْأَجْزَاءِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ سُئِلَ الْمِزِّيُّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ وَالذَّهَبِيُّ قَالَ لَا أَصْلَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ يُؤْخَذُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» وَنُقِلَ عَنْ مُغَلْطَاي أَنَّهُ رَأَى لَهُ فِي كِتَابٍ يُسَمَّى إدَارَةَ الْأَحْكَامِ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الْخَيْزُونِيِّ فِي قِصَّةِ «الْحَضْرَمِيِّ وَالْكَنَدِيِّ اللَّذَيْنِ اخْتَصَمَا فِي الْأَرْضِ قَالَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَيْت لِي بِحَقِّي فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ» قَالَ شَيْخُنَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ وَلَا أَدْرِي هَلْ سَاقَ لَهُ إسْمَاعِيلُ الْمَذْكُورُ إسْنَادًا أَوْ لَا (وَلَا يُعَارِضُ) هَذَا الْمَرْوِيُّ (الْآيَةَ لِتَأَوُّلِهَا بِالْكَافِرِ أَوْ) بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ هُوَ مُرْتَكِبٌ فِسْقًا (بِلَا تَأْوِيلٍ أَنَّهُ) أَيْ الْفِسْقَ (مِنْ الدِّينِ) وَهَذَا مُرْتَكِبٌ فِسْقًا بِتَأْوِيلِ أَنَّهُ مِنْ الدِّينِ (بِخِلَافِ اسْتِدْلَالِهِمْ) أَيْ الْأَكْثَرِينَ (أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ وَهِيَ) أَيْ بِدْعَةُ قَتَلَتِهِ (جَلِيَّةٌ) لِذَوِي الْعُقُولِ الْمُرْضِيَةِ (رُدَّ بِمَنْعِ إجْمَاعِ الْقَبُولِ) لِرِوَايَتِهِمْ. قَالَ السُّبْكِيُّ بَلْ الْإِجْمَاعُ قَائِمٌ عَلَى رَدِّ رِوَايَتِهِمْ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ فَإِنَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ إنْ كَانُوا مُسْتَحِلِّينَ قَتْلَهُ فَلَا رَيْبَ فِي كُفْرِهِمْ وَالْكَافِرُ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُسْتَحِلِّينَ فَلَا رَيْبَ فِي فِسْقِهِمْ بِفِسْقٍ ظَاهِرٍ فَتُرَدُّ رِوَايَتُهُمْ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الَّذِي ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي هَذَا مُجَازِفٌ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ بَاشَرَ قَتْلَهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ ثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ رِوَايَةٌ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ حَاصَرَهُ أَوْ رَضِيَ بِقَتْلِهِ فَأَهْلُ الشَّامِ قَاطِبَةً مَعَ مَنْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ إمَّا مُكَفِّرٌ لِأُولَئِكَ وَإِمَّا مُفَسِّقٌ. وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الشَّامِ فَكَانُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٍ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ وَفِرْقَةٍ سَاكِتَةٍ وَفِرْقَةٍ عَلَى رَأْيِ أُولَئِكَ فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ (وَلَوْ سَلِمَ) قَبُولُ رِوَايَةِ قَتَلَتِهِ (فَلَيْسَ) قَتْلُ عُثْمَانَ (مِنْهَا) أَيْ الْبِدَعِ الْجَلِيَّةِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِبَعْضِ الْقَتَلَةِ (لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَرَاهُ) أَيْ قَتْلَهُ حَقًّا (اجْتِهَادِيًّا فَلَا يُفَسِّقُهُمْ وَنُقِلَ) هَذَا (عَنْ عَمَّارِ وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْفَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالْأَشْتَرُ) فِي جَمَاعَةٍ وَفِي هَذَا مَا فِيهِ فَالْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَوَّلِ. (وَأَمَّا غَيْرُ) الْبِدَعِ (الْجَلِيَّةِ كَنَفْيِ زِيَادَةِ الصِّفَاتِ) الثُّبُوتِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ مِنْ الْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهَا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الذَّاتِ كَمَا عَلَيْهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَمُوَافِقُوهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ عِبَارَتِهِمْ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ هُوَ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ لِنَفْسِهِ وَقِيلَ بِنَفْسِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَقِيلَ تُقْبَلُ اتِّفَاقًا) قَالَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ) مِنْ الْمُتَخَالَفِينَ (الْقَطْعَ بِخَطَأِ الْآخَرِ لِقُوَّةِ شُبْهَتِهِ عِنْدَهُ وَإِطْلَاقُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ) وَمُوَافِقِيهِ (رَدَّ مَنْ دَعَا إلَى بِدْعَتِهِ وَقَبُولَ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الدَّاعِي إلَى بِدْعَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ قَدْ يَحْمِلُهُ عَلَى تَحْرِيفِ الرِّوَايَاتِ وَتَسْوِيَتِهَا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ وَعُزِيَ إلَى مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَعَزَاهُ ابْنُ حِبَّانَ إلَى الْمُحَدِّثِينَ بِلَفْظِ لَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ أَئِمَّتِنَا خِلَافٌ أَنَّ الصَّدُوقَ الْمُتْقِنَ إذَا كَانَ فِيهِ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ يَدْعُو إلَيْهَا أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِأَخْبَارِهِ جَائِزٌ فَإِذَا دَعَا إلَى بِدْعَتِهِ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِأَخْبَارِهِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْكَثِيرِ أَوْ الْأَكْثَرِ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَوَّلَاهَا (يُخَصِّصُهُ) أَيْ إطْلَاقُ عَدَمِ قَبُولِ ذِي الْبِدْعَةِ الْجَلِيَّةِ اتِّفَاقًا (لِاقْتِضَائِهِ) أَيْ إطْلَاقَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (رَدَّ الدَّاعِي مِنْ نُفَاةِ الزِّيَادَةِ) لِلصِّفَاتِ عَلَى الذَّاتِ إلَى بِدْعَتِهِ هَذِهِ بَلْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ الدَّاعِيَةُ إلَى الْبِدْعَةِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا قَاطِبَةً لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا. كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْحَاكِمِ

فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ الدَّاعِي إلَى الضَّلَالِ مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِ الْأَخْذِ مِنْهُ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا الْحَافِظِ وَأَغْرَبَ ابْنُ حِبَّانَ فَادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَى قَبُولِ الدَّاعِيَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ سَهْوٍ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهَكَذَا حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الدَّاعِيَةَ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ لَمْ يَدْعُ إلَى بِدْعَتِهِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى هَذَا أَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ كُلُّهُمْ لِأَنَّ الْمُحَاجَّةَ وَالدَّعْوَةَ إلَى الْهَوَى سَبَبٌ دَاعٍ إلَى التَّقَوُّلِ فَلَا يُؤْتَمَنُ عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا عَزَا الْخَطِيبُ إلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ يَقْبَلُ أَخْبَارَهُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا بِالتَّأْوِيلِ أَوْ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَذَا الْقَوْلِ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَيْضًا مَا عَزَاهُ الْخَطِيبُ إلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُبْتَدِعَ إنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْكَذِبَ فِي نُصْرَةِ مَذْهَبِهِ أَوْ لِأَهْلِ مَذْهَبِهِ قُبِلَ دَعَا إلَى بِدْعَتِهِ أَوْ لَا؟ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ وَلَمْ يُقْبَلْ (وَتَعْلِيلُهُ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا غَيْرُهُ رَدُّ الدَّاعِي إلَى بِدْعَتِهِ (بِأَنَّ الدَّعْوَةَ دَاعٍ إلَى التَّقَوُّلِ) أَيْ الْكَذِبِ (يُخَصِّصُهُ) أَيْ الرَّدَّ (بِرِوَايَةِ) الدَّاعِي مَا هُوَ عَلَى (وَفْقِ مَذْهَبِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَيْضًا لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَمَشَّى فِيهِ وَمِنْ هُنَا نَصَّ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ رَدُّ رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعِ مَا يُقَوِّي بِدْعَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً كَمَا إذَا كَانَ دَاعِيَةً قَالَ وَبِهِ صَرَّحَ الْحَافِظُ الْجُوزَجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ فَقَالَ وَمِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ الْحَقِّ أَيْ السُّنَّةِ صَادِقُ اللَّهْجَةِ فَلَيْسَ فِيهِ حِيلَةٌ إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا لَا يَكُونُ مُنْكَرًا إذَا لَمْ تَقْوَ بِهِ بِدْعَتُهُ اهـ وَمَا قَالَهُ مُتَّجِهٌ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لَهَا رُدَّ حَدِيثُ الدَّاعِيَةِ وَارِدَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ ظَاهِرُ الْمَرْوِيِّ يُوَافِقُ مَذْهَبَ الْمُبْتَدِعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً (لَا مُطْلَقًا) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ السَّالِفِ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ (وَتَعْلِيلُهُ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (قَبُولَ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) جَمْعُ هَوَى مَقْصُورٌ وَهُوَ الْمَيْلُ إلَى الشَّهَوَاتِ وَالْمُسْتَلَذَّات مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةِ الشَّرْعِ وَالْمُرَادُ الْمُبْتَدِعُونَ الْمَائِلُونَ إلَى مَا يَهْوُونَهُ فِي أَمْرِ الدِّينِ (إلَّا الْخَطَابِيَّةَ) مِنْ الرَّافِضَةِ الْمَنْسُوبِينَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ وَقِيلَ ابْنِ أَبِي زَيْنَبَ الْأَسَدِيِّ الْأَجْدَعِ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ وَجَعْفَرُ الصَّادِقُ الْإِلَهُ الْأَصْغَرُ وَفِي الْمَوَاقِفِ قَالُوا الْأَئِمَّةُ أَنْبِيَاءُ وَأَبُو الْخَطَّابِ نَبِيٌّ فَفَرَضُوا طَاعَتَهُ بَلْ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ آلِهَةٌ وَالْحَسَنَانِ ابْنَا اللَّهِ وَجَعْفَرُ إلَهٌ لَكِنْ أَبُو الْخَطَّابِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَمِنْ عَلِيٍّ فَقَبَّحَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَشَدَّ غَبَاوَتَهُمْ وَأَعْظَمَ فِرْيَتِهِمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا رِوَايَتُهُمْ وَلَا كَرَامَةَ وَكَيْفَ وَقَدْ شَاعَ أَيْضًا كَوْنُهُمْ الْفِرْقَةَ (الْمُتَدَيِّنِينَ بِالْكَذِبِ لِمُوَافِقِهِمْ أَوْ لِلْحَالِفِ) لَهُمْ عَلَى صِدْقِهِ (بِأَنَّ صَاحِبَ الْهَوَى وَقَعَ فِيهِ) أَيْ فِي الْهَوَى (لِتَعَمُّقِهِ) فِي الدِّينِ (وَذَلِكَ) أَيْ تَعَمُّقُهُ فِي الدِّينِ (يَصُدُّهُ) أَيْ يَمْنَعُهُ (عَنْ الْكَذِبِ أَوْ يَرَاهُ) أَيْ الْكَذِبَ (حَرَامًا يُوجِبُ قَبُولَ الْخَوَارِجِ كَالْأَكْثَرِ) لِعَدَمِ اسْتِثْنَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَعَدَمِ شُهْرَةِ تَدَيُّنِهِمْ بِالْكَذِبِ لِمُوَافِقِهِمْ وَالْحَالِفِ لَهُمْ ثُمَّ حَيْثُ قُبِلُوا فِي الشَّهَادَةِ فَكَذَا فِي الرِّوَايَةِ. وَهَذَا فِي الْمَعْنَى مَا عَزَاهُ الْخَطِيبُ إلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَنْ مَعَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا لَكِنْ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْأَقْطَعِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْخَوَارِجِ مَا لَمْ يَخْرُجُوا إلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُظْهِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْفِسْقَ وَإِنَّمَا اعْتَقَدُوهُ فَإِذَا قَاتَلُوا فَقَدْ أَظْهَرُوا الْفِسْقَ فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ إنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ فَرَّقَ فِي الدَّاعِي إلَى بِدْعَتِهِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ بِالْقَبُولِ فِي الشَّهَادَةِ وَعَدَمِهِ فِي الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْمُحَاجَّةَ وَالدَّعْوَةَ لَا تَدْعُو إلَى التَّزْوِيرِ فِي حُقُوقِ النَّاسِ فَلَمْ تَرُدَّ شَهَادَةَ صَاحِبِهَا بِخِلَافِهَا فِي رِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، ثُمَّ ظَاهِرُ كَوْنِ، وَتَعْلِيلُهُ مُبْتَدَأٌ وَبِأَنَّ صَاحِبَ الْهَوَى مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَيُوجِبُ قَبُولَ الْخَوَارِجِ خَبَرَهُ هَذَا ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُقْتَصِرِ عَلَى تَعْلِيلِ رَدِّ شَهَادَةِ الْخَطَابِيَّةِ بِتَدَيُّنِهِمْ الْكَذِبَ لِمُوَافِقِهِمْ أَوْ الْحَالِفَ عَلَى صِدْقِهِ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا عَنْهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ يُوجِبُ كَوْنَهُمْ كُفَّارًا بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا قَبُولَ لِرِوَايَتِهِ فِي الدِّينِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا شُرْبُ النَّبِيذِ) مِنْ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخِهِ وَإِنْ اشْتَدَّ مَا لَمْ يُسْكِرْ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ (وَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ) بِالشِّينِ مُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ بِلَا قِمَارٍ بِهِ (وَأَكْلُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا مِنْ مُجْتَهِدٍ

وَمُقَلِّدِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (فَلَيْسَ بِفِسْقٍ) إذْ لَوْ فَسَّقْنَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا لَفَسَّقْنَا بِارْتِكَابِ عَمَلٍ مُتَفَرِّعٍ عَلَى رَأْيٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّ عَلَى الْمُجْتَهِدِ اتِّبَاعَ ظَنِّهِ وَعَلَى الْمُقَلِّدِ اتِّبَاعَ مُقَلَّدِهِ وَإِنَّهُ بَاطِلٌ (وَمِنْهَا رُجْحَانُ ضَبْطِهِ عَلَى غَفْلَتِهِ لِيَحْصُلَ الظَّنُّ) بِصِدْقِهِ إذْ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَالْحُجَّةُ هِيَ الْكَلَامُ الصِّدْقُ (وَيُعْرَفُ) رُجْحَانُ ضَبْطِهِ (بِالشُّهْرَةِ وَبِمُوَافَقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِهِ) أَيْ بِالضَّبْطِ فِي رِوَايَتِهِمْ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى (أَوْ غَلَبَتِهَا) أَيْ الْمُوَافَقَةِ (وَإِلَّا) إنْ لَمْ يَعْرِفْ رُجْحَانَ ضَبْطِهِ بِذَلِكَ (فَغَفْلَةٌ وَأَمَّا) ضَبْطُ الْمَرْوِيِّ (فِي نَفْسِهِ) أَيْ الرَّاوِي (فَلِلْحَنَفِيَّةِ تَوَجُّهُهُ بِكُلِّيَّتِهِ إلَى كُلِّهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ ثُمَّ حِفْظُهُ بِتَكْرِيرِهِ ثُمَّ الثَّبَاتُ) عَلَيْهِ (إلَى أَدَائِهِ) (وَمِنْهَا الْعَدَالَةُ حَالَ الْأَدَاءِ وَإِنْ تَحَمَّلَ فَاسِقًا إلَّا بِفِسْقٍ) تَعَمَّدَ (الْكَذِبَ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ أَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ) كَأَبِي بَكْرٍ الْحُمَيْدِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَالصَّيْرَفِيُّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ يُوجِبُ مَنْعَ قَبُولِ رِوَايَتِهِ أَبَدًا وَكَأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَهُوَ ثَابِتٌ بِالتَّوَاتُرِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالِدُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ وَيُرَاقُ دَمُهُ لَكِنْ ضَعَّفَهُ وَلَدُهُ وَعَدَّهُ مِنْ هَفَوَاتِهِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ ثُمَّ قَالَ وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ كُفْرٌ مَحْضٌ (وَالْوَجْهُ الْجَوَازُ) لِرِوَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ (بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ) لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَقَبُولِ رِوَايَتِهِ بَعْدَ صِحَّةِ التَّوْبَةِ بِشُرُوطِهَا وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ مَنْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَعَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ (وَهِيَ) أَيْ الْعَدَالَةُ (مَلَكَةٌ) أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ (تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى) أَيْ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ مُكَفَّرَةٌ بِاجْتِنَابِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] (وَالْمُرُوءَةِ) بِالْهَمْزِ وَيَجُوزُ تَرْكُهُ مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ وَهِيَ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ الْأَدْنَاسِ وَمَا يَشِينُهَا عِنْدَ النَّاسِ وَقِيلَ أَنْ لَا يَأْتِيَ مَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ مِمَّا يَبْخَسُهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَضْلِ وَقِيلَ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَحِفْظُ اللِّسَانِ وَتَجَنُّبُ السُّخْفِ وَالْمُجُونِ وَالِارْتِفَاعِ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ وَالسُّخْفُ رِقَّةُ الْعَقْلِ (وَالشَّرْطُ) لِقَبُولِ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ (أَدْنَاهَا) أَيْ الْعَدَالَةِ (تَرْكُ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ) لِأَنَّ الصَّغَائِرَ قَلَّ مَنْ سَلِمَ مِنْهَا إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَالْإِصْرَارُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ تَكْرَارًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِدِينِهِ إشْعَارَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ بِذَلِكَ اهـ وَمِنْ هُنَا قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ تَرْكِ الْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ لِدُخُولِهِ فِي تَرْكِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَبِيرَةٌ. قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَالْقُضَاعِيُّ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ وَابْنُ شَاهِينَ فَلَعَلَّ ذِكْرَهُ مَخَافَةُ تَوَهُّمِ عَدَمِ دُخُولِهِ فِي تَرْكِ الْكَبَائِرِ أَوْ مُوَافَقَةٌ لِمَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَصِيرُ بِالْإِصْرَارِ كَبِيرَةً كَمَا أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تَصِيرُ بِالْمُوَاظَبَةِ كُفْرًا وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الصَّغَائِرُ مُخْتَلِفَةُ النَّوْعِ يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ يُشْعِرُ مَجْمُوعُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِهِ الْإِصْرَارُ عَلَى أَصْغَرِ الصَّغَائِرِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ) أَيْ وَتَرْكِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا أَيْضًا (وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ الشِّرْكَ وَالْقَتْلَ وَقَذْفَ الْمُحْصَنَةَ وَالزِّنَى وَالْفِرَارَ مِنْ الزَّحْفِ وَالسِّحْرَ وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَالْإِلْحَادَ فِي الْحَرَمِ أَيْ الظُّلْمَ وَفِي بَعْضِهَا) أَيْ الطُّرُقِ (الْيَمِينُ الْغَمُوسُ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا مَجْمُوعَةً فِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا مَرْفُوعَةً وَلَا مَوْقُوفَةً ثُمَّ قَوْلُ شَيْخِنَا الْحَافِظِ وَقَعَ لَهُ مَجْمُوعُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى كَمَا هِيَ كَذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي رِوَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ وَفِي أُخْرَى مَرْفُوعَةٍ لَكِنْ تَصَحَّفَ الرِّبَا بِالزِّنَى لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْ سِيَاقِ بَيَانِهِ بَلْ إنَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ وُجُودُ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةِ الطُّرُقِ فَإِنَّهُ أَسْنَدَ إلَى الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا إنَّمَا هِيَ تِسْعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ نَسَمَةٍ يَعْنِي بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ وَالْفِرَارُ

مِنْ الزَّحْفِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَاَلَّذِي يَسْتَسْحِرُ وَالْإِلْحَادُ فِي الْمَسْجِدِ يَعْنِي الْحَرَامَ وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنْ الْعُقُوقِ ثُمَّ قَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ طَيْسَلَةَ بْنِ مَيَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ طَيْسَلَةَ مِثْلُ هَذَا السِّيَاقِ لَكِنْ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ إسْنَادًا لِأَنَّ أَيُّوبَ بْنَ عُتْبَةَ مَوْصُوفٌ بِسُوءِ الْحِفْظِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي عَدِّ الْخِصَالِ فَرَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ أَيُّوبَ كَمَا ذَكَرْنَا وَرَوَاهُ حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَيُّوبَ فَأَسْقَطَ خَصْلَتَيْنِ ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى حُسَيْنٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ طَيْسَلَةَ قَالَ «سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ قُلْت أَقَبْلَ الدَّمِ؟ قَالَ نَعَمْ، وَرَغْمًا، وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَصَمِّ عَنْ عَبَّاسٍ الدَّوْرِيِّ وَخَالَفَهُ حَسَنُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ فَذَكَرَ الزِّنَى بَدَلَ خَصْلَةً مِنْ السَّبْعِ أَخْرَجَهُ الْبَرْدِيجِيُّ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَعَدَّ الْخِصَالَ كَمَا فِي رِوَايَةِ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ لَكِنْ ذَكَرَ بَدَلَ الْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ وَرِجَالُ هَذَا رِجَالُ الصَّحِيحِ لَكِنَّ الْجَرِيرِيَّ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عُمَرَ فَإِنْ كَانَ حَمَلَهُ عَنْ ثِقَةٍ فَمُتَابَعَةٌ قَوِيَّةٌ لِرِوَايَةِ طَيْسَلَةَ. وَإِذَا جَمَعْت الْخِصَالَ فِي هَذِهِ الطُّرُقِ زَادَتْ خَصْلَتَيْنِ عَلَى التِّسْعِ وَهُمَا الزِّنَى وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ وَأَقْوَى طُرُقِهِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْفَضْلِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَافِظُ فَذَكَرَ سَنَدَهُ إلَى عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُصَلُّونَ وَمَنْ يُقِيمُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَمَنْ يُؤْتِي زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ وَمَنْ يَصُومُ رَمَضَانَ يَحْتَسِبُ صَوْمَهُ وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَمْ الْكَبَائِرِ قَالَ هِيَ تِسْعٌ أَعْظَمُهُنَّ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ وَالسِّحْرُ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا لَا يَمُوتُ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ بِهَذِهِ الْخِصَالِ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَصُومُ رَمَضَانَ إلَّا رَافَقَ مُحَمَّدًا فِي بُحْبُوحَةِ جَنَّةٍ أَبْوَابُهَا مَصَارِيعُ الذَّهَبِ» قَالَ شَيْخُنَا حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مُقْتَصِرًا عَلَى ذِكْرِ الْكَبَائِرِ دُونَ أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَآخِرِهِ وَالْحَاكِمُ بِتَمَامِهِ وَقَالَ قَدْ احْتَجَّا بِرُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سِنَانٍ اهـ مُلَخَّصًا (وَزَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَكْلَ الرِّبَا) كَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِثُبُوتِهِ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي الصَّحِيحَيْنِ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ وَتَفْسِيرِ ابْنِ الْمُنْذِرِ بِلَفْظِ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ. الْحَدِيثَ. فَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ وَالْمُوبِقَةَ مُتَرَادِفَتَانِ فَلَا يَتِمُّ قَوْلُ السُّبْكِيّ الْمُوبَقَةُ أَخَصُّ مِنْ الْكَبِيرَةِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْكَبَائِرُ (وَعَنْ عَلِيٍّ إضَافَةُ السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ) إلَى الْكَبَائِرِ أَيْضًا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا لَكِنْ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَسَأَلْت الْمَشَايِخَ عَنْهُ فَلَمْ يَحْضُرْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَالسَّرِقَةُ لَا نَعْرِفُ لَهَا إسْنَادًا عَنْهُ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَالْخَمْرُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ مُدْمِنَهُ كَعَابِدِ وَثَنٍ اهـ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا قَالَ «قَالَ لِي جِبْرِيلُ يَا مُحَمَّدُ إنَّ مُدْمِنَ خَمْرٍ كَعَابِدِ وَثَنٍ» ثُمَّ قَالَ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ «شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ» نَعَمْ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرَأَيْتُمْ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَشَارِبَ الْخَمْرِ مَا تَقُولُونَ فِيهِمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هُنَّ فَوَاحِشُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَةٌ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاحْتَفَزَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلِ الزُّورِ أَلَا وَقَوْلِ الزُّورِ» قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَزِيزٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَعَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ أَمِنْ الْكَبَائِرِ هِيَ قَالَ لَا

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلِمَ قَالَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَزَنَى وَتَرَكَ الصَّلَاةَ فَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا لَكِنْ ضَبَّبَ عَلَى لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَكَذَا أَخْرَجَهُ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ (وَفِي) الْحَدِيثِ (الصَّحِيحِ) الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (قَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ) مَعْدُودَانِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَيْضًا وَهَلْ يَتَقَيَّدُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِقَدْرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ تَرَدَّدَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَزَمَ الْقَرَافِيُّ بِعَدَمِ التَّقَيُّدِ بِهِ. وَقَالَ وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا فَلْسًا (وَمِمَّا عُدَّ) مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ (الْقِمَارُ وَالسَّرَفُ وَسَبُّ السَّلَفِ الصَّالِحِ) أَيْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَوْلُهُ (وَالطَّعْنُ فِي الصَّحَابَةِ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (وَالسَّعْيُ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ وَعُدُولُ الْحَاكِمِ عَنْ الْحَقِّ) . قُلْتُ وَفِي هَذِهِ نُصُوصٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تُفِيدُ تَحْرِيمَهَا مَعْرُوفَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا وَأَمَّا النَّصُّ الصَّرِيحُ السَّمْعِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَبَائِرُ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِذَلِكَ نَعَمْ يُسْتَفَادُ كَوْنُهَا كَبَائِرَ مِنْ بَعْضِ ضَوَابِطِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَيَكَادُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ آيَةِ الْمُحَارَبَةِ وَمِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] وَمِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا مِنْ بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ نَصًّا صَرِيحًا فِي كَوْنِ السَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَالْحُكْمِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَالطَّعْنِ فِي الصَّحَابَةِ كَبِيرَةٌ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِلَا عُذْرٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ 0 تَرْكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِلَا عُذْرٍ أَوْلَى بِذَلِكَ أَيْضًا (وَقِيلَ الْكَبِيرَةُ مَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ) أَيْ مَا تَوَعَّدَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ (بِخُصُوصِهِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ لِلْأَصْحَابِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَهَذَا الْقَوْلُ جَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَعْلَاهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ عَنْهُ قَالَ كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنٍ أَوْ عَذَابٍ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ أَسَبْعٌ هِيَ قَالَ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ وَبِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفِي بَعْضِهَا أَوْ سَبْعُمِائَةٍ وَكَأَنَّهَا شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي أَوْ مُبَالَغَةٌ وَقِيلَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُمْ إلَى تَرْجِيحِهِ أَمْيَلُ اهـ وَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ عِدَّةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا كَأَكْلِ الرِّبَا وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالْعُقُوقِ فَالْأَوَّلُ أَمْثَلُ (قِيلَ وَكُلُّ مَا مَفْسَدَتُهُ كَأَقَلِّ مَا رُوِيَ مَفْسَدَةً فَأَكْثَرَ فَدَلَالَةُ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِلِاسْتِئْصَالِ أَكْثَرُ مِنْ الْفِرَارِ وَإِمْسَاكُ الْمُحْصَنَةِ لِيُزْنَى بِهَا أَكْثَرُ مِنْ قَذْفِهَا، وَمَنْ جَعَلَ الْمُعَوَّلَ) أَيْ الضَّابِطَ لِلْكَبِيرَةِ (أَنْ يَدُلَّ الْفِعْلُ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِأَمْرِ دِينِهِ ظَنَّهُ) أَيْ هَذَا الضَّابِطَ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ مَا قَبْلَهُ (مَعْنًى) وَالْحَالُ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُلَازَمَةً وَكَأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِمَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالدِّينِ دَلَالَةَ أَدْنَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْأُمُورِ اهـ. أَيْ مَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا فِي دِينِهِ إشْعَارَ مَا هُوَ الْأَصْغَرُ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَعَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْقَيْدَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ لِلْمُعَرَّضِ بِهِ (وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ صَغَائِرُ دَالَّةٌ عَلَى خِسَّةٍ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَاشْتِرَاطِ) أَخْذِ الْأُجْرَةِ (عَلَى) سَمَاعِ (الْحَدِيثِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ وَلَا يَعْرَى إطْلَاقُ هَذَا عَنْ نَظَرٍ نَعَمْ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ إلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ مَنْ أَخَذَ عَلَى التَّحْدِيثِ أَجْرًا وَرَخَّصَ آخَرُونَ فِيهِ كَالْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيِّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّ فِي هَذَا مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ خَرْمًا لِلْمُرُوءَةِ وَالظَّنُّ يُسَاءُ بِفَاعِلِهِ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ ذَلِكَ بِعُذْرٍ يَنْفِي ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ فَقِيرًا مُعِيلًا وَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِالتَّحْدِيثِ يَمْنَعُهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ لِعِيَالِهِ (وَبَعْضِ مُبَاحَاتٍ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ) فَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

قَالَ «الْأَكْلُ فِي السُّوقِ دَنَاءَةٌ» وَفِي فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَنْصِبَ مَائِدَةً وَيَأْكُلَ وَعَادَةُ مِثْلِهِ خِلَافُهُ فَلَوْ كَانَ مِمَّنْ عَادَتُهُ ذَلِكَ كَالصَّنَّاعِينَ وَالسَّمَاسِرَةِ أَوْ كَانَ فِي اللَّيْلِ فَلَا وَكَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ وَالشُّرْبِ مِنْ سِقَايَاتِ الْأَسْوَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سُوقِيًّا أَوْ غَلَبَهُ الْعَطَشُ. (وَالْبَوْلُ فِي الطَّرِيقِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ أَيْضًا قُلْت وَفِي إبَاحَتِهِ نَظَرٌ لِلْأَمْرِ بِاتِّقَاءِ ذَلِكَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَلِمَا فِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (وَالْإِفْرَاطُ فِي الْمَزْحِ الْمُفْضِي إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِهِ وَصُحْبَةُ الْأَرْذَالِ وَالِاسْتِخْفَافُ بِالنَّاسِ وَفِي إبَاحَةِ هَذَا) أَيْ الِاسْتِخْفَافِ بِالنَّاسِ (نَظَرٌ) . قُلْت وَكَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَمْطُ النَّاسِ احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ كَمَا يُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْحَاكِمِ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ (وَتَعَاطَى الْحِرَفَ الدَّنِيئَةَ) بِالْهَمْزِ مِنْ الدَّنَاءَةِ وَهِيَ السُّقَاطَةُ الْمُبَاحَةُ (كَالْحِيَاكَةِ وَالصِّيَاغَةِ) وَالْحِجَامَةِ وَالدَّبَّاغَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَلِيقُ بِأَرْبَابِ الْمُرُوآتِ وَأَهْلِ الدِّيَانَاتِ فِعْلُهَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي تَرْكِهَا كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ وَفِي بَعْضِ فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنْ اعْتَادَهَا وَكَانَتْ حِرْفَةَ أَبِيهِ فَلَا فِي الْأَصَحِّ لَكِنْ فِي الرَّوْضَةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الْقَيْدِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقَيَّدَ بِصَنْعَةِ آبَائِهِ بَلْ يَنْظُرُ هَلْ تَلِيقُ بِهِ هُوَ أَمْ لَا (وَلِبْسُ الْفَقِيهِ قَبَاءً وَنَحْوَهُ) كَالْقَلَنْسُوَةِ التُّرْكِيَّةِ فِي بَلَدٍ لَمْ يَعْتَادُوهُ (وَلِعْبُ الْحَمَامِ) إذَا لَمْ يَكُنْ قِمَارًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُسْتَخَفٌّ بِهِ يُوجِبُ فِي الْغَالِبِ اجْتِمَاعًا مَعَ الْأَرْذَالِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْكَذِبِ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِهِ لِأَنَّ مَنْ لَا يَجْتَنِبُ هَذِهِ الْأُمُورَ فَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ الْكَذِبَ فَلَا يُوثَقُ بِقَوْلِهِ وَلَا يُظَنُّ صِدْقُهُ فِي رِوَايَتِهِ (وَأَمَّا) (الْحُرِّيَّةُ وَالْبَصَرُ وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ وَ) عَدَمُ (الْوِلَادِ وَ) عَدَمُ (الْعَدَاوَةِ) الدُّنْيَوِيَّةِ (فَتَخْتَصُّ بِالشَّهَادَةِ) أَيْ تُشْتَرَطُ فِيهَا لَا فِي الرِّوَايَةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَإِلَى الْإِشَارَةِ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ فِيمَا يَجِبُ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ إلَّا بِالنَّغْمَةِ وَفِي التَّمْيِيزِ بِهَا شُبْهَةٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ فَلَمْ يَقَعْ ضَرُورَةً إلَى إهْدَارِ هَذِهِ التُّهْمَةِ وَالثَّانِي مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ مُطْلَقًا وَهَذَا الِاحْتِيَاجُ بِجُمْلَتِهِ مُنْتَفٍ فِي الرِّوَايَةِ فَكَانَ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى فِيهَا سَوَاءً وَقَدْ اُبْتُلِيَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِكَفِّ الْبَصَرِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ عَنْ قَبُولِ رِوَايَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ فَحْصٍ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ الْعَمَى أَوْ بَعْدَهُ وَلَا شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِي غَيْرِ هِلَالِ رَمَضَانَ لِأَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى كَمَالِ وِلَايَةِ الشَّاهِدِ إذْ هِيَ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةُ تُعْدَمُ بِالرِّقِّ أَصْلًا وَالرِّوَايَةُ لَا تَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُ السَّامِعَ مِنْ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْمَرْوِيِّ لَيْسَ بِإِلْزَامِ الرَّاوِي عَلَيْهِ بَلْ بِالْتِزَامِهِ طَاعَةَ الشَّارِعِ بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مُفْتَرِضُ الطَّاعَةِ فَإِذَا تَرَجَّحَ صِدْقُ الرَّاوِي يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِ بِاعْتِبَارِ اعْتِقَادِهِ امْتِثَالَ مَا يَرِدُ مِنْ الشَّارِعِ كَالْقَاضِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ بِالْتِزَامِهِ وَتَقَلُّدِهِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ لَا بِإِلْزَامِ الْمُدَّعِي أَوْ الشَّاهِدِ وَلِأَنَّ حُكْمَ الْمَرْوِيِّ يَلْزَمُ الرَّاوِيَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْوِلَايَةُ وَلِهَذَا جَعَلَ الْعَبْدَ كَالْحُرِّ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ عَلَى الْغَيْرِ ابْتِدَاءً فَلَا بُدَّ مِنْ كَمَالِ الْوِلَايَةِ لِلشَّاهِدِ لِيُمْكِنَ الْإِلْزَامُ بِشَهَادَتِهِ وَلَا شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ بِالنَّصِّ كَمَا عُرِفَ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ (نَفْيُ) قَبُولِ (رِوَايَتِهِ) لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِكَذِبِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] . وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ عَدَمُ الْحَدِّ مُخْتَصًّا بِالشَّهَادَةِ (وَالظَّاهِرُ) مِنْ الْمَذْهَبِ (خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ قَبُولِ رِوَايَتِهِ (لِقَبُولِ) الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ رِوَايَةَ (أَبِي بَكْرَةَ) مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالِ أَحَدٍ بِطَلَبِ التَّارِيخِ فِي خَبَرِهِ أَنَّهُ رَوَاهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَمْ قَبْلَهُ وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ الْحَدِّ مُخْتَصٌّ بِالشَّهَادَةِ

لِمَا ذَكَرْنَا وَرِوَايَةُ الْخَبَرِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا وَلَا شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لِمَا رَوَى الْخَصَّافُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ» وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِي الظِّنَّةِ وَلَا ذِي الْحِنَةِ» وَالظِّنَّةُ التُّهْمَةُ وَالْحِنَةُ الْعَدَاوَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَالرِّوَايَةُ لَيْسَتْ فِي هَذَا كَالشَّهَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَظَهَرَ) مِنْ ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ مُرَادًا بِهَا أَدْنَاهَا وَتَفْسِيرُهَا وَتَفْسِيرُهُ (أَنَّ شَرْطَ الْعَدَالَةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ شَرَطَ الْإِسْلَامَ بِالْبَيَانِ إجْمَالًا) بِأَنْ يَقُولَ عَنْ تَصْدِيقٍ قَلْبِيٍّ آمَنْت بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ تَفْصِيلًا حَرَجًا (أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ بَيَانِ الْإِسْلَامِ إجْمَالًا (مِنْ الصَّلَاةِ) فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَالزَّكَاةِ وَأَكْلِ ذَبِيحَتِنَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (دُونَ النَّشْأَةِ فِي الدَّارِ) أَيْ دَارِ الْإِسْلَامِ (بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِهَذَا الْإِسْلَامِ الْحُكْمِيِّ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا ظَهَرَ عَدَمُ الْحَاجَةِ إلَى ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ مِنْ ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ مُرَادًا بِهَا أَدْنَاهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا وَتَفْسِيرِهِ لِظُهُورِ انْتِفَائِهَا فِيهِ وَكَيْفَ لَا وَالْكُفْرُ أَعْظَمُ الْكَبَائِرِ فَالِاعْتِذَارُ عَنْ ذِكْرِهِ مَعَ ذِكْرِهَا بِأَنَّ عَدَمَ ذِكْرِهِ رُبَّمَا أَوْهَمَ قَبُولَ خَبَرِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ قَدْ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ وَلِهَذَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ عَدَالَةِ الْكَافِرِ إذَا شَهِدَ عَلَى مِثْلِهِ وَطَعْنُ الْخَصْمِ فِيهِ سَاقِطٌ وَوَصْفُ الْكَافِرِ بِهَا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مَجَازٌ عَنْ اسْتِقَامَتِهِ عَلَى مُعْتَقِدِهِ وَحُسْنِ سِيرَتِهِ فِي مُعَامَلَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (ثُمَّ الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا هَذَا) كُلَّهُ (فِي الرِّوَايَةِ) لِلْأَخْبَارِ (وَفِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الرِّوَايَةِ (لَا يُقْبَلُ الْكَافِرُ مُطْلَقًا فِي الدِّيَانَاتِ كَنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ وَإِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ) أَيْ السَّامِعِ (صِدْقُهُ) أَيْ الْكَافِرِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى الْغَيْرِ وَفِي قَبُولِ خَبَرِهِ جَعَلَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ (إلَّا أَنَّ فِي النَّجَاسَةِ تُسْتَحَبُّ إرَاقَتُهُ) أَيْ الْمَاءِ (لِلتَّيَمُّمِ دَفْعًا لِلْوَسْوَسَةِ الْعَادِيَّةِ) لِأَنَّ احْتِمَالَ الصِّدْقِ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَنْ خَبَرِهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي الصِّدْقَ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ لَا تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِالتَّوَضُّؤِ بِهِ بَلْ تَتَنَجَّسُ الْأَعْضَاءُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْإِرَاقَةِ ثُمَّ التَّيَمُّمُ لِتَحْصُلَ الطَّهَارَةُ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ النَّجَاسَةِ بِيَقِينٍ (وَلَا تَجُوزُ) الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ (قَبْلَهَا) أَيْ إرَاقَتِهِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ الطَّاهِرِ ظَاهِرًا (بِخِلَافِ) (خَبَرِ الْفَاسِقِ بِهِ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ (وَبِحِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ يَحْكُمُ) السَّامِعُ (رَأْيَهُ فَيَعْمَلُ بِالنَّجَاسَةِ وَالْحُرْمَةِ إنْ وَافَقَهُ) أَيْ رَأْيَهُ كُلًّا مِنْهُمَا لِأَنَّ أَكْثَرَ الرَّأْيِ فِيمَا لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَبَنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَالْيَقِينِ (وَالْأَوْلَى إرَاقَةُ الْمَاءِ) لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فَيُرِيقُهُ لِيَصِيرَ عَادِمًا لِلْمَاءِ (لِيَتَيَمَّمَ) أَيْ لِيَجُوزَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِيَقِينٍ (وَتَجُوزُ) صَلَاتُهُ (بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ بَلْ تَجِبُ (إنْ لَمْ يُرِقْهُ) لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا كَانَ خَبَرُ الْفَاسِقِ بِهِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْكَافِرِ بِهِ (لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِهِ يَتَعَرَّفُ مِنْهُ) أَيْ الْفَاسِقِ (لَا مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الْفَاسِقِ (لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَاصٌّ) بِالنِّسْبَةِ إلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ يَعْنِي لَيْسَ بِأَمْرٍ يَقِفُ عَلَيْهِ جَمِيعُ النَّاسِ حَتَّى يُمْكِنَ تَلَقِّيهِ مِنْ الْعُدُولِ بَلْ رُبَّمَا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ إلَّا الْفَاسِقُ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْفَيَافِيِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْغَالِبُ فِيهِمَا الْفُسَّاقُ فَقُبِلَ مَعَ التَّحَرِّي لِأَجْلِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ (لَكِنَّهَا) أَيْ النَّجَاسَةَ (غَيْرُ لَازِمَةٍ) لِلْمَاءِ بَلْ عَارِضَةٌ عَلَيْهِ (فَضَمَّ التَّحَرِّيَ) إلَى إخْبَارِهِ (كَيْ لَا يُهْدَرَ فِسْقُهُ بِلَا مُلْجِئٍ وَالطَّهَارَةُ) تَثْبُتُ (بِالْأَصْلِ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِيهِ فَيَعْمَلُ بِهِ عِنْدَ تَعَارُضِ جِهَتَيْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي خَبَرِهِ (بِخِلَافِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ فِي عُدُولِ الرُّوَاةِ كَثْرَةً بِهِمْ غُنْيَةٌ) عَنْ الْفَسَقَةِ فَلَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الْفَاسِقِ أَصْلًا وَقَعَ فِي قَلْبِ السَّامِعِ صِدْقُهُ أَوَّلًا لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ خَبَرِ الْفَاسِقِ (فِي الْهَدِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَمَا لَا إلْزَامَ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ) حَيْثُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ ضَمِّ التَّحَرِّي إلَيْهِ (لِلُزُومِهَا) أَيْ الضَّرُورَةِ (لِلْكَثْرَةِ) لِوُجُودِهَا. (وَلَا دَلِيلَ) مُتَيَسِّرٍ (سِوَاهُ) أَيْ خَبَرِ الْفَاسِقِ فَإِنَّهُ

مسألة مجهول الحال هل تقبل روايته

لَا يَتَيَسَّرُ لِكُلِّ مُهْدٍ أَوْ مُرْسِلٍ بِخَبَرِ وَكَالَةٍ وَنَحْوِهَا كُلَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ عَدْلٌ يَقُومُ بِهِ وَقَدْ جَرَتْ السُّنَّةُ وَالتَّوَارُثُ بِإِرْسَالِ الْهَدِيَّةِ عَلَى يَدِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ لَا وَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ أَصْلًا إلَى حَالِ الْوَاصِلِ بِهَا فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى الْقَبُولِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ الْفَاسِقِ (الْمَسْتُورُ) وَهُوَ مَنْ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ وَلَا فِسْقُهُ (فِي الصَّحِيحِ) فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُ حُجَّةً حَتَّى تَظْهَرَ عَدَالَتُهُ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَالْعَدْلِ فِي الْإِخْبَارِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذَا الْفَصْلَ (وَأَمَّا) (الْمَعْتُوهُ وَالصَّبِيُّ فِي نَحْوِ النَّجَاسَةِ) أَيْ الْإِخْبَارِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَبِطَهَارَتِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا مِنْ الدِّيَانَاتِ (كَالْكَافِرِ) فِي عَدَمِ قَبُولِ أَخْبَارِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا عَلَى نَفْسِهِمَا فَعَلَى غَيْرِهِمَا أَوْلَى عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مَرْفُوعُ الْقَلَمِ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ الْكَذِبِ لِعَدَمِ الْوَازِعِ وَالرَّادِعِ لَهُ لِكَوْنِهِ مَأْمُونَ الْعِقَابِ فَلَا يُؤْتَمَنُ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِثْلُهُ الْمَعْتُوهُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمَا احْتِيَاطًا (وَكَذَا) (الْمُغَفَّلُ) أَيْ الشَّدِيدُ الْغَفْلَةِ وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ عَلَى طَبْعِهِ الْغَفْلَةُ وَالنِّسْيَانُ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ (وَالْمُجَازِفُ) الَّذِي يَتَكَلَّمُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاطٍ غَيْرِ مُبَالٍ بِالسَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَلَا مُشْتَغِلٍ بِالتَّدَارُكِ بَعْدَ الْعِلْمِ كَالْكَافِرِ فِي عَدَمِ قَبُولِ أَخْبَارِهِ لِأَنَّ مَعْنَى السَّهْوِ وَالْغَلَطِ فِي رِوَايَتِهِمَا يَتَرَجَّحُ بِاعْتِبَارِ الْغَفْلَةِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ كَمَا يَتَرَجَّحُ الْكَذِبُ بِاعْتِبَارِ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ [مَسْأَلَةٌ مَجْهُولُ الْحَالِ هَلْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ] (مَسْأَلَةٌ مَجْهُولُ الْحَالِ وَهُوَ الْمَسْتُورُ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ) مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ (قَبُولُ مَا لَمْ يَرُدَّهُ السَّلَفُ وَجْهُهَا) أَيْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ (ظُهُورُ الْعَدَالَةِ بِالْتِزَامِهِ الْإِسْلَامَ «وَلَأُمِرْت أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ» ) وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ قَرِيبًا (وَدُفِعَ) وَجْهُهَا (بِأَنَّ الْغَالِبَ أَظْهَرُ وَهُوَ) أَيْ الْغَالِبُ (الْفِسْقُ) فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ (فَيُرَدُّ) خَبَرُهُ (بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْغَالِبِ (مَا لَمْ تَثْبُتْ الْعَدَالَةُ بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْتِزَامِهِ الْإِسْلَامَ (وَقَدْ يَنْفَصِلُ) الْقَائِلُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ (بِأَنَّ الْغَلَبَةَ) لِلْفِسْقِ (فِي غَيْرِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ) لَا فِي الرُّوَاةِ الْمَاضِينَ لَهُ (وَيَدْفَعُ) هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنُ الْغَلَبَةِ فِي غَيْرِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ (فِي الْمَعْرُوفِينَ) مِنْهُمْ (لَا فِي الْمَجْهُولِينَ مِنْهُمْ) وَكَلَامُنَا فِي الْمَجْهُولِينَ مِنْهُمْ (وَالِاسْتِدْلَالُ) لِلرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ (بِأَنَّ الْفِسْقَ سَبَبُ التَّثَبُّتِ فَإِذَا انْتَفَى) الْفِسْقُ (انْتَفَى) وُجُوبُ التَّثَبُّتِ (وَانْتِفَاؤُهُ) أَيْ الْفِسْقِ (بِالتَّزْكِيَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى) صِحَّةِ (هَذَا الدَّافِعِ إذْ يُورَدُ عَلَيْهِ) أَيْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ (مَنْعُ الْحَصْرِ) فِي التَّزْكِيَةِ (بِالْإِسْلَامِ) أَيْ بِالْتِزَامِهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْكَفَّ عَنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ كَالتَّزْكِيَةِ (وَيُدْفَعُ) بِأَنَّ الظَّاهِرَ بِالْكَثْرَةِ أَظْهَرُ مِنْهُ وَالْمَجْهُولُونَ مِنْ النَّقَلَةِ لَمْ تَثْبُتْ فِيهِمْ غَلَبَةُ الْعَدَالَةِ فَكَانُوا كَغَيْرِهِمْ (وَأَمَّا ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ فَعَدْلٌ وَاجِبُ الْقَبُولِ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مَسْتُورًا بَعْضٌ) مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَالْبَغَوِيِّ ثُمَّ قَوْلُ الْبَيْهَقِيّ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْتَجُّ بِأَحَادِيثِ الْمَجْهُولِينَ قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ عَدَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ بِالْتِزَامِهِ أَوَامِرَ اللَّهِ وَنَوَاهِيَهُ وَكَوْنِ بَاطِنِ أَمْرِهِ غَيْرِ مَعْلُومٍ لَا يُصَيِّرُهُ مَرْدُودًا مَجْهُولًا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ أَوْرَدَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِمَا إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ فِي الظَّاهِرِ صَرِيحٌ فِي قَبُولِ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْمَجْهُولِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ لِمَنْ هُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مَسْتُورٌ وَهَذَا هُوَ الْمُسْتَقِرُّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَلِذَا أَعْطَى حُكْمَ مَجْهُولِ الْحَالِ عَدَمَ الْقَبُولِ وَسَمَّاهُ مَسْتُورًا وَجَعَلَ مَنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ مُقَابِلًا لَهُ فَهُوَ عَدْلٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ وَاجِبُ الْقَبُولِ [مَسْأَلَةٌ الشُّهْرَةَ لِلرَّاوِي بِالْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ] (مَسْأَلَةٌ عُرِفَ أَنَّ الشُّهْرَةَ) لِلرَّاوِي بِالْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ وَغَيْرِهِمْ (مُعَرَّفُ الْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ كَمَالِكٍ وَالسُّفْيَانَيْنِ) الثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ (وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِمْ) كَوَكِيعٍ وَأَحْمَدَ وَابْنِ مَعِينٍ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ فِي نَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَاسْتِقَامَةِ الْأَمْرِ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْحَاصِلَ بِهَا) أَيْ بِالشُّهْرَةِ بِهِمَا (مِنْ الظَّنِّ) بِهِمَا فِي الْمَشْهُورِ بِهِمَا (فَوْقَ التَّزْكِيَةِ وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ سَأَلَهُ عَنْ إِسْحَاقَ) بْنِ رَاهْوَيْهِ فَقَالَ مِثْلُ إِسْحَاقَ يُسْأَلُ عَنْهُ (وَابْنُ مَعِينٍ) عَلَى مَنْ سَأَلَهُ (عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يُسْأَلُ عَنْ النَّاسِ، وَ) تَثْبُتُ الْعَدَالَةُ أَيْضًا (بِالتَّزْكِيَةِ

وَأَرْفَعُهَا) أَيْ مَرَاتِبِهَا عَلَى مَا ذَكَرَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ (قَوْلُ الْعَدْلِ نَحْوَ حُجَّةٍ ثِقَةٍ بِتَكْرِيرٍ لَفْظًا) كَثِقَةٍ ثِقَةٍ حُجَّةٍ حُجَّةٍ (أَوْ مَعْنًى) كَثَبْتٍ حُجَّةٍ ثَبْتٍ حَافِظٍ ثِقَةٍ ثَبْتٍ ثِقَةٍ مُتْقِنٍ وَنَحْوِ هَذِهِ مِمَّا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِ هَذِهِ الْمَرْتَبَة وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَرْفَعُهَا الْوَصْفُ بِمَا دَلَّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ وَأَصْرَحُ ذَلِكَ التَّعْبِيرُ بِأَفْعَلَ كَأَوْثَقِ النَّاسِ أَوْ أَثْبَتِ النَّاسِ أَوْ إلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ ثُمَّ مَا تَأَكَّدَ مِنْ الصِّفَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْدِيلِ أَوْ وَصْفَيْنِ كَثِقَةٍ ثِقَةٍ أَوْ ثِقَةٍ حَافِظٍ (ثُمَّ) يَلِيهَا (الْإِفْرَادُ) كَحُجَّةٍ أَوْ ثِقَةٍ أَوْ مُتْقِنٍ. وَجَعَلَ الْخَطِيبُ هَذَا أَرْفَعَ الْعِبَارَاتِ (وَحَافِظٌ ضَابِطٌ تَوْثِيقٌ لِلْعَدْلِ يُصَيِّرُهُ كَالْأَوَّلِ) أَيْ تَكْرِيرِ التَّوْثِيقِ (ثُمَّ) يَلِيهَا (مَأْمُونٌ صَدُوقٌ وَلَا بَأْسَ وَهُوَ) أَيْ لَا بَأْسَ (عِنْدَ ابْنِ مَعِينٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إبْرَاهِيمَ كَثِقَةٍ عَلَى نَظَرٍ فِي عِبَارَةِ ابْنِ مَعِينٍ) عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ حَيْثُ قَالَ قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ إنَّك تَقُولُ فُلَانٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَفُلَانٌ ضَعِيفٌ قَالَ إذَا قُلْتُ لَكَ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ فَهُوَ ثِقَةٌ وَإِذَا قُلْتُ هُوَ ضَعِيفٌ فَلَيْسَ هُوَ بِثِقَةٍ لَا تَكْتُبْ حَدِيثَهُ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَلَمْ يَقُلْ ابْنُ مَعِينٍ قَوْلِي بِهِ بَأْسٌ كَقَوْلِي ثِقَةٌ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ التَّسَاوِي بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ إنَّمَا قَالَ إنَّ مَنْ قَالَ فِيهِ هَذَا فَهُوَ ثِقَةٌ وَلِلثِّقَةِ مَرَاتِبُ فَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ ثِقَةٌ أَرْفَعُ مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي مُطْلَقِ الثِّقَةِ (وَخِيَارُ تَعْدِيلٍ فَقَطْ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ كَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ إلَّا أَنَّهُ يَكْذِبُ وَلَا يَشْعُرُ ثُمَّ) يَلِيهَا (صَالِحٌ شَيْخٌ وَهُوَ) أَيْ شَيْخٌ (أَرْفَعُ مِنْ شَيْخٍ وَسَطٍ ثُمَّ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَصُوَيْلِحٌ) وَهَذِهِ كُلُّهَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا فِي الْمِيزَانِ فَإِنَّهُ قَالَ ثُمَّ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ وَجَيِّدُ الْحَدِيثِ وَصَالِحُ الْحَدِيثِ وَشَيْخٌ وَسَطٌ وَشَيْخٌ وَحُسْنُ الْحَدِيثِ وَصَدُوقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَصُوَيْلِحٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ اهـ. وَجَعَلَ الْعِرَاقِيُّ مِنْهَا مُتَقَارِبَ الْحَدِيثِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَأَرْجُو أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مَنْ قِيلَ فِيهِ صَالِحُ الْحَدِيثِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لِلِاعْتِبَارِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ مَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا دُونَ قَوْلِهِمْ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ وَأَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ نَظِيرَ مَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا أَوْ الْأُولَى أَرْفَعُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ حُصُولُ الرَّجَاءِ بِذَلِكَ (وَالْمَرْجِعُ الِاصْطِلَاحُ وَقَدْ يُخْتَلَفُ فِيهِ) كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ (وَفِي الْجُرْحِ) قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَسْوَأُ مَرَاتِبُهُ الْوَصْفُ بِمَا دَلَّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَأَصْرَحُ ذَلِكَ التَّعْبِيرُ بِأَفْعَلَ كَأَكْذَبِ النَّاسِ وَقَوْلِهِمْ إلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي الْوَضْعِ أَوْ هُوَ رُكْنُ الْكَذِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ (كَذَّابٌ وَضَّاعٌ دَجَّالٌ يَكْذِبُ هَالِكٌ) يَضَعُ الْحَدِيثَ أَوْ وَضَعَ حَدِيثًا وَالْأَلْفَاظُ الْأُوَلُ مِنْ هَذِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَوْعُ مُبَالَغَةٍ فَهِيَ دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا (ثُمَّ سَاقِطٌ) وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَنَّ أَدْوَنَ الْعِبَارَاتِ كَذَّابٌ سَاقِطٌ (مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ وَالْوَضْعِ) وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (ذَاهِبٌ) أَوْ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ (وَمَتْرُوكٌ) أَوْ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَمُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ تَرَكُوهُ (وَمِنْهُ لِلْبُخَارِيِّ فِيهِ نَظَرٌ وَسَكَتُوا عَنْهُ) فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ فِيمَنْ تَرَكُوا حَدِيثَهُ (لَا يُعْتَبَرُ بِهِ) لَا يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ (لَيْسَ بِثِقَةٍ) لَيْسَ بِالثِّقَةِ غَيْرِ ثِقَةٍ غَيْرِ (مَأْمُونٍ ثُمَّ رَدُّوا حَدِيثَهُ) رُدَّ حَدِيثُهُ مَرْدُودُ الْحَدِيثِ (ضَعِيفٌ جِدًّا، وَاهٍ بِمَرَّةٍ طَرَحُوا حَدِيثَهُ مُطْرَحٌ) مُطْرَحُ الْحَدِيثِ (ارْمِ بِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ) لَا شَيْءَ (لَا يُسَاوِي شَيْئًا فَفِي هَذِهِ) الْمَرَاتِبِ (لَا حُجِّيَّةَ وَلَا اسْتِشْهَادَ وَلَا اعْتِبَارَ) بِحَدِيثِ مَنْ قِيلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (ثُمَّ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مُضْطَرِبُهُ وَاهٍ ضَعَّفُوهُ) كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ ضَعَّفُوهُ فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ (لَا يُحْتَجُّ بِهِ ثُمَّ فِيهِ مَقَالٌ) اُخْتُلِفَ فِيهِ فِيهِ خِلْفٌ فِيهِ (ضَعْفُ ضُعِّفَ) عَلَى صِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ. وَكَذَا (تُعَرَّفُ وَتُنَكَّرُ لَيْسَ بِذَاكَ) لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيُّ لَيْسَ (بِالْقَوِيِّ) لَيْسَ (بِحُجَّةٍ) لَيْسَ (بِعُمْدَةٍ) لَيْسَ (بِالْمَرْضِيِّ) لَيْسَ بِالْمَتِينِ صَدُوقٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ حُجَّةٍ لِلضَّعْفِ مَا هُوَ (سَيِّئُ الْحِفْظِ لَيِّنٌ) لَيِّنُ الْحَدِيثِ فِيهِ لِينٌ تَكَلَّمُوا فِيهِ (وَيُخَرَّجُ) الْحَدِيثُ (فِي هَؤُلَاءِ) الْمَذْكُورِينَ فِي هَاتَيْنِ الْمَرْتَبَتَيْنِ (لِلِاعْتِبَارِ وَالْمُتَابَعَاتِ) عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ (إلَّا ابْنَ مَعِينٍ فِي ضَعِيفٍ) (وَيَثْبُتُ التَّعْدِيلُ) لِلشَّاهِدِ وَالرَّاوِي (بِحُكْمِ الْقَاضِي الْعَدْلِ) بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ (وَعَمَلِ الْمُجْتَهِدِ) الْعَدْلِ بِرِوَايَةِ الرَّاوِي وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ أَوْ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ فِي الْقَاضِي هَذَا فِي الْقَاضِي وَالْمُجْتَهِدِ (الشَّارِطِينَ) لِلْعَدَالَةِ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ

تنبيه حديث الضعيف للفسق لا يرتقي بتعدد الطرق إلى الحجية

وَإِلَّا لَكَانَ الْحَاكِمُ فَاسِقًا بِقَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ وَالْمُجْتَهِدُ فَاسِقًا بِعَمَلِهِ بِرِوَايَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ فِيهِمَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ عَدْلًا أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ فَحُكْمُهُ بِشَهَادَتِهِ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُجْتَهِدُ عَدْلًا فَعَمَلُهُ بِرِوَايَتِهِ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ ثُمَّ إنَّمَا يَكُونُ الْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِ تَعْدِيلًا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي الْعَمَلِ سِوَى رِوَايَتِهِ وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَمَلَهُ لَيْسَ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فِي الدِّينِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (لَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ) شَيْءٌ (سِوَى كَوْنُهُ) أَيْ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ (عَلَى وَفْقِهِ) أَيْ مَا رَوَاهُ الرَّاوِي الْمَذْكُورُ وَبَقِيَ هَلْ رِوَايَةُ الْعَدْلِ الْحَدِيثَ عَنْ الرَّاوِي تَعْدِيلٌ لَهُ قِيلَ نَعَمْ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا وَنَسَبَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَقِيلَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا إنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ فَتَعْدِيلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَرْيُ عَلَى الْعَادَةِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْوِي الْحَدِيثَ عَمَّنْ لَوْ سُئِلَ عَنْ عَدَالَتِهِ لَتَوَقَّفَ فِيهَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ الرِّوَايَةِ لَا يُوجِبُ الْعَمَلَ عَلَى السَّامِعِ بِمُقْتَضَاهَا بَلْ الْغَايَةُ أَنْ يَقُولَ سَمِعْته يَقُولُ فَعَلَى السَّامِعِ الِاسْتِكْشَافُ عَنْ حَالِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ إذَا أَرَادَ الْعَمَلَ بِرِوَايَتِهِ وَإِلَّا فَالتَّقْصِيرُ مِنْ قِبَلِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ حَدِيثُ الضَّعِيفِ لِلْفِسْقِ لَا يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ] (تَنْبِيهٌ حَدِيثُ) الرَّاوِي (الضَّعِيفِ لِلْفِسْقِ لَا يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ) لِعَدَمِ تَأْثِيرِ مُوَافَقَةِ غَيْرِهِ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ (وَلِغَيْرِهِ) أَيْ وَحَدِيثُ الضَّعِيفِ لِغَيْرِ الْفِسْقِ كَسُوءِ الْحِفْظِ مَعَ الصِّدْقِ وَالدِّيَانَةِ (يَرْتَقِي) بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ (وَهَذَا التَّفْصِيلُ أَصَحُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ (إلَى الْمَوْضُوعِ فَلَا) يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ (أَوْ خِلَافُهُ) أَيْ الْمَوْضُوعِ (فَنَعَمْ) أَيْ يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ (لِوُجُوبِ الرَّدِّ لِلْفِسْقِ وَبِالتَّعَدُّدِ) لِطُرُقِهِ (لَا يَرْتَفِعُ) الْمُوجِبُ لِلرَّدِّ بِفِسْقِهِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ الرَّدِّ (لِسُوءِ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ) أَيْ رَدَّهُ (لِوَهْمِ الْغَلَطِ وَالتَّعَدُّدِ يُرَجَّحُ أَنَّهُ) أَيْ الرَّاوِيَ السَّيِّئُ الْحِفْظِ (أَجَادَ فِيهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَرْوِيِّ (فَيَرْتَفِعُ الْمَانِعُ وَأَمَّا) الطَّعْنُ فِي الْحَدِيثِ (بِالْجَهَالَةِ) لِرَاوِيهِ بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ إلَّا بِحَدِيثٍ أَوْ بِحَدِيثَيْنِ (فَبِعَمَلِ السَّلَفِ) بِهِ يَزُولُ الطَّعْنُ فِيهِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِهِ إمَّا لِعِلْمِهِمْ بِعَدَالَةِ الرَّاوِي وَحُسْنِ ضَبْطِهِ أَوْ لِمُوَافَقَتِهِ سَمَاعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ سَامِعٍ مِنْهُ ذَلِكَ مَشْهُورٌ لِانْتِفَاءِ اتِّهَامِهِمْ بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْرِ الدِّينِ مَعَ مَا لَهُمْ مِنْ الرُّتْبَةِ الْعَالِيَةِ فِي الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى (وَسُكُوتُهُمْ) أَيْ السَّلَفِ (عِنْدَ اشْتِهَارِ رِوَايَتِهِ) أَيْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَاوِيهِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ (كَعَمَلِهِمْ) بِهِ (إذْ لَا يَسْكُنُونَ عَنْ مُنْكَرٍ) يَسْتَطِيعُونَ إنْكَارَهُ وَالْفَرْضُ ثُبُوتُ الِاسْتِطَاعَةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ. (فَإِنْ قَبِلَهُ) أَيْ الْحَدِيثَ (بَعْضٌ) مِنْهُمْ (وَرَدَّهُ آخَرُ) مِنْهُمْ (فَكَثِيرٌ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ (عَلَى الرَّدِّ وَالْحَنَفِيَّةِ يُقْبَلُ وَلَيْسَ) قَبُولُهُ (مِنْ تَقْدِيمِ التَّعْدِيلِ عَلَى الْجَرْحِ لِأَنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ) بِالْحَدِيثِ (لَيْسَ جُرْحًا) فِي رَاوِيهِ (كَمَا سَنَذْكُرُ فَهُوَ) أَيْ قَبُولُ الْبَعْضُ لَهُ (تَوْثِيقٌ) لِلرَّاوِي (بِلَا مُعَارِضٍ وَمَثَّلُوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ مَا قَبِلَهُ بَعْضُهُمْ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ (بِحَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى لِبِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِمَهْرِ مِثْلِ نِسَائِهَا حِينَ مَاتَ عَنْهَا هِلَالُ بْنُ مُرَّةَ» قَبِلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَرَدَّهُ عَلِيٌّ) فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ عَنْهَا فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ مَا قَضَيْت فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقَيْنِ بِسِيَاقَيْنِ أَحَدُهُمَا مُخْتَصَرٌ قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ بَعْدِ اشْتِرَاطِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُقَارَنَةَ فِي الْمُخَصِّصِ إلَخْ وَثَانِيهِمَا نَحْوَ هَذَا وَفِيهِ فَقَامَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيهِمْ الْجَرَّاحُ وَابْنُ سِنَانٍ فَقَالُوا يَا ابْنَ مَسْعُودٍ نَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَاهَا فِينَا فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَأَنَّ زَوْجَهَا هِلَالَ بْنَ مُرَّةَ الْأَشْجَعِيَّ كَمَا قَضَيْتَ فَفَرِحَ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَحًا شَدِيدًا حِينَ وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا حَتَّى مَاتَ قَالَ لَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا صَدَاقَ لَهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ لَكَانَ الْحُجَّةَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ بِمِصْرَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ بِحَدِيثِ بِرْوَعَ اهـ. لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ جَمِيعُ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَسَانِيدِهَا صِحَاحٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ نَقُولُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَمَلَهُ) أَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ (كَانَ بِالرَّأْيِ غَيْرَ أَنَّهُ سُرَّ بِرِوَايَةِ الْمُوَافِقِ لِرَأْيِهِ مِنْ إلْحَاقِ الْمَوْتِ بِالدُّخُولِ بِدَلِيلِ إيجَابِ الْعِدَّةِ بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ (كَالدُّخُولِ وَهُوَ) أَيْ الْعَمَلُ بِهِ (أَعَمُّ مِنْ الْقَبُولِ لِجَوَازِ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْمَرْوِيِّ الْمَذْكُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَأْيِهِ الْمَذْكُورِ (كَالْمُتَابَعَاتِ) فِي بَابِ الرِّوَايَاتِ لِإِفَادَةِ التَّقْوِيَةِ (إلَّا أَنْ يُنْقَلَ) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَنَّهُ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ هَذَا (اسْتَدَلَّ بِهِ) أَيْ بِالْمَرْوِيِّ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى رَأْيِهِ (وَهَذَا نَظَرٌ فِي الْمِثَالِ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ قَبُولَ مَا قَبِلَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ (فِي تَقْسِيمِ الرَّاوِي الصَّحَابِيِّ إلَى مُجْتَهِدٍ كَالْأَرْبَعَةِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَالْعَبَادِلَةِ) جَمْعُ عَبْدَلٍ لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي زَيْدٍ زَيْدَلَ أَوْ عَبْدٍ وَضْعًا كَالنِّسَاءِ لِلْمَرْأَةِ وَهُمْ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ مَقَامَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ (فَيُقَدَّمُ) خَبَرُهُ (عَلَى الْقِيَاسِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ وَافَقَهُ أَوْ خَالَفَهُ (وَ) إلَى (عَدْلٍ ضَابِطٍ) غَيْرِ مُجْتَهِدٍ (كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَسَلْمَانَ وَبِلَالٍ فَيُقَدَّمُ) خَبَرُهُ (إلَّا إنْ خَالَفَ كُلَّ الْأَقْيِسَةِ عَلَى قَوْلِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ) وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ (كَحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ) وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخَطهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالتَّصْرِيَةُ رَبْطُ أَخْلَافِ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ وَتَرْكُ حَلْبِهَا الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا لَبَنٌ فَيَرَاهُ مُشْتَرِيهَا كَثِيرًا فَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا ثُمَّ إذَا حَلَبَهَا الْحَلْبَةَ أَوْ الْحَلْبَتَيْنِ عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَبَنِهَا وَهَذَا غُرُورٌ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهَا فَذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَبُو يُوسُفَ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيّ نَقْلًا عَنْ أَصْحَابِ الْأَمَالِي عَنْهُ وَالْمَذْكُورُ عَنْهُ لِلْخَطَّابِيِّ وَابْنِ قُدَامَةَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا مَعَ قِيمَةِ اللَّبَنِ. وَلَمْ يَأْخُذْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِهِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ (فَإِنَّ اللَّبَنَ مِثْلِيٌّ وَضَمَانُهُ بِالْمِثْلِ) بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ كَمَا يَأْتِي (وَلَوْ) كَانَ اللَّبَنُ (قِيَمِيًّا فَبِالْقِيمَةِ) أَيْ فَضَمَانُهُ بِهَا مِنْ النَّقْدَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا (لَا كَمِّيَّةِ تَمْرٍ خَاصَّةً وَلِتَقْوِيمِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِقَدْرٍ وَاحِدٍ) وَالْمَضْمُونُ إنَّمَا يَكُونُ قَدْرُ ضَمَانِهِ بِقَدْرِ التَّالِفِ مِنْهُ إنْ قَلِيلًا فَقَلِيلٌ وَإِنْ كَثِيرًا فَكَثِيرٌ (وَرُبَّ شَاةٍ) تَكُونُ (بِصَاعٍ) مِنْ التَّمْرِ خُصُوصًا فِي غَلَائِهِ (فَيَجِبُ رَدُّهَا مَعَ ثَمَنِهَا) فَيَكُونُ رِبًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَالْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ خَبَرُ الْعَدْلِ الضَّابِطِ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ كَخَبَرِ الْمُجْتَهِدِينَ (وَيَأْتِي الْوَجْهُ) فِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ (وَتَرْكُهُ) أَيْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ (لِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى} [البقرة: 194] وَ) مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ (الْمَشْهُورَةِ) وَهِيَ مَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا أَيْ نَصِيبًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ» إنْ كَانَ مُوسِرًا كَمَا رَوَى مَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ «وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ مَعْنَاهُ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْمَمْلُوكَ فَيَسْتَغِلُّهُ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُضِيَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْعَبْدَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَيَأْخُذُهُ وَيَكُونُ لَهُ الْغَلَّةُ طَيِّبَةً وَهُوَ الْخَرَاجُ وَإِنَّمَا طَابَتْ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لِلْعَبْدِ وَلَوْ مَاتَ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَهَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ. (وَ) مُخَالَفَةُ

(الْإِجْمَاعِ عَلَى التَّضْمِينِ بِالْمِثْلِ) فِي الْمِثْلِيِّ الَّذِي لَيْسَ بِمُنْقَطِعٍ (أَوْ الْقِيمَةِ) فِي الْقِيَمِيِّ الْفَائِتِ عَيْنُهُ أَوْ الْمِثْلِيِّ الْمُنْقَطِعِ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِثْلِيٌّ فَضَمَانُهُ بِالْمِثْلِ وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِهِ قَوْلُ الضَّامِنِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ فَكَانَ إيجَابُ التَّمْرِ مَكَانَ اللَّبَنِ مُطْلَقًا مُخَالِفًا لِهَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ وَلِلْقِيَاسِ أَيْضًا عَلَى سَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ الْمِثْلِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ أَنَّهُ مُضْطَرِبُ الْمَتْنِ فَمَرَّةً جَعَلَ الْوَاجِبَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَمَرَّةً صَاعًا مِنْ طَعَامٍ غَيْرِ بُرٍّ وَمَرَّةً مِثْلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا وَمَرَّةً ذَكَرَ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَرَّةً لَمْ يَذْكُرْهُ وَقِيلَ هُوَ مَنْسُوخٌ قَالَ الطَّحَاوِيُّ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مُجْمَلًا فَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ نَسَخَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» فَلَمَّا قَطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفُرْقَةِ الْخِيَارُ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ الْخِيَارَ الْمَجْعُولَ فِي الْمُصَرَّاةِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَهُوَ لَا يَقْطَعُهُ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ التَّصْرِيَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ عِنْدَنَا وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَلِفِ وَيُدْفَعُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا عَيْبٌ كَمَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَرَوَاهُ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ وَأَخَذَ بِهِ أَبُو اللَّيْثِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مَا كَانَتْ الْعُقُوبَاتُ تُؤْخَذُ بِالْأَمْوَالِ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ الرِّبَا فَرُدَّتْ الْأَشْيَاءُ الْمَأْخُوذَةُ إلَى أَمْثَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا أَمْثَالٌ وَإِلَى قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ لَا أَمْثَالَ لَهَا (وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقِيهٌ) لَمْ يَعْدَمْ شَيْئًا مِنْ أَسْبَابِ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ أَفْتَى فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ يُفْتِي فِي زَمَنِهِمْ إلَّا مُجْتَهِدٌ وَرَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِمِائَةِ رَجُلٍ مَا بَيْنَ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (وَمَجْهُولُ الْعَيْنِ وَالْحَالُ كَوَابِصَةَ) بْنِ مَعْبَدٍ وَالتَّمْثِيلُ بِهِ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَجْهُولِ الْمَذْكُورِ عِنْدَهُمْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَاتَه إلَّا بِرِوَايَةِ حَدِيثٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ وَلَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ وَلَا فِسْقُهُ وَلَا طُولُ صُحْبَتِهِ وَقَدْ عُرِفَتْ عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ بِالنُّصُوصِ وَاشْتُهِرَ طُولُ صُحْبَتِهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ وَأَمْثَالُهُ كَسَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ وَمَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَإِنْ رَأَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَوْا عَنْهُ لَا يَعُدُّونَ مِنْ الصَّحَابَةِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ صُحْبَتِهِمْ إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَا يَعْرَى عَنْ نَظَرٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَيَّ أَنَّ أَبَا دَاوُد وَالتِّرْمِذِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ أَخْرَجُوا «لِوَابِصَةَ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إلَّا سَأَلْته عَنْهُ» الْحَدِيثَ «وَأَنَّ رَجُلًا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعِيدَ» وَابْنُ مَاجَهْ أَخْرَجَ لَهُ أَيْضًا «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ» وَالطَّبَرَانِيُّ أَخْرَجَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أُخْرَى أَحَدَهَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تَتَّخِذُوا ظُهُورَ الدَّوَابِّ مَنَابِرَ» ثَانِيَهَا «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْته عَنْ الْوَسَخِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْأَظْفَارِ فَقَالَ دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» ثَالِثَهَا «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» وَسَلَمَةُ بْنُ الْمُحَبِّقِ وَاسْمُ الْمُحَبِّقِ صَخْرٌ أَخْرَجَ لَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ وَأَحْمَدُ حَدِيثَيْنِ وَابْنُ مَاجَهْ حَدِيثًا. نَعَمْ مَعْقِلٌ رَوَى لَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ حَدِيثًا وَالنَّسَائِيِّ حَدِيثًا (فَإِنْ قَبِلَهُ السَّلَفُ أَوْ سَكَتُوا إذَا بَلَغَهُمْ أَوْ اخْتَلَفُوا قُبِلَ) وَقُدِّمَ عَلَى الْقِيَاسِ (كَحَدِيثِ مَعْقِلٍ) السَّابِقِ فِي بِرْوَعَ فَإِنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورِينَ صَارَ كَأَنَّهُ رَوَاهُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا قَبِلَهُ السَّلَفُ أَوْ سَكَتُوا عَنْ رَدِّهِ بَعْدَمَا بَلَغَهُمْ فَبِطَرِيقٍ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ عُدُولٌ أَهْلُ فِقْهٍ لَا يُتَّهَمُونَ بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْرِ الدِّينِ بِقَبُولِ مَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بِالسُّكُوتِ عَنْ رَدِّ مَا يَجِبُ رَدُّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا عَلَى وَجْهِ الرِّضَا بِالْمَسْمُوعِ (أَوْ رَدُّوهُ) أَيْ السَّلَفُ حَدِيثَ الْمَجْهُولِ (لَا يَجُوزُ) الْعَمَلُ بِهِ (إذَا خَالَفَهُ) الْقِيَاسُ لِأَنَّهُمْ لَا يُتَّهَمُونَ بِرَدِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَيَكُونُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الرَّدِّ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمْ اتَّهَمُوهُ فِي الرِّوَايَةِ (وَسَمَّوْهُ مُنْكَرًا كَحَدِيثِ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً» كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (رَدَّهُ عُمَرُ) فَقَالَ لَا نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ

رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. (وَقَالَ مَرْوَانُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ حِينَ أَخْبَرَ) بِحَدِيثِهَا الْمَذْكُورِ (لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْأَمْرَ إلَّا امْرَأَةٌ سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا وَهُمْ) أَيْ النَّاسُ يَوْمئِذٍ (الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَدَلَّ أَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ) حَدِيثُ الْمَجْهُولِ (فِي السَّلَفِ بَلْ) ظَهَرَ (بَعْدَهُمْ فَلَمْ يَعْلَمْ رَدَّهُمْ وَعَدَمُهُ) أَيْ عَدَمَ رَدِّهِ (جَازَ) الْعَمَلُ بِهِ (إذَا لَمْ يُخَالِفْ) الْقِيَاسَ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا لِغَلَبَتِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ (وَلَمْ يَجِبْ) الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ شَرْعًا لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِ هَذَا الطَّرِيقِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ (فَيَدْفَعَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ النَّفْيِ أَيْ لِيَدْفَعَ (نَافِيَ الْقِيَاسِ) عَنْ مَنْعِ هَذَا الْحُكْمِ (أَوْ يَنْفَعَهُ) أَيْ نَافِيَ الْقِيَاسِ وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِدَفْعِ جَوَابِ السُّؤَالِ الْقَائِلِ إذَا وَافَقَهُ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ فَمَا فَائِدَةُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ بِأَنَّهَا جَوَازُ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ نَافِي الْقِيَاسِ مِنْ مَنْعِ هَذَا الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَى الْحَدِيثِ (وَإِنَّمَا يَلْزَمُ) الدَّفْعَ أَوْ النَّفْعَ (لَوْ قَبِلَهُ) أَيْ السَّلَفُ الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَنْعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِهِ وَقَدْ يَنْفَعُهُ حَيْثُ يُضِيفُ الْحُكْمَ إلَيْهِ لَا إلَى الْقِيَاسِ لَكِنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمْ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بَعْدَهُمْ (وَرِوَايَةُ مِثْلِ هَذَا الْمَجْهُولِ فِي زَمَانِنَا لَا تُقْبَلُ) مَا لَمْ تَتَأَيَّدْ بِقَبُولِ الْعُدُولِ لِغَلَبَةِ الْفُسَّاقِ عَلَى أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ لِلرَّاوِي الصَّحَابِيِّ (بَلْ وَضْعُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ فِيمَا هُوَ (أَعَمُّ) مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِ (وَهُوَ قَوْلُهُمْ وَالرَّاوِي إنْ عُرِفَ بِالْفِقْهِ إلَخْ غَيْرَ أَنَّ التَّمْثِيلَ وَقَعَ بِالصَّحَابَةِ مِنْهُمْ وَلَيْسَ يَلْزَمُ) كَوْنُ الرَّاوِي (صَحَابِيًّا) مِنْ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ (فَصَارَ هَذَا حُكْمَ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ أَيْضًا وَلَا جَرْحَ) لِلرَّاوِي وَالشَّاهِدِ (بِتَرْكِ الْعَمَلِ فِي رِوَايَةٍ وَلَا شَهَادَةٍ) لَهُمَا (لِجَوَازِهِ) أَيْ تَرْكِ الْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ (بِمُعَارِضٍ) مِنْ رِوَايَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ أُخْرَى أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ غَيْرِ الْعَدَالَةِ لَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّاوِي وَالشَّاهِدِ مَجْرُوحٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ فَإِنْ فُرِضَ ارْتِفَاعُ الْمَوَانِعِ بِأَسْرِهَا وَكَانَ مَضْمُونُ الْخَبَرِ وُجُوبًا فَتَرْكُهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ جُرْحًا قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ وَهُوَ وَاضِحٌ قُلْت نَعَمْ فِي غَيْرِ الصَّحَابِيِّ أَمَّا فِي الصَّحَابِيِّ فَلَا وَسَتَقِفُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ لِلْحَنَفِيَّةِ بَعْدَ سَبْعِ مَسَائِلَ (وَلَا) جُرْحَ (بِحَدٍّ لِشَهَادَةٍ بِالزِّنَى مَعَ عَدَمِ) كَمَالِ (النِّصَابِ) لِلشَّهَادَةِ بِهِ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى فِسْقِ الشَّاهِدِ وَتَقَدَّمَ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ فِي الْعَدَالَةِ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الرِّوَايَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَدَّهَا بِهِ كَرَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ (وَلَا) جَرْحَ (بِالْأَفْعَالِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا) مِنْ الْمُجْتَهِدِ الْقَائِلِ بِإِبَاحَتِهَا أَوْ مُقَلِّدِهِ كَشُرْبِ النَّبِيذِ مَا لَمْ يُسْكِرْ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَاللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ بِلَا قِمَارٍ وَتَرْكِ الْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَرَكْضِ الدَّابَّةِ) أَيْ حَثُّهَا لِتَعْدُوَ وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِإِفْرَاطِ شُعْبَةَ لَمَّا قِيلَ لَهُ لِمَ تَرَكْت حَدِيثَ فُلَانٍ قَالَ رَأَيْته يَرْكُضُ عَلَى بِرْذَوْنٍ إذْ مَا يَلْزَمُ مِنْ رَكْضِهِ عَلَى بِرْذَوْنٍ وَكَيْفَ وَهُوَ مَشْرُوعٌ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُوَطَّأِ وَاللَّفْظُ لَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي ضَمَرَتْ مِنْ الْحَيْفَاءِ وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تَضْمُرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا» (وَكَثْرَةِ الْمِزَاحِ غَيْرِ الْمُفْرِطِ) بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَقًّا فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْزَحُ أَحْيَانًا وَلَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «قَالُوا إنَّك تُدَاعِبُنَا قَالَ إنِّي وَإِنْ دَاعَبْتُكُمْ لَا أَقُولُ إلَّا حَقًّا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَخٍ لَهُ صَغِيرٍ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِلْنِي فَقَالَ إنَّا حَامِلُوك عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ قَالَ وَمَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ نَاقَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إلَّا النُّوقُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْخِفَّةُ تَسْتَفِزُّهُ فَيَخْلِطُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَلَا يُبَالِي بِمَا يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ جُرْحًا (وَعَدَمِ اعْتِيَادِ الرِّوَايَةِ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِتْقَانُ وَرُبَّمَا يَكُونُ إتْقَانُ مَنْ لَمْ تَصِرْ الرِّوَايَةُ عَادَةً لَهُ فِيمَا يَرْوِي أَكْثَرَ مِنْ إتْقَانِ مَنْ اعْتَادَهَا وَقَدْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي عَامَّةِ الْأَوْقَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَغِلُ

رواية العدل عن المجهول

بِهَا فِي عَامَّةِ الْأَوْقَاتِ ثُمَّ لَمْ يُرَجِّحْ أَحَدٌ رِوَايَةَ مَنْ اعْتَادَهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْهَا (وَلَا يَدْخُلُهُ) أَيْ مَنْ لَمْ يَعْتَدْهَا (مَنْ لَهُ رَاوٍ فَقَطْ) إذْ يَجُوزُ اعْتِيَادُهَا مَعَ وِحْدَةِ الْآخِذِ (وَهُوَ) أَيْ مَنْ لَهُ رَاوٍ فَقَطْ (مَجْهُولُ الْعَيْنِ بِاصْطِلَاحٍ) لِلْمُحَدِّثِينَ (كَسَمْعَانَ بْنِ مُشَنِّجٍ وَالْهَزْهَازِ بْنِ مَيْزَنَ لَيْسَ لَهُمَا) رَاوٍ (إلَّا الشَّعْبِيُّ وَجَبَّارٌ الطَّائِيُّ فِي آخَرِينَ) وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَغَرَّ الْهَمْدَانِيِّ وَالْهَيْثَمُ بْنُ حَنَشٍ وَمَالِكُ بْنُ أَغَرَّ وَسَعِيدُ بْنُ ذِي حَدَّانِ وَقَيْسُ بْنُ كُرْكُمَ وَخَمْرُ بْنُ مَالِكٍ (لَيْسَ لَهُمْ) رَاوٍ (إلَّا) أَبُو إِسْحَاقَ (السَّبِيعِيُّ وَفِي) عِلْمِ (الْحَدِيثِ) فِيهِ أَقْوَالٌ. (نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ قَبُولِهِ (لِلْأَكْثَرِ) مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ (وَقَبُولُهُ) مُطْلَقًا (قِيلَ هُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (لِمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) فِي الرَّاوِي شَرْطًا (غَيْرَ الْإِسْلَامِ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُنْفَرِدِ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ) كَابْنِ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَاكْتَفَى فِي التَّعْدِيلِ بِوَاحِدٍ (وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مَعَ ضَبْطٍ) فَيُقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا (وَقِيلَ إنْ زَكَّاهُ عَدْلٌ) مِنْ أَئِمَّةِ الْجُرْحِ وَالتَّعْدِيلِ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ (وَقِيلَ إنْ شُهِرَ) فِي غَيْرِ الْعِلْمِ (بِالزُّهْدِ كَمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ أَوْ النَّجْدَةِ كَعَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ) قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَرْجِعُ التَّفْصِيلِ) الْأَوَّلِ (وَمَا بَعْدَهُ وَاحِدٌ وَهُوَ إنْ عُرِفَ عَدَمُ كَذِبِهِ) قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا (غَيْرَ أَنَّ لِمَعْرِفَتِهَا) وَالْوَجْهُ لِمَعْرِفَتِهِ أَيْ عَدَمِ كَذِبِهِ (طُرُقًا؛ التَّزْكِيَةُ وَمَعْرِفَةُ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ وَزُهْدُهُ وَالنَّجْدَةُ فَإِنَّ الْمُتَّصِفَ بِهَا) أَيْ النَّجْدَةِ (عَادَةً يَرْتَفِعُ عَنْ الْكَذِبِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ تَحَقَّقَ خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ ثُبُوتِ الصِّدْقِ مَعَ تَحَقُّقِ النَّجْدَةِ (فِيمَا قَالَ الْمُبَرِّدُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ مَعْدِ يَكْرِبَ فَإِنَّهُ نَسَبَ إلَيْهِ الْكَذِبَ (وَالْوَجْهُ أَنَّ قَوْلَ إنْ زَكَّاهُ) عَدْلٌ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا (مُرَادُ الْأَوَّلِ) وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا (وَلَا) جَرْحَ أَيْضًا (بِحَدَاثَةِ السِّنِّ بَعْدَ إتْقَانِ مَا سَمِعَ) عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَتَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ وَمَا فِي شَرَائِطِ الرَّاوِي عِنْدَ الرِّوَايَةِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى قَبُولِ مَنْ تَحَمَّلَ مِنْ الصَّحَابَةِ صَغِيرًا وَأَدَّى كَبِيرًا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى ذَلِكَ (وَاسْتِكْثَارِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ خَلَلٌ فِي الْحِفْظِ كَمَا زَعَمَهُ مَنْ زَعَمَهُ بَلْ رُبَّمَا كَانَ دَلِيلَ قُوَّةِ الذِّهْنِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حُسْن الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ (وَكَثْرَةِ الْكَلَامِ كَمَا عَنْ زَاذَانَ) . قَالَ شُعْبَةُ قُلْت لِلْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ لِمَ لَمْ تَرْوِ عَنْ زَاذَانَ قَالَ كَثِيرُ الْكَلَامِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ مُجَرَّدَ هَذَا غَيْرُ قَادِحٍ (وَبَوْلٍ قَائِمًا كَمَا عَنْ سِمَاكٍ) قَالَ جَرِيرٌ رَأَيْت سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ يَبُولُ قَائِمًا فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ فَإِنَّ مُجَرَّدَ هَذَا غَيْرُ قَادِحٍ وَكَيْفَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ قَائِمًا» إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَهُوَ مُبَاحٌ غَيْرُ خَارِمٍ لِلْمُرُوءَةِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَرْتَدُّ عَلَى الْبَائِلِ وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ. [رِوَايَةِ الْعَدْلِ عَنْ الْمَجْهُولِ] (وَاخْتُلِفَ فِي رِوَايَةِ الْعَدْلِ) عَنْ الْمَجْهُولِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (فَالتَّعْدِيلُ) إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ وَإِلَّا كَانَتْ تَلْبِيسًا لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِيقَاعِ فِي الْعَمَلِ بِمَا لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ الْعَدْلَ إذَا رَوَى حَدِيثًا فَقَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ الْعَمَلَ بِهِ وَالتَّلْبِيسُ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَدَالَةِ وَهَذَا عَزَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ (وَالْمَنْعُ) لَهُ إذْ كَثِيرًا مَا يَرْوِي مَنْ يَرْوِي وَلَا يُفَكِّرُ عَمَّنْ يَرْوِي وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ تَعْدِيلًا لَهُ لَكَانَتْ تَلْبِيسًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ وَجَبَ بِمُجَرَّدِهَا الْعَمَلُ عَلَى السَّامِعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ غَايَةُ رِوَايَتِهِ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَهُوَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ الْعَمَلَ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ عَلَى السَّامِعِ إذَا أَرَادَ الْعَمَلَ الْكَشْفَ عَنْ حَالِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ فَإِنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا فَإِذَا لَمْ يَكْشِفْ وَعَمِلَ كَانَ هُوَ الْمُقَصِّرُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهَذَا مَا عَزَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ وَذَكَرَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ (وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ) فَهِيَ تَعْدِيلٌ وَإِلَّا يَلْزَمُ خِلَافُ مَا عَهِدَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَادَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ (أَوْ لَا) يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ فَلَا يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْوِي عَمَّنْ لَوْ سُئِلَ عَنْ عَدَالَتِهِ لَتَوَقَّفَ فِيهَا (وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّفْصِيلُ (الْأَعْدَلُ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ وَجْهِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ. (وَأَمَّا التَّدْلِيسُ) وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (إيهَامُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُعَاصِرِ الْأَعْلَى) سَوَاءٌ لَقِيَهُ أَوْ لَا سَمَاعًا مِنْهُ بِحَذْفِ الْمُعَاصِرِ الْأَدْنَى سَوَاءٌ كَانَ

شَيْخَهُ أَوْ شَيْخَ شَيْخِهِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَصَاعِدًا بِنَحْوِ عَنْ فُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ (أَوْ وَصَفَ شَيْخَهُ بِمُتَعَدِّدٍ) بِأَنْ يُسَمِّيَهُ أَوْ يُكَنِّيَهُ أَوْ يَنْسُبَهُ إلَى قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ صَنْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ يَصِفَهُ بِمَا لَا يُعْرَفُ بِهِ كَيْ لَا يُعْرَفُ وَيَفْعَلُ هَذَا الْمُوهِمُ أَوْ الْوَاصِفُ ذَلِكَ (لِإِيهَامِ الْعُلُوِّ) فِي السَّنَدِ أَوْ لِصِغَرِ سِنِّ الْمَحْذُوفِ عَنْ سِنِّ الرَّاوِي أَوْ لِتَأَخُّرِ وَفَاتِهِ وَمُشَارَكَةِ مَنْ دُونَهُ فِيهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ (وَالْكَثْرَةِ) فِي الشُّيُوخِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامٍ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَقَدْ لَهِجَ بِهَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْخَطِيبِ فِي تَصَانِيفِهِ (فَغَيْرُ قَادِحٍ) وَالْأَوَّلُ مِنْ تَدْلِيسِ الْإِسْنَادِ وَالثَّانِي مِنْ تَدْلِيسِ الشُّيُوخِ (أَمَّا) مَا كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ (لِإِيهَامِ الثِّقَةِ) أَيْ كَوْنِ الْإِسْنَادِ مَوْثُوقًا بِهِ (بِإِسْقَاطِ مُخْتَلَفٍ فِي ضَعْفِهِ بَيْنَ ثِقَتَيْنِ يُوَثِّقُهُ) الْمُسْقِطُ بِذَلِكَ (بِأَنْ ذَكَرَ) الثِّقَةَ (الْأَوَّلَ بِمَا لَا يُشْتَهَرُ بِهِ مِنْ مُوَافِقِ اسْمِ مَنْ عُرِفَ أَخْذُهُ عَنْ) الثِّقَةِ (الثَّانِي وَهُوَ) أَيْ هَذَا الصَّنِيعُ (أَحَدُ قِسْمَيْ) تَدْلِيسِ (التَّسْوِيَةِ فَيُرَدُّ) مَتْنُ الْحَدِيثِ (عِنْدَ مَانِعِي) قَبُولِ (الْمُرْسَلِ وَيُتَوَقَّفُ فِي عَنْعَنَتِهِ) أَيْ قَبُولِ مَا رَوَاهُ بِلَفْظِ عَنْ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِلتَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ وَالسَّمَاعِ وَهَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَدُّ أَيْضًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الْعَنْعَنَةَ مِنْ صِيَغِ التَّدْلِيسِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمُعَنْعَنَ مُدَلِّسٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَنْعَنُ لَا يُدَلِّسُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ مُتْقِنٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُنْظَرُ فِي حَالِ الْمُدَلِّسِ فَإِنْ كَانَ يَتَسَامَحُ بِأَنْ يَرْوِيَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ لَمْ يُحْتَجَّ بِشَيْءٍ مِمَّا رَوَاهُ حَتَّى يَقُولَ أَنْبَأَنَا أَوْ سَمِعْت وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ اسْتَغْنَى عَنْ تَوْثِيقِهِ وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ تَدْلِيسِهِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَنُقِلَ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ قَالُوا يُقْبَلُ تَدْلِيسُ ابْنِ عُيَيْنَةَ لِأَنَّهُ إذَا وَقَفَ أَحَالَ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَنُظَرَائِهِمَا وَرَجَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إلَّا لِابْنِ عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ خَبَرٌ دَلَّسَ فِيهِ إلَّا. وَقَدْ تَبَيَّنَ سَمَاعُهُ عَنْ ثِقَةٍ مِثْلِ ثِقَتِهِ وَكَلَامُ الْبَزَّارِ وَأَبِي الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ يُفِيدُ عَدَمَ اخْتِصَاصِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِذَلِكَ وَهُوَ الْوَجْهُ، ثُمَّ لَعَلَّ هَذَا أَشْبَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ الصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّ مَا رَوَاهُ الْمُدَلِّسُ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ السَّمَاعَ وَالِاتِّصَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْسَلِ وَأَنْوَاعِهِ وَمَا رَوَاهُ بِلَفْظٍ مُبَيِّنٍ لِلِاتِّصَالِ نَحْوَ سَمِعْت وَحَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَشْبَاهَهَا فَهُوَ مَقْبُولٌ يُحْتَجُّ بِهِ نَعَمْ. قَالَ الْحَاكِمُ الْأَحَادِيثُ الْمُعَنْعَنَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَدْلِيسٌ مُتَّصِلَةٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ وَزَادَ أَبُو عُمَرَ وَالدَّانِي اشْتِرَاطَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ وَالْأَوْجَهُ حَذْفُ هَذَا الشَّرْطِ. وَقَالَ الْخَطِيبُ أَهْلُ الْعِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُحَدِّثِ حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ إذَا كَانَ لَقِيَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْإِسْنَادِ الْمُعَنْعَنِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَذَهَبَ إلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الرَّاوِي بِالْعَنْعَنَةِ مِنْ التَّدْلِيسِ وَبِشَرْطِ ثُبُوتِ مُلَاقَاتِهِ لِمَنْ رَوَاهُ عَنْهُ بِالْعَنْعَنَةِ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ اللِّقَاءِ هُوَ مَذْهَبُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الْعِلْمِ وَأَنْكَرَ مُسْلِمٌ فِي خُطْبَةٍ صَحِيحَةٍ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّهُ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ لَمْ يُسْبَقْ قَائِلُهُ إلَيْهِ وَأَنَّ الْقَوْلَ الشَّائِعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ كَوْنُهُمَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا أَوْ تَشَافَهَا. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَفِيمَا قَالَهُ مُسْلِمٌ نَظَرٌ قَالَ وَهَذَا الْحُكْمُ لَا أَرَاهُ يَسْتَمِرُّ بَعْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِيمَا وُجِدَ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي تَصَانِيفِهِمْ مِمَّا ذَكَرُوهُ عَنْ مَشَايِخِهِمْ قَائِلِينَ فِيهِ ذَكَرَ فُلَانٌ قَالَ فُلَانٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ (دُونَ الْمُجِيزِينَ) لِقَبُولِ الْمُرْسَلِ أَيْ جُمْهُورِهِمْ فَقَدْ حَكَى الْخَطِيبُ أَنَّ جُمْهُورَ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ يَقْبَلُ خَبَرَ الْمُدَلِّسِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ لَا يَقْبَلُ عَنْعَنَةَ الْمُدَلِّسِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ (وَلَا يَسْقُطُ) الرَّاوِي الْمُدَلِّسُ بِالتَّدْلِيسِ الْمَذْكُورِ (بَعْدَ كَوْنِهِ إمَامًا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ) وَهَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَى صَرِيحٍ فِيهِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَذَهُ مِنْ شَرْطِهِ لِقَبُولِ الْمُرْسَلِ (لِاجْتِهَادِهِ وَعَدَمِ صَرِيحِ الْكَذِبِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ التَّدْلِيسِ (مَحْمَلُ فِعْلِ الثَّوْرِيِّ وَالْأَعْمَشِ وَبَقِيَّةَ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرٌ عَنْ كَثِيرٍ كَقَتَادَةَ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ. وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَشِبْهِهِمَا عَنْ الْمُدَلِّسِينَ (بِعَنْ) مَحْمُولٌ عَلَى ثُبُوتِ

مسألة الجرح والتعديل يثبتان بواحد في الرواية وباثنين في الشهادة

السَّمَاعِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْحَلَبِيُّ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْمُعَنْعَنَاتُ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مُنَزَّلَةٌ بِمَنْزِلَةِ السَّمَاعِ (وَيَجِبُ) سُقُوطُ الرَّاوِي بِتَدْلِيسِهِ (فِي الْمُتَّفِقِ) أَيْ بِمُتَّفِقٍ عَلَى ضَعْفِهِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ شَدِيدٌ فِي الدِّينِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِمَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِهِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ سِوَى تَكْبِيرِ شَيْخِهِ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ الضُّعَفَاءِ كَمَا كَانَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ يَفْعَلُهُ حَتَّى قَالَ لَهُ الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ: أَفْسَدْتَ حَدِيثَ الْأَوْزَاعِيِّ تَرْوِي عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ نَافِعٍ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَغَيْرُك يُدْخِلُ بَيْنَ الْأَوْزَاعِيِّ وَبَيْنَ نَافِعٍ. عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الزُّهْرِيِّ، إبْرَاهِيمَ بْنُ مُرَّةَ وَقُرَّةَ. فَقَالَ لَهُ أَنْبَلَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ مِثْلِ هَؤُلَاءِ فَقَالَ الْهَيْثَمُ قُلْت لَهُ فَإِذَا رَوَى عَنْ هَؤُلَاءِ وَهُمْ ضُعَفَاءُ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، فَأَسْقَطْتَهُمْ أَنْتَ وَصَيَّرْتَهَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الثِّقَاتِ ضَعُفَ الْأَوْزَاعِيُّ فَلَمْ يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِي فَهَذَا مُسْتَلْزِمٌ لِلضَّرَرِ الدِّينِيِّ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ تَدْلِيسِ التَّسْوِيَةِ. وَالْمُرَادُ بِمَا عَنْ شُعْبَةَ التَّدْلِيسُ أَخُو الْكَذِبِ وَالتَّدْلِيسُ فِي الْحَدِيثِ أَشَدُّ مِنْ الزِّنَى وَلَأَنْ أَسْقُطَ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ وَلَأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ وَهَذَا مِنْ شُعْبَةَ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إفْرَاطٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ وَالتَّنْفِيرِ مِنْهُ (وَتَحَقُّقُهُ) أَيْ هَذَا التَّدْلِيسِ الْكَائِنِ بِالْإِسْقَاطِ يَكُونُ (بِالْعِلْمِ بِمُعَاصَرَةِ الْمَوْصُولِينَ وَإِلَّا) إذَا انْتَفَى الْعِلْمُ بِمُعَاصَرَتِهِمَا (لَا تَدْلِيسَ) عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ (وَيَقْضِي) تَدْلِيسُ الشُّيُوخِ (إلَى تَضْيِيعِ) الشَّيْخِ (الْمَوْصُولِ) أَيْ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ (وَحَدِيثِهِ) أَيْ الْمَرْوِيِّ أَيْضًا بِأَنْ لَا يُتَنَبَّهَ لَهُ فَيَصِيرُ بَعْضُ رُوَاتِهِ مَجْهُولًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ تَدْلِيسِ الْإِسْنَادِ مَا تَقَدَّمَ هُوَ الْمَذْكُورُ لِابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ التَّدْلِيسُ يَخْتَصُّ بِمَنْ رَوَى عَمَّنْ عُرِفَ لِقَاؤُهُ إيَّاهُ فَأَمَّا إنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ لَقِيَهُ فَهُوَ الْمُرْسَلُ الْخَفِيُّ وَمَنْ أَدْخَلَ فِي تَعْرِيفِ التَّدْلِيسِ الْمُعَاصَرَةَ وَلَوْ بِغَيْرِ لُقًى لَزِمَهُ دُخُولُ الْمُرْسَلِ الْخَفِيِّ فِي تَعْرِيفِهِ وَالصَّوَابُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ اللِّقَاءِ فِي التَّدْلِيسِ دُونَ الْمُعَاصَرَةِ وَحْدَهَا لَا بُدَّ مِنْهُ إطْبَاقُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْمُخَضْرَمِينَ كَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَبِيلِ الْإِرْسَالِ لَا مِنْ قَبِيلِ التَّدْلِيسِ وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الْمُعَاصَرَةِ يَكْتَفِي بِهِ فِي التَّدْلِيسِ لَكَانَ هَؤُلَاءِ مُدَلِّسِينَ لِأَنَّهُمْ عَاصَرُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعًا وَلَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ هَلْ لَقُوهُ أَمْ لَا وَمِمَّنْ قَالَ بِاشْتِرَاطِ اللِّقَاءِ فِي التَّدْلِيسِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَكَلَامُ الْخَطِيبِ فِي الْكِفَايَةِ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُعْرَفُ عَدَمُ الْمُلَاقَاةِ بِإِخْبَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ أَوْ بِجَزْمِ إمَامٍ مُطَّلِعٍ وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ زِيَادَةُ رَاوٍ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَزِيدِ وَلَا يُحْكَمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِحُكْمٍ كُلِّيٍّ لِتَعَارُضِ احْتِمَالِ الِاتِّصَالِ وَالِانْقِطَاعِ وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ الْخَطِيبُ كِتَابَ التَّفْصِيلِ لِمُبْهَمِ الْمَرَاسِيلِ وَكِتَابَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ. [مَسْأَلَةٌ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ يَثْبُتَانِ بِوَاحِدٍ فِي الرِّوَايَةِ وَبِاثْنَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ (الْأَكْثَرُ) وَوَافَقَهُمْ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ (الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ) يَثْبُتَانِ (بِوَاحِدٍ فِي الرِّوَايَةِ وَبِاثْنَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ وَقِيلَ) يَثْبُتَانِ (بِاثْنَيْنِ فِيهِمَا) أَيْ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ مُخْتَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَحَكَاهُ الْبَاقِلَّانِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْ. أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ (وَقِيلَ) يَثْبُتَانِ (بِوَاحِدٍ فِيهِمَا) أَيْ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ (لِلْأَكْثَرِ لَا يَزِيدُ شَرْطٌ عَلَى مَشْرُوطِهِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَلَا يَنْقُصُ) شَرْطٌ عَنْ مَشْرُوطِهِ وَالْعَدَالَةُ شَرْطٌ لِقَبُولِ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْجَرْحُ شَرْطٌ لِعَدَمِ قَبُولِهِمَا، وَالرِّوَايَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ وَالشَّهَادَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ فَكَذَا التَّعْدِيلُ وَالْجَرْحُ فِيهِمَا (الْمُعَدِّدُ) أَيْ شَارِطُهُ فِيهِمَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا (شَهَادَةٌ) وَلِذَا يُرَدُّ بِمَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ (فَيَتَعَدَّدُ) أَيْ فَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْعَدَدُ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ (عُورِضَ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَهَادَةٌ بَلْ هُوَ (خَبَرٌ) عَنْ حَالِ الرَّاوِي (فَلَا) يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ بَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ (قَالُوا) أَيْ الْمُعِدُّونَ فِيهِمَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (أَحْوَطُ) لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الثِّقَةِ وَالْبُعْدِ عَنْ احْتِمَالِ الْعَمَلِ بِمَا لَيْسَ بِحَدِيثٍ فَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ أَوْلَى (أُجِيبَ بِالْمُعَارَضَةِ) وَهِيَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ أَحْوَطُ حَذَرًا مِنْ

تَضْيِيعِ الشَّرَائِعِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَإِنَّ الِاكْتِفَاءَ بِوَاحِدٍ يُفِيدُ ذَلِكَ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ قَوْلُ الرَّاوِي مَقْبُولًا فَتَثْبُتُ بِهِ الشَّرَائِعُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى ثَانٍ تَفُوتُ بِفَوَاتِهِ وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ احْتِمَالُ عَدَمِ الْعَمَلِ بِمَا هُوَ حَدِيثٌ (الْمُفْرَدُ فِيهِمَا) أَيْ التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا (خَبَرٌ) فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ (فَيُقَالُ) لَهُ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا (شَهَادَةٌ) فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ (فَإِذَا قَالَ) الْمُفْرَدُ الْإِفْرَادُ (أَحْوَطُ) كَمَا ذَكَرْنَا (عُورِضَ) بِأَنَّ التَّعَدُّدَ أَحْوَطُ كَمَا ذَكَرْنَا (وَالْأَجْوِبَةُ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ (كُلُّهَا جَدَلِيَّةٌ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُرَجِّحَةٍ لِمَذْهَبٍ بَلْ مُوقِفَةٌ عَنْهُ (وَالْمُعَارَضَةُ الْأُولَى) وَهِيَ الْإِفْرَادُ أَحْوَطُ (تَنْدَفِعُ بِانْتِفَاءِ شَرْعِ مَا لَمْ يُشْرَعْ شَرٌّ مِنْ تَرْكِ مَا شُرِعَ) وَهُوَ عَدَمُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ تُزَكَّ رُوَاتُهُ اثْنَانِ وَهُمَا لَيْسَا شَرْطًا فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الصَّوَابَ يَنْدَفِعُ بِأَنْ شَرَعَ مَا لَمْ يُشْرَعْ إلَخْ كَمَا كَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَيْهِ حَالَ قِرَاءَتِي لِهَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ إنَّمَا كَانَ شَرْعُ مَا لَمْ يُشْرَعْ شَرًّا مِنْ تَرْكِ مَا شُرِعَ لِأَنَّهُ يَضْرِبُ بِعِرْقٍ إلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الرُّبُوبِيَّةِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ تَرْكِ مَا شُرِعَ (وَالثَّانِيَةُ) أَيْ وَالْمُعَارَضَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ التَّعَدُّدُ أَحْوَطُ (تَقْتَضِي التَّعَدُّدَ فِيهِمَا) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ لَا يَزِيدُ) شَرْطٌ عَلَى مَشْرُوطِهِ بِالِاسْتِقْرَاءِ (مُنْتَفٍ بِشَاهِدِ الْهِلَالِ) أَيْ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِوَاحِدٍ وَيَفْتَقِرُ تَعْدِيلُهُ إلَى اثْنَيْنِ (وَلَا يَنْقُصُ) شَرْطٌ عَنْ مَشْرُوطِهِ مُنْتَفٍ (بِشَهَادَةِ الزِّنَى) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ كَوْنَهُمْ أَرْبَعَةً وَيَكْفِي فِي تَعْدِيلِهِمْ اثْنَانِ (وَمَا قِيلَ لَا نَقْصَ) بِهَذَيْنِ (بَلْ) زِيَادَةُ الْأَصْلِ فِي شَهَادَةِ الزِّنَى وَنُقْصَانُهُ فِي شَهَادَةِ رَمَضَانَ إنَّمَا ثَبَتَ (بِالنَّصِّ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الدَّرْءِ) لِلْعُقُوبَاتِ (وَالْإِيجَابُ) لِلْعِبَادَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي حَاشِيَةِ التَّفْتَازَانِيِّ فَلِلِاحْتِيَاطِ فِي الدَّرْءِ يَرْجِعُ إلَى شَهَادَةِ الزِّنَى وَالْإِيجَابُ يَرْجِعُ إلَى شَهَادَةِ الْهِلَالِ (لَا يُخْرِجُهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابُ (عَنْهُمَا) أَيْ ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ وَثُبُوتِ النَّقْصِ لِلشَّرْطِ مَعَ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ عَيْنُ مَا بِهِ النَّقْضُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِبَاعِثِ مَصْلَحَةٍ خَاصَّةٍ فَإِنَّ كُلَّ الْمَشْرُوعَاتِ كَذَلِكَ (وَأَوْجَهُهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ (الْمُفْرَدُ) أَيْ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُفْرَدَ يَكْفِي فِيهِمَا (فَإِذَا قِيلَ كَوْنُهُ شَهَادَةً أَحْوَطُ مَنَعَ مَحَلِّيَّتَهُ) أَيْ التَّعْدِيلِ (لَهُ) أَيْ لِلِاحْتِيَاطِ (إذْ الِاحْتِيَاطُ عِنْدَ تَجَاذُبِ مُتَعَارِضَيْنِ) لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (فَيُعْمَلُ بِأَشَدِّهِمَا وَلَا تَزِيدُ التَّزْكِيَةُ عَلَى أَنَّهَا ثَنَاءٌ) خَاصٌّ (عَلَيْهِ) أَيْ الشَّاهِدِ وَالرَّاوِي (وَهُوَ) أَيْ ثُبُوتُهُ لَهُ يَكُونُ (بِمُجَرَّدِ الْخَبَرِ) الْخَاصِّ مِنْ الْمُزَكِّي (فَإِثْبَاتُ زِيَادَةٍ عَلَى الْخَبَرِ) بِخَبَرٍ آخَرَ يَكُونُ (بِلَا دَلِيلٍ فَيَمْتَنِعُ) التَّعَارُضُ (وَلَا يُتَصَوَّرُ الِاحْتِيَاطُ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ ذُكُورَةِ الْمُعَدِّلِ) لِلشَّاهِدِ فِي الْحُدُودِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فَفِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ يُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ عِنْدَهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الشَّهَادَةُ وَشَرْطٌ مَحْضٌ لَهَا عِنْدَهُمَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا وَظَاهِرُ الِاخْتِيَارِ أَنَّهَا شَرْطٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَيُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي فِي الْحُدُودِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا فِي الْقِصَاصِ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَلِفِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ اهـ وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالُوا يُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ عِنْدَ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ (وَمُقْتَضَى النَّظَرِ قَبُولُ تَزْكِيَةِ كُلِّ عَدْلٍ ذَكَرًا أَوْ امْرَأَةً فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ حَقِيقَتَهَا ثَنَاءٌ وَإِخْبَارٌ خَاصٌّ عَنْ حَالِ الشَّاهِدِ أَوْ الرَّاوِي لَا الشَّهَادَةِ (وَلَوْ شُرِطَتْ الْمُلَابَسَةُ فِي الْمَرْأَةِ) لِمَنْ تُزَكِّيهِ (لِسُؤَالِ بَرِيرَةَ) أَيْ سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيرَةَ مَوْلَاةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ بِإِشَارَةِ عَلِيٍّ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ (وَالْعَبْدُ) أَيْضًا (لَمْ يَبْعُدْ فَيَنْتَفِي ظُهُورُ مَبْنَى النَّفْيِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ نَفْيَ تَعْدِيلِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لِظُهُورِ عَدَمِ مُخَالَطَتِهِمَا الرِّجَالَ وَالْأَحْرَارَ خِلْطَةً تُوجِبُ مَعْرِفَةَ بَاطِنِ الْحَالِ فَلَوْ قِيلَ بِجَوَازِ تَعْدِيلِهِمَا بِشَرْطِ الْعِلْمِ بِمُخَالَطَتِهِمَا كَأَنْ تُعَدَّلَ مَنْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَالْعَبْدُ مَنْ كَانَ مَوْلًى لَهُ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ مَنْ عَرَفَ اتِّفَاقَ أَمْرٍ كَانَ جَامِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا لَمْ يَبْعُدْ، وَلَمْ يَبْعُدْ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِنَا حَسَنٌ فَيَكُونُ مَذْهَبًا مُفَصِّلًا فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَرْأَةِ

مسألة تعارض الجرح والتعديل

مُطْلَقٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَثْبُتُ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ إنْ عَرَفَ مُخَالَطَتَهَا وَفِي الْعَبْدِ الْمَعْرُوفِ إطْلَاقُ الْجَوَازِ فَيَثْبُتُ فِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ وَهُوَ إنْ عَرَفَ مُخَالَطَتَهُ وَإِلَّا لَا اهـ. قُلْت وَهَذَا الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَرْأَةِ تَفَقُّهًا ظَفِرْت بِهِ مَنْقُولًا فَفِي الْمُحِيطِ وَيُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا إذَا كَانَتْ بَرْزَةً تُخَالِطُ النَّاسَ وَتُعَامِلُهُمْ لِأَنَّ لَهَا خِبْرَةً بِأُمُورِهِمْ وَمَعْرِفَةً بِأَحْوَالِهِمْ فَيُفِيدُ السُّؤَالُ وَالتَّعْدِيلُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ خُصُوصًا فِي تَعْدِيلِ النِّسْوَانِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَعْرَفُ بِالْأَحْوَالِ فِي بُيُوتِهِنَّ فَإِنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً غَيْرَ بَرْزَةٍ لَا يَكُونُ لَهَا خِبْرَةٌ فَلَا تَعْرِفُ أَحْوَالَ النَّاسِ إلَّا حَالَ زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا فَلَا يَكُونُ تَعْدِيلُهَا مُعْتَبَرًا فَلَا يُفِيدُ السُّؤَالُ عَنْهَا اهـ وَحِينَئِذٍ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُرَادُ الْمُطْلَقِ هَذَا وَإِنَّمَا طَوَى ذِكْرَهُ مَنْ طَوَاهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا تُطْلَبُ التَّزْكِيَةُ مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَحْوَالِ الْمُزَكَّى كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ حَكَى مَشَايِخُنَا أَيْضًا خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ فِي تَزْكِيَةِ الْعَبْدِ فَلَمْ يَقْبَلْهَا مُحَمَّدٌ وَقَبِلَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ إطْلَاقِ قَبُولِهَا مِنْهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَحْوَالِ الْمُزَكَّى كَمَا ذَكَرْنَا فَيَكُونُ فِي كُلٍّ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَالْقَبُولُ بِشَرْطِ خِبْرَتِهِمَا بِالْمُزَكَّى ثُمَّ التَّحْرِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّزْكِيَةَ إمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَأَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا سَائِرُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَمَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ سِوَى لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَأَمَّا تَزْكِيَةُ السِّرِّ فَفِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عَرَفْت مَا فِيهَا غَيْرَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ مُحَمَّدًا اشْتَرَطَ فِي شُهُودِ الزِّنَى أَرْبَعَةَ ذُكُورٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ عَدَدٍ فِيهَا لَهُمَا اللَّهُمَّ إلَّا مَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ اشْتِرَاطِ عَدَدِ الشَّهَادَةِ فِيهَا فِي الْحَدِّ إجْمَاعًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اثْنَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ تَوَجُّهُ التَّقَصِّي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَنْ النَّقْضِ بِشَهَادَةِ الزِّنَى لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ شَرْطٌ عَنْ مَشْرُوطِهِ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِهِ فِيهَا لَمْ يَنْقُصْ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ تَقَدَّمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الرَّجُلَيْنِ إجْمَاعٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَذَكَرُوا أَنَّ مُحَمَّدًا يَشْتَرِطُ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَفِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَرَتَّبَهَا عَلَى مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ تَزْكِيَةَ الْفَاسِقِ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْأَعْمَى وَأَطْلَقُوا أَنَّهُمَا يَقْبَلَانِ تَزْكِيَةَ الْمَذْكُورِينَ وَالْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَلَمْ يَذْكُرُوا اشْتِرَاطَ عَدَدٍ فِي ذَلِكَ عَنْهُمَا وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ عِنْدَهُمَا وَإِنَّمَا الْأَحْوَطُ اثْنَانِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ تَعْدِيلَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَالْعَبْدِ سَيِّدَهُ بِمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُهُ مِنْ كَوْنِ الزَّوْجِيَّةِ وَالسَّيِّدِيَّةِ غَيْرُ قَائِمَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ تَزْكِيَةَ الرَّاوِي كَتَزْكِيَةِ السِّرِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ تَعَارَضَ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ] (مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَارَضَ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ فَالْمَعْرُوفُ مَذْهَبَانِ تَقْدِيمُ الْجَرْحِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُعَدِّلُونَ أَقَلَّ مِنْ الْجَارِحِينَ أَوْ مِثْلَهُمْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ نَقَلَهُ الْخَطِيبُ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَصَحَّحَهُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُمْ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ تَسَاوِي الْمُعَدِّلِينَ وَالْجَارِحِينَ فَكَذَلِكَ) أَيْ يُقَدَّمُ الْجَرْحُ (وَالتَّفَاوُتُ) بَيْنَ الْمُعَدِّلِينَ وَالْجَارِحِينَ فِي الْمِقْدَارِ (فَيَتَرَجَّحُ الْأَكْثَرُ) مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْأَقَلِّ مِنْهُمَا (فَأَمَّا وُجُوبُ التَّرْجِيحِ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِمُرَجِّحٍ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ (كَنَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَقَدْ أَنْكَرَ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ (بِنَاءً عَلَى حِكَايَةِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ) الْبَاقِلَّانِيِّ (وَالْخَطِيبِ) الْبَغْدَادِيِّ (الْإِجْمَاعَ عَلَى تَقْدِيمِ الْجَرْحِ عِنْدَ التَّسَاوِي لَوْلَا تَعَقُّبُ الْمَازِرِيِّ الْإِجْمَاعَ بِنَقْلِهِ عَنْ مَالِكِيٍّ يُشْهَرُ بِابْنِ شَعْبَانَ) أَنَّهُ يَطْلُبُ التَّرْجِيحَ فِي هَذَا كَمَا قِيلَ إذَا كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ مِنْ الْمُعَدِّلِ (لَكِنَّهُ) أَيْ ابْنَ شَعْبَانَ (غَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ تَابِعٌ فَلَا يَنْفِيهِ) أَيْ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ الْإِجْمَاعُ وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ ثَمَّةَ قَائِلٌ بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْعَمَلِ بِالتَّعْدِيلِ إذَا كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ بَلْ يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ فَهَذَا قَائِلٌ أَيْضًا بِطَرِيقِ أَوْلَى بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْعَمَلِ بِالتَّعْدِيلِ وَطَلَبِ التَّرْجِيحِ إذَا تَسَاوَى عَدَدُ الْجَارِحِينَ وَالْمُعَدِّلِينَ كَمَا لَا يَخْفَى

مسألة لا يقبل الجرح إلا مبينا سببه

فَيَنْخَدِشُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ ذَهَبَ إلَى مَا قَالَهُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَقْدِيمِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ إذَا تَسَاوَى عَدَدَاهُمَا وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَمْرَ عَلَى هَذَا لَكِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَائِلٌ بِطَلَبِ التَّرْجِيحِ إذَا كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ (وَأَمَّا وَضْعُ شَارِحِهِ) أَيْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (مَكَانٌ) وَقِيلَ (التَّرْجِيحُ التَّعْدِيلُ) أَيْ قَوْلُهُ وَقِيلَ بَلْ التَّعْدِيلُ مُقَدَّمٌ (فَلَا يُعْرَفُ قَائِلٌ بِتَقْدِيمِ التَّعْدِيلِ مُطْلَقًا) وَأَوَّلَهُ الْأَبْهَرِيُّ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَلْ التَّجْرِيحُ مُقَدَّمٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الشَّارِحِينَ وَالْمُصَنِّفِ أَيْضًا قُلْت وَهَذَا أَعْجَبُ فَإِنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ وَلَعَلَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ التَّرْجِيحُ (وَالْخِلَافُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمَا) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ بِلَا تَعْيِينِ سَبَبٍ (أَوْ تَعْيِينِ الْجَارِحِ سَبَبًا لَمْ يَنْفِهِ الْمُعَدِّلُ أَوْ نَفَاهُ) الْمُعَدِّلُ (بِطَرِيقٍ غَيْرِ يَقِينِيٍّ لَنَا فِي تَقْدِيمِ الْجَرْحِ عَدَمُ الْإِهْدَارِ) لِكُلٍّ مِنْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ بَلْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (فَكَانَ) تَقْدِيمُهُ (أَوْلَى أَمَّا الْجَارِحُ فَظَاهِرٌ) لِأَنَّا قَدَّمْنَاهُ (وَأَمَّا قَوْلُ الْمُعَدِّلِ فَلِأَنَّهُ ظَنَّ الْعَدَالَةَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ) مِنْ أَنَّ الْتِزَامَ الْإِسْلَامِ ظَاهِرٌ فِي اجْتِنَابِ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ (وَلِمَا يَأْتِي) مِنْ أَنَّ الْعَدَالَةَ يُتَصَنَّعُ فِي إظْهَارِهَا فَتُظَنُّ وَلَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ (وَرُدَّ تَرْجِيحُ الْعَدَالَةِ بِالْكَثْرَةِ) لِلْمُعَدِّلِينَ (بِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَثُرُوا لَيْسُوا مُخْبِرِينَ بِعَدَمِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْجَارِحُونَ) وَلَوْ أَخْبَرُوا بِهِ لَكَانَتْ شَهَادَةً بَاطِلَةً عَلَى نَفْيٍ ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُمْ) أَيْ الْمُعَدِّلِينَ وَالْجَارِحِينَ (لَمْ يَتَوَارَدُوا فِي التَّحْقِيقِ) عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ خَبَرَيْهِمَا (فَأَمَّا إذَا عَيَّنَ) الْجَارِحُ (سَبَبَ الْجَرْحِ) بِأَنْ قَالَ قُتِلَ فُلَانٌ يَوْمَ كَذَا (وَنَفَاهُ الْمُعَدِّلُ يَقِينًا) بِأَنْ قَالَ رَأَيْته حَيًّا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ (فَالتَّعْدِيلُ) أَيْ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْجَرْحِ (اتِّفَاقٌ وَكَذَا) يُقَدَّمُ التَّعْدِيلُ عَلَى الْجَرْحِ (لَوْ قَالَ) الْمُعَدِّلُ (عَلِمْتُ مَا جَرَحَهُ) أَيْ الْجَارِحُ لِلشَّاهِدِ أَوْ الرَّاوِي (بِهِ) مِنْ الْقَوَادِحِ (وَأَنَّهُ) أَيْ الْمَجْرُوحَ (تَابَ عَنْهُ) أَيْ عَمَّا جَرَحَ بِهِ هَذَا وَفِي حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْدِيمِ التَّعْدِيلِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَوْ الْأُولَى نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ وَكَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَيْضًا فَالتَّرْجِيحُ وَقَالُوا لِعَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ وَفِي شَرْحِ السُّبْكِيّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ مَوَاقِعِ الْخِلَافِ انْتَهَى نَعَمْ رُجْحَانُ التَّعْدِيلِ فِي الصُّورَتَيْنِ مُتَّجَهٌ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ لَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ إلَّا مُبَيَّنًا سَبَبُهُ] (مَسْأَلَةٌ. أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَ) أَكْثَرُ (الْمُحَدِّثِينَ) وَمِنْهُمْ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (لَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ إلَّا مُبَيَّنًا) سَبَبُهُ كَأَنْ يَقُولَ الْجَارِحُ فُلَانٌ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا (لَا التَّعْدِيلَ وَقِيلَ بِقَلْبِهِ) أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّعْدِيلَ إلَّا مُبَيَّنًا سَبَبُهُ كَأَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ فُلَانٌ مُجْتَنِبٌ لِلْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَخَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ وَيَقْبَلُ الْجَرْحَ بِلَا ذِكْرِ سَبَبِهِ (وَقِيلَ) يَكْفِي الْإِطْلَاقُ (فِيهِمَا) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (وَقِيلَ لَا) يَكْفِي الْإِطْلَاقُ وَقَالَ (الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ قَالَ (الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا جَرَحَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْجَرْحَ يَجِبُ الْكَشْفُ) عَنْ ذَلِكَ (وَلَمْ يُوجِبُوهُ) أَيْ الْكَشْفَ (عَلَى عُلَمَاءِ الشَّأْنِ قَالَ وَيَقْوَى عِنْدَنَا تَرْكُهُ) أَيْ الْكَشْفِ عَنْ ذَلِكَ (إذَا كَانَ الْجَارِحُ عَالِمًا كَمَا لَا يَجِبُ اسْتِفْسَارُ الْمُعَدِّلِ) عَمَّا بِهِ صَارَ عِنْدَهُ الْمُزَكَّى عَدْلًا (وَهَذَا مَا يُخَالِفُ مَا عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إنْ كَانَ) كُلٌّ مِنْ الْمُعَدِّلِ وَالْجَارِحِ (عَالِمًا كَفَى) الْإِطْلَاقُ (فِيهِمَا) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا (لَا) يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّازِيُّ وَالْخَطِيبُ (فِي الِاكْتِفَاءِ فِي التَّعْدِيلِ بِالْإِطْلَاقِ) عَنْ شَرْطِ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ كَوْنِ الْمُعَدِّلِ عَالِمًا وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِطْلَاقِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُعَدِّلُ عَالِمًا (أَوْ) هَذَا (مِثْلُهُ) أَيْ مَا عَنْ الْإِمَامِ مِنْ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ تَقْيِيدِ الْمُعَدِّلِ بِالْعِلْمِ (فَمَا نُسِبَ إلَى الْقَاضِي مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِطْلَاقِ) فِي الْجَرْحِ كَمَا وَقَعَ لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْمَنْخُولِ (غَيْرُ ثَابِتٍ) عَنْ الْقَاضِي بَلْ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ وَهْمٌ مِنْهُمَا وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْجَارِحِ وَالْمُعَدِّلِ بَصِيرًا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَحَكَاهُ عَنْهُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ (وَيَبْعُدُ مِنْ عَالِمِ الْقَوْلِ بِسُقُوطِ رِوَايَةٍ أَوْ ثُبُوتِهَا بِقَوْلِ مَنْ لَا خِبْرَةَ عِنْدَهُ بِالْقَادِحِ وَغَيْرِهِ) بَلْ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ لَا يَذْهَبُ مُحَصِّلٌ إلَى قَبُولِ ذَلِكَ مُطْلَقًا مِنْ رَجُلٍ غُمْرٍ جَاهِلٍ لَا يَعْرِفُ مَا يَجْرَحُ بِهِ وَلَا مَا يُعَدِّلُ بِهِ وَقَدْ

أَشَارَ إلَى هَذَا الْقَاضِي (وَمَا أَوْرَدُوهُ مِنْ دَلِيلِهِ) أَيْ الْقَاضِي (إنْ شَهِدَ) الْجَارِحُ (مِنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا) لِإِطْلَاقِ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي. (وَالْكَلَامُ فِيهِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَدْلِ (فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ) الْجَارِحُ (إلَّا ذَا بَصِيرَةٍ فَإِنْ سَكَتَ) الْجَارِحُ عَنْ الْبَيَانِ (فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ) أَيْ الْمَوْضِعِ الْمُخْتَلَفِ فِي أَنَّهُ هُوَ سَبَبُ الْجَرْحِ (فَمُدَلِّسٌ) وَهُوَ قَادِحٌ فِي عَدَالَتِهِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ مَا أَوْرَدُوهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (يُفِيدُ أَنْ لَا بُدَّ مِنْ بَصِيرَةٍ عِنْدَهُ) أَيْ الْقَاضِي (بِالْقَادِحِ وَغَيْرِهِ بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ) الْخِلَافُ مِنْ أَسْبَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (وَكَذَا مَا أَجَابُوا بِهِ) أَيْ الْقَاضِي (مِنْ أَنَّهُ) أَيْ الْجَارِحَ (قَدْ يَبْنِي عَلَى اعْتِقَادِهِ) فِيمَا يَرَاهُ جَرْحًا حَقًّا (أَوْ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ) فَلَا يَكُونُ مُدَلِّسًا (فَرْعٌ أَنَّ لَهُ) أَيْ لِلْجَارِحِ (عِلْمًا غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ فَيَجْرَحَهُ أَوْ يُعَدِّلَهُ بِمَا يَعْتَقِدُهُ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِيهِ لَكِنْ دُفِعَ بِأَنَّ كَوْنَهُ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ خِلَافُ مُقْتَضَى بَصَرِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لِذَلِكَ الْقَوْلِ) أَيْ سُقُوطِ رِوَايَةٍ أَوْ ثُبُوتِهَا بِقَوْلِ مَنْ لَا خِبْرَةَ عِنْدَهُ بِالْقَادِحِ وَغَيْرِهِ (فَيَجِبُ كَوْنُ الْأَقْوَالِ عَلَى تَقْدِيرِ الْعِلْمِ) لِلْمُعَدِّلِ وَالْجَارِحِ فَيَكُونُ (أَرْبَعَةً فَقَائِلٌ) يَقُولُ (لَا يَكْفِي) الْإِطْلَاقُ مِنْ الْعَالِمِ (فِيهِمَا) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (لِلِاخْتِلَافِ) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي سَبَبِهِمَا. (فَفِي التَّعْدِيلِ جَوَابُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ فِي تَعْدِيلِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ) إنَّمَا يُضَعِّفُهُ رَافِضِيٌّ مُبْغِضٌ لِآبَائِهِ لَوْ رَأَيْت لِحْيَتَهُ وَخِضَابَهُ وَهَيْئَتَهُ لَعَرَفْت أَنَّهُ ثِقَةٌ فَاسْتَدَلَّ عَلَى ثِقَتِهِ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّ حُسْنَ الْهَيْئَةِ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُعَدِّلُ وَالْمَجْرُوحُ (وَفِي الْجَرْحِ) الِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِهِ (كَثِيرٌ كَشُعْبَةَ) أَيْ كَجَرْحِهِ (بِالرَّكْضِ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَغَيْرِهِ) أَيْ وَبِسَمَاعِ الصَّوْتِ مِنْ مَنْزِلِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو لِلْمِنْهَالِ وَخُصُوصًا إنْ كَانَ قِرَاءَةً بِأَلْحَانٍ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ فَلَوْ أَثْبَتَ بِالْإِطْلَاقِ لَكَانَ مَعَ الشَّكِّ بِهِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا (بِأَنْ لَا شَكَّ) فِي ثُبُوتِهِ بِهِ (مَعَ إخْبَارِ الْعَدْلِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ يُوجِبُ الظَّنَّ وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ لَمْ يَقُلْ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِالشَّكِّ (الشَّكُّ الْآتِي مِنْ احْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي الْعَدَالَةِ لِلتَّصَنُّعِ) فِي إظْهَارِهَا بِالتَّكَلُّفِ فِي الِاتِّصَافِ بِالْفَضَائِلِ وَالْكَمَالَاتِ فَيَتَسَارَعُ النَّاسُ إلَيْهَا بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ بِقَوْلِهِ وَلِمَا يَأْتِي (وَاعْتِقَادُ مَا لَيْسَ قَادِحًا قَادِحًا فِي الْجَرْحِ، وَالْعَدَالَةُ لَا تَنْفِيهِ) أَيْ الْغَلَطَ الْمَذْكُورَ (وَالْجَوَابُ أَنَّ قُصَارَى) أَيْ غَايَةَ (الْعَدْلِ الْبَاطِنِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ بِعَدَمِ مُبَاشَرَةِ الْمَمْنُوعِ) شَرْعًا (لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ) بِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ (وَالْجَهْلُ بِمَفْهُومِ الْعَدَالَةِ مُمْتَنِعٌ عَادَةً مِنْ أَهْلِ الْفَنِّ وَلَا بُدَّ فِي إخْبَارِهِ) أَيْ الْمُعَدِّلِ (مِنْ تَطْبِيقِهِ) أَيْ مَفْهُومِ الْعَدَالَةِ (عَلَى حَالِ مَنْ عَدَّلَهُ فَأَغْنَى) مَجْمُوعُ هَذَا (عَنْ الِاسْتِفْسَارِ) مِنْهُ عَنْ سَبَبِهَا (وَيُقْطَعُ بِأَنَّ جَوَابَ أَحْمَدَ) بْنِ يُونُسَ الْمَذْكُورَ (اسْتِرْوَاحٌ لَا تَحْقِيقٌ إذْ لَا نَشُكُّ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ أَلِحُسْنِ اللِّحْيَةِ وَخِضَابِهَا دَخْلٌ فِي الْعَدَالَةِ؟ نَفَاهُ) أَيْ أَنْ يَكُونَ لَهَا دَخْلٌ فِي مَفْهُومِهَا (وَقَائِلٌ) يَقُولُ (يَكْفِي) الْإِطْلَاقُ (فِيهِمَا) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (مِنْ الْعَالِمِ لَا مِنْ غَيْرِهِ) وَقَيَّدَ بِهِ لِيَتَبَيَّنَ دُخُولُ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي هَذَا الْقِسْمِ حَيْثُ قَالَ (وَهُوَ مُخْتَارُ الْإِمَامِ تَنْزِيلًا لِعِلْمِهِ مَنْزِلَةَ بَيَانِهِ) وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي كُلِّ الْأَقْوَالِ (وَجَوَابُهُ فِي الْجَرْحِ مَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَسْبَابِ الْجَرْحِ كَثِيرٌ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ (وَقَائِلٌ) يَقُولُ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ (فِي الْعَدَالَةِ فَقَطْ لِلْعِلْمِ بِمَفْهُومِهَا اتِّفَاقًا فَسُكُوتُهُ كَبَيَانِهِ بِخِلَافِ الْجَرْحِ) فَإِنَّ أَسْبَابَهُ كَثِيرَةٌ وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَائِلٌ) يَقُولُ (قَلْبُهُ) أَيْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِي الْجَرْحِ لَا فِي الْعَدَالَةِ (لِلتَّصَنُّعِ فِي الْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ يَظْهَرُ وَتَقَدَّمَ) جَوَابُهُ مَرَّتَيْنِ (وَيُعْتَرَضُ عَلَى الْأَكْثَرِ بِأَنَّ عَمَلَ الْكُلِّ) مِنْ أَهْلِ الشَّأْنِ (فِي الْكُتُبِ عَلَى إبْهَامِ) سَبَبِ (التَّضْعِيفِ إلَّا قَلِيلًا فَكَانَ) الِاكْتِفَاءُ بِإِطْلَاقِ الْجَرْحِ (إجْمَاعًا وَالْجَوَابُ) مِنْ ابْنِ الصَّلَاحِ عَنْ هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ عَمَلَهُمْ الْمَذْكُورَ (أَوْجَبَ التَّوَقُّفَ عَنْ قَبُولِهِ) أَيْ الرَّاوِي الْمُضَعَّفِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوقِعُ فِيهِ رِيبَةً يُوجِبُ مِثْلَهَا التَّوَقُّفُ ثُمَّ مَنْ انْزَاحَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ مِنْهُمْ بِبَحْثٍ عَنْ حَالِهِ أَوْجَبَ الثِّقَةَ بِعَدَالَتِهِ قَبِلْنَا حَدِيثَهُ وَلَمْ نَتَوَقَّفْ كَمَنْ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ مَسَّهُمْ مِثْلُ هَذَا الْجَرْحِ مِنْ غَيْرِهِمْ (يُوجِبُ قَبُولَ)

مسألة عدالة الصحابة

الْجَرْحِ (الْمُبْهَمِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَنْ عَدَّلَ وَإِلَّا فَالتَّوَقُّفُ لِجَهَالَةِ حَالِهِ ثَابِتٌ وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ أَصْحَابَ الْكُتُبِ الْمَعْرُوفِينَ عُرِفَ مِنْهُمْ صِحَّةُ الرَّأْيِ فِي الْأَسْبَابِ) الْجَارِحَةِ فَأَوْجَبَ جَرْحُهُمْ الْمُبْهَمُ التَّوَقُّفَ عَنْ الْعَمَلِ بِالْمَجْرُوحِ (حَتَّى لَوْ عَرَفَ) الْجَارِحُ مِنْهُمْ (بِخِلَافِهِ) أَيْ خِلَافِ الرَّأْيِ الصَّحِيحِ فِي الْأَسْبَابِ الْجَارِحَةِ (لَا يُقْبَلُ) جَرْحُهُ (فَلَا يَتَوَقَّفُ) فِي قَبُولِ ذَلِكَ الْمَجْرُوحِ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ] (مَسْأَلَةٌ الْأَكْثَرُ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ) فَلَا يُبْحَثُ عَنْهَا فِي رِوَايَةٍ وَلَا شَهَادَةٍ (وَقِيلَ) هُمْ (كَغَيْرِهِمْ) فِيهِمْ الْعُدُولُ وَغَيْرُهُمْ (فَيُسْتَعْلَمُ التَّعْدِيلُ بِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ التَّزْكِيَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا مَنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِعَدَالَتِهِ كَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ ظَاهِرِهَا (وَقِيلَ) هُمْ (عُدُولٌ إلَى الدُّخُولِ فِي الْفِتْنَةِ) فِي آخِرِ عَهْدِ عُثْمَانَ كَمَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ وَقِيلَ مِنْ حِينِ مَقْتَلِ عُثْمَانَ وَقَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ مَا بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الدَّاخِلِ فِي فِتْنَةِ عُثْمَانَ أَيْضًا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْفِتْنَةَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ بِسَبَبِ قَتْلِ عُثْمَانَ (فَتُطْلَبُ التَّزْكِيَةُ) لَهُمْ مِنْ وَقْتَئِذٍ (فَإِنَّ الْفَاسِقَ مِنْ الدَّاخِلِينَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (هَذَا الْمَذْهَبَ بِأَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ إلَى ظُهُورِهَا فَلَا يُقْبَلُ الدَّاخِلُونَ مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ (لِجَهَالَةِ عَدَالَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجُونَ) مِنْهَا (كَغَيْرِهِمْ) يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ إلَى ظُهُورِهَا أَمْرَيْنِ عَدَمُ قَبُولِهِمْ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ بِالْبَحْثِ عَنْهَا وَعَدَمِ الْقَبُولِ مُطْلَقًا فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْهَا) أَيْ عَدَالَتِهِمْ (بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ) أَيْ الْبَحْثُ عَنْهَا بَعْدَهُ (مَنْقُولٌ) عَنْ بَعْضِهِمْ (فَفَاسِدُ التَّرْكِيبِ) إذْ حَاصِلُهُ: هُمْ كَغَيْرِهِمْ إلَى ظُهُورِهَا فَهُمْ كَغَيْرِهِمْ (وَحَاصِلُهُ الْمَذْهَبُ الثَّانِي وَلَيْسَ ثَالِثًا) إذْ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ أَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ مُطْلَقًا وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرَادَ لَا يُقْبَلُ بِوَجْهٍ فَشِقُّهُ الْأَوَّلُ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ: فَهُمْ (عُدُولٌ) إلَى: ظُهُورِهَا فَلَا يُقْبَلُونَ لِأَنَّهُمْ (كَغَيْرِهِمْ) ثُمَّ لَا قَائِلَ بِأَنَّهُمْ لَا يُقْبَلُونَ أَصْلًا (وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ عُدُولٌ إلَّا مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ الْأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] الْآيَةَ مَدَحَهُمْ تَعَالَى فَدَلَّ عَلَى فَضْلِهِمْ «وَلَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نُصَيْفَهُ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ الْأَدِلَّةِ وَأَوْضَحِهَا عَلَى عَظِيمِ فَضْلِهِمْ (وَمَا تَوَاتَرَ عَنْهُمْ مِنْ مُدَاوَمَةِ الِامْتِثَالِ) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَبَذْلِهِمْ الْأَمْوَالَ وَالْأَنْفُسَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى الْعَدَالَةِ (وَدُخُولِهِمْ فِي الْفِتَنِ بِالِاجْتِهَادِ) أَيْ اجْتَهَدُوا فِيهَا فَأَدَّى اجْتِهَادُ كُلٍّ إلَى مَا ارْتَكَبَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ سَوَاءٌ كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ الْمُصِيبُ وَاحِدًا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ اتِّفَاقًا وَلَا تَفْسِيقَ بِوَاجِبٍ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ حَكَى إجْمَاعَ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حِكَايَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى تَعْدِيلِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ نَعَمْ حِكَايَتُهُ إجْمَاعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى تَعْدِيلِ مَنْ لَابَسَ الْفِتَنَ مِنْهُمْ حَسَنٌ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ أَنَّا نَقْطَعُ بِعَدَالَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى هَذَيَانِ الْهَاذِينَ وَزَيْغِ الْمُبْطِلِينَ وَقَدْ سَلَفَ اكْتِفَاؤُنَا فِي الْعَدَالَةِ بِتَزْكِيَةِ الْوَاحِدِ مِنَّا فَكَيْفَ بِمَنْ زَكَّاهُمْ عَلَّامُ الْغُيُوبِ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ فِي غَيْرِ آيَةٍ وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ الَّذِي عَصَمَهُ اللَّهُ عَنْ الْخَطَأِ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَمْرَهُمْ فِيمَا جَرَى بَيْنَهُمْ إلَى رَبِّهِمْ جَلَّ وَعَلَا وَنَبْرَأُ إلَى الْمَلِكِ سُبْحَانَهُ مِمَّنْ يَطْعَنُ فِيهِمْ وَنَعْتَقِدُ أَنَّ الطَّاعِنَ عَلَى ضَلَالٍ مُهِينٍ وَخُسْرَانٍ مُبِينٍ مَعَ اعْتِقَادِنَا أَنَّ الْإِمَامَ الْحَقَّ كَانَ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا وَحَمَى اللَّهُ الصَّحَابَةَ مِنْ مُبَاشَرَةِ قَتْلِهِ فَالْمُتَوَلِّي قَتْلَهُ كَانَ شَيْطَانًا مَرِيدًا ثُمَّ لَا نَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ الرِّضَا بِقَتْلِهِ إنَّمَا الْمَحْفُوظُ الثَّابِتُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ إنْكَارُ ذَلِكَ ثُمَّ كَانَتْ مَسْأَلَةُ الْأَخْذِ بِالثَّأْرِ اجْتِهَادِيَّةً رَأَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ التَّأْخِيرَ مَصْلَحَةً وَرَأَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْبِدَارَ مَصْلَحَةً وَكُلٌّ جَرَى عَلَى وَفْقِ اجْتِهَادِهِ وَهُوَ مَأْجُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ كَانَ الْإِمَامُ الْحَقُّ بَعْدَ ذِي النُّورَيْنِ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتَأَوِّلًا هُوَ وَجَمَاعَتُهُ وَمِنْهُمْ

مَنْ قَعَدَ عَنْ الْفَرِيقَيْنِ وَأَحْجَمَ عَنْ الطَّائِفَتَيْنِ لَمَّا أَشْكَلَ الْأَمْرُ وَكُلٌّ عَمِلَ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَالْكُلُّ عُدُولٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَهُمْ نَقَلَةُ هَذَا الدِّينِ وَحَمَلَتُهُ الَّذِينَ بِأَسْيَافِهِمْ ظَهَرَ وَبِأَلْسِنَتِهِمْ انْتَشَرَ وَلَوْ تَلُونَا الْآيَ وَقَصَصْنَا الْأَحَادِيثَ فِي تَفْضِيلِهِمْ لَطَالَ الْخِطَابُ فَهَذِهِ كَلِمَاتٌ مَنْ اعْتَقَدَ خِلَافَهَا كَانَ عَلَى زَلَلٍ وَبِدْعَةٍ فَلْيُضْمِرْ ذُو الدِّينِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَقْدًا ثُمَّ لِيَكُفَّ عَمَّا جَرَى بَيْنَهُمْ فَتِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهَا أَيْدِيَنَا فَلَا نُلَوِّثُ بِهَا أَلْسِنَتَنَا انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَّةِ وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ بَعْدَهُ وَإِنْ رَقِيَ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذَا حَيْثُ قَالَ قَدْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (ثُمَّ الصَّحَابِيُّ) أَيْ مَنْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ (عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمًا وَمَاتَ عَلَى إسْلَامِهِ) قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَالْمُرَادُ بِاللِّقَاءِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُجَالَسَةِ وَالْمُمَاشَاةِ وَوُصُولِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يُكَلِّمْهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ سَوَاءٌ كَانَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ انْتَهَى وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْمَلَ صَغِيرًا إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ هَلْ تَمْيِيزُ الْمُلَاقِي لَهُ شَرْطٌ حَتَّى لَا يَدْخُلَ الْأَطْفَالُ الَّذِينَ حَنَّكَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُلَاقُوهُ مُمَيِّزِينَ وَلَا مَنْ رَآهُ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ أَمْ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَدْخُلُونَ. فِيهِ تَرَدُّدٌ قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّمْيِيزِ مَعَ الرُّؤْيَةِ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو سَعِيدٍ الْعَلَائِيُّ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ حَنَّكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا لَهُ وَلَا صُحْبَةَ لَهُ بَلْ وَلَا رُؤْيَةَ وَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ أَيْضًا وَفِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ حَنَّكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا لَهُ وَلَا تُعْرَفُ لَهُ رُؤْيَةٌ بَلْ هُوَ تَابِعِيٌّ وَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ انْتَهَى وَخَرَجَ بِ (مُسْلِمًا) مَنْ لَقِيَهُ كَافِرًا سَوَاءٌ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ حَيَاتِهِ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَبِقَوْلِهِ وَمَاتَ عَلَى إسْلَامِهِ مَنْ لَقِيَهُ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَعْرِيفُ مَنْ يُسَمَّى صَحَابِيًّا بَعْدَ انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ لَا مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَهُ أَنْ لَا يُسَمَّى الشَّخْصُ صَحَابِيًّا حَالَ حَيَاتِهِ وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ (أَوْ) لَقِيَهُ (قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَمَاتَ قَبْلَهَا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ كَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ) فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ وَذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَرْجَمَ فِي الصَّحَابَةِ الْقَاسِمُ بْنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ وُلِدَ وَمَاتَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ فَإِنْ قُلْتَ إنَّمَا لَمْ يُتَرْجِمُوهُ فِيهِمْ لِاشْتِرَاطِ تَمْيِيزِ الْمُلَاقِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ قُلْت فَيُشْكِلُ بِتَرْجَمَتِهِمْ فِي الصَّحَابَةِ لِإِبْرَاهِيمَ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ) لَقِيَهُ مُسْلِمًا (ثُمَّ ارْتَدَّ وَعَادَ) إلَى الْإِسْلَامِ (فِي حَيَاتِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِهِ فِي الصُّحْبَةِ ثَانِيًا بِدُخُولِهِ الثَّانِي فِي الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا) لَوْ لَقِيَهُ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ (بَعْدَ وَفَاتِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كَقُرَّةَ) بْنِ هُبَيْرٍ (وَالْأَشْعَثِ) بْنِ قَيْسٍ (فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ النَّفْيُ) لِصُحْبَتِهِ لِأَنَّ صُحْبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَشْرَفِ الْأَعْمَالِ وَحَيْثُ كَانَتْ الرِّدَّةُ مُحْبِطَةً لِلْعَمَلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُحْبِطَةٌ لِلصُّحْبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَذَهَبَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ اسْمَ الصُّحْبَةِ بَاقٍ لِلرَّاجِعِ إلَى الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ فِي حَيَاتِهِ أَمْ بَعْدَهُ سَوَاءٌ لَقِيَهُ ثَانِيًا أَمْ لَا قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِهِ قِصَّةُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ ارْتَدَّ وَأُتِيَ بِهِ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَسِيرًا فَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ عَنْ ذِكْرِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ تَخْرِيجِ أَحَادِيثِهِ فِي الْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ دَلِيلًا (وَ) عِنْدَ (جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مُتَتَبِّعًا) لَهُ (مُدَّةً يَثْبُتُ مَعَهَا إطْلَاقُ صَاحِبِ فُلَانٍ عُرْفًا) عَلَيْهِ (بِلَا تَحْدِيدٍ) لِمِقْدَارِهَا بِمِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ (فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ) مِقْدَارُهَا (سِتَّةُ أَشْهُرٍ) فَصَاعِدًا ذَكَرَهُ الْمَايَمُرْغِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِوَجْهِهِ (وَابْنُ الْمُسَيِّبِ) مِقْدَارُهَا (سَنَةٌ أَوْ غَزْوٌ) مَعَهُ وَعَلَّلَ بِأَنَّ لِصُحْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَفًا عَظِيمًا فَلَا تُنَالُ إلَّا بِاجْتِمَاعٍ طَوِيلٍ يَظْهَرُ فِيهِ الْخُلُقُ الْمَطْبُوعُ عَلَيْهِ الشَّخْصُ كَالسَّنَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي يَخْتَلِفُ فِيهَا الْمِزَاجُ وَالْغَزْوِ

مسألة قال المعاصر للنبي صلى الله عليه وسلم العدل أنا صحابي

الْمُشْتَمِلِ عَلَى السَّفَرِ الَّذِي هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ وَيَسْفُرُ فِيهِ أَخْلَاقُ الرَّجُلِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ لَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعُدُّ مِنْ الصَّحَابَةِ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ وَمَنْ شَارَكَهُ فِي انْتِفَاءِ هَذَا الشَّرْطِ مَعَ كَوْنِهِمْ لَا خِلَافَ فِي عَدِّهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ لَكَفَى فِي ضَعْفِهِ (لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ (إنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ) إطْلَاقِ (الصَّحَابِيِّ وَصَاحِبِ فُلَانٍ الْعَالِمِ لَيْسَ إلَّا ذَاكَ) أَيْ مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ إلَى آخِرِهِ (فَإِنْ قِيلَ يُوجِبُهُ) أَيْ كَوْنَ الصَّحَابِيِّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاعَةً (اللُّغَةُ) لِاشْتِقَاقِهِ مِنْ الصُّحْبَةِ وَهِيَ تَصْدُقُ عَلَى كُلِّ مَنْ صَحِبَ غَيْرَهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (قُلْنَا) إيجَابُ اللُّغَةِ ذَلِكَ (مَمْنُوعٌ فِيمَا بِيَاءِ النِّسْبَةِ وَلَوْ سُلِّمَ) إيجَابُ اللُّغَةِ ذَلِكَ فِيمَا بِيَاءِ النِّسْبَةِ أَيْضًا فَقَدْ تَقَرَّرَ لِلْأَئِمَّةِ عُرْفٌ فِي أَنَّهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ إلَّا فِيمَنْ كَثُرَتْ صُحْبَتُهُ وَاتَّصَلَ لِقَاؤُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَا يَجُرُّونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَقِيَ الْمَرْءَ سَاعَةً وَمَشَى مَعَهُ خُطًى وَسَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَالْعُرْفُ مُقَدَّمٌ وَلِذَا) أَيْ تَقَدُّمِهِ عَلَى اللُّغَةِ (يَتَبَادَرُ) هَذَا الْمُرَادُ الْعُرْفِيُّ مِنْ إطْلَاقِهِ (قَالُوا الصُّحْبَةُ تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ يُقَالُ صَحِبَهُ سَاعَةً كَمَا يُقَالُ) صَحِبَهُ (عَامًا فَكَانَ) وَضْعُهَا (لِلْمُشْتَرَكِ) بَيْنَهُمَا كَالزِّيَارَةِ وَالْحَدِيثِ فَإِنَّهُمَا لَمَّا احْتَمَلَا الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ جُعِلَ الزَّائِرُ وَالْمُحَدِّثُ لِمَنْ اتَّصَفَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ (قُلْنَا) هَذَا (غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ قَالُوا لَوْ حَلَفَ لَا يَصْحَبُهُ حَنِثَ بِلَحْظَةٍ قُلْنَا) هَذَا (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَيْضًا (لَا فِيهِ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ (وَهُوَ الصَّحَابِيُّ بِالْيَاءِ) الَّتِي لِلنِّسْبَةِ (بَلْ تَحَقَّقَ فِيهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ (اللُّغَةُ وَالْعُرْفُ الْكَائِنُ فِي نَحْوِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ) أَيْ الْعُرْفُ الْمَذْكُورُ (لِلْمُلَازِمِ مُتَتَبِّعًا) لِلْمُلَازِمِ (اتِّفَاقًا وَيُبْتَنَى عَلَيْهِ) أَيْ الْخِلَافِ فِي الصَّحَابِيِّ مَنْ هُوَ (ثُبُوتُ عَدَالَةِ غَيْرِ الْمُلَازِمِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّزْكِيَةِ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ (أَوْ) عَدَمُ ثُبُوتِهَا وَحِينَئِذٍ (يَحْتَاجُ) إلَى التَّزْكِيَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ (وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ جَرَى الْحَنَفِيَّةُ كَمَا تَقَدَّمَ) فِي مِثْلِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ فَجَعَلُوا تَزْكِيَتَهُ عَمَلَ السَّلَفِ بِحَدِيثِهِ (وَلَوْلَا اخْتِصَاصُ الصَّحَابِيِّ بِحُكْمٍ) شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَالَتُهُ (لَأَمْكَنَ جَعْلُ الْخِلَافِ فِي مُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ) أَيْ تَسْمِيَتِهِ صَحَابِيًّا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (وَلَا مُشَاحَّةَ فِيهِ) أَيْ الِاصْطِلَاحِ لَكِنَّ الِاخْتِصَاصَ الْمَذْكُورَ يُفِيدُ أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ (وَأَمَّا قَوْلُ إنَّ الصَّحَابِيَّ مَنْ عَاصَرَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَقَطْ) وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَمِمَّنْ دُفِنَ أَيْ بِمِصْرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ أَدْرَكَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَبُو تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيُّ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ انْتَهَى، وَإِنَّمَا هَاجَرَ أَبُو تَمِيمٍ إلَى الْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السِّيَرِ (وَنَحْوُهُ) كَأَنْ كَانَ صَغِيرًا مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ وَابْنُ مَنْدَهْ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ (فَتَكَلَّفَ كِتَابَتَهُ كَثِيرٌ) لِانْكِشَافِ انْتِفَاءِ الصُّحْبَةِ فِيمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ قَالَ الْمُعَاصِرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَدْلُ أَنَا صَحَابِيٌّ] (مَسْأَلَةٌ إذَا قَالَ الْمُعَاصِرُ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الْعَدْلُ أَنَا صَحَابِيٌّ قُبِلَ عَلَى الظُّهُورِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وَازِعَ عَدَالَتِهِ تَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ (لَا) عَلَى (الْقَطْعِ لِاحْتِمَالِ قَصْدِ الشَّرَفِ) بِدَعْوَى رُتْبَةٍ شَرِيفَةٍ لِنَفْسِهِ (فَمَا قِيلَ) هُوَ (كَقَوْلِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ (أَنَا عَدْلٌ) كَمَا فِي الْبَدِيعِ (تَشْبِيهٌ فِي احْتِمَالِ الْقَصْدِ) لِلشَّرَفِ (لَا تَمْثِيلُ) فِي حُكْمِهِ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ تَمْثِيلًا (لَقُبِلَ) قَوْلُهُ أَنَا عَدْلٌ فَيُحْكَمُ بِعَدَالَتِهِ (أَوْ لَمْ يُقْبَلْ الْأَوَّلُ) أَيْ قَوْلُ الْمُعَاصِرِ الْعَدْلِ أَنَا صَحَابِيٌّ فَلَا يُحْكَمُ بِصَحَابَتِهِ (وَالْفَارِقُ) بَيْنَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَنَا صَحَابِيٌّ وَقَوْلِ غَيْرِهِ أَنَا عَدْلٌ فِي قَبُولِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (سَبْقُ الْعَدَالَةِ لِلْأَوَّلِ عَلَى دَعْوَاهُ) الصُّحْبَةَ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ عَدَالَتَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ أَنَا عَدْلٌ لِيُقْبَلَ نَعَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَعْوَاهُ الصُّحْبَةَ لَا يُنَافِيهَا الظَّاهِرُ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَاهَا بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّهُ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ» يُرِيدُ انْخِرَامَ الْقَرْنِ قَالَهُ فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُهُ [مَسْأَلَةٌ قَالَ الصَّحَابِيُّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام حُمِلَ عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ] (مَسْأَلَةٌ إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُمِلَ عَلَى السَّمَاعِ) مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا وَاسِطَةٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ

الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ لَا يُطْلِقُ الْقَوْلَ عَنْهُ إلَّا إذَا سَمِعَهُ مِنْهُ (وَقَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُهُ) أَيْ السَّمَاعَ (وَالْإِرْسَالَ) لِاحْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ لَفْظَ قَالَ وَمَعَ هَذَا (فَلَا يَضُرُّ إذْ لَا يُرْسَلُ إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ) وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ (وَلَا يُعْرَفُ فِي) رِوَايَةِ (الْأَكَابِرِ عَنْ الْأَصَاغِرِ رِوَايَتُهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (عَنْ تَابِعِيٍّ إلَّا كَعْبَ الْأَحْبَارِ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّات) رَوَى عَنْهُ الْعَبَادِلَةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةُ وَأَنَسٌ ثُمَّ نُقِلَ هَذَا عَنْ الْقَاضِي وِفَاقًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيِّ وَتَعَقَّبَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ حَمْلُ قَالَ عَلَى السَّمَاعِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، قَالَ السُّبْكِيُّ بَلْ وَلَا أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ فِيهَا خِلَافًا (وَلَا إشْكَالَ فِي قَالَ لَنَا وَسَمِعْته وَحَدَّثَنَا) وَأَخْبَرَنَا وَشَافَهَنَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ فَهُوَ خَبَرٌ يَجِبُ قَبُولُهُ بِلَا خِلَافٍ، (مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ التَّأَوُّلُ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ يَعْنِي) حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ (أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ) أَيْ الْحَسَنُ (بِهَا) أَيْ بِالْمَدِينَةِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ مَنْ قَالَ عَنْ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَخْطَأَ انْتَهَى وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْحُفَّاظِ بَلْ. قَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ مَا رَآهُ قَطُّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ حَدَّثَنَا لَيْسَ بِنَصٍّ فِي أَنَّ قَائِلَهَا سَمِعَ (وَفِي مُسْلِمٍ قَوْلُ الَّذِي يَقْتُلُهُ الدَّجَّالُ أَنْتَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ أُمَّتَهُ وَهُوَ مِنْهُمْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَعْنِي إبْرَاهِيمَ بْنَ سُفْيَانَ رَاوِي مُسْلِمٍ يُقَالُ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الْخَضِرُ وَإِنْ كَانَ مَعْمَرٌ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِهِ فِي أَثَرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا وَلَا أَنَّ الْخَضِرَ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ «يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ فَيَخْرُجُ إلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّك الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثَهُ» (فَإِنْ قَالَ سَمِعْته أَمَرَ أَوْ نَهَى) أَوْجَبَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ نَقْصًا فِي الْحُجَّةِ فَجَاءَ الْخِلَافُ (فَالْأَكْثَرُ حُجَّةً) لِظُهُورِهِ فِي تَحَقُّقِهِ كَذَلِكَ وَالْعَدْلُ لَا يَجْزِمُ بِشَيْءٍ إلَّا إذَا عَلِمَهُ (وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اعْتَقَدَهُ) أَيْ مَا سَمِعَهُ (مِنْ صِيغَةٍ أَوْ) شَاهَدَهُ مِنْ (فِعْلٍ أَمْرًا وَنَهْيًا وَلَيْسَ) مَا اعْتَقَدَهُ أَمْرًا وَنَهْيًا (إيَّاهُ) أَيْ أَمْرًا وَنَهْيًا (عِنْدَ غَيْرِهِ) كَمَا إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَيَقُولُ نَهَى عَنْ كَذَا وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ أَوْ أَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ فَيَقُولُ أَمَرَ وَغَيْرُهُ لَا يَرَاهُ نَهْيًا وَلَا أَمْرًا (وَرَدُّهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (بِأَنَّهُ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ صَحِيحٌ) لِمَعْرِفَتِهِمْ بِأَوْضَاعِ اللُّغَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَمَا هُوَ أَدَقُّ مِنْهُمَا وَعَدَالَتُهُمْ الْمُقْتَضِيَةُ لِتَحَرُّزِهِمْ فِي مَوَاقِعِ الِاحْتِمَالِ وَالِاحْتِمَالَاتُ الْبَعِيدَةُ لَا تَمْنَعُ الظُّهُورَ (أَمَّا أُمِرْنَا) بِكَذَا كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ «أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ» الْحَدِيثَ (وَنُهِينَا) عَنْ كَذَا كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهَا أَيْضًا «نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» (وَأُوجِبَ) عَلَيْنَا كَذَا وَأُبِيحَ لَنَا أَوْ رُخِّصَ لَنَا كَذَا بِبِنَاءِ الْجَمِيعِ لِلْمَفْعُولِ (وَحُرِّمَ) عَلَيْنَا كَذَا (وَجَبَ أَنْ يَقْوَى الْخِلَافُ) فِيهِ (لِلزِّيَادَةِ) لِلِاحْتِمَالِ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (بِانْضِمَامِ احْتِمَالِ كَوْنِ الْآمِرِ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ أَوْ) كَوْنِ ذَلِكَ (اسْتِنْبَاطًا) مِنْ قَائِلِهِ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا قَاسَ فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ الَّذِي أَدَّاهُ إلَيْهِ قِيَاسُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ وَيَقُولُ عُرْفًا أُمِرْنَا بِكَذَا وَكَذَا الْبَاقِي وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْكَرْخِيُّ وَالصَّيْرَفِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ (وَمَعَ ذَلِكَ) أَيْ احْتِمَالُهُ لِهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فَهِيَ (خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مُخْتَصٍّ بِمِلْكٍ لَهُ الْأَمْرُ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْآمِرَ ذَلِكَ الْمَلِكُ فَيَكُونُ ظَاهِرًا فِي أَنَّ الْآمِرَ وَالنَّاهِيَ وَالْمُوجِبَ وَالْمُحَرِّمَ وَالْمُبِيحَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُ لَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَقِيلَ هَذَا فِي غَيْرِ الصِّدِّيقِ أَمَّا إذَا قَالَهُ الصِّدِّيقُ فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ مَا عَدَا هَذَا الظَّاهِرَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ فَلَا يَرْفَعُ الظُّهُورَ (وَقَوْلُهُ) أَيْ أَيْ الصَّحَابِيُّ (مِنْ السُّنَّةِ كَذَا) كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ دَاسَةَ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ لِسُنَنِ أَبِي دَاوُد «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ السُّنَّةُ وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ» بَلْ قَوْلُ الرَّاوِي صَحَابِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ذَلِكَ

مسألة أخبر مخبر خبرا بحضرته عليه السلام فلم ينكر صلى الله عليه وسلم ذلك عليه

(ظَاهِرٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ فِي سُنَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) وَقَدَّمْنَا فِي تَقْسِيمٍ لِلْحَنَفِيَّةِ الْحُكْمَ إمَّا رُخْصَةً. . . إلَى آخِرِهِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَبِهِ أَخَذَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَجُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ (وَتَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ) أَيْ لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ كَالْكَرْخِيِّ وَالرَّازِيِّ وَأَبِي زَيْدٍ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيِّ وَمُتَابِعِيهِمْ وَالصَّيْرَفِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ الرَّاوِي صَحَابِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (أَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَمِنْ سُنَّةِ) الْخُلَفَاءِ (الرَّاشِدِينَ) وَبَيَّنَّا ثَمَّةَ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ الْوَجْهَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. وَإِنَّ الْحَافِظَ الْعِرَاقِيَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ مِنْ التَّابِعِينَ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ مَوْقُوفٌ وَمِنْ الصَّحَابَةِ ظَاهِرٌ فِي مُرَادِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ وَالْحَاكِمَ نَفَيَا فِي هَذَا الْخِلَافِ وَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ نَفَاهُ فِيهِمَا وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اطِّلَاعِهِمْ عَلَى الْخِلَافِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ، فِي الْخِلَافِ، فِي ثُبُوتِ الْحُجِّيَّةِ قَوْله (كُنَّا نَفْعَلُ أَوْ نَرَى وَكَانُوا) يَفْعَلُونَ كَذَا فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ (ظَاهِرٌ فِي الْإِجْمَاعِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (وَقِيلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَالُوا لَوْ كَانَ) حُجَّةً (لَمْ تَجُزْ الْمُخَالَفَةُ لِخَرْقِ الْإِجْمَاعِ) وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا (بِأَنَّ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ ظُهُورُهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ (فِي نَفْيِ الْإِجْمَاعِ أَوْ) (لُزُومِ نَفْيِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (وَهُوَ) أَيْ ظُهُورُهُ فِي أَحَدِهِمَا (خِلَافُ مُدَّعَاكُمْ) أَيُّهَا النَّافُونَ لِلْحُجِّيَّةِ لِأَنَّ مُدَّعَاكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَهَذَا مِنْكُمْ إنَّمَا يَنْفِي كَوْنَهُ إجْمَاعًا أَوْ يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ كَوْنِهِ إجْمَاعًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نَفْيُ الْحُجِّيَّةِ ثُمَّ الْجَوَابُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ التَّسَاوِي) فِي احْتِمَالِ كَوْنِهِ حُجَّةً وَاحْتِمَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ حُجَّةٍ (كَافٍ بِهِ) أَيْ فِي جَوَازِ الْمُخَالَفَةِ لَهُ لِأَنَّ الْحُجِّيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالشَّكِّ (بَلْ هُوَ) أَيْ الْجَوَابُ (أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمَ جَوَازِ الْمُخَالَفَةِ إنَّمَا هُوَ (فِي الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ الثُّبُوتِ) أَمَّا فِي ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ فَلَا وَهَذَا ظَنِّيُّ الثُّبُوتِ (وَأَمَّا رَدُّهُ) أَيْ دَلِيلِ الْأَكْثَرِ (بِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَفِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ إذْ الْمُدَّعَى ظُهُورُهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ (فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَبِهَذَا) أَيْ كَوْنِهِ ظَاهِرًا فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ (ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ) أَيْ كُنَّا نَفْعَلُ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ (وَقْفٌ خَاصٌّ) لِأَنَّهُ عَلَى جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ (وَجَعْلَهُ) أَيْ كُنَّا نَفْعَلُ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ (رَفْعًا) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (ضَعِيفٌ) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نِسْبَتُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا وَلَا عَمَلًا وَلَا تَقْرِيرًا (حَتَّى لَمْ يَحْكِهِ) أَيْ الْقَوْلَ بِكَوْنِهِ رَفْعًا (بَعْضُ أَهْلِ النَّقْلِ فَأَمَّا) قَوْلُ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ (بِزِيَادَةٍ نَحْوُ: فِي عَهْدِهِ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (رَفْعٌ) لِأَنَّ ظَاهِرَهُ حِينَئِذٍ مُشْعِرٌ بِاطِّلَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ وَتَقْرِيرِهِمْ عَلَيْهِ وَتَقْرِيرُهُ أَحَدُ وُجُوهِ السُّنَنِ الْمَرْفُوعَةِ وَقَوْلُهُ (لَا يُعْرَفُ خِلَافُهُ إلَّا عَنْ الْإِسْمَاعِيلِيِّ) فِيهِ نَظَرٌ قَدْ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَخْفَى غَالِبًا فَمَرْفُوعٌ وَإِلَّا فَمَوْقُوفٌ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ كَانَ مَرْفُوعًا وَإِلَّا فَمَوْقُوفٌ وَقَالَ نَحْوَهُ فِي عَهْدِهِ لِيَشْمَلَ مَا فِي لَفْظٍ لِجَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ» (وَ) أَمَّا قَوْلُ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ (بِنَحْوِ وَهُوَ يَسْمَعُ) (فَإِجْمَاعٌ) كَوْنُهُ رَفْعًا كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ: أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَيَسْمَعُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُنْكِرُهُ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ [مَسْأَلَةٌ أَخْبَرَ مُخْبِرٌ خَبَرًا بِحَضْرَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمْ يُنْكِرْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ] (مَسْأَلَةٌ إذَا أَخْبَرَ) مُخْبِرٌ خَبَرًا (بِحَضْرَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَمْ يُنْكِرْ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ عَلَيْهِ (كَانَ) الْخَبَرُ (ظَاهِرًا فِي صِدْقِهِ) أَيْ مُخْبِرِهِ فِيهِ (لَا قَطْعِيًّا) وَإِلَّا لَأَنْكَرَهُ لَوْ كَانَ كَاذِبًا لِأَنَّ تَقْرِيرَهُ عَلَى الْكَذِبِ الْحَرَامِ مُمْتَنِعٌ مِنْهُ (لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَمْ يَسْمَعْهُ) أَيْ ذَلِكَ الْخَبَرَ لِاشْتِغَالِهِ عَنْهُ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ (أَوْ) سَمِعَهُ لَكِنْ (لَمْ يَفْهَمْهُ) لِرَدَاءَةِ عِبَارَةِ الْمُخْبِرِ مَثَلًا (أَوْ كَانَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بَيَّنَ نَقِيضَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْخَبَرِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ إنْكَارُهُ (أَوْ رَأَى تَأْخِيرَ الْإِنْكَارِ) لِمَصْلَحَةٍ فِي تَأْخِيرِهِ (أَوْ مَا عَلِمَ كَذِبَهُ) لِكَوْنِهِ دُنْيَوِيًّا وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (أَوْ رَآهُ) أَيْ ذَلِكَ الْخَبَرَ (صَغِيرَةً وَلَمْ يَحْكُمْ بِإِصْرَارِهِ) أَيْ

مسألة حمل الصحابي مرويه المشترك لفظا أو معنى

الْمُخْبِرِ عَلَيْهَا قَالُوا وَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُ جَمِيعِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فَالصَّغِيرَةُ غَيْرُ مُمْتَنِعَةٍ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الصَّغَائِرِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا قَطْعَ بِصِدْقِهِ. [مَسْأَلَةٌ حَمْلُ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُشْتَرَكَ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى] (مَسْأَلَةٌ حَمْلُ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُشْتَرَكَ) لَفْظًا أَوْ مَعْنًى (وَنَحْوَهُ) كَالْمُجْمَلِ وَالْمُشْكِلِ وَالْخَفِيِّ (عَلَى أَحَدٍ مَا يَحْتَمِلُهُ) مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ (تَأْوِيلُهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ لِذَلِكَ (وَاجِبُ الْقَبُولِ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (خِلَافًا لِمَشْهُورِي الْحَنَفِيَّةِ) وَوَجَبَ الْقَبُولُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (لِظُهُورِ أَنَّهُ) أَيْ حَمْلَهُ الْمَذْكُورَ (لِمُوجِبٍ هُوَ بِهِ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَنْطِقُ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ لِقَصْدِ التَّشْرِيعِ إلَّا وَمَعَهُ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ أَوْ مَقَالِيَّةٌ مُعَيَّنَةً مُرَادُهُ وَالصَّحَابِيُّ الرَّاوِي الْحَاضِرُ لِمَقَالِهِ الشَّاهِدُ لِأَحْوَالِهِ أَعْرَفُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ قَبُولِ تَأْوِيلِهِ (مِثْلُ تَقْلِيدِهِ فِي اللَّازِمِ) يَعْنِيَ لَازِمَ وُجُوبِ تَقْلِيدِهِ فِي حُكْمِهِ بِالْحُكْمِ وَلَازِمُ وُجُوبِ الرُّجُوعِ إلَى تَأْوِيلِهِ وَاحِدٌ فَالْفَرْقُ بِلَا فَارِقٍ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ اللَّازِمِ ظُهُورُ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ جَازَ خِلَافُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ غَالِبُ أَحْوَالِهِمْ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَرَجَّحَ خِلَافُهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَ) حَمْلُ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ (الظَّاهِرَ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الظَّاهِرِ حُكْمُهُ مَا يُذْكَرُ: (فَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَالْكَرْخِيُّ الْمَعْمُولُ بِهِ هُوَ (الظَّاهِرُ) دُونَ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الرَّاوِي مِنْ تَأْوِيلِهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَيْفَ أَتْرُكُ الْحَدِيثَ لِقَوْلِ مَنْ لَوْ عَاصَرْته لَحَاجَجْته) أَيْ الصَّحَابِيَّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقِيلَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا عَيَّنَهُ الرَّاوِي وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا انْتَهَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ إنْ عَلِمَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إنَّمَا صَارَ إلَى تَأْوِيلِهِ الْمَذْكُورِ لِعِلْمِهِ بِقَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ جَهِلَ أَنَّهُ لِذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِدَلِيلٍ ظَهَرَ لَهُ مِنْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَجَبَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ الدَّلِيلِ فَإِنْ اقْتَضَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صِيرَ إلَيْهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ لِأَنَّ الْحُجَّةَ كَلَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ تَأْوِيلِ الصَّحَابِيِّ وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ مَأْخَذَ الرَّاوِي فِي الْمُخَالَفَةِ وَكَانَ الْمَأْخَذُ مِمَّا يُوجِبُ حَمْلَ الْخَبَرِ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْمَلِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ اتِّبَاعًا لِذَلِكَ الدَّلِيلِ لَا لِحَمْلِ الرَّاوِي عَلَيْهِ وَعَمَلِهِ بِهِ لِأَنَّ عَمَلَ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْبَاقِي وَإِنْ جَهِلَ مَأْخَذَهُ عَمِلَ بِالظَّاهِرِ لِأَنَّ الرَّاوِيَ عَدْلٌ وَقَدْ جَزَمَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَصْلُ فِي خَبَرِ الْعَدْلِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ يُوجِبُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ إذْ كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ مُرَادُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِنِسْيَانٍ طَرَأَ عَلَيْهِ أَوْ لِدَلِيلٍ اجْتَهَدَ فِيهِ وَهُوَ مُخْطِئٌ فَلَا يَتْرُكُ الظَّاهِرَ بِالشَّكِّ أَثِمَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَفْسُقُ الرَّاوِي بَلْ تَبْقَى رِوَايَتُهُ مَقْبُولَةً فِي هَذَا الْخَبَرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ بِاجْتِهَادِهِ الَّذِي يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا فِسْقَ بِإِتْيَانِ الْوَاجِبِ فَإِنْ قِيلَ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ حَرَامٌ فَكَيْفَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ (قُلْنَا لَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي (تَحْرِيمُ تَرْكِ الظَّاهِرِ إلَّا لِمَا يُوجِبُهُ) أَيْ تَرْكَهُ (فَلَوْلَا تَيَقُّنُهُ) أَيْ الرَّاوِي (بِهِ) أَيْ بِمَا يُوجِبُ تَرْكَهُ (لَمْ يَتْرُكْهُ وَلَوْ سُلِّمَ) انْتِفَاءُ تَيَقُّنِهِ بِهِ (فَلَوْلَا أَغْلَبِيَّتُهُ) أَيْ أَغْلَبِيَّةُ الظَّنِّ بِمَا يُوجِبُ تَرْكَهُ لَمْ يَتْرُكْهُ (وَلَوْ سُلِّمَ) انْتِفَاءُ أَغْلَبِيَّةِ الظَّنِّ بَلْ إنَّمَا ظَنَّ ذَلِكَ ظَنًّا لَا غَيْرُ (فَشُهُودُهُ) أَيْ الرَّاوِي (مَا هُنَاكَ) أَيْ لِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَقَالِهِ (يُرَجِّحُ ظَنَّهُ) بِالْمُرَادِ لِقِيَامِ قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ عِنْدَهُ بِذَلِكَ (فَيَجِبُ الرَّاجِحُ وَبِهِ) أَيْ وَبِشُهُودِهِ ذَلِكَ (يَنْدَفِعُ تَجْوِيزُ خَطَئِهِ بِظَنِّ مَا لَيْسَ دَلِيلًا دَلِيلًا) فَإِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْهُ ذَلِكَ مَعَ عَدَالَتِهِ وَعِلْمِهِ بِالْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَمَوَاقِعِ اسْتِعْمَالِهَا وَحَالَةِ مَنْ صَدَرَ عَنْهُ ذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ الدَّلِيلُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْجَبَ ذَلِكَ وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ (وَمِنْهُ) أَيْ تَرْكِ الظَّاهِرِ لِدَلِيلٍ (لَا مِنْ الْعَمَلِ بِبَعْضِ الْمُحْتَمَلَاتِ تَخْصِيصُ الْعَامِّ) مِنْ الصَّحَابِيِّ (يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى سَمَاعِ الْمُخَصِّصِ كَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ) مَرْفُوعًا «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (وَأَسْنَدَ أَبُو حَنِيفَةَ) عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ (عَنْهُ) أَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا مَعْنَاهُ (لَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ) إذْ لَفْظُهُ لَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ إذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَكِنْ يُحْبَسْنَ وَيُدْعَيْنَ إلَى

الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ (فَلَزِمَ) تَخْصِيصُهُ الْمُبَدَّلَ بِكَوْنِهِ مِنْ الرِّجَالِ لِسَمَاعِهِ مُخَصَّصًا لَهُ وَهُوَ إمَّا «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَإِمَّا سَمَاعُهُ خُصُوصَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْتَلْ الْمُرْتَدَّةُ إذَا ارْتَدَّتْ» وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْسٍ الْجَزَرِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَّابٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ أَوْ ثُبُوتُ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِوَجْهٍ غَيْرِ سَمَاعِهِ نَفْسِهِ لَهُ فَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ هَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَقَالُوا يُقْتَلُ عَمَلًا بِالْعُمُومِ الظَّاهِرِ (فَلَوْ كَانَ) الْمَرْوِيُّ (مُفَسَّرًا وَتُسَمِّيهِ الشَّافِعِيَّةُ نَصًّا عَلَى مَا سَلَفَ) فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ أَوَائِلَ الْكِتَابِ (وَتَرْكُهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ (بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَا إنْ لَمْ يُعْرَفْ تَارِيخٌ) لِتَرْكِهِ وَرِوَايَتِهِ لَهُ (تَعَيَّنَ كَوْنُ تَرْكِهِ لِعَمَلِهِ بِالنَّاسِخِ) لِأَنَّهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُخَالِفَ النَّصَّ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَا وَجْهَ لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ سِوَى اطِّلَاعِهِ عَلَى نَاسِخٍ لَهُ فَيَتَعَيَّنُ. (فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ) فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَبِهِ) أَيْ كَوْنِ تَرْكِ الرَّاوِي الْمَرْوِيَّ الْمُفَسَّرَ وَعَمَلِهِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ إنَّمَا يَكُونُ لِعِلْمِهِ بِالنَّاسِخِ (يَتَبَيَّنُ نَسْخُ حَدِيثُ السَّبْعِ مِنْ الْوُلُوغِ) أَيْ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» (إذْ صَحَّ اكْتِفَاءً) رِوَايَةُ (أَبِي هُرَيْرَةَ بِالثَّلَاثِ) كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ (فَيَقْوَى بِهِ) أَيْ بِاكْتِفَائِهِ بِالثَّلَاثِ (حَدِيثُ اغْسِلُوهُ ثَلَاثًا وَمِمَّنْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ) وَلَكِنْ لَفْظُهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ يُغْسَلُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا» ثُمَّ قَالَ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ إسْمَاعِيلَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ثُمَّ إنَّمَا يَقْوَى بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا (لِمُوَافَقَتِهِ الدَّلِيلَ) كَأَنَّهُ يُرِيدُ الدَّلِيلَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى ذِكْرِ الثَّلَاثِ فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ (وَلَا خَفَاءَ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الضَّعْفِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي مُسَمَّاهُ) أَيْ الضَّعِيفِ (بَلْ) إنَّمَا يُعْتَبَرُ (ظَاهِرًا فَإِذَا اعْتَضَدَ) الضَّعِيفُ بِمُؤَيِّدٍ لَهُ (ظَهَرَ أَنَّ مَا ظَهَرَ غَيْرُ الْوَاقِعِ كَمَا يَضْعُفُ ظَاهِرُ الصِّحَّةِ بِعِلَّةٍ بَاطِنَةٍ وَاحْتِمَالُ ظَنِّ الصَّحَابِيِّ مَا لَيْسَ نَاسِخًا نَاسِخًا لَا يَخْفَى بُعْدُهُ فَوَجَبَ نَفْيُهُ) أَيْ هَذَا الِاحْتِمَالِ لِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْمُلْجِئِ إلَى اعْتِبَارِهِ (قَالُوا النَّصُّ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ قُلْنَا نَعَمْ وَهُوَ النَّاسِخُ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَرَكَ) الْمَرْوِيُّ الْمُفَسَّرُ لَا نَفْسُ الْمُفَسِّرِ (وَمِنْهُ) أَيْ تَرْكِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ حَتَّى يَكُونَ تَرْكُهُ نَسْخًا لِمَرْوِيِّهِ (تَرْكُ ابْنِ عُمَرَ الرَّفْعَ) لِلْيَدَيْنِ فِيمَا عَدَا تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ مِنْ الصَّلَاةِ (عَلَى مَا صَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ صَحِبْت ابْنَ عُمَرَ سِنِينَ فَلَمْ أَرَهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ) أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ مَا رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَا يَفْتَتِحُ وَالطَّحَاوِيُّ بِلَفْظِ صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ مَا أَخْرَجَ السِّتَّةُ عَنْهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» وَإِنْ جُهِلَ تَارِيخُ الْمُخَالَفَةِ لِلْمَرْوِيِّ لَمْ يُرَدَّ بِهَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ بِيَقِينٍ فِي الْأَصْلِ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي سُقُوطِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ وَحُمِلَتْ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ الرِّوَايَةِ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى أَحْسَنِ الْوَجْهَيْنِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ مُخَالَفَتُهُ قَبْلَ الرِّوَايَةِ بِيَقِينٍ لَا تَكُونُ مُخَالَفَتُهُ جَرْحًا فِي الْحَدِيثِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْعَدْلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ الْمُخَالِفُ لِلْحَدِيثِ مَذْهَبًا لَهُ ثُمَّ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَذْهَبَهُ وَيَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ. (وَكَتَخْصِيصِهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي (الْعَامَّ تَقْيِيدُهُ لِلْمُطْلَقِ) فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى سَمَاعِ الْمُقَيِّدِ لِإِطْلَاقِهِ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَمَلَهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي لَهُ (وَعَلِمَ عَمَلَ الْأَكْثَرِ بِخِلَافِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (اتَّبَعَ الْخَبَرَ) لِأَنَّ غَيْرَ الرَّاوِي جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِذَلِكَ الْمَرْوِيِّ ثُمَّ لَيْسَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ حُجَّةً فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا يُتْرَكُ بِهِ الْخَبَرُ (وَمَنْ يَرَى حُجِّيَّةَ إجْمَاعِ) أَهْلِ (الْمَدِينَةِ) كَمَالِكٍ (يَسْتَثْنِيهِ) فَيَقُولُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَالْعَمَلُ بِإِجْمَاعِهِمْ (كَإِجْمَاعِ الْكُلِّ) لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْحَنَفِيَّةُ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْقِسْمَ. وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَمُوَافِقُوهُ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ فَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ لِلْحَنَفِيَّةِ فِيهِ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يُوَافِقُ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ أَخْذًا مِنْ

مسألة حذف بعض الخبر الذي لا تعلق له بالمذكور

قَوْلِهِمْ فِي الصَّحَابِيِّ الْمَجْهُولِ الْعَيْنِ وَالْحَالِ إنْ قَبِلَ السَّلَفُ حَدِيثَهُ أَوْ سَكَتُوا أَوْ اخْتَلَفُوا عَمِلَ بِالْحَدِيثِ فَعُلِمَ مِنْ الْقَبُولِ مَعَ الِاخْتِلَافِ الْعَمَلُ بِهِ فِي تَرْكِ الْأَكْثَرِ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ خُصُوصًا مَعَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَشُهْرَةِ رَاوِيه ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَتَرْكُ الصَّحَابَةِ الِاحْتِجَاجَ بِهِ) أَيْ بِالْحَدِيثِ (عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ مُخْتَلَفٌ فِي رَدِّهِ) أَيْ الْحَدِيثِ (وَهُوَ) أَيْ رَدُّهُ بِتَرْكِهِمْ الِاحْتِجَاجَ بِهِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِمْ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ هُوَ (الْوَجْهُ إذَا كَانَ) الْحَدِيثُ (ظَاهِرًا فِيهِمْ وَأَمَّا عَمَلُ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ رَاوِي الْحَدِيثِ (مِنْ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ) أَيْ الْمَرْوِيِّ (فَالْحَنَفِيَّةُ إنْ كَانَ) الْحَدِيثُ (مِنْ جِنْسِ مَا يَحْتَمِلُ الْخَفَاءَ عَلَى التَّارِكِ) لِلْعَمَلِ بِهِ (كَحَدِيثِ الْقَهْقَهَةِ) الْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طُرُقٍ مِنْهَا رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «بَيْنَمَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ إذْ أَقْبَلَ أَعْمَى يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَوَقَعَ فِي زُبْيَةٍ فَاسْتَضْحَكَ الْقَوْمَ فَقَهْقَهُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَهْقَهَ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» . (عَنْ أَبِي مُوسَى) الْأَشْعَرِيِّ (تَرْكُهُ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ (لَا يَضُرُّهُ) أَيْ الْحَدِيثَ (إذْ لَا يَسْتَلْزِمُ) تَرْكُهُ قَدْحًا فِي الْحَدِيثِ (مِثْلُ تَرْكِ الرَّاوِي) الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُفَسَّرَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ لِجَوَازِ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي وُقُوعِ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ وُقُوعَهَا فِي الصَّلَاةِ (مِنْ الْحَوَادِثِ النَّادِرَةِ فَجَازَ خَفَاؤُهُ) أَيْ الْحَدِيثِ (عَنْهُ) أَيْ أَبِي مُوسَى قُلْت لَكِنْ فِي تَمْثِيلِهِمْ بِهَذَا نَظَرٌ فَفِي الْأَسْرَارِ قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ رِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا عَنْ أَبِي مُوسَى وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (عَلَى أَنَّهُ مَنَعَ صِحَّتَهُ) أَيْ تَرَكَهُ (عَنْهُ) أَيْ أَبِي مُوسَى (بَلْ) رَوَى (نَقِيضَهُ) أَيْ نَقِيضِ تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ وَهُوَ الْعَمَلُ بِهِ عَنْهُ (أَوْ لَا) يَكُونُ الْحَدِيثُ (مِنْهُ) أَيْ جِنْسِ مَا يَحْتَمِلُ الْخَفَاءَ (كَالتَّغْرِيبِ) الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ إخْرَاجُ الْحَاكِمِ لِلْمُحْصَنِ الْحُرِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَمَا فَوْقَهَا وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ (تَرَكَهُ عُمَرُ بَعْدَ لَحَاقِ مَنْ غَرَّبَهُ مُرْتَدًّا) فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ غَرَّبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَبِيعَةَ بْنَ أُمِّيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إلَى خَيْبَرَ فَلَحِقَ بِهِرَقْل فَتَنَصَّرَ فَقَالَ عُمَرُ لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا (فَيَقْدَحُ) تَرْكُ عَمَلِ غَيْرِ الرَّاوِي لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِ (لِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ حِينَئِذٍ (ذَلِكَ) أَيْ الْقَدْحَ فِيهِ (أَوْ أَنَّهُ) أَيْ التَّغْرِيبَ (كَانَ زِيَادَةَ تَعْزِيرِ سِيَاسَةٍ) شَرْعِيَّةٍ إيحَاشًا لِلزَّانِي وَزِيَادَةً فِي تَنْكِيلِهِ (إذْ لَا يَخْفَى) كَوْنُ التَّغْرِيبِ مِنْ الْحَدِّ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ عُمَرَ (لِابْتِنَاءِ الْحَدِّ عَلَى الشُّهْرَةِ مَعَ حَاجَةِ الْإِمَامِ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَيَفْحَصُ عَنْهُ وَكُفْرُهُ) أَيْ الْمُغَرَّبِ فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ (لَا يُحِلُّ تَرْكهُ الْحَدَّ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ لِلْمُؤَلَّفَةِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ فَهِمَ انْتِهَاءَ حُكْمِهِمْ وَهُمْ أَهْلُ شَوْكَةٍ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ وَمَنَعَهُمْ) . فَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَهُ لَمَّا أَتَاهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَأَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ يَعْنِي لَيْسَ الْيَوْمَ مُؤَلَّفَةٌ. (بَقِيَ قِسْمٌ) لَمْ يُذْكَرْ فِي تَقْسِيمِهِمْ وَهُوَ (مُحْتَمَلٌ لَا يَخْفَى) أَيْ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْخَفَاءَ (وَلَيْسَ) الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ (مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ) الصَّحَابِيِّ الَّذِي لَيْسَ بِرَاوِيهِ (التَّارِكِ) لِلْعَمَلِ بِهِ (الَّتِي تُهِمُّهُ) وَتُوجِبُ لَهُ زِيَادَةَ الْفَحْصِ عَنْهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ لَيْسَ) تَرْكَ عَمَلِ غَيْرِ الرَّاوِي التَّارِكِ لَهُ (كَالرَّاوِي) أَيْ كَتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ لِرَاوِيهِ (لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ عَدَمِ بُلُوغِهِ) أَيْ الْحَدِيثِ الَّذِي هُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ إلَى تَارِكِهِ الَّذِي لَيْسَ بِرَاوِيهِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ (أَوْلَى مِنْ الْأَكْثَرِ) أَيْ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي تَرَكَ الْأَكْثَرُ الْعَمَلَ (بِهِ) أَيْ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لِلزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلْيُطْلَبْ لَهُ مِثَالٌ إنْ كَانَ لَهُ وُجُودٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِلَّا فَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ لِانْتِفَاءِ مِثَالِهِ فِي اسْتِقْرَائِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ حَذْفُ بَعْضِ الْخَبَرِ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَذْكُورِ] (مَسْأَلَةٌ حَذْفُ بَعْضِ الْخَبَرِ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَذْكُورِ جَائِزٌ) عِنْدَ الْأَكْثَرِ (بِخِلَافِ) مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ يُخِلُّ بِالْمَعْنَى حَذْفُهُ مِثْلُ (الشَّرْطِ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ. يَعْنِي الْأَمَةَ غَيْرَ الْمُحْصَنَةِ»

مسألة خبر الواحد قد يفيد العلم بقرائن غير اللازمة

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَالِاسْتِثْنَاءُ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَالْحَالُ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْءٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَالْغَايَةُ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ حَذْفُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ (وَقِيلَ لَا) يَجُوزُ مُطْلَقًا (وَقِيلَ إنْ رَوَى مَرَّةً عَلَى التَّمَامِ) هُوَ أَوْ غَيْرُهُ الْخَبَرَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَوَاهُ عَلَى التَّمَامِ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ (وَمَا قِيلَ يَمْنَعُ إنْ خَافَ تُهْمَةَ الْغَلَطِ) كَمَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ حَيْثُ قَالَ مَنْ رَوَى حَدِيثًا عَلَى التَّمَامِ وَخَافَ إنْ رَوَاهُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى النُّقْصَانِ أَنْ يُتَّهَمَ بِأَنَّهُ زَادَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ أَوْ أَنَّهُ نَسِيَ فِي الثَّانِي بَاقِيَ الْحَدِيثِ لِقِلَّةِ ضَبْطِهِ وَكَثْرَةِ غَلَطِهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفِيَ هَذِهِ الظِّنَّةَ عَنْ نَفْسِهِ (فَأَمَرُ آخَرُ) لَا دَخْلَ لَهُ فِي أَصْلِ الْجَوَازِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ (لَنَا إذَا انْقَطَعَ التَّعَلُّقُ) بَيْنَ الْمَذْكُورِ وَالْمَحْذُوفِ (فَكَخَبَرَيْنِ أَوْ أَخْبَارٍ وَشَاعَ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَالْأَوْلَى الْكَمَالُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» ) أَيْ تَتَسَاوَى فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ «لَا فَضْلَ لِشَرِيفٍ عَلَى وَضِيعٍ» (وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ) أَيْ بِأَمَانِهِمْ (أَدْنَاهُمْ) أَيْ أَقَلُّهُمْ (وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ) أَيْ يَرُدُّ الْأَبْعَدُ مِنْهُمْ التَّبِعَةَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَسْكَرَ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاقْتَطَعَ الْإِمَامُ مِنْهُمْ سَرَايَا وَجَّهَهَا لِلْإِغَارَةِ فَمَا غَنِمَتْهُ جَعَلَ لَهَا مَا سَمَّى وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ لِأَنَّ بِهِمْ قَدَرَتْ السَّرَايَا عَلَى التَّوَغُّلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَخْذِ الْمَالِ (وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ) أَيْ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ فِي اتِّحَادِ كَلِمَتِهِمْ وَنُصْرَتِهِمْ وَتَعَاوُنِهِمْ عَلَى جَمِيعِ الْمِلَلِ الْمُحَارِبَةِ لَهُمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ إلَّا أَنَّهُ قَالَ مَكَانَ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَيُجِير عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ فَفَسَّرَ الرَّدَّ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ بِالْإِجَارَةِ فَالْمَعْنَى يَرُدُّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَكُونَ كُلُّهُمْ مُجِيرًا يُقَالُ أَجَرْتُ فُلَانًا عَلَى فُلَانٍ إذَا حَمَيْته مِنْهُ وَمَنَعْته [مَسْأَلَةٌ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِقَرَائِنِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ] (مَسْأَلَةٌ. الْمُخْتَارُ) كَمَا هُوَ مُخْتَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ (أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِقَرَائِنِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مَا يَلْزَمُ الْخَبَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُخْبِرِ أَوْ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ (وَلَوْ كَانَ) الْمُخْبِرُ (غَيْرَ عَدْلٍ لَا) أَنَّهُ يُفِيدُهُ (مُجَرَّدًا) عَنْ الْقَرَائِنِ (وَقِيلَ إنْ كَانَ) الْمُخْبِرُ (عَدْلًا جَازَ) أَنْ يُفِيدَ الْعِلْمَ (مَعَ التَّجَرُّدِ) عَنْ الْقَرَائِنِ لَكِنْ لَا يَطَّرِدُ فِي خَبَرِ كُلِّ وَاحِدٍ عَدْلٍ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّمَا حَصَلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ حَصَلَ الْعِلْمُ بِهِ بَلْ قَدْ يُوجَدُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَلَا يُوجَدُ الْعِلْمُ بِهِ وَهُوَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ (وَعَنْ أَحْمَدَ) فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ مَعَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ لَكِنْ (يَطَّرِدُ) فِي خَبَرِ كُلِّ وَاحِدٍ عَدْلٍ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّمَا حَصَلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ حَصَلَ الْعِلْمُ بِهِ (وَأَوَّلُ) الْعِلْمُ الْمُفَادُ بِهِ مُطَّرِدًا (بِعِلْمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ لَكِنَّ تَصْرِيحَ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي مَرْوِيِّهِمَا) أَيْ صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (بِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ) وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ يُوسُفَ (يَنْفِيه) أَيْ هَذَا التَّأْوِيلَ ثُمَّ ابْنُ الصَّلَاحِ ذَهَبَ إلَى هَذَا (مُسْتَدِلًّا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِهِ وَإِنْ كَانَ) الْإِجْمَاعُ (عَنْ ظُنُونٍ) أَيْ ظَنِّ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ (فَظَنٌّ مَعْصُومٌ) مِنْ الْخَطَأِ وَظَنِّ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ مِنْهُ لَا يُخْطِئُ وَالْأُمَّةُ فِي إجْمَاعِهَا مَعْصُومَةٌ مِنْ الْخَطَأِ (وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ (لَا) يُفِيدُ الْعِلْمَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِقَرَائِنَ أَوْ لَا (لَنَا) فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ إفَادَةُ الْعِلْمِ بِقَرَائِنَ (الْقَطْعُ بِهِ فِي نَحْوِ إخْبَارِ مَلِكٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ أَيْ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ مَلِكًا (بِمَوْتِ وَلَدٍ) لَهُ (فِي النَّزْعِ مَعَ صُرَاخٍ وَانْتِهَاكِ حَرَمٍ) لِلْمَلِكِ (وَنَحْوِهِ) مِنْ خُرُوجِ الْمَلِكِ وَرَاءَ الْجِنَازَةِ عَلَى هَيْئَةٍ مُنْكَرَةٍ مِنْ تَمْزِيقِ ثَوْبٍ وَحَسْرِ رَأْسٍ وَاضْطِرَابِ بَالٍ وَتَشْوِيشِ حَالٍ إذْ كُلُّ عَاقِلٍ سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ وَشَاهَدَ هَذِهِ الْقَرَائِنَ قَاطِعٌ بِصِحَّةِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَحَاصِلٌ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ كَمَا يَعْلَمُ صِدْقَ الْمُتَوَاتِرِ (وَفِي الثَّانِي) وَهُوَ عَدَمُ إفَادَةِ الْعِلْمِ مَعَ عَدَمِ الْقَرَائِنِ (لَوْ كَانَ) خَبَرُ الْوَاحِدِ مُفِيدًا الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ (فَبِالْعَادَةِ) إذْ لَا عِلِّيَّةَ وَلَا تَرْتِيبَ إلَّا بِإِجْرَاءِ اللَّهِ عَادَتَهُ بِخَلْقِ شَيْءٍ عَقِبَ آخَرَ (فَيُطْرَدُ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحُصُولُ دَائِمًا مِنْ غَيْرِ اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ وَهُوَ مَعْنَى الِاطِّرَادِ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ ضَرُورِيٌّ بِالْوِجْدَانِ إذْ كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ خَبَرَ الْعَدْلِ وَلَا يَحْصُلُ لَنَا الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ (وَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ فِي الْإِخْبَارِ بِهِمَا) أَيْ

إخْبَارِ عَدْلَيْنِ بِنَقِيضَيْنِ فَإِنَّ إخْبَارَهُمَا بِهِمَا جَائِزٌ بِالضَّرُورَةِ بَلْ وَاقِعٌ وَالْمَعْلُومَانِ ثَابِتَانِ فِي الْوَاقِعِ وَإِلَّا كَانَ الْعِلْمُ جَهْلًا وَبُطْلَانُ اجْتِمَاعِهِمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ اسْتِحَالَتَهُ بَدِيهِيَّةٌ وَفِي شَرْحِ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلسُّبْكِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقَائِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ إنَّمَا يَقُولُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةُ الْكَذِبِ مَوْجُودَةً لِأَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى خَبَرِ الْعَدْلِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ وَقَدْ يُقَالُ انْضِمَامُ خَبَرِ عَدْلٍ آخَرَ إلَيْهِ مُنَافٍ لَهُ قَرِينَةُ كَذِبِ أَحَدِهِمَا فَلَا يُفِيدُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ خَبَرُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلْمًا (وَوَجَبَ التَّأْثِيمُ) لَهُ بِالِاجْتِهَادِ لِمُخَالَفَتِهِ الْيَقِينَ حِينَئِذٍ (وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ التَّأْثِيمِ لِمُخَالِفِهِ (مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ) هَذَا وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ التَّلَازُمُ فِي الدَّلِيلِ الثَّانِي مِنْ أَدِلَّةِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ عَدَمُ حُصُولِ الْعِلْمِ مَعَ عَدَمِ الْقَرَائِنِ مِنْ اقْتِرَانِيَّيْنِ وَاسْتِثْنَائِيٍّ. بَيَانُهَا: لَوْ كَانَ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ لَكَانَ بِالْعَادَةِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَادَةِ لَاطَّرَدَتْ. يَنْتِجُ مِنْ الِاقْتِرَانِيِّ الْمُرَكَّبُ مِنْ الشَّرْطِيَّاتِ؛ لَوْ كَانَ مُفِيدًا لَاطَّرَدَ؛ ثُمَّ يُقَالُ أَيْضًا لَوْ كَانَ مُفِيدًا لَاطَّرَدَ وَلَوْ اطَّرَدَ لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ، يَنْتِجُ مِنْ الِاقْتِرَانِيِّ الْمُرَكَّبُ مِنْ الشَّرْطِيَّاتِ أَيْضًا؛ لَوْ أَفَادَ لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ؛ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَبِاسْتِثْنَائِيِّ فَيُقَالُ لَوْ أَفَادَ لَوَجَبَ التَّأْثِيمُ لَكِنْ لَا فَلَا (الْأَكْثَرُ) قَالُوا (مُفِيدُهُ) أَيْ الْعِلْمِ (الْقَرَائِنُ فَقَدْ أَخْرَجُوا الْخَبَرَ عَنْ كَوْنِهِ جُزْءَ مُفِيدِ الْعِلْمِ) أَيْ جُزْءَ عِلَّةِ الْإِفَادَةِ (وَدَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ (بِأَنَّهُ لَوْلَا الْخَبَرُ لَجَوَّزْنَا مَوْتَ) شَخْصٍ (آخَرَ) لِلْمَلِكِ غَيْرِ وَلَدِهِ مِنْ أَخِيهِ وَأَبِيهِ فَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ بِمَوْتِ وَلَدِهِ بِعَيْنِهِ (يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مُجَرَّدُ حُصُولِ الْعِلْمِ مَعَ الْمَجْمُوعِ) مِنْ الْخَبَرِ وَالْقَرَائِنِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إثْبَاتِ الْخَبَرِ جُزْءَ عِلَّةِ إفَادَةِ الْعِلْمِ (فَإِذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (جُزْءُ السَّبَبِ) لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ (لَزِمَ) كَوْنُهُ (شَرْطًا) لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ شَرْطًا لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ (عَيْنُ مَذْهَبِ الْأَكْثَرِ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا مَعَ الْخَبَرِ مِنْ الْقَرَائِنِ لَا مُجَرَّدَ قَرَائِنَ بِلَا خَبَرٍ (فَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَهْلِ الْمُخْتَارِ (اعْتِرَافٌ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ شَرْطًا (فَأَغْنَاهُمْ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَافُ أَهْلَ الْمُخْتَارِ (عَمَّا نَسَبُوهُ) أَيْ الْأَكْثَرَ (إلَيْهِمْ) أَيْ أَهْلِ الْمُخْتَارِ (مِنْ قَوْلِهِمْ) أَيْ الْأَكْثَرِ (دَلِيلُكُمْ) أَصْحَابُ الْمُخْتَارِ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الْعِلْمِ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (بِلَا قَرِينَةٍ يَنْفِيه) أَيْ الْعِلْمَ عَنْهُ (بِهَا) أَيْ بِالْقَرِينَةِ (وَهُوَ) أَيْ دَلِيلُكُمْ عَلَى نَفْيِهِ (لَوْ كَانَ) خَبَرُ الْوَاحِدِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ بِلَا قَرَائِنَ (أَدَّى إلَى النَّقِيضَيْنِ) أَيْ تَنَاقُضِ الْمَعْلُومَيْنِ (إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلُزُومِ الِاطِّرَادِ وَتَأْثِيمِ مُخَالِفِهِ (وَ) أَغْنَاهُمْ عَنْ (دَفْعِهِ بِأَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ (إنَّمَا يَقْتَضِي امْتِنَاعَهُ) أَيْ كَوْنِ الْخَبَرِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ نَفْيِ الْقَرِينَةِ (لَا مُطْلَقًا) لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا مَعَ الْقَرِينَةِ (لِأَنَّ لُزُومَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ) إنَّمَا هُوَ (بِتَقْدِيرِهِ) أَيْ عَدَمِ الْقَرَائِنِ (أَمَّا الْجَوَابُ بِالْتِزَامِ الِاطِّرَادِ فِي مِثْلِهِ) أَيْ فِيمَا فِيهِ الْقَرَائِنُ بِأَنْ يُقَالَ خَبَرُ كُلِّ عَدْلٍ مَعَ الْقَرِينَةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ (فَبَعِيدٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ لَيْسَ كُلُّ خَبَرِ وَاحِدٍ بِقَرَائِنَ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالدَّعْوَى) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الدَّعْوَى تُفِيدُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ (قَدْ يُوجِبُهُ) أَيْ الْعِلْمَ (لَا الْكُلِّيَّةَ) أَيْ لَا أَنَّ كُلَّ خَبَرِ وَاحِدٍ يُفِيدُ الْعِلْمَ (لِمَا نَذْكُرُ) فِي جَوَابِ الْوَاقِعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْمَلِكِ مِنْ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ نَقِيضَهَا بِأَنْ يَرْجِعُوا فَيَذْكُرُوا أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَإِنَّمَا سَكَنَ وَبَرَدَ فَظَنَّ مَوْتَهُ (فَبِإِيجَابِهِ) أَيْ الْخَبَرِ الْعِلْمَ (يُعْلَمُ أَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ (ذَلِكَ) الْخَبَرُ الَّذِي يُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ يَعْنِي أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُثْبِتَ إفَادَةَ الْعِلْمِ لِلْخَبَرِ الْمَحْفُوفِ بِالْقَرَائِنِ إنِّي وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِالْأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ (كَمَا فِي) الْخَبَرِ (الْمُتَوَاتِرِ يُعَرِّفُهُ) أَيْ كَوْنَهُ مُتَوَاتِرًا (أَثَرُهُ) أَيْ إذَا ثَبَتَ أَثَرُهُ وَهُوَ (الْعِلْمُ) ثَبَتَ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ فَكَذَا هُنَا إذَا ثَبَتَ بِهِ الْعِلْمُ ثَبَتَ أَنَّهُ ذَلِكَ الْخَبَرُ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ بِالْقَرَائِنِ (وَحِينَئِذٍ نَمْنَعُ إمْكَانَ مِثْلِهِ) أَيْ إخْبَارِ وَاحِدٍ آخَرَ عَدْلٍ (بِالنَّقِيضِ الْآخَرِ) لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ (إلَّا لَوْ وَقَعَ) الْإِخْبَارُ بِالْمُتَنَاقَضِينَ (فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَجُوزُ لِعَدَمِ حَقِيقَةِ التَّعَارُضِ) فِيهَا (لِلُّزُومِ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ) فِيهَا (فَأَحَدُهُمَا مَنْسُوخٌ) وَالْآخَرُ نَاسِخٌ لَهُ (وَيَلْتَزِمُ التَّأْثِيمُ) لِلْمُخَالِفِ لِلْخَبَرِ الْمَحْفُوفِ بِالْقَرَائِنِ بِالِاجْتِهَادِ (لَوْ وَقَعَ) الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ (فِيهَا) أَيْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا هُوَ حُكْمُ سَائِرِ مُفِيدِي الْعِلْمِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهَا (بِخِلَافِهِ) أَيْ التَّأْثِيمِ (بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) فَإِنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ (لِلْقَطْعِ بِجَوَازِ إخْبَارِ اثْنَيْنِ بِنَقِيضَيْنِ بَلْ) لِلْقَطْعِ (بِوُقُوعِهِ فَعُلِمَ بِهِ) أَيْ بِنَفْسِ إخْبَارِ اثْنَيْنِ بِنَقِيضَيْنِ

مسألة أجمع على حكم يوافق خبرا

(أَنَّهُ) أَيْ خَبَرَ الْوَاحِدِ (لَا يُفِيدُهُ) أَيْ الْعِلْمَ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ مِنْهُمَا ذَلِكَ (وَمَا قِيلَ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ هَذَا مِنْ جَوَازِ إخْبَارِ اثْنَيْنِ بِمُتَنَاقِضَيْنِ (يَقَعُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ إخْبَارِ الْمَلِكِ) بِمَوْتِ ابْنِهِ بِأَنْ يُخْبِرَهُ مُخْبِرٌ بِمَوْتِهِ مَعَ الْقَرَائِنِ ثُمَّ يُخْبِرَهُ آخَرُ بِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَى الْمُخْبَرِ وَالْحَاضِرِينَ وَقَامَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى ذَلِكَ (يَرُدُّ بِأَنَّ ذَاكَ) أَيْ جَوَازَ إخْبَارِ اثْنَيْنِ بِخَبَرَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ لِلْمَوْتِ وَهُمَا مَوْتُ ابْنِهِ وَعَدَمُهُ (عِنْدَ عَدَمِ إفَادَتِهِ) أَيْ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِمَوْتِهِ الْعِلْمُ (الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْعِلْمُ بِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى مُجَرَّدِ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّنَاقُضَ لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهِ الثُّبُوتَ فِي الْوَاقِعِ لِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْعِلْمِ فَامْتِنَاعُ حُصُولِ الْعِلْمِ بِنَقِيضِ مَا عُلِمَ ضَرُورِيٌّ (وَالطَّارِدُ) لِإِفَادَتِهِ الْعِلْمَ (فِي مَرْوِيِّهِمَا) أَيْ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ (لَوْ أَفَادَ) مَرْوِيُّهُمَا الظَّنَّ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ لَكِنَّهُ أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فَلَمْ يُفِدْ الظَّنَّ (أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِلنَّهْيِ عَنْ اتِّبَاعِهِ) أَيْ الظَّنِّ وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ (وَالذَّمُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اتِّبَاعِهِ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْفُ} [الإسراء: 36] أَيْ لَا تَتَّبِعْ {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود: 46] (إنْ يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ) فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ فَدَلَّ عَلَى حُرْمَتِهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا (الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ لَا لِإِفَادَتِهِ) أَيْ مَرْوِيِّهِمَا (الْعِلْمَ بِمَضْمُونِهِ وَالسَّمْعِيَّ) أَيْ {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَ (إنْ يَتَّبِعُونَ) (مَخْصُوصٌ بِالِاعْتِقَادِيَّاتِ) الْمَطْلُوبِ فِيهَا الْيَقِينُ لَا مَا يُطْلَبُ فِيهِ الْعَمَلُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ السَّمْعِيِّ الْعُمُومَ (وَذَلِكَ الْإِجْمَاعُ) الْقَطْعِيُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ (دَلِيلُ وُجُودِ الْمُخَصَّصِ) فِي الِاعْتِقَادِيَّات عَلَى غَيْرِ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ (أَوْ النَّاسِخِ) لِلنَّهْيِ عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ فِي غَيْرِهَا عَلَى قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ (وَمَا قِيلَ لَا إجْمَاعَ) عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (لِلْخِلَافِ الْآتِي) فِي الْعَمَلِ بِهِ (لَيْسَ بِشَيْءٍ) مُعْتَبَرٍ (لِاتِّفَاقِ هَذَيْنِ الْمُتَنَاظِرَيْنِ عَلَى نَقْلِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ بِهِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ الطَّارِدِ (ظَنٌّ مَعْصُومٌ قُلْنَا إنَّمَا أَفَادَهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ كَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ فَالْحَاصِلُ إنْ ادَّعَيْت أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْعَمَلِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (لِإِفَادَةِ الْخَبَرِ الْعِلْمَ مَنَعْنَاهُ) أَيْ هَذَا الْمُدَّعَى (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمُدَّعَى (أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ) فَهُوَ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ (أَوْ أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (أَفَادَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الْمُعَيَّنَ الَّذِي أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ حَقٌّ قَطْعًا أَمْكَنَ تَسْلِيمُهُ وَلَا يُفِيدُ) الْمَطْلُوبَ (إذْ الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ خَبَرِ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ (هُوَ الْمُدَّعَى لَا الثَّانِيَ) وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ حَقٌّ قَطْعًا (وَسَوَاءٌ كَانَ) هَذَا الْمُجْمَعُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ (مِنْهُمَا) أَيْ الصَّحِيحَيْنِ (أَوْ لَا يَكُونُ) مِنْهُمَا (وَقَدْ يَكُونُ) خَبَرُ الْوَحْدِ (مِنْهُمَا) أَيْ الصَّحِيحَيْنِ (وَلَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ لِتَكَلُّمِ بَعْضِ أَهْلِ النَّقْدِ فِيهِ كالدارقطني قِيلَ وَجُمْلَةُ مَا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ مِائَةٌ وَعَشْرَةُ أَحَادِيثَ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى إخْرَاجِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ حَدِيثًا مِنْهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ (فَالضَّابِطُ مَا أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ) لَا مَرْوِيِّهِمَا بِخُصُوصِهِ (وَهِيَ) أَيْ مَا أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ [مَسْأَلَةٌ أُجْمِعَ عَلَى حُكْمٍ يُوَافِقُ خَبَرًا] (مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى حُكْمٍ يُوَافِقُ خَبَرًا قُطِعَ بِصِدْقِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ) فِي جَمَاعَةٍ (لِعَمَلِهِمْ) أَيْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ (بِهِ) أَيْ بِالْخَبَرِ الْمُوَافِقِ لِعَمَلِهِمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُقْطَعْ بِصِدْقِهِ (احْتَمَلَ الْإِجْمَاعُ الْخَطَأَ فَلَمْ يَكُنْ) الْإِجْمَاعُ (قَطْعِيَّ الْمُوجِبِ) وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ عَلَى خَطَأٍ وَلَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ (وَمَنَعَهُ) أَيْ الْقَطْعَ بِصِدْقِهِ (غَيْرُهُمْ) وَهُوَ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ ظَنًّا وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ (لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ) أَيْ عَمَلِهِمْ أَوْ عَمَلِ بَعْضِهِمْ (بِغَيْرِهِ) أَيْ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَدِلَّةِ لَا بِذَلِكَ الْخَبَرِ لِاحْتِمَالِ قِيَامِ الْأَدِلَّةِ الْكَثِيرَةِ عَلَى الْمَدْلُولِ الْوَاحِدِ وَحِينَئِذٍ لَا يَدُلُّ عَمَلُهُمْ عَلَى صِدْقِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ (وَلَوْ كَانَ) عَمَلُهُمْ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْخَبَرِ (لَمْ يَلْزَمْ احْتِمَالُ الْإِجْمَاعِ) لِلْخَطَأِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُفِيدًا لِلظَّنِّ لِأَنَّهُ كَافٍ فِي الْعَمَلِ بِهِ (لِلْقَطْعِ بِإِصَابَتِهِمْ فِي الْعَمَلِ بِالْمَظْنُونِ) كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَمَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَا يُقْطَعُ بِصِدْقِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ (وَتَحْقِيقُهُ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ (أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ الْمُوَافِقَ لِحُكْمِهِ (يُفِيدُ الْقَطْعَ بِحَقِّيَّةِ الْحُكْمِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ الْقَطْعَ بِصِدْقِ الْخَبَرِ) بِمَعْنَى (أَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ بِلَفْظِهِ (سَمِعَهُ فُلَانٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) [مَسْأَلَةٌ أَخْبَرَ مُخْبِرٌ خَبَرًا عَنْ مَحْسُوسٍ] (مَسْأَلَةٌ إذَا أَخْبَرَ)

مسألة التعبد بخبر الواحد العدل

مُخْبِرٌ خَبَرًا عَنْ مَحْسُوسٍ صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ (بِحَضْرَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ وَعَلِمَ عِلْمَهُمْ بِكَذِبِهِ لَوْ كَذَبَ وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ وَلَا حَامِلَ عَلَى السُّكُوتِ) مِنْ خَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ سُكُوتِهِمْ تَصْدِيقُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَسْكُتُوا عَنْ تَكْذِيبِهِ لَا لِشَيْءٍ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ (قَطَعْنَا بِصِدْقِهِ بِالْعَادَةِ) لِأَنَّ مَعَ اخْتِلَافِ أَمْزِجَتِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ وَوُجُودِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ يَمْتَنِعُ عَادَةً السُّكُوتُ عَنْ تَكْذِيبِهِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا فَانْتَفَى قَوْلُ السُّبْكِيّ وَالْمُخْتَارُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ مِنْ اشْتِرَاطِ تَمَادِي الزَّمَنِ الطَّوِيلِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى [مَسْأَلَةٌ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ] (مَسْأَلَةٌ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ) وَهُوَ أَنْ يُوجِبَ الشَّارِعُ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ (جَائِزٌ عَقْلًا خِلَافًا لِشُذُوذِ) وَهْمِ الْجُبَّائِيِّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (لَنَا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّعَبُّدَ بِهِ لِوُرُودِ السَّمْعِ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْمَلُوا بِهِ إذَا ظَنَنْتُمْ صِدْقَهُ وَعَرَضْنَاهُ عَلَى عُقُولِنَا عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّهُ (لَا يَسْتَلْزِمُ مُحَالًا) لِذَاتِهِ عَقْلًا (فَكَانَ) التَّعَبُّدُ بِهِ (جَائِزًا) إذْ لَا مَعْنَى لِلْجَوَازِ غَيْرُ هَذَا وَغَايَةُ مَا يُتَصَوَّرُ فِي اتِّبَاعِهِ مِنْ الْمَحْذُورِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ كَذِبًا أَوْ خَطَأً فَيَلْزَمُ مِنْهُ التَّعَبُّدُ بِكَذِبٍ أَوْ خَطَإٍ لَكِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَا يَمْنَعُ التَّعَبُّدَ بِهِ إذْ كَانَ الصِّدْقُ رَاجِحًا وَإِلَّا لَامْتَنَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ فِي الْعَمَلِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَقَوْلِ الْمُفْتِي لِلْعَامِّيِّ لِتَحَقُّقِ هَذَا الِاحْتِمَالِ فِيهِمَا لَكِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِهِمَا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (قَالُوا) التَّعَبُّدُ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ فَمُمْتَنِعٌ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ (يُؤَدِّي إلَى تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَقَلْبِهِ) أَيْ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ فِيمَا إذَا رَوَى وَاحِدٌ خَبَرًا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَآخَرُ خَبَرًا يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ وَكَانَ أَحَدُهُمَا رَاجِحًا وَعَمِلَ بِهِ (لِجَوَازِ خَطَئِهِ وَ) يُؤَدِّي إلَى (اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ) إنْ تَسَاوَيَا وَعَمِلَ بِهِمَا (فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ) وَهُوَ التَّعَبُّدُ بِهِ (قُلْنَا الْأَوَّلُ) أَيْ تَأْدِيَتُهُ إلَى تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَقَلْبِهِ (مُنْتَفٍ عَلَى إصَابَةِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ) إذْ لَا حَلَالَ وَلَا حَرَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ هُمَا تَابِعَانِ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ وَيَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ فَيَكُونُ حَلَالًا لِوَاحِدٍ حَرَامًا لِآخَرَ (وَعَلَى اتِّحَادِهِ) أَيْ كَوْنِ الْمُصِيبِ وَاحِدًا فَقَطْ (إنَّمَا يَلْزَمُ) كَوْنُ التَّعَبُّدِ بِهِ مُؤَدِّيًا إلَى ذَلِكَ (لَوْ قَطَعْنَا بِمُوجِبِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى أَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لَكِنَّا) لَا نَقْطَعُ بِهِ بَلْ (نَظُنُّهُ وَهُوَ) أَيْ ظَنُّهُ (مَا) أَيْ الَّذِي (كَلَّفَ) الْمُجْتَهِدَ بِهِ (وَنُجَوِّزُ خِلَافَهُ) أَيْ الْمَظْنُونِ وَنَقُولُ الْحَقُّ مَعَ مَنْ وَقَعَ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمُخَالِفُهُ عَلَى خَطَأٍ لَكِنْ الْحُكْمُ الْمُخَالِفُ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ سَاقِطٌ عَنْهُ إجْمَاعًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَةِ ظَنِّ نَفْسِهِ (وَنَجْزِمُ) فِي الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ مُؤَدِّيًا إلَى اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ (بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْمُتَعَارِضَيْنِ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ فَإِنْ ظَنَنَّاهُ) أَحَدَهُمَا (سَقَطَ الْآخَرُ) لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَلَا تَنَاقُضَ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُظَنَّ أَحَدُهُمَا حَتَّى انْتَفَى التَّرْجِيحُ (فَالتَّكْلِيفُ بِالتَّوَقُّفِ) عَنْ الْعَمَلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَى أَنْ يَظْهَرَ رُجْحَانُ أَحَدِهِمَا فَيُعْمَلَ بِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَوْ يُتَخَيَّرُ الْمُجْتَهِدُ بِالْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَإِذَا عَمِلَ بِأَحَدِهِمَا سَقَطَ الْآخَرُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ آخَرِينَ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَكِلَاهُمَا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ قَوْلَهُمْ التَّعَبُّدُ بِهِ مُمْتَنِعٌ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّحْرِيمِ الْحَلَالِ وَقَلْبِهِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ عَقْلًا كَمَا ذَكَرَهُ هَكَذَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (لَيْسَ عَقْلِيًّا بَلْ مِمَّا أَخَذَهُ الْعَقْلُ مِنْ الشَّرْعِ فَالْمُطَابِقُ الثَّانِي) وَهُوَ لُزُومُ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ فَهُوَ تَعْرِيضٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَدْ أَوْضَحَهُ الْمُصَنِّفُ بِحَاشِيَتِهِ هُنَا فَقَالَ أَيْ الْأَوَّلُ لَمَّا لَمْ يُفِدْ الِامْتِنَاعَ الْعَقْلِيَّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ قُرِّرَ عَلَى إرَادَةِ الِامْتِنَاعِ الْعَقْلِيِّ لِغَيْرِهِ لَا لِذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ عَقْلًا وَلَيْسَ بَلْ مَا يُؤَدِّي إلَى الْبَاطِلِ الْعَقْلِيِّ أَمَّا الْبَاطِلُ الشَّرْعِيُّ فَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ بَاطِلٌ شَرْعًا وَالْعَقْلُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِهِ أَخْذًا مِنْ الشَّرْعِ كَمَا إذَا أَخَذَ أَصْلًا غَيْرَهُ فَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَاهُ فِي مَحَالِّ تَحَقُّقِهِ فَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ إلْزَامَ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ لِيَصِحَّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى (وَمَا عَنْهُمْ) أَيْ الْمُخَالِفِينَ (مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ جَازَ) التَّعَبُّدُ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (جَازَ) التَّعَبُّدُ بِهِ فِي الْعَقَائِدِ (وَنَقْلِ الْقُرْآنِ وَادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ بِلَا مُعْجِزٍ) لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ لِلتَّعَبُّدِ بِهِ ظَنُّ الصِّدْقِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ أَيْضًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا الْمَلْزُومُ (سَاقِطٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ فَنَمْنَعُ بُطْلَانَ التَّالِي) فَنَقُولُ بَلْ يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِهِ فِيهَا أَيْضًا عَقْلًا (غَيْرَ أَنَّ التَّكْلِيفَ

مسألة العمل بخبر العدل

وَقَعَ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (فِيهَا) أَمَّا فِي الْعَقَائِدِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّصِّ السَّمْعِيِّ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُخْتَارِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَأَمَّا فِي نَقْلِ الْقُرْآنِ فَلِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالدَّوَاعِي مُتَوَفِّرَةٌ فَحَكَمَتْ الْعَادَةُ بِكَوْنِ إثْبَاتِهِ قَطْعِيًّا وَأَمَّا فِي ادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ فَلِأَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ صِدْقَ مُدَّعِيهَا بِغَيْرِ مُعْجِزَةٍ دَالَّةٍ عَلَى صِدْقِهِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ فِي نِهَايَةِ الْعَظَمَةِ وَغَايَةِ النُّدْرَةِ وَالطِّبَاعُ مُسْتَبْعَدَةٌ لِوُقُوعِهِ بِخِلَافِ الْفُرُوعِ فَإِنَّهُ اُكْتُفِيَ فِيهَا بِالظَّنِّ. [مَسْأَلَةٌ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ] (مَسْأَلَةٌ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ وَاجِبٌ فِي الْعَمَلِيَّاتِ، وَمَنَعَهُ الرَّوَافِضُ وَشُذُوذٌ) مِنْهُمْ أَبُو دَاوُد (لَنَا تَوَاتُرُ) الْعَمَلِ بِهِ (عَنْ الصَّحَابَةِ فِي) آحَادِ (وَقَائِعَ خَرَجَتْ عَنْ الْإِحْصَاءِ لِلْمُسْتَقِرِّينَ يُفِيدُ مَجْمُوعَهَا) أَيْ آحَادِ الْوَقَائِعِ (إجْمَاعُهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (قَوْلًا أَوْ كَالْقَوْلِ عَلَى إيجَابِ الْعَمَلِ عَنْهَا) أَيْ أَخْبَارِ الْآحَادِ (فَبَطَلَ إلْزَامُ الدَّوْرِ و) إلْزَامُ (مُخَالَفَةٍ {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِتَوَاتُرِ الْعَمَلِ بِهَا لَا بِخَبَرِ وَاحِدٍ بِالْعَمَلِ بِهَا وَالْمُتَوَاتِرِ وَلَوْ مَعْنًى يُفِيدُ الْعِلْمَ (وَ) إلْزَامُ (كَوْنِ الْمُسْتَفَادِ) مِنْ هَذِهِ الْوَقَائِعِ (الْجَوَازَ) أَيْ جَوَازَ الِاسْتِدْلَالِ وَالْعَمَلِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ. وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُوبِ لِأَنَّ إيجَابَهُمْ الْأَحْكَامَ بِهَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا (عَلَى أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ) أَيْ بِالْجَوَازِ (دُونَ وُجُوبٍ وَمِنْ مَشْهُورِهَا) أَيْ أَعْمَالِ الصَّحَابَةِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ ( «عَمَلُ أَبِي بَكْرٍ بِخَبَرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ السُّدُسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» كَمَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَعُمَرَ بِخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الْمَجُوسِ) وَهُوَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (وَبِخَبَرِ حَمَلِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ (ابْنِ مَالِكٍ فِي إيجَابِ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ) حَيْثُ قَالَ «كُنْت بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا» كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَبِخَبَرِ الضَّحَّاكِ) بْنِ سُفْيَانَ (فِي مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ مِنْ دِيَةِ الزَّوْجِ) حَيْثُ قَالَ «كَتَبَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيَّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَبِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ) كَمَا أَفَادَهُ مَا أَسْنَدَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْإِبْهَامِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ وَفِي الْخِنْصَرِ بِسِتٍّ حَتَّى وَجَدَ كِتَابًا عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ «وَفِيمَا هُنَالِكَ مِنْ الْأَصَابِعِ عَشْرٌ» ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ انْتَهَى قُلْت فَعَلَى هَذَا قَوْلُ السُّبْكِيّ وَأَمَّا رُجُوعُهُ إلَى كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَلَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا أَنَّ كِتَابَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَلَغَ عُمَرَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ بَلَغَهُ لَصَارَ إلَيْهِ وَفِي هَذَا الْقَوْلِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ انْتَهَى مُتَعَقَّبٌ بِهَذَا فَلْيُحَرَّرْ ثُمَّ مِمَّنْ رَوَى كِتَابَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ لَا أَعْلَمُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ كِتَابًا أَصَحَّ مِنْ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَيَدَعُونَ آرَاءَهُمْ (وَ) عَمِلَ (عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ بِخَبَرِ فُرَيْعَةَ) بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ (وَمَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً مِنْ الْآحَادِ الَّتِي يَلْزَمُهَا الْعِلْمُ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى عَمَلِهِمْ بِهَا لَا بِغَيْرِهَا وَلَا بِخُصُوصِيَّاتٍ فِيهَا سِوَى حُصُولِ الظَّنِّ فَعَلِمْنَاهُ) أَيْ حُصُولَ الظَّنِّ (الْمَنَاطُ عِنْدَهُمْ مَعَ ثُبُوتِ إجْمَاعِهِمْ بِالِاسْتِقْلَالِ عَلَى خَبَرِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ) وَقَدَّمْنَا فِي الْبَحْثِ الْأَوَّلِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعُمُومِ أَنَّ شَيْخَنَا الْحَافِظَ قَالَ لَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْجُودًا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بَلْ مَعْنَاهُ «وَنَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» ) وَقَدَّمْنَا ثَمَّةَ أَيْضًا أَنَّ الْمَحْفُوظَ؛ إنَّا؛ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ «وَالْأَنْبِيَاءُ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ» ) رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي

الْوَفَاءِ (وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُونَ عِنْدَ رِيبَةٍ تُوجِبُ انْتِفَاءَ الظَّنِّ كَإِنْكَارِ عُمَرَ خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي نَفْيِ نَفَقَةِ الْمُبَانَةِ) كَمَا تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَجْهُولِ الْعَيْنِ وَالْحَال (وَعَائِشَةَ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ فِي تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ الْحَيِّ) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَأَيْضًا تَوَاتَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إرْسَالُ الْآحَادِ إلَى النَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ) مِنْهُمْ مُعَاذٌ فَرَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ قَالَ إنَّك تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» الْحَدِيثَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ تَعْدَادُهُ وَلَوْ لَمْ يَجِبْ قَبُولُ خَبَرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِإِرْسَالِهِمْ مَعْنًى (وَالِاعْتِرَاضُ) عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ (بِأَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ (سَاقِطٌ) لِأَنَّ إرْسَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ (إذْ أَفَادَ وُجُوبَ عَمَلِ الْمُبَلَّغِ بِمَا بَلَّغَهُ الْوَاحِدُ) لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِتَكْلِيفِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى مَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ رُسُلُهُ (كَانَ) إرْسَالُهُ (دَلِيلًا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ) وَهُوَ وُجُوبُ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى الْمُبَلَّغ الَّذِي لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ لِأَنَّ الْمُبَلَّغَ قَدْ يَكُونُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَعَلَى كُلٍّ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ أَفَادَ اللَّفْظُ عِلِّيَّةَ وَصْفٍ فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ اللَّفْظِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا مُفِيدًا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ (وَاسْتَدَلَّ) مَنْ قَبْلَنَا لِلْمُخْتَارِ (بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ} [التوبة: 122] الْآيَةَ) أَيْ {مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] لِأَنَّ الطَّائِفَةَ تَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَقَدْ جُعِلَ مُنْذِرًا وَوَجَبَ الْحَذَرُ بِإِخْبَارِهِ وَلَوْلَا قَبُولُ خَبَرِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ (وَاسْتُبْعِدَ) الِاسْتِدْلَال بِهَا (بِأَنَّهُ) أَيْ النَّفَرَ لِإِفْتَائِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْذَارِ الْفَتْوَى بِقَرِينَةِ تَوَقُّفِهِ عَلَى التَّفَقُّهِ إذَا الْأَمْرُ بِالتَّفَقُّهِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِهِ وَالْمُتَوَقِّفُ عَلَى التَّفَقُّهِ إنَّمَا هُوَ الْفَتْوَى لَا الْخَبَرُ الْمَخُوفُ مُطْلَقًا (وَيُدْفَعُ) هَذَا الِاسْتِبْعَادُ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْإِنْذَارَ (أَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ الْإِفْتَاءِ (وَمِنْ أَخْبَارِهِمْ) وَلَا مُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِنْذَارَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّفَقُّهِ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَخْصِيصُ الْقَوْمِ بِالْمُقَلِّدِينَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا فِي فَتْوَاهُ بِخِلَافِ حَمْلِ الْإِنْذَارِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ فَإِنَّهُ كَمَا يَنْتَفِي تَخْصِيصُ الْإِنْذَارِ يَنْتَفِي تَخْصِيصُ الْقَوْمِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُجْتَهِدُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمُقَلِّدُ فِي الِانْزِجَارِ وَحُصُولِ الثَّوَابِ فِي مِثْلِهَا إلَى غَيْرِهِ (وَأَمَّا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ - إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ} [البقرة: 159 - 174] الْآيَةُ (فَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ) وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ لَمَا كَانَ لِلْإِيعَادِ عَلَى الْكِتْمَانِ لِقَصْدِ الْإِظْهَارِ فَائِدَةٌ (لِجَوَازِ نَهْيِهِمْ عَنْ الْكِتْمَانِ لِيَحْصُلَ التَّوَاتُرُ بِإِخْبَارِهِمْ و {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] الْآيَةَ) الِاسْتِدْلَال بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّثَبُّتِ فِي الْفَاسِقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ بِخِلَافِهِ اسْتِدْلَالٌ (بِمَفْهُومٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ) وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَلَوْ صَحَّ كَانَ ظَاهِرًا وَلَا يُثْبِتُونَ بِهِ) أَيْ بِالظَّاهِرِ (أَصْلًا دِينِيًّا وَإِنْ كَانَ) الْأَصْلُ الدِّينِيُّ (وَسِيلَةَ عَمَلٍ) وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَمْرٌ اعْتِقَادِيٌّ وَهُوَ أَنَّ بِهِ تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ (قَالُوا تَوَقَّفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) لَمَّا انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ (فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ) أَيْ الْخِرْبَاقِ حَيْثُ قَالَ «أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ حَتَّى أَخْبَرَهُ غَيْرُهُ بِأَنْ قَالَ النَّاسُ نَعَمْ فَقَامَ فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (قُلْنَا) تَوَقُّفُهُ (لِلرِّيبَةِ) فِي خَبَرِهِ (إذْ لَمْ يُشَارِكُوهُ مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ) فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ وَالتَّوَقُّفُ فِي مِثْلِهِ وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِهِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا (ثُمَّ لَيْسَ) خَبَرُ ذِي الْيَدَيْنِ (دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ خَبَرِ الْوَاحِدِ) أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ بِهِ (بَلْ هُوَ) أَيْ خَبَرُ ذِي الْيَدَيْنِ دَلِيلٌ (لِمُوجِبِ الِاثْنَيْنِ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا فِي رِوَايَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ لِذِي الْيَدَيْنِ نَفْسِهِ رَوَاهَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ

مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ «ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ مَاذَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالَا صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَابَ النَّاسُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» (وَإِلَّا فَمَعَهُمَا) أَيْ خَبَرَيْ الِاثْنَيْنِ (لَا يَخْرُجُ) الْخَبَرُ الَّذِي رَوَاهُ الْوَاحِدُ (عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَكَوْنُهُ) أَيْ خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ (لَيْسَ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ) لِأَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي تَعَبُّدِ الْأُمَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَنْقُولًا عَنْ الرَّسُولِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ (لَا يَضُرُّ إذْ يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ خَبَرَهُ مَحَلَّ النِّزَاعِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُقِلَ إلَى سَيِّدِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ اُتُّفِقَ أَنَّ النَّبِيَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْأَعْظَمُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ وَذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَفْيِ كَوْنِ تَوَقُّفِهِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَيْسَ الْجَوَابُ إلَّا مَا ذَكَرْنَا (قَالُوا قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْفُ} [الإسراء: 36] فَنَهَى عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ وَأَنَّهُ يُنَافِي الْوُجُوبَ وَلَا شَكَّ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ بِالظَّنِّ بَلْ (بِمَا ظَهَرَ مِنْ أَنَّهُ) يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (بِمُقْتَضَى الْقَاطِعِ) وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ (وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ) أَيْ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (بِالْعَقْلِ أَيْضًا كَأَبِي الْحُسَيْنِ وَالْقَفَّالِ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ) كَابْنِ سُرَيْجٍ فِي جَمَاعَةٍ (قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ مَعْلُومِ الْأَصْلِ وَاجِبٌ) عَقْلًا (كَإِخْبَارِ وَاحِدٍ بِمَضَرَّةِ طَعَامٍ وَسُقُوطِ حَائِطٍ يُوجِبُ الْعَقْلُ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ لِلْأَصْلِ الْمَعْلُومِ مِنْ وُجُوبِ الِاحْتِرَاسِ) عَنْ الْمَضَارِّ (فَكَذَا خَبَرُ الْوَاحِدِ) يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْبَعْثَةَ لِلْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ) وَمَضْمُونُ الْخَبَرِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ (بِنَاءً عَلَى التَّحْسِينِ) الْعَقْلِيِّ وَقَدْ أُبْطِلَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِيجَابِ (سَلَّمْنَاهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِالتَّحْسِينِ (لَكِنَّهُ) أَيْ الْعَمَلَ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ مَقْطُوعِ الْأَصْلِ (أَوْلَى عَقْلًا) لِلِاحْتِيَاطِ (لَا وَاجِبٌ سَلَّمْنَاهُ) أَيْ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ وَاجِبٌ (لَكِنْ فِي الْعَقْلِيَّاتِ دُونَ الشَّرْعِيَّاتِ) وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهَا عَلَيْهَا لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ وَهُوَ شَرْطُهُ (سَلَّمْنَاهُ) أَيْ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ وَاجِبٌ فِي الشَّرْعِيَّاتِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَصَحَّ قِيَاسُ الشَّرْعِيَّاتِ عَلَى الْعَقْلِيَّاتِ (لَكِنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسَ (قِيَاسٌ تَمْثِيلِيٌّ يُفِيدُ الظَّنَّ) وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلٍ دِينِيٍّ لَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ فَلَا يَصِحُّ ثُبُوتُهُ بِظَنِّيٍّ (قَالُوا) أَيْ الْبَاقُونَ مِنْ مُثْبِتِيهِ بِالْعَقْلِ أَيْضًا أَوَّلًا خَبَرٌ (يُمْكِنُ صِدْقُهُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا دَفْعًا لِمَضَرَّةٍ قُلْنَا لَمْ يَذْكُرُوا أَصْلَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (فَإِنْ كَانَ) أَصْلُهُ الْخَبَرَ (الْمُتَوَاتِرَ فَلَا جَامِعَ) بَيْنَهُمَا (لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِ) أَيْ الْمُتَوَاتِرِ (لِلْعِلْمِ) أَيْ لِإِفَادَتِهِ الْعِلْمَ لَا لِلِاحْتِيَاطِ (وَإِنْ كَانَ) أَصْلُهُ (الْفَتْوَى) مِنْ الْمُفْتِي (فَخَاصٌّ بِمُقَلِّدِهِ) أَيْ فَحُكْمُ الْمُفْتِي خَاصٌّ بِمُقَلِّدِهِ فِيهَا (وَمَا نَحْنُ فِيهِ) مِنْ حُكْمِ خَبَرِ الْوَاحِدِ (عَامٌّ) فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ (أَوْ خَاصٌّ بِغَيْرِ مُتَعَلِّقِهَا) أَيْ الْفَتْوَى فَإِنَّ مُتَعَلِّقَهَا الْمُقَلِّدُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ خَاصٌّ بِالْمُجْتَهِدِينَ فَهُوَ خَاصٌّ بِغَيْرِ مُتَعَلِّقِ الْفَتْوَى (فَالْمُعَدَّى غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ وَلَوْ سُلِّمَ) عَدَمُ الْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ وَصِحَّةُ الْقِيَاسِ عَلَى الْفَتْوَى (فَقِيَاسٌ كَالْأَوَّلِ) أَيْ تَمْثِيلِيٌّ يُفِيدُ الظَّنَّ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلٍ دِينِيٍّ لَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلُهُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ يَكُنْ عَقْلِيًّا بَلْ شَرْعِيًّا وَهُوَ خِلَافُ مَطْلُوبِكُمْ (قَالُوا) ثَانِيًا (لَوْ لَمْ يَجِبْ) الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (لَخَلَتْ أَكْثَرُ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ) وَهُوَ مُمْتَنِعٌ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالْمُتَوَاتِرَ لَا يَفِيَانِ بِالْأَحْكَامِ بِالِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ الْمُفِيدِ لِلْقَطْعِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى خِلَافِ مَقْصُودِ الْبَعْثَةِ (وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ بَلْ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ وُجُوبُ التَّوَقُّفِ فَلَمْ يَخْلُ) أَكْثَرُ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ (فَإِنْ كَانَ الْمَنْفِيُّ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ وُجُوبِ التَّوَقُّفِ (مَنَعْنَا بُطْلَانَ التَّالِي) أَيْ امْتِنَاعَ خُلُوِّ وَقَائِعَ عَنْ الْحُكْمِ لِأَنَّ عَدَمَ الدَّلِيلِ مُدْرَكٌ شَرْعِيٌّ لِعَدَمِ الْحُكْمِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَا لَا دَلِيلَ فِيهِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ (وَإِذَا لَزِمَ التَّوَقُّف ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ (عَلَى الْخِلَافِ) فِيهَا كَمَا عُرِفَ (وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ) أَيْ بُعْدُ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (مِنْ حَضِّ الشَّارِعِ) أَيْ حَثِّهِ كُلّ مَنْ سَمِعَ شَرْعِيَّةَ حُكْمٍ قَالَهُ (عَلَى نَقْلِ مَقَالَتِهِ) بِنَحْوِ مَا سَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَحَفِظَهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا» فَلَوْ كَانَ حُكْمُ الْخَبَرِ الْمَنْقُولِ الْوَقْفَ أَدَّى إلَى أَنَّ حَضَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ سَمِعَ الْإِيجَابَ لِفَائِدَةِ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهِ وَهَكَذَا النَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ بَلْ يُتَوَقَّفُ وَفِي هَذَا مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى وَحِينَئِذٍ كَانَ عَدَمُ النَّقْلِ كَالنَّقْلِ فَإِنَّ عَدَمَ الْعَمَل بِحُكْمٍ خَاصٍّ وَالْوَقْفَ عَنْهُ وَثُبُوتَ الْإِبَاحَةِ يَحْصُلُ بِعَدَمِ النَّقْلِ وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُ حَضِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ سَامِعٍ لِيَحْصُلَ تَوَاتُرُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ (مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ سُنَّتِهِ لَا يَصِلُ مِنْهَا إلَى التَّوَاتُرِ شَيْءٌ) مُوَافِقَةٌ لِمَنْ ادَّعَى عَدَمَ التَّوَاتُرِ أَصْلًا أَوْ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَوْ حَدِيثَانِ وَإِلَّا كَانَ أَمْرُهُ وَحَضُّهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ وَأَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي ظَنِّ حُصُولِهِ إلَى وَفَاتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ إلَى وَفَاتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِاقْتِصَارِ الْمُتَوَاتِرِ عَلَى حَدِيثٍ إلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ حَدِيثُ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» مِثَالٌ لِذَلِكَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَعَهُ بَلْ صَرَّحَ بِعِزَّةِ وُجُودِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَنْهُ وَبِقَوْلِهِ أَوْ حَدِيثَانِ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ جَعَلَهُ مُتَوَاتِرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَكِنْ فِي كَوْنِ الْمُتَوَاتِرِ مَعْدُومًا أَوْ مَقْصُورًا عَلَى حَدِيثٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ تَأَمُّلٌ وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ مَا ادَّعَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ الْعِزَّةِ مَمْنُوعٌ وَكَذَا مَا ادَّعَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْعَدَمِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَشَأَ مِنْ قِلَّةِ اطِّلَاعٍ عَلَى كَثْرَةِ الطُّرُقِ وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ وَصِفَاتِهِمْ الْمُقْتَضِيَةِ لِإِبْعَادِ الْعَادَةِ أَنْ يَتَوَاطَئُوا عَلَى كَذِبٍ أَوْ يَحْصُلَ مِنْهُمْ اتِّفَاقًا وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُقَرَّرُ بِهِ كَوْنُ الْمُتَوَاتِرِ مَوْجُودًا وُجُودَ كَثْرَةٍ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِأَيْدِي أَهْلِ الْعِلْمِ شَرْقًا وَغَرْبًا الْمَقْطُوعَ عِنْدَهُمْ بِصِحَّةِ نِسْبَتِهَا إلَى مُصَنِّفِيهَا إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى إخْرَاجِ حَدِيثٍ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ تَعَدُّدًا تُحِيلُ الْعَادَةُ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ إلَى آخِرِ الشُّرُوطِ أَفَادَ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ بِصِحَّةِ نِسْبَتِهِ إلَى قَائِلِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَثِيرٌ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (أَوْ) لَا يَخْفَى (الْأَخِيرَانِ) أَيْ لُزُومِ التَّوَقُّفِ وَالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَيْ مَا فِيهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (فَإِنَّ عَدَمَ النَّقْلِ يَكْفِي فِي الْوَقْفِ) عَنْ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ خَاصٍّ (وَ) فِي (ثُبُوتِ) الْإِبَاحَةِ (الْأَصْلِيَّةِ) فَلَا حَاجَةَ إلَى ارْتِكَابِ هَذَا لِيَتَحَقَّقَا (بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ (مِنْ قَبِيلِ) الدَّلِيلِ (النَّقْلِيِّ الصَّحِيحِ لَا عَقْلِيٍّ) عَلَى وِزَانِ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (وَلِمَنْ شَرَطَ الْمُثَنَّى) فِي قَبُولِ الْخَبَرِ (أَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ (بِهِ) أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ (أَوْلَى مِنْ الشَّهَادَةِ لِاقْتِضَائِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (شَرْعًا عَامًّا بِخِلَافِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي أَمْرًا خَاصًّا (قُلْنَا الْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ (وُجُودُ مَا لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ الْحَوَامِلِ) عَلَيْهَا مِنْ عَدَاوَةٍ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ (أَوْ) اشْتِرَاطِ الْمُثَنَّى فِي الشَّهَادَةِ (بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَلِذَا) أَيْ وُجُودُ حَوَامِلَ فِي الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ فِي الرِّوَايَةِ (اُشْتُرِطَ لَفْظُ أَشْهَدُ مَعَ ظُهُورِ انْحِطَاطِهَا) أَيْ الرِّوَايَةِ عَنْ الشَّهَادَةِ (اتِّفَاقًا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْبَصَرِ وَالْحُرِّيَّةِ وَعَدَمِ الْوَلَاءِ) فِي الرِّوَايَةِ وَاشْتِرَاطِهَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِهَا (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (رَدَّ عُمَرُ خَبَرَ أَبِي مُوسَى فِي الِاسْتِئْذَانِ حَتَّى رَوَاهُ الْخُدْرِيُّ) أَيْ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ فَفَرَغَ عُمَرُ فَقَالَ أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ فَقَالُوا رَجَعَ فَدَعَاهُ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ فَقَالَ لِتَأْتِينِي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ فَانْطَلَقَ إلَى مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا لَا يَشْهَدُ لَك عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَصْغَرُنَا فَانْطَلَقَ أَبُو سَعِيدٍ فَشَهِدَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ» (قُلْنَا لِرِيبَةٍ فِي خُصُوصِهِ) أَيْ خَبَرِ أَبِي مُوسَى قَالَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ شَرَفِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَمْ يَتَّهِمْ عُمَرُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّمَا كَانَ يُشَدِّدُ فِي الْحَدِيثِ حِفْظًا لِلرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا) فِي (عُمُومِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُ تَوَقُّفِ الصَّحَابَةِ عَنْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِرِيبَةٍ لَا لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ (عَمِلُوا) أَيْ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ (بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ) كَمَا يُشِيرُ

مسألة الواحد في الحد مقبول

إلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ [مَسْأَلَةٌ الْوَاحِدُ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ] (مَسْأَلَةٌ الْوَاحِدُ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالْجَصَّاصِ) خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَالْبَصْرِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ) مِنْهُمْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِلْكَاكِيِّ وَعَزَا الْأَوَّلُ فِي شَرْحِهِ لِأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إلَى جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا (لَنَا عَدْلٌ ضَابِطٌ جَازِمٌ فِي عَمَلِيٍّ فَيُقْبَلُ كَغَيْرِهِ) أَيْ كَمَا فِي غَيْرِ الْحَدِّ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ (قَالُوا تَحَقَّقَ الْفَرْقُ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ (بِقَوْلِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا أَيْ ادْفَعُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» أَخْرَجَهُ أَبُو حَنِيفَةَ (وَفِيهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (شُبْهَةٌ) وَهِيَ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ بِخَبَرِهِ (قُلْنَا الْمُرَادُ) بِالشُّبْهَةِ الَّتِي يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ الشُّبْهَةُ (فِي نَفْسِ السَّبَبِ لَا الْمُثْبِتِ) لِلسَّبَبِ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الشُّبْهَةَ فِي مُثْبِتِ السَّبَبِ (انْتَفَتْ الشَّهَادَةُ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْقَطْعِ فِيهَا إذْ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ وَإِرَادَةُ غَيْرِ ظَاهِرِ الْكِتَابِ فِيهِ مِنْ تَخْصِيصٍ وَإِضْمَارٍ وَمَجَازٍ قَائِمٌ لَكِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِهِمَا اتِّفَاقًا (وَإِلْزَامُهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ (بِالْقِيَاسِ) أَيْضًا لِأَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ ثَابِتٌ بِدَلَائِلَ مُوجِبَةٍ لِلْعِلْمِ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالشَّهَادَةِ (مُلْتَزَمٌ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ) وَعِنْدَهُمْ غَيْرُ مُلْتَزَمٍ (وَالْفَرْقُ لَهُمْ) بَيْنَ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ فِي هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ الْحَدَّ (مَلْزُومٌ لِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ لَا يَدْخُلُهَا الرَّأْيُ) فَامْتَنَعَ إثْبَاتُهَا بِهِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ كَلَامُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَإِلَيْهِ إثْبَاتُ كُلِّ حُكْمٍ فَيَجِبُ قَبُولُهُ (تَقْسِيمٌ لِلْحَنَفِيَّةِ) لِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارِ مَحَلِّ وُرُودِهِ أَيْ مَا جُعِلَ الْخَبَرُ فِيهِ حُجَّةً (مَحَلُّ وُرُودِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَشْرُوعَاتٌ لَيْسَتْ حُدُودًا كَالْعِبَادَاتِ) مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهَا مِمَّا لَيْسَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً كَالْأُضْحِيَّةِ أَوْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ تَابِعٌ كَالْعُشْرِ أَوْ لَيْسَ بِخَالِصٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ (وَالْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ) أَيْ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْمَشْرُوطُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَقْلِ وَالضَّبْطِ وَالْإِسْلَامِ وَالْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ فِي الرَّاوِي (حُجَّةٌ فِيهَا خِلَافًا لِشَارِطِي الْمُثَنَّى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هَذَا التَّقْسِيمُ فِي ذَيْلِهَا لَكِنْ إنْ كَانَ الْخَبَرُ حَدِيثًا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ وَلَا شَاذًّا وَلَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَمَا سَيَأْتِي (وَحُدُودٌ وَفِيهَا مَا تَقَدَّمَ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الْوَاحِدِ فِيهَا بِشُرُوطِهِ الْمَاضِيَةِ وَأَمَّا ثُبُوتُ مُبَاشَرَةِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمُبَاشِرِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ (فَإِنْ كَانَ) مَحَلُّ وُرُودِ الْخَبَرِ (حُقُوقًا لِلْعِبَادِ فِيهَا إلْزَامٌ مَحْضٌ كَالْبُيُوعِ وَالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ مِنْ هِبَةٍ وَغَيْرِهَا وَالْأَشْيَاءِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْأَمْوَالِ كَالْآجَالِ وَالدُّيُونِ (فَشَرْطُهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ الشَّرْعِيِّ (الْعَدَدُ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ) مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ وَالْبَصَرِ وَأَنْ لَا يَجُرَّ بِشَهَادَتِهِ مَغْنَمًا وَلَا يَدْفَعَ عَنْهَا مَغْرَمًا وَمَعَ الذُّكُورَةِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدِ (اُحْتِيطَ لِمَحَلِّيَّتِهِ) أَيْ الْخَبَرِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ (لِدَوَاعٍ) إلَى التَّزْوِيرِ وَالْحِيَلُ فِي هَذَا النَّوْعِ (لَيْسَتْ فِيمَا عَنْ الشَّارِعِ) تَقْلِيلًا لِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهَا (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (الْفِطْرُ) لِأَنَّ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَيُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ بِهِلَالِ الْفِطْرِ الْعَدَدُ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ مَعَ سَائِرِ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَفِي التَّلْوِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ إثْبَاتِ الْحُقُوقِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الْإِلْزَامِ لِأَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا يُخَافُ فِيهِ التَّلْبِيسُ وَالتَّزْوِيرُ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَهَذَا أَظْهَرُ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ يَنْتَفِعُونَ بِالْفِطْرِ فَهُوَ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَيَلْزَمُهُمْ الِامْتِنَاعُ عَنْ الصَّوْمِ يَوْمَ الْفِطْرِ فَكَانَ فِيهِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ انْتِفَاعَهُمْ بِالصَّوْمِ أَكْثَرُ وَإِلْزَامَهُمْ فِيهِ أَظْهَرُ مَعَ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ اهـ وَأُورِدَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا إذَا قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَصَامُوا ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ يُفْطِرُونَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ فَإِنَّ هَذَا فِطْرٌ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِطْرَ غَيْرُ ثَابِتٍ بِشَهَادَتِهِمْ بَلْ بِالْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الْقَاضِي بِرَمَضَانَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ انْسِلَاخُهُ بِمُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَشَهَادَتُهُ أَفْضَتْ لَهُ

كَشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى النَّسَبِ أَفَضْت إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ابْتِدَاءً ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَوْلُهُ (إلَّا إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُلْزَمُ بِهِ مُسْلِمًا فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ) اسْتِثْنَاءً مِمَّا تَضَمَّنَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِيهِ وَقَوْلُهُ (إلَّا مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْبَكَارَةِ وَالْوِلَادَةِ وَالْعُيُوبِ فِي الْعَوْرَةِ) اسْتِثْنَاءً مِنْ الْعَدَدِ فَلِذَا قَالَ (فَلَا عَدَدَ) وَقَوْلُهُ (وَذُكُورَةٌ) اسْتِطْرَادٌ (وَإِنْ) كَانَ مَحَلُّ الْخَبَرِ حُقُوقًا لِلْعِبَادِ (بِلَا إلْزَامٍ) لِلْغَيْرِ (كَالْإِخْبَارِ بِالْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَالرِّسَالَاتِ فِي الْهَدَايَا وَالشَّرِكَاتِ) وَالْوَدَائِعِ وَالْأَمَانَاتِ (فَبِلَا شَرْطٍ) أَيْ فَيُقْبَلُ فِي هَذِهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ بِلَا شَرْطِ شَيْءٍ فِيهِ (سِوَى التَّمْيِيزِ مَعَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ) فَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْعَدْلُ وَغَيْرُهُ وَالْبَالِغُ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا حَتَّى إذَا أَخْبَرَ أَحَدُهُمْ غَيْرَهُ بِأَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ أَوْ أَنَّ مَوْلَاهُ أَذِنَ لَهُ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ جَازَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتَّصَرُّفِ مَعَهُ بِنَاءً عَلَى خَبَرِهِ ثُمَّ اشْتِرَاطُ التَّحَرِّي ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ وَذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الِاسْتِحْسَانِ مِنْ الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الِاسْتِحْسَانِ تَفْسِيرًا لِمَا فِي الْجَامِعِ يَعْنِي أَنَّ مُحَمَّدًا أَجْمَلَ فِيهِ اعْتِمَادًا عَلَى تَفْصِيلِهِ فِي الِاسْتِحْسَانِ فَيُشْتَرَطُ وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُشْتَرَطَ رُخْصَةً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ لَمْ يُشْتَرَطْ سِوَى التَّمْيِيزِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ هَذِهِ الشُّرُوطِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الصِّدْقِ فِي الْخَبَرِ فَيَصْلُحُ مُلْزِمًا وَالْخَبَرُ هُنَا غَيْرُ مُلْزِمٍ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى هَؤُلَاءِ وَأَيْضًا هَذِهِ حَالَةٌ مُسَالِمَةٌ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي الْمُنَازَعَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى التَّزْوِيرِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْأَبَاطِيلِ دَفْعًا لَهَا وَأَيْضًا (لِلْإِجْمَاعِ الْعَمَلِيِّ) فَإِنَّ الْأَسْوَاقَ مِنْ لَدُنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا قَائِمَةٌ بِعُدُولٍ وَفُسَّاقٍ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ أَحْرَارٍ وَغَيْرِ أَحْرَارٍ مُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَالنَّاسُ يَشْتَرُونَ مِنْ الْكُلِّ وَيَعْتَمِدُونَ خَبَرَ كُلِّ مُمَيِّزٍ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ «وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقْبَلُ خَبَرَ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ» ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» وَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ «أَنَّهُ كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ» وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ فَثَمَّ مَا يَشْهَدُ لَهُ كَقَبُولِ هَدِيَّةِ سَلْمَانَ وَهُوَ عَبْدٌ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ الشَّاةَ الْمَسْمُومَةَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَيْضًا (دَفْعًا لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الرَّسُولِ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَجِدُ الْمُسْلِمَ الْبَالِغَ الْحُرَّ الْعَدْلَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ لِيَبْعَثَهُ إلَى وَكِيلِهِ أَوْ غُلَامِهِ فَتَتَعَطَّلَ مَصَالِحُهُ لَوْ شُرِطَتْ فِي الرَّسُولِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ اشْتِرَاطِهَا (فِي الرِّوَايَةِ) فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ لِأَنَّ فِي عُدُولِ الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةً (وَإِنْ) كَانَ مَحَلُّ الْخَبَرِ حُقُوقًا لِلْعِبَادِ (فِيهَا) إلْزَامٌ لِلْغَيْرِ (لِغَيْرِ وَجْهٍ) دُونَ وَجْهٍ (كَعَزْلِ الْوَكِيلِ) لِأَنَّهُ إلْزَامٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُوَكِّلَ يُبْطِلُ عَمَلَ الْوَكِيلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَيْسَ بِإِلْزَامٍ لِلْوَكِيلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُوَكِّلَ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ (وَحَجْرُ الْمَأْذُونِ) لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِلْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُخْرِجُ تَصَرُّفَاتِ الْعَبْدِ مِنْ الصِّحَّةِ إلَى الْفَسَادِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَلَيْسَ بِإِلْزَامٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ (وَفَسْخُ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ) لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِلشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلْزِمُ كُلًّا مِنْهُمَا الْكَفَّ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَيْسَ إلْزَامًا لَهُمَا لِأَنَّ الْفَاسِخَ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إذْ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ وِلَايَةُ الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا لَهُ وِلَايَةُ الْإِطْلَاقِ (فَالْوَكِيلُ وَالرَّسُولُ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْحُقُوقِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّوْكِيلِ وَالْإِرْسَالِ بِأَنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْمَوْلَى أَوْ مَنْ بِمَعْنَاهُمَا مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ قَاضٍ أَوْ الشَّرِيكِ أَوْ رَبِّ الْمَالِ وَكَّلْتُك بِأَنْ تُخْبِرَ فُلَانًا بِالْعَزْلِ أَوْ الْحَجْرِ وَأَرْسَلْتُك إلَى فُلَانٍ لِتُبَلِّغَهُ عَنِّي هَذَا الْخَبَرَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا سِوَى التَّمْيِيزِ بِالِاتِّفَاقِ (كَمَا قَبْلَهُ) أَيْ كَمَا فِي الْمُخْبِرِ فِي الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَهُوَ مَا كَانَ مَحَلُّ الْخَبَرِ فِيهِ حُقُوقَ الْعِبَادِ بِلَا إلْزَامٍ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ وَالْمُرْسِلِ إذْ الْوَكِيلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَالرَّسُولِ وَفِي الْمُرْسَلِ وَالْمُوَكَّلِ لَا يُشْتَرَطُ سِوَى التَّمْيِيزِ فَكَذَا فِيمَنْ قَامَ مَقَامَهُمَا (وَكَذَا) الْمُخْبِرُ (الْفُضُولِيُّ) لَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ (عِنْدَهُمَا)

أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شُرُوطِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ لِلنَّاسِ فِي بَابِ الْمُعَامَلَاتِ عَزْلًا وَتَوْكِيلًا بِحَسْبِ مَا يُعْرَضُ لَهُمْ مِنْ الْحَاجَاتِ ضَرُورَةً فَلَوْ شُرِطَتْ الْعَدَالَةُ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تُشْتَرَطْ دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَشَرَطَ) أَبُو حَنِيفَةَ (عَدَالَتَهُ أَوْ الْعَدَدَ) أَيْ كَوْنَ الْمُخْبِرِ الْفُضُولِيِّ اثْنَيْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْإِخْبَارَ (لِإِلْزَامِ الضَّرَرِ) فِيهِ فَإِنَّ بَعْدَ الْعَزْلِ يَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَى الْوَكِيلِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَأْذُونِ (كَالثَّانِي) أَيْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا كَانَ مَحَلُّ الْخَبَرِ حَقًّا لِلْعَبْدِ فِيهِ إلْزَامٌ مَحْضٌ (وَلِوِلَايَةِ مَنْ) يَتَوَصَّلُ الْفُضُولِيُّ (عَنْهُ فِي ذَلِكَ) التَّصَرُّفِ (كَالثَّالِثِ) أَيْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَا كَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ (فَتَوَسَّطْنَا) فِي الْقَوْلِ فِي هَذَا بِالِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ إعْمَالًا (لِلشَّبَهَيْنِ) لِأَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُوَفَّرُ حَظُّهُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ الْفُضُولِيِّ إذَا كَانَ وَاحِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِهَا إذَا كَانَ اثْنَيْنِ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَيْضًا لِأَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقَيْنِ كَخَبَرِ فَاسِقٍ فِي أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُلْزِمًا فَلَا يَكُونُ لِزِيَادَةِ الْعَدَدِ فَائِدَةٌ قَالُوا وَالِاخْتِلَافُ نَشَأَ مِنْ لَفْظِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ إذَا حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يُرْسِلْهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ حِجْرًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْعَبْدُ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الْعَدَالَةَ لِلْمَجْمُوعِ وَبَعْضُهُمْ لِلرَّجُلِ فَقَطْ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ لِلْعَدَدِ تَأْثِيرًا فِي الِاطْمِئْنَانِ بَلْ تَأْثِيرُهُ أَقْوَى مِنْ الْعَدَالَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ لَا يَنْفُذُ وَبِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ يَنْفُذُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ فِي الرَّجُلَيْنِ الْعَدَالَةَ كَانَ ذِكْرُهُ ضَائِعًا وَيَكْفِي أَنْ يُقَالَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلٌ عَدْلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَبْسُوطِ اشْتِرَاطَ وُجُودِ سَائِرِ الشُّرُوطِ مِنْ الذُّكُورِيَّةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ فَلِذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَشْتَرِطَ سَائِرَ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يُقْبَلَ خَبَرُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَجَزَمَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقِيلَ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ شَرْطًا مَعَ أَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ لَذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ مَا فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إخْرَاجًا حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلٌ عَدْلٌ أَوْ امْرَأَةٌ عَدْلَةٌ أَوْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ (وَإِخْبَارُ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ قِيلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي) لُزُومِ (الْقَضَاءِ) لِمَا فَاتَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْإِخْبَارَ إخْبَارٌ (عَنْ الشَّارِعِ بِالدِّينِ وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ (عَلَى الْخِلَافِ) الَّذِي فِي الْعَزْلِ وَالْحَجْرِ (وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ) قَالَ (الْأَصَحُّ) عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ (الْقَضَاءُ) اتِّفَاقًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُخْبِرَ (رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِالتَّبْلِيغِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا كَمَا سَمِعَهَا ثُمَّ أَدَّاهَا إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا» وَقَدْ بَيَّنَّا فِي خَبَرِ الرَّسُولِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْمُرْسَلِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُرْسَلِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا اهـ. وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ صَحَّ) هَذَا (انْتَفَى اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الرُّوَاةِ) لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ أَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّبْلِيغِ عَلَى هَذَا وَانْتِفَاءُ اشْتِرَاطِهَا فِيهِمْ مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا (فَإِنَّمَا ذَاكَ) أَيْ الرَّسُولُ الَّذِي خَبَرُهُ بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْمُرْسَلِ (الرَّسُولُ الْخَاصُّ بِالْإِرْسَالِ) لَا مُطْلَقًا وَهَذَا الْمُخْبِرُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَمُسَوِّغُ الرِّوَايَةِ التَّحَمُّلُ وَبَقَاؤُهُ) أَيْ التَّحَمُّلِ (وَهُمَا) أَيْ التَّحَمُّلُ وَبَقَاؤُهُ (عَزِيمَةٌ) وَرُخْصَةٌ (وَكَذَا الْأَدَاءُ) لَهُ عَزِيمَةٌ وَرُخْصَةٌ (فَالْعَزِيمَةُ فِي التَّحَمُّلِ أَصْلُ قِرَاءَةِ الشَّيْخِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ حِفْظٍ) عَلَيْك وَأَنْتَ تَسْمَعُ (وَقِرَاءَتُك أَوْ) قِرَاءَةُ (غَيْرِك كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ كِتَابٍ أَوْ حِفْظٍ عَلَى الشَّيْخِ (وَهُوَ يَسْمَعُ) سَوَاءٌ كَانَ الشَّيْخُ يَحْفَظُ مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ أَوْ لَا لَكِنْ مُمْسِكٌ أَصْلِهِ هُوَ أَوْ ثِقَةٌ غَيْرُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَارِئُ يَقْرَأُ فِيهِ عَلَى هَذَا عَمَلُ كَافَّةِ الشُّيُوخِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّهُ الْمُخْتَارُ قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَهَكَذَا إنْ كَانَ ثِقَةٌ مِنْ السَّامِعِينَ يَحْفَظُ مَا يُقْرَأُ عَلَى الشَّيْخِ وَالْحَافِظُ لَهُ مُسْتَمِعٌ غَيْرُ غَافِلٍ عَنْهُ فَذَلِكَ كَافٍ أَيْضًا (وَهِيَ) أَيْ قِرَاءَتُك أَوْ غَيْرِك عَلَى الشَّيْخِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ حِفْظٍ (الْعَرْضُ) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ الْقَارِئَ يَعْرِضُ عَلَى الشَّيْخِ مَا يَقْرَؤُهُ كَمَا يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى الْمُقْرِئِ فَيَقُولُ أَهُوَ كَمَا قَرَأْت عَلَيْك (فَيَعْتَرِفُ) وَلَوْ بِنَعَمْ (أَوْ يَسْكُتُ وَلَا مَانِعَ) مِنْ السُّكُوتِ عَلَى مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالنُّظَّارِ (خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ)

وَهُوَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ مَشَايِخِ الْمَشْرِقِ فِي أَنَّ إقْرَارَهُ شَرْطٌ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ (لِأَنَّ الْعُرْفَ أَنَّهُ) أَيْ السُّكُوتَ بِلَا مَانِعٍ مِنْهُ (تَقْرِيرٌ وَلِأَنَّهُ) أَيْ السُّكُوتَ بِلَا مَانِعٍ مِنْهُ (يُوهِمُ الصِّحَّةَ فَكَانَ صَحِيحًا وَإِلَّا فَغِشٌّ وَرَجَّحَهَا) أَيْ الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّيْخِ (أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى قِرَاءَةِ الشَّيْخِ مِنْ كِتَابٍ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ) حَيْثُ قَالُوا قِرَاءَةُ الْمُحَدِّثِ عَلَى الطَّالِبِ أَعْلَى لِأَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى ذَلِكَ (لِزِيَادَةِ عِنَايَتِهِ) أَيْ الْقَارِئِ (بِنَفْسِهِ فَيَزْدَادُ ضَبْطُ الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَالشَّيْخُ لِغَيْرِهِ وَالْإِنْسَانُ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ أَحْوَطُ مِنْهُ فِي أَمْرِ غَيْرِهِ وَأُورِدَ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمُحَدِّثِ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا غَفْلَتُهُ عَنْ سَمَاعِ الْقَارِئِ أَيْضًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا أَهْوَنُ مِنْ الْخَطَأِ فِي الْقِرَاءَةِ وَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ مَا لَمْ يُمْكِنْ وَوَجَبَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْأَهَمِّ مِنْهُمَا (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِ وَالسَّمَاعَ مِنْهُ (يَتَسَاوَيَانِ) فَفِي النَّوَازِلِ وَرَوَى نُصَيْرٌ عَنْ خَلَفٍ عَنْ أَبِي سَعْدٍ الصَّغَانِيِّ قَالَ سَمِعْت أَبَا حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ يَقُولَانِ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْعَالِمِ وَالسَّمَاعُ مِنْهُ سَوَاءٌ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمُعْظَمِ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَالْبُخَارِيِّ (فَلَوْ حَدَّثَ) الشَّيْخُ (مِنْ حِفْظِهِ تَرَجَّحَ) التَّحْدِيثُ مِنْ حِفْظِهِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقَارِئِ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهَا رَاجِحَةٌ عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ (لِلْأَمْنِ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى الْغَلَطِ) لَوْ وَقَعَ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ) فَإِنَّ مَحَلَّهُ أَنْ يَرْوِيَ الرَّاوِي وَهُوَ الشَّيْخُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَنْ يَرْوِيَ نَفْسُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَلَى هَذَا حِكَايَةُ تَرْجِيحِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِلَا هَذَا التَّفْصِيلِ كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي وَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ الْخَطِيبُ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَشُعْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ وَأَبِي حَاتِمٍ فِي آخَرِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَخَلَّفَ عَنْهُ) أَيْ الْأَصْلِ وَهُوَ (الْكِتَابُ بِحَدَّثَنِي فُلَانٌ فَإِذَا بَلَغَك كِتَابِي هَذَا فَحَدِّثْ بِهِ عَنِّي بِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيْ عَلَى رَسْمِ الْكُتُبِ بِأَنْ يَكْتُبَ فِي عُنْوَانِهِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ ثُمَّ يَكْتُبَ فِي دَاخِلِهِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فُلَانٍ إلَخْ ثُمَّ يَقُولَ حَدَّثَنِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ عَنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى آخِرِ الْإِسْنَادِ بِكَذَا ثُمَّ يَقُولَ فَإِذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا أَوْ إذَا بَلَغَك كِتَابِي هَذَا فَارْوِهِ عَنِّي أَوْ فَحَدِّثْهُ عَنِّي بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ شُهُودًا ثُمَّ يَخْتِمُهُ بِحَضْرَتِهِمْ فَإِذَا ثَبَتَ الْكِتَابُ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِالشُّهُودِ قَبِلَهُ وَرَوَى ذَلِكَ الْحَدِيثَ عَنْ الْكَاتِبِ بِإِسْنَادِهِ وَفِي عُلُومِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الصَّلَاحِ مِنْ أَقْسَامِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَتَلَقِّيهِ الْمُكَاتَبَةُ وَهِيَ أَنْ يَكْتُبَ الشَّيْخُ إلَى الطَّالِبِ وَهُوَ غَائِبٌ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ بِخَطِّهِ أَوْ يَكْتُبَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ حَاضِرٌ وَيُلْتَحَقُ بِذَلِكَ مَا إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ عَنْهُ إلَيْهِ (وَالرِّسَالَةُ) أَنْ يُرْسِلَ الشَّيْخُ رَسُولًا إلَى آخَرَ وَيَقُولَ لِلرَّسُولِ (بَلِّغْهُ عَنِّي أَنَّهُ حَدَّثَنِي فُلَانُ) بْنُ فُلَانٍ عَنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى أَنْ يَأْتِيَ عَلَى تَمَامِ الْإِسْنَادِ بِكَذَا فَإِذَا بَلَغَتْك رِسَالَتِي إلَيْك (فَارْوِهِ عَنِّي) أَوْ فَحَدِّثْ بِهِ عَنِّي (بِهَذَا الْإِسْنَادِ) فَشَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ عَلَى رِسَالَةِ الْمُرْسِلِ حَلَّتْ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَك إلَخْ فِي الْفَصْلَيْنِ إنَّمَا يَلْزَمُ (عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِذْنِ وَالْإِجَازَةِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا) أَيْ الْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ (وَالْأَوْجَهُ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِجَازَةِ فِيهِمَا (كَالسَّمَاعِ) فَإِنَّهُ سَاقَ سَنَدًا خَاصًّا بِمَتْنٍ مُعَيَّنٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْكِتَابَ كِتَابُهُ وَالرَّسُولَ رَسُولُهُ صَارَ كَأَنَّهُ سَمِعَهُ وَإِذَا كَانَ بَعْدَ الثُّبُوتِ عَنْهُ كَسَمَاعِهِ مِنْهُ جَازَ أَنْ يَرْوِيَهُ بِلَا إذْنٍ فَإِنَّ فِي السَّمَاعِ وَالْمُشَافَهَةِ لَوْ مَنَعَهُ عَنْ الرِّوَايَةِ جَازَ أَنْ يَرْوِيَ مَعَ مَنْعِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى إذْنِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ إجَازَةَ الرِّوَايَةِ بِالْكِتَابَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَمَنْصُورٌ وَاللَّيْثُ وَأَنَّهَا الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بَلْ جَعَلَهَا أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ أَقْوَى مِنْ الْإِجَازَةِ وَصَارَ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ قَبِيلِ الرُّخْصَةِ وَالْكِتَابَةَ،

مِنْ قَبِيلِ الْعَزِيمَةِ الْمُسْنَدِ الْمَوْصُولِ (وَهُمَا) أَيْ الْكِتَابَةُ وَالرِّسَالَةُ (كَالْخِطَابِ) شَرْعًا (لِتَبْلِيغِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهِمَا) أَيْ الْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ مِنْ جُمْلَةِ رُسُلِهِ بِالتَّبْلِيغِ مُعَاذٌ بَلْ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ (وَعُرْفًا) كَمَا فِي تَقْلِيدِ الْمُلُوكِ الْقَضَاءَ وَالْإِمَارَةَ بِهِمَا كَمَا بِالْمُشَافَهَةِ (وَيَكْفِي مَعْرِفَةُ خَطِّهِ) أَيْ الْكَاتِبِ فِي حِلِّ رِوَايَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ عَنْهُ (وَظَنُّ صِدْقِ الرَّسُولِ) كَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ (وَضَيَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ) حَيْثُ نُسِبَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا (بِالْبَيِّنَةِ) كَمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَمَالَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ (وَلَا يَلْزَمُ كِتَابُ الْقَاضِي لِلِاخْتِلَافِ) بَيْنَ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَمَا نَحْنُ فِيهِ (بِالدَّاعِيَةِ) إلَى تَرْوِيجِهَا بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِهَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي اشْتِرَاطُهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَأَمَّا مَنْ كَتَبَ إلَيْهِ بِحَدِيثٍ فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ كِتَابُهُ إمَّا بِقَوْلِ ثِقَةٍ أَوْ بِعَلَامَاتٍ مِنْهُ وَخَطٍّ يَغْلِبُ مَعَهَا فِي النَّفْسِ أَنَّهُ كِتَابُهُ فَإِنَّهُ يَسَعُ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ الْكِتَابُ أَنْ يَقُولَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ يَعْنِي الْكَاتِبَ إلَيْهِ وَلَا يَقُولُ حَدَّثَنِي (وَلَا خَفَاءَ فِي) جَوَازِ (حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَسَمِعْته فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي قِرَاءَةِ الشَّيْخِ عَلَى الطَّالِبِ (وَقَالَ) أَيْضًا مَعَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مِنْ لِي وَلَنَا وَبِدُونِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي كَوْنِهَا مَحْمُولَةً عَلَى السَّمَاعِ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْهُمَا فَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ إذَا عُلِمَ اللُّقِيُّ وَسَلِمَ الرَّاوِي مِنْ التَّدْلِيسِ لَا سِيَّمَا مَنْ عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا مَا سَمِعَهُ كَحَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ فَرَوَى كُتُبَ ابْنِ جُرَيْجٍ بِلَفْظِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَحَمَلَهَا النَّاسُ عَنْهُ وَاحْتَجُّوا بِهَا وَخَصَّصَ الْخَطِيبُ ذَلِكَ بِمَنْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَأَمَّا مَنْ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ فَلَا يَحْمِلُهُ عَلَى السَّمَاعِ ثُمَّ عَدَّهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ أَوْضَعِ الْعِبَارَاتِ فِي ذَلِكَ (وَغَلَبَتْ) لَفْظَةُ قَالَ (فِي الْمُذَاكَرَةِ) أَيْ فِي التَّعْبِيرِ بِهَا مَعَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ عَمَّا جَرَى بَيْنَهُمْ فِي الْمُذَاكَرَاتِ وَالْمُنَاظَرَاتِ حَتَّى قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّهُ لَائِقٌ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ فِي الْمُذَاكَرَةِ وَهُوَ بِهِ أَشْبَهُ مِنْ حَدَّثَنَا وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ مَنْدَهْ إنَّ الْبُخَارِيَّ حَيْثُ قَالَ قَالَ لِي فُلَانٌ فَهُوَ إجَازَةٌ وَحَيْثُ قَالَ قَالَ فُلَانٌ فَهُوَ تَدْلِيسٌ. قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فَلَمْ يَقْبَلْ الْعُلَمَاءُ كَلَامَهُ حَتَّى قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فَذَلِكَ عَنْهُ بَاطِلٌ (وَفِي الثَّانِي) أَيْ قِرَاءَةِ الطَّالِبِ عَلَى الشَّيْخِ يَقُولُ (قَرَأْت) عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْمَعُ إنْ كَانَ هُوَ الْقَارِئَ (وَقُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ) إنْ كَانَ الْقَارِئُ غَيْرَهُ (وَحَدَّثَنَا بِقِرَاءَتِي) عَلَيْهِ (وَقِرَاءَةٍ) عَلَيْهِ (وَأَنْبَأَنَا وَنَبَّأَنَا كَذَلِكَ) أَيْ بِقِرَاءَتِي أَوْ قِرَاءَةٍ عَلَيْهِ (وَالْإِطْلَاقُ) لِحَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِقِرَاءَتِي أَوْ قِرَاءَةٍ عَلَيْهِ (جَائِزٌ عَلَى الْمُخْتَارِ) كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالْبُخَارِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَمُعْظَمِ الْكُوفِيِّينَ وَالْحِجَازِيِّينَ لَا الْمَنْعَ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إنَّهُ الصَّحِيحُ (وَقِيلَ) الْإِطْلَاقُ جَائِزٌ (فِي أَخْبَرَنَا فَقَطْ) وَهُوَ لِلشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُسْلِمٍ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ الْإِنْصَافِ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُحْصِيهِمْ أَحَدٌ وَأَنَّهُمْ جَعَلُوا أَخْبَرَنَا عَلَمًا يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِ قَائِلِهِ أَنَا قَرَأْته عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ لَفَظَ بِهِ لِي وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا صَارَ هُوَ الشَّائِعَ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالِاحْتِجَاجُ لِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ عَنَاءٌ وَتَكَلُّفٌ وَخَيْرُ مَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ اصْطِلَاحٌ مِنْهُمْ أَرَادُوا بِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ ثُمَّ خُصِّصَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ بِقَوْلِ حَدَّثَنَا لِقُوَّةِ إشْعَارِهِ بِالنُّطْقِ وَالْمُشَافَهَةِ (وَالْمُنْفَرِدُ) يَقُولُ (حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي وَجَازَ الْجَمْعُ) أَيْ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا لِجَوَازِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَمَا أَنَّ مَنْ مَعَهُ غَيْرُهُ يَقُولُ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَجَازَ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي لِأَنَّ الْمُحَدِّثَ حَدَّثَهُ وَغَيْرَهُ وَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ الْحَاكِمُ وَذَكَرَ أَنَّهُ الَّذِي عَهِدَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ شُيُوخِهِ وَأَئِمَّةِ عَصْرِهِ وَذَكَرَهُ

غَيْرُهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الرَّاوِيَ يَقُولُ فِيمَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُحَدِّثِ لَفْظًا وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَدَّثَنِي فُلَانٌ وَفِيمَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ حَدَّثَنَا فُلَانٌ وَفِيمَا قَرَأَ عَلَى الْمُحَدِّثِ بِنَفْسِهِ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ وَفِيمَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَهُوَ حَاضِرٌ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهُوَ حَسَنٌ رَائِقٌ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ مُسْتَحَبٌّ كَمَا حَكَاهُ الْخَطِيبُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَافَّةً (وَفِي الْخَلَفِ) أَيْ الْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ يَقُولُ (أَخْبَرَنِي) كَمَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا (وَقِيلَ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمَا أَخْبَرَنِي (كَحَدَّثَنِي) لِأَنَّ الْإِخْبَارَ وَالتَّحْدِيثَ وَاحِدٌ (بَلْ) يَقُولُ (كَتَبَ) إلَيَّ (وَأَرْسَلَ إلَيَّ لِعَدَمِ الْمُشَافَهَةِ قُلْنَا قَدْ اسْتَعْمَلَ) أَخْبَرَنِي (لِلْإِخْبَارِ مَعَ عَدَمِهَا) أَيْ الْمُشَافَهَةِ (كَأَخْبَرَنَا اللَّهُ لَا حَدَّثَنَا) مَعَ عَدَمِهَا إذْ لَا يُقَالُ حَدَّثَنَا اللَّهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ ذَكَرَ أَنَّهُ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَكَابِرِهِمْ مِنْهُمْ اللَّيْثُ وَمَنْصُورٌ إلَى جَوَازِ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا فِي الرِّوَايَةِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ فِيهَا كَتَبَ إلَيَّ فُلَانٌ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَانٌ بِكَذَا وَقَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِهِ وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَيْضًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ اللَّائِقُ بِمَذَاهِبِ أَهْلِ التَّحَرِّي وَالنَّزَاهَةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَخْبَرَنِي بِهِ مُكَاتَبَةً أَوْ كِتَابَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ (وَالرُّخْصَةُ) فِي التَّحَمُّلِ (وَالْإِجَازَةُ مَعَ مُنَاوَلَةِ الْمُجَازِ بِهِ) لِلْمُجَازِ لَهُ (وَدُونَهَا) أَيْ وَبِدُونِ مُنَاوَلَتِهِ لِأَنَّهَا لِتَأْكِيدِ الْإِجَازَةِ لِأَنَّهَا بِدُونِ الْإِجَازَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَالْإِجَازَةُ بِدُونِهَا مُعْتَبَرَةٌ. ثُمَّ مِنْ صُوَرِ الْإِجَازَةِ بِدُونِ الْمُنَاوَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُخْبِرُ لِغَيْرِهِ أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ فُلَانٌ إلَى أَنْ يَأْتِيَ عَلَى سَنَدِهِ وَمِنْ صُوَرِهَا مَعَ الْمُنَاوَلَةِ أَنْ يُنَاوِلَهُ شَيْئًا مِنْ سَمَاعِهِ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا مُقَابَلًا بِهِ وَيَقُولُ هَذَا مِنْ سَمَاعِي أَوْ رِوَايَتِي عَنْ فُلَانٍ إلَى آخِرِ الْإِسْنَادِ فَارْوِهِ عَنِّي (وَمِنْهُ) أَيْ قِسْمِ الْإِجَازَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمُنَاوَلَةِ (إجَازَةُ مَا صَحَّ مِنْ مَسْمُوعَاتِي) عِنْدَك إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ ذَكَرَ أَنَّ نَحْوَ هَذَا وَهُوَ أَجَزْت لَك مَا يَصِحُّ عِنْدَك مِنْ حَدِيثِي لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ قَالَ مَا صَحَّ عِنْدَك مِنْ صَكٍّ فِيهِ إقْرَارِي فَاشْهَدْ بِهِ عَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ بِهِ وَسَنَذْكُرُ أَيْضًا عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ مَا يُوَافِقُهُ عَلَى وَجْهٍ أَبْلَغَ مِنْهُ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْإِجَازَةِ (قِيلَ بِالْمَنْعِ) وَهُوَ لِجَمَاعَاتٍ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَا كَمَا قَالَ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ لَوْ جَازَتْ الْإِجَازَةُ لَبَطَلَتْ الرِّحْلَةُ. وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْخُجَنْدِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ وَأَنَّهُ قَالَ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا لَمْ تَسْمَعْ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ أَجَزْت لَك أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ (وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) وَذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَقَالَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِذَلِكَ غُمُوضٌ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَجَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ مَرْوِيَّاتِهِ فَقَدْ أَخْبَرَهُ بِهَا جُمْلَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ تَفْصِيلًا وَإِخْبَارُهُ بِهَا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى التَّصْرِيحِ نُطْقًا وَإِنَّمَا الْغَرَضُ حُصُولُ الْإِفْهَامِ وَالْفَهْمِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْإِجَازَةِ الْمُفْهِمَةِ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ (لِلضَّرُورَةِ) لِأَنَّ كُلَّ مُحَدِّثٍ لَا يَجِدُ مَنْ يُبَلِّغُ إلَيْهِ مَا صَحَّ عِنْدَهُ وَلَا يَرْغَبُ كُلُّ طَالِبٍ إلَى سَمَاعِ أَوْ قِرَاءَةِ مَا عِنْدَ شَيْخِهِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ بِهَا لَأَدَّى إلَى تَعْطِيلِ السُّنَنِ وَانْقِطَاعِ أَسَانِيدِهَا (وَالْحَنَفِيَّةُ) قَالُوا (إنْ كَانَ) الْمُجَازُ لَهُ (يَعْلَمُ مَا فِي الْكِتَابِ) الْمُجَازِ بِهِ فَقَالَ لَهُ الْمُجِيزُ إنَّ فُلَانًا حَدَّثَنَا بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ بِأَسَانِيدِهِ هَذِهِ فَأَنَا أُحَدِّثُك بِهِ وَأَجَزْت لَك الْحَدِيثَ بِهِ (جَازَتْ الرِّوَايَةُ) بِهَذِهِ الْإِجَازَةِ إذَا كَانَ الْمُسْتَجِيزُ مَأْمُونًا بِالضَّبْطِ وَالْفَهْمِ (كَالشَّهَادَةِ عَلَى الصَّكِّ) فَإِنَّ الشَّاهِدَ إذَا وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ مَا فِيهِ أَوْ أَخْبَرَهُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَأَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كَانَ صَحِيحًا فَكَذَا رِوَايَةُ الْخَبَرِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُجَازُ لَهُ عَالِمًا بِمَا فِي الْكِتَابِ (فَإِنْ احْتَمَلَ) الْكِتَابُ (التَّغْيِيرَ) بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ (لَمْ تَصِحَّ) الْإِجَازَةُ وَلَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ بِالِاتِّفَاقِ (وَكَذَا) لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ) الْكِتَابُ ذَلِكَ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَكِتَابِ الْقَاضِي) أَيْ قِيَاسًا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (إذْ عِلْمُ الشُّهُودِ بِمَا فِيهِ شَرْطٌ) عِنْدَهُمَا لِصِحَّةِ الشُّهُودِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ (وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ قَالَ

الْأَصَحُّ) عِنْدَ نَفْسِهِ (عَدَمُ الصِّحَّةِ) لِهَذِهِ الْإِجَازَةِ (اتِّفَاقَ وَتَجْوِيزُ أَبِي يُوسُفَ) الشَّهَادَةَ (فِي الْكِتَابِ) مِنْ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشُّهُودُ مَا فِيهِ (لِضَرُورَةِ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْأَسْرَارِ) عَادَةً (وَيَكْرَهُ الْمُتَكَاتَبَانِ الِانْتِشَارَ) لِأَسْرَارِهِمَا (بِخِلَافِ كُتُبِ الْأَخْبَارِ) لِأَنَّ السُّنَّةَ أَصْلُ الدِّينِ وَمَبْنَاهَا عَلَى الشُّهْرَةِ فَلَا وَجْهَ لِصِحَّةِ الْأَمَانَةِ فِيهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ ذَلِكَ) أَيْ جَوَازُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِيهِ لِلضَّرُورَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا يَتَأَتَّى (فِي كُتُبِ الْعَامَّةِ لَا) فِي كِتَابِ (الْقَاضِي) إلَى الْقَاضِي (بِالْحُكْمِ وَالثُّبُوتِ) فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَهُ كَمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عِنْدَهُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ تَرَدَّدَ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْخِلَافُ عَنْهُ فِيهَا مَنْصُوصًا فَقَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي هَذَا الْبَابِ وَوَجَّهَهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُتَعَقِّبٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ بِالضَّرُورَةِ أَيْ أَنْ يُجَوِّزَ الْإِجَازَةَ عِنْدَهُ بِلَا عِلْمٍ لِلْمُجَازِ بِمَا فِي الْكِتَابِ الْمُجَازِ بِهِ كَمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي بِلَا عِلْمٍ لِلشَّاهِدِ بِمَا فِيهِ بِجَامِعِ الضَّرُورَةِ بَيْنَهُمَا يَعْنِي كَمَا لَمْ يَشْرِطْ أَبُو يُوسُفَ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي عِلْمَ الشَّاهِدِ بِمَا فِيهِ لِضَرُورَةِ إيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ عِلْمُ الرَّاوِي بِمَا فِي الْكِتَابِ الْمُجَازِ بِهِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ عِنْدَهُ لِضَرُورَةِ أَنَّ الْمُحَدِّثَ مُحْتَاجٌ إلَى تَبْلِيغِ مَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ الْأَخْبَارِ إلَى الْغَيْرِ لِيَتَّصِلَ الْإِسْنَادُ وَيَبْقَى الدِّينُ وَقَدْ ظَهَرَ تَكَاسُلُ النَّاسِ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَرُبَّمَا لَا يَتَيَسَّرُ لِلطَّالِبِ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ وَالسَّمَاعُ مِنْهُ وَفِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِمَا فِيهِ نَوْعُ تَعْسِيرٍ وَتَنْفِيرٍ فَجُوِّزَتْ رُخْصَةً لِهَذَا الْمَعْنَى (وَهَذَا) التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ لِلْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ (لِلِاتِّفَاقِ عَلَى النَّفْيِ) لِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ (لَوْ قَرَأَ) الطَّالِبُ (فَلَمْ يَسْمَعْ الشَّيْخُ أَوْ) قَرَأَ (الشَّيْخُ) فَلَمْ يَسْمَعْ الطَّالِبُ (وَلَمْ يَفْهَمْ) فَفِي الْإِجَازَةِ الَّتِي هِيَ دُونَ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى ثُمَّ فِي تَصْحِيحِ الْإِجَازَةِ بِدُونِ الْعِلْمِ رَفْعُ الِابْتِلَاءِ فَإِنَّ النَّاسَ مُبْتَلَوْنَ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ فَلَوْ جُوِّزَتْ بِدُونِهِ لَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ التَّعَلُّمِ اعْتِمَادًا عَلَى صِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِدُونِهِ وَفِيهِ فَتْحُ بَابِ التَّقْصِيرِ وَالْبِدْعَةِ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ مِثْلُ هَذِهِ الْإِجَازَةِ وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِقَبُولِ رِوَايَةِ مَنْ سَمِعَ فِي صِبَاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ (وَقَبُولُ مَنْ سَمِعَ فِي صِبَاهُ مُقَيَّدٌ بِضَبْطِهِ غَيْرَ أَنَّهُ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ) أَيْ الضَّبْطِ وَهِيَ التَّمْيِيزُ مَقَامَهُ (وَلِذَا) أَيْ اشْتِرَاطُ ضَبْطِ السَّامِعِ (مَنَعَتْ) صِحَّةَ الرِّوَايَةِ (لِلْمَشْغُولِ عَنْ السَّمَاعِ بِكِتَابَةٍ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإسْفَرايِينِيّ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَذَهَبَ إلَى الصِّحَّةِ مُطْلَقًا الْحَافِظُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَمَّالُ وَيُوَافِقُهُ ظَاهِرُ مَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْحَنْظَلِيِّ أَنَّهُ كَتَبَ عِنْدَ عَارِمٍ وَعِنْدَ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ فِي حَالَةِ السَّمَاعِ وَمَا عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَتَبَ وَهُوَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَا يَكْتُبُ وَقَالَ الصِّبْغِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ يَقُولُ حَضَرْت لَا حَدَّثَنَا وَلَا أَخْبَرَنَا (أَوْ نَوْمٌ أَوْ لَهْوٌ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَدَارَ) لِعَدَمِ جَوَازِ الرِّوَايَةِ (عَدَمُ الضَّبْطِ) لِلْمَرْوِيِّ (وَأُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ) أَيْ عَدَمِ الضَّبْطِ (نَحْوُ الْكِتَابَةِ) مَقَامَهُ إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ مَعَهَا الْفَهْمُ لِمَا يَقْرَأُ حَتَّى يَكُونَ الْوَاصِلُ إلَى سَمْعِ الْكَاتِبِ كَأَنَّهُ صَوْتُ غَفَلٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ مَعَهَا الْفَهْمُ فَلَا (لِحِكَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ) فَإِنَّهُ حَضَرَ فِي حَدَاثَتِهِ مَجْلِسَ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ فَجَلَسَ يَنْسَخُ جُزْءًا كَانَ مَعَهُ وَإِسْمَاعِيلُ يُمْلِي فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ لَا يَصِحُّ سَمَاعُك وَأَنْتَ تَنْسَخُ فَقَالَ: فَهْمِي لِلْإِمْلَاءِ خِلَافُ فَهْمِك، ثُمَّ قَالَ تَحْفَظُ كَمْ أَمْلَى الشَّيْخُ مِنْ حَدِيثٍ إلَى الْآنَ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَمْلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا فَعُدَّتْ الْأَحَادِيثُ فَوُجِدَتْ كَمَا قَالَ ثُمَّ قَالَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنْهَا عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ وَمَتْنُهُ كَذَا وَالْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ فُلَانٍ وَمَتْنُهُ كَذَا وَلَمْ يَزَلْ يَذْكُرُ أَسَانِيدَ الْأَحَادِيثِ وَمُتُونَهَا عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْإِمْلَاءِ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهُ وَلَعَلَّ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَنْظَلِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا بَلْ هُوَ الْأَشْبَهُ وَلَا سِيَّمَا مِنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ إنْ فَهِمَ الْمَقْرُوءَ صَحَّ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَقَالُوا لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّسْخِ مِنْ السَّامِعِ وَبَيْنَهُ مِنْ الْمَسْمُوعِ وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا إذَا تَحَدَّثَ الشَّيْخُ أَوْ السَّامِعُ أَوْ أَفْرَطَ الْقَارِئُ فِي الْإِسْرَاعِ أَوْ بَعُدَ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الْيَسِيرِ نَحْوُ الْكَلِمَةِ

وَالْكَلِمَتَيْنِ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْحَرْفِ يُدْغِمُهُ الشَّيْخُ فَلَا يُفْهَمُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَرْجُو أَنْ لَا تَضِيقَ رِوَايَتُهُ عَنْهُ وَفِي الْكَلِمَةِ تُسْتَفْهَمُ مِنْ الْمُسْتَفْهَمِ إنْ كَانَتْ مُجْتَمَعًا عَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ وَعَنْ خَلَفِ بْنِ سَالِمٍ مَنْعُ ذَلِكَ (وَتَنْقَسِمُ) الْإِجَازَةُ (لِمُعَيَّنٍ فِي مُعَيَّنٍ) كَأَجَزْتُ لَك أَوْ لَكُمْ أَوْ لِفُلَانٍ وَيَصِفُهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ أَوْ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ فَهْرَسَتِي وَهَذَا أَعْلَى أَنْوَاعِ الْإِجَازَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمُنَاوَلَةِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا مَحَلُّ الْخِلَافِ السَّابِقِ لَا أَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهَا كَمَا زَعَمَهُ الْبَاجِيُّ (وَغَيْرِهِ) أَيْ لِمُعَيَّنٍ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ (كَمَرْوِيَّاتِي) وَمَسْمُوعَاتِي قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَالْخِلَافُ فِي هَذَا أَقْوَى وَأَكْثَرُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَجْوِيزِ الرِّوَايَةِ بِهَا أَيْضًا وَعَلَى إيجَابِ الْعَمَلِ بِمَا رَوَى بِهَا بِشَرْطٍ انْتَهَى، وَمِنْ الْمَانِعِينَ لِصِحَّتِهَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقَالَ إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ اشْهَدْ عَلَيَّ بِكُلِّ صَكٍّ تَجِدُ فِيهِ إقْرَارِي فَقَدْ أَجَزْت لَك فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَهُ الْإِجَازَةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَتَعَجَّبَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ هَذَا يَطْلُبُ مِنِّي أَنْ أُجِيزَ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ (وَلِغَيْرِ مُعَيَّنٍ) عَامٌّ فِي مُعَيَّنٍ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ نَحْوُ أَجَزْت لِكُلِّ أَحَدٍ الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ أَوْ مَرْوِيَّاتِي (لِلْمُسْلِمِينَ مَنْ أَدْرَكَنِي) ثُمَّ هَذَا يَنْقَسِمُ إلَى مَوْجُودٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِلَى مَعْدُومٍ (وَمِنْهُ مَنْ يُولَدُ لِفُلَانٍ) وَمِنْ ثَمَّةَ فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ وَقَدْ قَالَ بِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ لِمَوْجُودٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عَامٍّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَرَجَّحَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَالنَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ وَعَمِلَ بِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يَتِمُّ مَعَهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ يُقْتَدَى بِهِ الرِّوَايَةَ بِهَا عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ مُصَحِّحِهَا جَوَازُ الرِّوَايَةِ بِهَا وَأَيُّ فَائِدَةٍ لَهَا غَيْرُ الرِّوَايَةِ بِهَا وَمَنَعَهَا بَعْضُهُمْ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِوَصْفٍ حَاضِرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَهُوَ إلَى الْجَوَازِ أَقْرَبُ انْتَهَى وَمَثَّلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَجَزْتُ لِمَنْ هُوَ الْآنَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ بِبَلَدِ كَذَا أَوْ لِمَنْ قَرَأَ عَلَيَّ قَبْلَ هَذَا وَقَالَ فَمَا أَحْسَبُهُمْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ مِمَّنْ يَصِحُّ عِنْدَهُ الْإِجَازَةُ وَلَا رَأَيْت مَنْعَهُ لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ مَوْصُوفٌ كَقَوْلِهِ لِأَوْلَادِ فُلَانٍ أَوْ إخْوَةِ فُلَانٍ وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْمَعْدُومِ غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى مَوْجُودٍ بِالْإِجَازَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَالْخِلَافُ فِيهِ أَقْوَى وَقَدْ أَبْطَلَهَا أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَنْ تَبِعَهُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي غَيْرُهُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ جُمْلَةً بِالْمُجَازِ فَكَمَا لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ لِلْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ الْإِجَازَةُ لَهُ انْتَهَى وَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا إذْنٌ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا كَمَا لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ لِلْمَعْدُومِ وَأَجَازَهَا لِلْمَعْدُومِ مُطْلَقًا الْخَطِيبُ وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي يَعْلَى بْنِ الْفَرَّاءِ الْحَنْبَلِيِّ وَأَبِي الْفَضْلِ بْنِ عَمْرُوسٍ الْمَالِكِيِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْ مُعْظَمِ الشُّيُوخِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ وَبِهَذَا اسْتَمَرَّ عَمَلُهُمْ شَرْقًا وَغَرْبًا انْتَهَى وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّعَهُ عَلَى جَوَازِ الْوَقْفِ عَلَى الْمَعْدُومِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهَذَا (بِخِلَافِ) الْإِجَازَةِ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ (الْمَجْهُولِ فِي مُعَيَّنٍ) كَأَجَزْتُ لِجَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ رِوَايَةَ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (وَغَيْرِهِ) أَيْ وَفِي غَيْرِهِ مُعَيَّنٌ (ك) أَجَزْت لِبَعْضِ النَّاسِ رِوَايَةَ (كِتَابِ السُّنَنِ) وَهُوَ يَرْوِي عِدَّةً مِنْ السُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ بِذَلِكَ فَإِنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ (بِخِلَافِ) أَجَزْت لَك رِوَايَةَ (سُنَنِ فُلَانٍ) كَأَبِي دَاوُد فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ تَرَكَ لَكَانَ أَحْسَنَ (وَمِنْهُ) أَيْ قُبَيْلَ الْإِجَازَةِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ إجَازَةُ رِوَايَةِ (مَا سَيَسْمَعُهُ الشَّيْخُ) وَهِيَ بَاطِلَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عِيَاضٌ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ لِأَنَّ هَذَا يُجِيزُ مَا لَا خَبَرَ عِنْدَهُ بِهِ وَيَأْذَنُ لَهُ فِي الْحَدِيثِ بِمَا لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ بَعْدُ وَيُبِيحُ مَا لَمْ يَعْلَمْ هَلْ يَصِحُّ لَهُ الْإِذْنُ فِيهِ فَمَنْعُهُ هُوَ الصَّوَابُ (وَفِي التَّفَاصِيلِ اخْتِلَافَاتٌ) ذَكَرْنَا مُعْظَمَهَا وَيُرَاجَعُ فِي الْبَاقِي مِنْهَا الْكُتُبُ الْمُؤَلَّفَةُ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ (ثُمَّ الْمُسْتَحَبُّ) لِلْمُجَازِ فِي أَدَائِهِ (قَوْلُهُ أَجَازَ لِي وَيَجُوزُ أَخْبَرَنِي وَحَدَّثَنِي مُقَيَّدًا) بِقَوْلِهِ إجَازَةً أَوْ وَمُنَاوَلَةً أَوْ إذْنًا (وَمُطْلَقًا) عَنْ الْقَيْدِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (لِلْمُشَافَهَةِ فِي نَفْسِ الْإِجَازَةِ) وَعَلَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَخُوهُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ الْخَاقَانِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ (بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَالرِّسَالَةِ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمَا أَخْبَرَنِي وَلَا حَدَّثَنِي مُطْلَقًا (إذْ لَا خِطَابَ أَصْلًا) فِيهِمَا ذَكَرَهُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ وَذَكَرَ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالرِّسَالَةِ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنِي بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ أَخْبَرَنِي لِأَنَّ الْكِتَابَ

وَالرِّسَالَةَ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ (وَقِيلَ يُمْنَعُ حَدَّثَنِي لِاخْتِصَاصِهِ بِسَمَاعِ الْمَتْنِ) وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَخْبَرَنِي وَعَلَى هَذَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ الْجُمْهُورِ وَإِيَّاهُ اخْتَارَ أَهْلُ التَّحَرِّي وَالْوَرَعِ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ مِنْ إطْلَاقِ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْعِبَارَاتِ وَتَخْصِيصُ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ تُشْعِرُ بِهِ بِأَنْ تُقَيَّدَ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالْوَجْهُ فِي الْكُلِّ اعْتِمَادُ عُرْفِ تِلْكَ الطَّائِفَةِ) فَيُؤَدِّي عَلَى مَا هُوَ عُرْفُهَا فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ سَالِمٍ مِنْ التَّدْلِيسِ وَخِلَافِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَالِاكْتِفَاءُ الطَّارِئُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ بِكَوْنِ الشَّيْخِ مَسْتُورًا) أَيْ كَوْنِهِ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا غَيْرَ مُتَظَاهِرٍ بِالْفِسْقِ وَمَا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ (وَوُجُودِ سَمَاعِهِ) مُثْبَتًا (بِخَطِّ ثِقَةٍ) غَيْرِ مُتَّهَمٍ وَبِرِوَايَتِهِ مِنْ أَصْلٍ (مُوَافِقٍ لِأَصْلِ شَيْخِهِ) كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَسَبَقَ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ (لَيْسَ خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا فِي الرَّاوِي (لِأَنَّهُ) أَيْ الِاكْتِفَاءَ الْمَذْكُورَ (لِحِفْظِ السِّلْسِلَةِ) أَيْ لِيَصِيرَ الْحَدِيثُ مُسَلْسَلًا بِحَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا (عَنْ الِانْقِطَاعِ) وَتَبْقَى هَذِهِ الْكَرَامَةُ الَّتِي خُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ شَرَفًا لِنَبِيِّنَا الْمُصْطَفَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَذَلِكَ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا (لِإِيجَابِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَالْعَزِيمَةُ فِي الْحِفْظِ) حِفْظُهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ الْخَطِّ (ثُمَّ دَاوَمَهُ إلَى) وَقْتِ (الْأَدَاءِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ السَّمَاعِ الْعَمَلُ بِالْمَسْمُوعِ وَتَبْلِيغُهُ إلَى غَيْرِهِ وَهُمَا لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ الْحِفْظِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا كَانَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَخْبَارِ وَالشَّهَادَاتِ جَمِيعًا وَلِهَذَا قَلَّتْ رِوَايَتُهُ وَهُوَ طَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَسْنَدَ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ فِي تَهْذِيبِ الْكَمَالِ إلَى يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ثِقَةً لَا يُحَدِّثُ إلَّا بِمَا حَفِظَهُ وَلَا يُحَدِّثُ بِمَا لَا يَحْفَظُهُ (وَالرُّخْصَةُ) فِي الْحِفْظِ (تُذَكِّرُهُ) أَيْ الرَّاوِيَ الْمَرْوِيَّ (بَعْدَ انْقِطَاعِهِ) أَيْ الْحِفْظِ (عِنْدَ نَظَرِ الْكِتَابَةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ خَطَّهُ أَوْ خَطَّ غَيْرِهِ مَعْرُوفٍ أَوْ مَجْهُولٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ ذِكْرُ الْوَاقِعَةِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِخَطِّ الْمَجْهُولِ أَيْضًا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ حَفِظَهُ مِنْ وَقْتِ السَّمَاعِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ فَيَكُونُ حُجَّةً وَتَحِلُّ لَهُ رِوَايَتُهُ لِأَنَّ التَّذَكُّرَ بِمَنْزِلَةِ الْحِفْظِ، وَالنِّسْيَانَ الْوَاقِعَ قَبْلَهُ عَفْوٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ جُبِلَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ دَوَامُ الْحِفْظِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقُوَّةِ نُورِ قَلْبِهِ وَإِنْ كَانَ مُتَصَوَّرًا أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6] {إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 7] وَسَمَّى السَّرَخْسِيُّ هَذَا عَزِيمَةً مُشَبَّهَةً بِالرُّخْصَةِ (فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ) الرَّاوِي الْمَرْوِيَّ بِنَظَرِ الْمَكْتُوبِ (بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ خَطُّ الثِّقَةِ وَهُوَ فِي يَدِهِ) بِحَيْثُ لَا يَصِلُ يَدُ غَيْرِهِ إلَيْهِ أَوْ مَخْتُومًا بِخَاتَمِهِ (أَوْ فِي يَدِ أَمِينٍ) عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ (حَرُمَتْ الرِّوَايَةُ وَالْعَمَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) بِذَلِكَ (وَوَجَبَا) أَيْ الرِّوَايَةُ وَالْعَمَلُ بِهِ (عِنْدَهُمَا وَالْأَكْثَرُ وَعَلَى هَذَا) الْخِلَافُ (رُؤْيَةُ الشَّاهِدِ خَطَّهُ) بِشَهَادَتِهِ (فِي الصَّكِّ) أَيْ كِتَابِ الشَّهَادَةِ (وَالْقَاضِي) خَطَّهُ أَوْ خَطَّ نَائِبِهِ بِقَضَائِهِ بِشَيْءٍ (فِي السِّجِلِّ) الَّذِي بِدِيوَانِهِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَلِكَ فَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى الْخَطِّ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ مَا تَضَمَّنَّهُ الْمَكْتُوبُ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْكِتَابِ لِمَعْرِفَةِ الْقَلْبِ كَالنَّظَرِ فِي الْمِرْآةِ لِلرُّؤْيَةِ بِالْعَيْنِ وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ إذَا لَمْ يُفِدْهُ إدْرَاكًا لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فَالنَّظَرُ فِي الْكِتَابِ إذَا لَمْ يُفِدْهُ تَذَكُّرًا يَكُونُ هَدَرًا وَهَذَا لِأَنَّ الرِّوَايَةَ وَالشَّهَادَةَ وَتَنْفِيذَ الْقَضَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا بِعِلْمٍ وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ شَبَهًا لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالتَّخْمِينِ فَبِصُورَةِ الْخَطِّ لَا يَسْتَفِيدُونَ عِلْمًا مِنْ غَيْرِ التَّذَكُّرِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) فِي رِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْهُ (الْجَوَازُ فِي الرِّوَايَةِ) أَيْ جَوَازُ الْعَمَلِ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ إذَا كَانَ خَطًّا مَعْرُوفًا لَا يُخَافُ تَغْيِيرُهُ عَادَةً بِأَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ أَمِينٍ لِأَنَّ التَّبْدِيلَ فِيهِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَلَا يَعُودُ بِتَغْيِيرِهِ نَفْعٌ لِأَحَدٍ وَدَوَامُ الْحِفْظِ وَالتَّذَكُّرِ مُتَعَذِّرٌ فَلَوْ اشْتَرَطْنَا التَّذَكُّرَ لِصِحَّتِهَا أَدَّى إلَى تَعْطِيلِ السُّنَنِ (وَالسِّجِلُّ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ) أَيْ وَجَوَازُ عَمَلِ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ خَطِّهِ أَوْ خَطٍّ مَعْرُوفٍ مُفِيدٍ قَضَاءَهُ بِقَضِيَّةٍ فِي مَكْتُوبٍ مَحْفُوظٍ بِيَدِهِ بِحَيْثُ لَا تَصِلُ إلَيْهِ يَدُ غَيْرِهِ أَوْ يَكُونُ مَخْتُومًا بِخَاتَمِهِ أَوْ بِيَدِ أَمِينِهِ الْمَوْثُوقِ بِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّ حِفْظَ الْقَاضِي

جَمِيعَ جُزْئِيَّاتِ الْوَقَائِعِ ذِكْرًا مُتَعَذِّرٌ غَالِبًا لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ اعْتِمَادُهُ عَلَى الْخَطِّ عِنْدَ النِّسْيَانِ أَدَّى إلَى تَعْطِيلِ أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَالْحَرَجِ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ آدَابِ الْقَضَاءِ كِتَابَةُ الْقَاضِي الْوَقَائِعَ وَإِيدَاعُهَا قِمَطْرَهُ وَخَتْمُهُ بِخَاتَمِهِ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا عِنْدَ النِّسْيَانِ لَمْ يَكُنْ لِلْكِتَابَةِ وَالْحِفْظِ فَائِدَةٌ وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ أَمِينِهِ لِلْأَمْنِ عَنْ التَّزْوِيرِ فِيهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ التَّزْوِيرَ فِيهِ مُتَطَرِّقٌ إلَيْهِ لِمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ الْخُصُومَاتِ (لَا الصَّكِّ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ عَمَلُ الشَّاهِدِ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ لِأَنَّ مَبْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْيَقِينِ بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَالصَّكُّ إذَا كَانَ بِيَدِ الْخَصْمِ لَا يَحْصُلُ الْأَمْنُ فِيهِ مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِيَدِهِ لِلْأَمْنِ عَنْ ذَلِكَ كَالسِّجِلِّ بِيَدِ الْقَاضِي (وَعَنْ مُحَمَّدٍ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ لِلْمَذْكُورِينَ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ إذَا تَيَقَّنُوا أَنَّهُ خَطُّهُمْ (فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَلَوْ كَانَ الصَّكُّ بِيَدِ الْخَصْمِ (تَيْسِيرًا) عَلَى النَّاسِ لِأَنَّ جَرَيَانَ التَّغْيِيرِ فِيهِ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ ثَبَتَ بِالْخَطِّ وَالْخَطُّ يَنْدُرُ شِبْهُهُ بِالْخَطِّ عَلَى وَجْهٍ يَخْفَى التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَا اعْتِبَارَ لِتَوَهُّمِ التَّغْيِيرِ لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْخَطِّ وَقَدْ تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِدَلِيلِهِمَا مَعَ الْأَكْثَرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ (لَنَا عَمَلُ الصَّحَابَةِ بِكِتَابِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِلَا رِوَايَةِ مَا فِيهِ) لِلْعَامِلِينَ (بَلْ لِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَكِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) كَمَا يُفِيدُهُ مَا قَدَّمْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْعَدْلِ وَاجِبٌ فَجَازَ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِمْ (وَهُوَ) أَيْ عَمَلُهُمْ بِكِتَابِهِ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ الْخَطِّ (شَاهِدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَبُولِ كِتَابِ الشَّيْخِ إلَى الرَّاوِي) بِالتَّحْدِيثِ عَنْهُ (بِلَا شَرْطِ بَيِّنَةٍ) عَلَى ذَلِكَ (وَهُنَا) أَيْ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْمَكْتُوبِ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ الْخَطِّ (أَوْلَى) مِنْ عَمَلِ الرَّاوِي بِكِتَابِ الشَّيْخِ إلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّزْوِيرِ فِيهِ أَبْعَدُ (وَمَا قِيلَ النِّسْيَانُ غَالِبٌ فَلَوْ لَزِمَ التَّذَكُّرُ بَطَلَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بَدِيًّا عَلَى مَا قَالُوهُ (غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ مَحَلَّ النِّزَاعِ (غَلَبَةُ عَدَمِ التَّذَكُّرِ عِنْدَ مَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ التَّذَكُّرِ غَالِبًا عِنْدَ مَعْرِفَةِ الْخَطِّ (مَمْنُوعٌ) (وَالْعَزِيمَةُ فِي الْأَدَاءِ) أَنْ يَكُونَ (بِاللَّفْظِ) نَفْسِهِ (وَالرُّخْصَةُ) فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَدَّى (مَعْنَاهُ بِلَا نَقْصٍ وَزِيَادَةٍ لِلْعَالِمِ بِاللُّغَةِ وَمَوَاقِعِ الْأَلْفَاظِ) مِنْ الْمَعَانِي الدَّالَّةِ عَلَيْهَا وَمُقْتَضَيَاتِ الْأَحْوَالِ لَهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ (وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ وَأَتْبَاعُهُمَا (إلَّا فِي نَحْوِ الْمُشْتَرَكِ) مِنْ الْخَفِيِّ وَالْمُشْكِلِ وَإِلَّا فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُتَشَابِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَصْلًا (وَبِخِلَافِ الْعَامِّ وَالْحَقِيقَةِ الْمُحْتَمِلَيْنِ لِلْخُصُوصِ وَالْمَجَازِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ (لِلُّغَوِيِّ الْفَقِيهِ) لَا لِلُّغَوِيِّ فَقَطْ (أَمَّا الْمُحْكَمُ) أَيْ مُتَّضِحُ الْمَعْنَى بِحَيْثُ لَا يُشْتَبَهُ مَعْنَاهُ وَلَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مُتَعَدِّدَةً عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ لَا مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ عَلَى مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ فِي أَقْسَامِ الْكِتَابِ (مِنْهُمَا) أَيْ الْعَامِّ وَالْحَقِيقَةِ (فَتَكْفِي اللُّغَةُ) أَيْ مَعْرِفَتُهَا فِيهِ (وَاخْتَلَفَ مُجِيزُو الْحَنَفِيَّةِ) الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى (فِي الْجَوَامِعِ) أَيْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «بُعِثْت بِجَوَامِع الْكَلِمِ» وَلِأَحْمَدَ «أُوتِيت فَوَاتِحَ الْكَلَامِ وَجَوَامِعَهُ» ثُمَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَبَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الْكَلِمِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَجْمَعُ الْأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ أَوْ الْأَمْرَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إيجَازُ الْكَلَامِ فِي إشْبَاعٍ لِلْمَعَانِي يَقُولُ الْكَلِمَةَ الْقَلِيلَةَ الْحُرُوفِ فَيَنْتَظِمُ الْكَثِيرَ مِنْ الْمَعْنَى وَيَتَضَمَّنُ أَنْوَاعًا مِنْ الْأَحْكَامِ قَالُوا «كَالْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ» ) وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ وَأَنَّهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ «وَالْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو دَاوُد الْعَجْمَاءُ الْمُنْفَلِتَةُ الَّتِي لَا يَكُونُ مَعَهَا أَحَدٌ وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ الْجُبَارُ الْهَدَرُ الَّذِي لَا يُغْرَمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لِلْعَالِمِ بِطُرُقِ الِاجْتِهَادِ إذَا كَانَتْ الْجَوَامِعُ ظَاهِرَةَ الْمَعْنَى وَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيُّ إلَى الْمَنْعِ لِإِحَاطَةِ الْجَوَامِعِ بِمَعَانٍ قَدْ تَقْصُرُ عَنْهَا عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مُكَلَّفٌ بِمَا فِي وُسْعِهِ (وَالرَّازِيُّ مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (وَابْنُ سِيرِينَ) وَثَعْلَبٌ فِي جَمَاعَةٍ (عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُحْكَمِ أَوْ لَا، كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَفِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّازِيِّ نَظَرٌ فَإِنَّ لَفْظَهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ

لَهُ قَدْ حَكَيْنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا كَانَا يُحَدِّثَانِ بِالْمَعَانِي وَكَانَ غَيْرُهُمَا مِنْهُمْ ابْنُ سِيرِينَ يُحَدِّثُ بِاللَّفْظِ وَالْأَحْوَطُ عِنْدَنَا أَدَاءُ اللَّفْظِ وَسِيَاقَتُهُ عَلَى وَجْهِهِ دُونَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ اللَّفْظُ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي مِثْلُ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ فِي إتْقَانِهِمَا لِلْمَعَانِي وَالْعِبَارَاتِ إلَى مَعْنَاهَا فِقْهًا غَيْرَ فَاضِلَةٍ عَنْهَا وَلَا مُقَصِّرَةٍ وَهَذَا عِنْدَنَا إنَّمَا كَانَا يَفْعَلَانِهِ فِي اللَّفْظِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَيَكُونُ لِلْمَعْنَى عِبَارَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ فَيُعَبِّرَانِ تَارَةً بِعِبَارَةٍ وَتَارَةً بِغَيْرِهَا فَأَمَّا مَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّا لَا نَظُنُّ بِهِمَا أَنَّهُمَا كَانَ يُغَيِّرَانِهِ إلَى لَفْظٍ غَيْرِهِ مَعَ احْتِمَالِهِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَعْنَى لَفْظِ الْأَصْلِ وَأَكْثَرُ فَسَادِ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَتَنَاقُضِهَا وَاسْتِحَالَتِهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْمَعُ اللَّفْظَ الْمُحْتَمِلَ لِلْمَعَانِي فَيُعَبِّرُ هُوَ بِلَفْظٍ غَيْرِهِ وَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَعْنَى عِنْدَهُ فَيُفْسِدُهُ انْتَهَى (لَنَا) فِيمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (الْعِلْمُ بِنَقْلِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (أَحَادِيثَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي وَقَائِعَ مُتَّحِدَةٍ) كَمَا يُحَاطُ بِهَا عِلْمًا فِي دَوَاوِينِ السُّنَّةِ (وَلَا مُنْكِرَ) لِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ (وَمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ) فَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ كُنْت لَا يَفُوتُنِي عَشِيَّةُ خَمِيسٍ لَا آتِي فِيهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا سَمِعْته يَقُولُ لِشَيْءٍ قَطُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى كَانَتْ ذَاتَ عَشِيَّةٍ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ ثُمَّ قَالَ أَوْ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ أَوْ شَبِيهٌ بِهِ قَالَ فَأَنَا رَأَيْته وَأَزْرَارُهُ مَحْلُولَةٌ مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ نَحْوُهُ أَوْ شِبْهُهُ أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ مَوْقُوفٌ مُنْقَطِعٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولًا وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ رَأَيْت أَبَا الدَّرْدَاءِ إذَا فَرَغَ مِنْ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَذَا أَوْ نَحْوُهُ أَوْ شَكْلُهُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ كَانَ أَنَسٌ إذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَرَغَ قَالَ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَلَا مُنْكِرَ) عَلَى قَائِلِيهِ (فَكَانَ) الْمَجْمُوعُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَعَدَمِ إنْكَارِ غَيْرِهِمْ (إجْمَاعًا) عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى (وَبَعْثُهُ) أَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الرُّسُلَ) إلَى النَّوَاحِي بِتَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ ( بِلَا إلْزَامِ لَفْظٍ ) مَخْصُوصٍ بَلْ كَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ أَنْ يُبَلِّغُوا الْمَبْعُوثَ إلَيْهِمْ بِلُغَتِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقَاتِهَا (وَمَا رَوَى الْخَطِيبُ) فِي كِتَابِ الْكِفَايَةِ فِي مَعْرِفَةِ أُصُولِ عِلْمِ الرِّوَايَةِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا لَهُ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا إنَّا لَنَسْمَعُ مِنْك الْحَدِيثَ وَلَا نَقْدِرُ عَلَى تَأْدِيَتِهِ كَمَا سَمِعْنَاهُ مِنْك قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا أَوْ تُحَرِّمُوا حَلَالًا وَأَصَبْتُمْ الْمَعْنَى فَلَا بَأْسَ» وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ. وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَدِيثُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ فَقَالَ لَوْلَا هَذَا مَا حَدَّثَنَا وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَيْسَ لَهُ صُحْبَةٌ بَلْ هُوَ تَابِعِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا يُفِيدُهُ تَجْرِيدُ الذَّهَبِيِّ وَالصُّحْبَةُ لِسُلَيْمَانَ فَيَكُونُ مُرْسَلًا انْتَهَى وَسَتَعْلَمُ أَنَّ الْإِرْسَالَ غَيْرُ ضَائِرٍ فِي الْإِسْنَادِ مِنْ الثِّقَةِ بَلْ هِيَ مِنْهُ زِيَادَةٌ مَقْبُولَةٌ (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) لِلْجُمْهُورِ (بِتَفْسِيرِهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ (بِالْعَجَمِيَّةِ) فَإِنَّهُ إذْ جَازَ تَفْسِيرُهُ بِهَا فَلَأَنْ يَجُوزَ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْلَى لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ وَتَرْجَمَتِهَا بِهَا أَقَلُّ مِمَّا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَجَمِيَّةِ (فَمَعَ الْفَارِقِ) أَيْ قِيَاسٌ مَعَهُ (إذْ لَوْلَاهُ) أَيْ تَفْسِيرُهُ بِالْعَجَمِيَّةِ (امْتَنَعَ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ لِلْجَمِّ الْغَفِيرِ) لِأَنَّ الْعَجَمِيَّ لَا يَفْهَمُ الْعَرَبِيَّ إلَّا بِالتَّفْسِيرِ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ فِي النَّقْلِ بِالْمَعْنَى وَلِهَذَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِجَمِيعِ الْأَلْسُنِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى بِالِاتِّفَاقِ (وَأَيْضًا) مِنْ الْأَدِلَّةِ (عَلَى تَجْوِيزِهِ: الْعِلْمُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى) لِأَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ بِهِ لَا بِاللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْجِزٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَعْنَى (حَاصِلٌ) فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ (وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ) السَّابِقَ (لِأَنَّهُ) أَيْ النَّقْلَ

بِالْمَعْنَى لِلْمُشْتَرَكِ وَالْمُشْكِلِ وَالْخَفِيِّ (تَأْوِيلُهُ) أَيْ الرَّاوِي لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ (وَلَيْسَ) تَأْوِيلُهُ (حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ كَقِيَاسِهِ) لَيْسَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ (بِخِلَافِ الْمُحْكَمِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْأَمْنِ عَنْ الْغَلَطِ (وَالْمُحْتَمِلُ لِلْخُصُوصِ مَحْمُولٌ عَلَى سَمَاعِهِ الْمُخَصَّصِ كَعَمَلِهِ) أَيْ الرَّاوِي فِي الْمُفَسَّرِ (بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ) حَيْثُ يُحْمَلُ عَمَلُهُ بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ (عَلَى النَّاسِخِ) أَيْ سَمَاعُهُ النَّاسِخَ لِمَرْوِيِّهِ (وَيُشْكِلُ) اسْتِثْنَاءُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (بِتَرْجِيحِ تَقْلِيدِهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لِاسْتِثْنَائِهِ (فَإِنْ أُجِيبَ) بِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَجَّحَ تَقْلِيدُهُ (بِحَمْلِهِ) أَيْ تَقْلِيدِهِ (عَلَى السَّمَاعِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ حَمْلَهُ عَلَى السَّمَاعِ ثَابِتٌ لَهُ (مَعَ إمْكَانِ قِيَاسِهِ) أَيْ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ قِيَاسًا وَاجْتِهَادًا (فَكَذَا فِي نَحْوِ الْمُشْتَرَكِ) مِنْ الْخَفِيِّ وَالْمُشْكِلِ إذَا حَمَلَهُ عَلَى بَعْضِ وُجُوهِهِ (تَقَدَّمَ تَرْجِيحُ اجْتِهَادِهِ) إذَا كَانَ أَعْرَفَ بِمَا هُنَاكَ مِمَّا شَاهَدَهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرَ فَإِنْ قِيلَ تَرْجِيحُ اجْتِهَادِ الصَّحَابِيِّ عَلَى اجْتِهَادِ غَيْرِهِ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَحَفِظَهَا فَأَدَّاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ (وَإِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ قَلَّلَهُ بِرُبَّ فَكَانَ الظَّاهِرُ بَعْدَ الِاشْتِرَاكِ) بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ (فِي الْفِقْهِ أَفْقَهِيَّتَهُمْ إلَّا قَلِيلًا فَيُحْمَلُ) حَالُهُمْ (عَلَى الْغَالِبِ وَالتَّحْقِيقُ لَا يُتْرَكُ اجْتِهَادٌ لِاجْتِهَادِ الْأَفْقَهِ وَفِي الصَّحَابَةِ لِقُرْبِ سَمَاعِ الْعِلَّةِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ مُشَاهَدَةِ مَا يُفِيدُهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (وَعَلَى هَذَا) التَّوْجِيهِ (نُجِيزُهُ) أَيْ النَّقْلَ بِالْمَعْنَى (فِي الْمُجْمَلِ وَلَا يُنَافِي) هَذَا (قَوْلَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (لَا يُتَصَوَّرُ) النَّقْلُ بِالْمَعْنَى (فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُتَشَابِهِ) لِأَنَّهُمْ إنَّمَا نَفَوْهُ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ قَوْلِهِمْ (لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى مَعْنَاهُ) فَإِنَّ الْمُجْمَلَ لَا يُسْتَفَادُ الْمُرَادُ مِنْهُ إلَّا بِبَيَانٍ سَمْعِيٍّ وَالْمُتَشَابِهُ لَا يَنَالُ مَعْنَاهُ فِي الدُّنْيَا أَصْلًا وَالْمُصَنِّفُ يَقُولُ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ يَقُولُ إذَا رَوَاهُ بِمَعْنًى عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ أُصَحِّحُهُ حَمْلًا عَلَى السَّمَاعِ فَإِنَّا إذَا عَمِلْنَا بِتَرْكِهِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مِنْ الْمُفَسَّرِ لَحَكَمْنَا بِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ إذَا كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ فَكَذَلِكَ إذَا رَوَى الْمُجْمَلَ بِمَعْنًى مُفَسَّرٍ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ سَمِعَ تَفْسِيرَهُ إذْ كَانَ لَا يَحِلُّ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِرَأْيِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ خَمْسَةٌ الْمُفَسَّرُ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا فَيَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى اتِّفَاقًا بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْفِقْهِ وَالْحَقِيقَةُ وَالْعَامُّ الْمُحْتَمَلَانِ لِلْمَجَازِ وَالتَّخْصِيصُ فَيَجُوزُ مَعَ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ فَلَوْ انْسَدَّ بَابُ التَّخْصِيصِ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] وَالْمَجَازُ بِمَا يُوجِبُهُ رَجَعَ الْجَوَازُ إلَى الِاكْتِفَاءِ بِعِلْمِ اللُّغَةِ فَقَطْ لِصَيْرُورَتِهِ مُحْكَمًا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا وَالْمُشْتَرَكُ وَالْمُشْكِلُ وَالْخَفِيُّ فَلَا يَجُوزُ بِالْمَعْنَى أَصْلًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَتَأْوِيلُهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ كَقِيَاسِهِ وَحَكَمَ الْمُصَنِّفُ بِجَوَازِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ كَوْنِهِ تَأْوِيلَهُ أَوْ مَسْمُوعَهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الصَّحَابِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ وَمُجْمَلٌ وَمُتَشَابِهٌ فَقَالُوا لَا يُتَصَوَّرُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ فَرْعُ مَعْرِفَةَ الْمَعْنَى وَلَا يُمْكِنُ فِيهِمَا وَالْمُصَنِّفُ يَقُولُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ نَقُولُ إذَا عَيَّنَ مَعْنًى أَنَّهُ الْمُرَادُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ سَمِعَهُ عَلَى وِزَانِ حُكْمِنَا فِي تَرْكِهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّاسِخَ حُكْمًا وَدَلِيلًا وَمَا هُوَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَذَا أَفَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ فَرُبَّ مُبَلَّغ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ فَحَرَّضَ عَلَى نَقْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَمِعَهُ فَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ نَقْلِهِ بِلَفْظِهِ لِأَنَّ أَدَاءَهُ كَمَا سَمِعَهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ بِلَفْظِهِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ مَا فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ «نَضَّرَ اللَّهُ مَنْ سَمِعَ قَوْلِي ثُمَّ لَمْ يَزِدْ فِيهِ» (قُلْنَا) قَوْلُهُ «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً» (حَثٌّ عَلَى الْأَوْلَى) فِي نَقْلِهِ وَهُوَ نَقْلُهُ بِصُورَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ دُعَاءً لَهُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ وَجْهَهُ نَضِرًا أَيْ يُجَمِّلَهُ وَيُزَيِّنَهُ أَوْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ نَضْرَةِ النَّعِيمِ قَالَ تَعَالَى {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 11] كَمَا ذَكَرَهُمَا الرامهرمزي وَقَالَ هُوَ بِتَخْفِيفِ الضَّادِ وَالْمُحَدِّثُونَ يُثَقِّلُونَهَا وَفِي الْغَرِيبَيْنِ رَوَاهُ الْأَصْمَعِيُّ بِالتَّشْدِيدِ وَأَبُو عُبَيْدٍ بِالتَّخْفِيفِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْمُؤَدِّبُ لَيْسَ هَذَا مِنْ الْحُسْنِ فِي الْوَجْهِ إنَّمَا مَعْنَاهُ حَسَّنَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي خَلْقِهِ

مسألة المرسل تعريفه

أَيْ جَاهِهِ وَقَدْرِهِ وَيُعَارِضُهُ مَا أَسْنَدَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ سَمِعْت الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَّا وَفِي وَجْهِهِ نَضْرَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا» وَإِلَى الْحُمَيْدِيِّ سَمِعْت سُفْيَانَ يَقُولُ مَا أَحَدٌ تَطَلَّبَ الْحَدِيثَ إلَّا وَفِي وَجْهِهِ نَضْرَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ (فَأَيْنَ مَنْعُ خِلَافِهِ) أَيْ خِلَافِ الْأَوْلَى وَهُوَ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى (فَإِنْ قِيلَ هُوَ) أَيْ الْمَانِعُ مِنْ خِلَافِهِ (قَوْلُهُ «فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» أَفَادَ أَنَّهُ) أَيْ الرَّاوِيَ (قَدْ يَقْصُرُ لَفْظُهُ) عَنْ اسْتِيعَابِ أَدَاءِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ النَّبَوِيُّ مِنْ الْأَحْكَامِ (فَتَنْتَفِي أَحْكَامٌ يَسْتَنْبِطُهَا الْفَقِيهُ) بِوَاسِطَةِ نَقْلِهِ بِالْمَعْنَى (قُلْنَا غَايَتُهُ) أَيْ قُصُورِ لَفْظِهِ عَنْ اسْتِيعَابِ ذَلِكَ (نَقْلُ بَعْضِ الْخَبَرِ بَعْدَ كَوْنِهِ حُكْمًا تَامًّا) وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَدْ يُفَرَّقُ) بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَذْفِ بَعْضِ الْخَبَرِ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَاقِي تَعَلُّقًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى (بِأَنْ لَا بُدَّ) لِلْحَاذِفِ (مِنْ نَقْلِ الْبَاقِي فِي عُمُرِهِ كَيْ لَا تَنْتَفِي الْأَحْكَامُ) الْمُسْتَفَادَةُ مِنْهُ (بِخِلَافِ مَنْ قَصَرَ) لَفْظُهُ عَنْهَا (فَإِنَّهَا) أَيْ الْأَحْكَامَ الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْهُ (تَنْتَفِي) لِعَدَمِ مُفِيدِهَا حِينَئِذٍ (بَلْ) الْجَوَابُ (الْجَوَازُ لِمَنْ لَا يُخِلُّ) بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِهِ (لِفِقْهِهِ قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ أَيْضًا النَّقْلُ بِالْمَعْنَى (يُؤَدِّي إلَى الْإِخْلَالِ) بِمَقْصُودِ الْحَدِيثِ (بِتَكَرُّرِ النَّقْلِ كَذَلِكَ) أَيْ بِالْمَعْنَى فَانْقَطَعَ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَعَانِي الْأَلْفَاظِ وَتَفَاوُتِهِمْ فِي تَنَبُّهِ بَعْضِهِمْ عَلَى مَا لَا يَتَنَبَّهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ فَإِذَا قُدِّرَ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا وَوَقَعَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَدْنَى تَغْيِيرٍ حَصَلَ بِالتَّكْرَارِ تَغْيِيرٌ كَثِيرٌ وَاخْتَلَّ الْمَقْصُودُ (أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَوَازَ) لِلنَّقْلِ بِالْمَعْنَى حَالَةَ كَوْنِهِ (بِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ) أَيْ الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ كَمَا هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ (يَنْفِيه) أَيْ أَدَاءَ النَّقْلِ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ خِلَافُ الْفَرْضِ وَقَدْ انْتَفَى بِمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ يَجُوزُ إنْ نَسِيَ اللَّفْظَ لَا إنْ لَمْ يَنْسَهُ لِفَوَاتِ الْفَصَاحَةِ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا قِيلَ يَجُوزُ إنْ كَانَ مُوجِبُهُ عِلْمًا لَا إنْ كَانَ عَمَلًا وَمَا عَلَيْهِ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ تَقْيِيدِ الْجَوَازِ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ مَعَ بَقَاءِ التَّرْكِيبِ وَمَوْقِعِ الْكَلَامِ عَلَى حَالِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ الْمُرْسَلُ تَعْرِيفُهُ] (مَسْأَلَةٌ الْمُرْسَلُ قَوْلُ الْإِمَامِ) مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ أَيْ مَنْ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (الثِّقَةِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) كَذَا (مَعَ حَذْفٍ مِنْ السَّنَدِ وَتَقْيِيدِهِ) أَيْ الْقَائِلِ (بِالتَّابِعِيِّ أَوْ الْكَبِيرِ مِنْهُمْ) أَيْ التَّابِعِينَ كَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ (اصْطِلَاحٌ) لِلْمُحَدِّثِينَ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ بِالْمَشْهُورِ وَعُزِيَ الثَّانِي إلَى بَعْضِهِمْ (فَدَخَلَ) فِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ (الْمُنْقَطِعُ) بِالِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ لِلْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ مَا سَقَطَ مِنْ رُوَاتِهِ قَبْلَ الصَّحَابِيِّ رَاوٍ أَوْ اثْنَانِ فَصَاعِدًا إلَّا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ (وَالْمُعْضَلُ) بِاصْطِلَاحِهِمْ الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَا سَقَطَ مِنْ إسْنَادِهِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ (وَتَسْمِيَةُ قَوْلِ التَّابِعِيِّ مُنْقَطِعًا) كَمَا هُوَ صَنِيعُ الْحَافِظِ الْبَرْدِيجِيِّ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِحِكَايَةِ الْخَطِيبِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ مَا رُوِيَ عَنْ التَّابِعِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ (خِلَافَ الِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ فِيهِ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا غَرِيبٌ بَعِيدٌ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ قَوْمًا يُسَمُّونَ قَوْلَ التَّابِعِيِّ الَّذِي لَقِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْقَطِعًا لَا مُرْسَلًا لِأَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَتِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ التَّابِعِيِّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ هُوَ (الْمَقْطُوعُ) كَمَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ قَالَ وَجَدْت التَّعْبِيرَ بِالْمَقْطُوعِ عَنْ الْمُنْقَطِعِ غَيْرِ الْمَوْصُولِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَوَجَدْته أَيْضًا فِي كَلَامِ الْحُمَيْدِيِّ الدَّارَقُطْنِيّ (فَإِنْ كَانَ) الْمُرْسِلُ صَحَابِيًّا (فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى قَبُولِهِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِقَوْلِ) أَبِي إِسْحَاقَ (الْإسْفَرايِينِيّ) لَا يُحْتَجُّ بِهِ (وَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ نَفْيِهِ) أَيْ قَبُولِهِ (إنْ عَلِمَ إرْسَالَهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُعْتَمَدِ أَيْ وَلِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَذَا أَيْضًا فَإِنْ قُلْت فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ كَانَ مِنْ الْفِتْيَانِ قَلَّتْ صُحْبَتُهُ وَكَانَ يَرْوِي عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِذَا أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ مَقْبُولًا وَإِنْ احْتَمَلَ الْإِرْسَالَ لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ صُحْبَتُهُ لَمْ يُحْمَلْ

حَدِيثُهُ إلَّا عَلَى سَمَاعِهِ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ انْتَهَى فَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ قُلْت لَا فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حَمْلِ حَدِيثِهِ عَلَى سَمَاعِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُونَ فَالْمَعْنَى إرْسَالُ الصَّحَابِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَحِينَئِذٍ لَا يُحْمَلُ عَلَى سَمَاعِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ (أَوْ) كَانَ الْمُرْسِلُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرِ صَحَابِيٍّ (فَالْأَكْثَرُ مِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إطْلَاقُ الْقَبُولِ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَأَكْثَرُ) أَهْلِ (الْحَدِيثِ مِنْ عَهْدِ الشَّافِعِيِّ إطْلَاقُ الْمَنْعِ وَالشَّافِعِيُّ) قَالَ (إنْ عَضَّدَ بِإِسْنَادٍ أَوْ إرْسَالٍ مَعَ اخْتِلَافِ الشُّيُوخِ) مِنْ الْمُرْسِلِينَ لَا غَيْرُ (أَوْ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَوْ عُرِفَ) الْمُرْسِلُ (أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ قُبِلَ وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ (لَا) يُقْبَلُ (قِيلَ وَقَيَّدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيُّ قَبُولَهُ مَعَ كَوْنِهِ مُعَضَّدًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ (بِكَوْنِهِ) أَيْ الْمُرْسِلِ (مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ) وَإِذَا أَشْرَكَ أَحَدًا مِنْ الْحُفَّاظِ فِي حَدِيثِهِ لَمْ يُخَالِفْهُ (وَلَوْ خَالَفَ الْحُفَّاظَ فَبِالنَّقْصِ) أَيْ بِكَوْنِ حَدِيثِهِ أَنْقَصَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (وَابْنُ أَبَانَ) يَقْبَلُ (فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَفِيمَا بَعْدَهَا إذَا كَانَ) الْمُرْسِلُ (مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَرَوَى الْحُفَّاظُ مُرْسَلَهُ كَمَا رَوَوْا مُسْنَدَهُ وَالْحَقُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ مُطْلَقًا) أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ بَيَانِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ حَيْثُ شُرِطَ الْعِلْمُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ (لَنَا جَزْمُ الْعَدْلِ بِنِسْبَةِ الْمَتْنِ إلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ قَالَ يَسْتَلْزِمُ اعْتِقَادَ ثِقَةِ الْمُسْقَطِ) لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ تَلْبِيسًا قَادِحًا فِيهِ وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ (وَكَوْنُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ قَوِيُّ الظُّهُورِ فِي الْمُطَابَقَةِ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ ثِقَةَ الْمُسْقَطِ (لَمْ يَكُنْ) الْمُرْسِلُ (عَدْلًا) وَلَوْ لَمْ يُطَابَقْ لَمْ يَكُنْ (إمَامًا) فَالِاسْتِثْنَاءُ بِاعْتِبَارَيْنِ (وَلِذَا) أَيْ اسْتِلْزَامُ جَزْمِ الْعَدْلِ بِذَلِكَ اعْتِقَادُ ثِقَةِ الْمُسْقَطِ (حِينَ سُئِلَ النَّخَعِيُّ الْإِسْنَادَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ) أَيْ لَمَّا قَالَ الْأَعْمَشُ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إذَا رَوَيْت لِي حَدِيثًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَسْنِدْهُ لِي (قَالَ إذَا قُلْت حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ فَإِذَا قُلْت قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَغَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْهُ (وَقَالَ الْحَسَنُ مَتَى قُلْت لَكُمْ حَدَّثَنِي فُلَانٌ فَهُوَ حَدِيثُهُ) لَا غَيْرَ (وَمَتَى قُلْت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْ سَبْعِينَ) سَمِعْته أَوْ أَكْثَرَ (فَأَفَادُوا أَنَّ إرْسَالَهُمْ عِنْدَ الْيَقِينِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ) أَيْ الْيَقِينِ بِالْمَرْوِيِّ (فَكَانَ) الْمُرْسَلُ (أَقْوَى مِنْ الْمُسْنَدِ) لِظُهُورِ أَنَّ الْعَدْلَ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا مَنْ جَزَمَ بِعَدَالَتِهِ بِخِلَافِ مَنْ ذَكَرَهُ لِظُهُورِ إحَالَةِ الْأَمْرِ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ غَالِبًا (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ أَقْوَى مِنْهُ (مُقْتَضَى الدَّلِيلِ) كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا (فَإِنْ قِيلَ تَحَقَّقَ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَسُفْيَانَ) الثَّوْرِيِّ (وَبَقِيَّةَ تَدْلِيسُ التَّسْوِيَةِ) كَمَا سَلَف (وَهُوَ) أَيْ إرْسَالُ مَنْ تَحَقَّقَ فِيهِ هَذَا التَّدْلِيسُ (مَشْمُولٌ بِدَلِيلِكُمْ) الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَقْبَلُوهُ (قُلْنَا نَلْتَزِمُهُ) أَيْ شُمُولَ الدَّلِيلِ لَهُ وَنَقُولُ بِحُجِّيَّتِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرْسَلْ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ (وَوَقْفُ مَا أَوْهَمَهُ) أَيْ التَّدْلِيسَ (إلَى الْبَيَانِ) لِإِرْسَالِهِ عَنْ ثِقَةٍ أَوَّلًا (قَوْلُ النَّافِينَ) لِحُجِّيَّةِ الْمُرْسِلِ (أَوْ مَحَلِّهِ) أَيْ الْوَقْفِ (الِاخْتِلَافُ) أَيْ اخْتِلَافُ حَالِ الْمُدَلِّسِ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَارَةً يَحْذِفُ الْمُضَعَّفَ عِنْدَ الْكُلِّ وَتَارَةً يَحْذِفُ الْمُضَعَّفَ عِنْدَ غَيْرِهِ (بِخِلَافِ الْمُرْسِلِ) فَإِنَّهُ يَجِبُ الْحُكْمُ فِيهِ بِأَنَّ الْمَحْذُوفَ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَى ضَعْفِهِ بَلْ ثِقَةٌ أَوْ مَنْ يَعْتَقِدُ الْإِمَامُ الْحَاذِفُ ثِقَتَهُ (وَاسْتَدَلَّ) لِلْمُخْتَارِ (اُشْتُهِرَ إرْسَالُ الْأَئِمَّةِ كَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِمْ و) اُشْتُهِرَ (قَبُولُهُ) أَيْ إرْسَالُهُمْ (بِلَا نَكِيرٍ فَكَانَ) قَبُولُهُ (إجْمَاعًا لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ) قَبُولُهُ إجْمَاعًا (لَمْ يَجُزْ خِلَافُهُ) لِكَوْنِهِ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمَ جَوَازِ خِلَافِهِ إنَّمَا هُوَ (فِي) الْإِجْمَاعِ (الْقَطْعِيِّ) وَالْإِجْمَاعُ هُنَا ظَنِّيٌّ (لَكِنْ يُنْقَضُ) الْإِجْمَاعُ (بِقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ لَا نَأْخُذُ بِمَرَاسِيلِ الْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ فَإِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ عَمَّنْ أَخَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ مُبَالَاتِهِمَا عَمَّنْ أَخَذَا الْحَدِيثَ (وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ) إرْسَالُهُمَا عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ (إذْ اللَّازِمُ) لِدَلِيلِ الْقَابِلِ لِلْمُرْسِلِ (أَنَّ الْإِمَامَ الْعَدْلَ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ وَلَا يَسْتَلْزِمُ) أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ (أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا عَنْهُ) أَيْ عَنْ ثِقَةٍ (نَافٍ لِلْإِجْمَاعِ) لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ

مَعَ مُخَالَفَةِ ابْنِ سِيرِينَ (فَهُوَ) أَيْ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِهِ (خَطَأٌ) عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَ مَنْعُ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ مَرَاسِيلِهِمَا خَطَأً أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِمَا لَا يَصِحُّ مَانِعًا وَكَيْفَ وَالْعَدْلُ الثِّقَةُ وَإِنْ أَخَذَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ فَهُوَ ثِقَةٌ يُبَيِّنُهُ إذَا رَوَى عَنْهُ وَلَا يُرْسِلُ فَيُسْقِطُهُ لِأَنَّهُ غِشٌّ فِي الدِّينِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاحْتَجَّ (الْأَكْثَرُ) لِقَبُولِهِ (بِهَذَا) الْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ الْمَذْكُورِ (وَبِتَقْدِيرِ تَمَامِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (لَا يُفِيدُهُمْ) أَيْ الْأَكْثَرِينَ (تَعْمِيمًا) فِي أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّ الْمَذْكُورِينَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ فَلَمْ يَجِبْ فِي غَيْرِهِمْ (وَبِأَنَّ رِوَايَةَ الثِّقَةِ) أَيْ الْعَدْلِ عَمَّنْ أَسْقَطَهُ (تَوْثِيقٌ لِمَنْ أَسْقَطَهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ ذَلِكَ فَيُقْبَلُ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالتَّعْدِيلِ (وَدُفِعَ) هَذَا (بِأَنَّ ظُهُورَ مُطَابَقَةِ ظَنِّ الْجَاهِلِ ثِقَةَ السَّاقِطِ مُنْتَفٍ) يَعْنِي كَوْنَ رِوَايَةِ الْعَدْلِ تَوْثِيقًا لِمَنْ رَوَى عَنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُطَابَقَةَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ إمَامٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ظَنِّ الْجَاهِلِ ثِقَةَ السَّاقِطِ لَا يُوجِبُ ظُهُورَ ثِقَتِهِ فَلَا يُثْبِتُ بِتَوْثِيقِهِ ثِقَتَهُ (وَلَعَلَّ التَّفْصِيلَ) فِي الْمُرْسِلِ بَيْنَ كَوْنِهِ عَدْلًا إمَامًا فَيُقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا. (مُرَادُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْإِطْلَاقِ) لِقَبُولِ الْمُرْسَلِ بِأَنْ يُرِيدُوا قَبُولَهُ بِقَيْدِ إمَامَةِ الْمُرْسِلِ وَعَدَالَتِهِ (بِشَهَادَةِ اقْتِصَارِ دَلِيلِهِمْ) لِلْقَبُولِ (عَلَى الْأَئِمَّةِ) أَيْ عَلَى ذِكْرِ إرْسَالِهِمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ هَذَا (فَبَعِيدٌ قَوْلُهُمْ بِتَوْثِيقِ مَنْ لَا يُعَوَّلُ عَلَى عِلْمِهِ وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا الصَّنِيعِ مِنْ إرَادَةِ الْمُفِيدِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ بِمَا يُعْرَفُ مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ وَفِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِمْ (مِنْ أَوَائِلِ الْأَئِمَّةِ كَثِيرٌ) فَلَا يَكُونُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مَذْهَبَ غَيْرِ الْمُفَصِّلِ (النَّافُونَ) لِقَبُولِهِ قَالُوا أَوَّلًا الْإِرْسَالُ (يَسْتَلْزِمُ جَهَالَةَ الرَّاوِي) لِلْأَصْلِ عَيْنًا وَصِفَةً (فَيَلْزَمُ) مِنْ قَبُولِ الْمُرْسَلِ (الْقَبُولُ مَعَ الشَّكِّ) فِي عَدَالَةِ الرَّاوِي إذْ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ هَلْ هُوَ عَدْلٌ لَجَازَ أَنْ يَقُولَ لَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ بِالِاتِّفَاقِ (قُلْنَا ذَلِكَ) أَيْ هَذَا الِاسْتِلْزَامُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ (فِي غَيْرِ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ) وَأَمَّا الْأَئِمَّةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَّا عَمَّنْ لَوْ سُئِلُوا عَنْهُ لَعَدَّلُوهُ وَنَحْنُ إنَّمَا قُلْنَا بِقَبُولِ مَرَاسِيلِهِمْ لَا غَيْرُ (قَالُوا) ثَانِيًا فَحَيْثُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْمُرْسَلِ (فَلَا فَائِدَةَ لِلْإِسْنَادِ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى ذِكْرِهِ إجْمَاعًا عَلَى الْعَبَثِ وَهُوَ مُحَالٌ عَادَةً (قُلْنَا) الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ (بَلْ يَلْزَمُ الْإِسْنَادُ فِي غَيْرِ الْأَئِمَّةِ لِيُقْبَلَ) الْمَرْوِيُّ فَإِنَّ مُرْسَلَ غَيْرِهِمْ لَا يُقْبَلُ فَتَكُونُ الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمْ قَبُولَهُ (وَفِي الْأَئِمَّةِ إفَادَةُ مَرْتَبَتِهِ) أَيْ الرَّاوِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ فِيمَا عَسَاهُ يَتَرَجَّحُ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ (لِلتَّرْجِيحِ) عِنْدَ التَّعَارُضِ (وَرَفْعِ الْخِلَافِ) فِي قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَرَدِّهِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي قَبُولِ الْمُسْنَدِ (وَفَحْصِ الْمُجْتَهِدِ بِنَفْسِهِ) عَنْ حَالِ الرَّاوِي (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْمُرْسِلُ (مَشْهُورًا) بِالْإِمَامَةِ وَالْعَدَالَةِ (لِيَنَالَ) الْمُجْتَهِدُ (ثَوَابَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (وَيَقْوَى ظَنُّهُ) بِصِحَّةِ الْمَرْوِيِّ فَإِنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِفَحْصِهِ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ بِفَحْصِ غَيْرِهِ (قَالُوا) ثَالِثًا (لَوْ تَمَّ) الْقَوْلُ بِالْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ مِنْ السَّلَفِ (قُبِلَ) الْمُرْسَلُ (فِي عَصْرِنَا) أَيْضًا لِتَحَقُّقِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَبُولِ مِنْ السَّلَفِ فِي عَدْلِ كُلِّ عَصْرٍ (قُلْنَا نَلْتَزِمُهُ) أَيْ قَبُولَ الْمُرْسِلِ فِي كُلِّ عَصْرٍ (إذَا كَانَ) الْمُرْسِلُ (مِنْ الْعُدُولِ وَأَئِمَّةِ الشَّأْنِ) وَنَمْنَعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الرِّيبَةِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ قَالَ (الشَّافِعِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ يُوجَدُ ذَلِكَ (الْعَاضِدُ) لِلْمُرْسِلِ مَعَهُ (لَمْ يَحْصُلْ الظَّنُّ وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ حُصُولِ الظَّنِّ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْعَاضِدُ الْمَذْكُورُ مَعَهُ (مَمْنُوعٌ بَلْ) الظَّنُّ حَاصِلٌ بِالْمُرْسَلِ (دُونَهُ) أَيْ الْعَاضِدِ الْمَذْكُورِ (بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ الدَّلِيلِ لِقَبُولِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ (وَقَدْ شُوحِحَ) الشَّافِعِيُّ فِي جَعْلِهِ مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِ قَبُولِهِ أَنْ يَأْتِيَ أَيْضًا مُرْسَلًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَوْ مُسْنَدًا (فَقِيلَ ضَمُّ غَيْرِ الْمُسْنَدِ) إلَى غَيْرِ الْمُسْنِدِ (ضَمُّ غَيْرِ مَقْبُولٍ إلَى مِثْلِهِ) أَيْ غَيْرِ مَقْبُولٍ (فَلَا يُفِيدُ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ قَبُولِهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ إنَّمَا هُوَ الْجَهَالَةُ بِعَدَالَةِ رَاوِي الْأَصْلِ وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا (وَفِي الْمُسْنِدِ) أَيْ وَفِي ضَمِّ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ (الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِالْمُسْنَدِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ ضُمَّ إلَى الْمُرْسِلِ فَلَا يَكُونُ قَبُولُهُ قَبُولًا لِلْمُرْسَلِ (وَدُفِعَ الْأَوَّلُ) أَيْ عَدَمُ إفَادَةِ ضَمِّ الْمُرْسَلِ إلَى الْمُرْسِلِ (بِأَنَّ الظَّنَّ قَدْ يَحْصُلُ عِنْدَهُ) أَيْ ضَمِّ الْمُرْسَلِ إلَى الْمُرْسِلِ (كَمَا يَقْوَى) الظَّنُّ (بِهِ) أَيْ بِضَمِّ الْمُرْسَلِ إلَى الْمُرْسِلِ (لَوْ كَانَ) الظَّنُّ (حَاصِلًا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ ضَمِّهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحَدِّثَ عَنْ

الْمَجْمُوعِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الِانْفِرَادِ (وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ فِي تَعَدُّدِ طُرُقِ الضَّعِيفِ) بِغَيْرِ الْفِسْقِ مَعَ الْعَدَالَةِ (قِيلَ وَالثَّانِي) أَيْ كَوْنُ الْعَمَلِ بِالْمُسْنَدِ إذَا ضُمَّ إلَى الْمُرْسَلِ (وَارِدٌ) وَقَائِلُهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنَعَ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ (وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُسْنَدَ يُبَيِّنُ صِحَّةَ إسْنَادِ الْأَوَّلِ فَيُحْكَمُ لَهُ) أَيْ لِلْمُرْسَلِ (مَعَ إرْسَالِهِ بِالصِّحَّةِ) ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ (وَدُفِعَ) هَذَا الْجَوَابُ وَدَافِعُهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ (بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ) تَبَيُّنُ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ الَّذِي فِيهِ الْإِرْسَالُ بِالْمُسْنَدِ (لَوْ كَانَ) الْإِسْنَادُ فِي كِلَيْهِمَا (وَاحِدًا لِيَكُونَ الْمَذْكُورُ إظْهَارًا لِلسَّاقِطِ وَلَمْ يُقْصِرْهُ) أَيْ كَوْنَ اعْتِضَادِ الْمُرْسَلِ بِالْمُسْنَدِ مُوجِبًا لِقَبُولِ الْمُرْسَلِ (عَلَيْهِ) أَيْ كَوْنِ الْإِسْنَادِ فِي كِلَيْهِمَا وَاحِدًا بَلْ أَطْلَقَ فَكَمَا يَتَنَاوَلُ هَذَا يَتَنَاوَلُ مَا إذَا تَعَدَّدَ إسْنَادُهُمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْحَدِيثِ بِإِسْنَادٍ صِحَّتُهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ (وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْمُرْسَلِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَدَالَةُ رُوَاةِ الْمُسْنَدِ أَوْ بِلَا الْتِفَاتٍ إلَى تَعْدِيلِهِمْ) أَيْ رُوَاةِ الْمُسْنَدِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِالْمُسْنَدِ (ابْتِدَاءً) فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ رُوَاتِهِ (وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الشَّافِعِيِّ لَمْ يَنُصَّ عَلَى اشْتِرَاطِ عَدَالَتِهِمْ) أَيْ رُوَاةِ الْمُسْنَدِ (وَهِيَ) أَيْ عِبَارَتُهُ (قَوْلُهُ) وَالْمُنْقَطِعُ مُخْتَلِفٌ فَمَنْ شَاهَدَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ التَّابِعِينَ فَحَدَّثَ حَدِيثًا مُنْقَطِعًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُعْتُبِرَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا أَرْسَلَ مِنْ الْحَدِيثِ (فَإِنْ شَرِكَهُ الْحُفَّاظُ الْمَأْمُونُونَ فَأَسْنَدُوهُ) بِمِثْلِ مَعْنَى مَا رَوَى (كَانَتْ) هَذِهِ (دَلَالَةً) عَلَى صِحَّةِ مَنْ قِيلَ عَنْهُ وَحِفْظِهِ (وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تُوجِبُ عِبَارَتُهُ ثُبُوتَهَا فِي سَنَدِهِمْ) قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ شَرِكَهُ الْحُفَّاظُ الْمَأْمُونُونَ صِفَةً لِأَهْلِ سَنَدِ الْمُتَّصِلِ الْعَاضِدِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي شَرِكَهُ لِلْمُرْسِلِ وَلَيْسَ جَمِيعَ رِجَالِ السَّنَدِ أَرْسَلُوا أَوْ وَصَلُوا بَلْ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْمُبْتَدِئِ بِذِكْرِ الْحَدِيثِ وَإِسْنَادِهِ فَهُوَ الَّذِي إنْ ذَكَرَ جَمِيعَ الرِّجَالِ فَقَدْ وَصَلَهُ وَإِنْ حَذَفَ بَعْضَهُمْ أَرْسَلَهُ فَلَزِمَ كَوْنُ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هِيَ لِلْمُخْرِجِينَ كَمَا أَنَّ الْمُرْسِلَ هُوَ الْمُخْرِجُ لِلْحَدِيثِ فَبَقِيَ سَاكِتًا عَنْ رِجَالِ السَّنَدِ غَيْرَ حَاكِمٍ عَلَيْهِمْ بِتَوْثِيقٍ أَوْ ضَعْفٍ (وَكَانَ الْإِيرَادُ) عَلَى الْعَمَلِ بِهِ إذَا أَتَى مُسْنَدًا أَيْضًا (بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ السَّنَدِ فِي الْمُسْنَدِ (وَالْجَوَابُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يُشْتَرَطُ فِي سَنَدِ الْمُسْنَدِ الصِّحَّةُ (صَيْرُورَتُهُمَا) أَيْ الْمُسْنَدِ وَالْمُرْسَلِ (دَلِيلَيْنِ قَدْ يُفِيدُ فِي الْمُعَارَضَةِ) بِأَنْ يُرَجَّحَ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ دَلِيلٌ وَاحِدٌ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَإِرْسَالُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدِي حَسَنٌ فَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَرَاسِيلَهُ حُجَّةٌ لِأَنَّهَا فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مُسْنَدَةً وَالثَّانِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِهَا لِكَوْنِهِ مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ لَا أَنَّهُ يُحْتَجُّ بِهَا وَالتَّرْجِيحُ بِالْمُرْسَلِ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا الثَّانِي لِأَنَّ فِي مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ وَقَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ لِمَرَاسِيلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَزِيَّةً كَمَا اسْتَحْسَنَ مُرْسَلَ سَعِيدٍ (وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ) وَهُوَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (مَنْ أَدْرَجَ عَنْ رَجُلٍ فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْمُرْسَلِ (مِنْ الْقَبُولِ عِنْدَ قَابِلِ الْمُرْسَلِ) وَهُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ أَبِي دَاوُد فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ (وَلَيْسَ) هَذَا مَقْبُولًا مِثْلَ الْمُرْسَلِ (فَإِنَّ تَصْرِيحَهُ) أَيْ الرَّاوِي (بِهِ) أَيْ بِمَنْ رَوَى عَنْهُ حَالَ كَوْنِهِ (مَجْهُولًا لَيْسَ كَتَرْكِهِ) أَيْ مَنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ (يَسْتَلْزِمُ تَوْثِيقَهُ) أَيْ مَنْ رَوَى عَنْهُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ أَيْ فِي حُكْمِ الْمُنْقَطِعِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِنَا الْحَافِظِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ الْقَائِلَ إنْ كَانَ تَابِعِيًّا كَبِيرًا حُمِلَ عَلَى الْإِرْسَالِ أَوْ صَغِيرًا حُمِلَ عَلَى الِانْقِطَاعِ نَظَرًا إلَى أَنَّ غَالِبَ حَالِهِمَا مُخْتَلِفٌ هَذَا إذَا قَالَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا نَحْوُ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَنْ رَجُلٍ عَنْ فُلَانٍ فَلَا شَكَّ فِي انْقِطَاعِهِ انْتَهَى وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مُتَّصِلٌ فِي إسْنَادِهِ مَجْهُولٌ كَمَا فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَحَكَاهُ الرَّشِيدُ الْعَطَّارُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ عَلَى مَا ذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ (نَعَمْ يَلْزَمُ) حُكْمُ الْمُرْسَلِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (كَوْنُ) قَوْلِ الْقَائِلِ (عَنْ الثِّقَةِ تَعْدِيلًا) فَيَكُونُ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ تَعْدِيلًا فَوْقَ الْإِرْسَالِ عِنْدَ مَنْ يَقْبَلُهُ (بِخِلَافِهِ) أَيْ قَوْلِ الْقَائِلِ عَنْ الثِّقَةِ (عِنْدَ مَنْ يَرُدُّهُ) أَيْ الْمُرْسَلَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَبِرُهُ (إلَّا إنْ عُرِفَتْ عَادَتُهُ) أَيْ الْقَائِلِ عَنْ الثِّقَةِ (فِيهِ) أَيْ قَوْلِهِ هَذَا (الثِّقَةُ) أَيْ

مسألة أكذب الأصل أي الشيخ الفرع أي الراوي عنه

أَنْ يَكُونَ ثِقَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَقْبَلُهُ مَنْ يَرُدُّ الْمُرْسَلَ (كَمَالِكٍ) أَيْ كَقَوْلِهِ حَدَّثَنِي (الثِّقَةُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ) بِالثِّقَةِ (مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْر وَالثِّقَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قِيلَ) الثِّقَةُ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَقِيلَ الزُّهْرِيُّ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (وَاسْتُقْرِئَ مِثْلُهُ) أَيْ إطْلَاقِ الثِّقَةِ عَلَى مَنْ يَكُونُ ثِقَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لِلشَّافِعِيِّ) فَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْآبُرِيُّ السِّجِسْتَانِيُّ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الشَّافِعِيِّ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ يَقُولُ إذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ وَعَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فَيَحْيَى بْنُ حَسَّانَ وَعَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ فَأَبُو أُسَامَةَ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَعَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ فَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ رَدَّهُ) أَيْ مَا يَقُولُ الْقَائِلُ فِيهِ عَنْ الثِّقَةِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ عَادَتَهُ فِيهِ الثِّقَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (يَلِيقُ بِشَارِطِ الْبَيَانِ فِي التَّعْدِيلِ لَا الْجُمْهُورِ) الْقَائِلِينَ بِأَنَّ بَيَانَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حَقِّ الْعَالِمِ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَإِنَّهُ تَعْدِيلٌ عَارٍ عَنْ بَيَانِ السَّبَبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ أَكْذَبَ الْأَصْلَ أَيْ الشَّيْخُ الْفَرْعُ أَيْ الرَّاوِي عَنْهُ] (مَسْأَلَةٌ إذَا أَكْذَبَ الْأَصْلَ) أَيْ الشَّيْخُ (الْفَرْعُ) أَيْ الرَّاوِي عَنْهُ (بِأَنْ حَكَمَ بِالنَّفْيِ) فَقَالَ مَا رَوَيْت هَذَا الْحَدِيثَ لَك أَوْ كَذَبْت عَلَيَّ (سَقَطَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ) أَيْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ (لِلْعِلْمِ بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا وَلَا مُعَيِّنَ) لَهُ وَهُوَ قَادِحٌ فِي قَبُولِ الْحَدِيثِ (وَبِهَذَا) التَّعْلِيلِ (سَقَطَ اخْتِيَارُ السَّمْعَانِيِّ) ثُمَّ السُّبْكِيّ عَدَمَ سُقُوطِهِ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِ الْأَصْلِ لَهُ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لِلْفَرْعِ (وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ وَالشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ السَّرَخْسِيَّ وَفَخْرَ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبَ التَّقْوِيمِ حَكَوْا فِي إنْكَارِ الرَّاوِي رِوَايَتَهُ مُطْلَقًا اخْتِلَافَ السَّلَفِ (وَهُمَا) أَيْ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ (عَلَى عَدَالَتِهِمَا إذْ لَا يَبْطُلُ الثَّابِتُ) أَيْ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ عَدَالَتِهِمَا الْمَفْرُوضَةِ (بِالشَّكِّ) فِي زَوَالِهَا (وَإِنْ شُكَّ فَلَمْ يُحْكَمْ بِالنَّفْيِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا أَعْرِفُ أَنِّي رَوَيْت هَذَا الْحَدِيثَ لَك أَوْ لَا أَذْكُرُهُ (فَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ الْحَدِيثَ (حُجَّةٌ) أَيْ يُعْمَلُ بِهِ (وَنَسَبَ لِمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ تَخْرِيجًا مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فِي قَاضٍ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ بِحُكْمِهِ وَلَا يَذْكُرُ رَدَّهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ (أَبُو يُوسُفَ) فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ (وَقَبِلَهَا مُحَمَّدٌ) فَيَنْفُذُ حُكْمُهُ (وَنِسْبَةُ بَعْضِهِمْ الْقَبُولَ لِأَبِي يُوسُفَ غَلَطٌ) فَإِنَّ الْمَسْطُورَ فِي الْكُتُبِ الْمَذْهَبِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ هُوَ الْأَوَّلُ (وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا) أَيْ مَسْأَلَةِ الْقَاضِي الْمُنْكِرِ لِحُكْمِهِ (قَوْلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَضَمُّهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ يَحْتَاجُ إلَى ثَبْتٍ وَعَلَى الْمَنْعِ الْكَرْخِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْقَابِلِ) لِلرِّوَايَةِ مَعَ إنْكَارِ الْأَصْلِ قَالَ (الْفَرْعُ عَدْلٌ جَازِمٌ) بِالرِّوَايَةِ عَنْ الْأَصْلِ (غَيْرُ مُكَذَّبٍ) لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْأَصْلَ غَيْرُ مُكَذِّبِهِ (فَيُقْبَلُ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ مُعَارَضَةِ الْمَانِعِ (كَمَوْتِ الْأَصْلِ وَجُنُونِهِ) إذْ نِسْيَانُهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِمَا بَلْ دُونَهُمَا قَطْعًا وَفِيهِمَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا فِيهِ (وَيُفَرَّقُ) بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ (بِأَنَّ حُجِّيَّتَهُ) أَيْ الْحَدِيثِ (بِالِاتِّصَالِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِنَفْيِ مَعْرِفَةِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ لَهُ) أَيْ لِلْمَرْوِيِّ (يَنْتَفِي) الِاتِّصَالُ (وَهُوَ) أَيْ انْتِفَاءُ الِاتِّصَالِ (مُنْتَفٍ فِي الْمَوْتِ) وَالْجُنُونِ (وَالِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّ سُهَيْلًا بَعْدَ أَنْ قِيلَ لَهُ حَدَّثَ عَنْك رَبِيعَةُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ» فَلَمْ يَعْرِفْهُ) إذْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد قَالَ سُلَيْمَانُ فَلَقِيت سُهَيْلًا فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَا أَعْرِفُهُ (صَارَ يَقُولُ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي) كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ وَفِي السُّنَنِ فَقُلْت إنَّ رَبِيعَةَ أَخْبَرَنِي بِهِ عَنْك قَالَ فَإِنْ كَانَ رَبِيعَةُ أَخْبَرَك عَنِّي فَحَدِّثْ بِهِ عَنْ رَبِيعَةَ عَنِّي وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسُهَيْلٍ فَقَالَ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ أَنِّي حَدَّثْته إيَّاهُ وَلَا أَحْفَظُهُ (دُفِعَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلْمَطْلُوبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ) بِهِ فَإِنَّ رَبِيعَةَ لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ إسْنَادِ الْحَدِيثِ وَتَصْحِيحِ رِوَايَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُهُ عَلَى طَرِيقِ حِكَايَةِ الْوَاقِعَةِ بِزَعْمِهِ وَلَا دَلَالَةَ لِهَذَا عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ (وَلَوْ سُلِّمَ) اسْتِلْزَامُهُ لَهُ (فَرَأْيُ سُهَيْلٍ كَرَأْيِ غَيْرِهِ) فَلَا يَكُونُ رَأْيُهُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ (وَلَوْ سُلِّمَ) كَوْنُ رَأْيِهِ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ (فَعَلَى الْجَازِمِ فَقَطْ) لَا عُمُومِ النَّاسِ (قَالُوا) أَيْ

مسألة انفرد الثقة من بين ثقات رووا حديثا بزيادة على ذلك الحديث

النَّافُونَ لِلْعَمَلِ بِهِ ( «قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ أَتَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبنَا فَلَمْ نَجِدْ الْمَاءَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْت وَصَلَّيْت فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا يَكْفِيك ضَرْبَتَانِ» فَلَمْ يَقْبَلْهُ عُمَرُ) كَمَا مَعْنَى هَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَأَمَّا لَفْظُهُ بِتَمَامِهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهُ (إذْ كَانَ نَاسِيًا لَهُ) إذْ لَا يُظَنُّ بِعَمَّارٍ الْكَذِبُ وَلَا بِعُمَرَ عَدَمُ الْقَبُولُ مَعَ الذِّكْرِ لَهُ وَمِمَّا يَشْهَدُ لِذَلِكَ فِي السُّنَنِ فَقَالَ يَا عَمَّارُ اتَّقِ اللَّهَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ شِئْت وَاَللَّهِ لَمْ أَذْكُرْهُ أَبَدًا فَقَالَ كَلًّا وَاَللَّهِ لَنُوَلِّيَنَّكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْت (وَرُدَّ بِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْمَأْثُورَ عَنْ عَمَّارٍ وَعُمَرَ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّ عَمَّارًا لَمْ يَرْوِ عَنْ عُمَرَ) ذَلِكَ بَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَرُدَّ) هَذَا الرَّدُّ (بِأَنَّ عَدَمَ تَذَكُّرِ غَيْرِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ الْحَادِثَةُ الْمُشْتَرَكَةُ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّاوِي لَهَا (إذَا مُنِعَ قَبُولُ) حُكْمِ (الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا) لِلشَّكِّ فِيهِ حِينَئِذٍ (فَنِسْيَانُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ أَصْلَ رِوَايَتِهِ لَهُ أَوْلَى) أَنْ يَمْنَعَ قَبُولَ حُكْمِهِ مِنْ ذَلِكَ (فَالْوَجْهُ رَدُّهُ) أَيْ عُمَرَ (لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الرَّاوِي) وَهُوَ عَمَّارٌ مَا يَلْزَمُ النَّاسَ مِنْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِحَدِيثِهِ (لِدَلِيلِ الْقَبُولِ) أَيْ لِقِيَامِ دَلِيلِ قَبُولِهِ فِي حَقِّهِ حَيْثُ جَزَمَ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِمَنْ هُوَ بِمِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ وَقَدْ يُقَالُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إذَا قُبِلَ أَنْ يَجِبَ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ السُّنَنِ (وَأَمَّا) قَوْلُ النَّافِينَ لِلْعَمَلِ بِهِ (لَمْ يُصَدِّقْهُ) أَيْ الْأَصْلُ الْفَرْعَ (فَلَا يُعْمَلُ بِهِ كَشَاهِدِ الْفَرْعِ عِنْدَ نِسْيَانِ الْأَصْلِ) بِجَامِعِ الْفَرْعِيَّةِ وَالنِّسْيَانِ (فَيُدْفَعُ بِأَنَّهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (أَضْيَقُ) مِنْ الرِّوَايَةِ لِاخْتِصَاصِ الشَّهَادَةِ بِشَرَائِطَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَدِ وَالذُّكُورَةِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِحُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَجْبُولِينَ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّنَةِ وَتَوَفَّرَ الْكَذِبُ فِيهَا بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ، وَأَوْرَدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالرِّوَايَةِ حُكْمٌ كُلِّيٌّ يَعُمُّ الْمُكَلَّفِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالشَّهَادَةُ قَضِيَّةٌ جُزْئِيَّةٌ وَأُجِيبَ بِالتَّسْلِيمِ إلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ أَجْدَرَ بِالِاحْتِيَاطِ (وَمُتَوَقِّفَةً عَلَى تَحْمِيلِ الْأَصْلِ) الْفَرْعَ لَهَا فَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ (بِإِنْكَارِهِ) أَيْ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ (بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ) فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّمَاعِ دُونَ التَّحْمِيلِ فَلَا يَكُونُ إنْكَارُ الْأَصْلِ مُسْتَلْزِمًا لِفَوَاتِ الرِّوَايَةِ لِجَوَازِ السَّمَاعِ مَعَ نِسْيَانِهِ لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عِنْدَ مَنْ شَرَطَ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ تَحْمِيلَ الْأَصْلِ لَهَا كَالْحَنَفِيَّةِ أَمَّا مَنْ لَمْ يَشْرِطْهُ كَالشَّافِعِيَّةِ فَلَا وَفِي الْأَوَّلِ كِفَايَةٌ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ مَعَ نِسْيَانِ الْأَصْلِ عَدَمُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالرِّوَايَةِ مَعَ نِسْيَانِ الْأَصْلِ لِلْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ انْفَرَدَ الثِّقَةُ مِنْ بَيْنِ ثِقَاتٍ رَوَوْا حَدِيثًا بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ] (مَسْأَلَةٌ إذَا انْفَرَدَ الثِّقَةُ) مِنْ بَيْنِ ثِقَاتٍ رَوَوْا حَدِيثًا (بِزِيَادَةٍ) عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ (وَعَلِمَ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ) لِسَمَاعِهِ وَسَمَاعِهِمْ ذَلِكَ الْحَدِيثَ (وَمَنْ مَعَهُ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا) أَيْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ (عَادَةً لَمْ تُقْبَلْ) تِلْكَ الزِّيَادَةُ (لِأَنَّ غَلَطَهُ) أَيْ الْمُنْفَرِدِ بِهَا (وَهْمٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ مَنْ مَعَهُ (كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً (أَظْهَرَ الظَّاهِرِينَ) مِنْ غَلَطِهِ وَغَلَطِهِمْ لِأَنَّ احْتِمَالَ تَطَرُّقِ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ احْتِمَالِ تَطَرُّقِهِ إلَيْهِمْ وَهُمْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَظَنَّ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْهُ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُمْ يَغْفُلُ عَنْ مِثْلِهَا (فَالْجُمْهُورُ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ تُقْبَلُ) وَعَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَبَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ لَا تُقْبَلُ (لَنَا) أَنَّ رَاوِيَهَا (ثِقَةٌ جَازِمٌ) بِرِوَايَتِهَا (فَوَجَبَ قَبُولُهُ) كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ (قَالُوا) أَيْ نَافُو قَبُولِهَا رَاوِيهَا (ظَاهِرُ الْوَهْمِ لِنَفْيِ الْمُشَارِكِينَ) لَهُ فِي السَّمَاعِ وَالْمَجْلِسِ (الْمُتَوَجِّهِينَ لِمَا تَوَجَّهَ لَهُ) إيَّاهَا (قُلْنَا إنْ كَانُوا) أَيْ نَافُوهَا (مَنْ تَقَدَّمَ) أَيْ مَنْ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً (فَمُسَلَّمٌ) كَوْنُهُ ظَاهِرَ الْوَهْمِ فَلَا يُقْبَلُ وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ النِّزَاعِ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانُوا لَيْسُوا مِمَّنْ تَقَدَّمَ (فَأَظْهَرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ ظَاهِرَ الْوَهْمِ (عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمِ ظُهُورِهِ (لِأَنَّ سَهْوَ الْإِنْسَانِ فِي أَنَّهُ سَمِعَ وَلَمْ يَسْمَعْ بَعِيدٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهُمْ (إذَا كَانُوا مِمَّنْ تُبْعِدُ الْعَادَةُ غَفْلَتَهُمْ عَنْهُ) فَإِنَّ سَهْوَهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ (فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَجْهَيْنِ) فِي الشِّقَّيْنِ (ظَاهِرَانِ تَعَارَضَا

فَرُجِّحَ) فِي الْأَوَّلِ أَحَدُهُمَا وَفِي الثَّانِي الْآخَرُ لِمُوجِبٍ لَهُ (فَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ أَوْ جُهِلَ) تَعَدُّدُهُ (قُبِلَ) الْمَزِيدُ (اتِّفَاقًا) أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَزِيدُ فِي مَجْلِسٍ انْفَرَدَ بِهِ وَأَمَّا إذَا جُهِلَ فَلِاحْتِمَالِ التَّعَدُّدِ كَذَلِكَ هَذَا (وَالْإِسْنَادُ مَعَ الْإِرْسَالِ زِيَادَةٌ وَكَذَا الرَّفْعُ) لِلْحَدِيثِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثِقَةٍ (مَعَ الْوَقْفِ) لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ ثِقَةٍ زِيَادَةٌ (وَالْوَصْلُ) لَهُ بِذِكْرِ الْوَسَائِطِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثِقَةٍ (مَعَ الْقَطْعِ) لَهُ بِتَرْكِ بَعْضِهَا مِنْ ثِقَةٍ زِيَادَةٌ فَيَأْتِي فِي كُلٍّ مِنْهَا مَا يَأْتِي فِي الزِّيَادَةِ مِنْ الْحُكْمِ (خِلَافًا لِمُقَدَّمِ الْأَحْفَظِ) سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُرْسِلَ أَوْ الْمُسْنِدَ أَوْ الرَّافِعَ أَوْ الْوَاقِفَ أَوْ الْوَاصِلَ أَوْ الْقَاطِعَ كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ (أَوْ الْأَكْثَرِ) كَذَلِكَ أَيْضًا كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ آخَرِينَ (فَإِنْ قِيلَ الْإِرْسَالُ وَالْقَطْعُ كَالْجَرْحِ فِي الْحَدِيثِ) فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَا عَلَى الْإِسْنَادِ وَالْوَصْلِ كَمَا يُقَدَّمُ الْجَرْحُ عَلَى التَّعْدِيلِ (أُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيمَهُ) أَيْ الْجَرْحِ (لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ) فِيهِ (لَا لِذَاتِهِ) أَيْ الْجَرْحِ (وَذَلِكَ) أَيْ مَزِيدُ الْعِلْمِ (فِي الْإِسْنَادِ فَيُقَدَّمُ) عَلَى غَيْرِهِ (وَهَذَا الْإِطْلَاقُ) لِقَبُولِ الزِّيَادَةِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ يُقْبَلُ (يُوجِبُ قَبُولَهَا) أَيْ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ (مِنْ رَاوٍ) وَاحِدٍ رَوَى نَاقِصًا ثُمَّ رَوَاهُ بِالزِّيَادَةِ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدٍ بِأَنْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ نَاقِصًا وَبَعْضُهُمْ بِزِيَادَةٍ (وَإِنْ عَارَضَتْ) الزِّيَادَةُ (الْأَصْلَ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا أَوْ لَا (وَهَذَا) مَعْنَى (مَا قِيلَ) أَيْ مَا نَقَلَهُ الْخَطِيبُ مِنْ ذَهَابِ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ إلَى قَبُولِهَا (غَيَّرَتْ الْحُكْمَ) الثَّابِتَ (أَمْ لَا) أَوْجَبَتْ نَقْصًا مِنْ أَحْكَامٍ ثَبَتَتْ بِخَبَرٍ لَيْسَتْ فِيهِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ أَمْ لَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ مَنْ رَوَاهُ بِدُونِهَا (وَنُقِلَ فِيهِ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ (إجْمَاعُ) أَهْلِ (الْحَدِيثِ) ذَكَرَهُ ابْنُ طَاهِرٍ حَيْثُ قَالَ لَا خِلَافَ نَجِدُهُ بَيْنَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ انْتَهَى فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَيْدٍ (وَقِيلَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ الْمَنْعُ) أَيْ وَقَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ الرَّاوِي وَاحِدًا وَالزِّيَادَةُ مُعَارِضَةً وَفِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَبُولِ الزِّيَادَةِ وَالْأَصْلِ لَمْ تُقْبَلْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ فَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ قُبِلَتْ وَإِنْ اتَّحَدَ فَإِنْ كَانَتْ مَرَّاتُ رِوَايَتِهِ لِلزِّيَادَةِ أَقَلَّ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا أَنْ يَقُولَ سَهَوْت فِي تِلْكَ الْمَرَّاتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَقَلَّ قُبِلَتْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ) أَيْ مَنْعُ قَبُولِ الزِّيَادَةِ الْمُعَارَضَةَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ رَاوٍ أَوْ أَكْثَرَ (مُقْتَضَى حُكْمِ) أَهْلِ (الْحَدِيثِ بِعَدَمِ قَبُولِ الشَّاذِّ الْمُخَالِفِ) لِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ وَإِنْ كَانَ رَاوِيهِ ثِقَةً (بَلْ أَوْلَى إذْ مَثَّلُوهُ) أَيْ الشَّاذَّ الْمُخَالِفَ (بِرِوَايَةِ الثِّقَةِ) وَهُوَ هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الصَّحِيحِ (عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ» ) رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ (وَمَنْ سِوَاهُ) أَيْ الثِّقَةِ الَّذِي هُوَ هَمَّامٌ إنَّمَا رَوَى (عَنْهُ) أَيْ ابْنُ جُرَيْجٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ» كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد قَالَ وَالْوَهْمُ فِيهِ مِنْ هَمَّامٍ وَلَمْ يَرْوِهِ إلَّا هَمَّامٌ وَهُوَ مُتَعَقَّب بِأَنَّ يَحْيَى بْنَ الْمُتَوَكِّلِ الْبَصْرِيَّ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَيْضًا كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ (مَعَ كَوْنِهِ) أَيْ مَرْوِيِّ الثِّقَةِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ (لَمْ يُعَارَضْ) بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْهُ فَإِذَا حَكَمُوا بِعَدَمِ قَبُولِ رِوَايَةِ الثِّقَةِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مَعَ مُخَالَفَةٍ لَيْسَتْ مُعَارِضَةً فَأَوْلَى أَنْ يَرُدُّوا الزِّيَادَةَ الْمُعَارِضَةَ لِمَا رَوَاهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ (وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ) الْجَمْعُ (مَعَ جَهْلِ الِاتِّحَادِ) لِلْمَجْلِسِ وَمَعَ وَحْدَةِ الرَّاوِي (وَمَرَّاتِ رِوَايَتِهَا) أَيْ الزِّيَادَةِ (لَيْسَتْ أَقَلَّ مِنْ تَرْكِهَا قُبِلَتْ وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا أَنْ يَقُولَ سَهَوْت فِي مَرَّاتِ الْحَذْفِ) وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ التَّفْتَازَانِيُّ عَنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا (مَذْهَبٌ فِي قَبُولِهَا) أَيْ الزِّيَادَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُخَالِفَةً أَوْ لَا (مِنْ) الرَّاوِي (الْوَاحِدِ لَا بِقَيْدِ مُخَالَفَتِهَا) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعِدَّةِ حَيْثُ قَالَ: إذَا رَوَى الْوَاحِدُ خَبَرًا ثُمَّ رَوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ كُلًّا مِنْ الْخَبَرَيْنِ فِي مَجْلِسٍ قُبِلَتْ الزِّيَادَةُ وَإِنْ عَزَا ذَلِكَ إلَى مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَتَكَرَّرَتْ رِوَايَتُهُ بِلَا زِيَادَةٍ ثُمَّ رَوَى الزِّيَادَةَ فَإِنْ قَالَ كُنْتُ أُنْسِيتُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قُبِلَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ فِي الزِّيَادَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ هَذَا قَدْحًا صَرِيحًا فِي نَقْلِ هَذَا الْمَذْهَبِ فَإِنَّ النَّقْلَ كَثِيرٌ (ثُمَّ مُوجِبُ الدَّلِيلِ السَّابِقِ) وَهُوَ قَوْلُنَا ثِقَةٌ جَازِمٌ

مسألة خبر الواحد مما تعم به البلوى

(وَالْإِطْلَاقُ) الْمَذْكُورُ فِي نَقْلِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ كَمَا نَقَلَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ (قَبُولُ) الزِّيَادَةِ (الْمُعَارِضَةِ) مُطْلَقًا وَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ (أَوْ يُسْلَكُ التَّرْجِيحُ) أَمَّا كَوْنُ هَذَا مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فَظَاهِرٌ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُعَارِضَةَ وَغَيْرَهَا وَأَمَّا أَنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ نَقْلِ هَذَا الْمَذْهَبِ فَكَذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَهُ ثُمَّ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ قَبُولِهَا عَدَمُ الْعَمَلِ بِمَا يَتَرَجَّحُ ظَنُّ خِلَافِهِ لِمُعَارَضَةِ الثِّقَاتِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ الْتَزَمْنَا مِنْ قَبُولِهَا الْعَمَلُ بِهَا لَكِنَّا أَنْزَلْنَاهَا حَدِيثًا مُعَارِضًا لِغَيْرِهِ فَيُطْلَبُ التَّرْجِيحُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَدْنَاهَا فَإِنَّا حِينَئِذٍ لَا نَطْلُبُ تَرْجِيحًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا عَارَضَتْهُ فَكَانَ الْوَجْهُ الْقَبُولَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ ثُمَّ النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْهُ) أَيْ الْمَزِيدِ الْمُعَارِضِ الزِّيَادَةُ (الْمُوجِبَةُ نَقْصًا مِثْلُ) رِوَايَةِ «وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» ) بَعْدَ قَوْلِهِ «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا» بَدَلَ قَوْلِهِ وَطَهُورًا وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الْحَدِيثِ فِي مَسْأَلَةِ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ ثُمَّ لِمَا تَوَجَّهَ أَنْ يُقَالَ فَلَا يُرَدُّ الشَّاذُّ الْمُخَالِفُ لِمَا رَوَتْهُ الثِّقَاتُ الْتَزَمَهُ وَقَالَ (وَالشَّاذُّ الْمَمْنُوعُ) أَيْ الْمَرْدُودُ هُوَ (الْأَوَّلُ) أَيْ مَا انْفَرَدَ بِمَزِيدٍ فِي مَجْلِسٍ مُتَّحِدٍ لَهُ وَلَهُمْ وَالْمَزِيدُ (مَا لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ) أَيْ مَنْ مَعَهُ فِيهِ (عَنْهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَزِيدِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ قَبُولِ الزِّيَادَةِ الْمُعَارِضَةِ (جَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ إيَّاهُ) أَيْ الْمَزِيدَ إذَا كَانَ هُوَ وَالْأَصْلُ (مِنْ اثْنَيْنِ خَبَرَيْنِ «كَنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ» كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِلَفْظِ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ انْهَهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا» رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِلَفْظِ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَفِي سَنَدِهِ مَا لَمْ يُسَمَّ (أَجْرَوْا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (الْمُعَارَضَةَ) بَيْنَهُمَا (وَرَجَّحُوا) قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ لِعَتَّابٍ لِأَنَّ فِيهِ (زِيَادَةَ الْعُمُومِ) لِتَنَاوُلِهِ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ غَايَتُهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ لَمْ يَعْمَلَا بِهَا فِي حَقِّ الْعَقَارِ لِكَوْنِ النَّصِّ مَعْلُولًا بِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْعَقَارِ لِأَنَّ هَلَاكَهُ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَا يُبْتَنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ وَإِنَّمَا رَجَّحُوا قَوْلَهُ لِعَتَّابٍ عَلَى نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِهِ (إذْ لَا يَحْمِلُونَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ) فِي مِثْلِهِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (وَالْوَجْهُ فِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ (وَفِي تُرْبَتِهَا) أَيْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ (تَعَيُّنُ الْعَامِّ) وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَالْأَرْضِ لِإِجْرَاءِ الْمُعَارَضَةِ ثُمَّ التَّرْجِيحُ بِالْعُمُومِ كَمَا يُرَجَّحُ الْعِلَّةُ بِزِيَادَةِ الْمَحَالِّ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ صَيَّرَتْ كُلًّا مِنْ قَبِيلِ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ وَهُوَ لَيْسَ تَخْصِيصًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ إثْبَاتُ عَيْنِ الْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْعَامُّ لِبَعْضِ أَفْرَادِهِ وَلَا مُنَافَاةَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُمُومِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْمَتْرُوكُ فَلَا يُعَارَضُ لِتَرَجُّحٍ فَإِنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ يَكُونُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ) بِحُكْمِهِ (وَمِنْ الْوَاحِدِ) أَيْ وَجَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ الزِّيَادَةَ وَالْأَصْلَ بِدُونِهَا إذَا كَانَ رَاوِيهِمَا وَاحِدًا خَبَرًا (وَاحِدًا وَلَزِمَ اعْتِبَارُهَا) أَيْ وَحَكَمُوا بِأَنَّهَا مُرَادَةٌ فِي الْأَصْلِ (كَابْنِ مَسْعُودٍ) أَيْ كَمَا فِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» (وَفِي أُخْرَى) عَنْهُ (لَمْ تُذْكَرْ) السِّلْعَةُ رَوَاهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ لَكِنْ بِلَفْظِ الْبَيِّعَانِ وَالْحَدِيثُ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنْ فِي لَفْظِهِ اخْتِلَافٌ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي (فَقَيَّدُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ جَرَيَانَ التَّحَالُفِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ (بِهَا) أَيْ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ قِيَامُ السِّلْعَةِ (حَمْلًا عَلَى حَذْفِهَا فِي الْأُخْرَى نِسْيَانًا بِلَا ذَلِكَ التَّفْصِيلِ) الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَرَّاتُ تَرْكِ الزِّيَادَةِ أَقَلَّ مِنْ مَرَّاتِ رِوَايَتِهَا لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ سَهَوْت فِي مَرَّاتِ الْحَذْفِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُمْ هَذَا هُوَ (الْوَجْهُ) لِأَنَّ عَدَالَتَهُ وَثِقَتَهُ تُعَبِّرُ عَنْ الرَّاوِي بِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُفَصِّلُ شَرْطًا لِلْقَبُولِ بِلَا حَاجَةٍ إلَى أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ صَرِيحًا (فَلَيْسَ) هَذَا مِنْهُمْ (مِنْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ) عَلَى الْمُقَيَّدِ [مَسْأَلَةٌ خَبَرُ الْوَاحِدِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى] (مَسْأَلَةٌ خَبَرُ الْوَاحِدِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَيْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْكُلُّ حَاجَةً مُتَأَكِّدَةً مَعَ كَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ وُجُوبٌ دُونَ اشْتِهَارٍ أَوْ تَلَقِّي الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ) لَهُ أَيْ مُقَابَلَتِهِ بِالتَّسْلِيمِ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ ثُمَّ حَيْثُ كَانَ هَذَا (عِنْدَ عَامَّةِ الْحَنَفِيَّةِ)

فَلَا يَظْهَرُ لِتَنْصِيصِهِ عَلَى الْكَرْخِيِّ بِقَوْلِهِ (مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ) بَعْدَ شُمُولِهِمْ إيَّاهُ فَائِدَةٌ بَلْ الَّذِي فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى الِاشْتِهَارِ وَنِسْبَةُ هَذَا إلَى الْكَرْخِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِلَى الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ وَقَدْ كَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَى هَذَا أَوَّلًا فَغُيِّرَتْ إلَى هَذَا الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ كُلِّيًّا بَيْنَ الِاشْتِهَارِ وَبَيْنَ تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ إذْ قَدْ يُوجَدُ اشْتِهَارٌ لِلشَّيْءِ بِلَا تَلَقِّي جَمِيعِ الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَقَدْ يَتَلَقَّى الْأُمَّةُ الشَّيْءَ بِالْقَبُولِ بِلَا رِوَايَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ ثُمَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا بَأْسَ بِهَا لَكِنْ الشَّأْنُ فِي كَوْنِهَا مَنْقُولَةً عَنْهُمْ (كَخَبَرِ مَسِّ الذَّكَرِ) أَيْ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» الَّذِي رَوَتْهُ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَهَذَا السَّبَبُ كَثِيرُ التَّكَرُّرِ وَخَبَرُهُ هَذَا لَمْ يَشْتَهِرْ وَلَمْ يَتَلَقَّهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ بَلْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إنَّ بُسْرَةَ انْفَرَدَتْ بِرِوَايَتِهِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّهَا بِتَعْلِيمِ هَذَا الْحُكْمِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَمْ يُعَلِّمْ سَائِرَ الصَّحَابَةِ مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ شِبْهُ الْمُحَالِ انْتَهَى. فَإِنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ طَرِيقُ غَيْرِهَا مِنْ تَضْعِيفٍ فَلَا جَرَمَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ قَبُولُهُمْ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُفِيدَ لِغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَخَبَرَ الْوَاحِدِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُفِيدَ لِرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ إرَادَةِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَالْجَوَابُ لَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَرَفْعُهُمَا مِنْهُ) أَيْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَفَيْنَاهُ (إذْ لَا وُجُوبَ) لَهُمَا أَيْ فَإِنَّا لَمْ نُثْبِتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وُجُوبًا بَلْ أَثْبَتْنَا بِهِ اسْتِنَانَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ قَبُولُنَا إيَّاهُ فِيهِ (كَالتَّسْمِيَةِ فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ) فَإِنَّا قَبِلْنَا خَبَرَهَا فِيهَا وَكَأَنَّهُ يَعْنِي مَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَّهَا آيَةً» أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لِأَنَّا لَمْ نُثْبِتْ بِهِ وُجُوبَهَا بَلْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اسْتِنَانُهَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا أَيْضًا (وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ (يَقْبَلُ) خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى إذَا صَحَّ إسْنَادُهُ (دُونَهُمَا) أَيْ بِلَا اشْتِرَاطِ اشْتِهَارِهِ وَلَا تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ (لَنَا أَنَّ الْعَادَةَ قَاضِيَةٌ بِتَنْقِيبِ الْمُتَدَيِّنِينَ) أَيْ بَحْثِهِمْ (عَنْ أَحْكَامِ مَا اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ) أَيْ مَا اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَاشْتِدَادُ الْحَاجَةِ بِالْوُجُوبِ (وَبِإِلْقَائِهِ) أَيْ مَا اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ (إلَى الْكَثِيرِ) مِنْهُمْ (دُونَ تَخْصِيصِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَيَلْزَمُهُ) أَيْ إلْقَاءَهُ إلَى الْكَثِيرِ (شُهْرَةُ الرِّوَايَةِ وَالْقَبُولُ وَعَدَمُ الْخِلَافِ) فِيهِ (إذَا رَوَى فَعَدَمُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الشُّهْرَةِ وَالْقَبُولِ (دَلِيلُ الْخَطَأِ) أَيْ خَطَأٍ نَاقِلِهِ (أَوْ النَّسْخِ) وَالْوَجْهُ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ أَوَّلًا قَوْلُهُ دُونَ اشْتِهَارِ أَوْ تَلَقِّي الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ وَثَانِيًا مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ فَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ أَوْ تُلُقِّيَ أَنْ يَقُولَ وَيَلْزَمُهُ شُهْرَةُ الرِّوَايَةِ أَوْ الْقَبُولُ فَعَدَمُهُمَا دَلِيلُ الْخَطَأِ أَوْ النَّسْخِ (فَلَا يُقْبَلُ) ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى عَطْفِ عَدَمِ الْخِلَافِ عَلَى الْقَبُولِ تَفْسِيرًا لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَبُولَ أَخَصُّ مِنْ عَدَمِ الْخِلَافِ إذْ قَدْ لَا يُخَالِفُ الشَّيْءَ وَلَا يُقْبَلُ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَسْلِيمُهُ وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ لَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ تَرْكِ رِدِّهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَاسْتَدَلَّ) لِلْمُخْتَارِ بِمُزَيَّفٍ وَهُوَ (الْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِنَقْلِهِ) أَيْ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى نَقْلًا (مُتَوَاتِرًا) لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ كَذَلِكَ وَلَمَّا لَمْ يَتَوَاتَرْ عُلِمَ كَذِبُهُ (وَرُدَّ) هَذَا (بِالْمَنْعِ) أَيْ مَنْعِ قَضَاءِ الْعَادَةِ بِتَوَاتُرِهِ (إذْ اللَّازِمُ) لِكَوْنِهِ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى إنَّمَا هُوَ (عِلْمُهُ) أَيْ الْحُكْمِ لِلْكَثِيرِ (لَا رِوَايَتُهُ) أَيْ الْحُكْمِ لَهُمْ (إلَّا عِنْدَ الِاسْتِفْسَارِ) عَنْهُ (أَوْ يُكْتَفَى بِرِوَايَةِ الْبَعْضِ مَعَ تَقْرِيرِ الْآخَرِينَ قَالُوا) أَيْ الْأَكْثَرُونَ (قَبِلَتْهُ) أَيْ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (الْأُمَّةُ فِي تَفَاصِيلِ الصَّلَاةِ وَقَبِلْتُمُوهُ فِي مُقَدِّمَاتِهَا كَالْفَصْدِ) أَيْ الْوُضُوءِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ (وَالْقَهْقَهَةِ) أَيْ وَالْوُضُوءِ مِنْهَا إذَا كَانَتْ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ بِمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ حَمْلِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُشْتَرَكَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَهْقَهَ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» (وَقُبِلَ فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (الْقِيَاسُ) أَيْ الْعَمَلُ بِهِ (وَهُوَ)

مسألة انفرد مخبر بما شاركه بالإحساس به خلق كثير مما تتوفر الدواعي على نقله

أَيْ الْقِيَاسُ (دُونَهُ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ لِمَا بَعْدَ هَذِهِ فَخَبَرُ الْوَاحِدِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ (قُلْنَا التَّفَاصِيلُ إنْ كَانَتْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ وَالتَّسْمِيَةَ وَالْجَهْرَ بِهَا وَنَحْوَهُ مِنْ السُّنَنِ) كَوَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ وَإِخْفَاءِ التَّأْمِينِ (فَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ) فَإِنَّا لَمْ نُثْبِتْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وُجُوبَهَا وَلَيْسَ النِّزَاعُ إلَّا فِي إثْبَاتِ الْوُجُوبِ بِهِ إذْ اشْتِدَادُ الْحَاجَةِ مَعَ الْوُجُوبِ (أَوْ) كَانَتْ (الْأَرْكَانَ الْإِجْمَاعِيَّةَ) مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (فَبِقَاطِعٍ) أَيْ فَإِنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (أَوْ) كَانَتْ الْأَرْكَانَ (الْخِلَافِيَّةَ كَخَبَرِ الْفَاتِحَةِ) أَيْ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (فَأَمَّا اُشْتُهِرَ أَوْ تُلُقِّيَ) بِالْقَبُولِ (فَقُلْنَا بِمُقْتَضَاهُ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ) كَانَتْ (لَيْسَ) كُلٌّ مِنْهَا (مِنْهُ) أَيْ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (إذْ هُوَ) أَيْ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (فِعْلٌ) يَكْثُرُ تَكَرُّرُهُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ فَيَحْتَاجُ الْكُلُّ إلَى مَعْرِفَتِهِ حَاجَةً شَدِيدَةً كَالْبَوْلِ وَالصَّلَاةِ (أَوْ حَالٌ يَكْثُرُ تَكَرُّرُهُ لِلْكُلِّ) حَالَ كَوْنِهِ (سَبَبًا لِلْوُجُوبِ) عَلَيْهِمْ أَيْضًا فَيَحْتَاجُ الْكُلُّ إلَى مَعْرِفَتِهِ حَاجَةً شَدِيدَةً سَوَاءٌ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى اخْتِيَارِهِمْ أَوْ غَيْرَ مَبْنِيٍّ عَلَيْهِ كَالْحَدَثِ عَنْ الْمَسِّ فَإِنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْمَسُّ يَكْثُرُ بِخِلَافِهِ عَنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكْثُرُ لِعَدَمِ كَثْرَةِ سَبَبِهِ (فَيُعْلَمُ) الْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ (لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِالِاسْتِعْلَامِ أَوْ بِلُزُومِ كَثْرَتِهِ) أَيْ كَثْرَةِ إعْلَامِ الْمُكَلَّفِينَ بِهِ (لِلشَّرْعِ قَطْعًا) بِأَنْ يُلْقِيَهُ إلَى كَثِيرٍ تَشْهِيرًا لَهُ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (كَمُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ) فِي الصَّلَاةِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ (ظَهَرَ أَنْ لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (نَحْوُ الْفَصْدِ) فَإِنَّهُ لَا يَكْثُرُ لِلْمُتَوَضِّئِينَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ نَحْوِهِ لَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُهُ عِنْدَنَا بِمُجَرَّدِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَكَيْفَ وَقَدْ ضُعِّفَ بِبَعْضِ مَنْ فِي سَنَدِهِ بَلْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ وَالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ (وَالْقَهْقَهَةِ) فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا يَكْثُرُ (فَلَا يُتَّجَهُ إيجَابُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (السُّورَةَ) أَيْ قِرَاءَتَهَا مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ (مَعَ الْخِلَافِ) فِي قَبُولِ حَدِيثِهَا وَعَدَمِ اشْتِهَارِهِ بَلْ وَفِي صِحَّتِهِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَهُوَ مَا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ» فِي فَرِيضَةٍ وَغَيْرِهَا (وَلُزُومُ) الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى (الْقِيَاسِ) فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لِلْحَنَفِيَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَقُبِلَ فِيهِ الْقِيَاسُ دُونَهُ (مُتَوَقِّفٌ عَلَى لُزُومِ الْقَطْعِ بِحُكْمِ مَا تَعُمُّ بِهِ) الْبَلْوَى (وَلَا نَقُولُ بِهِ) أَيْ بِالْقَطْعِ بِهِ (بَلْ الظَّنُّ وَعَدَمُ قَبُولِ مَا لَمْ يُشْتَهَرْ) مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ (أَوْ) لَمْ (يَقْبَلُوهُ) مِنْهَا إنَّمَا هُوَ (لِانْتِفَائِهِ) أَيْ الظَّنِّ (بِخِلَافِ الْقِيَاسِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ وَالْقِيَاسُ يُوجِبُ الظَّنَّ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الظَّنَّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَتَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ إلَّا إذَا اُشْتُهِرَ أَوْ قَبِلُوهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُشْتَهَرْ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ خَطَؤُهُ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ، هَذَا (وَيُمْكِنُ مَنْعُ ثُبُوتِهِ) أَيْ حُكْمِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (بِالْقِيَاسِ لِاقْتِضَاءِ الدَّلِيلِ) وَهُوَ قَضَاءُ الْعَادَةِ بِالِاسْتِعْلَامِ أَوْ كَثْرَةِ إعْلَامِ الشَّارِعِ بِهِ (سَبْقَ مَعْرِفَتِهِ) أَيْ حُكْمِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لِلنَّاسِ (عَلَى تَصْوِيرِ الْمُجْتَهِدِ إيَّاهُ) أَيْ الْقِيَاسِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِمَعْرِفَةِ النَّاسِ لَهُ قَبْلَ الْقِيَاسِ [مَسْأَلَةٌ انْفَرَدَ مُخْبِرٌ بِمَا شَارَكَهُ بِالْإِحْسَاسِ بِهِ خَلْق كَثِيرٌ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ] (مَسْأَلَةٌ إذَا انْفَرَدَ) مُخْبِرٌ (بِمَا شَارَكَهُ بِالْإِحْسَاسِ بِهِ خَلْقٌ) كَثِيرٌ (مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ) دِينِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ خِلَافًا لِلشِّيعَةِ، لَنَا الْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِهِ) أَيْ بِكَذِبِهِ لِأَنَّ طِبَاعَ الْخَلْقِ مَجْبُولَةٌ عَلَى نَقْلِهِ وَالْعَادَةُ تُحِيلُ كِتْمَانَهُ وَخُصُوصًا إنْ تَعَلَّقَ بِفِعْلِهِ مَصَالِحُ الْعِبَادِ أَوْ صَلَاحُ الْبِلَادِ (قَالُوا) أَيْ الشِّيعَةُ (الْحَوَامِلُ) الْمُقَدَّرَةُ (عَلَى التَّرْكِ) لِنَقْلِهِ (كَثِيرَةٌ) مِنْ مَصْلَحَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ فِي أَمْرِ الْوِلَايَةِ وَإِصْلَاحِ الْمَعِيشَةِ أَوْ خَوْفٍ وَرَهْبَةٍ مِنْ عَدُوٍّ غَالِبٍ أَوْ مَلِكٍ قَاهِرٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَا طَرِيقَ إلَى عِلْمِ عَدَمِهَا) أَيْ الْحَوَامِلِ عَلَى التَّرْكِ لِعَدَمِ إمْكَانِ ضَبْطِهَا (وَمَعَ احْتِمَالِهَا) أَيْ الْحَوَامِلِ السُّكُوتُ (لَيْسَ السُّكُوتُ) مِنْ الْمُشَارِكِينَ لَهُ (قَاطِعًا فِي كَذِبِهِ) لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ حِينَئِذٍ (وَلِذَا) أَيْ جَوَازُ انْفِرَادِ الْبَعْضِ مَعَ كِتْمَانِ الْبَاقِينَ فِيمَا هَذَا شَأْنُهُ لِحَامِلٍ عَلَيْهِ (لَمْ يَنْقُلْ النَّصَارَى كَلَامَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمَهْدِ) مَعَ أَنَّهُ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي

مسألة تعارض خبر الواحد والقياس

عَلَى نَقْلِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْجَبْ حَادِثٍ فِي الْعَالَمِ وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْصُلُ الدَّاعِيَةُ عَلَى إشَاعَتِهِ إذْ لَيْسَ يَظْهَرُ لِلْكِتْمَانِ سَبَبٌ سِوَى ذَلِكَ (وَنُقِلَ اشْتِقَاقُ الْقَمَرِ وَتَسْبِيحُ الْحَصَى وَالطَّعَامِ وَحُنَيْنُ الْجِذْعِ وَسَعْيُ الشَّجَرَةِ وَتَسْلِيمُ الْحَجَرِ وَالْغَزَالَةِ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (آحَادًا) مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ (أُجِيبَ بِإِحَالَةِ الْعَادَةِ وَشُمُولِ حَامِلٍ) عَلَى الْكِتْمَانِ (لِلْكُلِّ) كَمَا تُحِيلُ اتِّفَاقُهُمْ فِي دَاعٍ لَا كْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (وَالظَّاهِرُ عَدَمُ حُضُورِ عِيسَى) وَقْتَ كَلَامِهِ فِي الْمَهْدِ (إلَّا الْآحَادَ) مِنْ الْأَهْلِ الَّذِينَ أَتَتْ بِهِ تَحْمِلُهُ إلَيْهِمْ (وَإِلَّا) لَوْ حَضَرَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ (وَجَبَ الْقَطْعُ بِتَوَاتُرِهِ وَإِنْ انْقَطَعَ) التَّوَاتُرُ (لِحَامِلِ الْمُبَدِّلِينَ عَلَى إخْفَاءِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ) وَقْتَئِذٍ وَهُوَ قَوْلُهُ {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم: 30] وَالْحَامِلُ عَلَى إخْفَائِهِمْ إيَّاهُ ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهُ إلَهٌ وَأَنَّهُ ابْنٌ فَإِنَّ كَلَامَهُ هَذَا الَّذِي بَدَأَ بِهِ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ اعْتِرَافُهُ بِالْعَبْدِيَّةِ لِلَّهِ وَهُوَ مُسَجَّلٌ عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ (وَهُوَ) أَيْ حُضُورُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ إيَّاهُ مَعَ عَدَمِ نَقْلِهِ مُتَوَاتِرًا (إنْ جَازَ) عَقْلًا (فَخِلَافُ الظَّاهِرِ) الْمَقْطُوعِ بِهِ عَادَةً فَلَا يَقْدَحُ فِي الْقَطْعِ الْعَادِيِّ (وَمَا ذُكِرَ) مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ الْمَذْكُورَةِ (حَضَرَهُ الْآحَادُ وَلَازِمُهُ) أَيْ حُضُورَهُمْ إيَّاهُ (الشُّهْرَةُ) فَإِنَّ التَّوَاتُرَ يَمْتَنِعُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الطَّبَقَةَ الْأُولَى آحَادٌ فَبَقِيَ أَنْ يَتَوَاتَرَ فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَهُوَ الشُّهْرَةُ (وَقَدْ تَحَقَّقَتْ) فِي ذَلِكَ فَأُخِذَ كَوْنُهَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مُقْتَضَاهُ (عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ) فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (وَتَخَلَّفَ) تَوَاتُرُهُ (فَلِاكْتِفَاءِ الْبَعْضِ) مِنْ النَّاقِلِينَ لِذَلِكَ (بِأَعْظَمِهَا) أَيْ الْمُعْجِزَاتِ (الْقُرْآنِ) فَإِنَّهُ الْمُعْجِزَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ الْبَاقِيَةُ فِي مُسْتَقْبَلِ الْأَزْمِنَةِ الدَّائِرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فِي غَالِبِ الْأَمْكِنَةِ هَذَا وَقَدْ يُقَالُ كُلٌّ مِنْ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَحُنَيْنِ الْجِذْعِ مُتَوَاتِرٌ أَمَّا انْشِقَاقُ الْقَمَرِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] الْآيَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَذَكَرَ الِانْشِقَاقَ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَأَخْبَرَ أَنَّ الْكُفَّارَ أَعْرَضُوا عَنْ آيَتِهِ وَزَعَمُوا أَنَّهَا سِحْرٌ قَالَ وَأَجْمَع الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ السِّيَرِ عَلَى وُقُوعِهِ وَرَوَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَبَيَّنَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ مُخْرِجِي أَحَادِيثِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَّا حَدِيثَ عَلِيٍّ قَالَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ رَوَاهُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَأَمَّا حُنَيْنُ الْجِذْعِ فَإِنَّ طُرُقَهُ كَثِيرَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَمْرُهُ ظَاهِرٌ نَقَلَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ وَإِيرَادُ الْأَحَادِيثِ فِيهِ كَالتَّكَلُّفِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ يَعْنِي لِشِدَّةِ شُهْرَتِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَقَدْ وَقَعَ لَنَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي وَأَبِي سَعِيدٍ وَبُرَيْدَةَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَبَيَّنَ مُخْرِجِي أَحَادِيثِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ السُّبْكِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ الْتِزَامُ أَنَّ الِانْشِقَاقَ وَالْحَنِينَ مُتَوَاتِرَانِ اهـ ثُمَّ «تَسْبِيحُ الْحَصَى بِيَدِهِ» أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ «وَتَسْبِيحُ الطَّعَامِ وَهُمْ يَأْكُلُونَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ وَسَعْيُ الشَّجَرَةِ إلَيْهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا وَتَسْلِيمُ الْحَجَرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَرَرْنَا بَيْنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ فَلَمْ نَمُرَّ بِجَبَلٍ وَلَا شَجَرٍ إلَّا قَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ» وَأَمَّا تَسْلِيمُ الْغَزَالَةِ فَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ فَمُشْتَهِرٌ فِي الْأَلْسِنَةِ وَفِي الْمَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ وَلَمْ أَقِفْ لِخُصُوصِ السَّلَامِ عَلَى سَنَدٍ وَإِنَّمَا وَرَدَ الْكَلَامُ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ سَاقَ ذَلِكَ بِسَنَدِهِ وَأَفَادَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ تَعَارَضَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ] (مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَارَضَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ بِحَيْثُ لَا جَمْعَ) بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ (قُدِّمَ الْخَبَرُ مُطْلَقًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ (وَقِيلَ) قُدِّمَ (الْقِيَاسُ) وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى أَرْبَعَ أَحَادِيثَ فَقَدَّمَهَا عَلَى الْقِيَاسِ حَدِيثَ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَحَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ وَحَدِيثَ الْعَرَايَا وَحَدِيثَ الْقُرْعَةِ (وَأَبُو الْحُسَيْنِ) قَالَ قُدِّمَ الْقِيَاسُ (إنْ كَانَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ بِقَاطِعٍ) لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ كَالنَّصِّ عَلَى حُكْمِهَا فَحِينَئِذٍ الْقِيَاسُ قَطْعِيٌّ وَالْخَبَرُ ظَنِّيٌّ وَالْقَطْعِيُّ مُقَدَّمٌ قَطْعًا (فَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ) بِشَيْءٍ (سِوَى بِالْأَصْلِ) أَيْ بِحُكْمِهِ (وَجَبَ الِاجْتِهَادُ

فِي التَّرْجِيحِ) فَيُقَدَّمُ مَا يَتَرَجَّحُ إذْ فِيهِ تَعَارُضُ ظَنَّيْنِ: النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى الْعِلَّةِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا مَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا بِظَنِّيٍّ وَمَا إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً (وَإِلَّا) إنْ انْتَفَى كِلَا هَذَيْنِ (فَالْخَبَرُ) مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الظَّنِّ وَتَرَجَّحَ الْخَبَرُ عَلَى النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى الْعِلَّةِ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِدُونِ وَاسِطَةٍ بِخِلَافِ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى الْعِلَّةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِوَاسِطَةِ الْعِلَّةِ فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِظَنِّيٍّ أَوْ مُسْتَنْبَطَةً وَلَمْ يَكُنْ حُكْمُهَا فِي الْأَصْلِ ثَابِتًا بِقَطْعِيٍّ هَذَا وَلَفْظُهُ فِي الْمُعْتَمَدِ الْعِلَّةُ إنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِقَطْعِيٍّ فَالْقِيَاسُ أَوْ بِظَنِّيٍّ وَلَمْ يَكُنْ حُكْمُهَا فِي الْأَصْلِ ثَابِتًا بِقَطْعِيٍّ فَالْخَبَرُ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِمَقْطُوعٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ الْأُصُولِيُّونَ ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِيهِ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَجَّحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالِاجْتِهَادِ عِنْدَ قُوَّةِ الظَّنِّ قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَنْتَ تَرَاهُ كَيْفَ لَمْ يَجْعَلْ اخْتِيَارَهُ مَذْهَبًا مُسْتَقِلًّا بِرَأْسِهِ بَلْ أَشَارَ إلَى مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَيَنْجَرُّ اخْتِيَارُهُ إلَى اتِّبَاعِ أَقْوَى الظَّنَّيْنِ وَهَذَا أَيْضًا لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ أَقْوَى الظَّنَّيْنِ مَا هُوَ فَمَنْ رَجَّحَ الْخَبَرَ قَالَ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ أَقْوَى وَبِالْعَكْسِ، ثُمَّ تَخْصِيصُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْخِلَافَ بِالْمَحَلِّ الَّذِي ذَكَرَهُ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِيهِ مُتَقَدِّمٌ قَالَ السُّبْكِيُّ وَإِنْ فَرَضَ أَبُو الْحُسَيْنِ صُورَةً يَكُونُ الْقَطْعُ مَوْجُودًا فِيهَا فَهَذَا مَا لَا يُنَازَعُ إذْ الْقَاطِعُ مُرَجَّحٌ عَلَى الظَّنِّ وَكَذَا أَرْجَحُ الظَّنَّيْنِ فَلَيْسَ فِي تَفْصِيلِهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ كَبِيرُ أَمْرٍ (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ (إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ) ثَابِتَةً (بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ ثُبُوتًا) إذَا اسْتَوَيَا فِي الدَّلَالَةِ (أَوْ دَلَالَةٍ) لَوْ اسْتَوَيَا ثُبُوتًا (وَقُطِعَ بِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي الْفَرْعِ قُدِّمَ الْقِيَاسُ) لَكِنْ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ اقْتَصَرَا عَلَى تَقْيِيدِ رُجْحَانِ النَّصِّ عَلَى الْخَبَرِ بِكَوْنِهِ فِي الدَّلَالَةِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الدَّلَالَةِ إذْ الْمُعْتَبَرُ ذَلِكَ لَا رُجْحَانُهُ بِحَسْبِ الْإِسْنَادِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا لِجَوَازِ ثُبُوتِهَا بِخَبَرٍ وَاحِدٍ رَاجِحٍ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَرِ فِي الدَّلَالَةِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْعَلِيَّةِ بِرَاجِحٍ وَالْقَطْعِ بِوُجُودِهَا أَنْ يَكُونَ ظَنُّ الْحُكْمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْهَا فِي الْفَرْعِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْخَبَرِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَكُمْ لَا يَلْزَمُهَا الِاطِّرَادُ بَلْ رُبَّمَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهَا لِمَانِعٍ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ الْفَرْعِ لِمَانِعِ الْخَبَرِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ عَامَّةً تَشْمَلُ فُرُوعًا كَثِيرَةً وَالْخَبَرُ يَخْتَصُّ بِهَذَا الْفَرْعِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَهَذَا مَا لَا يُعْتَقَدُ أَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ الْخَبَرِ فِيهِ أَضْعَفُ مِنْ الْقِيَاسِ أَبَدًا اهـ قُلْت وَهَذَا ذُهُولٌ عَنْ مَوْضُوعِ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ مَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ بَعْدَ سَوْقِ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْبَحْثُ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَإِنْ ظُنَّتْ) الْعِلَّةُ فِي الْفَرْعِ (فَالْوَقْفُ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْوَقْفُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَسَاوِي الْأَقْدَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ وُجُودُهَا ظَنِّيًّا وَالظَّنَّانِ مُتَسَاوِيَانِ وَنَحْنُ نَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ ظَنَّ الْخَبَرِ أَرْجَحُ (وَإِلَّا تَكُنْ) الْعِلَّةُ ثَابِتَةً (بِرَاجِحٍ) بِأَنْ تَكُونَ مُسْتَنْبَطَةً أَوْ ثَابِتَةً بِنَصٍّ مَرْجُوحٍ عَنْ الْخَبَرِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ (فَالْخَبَرُ) مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى الْخَبَرِ وَعَكْسِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبَانَ إنْ كَانَ الرَّاوِي ضَابِطًا غَيْرَ مُتَسَاهِلٍ فِيمَا يَرْوِيه قُدِّمَ خَبَرُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْضُوعُ اجْتِهَادٍ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ الرَّاوِي مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ كَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ قُدِّمَ خَبَرُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ دُونَ الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ فَالْأَصْلُ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِ فَلَا يُتْرَكُ مَا لَمْ تُوجِبْ الضَّرُورَةُ تَرْكَهُ وَهِيَ ضَرُورَةُ انْسِدَادِ بَابِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ مُطْلَقًا (لِلْأَكْثَرِ تَرْكُ عُمَرَ الْقِيَاسَ فِي الْجَنِينِ وَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ (عَدَمُ الْوُجُوبِ) لِشَيْءٍ عَلَى الضَّارِبِ لِبَطْنِ امْرَأَةٍ فِيهِ جَنِينٌ فَأَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا (بِخَبَرِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ) وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْعَدْلِ وَاجِبٌ (وَقَالَ لَوْلَا هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِرَأْيِنَا) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ عَنْهُ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ وَقَفْت عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فَقَالَ عُمَرُ إنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي هَذَا بِرَأْيِنَا وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَوْ لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا لَقَضَيْنَا بِغَيْرِ هَذَا (فَأَفَادَ) عُمَرُ (أَنَّ تَرْكَهُ) الرَّأْيَ إنَّمَا هُوَ (لِلْخَبَرِ وَفِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ) الْقِيَاسُ أَيْضًا (وَهُوَ تَفَاوُتُهَا) أَيْ الدِّيَةِ فِيهَا (لِتَفَاوُتِ مَنَافِعِهَا وَخُصُوصُهُ) أَيْ تَفَاوُتِ مَنَافِعِهَا (أَمْرٌ

آخَرُ وَكَانَ رَأْيَهُ فِي الْخِنْصَرِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالصَّادِ. وَقَالَ الْفَارِسِيُّ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ فَتْحُ الصَّادِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْقَامُوسِ (سِتٌّ) مِنْ الْإِبِلِ (وَاَلَّتِي تَلِيهَا) وَهِيَ الْبِنْصِرُ (تِسْعٌ) مِنْ الْإِبِلِ (وَكُلٌّ مِنْ الْآخَرَيْنِ) كَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْعُضْوِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ الْأُخْرَيَانِ وَهُمَا الْوُسْطَى وَالْمُسَبِّحَةُ (عَشْرٌ) مِنْ الْإِبِلِ كَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ كَانَ يَرَى فِي السَّبَّابَةِ اثْنَيْ عَشَرَ وَفِي الْوُسْطَى عَشْرًا وَفِي الْإِبْهَامِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَقَدَّمْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالنَّسَائِيِّ قَضَاءَهُ فِي الْإِبْهَامِ بِذَلِكَ أَيْضًا (لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «فِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» كَمَا أَسْلَفْنَاهُ ثَمَّةَ مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالنَّسَائِيِّ (وَفِي مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا وَهُوَ) الْقِيَاسُ (عَدَمُهُ) أَيْ مِيرَاثُهَا مِنْهُ (إذْ لَمْ يَمْلِكْهَا) الزَّوْجُ (حَيًّا بَلْ) إنَّمَا يَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ (جَبْرًا لِمُصِيبَةِ الْقَرَابَةِ وَيُمْكِنُ حَذْفُ الْأَخِيرِ) أَيْ كَوْنُ مِلْكِهِمْ إيَّاهَا جَبْرًا لِمُصِيبَةِ الْقَرَابَةِ (فَلَا يَكُونُ) تَوْرِيثُهُ إيَّاهُمْ مِنْهَا دُونَ الزَّوْجَةِ (مِنْ النِّزَاعِ) أَيْ تَعَارُضِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَرِثَ الْجَمِيعُ (وَلَمْ يُنْكِرْهُ) أَيْ تَرْكَ عُمَرَ الْقِيَاسَ لِلْخَبَرِ (أَحَدٌ فَكَانَ) تَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ (إجْمَاعًا وَعُورِضَ بِمُخَالَفَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ) مَرْفُوعًا «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَلَوْ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ» إذْ قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ الدُّهْنِ؟ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَمِيمِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَا ابْنَ أَخِي إذَا سَمِعْت حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَضْرِبْ لَهُ مَثَلًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (وَبِمُخَالَفَتِهِ هُوَ) أَيْ ابْنُ عَبَّاسٍ (وَعَائِشَةَ خَبَرَهُ) أَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ (فِي الْمُسْتَيْقِظِ) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» (وَقَالَا) أَيْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ (كَيْفَ نَصْنَعُ بِالْمِهْرَاسِ) وَهُوَ حَجَرٌ مَنْقُورٌ مُسْتَطِيلٌ عَظِيمٌ كَالْحَوْضِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى تَحْرِيكِهِ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَيْ إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ وَلَمْ تَدْخُلْ فِيهِ الْيَدُ فَكَيْفَ نَتَوَضَّأُ مِنْهُ (وَلَمْ يُنْكِرْ) إنْكَارَهُمَا (فَكَانَ) الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْخَبَرِ لَهُ (إجْمَاعًا قُلْنَا ذَلِكَ) أَيْ الْمُخَالَفَةَ الْمَذْكُورَةَ (لِلِاسْتِبْعَادِ لِخُصُوصِهِ) أَيْ الْمَرْوِيِّ (لِظُهُورِ خِلَافِهِ) أَيْ الْمَرْوِيِّ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِتَأْدِيَتِهِ إلَى أَنْ يَكُونَ الْمُصَحَّحُ مُبْطَلًا وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَدَائِهِ إلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ عَلَى أَنَّ مَا عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا الَّذِي قَالَ هَذَا لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ قَيْنٌ الْأَشْجَعِيُّ فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ النَّوْمِ فَلْيُفْرِغْ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَقَالَ لَهُ قَيْنٌ الْأَشْجَعِيُّ كَيْفَ نَصْنَعُ بِمِهْرَاسِكُمْ فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شِرْكٍ» وَقَيْنٌ الْأَشْجَعِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي هَذَا وَتَعَقَّبَهُ أَبُو نُعَيْمٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صُحْبَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بَلْ وَلَا عَلَى إدْرَاكِهِ وَكَلَامُهُ هَذَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِثْلُهُ فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُونَ مَاذَا يَصْنَعُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِالْمِهْرَاسِ (وَلَيْسَ) الْخِلَافُ لِلِاسْتِبْعَادِ الْمَذْكُورِ (مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ) أَيْ مُعَارَضَةِ الْقِيَاسِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (لَا) أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ (لِتَرْكِهِ) خَبَرَ الْوَاحِدِ (بِالْقِيَاسِ) عَلَى أَنَّهُ لَا قِيَاسَ يُنَافِي وُجُوبَ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ الْإِدْخَالِ فِي الْإِنَاءِ وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِي غَسْلَ الْيَدِ مِنْ الْمِهْرَاسِ (وَلَهُمْ) أَيْ الْأَكْثَرِ (تَقْرِيرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُعَاذًا حِينَ أَخَّرَ الْقِيَاسُ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةٍ وَلَيْسَتْ لُغَوِيَّةً مَبْدَئِيَّةً: الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ (وَأَيْضًا لَوْ قُدِّمَ الْقِيَاسُ لَقُدِّمَ الْأَضْعَفُ وَبُطْلَانُهُ إجْمَاعٌ أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِتَعَدُّدِ احْتِمَالَاتِ الْخَطَأِ بِتَعَدُّدِ الِاجْتِهَادِ) وَضَعْفُ الظَّنِّ بِتَعَدُّدِ الِاحْتِمَالَاتِ (وَمَحَالُّهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (فِيهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (أَكْثَرُ) مِنْ مَحَالِّهِ فِي الْخَبَرِ (فَالظَّنُّ) فِي الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ (أَضْعَفُ) مِنْهُ فِي الْخَبَرِ إذْ مَحَالُّ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِيَاسِ سِتَّةٌ (حُكْمُ الْأَصْلِ) أَيْ ثُبُوتُهُ (وَكَوْنُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (مُعَلَّلًا) بِعِلَّةٍ مَا لِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ التَّعَبُّدِيَّةِ (وَتَعْيِينُ الْوَصْفِ) الَّذِي بِهِ التَّعْلِيلُ (لِلْعِلِّيَّةِ وَوُجُودُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ (فِي الْفَرْعِ وَنَفْيُ الْمُعَارِضِ) لِلْوَصْفِ مِنْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ

(فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (وَفِي الْخَبَرِ) مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ فِيهِ أَمْرَانِ (فِي الْعَدَالَةِ) لِلرَّاوِي (وَالدَّلَالَةِ) لِلْخَبَرِ عَلَى الْحُكْمِ (وَأَمَّا) أَنَّ هَذَا مُعَارِضٌ بِأَنَّ الْخَبَرَ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ (احْتِمَالُ كُفْرِ الرَّاوِي وَكَذِبِهِ وَخَطَئِهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْهَا (وَاحْتِمَالُ الْمَتْنِ الْمَجَازَ) وَمَا فِي حُكْمِهِ مِنْ الْإِضْمَارِ وَالِاشْتِرَاكِ وَالتَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ أَضْعَفُ مِمَّا لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ (فَمِنْ الْبُعْدِ) بِمَحَلٍّ (لَا يُحْتَاجُ إلَى اجْتِهَادٍ فِي نَفْيِهِ وَلَوْ) اُحْتِيجَ فِي نَفْيِ الْكُفْرِ وَأَخَوَيْهِ إلَى اجْتِهَادٍ (فَلَا) يُحْتَاجُ إلَيْهِ (عَلَى الْخُصُوصِ بَلْ يَنْتَظِمُهُ) أَيْ نَفْيُ ذَلِكَ (الْعَدَالَةَ) أَيْ الِاجْتِهَادَ فِيهَا فَإِذَا أَدَّى إلَيْهَا حَصَلَ نَفْيُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ احْتِمَالَ الْخَطَأِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ لِيَجْتَهِدَ فِيهِ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ) أَيْ حُكْمَ الْأَصْلِ (مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَوْ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمُتَنَاظِرَيْنِ (فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ وَكَذَا نَفْيُ كَوْنِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (فَرْعًا) لِغَيْرِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا (فَهِيَ) أَيْ مَحَالُّ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِيَاسِ (أَرْبَعَةٌ لِسُقُوطِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (فِي مُعَارِضِ الْأَصْلِ) وَهُوَ أَحَدُ الْمَحَالِّ لَهُ (ضَمِنَهُ) أَيْ ضَمِنَ سُقُوطَ الِاجْتِهَادِ فِي نَفْسِ الْأَصْلِ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ (فَإِثْبَاتُهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْقِيَاسِ) أَيْ شَرْطًا لَازِمًا فِيهِ بَلْ اللَّازِمُ فِي الْقِيَاسِ ثُبُوتُهُ فَإِنَّ حَاصِلَ الْأَصْلِ أَنَّهُ حُكْمٌ دَلَّ عَلَيْهِ سَمْعِيٌّ وَالْمُجْتَهِدُونَ بِصَدَدِ أَنْ يَأْخُذُوا الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ السَّمْعِيَّةِ لِلْعَمَلِ بِهَا فَحِينَ اُجْتُهِدَ فِي السَّمْعِيِّ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى الْقِيَاسِ وَضْعًا بَلْ وُضِعَ لِاجْتِهَادِهِ لِيَعْمَلَ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ سَوَاءٌ قِيسَ عَلَيْهِ أَوْ لَا غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ بَعْدَ مَا ثَبَتَ لِغَرَضِ الْعَمَلِ بِعَيْنِهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ عَمَلًا آخَرَ يَسْتَعْلِمُ بِهِ أَنَّ مَحَلًّا آخَرَ هَلْ فِيهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ أَوْ لَا فَهَذَا الْعَمَلُ هُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ فِيهِ مُسْتَغْنٍ عَنْ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا حَاجَتُهُ الْآنَ إلَيْهِ نَفْسِهِ وَهُوَ مَفْرُوغٌ مِنْهُ لَا إلَى إثْبَاتِهِ وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ الْمُسَاوَاةُ فَذَلِكَ الْعَمَلُ اجْتِهَادٌ لِيَحْصُلَ الْقِيَاسُ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ (وَإِنَّ الِاجْتِهَادَ) أَيْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ (فِي الْعَدَالَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ ظَنَّ الضَّبْطِ فَهُوَ) أَيْ الضَّبْطُ (مَحَلٌّ ثَالِثٌ فِي الْخَبَرِ وَفِي الدَّلَالَةِ إنْ أَفْضَى) الِاجْتِهَادُ (إلَى ظَنِّ كَوْنِهِ) أَيْ الْمَدْلُولِ (حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا لَا يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِ النَّاسِخِ) إذْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا (فَرَابِعٌ) أَيْ فَمَدْلُولُ الْخَبَرِ مَحَلٌّ رَابِعٌ لِلِاجْتِهَادِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ (وَلَا) يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِ (الْمُعَارِضِ) لَهُ (فَخَامِسٌ) أَيْ فَهُوَ مَحَلٌّ خَامِسٌ لِلِاجْتِهَادِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَارِضٍ (وَيَنْدَرِجُ بَحْثُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (عَنْ الْمُخَصَّصِ) إذَا كَانَ الْمَدْلُولُ عَامًّا فِي بَحْثِهِ عَنْ نَفْيِ الْمُعَارِضِ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ صُورَةَ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ (وَفِي الْأَقْيِسَةِ الْمَنْصُوصَةِ الْعِلَّةِ بِغَيْرِ رَاجِحٍ إنْ زَادَ) الْقِيَاسُ مِنْهَا عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ (مَحَلَّانِ) الدَّلَالَةُ وَالْعَدَالَةُ (سَقَطَ) مِنْ مَحَالِّ الِاجْتِهَادِ فِيهِ (مَحَلَّانِ) كَوْنُهُ مُعَلَّلًا وَتَعْيِينُ الْعِلَّةِ فَإِنْ قِيلَ بَلْ عَلَى بَحْثِكُمْ خَمْسَةٌ قُلْنَا لَمَّا فُرِضَ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ تَبَيَّنَ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا يَتَعَدَّى النَّاظِرُ إلَى غَيْرِهِمَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ كَانَ بِرَدِّهِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ (فَقُصِرَ) الْقِيَاسُ عَنْ الْخَبَرِ فِي عَدَدِ مَحَالِّ الِاجْتِهَادِ فَكَانَ الظَّنُّ الَّذِي فِيهِ أَقْوَى مِمَّا فِي الْخَبَرِ ثُمَّ هَذَا نَظَرٌ فِي هَذَا الدَّلِيلِ الْخَاصِّ فَلَا يَقْدَحُ فِي الْمَطْلُوبِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَفِيمَا تَقَدَّمَ) مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ (كِفَايَةٌ) عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ (وَاسْتَدَلَّ) لِلْأَكْثَرِ أَيْضًا (بِثُبُوتِ أَصْلِ الْقِيَاسِ بِالْخَبَرِ) كَخَبَرِ مُعَاذٍ السَّابِقِ (فَلَا يُقَدَّمُ) الْقِيَاسُ (عَلَى أَصْلِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (وَقَدْ يُمْنَعُ الْأَمْرَانِ) أَيْ إثْبَاتُهُ بِالْخَبَرِ لِمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ تَكْلِيفِ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ فِي أَوَاخِرِ مَبَاحِثِ الْقِيَاسِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْخَبَرِ لِأَنَّهُ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ (وَبِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ) أَيْ وَاسْتَدَلَّ لِلْأَكْثَرِ أَيْضًا بِأَنَّ الْخَبَرَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ (وَلَوْلَا الطَّرِيقُ) الْمُوصِلَةُ لَهُ إلَيْنَا لِأَنَّ سَمَاعَ الشَّيْءِ مِنْ قَائِلِهِ مِنْ طُرُقِ الْعِلْمِ بِهِ (بِخِلَافِ الْقِيَاسِ) فَإِنَّهُ ظَنِّيٌّ (وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْحَاصِلُ الْآنَ وَهُوَ) أَيْ الْحَاصِلُ الْآنَ مِنْهُ (مَظْنُونٌ) ثُمَّ مَضَى (هَذَا وَأَمَّا تَقْدِيمُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقِيَاسِ) الَّذِي عِلَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ وَقَطَعَ بِهَا فِي الْفَرْعِ عَلَى الْخَبَرِ (فَلِرُجُوعِهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ الَّذِي هَذَا شَأْنُهُ (إلَى الْعَمَلِ بِرَاجِحٍ مِنْ الْخَبَرَيْنِ

مسألة الاتفاق في أفعاله الجبلية الصادرة بمقتضى طبيعته صلى الله عليه وسلم في أصل خلقته

تَعَارَضَا إذْ النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ نَصٌّ عَلَى الْحُكْمِ فِي مَحَلِّهَا) وَهُوَ الْفَرْعُ (وَقَدْ قَطَعَ بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ (فِيهِ) أَيْ مَحَلِّهَا الَّذِي هُوَ الْفَرْعُ (وَالتَّوَقُّفُ) فِيمَا أَوْجَبْنَاهُ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ رَاجِحٍ وَوُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ ظَنِّيًّا (لِتَعَارُضِ التَّرْجِيحَيْنِ خَبَرَ الْعِلَّةِ بِالْفَرْضِ) فَإِنَّ الْفَرْضَ رُجْحَانُهُ (وَالْآخَرُ) أَيْ وَالْخَبَرُ الْآخَرُ (بِقِلَّةِ الْمُقَدِّمَاتِ) لِعَدَمِ انْضِمَامِ الْقِيَاسِ إلَيْهِ (وَعَلِمْت مَا فِيهِ) فَإِنَّهُ ظَهَرَ بِالْبَحْثِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَقَلُّ مَحَالَّ لِلِاجْتِهَادِ مِنْ الْخَبَرِ (هَذَا إذَا تَسَاوَيَا) أَيْ الْقِيَاسُ وَالْخَبَرُ الْمُتَعَارِضَانِ بِحَيْثُ لَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ (فَإِنْ كَانَا) أَيْ الْخَبَرُ وَالْقِيَاسُ الْمَذْكُورَانِ (عَامًّا) أَحَدُهُمَا (وَخَاصًّا) الْآخَرُ (فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (كَيْفَ اتَّفَقَ) أَيْ سَوَاءٌ خُصَّ بِغَيْرِهِ أَوْ لَا (وَعَدَمُهُ) أَيْ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِهِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي مَسْأَلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَهِيَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ فَعَلَى الشَّافِعِيَّةِ يَخُصُّ الْخَاصُّ مُطْلَقًا وَيَجْرِي فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ اعْتِبَارُهُ بَيْنَ خَبَرِ الْعِلَّةِ وَالْخَبَرِ الْمُعَارِضِ لِمُقْتَضَى الْعِلَّةِ وَتَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ عَنْ كَوْنِهَا مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ قُدِّمَ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَإِنْ كَانَ الْعَامُّ هُوَ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْمُعَارِضَ لِخَبَرِ الْعِلَّةِ يَكُونُ الْعَمَلُ فِيمَا سِوَى مَحَلِّ الْقِيَاسِ الَّذِي بِهِ وَقَعَ التَّخْصِيصُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَفِي الَّذِي أَخْرَجَهُ نَصُّ الْعِلَّةِ بِخَبَرِ الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ الْعَامُّ خَبَرَ الْعِلَّةِ فَعَلَى الْقَلْبِ أَيْ يَكُونُ الْعَمَلُ بِمَا بِهِ التَّخْصِيصُ وَهُوَ الْمُخْرَجُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَفِي غَيْرِهِ بِخَبَرِ الْعِلَّةِ وَعَلَى الْحَنَفِيَّةِ يَتَعَارَضَانِ وَيُرَجَّحُ فَيَكُونُ إمَّا عَمَلًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْكُلِّ وَأُهْدِرَ خَبَرُ الْعِلَّةِ أَوْ بِخَبَرِ الْعِلَّةِ فِي الْكُلِّ وَأُهْدِرَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالثَّانِي اعْتِبَارُهُ بَيْنَ الْقِيَاسِ وَالْخَبَرِ الْمُعَارِضِ لَهُ فَيَخُصُّ الْقِيَاسُ عُمُومَ ذَلِكَ الْخَبَرِ بِأَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْفَرْدِ وَبِالْقَلْبِ هَذَا وَفِي الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ الْخَبَرُ أَعَمَّ مِنْ الْقِيَاسِ خَصَّهُ الْقِيَاسُ جَمْعًا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ الْقِيَاسِ وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ أَخَصَّ مِنْ الْقِيَاسِ فَعَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَعَدَمِ بُطْلَانِهَا بِهِ يُعْمَلُ بِالْخَبَرِ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَبِالْقِيَاسِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى بُطْلَانِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ هُمَا مُتَعَارِضَانِ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَهُوَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ فِي أَفْعَالِهِ الْجِبِلِّيَّةِ الصَّادِرَةِ بِمُقْتَضَى طَبِيعَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ] (مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ فِي أَفْعَالِهِ الْجِبِلِّيَّةِ) أَيْ الصَّادِرَةِ بِمُقْتَضَى طَبِيعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالنَّوْمِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (الْإِبَاحَةُ لَنَا وَلَهُ وَفِيمَا ثَبَتَ خُصُوصُهُ) أَيْ كَوْنِهِ مِنْ خَصَائِصِهِ كَإِبَاحَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ فِي النِّكَاحِ وَإِبَاحَةِ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ (اخْتِصَاصُهُ) بِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ (وَفِيمَا ظَهَرَ بَيَانًا بِقَوْلِهِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] ( «وَخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» (فِي أَثْنَاءِ حَجِّهِ) أَيْ وَهُوَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] (أَوْ) بَيَانًا بِفِعْلٍ صَالِحٍ لِلْبَيَانِ (بِقَرِينَةِ حَالٍ كَصُدُورِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (عِنْدَ الْحَاجَةِ) إلَى بَيَانِ لَفْظٍ مُجْمَلٍ (بَعْدَ تَقَدُّمِ إجْمَالٍ) لَهُ حَالَ كَوْنِ الْفِعْلِ (صَالِحًا لِبَيَانِهِ) يَكُونُ بَيَانًا لَا مَحَالَةَ وَإِلَّا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَكَأَنَّهُ حَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ بَيَانًا (كَالْقَطْعِ مِنْ الْكُوعِ وَالتَّيَمُّمِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ أَنَّهُ بَيَانٌ لِآيَتَيْهِمَا) أَيْ السَّرِقَةِ وَالتَّيَمُّمِ إذْ قَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي تُذَيِّلُ بَحْثَ الْمُجْمَلِ أَنَّ الْإِجْمَالَ فِي آيَةِ الْقَطْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحَلِّ وَأَمَّا أَنَّهُ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ فِي الْيَدِ فَتَقَدَّمَ نَفْيُهُ ثَمَّةَ فَحِينَئِذٍ التَّمْثِيلُ بِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ الشِّرْذِمَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا مُجْمَلَةٌ أَوْ يُرَادُ بِكَوْنِهِ بَيَانًا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ أَوْ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ مُطْلَقٍ ثُمَّ قَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَدِيٍّ هُوَ ابْنُ عَدِيٍّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ مِنْ الْمَفْصِلِ» وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَكُونُ قَطْعُهَا مِنْ الْكُوعِ بَيَانًا بِفِعْلِهِ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ بَاشَرَ الْقَطْعَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ كَمَا فِيمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ نَائِمًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثِيَابُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَأَتَى سَارِقٌ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فَأَقَرَّ السَّارِقُ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْطَعَ مِنْ الْمَفْصِلِ» فَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْقَوْلِ لَا بِالْفِعْلِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ كَفِعْلِهِ لِمَا كَانَ بِأَمْرِهِ وَفِيهِ مَا فِيهِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ «نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْكُمْ بِالْأَرْضِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ لِوَجْهِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ بِهَا عَلَى يَدَيْهِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ» وَفِي إسْنَادِهِ الْمُثَنَّى بْنُ صَبَّاحٍ ضَعِيفٌ لَكِنْ تَابَعَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَفِي كَوْنِ هَذَا مُبِينًا لِآيَةِ التَّيَمُّمِ كَلَامٌ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ بِهِ أَلْيَقُ (بِخِلَافِهِمَا) أَيْ الْمَرْفِقَيْنِ (فِي الْغَسْلِ) فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ غَسْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُمَا كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَيْسَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] (لِذِكْرِ الْغَايَةِ وَعَدَمِ إجْمَالِ أَدَاتِهَا) أَيْ الْغَايَةِ بِخِلَافِ آيَةِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِيهَا (وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ ذَلِكَ) أَيْ الْبَيَانُ وَالْخُصُوصِيَّةُ (وَعُرِفَ صِفَتُهُ) فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ وُجُوبٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ نَدْبٍ وَإِبَاحَةٍ (فَالْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْجَصَّاصُ أُمَّتُهُ مِثْلُهُ) فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ نُدِبَ أَوْ أُبِيحَ لَهُ نُدِبَ أَوْ أُبِيحَ لَهُمْ (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَلَّادٍ أُمَّتُهُ مِثْلُهُ (فِي الْعِبَادَات) فَقَطْ (وَالْكَرْخِيُّ) وَالدَّقَّاقُ وَالْأَشْعَرِيَّةُ (يَخُصُّهُ) أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفِعْلَ بِصِفَتِهِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ (إلَى) قِيَامِ (دَلِيلِ الْعُمُومِ) لَهُمْ أَيْضًا (وَقِيلَ) هُوَ (كَمَا لَوْ جَهِلَ) أَيْ لَمْ يَعْلَمْ وَصْفَهُ (وَلَيْسَ) هَذَا الْقَوْلُ (مُحَرَّرًا إلَّا أَنْ يَعْرِفَ قَوْلَهُ) أَيْ هَذَا الْقَائِلُ (فِي الْمَجْهُولِ) وَصْفَهُ (وَلَمْ يَدْرِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ قَوْلَهُ فِيهِ فَفِي الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ جَهَالَةٌ (أَوْ يُرِيدُ مَنْ قَالَ فِي الْمَجْهُولِ) مَا قَالَ (فَلَهُ فِي الْمَعْلُومِ مِثْلُهُ فَبَاطِلٌ فَمَنْ سَيَعْلَمُ قَائِلًا بِالْإِبَاحَةِ فِي الْمَجْهُولِ قَوْلُهُمْ فِي الْمَعْلُومِ شُمُولُ صِفَتِهِ) لَهُمْ أَيْضًا فَقَوْلُهُ فَمَنْ سَيَعْلَمُ مُبْتَدَأٌ وَقَائِلًا حَالٌ مِنْهُ وَقَوْلُهُمْ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَشُمُولُ صِفَتِهِ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ وَقَدْ أَجْرَى الْمُصَنِّفُ الِاسْتِعْمَالَيْنِ الْإِفْرَادَ وَالْجَمْعَ فِي مَنْ فَالْإِفْرَادُ فِي قَوْلِهِ قَائِلًا وَالْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ قَوْلُهُمْ (لَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَرْجِعُونَ إلَى فِعْلِهِ احْتِجَاجًا وَاقْتِدَاءً كَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ «فَقَالَ عُمَرُ لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك» ) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَلَمْ يُنْكِرْ) عَلَى عُمَرَ ذَلِكَ (وَتَقْبِيلِ الزَّوْجَةِ صَائِمًا) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (وَكَثِيرٌ) وَلَا سِيَّمَا فِي أَبْوَابِ الْعِبَادَاتِ كَمَا يُحِيطُ بِهِ مُسْتَقْرَؤُهُ مِنْ دَوَاوِينِ السُّنَّةِ (وَأَيْضًا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وَالتَّأَسِّي فِعْلُ مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ فِعْلِ الْغَيْرِ (عَلَى وَجْهِهِ لِأَجْلِهِ) فَاحْتَرَزَ بِمِثْلِ فِعْلِهِ عَمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ بِأَنْ تَخْتَلِفَ صُورَةُ الْفِعْلِ كَالْقِيَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُعُودِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَأَسِّيًا وَبِعَلَى وَجْهِهِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا لَهُ فِي الصِّفَةِ وَالْغَرَضِ وَالنِّيَّةِ عَمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ وَاجِبًا عَلَى قَصْدِ الْوُجُوبِ لَا يَكُونُ مُتَأَسِّيًا بِمَنْ فَعَلَهُ عَلَى قَصْدِ النَّدْبِ وَإِنْ تَوَافَقَا فِي الصُّورَةِ وَبِقَوْلِهِ لِأَجْلِهِ عَمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ اتَّفَقَ فِعْلُ جَمَاعَةٍ فِي الصُّورَةِ وَالصِّفَةِ وَالْقَصْدِ وَلَمْ يَكُنْ فِعْلُ أَحَدِهِمْ لِأَجْلِ فِعْلِ الْآخَرِ كَاتِّفَاقِ جَمَاعَةٍ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ صَوْمِ رَمَضَانَ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ لَا يُقَالُ تَأَسَّى الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ وَلَا يُخِلُّ بِالتَّأَسِّي مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْقُيُودِ اخْتِلَافُ الْفِعْلَيْنِ زَمَانًا وَمَكَانًا إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالْمَكَانِ كَاخْتِصَاصِ الْحَجِّ بِعَرَفَاتٍ أَوْ بِالزَّمَانِ كَاخْتِصَاصِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِهِ وَلَا كَوْنُ فِعْلِ الْغَيْرِ مُتَكَرِّرًا أَوْ لَا وَمِثْلُ التَّأَسِّي فِي الْفِعْلِ التَّأَسِّي فِي التَّرْكِ وَهُوَ تَرْكُ الشَّخْصِ فِعْلًا مِثْلَ مَا تَرَكَهُ الْآخَرُ عَلَى وَجْهِهِ لِأَجْلِهِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ قَوْله تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ لِلْغَيْرِ فِعْلُ مِثْلِ فِعْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ وَإِلَّا فَفِعْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ مُنَازَعَةٌ لَا مُتَابَعَةٌ (وَأَمَّا) قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] (فَبِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ) يَدُلُّ (عَلَى اتِّحَادِ حُكْمِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِهِمْ) أَيْ مَعَ حُكْمِ الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَّلَ تَزْوِيجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْيِ الْحَرَجِ الْكَائِنِ فِي تَحْرِيمِ

زَوْجَاتِ الْأَدْعِيَاءِ وَمَفْهُومُهُ لَوْ لَمْ يُزَوِّجْهُ ثَبَتَ الْحَرَجُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ وَثُبُوتُ الْحَرَجِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا اتَّحَدَ حُكْمُهُمْ بِحُكْمِهِ وَلَمْ يَتَّحِدَ (وَمَا جَهِلَ وَصْفَهُ) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَى الْأُمَّةِ مَذَاهِبُ (فَأَبُو الْيُسْرِ) قَالَ (إنْ) كَانَ (مُعَامَلَةً فَالْإِبَاحَةُ إجْمَاعٌ وَالْخِلَافُ) إنَّمَا هُوَ (فِي الْقُرْبِ فَمَالِكٌ شُمُولَ الْوُجُوبِ) لَهُ وَلَنَا (كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَشْفِ (مُتَعَرِّضًا لِلْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقَوْلِ الْكَرْخِيِّ مُبَاحٌ فِي حَقِّهِ لِلتَّيَقُّنِ) أَيْ تَيَقُّنِهَا فِي الْفِعْلِ فَوَجَبَ إثْبَاتُهَا دُونَ غَيْرِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ (وَلَيْسَ لَنَا اتِّبَاعُهُ) إلَّا بِدَلِيلٍ كَمَا سَيَأْتِي تَوْجِيهُهُ (وَقَوْلُ الْجَصَّاصِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ) وَمُتَابِعِيهِمْ (الْإِبَاحَةُ فِي حَقِّهِ وَلَنَا اتِّبَاعُهُ) مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ (وَالْقَوْلَانِ) أَيْ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَقَوْلُ الْجَصَّاصِ وَمُوَافِقِيهِ (يُعَكِّرَانِ نَقْلَ أَبِي الْيُسْرِ) الْإِجْمَاعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقُرْبِ وَغَيْرِهَا فَيَتَنَاوَلُ الْمُعَامَلَةَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ مَا لَيْسَ بِمُعَامَلَةٍ بِقَرِينَةِ جَعْلِهِ قَسِيمًا لَهَا (وَخَصَّ الْمُحَقِّقُونَ الْخِلَافَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّةِ فَالْوُجُوبُ) وَهُوَ مَعْزُوٌّ وَفِي الْمَحْصُولِ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَابْنِ خَيْرَانِ وَفِي الْقَوَاطِعِ إلَى مَالِكٍ وَالْكَرْخِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا (وَالنَّدْبُ) وَهُوَ مَعْزُوٌّ وَفِي الْمَحْصُولِ إلَى الشَّافِعِيِّ وَفِي الْقَوَاطِعِ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ والْمُعْتَزِلَةِ وَالصَّيْرَفِيِّ وَالْقَفَّالُ (وَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ الْإِبَاحَةَ وَهُوَ مَعْزُوٌّ فِي الْمَحْصُولِ إلَى مَالِكٍ (وَالْوَقْفُ) وَهُوَ مَعْزُوٌّ فِي الْمَحْصُولِ إلَى الصَّيْرَفِيِّ وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ وَفِي الْقَوَاطِعِ إلَى أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالدَّقَّاقِ وَابْنِ كَجٍّ وَفِي غَيْرِهِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ (وَمُخْتَارُ الْآمِدِيِّ) وَابْنِ الْحَاجِبِ (إنْ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ فَالنَّدْبُ وَإِلَّا فَالْإِبَاحَةُ وَيَجِبُ) أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ (قَيْدًا لِقَوْلِ الْإِبَاحَةِ لِلْأُمَّةِ) وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ مَا هُوَ مِنْ الْقُرْبِ عَمَلُهُ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَعْلِيلِ الْإِبَاحَةِ بِالتَّيَقُّنِ (الْوُجُوبُ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] أَيْ افْعَلُوهُ فَفِعْلُهُ مِمَّا أَتَى بِهِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ (أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا أَمَرَكُمْ) بِهِ قَوْلًا (بِقَرِينَةِ مُقَابِلِهِ وَمَا نَهَاكُمْ) لِيَتَجَاوَبَ طَرَفَا النَّظْمِ وَهُوَ اللَّائِقُ بِالْفَصَاحَةِ الْوَاجِبِ رِعَايَتُهَا فِي الْقُرْآنِ (قَالُوا) ثَانِيًا قَالَ تَعَالَى {فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ (قُلْنَا هُوَ) أَيْ الِاتِّبَاعُ (فِي الْفِعْلِ فَرْعُ الْعِلْمِ بِصِفَتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ فِي حَقِّ الْمُتَّبِعِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الِاتِّبَاعَ فِي الْفِعْلِ (فِعْلُهُ عَلَى وَجْهِ فِعْلِهِ) الْمُتَّبَعِ (وَالْكَلَامُ فِي مَجْهُولِهَا) أَيْ الصِّفَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاتِّبَاعُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَةِ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَقَدْ مَنَعَ اعْتِبَارَ الْعِلْمِ بِصِفَةِ الْفِعْلِ فِي الِاتِّبَاعِ فِيهِ) أَيْ الْفِعْلِ بِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاتِّبَاعَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِصِفَةِ الْفِعْلِ بَلْ يَجِبُ الْفِعْلُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صِفَتَهُ فِي حَقِّ الْمُتَّبِعِ وَرَشَّحَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَفِي عِبَارَةِ الْإِبَاحَةِ وَلَنَا اتِّبَاعُهُ) أَيْ سَوَاءٌ عُلِمَتْ صِفَةُ الْفِعْلِ أَوْ لَا فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ (بَلْ الْجَوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ وَهُوَ فَاتَّبِعُوهُ عَامٌّ (مَخْصُوصٌ إذْ لَا يَجِبُ قِيَامٌ وَقُعُودٌ وَتَكْرِيرُ عِمَامَةٍ وَمَا لَا يُحْصَى) مِنْ الْأَفْعَالِ أَيْ الِاتِّبَاعِ فِيهَا (وَلَا مُخَصِّصَ مُعَيِّنَ فَأَخَصَّ الْخُصُوصَ) أَيْ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الدَّلِيلِ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ (مِنْ مَعْلُومِ صِفَةِ الْوُجُوبِ) أَيْ مَا كَانَ مِنْ الْأَفْعَالِ مَعْلُومًا صِفَتُهُ مِنْ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (قَالُوا) ثَالِثًا (لَقَدْ كَانَ إلَى آخِرِهَا) قَضِيَّةً (شَرْطِيَّةً مَضْمُونُهَا لُزُومُ التَّأَسِّي لِلْإِيمَانِ) إذْ مَعْنَاهُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ فَلَهُ فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (وَلَازِمُهَا عَكْسُ نَقِيضِهَا عَدَمُ الْإِيمَانِ لِعَدَمِ التَّأَسِّي وَعَدَمُهُ) أَيْ الْإِيمَانِ (حَرَامٌ فَكَذَا) مَلْزُومُهُ الَّذِي هُوَ (عَدَمُ التَّأَسِّي فَنَقِيضُهُ) وَهُوَ الْإِيمَانُ (وَاجِبٌ) فَكَذَا لَازِمُهُ الَّذِي هُوَ التَّأَسِّي وَإِلَّا ارْتَفَعَ اللُّزُومُ (وَالْجَوَابُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ مَا قَبْلَهُ (لِأَنَّ التَّأَسِّي كَالِاتِّبَاعِ) وَهُوَ الْفِعْلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ لِأَجْلِهِ فَيَتَوَقَّفُ إثْبَاتُ الْوُجُوبِ عَلَيْنَا عَلَى الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ (وَفِيهِ) مِنْ الْبَحْثِ (مِثْلُ مَا قَبْلَهُ) وَهُوَ مَنْعُ اعْتِبَارِ الْعِلْمِ بِصِفَةِ الْفِعْلِ فِي الِائْتِسَاءِ (وَمِنْهُ) أَيْ مِمَّا قَبْلَهُ مِنْ الْجَوَابِ

يُؤْخَذُ أَيْضًا (الْجَوَابُ الْمُخْتَارُ) وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ التَّأَسِّي فِيمَا عُلِمَ وُجُوبُهُ (قَالُوا) رَابِعًا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إذَا خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَخَلَعُوا أَيْ أَصْحَابُهُ نِعَالَهُمْ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ أَلْقَيْتُمْ نِعَالَكُمْ قَالُوا رَأَيْنَاك أَلْقَيْت فَأَلْقَيْنَا قَالَ إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا أَذًى» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ (فَأَقَرَّهُمْ عَلَى اسْتِدْلَالِهِمْ) بِفِعْلِهِ (وَبَيَّنَ سَبَبَ اخْتِصَاصِهِ بِهِ) أَيْ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ وَهُوَ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى (إذْ ذَاكَ) وَلَوْلَا وُجُوبُ الِاتِّبَاعِ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ (قُلْنَا دَلِيلُهُمْ) عَلَى الْوُجُوبِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (لَا فِعْلُهُ أَوْ فَهْمُهُمْ الْقُرْبَةَ) مِنْ الْخَلْعِ وَإِلَّا لَحَرُمَ أَوْ كُرِهَ (أَوْ مَنْدُوبًا) لَا وَاجِبًا (قَالُوا) خَامِسًا (أَمَرَهُمْ) أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ (بِالْفَسْخِ) أَيْ فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ (فَتَوَقَّفُوا) عَنْ الْفَسْخِ (لِعَدَمِ فَسْخِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ) أَيْ تَوَقُّفَهُمْ لِعَدَمِ فَسْخِهِ (وَبَيَّنَ مَانِعًا) مِنْ الْفَسْخِ (يَخُصُّهُ وَهُوَ) أَيْ الْمَانِعُ (سَوْقُ الْهَدْيِ كَذَا ذَكَرَ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ عُمْرَةً وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ وَأَنَّ النَّاسَ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَنْ نَظَرَ السُّنَنَ فَعَلِمَ أَنَّهُ غَضِبَ مِنْ تَوَقُّفِهِمْ) فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ مَضَيْنَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهُوَ غَضْبَانُ فَقُلْت مَنْ أَغْضَبك يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَشْعَرْت أَنِّي أَمَرْت النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ وَلَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَحِلَّ كَمَا أَحَلُّوا» ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ (لَمْ يَلْزَمْ) مِنْهُ أَنَّهُ غَضَب لِتَوَقُّفِهِمْ (لِعَدَمِ الْفِعْلِ) مِنْهُ (بَلْ) إنَّمَا غَضِبَ (لِكَوْنِهِ) أَيْ تَوَقُّفِهِمْ (بَعْدَ الْأَمْرِ ثُمَّ بَيَّنَ مَانِعَهُ) مِنْ الْفِعْلِ فَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُمْ لَمْ يُنْكِرْهُ (وَأَحْسَنُ الْمَخَارِجِ لَهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (ظَنُّهُ) أَيْ الْأَمْرِ بِالْفَسْخِ (أَمْرَ إبَاحَةٍ رُخْصَةٌ تَرْفِيهًا) لَهُمْ (وَأَظْهَرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ عَلَى مَا فِيهِ (أَمْرُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ (بِالْحَلْقِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ فَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ ثُمَّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ ثُمَّ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ مُخَفَّفَةٌ وَمُثَقَّلَةٌ وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى التَّثْقِيلِ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ مِنْ جِهَةِ جُدَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشْرَةُ أَمْيَالٍ (فَلَمْ يَفْعَلُوا حَتَّى حَلَقَ فَازْدَحَمُوا) كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَلَى مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اُخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَك وَتَدْعُوَ حَالِقَك فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضَهُمْ غَمًّا» اهـ إذْ هَذَا أَظْهَرُ فِي إفَادَةِ أَنَّ تَوَقُّفَهُمْ كَانَ لِعَدَمِ فِعْلِهِ فَلَمَّا فَعَلَ فَعَلُوا (وَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ) عَنْ هَذَا الْخَامِسِ (بِأَنَّ الْفَهْمَ) لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْ فِعْلِهِ فَقَطْ بَلْ (مِنْ) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (خُذُوا عَنِّي) مَنَاسِكَكُمْ وَهُوَ لَمْ يَحِلَّ فَلَمْ يَحِلُّوا كَمَا أَجَابُوا بِهِ (لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَهُ بَعْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ حِينَ أَمْرِهِمْ بِالْفَسْخِ وَحَلْقِهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ لِأَنَّهُ قَالَهُ وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ قَطْعًا وَأَمَّا أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ أَمْرِهِمْ بِالْفَسْخِ فَلِأَنَّ أَمْرَهُمْ بِهِ كَانَ فِي أَوَائِلِ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ (بَلْ) الْجَوَابُ (مَا ذَكَرْنَا) وَهُوَ ظَنُّهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ أَمْرُ إبَاحَةٍ فَلَمْ يَفْعَلُوا أَخْذًا بِالْأَحْمَزِ (أَوْ بِحَلْقِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عُرِفَ حَتْمُهُ) أَيْ أَنَّهُ أَمْرُ إيجَابٍ هَذَا وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ عَقِبَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَوْلَا أَنِّي سُقْت الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت أَلَا فَخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَلَعَلَّهُ قَالَهُ مِرَارًا وَعَلَى هَذَا فَيَتِمُّ ذَلِكَ الْجَوَابُ أَيْضًا (قَالُوا) سَادِسًا (اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ) لِقَدْرِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ (ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ) أَيْ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِهِ

كَمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ حَدِيثٍ لِأَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ لَكِنْ لَا (لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ فِعْلُهُ) بَلْ لِقَوْلِهَا «إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ» وَإِنْ كَانَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْهَا بِغَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ بَعْدَ هَذَا اللَّفْظِ «فَعَلْته أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْتَسَلْنَا» (أُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ قَوْلًا «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ وَهْبٍ (وَإِنَّمَا يُفِيدُ) هَذَا الْجَوَابَ (إذَا رَوَتْهُ) أَيْ عَائِشَةُ هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ (لَهُمْ) أَيْ لِلصَّحَابَةِ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (أَوْ هُوَ) أَيْ الْفِعْلُ الَّذِي رَوَتْهُ عَائِشَةُ مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ (بَيَانُ) قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ أَيْ فَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلُهُ بَلْ إلَى أَمْرِهِ تَعَالَى بِالِاطِّهَارِ لِلْجُنُبِ وَبِالْفِعْلِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَنَابَةَ تَثْبُتُ بِهِ كَمَا تَثْبُتُ بِالْإِنْزَالِ فَثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الْكِتَابِ وَهُوَ إيجَابُ الْغُسْلِ فَإِذَنْ لَيْسَ هُوَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ قِسْمِ الْأَفْعَالِ الْبَيَانِيَّةِ (أَوْ تَنَاوُلِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (إذْ هُوَ) أَيْ الْغُسْلُ (شَرْطُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ وَهُوَ إنَّمَا صَلَّى بَعْدَ الِالْتِقَاءِ بِالْغُسْلِ (أَوْ لِفَهْمِ الْوُجُوبِ مِنْهَا) أَيْ عَائِشَةَ حَيْثُ حَكَتْ فِعْلَهُ وَالِاغْتِسَالَ مِنْهُ (إذْ كَانَ خِلَافُهُمْ فِيهِ) أَيْ فِي وُجُوبِهِ أَيْ أَوْ لِفَهْمِ الْوُجُوبِ مِنْ حِكَايَتِهَا بِقَرِينَةٍ وَهِيَ سُؤَالُهُمْ لَهَا بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوُجُوبِ إذْ لَوْلَا إشْعَارُ الْجَوَابِ بِهِ لَمَا تَطَابَقَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مِمَّا عُلِمَ صِفَتُهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ (قَالُوا) سَابِعًا الْوُجُوبُ (أَحْوَطُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْنِ مِنْ الْإِثْمِ قَطْعًا فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ الِاحْتِيَاطَ (فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ) عَلَى الْأُمَّةِ (وَفِعْلُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يَحْتَمِلُهُ) أَيْ التَّحْرِيمَ عَلَى الْأُمَّةِ (وَرُدَّ) هَذَا (بِوُجُوبِ صَوْمِ) يَوْمِ (الثَّلَاثِينَ) مِنْ رَمَضَانَ (إذَا غُمَّ الْهِلَالُ) لِشَوَّالٍ بِالِاحْتِيَاطِ وَإِنْ احْتَمَلَ كَوْنُهُ حَرَامًا لِكَوْنِهِ يَوْمَ الْعِيدِ (بَلْ الْجَوَابُ) عَنْ أَصْلِ الدَّلِيلِ (أَنَّهُ) أَيْ الِاحْتِيَاطَ إنَّمَا شُرِعَ (فِيمَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ كَصَلَاةٍ نُسِيَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخُمُسُ احْتِيَاطًا (أَوْ كَانَ) ثُبُوتُ الْوُجُوبِ (الْأَصْلَ كَصَوْمِ) يَوْمِ (الثَّلَاثِينَ) مِنْ رَمَضَانَ إذْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ (النَّدْبُ الْوُجُوبُ يَسْتَلْزِمُ التَّبْلِيغَ) دَفْعًا لِلتَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ (وَهُوَ) أَيْ التَّبْلِيغُ (مُنْتَفٍ بِالْفَرْضِ) إذْ الْكَلَامُ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ (وَأُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تَنْفِي الْمُبَاحَ) لِأَنَّهَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَلَا مَدْحَ عَلَى الْمُبَاحِ (فَتَعَيَّنَ النَّدْبُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ) الشَّرْعِيَّةَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ إبَاحَةً (تَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ التَّبْلِيغَ فَإِنَّ وُجُوبَ التَّبْلِيغِ يَعُمُّهَا (فَلَوْ انْتَفَى) التَّبْلِيغُ (انْتَفَى النَّدْبُ أَيْضًا وَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ حُسْنُ الِائْتِسَاءِ وَيَصْدُقُ) حُسْنُهُ (مَعَ الْمُبَاحِ) لِأَنَّ الْمُبَاحَ حَسَنٌ (قَالُوا) أَيْ النَّادِبُونَ ثَانِيًا (هُوَ) أَيْ النَّدْبُ (الْغَالِبُ مِنْ أَفْعَالِهِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ الْإِبَاحَةُ هُوَ) أَيْ الْمُبَاحُ (الْمُتَيَقَّنُ) لِانْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ وَالْوُجُوبِ (فَيَنْتَفِي الزَّائِدُ) عَلَيْهَا (لِنَفْيِ الدَّلِيلِ) لَهُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا (وَجْهُ) قَوْلِ (الْآمِدِيِّ إذَا لَمْ تَظْهَرْ الْقُرْبَةُ) أَيْ قَصْدُهَا فِيهِ (وَإِلَّا) إذَا ظَهَرَ قَصْدُهَا فِيهِ (فَالنَّدْبُ) لِظُهُورِ الرُّجْحَانِ فِيهِ (وَيَجِبُ كَوْنُهُ) أَيْ الْقَوْلُ بِالْإِبَاحَةِ (كَذَا) أَيْ نَدْبًا عِنْدَ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ (لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ (بِمِثْلِهِ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهِ (وَهُوَ) أَيْ النَّدْبُ (أَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مَعَهَا) أَيْ الْقُرْبَةِ (إلَّا أَنْ لَا يُتْرَكَ) ذَلِكَ الْفِعْلُ (مَرَّةً عَلَى أُصُولِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فَالْوُجُوبُ) يَكُونُ حُكْمَ ذَلِكَ الْفِعْلِ حِينَئِذٍ (وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ الْقَرِينَةِ) لِلْقُرْبَةِ (الْمُتَيَقَّنِ الْإِبَاحَةِ وَعِنْدَ ظُهُورِهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ لِلْقُرْبَةِ (وُجِدَ دَلِيلُ الزِّيَادَةِ) عَلَى الْإِبَاحَةِ (وَالنَّدْبُ مُتَيَقَّنٌ فَيَنْتَفِي الزَّائِدُ) وَهُوَ الْوُجُوبُ (وَعَدَمُ التَّرْكِ مَرَّةً دَلِيلُ حَامِلِ الْوُجُوبِ الْكَرْخِيُّ جَازَتْ الْخُصُوصِيَّةُ) أَيْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ خَوَاصِّهِ كَمَا جَازَ مُشَارَكَةُ الْأُمَّةِ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ بِالْبَعْضِ وَمُشَارَكَةُ الْأُمَّةِ لَهُ فِي الْبَعْضِ (فَاحْتَمَلَ فِعْلُهُ التَّحْرِيمَ) عَلَى الْأُمَّةِ كَمَا احْتَمَلَ الْإِطْلَاقَ لَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ (فَيَمْنَعُ) فِعْلُهُ لَهُمْ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ يُرَجِّحُ أَحَدَ هَذَيْنِ الْجَائِزَيْنِ (الْجَوَابُ أَنَّ وَضْعَ مَقَامِ النُّبُوَّةِ لِلِاقْتِدَاءِ قَالَ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124]

مسألة إذا علم النبي صلى الله علية وسلم بفعل وإن لم يره

فَثَبَتَ) جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ فِيهِ (مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خُصُوصٌ) لَهُ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ الْخُصُوصُ (نَادِرٌ لَا يَمْنَعُ احْتِمَالُهُ) جَوَازَ الِاقْتِدَاءِ (الْوَاقِفِ صِفَتُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (غَيْرُ مَعْلُومَةٍ) بِالْفَرْضِ (وَالْمُتَابَعَةُ) إنَّمَا تَكُونُ (بِعِلْمِهَا) أَيْ صِفَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَالْحُكْمُ بِأَنَّ الْمَجْهُولَ كَذَا) أَيْ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ (بِعَيْنِهِ فِي حَقِّهِ كَالْكَرْخِيِّ وَمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَنَاقِلِ الْوُجُوبِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) مِنْ وُجُوبِهِ وَهُوَ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] ثُمَّ قَوْلُهُ فَالْحُكْمُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (تَحَكُّمٌ بَاطِلٌ يَجِبُ التَّوَقُّفُ عَنْهُ وَنَصَّ عَلَى إطْلَاقِهِمْ) أَيْ الْوَاقِفِيَّةِ (الْفِعْلَ) لِلْأُمَّةِ وَالنَّاصُّ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ فِي التَّلْوِيحِ (وَلَا يُنَافِي) إطْلَاقُهُمْ الْفِعْلَ لِلْأُمَّةِ (الْوَقْفَ) فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَقِّنَا (لِأَنَّهُ) أَيْ مُجَرَّدَ الْإِذْنِ فِي الْفِعْلِ لَيْسَ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْإِبَاحَةُ وَإِنَّمَا هُوَ (جُزْءُ الْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ الْإِبَاحَةُ إذْ تَمَامُهَا إطْلَاقُ الْفِعْلِ وَإِطْلَاقُ التَّرْكِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى مُجَرَّدِ إطْلَاقِ الْفِعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى إطْلَاقِ التَّرْكِ لِجَوَازِ كَوْنِ الثَّابِتِ مَعَ إطْلَاقِ الْفِعْلِ حُرْمَتَهُ أَوْ كَرَاهَتَهُ تَنْزِيهًا فَإِثْبَاتُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْهُمَا فِي التَّرْكِ تَحَكُّمٌ (فَلَمْ يُحْكَمْ فِي حَقِّهِ وَلَا حَقِّ الْأُمَّةِ بِحُكْمٍ وَهُوَ) أَيْ إطْلَاقُهُمْ الْفِعْلَ فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا (مُقْتَضَى الدَّلِيلِ لِمَنْعِ شَرْطِ الْعِلْمِ) بِحَالِ الْفِعْلِ (فِي الْمُتَابَعَةِ) فِي جَانِبِ الْفِعْلِ (وَالتَّحَكُّمُ) أَيْ وَمَنْعُ التَّحَكُّمِ فِي جَانِبِ التَّرْكِ (وَيَجِبُ حَمْلُ الْإِبَاحَةِ عَلَيْهِ) أَيْ إطْلَاقِ الْفِعْلِ (لَا) عَلَى الْمَعْنَى (الْمُصْطَلَحِ) لَهَا وَهُوَ جَوَازُ الْفِعْلِ مَعَ جَوَازِ التَّرْكِ (لِانْتِفَاءِ التَّيَقُّنِ فِيهِ) أَيْ الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا بِعَيْنِهِ (النَّدْبُ) أَيْ جَازَ فِيهِ فَهُوَ (فِي الْقُرْبَةِ عَلَى مُجَرَّدِ تَرْجِيحِ الْفِعْلِ لِنَفْيِ التَّحَكُّمِ) فَإِنَّ الْقُرْبَةَ لَيْسَ مُقْتَضَاهَا إلَّا أَنْ يُرَجَّحَ الْفِعْلُ عَلَى التَّرْكِ وَذَلِكَ يُصَدَّقُ مَعَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ الْمُصْطَلَحِ فَإِثْبَاتُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فِي التَّرْكِ تَحَكُّمٌ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الْوَقْفُ مَا ذَكَرْنَا انْتَفَى دَفَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِنَا الْمُنْصَبِّ لِلِاقْتِدَاءِ إلَخْ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاقِفَ لَا يَمْنَعُ الِاتِّبَاعَ مُطْلَقًا بَلْ يُجِيزُ الْفِعْلَ وَحِينَئِذٍ (فَدَلِيلُهُمْ) أَيْ الْوَاقِفِيَّةِ (مِنْ غَيْرِهِمْ) جَارٍ (عَلَى لِسَانِهِمْ) لَا لَهُمْ (وَإِنَّمَا) الْمُنَاسِبُ لَهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ (هُوَ) أَيْ دَلِيلُهُمْ (احْتِمَالَاتٌ مُتَسَاوِيَةٌ فَلَا يَتَحَكَّمُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَمُجَرَّدُ إطْلَاقِ الْفِعْلِ ثَابِتٌ بِمَا ذَكَرْنَا) فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ إذَا عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه علية وَسَلَّمَ بِفِعْلٍ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ] (مَسْأَلَةٌ إذَا عَلِمَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِفِعْلٍ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلَ (فَسَكَتَ) عَنْ إنْكَارِهِ حَالَ كَوْنِهِ (قَادِرًا عَلَى إنْكَارِهِ فَإِنْ) كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ (مُعْتَقَدَ كَافِرٍ) أَيْ مِمَّا عُلِمَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْكِرٌ لَهُ وَتَرَكَ إنْكَارَهُ فِي الْحَالِ لِعِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الْكَافِرَ عَلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ وَبِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ فِي الْحَالِ (فَلَا أَثَرَ لِسُكُوتِهِ) وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْجَوَازِ اتِّفَاقًا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقَدَ كَافِرٍ (فَإِنْ سَبَقَ تَحْرِيمُهُ بِعَامٍّ فَنَسْخٌ) لِتَحْرِيمِهِ مِنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (أَوْ تَخْصِيصٌ) لَهُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (عَلَى الْخِلَافِ) بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ نَسْخٌ أَوْ تَخْصِيصٌ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَسْبِقْ تَحْرِيمُهُ (فَدَلِيلُ الْجَوَازِ) لَهُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلُ الْجَوَازِ لَهُ (كَانَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ) وَهُوَ غَيْرُ وَاقِعٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْبَيَانِ (فَإِنْ اسْتَبْشَرَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ (فَأَوْضَحَ) فِي أَنَّهُ دَلِيلُ الْجَوَازِ (إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ اسْتِبْشَارَهُ (عِنْدَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (لِأَمْرٍ آخَرَ لَا بِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (قَدْ يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الِاسْتِبْشَارِ (فِي الْمَوَارِدِ وَمِنْهُ) أَيْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مِنْ الْمَوَارِدِ (إظْهَارُ الْبِشْرِ) أَيْ إظْهَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّرُورَ (عِنْدَ قَوْلِ) مُجَزِّزٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَزَايَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ الْأُولَى مُشَدَّدَةٌ مَكْسُورَةٌ (الْمُدْلِجِيِّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ بَنِي مُدْلِجِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ لَهُ صُحْبَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ لَمَّا «دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ لَهُ أَقْدَامُ زَيْدٍ وَأُسَامَةَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» كَمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ. قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ أُسَامَةُ مِثْلَ اللَّيْلِ وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ أَحْمَرَ أَشْقَرَ (فَاعْتَبَرَهُ) أَيْ بِشْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ) أَيْ الْمُدْلِجِيِّ (فَأَثْبَتَ) الشَّافِعِيُّ (النَّسَبَ بِالْقِيَافَةِ وَنَفَاهُ) أَيْ ثُبُوتَهَا بِهِ (الْحَنَفِيَّةُ

مسألة أنه صلى الله علية وسلم قبل بعثه متعبد

وَصَرَفُوا الْبِشْرَ إلَى مَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ) أَيْ الْبِشْرِ (مِنْ تَرْكِهِمْ الطَّعْنَ فِي نَسَبِهِ وَإِلْزَامِهِمْ بِخَطَئِهِمْ فِيهِ) أَيْ الطَّعْنِ فِيهِ (عَلَى اعْتِقَادِهِمْ) حَقِّيَّةَ الْقِيَافَةِ (وَدُفِعَ) هَذَا (بِأَنَّ تَرْكَ إنْكَارِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الطَّرِيقَ) الَّذِي هُوَ الْقِيَافَةُ (ظَاهِرٌ فِي حَقِّيَّتِهَا) أَيْ الْقِيَافَةِ وَإِلَّا لَعَدَّهُ مِنْ الزَّجْرِ وَالتَّحْمِيرِ (فَلَا يَجُوزُ) تَرْكُ إنْكَارِهِ (إلَّا مَعَهُ) أَيْ كَوْنِهَا حَقًّا (وَإِلَّا لَذَكَرَهُ) أَيْ إنْكَارَهَا (وَلَا يَنْفِي) ذِكْرُهُ الْإِنْكَارَ (الْمَقْصُودَ مِنْ رُجُوعِهِمْ) أَيْ الطَّاعِنِينَ (وَالْجَوَابُ أَنَّ انْحِصَارَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الْفِرَاشِ كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَالطَّعْنُ لَيْسَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ (بَلْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَهُمْ) أَيْ الْمُنَافِقُونَ (يَعْتَقِدُونَ بُطْلَانَ قَوْلِهِمْ) أَنْفُسِهِمْ (لِقَوْلِهِ) أَيْ الْمُدْلِجِيِّ (فَالسُّرُورُ لِذَلِكَ) أَيْ لِبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ (وَتَرْكُ إنْكَارِ السَّبَبِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَافَةُ لَا يَضُرُّ (لِأَنَّهُ كَتَرْكِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِنْكَارَ (عَلَى تَرَدُّدِ كَافِرٍ إلَى كَنِيسَةٍ فَلَا يَكُونُ) سُكُوتُهُ عَنْ إنْكَارِهَا (تَقْرِيرًا) [مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه علية وَسَلَّمَ قَبْلَ بَعْثِهِ مُتَعَبِّدٌ] (مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ بَعْثِهِ مُتَعَبِّدٌ) أَيْ مُكَلَّفٌ (قِيلَ) بِشَرْعِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ أَوَّلُ الشَّرَائِعِ حَكَاهُ ابْنُ بَرْهَانٍ وَقِيلَ (بِشَرْعِ نُوحٍ) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ أَوَّلُ الرُّسُلِ الْمُشَرِّعِينَ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ الَّذِي أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ الْأَنْبِيَاءُ قَالَ مِائَةُ أَلْفٍ وَعِشْرُونَ أَلْفًا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كَانَ أَوَّلَهُمْ قَالَ آدَم قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ قَالَ نَعَمْ» (وَقِيلَ) بِشَرْعِ (إبْرَاهِيمَ) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمِلَّةِ الْكُبْرَى (وَقِيلَ) بِشَرْعِ (مُوسَى) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ الَّذِي نُسِخَ وَلَمْ يُنْسَخْ أَكْثَرُ أَحْكَامِهِ إذْ عِيسَى مُوَافِقٌ لَهُ فِي بَعْضِهَا (وَقِيلَ) بِشَرْعِ (عِيسَى) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يُنْسَخْ إلَى حِينِ بَعْثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَخْفَى مَا فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ (بِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْعٌ إذْ ذَاكَ) أَيْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِطَرِيقِهِ فَإِنَّهُ عُسْرٌ إذْ ذَاكَ لِأَنَّهُ بِعَدَالَةِ النَّقَلَةِ فِي غَيْرِ التَّوَاتُرِ فَإِذَا ثَبَتَ بِطَرِيقٍ يُفِيدُ الثُّبُوتُ أَنَّهُ شَرْعُ نَبِيٍّ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا بَعْدَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّسْخِ إلَّا بِمَا لَا مَرَدَّ لَهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (إلَّا أَنْ يُثْبِتَا) أَيْ الشَّرْعَانِ أَمْرَيْنِ (مُتَضَادَّيْنِ فَبِالْأَخِيرِ) أَيْ فَالْحُكْمُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ الْمُتَأَخِّرِ لِلْعِلْمِ بِثُبُوتِ نَسْخِهِ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) الشَّرْعَ (الْأَخِيرَ لِعَدَمِ مَعْلُومِيَّةِ طَرِيقِهِ) أَيْ الْأَخِيرِ (فِيمَا رَكَنَ إلَيْهِ) أَيْ فَهُوَ مُتَعَبِّدٌ بِمَا اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ إلَيْهِ (مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا كَقِيَاسَيْنِ لِعَدَمِ مَا بَعْدَهُمَا وَنَفَاهُ) أَيْ تَعَبُّدَهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ (الْمَالِكِيَّةُ) قَالَ الْقَاضِي وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُتَكَلِّمِينَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمَنَعَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ عَقْلًا وَقَالَ أَهْلُ الْحَقِّ يَجُوزُ وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ وَعَلَيْهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْآمِدِيُّ وَتَوَقَّفَ الْغَزَالِيُّ) وَنَسَبَ السُّبْكِيُّ التَّوَقُّفَ إلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ (لَنَا لَمْ يَنْقَطِعْ التَّكْلِيفُ مِنْ بَعْثَةِ آدَمَ عُمُومًا كَآدَمَ وَنُوحٍ وَخُصُوصًا) كَشُعَيْبٍ إلَى أَهْلِ مَدْيَنَ وَأَصْحَابِ الْأَيْكَةِ (وَلَمْ يَتْرُكُوا) أَيْ النَّاسَ (سُدًى) أَيْ مُهْمَلِينَ غَيْرَ مَأْمُورِينَ وَلَا مَنْهِيِّينَ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمَانِ (قَطُّ فَلَزِمَ) التَّعَبُّدُ (كُلَّ مَنْ تَأَهَّلَ) مِنْ الْعِبَادِ (وَبَلَغَهُ) ذَلِكَ الْمُتَعَبَّدُ بِهِ (وَهَذَا) الدَّلِيلُ (يُوجِبُهُ) أَيْ التَّعَبُّدَ (فِي غَيْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) أَيْضًا (وَهُوَ كَذَلِكَ وَتَخْصِيصُهُ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اتِّفَاقِيٌّ وَاسْتَدَلَّ) لِلْمُخْتَارِ (بِتَضَافُرِ رِوَايَاتِ صَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ وَحَجِّهِ) أَيْ تَعَاوُنِهَا وَاجْتِمَاعِهَا وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالظَّاءِ وَهَذَا أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ شَيْءٌ مَخْصُوصٌ وَذَلِكَ (لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ أَنَّهُ) أَيْ فِعْلَهَا (لِقَصْدِ الطَّاعَةِ وَهِيَ) أَيْ الطَّاعَةُ (مُوَافِقَةٌ الْأَمْرَ) فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ غَيْرِ شَرْعٍ (وَالْجَوَابُ أَنَّ الضَّرُورِيَّ قَصْدُ الْقُرْبَةِ وَهِيَ) أَيْ الْقُرْبَةُ (أَعَمُّ مِنْ مُوَافَقَةِ الْأَمْرِ وَالتَّنَفُّلِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ) الْقُرْبَةَ (مُعَيَّنًا) مِنْهُمَا (ظَاهِرًا فَضْلًا عَنْ ضَرُورِيَّتِهِ وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِعُمُومِ كُلِّ شَرِيعَةٍ) جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ فَيَتَنَاوَلُهُ أَيْضًا (وَمُنِعَ) عُمُومُ كُلِّ شَرِيعَةٍ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ وَكَيْفَ لَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى

قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً» قَالَ (النَّافِي لَوْ كَانَ) مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ (قَضَتْ الْعَادَةُ بِمُخَالَطَتِهِ أَهْلَهَا وَوَجَبَتْ) مُخَالَطَتُهُ لَهُمْ لِأَخْذِ الشَّرْعِ مِنْهُمْ (وَلَمْ يَفْعَلْ) إذْ لَوْ فَعَلَ لَنُقِلَ لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ (أُجِيبَ الْمُلْزِمُ) لِلتَّعَبُّدِ بِمَا عَلِمَ أَنَّهُ شَرْعٌ (إذْ ذَاكَ) أَيْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ (التَّوَاتُرُ) لِأَنَّهُ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ (وَلَا حَاجَةَ مَعَهُ) أَيْ التَّوَاتُرِ (إلَيْهَا) أَيْ مُخَالَطَتِهِ لَهُمْ (لَا) أَنَّ الْمُلْزِمَ لَهُ (الْآحَادُ لِأَنَّهَا) أَيْ الْآحَادَ (مِنْهُمْ) أَيْ أَهْلِ الشَّرْعِ (لَا تُفِيدُ ظَنًّا) لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ الْعِلْمِ هَذَا وَالْخِلَافُ فِي هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِالْفُرُوعِ إذْ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُكَلَّفُونَ بِقَوَاعِد الْعَقَائِدِ وَلِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَوْتَاهُمْ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ فِيهَا عَلَى كُفْرِهِمْ وَلَوْلَا التَّكْلِيفُ مَا عُذِّبُوا فَعُمُومُ إطْلَاقِ الْعُلَمَاءِ مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَا يَظْهَرُ لَهَا ثَمَرَةٌ فِي الْأُصُولِ وَلَا فِي الْفُرُوعِ بَلْ تَجْرِي مَجْرَى التَّوَارِيخِ الْمَنْقُولَةِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (وَأَمَّا) أَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعِ مَا قَبْلَهُ (بَعْدَ الْبَعْثِ فَمَا ثَبَتَ) أَنَّهُ شَرْعٌ لِمَنْ قَبْلَهُ فَهُوَ (شَرْعٌ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ وَعَنْ الْأَكْثَرِينَ الْمَنْعُ فَالْمُعْتَزِلَةُ مُسْتَحِيلٌ عَقْلًا وَغَيْرُهُمْ شَرْعًا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ (لَنَا مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ) السَّابِقِ (فَيَثْبُتُ) ذَلِكَ شَرْعًا لَهُ (حَتَّى يَظْهَرَ النَّاسِخُ وَالْإِجْمَاعُ) ثَابِتٌ (عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 45] أَيْ أَوْجَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ {فِيهَا} [المائدة: 45] أَيْ التَّوْرَاةِ {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي شَرْعِنَا وَلَوْلَا أَنَّا مُتَعَبِّدُونَ بِهِ لَمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِوُجُوبِهِ فِي دِينِ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى وُجُوبِهِ فِي دِينِنَا (وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ وَتَلَا {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] » ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ وَقَفْت عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] » (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْآيَةُ (مَقُولَةٌ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) فَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ عِنْدَ تَذَكُّرِهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتِلَاوَتِهَا فَائِدَةٌ ثُمَّ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتُهُ مُتَعَبِّدِينَ بِمَا كَانَ مُوسَى مُتَعَبِّدًا بِهِ فِي دِينِهِ لَمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال (قَالُوا) أَيْ النَّافُونَ أَوَّلًا (لَمْ يَذْكُرْ) شَرْعَ مَنْ قَبْلِنَا (فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ) السَّابِقِ (وَصَوَّبَهُ) أَيْ مَا فِي حَدِيثِهِ مِنْ الْقَضَاءِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ بِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ بِاجْتِهَادِهِ وَلَوْ كَانَ شَرْعُ مَنْ قَبْلِنَا شَرْعًا لَنَا لَذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يُصَوِّبْهُ (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ (إمَّا لِأَنَّ الْكِتَابَ يَتَضَمَّنُهُ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الَّتِي كُلِّفُوا بِهَا (أَوْ لِقِلَّتِهِ) أَيْ قِلَّةِ وُقُوعِهِ (جَمْعًا لِلْأَدِلَّةِ) دَلِيلُنَا الدَّالُّ عَلَى كَوْنِهِ وَأُمَّتِهِ مُتَعَبِّدِينَ بِهِ وَدَلِيلُكُمْ الدَّالُّ عَلَى نَفْيِهِ (قَالُوا) ثَانِيًا (الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ شَرِيعَتَنَا نَاسِخَةٌ) لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ (قُلْنَا) لَكِنْ (لِمَا خَالَفَهَا لَا مُطْلَقًا لِلْقَطْعِ بِعَدَمِهِ) أَيْ النَّسْخِ (فِي الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَغَيْرِهِمَا) كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الزِّنَا (قَالُوا) ثَالِثًا (لَوْ كَانَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَعَبِّدًا بِهِ (وَجَبَتْ خِلْطَتُهُ) لِأَهْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ (أُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ) أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْمُلْزِمَ لِلتَّعَبُّدِ بِمَا عُلِمَ أَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَهُ هُوَ التَّوَاتُرُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا عُلِمَ وَصَحَّ أَنَّهُ مِنْ شَرِيعَةِ مَنْ تَقَدَّمَ وَالْآحَادُ لَا تُفِيدُهُ وَالتَّوَاتُرُ لَا يَحْتَاجُهُ هَذَا (وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَيَّدُوهُ) أَيْ كَوْنَ شَرْعِ مَنْ قَبْلِنَا شَرْعًا لَنَا (بِمَا إذَا قَصَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) ذَلِكَ (وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَجَعَلَ) هَذَا مِنْهُمْ قَوْلًا (ثَالِثًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا التَّقْيِيدَ (وَصَلَ بَيَانَ طَرِيقِ ثُبُوتِهِ) أَيْ شَرْعِ مَنْ قَبْلِنَا شَرْعًا وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ بِهَذَا الْمَذْهَبِ (لَا يَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافٌ إذْ لَا يُسْتَفَادُ) شَرْعُهُمْ (عَنْهُمْ آحَادًا وَلَمْ يُعْلَمْ مُتَوَاتِرٌ) مِنْهُ (لَمْ يُنْسَخْ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ) شَرْعًا لَهُمْ أَوَّلًا لِيَثْبُتَ لَهُ وُجُوبُ اتِّبَاعِنَا لَهُ ثَانِيًا (فَكَانَ) ثُبُوتُهُ (بِذَلِكَ) أَيْ بِقَصِّ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ بِإِنْكَارٍ بَلْ كَوْنُهُ شَرْعًا لَنَا حِينَئِذٍ ضَرُورِيٌّ (وَبَيَانُ رَدِّهِ إلَى الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ) قِسْمًا (خَامِسًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ كَمَا سَيَأْتِي) هَذَا وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ كَمَا

مسألة تخصيص السنة بالسنة

أَشَرْنَا إلَيْهِ صَدْرَ الْمَسْأَلَةِ وَوَافَقَ الْقَرَافِيُّ عَلَى هَذَا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْأُصُولُ وَمَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَمَّا قَبْلَهَا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْفُرُوعُ فَالصَّوَابُ كَسْرُ الْبَاءِ وَيُعْرَفُ تَوْجِيهُهُ فِي شَرْحِ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ لَهُ وَدَفْعِهِ مِمَّا سَلَفَ هُنَا فَلْيُرَاجَعْ ذَاكَ وَيُتَأَمَّلْ مَا هُنَا [مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ] (مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ كَالْكِتَابِ) أَيْ كَتَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ (عَلَى الْخِلَافِ) فِي الْجَوَازِ فِيهِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَشُذُوذٍ ثُمَّ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي الْمُخَصَّصِ الْأَوَّلِ بِمَعْنَى كَوْنِهِ مَوْصُولًا بِالْعَامِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ فَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ يَشْتَرِطُ وَبَعْضُهُمْ كَالشَّافِعِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (قَالُوا) أَيْ الْجُمْهُورُ (خَصَّ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ (بِ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ تَخْصِيصُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي (تَامٌّ عَلَى) قَوْلِ (الشَّافِعِيَّةِ) وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَشْرِطُوا الْمُقَارَنَةَ وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ تَقْدِيمَ الْخَاصِّ مُطْلَقًا (لَا) عَلَى قَوْلِ (أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذْ لَمْ تَثْبُتْ مُقَارَنَتُهُ) أَيْ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ (وَلَا تَأْخِيرُهُ لِيُخَصَّ) عَلَى تَقْدِيرِ مُقَارَنَتِهِ (وَيُنْسَخَ) عَلَى تَقْدِيرِ تَأْخِيرِهِ (فَتَعَارَضَا) أَيْ الْحَدِيثَانِ فِي الْإِيجَابِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَقَدَّمَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الثَّانِيَ بِمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ فَإِنَّ وَجْهَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَصْلِ الْمَذْهَبِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ (وَقَدَّمَ) أَبُو حَنِيفَةَ (الْعَامَّ) أَيْ الْأَوَّلَ (احْتِيَاطًا) لِتَقَدُّمِ الْمُوجِبِ عَلَى الْمُبِيحِ وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَرْوِيَّهُمَا عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَالُوا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ وَقِيمَةُ الْوَسْقِ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ يُنْبِئُ عَنْهَا بَلْ نَقَلَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي مَبْسُوطِ أَحْمَدَ الطَّوَاوِيسِيِّ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْأَصْلَ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ عَمِلَ بِالْعَامِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ إجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ فَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» وَعُمَرُ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَأَجْلَاهُمْ» [مَسْأَلَةٌ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ] (مَسْأَلَةٌ أَلْحَقَ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبَرْدَعِيُّ وفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَتْبَاعُهُ) وَالسَّرَخْسِيُّ وَأَبُو الْيُسْرِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ (قَوْلَ الصَّحَابِيِّ) الْمُجْتَهِدِ (فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ بِالسُّنَّةِ) لِغَيْرِ الصَّحَابِيِّ (لَا لِمِثْلِهِ) أَيْ صَحَابِيٍّ آخَرَ (فَيَجِبُ) عَلَى غَيْرِ الصَّحَابِيِّ (تَقْلِيدُهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ (وَنَفَاهُ) أَيْ إلْحَاقَ قَوْلِهِ بِالسُّنَّةِ (الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ (كَالشَّافِعِيِّ) فِي الْجَدِيدِ (وَلَا خِلَافَ فِيمَا لَا يَجْرِي فِيهِ) أَيْ قَوْلِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ (بَيْنَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْمَرْفُوعِ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِ بِالرَّأْيِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْجَدِيدِ عَلَى مَا حَكَاهُ السُّبْكِيُّ عَنْ وَالِدِهِ (وَتَحْرِيرُهُ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ (قَوْلُهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ (فِيمَا) يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ لَكِنْ (لَا يَلْزَمُهُ الشُّهْرَةُ) بَيْنَ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ (مِمَّا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ) فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ثُمَّ ظَهَرَ نَقْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي التَّابِعِينَ (وَمَا يَلْزَمُهُ) الشُّهْرَةُ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَاشْتُهِرَ بَيْنَ الْخَوَاصِّ وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافٌ مِنْ غَيْرِهِ (فَهُوَ إجْمَاعٌ كَالسُّكُوتِيِّ حُكْمًا لِشُهْرَتِهِ) أَيْ بِسَبَبِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا (وَفِي اخْتِلَافِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ (التَّرْجِيحِ) بِزِيَادَةِ قُوَّةٍ لِأَحَدِ الْأَقَاوِيلِ إنْ أَمْكَنَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) التَّرْجِيحُ (عُمِلَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ) بَعْدَ أَنْ يَقَعَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَعْمَلَ بِأَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْآخَرِ بِلَا دَلِيلٍ (لَا يُطْلَبُ تَارِيخٌ) بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ لِيَجْعَلَ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ كَمَا يَفْعَلُ فِي النَّصَّيْنِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا وَلَمْ يَتَحَاجُّوا بِالسَّمَاعِ تَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ أَقْوَالُهُمْ عَنْ اجْتِهَادٍ لَا سَمَاعٍ فَكَانَا (كَالْقِيَاسَيْنِ) تَعَارَضَا (بِلَا تَرْجِيحٍ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حَيْثُ يَكُونُ هَذَا حُكْمَهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُو أَقْوَالَهُمْ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِالرَّأْيِ قَوْلًا خَارِجًا عَنْهَا (وَاخْتَلَفَ عَمَلُ أَئِمَّتِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ تَقْلِيدُهُ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ عَنْهُمْ مَذْهَبٌ فِيهَا وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا عَنْهُمْ رِوَايَةٌ ظَاهِرَةٌ (فَلَمْ يَشْرِطَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (إعْلَامَ قَدْرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْمُشَاهَدِ) أَيْ

تَسْمِيَةَ مِقْدَارِهِ إذَا كَانَ مُشَارًا إلَيْهِ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ (قِيَاسًا) عَلَى الْإِعْلَامِ بِالتَّسْمِيَةِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالْإِعْلَامُ بِالتَّسْمِيَةِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا بِالْإِشَارَةِ وَقِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ بِهِ (وَشَرَطَهُ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ إعْلَامَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ الْمُشَاهَدِ فِي صِحَّتِهِ (وَقَالَ بَلَغَنَا) ذَلِكَ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ) كَذَا فِي الْكَشْفِ وَفِي غَيْرِهِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ (وَضَمَّنَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ) وَهُوَ مَنْ يَعْقِدُ عَلَى عَمَلِهِ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ الْعَيْنَ الَّتِي هِيَ الْعَمَلُ إذَا هَلَكَتْ (فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ بِخِلَافِ) مَا إذَا هَلَكَتْ بِالسَّبَبِ (الْغَالِبِ) وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْحَرْقِ وَالْغَرَقِ الْغَالِبَيْنِ وَالْغَارَةِ الْعَامَّةِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا ضَمَّنَّاهُ فِي الْأَوَّلِ (بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّائِغَ وَيَقُولُ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ (وَنَفَاهُ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ (بِقِيَاسِ أَنَّهُ أَمِينٌ كَالْمُودَعِ) وَالْأَجِيرُ الْوَاحِدُ وَهُوَ مَنْ يَعْقِدُ عَلَى مَنَافِعِهِ لِأَنَّ الضَّمَانَ نَوْعَانِ ضَمَانُ جَبْرٍ وَهُوَ يَجِبُ بِالتَّعَدِّي وَضَمَانُ الشَّرْطِ وَهُوَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ كِلَاهُمَا لِأَنَّ قَطْعَ يَدِ الْمَالِكِ حَصَلَ بِإِذْنِهِ وَالْحِفْظُ لَا يَكُونُ جِنَايَةً فَبَقِيَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ قُلْت وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ خِلَافُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ مُحَمَّدٌ فِي الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِسَنَدِهِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ وَلَا الصَّائِغَ وَلَا الْحَائِكَ وَرَفَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا ضَمَانَ عَلَى قَصَّارٍ وَلَا صَبَّاغٍ وَلَا وَشَّاءٍ» فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ الضَّمَانُ كَانَ مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَأَخْرَجَ مُحَمَّدٌ فِي الْآثَارِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ شُرَيْحًا لَمْ يُضَمِّنْ أَجِيرًا قَطُّ قِيلَ وَكَانَ حُكْمُ شُرَيْحٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ (وَاتُّفِقَ فِيمَا لَا يُدْرِكُ رَأْيًا كَتَقْدِيرِ أَقَلِّ الْحَيْضِ) بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (بِمَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَأَنَسٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَذَا فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمَّا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا يُفِيدُ ذَلِكَ عَنْهُ وَأَمَّا عَنْ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهَا الْكَرْخِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ بِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ بِالْمَرْفُوعِ فِي ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمُعَاذٍ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَإِنْ كَانَ فِي طُرُقِهَا ضَعْفٌ فَإِنَّ تَعَدُّدَهَا يَرْفَعُهَا إلَى دَرَجَةِ الْحُسْنِ وَهُوَ صَنِيعُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ ثُمَّ فِي حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَاللَّيْلَتَانِ اللَّتَانِ تَتَخَلَّلَانِهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ (وَفَسَادُ بَيْعِ مَا اشْتَرَى قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ) لِأُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ لَمَّا قَالَتْ لَهَا إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدٍ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَاشْتَرَيْته بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا أَبْلِغِي زَيْدًا أَنْ قَدْ أَبْطَلْت جِهَادَك مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ تَتُوبَ بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت وَبِئْسَ مَا شَرَيْت رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي إسْنَادُهُ جَيِّدٌ (لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ رَأْيًا (لِأَنَّ الْأَجْزِيَةَ) عَلَى الْأَعْمَالِ إنَّمَا تُعْلَمُ (بِالسَّمْعِ) فَيَكُونُ لِهَذَا حُكْمُ الرَّفْعِ (لِلنَّافِي) إلْحَاقُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ بِالسُّنَّةِ (يَمْتَنِعُ تَقْلِيدُ) الصَّحَابِيِّ (الْمُجْتَهِدِ) غَيْرَهُ (وَهُوَ) أَيْ الصَّحَابِيُّ (كَغَيْرِهِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي احْتِمَالِ اجْتِهَادِهِ الْخَطَأَ لِانْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ فَيَمْتَنِعُ تَقْلِيدُهُ (الْمُوجِبُ) لِتَقْلِيدِهِ (مَنْعُ) الْمُقَدِّمَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ كَوْنُ الصَّحَابِيِّ الْمُجْتَهِدِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي احْتِمَالِ اجْتِهَادِهِ الْخَطَأَ (بَلْ يَقْوَى فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ (احْتِمَالُ السَّمَاعِ) وَالظَّاهِرُ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ إفْتَاؤُهُ بِالْخَبَرِ لَا بِالرَّأْيِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الْقُرَنَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ خَبَرٌ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ عَادَتِهِمْ سُكُوتُهُمْ عَنْ الْإِسْنَادِ عِنْدَ الْفَتْوَى إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ خَبَرٌ يُوَافِقُ فَتْوَاهُمْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ السُّؤَالِ بَيَانُ الْحُكْمِ لَا غَيْرُ (وَلَوْ انْتَفَى) السَّمَاعُ (فَإِصَابَتُهُ) الْحَقَّ (أَقْرَبُ) مِنْ غَيْرِهِ (لِبَرَكَةِ الصُّحْبَةِ وَمُشَاهَدَتِهِمْ الْأَحْوَالَ الْمُسْتَنْزِلَةَ لِلنُّصُوصِ وَالْمَحَالَّ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ) الْأَحْكَامُ (بِاعْتِبَارِهَا) وَلَهُمْ زِيَادَةُ

جِدٍّ وَحِرْصٍ فِي بَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِمَا هُوَ سَبَبُ قِوَامِ الدِّينِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي حِفْظِ الْأَحَادِيثِ وَضَبْطِهَا وَالتَّأَمُّلِ فِيمَا لَا نَصَّ عِنْدَهُمْ فِيهِ (بِخِلَافِ غَيْرِهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ قُلْت وَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى أَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَلَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَتَرْكُ رَأْيِهِ لِقَوْلِهِ وَإِنْ شَاءَ أَمْضَى اجْتِهَادَ نَفْسِهِ اهـ وَالْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَصَارَ) قَوْلُ الصَّحَابِيِّ (كَالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ وَقَدْ يُفِيدُهُ عُمُومُ) قَوْله تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة: 100] مَدَحَ الصَّحَابَةَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ التَّابِعُونَ الْمَدْحَ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ حَيْثُ الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِهِمْ لَا إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَ الْمَدْحِ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا بِاتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي قَوْلٍ وُجِدَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ بَعْضِهِمْ فِيهِ خِلَافٌ فَأَمَّا الَّذِي فِيهِ اخْتِلَافٌ فَلَا يَكُونُ مَوْضِعَ اسْتِحْقَاقِ الْمَدْحِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ بِاتِّبَاعِ الْبَعْضِ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ بِتَرْكِ اتِّبَاعِ الْبَعْضِ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ فَكَانَ النَّصُّ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ تَقْلِيدِهِمْ إذَا لَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ ظَاهِرٌ كَذَا فِي الْمِيزَانِ (وَالظَّاهِرُ) مِنْ الْمَذْهَبِ (فِي) التَّابِعِيِّ (الْمُجْتَهِدِ فِي عَصْرِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (كَابْنِ الْمُسَيِّبِ) وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ (الْمَنْعُ) مِنْ تَقْلِيدِهِ (لِفَوْتِ الْمَنَاطِ الْمُسَاوِي) لِلْمَنَاطِ فِي وُجُوبِ التَّقْلِيدِ لِلصَّحَابِيِّ وَهُوَ بَرَكَةُ الصُّحْبَةِ وَمُشَاهَدَةُ الْأُمُورِ الْمُثِيرَةِ لِلنُّصُوصِ وَالْمُفِيدَةِ لِإِطْلَاقِهَا حَتَّى ذَكَرُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ إذَا اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ سَلَّمْنَا لَهُمْ وَإِذَا جَاءَ التَّابِعُونَ زَاحَمْنَاهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَا أُقَلِّدُهُمْ هُمْ رِجَالٌ اجْتَهَدُوا وَنَحْنُ رِجَالٌ نَجْتَهِدُ (وَفِي النَّوَادِرِ نَعَمْ كَالصَّحَابِيِّ) وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ (وَالِاسْتِدْلَالُ) لِذَلِكَ (بِأَنَّهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةَ (لَمَّا سَوَّغُوا لَهُ) أَيْ لِلتَّابِعِيِّ الِاجْتِهَادَ وَزَاحَمَهُمْ فِي الْفَتْوَى (صَارَ مِثْلَهُمْ) فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ كَمَا فِي الصَّحَابِيِّ (مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ لِأَنَّ التَّسْوِيغَ) لِاجْتِهَادِهِ (لِرُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ) أَيْ لِحُصُولِهَا لَهُ (لَا يُوجِبُ ذَلِكَ الْمَنَاطَ) لِوُجُوبِ التَّقْلِيدِ (فَبِرَدِّ شُرَيْحٍ الْحَسَنَ عَلَى عَلِيٍّ) أَيْ فَالِاسْتِدْلَالُ لِهَذَا بِمَا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ مِنْ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَحَاكَمَ إلَى شُرَيْحٍ فَخَالَفَ عَلِيًّا فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْحَسَنِ لَهُ لِلْقَرَابَةِ (وَهُوَ) أَيْ عَلِيٌّ (يَقْبَلُ الِابْنَ) أَيْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ جَوَازُ شَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبِيهِ (وَمُخَالَفَةِ مَسْرُوقٍ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي إيجَابِ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي النَّذْرِ بِذَبْحِ الْوَلَدِ إلَى شَاةٍ) قَالُوا وَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى قَوْلِ مَسْرُوقٍ بَعْدَ ثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا (لَا يُفِيدُ) الْمَطْلُوبَ لِأَنَّ خِلَافَهُمَا وَتَقْرِيرَهُمَا لِرُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ الِارْتِفَاعَ إلَى رُتْبَةِ الصَّحَابِيِّ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ يَخُصُّهُ (وَجَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْخِلَافَ) فِي قَوْلِ التَّابِعِيِّ (لَيْسَ إلَّا فِي أَنَّهُ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ) إجْمَاعُهُمْ (دُونَهُ أَوْ لَا) يُعْتَدُّ بِهِ فِي إجْمَاعِهِمْ (فَعِنْدَنَا نَعَمْ) يُعْتَدُّ بِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ وَقَالَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَوْلَ التَّابِعِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى وَجْهٍ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وُجِدَ فِي نُسْخَةِ الْأَصْلِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ شَارِحُ هَذَا الْكِتَابِ مَتَّعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِطُولِ حَيَاتِهِ وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَجُودِهِ وَامْتِنَانِهِ خَتْمَ تَبْيِيضِ هَذَا السِّفْرِ الثَّانِي مِنْ التَّقْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ شَرْحَ كِتَابِ التَّحْرِيرِ عَلَى يَدَيْ مُؤَلِّفِهِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ ذِي الْفَضْلِ الْعَمِيمِ وَالْوَعْدِ الْوَفِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُشْتَهِرِ بِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ الْحَنَفِيِّ عَامَلَهُمْ اللَّهُ بِلُطْفِهِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ بِالْمَدْرَسَةِ الْحَلَاوِيَّةِ النُّورِيَّةِ بِحَلَبِ الْمَحْرُوسَةِ لَا زَالَتْ رِبَاعُهَا بِالْبَرَكَاتِ وَالْفَضَائِلِ مَأْنُوسَهْ وَرَايَاتُ الْأَعْدَاءِ عَنْهَا مَنْكُوسَهْ أَصِيلَ يَوْمِ الْأَحَدِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ هِجْرَةً نَبَوِيَّةً عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَتَسْهِيلُ السَّبِيلِ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ فِي خَيْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَعَافِيَةٍ وَنِعَمٍ مِنْهُ ضَافِيَةٍ وَافِيَةٍ عَلَى وَجْهٍ يَرْضَاهُ رَبُّنَا جَلَّ جَلَالُهُ وَيَرْضَى بِهِ عَنَّا إنَّهُ سُبْحَانَهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالْكَرَمِ الْعَمِيمِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَالصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

فصل في التعارض

[فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ] (فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ) وَأَشَارَ إلَى وَجْهِ ذِكْرِهِ بَعْدَ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِقَوْلِهِ (وَغَالِبُهُ فِي الْآحَادِ) وَ (هُوَ) أَيْ التَّعَارُضُ لُغَةً (التَّمَانُعُ) عَلَى سَبِيلِ التَّقَابُلِ تَقُولُ: عَرَضَ لِي كَذَا إذَا اسْتَقْبَلَكَ مَا يَمْنَعُك مِمَّا قَصَدْته، وَمِنْهُ سُمِّيَ السَّحَابُ عَارِضًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ شُعَاعَ الشَّمْسِ وَحَرَارَتَهَا مِنْ الِاتِّصَالِ بِالْأَرْضِ (وَفِي الِاصْطِلَاحِ اقْتِضَاءُ كُلٍّ مِنْ دَلِيلَيْنِ عَدَمُ مُقْتَضَى الْآخَرِ) وَفِيهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (فَعَلَى مَا قِيلَ) وَالْقَائِلُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَأَتْبَاعِهِ (لَا يَتَحَقَّقُ) التَّعَارُضُ (إلَّا مَعَ الْوَحَدَاتِ) الثَّمَانِ وَحِدَةُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَبِهِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْإِضَافَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْفِعْلِ وَالشَّرْطِ وَقِيلَ التِّسْعُ وَالتَّاسِعَةُ وَحِدَةُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَمَا عُرِفَ فِي الْمَنْطِقِ وَرُدَّتْ إلَى الْإِضَافَةِ وَالْجَمِيعُ إلَى وَحْدَتَيْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَبِهِ وَإِلَى وَحْدَةِ النِّسْبَةِ الْحُكْمِيَّةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْمَنْطِقِ أَيْضًا فَالتَّعَارُضُ (لَا يَتَحَقَّقُ فِي) الْأَحْكَامِ (الشَّرْعِيَّةِ لِلتَّنَاقُضِ) حِينَئِذٍ وَالشَّارِعُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ لِكَوْنِهِ أَمَارَةَ الْعَجْزِ (وَمَتَى تَعَارَضَا) أَيْ الدَّلِيلَانِ (فَيُرَجَّحُ) أَحَدُهُمَا إذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ لَهُ (أَوْ يُجْمَعُ) بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَحْمَلٍ بِطَرِيقَةٍ يَتَحَقَّقُ (مَعْنَاهُ) أَيْ التَّعَارُضِ (ظَاهِرًا) أَيْ يَكُونُ التَّعَارُضُ الْمَذْكُورُ ظَاهِرَ اقْتِضَاءِ الدَّلِيلَيْنِ (لِجَهْلِنَا) بِالْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا (لَا) حَقِيقَتِهِ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ هَذَا هُوَ (الْحَقُّ) فَيُفَرَّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَلَا تُعْتَبَرُ) الْوَحَدَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُبَوَّبَ لَهُ صُورَةُ الْمُعَارَضَةِ لَا حَقِيقَتُهَا لِاسْتِحَالَتِهَا

عَلَى الشَّارِعِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْيِيدِهَا بِتَحَقُّقِ الْوَحَدَاتِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ الْمُعَارَضَةُ الْمُمْتَنِعَةُ وَالْكَلَامُ فِي إعْطَاءِ أَحْكَامِ الْمُعَارَضَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الشَّرْعِ وَهِيَ مَا تَكُونُ صُورَةً فَقَطْ مَعَ الْحُكْمِ بِانْتِفَائِهَا حَقِيقَةً. وَقَوْلُهُ أَيْضًا (وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا) أَيْ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ (قُوَّةً) لَا كَمَا قِيلَ يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْأَضْعَفَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَقْوَى فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَلَا تَمَاثُلَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى التَّعَارُضِ حَقِيقَةً. وَقَوْلُهُ أَيْضًا (وَيَثْبُتُ) التَّعَارُضُ (فِي) دَلِيلَيْنِ (قَطْعِيَّيْنِ وَيَلْزَمُهُ) أَيْ التَّعَارُضُ فِي قَطْعِيَّيْنِ (مَحْمَلَانِ) لَهُمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ (أَوْ نَسْخُ أَحَدِهِمَا) بِمُعَارَضَةِ الْآخَرِ إنْ عُلِمَ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ (فَمَنَعَهُ) أَيْ التَّعَارُضُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ الْقَطْعِيَّيْنِ (وَإِجَازَتُهُ فِي الظَّنَّيْنِ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَعَلَّلَهُ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ بِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعْمَلَ بِهِمَا وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فِي الْإِثْبَاتِ أَوْ لَا يُعْمَلُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فِي طَرَفِ النَّفْيِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَهُوَ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ (تَحَكُّمٌ) لِجَرَيَانِ هَذَا التَّعْلِيلِ بِعَيْنِهِ فِي الظَّنِّيَّيْنِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي صُورَةِ التَّعَارُضِ لَا فِي تَحَقُّقِهِ فِي الْوَاقِعِ وَهِيَ كَمَا تُوجَدُ فِي الظَّنِّيَّيْنِ تُوجَدُ فِي الْقَطْعِيَّيْنِ وَفِي الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ (وَالرُّجْحَانُ) لِأَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ الْقَطْعِيَّيْنِ أَوْ الظَّنِّيَّيْنِ إنَّمَا هُوَ (بِتَابِعٍ) أَيْ بِوَصْفٍ تَابِعٍ لِذَلِكَ الرَّاجِحِ كَمَا فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي يَرْوِيهِ عَدْلٌ فَقِيهٌ مَعَ خَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي يَرْوِيهِ عَدْلٌ غَيْرُ فَقِيهٍ (مَعَ التَّمَاثُلِ) أَيْ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقَطْعِ وَالظَّنِّ لَا بِمَا هُوَ غَيْرُ تَابِعٍ (وَمِنْهُ) أَيْ التَّمَاثُلُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ فِي الثُّبُوتِ السُّنَّةُ (الْمَشْهُورَةُ مَعَ الْكِتَابِ حُكْمًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ تَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ وَتَخْصِيصِ عُمُومِهِ وَجَوَازِ نَسْخِهِ بِهَا وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ الْجَصَّاصِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُمَاثِلُهُ مِنْ حَيْثُ إكْفَارِ جَاحِدِهِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ كَمَا سَلَفَ فِي مَوْضِعِهِ (فَلَا يُقَالُ النَّصُّ رَاجِحٌ عَلَى الْقِيَاسِ) ؛ لِأَنَّ رُجْحَانَ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ بِوَصْفٍ غَيْرِ تَابِعٍ فَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا أَوَّلًا (بِخِلَافِ عَارِضِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ النَّصِّ (فَقَدَّمَ) النَّصَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ صُورَةُ التَّعَارُضِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَحَقُّقُ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (إذْ حُكْمُهُ) أَيْ التَّعَارُضِ صُورَةً (النَّسْخُ إنْ عُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ) فَيَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُتَأَخِّرُ (فَ) الْحُكْمُ (التَّرْجِيحُ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِطَرِيقِهِ إنْ أَمْكَنَ (ثُمَّ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا إنْ أَمْكَنَ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ كِلَيْهِمَا فِي الْجُمْلَةِ حِينَئِذٍ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ كِلَيْهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُتَقَدِّمُ وَلَمْ يُمْكِنْ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (تُرِكَا) أَيْ الْمُتَعَارِضَانِ (إلَى مَا دُونَهُمَا) مِنْ الْأَدِلَّةِ (عَلَى التَّرْتِيبِ إنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ مَا دُونَهُمَا بِأَنْ كَانَ التَّعَارُضُ بَيْنَ آيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يُتْرَكَانِ إلَى السُّنَّةِ إنْ كَانَتْ وَلَمْ تَكُنْ مُتَعَارِضَةً فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ أَوْ وُجِدَتْ لَكِنْ مُتَعَارِضَةً فَفَخْرُ الْإِسْلَامِ تَرَكَهَا إلَى الْقِيَاسِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُفْصِحْ بِمَا يُصَارُ إلَيْهِ أَوَّلًا مِنْهُمَا وَلَفْظُ السَّرَخْسِيِّ يُصَارُ إلَى مَا بَعْدَ السُّنَّةِ فِيمَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حُكْمِ الْحَادِثَةِ وَذَلِكَ الْحُكْمُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ أَوْ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ فَقِيلَ فِي الْأَوَّلِ إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ وَفِي الثَّانِي إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الْعِنَايَةِ وَفِي التَّقْوِيمِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ السُّنَّتَيْنِ فَالْمَيْلُ إلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ ثُمَّ إلَى الرَّاوِي انْتَهَى. وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ كَمَا سَتَرَى ثُمَّ ظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ أَمَّا فِيمَا لَا يُدْرَكُ، فَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ اتِّفَاقًا ثُمَّ إنَّمَا يَتَسَاقَطُ الْمُتَعَارِضَانِ حَيْثُ لَا تَرْجِيحَ وَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ إلَى مَا دُونَهُمَا حَيْثُ وُجِدَ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَبِأَحَدِهِمَا عَيْنًا لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ ثُمَّ لَا ضَرُورَةَ فِي الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا أَيْضًا لِوُجُودِ الدَّلِيلِ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ وَهُوَ مَا دُونَهُمَا فَلَا يَقَعُ الْعَمَلُ بِمَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ثُمَّ إنَّمَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى مَا دُونَهُمَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ الْتَحَقَتْ بِمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهَا ائْتَزَرْتُ الدَّلِيلَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يُتَعَرَّفُ بِهِ حُكْمُ الْحَادِثَةِ. (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يُوجَدْ دُونَ الْمُتَعَارِضَيْنِ دَلِيلٌ آخَرُ يُعْمَلُ بِهِ أَوْ وُجِدَ التَّعَارُضُ فِي الْجَمِيعِ (قُرِّرَتْ الْأُصُولُ) أَيْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ فِي جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَارَضِينَ (أَمَّا) فِي التَّعَارُضِ (فِي الْقِيَاسَيْنِ) إذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْعَمَلِ (فَبِأَيِّهِمَا شَهِدَ قَلْبُهُ) أَيْ أَدَّى تَحَرِّي الْمُجْتَهِدِ إلَيْهِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَيْهِ (إنْ) طَلَبَ التَّرْجِيحَ وَظَهَرَ لَهُ أَنْ (لَا

تَرْجِيحَ) وَلَا يَسْقُطَانِ لِأَدَاءِ تَسَاقُطِهِمَا إلَى الْعَمَلِ بِلَا دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ بَعْدَ الْقِيَاسِ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ الَّذِي هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَالْعَمَلُ بِلَا دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ بَاطِلٌ وَكُلٌّ مِنْ الْقِيَاسَيْنِ حُجَّةٌ فِي الْعَمَلِ بِهِ لِوَضْعِ الشَّارِعِ إيَّاهُ لِلْعَمَلِ بِهِ لَا فِي إصَابَةِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ فَمِنْ حَيْثُ الْأَوَّلُ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ كَمَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَمِنْ حَيْثُ الثَّانِي وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَا كَمَا فِي النَّصَّيْنِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا خَطَأٌ وَهُوَ لَا يَدْرِي فَوَجَبَ الْعَمَلُ مِنْ وَجْهٍ وَسَقَطَ مِنْ وَجْهٍ فَقُلْنَا يُحَكِّمُ رَأْيَهُ وَيَعْمَلُ بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ؛ لِأَنَّ لِقَلْبِ الْمُؤْمِنَ نُورًا يُدْرِكُ بِهِ مَا هُوَ بَاطِنٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ثُمَّ إذَا عَمِلَ بِأَحَدِهِمَا بِالتَّحَرِّي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْآخَرِ لِصَيْرُورَةِ الَّذِي عَمِلَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَالْآخَرِ خَطَأً فِي الظَّاهِرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَوْقَ التَّحَرِّي كَأَنْ يَتَبَيَّنَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ لِظُهُورِ خَطَئِهِ حِينَئِذٍ حَيْثُ اجْتَهَدَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ تَقَعْ حَاجَةٌ إلَى الْعَمَلِ يُتَوَقَّفُ فِيهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ وَلِهَذَا صَارَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَأَقْوَالٌ وَأَمَّا الرِّوَايَتَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّمَا كَانَتَا فِي وَقْتَيْنِ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةٌ وَالْأُخْرَى لَا، وَلَكِنْ لَمْ تُعْرَفْ الْأَخِيرَةُ مِنْهُمَا وَدُفِعَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسَيْنِ جَمِيعًا بِأَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ كَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَمَلِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّينَ بَعْدَ السُّنَّةِ قَبْلَ الْقِيَاسِ كَالْقِيَاسَيْنِ فَلَا يُصَارُ عَنْهُمَا إلَى الْقِيَاسِ) أَيْ قَوْلُهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ أَوْ لَا فَفِيمَا يُمْكِنُ حَمْلُ تَعَارُضِهِمَا أَنْ يَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِطَرِيقَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَجِّحٌ عَمِلَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَلَا يُصَارُ إلَى الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ حِينَئِذٍ عَنْ رَأْيٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَتَحَاجُّوا بِالسَّمْعِ ظَهَرَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا عَنْ اخْتِلَافِ رَأْيٍ وَلَا رَأْيَ فِي الشَّرْعِ إلَّا الْقِيَاسُ فَصَارَ قَوْلَاهُمَا كَقِيَاسَيْنِ تَعَارَضَا وَلَا مُرَجِّحَ وَفِي ذَلِكَ يَعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ قِيلَ جَازَ أَنَّا لَوْ صِرْنَا إلَى الْقِيَاسِ ظَهَرَ لَنَا قِيَاسٌ آخَرُ غَيْرُهُمَا قُلْنَا قَدَّمْنَا أَنَّ اجْتِهَادَ الصَّحَابِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى اجْتِهَادِ غَيْرِهِ فَهُوَ كَالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرَجِّحِ فَالْقِيَاسُ الثَّالِثُ مَحْكُومٌ بِمَرْجُوحِيَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِيَاسَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوْلَاهُمَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ أَصْلًا وَأَيْضًا يَكُونُ الْحَاصِلُ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ ثَالِثٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمَصِيرِ إلَى الْقِيَاسِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا وَلَا مُرَجِّحَ غَيْرَ وَاقِعٍ بَلْ الْوَاقِعُ الْإِطْلَاقَاتُ الْمَشْهُورَةُ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يُصَارُ فِي مُعَارَضَتِهِمَا إلَى الْقِيَاسِ بَلْ يَعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَالْجَمْعُ فِي الْعَامَيْنِ بِحَمْلِ كُلٍّ عَلَى بَعْضٍ) كَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ لَا تَقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا مُرَجِّحَ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى الْحَرْبِيِّينَ وَالثَّانِي عَلَى الذِّمِّيِّينَ (أَوْ) عَلَى (الْقَيْدِ) أَيْ عَلَى قَيْدٍ غَيْرِ قَيْدِ الْآخَرِ كَإِذَا لَمْ يَكُونُوا ذِمَّةً فِي الْأَوَّلِ وَإِذَا كَانُوا ذِمَّةً فِي الثَّانِي (وَكَذَا) الْجَمْعُ (فِي الْخَاصِّينَ) يُحْمَلُ كُلٌّ عَلَى قَيْدٍ غَيْرِ قَيْدِ الْآخَرِ (أَوْ يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمَجَازِ) وَالْآخَرُ عَلَى الْحَقِيقَةِ (وَفِي الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَلَا مُرَجِّحَ لِلْعَامِّ) عَلَى الْخَاصِّ مَوْجُودٌ (كَإِخْرَاجٍ مِنْ تَحْرِيمٍ، وَلَا الْخَاصِّ) أَيْ وَلَا مُرَجِّحَ لَهُ عَلَى الْعَامِّ مَوْجُودٌ (كَمِنْ إبَاحَةٍ) أَيْ إخْرَاجٍ مِنْهَا (فَبِالْخَاصِّ) أَيْ فَالْعَمَلُ بِهِ (فِي مَحَلِّهِ) أَيْ الْخَاصِّ نَفْسِهِ (وَالْعَامِّ) أَيْ وَالْعَمَلُ بِهِ (فِيمَا سِوَاهُ) أَيْ سِوَى مَحَلِّ الْخَاصِّ (فَيَتَّحِدُ الْحَاصِلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (وَمِنْ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِهِ) أَيْ بِالْخَاصِّ (مَعَ اخْتِلَافِ الِاعْتِبَارِ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ وَعَلَى الْحَنَفِيَّةِ حَمْلٌ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ إذَا تَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ وَمَعْرِفَةُ التَّأَخُّرِ لِيَنْسَخَ الْآخَرُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا لَوْ وُجِدَ مُرَجِّحٌ لِلْعَامِّ فَقَطْ قُدِّمَ عَلَى الْخَاصِّ أَوْ لِلْخَاصِّ فَقَدْ قُدِّمَ عَلَى مَا يُعَارِضُهُ مِنْ الْعَامِّ (وَقَدْ يُخَالُ) أَيْ يُظَنُّ (تَقَدُّمَ الْجَمْعِ) بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ عَلَى التَّرْجِيحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (لِقَوْلِهِمْ الْإِعْمَالُ أَوْلَى مِنْ الْإِهْمَالِ وَهُوَ) أَيْ الْإِعْمَالُ (فِي الْجَمْعِ) بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ لَا فِي تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْآخَرِ (لَكِنَّ الِاسْتِقْرَاءَ خِلَافُهُ) أَيْ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ اطِّرَادِ تَقَدُّمِ الْجَمْعِ عَلَى تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا فَقَدْ (قَدَّمَ عَامِّ «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» (عَلَى) خَاصِّ (شُرْبِ الْعُرَنِيِّينَ

أَبْوَالَ الْإِبِلِ) الْمُفْصِحِ بِهِ حَدِيثُهُمْ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الْحَدِيثَيْنِ فِي آخِرِ الْبَحْثِ الرَّابِعِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ (لِمُرَجِّحِ التَّحْرِيمِ) لِشُرْبِ أَبْوَالٍ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (مَعَ إمْكَانِ حَمْلِهِ) أَيْ عَامِّ «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» (عَلَى) مَا (سِوَى) بَوْلِ (مَا يُؤْكَلُ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُبِيحُهُ مُطْلَقًا كَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَوْ لِلتَّدَاوِي فَقَطْ كَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَامٍّ مَا سَقَتْ) أَيْ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ» (عَلَى خَاصِّ الْأَوْسُقِ) أَيْ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الْحَدِيثَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ (لِمُرَجِّحِ الْوُجُوبِ) لِلْعُشْرِ فِي كُلِّ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ سَيْحًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ (مَعَ إمْكَانِ نَحْوِهِ) أَيْ حَمْلِ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ عَلَى مَا كَانَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُمَا (وَكَيْفَ) يُقَدِّمُ الْجَمْعَ مُطْلَقًا عَلَى اعْتِبَارِ الرَّاجِحِ مِنْهُمَا (وَفِي تَقْدِيمِهِ) أَيْ الْجَمْعِ مُطْلَقًا عَلَيْهِ (مُخَالَفَةُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُقُولُ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَرْجُوحِ عَلَى الرَّاجِحِ) وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِلْمُخَالَفَةِ لَا لِمَا أَطْبَقَ وَإِلَّا لَكَانَ الْوَجْهُ الْقَلْبُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ هُوَ الْأَوْلَى (وَتَأْوِيلُ) أَخْبَارِ (الْآحَادِ) الْمُعَارِضَةِ ظَاهِرَ الْكِتَابِ (عِنْدَ تَقْدِيمِ الْكِتَابِ) عَلَيْهَا (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ ظَاهِرًا (بَلْ اسْتِحْسَانٌ حُكْمًا لِلتَّقْدِيمِ) لِلْكِتَابِ عَلَيْهَا (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (تَقْدِيمُ النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ تَعَارُضًا فِيمَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِ) مِنْ النِّسَاءِ بِمِلْكِ النِّكَاحِ لِلْأَحْرَارِ (أَيْ) قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي حِلِّ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَرْبَعِ (وَمَثْنَى إلَخْ) أَيْ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى قَصْرِ الْحِلِّ عَلَى الْأَرْبَعِ (فَيُرَجَّحُ النَّصُّ) عَلَى الظَّاهِرِ (وَيُحْمَلُ الظَّاهِرُ عَلَيْهِ) أَيْ النَّصِّ (اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (عَلَيْهِ) أَيْ نَفْيِ الْجَمْعِ بَعْدَ التَّرْجِيحِ وَعَلَى تَأْوِيلِ الْمَرْجُوحِ بَعْدَ تَقْدِيمِ الرَّاجِحِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَعْنَى الرَّاجِحِ وَلَيْسَ هَذَا جَمْعًا فَإِنَّ الْجَمْعَ أَنْ يُحْمَلَ كُلٌّ عَلَى بَعْضٍ، وَفِيهِ عَدَمُ إعْمَالِ الرَّاجِحِ فِي جَمِيعِ مَعْنَاهُ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ بَلْ أَعْمَلَ الرَّاجِحَ وَهُوَ النَّصُّ فِي كُلِّ مَعْنَاهُ وَهُوَ قَصْرُ الْحِلِّ عَلَى الْأَرْبَعِ ثُمَّ حَمَلَ الْمَرْجُوحَ وَهُوَ الظَّاهِرُ عَلَى هَذَا بِعَيْنِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَوْ خَالَفُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا الْأَصْلَ (كَغَيْرِهِمْ) وَجَعَلُوا الْجَمْعَ قَبْلَ التَّرْجِيحِ حَتَّى يُصَارَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا رَاجِحٌ أَوْ عُرِفَ تَأَخُّرَهُ (مَنَعْنَاهُ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُصُولَ لَيْسَتْ إلَّا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْعُقُولِ فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُبْدِيَ وَجْهًا عَقْلِيًّا وَيَعْمَلَ بِهِ وَيَدْفَعَ غَيْرَهُ إنْ أَمْكَنَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُمْ الْإِعْمَالُ أَوْلَى إلَخْ إنْ أُرِيدَ مَعَ الْمَرْجُوحِيَّةِ مَنَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ نَقْضُ الْأُصُولِ وَمُكَابَرَةُ الْعُقُولِ وَإِنْ أُرِيدَ عِنْدَ عَدِّهِمْ الرُّجْحَانَ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَصِيرِ إلَى مَا دُونَهُمَا فَنَعَمْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا وَاَلَّذِي فِي الْمِيزَانِ الْمُخَلِّصُ مِنْ التَّعَارُضِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَرْجِعُ إلَى الرُّكْنِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ مُمَاثَلَةٌ كَنَصِّ الْكِتَابِ وَخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ مَعَ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ أَوْ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّةَ نَصٌّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَة وَالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ لِأَحَدِ الْخَبَرَيْنِ مِنْ الْآحَادِ أَوْ لِأَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ رُجْحَانٌ عَلَى الْآخَرِ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمُتَيَقَّنِ بِخِلَافِهِ، وَلَا عِبْرَةَ لِلْمُرَجَّحِ بِمُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ وَلَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ بَيْنَ خَبَرَيْ الْوَاحِدِ وَبَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الظَّنَّ أَوْ عِلْمَ غَالِبِ الرَّأْيِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ التَّزَايُدَ مِنْ حَيْثُ الْقُوَّةُ بِوُجُوهِ التَّرْجِيحِ فَأَمَّا بَيْنَ النَّصَّيْنِ كِتَابًا وَسُنَّةً مُتَوَاتِرَةً فِي حَقِّ الثُّبُوتِ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّرْجِيحُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِثُبُوتِهَا قَطْعِيٌّ. وَالْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ لَا يَحْتَمِلُ التَّزَايُدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُهُ مِنْ حَيْثُ الْجَلَاءُ وَالظُّهُورُ، إلَّا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ فِي مُوجِبَيْهِمَا بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْكَمًا وَالْآخَرُ فِيهِ احْتِمَالٌ فَالْمُحْكَمُ أَوْلَى وَثَانِيهِمَا مَا يَرْجِعُ إلَى الشَّرْطِ بِأَنْ لَا يَثْبُتَ التَّنَافِي بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَيُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ وَالْحَالِّ وَالْقَيْدِ وَالْإِطْلَاقِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَاخْتِلَافِ الزَّمَانِ حَقِيقَةً أَوْ دَلَالَةً وَبَيَانُهُ أَنَّ النَّصَّيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا خَاصًّا وَالْآخَرُ عَامًّا فَأَمَّا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ يَصْلُحُ لِلنَّسْخِ فَفِي الْخَاصَّيْنِ يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى قَيْدٍ أَوْ حَالٍ أَوْ مَجَازٍ مَا أَمْكَنَ وَفِي الْعَامَّيْنِ مِنْ

وَجْهٍ يُحْمَلُ عَلَى وَجْهٍ يَتَحَقَّقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَفِي الْعَامَّيْنِ لَفْظًا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى بَعْضٍ وَالْآخَرُ عَلَى بَعْضٍ آخَرَ أَوْ عَلَى الْقَيْدِ وَالْإِطْلَاقِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ يَصْلُحُ لِلنَّسْخِ بِأَنْ كَانَ الْمُكَلَّفُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفِعْلِ وَالِاعْتِقَادِ أَوْ مِنْ الِاعْتِقَادِ لَا غَيْرُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِ فَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالطَّرِيقَيْنِ بِالتَّنَاسُخِ وَالتَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ وَالْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ فِي الْعَامَّيْنِ وَالْخَاصَّيْنِ فَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ الْعَمَلُ بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ، وَالْبَيَانِ أَوْلَى وَالْمُعْتَزِلَةُ بِالتَّنَاسُخِ أَوْلَى وَمَشَايِخُنَا وَاخْتِيَارُ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ يَنْظُرُ إلَى عَمَلِ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ حَمَلُوهُ عَلَى التَّنَاسُخِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ حَمَلُوهُ عَلَى التَّخْصِيصِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عَمَلُ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ اسْتَوَى عَمَلُهُمْ فِيهِ بِأَنْ عَمِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالْبَعْضُ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ فَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ فَيَعْمَلُ بِالْوَجْهِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَاصًّا وَالْآخَرُ عَامًّا فَإِنْ عُرِفَ تَارِيخُهُمَا وَبَيْنَهُمَا زَمَانٌ يَصِحُّ فِيهِ التَّنَاسُخُ فَإِنْ كَانَ الْخَاصُّ سَابِقًا وَالْعَامُّ مُتَأَخِّرًا نُسِخَ الْخَاصُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَامُّ سَابِقًا وَالْخَاصُّ مُتَأَخِّرًا نُسِخَ الْعَامُّ بِقَدْرِ الْخَاصِّ وَيَبْقَى الْبَاقِي وَإِنْ وَرَدَا مَعًا وَكَانَ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ لَا يَصِحُّ فِيهِ النَّسْخُ يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْعَامِّ مَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ وَهَذَا قَوْلُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ دِيَارِنَا وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ فِي الْفَصْلَيْنِ حَتَّى إنَّ الْخَاصَّ السَّابِقَ يَكُونُ مُبَيِّنًا لِلْعَامِّ اللَّاحِقِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْعَامِّ مَا وَرَاءَ قَدْرِ الْمَخْصُوصِ بِطَرِيقِ الْبَيَانِ. وَعَلَى قَوْلِ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ الْجَوَابُ فِيهِ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ يَصْلُحُ لِلنَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ يَصْلُحُ فِيهِ التَّنَاسُخُ قَالُوا يُتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ وَيُعْمَلُ بِالنَّصِّ الْعَامِّ بِعُمُومِهِ وَلَا يُبْنَى عَلَى الْخَاصِّ، وَتَوْجِيهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَذْكُورَةٌ فِيهِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ. (وَمِنْهُ) أَيْ التَّعَارُضِ صُورَةً فِي الْكِتَابِ وَالتَّعَارُضُ (مَا) أَيْ الَّذِي (بَيْنَ قِرَاءَتَيْ آيَةِ الْوُضُوءِ مِنْ الْجَرِّ) لِابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَحَمْزَةَ (وَالنَّصْبِ) لِلْبَاقِينَ (فِي أَرْجُلِكُمْ) مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] (الْمُقْتَضِيَتَيْنِ مَسْحَهُمَا) أَيْ الرِّجْلَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قِرَاءَةِ الْجَرِّ (وَغَسْلَهُمَا) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قِرَاءَةِ النَّصْبِ (فَيُتَخَلَّصُ) مِنْ هَذَا التَّعَارُضِ (بِأَنَّهُ تُجُوِّزَ بِمَسْحِهِمَا) الْمُفَادُ بِ وَامْسَحُوا الْمُقَدَّرِ الدَّالِ عَلَيْهِ الْوَاوُ (عَنْ الْغَسْلِ) مُشَاكَلَةً كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَك طَبْخَهُ ... قُلْت اُطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ (وَالْعَطْفُ فِيهِمَا) أَيْ الْقِرَاءَتَيْنِ (عَلَى رُءُوسِكُمْ) وَلَعَلَّ فَائِدَتَهُ التَّحْذِيرُ مِنْ الْإِسْرَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذْ غَسْلُهُمَا مَظِنَّةٌ لَهُ لِكَوْنِهِ يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِمَا فَعُطِفَتْ عَلَى الْمَمْسُوحِ لَا لِتُمْسَحَ بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَادِ فَكَأَنَّهُ قَالَ اغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ غَسْلًا خَفِيفًا شَبِيهًا بِالْمَسْحِ وَإِنَّمَا قُلْنَا تُجُوِّزَ بِمَسْحِهِمَا عَنْ غَسْلِهِمَا (لِتَوَاتُرِ الْغَسْلِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لَهُمَا إذْ قَدْ (أَطْبَقَ مَنْ حَكَى وُضُوءَهُ) مِنْ الصَّحَابَةِ (وَيَقْرُبُونَ مِنْ ثَلَاثِينَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى غَسْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِجْلَيْهِ يَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ أَسْعَفَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مِنْهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عُثْمَانُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَلِيٌّ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَعَائِشَةُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمُغِيرَةُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ رَوَاهُ السِّتَّةُ وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو بَكْرٍ رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَنَفِيلُ بْنُ مَالِكٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَنَسٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو كَاهِلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ وَكَعْبُ بْنُ عَمْرو الْيَامِيُّ وَالرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَمِمَّنْ حَكَاهُ أَيْضًا زِيَادَةً عَلَى هَؤُلَاءِ عُمَرُ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَمُعَاوِيَةُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو رَافِعٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَتَمِيمُ بْنُ غَزِيَّةُ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأُمُّ سَلَمَةَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَعَمَّارٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ

رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَبَلَغَتْ الْجُمْلَةُ أَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ، وَبَابُ الزِّيَادَةِ مَفْتُوحٌ لِلْمُسْتَقْرِئِ. ثُمَّ الْمُرَادُ اتِّفَاقُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ الَّذِي يَمْنَعُ الْعَقْلُ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى نَقْلِ غَسْلِهِمَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ اتِّفَاقُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ الَّذِينَ هُمْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ التَّابِعِينَ عَلَى نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَهَلُمَّ جَرًّا حَتَّى إلَيْنَا وَلَيْسَ مَعْنَى التَّوَاتُرِ إلَّا هَذَا (وَتَوَارُثِهِ) أَيْ وَلِتَوَارُثِ غَسْلِهِمَا (مِنْ الصَّحَابَةِ) أَيْ لِأَخْذِنَا غَسْلَهُمَا عَمَّنْ يَلِينَا وَهُمْ ذَلِكَ عَمَّنْ يَلِيهِمْ وَهَكَذَا إلَى الصَّحَابَةِ وَهُمْ أَخَذُوهُ بِالضَّرُورَةِ عَنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنْقَلَ فِيهِ نَصٌّ مُعَيَّنٌ. ثُمَّ النَّسْخُ فِي الْمَسْحِ الْمُقَدَّرِ لَهُمَا فِي الْآيَةِ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا فَتَعَيَّنَ تَجَوُّزُهُ فِيهِمَا عَنْ الْغَسْلِ لِإِمْكَانِهِ وَإِلْجَاءِ الدَّلِيلِ إلَيْهِ (وَانْفِصَالُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ الْمُجَاوَرَةِ) أَيْ عَنْ جَرِّ الْأَرْجُلِ بِالْمُجَاوَرَةِ لِقَوْلِهِ {بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] (إذْ لَيْسَ) الْجَرُّ بِهَا (فَصِيحًا) أَيْ قَالَ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي كَلَامٍ فَصِيحٍ (بِتَقَارُبِ الْفِعْلَيْنِ) أَيْ امْسَحُوا وَاغْسِلُوا (وَفِي مِثْلِهِ) أَيْ تَقَارُبِ الْفِعْلَيْنِ (تَحْذِفُ الْعَرَبُ) الْفِعْلَ (الثَّانِيَ وَتَعْطِفُ مُتَعَلِّقَهُ عَلَى مُتَعَلِّقِ) الْفِعْلِ (الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ) أَيْ مُتَعَلِّقَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ (مُتَعَلِّقُهُ) أَيْ الْفِعْلِ الثَّانِي كَقَوْلِهِمْ مُتَقَلِّدٌ سَيْفًا وَرُمْحًا وَعَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا إذْ الْأَصْلُ وَمُعْتَقِلًا رُمْحًا وَسَقَيْتُهَا مَاءً بَارِدًا فَحُذِفَا وَعُطِفَ مُتَعَلِّقُهُمَا عَلَى مُتَعَلِّقِ مَا قَبْلَهُمَا، وَالْآيَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْ امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ فَحُذِفَ اغْسِلُوا وَعُطِفَ مُتَعَلِّقُهُ وَهُوَ أَرْجُلَكُمْ عَلَى مُتَعَلِّقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ رُءُوسَكُمْ فَبَعُدَ الْإِغْضَاءُ عَنْ الْمُنَاقَشَةِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي كَلَامٍ فَصِيحٍ بِوُقُوعِهِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: 26] {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: 22] فِي قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي أَنَّهُ لَا حَذْفَ فِي النَّظِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَلْ ضَمَّنَ مُتَقَلِّدًا مَعْنَى حَامِلًا وَعَلَفْتهَا مَعْنَى أَنَلْتُهَا وَالْتَزَمَ عَلَى هَذَا صِحَّةَ عَلَفْتهَا مَاءً بَارِدًا وَتِبْنًا لَمَّا أُلْزِمَ بِهِ لِقَوْلِ طَرَفَةَ لَهَا سَبَبٌ تَرْعَى بِهِ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ (غَلَطٌ) مِنْهُ وَهُوَ خَبَرُ انْفِصَالٍ (إذَا لَا يُفِيدُ) هَذَا مِنْهُ مَا قَصَدَهُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْمُجَاوَرَةِ فِي الْقُرْآنِ (إلَّا فِي اتِّحَادِ إعْرَابِهِمَا) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ إعْرَابُ الْمُتَعَلِّقَيْنِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرَ فِي عَلَفْتُهَا وَسَقَيْتُهَا (وَلَيْسَتْ الْآيَةُ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا اتَّحَدَ فِيهِ إعْرَابُ الْمُتَعَلِّقَيْنِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ بَلْ هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَا ذَكَرَ تَكُونُ الْأَرْجُلُ مَنْصُوبَةً؛ لِأَنَّهَا مَعْمُولُ اغْسِلُوا لِمَحْذُوفٍ فَحِينَ تُرِكَ إلَى الْجَرِّ الَّذِي هُوَ الْمُشَاكِلُ لِإِعْرَابِ الرُّءُوسِ (فَلَا يَخْرُجُ) جَرُّهَا (عَنْ الْجِوَارِ) بِجَرِّ رُءُوسِكُمْ فَمَا هَرَبَ مِنْهُ وَقَعَ فِيهِ (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَمَا فِي التَّلْوِيحِ عِلَاوَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلًا (فِي الْغُسْلِ الْمَسْحُ) وَزِيَادَةٌ (إذَا لَا إسَالَةَ) وَهِيَ مَعْنَى الْغُسْلِ (بِلَا إصَابَةٍ) وَهِيَ مَعْنَى الْمَسْحِ (فَيَنْتَظِمُهُ) أَيْ الْغَسْلُ الْمَسْحَ (غَلَطٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ) ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يَنْتَظِمُهُ وَإِنَّمَا يَنْتَظِمُ الْمَعْنَى الْأَعَمَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُطْلَقُ الْإِصَابَةِ وَهِيَ إنَّمَا تُسَمَّى مَسْحًا إذَا لَمْ يَحْصُلْ سَيَلَانٌ (وَلَوْ جُعِلَ) الْغَسْلُ (فِيهِمَا) أَيْ الرِّجْلَيْنِ بِالْعَطْفِ (عَلَى وُجُوهِكُمْ) فِي الْقِرَاءَتَيْنِ وَقَدْ كَانَ حَقُّهُ النَّصْبَ كَمَا هُوَ إحْدَاهُمَا لِكَوْنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ (وَالْجَرُّ) لِأَرْجُلِكُمْ (لِلْجِوَارِ) لِرُءُوسِكُمْ (عُورِضَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْجَرُّ (فِيهِمَا) بِالْعَطْفِ (عَلَى رُءُوسِكُمْ وَالنَّصْبُ) بِالْعَطْفِ (عَلَى الْمَحَلِّ) أَيْ مَحَلِّ رُءُوسِكُمْ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ النُّحَاةِ فَإِنَّ مَحَلَّهُ النَّصْبُ (وَيَتَرَجَّحُ) هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ الْعَطْفَ عَلَى الْمَحَلِّ (قِيَاسٌ) مُطَّرِدٌ يَظْهَرُ فِي الْفَصِيحِ وَإِعْرَابٌ شَائِعٌ مُسْتَفِيضٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَطْفِ عَلَى الْأَقْرَبِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الْفَصْلِ بِالْأَجْنَبِيِّ (لَا الْجِوَارِ) فَإِنَّهُ فِي الْعَطْفِ شَاذٌّ إذْ الْحَمْلُ عَلَى الشَّائِعِ الْمُطَّرِدِ حَيْثُ أَمْكَنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الشَّاذِّ (وَ) مِنْهُ مَا بَيْنَ (قِرَاءَتَيْ التَّشْدِيدِ فِي يَطَّهَّرْنَ) لِحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَعَاصِمٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (الْمَانِعَةِ) مِنْ قُرْبَانِهِنَّ (إلَى الْغُسْلِ وَالتَّخْفِيفُ) فِيهِ لِلْبَاقِينَ الْمَانِعَةِ مِنْ قُرْبَانِهِنَّ (إلَى الطُّهْرِ) أَيْ الِانْقِطَاعِ (فَيَحِلُّ) قُرْبَانُهُنَّ (قَبْلَهُ) أَيْ الِاغْتِسَالِ (بِالْحِلِّ الَّذِي انْتَهَى. مَا عَرَضَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ فَتُحْمَلُ تِلْكَ) أَيْ فَيُتَخَلَّصُ مِنْ هَذَا التَّعَارُضِ بِحَمْلِ قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ (عَلَى مَا دُونَ الْأَكْثَرِ) مِنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ الَّذِي هُوَ الْعَادَةُ لَهَا لِيَتَأَكَّدَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ بِهِ أَوْ بِمَا يَقُومُ

مَقَامَهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهِ لِتَوَهُّمِ مُعَاوَدَةِ الدَّمِ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ تَارَةً وَيَدِرُّ أُخْرَى وَالْوَقْتُ صَالِحٌ لَهُ (وَهَذِهِ) أَيْ قِرَاءَةُ التَّخْفِيفِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ انْقِطَاعٌ بِيَقِينٍ، وَحُرْمَةُ الْقُرْبَانِ إنَّمَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْحَيْضِ فَلَا يَجُوزُ تَرَاخِيهَا إلَى الِاغْتِسَالِ لِأَدَائِهَا إلَى جَعْلِ الطُّهْرِ حَيْضًا وَإِبْطَالِ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ وَمَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ حَقِّ الْقُرْبَانِ بِدُونِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْأَذَى وَالْكُلُّ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا التَّخَلُّصُ أَنْ لَوْ قُرِئَ فَإِذَا طَهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا قُرِئَ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] بِالتَّشْدِيدِ لِيَكُونَ التَّخْفِيفُ مُوَافِقًا لِلتَّخْفِيفِ، وَالتَّشْدِيدُ مُوَافِقًا لِلتَّشْدِيدِ وَلَمْ يُقْرَأْ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَمْعُ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالِاغْتِسَالِ بِالْقِرَاءَتَيْنِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اللَّازِمِ الْمَمْنُوعِ فَيُحْمَلُ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] فِي {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بِالتَّخْفِيفِ عَلَى طَهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْضًا (وَتَطَهَّرْنَ بِمَعْنَى طَهُرْنَ) غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فَإِنَّ تَفَعَّلَ تَجِيءُ بِمَعْنَى فَعَلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى صُنْعٍ (كَ تَكَبَّرَ) وَتَعَظَّمَ (فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى) إذْ لَا يُرَادُ بِهِ صِفَةٌ تَكُونُ بِإِحْدَاثِ الْفِعْلِ (وَتَبَيَّنَ) بِمَعْنَى بَانَ وَظَهَرَ (مُحَافَظَةً عَلَى حَقِيقَةِ يَطْهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ) وَأُورِدَ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّعْمِيمُ الْمُشْتَرَكُ إنْ كَانَ يَطْهُرْنَ حَقِيقَةً فِي الِانْقِطَاعِ كَمَا فِي الِاغْتِسَالِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إنْ كَانَ مَجَازًا فِي الِانْقِطَاعِ وَدُفِعَ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ إرَادَةَ الِانْقِطَاعِ حَالَ اخْتِبَارِ التَّخْفِيفِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى غَيْرُهُ وَإِرَادَةُ الِاغْتِسَالِ حَالَ اخْتِيَارِ التَّشْدِيدِ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى غَيْرُهُ وَالْحَالَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ إذْ لَا يُقْرَأُ بِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا إذْ مِنْ شَرْطِهِ اتِّحَادُ الْحَالَةِ وَلَمْ تُوجَدْ (وَكِلَاهُمَا) أَيْ الْمَحْمِلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (خِلَافُ الظَّاهِرِ) كَمَا رَأَيْتَ (لَكِنَّهُ) أَيْ حَمْلَ قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ عَلَى مُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ عَلَى الْأَكْثَرِ (أَقْرَبُ) مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الِاغْتِسَالِ (إذْ لَا يُوجِبُ) حَمْلُهَا عَلَى ذَلِكَ (تَأَخُّرَ حَقِّ الزَّوْجِ) فِي الْوَطْءِ (بَعْدَ الِانْقِطَاعِ بِارْتِفَاعِ الْعَارِضِ الْمَانِعِ) مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْحَيْضُ (مَعَ قِيَامِ الْمُبِيحِ) وَهُوَ الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ الثَّابِتُ قَبْلَ عُرُوضِ هَذَا الْمُحَرِّمِ بِخِلَافِ حَمْلِهِمَا عَلَى الِاغْتِسَالِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ ذَاكَ الْحَمْلَ مُتَعَيِّنٌ أَحَقُّ مِنْ أَنَّهُ أَقْرَبُ ثُمَّ هَذَا جَمْعٌ مِنْ قِبَلِ الْحَالِ كَمَا سَيُفْصِحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ. (وَ) مِنْهُ (بَيْنَ آيَتَيْ اللَّغْوِ) فِي الْيَمِينِ وَهِيَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَأَحْمَدَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ يُظَنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ كُلُّ يَمِينٍ صَدَرَتْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فِي الْمَاضِي وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ (تُقَيِّدُ إحْدَاهُمَا) أَيْ {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] (الْمُؤَاخَذَةَ بِالْغَمُوسِ) وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَوْ حَالٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ بِهِ (لِأَنَّهَا مَكْسُوبَةٌ) أَيْ مَقْصُودَةٌ بِالْقَلْبِ (وَالْأُخْرَى) أَيْ {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] (عَدَمَهُ) أَيْ أَنْ لَا يَأْخُذُ بِالْغَمُوسِ (إذْ لَيْسَتْ) الْغَمُوسُ (مَعْقُودَةً) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَوْلٌ يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ قُوبِلَتْ بِاللَّغْوِ فَيَكُونُ اللَّغْوُ الْخَالِيَةُ عَنْ الْفَائِدَةِ وَاللَّغْوُ بِهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ قَالَ تَعَالَى {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} [مريم: 62] {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] (فَدَخَلَتْ) الْغَمُوسُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (فِي اللَّغْوِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ الَّتِي تُقْصَدُ الْيَمِينُ لَهَا) شَرْعًا وَهِيَ تَحْقِيقُ الْعَمْدِ وَالصِّدْقِ فِي الْغَمُوسِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا فَلَا يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِهَا (وَخَرَجَتْ) الْغَمُوسُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ اللَّغْوِ (فِي) الْآيَةِ (الْأُخْرَى) وَدَخَلَتْ فِي الْمَكْسُوبَةِ (بِشُمُولِ الْكَسْبِ إيَّاهَا) أَيْ الْغَمُوسِ فَيَكُونُ مُؤَاخَذًا بِهَا (وَأَفَادَتْ) هَذِهِ الْآيَةُ الْأُخْرَى (ضِدِّيَّةَ) حُكْمِ (اللَّغْوِ) وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ (لِلْكَسْبِ) أَيْ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّغْوِ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ (فَهُوَ) أَيْ اللَّغْوُ هُنَا (السَّهْوُ) فَتَعَارَضَتَا فِي الْغَمُوسِ حِينَئِذٍ (وَالتَّخَلُّصُ) مِنْ هَذَا التَّعَارُضِ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْجَمْعِ) بَيْنَهُمَا (بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤَاخَذَةِ) الثَّابِتَةِ لِلْغَمُوسِ (فِي) الْآيَةِ (الْأُولَى) الْمُؤَاخَذَةُ (الْأُخْرَوِيَّةُ) وَهِيَ الْعِقَابُ (وَفِي الثَّانِيَةِ) أَيْ وَالْمُرَادُ بِالْمُؤَاخَذَةِ الْمَنْفِيَّةِ عَنْ الْغَمُوسِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ الْمُؤَاخَذَةُ (الدُّنْيَوِيَّةُ بِالْكَفَّارَةِ) فَتَغَايَرَتْ الْمُؤَاخَذَتَانِ فَلَا تَعَارُضَ (أَوْ) الْمُرَادُ بِاللَّغْوِ فِي الْآيَتَيْنِ الْخَالِي عَنْ الْقَصْدِ وَبِالْمُؤَاخَذَةِ (فِيهِمَا) أَيْ الْآيَتَيْنِ الْمُؤَاخَذَةُ (الْأُخْرَوِيَّةُ) وَالْغَمُوسُ فِي الْمَكْسُوبَةِ لَا فِي

الْمَعْقُودَةِ فَالْآيَةُ الْأُولَى أَوْجَبَتْ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى الْغَمُوسِ (وَ) الْآيَةُ (الثَّانِيَةُ سَاكِتَةٌ عَنْ الْغَمُوسِ وَهِيَ) أَيْ الْغَمُوسُ (ثَالِثَةٌ) وَعَلَى هَذَا مَشَى صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] تَفْسِيرٌ لِلْمُؤَاخَذَةِ وَالْمُؤَاخَذَةُ الَّتِي هِيَ الْكَفَّارَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الدُّنْيَا وَالْمُخْتَصَّةُ بِالْآخِرَةِ إنَّمَا هِيَ الْمُؤَاخَذَةُ الَّتِي هِيَ الْعِقَابُ وَجَزَاءُ الْإِثْمِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ بَلْ هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى طَرِيقِ دَفْعِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ (أَيْ يُؤَاخِذُكُمْ فِي الْآخِرَةِ بِمَا عَقَّدْتُمْ) أَيْ إذَا جَعَلَ الْإِثْمَ بِالْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ (فَطَرِيقُ دَفْعِهِ) أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْمُؤَاخَذَةُ عَلَى الْمَعْقُودَةِ الْحَانِثَةِ فِيمَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ (وَسَتْرِهِ إطْعَامُ) عَشَرَةِ مَسَاكِينَ إلَخْ، وَكَذَا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَوَجْهُ الْمُؤَاخَذَةِ فِي هَذِهِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ عَلَى الشَّرْعِ فَإِنَّهُ لَمَّا حَرَّمَ تَعَالَى الْخَمْرَ فَحَلَفَ لَيَشْرَبَنَّهَا فَقَدْ بَالَغَ فِي الْمُكَابَرَةِ عَلَى قَصْدِ الْمُخَالَفَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى سَلِمَ مِنْ إثْمِ ارْتِكَابَ النَّهْيِ بَقِيَ عَلَيْهِ إقْدَامُهُ عَلَى الْيَمِينِ عَلَى فِعْلِ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَدَفَعَهُ اللَّهُ عَنْهُ كَرَمًا وَفَضْلًا بِالْكَفَّارَةِ فَصَارَ الْحَاصِلُ مِنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى الْغَمُوسِ وَالْمُنْعَقِدَةِ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ دَفَعَ الْمُؤَاخَذَةَ عَنْ الْمُنْعَقِدَةِ بِشَرْعِ الْكَفَّارَةِ فَبَقِيَتْ الْغَمُوسُ مَسْكُوتًا عَنْهَا فِي ذَلِكَ فَلَمْ تُشْرَعْ الْكَفَّارَةُ فِيهَا دَافِعَةً سَاتِرَةً (وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُ) أَيْ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤَاخَذَةِ فِي الْأُولَى الْأُخْرَوِيَّةُ وَفِي الثَّانِيَةِ الدُّنْيَوِيَّةُ فَلَا تَكُونُ الْغَمُوسُ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّغْوِ وَالْمُنْعَقِدَةِ (بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ: لَا يُؤَاخِذُ بِكَذَا لَكِنْ) يُؤَاخِذُ (بِكَذَا عَدَمُ الْوَاسِطَةِ) أَيْ كَوْنُ الثَّانِي مُقَابِلًا لِلْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ فَلَوْ كَانَتْ الْمُؤَاخَذَةُ فِيهِمَا الْمُؤَاخَذَةَ الْأُخْرَوِيَّةَ لَزِمَ كَوْنُ الْمُؤَاخَذِ بِهِ فِي الْآيَتَيْنِ وَاحِدًا قُلْت وَهَذَا ظَاهِرُ الْوُرُودِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُؤَاخَذَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ، أَمَّا لَوْ أُرِيدَ الْمُؤَاخَذَةُ مُطْلَقًا عُقُوبَةً كَانَتْ أَوْ كَفَّارَةً فَلَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ دُخُولُ الْغَمُوسِ فِي اللَّغْوِ؛ لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ نَطَقَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِهَا وَالْيَمِينُ اللَّغْوُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَلَا فِي الْمَعْقُودَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ لِمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي بِجَوْدَتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ وَذَكَرَ مِنْهُنَّ وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَكُلُّ مَنْ قَالَ: لَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْيَمِينِ الصَّابِرَةِ أَيْ الْمَصْبُورَةِ عَلَى مَالٍ كَذِبًا وَبَيْنَ غَيْرِهَا وَهِيَ الْمُفْضِي بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَصْبُورٌ عَلَيْهَا أَيْ مَحْبُوسٌ (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ) الْمُرَادُ بِالْمُؤَاخَذَةِ (فِيهَا) أَيْ الْآيَتَيْنِ الْمُؤَاخَذَةُ (الدُّنْيَوِيَّةُ وَهِيَ) أَيْ الْغَمُوسُ عِنْدَهُ (دَاخِلَةٌ فِي الْمَعْقُودَةِ) بِنَاءً عَلَى حَمْلِ الْعَقْدِ عَلَى الْقَلْبِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ عَقَدْت عَنْ قَلْبِي بِأَنْ يَكْتُمَ الْهَوَى (كَمَا) هِيَ دَاخِلَةٌ (فِي الْمَكْسُوبَةِ فَلَا تَعَارُضَ، وَدَفْعُهُ) أَيْ دُخُولُهَا فِي الْمَعْقُودَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ (بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعَقْدِ بِغَيْرِ الْقَلْبِ) أَيْ بِأَنَّ فِيهِ عُدُولًا عَنْ الْحَقِيقَةِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ رَبْطُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ، وَذَلِكَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ الْمُصْطَلَحِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ رَبْطِ أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ بِالْآخَرِ وَارْتِبَاطِ الْكَلَامِ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ إنْ كَانَ الْكَلَامُ وَاحِدًا، وَعَزْمُ الْقَلْبِ لَا يَرْتَبِطُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ حُكْمًا فَإِطْلَاقُ اسْمِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْعَقْدِ فَلَا تَكُونُ الْغَمُوسُ مَعْقُودَةً حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا ثُمَّ دَفْعُهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (قَدْ يُمْنَعُ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْعَقْدُ (أَعَمُّ) مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَعْيَانِ أَوْ الْمَعَانِي (يُسْنَدُ إلَى الْأَعْيَانِ فَيُرَادُ) بِهِ (الرَّبْطُ) لِبَعْضِهَا بِبَعْضٍ (وَإِلَى الْقَلْبِ فَعَزْمُهُ) أَيْ فَيُرَادُ بِهِ عَزْمُ الْقَلْبِ (وَكَثُرَ) إطْلَاقُ عَزْمِ الْقَلْبِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى (فِي اللُّغَةِ) وَفِي التَّلْوِيحِ عَلَى أَنَّ عَقْدَ الْقَلْبِ وَاعْتِقَادَهُ بِمَعْنَى رَبْطِهِ وَجَعْلِهِ ثَابِتًا عَلَيْهِ أَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْعَقْدِ الْمُصْطَلَحِ فِي الْفِقْهِ فَإِنَّهُ مِنْ مُخْتَرَعَاتِ الْفُقَهَاءِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ بِمَعْنَى الرَّبْطِ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْأَعْيَانِ إلَّا أَنَّهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِي قَوْلٍ يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِارْتِبَاطٍ بَيْنَهُمَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِيفَاءِ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِمَا لَهُ حُكْمٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يُصَارُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِهِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ (بَلْ) الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ (الظَّاهِرُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤَاخَذَةِ (فِي) الْآيَةِ (الْأُولَى) الْمُؤَاخَذَةُ (الْأُخْرَوِيَّةُ لِلْإِضَافَةِ إلَى كَسْبِ الْقَلْبِ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْقَصْدِ

وَعَدَمِهِ فِي الْمُؤَاخَذَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْغَمُوسَ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ لَا تُنَاسِبُ الْكَفَّارَةَ الدَّائِرَةَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَانْدَفَعَ رَدُّ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ لَا سِيَّمَا الْحُقُوقُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَالْأُخْرَوِيَّةُ هِيَ الْكَامِلَةُ؛ لِأَنَّ الْآخِرَةَ خُلِقَتْ لِلْجَزَاءِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [غافر: 17] فَتُجَازَى فِيهِ عَلَى وِفَاقِ عَمَلِهَا بِخِلَافِ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ قَدْ يُؤَاخَذُ فِيهَا الْمُطِيعُ بِجِنَايَةٍ تَطْهِيرًا وَقَدْ يُنَعَّمُ الْعَاصِي بِهَا اسْتِدْرَاجًا عَلَى أَنَّ الْمُؤَاخَذَاتِ فِي الدُّنْيَا شُرِعَتْ بِأَسْبَابٍ فِيهَا نَوْعُ ضَرَرٍ لِتَكُونَ زَوَاجِرَ فِيهَا إصْلَاحُنَا فَلَا تَتَمَحَّضُ مُؤَاخَذَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ وَإِنَّمَا تَتَمَحَّضُ فِي الْآخِرَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي أَحَدِ النَّصَّيْنِ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْآخِرَةِ فَبَطَلَ التَّدَافُعُ (وَهَذَا) الْجَمْعُ بَيْنَ مَضْمُونِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ (جَمْعٌ مِنْ قِبَلِ الْحُكْمِ) بِاخْتِلَافِهِ فِيهِمَا. (وَمِنْهُ) أَيْ الْجَمْعِ مِنْ قِبَلِ الْحُكْمِ (تَوْزِيعُهُ) أَيْ الْحُكْمِ بِأَنْ يُجْعَلَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْحُكْمِ ثَابِتًا بِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ وَبَعْضُهَا مَنْفِيًّا بِالْآخَرِ (كَقِسْمَةِ الْمُدَّعِي بَيْنَ الْمُثْبِتَيْنِ) أَيْ مُدَّعِي كُلٍّ مِنْهُمَا إيَّاهُ كُلًّا بِحُجَّتِهِ (وَمَا قِيلَ) أَيْ قِيلَ هَذَا الْجَمْعُ فِي قِرَاءَتَيْ التَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فِي {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] هُوَ (مِنْ قِبَلِ الْحَالِ) فَإِنَّهُ قَدْ حَمَلَ إحْدَاهُمَا عَلَى حَالَةٍ وَالْأُخْرَى عَلَى حَالَةٍ كَمَا رَأَيْتَ وَعَبَّرَ عَنْهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِالْمَحَلِّ (وَيَكُونُ) الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (مِنْ قِبَلِ الزَّمَانِ صَرِيحًا بِنَقْلِ التَّأَخُّرِ) لِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَقَوْلُهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] فَإِنَّ بَيْنَهُمَا تَعَارُضًا فِي حَقِّ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَجَمَعَ الْجُمْهُورُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ (بَعْدَ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [البقرة: 234] الْآيَةَ كَمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْبَحْثِ الْخَامِسِ فِي التَّخْصِيصِ (أَوْ) يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الزَّمَانِ (حُكْمًا كَالْمُحَرِّمِ) أَيْ كَتَقْدِيمِهِ (عَلَى الْمُبِيحِ) إذَا عَارَضَهُ (اعْتِبَارًا لَهُ) أَيْ لِلْمُحَرِّمِ (مُتَأَخِّرًا) عَنْ الْمُبِيحِ (كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ النَّسْخُ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُحَرِّمِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمُبِيحِ (بِنَاءً عَلَى أَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ) فَإِنَّ الْمُحَرِّمَ حِينَئِذٍ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ ثُمَّ الْمُبِيحُ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُحَرِّمِ بِخِلَافِ تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُحَرِّمِ مُتَأَخِّرًا مَعَ الْقَوْلِ بِأَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ النَّسْخُ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ وَارِدٌ لِإِبْقَائِهَا حِينَئِذٍ وَالْمُحَرِّمُ نَاسِخٌ لَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّكْرَارِ وَتَقَدَّمَ مَا فِي أَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ التَّنَزُّلِ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ مِنْ الْبَحْثِ وَالتَّحْرِيرِ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ تَقْدِيمَ الْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ (الِاحْتِيَاطُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ حُكْمٍ وَهُوَ نَيْلُ الثَّوَابِ بِالِانْتِهَاءِ عَنْهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ بِالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَنْعَدِمُ فِي الْمُبِيحِ، وَالْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَعَنْ ابْنِ أَبَانَ وَأَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُمَا يُطْرَحَانِ وَيَرْجِعُ الْمُجْتَهِدُ إلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَدِلَّةِ كَالْغَرْقَى إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ مِنْ أَمْثَلِهِ هَذَا مَا وَرَدَ فِي تَحْرِيمِ الضَّبِّ وَإِبَاحَتِهِ إذْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ» وَرَوَى أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ قَالَ «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الضِّبَابِ فَأَصَبْنَا مِنْهَا فَذَبَحْنَا فَبَيْنَمَا الْقُدُورُ تَغْلِي بِهَا خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فُقِدَتْ وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ هِيَ فَأَكْفِئُوهَا فَأَكْفَأْنَاهَا وَإِنَّا لَجِيَاعٌ» وَرَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ خَالِدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُدِّمَ إلَيْهِ ضَبٌّ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إلَيْهِ فَقِيلَ هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَفَعَ يَدَهُ فَقَالَ خَالِدٌ أُحَرِّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ. قَالَ خَالِدٌ فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ فَلَمْ يَنْهَنِي» فَتَعَارَضَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ فَجَعَلْنَا الْمُحَرِّمَ آخِرًا لِمَا قُلْنَا مِنْ تَقْلِيلِ مَعْنَى النَّسْخِ لَهُ كَالطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مَحْجُوجٌ بِهَذَا (وَلَا يُقَدَّمُ الْإِثْبَاتُ) لِأَمْرٍ عَارِضٍ (عَلَى النَّفْيِ) لَهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيَّةُ (إلَّا إنْ كَانَ) النَّفْيُ لَا يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ بَلْ كَانَ (بِالْأَصْلِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّ الْإِثْبَاتَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ.

(كَحُرِّيَّةِ) مُغِيثٍ (زَوْجِ بَرِيرَةَ؛ لِأَنَّ عَبْدِيَّتَهُ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَالْإِخْبَارُ بِهَا) أَيْ بِعَبْدِيَّتِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَهَا وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا» (بِالْأَصْلِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ رَقَبَتَهُ لَمْ تَتَغَيَّرْ فَهَذَا نَفْيٌ لَا يُدْرَكُ عِيَانًا بَلْ بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ مِنْ ثُبُوتِهَا وَالْإِخْبَارُ بِحُرِّيَّتِهِ كَمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ إثْبَاتًا لِأَمْرٍ عَارِضٍ عَلَى مَا ثَبَتَ لَهُ أَوَّلًا مِنْ الرَّقَبَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى زِيَادَةِ عِلْمٍ لَيْسَتْ فِي النَّفْيِ الْمَذْكُورِ فَلَا جَرَمَ أَنْ ذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْعِتْقِ لَهَا عَبْدًا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ حُرًّا خِلَافًا لَهُمْ فِيمَا إذَا كَانَ حُرًّا (فَإِنْ) كَانَ النَّفْيُ (مِنْ جِنْسِ مَا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ عَارَضَهُ) أَيْ الْإِثْبَاتُ لِتَسَاوِيهِمَا (وَطَلَبَ التَّرْجِيحَ) لِأَحَدِهِمَا بِوَجْهٍ آخَرَ (كَالْإِحْرَامِ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) أَيْ مَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرَفٍ» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «تَزَوَّجَ نَبِيُّ اللَّهِ مَيْمُونَةَ وَهُمَا مُحْرِمَانِ» فَإِنَّهُ (نَفْيٌ لِأَمْرٍ) عَارِضٍ وَهُوَ الْإِحْرَامُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْحِلُّ (يَدُلُّ عَلَيْهِ هَيْئَةٌ مَحْسُوسَةٌ) مِنْ التَّجَرُّدِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ (فَسَاوَى رِوَايَةَ) مُسْلِمٍ وَابْنِ مَاجَهْ «عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ قَالَ وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ» وَزَادَ فِيهِ أَبُو يَعْلَى «بَعْدَ أَنْ رَجَعْنَا مِنْ مَكَّةَ» رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ «عَنْ أَبِي رَافِعٍ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْت الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا» . (وَرُجِّحَ نَفْيُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى) إثْبَاتِ (ابْنِ الْأَصَمِّ وَأَبِي رَافِعٍ) بِقُوَّةِ السَّنَدِ وَخُصُوصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ فَقَدْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادٍ عَنْ مَطَرٍ يَعْنِي عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمَاتَ أَبُو رَافِعٍ قَبْلَ عُثْمَانَ بِسَنَتَيْنِ وَكَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَلَّامِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ مَطَرٍ مَوْصُولًا لَكِنَّهُ خَالَفَ فِي إسْنَادِهِ فَقَالَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَهَمَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ» انْتَهَى. وَمَطَرٌ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بَلْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ عِنْدَهُمْ وَبِضَبْطِ الرُّوَاةِ وَفِقْهِهِمْ وَخُصُوصًا ابْنُ عَبَّاسٍ إذْ نَاهِيكَ بِهِ فَقَاهَةً وَضَبْطًا وَاتِّفَاقًا وَلِذَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لِلزُّهْرِيِّ وَمَا يَدْرِي ابْنُ الْأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى سَاقَهُ أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ الَّذِينَ رَوَوْا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ بِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَهْلُ عِلْمٍ وَثَبْتٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ فُقَهَاءُ وَاَلَّذِينَ نَقَلُوا عَنْهُمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِرِوَايَاتِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِلِّ اللَّاحِقِ) لِلْإِحْرَامِ (وَأَمَّا عَلَى إرَادَةِ) الْحِلِّ (السَّابِقِ) عَلَى الْإِحْرَامِ (كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ) أَيْ مَا فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ «بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ» وَفِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ لِلْمُسْتَغْفِرَيَّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ (فَابْنُ عَبَّاسٍ مُثْبِتٌ وَيَزِيدُ) بْنُ الْأَصَمِّ (نَافٍ فَيَتَرَجَّحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (بِذَاتِ الْمَتْنِ) لِتَرْجِيحِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي (وَلَوْ عَارَضَهُ) أَيْ نَفْيٌ يُرِيدَ إثْبَاتَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِكَوْنِ نَفْيِ يَزِيدَ مِمَّا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْحِلِّ تُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ أَيْضًا وَهُوَ هَيْئَةُ الْحَلَالِ (فِيمَا قُلْنَا) أَيْ فَالتَّرْجِيحُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قُلْنَا مِنْ قُوَّةِ السَّنَدِ وَفِقْهِ الرَّاوِي وَمَزِيدِ ضَبْطِهِ فَتَرَجَّحَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا بِجَوَازِ عَقْدِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ حَالَةَ الْإِحْرَامِ عَلَى قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ (وَعُرِفَ) مِنْ هَذَا (أَنَّ النَّافِيَ رَاوِي الْأَصْلِ) أَيْ الْحَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُثْبِتِ كَمَا أَنَّ الْمُثْبِتَ هُوَ الرَّاوِي الْحَالَةَ الْعَارِضَةَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ (فَإِنْ أَمْكَنَا) أَيْ كَوْنُ النَّفْيِ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ وَكَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ (كَحِلِّ الطَّعَامِ وَطَهَارَةِ الْمَاءِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (نَفْيٌ يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ) بِأَنْ

ذَبَحَ شَاةً وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا وَغَسَلَ إنَاءً بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ بِمَاءٍ جَارٍ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ نَجَاسَةٍ وَمَلَأَهُ بِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يَغِبْ عَنْهُ أَصْلًا وَلَمْ يُشَاهِدْ وُقُوعَ نَجَاسَةٍ فِيهِ (وَالْأَصْلِ) بِأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَذْبُوحَةِ الْحِلُّ وَلَمْ يَعْلَمْ ثُبُوتَ حُرْمَةٍ فِيهَا وَفِي الْمَاءِ الطَّهَارَةُ وَلَمْ يَعْلَمْ وُقُوعَ نَجَاسَةٍ فِيهِ (فَلَا يُعَارِضُ) الْإِخْبَارُ بِهِمَا (مَا) أَيْ الْإِخْبَارُ (بِحُرْمَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَيَعْمَلُ بِهِمَا) أَيْ بِالْحِلِّ فِي الطَّعَامِ وَالطَّهَارَةِ فِي الْمَاءِ (إنْ تَعَذَّرَ السُّؤَالُ) لِلْمُخْبِرِ عَنْ مُسْتَنَدِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا فَيُرَجِّحُ الْخَبَرَ النَّافِي بِهِ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ السُّؤَالُ لِلْخَبَرِ عَنْ مُسْتَنَدِهِ (سُئِلَ) الْمُخْبِرُ (عَنْ مَبْنَاهُ) أَيْ مَبْنَى خَبَرِهِ (فَعُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ) فَإِنْ تَمَسَّكَ الْمُخْبِرُ بِظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّاةِ الْحِلُّ وَفِي الْمَاءِ الطَّهَارَةُ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا يُنَافِيهِمَا فَخَبَرُ الْحُرْمَةِ وَالنَّجَاسَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ دَلِيلٍ فَلَا يُعَارِضُ الْخَبَرَ الْمُثْبِتَ وَإِنْ تَمَسَّكَ بِالدَّلِيلِ كَانَ مِثْلَ الْإِثْبَاتِ فَيَقَعُ التَّعَارُضُ ثُمَّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ لِمَا ذَكَرْنَا (وَمِثْلُ الْحَنَفِيَّةِ تَقْرِيرُ الْأُصُولِ) لِمُتَعَلِّقِ الْمُتَعَارِضَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُمَا دَلِيلٌ يُصَارُ إلَيْهِ (بِسُؤْرِ الْحِمَارِ) أَيْ الْبَقِيَّةِ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ فِي الْإِنَاءِ (تَعَارَضَ فِي حِلِّ لَحْمِهِ وَحُرْمَتِهِ الْمُسْتَلْزِمَتَيْنِ لِطَهَارَتِهِ) أَيْ سُؤْرِهِ (وَنَجَاسَتِهِ الْآثَارُ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ» وَالنَّهْيُ عَنْهَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَحُرْمَةُ الشَّيْءِ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْغِذَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ وَلَحْمُهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَيَكُونُ نَجِسًا وَإِذَا كَانَ نَجِسًا كَانَ لُعَابُهُ نَجِسًا؛ لِأَنَّهُ يُجْلَبُ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ يُخَالِطُ الْمَاءَ فَيَكُونُ نَجِسًا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «عَنْ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ قَالَ أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شَيْءٌ أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا شَيْءٌ مِنْ حُمُرٍ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا سِمَانُ حُمُرٍ وَإِنَّكَ حَرَّمْت لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِينِ حُمُرِك فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ جَوَّالِ الْقَرْيَةِ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حِلِّهَا وَإِذَا كَانَتْ حَلَالًا كَانَتْ طَاهِرَةً وَإِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً كَانَ سُؤْرُهَا طَاهِرًا لِأَنَّ اللُّعَابَ الْمُخْتَلِطَ بِهِ طَاهِرٌ. (فَقُرِّرَ حَدِيثُ الْمُتَوَضِّئِ بِهِ) أَيْ بِسُوَرِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْوُجُودِ (وَطَهَارَتِهِ) أَيْ السُّؤْرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَاءُ قَبْلُ مُخَالَطَةِ اللُّعَابِ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ تَقْرِيرَ الْأُصُولِ (حُكْمُ عَدَمِ التَّرْجِيحِ لَكِنْ رُجِّحَتْ الْحُرْمَةُ) عَلَى الْإِبَاحَةِ إذَا تَعَارَضَتَا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فَيَنْبَغِي أَنْ تُرَجَّحَ هُنَا أَيْضًا الْحُرْمَةُ الْمُوجِبَةُ لِلنَّجَاسَةِ وَكَيْفَ لَا وَحَدِيثُ التَّحْرِيمِ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَالْمَتْنُ لَا اضْطِرَابَ فِيهِ وَحَدِيثُ الْإِبَاحَةِ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ ثُمَّ الْمِزِّيُّ ثُمَّ الذَّهَبِيُّ فَلَمْ يُوجَدْ رُكْنُ الْمُعَارَضَةِ عَلَى أَنَّ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا نَظَرًا فَإِنَّ الْقِصَّةَ تُشِيرُ إلَى اضْطِرَارِهِمْ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا رُخِّصَ لَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَيْضًا هُوَ مُصَرَّحٌ بِتَأَخُّرِهِ عَنْ حَدِيثِ التَّحْرِيمِ فَلَوْ صَحَّ مُفِيدُ الْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا لَكَانَ نَاسِخًا لِلتَّحْرِيمِ مُوجِبًا لِلطَّهَارَةِ (وَالْأَقْرَبُ) فِي تَقْرِيرِ الْأُصُولِ فِي هَذَا الْمِثَالِ لِوُجُودِ التَّعَارُضِ الْمُلْجِئِ إلَى ذَلِكَ (تَعَارَضَتْ الْحُرْمَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلنَّجَاسَةِ وَالضَّرُورَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلطَّهَارَةِ) فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ وَيَشْرَبُ فِي الْأَوَانِي الْمُسْتَعْمَلَةِ وَيُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ (وَلَمْ تَتَرَجَّحْ) الطَّهَارَةُ (لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا) أَيْ الضَّرُورَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلنَّجَاسَةِ (إذَا لَيْسَ كَالْهِرَّةِ) فِي الْمُخَالَطَةِ حَتَّى تَسْقُطَ نَجَاسَتُهُ كَمَا سَقَطَتْ نَجَاسَةُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ؛ لِأَنَّ الْهِرَّةَ تَلِجُ الْمَضَايِقَ دُونَهُ (وَلَا الْكَلْبِ) فِي الْمُجَانَبَةِ الْغَالِبَةِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ نَجَاسَتُهُ لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ فِي الْكَلْبِ دُونَهُ (وَلَا النَّجَاسَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ حُكْمِ الضَّرُورَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَنَّهُ خِلَافُ النَّظَرِ فَتَسَاقَطَتَا وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْأَصْلِ فَالْمَاءُ كَانَ طَاهِرًا فَلَا يَتَنَجَّسُ بِمَا لَمْ تَتَحَقَّقْ نَجَاسَتُهُ وَالسُّؤْرُ بِمُقْتَضَى حُرْمَةِ اللَّحْمِ نَجِسٌ فَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَلَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْوَاقِعِ فِيهِ وَعَلَى هَذَا مَشَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ تَتْمِيمٌ ثُمَّ إذَا كَانَ الْكِتَابُ لِبَيَانِ اصْطِلَاحَيْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ اصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ تَكْمِيلًا وَحَاصِلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّصَّيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقُوَّةِ

مسألة جري التعارض بين قولين ونفيه

بِأَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ وَفِي الْعُمُومِ بِأَنْ يَصْدُقَ كُلٌّ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَهَذَا لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَعْلَمَ تَأَخُّرَ وُرُودِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عَنْ الْآخَرِ فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ إذَا كَانَ مَدْلُولُهُ قَابِلًا لِلنَّسْخِ سَوَاءٌ كَانَا مَعْلُومَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ آيَتَيْنِ أَوْ خَبَرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا آيَةً وَالْآخَرُ خَبَرًا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ النَّسْخَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَابِلٍ لِلنَّسْخِ تَسَاقَطَا، وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِمَا وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ النَّسْخَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَمْنَعُ وُرُودَ هَذَا الْقِسْمِ وَالْخَاصَّانِ حُكْمُهُمَا هَذَا الْحُكْمُ، الثَّانِي أَنْ يُجْهَلَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ تَسَاقَطَا لِاحْتِمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَنْسُوخُ احْتِمَالًا عَلَى السَّوَاءِ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَا مَظْنُونَيْنِ تَعَيَّنَ التَّرْجِيحُ فَيُعْمَلُ بِالْأَقْوَى فَإِنْ تَسَاوَيَا تَخَيَّرَ الْمُجْتَهِدُ، الثَّالِثُ أَنْ تُعْلَمَ مُقَارَنَتُهُمَا فَإِنْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ وَأَمْكَنَ التَّخْيِيرُ فِيهِمَا تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَى الْحُكْمِ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا حَاظِرًا أَوْ مُثْبِتًا حُكْمًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي طَرْحَ الْمَعْلُومِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ كَانَا مَظْنُونَيْنِ تَعَيَّنَ التَّرْجِيحُ فَيُعْمَلُ بِالْأَقْوَى فَإِنْ تَسَاوَيَا قُوَّةً فَالتَّخْيِيرُ، ثَانِيهِمَا أَنْ لَا يَتَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ وَالْعُمُومِ مَعًا. وَهَذَا لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَيْضًا: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَتَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَطْعِيًّا وَالْآخَرُ ظَنِّيًّا فَيَتَرَجَّحُ الْقَطْعِيُّ وَيُعْمَلُ بِهِ إنْ كَانَا عَامَّيْنِ أَوْ خَاصَّيْنِ أَوْ الْقَطْعِيُّ خَاصًّا وَالظَّنِّيُّ عَامًّا فَإِنْ كَانَ الْقَطْعِيُّ عَامًّا وَالظَّنِّيُّ خَاصًّا يُرَجَّحُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ وَيُعْمَلُ بِهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ عَلِمَ تَأَخُّرَهُ عَنْ الْعَامِّ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمَظْنُونَ يُخَصِّصُ الْمَعْلُومَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعْمَالًا لِلدَّلِيلَيْنِ أَمَّا الْخَاصُّ فَفِي جَمِيعِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعَامُّ فَمِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْأَفْرَادُ الَّتِي لَمْ تُخَصَّصْ، وَمَنْعُ التَّخْصِيصِ يَقْضِي إلَى إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْخَاصُّ وَإِعْمَالُ الدَّلِيلَيْنِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ نَعَمْ إنْ عَمِلْنَا بِالْعَامِّ الْمَقْطُوعِ بِهِ ثُمَّ وَرَدَ الْخَاصُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا نَأْخُذُ بِهِ إذَا كَانَ مَظْنُونًا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ وَنَسْخُ الْمَقْطُوعِ بِالْمَظْنُونِ لَا يَجُوزُ، الثَّانِي أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ لَا فِي الْعُمُومِ فَإِنْ كَانَا عَامَّيْنِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مُطْلَقًا عُمِلَ بِالْأَخَصِّ سَوَاءٌ كَانَا قَطْعِيَّيْنِ أَوْ ظَنِّيَّيْنِ عُلِمَ تَقَدُّمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَمْ لَمْ يُعْلَمْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَا قَطْعِيَّيْنِ أَوْ ظَنِّيَّيْنِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ فِي الْقَطْعِيَّيْنِ بِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ بَلْ يُرَجَّحُ بِكَوْنِ حُكْمِ أَحَدِهِمَا حَظْرًا أَوْ شَرْعِيًّا أَوْ مُثْبِتًا وَالْآخَرِ إبَاحَةً أَوْ عَقْلِيًّا أَوْ نَافِيًا وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَفِي الظَّنِّيَّيْنِ يُرَجَّحُ بِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ، الثَّالِثُ أَنْ لَا يَحْصُلَ بَيْنَهُمَا تَسَاوٍ لَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَلَا فِي الْقُوَّةِ فَإِنْ كَانَا عَامَّيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مُطْلَقًا عُمِلَ بِالْقَطْعِيِّ إلَّا إذَا كَانَ الْقَطْعِيُّ هُوَ الْأَعَمَّ فَإِنَّهُ يُخَصُّ بِالظَّنِّيِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ صِيرَ إلَى التَّرْجِيحِ فَيُرَجَّحُ الظَّنُّ بِمَا يَتَضَمَّنُهُ الْحُكْمُ مِنْ كَوْنِهِ حَظْرًا أَوْ مُثْبِتًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ سَوَاءٌ عُلِمَ تَأَخُّرَ الْقَطْعِيِّ عَنْ الظَّنِّيِّ أَمْ تَقَدَّمَهُ أَمْ جُهِلَ الْحَالُ وَإِنْ كَانَا خَاصَّيْنِ فَالْعَمَلُ بِالْقَطْعِيِّ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَسْأَلَة جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ] (مَسْأَلَةٌ لَا شَكَّ فِي جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ) أَيْ وَلَا فِي نَفْيِ جَرْيِهِ (بَيْنَ فِعْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ) لِجَوَازِ كَوْنِ الْفِعْلِ الْمُضَادِّ لِغَيْرِهِ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا فِي وَقْتٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ وَإِبْطَالٍ لِذَلِكَ الْحُكْمِ إذْ لَا عُمُومَ لِلْفِعْلَيْنِ وَلَا لِأَحَدِهِمَا (كَصَوْمِ يَوْمٍ وَفِطْرٍ فِي مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِأَنْ كَانَ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَالْفِطْرُ فِي سَبْتٍ آخَرَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا نَصٌّ مِنْ قَوْلِ عَضُدِ الدِّينِ وَفِطْرٌ فِي يَوْمٍ آخَرَ ثُمَّ قَالَ اسْتِثْنَاءً مِنْ نَفْيِهِ (إلَّا إنْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلِ (عَلَيْهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَنَحْوِهِ) أَيْ أَوْ عَلَى نَدْبِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ (وَسَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ) أَيْ وَدَلَّ مَعَ ذَلِكَ عَلَى سَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ لِذَلِكَ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ بِأَنْ دَلَّ أَنَّ يَوْمَ السَّبْتِ جُعِلَ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ التَّعَارُضُ بِوَاسِطَةِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ فَيَكُونُ فِطْرُهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ الْآخَرِ بَعْدَ هَذِهِ الدَّلَالَةِ دَلِيلُ رَفْعِ مَا وَجَبَ مِنْ صَوْمِ كُلِّ سَبَبٍ (وَتَقَدَّمَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ مِثْلُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا عُرِفَتْ فِيهِ صِفَةُ

الْفِعْلِ وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ دَلَّ هُنَا عَلَى صِفَةِ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ، وَتَكَرُّرِهِ بِتَكَرُّرِ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَحِينَئِذٍ (فَالنَّافِي) وَهُوَ فِطْرُهُ (نَاسِخٌ عَنْ الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّ فِطْرَهُ الْمُتَأَخِّرَ مُثْبِتٌ بِحُكْمِ تِلْكَ الدَّلَالَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْأُمَّةِ الْفِطْرَ كَمَا أَنَّ صَوْمَهُ كَانَ مُثْبِتًا ذَلِكَ فَلِهَذَا يَلْزَمُ أَنَّ فِطْرَهُ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخٌ عَنْهُ وَعَنْ الْأُمَّةِ الصِّفَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ مِنْهُ. (وَعَنْ الْكَرْخِيِّ وَطَائِفَةٍ) أَنَّ فِعْلَهُ الثَّانِيَ يُنْسَخُ (عَنْهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَقَطْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُوجِبُ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ شَيْئًا بِدَلِيلِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ وَمِنْ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ، وَدَلِيلُ التَّكَرُّرِ يَخُصُّهُ (وَأَمَّا) التَّعَارُضُ (بَيْنَ فِعْلٍ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عُرِفَتْ صِفَتُهُ) مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ مَثَلًا (فِي حَقِّهِ وَقَوْلٍ) يَنْفِي ذَلِكَ كَأَنْ يَصُومَ يَوْمَ السَّبْتِ ثُمَّ يَقُولَ صَوْمُهُ حَرَامٌ (فَعَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ أُمَّتَهُ مِثْلُهُ وُجُوبًا أَوْ غَيْرَهُ) لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَى سَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ لِوُجُوبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَنَحْوِهِ أَوْ لَا (فَمَعَ دَلِيلِ سَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ، وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ) كَقَوْلِهِ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ (نُسِخَ عَنْهُ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا) أَيْ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ الْآخَرُ (وَلَا مُعَارَضَةَ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْأُمَّةِ (فَيَسْتَمِرُّ مَا فِيهِمْ) أَيْ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ ثَبَتَ عَلَيْهِمْ مِنْ الِاتِّبَاعِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّابِتِ فِي حَقِّهِ إذْ النَّاسِخُ لَمْ يَتَعَرَّضْ سِوَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ (قِيلَ يُؤْخَذُ بِالْفِعْلِ فَيَثْبُتُ) الْفِعْلُ (عَلَى صِفَتِهِ عَلَى الْكُلِّ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ أَيْ يَسْتَمِرُّ مَا كَانَ وَعَلَيْهِمْ (وَقِيلَ) يُؤْخَذُ (بِالْقَوْلِ فَيَخُصُّهُ النَّسْخُ وَيَثْبُتُ مَا فِيهِمْ) أَيْ يَسْتَمِرُّ عَلَيْهِمْ مُقْتَضَى الْفِعْلِ مِنْ الِاتِّبَاعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُرِفَ عَلَيْهِ (وَقِيلَ يُتَوَقَّفُ) فِي حَقِّهِ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ) أَيْ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ إذْ جَوَازُ تَقَدُّمِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَتَأَخُّرِهِ ثَابِتٌ فَالتَّعْيِينُ تَحَكُّمٌ (فِي حَقِّهِ وَثَبَتَ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلُ (مَا فِيهِمْ) أَيْ عَلَى الْأُمَّةِ عَلَى صِفَتِهِ لِعَدَمِ الْمُعَارَضَةِ فِي حَقِّهِمْ (وَإِنْ) كَانَ الْقَوْلُ (خَاصًّا بِهِمْ) أَيْ الْأُمَّةِ بِأَنْ صَامَ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَالَ لَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ صَوْمُهُ (فَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّهِ فَمَا كَانَ لَهُ) أَيْ ثَابِتًا فِي حَقِّهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ مُتَكَرِّرَيْنِ أَوْ إبَاحَةٍ فَهُوَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ (كَمَا كَانَ وَفِيهِمْ) أَيْ فِي الْأُمَّةِ (الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ وَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا فَأَقْوَالٌ أَحَدُهُمَا يُؤْخَذُ بِالْفِعْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ ثَانِيهَا يُؤْخَذُ بِالْوَقْفِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمٌ (فَثَالِثُهَا) وَهُوَ (الْمُخْتَارُ) يُؤْخَذُ (بِالْقَوْلِ) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ (لِوَضْعِهِ) أَيْ الْقَوْلِ (لِبَيَانِ الْمُرَادَاتِ) الْقَائِمَةِ بِنَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ (وَأَدِلِّيَّتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ مِنْ الْفِعْلِ عَلَى خُصُوصِ الْمُرَادِ (وَأَعَمِّيَّتِهِ) أَيْ وَلِأَنَّهُ أَعَمُّ دَلَالَةً أَيْ فَأَفْرَادُ مَدْلُولَاتِهِ أَكْثَرُ لِذَا يُدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَعْقُولِ وَالْمَحْسُوسِ (بِخِلَافِ الْفِعْلِ) فَإِنَّ لَهُ مَحَامِلَ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِقَرِينَةٍ خَارِجِيَّةٍ فَيَقَعُ الْخَطَأُ فِيهِ كَثِيرًا وَيُخْتَصَرُ بِالْمَوْجُودِ وَالْمَحْسُوسِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ وَالْمَعْقُولَ لَا يُمْكِنُ مُشَاهَدَتُهُمَا بَلْ الْفِعْلُ (إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى إطْلَاقِهِ) نَفْسِهِ (لِلْفَاعِلِ) لَا عَلَى وُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ (فَإِنْ دَلَّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ) أَيْ عَلَى اقْتِدَاءِ غَيْرِ الْفَاعِلِ بِهِ (فَبِذَلِكَ) الدَّالِّ لَا بِالْفِعْلِ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْفِعْلِ بَعْدَ دَلَالَتِهِ عَلَى مُجَرَّدِ إطْلَاقِهِ لِلْفَاعِلِ (احْتِمَالَاتُ) الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ لِلْفَاعِلِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِالْفِعْلِ بَلْ (إنْ تَعَيَّنَ بَعْضُهَا فَبِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْفِعْلِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (قَدْ يَقَعُ بَيَانًا لِلْقَوْلِ) أَيْ لِصُورَةِ مَدْلُولِ الْقَوْلِ إنَّمَا هُوَ (عِنْدَ إجْمَالِهِ) أَيْ الْقَوْلِ فِيهَا كَفِعْلِ الصَّلَاةِ (وَكَلَامُنَا) فِي التَّرْجِيحِ (مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ الْإِجْمَالِ (وَالْفَرْقُ) بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ خَاصًّا بِهِ حَيْثُ اُخْتِيرَ الْوَقْفُ عِنْدَ جَهْلِ الْمُتَأَخِّرِ وَبَيْنَ مَا هُنَا حَيْثُ اُخْتِيرَ الْوَقْفُ عِنْدَ جَهْلِ الْمُتَأَخِّرِ (أَنَّا هُنَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ خَاصًّا بِنَا (مُتَعَبِّدُونَ بِالِاسْتِعْلَامِ لِتَعَبُّدِنَا بِالْعَمَلِ) الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ (لَا هُنَاكَ) فَإِنَّا لَسْنَا هُنَاكَ مَأْمُورِينَ بِاسْتِعْلَامِ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَهْلِنَا بِالْمُتَأَخِّرِ (إذْ لَمْ تُؤْمَرْ بِهِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَدْرَى بِهِ) أَيْ الْمُتَأَخِّرِ الَّذِي يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ (أَوْ) كَانَ الْقَوْلُ (شَامِلًا) لَهُ وَلَهُمْ بِأَنْ فَعَلَ الصَّوْمَ ثُمَّ قَالَ حُرِّمَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ (فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ عَنْ الْكُلِّ) أَيْ عَنْهُ وَعَنْ أُمَّتِهِ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ فَيَحْرُمُ عَلَى الْكُلِّ (وَفِي الْجَهْلِ) بِالْمُتَأَخِّرِ

قُدِّمَ (بِالْقَوْلِ) فَيَحْرُمُ الصَّوْمُ عَلَى الْكُلِّ (لِوُجُوبِ الِاسْتِعْلَامِ فِي حَقِّنَا) فَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْهُ (وَبِاتِّفَاقِ الْحَالِ بِعِلْمِ حَالِهِ مُقْتَضًى لِلشُّمُولِ) أَيْ ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْ بَحْثِنَا الْعِلْمُ بِحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لَا بِالْقَصْدِ بِالْبَحْثِ إلَى اسْتِعْلَامِهِ فِي حَقِّهِ (لَكِنَّا لَا نَحْكُمُ بِهِ) عَلَيْهِ (لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّا لَسْنَا مَأْمُورِينَ بِاسْتِعْلَامِ حَالِهِ فِي جَهْلِنَا بِالْمُتَأَخِّرِ بَلْ هُوَ أَدْرَى بِالْمُتَأَخِّرِ الَّذِي يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ ثُمَّ شَرَعَ فِي قَسِيمِ قَوْلِهِ فَمَعَ دَلِيلِ سَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ فَقَالَ (وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ دَلِيلِ التَّكْرَارِ) أَيْ إذَا كَانَ الْفِعْلُ الصَّادِرُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا دَلِيلَ عَلَى تَكَرُّرِهِ وَعُلِمَتْ صِفَتُهُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا فَلَا يَخْلُو الْقَوْلُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ أَوْ بِالْأُمَّةِ أَوْ شَامِلًا لَهُ وَلَهُمْ فَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (وَالْقَوْلُ الْخَاصُّ بِهِ مَعْلُومُ التَّأَخُّرِ) بِأَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا ثُمَّ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ لَا يَحِلُّ لِي فِعْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ مُعَارَضَتِهِ لِلْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَوْ مَنْدُوبًا (فَقَدْ أَخَذَتْ صِفَةُ الْفِعْلِ مُقْتَضَاهَا مِنْهُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ) ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَوْ يُنْدَبُ مَرَّةً وَقَدْ فَعَلَهُ مَرَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَالْقَوْلُ شَرْعِيَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ فِي حَقِّهِ لَا نَاسِخٌ) لِلْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَقَدْ فَعَلَهُ فَتَمَّ أَمْرُهُ (وَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ) أَيْ الْأُمَّةِ الْفِعْلُ (مَرَّةً بِصِفَتِهِ) عَلَيْهِمْ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ (إذْ لَا تَعَارُضَ فِي حَقِّهِمْ) لِفَرْضِ أَنَّ الْقَوْلَ خَاصٌّ بِهِ (وَلَا سَبَبَ تَكْرَارٍ أَوْ) عُلِمَ (الْمُتَقَدِّمُ) لِلْقَوْلِ كَأَنْ يَقُولَ لَا يَحِلُّ لِي كَذَا ثُمَّ يَفْعَلُهُ (نَسَخَ عَنْهُ الْفِعْلُ مُقْتَضَى الْقَوْلِ أَيْ دَلَّ) الْفِعْلُ (عَلَيْهِ) أَيْ نَسْخِ الْقَوْلُ (وَيَثْبُتُ) الْفِعْلُ (عَلَى الْأُمَّةِ عَلَى صِفَتِهِ مَرَّةً) بِذَلِكَ الْفِعْلِ النَّاسِخِ (لِفَرْضِ الِاتِّبَاعِ فِيمَا عُلِمَ وَعَدَمِ التَّكْرَارِ وَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ (فَالثَّلَاثَةُ) الْأَقْوَالُ فِيهِ تَقْدِيمُ الْفِعْلِ فَيَثْبُتُ الْفِعْلُ فِي حَقِّهِمْ وَتَقْدِيمُ الْقَوْلِ فَيَحْرُمُ وَالْوَقْفُ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمٌ (قِيلَ وَالْمُخْتَارُ الْوَقْفُ وَنَظَرَ فِيهِ) وَالنَّاظِرُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنْ لَا تَعَارُضَ مَعَ تَأَخُّرِ الْقَوْلِ) الْخَاصِّ بِهِ (فَيُؤْخَذُ بِهِ) أَيْ بِالْقَوْلِ حُكْمًا بِأَنَّ الْفِعْلَ مُتَقَدِّمٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُخِذَ بِالْفِعْلِ نُسِخَ مُوجَبُ الْقَوْلِ عَنْهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (تَرْجِيحًا لِرَفْعِ مُسْتَلْزِمِ النَّسْخِ وَعُلِمَتْ اسْتِوَاءُ حَالَتَيْ الْأُمَّةِ فِيهِمَا) أَيْ تَقَدُّمِ الْقَوْلِ وَتَأَخُّرِهِ (مِنْ ثُبُوتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (مَرَّةً مِنْهُمْ) أَيْ عَلَيْهِمْ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّوَقُّفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ تَرْجِيحِ الْقَوْلِ عَلَى الْوَقْفِ يَعْنِي أَنَّهُ عَلِمَ حَالَ الْأُمَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَحَلِّ الْجَهْلِ مِنْ تَقَدُّمِ الْقَوْلِ وَتَأَخُّرِهِ فَلَمْ يَبْقَ التَّرَدُّدُ إلَّا فِي حَالَةٍ فَإِنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِمَا وَتَقَدَّمَ فِي مِثْلِهِ اخْتِيَارُ الْوَقْفِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ بِاسْتِعْلَامِ الثَّابِتِ لَهُ (وَإِنْ) كَانَ الْقَوْلُ (خَاصًّا بِهِمْ) بِأَنْ فَعَلَ وَقَالَ لَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ هَذَا (فَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّهِ) لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْقَوْلِ بِهِ عُلِمَ تَقَدُّمُهُ أَوْ لَا (وَفِيهِمْ) أَيْ فِي الْأُمَّةِ (الْمُتَأَخِّرُ) مِنْ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ (نَاسِخٌ لِلْمَرَّةِ) فَإِنَّ الْفِعْلَ بِلَا تَكْرَارٍ يُوجِبُ الْمَرَّةَ فَيَنْسَخُهَا كَمَا لَوْ قَالَ: صُومُوا يَوْمَ سَبْتٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ مَرَّةً فَإِذَا أَفْطَرَ - وَالْأُمَّةُ مِثْلُهُ - أَوْ قَالَ لَا تَصُومُوا فِيهِ نَسَخَ عَنْهُمْ الصَّوْمَ فِيهِ (وَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ (فَالثَّلَاثَةُ) الْأَقْوَالِ فِيهِ الْوَقْفُ وَتَقْدِيمُ الْفِعْلِ وَتَقْدِيمُ الْقَوْلِ (وَالْمُخْتَارُ الْقَوْلُ وَإِنْ) كَانَ (شَامِلًا) لَهُ وَلَهُمْ (فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ وَفِيهِمْ فِي عِلْمِ الْمُتَأَخِّرِ) مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَفِي حَقِّهِ إنْ تَقَدَّمَ الْفِعْلُ فَلَا يُعَارَضُ لِعَدَمِ تَكَرُّرِ الْفِعْلِ وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فَالْفِعْلُ نَاسِخٌ لَهُ وَفِي حَقِّ الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخٌ (وَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا (فَالثَّلَاثَةُ) الْأَقْوَالِ الْوَقْفُ وَتَقْدِيمُ الْفِعْلِ وَتَقْدِيمُ الْقَوْلِ (وَالْمُخْتَارُ الْقَوْلُ فَيُنْسَخُ عَنْهُمْ الْمَرَّةَ لَكِنْ لَوْ قُدِّمَ الْفِعْلُ وَجَبَتْ) الْمَرَّةُ (فَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ) أَيْ وَفِي وُجُوبِهِ مَرَّةً (ثُمَّ تَقُولُ فِي الْوَجْهِ الَّذِي قُدِّمَ بِهِ الْقَوْلُ) عَلَى الْفِعْلِ وَالْوَقْفِ (حَيْثُ قُدِّمَ) عَلَيْهِمَا مِنْ أَنَّهُ وَضَعَ الْقَوْلَ لِبَيَانِ الْمُرَادَاتِ إلَى آخِرِ مَا سَلَفَ (نَظَرٌ وَإِنَّمَا يُفِيدُ) الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ (تَقْدِيمَهُ) أَيْ الْقَوْلِ (وَلَوْ كَانَ) التَّقْدِيمُ (بِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ مُلَاحَظَةِ ذَاتِ الْفِعْلِ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْقَوْلِ (لَكِنَّ النَّظَرَ بَيْنَ فِعْلٍ دَلَّ عَلَى خُصُوصِ حُكْمِهِ وَعَلَى ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ فَفِي الْحَقِيقَةِ النَّظَرُ) إنَّمَا هُوَ (فِي تَقْدِيمِ الْقَوْلِ عَلَى مَجْمُوعِ أَدِلَّةٍ مِنْهَا قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَالْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَدُلُّ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَجْمُوعِ فَإِنَّمَا عَارَضَهُ مَا دَلَّ بِهِ

أَيْضًا عَلَيْهِ) أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعِ (فَاسْتَوَيَا) أَيْ الْفِعْلُ وَالْقَوْلُ (وَالْأَدِلِّيَّةُ وَنَحْوُهُ) مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَعَمِّيَّةِ وَغَيْرِهَا (طَرْدًا وَحِينَئِذٍ) لَا أَثَرَ لَهَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ (فَالْوَجْهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ ذَلِكَ) التَّعَارُضِ (مُلَاحَظَةُ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ يَقَعُ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ) تَقْدِيمِ (الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ فَيُقَدَّمُ ذَلِكَ) الَّذِي فِيهِ الِاحْتِيَاطُ (كَفِعْلٍ عُرِفَتْ صِفَتُهُ وُجُوبٌ أَوْ نَدْبٌ أَوْ حُكِمَ فِيهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ إذَا كَانَ التَّارِيخُ مَجْهُولًا (يُقَدَّمُ) الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ (عَلَى الْقَوْلِ الْمُبِيحِ وَقَلْبَهُ الْقَوْلَ) فَيُقَدَّمُ الْقَوْلُ الْمُبِيحُ عَلَى فِعْلٍ عُرِفَتْ صِفَتُهُ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ حُكِمَ فِيهِ بِذَلِكَ (وَكَذَا الْقَوْلُ) حَالَ كَوْنِهِ (مُحَرَّمًا مَعَ الْفِعْلِ مُطْلَقًا) يُقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا (وَقَوْلُ كَرَاهَةٍ مَعَ فِعْلِ إبَاحَةٍ) يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي (وَقِسْ) عَلَى هَذِهِ أَمْثَالَهَا (فَأَمَّا إذَا لَمْ تُعْرَفْ صِفَةُ الْفِعْلِ فَعَلَى الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَالنَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ كَذَلِكَ) أَيْ لَهُ وَلَهُمْ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالنَّدْبِ فِيمَا لَمْ يُعْرَفْ صِفَةُ فِعْلِهِ وَالْآخَرِينَ الْقَائِلِينَ بِالْإِبَاحَةِ فِيهِ (وَعَلَى خُصُوصِ هَذِهِ) الْأَحْكَامِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ (بِالْأُمَّةِ الْمُتَأَخِّرِ) مِنْ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ (نَاسِخٌ عَنْهُمْ فِعْلًا) كَانَ (أَوْ قَوْلًا شَامِلًا) لَهُ وَلَهُمْ (أَوْ خَاصًّا بِهِمْ فَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ (فَالْمُخْتَارُ مَا فِيهِ الِاحْتِيَاطُ كَمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى الْوَقْفِ فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْأَحْكَامِ (سِوَى إطْلَاقِ الْفِعْلِ إنْ تَأَخَّرَ الْقَوْلُ النَّافِي لَهُ) أَيْ إطْلَاقِ الْفِعْلِ حَالَ كَوْنِهِ (خَاصًّا بِهِ) بِأَنْ صَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِي صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (مَنَعَهُ) أَيْ نَسَخَ الْقَوْلُ إطْلَاقَ الْفِعْلِ (فِي حَقِّهِ دُونَهُمْ) فَيَسْتَمِرُّ لَهُمْ مُوجَبُ الْفِعْلِ وَهُوَ حِلَّةٌ لَهُمْ مَعَ الْوَقْفِ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ (أَوْ) حَالَ كَوْنِهِ خَاصًّا (بِهِمْ) كَأَنْ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِأُمَّتِي صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (فَفِي حَقِّهِمْ) أَيْ نَسَخَ الْقَوْلُ إطْلَاقَ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِمْ وَحَكَمْنَا بِالْإِطْلَاقِ مَعَ الْوَقْفِ عَمَّا زَادَ عَلَيْهِ (أَوْ) حَالَ كَوْنِهِ (شَامِلًا) لَهُ وَلَهُمْ (نَفْيُ الْإِطْلَاقِ مُطْلَقًا) أَيْ نَسْخُ الْحِلِّ الَّذِي كَانَ مُقْتَضَى الْفِعْلِ عَنْ الْكُلِّ وَزَالَ الْوَقْفُ مُطْلَقًا (فَلَوْ كَانَ) الْقَوْلُ الْمُتَأَخِّرُ (مُوجِبًا أَوْ نَادِبًا قَرَّرَهُ) أَيْ الْفِعْلَ (عَلَى مُقْتَضَاهُ) أَيْ الْقَوْلِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُتَأَخِّرُ (الْفِعْلَ وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ) كَأَنْ يَقُولَ أَوَّلًا لَا يَحِلُّ لِي صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَصُومُ (فَالْوَقْفُ فِيمَا سِوَى مُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ فِي حَقِّ الْكُلِّ) أَيْ ثَبَتَ الْحِلُّ فِي حَقِّهِ وَحَقِّهِمْ بِمُقْتَضَى الْفِعْلِ الْمُتَأَخِّرِ مَعَ الْوَقْفِ عَمَّا سِوَى فِي حَقِّ الْكُلِّ (أَوْ) كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا (بِهِمْ) كَأَنْ يَقُولَ: لَا يَحِلُّ لِلْأُمَّةِ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِصَوْمِهِ (أَوْ شَامِلًا) لَهُ وَلَهُمْ كَلَا يَحِلُّ لِي وَلَكُمْ ثُمَّ صَامَهُ (مُنِعُوا) أَيْ مُنِعَ الْحِلُّ فِي حَقِّهِمْ (دُونَهُ) فَيَحِلُّ لَهُ (وَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ (فَفِي الْأَوَّلِ) أَيْ إذَا كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ (الْوَقْفُ فِي حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ الْقَوْلَ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَوْ الْفِعْلَ حَلَّ لَهُ وَلَسْنَا مَأْمُورِينَ بِالْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ فَنَقِفُ عَنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ (وَالْحِلُّ لَهُمْ) أَيْ فَيُحْكَمُ بِالْحِلِّ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُمْ تَقَدَّمَ هَذَا الْقَوْلُ أَوْ تَأَخَّرَ (وَفِي الثَّانِي) أَيْ إذَا كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِمْ (مُنِعُوا) لِثُبُوتِهِ لَهُمْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ أَوْ تَأَخَّرَ وَجَهْلُ الْمُتَأَخِّرِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِ الْوَاقِعِ أَحَدَهُمَا (وَحَلَّ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُوجِبُهُ وَلَمْ يُعَارِضْهُ الْقَوْلُ (وَفِي الثَّالِثِ) أَيْ إذَا كَانَ شَامِلًا لَهُ وَلَهُمْ (الْوَقْفُ فِي حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَوْلُ الشَّامِلُ مُتَأَخِّرًا عَنْ فِعْلِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَوْ مُتَقَدِّمًا حَلَّ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْكُمَ فِي حَقِّهِ بِشَيْءٍ فَيَجِبُ فِيهِ الْوَقْفُ (وَمُنِعُوا) ؛ لِأَنَّهُمْ فِي التَّأَخُّرِ وَالتَّقَدُّمِ كَذَلِكَ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ مِمَّا يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ التَّعَارُضِ التَّرْجِيحُ أَعْقَبَهُ بِفَصْلٍ فِيهِ فَقَالَ (فَصَّلَ الشَّافِعِيَّةُ) أَيْ بَعْضُهُمْ (التَّرْجِيحَ اقْتِرَانَ الْأَمَارَةِ بِمَا تَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارِضِهَا) وَعَلَى هَذَا مَشَى ابْنُ الْحَاجِبِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى (وَإِنْ كَانَ) هُوَ (الرُّجْحَانَ وَسَبَبَ التَّرْجِيحِ) ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ جَعْلُ أَحَدِ جَانِبَيْ الْمُتَعَامِلَيْنِ رَاجِحًا بِإِظْهَارِ فَضْلٍ فِيهِ لَا تَقُومُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ كَتَرْجِيحِ إحْدَى كِفَّتَيْ الْمِيزَانِ عَلَى الْأُخْرَى بِنَحْوِ شَعِيرَةٍ وَذَلِكَ الْفَضْلُ هُوَ الرُّجْحَانُ وَالسَّبَبُ الدَّاعِي إلَى جَعْلِهِ زَائِدًا عَلَى مُعَامَلَةٍ (فَالتَّرْجِيحُ) أَيْ فَهُوَ التَّرْجِيحُ (اصْطِلَاحًا) لِمُعَرِّفِي التَّرْجِيحِ بِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ خَاصَّةٌ فِيهِ وَمَجَازٌ لُغَوِيٌّ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ (وَالْأَمَارَةُ) أَيْ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لَا الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ وَلَا مَا هُوَ أَعَمَّ مِنْهُمَا (لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ مَعَ

قَطْعٍ) كَمَا سَلَفَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ) فِي أَوَّلِ فَصْلِ التَّعَارُضِ بَلْ التَّحْقِيقُ جَرَيَانُهُ فِي الْقَطْعِيَّيْنِ أَيْضًا كَمَا فِي الظَّنِّيَّيْنِ وَإِنَّ تَخْصِيصَ الظَّنِّيَّيْنِ بِهِ دُونَ الْقَطْعِيَّيْنِ تَحَكُّمٌ ثُمَّ قِيلَ: يَتَسَاقَطُ الدَّلِيلَانِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو عَلِيٍّ وَابْنُهُ: يَلْزَمُ التَّخْيِيرُ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْأَمَارَةِ الَّتِي ظَهَرَ رُجْحَانُهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا) أَيْ الْأَمَارَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا تَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارِضِهَا (لِلْقَطْعِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِهِ) أَيْ بِتَقْدِيمِهَا كَمَا يُفِيدُهُ تَتَبُّعُ الْوَقَائِعِ الْكَثِيرَةِ لَهُمْ وَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُهُمْ خَبَرَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي «الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ» عَلَى خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ سِيَاقُ خَبَرِهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكِلَا الْخَبَرَيْنِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لِلِاحْتِيَاطِ وَلِكَوْنِ الْحَالِ فِي مِثْلِهِ عَلَى أَزْوَاجِهِ أَبْيَنَ وَأَكْشَفَ. (وَأُورِدَ) عَلَى الْأَكْثَرِينَ (شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ مَعَ) شَهَادَةِ (اثْنَيْنِ) إذَا تَعَارَضَتَا فَإِنَّ الظَّنَّ بِالْأَرْبَعَةِ أَقْوَى مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ وَلَا تُقَدَّمُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ (فَالْتُزِمَ) تَقْدِيمُ شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (وَالْحَقُّ الْفَرْقُ) بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّلِيلِ إذْ كَمْ مِنْ وَجْهٍ تُرَجَّحُ بِهِ الْأَدِلَّةُ وَلَا تُرَجَّحُ بِهِ الشَّهَادَاتُ، وَوُجِّهَ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الشَّرْعِ مَقْدُورَةٌ بِعَدَدٍ مَعْلُومٍ فَكَفَّيْنَا الِاجْتِهَادَ فِيهَا بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ (وَلِلْحَنَفِيَّةِ) فِي تَعْرِيفِ التَّرْجِيحِ بِنَاءً (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ التَّرْجِيحَ (فِعْلُ إظْهَارِ الزِّيَادَةِ لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ) فَخَرَجَ النَّصُّ مَعَ الْقِيَاسِ الْمُعَارِضِ لَهُ صُورَةً فَلَا يُقَالُ: النَّصُّ رَاجِحٌ عَلَيْهِ وَلَا الْعَمَلُ بِالنَّصِّ تَرْجِيحٌ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ الَّتِي هِيَ الِاتِّحَادُ فِي النَّوْعِ وَقَدْ عَرَفْت فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّعَارُضِ، وَالرُّجْحَانُ تَابِعٌ مَعَ التَّمَاثُلِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهَا أَيْضًا الْآنَ وَعَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ أَيْضًا مَا فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرِهِ تَقْوِيَةُ إحْدَى الْإِمَارَتَيْنِ لِيُعْمَلَ بِهَا (وَعَلَى مِثْلِ مَا قَبْلَهُ) أَيْ وَعَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّرْجِيحِ الرُّجْحَانُ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ (فَضْلٌ إلَخْ) أَيْ لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَصْفًا فَلَا حَاجَةَ إلَى نِسْبَةِ قَائِلِهِ إلَى الْمُسَاهَلَةِ كَمَا ذَكَرَ الشَّارِحُونَ إذْ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ. (وَأَفَادَ) تَعْرِيفُ الْحَنَفِيَّةِ (نَفْيَ التَّرْجِيحِ بِمَا يَصْلُحُ دَلِيلًا) فِي نَفْسِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الدَّلِيلِ الْمُوَافِقِ فَلَا يُقَالُ لِمَا تَعَارَضَ فِيهِ حَدِيثَانِ أَوْ قِيَاسَانِ إذَا وُجِدَ دَلِيلٌ آخَرُ مُوَافِقٌ لِأَحَدِهِمَا عَلَى مُقْتَضَاهُ دُونَ الْآخَرِ إنَّ الْمُوَافِقُ لِمُوَافِقِهِ رَاجِحٌ عَلَى مُعَارِضَهُ ثُمَّ إذَا كَانَ مَعْنَى التَّرْجِيحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا (فَبَطَلَ) التَّرْجِيحُ لِأَحَدِ الْحُكْمَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ (بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ) لَهُ عَلَى الْآخَرِ (عِنْدَهُمْ) لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ بِثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ بِهِ فَلَا يَنْضَمُّ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَتَّحِدُ بِهِ لِيُفِيدَ تَقْوِيَتَهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَتَقَوَّى بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي ذَاتِهِ لَا بِانْضِمَامِ مِثْلِهِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَخِلَافَهُ عَنْ الْأَكْثَرِ وَالْوَجْهَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ آخِرَ هَذَا الْفَصْلِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّ النَّصَّيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِالْقِيَاسِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَرْجِيحُ مَا) أَيْ نَصٍّ (يُوَافِقُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا) أَيْ نَصٍّ (يُخَالِفُهُ) أَيْ الْقِيَاسَ بِالْقِيَاسِ (لَيْسَ بِهِ) أَيْ بِالتَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ (عِنْدَ قَابِلِهِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مَنْ يَقْبَلُ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَيَرَاهُ مَذْهَبًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ الْمُوَافِقَ لِلنَّصِّ (غَيْرُ مُعْتَبَرٍ هُنَاكَ) أَيْ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ (فَلَيْسَ) الْقِيَاسُ ثَمَّةَ (دَلِيلًا وَالِاسْتِقْلَالُ فَرْعُهُ) أَيْ كَوْنُهُ دَلِيلًا بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ لِذَلِكَ النَّصِّ فَتَرْجِيحُهُ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ (وَصَحَّ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (نَفْيُهُ) أَيْ تَرْجِيحُ مَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ بِهِ وَذُكِرَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (دَلِيلٌ فِي نَفْسِهِ مُسْتَقِلٌّ) وَلِذَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (لَكِنْ عَدَمُ شَرْطِ اعْتِبَارِهِ) هُنَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ مَا بِهِ التَّرْجِيحَ أَنَّ الْأَحَقَّ أَنَّهُ يَتَرَجَّحُ بِهِ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ وَجْهَهُ وَالْجَوَابَ عَنْ وَجْهِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْقِيَاسُ عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ وَتَرْجِيحُ الْقِيَاسِ عَلَى قِيَاسٍ مِثْلِهِ مُعَارِضٍ لَهُ (بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ) كَمَا سَيَأْتِي تَمْثِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ

التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْأُصُولَ (لَا تُوجِبُ حُكْمَ الْفَرْعِ) بَلْ تُوجِبُ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ وَلُزُومٍ لِلْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ لِيُحْدِثَ فِيهِ قُوَّةً مُرَجِّحَةً (وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ حُكْمِ الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ هُوَ (الْمَطْلُوبُ) مِنْ الْقِيَاسِ (فَيُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ الْفَرْعِ (التَّعَارُضُ) بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ ثُمَّ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي لَهُ أُصُولٌ يُؤْخَذُ فِيهَا جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ (فَهُوَ) أَيْ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ تَرْجِيحٌ (بِقُوَّةِ الْأَثَرِ) وَهُوَ مِنْ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ فِي تَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ كَمَا سَيُعْلَمُ. ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَا بِهِ التَّرْجِيحُ فِي الْمَتْنِ فَقَالَ (فَفِي الْمَتْنِ) أَيْ مَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَنَحْوِهَا يَكُونُ (بِقُوَّةِ الدَّلَالَةِ كَالْمُحْكَمِ فِي عُرْفِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَهُوَ) أَيْ الْمُفَسَّرُ عِنْدَهُمْ (عَلَى النَّصِّ) كَذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ النَّصُّ كَذَلِكَ (عَلَى الظَّاهِرِ) كَذَلِكَ وَالْكُلُّ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِتَرْجِيحِ الْأَقْوَى دَلَالَةً (لَزِمَ نَفْيُ التَّشْبِيهِ) عَنْ الْبَارِي جَلَّ وَعَزَّ (فِي {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وَنَحْوِهِ مِمَّا ظَاهِرُهُ يُوهِمُ الْمَكَانَ (بِ) قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْءٍ مَا وَالْمَكَانُ وَالْمُتَمَكِّنُ فِيهِ يَتَمَاثَلَانِ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ إذْ حَقِيقَةُ الْمَكَانِ قَدْرُ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْمُتَمَكِّنُ لَا مَا فُصِلَ عَنْهُ وَقُدِّمَ الْعَمَلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَا تَحْمِلُ تَأْوِيلًا (وَيُضْبَطُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاصْطِلَاحَيْنِ) لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي أَلْقَابِ أَفْرَادِ تَقْسِيمَاتِ الدَّلَالَةِ لِلْمُفْرَدِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئ اللُّغَوِيَّةِ (يَجْمَعُ) أَيْ يَحْكُمُ بِوُجُودِ بَعْضِ الْأَقْسَامِ عَلَى الِاصْطِلَاحَيْنِ جَمِيعًا فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ (وَيُفَرِّقُ) أَيْ وَيَحْكُمُ بِوُجُودِ بَعْضِهَا عَلَى أَحَدِ الِاصْطِلَاحَيْنِ دُونَ الْآخَرِ وَيَنْشَأُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ تَرْجِيحُ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِحَسْبِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي قُوَّةِ الدَّلَالَةِ (وَالْخَفِيُّ) تَرْجِيحٌ (عَلَى الْمُشْكِلِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِمَا عُرِفَ ثَمَّةَ مِنْ أَنَّ الْخَفَاءَ فِي الْمُشْكِلِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْخَفِيِّ (وَأَمَّا الْمُجْمَلُ مَعَ الْمُتَشَابِهِ) بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ (فَلَا يُتَصَوَّرُ) تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (وَلَوْ) قَصَدَ إلَيْهِ (بَعْدَ الْبَيَانِ) لِلْمُجْمَلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (بَعْدَ فَهْمِ مَعْنَاهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ وَالْمُتَشَابِهُ انْقَطَعَ رَجَاءُ مَعْرِفَتِهِ فِي الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ (وَالْحَقِيقَةُ) تُرَجَّحُ (عَلَى الْمَجَازِ الْمُسَاوِي) فِي الِاسْتِعْمَالِ لَهَا (شُهْرَةً) وَ (اتِّفَاقًا) لِتَرَجُّحِهَا عَلَيْهِ بِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ (وَفِي) تَرْجِيحِ الْمَجَازِ (الزَّائِدِ) فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ حَيْثُ الشُّهْرَةُ عَلَيْهَا (خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ) فَقَالَ يُرَجَّحُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الصَّاحِبَانِ يُرَجَّحُ عَلَيْهَا وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. (وَالصَّرِيحُ عَلَى الْكِنَايَةِ وَالْعِبَارَةُ عَلَى الْإِشَارَةِ) (وَهِيَ) أَيْ الْإِشَارَةُ (عَلَى الدَّلَالَةِ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ) وَمِثْلُ هَذِهِ مَذْكُورٌ فِي الشُّرُوحِ فَلَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا (وَهِيَ) أَيْ الدَّلَالَةُ (عَلَى الْمُقْتَضَى وَلَمْ يُوجَدَ لَهُ) أَيْ لِتَرْجِيحِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ (مِثَالٌ فِي الْأَدِلَّةِ وَقِيلَ يَتَحَقَّقُ) لَهُ مِثَالٌ فِيهَا وَهُوَ مَا (إذَا بَاعَهُ) أَيْ عَبْدًا (بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ) الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ (أَعْتِقْهُ عَنِّي بِمِائَةٍ) فَفَعَلَ إذْ (دَلَالَةُ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَلِيهَا فَصْلُ التَّعَارُضِ (تَنْفِي صِحَّتَهُ) أَيْ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمَذْكُورِ الثَّابِتِ لِلْبَائِعِ اقْتِضَاءً لِشِرَائِهِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ (وَاقْتِضَاءُ الصُّورَةِ) أَيْ قَوْلُ غَيْرِ مَالِكِ الْعَبْدِ لِمَالِكِهِ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي بِمِائَةٍ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ (يُوجِبُهَا) أَيْ صِحَّةَ الْبَيْعِ الْمُقْتَضَى (وَلَيْسَ) هَذَا مِثَالًا لِتَرْجِيحِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُقْتَضَى (إذْ لَيْسَا) أَيْ بَيْعُ زَيْدٍ وَاقْتِضَاءُ الصُّورَةِ صِحَّةَ الْبَيْعِ (دَلِيلَيْنِ) سَمْعِيَّيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَأَيْنَ تَعَارُضُ الدَّلِيلَيْنِ الَّذِي التَّرْجِيحُ فَرْعُهُ؟ ، (وَلِأَنَّ حَدِيثَ زَيْدٍ إنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى زَيْدٍ (لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ عَائِشَةَ الرَّادَّةِ عَلَيْهِ) بِهِ (فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ) أَيْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي وَاقِعَةِ زَيْدٍ لِغَيْرِ زَيْدٍ إذَا وَقَعَ مِنْهُ مِثْلُ مَا وَقَعَ مِنْ زَيْدٍ (مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ زَيْدٍ (دَلَالَةً إذْ هُوَ) أَيْ الْحَدِيثُ الْمَرْدُودُ بِهِ عَلَى زَيْدٍ «نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ» فَيَثْبُتُ) هَذَا النَّهْيُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ زَيْدٍ (عِبَارَةً كَمَا) يَثْبُتُ (فِيهِ) أَيْ فِي زَيْدٍ عِبَارَةً أَيْضًا غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ وَاقِعَتَهُ مَثَارُ رِوَايَةِ

عَائِشَةَ الْحَدِيثَ وَهُوَ مُنْطَبِقٌ عَلَى وَاقِعَةِ زَيْدٍ وَعَلَى غَيْرِهَا مِمَّا وُجِدَ فِيهِ مِثْلُ هَذَا الصَّنِيعِ كَهَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ ارْتِكَابِ تَصْحِيحِ كَلَامِ الْبَائِعِ الْمَذْكُورِ بِجَعْلِهَا صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الِاقْتِضَاءِ (وَكَيْفَ) يَكُونُ هَذَا مِنْ تَعَارُضِ الدَّلَالَةِ وَالْمُقْتَضَى (وَلَا أَوْلَوِيَّةَ) لِهَذِهِ الصُّورَةِ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِبَيْعِ زَيْدٍ عَلَى اشْتِرَاطِ أَوْلَوِيَّةِ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ فِي الدَّلَالَةِ (وَلَا لُزُومَ فَهْمِ الْمَنَاطِ) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْكُوتِ (فِي مَحَلِّ الْعِبَارَةِ) وَلَا دَلَالَةَ بِدُونِهِ (وَالْمُقْتَضَى) بِفَتْحِ الضَّادِ (لِلصِّدْقِ) أَيْ ضَرُورَةَ صِدْقِ الْكَلَامِ يُرَجَّحُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُقْتَضَى (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الصِّدْقِ وَهُوَ وُقُوعُهُ شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ أَهَمُّ مِنْ وُقُوعِهِ شَرْعِيًّا. (وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ عَلَى) مَفْهُومِ (الْمُخَالَفَةِ) (عِنْدَ قَابِلِهِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا فِيمَا تَقَدَّمَ آنِفًا أَيْ مَنْ يَقْبَلُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ أَقْوَى وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقَعْ فِيهِ خِلَافٌ وَأُلْحِقَ بِالْقَطْعِيَّاتِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الصَّحِيحِ فَانْتَفَى قَوْلُ الْآمِدِيِّ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ فَائِدَةَ التَّأْسِيسِ وَفَائِدَةَ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ التَّأْكِيدُ وَالتَّأْسِيسُ أَصْلٌ وَالتَّأْكِيدُ فَرْعٌ وَالثَّانِي أَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَقْدِيرِ فَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَبَيَانِ فِعْلِ وُجُودِهِ فِي فِعْلِ الْمَسْكُوتِ وَإِنَّ اقْتِضَاءَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ أَشَدُّ وَأَمَّا مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ فَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَحَقِّقٍ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ أَوْلَى بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُعَارِضٌ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا يَتِمُّ عَلَى تَقْدِيرَاتٍ أَرْبَعٍ أَوْلَى مِمَّا لَا يَتِمُّ إلَّا عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ فَهُوَ مُهْدَرُ الِاعْتِبَارِ عِنْدَهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ (وَالْأَقَلُّ احْتِمَالًا) عَلَى الْأَكْثَرِ احْتِمَالًا (كَالْمُشْتَرَكِ لِاثْنَيْنِ عَلَى مَا) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (لِأَكْثَرَ) لِبُعْدِ الْأَوَّلِ عَنْ الِاضْطِرَابِ وَقُرْبِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَقْصُودِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِي. (وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ) إلَى الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ إلَيْهَا (وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ) يُرَجَّحُ الْمَجَازُ عَلَى مَجَازٍ آخَرَ (بِأَقْرَبِيَّةِ الْمُصَحِّحِ) أَيْ الْعَلَاقَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ (كَالسَّبَبِ الْأَقْرَبِ) فِي الْمُسَبَّبِ (عَلَى) السَّبَبِ (الْأَبْعَدِ) مِنْهُ فِي الْمُسَبَّبِ (وَقُرْبِهِ) أَيْ وَبِقُرْبِ الْمُصَحِّحِ إلَى الْحَقِيقَةِ فِي ذَلِكَ الْمَجَازِ (دُونَ) الْمُصَحِّحِ (الْآخَرِ) فِي الْمَجَازِ الْآخَرِ (كَالسَّبَبِ) أَيْ كَإِطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ (عَلَى الْمُسَبَّبِ عَلَى عَكْسِهِ) أَيْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَلَمَّا عَلَّلُوا هَذَا بِأَنَّ السَّبَبَ مُسْتَلْزِمٌ لِمُسَبَّبِهِ وَلَا عَكْسَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسَبَّبَ لَا يَسْتَلْزِمُ سَبَبًا مُعَيَّنًا لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ بِخِلَافِ السَّبَبِ فَإِنَّ كُلَّ سَبَبٍ يَسْتَلْزِمُ الْمُسَبَّبَ الْمُعَيَّنَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَنْبَغِي تَعَارُضُهُمَا) أَيْ مَا سُمِّيَ بِاسْمِ سَبَبِهِ وَمَا سُمِّيَ بِاسْمِ مُسَبَّبِهِ (فِي) السَّبَبِ (الْمُتَّحِدِ) لِمُسَبَّبٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ بِعَيْنِهِ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِغَيْرِ هَذَا (وَمَا) أَيْ الْمَجَازُ الَّذِي (جَامِعُهُ) أَيْ عَلَاقَتُهُ (أَشْهُرُ) يَتَرَجَّحُ عَلَى مَجَازٍ لَيْسَتْ عَلَاقَتُهُ كَذَلِكَ (وَ) الْمَجَازُ (الْأَشْهَرُ) اسْتِعْمَالًا (مُطْلَقًا) أَيْ فِي اللُّغَةِ أَوْ فِي الشَّرْعِ أَوْ فِي الْعُرْفِ عَلَى غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ. (وَالْمَفْهُومُ وَالِاحْتِمَالُ الشَّرْعِيَّانِ) يَتَرَجَّحَانِ عَلَى الْمَفْهُومِ وَالِاحْتِمَالِ اللَّذَيْنِ لَيْسَا بِشَرْعِيَّيْنِ (بِخِلَافِ) اللَّفْظِ (الْمُسْتَعْمَلِ) لِلشَّارِعِ (فِي) مَعْنَاهُ (اللُّغَوِيِّ مَعَهُ) أَيْ اسْتِعْمَالِهِ لَهُ (فِي) الْمَعْنَى (الشَّرْعِيِّ) فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ عَلَى الشَّرْعِيِّ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا مُمْكِنَيْنِ فِي إطْلَاقٍ (وَفِيهِ) أَيْ هَذَا (نَظَرٌ) ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ لَهُ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِيهِ وَاسْتِعْمَالَهُ لَهُ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ يُوجِبُ نَقْلَهُ إلَيْهِ وَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيهِ فَتَقْدِيمُ اللُّغَوِيِّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ تَقْدِيمٌ لِلْمَجَازِ عِنْدَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْهَا إلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا يَعْرَى عَنْ بَحْثٍ إذْ لَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يُقَالَ لِمَ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالُ الشَّارِعِ اللَّفْظَ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً كَمَا هُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ وَفِي الْمَعْنَى الَّذِي لَيْسَ بِلُغَوِيٍّ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ وَحِينَئِذٍ فَتَقْدِيمُ اللُّغَوِيِّ عَلَيْهِ تَقْدِيمٌ لِلْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ حَيْثُ لَا صَارِفَ عَنْهَا إلَيْهِ وَهُوَ الْجَادَّةُ وَأَيْضًا هُوَ عَمَلٌ بِمَا هُوَ مِنْ لِسَانِ الشَّرْعِ مَعَ التَّقْرِيرِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِمَا هُوَ مِنْ لِسَانِهِ مَعَ التَّغْيِيرِ (كَأَقْرَبِيَّةِ الْمُصَحِّحِ وَقُرْبِهِ وَأَشْهَرِيَّتِهِ)

أَيْ كَمَا أَنَّ فِي تَرْجِيحِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ نَظَرًا (بَلْ وَأَقْرَبِيَّةُ نَفْسِ الْمَجَازِيِّ) أَيْ بَلْ فِي تَرْجِيحِ هَذَا عَلَى مَجَازٍ لَيْسَ كَذَلِكَ نَظَرٌ أَيْضًا كَمَا سَيُعْلَمُ (وَأَوْلَوِيَّةُ) الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ مِنْ نَفْيِ (الصِّحَّةِ) لِلذَّاتِ (فِي «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَتَقَدَّمَ مَخْرَجُ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي بِذَيْلِ الْمُجْمَلِ عَلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ فِيهِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِأَنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ الْمَجَازُ الْأَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الذَّاتِ وَأَوْلَوِيَّةُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ عَلَى النِّسْبَةِ لَا) عَلَى (طَرَفِهَا) الْأَوَّلِ (وَ) طَرَفُهَا (الثَّانِي مَحْذُوفٌ فَمَا قُدِّرَ) أَيْ فَهُوَ مَا قُدِّرَ خَبَرًا لِلظَّرْفِ الْأَوَّلِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (كَانَ كُلُّ الْأَلْفَاظ) الْمَلْفُوظِ مِنْهَا وَالْمُقَدَّرِ فِي التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ (حَقَائِقَ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِي مَعَانِيهَا الْوَضْعِيَّةِ (غَيْرَ أَنَّ خُصُوصَهُ) أَيْ الْمُقَدَّرَ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ (بِالدَّلِيلِ) الْمُعَيِّنِ لَهُ كَمَا فِي «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَإِنَّ قِيَامَ الدَّلِيلِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْجَبَ كَوْنَ الْمُرَادِ كَوْنًا خَاصًّا وَهُوَ كَامِلَةٌ (وَوَجْهُهُ) أَيْ النَّظَرِ فِي تَقْدِيمِ مَا اشْتَمَلَ عَلَى أَقْرَبِيَّةِ الْمُصَحِّحِ إلَخْ (أَنَّ الرُّجْحَانَ) إنَّمَا هُوَ (بِمَا يَزِيدُ قُوَّةَ دَلَالَةٍ عَلَى الْمُرَادِ أَوْ) بِمَا يَزِيدُ قُوَّةَ دَلَالَةٍ عَلَى (الثُّبُوتِ) وَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ (وَالْحَقِيقِيُّ لَمْ يُرَدْ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لَمْ يُرَدْ مِنْ إطْلَاقِ اللَّفْظِ (فَهُوَ) أَيْ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي لَيْسَ بِمُرَادٍ مِنْ اللَّفْظِ (كَغَيْرِهِ) مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ بِمُرَادَةٍ مِنْهُ (وَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ فِي كُلٍّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ تَعَيُّنَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِلَّفْظِ فِي كُلِّ اسْتِعْمَالٍ لَهُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ (بِالدَّلِيلِ) الْمُعَيِّنِ لَهُ (فَاسْتَوَيَا) أَيْ الْمَجَازِيَّانِ (فِيهِ) أَيْ فِي اللَّفْظِ، وَإِيضَاحُ هَذَا أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إذَا ذُكِرَ لَفْظٌ وَصُرِفَ الدَّلِيلُ عَنْ إرَادَةِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إلَى مَا يُصَحَّحُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِهِ فِيهِ فَقَدْ تَعَيَّنَ بِالدَّلِيلِ خُصُوصُ الْمُرَادِ بِهِ فَإِذَا لَزِمَ لَفْظٌ مِثْلُهُ آخَرُ فِيمَا يُضَادُّ الْأَوَّلَ كَانَ حَاصِلُهُ إفَادَةَ الدَّلِيلِ ثُبُوتَ إفَادَةِ ضِدَّيْنِ بِلَفْظَيْنِ فَكَوْنُ أَحَدِ الْمُفَادَيْنِ مِنْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بُعْدٌ وَقُرْبٌ فِي ذَاتِهِ أَوْ مُصَحِّحِهِ أَوْ شُهْرَةِ مُصَحِّحِهِ لَا أَثَرَ لَهُ إذْ بَعْدَ الْعِلْمِ يَكُونُ الْحَقِيقِيُّ لَمْ يُرَدْ صَارَ كَغَيْرِهِ فِي سَائِرِ الْمَعَانِي الَّتِي لَمْ تُرَدْ فَقُرْبُ الْمُرَادِ مِنْهُ وَبُعْدُهُ كَقُرْبِهِ مِنْ بَعْضِ الْمَعَانِي الْمُغَايِرَةِ لَهُ الَّتِي لَمْ تُرَدْ، وَبُعْدُهُ مِنْ بَعْضٍ آخَرَ لَا يَزِيدُ بِالْقُرْبِ إلَيْهِ قُوَّةَ دَلَالَتِهِ عَلَى خُصُوصِ ذَلِكَ مَعْنَى الْمُرَادِ وَلَا بِالْبُعْدِ مِنْهُ تَضْعُفُ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ وَكَيْفَ؟ وَلَا تَثْبُتُ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ إلَّا بِدَلِيلٍ أَوْجَبَ تَعَيُّنَ إرَادَتِهِ بِعَيْنِهِ فَصَارَ كُلٌّ كَأَنَّهُ الْآخَرُ هَذَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ فَلَا بُدَّ فِي تَعَيُّنِ إرَادَتِهِ بِاللَّفْظِ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ وَكَمَا قَامَ الدَّلِيلُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ الْقَرِيبَ مِنْ حَقِيقَتِهِ مُرَادٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ قَامَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ الْبَعِيدَ مِنْ حَقِيقَتِهِ مُرَادٌ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَلَا مُقْتَضَى لِضَعْفِ دَلَالَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى مُرَادِهِ دُونَ الْآخَرِ (نَعَمْ لَوْ اُحْتُمِلَتْ دَلَالَتُهُ دُونَ الْآخَرِ) أَيْ لَوْ أَنَّ الْقَرِينَةَ الْمُوجِبَةَ لِإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا فِي إيجَابِهَا لَهُ تَرَدُّدٌ وَاحْتِمَالٌ كَانَ ضَعْفُ الدَّلَالَةِ لِذَلِكَ إذَا كَانَتْ قَرِينَةُ الْآخَرِ فِي مُرَادِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَيُقَدَّمُ مَا لَيْسَ فِي دَلَالَتِهِ ضَعْفٌ عَلَى مَا فِيهَا ضَعْفٌ (وَذَلِكَ) أَيْ تَقْدِيمُ الَّذِي لَيْسَ فِي دَلَالَتِهِ احْتِمَالٌ عَلَى مَا فِي دَلَالَتِهِ احْتِمَالٌ (شَيْءٌ آخَرُ) غَيْرُ نَفْسِ الْقُرْبِ مِنْ الْحَقِيقِيِّ الْغَيْرِ الْمُرَادِ وَبُعْدِهِ مِنْهُ فَهُوَ تَرْجِيحٌ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الِاحْتِمَالِ فِي إرَادَةِ ذَلِكَ وَعَدَمِهِ فِي إرَادَةِ الْآخَرِ فَيَرْجِعُ إلَى مَا فِيهِ احْتِمَالٌ مَعَ مَا لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالٌ وَتَرْجِيحُ مَا لَيْسَ فِيهِ عَلَى مَا فِيهِ (وَمَا أُكِّدَتْ دَلَالَتُهُ) بِأَنْ تَعَدَّدَتْ جِهَاتُهَا أَوْ كَانَتْ مُؤَكَّدَةً تَرَجَّحَ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ. (وَالْمُطَابَقَةُ) تَتَرَجَّحُ عَلَى التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّهَا أَضْبَطُ (وَالنَّكِرَةُ فِي) سِيَاقِ (الشَّرْطِ) تَتَرَجَّحُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى النَّكِرَةِ (فِي) سِيَاقِ (النَّفْيِ وَغَيْرِهَا) أَيْ عَلَى غَيْرِ النَّكِرَةِ كَالْجَمْعِ الْمُحَلَّى وَالْمُضَافِ (لِقُوَّةِ دَلَالَتِهَا) أَيْ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ (بِإِفَادَةِ التَّعْلِيلِ) عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَعَلَى غَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَالْعِلَّةِ وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّلِ أَوْلَى (وَالتَّقْيِيدُ) لِلنَّكِرَةِ (بِغَيْرِ الْمُرَكَّبَةِ) أَيْ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْفَتْحِ لِكَوْنِ " لَا " فِيهَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ لِكَوْنِهَا نَصًّا فِي الِاسْتِغْرَاقِ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ كَمَا ذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ (تَقَدَّمَ) . الْبَحْثُ الثَّانِي مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ (مَا يَنْفِيهِ) فَيَسْتَوِي الْحَالُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُرَكَّبَةً أَوْ لَا. (وَكَذَا الْجَمْعُ الْمُحَلَّى وَالْمَوْصُولُ) يَتَرَجَّحُ كُلٌّ مِنْهُمَا (عَلَى) اسْمِ الْجِنْسِ (الْمُعَرَّفِ) بِاللَّامِ

لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْهُودِ فَتَصِيرُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْعُمُومِ ضَعِيفَةً عَلَى أَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ صِلَتِهِ يُفِيدُ التَّعْلِيلَ كَمَا تُفِيدُهُ النَّكِرَةُ فِي الشَّرْطِ وَلِهَذَا قَالَ، وَكَذَا (وَالْعَامُّ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى الْخَاصِّ فِي الِاحْتِيَاطِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْعَمَلِ بِالْعَامِّ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَامُّ مُحَرِّمًا وَالْخَاصُّ مُبِيحًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ إلَى تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ وَدَرْءِ الْمَفْسَدَةِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الِاحْتِيَاطُ فِي الْعَمَلِ بِالْعَامِّ (جُمِعَ) بَيْنَهُمَا بِالْعَمَلِ بِالْخَاصِّ فِي مَحَلِّهِ وَبِالْعَامِّ فِيمَا سِوَاهُ (كَمَا تَقَدَّمَ) فِي فَصْلِ التَّعَارُضِ (وَالشَّافِعِيَّةُ) يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُمْ (الْخَاصُّ دَائِمًا) عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِلْعَامِّ بِخِلَافِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لِلْخَاصِّ وَلِأَنَّهُ أَقْوَى دَلَالَةً عَلَى مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ دَلَالَةِ الْعَامِّ عَلَيْهِ لِإِجْمَالِ تَخْصِيصِهِ مِنْهُ إذْ أَكْثَرُ الْعُمُومَاتِ مُخَصَّصَةٌ وَأَكْثَرُ الظَّوَاهِرِ الْخَاصَّةِ مُقَرَّرَةٌ عَلَى حَالِهَا غَيْرُ مُؤَوَّلَةٍ. (وَمَا) أَيْ الْعَامُّ الَّذِي (لَزِمَهُ تَخْصِيصٌ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى خَاصٍّ مَلْزُومِ التَّأْوِيلِ) ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ أَكْثَرُ مِنْ تَأْوِيلِ الْخَاصِّ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا (وَالتَّحْرِيمُ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى غَيْرِهِ) مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَعَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فِي الْمَشْهُورِ احْتِيَاطًا) ظَنًّا مِنْ قَائِلِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ إنْ كَانَ حَرَامًا كَانَ فِي ارْتِكَابِهِ ضَرَرٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَرَامٍ لَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْكَرَاهَةَ التَّنْزِيهِيَّةِ لَا يَتِمُّ فِي الْوَاجِبِ فَإِنَّ فِي تَرْكِهِ ضَرَرًا كَمَا سَنَذْكُرُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ التَّحْرِيمَ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ وَالنَّدْبَ وَالْوُجُوبَ وَالْإِبَاحَةَ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ ، وَاعْتِنَاءُ الشَّرْعِ بِدَفْعِ الْمَفَاسِدِ آكَدُ مِنْ اعْتِنَائِهِ بِجَلْبِ الْمَصَالِحِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ كُلِّ مَفْسَدَةٍ وَلَا يَجِبُ جَلْبُ كُلِّ مَصْلَحَةٍ وَالْكَرَاهَةُ وَإِنْ كَانَتْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ إلَّا أَنَّ فِي الْعَمَلِ بِهَا تَجْوِيزًا لِلْفِعْلِ وَفِيهِ إبْطَالُ الْمُحَرَّمِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَكَانَ التَّحْرِيمُ أَوْلَى، هَذَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ كَالْبَيْضَاوِيِّ تَسَاوِي الْمُحَرِّمِ وَالْمُوجِبِ فَيَلْزَمُ تَقْدِيمُ الْمُوجِبِ حَيْثُ كَانَ الْمُحَرِّمُ مُقَدَّمًا عَلَى الْمُبِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوِي لِلْمُقَدَّمِ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ ثُمَّ فِي شَرْحِ الْإِسْنَوِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ هُنَا جَوَازُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمَكْرُوهُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ تَقْدِيمَ الْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ بِالِاحْتِيَاطِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْأَخْذَ بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ إنْ كَانَ حَرَامًا كَانَ ارْتِكَابُهُ ضَرَرًا وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهِ وَلَا بَأْسَ بِهَذَا وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ إلَّا وَغَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» لَكِنَّ هَذَا مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَرْفُوعًا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَلَمْ أَجِدْ لَهُ أَصْلًا انْتَهَى. نَعَمْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا، وَالشَّعْبِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعٌ ثُمَّ لَهُ مُعَارِضٌ فَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» وَفِي سَنَدِهِ إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَوَهَّاهُ أَبُو دَاوُد جِدًّا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَا يُتْرَكُ وَقَالَ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ شَيْخُنَا وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ مَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ وَلَكِنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَرُبَّمَا لُقِّنَ وَكُتُبُهُ صَحِيحَةٌ ثُمَّ عَلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ مَشَى الْمُصَنِّفُ كَمَا هُوَ آتٍ وَقَالَ أَيْضًا (وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ) أَيْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّفَ عَلَى أُمَّتِهِ) وَإِذَا هُنَا لِلْمَاضِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] لِثُبُوتِهِ وَعَدَمِ خَفَائِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَمِنْ ثَمَّةَ جَزَمَ بِهِ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَكِنْ بِلَفْظِ عَنْهُمْ وَفِي لَفْظٍ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا وَاخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا» . وَفِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ فِيهِمَا أَيْضًا «فَمَرَرْت بِمُوسَى فَقَالَ بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْت: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ إنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنِّي - وَاَللَّهِ - قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ وَعَالَجْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِك فَرَجَعْتُ» الْحَدِيثَ وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ وَذَا الْحَاجَةِ» وَفِيهِمَا أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ

مِنْ حَصِيرٍ وَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ حَتَّى اجْتَمَعَ إلَيْهِ نَاسٌ ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إلَيْهِمْ فَقَالَ مَا زَالَ بِكُمْ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذًا، قَدْ ثَبَتَ ثُبُوتًا مُسْتَفِيضًا شَائِعًا لَا مَرَدَّ لَهُ حُبُّهُ التَّخْفِيفَ عَنْ أُمَّتِهِ. (اتَّجَهَ قَلْبُهُ) أَيْ تَرْجِيحُ غَيْرِ التَّحْرِيمِ لَكِنْ قَدْ عَرَفْت أَنَّ غَيْرَ التَّحْرِيمِ يَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا إنْ تَمَّ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكِرْهَةِ لَا يَتِمُّ فِي الْوُجُوبِ إذْ لَيْسَ فِي تَرْجِيحِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ يَتَضَمَّنُ اسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ عَلَى الْفِعْلِ، وَالْمُوجِبَ يَتَضَمَّنُ اسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ فَتَعَذَّرَ الِاحْتِيَاطُ فَلَا جَرَمَ إنْ جَزَمَ بِالتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَقَالَ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ بِدَلِيلٍ وَمَشَى عَلَيْهِ مَنْ قَدَّمْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَإِنْ ذَكَرَ تَرْجِيحَ الْإِبَاحَةِ عَلَى الْحَظْرِ قَوْلًا فَقَدْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْآمِدِيَّ قَالَ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ الْإِبَاحَةِ وَحَاصِلُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ بِقَوْلِهِ لِئَلَّا تَفُوتَ مَصْلَحَةُ إرَادَةِ الْمُكَلَّفِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ لَكَانَ أَيْضًا الْوَاضِحُ وَهُوَ الْجَوَازُ الْأَصْلِيُّ وَتَعَقَّبَهُ الْأَبْهَرِيُّ بِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ ضَعِيفَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَصَوُّرَ الْمُكَلَّفِ وَاعْتِقَادَهُ أَنَّ فِي الْفِعْلِ مَصْلَحَةً رُبَّمَا لَا يَكُونُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فَيَكُونُ خَطَأً وَلَمَّا كَانَتْ شَرْعِيَّةُ الْأَحْكَامِ تَابِعَةً لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَكَانَ الْحَظْرُ بِنَاءً عَلَى مَصْلَحَةٍ فِي التَّرْكِ أَوْ مَفْسَدَةٍ فِي الْفِعْلِ كَانَ أَوْلَى، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَقْدِيمِ الْإِبَاحَةِ أَيْ الْعَمَلِ بِهَا كَثْرَةُ التَّغْيِير مِنْ ارْتِفَاعِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِالْحَظْرِ ثُمَّ ارْتِفَاعُ الْحَظْرِ بِالْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِخِلَافِهِ إذَا كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَظْرِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا انْتَهَى. وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا فِيهَا فَقَدْ اخْتَارَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ تَرْجِيحَ الْمُقْتَضِي لِلْإِبَاحَةِ عَلَى الْمُقْتَضِي لِلْحَظْرِ وَقَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ أَبَانَ وَأَبُو هَاشِمٍ يَتَسَاوَيَانِ؛ لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ صَدَقَ الرَّاوِي فِيهِمَا عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَصَحَّحَهُ التَّاجِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي جَعْفَرٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أُمِّ مَعْبَدٍ مَوْلَاةُ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَتْ: إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْمُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ كَالْمُسْتَحِلِّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» وَقَالَ سُلَيْمٌ إنْ كَانَ لِلشَّيْءِ أَصْلُ إبَاحَةٍ أَوْ حَظْرٍ وَأَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْآخَرَ وَالْآخَرُ بِخِلَافِهِ كَانَ النَّاقِلُ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ حَظْرٍ وَلَا إبَاحَةٍ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الْحَظْرُ أَوْلَى لِلِاحْتِيَاطِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُبَاحِ كَتَحْلِيلِ الْحَرَامِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ هَذَا وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّشْدِيدِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْبَيْضَاوِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاصِلِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَظْهَرُ تَأَخُّرًا فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُغْلِظُ أَوَّلًا زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْعَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ مَالَ إلَى التَّخْفِيفِ وَذَهَبَ الْآمِدِيُّ إلَى تَقْدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّغْلِيظِ عَلَى الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ يَرْأَفُ بِالنَّاسِ وَيَأْخُذُهُمْ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا يَتَعَبَّدُ بِالتَّغْلِيظِ فَاحْتِمَالُ تَأْخِيرِ التَّشْدِيدِ أَظْهَرُ قُلْت وَفِي كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ نَظَرٌ، فَإِنَّ كُلَّ الْمَشْرُوعَاتِ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا شَأْنَهَا بَلْ فِيهَا وَفِيهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ لِلْمُسْتَقْرِئِ لَهَا وَلَا سِيَّمَا فِي بَابِ النَّسْخِ ثُمَّ لَعَلَّ الْأَخَفَّ أَوْلَى لِمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ مَعَ مَا عِلْمٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ مِنْ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْيُسْرَ بِنَا وَنَفْيَ الْحَرَجِ فِي الدِّينِ عَنَّا وَبِنَصِّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ أَنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ وَحِينَئِذٍ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُعَارَضٍ بِمَا قِيلَ فِي تَعْلِيلِ تَقْدِيمِ الْأَثْقَلِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ أَكْثَرُ عَلَى مَا فِي إطْلَاقِ هَذَا أَيْضًا مِنْ نَظَرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَالْوُجُوبُ) يُرَجَّحُ (عَلَى مَا سِوَى التَّحْرِيمِ) مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ لِلِاحْتِيَاطِ (وَالْكَرَاهَةُ) تُرَجَّحُ (عَلَى النَّدْبِ) ؛ لِأَنَّهَا أَحْوَطُ (وَالْكُلُّ) مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ يُرَجَّحُ (عَلَى الْإِبَاحَةِ) لِلِاحْتِيَاطِ (فَتَقْدِيمُ الْأَمْرِ) عَلَى مَا سِوَى النَّهْيِ (وَالنَّهْيُ) عَلَى مَا سِوَاهُ مُطْلَقًا أَوْ النَّهْيُ عَلَى الْأَمْرِ كَمَا أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ (لَيْسَ لِذَاتَيْهِمَا) كَمَا يُوهِمُهُ إطْلَاقُ بَعْضِهِمْ وَإِلَّا لَمَا كَانَ الْوُجُوبُ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَكْرُوهِ فَإِنَّ الْوُجُوبَ قَدْ يَكُونُ مُفِيدُهُ الْأَمْرُ وَالْكَرَاهَةُ قَدْ يَكُونُ مُفِيدُهَا النَّهْيُ بَلْ تَقْدِيمُ الْأَمْرِ عَلَى مَا سِوَى النَّهْيِ لِلِاحْتِيَاطِ وَتَقْدِيمُ النَّهْيِ عَلَى مَا سِوَاهُ مُطْلَقًا إمَّا لِلِاحْتِيَاطِ أَوْ لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّهْيِ

لِذَلِكَ (وَالْخَاصُّ مِنْ وَجْهٍ) يُرَجَّحُ (عَلَى الْعَامِّ مُطْلَقًا) ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ تَخْصِيصِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْخَاصِّ مِنْ وَجْهٍ إذْ لَا يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ (وَ) الْعَامُّ (الَّذِي لَمْ يَخُصَّ) عَلَى الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ دُخُولَ التَّخْصِيصِ يُضْعِفُ اللَّفْظَ وَالرَّازِيُّ بِأَنَّ الَّذِي قَدْ دَخَلَهُ قَدْ أُزِيلَ عَنْ تَمَامِ مُسَمَّاهُ. وَالْحَقِيقَةُ تُقَدَّمُ عَلَى الْمَجَازِ وَعَضُدُ الدِّينِ بِتَطَرُّقِ الضَّعْفِ إلَيْهِ بِالْخِلَافِ فِي حُجَّتِهِ وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَالسُّبْكِيُّ عَكْسَهُ؛ لِأَنَّ مَا خُصَّ مِنْ الْعَامِّ هُوَ الْغَالِبُ وَالْغَالِبُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَخْصُوصَ قَلَّتْ أَفْرَادُهُ حَتَّى قَارَبَ النَّصَّ إذْ كُلُّ عَامٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ نَصًّا فِي أَقَلِّ مُتَنَاوَلَاتِهِ فَإِذَا قَرُبَ مِنْ الْأَقَلِّ بِالتَّخْصِيصِ فَقَدْ قَرُبَ مِنْ التَّنْصِيصِ فَكَانَ أَوْلَى وَذَهَبَ ابْنُ كَجٍّ إلَى اسْتِوَائِهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ كَهِيَ مِنْ اللَّفْظِ الْآخَرِ قَالَ وَقَدْ أَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ إذَا اُسْتُثْنِيَ بَعْضُهُ صَحَّ التَّعَلُّقُ بِهِ (وَذَكَرَ مِنْ الْأَدِلَّةِ) لِلْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ مِنْ الْأَمْثِلَةِ لِمَا بَيَّنَ دَلِيلَيْنِ مِنْهَا تَعَارُضٌ، وَالْحَالُ أَنَّ (مَا) أَيْ الَّذِي (بَيْنَهُمَا) أَيْ الدَّلِيلَيْنِ مِنْ النَّسَبِ عُمُومٌ (مِنْ وَجْهٍ، مِثْلُ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْفَاتِحَةِ» ) وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ «بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» فَإِنْ هَذَا (عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ خَاصٌّ فِي الْمَقْرُوءِ «وَمَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» ) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنِيعٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَإِنَّ هَذَا (خَاصٌّ بِالْمُقْتَدِي عَامٌّ فِي الْمَقْرُوءِ فَإِنْ خَصَّ عُمُومَ الْمُصَلِّينَ بِالْمُقْتَدِي عَنْ وُجُوبِهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُقْتَدِي (وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ خُصُوصَ الْمَقْرُوءِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ عُمُومَ الْمَقْرُوءِ الْمَنْفِيِّ عَنْ الْمُقْتَدِي فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْفَاتِحَةُ فَيَتَدَافَعَانِ) أَيْ الدَّلِيلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْمُقْتَدِي حِينَئِذٍ لِإِيجَابِ الْأَوَّلِ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي نَفْيَ قِرَاءَتِهَا عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ (فَالْوَجْهُ) وَالْأَوْجَهُ (فِي هَذَا) الْمِثَالِ (أَنْ لَا تَعَارُضَ) بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي قِرَاءَةِ الْمُقْتَدِي (إذْ لَمْ يَنْفِ) الدَّلِيلُ الثَّانِي (قِرَاءَتَهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ (عَلَى الْمُقْتَدِينَ بَلْ أَثْبَتَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ جُعِلَتْ شَرْعًا قِرَاءَةً لَهُ) أَيْ الْمُقْتَدِي (بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنْهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (فِي الْأَوْقَاتِ) الثَّلَاثَةِ: وَقْتُ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَوَقْتُ اسْتِوَائِهَا حَتَّى تَزُولَ وَوَقْتُ مَيْلِهَا إلَى الْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (مَعَ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» أَخْرَجَهُ بِمَعْنَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ بَعْثِهِ مُتَعَبَّدٌ فَإِنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا فِي الْفَرْضِ الْفَائِتِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ قَالَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ يُحْمَلُ عُمُومُ الصَّلَاةِ عَلَى مَا سِوَى النَّوْمِ فَهُوَ اسْتِرْوَاحٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا فِيهِ خُصُوصٌ وَعُمُومٌ فَإِنْ خَصَّ عُمُومَ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ بِخُصُوصِ الْفَائِتَةِ فِي حَدِيثِ التَّذَكُّرِ وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ عُمُومَ الْأَوْقَاتِ فِيهِ بِخُصُوصِ الثَّلَاثَةِ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فَيَتَدَافَعَانِ فِي الْقَضَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَحَدِيثُ النَّهْيِ يَقْتَضِي مَنْعَهُ، وَحَدِيثُ التَّذَكُّرِ يَقْتَضِي حِلَّهُ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ خَارِجٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ) كَشَرْحِ مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ لِلْإِسْنَوِيِّ (يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ فِيهِمَا) أَيْ فِي هَذَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ (مِنْ خَارِجٍ، وَكَذَا يَجِبُ لِلْحَنَفِيَّةِ) طَلَبُ التَّرْجِيحِ فِيهِمَا مِنْ خَارِجٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا أَخَذَ مُقْتَضَى خُصُوصِهِ فِي عُمُومِ الْآخَرِ ثُمَّ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَمْكَنَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِهِمَا وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا فِي مَنْعِ الْقَضَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْمُحَرِّمُ مُرَجَّحٌ) عَلَى غَيْرِهِ إذْ حَدِيثُ النَّهْيِ مُحَرِّمٌ وَحَدِيثُ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ» مُطْلَقٌ لَا يُحَرِّمُ فَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ (وَمَا جَرَى بِحَضْرَتِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَسَكَتَ) عَنْهُ يَتَرَجَّحُ (عَلَى مَا بَلَغَهُ) فَسَكَتَ عَنْهُ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ تَقْيِيدُهُ) أَيْ مَا بَلَغَهُ فَسَكَتَ عَنْهُ (بِمَا إذَا أَظْهَرَ عَدَمَ ثُبُوتِهِ) أَيْ ثُبُوتِ وُقُوعِ هَذَا الَّذِي بَلَغَهُ (لَدَيْهِ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ عَنْهُ حِينَئِذٍ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ مِنْ وَحْيٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَحَيْثُ ظَهَرَ ثُبُوتُ وُقُوعِ ذَلِكَ لَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَظْهَرُ رُجْحَانٌ؛ لِمَا بِحَضْرَتِهِ عَلَيْهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ إذْ كَمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ عَنْ غَيْرِ جَائِزٍ شَرْعًا وَاقِعٌ بِحَضْرَتِهِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ عَنْ غَيْرِ جَائِزٍ شَرْعًا عَلِمَ

وُقُوعُهُ بِغَيْبَتِهِ شَرْعًا وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِمَّا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - (وَمَا بِصِيغَتِهِ) أَيْ وَالْمَرْوِيِّ بِلَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَرَجَّحُ (عَلَى الْمُنْفَهِمِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الَّذِي رَوَى مَعْنَاهُ الرَّاوِي بِعِبَارَةِ نَفْسِهِ قُلْت؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالُ الْغَلَطِ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَحْكِيَّ بِاللَّفْظِ مُجْمَعٌ عَلَى قَبُولِهِ بِخِلَافِ الْمَحْكِيِّ بِالْمَعْنَى ثُمَّ كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ مَا إذَا كَانَ الْآخَرُ قَدْ فَهِمَ مَعْنًى مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَوَاهُ وَمَا إذَا قَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا وَنَهَى عَنْ كَذَا بِدُونِ أَنْ يَرْوِيَ صِيغَةَ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ الصَّادِرِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَعَلَّ هَذَا مَا فِي الْمَحْصُولِ، وَكَذَا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ رُوِيَ بِالْمَعْنَى (وَنَافِي مَا يَلْزَمُهُ) أَيْ وَالْخَبَرُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى نَفْيِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ (دَاعِيَةٌ) إلَى مَعْرِفَتِهِ لِكَوْنِهِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (فِي) خَبَرِ (الْآحَادِ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ كَخَبَرِ طَلْقٍ يَنْفِي وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَخَبَرِ بُسْرَةَ بِإِثْبَاتِهِ وَتَقَدَّمَ وَجْهُهُ فِي مَسْأَلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى هَذَا عَلَى أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَقْدِيمَ الْمُثْبِتِ، وَفَصَّلَ هُوَ أَنَّ الثَّانِيَ إنْ نَقَلَ لَفْظًا مَعْنَاهُ النَّفْيُ كَلَا يَحِلُّ وَنَقَلَ الْآخَرِ يَحِلُّ فَهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُثْبِتٌ وَإِنْ أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا قَوْلًا أَوْ فِعْلًا وَنَفَاهُ الْآخَرُ كَلَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ، فَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ وَقِيلَ: النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ سَوَاءٌ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِمَا فِي حَالَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِعْلَيْنِ لَا يَتَعَارَضَانِ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ قَالَ التَّاجِيُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُنَا أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. وَقَالَ إلْكِيَا وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا حَاصِلُهُ: إنْ كَانَ النَّافِي اسْتَنَدَ إلَى الْعِلْمِ فَمُقَدَّمٌ عَلَى الْمُثْبِتِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: النَّفْيُ الْمَحْصُورُ وَالْإِثْبَاتُ سِيَّانِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمُثْبِتَ يُقَدَّمُ إلَّا فِي صُوَرٍ: إحْدَاهَا أَنْ يَنْحَصِرَ النَّفْيُ فَيُضَافَ الْفِعْلُ إلَى مَجْلِسٍ لَا تَكْرَارَ فِيهِ فَيَتَعَارَضَانِ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ رَاوِي النَّفْيِ لَدَيْهِ عِنَايَةٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْإِثْبَاتِ الثَّالِثَةُ أَنْ يَسْتَنِدَ نَفْيُ النَّافِي إلَى عِلْمٍ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ هِيَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَذْكُورَةَ. (وَمُثْبِتُ دَرْءِ الْحَدِّ) أَيْ دَفْعِ إيجَابِهِ يَتَرَجَّحُ (عَلَى مُوجِبِهِ) أَيْ الْحَدِّ لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْيُسْرِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ الْمُوَافِقَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185] {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَلِمُوَافَقَةِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّ مَا يَعْرِضُ فِي الْحَدِّ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الدَّرْءِ وَذَهَبَ الْمُتَكَلِّمُونَ إلَى تَقْدِيمِ مُوجِبِ الْحَدِّ نَظَرًا إلَى أَنَّ فَائِدَةَ الْعَمَلِ بِالْمُوجِبِ التَّأْسِيسُ وَبِالدَّرْءِ التَّأْكِيدُ، وَالتَّأْسِيسُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّأْكِيدِ قُلْت وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ نَافِيَ الْحَدِّ مُقَدَّمٌ عَلَى مُوجِبِهِ فَيَصِيرُ هَذَا صُورَةً رَابِعَةً لِلصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ آنِفًا مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ شَرْعِيَّتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ وَالْحَدُّ إنَّمَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ إذَا كَانَتْ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ أَوْ لِلِاخْتِلَافِ فِي حُكْمِهِ كَأَنْ يُبِيحَهُ قَوْمٌ وَيَحْظُرَهُ آخَرُونَ كَالْوَطْءِ بِلَا شُهُودٍ وَلَا يُقَالُ: الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ التَّسَاوِي يَئُولُ إلَى تَقْدِيمِ النَّافِي فَإِنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِمَا فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ حُكِمَ بِهِ، وَإِلَّا بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى الْأَصْلِ فَيَلْزَمُ نَفْيُ الْحَدِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَلْ مَعْنَوِيٌّ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَنْفِي الْحَدَّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْآخَرَ يَنْفِيهِ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ. (وَمُوجِبُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) يَتَرَجَّحُ عَلَى نَافِيهِمَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ وَالْإِرْثِ وَنَافِيهِمَا مُبِيحٌ وَالْحَظْرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَيَنْدَرِجُ) مُوجِبُهُمَا (فِي الْمُحَرَّمِ وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ) أَيْ يَتَرَجَّحُ نَافِيهِمَا عَلَى مُوجِبِهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَمِينِ الْمُتَرَجِّحِ عَلَى النَّافِي لَهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْآمِدِيُّ بَحْثًا وَفِيهِ مِنْ النَّظَرِ مَا لَا يَخْفَى. (وَالْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى الْوَضْعِيِّ) ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفِيَّ مُحَصِّلٌ لِلثَّوَابِ، وَمَقْصُودُ الشَّارِعِ بِالذَّاتِ، وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْوَضْعِيِّ (وَقِيلَ بِعَكْسِهِ) أَيْ يَتَرَجَّحُ الْوَضْعِيُّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوَضْعِيَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْمُخَاطَبِ وَفَهْمِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ

بِخِلَافِ التَّكْلِيفِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ (وَمَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ) مِنْ النُّصُوصِ عَلَى نَصٍّ لَمْ يُوَافِقْهُ (فِي الْأَحَقِّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْقِيَاسِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا عَدَمُ شَرْطِ اعْتِبَارِهِ مَعَ النَّصِّ كَمَا هُوَ وَجْهُ الْمَانِعِ لَا يَمْنَعُ جَعْلَهُ وَصْفًا مُقَوِّيًا بِالْمُوَافَقَةِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّرْجِيحِ إلَّا هَذَا. (وَمَا لَمْ يُنْكِرْ الْأَصْلُ) رِوَايَةَ الْفَرْعِ فِيهِ يَتَرَجَّحُ عَلَى مَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ رِوَايَةَ الْفَرْعِ فِيهِ لِمَرْجُوحِيَّةِ الثَّانِي قَالَ السُّبْكِيُّ وَهَذَا فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ وَصَمَّمَ عَلَى إنْكَارِهِ مِثْلَ إنْكَارِ أُمِّ مَعْبَدٍ مَا حَدَّثَ بِهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ «كَانَ يَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّكْبِيرِ» أَمَّا إذَا لَمْ يُصَمِّمْ وَحَمَلَ شَكَّهُ فِي نَفْسِهِ عَلَى النِّسْيَانِ فَلَا تَظْهَرُ مَرْجُوحِيَّتُهُ وَقَدْ كَانُوا يُحَدِّثُونَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُمْ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنِّي كَمَا فَعَلَ سَهْلٌ فِي حَدِيثِ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَسَبَقَهُ أَنَسٌ فَقَالَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنِّي «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُجْعَلَ فَصُّ الْخَاتَمِ مِنْ غَيْرِهِ» انْتَهَى وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ تَصْمِيمَ الْأَصْلِ عَلَى الْإِنْكَارِ مُسْقِطٌ لِذَلِكَ الْمَرْوِيِّ أَصْلًا فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ إذَا كَانَ مَعَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَمِّمْ وَقَبِلْنَا ذَلِكَ الْمَرْوِيَّ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ إذَا عَارَضَ الْإِجْمَاعَ نَصٌّ أَطْلَقَ ابْنُ الْحَاجِبِ تَقْدِيمَ الْإِجْمَاعِ عَلَى النَّصِّ وَعَلَّلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّارِحِينَ بِعَدَمِ قَبُولِهِ النَّسْخَ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ كَأَنَّهُ أَرَادَ إذَا كَانَا قَطْعِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ النَّصِّ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَى خِلَافِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ سَنَدٌ نَاسِخٌ لِلنَّصِّ مِنْ نَصٍّ آخَرَ قَطْعِيٍّ، وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَالْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيُّ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى نَصٍّ كَذَلِكَ) أَيْ قَطْعِيٍّ كِتَابًا كَانَ أَوْ سُنَّةً مُتَوَاتِرَةً، وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالظَّنِّيَّيْنِ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ (وَكَوْنُ) الْإِجْمَاعِ (الظَّنِّيِّ كَذَلِكَ) أَيْ يَتَرَجَّحُ عَلَى نَصٍّ ظَنِّيٍّ (تَرَدَّدْنَا فِيهِ) وَأَمَّا الْأَبْهَرِيُّ فَقَالَ: أَمَّا إذَا كَانَ ظَنِّيَّ الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ أَوْ كَانَ النَّصُّ ظَنِّيَّ السَّنَدِ وَجَبَ تَأْوِيلُ الْقَابِلِ لَهُ انْتَهَى. قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مِنْ مَا صَدَّقَ هَذَا أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ الْإِجْمَاعُ الظَّنِّيُّ السَّنَدِ الْقَطْعِيُّ الْمَتْنِ مَعَ النَّصِّ كَذَلِكَ يَجِبُ تَأْوِيلُ الْقَابِلِ التَّأْوِيلِ مِنْهُمَا، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ قَابِلًا لِلتَّأْوِيلِ لَكِنْ لَا قَابِلَ لِلتَّأْوِيلِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَتْنِ جِهَةُ الدَّلَالَةِ كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِهِ وَالْقَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ الْمَقْبُولَ لِعَدَمِ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ وَتَبَعِيَّةُ الْإِرَادَةِ لِلدَّلَالَةِ فِي الْقَطْعِ، وَاَلَّذِي فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ إذَا عَارَضَ الْإِجْمَاعَ نَصٌّ أُوِّلَ الْقَابِلُ لَهُ أَيْ لِلتَّأْوِيلِ بِوَجْهٍ مَا، سَوَاءٌ كَانَ الْإِجْمَاعُ أَوْ النَّصُّ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ قَالَ وَإِلَّا تَسَاقَطَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ شَرْحًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا قَابِلًا لِلتَّأْوِيلِ تَسَاقَطَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَا ظَنِّيَّيْنِ فَإِنْ كَانَا قَطْعِيَّيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَطْعِيًّا وَالْآخَرُ ظَنِّيًّا فَلَا تَعَارُضَ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فِي الْقِيَاسِ انْتَهَى. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِيهِ وَيَتَحَرَّرُ هُنَا أَقْسَامٌ ثَمَانِيَةٌ. كَوْنُ الْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ قَطْعِيَّ السَّنَدِ وَالْمَتْنِ كَوْنُهُمَا ظَنِّيَّيْ السَّنَدِ وَالْمَتْنِ كَوْنُ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيَّهُمَا وَالنَّصِّ ظَنِّيَّهُمَا كَوْنُ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيَّهُمَا وَالنَّصِّ قَطْعِيَّهُمَا كَوْنُ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيَّ السَّنَدِ ظَنِّيَّ الْمَتْنِ وَالنَّصِّ كَذَلِكَ كَوْنُ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيَّ السَّنَدِ قَطْعِيَّ الْمَتْنِ وَالنَّصِّ كَذَلِكَ كَوْنُ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيَّ السَّنَدِ ظَنِّيَّ الْمَتْنِ وَالنَّصُّ بِالْعَكْسِ كَوْنُ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيَّ السَّنَدِ قَطْعِيَّ الْمَتْنِ وَالنَّصُّ بِالْعَكْسِ، ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ سَنَدًا وَمَتْنًا عَلَى النَّصِّ الْقَطْعِيِّ كَذَلِكَ، وَعَلَى النَّصِّ الظَّنِّيِّ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ وَعَلَى النَّصِّ الظَّنِّيِّ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ وَتَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ سَنَدًا وَمَتْنًا عَلَى النَّصِّ الظَّنِّيِّ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْبَلْ أَحَدُهُمَا التَّأْوِيلَ وَتَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ مَتْنًا لَا سَنَدًا عَلَى النَّصِّ كَذَلِكَ وَتَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ سَنَدًا لَا مَتْنًا عَلَى النَّصِّ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْبَلْ أَحَدُهُمَا التَّأْوِيلَ. وَتَقْدِيمُ النَّصِّ الْقَطْعِيِّ سَنَدًا وَمَتْنًا عَلَى الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ وَعَلَى الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ أَحَدُهُمَا إذَا لَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ سَنَدًا لَا مَتْنًا عَلَى النَّصِّ الْقَطْعِيِّ مَتْنًا لَا سَنَدًا أَوْ بِالْعَكْسِ وَتَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ مَتْنًا لَا سَنَدًا عَلَى النَّصِّ الْقَطْعِيِّ سَنَدًا لَا مَتْنًا أَوْ بِالْعَكْسِ إذَا لَمْ يَقْبَلْ أَحَدُهُمَا التَّأْوِيلَ فَفِي

كِلَيْهِمَا تَأَمُّلٌ، وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ -. (وَمَا عَمِلَ بِهِ) الْخُلَفَاءُ (الرَّاشِدُونَ) أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُرَجَّحُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُتَابَعَتِهِمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ كَمَا يُفِيدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَحْثِ الْعَزِيمَةِ وَكَوْنِهِمْ أَعْرَفَ بِالتَّنْزِيلِ وَمَوَاقِعِ الْوَحْيِ وَالتَّأْوِيلِ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَحِلُّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ بَلْ ذَهَبَ أَبُو حَازِمٍ إلَى أَنَّ مَا اتَّفَقَتْ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَيْهِ إجْمَاعٌ وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ. (أَوْ عُلِّلَ) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي تَعَرَّضَ فِيهِ لِلْعِلَّةِ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لَهَا (لِإِظْهَارِ الِاعْتِنَاءِ بِهِ) أَيْ لِأَنَّ ذِكْرَ عِلَّتِهِ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَمِنْ جِهَةِ الْعِلَّةِ (لَا الْأَقْبَلِيَّةِ) أَيْ لَا؛ لِأَنَّ الْفَهْمَ أَقْبَلُ لَهُ لِسُهُولَةِ فَهْمِهِ بِوَاسِطَةِ كَوْنِهِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْآمِدِيُّ، ثُمَّ عَضُدُ الدِّينِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ: رُبَّمَا يُرَجَّحُ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي قَبُولِهِ أَشَدُّ وَالثَّوَابَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ، ثُمَّ فِي الْمَحْصُولِ يُقَدَّمُ الْمُتَقَدِّمُ فِيهِ ذِكْرُ الْعِلَّةِ عَلَى الْحُكْمِ عَلَى عَكْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى ارْتِبَاطِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ وَاعْتَرَضَهُ النَّقْشَوَانِيُّ بِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَقَدَّمَ تَطْلُبُ نَفْسُ السَّامِعِ الْعِلَّةَ فَإِذَا سَمِعَتْهَا رَكَنَتْ إلَيْهَا، وَلَمْ تَطْلُبْ غَيْرَهَا وَالْوَصْفُ إذَا تَقَدَّمَ تَطْلُبُ النَّفْسُ الْحُكْمَ فَإِذَا سَمِعَتْهُ قَدْ تَكْتَفِي فِي عِلَّتِهِ بِالْوَصْفِ الْمُتَقَدِّمِ إذَا كَانَ شَدِيدَ الْمُنَاسَبَةِ كَمَا فِي {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] الْآيَةَ وَقَدْ لَا تَكْتَفِي بِهِ بَلْ تَطْلُبُ عِلَّةً غَيْرَهُ كَمَا فِي {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] الْآيَةَ فَيُقَالُ تَعْظِيمًا لِلْمَعْبُودِ قُلْت إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمُفِيدَةُ لِتَقْدِيمِ مَا ذُكِرَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ عَلَى مَا لَمْ تُذْكَرْ إظْهَارًا لِلِاعْتِنَاءِ بِمَا ذُكِرَتْ فِيهِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ تَقْدِيمُهَا فِيهِ تَقْدِيمَهُ عَلَى مَا أُخِّرَتْ فِيهِ وَلَا تَأْخِيرُهَا فِيهِ تَقْدِيمَهُ عَلَى مَا قُدِّمَتْ فِيهِ، وَالِارْتِبَاطُ بِالْعِلَّةِ مَوْجُودٌ فِي كِلَيْهِمَا وَالرُّكُونُ إلَيْهَا وَعَدَمُ الرُّكُونِ إلَيْهَا مَعَ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي كِلَيْهِمَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي التَّرْجِيحِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي كِلَيْهِمَا نَعَمْ التَّرْتِيبُ الطَّبِيعِيُّ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ مَوْجُودٌ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ لَكِنْ مَعْلُومٌ أَنَّ مُجَرَّدَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ تَرْجِيحًا لَهُ عَلَى مَا ذُكِرَتْ فِيهِ بَعْدَ الْمَعْلُولِ مَعَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا يُخَالُ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ الِاهْتِمَامِ مَا لَيْسَ فِي عَكْسِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (كَمَا) يَتَرَجَّحُ مَا (ذُكِرَ مَعَهُ السَّبَبُ) عَلَى مَا لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُ أَيْ الْعَامُّ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْعَامِّ الْمُطْلَقِ عَنْهُ إذَا تَعَارَضَا فِي صُورَةِ السَّبَبِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ إذْ السَّبَبُ هُوَ الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا فَكَانَتْ دَلَالَتُهُ فِيهَا شَدِيدَةَ الْقُوَّةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ تَخْصِيصُهَا وَأَمَّا فِيمَا عَدَا صُورَةِ السَّبَبِ فَيَتَرَجَّحُ الْعَامُّ الْمُطْلَقُ عَنْهُ عَلَى الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ لِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْهُ لِقِيَامِ احْتِمَالِ كَوْنِ ذِي السَّبَبِ خَاصًّا بِمَوْرِدِهِ إذْ الْأَصْلُ مُطَابَقَتُهُ لِمَا وَرَدَ فِيهِ قَالَ السُّبْكِيُّ فَمَنْ قَالَ إنَّ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ رَاجِحٌ أَرَادَ فِي صُورَةِ السَّبَبِ وَمَنْ قَالَ إنَّ عَكْسَهُ رَاجِحٌ أَرَادَ فِيمَا عَدَاهَا وَلَا يُتَّجَهُ خِلَافٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. (وَفِي السَّنَدِ) أَيْ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمَتْنِ بِاعْتِبَارِ حِكَايَةِ طَرِيقِهِ (كَالْكِتَابِ) أَيْ كَتَرْجِيحِهِ (عَلَى السُّنَّةِ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ، قَوْلُ بَعْضِهِمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَا يُقَدَّمُ الْكِتَابُ عَلَى السُّنَّةِ وَلَا السُّنَّةُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِزَاعِمَيْهِمَا أَيْ تَقْدِيمِ الْكِتَابِ عَلَيْهَا مُسْتَنِدًا لِحَدِيثِ مُعَاذٍ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَتَقْدِيمُ السُّنَّةِ عَلَيْهِ مُسْتَنِدًا إلَى قَوْله تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] ، ثُمَّ قَالَ: الْأَصَحُّ تَسَاوِي الْمُتَوَاتِرَيْنِ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْكِتَابُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْهَا وَقِيلَ تُقَدَّمُ السُّنَّةُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ أُصُولُ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ التَّعَارُضِ أَنَّ الْقَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ مِنْ السُّنَّةِ الْقَطْعِيَّةِ السَّنَدِ تَتَرَجَّحُ عَلَى الظَّنِّيِّ الدَّلَالَةِ مِنْ الْكِتَابِ، وَالْقَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُهُمَا يَجْرِي لُزُومُ فِيهِمَا مُجْمَلَيْنِ، وَإِنْ عُلِمَ فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ وَالظَّنِّيُّ الدَّلَالَةِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُهُمَا لَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِهِ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً بَلْ بِمَا يُسَوِّغُ تَرْجِيحَهُ بِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا جُمِعَ بَيْنَهُمَا إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا تَسَاقَطَا. وَإِنْ عُلِمَ تَارِيخُهُمَا نَسَخَ

الْمُتَأَخِّرُ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ مِنْ الْكِتَابِ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْقَطْعِيِّ السَّنَدِ الظَّنِّيِّ الدَّلَالَةِ مِنْ السُّنَّةِ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ السُّنَّةِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ ظَنِّيَّ السَّنَدِ مَعَ مَا كَانَ مِنْ الْكِتَابِ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ لِرُجْحَانِ الْكِتَابِ حِينَئِذٍ بِاعْتِبَارِ السَّنَدِ فَيَنْبَغِي التَّقْيِيدُ بِهِ وَلَا يُقَالُ: وَهَذَا أَيْضًا لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَضَى أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُعَارَضَةِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ حَقِيقَتَهَا لِتَعَالِي الشَّارِعِ عَنْهَا بَلْ صُورَتُهَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَمَشْهُورُهَا) أَيْ يُرَجَّحُ الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ مِنْ السُّنَّةِ (عَلَى الْآحَادِ) لِرُجْحَانِ الْمَشْهُورِ سَنَدًا عَلَى الْآحَادِ «كَالْيَمِينِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ) فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (عَلَى خَبَرِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ) أَيْ الْقَضَاءُ بِهِمَا لِلْمُدَّعِي الْمُخَرَّجِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشُّهْرَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يَأْخُذُوا بِهِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِلَّائِمَةِ الثَّلَاثَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْفُرُوعِ (وَبِفِقْهِ الرَّاوِي) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ اجْتِهَادُهُ كَمَا هُوَ عُرْفُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ (وَضَبْطِهِ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرَائِطِ الرَّاوِي (وَوَرَعِهِ) أَيْ تَقْوَاهُ وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالِاجْتِنَابُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ (وَشُهْرَتِهِ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ (وَبِالرِّوَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ رُجْحَانُهُ فِيهِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهَا فَإِنَّ شُهْرَتَهُ بِهِ تَكُونُ غَالِبًا لِرُجْحَانِهِ فِيهِ وَالْمَعْنَى كَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِ رَاوِيهِ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ أَوْ بَعْضِهَا عَلَى الْآخَرِ الَّذِي لَيْسَ رَاوِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِدْقَ الظَّنِّ فِيهِ أَقْوَى وَاحْتِمَالَ الْغَلَطِ فِيهِ أَوْهَى وَصَرَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ اعْتِيَادَ الرِّوَايَةِ لَيْسَ بِمُرَجِّحٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْهَا وَهُوَ حَسَنٌ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ التَّرْجِيحَ بِالْفِقْهِ بِالْخَبَرَيْنِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِالْمَعْنَى وَفِي الْمَحْصُولِ وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ فَإِذَا سَمِعَ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَحَثَ عَنْهُ وَسَأَلَ عَنْ مُقَدِّمَاتِهِ وَسَبَبِ نُزُولِهِ فَيَطَّلِعُ عَلَى مَا يَزُولُ بِهِ الْإِشْكَالُ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ، وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا أَفْقَهَ مِنْ الْآخَرِ، وَبِقُوَّةِ حِفْظِهِ وَزِيَادَةِ ضَبْطِهِ وَشِدَّةِ اعْتِنَائِهِ فَيُرَجَّحُ عَلَى مَا كَانَ أَقَلَّ فِي ذَلِكَ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قِيلَ وَبِعِلْمِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّ الْعَالِمَ بِهَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ عَنْ مَوَاقِعِ الزَّلَلِ فَيَكُونُ الْوُثُوقُ بِرِوَايَتِهِ أَكْثَرَ قِيلَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَرْجُوحٌ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ بِهَا يَعْتَمِدُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَلَا يُبَالِغُ فِي الْحِفْظِ وَالْجَاهِلَ بِهَا يَكُونُ خَائِفًا فَيُبَالِغُ فِي الْحِفْظِ وَلَا يَعْرَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ النَّظَرِ قِيلَ وَبِسُرْعَةِ حِفْظِ أَحَدِهِمَا وَإِبْطَاءِ نِسْيَانِهِ مَعَ سُرْعَةِ حِفْظِ الْآخَرِ وَسُرْعَةِ نِسْيَانِهِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (وَفِي) كَوْنِ (عُلُوِّ السَّنَدِ) أَيْ قِلَّةِ الْوَسَائِطِ بَيْنَ الرَّاوِي لِلْمُجْتَهِدِ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَجَّحًا عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا قَلَّتْ الْوَسَائِطُ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الْخَطَأِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ (خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ) كَمَا يُفِيدُهُ وَاقِعَةُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْأَوْزَاعِيِّ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ خَرَّجَهَا الْحَافِظُ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْحَارِثِيِّ فِي تَخْرِيجِ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ سُقْنَاهَا فِي حَلْبَةِ الْمُجَلِّي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى (وَبِكَوْنِهَا) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ بِكَوْنِ إحْدَاهُمَا (عَنْ حِفْظِهِ) أَيْ الرَّاوِي (لَا نُسْخَتِهِ) فَيُقَدَّمُ خَبَرُ الْمُعَوِّلِ عَلَى حِفْظِهِ عَلَى خَبَرِ الْمُعَوِّلِ عَلَى كِتَابِهِ لِاحْتِمَالِهِ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ كِتَابَهُ الْمَصُونَ تَحْتَ يَدِهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِيهِ بَعِيدٌ بَلْ لَيْسَ هُوَ دُونَ احْتِمَالِ النِّسْيَانِ وَالِاشْتِبَاهِ عَلَى الْحَافِظِ وَقَدْ عُدَّ ذَلِكَ فِيهِ كَالْعَدَمِ (وَخَطِّهِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ رِوَايَةِ مَنْ يَعْتَمِدُ فِي رِوَايَتِهِ عَلَى خَطِّهِ (مَعَ تَذَكُّرِهِ) لِذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ يَعْتَمِدُ فِي رِوَايَتِهِ (عَلَى مُجَرَّدِ خَطِّهِ وَهَذَا) التَّرْجِيحُ ظَاهِرٌ أَنَّهُ مُتَفَرِّعٌ (عَلَى غَيْرِ قَوْلِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا إذْ لَا عِبْرَةَ عِنْدَهُ لِلْخَطِّ بِلَا تَذَكُّرٍ فَلَمْ يَحْصُلْ التَّعَارُضُ الَّذِي فَرَّعَهُ التَّرْجِيحُ (وَبِالْعِلْمِ) أَيْ وَكَالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِالْعِلْمِ (بِأَنَّهُ) أَيْ رَاوِيهِ (عَمِلَ بِمَا رَوَاهُ عَلَى قَسِيمَيْهِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ عَمِلَ بِهِ وَلَا أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَاَلَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْكَذِبِ قُلْت وَهَذَا فِي أَوَّلِهِمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ عَمَلُهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ

لَهُ. أَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ عَمِلَ فِيهِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ فَمَا رَوَاهُ حِينَئِذٍ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ فَلَا يَقُومُ بَيْنَ الْمَرْوِيَّيْنِ رُكْنِ التَّعَارُضِ الَّذِي فَرَّعَهُ التَّرْجِيحُ (أَوْ) كَانَ التَّرْجِيحُ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِالْعِلْمِ بِأَنَّ رَاوِيهِ (لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ) عَلَى مَا رَاوِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْسَلِينَ فَلِذَا قَالَ (عَلَى) قَوْلِ (مُجِيزِ الْمُرْسَلِ) أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ فَظَاهِرٌ أَنْ لَا تَعَارُضَ لِانْتِفَاءِ الدَّلِيلَيْنِ عِنْدَهُ فَلَا تَرْجِيحَ، ثُمَّ قَالَ (وَالْوَجْهُ نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ التَّرْجِيحِ بِهَذَا عَلَى قَوْلِ مُجِيزِ الْمُرْسَلِ أَيْضًا (لِأَنَّ الْغَرَضَ فِيهِ) أَيْ فِي قَبُولِ الْمُرْسَلِ (مَا يُوجِبُهُ) أَيْ نَفْيُ التَّرْجِيحِ بِذَلِكَ وَهُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ أَمَّا مُطْلَقًا أَوْ عِنْدَهُ فَقَدْ تَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ التَّرْجِيحُ بِمَا بِهِ التَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ أَنَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِكُلِّ مُرَادٍ - (وَمِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ) أَيْ كَالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ يَكُونُ رَاوِيهِ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ (عَلَى أَصَاغِرِهِمْ) أَيْ عَلَى الْمَرْوِيِّ الَّذِي رَاوِيهِ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرَ إلَى الرَّسُولِ أَقْرَبُ غَالِبًا فَيَكُونُ بِحَالِهِ أَعْرَفَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَجِبُ لِأَبِي حَنِيفَةَ تَقْيِيدُهُ) أَيْ مَا رَوَاهُ الْأَكْبَرُ مِنْهُمْ (بِمَا إذَا رَجَحَ) مَا رَوَاهُ (فِقْهًا) بِالنَّظَرِ إلَى قَوَاعِدِ الْفِقْهِ لَا بِفِقْهِهِ (إذْ قَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (بِرَأْسِ الْأَصَاغِرِ فِي الْهَدْمِ) أَيْ هَدْمِ الزَّوْجِ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ دُونَ الْأَكَابِرِ فِي عَدَمِ الْهَدْمِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ وَلَا سِيَّمَا عُمَرَ وَعَلِيًّا فُقَهَاءُ. وَإِنْ كَانَ الْأَوْجَهُ نَظَرًا إلَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ مَا عَلَيْهِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ حَتَّى قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سِيقَ وَالْحَقُّ عَدَمُ الْهَدْمِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْقَوْلُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَلَقَدْ صَدَقَ قَوْلُ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ وَمَسْأَلَةٌ يُخَالِفُ فِيهَا كِبَارُ الصَّحَابَةِ يَعُوزُ فِقْهُهَا وَيَصْعُبُ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَيَتَفَرَّعُ عَلَى مَا بَحَثَهُ لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُقَالَ: (فَلَا يَتَرَجَّحُ) خَبَرُ الْأَكْبَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَكْبَرُ (فِي الرِّوَايَةِ) عَلَى الْأَصْغَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَصْغَرُ إذَا تَعَارَضَا (بَعْدَ فِقْهِ الْأَصْغَرِ وَضَبْطِهِ إلَّا بِذَاكَ) أَيْ بِرُجْحَانِهِ بِالنَّظَرِ إلَى قَوَاعِدِ الْفِقْهِ (أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ قُلْت وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ عِلَّةُ تَقْدِيمِ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَلَى الْأَصَاغِرِ هِيَ الْأَقْرَبِيَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْأَخْذِ بِمَا عَنْ الْأَكَابِرِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى رَأْيِهِمْ فِيهِ عَدَمُ التَّرْجِيحِ لِمَا هُوَ مِنْ مَرْوِيَّاتِهِمْ عَنْهُ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِيَّةِ مِنْهُ، ثُمَّ حَيْثُ تَكُونُ الْعِلَّةُ فِي تَقْدِيمِ رِوَايَتِهِمْ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصَاغِرِ مَا ذَكَرْنَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ (وبأقربيته) أَيْ وَكَالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِأَقْرَبِيَّةِ رِوَايَةٍ عِنْدَ السَّمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْآخَرِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ تِلْكَ الْأَقْرَبِيَّةِ. (وَبِهِ) أَيْ وَبِقُرْبِ السَّمَاعِ (رَجَّحَ الشَّافِعِيَّةُ الْإِفْرَادَ) بِالْحَجِّ عَلَى غَيْرِهِ (مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تَحْتَ نَاقَتِهِ) فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «وَإِنِّي كُنْت عِنْدَ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمَسُّنِي لُعَابُهَا أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ» وَهُمْ فِي ذَلِكَ تَبَعٌ لِإِمَامِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخَذْت بِرِوَايَةِ جَابِرٍ لِتَقَدُّمِ صُحْبَتِهِ وَحُسْنِ سِيَاقِهِ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ وَبِرِوَايَةِ عَائِشَةَ لِفَضْلِ حِفْظِهَا وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِقُرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا نَصُّهُ فِي الْمُزَنِيّ، ثُمَّ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنْ يُقَالَ: (وَلَا يَخْفَى عَدَمُ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ) أَيْ التَّرْجِيحُ بِالْقُرْبِ (وَوُجُوبِ تَقْيِيدِهِ) أَيْ الْقُرْبِ الْمُرَجَّحِ عَلَى الْبُعْدِ (بِبُعْدِ الْآخَرِ بُعْدًا يَتَطَرَّقُ مَعَهُ الِاشْتِبَاهُ) أَيْ اشْتِبَاهُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ الْبَعِيدِ (لِلْقَطْعِ بِأَنْ لَا أَثَرَ لِبُعْدِ شِبْرٍ لِقَرِيبَيْنِ) بِإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ إلَى الْمُتَكَلِّمِ مِنْ الْآخَرِ بِمِقْدَارِ شِبْرٍ فِي تَفَاوُتِ سَمَاعِ كَلَامِهِ (ثُمَّ لِلْحَنَفِيَّةِ) التَّرْجِيحُ بِالْقُرْبِ أَيْضًا لِلْقِرَانِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ (إذْ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ آخِذًا بِزِمَامِهَا حِينَ أَهَلَّ بِهِمَا) أَيْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْهُ «كُنْت آخُذُ بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَقْصَعُ بِجَرَّتِهَا، وَلُعَابُهَا يَسِيلُ عَلَى كَتِفِي وَهُوَ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ» أَيْ تُجِرُّ مَا تَجْتَرُّهُ مِنْ الْعَلَفِ وَتُخْرِجُهُ إلَى الْفَمِ وَتَمْضُغُهُ، ثُمَّ تَبْلَعُهُ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ وَكَذَا

أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ بَدَلَ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَائِمَةً وَقَالَ «قَالَ لَبَّيْكَ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا إنِّي عِنْدَ ثَفِنَاتِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ قَائِمَةً قَالَ لَبَّيْكَ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا وَذَلِكَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ» (وَتَعَارَضَ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحِ) إذْ كَمَا عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ مُفْرِدًا» فَعَنْهُ أَيْضًا فِيهِمَا «بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» وَلَمْ تَتَعَارَضْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ لَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا وَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ تَضْطَرِبْ رِوَايَتُهُ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِرِوَايَةِ مَنْ اضْطَرَبَتْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ تَرْجِيحِ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ قَارِنًا عَلَى كَوْنِهِ حَجَّ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. (وَبِكَوْنِهِ تَحَمَّلَ بَالِغًا) أَيْ وَكَالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِكَوْنِ رَاوِيهِ تَحَمَّلَ جَمِيعَ مَا يَرْوِيهِ بَالِغًا عَلَى الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَتَحَمَّلْ رَاوِيهِ جَمِيعَ مَا يَرْوِيهِ بَالِغًا سَوَاءٌ تَحَمَّلَ جَمِيعَهُ صَبِيًّا أَوْ بَعْضَهُ بَالِغًا وَبَعْضَهُ صَبِيًّا أَوْ بِكَوْنِ رَاوِيهِ تَحَمَّلَ بَعْضَ مَا يَرْوِيهِ بَالِغًا عَلَى الْآخَرِ الَّذِي تَحَمَّلَ رَاوِيهِ جَمِيعَ مَا يَرْوِيهِ صَبِيًّا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَحْصُولِ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ أَضْبَطُ مِنْ الصَّبِيِّ وَأَقْرَبُ مِنْهُ غَالِبًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَيَنْبَغِي مِثْلُهُ) أَيْ التَّرْجِيحُ (فِيمَنْ تَحَمَّلَ مُسْلِمًا) فَيُرَجَّحُ خَبَرُهُ عَلَى خَبَرِ مَنْ تَحَمَّلَ غَيْرَ مُسْلِمٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُسْلِمِ (لَا يَحْسُنُ ضَبْطُهُ لِعَدَمِ إحْسَانِ إصْغَائِهِ وَبِقِدَمِ الْإِسْلَامِ) أَيْ وَيُرَجَّحُ الْمَرْوِيُّ الَّذِي رَاوِيهِ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ عَلَى مُعَارِضِهِ الَّذِي رَاوِيهِ حَدِيثُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ خَبَرَ مُتَقَدِّمِهِ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ لِزِيَادَةِ أَصَالَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَحَرُّزِهِ فِيهِ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْأَبْهَرِيُّ هَذَا إذَا كَانَ رَاوِيهِ مُتَقَدِّمَ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ أَمَّا إذَا كَانَتْ رِوَايَتُهُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ فَلَا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ الرَّازِيّ كَمَا سَتَرَى (وَقَدْ يُعْكَسُ) أَيْ يُرَجَّحُ خَبَرُ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ عَلَى خَبَرِ مُتَقَدِّمِهِ كَمَا فِي الْمَحْصُولِيَّاتِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ لَكِنْ شَرَطَ فِي الْمَحْصُولِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ سَمَاعَهُ وَقَعَ بَعْدَ إسْلَامِهِ (لِلدَّلَالَةِ عَلَى آخِرِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) هَذَا وَذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ أَنَّ الْأَوْلَى أَنَّا إذَا عَلِمْنَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ مَاتَ قَبْلَ إسْلَامِ الْمُتَأَخِّرِ أَوْ أَنَّ رِوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمِ أَكْثَرُهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى رَاوِيَاتِ الْمُتَأَخِّرِ فَهُنَا يُحْكَمُ بِالرُّجْحَانِ؛ لِأَنَّ النَّادِرَ مُلْحَقٌ بِالْغَالِبِ انْتَهَى. يَعْنِي فَيُقَدَّمُ الْمُتَأَخِّرُ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ إنْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا فَالْغَالِبُ أَنَّ رِوَايَةَ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ نَاسِخٌ، وَإِنْ عُلِمَ فِي أَحَدِهِمَا وَجُهِلَ فِي الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ الْمُؤَرَّخُ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ النَّاسِخُ فَيَنْسَخُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» بِصَلَاةِ أَصْحَابِهِ قِيَامًا خَلْفَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ فِيهِمَا وَاحْتِيجَ إلَى نَسْخِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَقِيلَ: النَّاقِلُ عَنْ الْعَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُوَافِقِ لَهَا وَقِيلَ: الْمُحَرِّمُ وَالْمُوجِبُ أَوْلَى مِنْ الْمُبِيحِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوجِبًا وَالْآخَرُ مُحَرِّمًا لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَوْ أَسْلَمَ الرَّاوِيَانِ كَخَالِدٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا تَحَمَّلَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَخَبَرُهُ رَاجِحٌ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ هَلْ تَحَمَّلَهُ الْآخَرُ فِي إسْلَامِهِ أَمْ فِي كُفْرِهِ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ تَأَخُّرًا. (كَكَوْنِهِ مَدَنِيًّا) أَيْ كَمَا يَتَرَجَّحُ الْخَبَرُ الْمَدَنِيُّ عَلَى الْخَبَرِ الْمَكِّيِّ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُ، ثُمَّ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا وَرَدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فِي مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا وَالْمَدَنِيَّ مَا وَرَدَ بَعْدَهَا فِي الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِمَا لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْمَدَنِيُّ نَاسِخًا لِلْمَكِّيِّ بِلَا نِزَاعٍ وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ النَّاسِخِ عَلَى الْمَنْسُوخِ لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّرْجِيحِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي الْمَدِينَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَارِدِ فِي مَكَّةَ سَوَاءٌ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَرَدَ فِي مَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ، وَالْعِلَّةُ فِيهِ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَكِّيَّاتِ وُرُودُهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالْوَارِدُ مِنْهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ قَلِيلٌ وَالْقَلِيلُ مُلْحَقٌ بِالْكَثِيرِ فَيَحْصُلُ الظَّنُّ بِأَنَّ هَذَا الْوَارِدَ فِي مَكَّةَ إنَّمَا وَرَدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْمَدَنِيِّ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُتَأَخِّرًا. (وَشُهْرَةُ النَّسَبِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِشُهْرَةِ نَسَبِ رَاوِيهِ عَلَى الْآخَرِ بِعَدَمِ شُهْرَةِ نَسَبِ رَاوِيهِ قَالَ الْآمِدِيُّ؛ لِأَنَّ احْتِرَازَ مَشْهُورِ النَّسَبِ عَمَّا يُوجِبُ نَقْصَ مَنْزِلَتِهِ الْمَشْهُورَةِ يَكُونُ أَكْثَرَ

(وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) أَيْ مَا فِي التَّرْجِيحِ بِهَذَا وَأَقْرَبُ مِنْهُ مَا فِي الْمَحْصُولِ رِوَايَةُ مَعْرُوفِ النَّسَبِ رَاجِحَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مَجْهُولِهِ. (وَصَرِيحُ السَّمَاعِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِتَصْرِيحِ رَاوِيهِ بِسَمَاعِهِ كَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا (عَلَى مُحْتَمِلِهِ) أَيْ عَلَى الْآخَرِ الرَّاوِي لَهُ بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ لِلسَّمَاعِ (كَقَالَ) لِلتَّيَقُّنِ فِي الْأَوَّلِ وَالِاحْتِمَالِ فِي الثَّانِي (وَصَرِيحُ الْوَصْلِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِ سَنَدِهِ مُتَّصِلًا صَرِيحًا بِأَنْ ذَكَرَ كُلٌّ مِنْ رُوَاتِهِ تَحَمُّلَهُ عَنْ مَنْ رَوَاهُ بِ حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا أَوْ سَمِعْت أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (عَلَى الْعَنْعَنَةِ) أَيْ عَلَى الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ كُلُّ رُوَاتِهِ أَوْ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ عَنْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ صَرِيحِ اتِّصَالٍ بِتَحْدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الِاتِّصَالِ فِي هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَجِبُ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ التَّرْجِيحِ بِصَرَاحَةِ الْوَصْلِ عَلَى الْعَنْعَنَةِ (لِقَابِلِ الْمُرْسَلِ بَعْدَ عَدَالَةِ الْمُعَنْعَنِ وَأَمَانَتِهِ) وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُدَلِّسٍ تَدْلِيسَ التَّسْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ وَقَدَّمْنَا قُبَيْلَ مَسْأَلَةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عَنْ الْحَاكِمِ الْأَحَادِيثَ الْمُعَنْعَنَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَدْلِيسٌ مُتَّصِلَةٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ. (وَمَا لَمْ تُنْكَرْ رِوَايَتُهُ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ الَّذِي لَمْ يُنْكِرْ الثِّقَاتُ رِوَايَتَهُ عَلَى رِوَايَةِ الْآخَرِ الَّذِي أَنْكَرَ الثِّقَاتُ رِوَايَتَهُ عَلَى رَاوِيهِ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِهِ أَقْوَى (وَبِدَوَامِ عَقْلِهِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِ رَاوِيهِ سَلِيمَ الْعَقْلِ دَائِمًا عَلَى الْآخَرِ الَّذِي اخْتَلَّ عَقْلُ رَاوِيهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَذَا أَطْلَقَهُ الْحَاصِلُ وَالتَّحْصِيلُ وَالْمِنْهَاجُ (وَالْوَجْهُ فِيمَا) أَيْ الْحَدِيثِ الَّذِي (عُلِمَ أَنَّهُ) رَوَاهُ رَاوِيهِ الَّذِي اخْتَلَّ عَقْلُهُ فِي وَقْتٍ قَدْ رَوَاهُ (قَبْلَ زَوَالِهِ) أَيْ عَقْلِهِ (نَفْيُهُ) أَيْ تَرْجِيحُ ذَاكَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَارِضِ (وَذَاكَ) التَّرْجِيحُ لِذَاكَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَارِضِ (إذَا لَمْ يُمَيَّزْ) أَيْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ رَوَاهُ فِي سَلَامَةِ عَقْلِهِ أَمْ فِي اخْتِلَاطِهِ كَمَا شَرَطَهُ فِي الْمَحْصُولِ (وَصَرِيحُ التَّزْكِيَةِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا يَكُونُ رَاوِيهِ مُزَكًّى بِلَفْظٍ صَرِيحٍ فِي التَّزْكِيَةِ (عَلَى) الْآخَرِ الْمُزَكَّى رَاوِيهِ بِسَبَبِ (الْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ) أَوْ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَالْحُكْمَ قَدْ يُبْنَيَانِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ تَزْكِيَةٍ وَيَسْتَنِدَانِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ مُوَافِقٍ لِلرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ (وَمَا بِشَهَادَتِهِ) أَيْ كَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِ تَزْكِيَةِ رَاوِيهِ بِالْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى رِوَايَةِ الْآخَرِ الَّذِي زُكِّيَ بِالْعَمَلِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ وَمَا زُكِّيَ رَاوِيهِ بِالْخُلْطَةِ وَالِاخْتِبَارِ عَلَى مَا زُكِّيَ رَاوِيهِ بِالْأَخْبَارِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْمُعَايَنَةَ أَقْوَى مِنْ الْخَبَرِ. (وَالْمَنْسُوبُ إلَى كِتَابٍ عُرِفَ بِالصِّحَّةِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ الْمَرْوِيِّ فِي كِتَابٍ عُرِفَ بِالصِّحَّةِ كَالصَّحِيحَيْنِ (عَلَى) مَنْسُوبٍ إلَى (مَا) أَيْ كِتَابٍ (لَمْ يَلْتَزِمْهَا) أَيْ الصِّحَّةَ (فَلَوْ أَبْدَى) أَيْ أَظْهَرَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهَا (سَنَدًا) لِذَلِكَ الْمَرْوِيِّ (اعْتَبَرَ الْأَصَحِّيَّةَ) بَيْنَهُمَا طَرِيقًا فَأَيُّهُمَا فَازَ بِهَا فَقَدْ فَازَ بِالتَّقْدِيمِ (وَكَوْنُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ) رَاجِحًا (عَلَى مَا رُوِيَ بِرِجَالِهِمَا فِي غَيْرِهِمَا أَوْ) رَاجِحًا عَلَى مَا (تَحَقَّقَ فِيهِ شَرْطُهُمَا بَعْدَ إمَامَةِ الْمُخَرَّجِ) كَمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَتْبَاعُهُ (تَحَكُّمٌ) وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ إذْ الْأَصَحِّيَّةُ لَيْسَتْ إلَّا لِاشْتِمَالِ رِوَايَتِهِمَا عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَاهَا فَإِذَا فُرِضَ وُجُودُ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي رِوَايَةِ حَدِيثٍ فِي غَيْرِ الْكِتَابَيْنِ أَفَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِأَصَحِّيَّةِ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ عَيْنَ التَّحَكُّمِ، ثُمَّ حُكْمُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِأَنَّ الرَّاوِيَ الْمُعَيَّنَ يَجْتَمِعُ فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوطِ لَيْسَ مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ بِمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ فَيَجُوزُ كَوْنُ الْوَاقِعِ خِلَافَهُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ كَثِيرٍ فِي كِتَابِهِ مِمَّنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِ الْجَرْحِ، وَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ تَكَلَّمَ فِيهِمْ فَدَارَ الْأَمْرُ فِي الرُّوَاةِ عَلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ فِيهِمْ، وَكَذَا فِي الشُّرُوطِ حَتَّى أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ شَرْطًا وَأَلْغَاهُ آخَرُ يَكُونُ مَا رَوَاهُ الْآخَرُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الشَّرْطُ عِنْدَهُ مُكَافِئًا لِمُعَارَضَةِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَكَذَا فِيمَنْ ضَعَّفَ رَاوِيًا وَوَثَّقَهُ آخَرُ نَعَمْ تَسْكُنُ نَفْسُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ وَمَنْ لَمْ يُخْبِرْ أَمْرَ الرَّاوِي بِنَفْسِهِ إلَى مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَمَّا الْمُجْتَهِدُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ وَاَلَّذِي خَبَرَ لِرَاوِي فَلَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى رَأْيِ نَفْسِهِ انْتَهَى. فَإِنْ قُلْت لَيْسَتْ أَصَحِّيَّتُهُمَا لِمُجَرَّدِ اشْتِمَالِ رُوَاتِهِمَا عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَاهَا بَلْ وَلِتَلَقِّي الْأُمَّةَ بَعْدَهُمَا لِقَبُولِ كِتَابَيْهِمَا وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي غَيْرِهِمَا قُلْت تَلَقِّي الْأُمَّةَ لِجَمِيعِ مَا فِي كِتَابَيْهِمَا مَمْنُوعٌ أَمَّا لِرُوَاتِهِمَا فَلِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا لِمُتُونِ أَحَادِيثِهِمَا؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَضْمُونِهَا وَلَا عَلَى تَقْدِيمِهَا عَلَى مُعَارِضِهَا، ثُمَّ مِمَّا يَنْبَغِي

التَّنْبِيهُ لَهُ أَنَّ أَصِحِّيَّتَهُمَا عَلَى مَا سِوَاهُمَا تَنَزُّلًا إنَّمَا يَكُونُ بِلُزْمَانِهَا مَنْ بَعْدَهُمَا لَا الْمُجْتَهِدُونَ الْمُتَقَدِّمُونَ عَلَيْهِمَا فَإِنَّ هَذَا مَعَ ظُهُورِهِ قَدْ يَخْفَى عَلَى بَعْضِهِمْ أَوْ يُغَالِطُ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَيَجِبُ) التَّرْجِيحُ لِلْمَرْوِيِّ (بِالذُّكُورَةِ) لِرَاوِيهِ (فِيمَا يَكُونُ خَارِجًا) أَيْ فِي الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ خَارِجَ الْبُيُوتِ (إذْ الذَّكَرُ فِيهِ أَقْرَبُ) مِنْ الْأُنْثَى (وَبِالْأُنُوثَةِ) لِرَاوِيهِ (فِي عَمَلِ الْبُيُوتِ) ؛ لِأَنَّهُنَّ بِهِ أَعْرَفُ (وَرَجَّحَ فِي كُسُوفِ الْهِدَايَةِ حَدِيثَ سَمُرَةَ) بْنِ جُنْدَبٍ الْمُفِيدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كُلَّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعٍ وَسَجْدَتَيْنِ» كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ عَزَاهُ إلَى رَاوِيهِ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ تُوجَدْ عَنْهُ (عَلَى) حَدِيثِ (عَائِشَةَ) الْمُفِيدِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كُلَّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ» كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (بِأَنَّ الْحَالَ أَكْشَفُ لَهُمْ) أَيْ لِلرِّجَالِ لِقُرْبِهِمْ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا فِي خُصُوصِ هَذَا إذَا لَمْ يَرْوِ حَدِيثَ الرُّكُوعَيْنِ غَيْرُ عَائِشَةَ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَعَبَّرَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِتَرْجِيحِ الذَّكَرِ فِي غَيْرِ أَحْكَامِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ أَحْكَامِهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ أَضْبَطُ فِيهَا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى وَأَشْمَلُ ثَانِيهَا يُقَدَّمُ خَبَرُ الذَّكَرِ عَلَى خَبَرِ الْأُنْثَى مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ مِنْهَا فِي الْجُمْلَةِ ثَالِثُهَا لَا يُقَدَّمُ خَبَرُهُ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ الذُّكُورَةُ عَلَى خَبَرِهَا (وَكَثْرَةُ الْمُزَكِّينَ) فِي التَّرْجِيحِ بِهَا (كَكَثْرَةِ الرُّوَاةِ) وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَا فِي التَّرْجِيحِ بِكَثْرَتِهَا مِنْ وِفَاقٍ وَخِلَافٍ. (وَبِفِقْهِهِمْ وَمُدَاخَلَتِهِمْ لِلْمُزَكَّى) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِفِقْهِ مُزَكِّي رَاوِيهِ وَمُخَالَطَتِهِمْ فِي الْبَاطِنِ لَهُ عَلَى الْآخَرِ الَّذِي مُزَكُّو رَاوِيهِ لَيْسُوا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَنَّ صِدْقِهِ أَقْوَى (وَبِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ بِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ (فِي رَفْعِهِ) إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُعَارِضِهِ الْمُخْتَلَفِ فِي رَفْعِهِ إلَيْهِ وَوَقْفِهِ عَلَى رَاوِيهِ لِمَا فِي الْمُتَّفَقِ عَلَى رَفْعِهِ مِنْ قُوَّةِ الظَّنِّ بِنِسْبَتِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَيْسَ لِلْمُخْتَلَفِ فِي رَفْعِهِ إلَيْهِ قُلْت وَلَوْ قِيلَ هَذَا فِيمَا لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ أَمَّا لَوْ كَانَ الْمُخْتَلَفُ فِي رَفْعِهِ مِمَّا لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ فَهُمَا سَوَاءٌ لَكَانَ وَجِيهًا (وَتَرَكْنَا) مُرَجِّحَاتٍ أُخْرَى (لِلضَّعْفِ) أَيْ لِضَعْفِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ كَقَوْلِهِمْ يُرَجَّحُ الْمُوَافِقُ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَلِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ انْتَهَى قُلْت وَفِي ضَعْفِ التَّرْجِيحِ بِالْمُوَافِقِ لِدَلِيلٍ آخَرَ مُطْلَقًا نَظَرٌ وَكَيْفَ؟ وَالْأَحَقُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: تَرْجِيحُ مَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا لَا يُوَافِقُهُ وَمِنْهَا كَوْنُ الْإِسْنَادِ حِجَازِيًّا أَوْ كَوْنُ رَاوِيهِ مِنْ بَلَدٍ لَا يَرْضَوْنَ التَّدْلِيسَ أَوْ كَوْنُهُ صَاحِبَ كِتَابٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ أَوْ كَوْنُ لَفْظِهِ أَفْصَحَ وَلَفْظِ الْآخَرَ فَصِيحًا فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ يَتَكَلَّمُ بِالْأَفْصَحِ وَالْفَصِيحِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ لُغَتِهِمْ ذَلِكَ أَوْ كَوْنُ أَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ أَنْحَى مِنْ الْآخَرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَالْوُضُوحُ) أَيْ وَلِوُضُوحِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلِقَوْلِهِمْ بِقِدَمِ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ تَعَارُضِ إجْمَاعَيْنِ وَفِي تَعَارُضِ تَأْوِيلَيْنِ يُقَدَّمُ مَا دَلِيلُ تَأْوِيلِهِ أَرْجَحُ وَفِي تَعَارُضِ عَامَّيْنِ مَا وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ وَغَيْرُهُ يُقَدَّمُ الْوَارِدُ فِي السَّبَبِ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ لِلْخِلَافِ انْتَهَى. لَكِنْ هَذَا لَمْ يُتْرَكْ بَلْ أَشَارَ إلَيْهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ سَالِفًا وَمِنْهَا كَوْنُهُ غَيْرَ مُشْعِرٍ بِنَوْعِ قَدْحٍ فِي الصَّحَابَةِ عَلَى مَا أَشْعَرَ وَكَوْنُهُ لَمْ يَضْطَرِبْ لَفْظُهُ عَلَى مَا اضْطَرَبَ وَكَوْنُهُ قَوْلًا عَلَى كَوْنِهِ فِعْلًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (وَتَتَعَارَضُ التَّرَاجِيحُ) فَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْمُخَلِّصِ كَمَا فِيمَا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (كَفِقْهِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَضَبْطِهِ) فِي رِوَايَتِهِ لِوُقُوعِ «نِكَاحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» بَلْ وَهُمَا مُحْرِمَانِ (بِمُبَاشَرَةِ أَبِي رَافِعٍ) الرِّسَالَةَ بَيْنَهُمَا فِي رَاوِيَتِهِ لِتَزَوُّجِهَا وَهُوَ حَلَالٌ (حَيْثُ قَالَ كُنْت السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا) وَاَلَّذِي فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا وَلَا ضَيْرَ فِي هَذَا فَإِنَّهُ مَعْنَاهُ (وَكَسَمَاعِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ (مُشَافَهَةً مِنْ عَائِشَةَ) «أَنَّ بَرِيرَةَ عَتَقَتْ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ فَإِنَّهَا عَمَّتُهُ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حِجَابٌ (مَعَ إثْبَاتِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا) أَيْ عَائِشَةَ «كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا فَلَمَّا أُعْتِقَتْ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا فَإِذَا سَمِعَ

مِنْهُمَا (فَإِنَّهُ) أَيْ سَمَاعَهُ يَكُونُ (مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) فَتَعَارَضَ الْإِثْبَاتُ وَالْمُشَافَهَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى النَّفْيِ (وَإِذَا قَطَعَ) الْأَسْوَدُ (بِأَنَّهَا) أَيْ الْمُخْبِرَةُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (هِيَ) أَيْ عَائِشَةُ (فَلَا أَثَرَ لِارْتِفَاعِهِ) أَيْ الْحِجَابِ فَلَا يَصْلُحُ ارْتِفَاعُهُ مُرَجِّحًا فَيَتَرَجَّحُ الْإِثْبَاتُ عَلَى النَّفْيِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى زِيَادَةِ عِلْمٍ لَيْسَتْ لِلنَّافِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَوْ رُجِّحَ) حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ (بِالسِّفَارَةِ لَكَانَ) التَّرْجِيحُ بِهَا لَيْسَ إلَّا (لِزِيَادَةِ الضَّبْطِ) ؛ لِأَنَّ السَّفِيرَ لَهُ زِيَادَةُ ضَبْطٍ (فِي خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ) الَّتِي هُوَ سَفِيرٌ فِيهَا (فَإِذَا كَانَ) الضَّبْطُ (صِفَةَ النَّفْسِ) يَغْلِبُ ظَنُّ الصِّدْقِ وَحِينَئِذٍ (اعْتَدَلَا) أَيْ تَسَاوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو رَافِعٍ (فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ لِوُجُودِهَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَتَرَجَّحَ) خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ (بِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِهِ) أَيْ بِالْإِحْرَامِ (لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَبَبِ عِلْمٍ هُوَ) أَيْ سَبَبُ الْعِلْمِ بِهِ (هَيْئَةُ الْمُحْرِمِ) بِخِلَافِ خَبَرِ أَبِي رَافِعٍ (نَعَمْ مَا عَنْ صَاحِبَةِ الْوَاقِعَةِ) مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (إنْ صَحَّ قَوَّى) خَبَرَ أَبِي رَافِعٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ خَبَرَ صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ يَتَرَجَّحُ عَلَى غَيْرِهِ إذَا عَارَضَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى وَقَدْ صَحَّ وَيُؤَيِّدُهُ لَفْظُ مُسْلِمٍ عَنْهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» فَيَتَعَارَضُ تَرْجِيحُ إخْبَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ خَبَرُهُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَبَبِ عِلْمٍ بِهِ وَتَرْجِيحُ خَبَرِ أَبِي رَافِعٍ بِمُوَافَقَةِ صَاحِبَةِ الْوَاقِعَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ إخْبَارِهَا وَبَيْنَ إخْبَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَعَيَّنَ مَخْلَصًا (فَيَجِبُ) أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا تَزَوَّجَنِي (مَجَازًا عَنْ الدُّخُولِ) لِعَلَاقَةِ السَّبَبِيَّةِ الْعَادِيَّةِ بَيْنَهُمَا إذَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ (جَمْعًا) بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَمِنْهُ) أَيْ تَعَارُضِ التَّرَاجِيحِ (لِلْحَنَفِيَّةِ الْوَصْفُ الذَّاتِيُّ) وَهُوَ (مَا) يَعْرِضُ لِلشَّيْءِ (بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ أَوْ الْجُزْءِ) الْغَالِبِ مِنْهَا (عَلَى الْحَالِّ) وَهُوَ (مَا) يَعْرِضُ لِلشَّيْءِ (بِخَارِجٍ) أَيْ بِسَبَبِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِمُفْرَدِهِ يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ فَإِذَا تَعَارَضَا فِي مَحَلٍّ رُجِّحَ مَا فِيهِ الذَّاتِيُّ عَلَى الْحَالِّ؛ لِأَنَّ الذَّاتِيَّ أَسْبَقُ وُجُودًا مِنْ الْحَالِّ زَمَانًا أَوْ رُتْبَةً فَيَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ السَّبْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ كَاجْتِهَادٍ أُمْضِيَ حُكْمُهُ فَإِنَّهُ لَا يُنْسَخُ بِاجْتِهَادٍ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّ الْحَالَّ فِي الشَّيْءِ قَائِمٌ بِهِ لَا بِنَفْسِهِ وَمَا هُوَ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْعَدَمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِعَدَمِ قِيَامِهِ وَبَقَائِهِ فِي نَفْسِهِ فَكَانَتْ الْحَالُ مَوْجُودَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ تَابِعَةً لِغَيْرِهَا وَالذَّاتُ مَوْجُودَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَأَصْلٌ بِنَفْسِهَا فَالتَّرْجِيحُ بِهَا أَوْلَى، ثُمَّ بَعْدَمَا صَارَ الدَّلِيلُ رَاجِحًا بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ لَا يُجْعَلُ الْآخَرُ رَاجِحًا بِاعْتِبَارِ الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَسْخًا وَإِبْطَالًا لِمَا هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ بِمَا هُوَ تَبَعٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ (كَصَوْمٍ) لِيَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ لِيَوْمٍ مَعْنِيٍّ بِالنَّذْرِ (لَمْ يُبَيِّتْ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا نَوَى قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ فَإِذَنْ (بَعْضُهُ مَنْوِيٌّ وَبَعْضُهُ لَا) بِالضَّرُورَةِ (وَلَا يَتَجَزَّأُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَتَجَزَّأُ صِحَّةً وَفَسَادًا بَلْ إمَّا أَنْ يَفْسُدَ الْكُلُّ أَوْ يَصِحَّ الْكُلُّ (فَتَعَارَضَ مُفْسِدُ الْكُلِّ) وَهُوَ عَدَمُ النِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ (وَمُصَحِّحُهُ) أَيْ الْكُلِّ وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ (فَتَرَجَّحَ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْإِفْسَادُ لِلْكُلِّ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (بِوَصْفِ الْعِبَادَةِ الْمُقْتَضِيهَا) أَيْ النِّيَّةِ (فِي الْكُلِّ) فَإِنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ تُوجِبُ الْفَسَادَ وَقَدْ انْتَفَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعْضِ فَتَفْسُدُ لِعَدَمِهَا فَيَفْسُدُ الْكُلُّ لِتَعَذُّرِ فَسَادِ الْبَعْضِ وَصِحَّةِ الْبَعْضِ وَهَذَا تَرْجِيحٌ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ عُرُوضَهُ لِلْإِمْسَاكِ لَا لِذَاتِ الْإِمْسَاكِ فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ بَلْ بِاعْتِبَارٍ خَارِجٍ عَنْهُ وَهُوَ النِّيَّةُ (وَ) تَرْجِيحُ (الثَّانِي) وَهُوَ الصِّحَّةُ لِلْكُلِّ (بِكَثْرَةِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَّصِلَةِ) بِالنِّيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ وُجُودِهَا مَعَ كَثْرَةِ الْأَجْزَاءِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّرْجِيحُ تَرْجِيحٌ (بِالذَّاتِيِّ) فَإِنَّ وُجُودَهُ الْخَارِجِيَّ بِاعْتِبَارِ أَجْزَاءِ الصَّوْمِ الْوَاقِعَةِ هِيَ فِيهَا أَعْنِي النِّيَّةَ (وَيُنْقَضُ) هَذَا (بِالْكَفَّارَةِ) أَيْ بِصَوْمِهَا، وَكَذَا بِصَوْمِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوهُمَا إلَّا مُبَيَّتَيْنِ مَعَ إمْكَانِ الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ (وَيُدْفَعُ بِأَنَّ الْغَرَضَ) مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ (تَوَقُّفُ الْإِجْزَاءِ) أَيْ كَوْنُ تِلْكَ الْإِمْسَاكَاتِ مَحْكُومًا بِتَوَقُّفِهَا (لِمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ

مسألة لا ترجيح بكثرة الأدلة والرواة

مِنْ الشُّرُوعِ قَبْلَ النِّيَّةِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ لُحُوقُ نِيَّتِهِ فِي الْأَكْثَرِ أَوَّلًا لَا بُطْلَانُهَا فَإِنْ لَحِقَتْ انْسَحَبَ عَلَى تِلْكَ الْإِمْسَاكَاتِ حُكْمُهُمَا وَإِلَّا زَالَ التَّوَقُّفُ وَحُكِمَ بِبُطْلَانِهَا (وَذَلِكَ) أَيْ التَّوَقُّفُ (فِي الْوُجُوبِ) إنَّمَا هُوَ (فِي) لَازِمٍ (مُعَيَّنٍ) بِالضَّرُورَةِ فَظَهَرَ أَنَّ فِي مُعَيَّنٍ خَبَرُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (بِخِلَافِ نَحْوِ) صَوْمِ (الْكَفَّارَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ يَوْمُهَا لِلْوَاجِبِ) أَيْ لَمْ يُثْبِتْ الشَّرْعُ فِيهِ الْوُجُوبَ قَبْلَ النِّيَّةِ حَتَّى جَازَ فِطْرُهُ (فَلِمَشْرُوعِ الْوَقْتُ) أَيْ فَكَانَ الْمَشْرُوعُ فِيهِ مَشْرُوعُ الْوَقْتِ (وَهُوَ النَّفَلُ) فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ كَانَتْ تِلْكَ الْإِمْسَاكَاتُ السَّابِقَةُ عَلَى النِّيَّةِ مُتَوَقِّفَةً لِصَوْمِ النَّفْلِ فَلَا تَنْسَحِبُ نِيَّةُ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا فَلَا تَصِيرُ وَاجِبَةً بَلْ إمَّا نَفْلًا أَوْ فِطْرًا وَلَمَّا كَانَ الْحُكْمُ بِالتَّوَقُّفِ يَحْتَاجُ إلَى مَا يُفِيدُ اعْتِبَارَهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ النَّفَلُ (الْأَصْلُ) فِي الِاعْتِبَارِ (إذَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْوِيهِ مِنْ النَّهَارِ) كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَيَصِيرُ بِهِ صَائِمًا كُلَّ الْيَوْمِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّوَقُّفِ (وَهَذَا) التَّوْجِيهُ بِنَاءً (عَلَى أَنَّهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (صَائِمٌ كُلَّ الْيَوْمِ) وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعِنْدَنَا يَصِيرُ صَائِمًا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةُ قَهْرِ النَّفْسِ وَهُوَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِإِمْسَاكٍ مُقَدَّرٍ فَيُعْتَبَرُ قِرَانُ النِّيَّةِ بِأَكْثَرِهِ انْتَهَى. عَلَى أَنَّهُ إذَا حُكِمَ لَهُ بِصَوْمِ الْبَعْضِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِالصَّوْمِ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا لَوْ نَسِيَ الصَّوْمَ أَوْ غَفَلَ عَنْهُ بَعْدَ نِيَّتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَسْأَلَة لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ (أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ مَا لَمْ يَبْلُغْ) الْمَرْوِيُّ بِكَثْرَتِهِمْ (الشُّهْرَةَ) فَحِينَئِذٍ يَتَرَجَّحُ الْحَدِيثُ الَّذِي بَلَغَ بِكَثْرَتِهِمْ حَدَّ الشُّهْرَةِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ بِكَثْرَتِهِمْ حَدَّهَا وَتَعَرَّضَ لِلشُّهْرَةِ دُونَ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُرَجِّحَةً فَالتَّوَاتُرُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ حَدَّهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّهَا (وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ قَوْلُهُمْ (خِلَافَهُ) أَيْ خِلَافَ قَوْلِهِمَا فَيُرَجَّحُ عِنْدَهُمْ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَرْوِيُّ بِكَثْرَتِهِمْ حَدَّ الشُّهْرَةِ (لَهُمَا تَقَوِّي الشَّيْءَ) أَيْ تَرْجِيحَهُ إنَّمَا يَكُونُ (بِتَابِعٍ) لِذَلِكَ الشَّيْءِ (لَا بِمُسْتَقِلٍّ) أَيْ لَا بِشَيْءٍ مُسْتَقِلٍّ بِالتَّأْثِيرِ إذَا تَقَوِّي الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي ذَاتِهِ وَتَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَأَمَّا مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْصُلُ لِلْغَيْرِ قُوَّةٌ بِانْضِمَامِهِ إلَيْهِ وَكُلٌّ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مُسْتَقِلٌّ بِإِيجَابِ الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ مُرَجِّحًا لِمُوَافِقِهِ (بَلْ يُعَارِضُ) الدَّلِيلَ الْمُنْفَرِدَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ كُلَّ دَلِيلٍ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ كَمَا يُعَارِضُ الدَّلِيلُ الْمَطْلُوبُ تَرْجِيحُهُ مِنْهُمَا إذَا لَيْسَ مُعَارَضَتُهُ لِوَاحِدٍ مِنْهَا بِأَوْلَى مِنْ مُعَارَضَتِهِ لِلْآخَرِ (وَيَسْقُطُ الْكُلُّ) عِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ عِنْدَ عَدَمِهِ (كَالشَّهَادَةِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِإِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ نِصَابِهَا فِيهَا بِزِيَادَةٍ لِإِحْدَاهُمَا فِي الْعَدَدِ عَلَى الْأُخْرَى وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا وَقَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ فِي قَوْلٍ لَهُمَا يَرَيَانِ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ إجْمَاعُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِلَافٌ لِأَحَدٍ مِنْ مُجْتَهِدِيهِ (وَلِدَلَالَةِ إجْمَاعِ سِوَى ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى عَدَمِ تَرْجِيحِ عُصُوبَةِ ابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ) بِأَنْ تَزَوَّجَ عَمُّ إنْسَانٍ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ الْأَبُ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا فَالِابْنُ ابْنُ عَمِّهِ وَأَخُوهُ لِأُمِّهِ (عَلَى ابْنِ عَمٍّ لَيْسَ بِهِ) أَيْ بِأَخٍ لِأُمٍّ فِي الْإِرْثِ مِنْهُ (لِيُحَرِّمَ) ابْنَ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ لِأُمٍّ مَعَ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ (بَلْ يَسْتَحِقُّ) ابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ (بِكُلٍّ) مِنْ كَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ وَكَوْنِهِ أَخًا لِأُمٍّ (مُسْتَقِلًّا) نَصِيبًا مِنْ الْإِرْثِ فَيَسْتَحِقُّ السُّدُسَ بِكَوْنِهِ أَخًا لِأُمٍّ وَنِصْفَ الْبَاقِي بِكَوْنِهِ عَصَبَةً إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا سِوَاهُمَا أَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَذَهَبَ إلَى أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ يَحْجُبُ ابْنَ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ أَخًا لِأُمٍّ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ النَّخَعِيِّ فِي امْرَأَةٍ تَرَكَتْ بَنِي عَمِّهَا أَحَدُهُمْ أَخُوهَا لِأُمِّهَا فَقَضَى فِيهَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ لِأَخِيهَا لِأُمِّهَا السُّدُسَ وَهُوَ شَرِيكُهُمْ بَعْدُ فِي الْمَالِ وَقَضَى فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ الْمَالَ لَهُ دُونَ بَنِي عَمِّهِ (وَالْكُلُّ) أَيْ وَلِدَلَالَةِ إجْمَاعِ الْكُلِّ (فِيهِ) أَيْ فِي ابْنِ عَمٍّ حَالَ كَوْنِهِ (زَوْجًا) أَيْضًا عَلَى عَدَمِ تَرْجِيحِهِ عَلَى ابْنِ عَمٍّ فَقَطْ فِي الْإِرْثِ فَيَكُونُ لِابْنِ الْعَمِّ الزَّوْجِ النِّصْفُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَيَكُونُ النِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِزَوْجٍ إذْ لَوْ كَانَ التَّرْجِيحُ

بِكَثْرَةِ الدَّلِيلِ ثَابِتًا لَكَانَ بِكَثْرَةِ دَلِيلِ الْإِرْثِ ثَابِتًا أَيْضًا، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ وَهَذَا (بِخِلَافِ كَثْرَةٍ) يَكُونُ (بِهَا هَيْئَةً اجْتِمَاعِيَّةً) لِأَجْزَائِهَا (وَالْحُكْمُ وَهُوَ الرُّجْحَانُ مَنُوطٌ بِالْمَجْمُوعِ) مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ لَا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهَا فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ بِهَا عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ (لِحُصُولِ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ لِوَاحِدٍ) فِيهِ قُوَّةٌ زَائِدَةٌ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ (فَلِذَا) أَيْ لِثُبُوتِ التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ الَّتِي لَهَا هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ وَالْحُكْمُ مَنُوطٌ بِمَجْمُوعِهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ (رُجِّحَ) أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ (بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ) أَيْ بِشَهَادَةِ أَصْلَيْنِ أَوْ أُصُولٍ لِوَصْفِهِ الْمَنُوطِ بِهِ الْحُكْمُ عَلَى مُعَارِضِهِ الَّذِي لَيْسَ كَذَلِكَ (فِي) بَابِ تَعَارُضِ (الْقِيَاسِ) ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْأُصُولِ تُوجِبُ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ وَلُزُومٍ لِلْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَحْدُثُ بِهَا فِي نَفْسِ الْوَصْفِ قُوَّةٌ صَالِحَةٌ لِلتَّرْجِيحِ كَالِاشْتِهَارِ فِي السُّنَّةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مُسْتَوْفًى فِي الْقِيَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (بِخِلَافِهِ) أَيْ مَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مَنُوطًا (بِكُلٍّ) لَا بِالْمَجْمُوعِ فَإِنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ ضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَثْرَةَ إنْ أَدَّتْ إلَى حُصُولِ هَيْئَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ هِيَ وَصْفٌ وَاحِدٌ قَوِيُّ الْأَثَرِ صَلَحَتْ لِلتَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَجِّحَ هُوَ الْقُوَّةُ لَا الْكَثْرَةُ غَايَتُهُ أَنَّ الْقُوَّةَ حَصَلَتْ بِالْكَثْرَةِ وَإِلَّا فَلَا (وَأَجَابُوا) أَيْ الْأَكْثَرُ (بِالْفَرْقِ) بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّهَادَةِ مَنُوطٌ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ هُوَ هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ فَالْأَكْثَرِيَّةُ وَالْأَقَلِّيَّةُ فِيهَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ هُوَ تِلْكَ الْهَيْئَةُ فَقَطْ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا بِكُلِّ وَاحِدٍ فَإِنَّ كُلَّ رَاوٍ بِمُفْرَدِهِ يُنَاطُ بِهِ الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ (وَبِأَنَّ الْكَثْرَةَ تُزِيدُ الظَّنَّ بِالْحُكْمِ قُوَّةً) ؛ لِأَنَّ الظَّنَّيْنِ فَصَاعِدًا أَقْوَى مِنْ ظَنٍّ وَاحِدٍ، وَالْعَمَلُ بِالْأَقْوَى وَاجِبٌ (فَيَتَرَجَّحُ) الْحُكْمُ الَّذِي لِمُفِيدِهِ كَثْرَةٌ عَلَى مُعَارِضِهِ الَّذِي لَا كَثْرَةَ لِمُفِيدِهِ وَهَذَا دَلِيلُ الْأَكْثَرِ أَدْمَجَهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ حُجَّتِهِمَا (وَيُدْفَعُ) هَذَا (بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ زِيَادَةِ قُوَّةِ الظَّنِّ بِالْحُكْمِ مُرَجِّحًا لِمُعَارِضِهِ فِي أَصْلِ الظَّنِّ وَبِهِ، وَإِلَّا لَقَدَّمُوا ابْنَ الْعَمِّ الْأَخَ لِأُمٍّ أَوْ الزَّوْجَ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ فَقَطْ، وَبِأَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ يُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِ الْمَدْلُولِ كَانَ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَلَيْسَ الْمَدْلُولُ مُتَعَلِّقًا بِالْجَمِيعِ حَتَّى يَكُونَ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ تَأْثِيرٌ فِي الْقُوَّةِ وَكَوْنُهُ مُوَافِقًا لِدَلِيلٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ لَهُ دَخْلٌ فِي إفَادَةِ قُوَّةٍ فِيهِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِمُخَالَفَتِهِ لِلدَّلِيلِ الْآخَرِ (بِخِلَافِ بُلُوغِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (الشُّهْرَةَ) حَيْثُ يَتَرَجَّحُ بِهِ عَلَى مُعَارِضِهِ مِمَّا هُوَ خَبَرُ وَاحِدٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ فَإِنَّ الرُّجْحَانَ حِينَئِذٍ هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ يَمْنَعُ كَذِبَهُمْ وَقَبْلَ الْبُلُوغِ إلَيْهَا كُلُّ وَاحِدٍ يَجُوزُ كَذِبُهُ (وَقَدْ يُقَالُ:) تَرْجِيحًا لِلتَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ (إنْ لَمْ تُفِدْ كَثْرَةُ الرُّوَاةِ قُوَّةَ الدَّلَالَةِ فَتَجْوِيزُ كَوْنِهِ) أَيْ خَبَرِ مَا رُوَاتُهُ أَقَلُّ (بِحَضْرَةِ كَثِيرٍ لَا) الْخَبَرِ (الْآخَرِ) الْمُعَارِضِ لَهُ الَّذِي رُوَاتُهُ أَكْثَرُ (أَوْ) بِحَضْرَةِ قَوْمٍ (مُتَسَاوِينَ) فِي الْعَدَدِ لِعَدَدِ الْحَاضِرِينَ لِلْخَبَرِ الْآخَرِ الْمُعَارِضِ لَهُ (وَاتَّفَقَ نَقْلُ كَثِيرٍ) فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوَاتُهُ أَقَلُّ (دُونَهُ) أَيْ الْخَبَرِ الَّذِي رُوَاتُهُ أَكْثَرُ (بَلْ جَازَ الْأَكْثَرُ) أَيْ مَا رُوَاتُهُ أَكْثَرُ (بِحَضْرَةِ الْأَقَلِّ) عَدَدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَدِ الْحَاضِرِينَ، لِمَا رُوَاتُهُ أَقَلُّ فَلَا يَلْزَمُ الرُّجْحَانُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ (لَا يَنْفِي قُوَّةَ الثُّبُوتِ) لِمَا رُوَاتُهُ أَكْثَرُ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّجْوِيزُ الْمَذْكُورُ (مُعَارَضٌ بِضِدِّهِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ الَّذِي رُوَاتُهُ أَكْثَرُ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِمَّنْ حَضَرَ مَا رُوَاتُهُ أَقَلُّ (فَيَسْقُطَانِ) أَيْ التَّجْوِيزَانِ الْمَذْكُورَانِ (وَيَبْقَى مُجَرَّدُ كَثْرَةٍ تُفِيدُ قُوَّةَ الثُّبُوتِ) الْمُوجِبَةِ لِزِيَادَةِ الظَّنِّ وَهُوَ مَعْنَى الرُّجْحَانِ (بِخِلَافِ ثُبُوتِ جِهَتَيْ الْعُصُوبَةِ وَمَا مَعَهَا) مِنْ الْأُخُوَّةِ لِأُمٍّ أَوْ الزَّوْجِيَّةِ (عَنْ الشَّارِعِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ) فِي الثُّبُوتِ قُلْت عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ تَرْجِيحِ ابْنِ الْعَمِّ الزَّوْجِ وَإِجْمَاعِ مَنْ سِوَى ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى عَدَمِ تَرْجِيحِ ابْنِ الْعَمِّ الْأَخِ لِأُمٍّ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ فَقَطْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ أَنْ لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِيَّةِ وَالْأُخُوَّةِ لِأُمٍّ يَقْتَضِي ابْتِدَاءَ إرْثِ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا انْفَرَدَتْ فَتَتَوَارَدُ الْأَدِلَّةُ الْمُتَّحِدَةُ الْمُوجَبِ عَلَى مَوْرِدٍ وَاحِدٍ عَارَضَهَا فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ آخَرُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ يَقْتَضِي مُقْتَضَاهَا ثَمَّةَ، ثُمَّ لَمْ يَتَرَجَّحْ مُقْتَضِي تِلْكَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ عَلَى مُقْتَضِي هَذَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَ

فصل يلحق السمعيين الكتاب والسنة

لَيْسَ كَذَلِكَ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ مُوجِبَ الْعُصُوبَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ إذَا انْفَرَدَتْ اسْتِحْقَاقُ جَمِيعِ الْمَالِ وَمُوجِبُ الزَّوْجِيَّةِ إذَا انْفَرَدَتْ اسْتِحْقَاقُ النِّصْفِ لَا غَيْرُ وَمُوجِبُ الْأُخُوَّةِ لِأُمٍّ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ إذَا انْفَرَدَتْ اسْتِحْقَاقُ السُّدُسِ لَا غَيْرُ وَقَدْ أُعْطِيَ كُلٌّ مِنْ هَاتَيْنِ مُقْتَضَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً فَلْيُتَأَمَّلْ، وَأَمَّا وَجْهُ انْدِفَاعِ مَا وَجَّهَ بِهِ قَوْلَ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي قَرَابَةِ الْأَبِ وَقَدْ تَرَجَّحَتْ قَرَابَةُ الْأَخِ لِأُمٍّ بِانْضِمَامِ قَرَابَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَتَرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ جِنْسِهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ وَالْأُخُوَّةُ لِأُمٍّ كَذَلِكَ لِكَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الْعُمُومَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا قَرَابَةً مِثْلَهَا لَكِنَّهَا لَا تَسْتَبِدُّ بِالتَّعْصِيبِ فَيَكُونُ مِثْلَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ بِخِلَافِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْقَرَابَةِ فَلَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ فَهُوَ مَنَعَ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِأُمٍّ مِنْ جِنْسِ الْعُمُومَةِ بَلْ هِيَ أَقْرَبُ وَلِذَا يَكُونُ اسْتِحْقَاقُ ابْنِ الْعَمِّ بِالْعُصُوبَةِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْأَخِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهَا فَلَا يَكُونُ مُرَجِّحًا بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ فَإِنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَتَأَكَّدُ بِانْضِمَامِ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ وَصْفٍ تَابِعٍ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِأَبٍ وَالْإِخْوَةُ لِأُمٍّ لَمْ تَصْلُحْ أُخْوَةُ الْأُمِّ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ بِالْفَرْضِيَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ قَرَابَةُ الْأَبِ وَأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ وَصْفٌ لِقَرَابَةِ الْأَبِ تَابِعٌ لَهَا تَرَجَّحَتْ بِهِ قَرَابَةُ الْأَبِ فِي الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ لِلِاسْتِوَاءِ فِي الْمَنْزِلَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ يَلْحَقُ السَّمْعِيَّيْنِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ] (فَصْلٌ يَلْحَقُ السَّمْعِيَّيْنِ) الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ (الْبَيَانُ الْإِظْهَارُ لُغَةً) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] أَيْ إظْهَارَ مَعَانِيهِ وَشَرَائِعِهِ (وَاصْطِلَاحًا إظْهَارُ الْمُرَادِ) مِنْ لَفْظٍ مَتْلُوٍّ وَمُرَادِفٍ لَهُ (بِسَمْعِيٍّ) مَتْلُوٍّ أَوْ مَرْوِيٍّ (غَيْرِ مَا) أَيْ اللَّفْظِ الَّذِي (بِهِ) كَانَ أَدَاءُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَهُوَ اللَّفْظُ السَّابِقُ عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَخَرَجَتْ النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ ابْتِدَاءً وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْبَيَانَ عَلَى هَذَا فِعْلُ الْمُبَيِّنِ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ (وَيُقَالُ) الْبَيَانُ أَيْضًا (لِظُهُورِهِ) أَيْ الْمُرَادُ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الدَّلِيلِ وَمُتَعَلِّقِهِ يُقَالُ بِأَنَّ الْأَمْرَ وَالْهِلَالَ إذَا ظَهَرَ وَانْكَشَفَ وَنَسَبَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَاخْتِيَارُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ تَعْرِيفُ الدَّقَّاقِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ بِالْعِلْمِ الَّذِي يَتَبَيَّنُ بِهِ الْمَعْلُومُ إلَّا أَنَّهُ مَخْدُوشٌ بِأَنَّ أَثَرَ الدَّلِيلِ قَدْ يَكُونُ ظَنِّيًّا لِكَوْنِ الدَّلِيلِ ظَنِّيًّا فَلَا يَكُونُ جَامِعًا (وَ) يُقَالُ أَيْضًا (لِلدَّالِ عَلَى الْمُرَادِ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْبَيَانَ عَلَى هَذَا اسْمٌ لِلدَّلِيلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ إدْرَاكُ الْمُرَادِ بِمَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ فَعَلَى هَذَا كُلُّ مُفِيدٍ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ وَفِعْلِهِ وَتَقْرِيرِهِ وَسُكُوتِهِ وَاسْتِبْشَارِهِ وَتَنْبِيهِهِ بِالْفَحْوَى عَلَى الْحُكْمِ بَيَانٌ لَا جَمِيعُ ذَلِكَ دَلِيلٌ، وَإِذَا كَانَ بَعْضُهَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَبَعْضُهَا غَلَبَةَ الظَّنِّ ظَهَرَ أَنَّ تَعْرِيفَهُ بِالدَّلِيلِ الْمُوَصِّلِ بِصَحِيحِ النَّظَرِ إلَى اكْتِسَابِ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ غَيْرُ جَامِعٍ أَيْضًا كَتَعْرِيفِ الدَّقَّاقِ. ثُمَّ عَزَا صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ هَذَا إلَى أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْحَنَفِيَّةِ زِيَادَةُ أَوْ) إظْهَارُ (انْتِهَائِهِ) أَيْ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظٍ سَابِقٍ مَتْلُوٍّ أَوْ مَرْوِيٍّ (أَوْ رَفْعُ احْتِمَالٍ) لِإِرَادَةِ غَيْرِهِ وَتَخْصِيصِهِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُرَادِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ نَحْوَ بِجَنَاحَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] فَإِنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ التَّجَوُّزِ بِالطَّائِرِ عَنْ سَرِيعِ الْحَرَكَةِ فِي السَّيْرِ كَالْبَرِيدِ وَالتَّأْكِيدِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] فَإِنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ احْتِمَالِ الْمَلَائِكَةِ التَّخْصِيصَ (لِأَنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ إلَّا الْقَاضِي أَبَا زَيْدٍ (قَسَّمُوهُ) أَيْ الْبَيَانَ (إلَى خَمْسَةٍ) مِنْ الْأَقْسَامِ وَهُوَ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (بَيَانُ تَبْدِيلٍ سَيَأْتِي) وَهُوَ النَّسْخُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ بَلْ بَيَانُ انْتِهَاءِ إرَادَةِ الْمُرَادِ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَسْقَطَهُ أَبُو زَيْدٍ وَوَافَقَهُ عَلَى إسْقَاطِهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَّا أَنَّهُ وَافَقَهُمْ عَلَى أَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَسَنَذْكُرُ مَا هُوَ الْخَامِسُ عِنْدَهُ (وَ) بَيَانُ (تَقْرِيرٍ وَهُوَ التَّأْكِيدُ) وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ رَفْعَ احْتِمَالِ غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْ الْمُبَيَّنِ (وَقِسْمُ الشَّيْءِ مِنْ مَا صَدَقَاتِهِ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُنْتَفٍ) وَإِذَا كَانَ مُنْتَفِيًا وَلَزِمَ كَوْنُ الْقِسْمِ الْمُسَمَّى بِبَيَانِ التَّقْرِيرِ مِنْ أَقْسَامِهِ (فَلَزِمَ ذَلِكَ) أَيْ زِيَادَةٌ

أَوْ رَفْعُ احْتِمَالٍ عَنْهُ، وَهَذَا يَجُوزُ مَفْصُولًا وَمَوْصُولًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مُقَرِّرٌ لِلظَّاهِرِ وَمُوَافِقٌ لَهُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّأْكِيدِ بِالِاتِّصَالِ (وَ) بَيَانُ (تَغْيِيرٍ كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَتَقَدَّمَا) فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (إلَّا أَنَّ تَغْيِيرَ الشَّرْطِ مِنْ إيجَابِ الْمُعَلِّقِ فِي الْحَالِ) أَيْ وُقُوعِهِ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ بِتَأْخِيرِهِ نِسْبَتَهُ (إلَى) زَمَانِ (وُجُودِهِ) أَيْ الشَّرْطِ (وَ) تَغْيِيرُ (الِاسْتِثْنَاءِ) مِنْ إيجَابِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (إلَى عَدَمِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِلْمُسْتَثْنَى أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا وَجْهُ تَسْمِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَيَانٌ وَتَغْيِيرٌ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَيْنَ الْمُرَادِ مِنْ مَدْخُولِهِمَا بَيَانٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيَّرَ مَا كَانَ مَفْهُومًا لِلسَّامِعِ مِنْ إطْلَاقِ مَدْخُولِهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهِمَا تَغْيِيرٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ جَمِيعُ مُتَعَلِّقَاتِ الْفِعْلِ مِنْ قَبِيلِ بَيَانِ التَّغْيِيرِ لِتَأَتِّي هَذَا الِاعْتِبَارِ فِيهَا (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (فَرَّقُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (بَيْنَ تَعَلُّقِهِ) أَيْ الشَّرْطِ (بِمَضْمُونِ الْجُمَلِ لِمُتَعَقِّبِهَا وَعَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ تَعَلُّقِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَضْمُونِ الْجُمَلِ لِمُتَعَقِّبِهَا (فِي الِاسْتِثْنَاءِ) بَلْ بِالْأَخِيرَةِ فَقَطْ (تَقْلِيلًا لِلْإِبْطَالِ مَا أَمْكَنَ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَفِي صَرْفِهِ إلَى الْأَخِيرَةِ قَضَاءٌ لِحَقِّهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا سِوَاهَا أَيْضًا إلَّا لِمُوجِبٍ وَوَافَقَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَخْرَ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانُ تَغْيِيرٍ وَجَعَلَ التَّعْلِيقَ بَيَانَ التَّبْدِيلِ كَأَبِي زَيْدٍ (وَيَمْتَنِعُ تَرَاخِيهِمَا) أَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ. (وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الِاسْتِثْنَاءِ) بِجَوَازِ تَرَاخِيهِ عَلَى خِلَافٍ فِي مِقْدَارِهِ، وَوَجَّهَهُ وَدَفَعَهُ (وَمِنْهُ) أَيْ بَيَانِ التَّغْيِيرِ (تَخْصِيصُ الْعَامِّ وَتَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَيِّنٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ جَارٍ عَلَى عُمُومِهِ وَإِطْلَاقِهِ وَلَزِمَ مِنْهُ تَغْيِيرُ كُلٍّ عَمَّا هُوَ الْمُتَبَادَرُ لِسَامِعِهِ مِنْ الشُّمُولِ لِسَائِرِ أَفْرَادِهِ (وَتَقَدَّمَا) فِي بَحْثِ الْعُمُومِ وَالتَّخْصِيصِ فَيُعْطَيَانِ حُكْمَ بَيَانِ التَّغْيِيرِ مِنْ امْتِنَاعِ التَّرَاخِي وَقَدْ سَلَف ثَمَّتْ بَيَانُهُ مُوَجَّهًا (وَيَجِبُ مِثْلُهُ) أَيْ امْتِنَاعِ التَّرَاخِي (فِي صَرْفِ كُلِّ ظَاهِرٍ) عَنْ ظَاهِرِهِ دَفْعًا لِلُّزُومِ اللَّازِمِ الْبَاطِلِ وَهُوَ طَلَبُ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ وَالْإِيقَاعِ فِي خِلَافِ الْوَاقِعِ بِذَلِكَ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ أَدْنَى حَالِ الصَّارِفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَصْرُوفِ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ كَالْمُخَصَّصِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِّ (وَعَلَى الْجَوَازِ) لِتَأْخِيرِ بَيَانِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ عَنْهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ جَوَازُ تَأْخِيرِ صَرْفِ كُلِّ ظَاهِرٍ عَنْ ظَاهِرِهِ أَنْ يُقَالَ: (تَأْخِيرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَبْلِيغُ الْحُكْمِ) الشَّرْعِيِّ الْمَأْمُورِ بِتَبْلِيغِهِ الْمُكَلَّفِينَ (إلَى) وَقْتِ (الْحَاجَةِ) إلَيْهِ وَهُوَ وَقْتُ تَنْجِيزِ التَّكْلِيفِ (أَجْوَزُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي تَأْخِيرِ تَبْلِيغِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي فِي تَأْخِيرِ بَيَانِ مُخَصِّصِ الْعَامِّ عَنْهُ إذْ لَا تَكْلِيفَ قَبْلَ التَّبْلِيغِ، وَإِذَا جَازَ التَّأْخِيرُ مَعَ وُجُودِ التَّكْلِيفِ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى (وَعَلَى الْمَنْعِ) لِتَأْخِيرِ بَيَانِ مُخَصِّصِ الْعَامِّ عَنْهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمَنْعُ لِتَأْخِيرِهِ (الْمُخْتَارُ لِلْحَنَفِيَّةِ) أَيْ لِمَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ يُجَوِّزُ تَأْخِيرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبْلِيغَ الْحُكْمِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ أَيْضًا (إذْ لَا يَلْزَمُ) فِيهِ (مَا تَقَدَّمَ) مِنْ الْمَانِعِ الْمَذْكُورِ فِي مَبَاحِثِ التَّخْصِيصِ وَهُوَ الْإِيقَاعُ فِي خِلَافِ الْوَاقِعِ وَمَطْلُوبِيَّةُ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ بَلْ هُوَ مُنْتَفٍ فِيهِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّبْلِيغِ مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ ضَرُورَةً فَلَا فَائِدَةَ لِلْأَمْرِ بِهِ إلَّا الْفَوْرُ قُلْنَا: لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَّغَ مَا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ مِمَّا أُنْزِلَ إلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُرَادُ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ إلَيْهِ فَقَدْ كَذَبَ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى الْفَوْرِ (وَكَوْنُ أَمْرِ التَّبْلِيغِ) أَمْرًا إيجَابِيًّا (فَوْرِيًّا مَمْنُوعٌ) لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ فَائِدَتُهُ تَقْوِيَةَ الْعَقْلِ بِالنَّقْلِ (وَلَعَلَّهُ) أَيْ التَّبْلِيغُ (وَجَبَ لِمَصْلَحَةٍ) لَمْ تَفُتْ بِتَأْخِيرِهِ إذَا لَمْ يَأْتِ وَقْتُهَا وَعُلِمَ ذَلِكَ وَحْيًا أَوْ اجْتِهَادًا (وَأَيْضًا) لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ وَالْفَوْرِ فَنَقُولُ (ظَاهِرُهُ) أَيْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ (لِلْقُرْآنِ) ؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ لِلْفَهْمِ مِنْ لَفْظِ الْمُنَزَّلِ وَهَذَا يُفِيدُ الْمَنْعَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا إلَيْهِ مَيْلُ كَلَامِ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيِّ وَقَدْ يُقَالُ: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَبْلِيغِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ؟ وَيُجَابُ التَّعَبُّدُ بِتِلَاوَتِهِ وَلَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ: الْقُرْآنُ يَشْتَمِلُ عَلَى آيَاتٍ تَتَضَمَّنُ الْأَحْكَامَ فَإِذَا وَجَبَ تَبْلِيغُهُ

عَلَى الْفَوْرِ وَجَبَ تَبْلِيغُ أَحْكَامِهَا وَإِذَا وَجَبَ ذَلِكَ وَجَبَ تَبْلِيغُ الْأَحْكَامِ مُطْلَقًا إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ وَإِلَّا شَبَّهَ كَمَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يُوجِبُ تَبْلِيغَ كُلِّ مَا أُنْزِلَ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ تَبْلِيغُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ الْعِبَادِ وَقَصَدَ بِإِنْزَالِهِ اطِّلَاعَهُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّ مِنْ الْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ مَا يَحْرُمُ إفْشَاؤُهُ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَتْ فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ عَنْهُ وَمَا سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَفْرِيعِهَا عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُخَصَّصِ عَنْهُ الَّذِي هُوَ مِنْ بَيَانِ التَّغْيِيرِ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ جَوَازُ تَأْخِيرِ التَّبْلِيغِ أَجْوَزَ مِنْ جَوَازِ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ عَنْهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي عَدَمِ الْمَانِعِ، وَالْفَرْضُ دَعْوَى الْأَجْوَزِيَّةِ بِخِلَافِهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي فَلْيُتَأَمَّلْ (مَسْأَلَةٌ وَالْأَكْثَرُ) وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (يَجِبُ زِيَادَةُ قُوَّةِ الْمُبَيِّنِ لِلظَّاهِرِ) عَلَيْهِ (وَالْحَنَفِيَّةُ تُجَوِّزُ الْمُسَاوَاةَ) بَيْنَهُمَا فِي الْقُوَّةِ (وَدُفِعَ بِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ الْمُبَيِّنِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الرَّاجِحِ) مَعَ الْمَرْجُوحِ (لِتَقَدُّمِهِ) أَيْ الرَّاجِحِ عَلَى الْمَرْجُوحِ (فِي الْمُعَارَضَةِ وَيُدْفَعُ) هَذَا الدَّفْعُ (بِأَنَّ مُرَادَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ الْمُسَاوَاةُ (فِي الثُّبُوتِ لَا الدَّلَالَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَوَّلَ مُبَيِّنٌ) وَعَدَمُ الْأَوْلَوِيَّةِ فِي الْمَعْنَى إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُسَاوَاةِ فِي الدَّلَالَةِ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ وَيَجُوزُ بِالْأَدْنَى أَيْضًا فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إلْغَاءُ الرَّاجِحِ بِالْمَرْجُوحِ (وَ) بَيَانُ (تَفْسِيرٍ وَهُوَ بَيَانُ الْمُجْمَلِ) بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَا فِيهِ خَفَاءٌ فَيَعُمُّ بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ الْخَفِيَّ وَالْمُشْتَرَكَ وَالْمُشْكِلَ وَالْمُجْمَلَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ (وَيَجُوزُ) بَيَانُ التَّفْسِيرِ (بِأَضْعَفِ) دَلَالَةٍ (إذْ لَا تَعَارُضَ) بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْبَيَانِ (لِيَتَرَجَّحَ) الْبَيَانُ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ إلْغَاءُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ (وَ) يَجُوزُ (تَرَاخِيهِ) أَيْ بَيَانِ الْمُجْمَلِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِهِ (إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى الْفِعْلِ وَهُوَ وَقْتُ تَعْلِيقِ التَّكْلِيفِ) بِالْفِعْلِ (مُضَيَّقًا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي غَالِبِ الْمُتَأَخِّرِينَ. (وَعَنْ الْحَنَابِلَةِ وَالصَّيْرَفِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَالْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ) وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ كَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ (مَنْعُهُ) أَيْ مَنْعُ تَرَاخِيهِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِهِ إلَّا أَنَّ الْإسْفَرايِينِيّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ نَزَلَ ضَيْفًا عَلَى الصَّيْرَفِيِّ فَنَاظَرَهُ فِي هَذَا فَرَجَعَ إلَى الْجَوَازِ (لَنَا لَا مَانِعَ عَقْلًا) مِنْ جَوَازِهِ (وَوَقَعَ شَرْعًا كَآيَتَيْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) أَيْ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (، ثُمَّ بَيَّنَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الْأَفْعَالَ) لِلصَّلَاةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (وَالْمَقَادِيرَ) لِلزَّكَاةِ كَمَا فِي كُتُبَ الصَّدَقَاتِ كَكِتَابِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَكِتَابِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَكِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهَا (أَمَّا) تَرَاخِي بَيَانِ الْمُجْمَلِ (عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ فَيَجُوزُ) عَقْلًا (عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ) وَهُمْ الْأَشَاعِرَةُ (لَكِنَّهُ) أَيْ تَرَاخِيهِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ (غَيْرُ وَاقِعٍ) شَرْعًا وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ فَلَا يَجُوزُ هَذَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِهِ. ثُمَّ قَالَ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ لَا مَانِعَ عَقْلًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُجْمَلَ (قَبْلَ الْبَيَانِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا) عَلَى الْمُكَلَّفِ مِمَّا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مِنْهُ بَلْ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ حَقِيقَةِ الْمُرَادِ مِنْهُ لَا غَيْرُ حَتَّى يَلْحَقَهُ الْبَيَانُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مَا أَظْهَرَ الْبَيَانُ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُ (فَلَمْ يَحْكُمْ) الشَّارِعُ عَلَيْهِ (بِوُجُوبٍ مَا لَمْ يَعْلَمْ) الْمُكَلَّفُ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ (بِحَيْثُ) إذَا لَمْ يَفْعَلْ الْمُكَلَّفُ ذَلِكَ (يُعَاقَبُ بِعَدَمِ الْفِعْلِ) فَانْتَفَى وَجْهُ الْمَانِعِينَ لَهُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخِطَابِ إيجَابُ الْعَمَلِ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْفَهْمِ وَالْفَهْمُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ الْبَيَانِ فَلَوْ جَازَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ أَدَّى إلَى تَكْلِيفِ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ (وَبِهِ) أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا قَبْلَ الْبَيَانِ (انْدَفَعَ قَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ لَهُ تَأْخِيرَ بَيَانِ الْمُجْمَلِ (يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ الْمُخِلِّ بِفِعْلِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ) فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْجَهْلَ بِصِفَةِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ صِفَتَهَا إنَّمَا تُعْلَمُ بِالْبَيَانِ وَلَا بَيَانَ وَالْجَهْلُ بِصِفَةِ الشَّيْءِ يُخِلُّ بِفِعْلِهِ فِي وَقْتِهِ. وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ وَقْتَ الْعِبَادَةِ وَقْتُ بَيَانِ صِفَتِهَا فَلَا يَخِلُّ بِفِعْلِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ لِانْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ بِإِيقَاعِهِ قَبْلَ بَيَانِهِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ لَهُ أَيْضًا: لَوْ جَازَ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ لَكَانَ الْخِطَابُ بِالْمُجْمَلِ

مسألة ويكون البيان بالفعل كالقول

(كَالْخِطَابِ بِالْمُهْمَلِ) فَيَلْزَمُ جَوَازَ الْخِطَابِ بِهِ وَجَوَازُ تَأْخِيرِ بَيَانِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ الْإِفَادَةِ فِي الْحَالِ وَالْإِفَادَةِ عِنْدَ الْبَيَانِ وَاللَّازِمُ بَاطِلُ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (مُهْمَلٌ) إذْ فِي الْمُجْمَلِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُ مُحْتَمَلَاتِهِ أَوْ مَعْنًى مَا فَيُطِيعُ أَوْ يَعْصِي بِالْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ إذْ بَيْنَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ فَوَائِدِ التَّكْلِيفِ بِخِلَافِ الْمُهْمَلِ فَإِنَّهُ يُعْرَفُ أَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى أَصْلًا. (وَمَا قِيلَ:) أَيْ وَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ (جَوَازُ تَأْخِيرِ إسْمَاعِ الْمُخَصَّصِ) لِلْعَامِّ الْمُكَلَّفِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الْعُمُومِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ (أَوْلَى) بِالْجَوَازِ (مِنْ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ) إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ (لِأَنَّ عَدَمَ الْإِسْمَاعِ) أَيْ إسْمَاعِ الْمُكَلَّفِ الْمُخَصِّصِ لِلْعَامِّ مَعَ وُجُودِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (أَسْهَلُ مِنْ الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ لِإِمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْمُخَصِّصِ الْمَذْكُورِ وَعَدَمِ إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَيَانِ الْمُجْمَلِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا إلْزَامِيًّا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْمُجِيزِينَ لِتَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِهِ دُونَ تَرَاخِي التَّخْصِيصِ فَيُقَالُ: إذَا جَازَ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ بِمُوَافَقَتِكُمْ فَيَلْزَمُكُمْ جَوَازُ تَأْخِيرِ بَيَانِ التَّخْصِيصِ بِأَوْلَى، ثُمَّ مَا قِيلَ: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ غَيْرُ مُجْمَلٍ فَلَا يَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِهِ) قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى مُخَصِّصٍ بِهِ (فَقَدْ يُعْمَلُ بِهِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ عُمُومَهُ مُرَادٌ (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ عُمُومَهُ (غَيْرُ مُرَادٍ بِخِلَافِ الْمُجْمَلِ) فَإِنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ قَبْلَ الْبَيَانِ (فَلَا يَسْتَلْزِمُ تَأْخِيرَ بَيَانِهِ مَحْذُورًا) وَهُوَ الْعَمَلُ بِمَا هُوَ غَيْرُ مُرَادٍ بِهِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ (فِي الْمُخَصِّصِ) فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ كَمَا بَيَّنَّا. (ثُمَّ تَمْنَعُ الْأَوْلَوِيَّةُ) أَيْ كَوْنَ تَأْخِيرِ إسْمَاعِ الْمُخَصَّصِ بِالْجَوَازِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ (بَلْ كُلٌّ مِنْ الْعَامِّ وَالْمُجْمَلِ أُرِيدَ بِهِ مُعَيَّنٌ آخَرُ ذُكِرَ دَالُّهُ فَقُبِلَ ذِكْرُهُ) أَيْ دَالِّهِ (هُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ (مَعْدُومٌ إلَّا فِي الْإِرَادَةِ) أَيْ إلَّا فِي جَوَازِ كَوْنِهِ الْمُرَادَ مِنْ اللَّفْظِ (فَهُمَا) أَيْ الْمُجْمَلُ وَالْعَامُّ (فِيهَا) أَيْ فِي الْإِرَادَةِ (سَوَاءٌ) . [مَسْأَلَة وَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ كَالْقَوْلِ] (مَسْأَلَةٌ وَيَكُونُ) الْبَيَانُ (بِالْفِعْلِ كَالْقَوْلِ إلَّا عِنْدَ شُذُوذٍ لَنَا يُفْهِمُ أَنَّهُ) أَيْ الْفِعْلُ الصَّالِحُ لِكَوْنِهِ مُرَادًا مِنْ الْقَوْلِ هُوَ (الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ) الْمُجْمَلِ (بِفِعْلِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلِ (عَقِيبَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقَوْلِ الْمُجْمَلِ (فَصَلَحَ) الْفِعْلُ (بَيَانًا بَلْ هُوَ) أَيْ الْفِعْلُ (أَدَلُّ) عَلَى بَيَانِهِ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْهُ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ» ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَزَادَ فِيهِ «فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَمَّا صَنَعَ قَوْمُهُ مِنْ بَعْدِهِ فَلَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ أَلْقَى الْأَلْوَاحَ» وَقَدْ صَارَ هَذَا الْقَوْلُ مَثَلًا (وَبِهِ) أَيْ بِالْفِعْلِ (بَيَّنَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ) لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ اسْتِقْرَاءُ بَعْضِ الْمَشَاهِيرِ مِنْ دَوَاوِينِ السُّنَّةِ (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ لَمْ يُبَيِّنْهُمَا بِالْفِعْلِ (بَلْ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» «وَخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقِ فِي أَفْعَالِهِ الْجِبِلِّيَّةِ الْإِبَاحَةُ لَنَا وَلَهُ (أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا) أَيْ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (دَلِيلَا كَوْنِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (بَيَانًا) لَا أَنَّهُ هُوَ الْبَيَانُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى تَعْرِيفِهِمَا (وَهَذَا) الْجَوَابُ (يَنْفِي الدَّلِيلَ الْأَوَّلَ) وَهُوَ اقْتِضَاءُ فَهْمِ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُوقَعَ بَعْدَ الْقَوْلِ الْمُجْمَلِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَيْ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُثْبِتًا لِلْمُدَّعَى (إذْ يُفِيدُ) هَذَا (أَنَّ كَوْنَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (بَيَانًا) إنَّمَا عُرِفَ (بِالشَّرْعِ وَبِهِ) أَيْ بِالشَّرْعِ (كِفَايَةٌ) فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الْفِعْلِ بَيَانًا (فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ: صَلُّوا وَخُذُوا إلَى آخِرِهِمَا (لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ) فَإِنَّ الْبَيَانَ حَصَلَ لَهُمْ بِلَا شَكٍّ بِمُبَاشَرَةِ تِلْكَ الْأَفْعَالِ بِحَضْرَتِهِمْ عَلَى أَنَّهَا أَفْعَالُ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ فَقَوْلُهُ: صَلُّوا وَخُذُوا تَأْكِيدٌ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ لِلْبَيَانِ بِالْفِعْلِ (الْفِعْلُ أَطْوَلُ) مِنْ الْقَوْلِ زَمَانًا (فَيَلْزَمُ تَأْخِيرُهُ) أَيْ الْبَيَانِ بِهِ (مَعَ إمْكَانِ تَعْجِيلِهِ) بِالْقَوْلِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِرٍ (مَمْنُوعُ الْأَطْوَلِيَّةِ) إذْ قَدْ يَطُولُ الْبَيَانُ بِالْقَوْلِ أَكْثَرَ مِمَّا يَطُولُ بِالْفِعْلِ وَمَا فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْهَيْئَاتِ وَالْأَجْزَاءِ لَوْ بُيِّنَ بِالْقَوْلِ رُبَّمَا اسْتَدْعَى زَمَانًا أَكْثَرَ مِمَّا يُصَلِّيهِمَا فِيهِ (وَ) مَمْنُوعٌ (بُطْلَانُ اللَّازِمِ) أَيْ لُزُومِ التَّأْخِيرِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ إمْكَانِ تَعْجِيلِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ مَعَ إمْكَانِ تَعْجِيلِهِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الْحَاجَةِ مُمْكِنًا وَالْفَرْضُ أَنَّ التَّأْخِيرَ حِينَئِذٍ جَائِزٌ فَلَا يَلْزَمُ تَعْجِيلُهُ، ثُمَّ الْمَمْنُوعُ

هُوَ التَّأْخِيرُ الْمُفَوِّتُ عَنْ الْوَقْتِ الْمُضَيَّقِ فِيهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ الْمَفْرُوضُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْبَيَانِ بِالْفِعْلِ فِي زَمَانٍ بِحَيْثُ يَمْضِي مِنْهُ الْوَقْتُ الْمُضَيَّقِ فِيهِ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْبَيَانِ بِإِتْمَامِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْمُبَيَّنِ (فَلَوْ تَعَاقَبَا) أَيْ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ الصَّالِحُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ بَيَانًا (وَعُلِمَ الْمُتَقَدِّمُ فَهُوَ) أَيْ الْمُتَقَدِّمُ الْبَيَانُ قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا لِحُصُولِهِ بِهِ وَالثَّانِي تَأْكِيدٌ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُتَقَدِّمُ (فَأَحَدُهُمَا) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ هُوَ الْبَيَانُ أَيْ يُقْضَى بِحُصُولِ الْبَيَانِ بِوَاحِدٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالثَّانِي تَأْكِيدٌ. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ الْأَرْجَحُ مِنْهُمَا لِلتَّأَخُّرِ، وَالْمَرْجُوحُ لِلْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ تَأْكِيدٌ وَالْمَرْجُوحُ لَا يَكُونُ تَأْكِيدًا لِلرَّاجِحِ لِامْتِنَاعِ تَرْجِيحِ الشَّيْءِ بِمَا دُونَهُ فِي الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَكِّدَ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَلَى الزِّيَادَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي الْمُفْرَدَاتِ كَ جَاءَنِي الْقَوْمُ كُلُّهُمْ أَمَّا الْمُؤَكِّدُ الْمُسْتَقْبَلُ يَعْنِي: مَا لَا يُتَوَقَّفُ فِي كَوْنِهِ بَيَانًا عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَابِعًا فِي الدَّلَالَةِ لِلرَّاجِحِ حَتَّى لَوْ جُعِلَ تَأْكِيدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ وَمِنْ ثَمَّةَ تُذْكَرُ الْجُمَلُ بَعْضُهَا بَعْدَ بَعْضٍ لِلتَّأْكِيدِ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَضْعَفَ مِنْ الْأُولَى لَوْ اسْتَقَلَّتْ؛ لِأَنَّهَا بِانْضِمَامِهَا إلَيْهَا تُفِيدُهَا تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا لِمَضْمُونِهَا فِي النَّفْسِ زِيَادَةَ تَقْرِيرٍ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا اتَّفَقَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ (فَإِنْ تَعَارَضَا) قَالُوا كَمَا لَوْ طَافَ بَعْدَ آيَةِ الْحَجِّ طَوَافَيْنِ وَأُمِرَ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ وَقَدْ وَرَدَ كِلَاهُمَا «فَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ رُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ (فَالْمُخْتَارُ) وِفَاقًا لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعِهِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْبَيَانَ هُوَ (الْقَوْلُ) ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ بِنَفْسِهِ وَالْفِعْلُ لَا يَدُلُّ إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ قَصْدِهِ أَوْ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْفِعْلَ بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ أَوْ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ الْمُجْمَلَ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَى الْعَمَلِ بِهِ، ثُمَّ يَفْعَلَ فِعْلًا صَالِحًا أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لَهُ وَلَا يَفْعَلَ شَيْئًا آخَرَ وَمَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فِي الدَّلَالَةِ أَوْلَى مِمَّا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى غَيْرِهِ وَقَدْ أُورِدَتْ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ أَدَلُّ مِنْ الْقَوْلِ أَنْ يُقَدَّمَ الْفِعْلُ عَلَى الْقَوْلِ. فَأَجَابَ أَنَّ مَعْنَى أَدِلِّيَّتِهِ أَنَّ الْفِعْلَ الْجُزْئِيَّ الْمَوْجُودَ فِي الْخَارِجِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَا أَنَّهُ بِهَيْئَاتِهِ أَدَلُّ عَلَى كَوْنِهِ الْمُرَادَ بِالْمُجْمَلِ مِنْ دَلَالَةِ الْقَوْلِ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ فَإِنَّ الِاسْتِقْرَاءَ يُفِيدُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْمُجْمَلِ تَشْتَمِلُ عَلَى هَيْئَاتٍ غَيْرِ مُرَادَةٍ مِنْ الْمُجْمَلِ وَهَذَا لَيْسَ فِي الْقَوْلِ، ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْقَوْلُ إنْ قُلْنَا الْفِعْلُ هُوَ الْبَيَانُ لَا الْقَوْلُ، ثُمَّ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّائِدُ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ كَالطَّوَافِ الثَّانِي نَدْبٌ أَوْ وَاجِبٌ فِي حَقِّهِ دُونَ أُمَّتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْآمِدِيُّ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فَهُوَ الْمُبَيِّنُ وَإِنْ تَأَخَّرَ فَالْفِعْلُ الْمُتَقَدِّمُ مُبَيِّنٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الطَّوَافَانِ وَالْقَوْلُ الْمُتَأَخِّرُ مُبَيِّنٌ فِي حَقِّنَا حَتَّى يَكُونَ الْوَاجِبُ عَلَيْنَا طَوَافًا وَاحِدًا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ (وَقَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ) الْبَيَانُ هُوَ (الْمُتَقَدِّمُ) مِنْهُمَا قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا لَوْ كَانَ) الْمُتَقَدِّمُ (الْفِعْلَ) فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ إذَا كَانَ طَوَافَيْنِ فَقَدْ وَجَبَا عَلَيْنَا فَإِذَا أَمَرَ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ فَقَدْ نَسَخَ أَحَدَ الطَّوَافَيْنِ عَنَّا وَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا اسْتَلْزَمَ النَّسْخَ بِلَا مُلْزِمٍ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِأَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ هُوَ الْبَيَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُتَقَدِّمُ الْقَوْلَ فَإِنَّ حُكْمَ الْفِعْلِ كَمَا سَبَقَ. قُلْت: وَقَدْ ذَهَلَ الْإِسْنَوِيُّ فَجَعَلَ هَذَا بِعَيْنِهِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَمُوَافِقِيهِ فَتَنَبَّهْ لَهُ قِيلَ: وَلَوْ نَقَصَ الْفِعْلُ عَنْ مُقْتَضَى الْقَوْلِ فَقِيَاسُ الْمُخْتَارِ أَنَّ الْبَيَانَ الْقَوْلُ وَنَقْصَ الْفِعْلِ عَنْهُ تَخْفِيفٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَخَّرَ الْفِعْلُ أَوْ تَقَدَّمَ وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ لِأَبِي الْحُسَيْنِ أَنَّ الْبَيَانَ الْمُتَقَدِّمَ فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ فَحُكْمُ الْفِعْلِ كَمَا سَبَقَ أَوْ الْفِعْلُ فَمَا زَادَهُ الْقَوْلُ عَلَيْهِ مَطْلُوبٌ بِالْقَوْلِ، هَذَا وَلَمْ أَقِفْ لِمَشَايِخِنَا عَلَى صَرِيحٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَلَوْ قَالُوا بِالْمُخْتَارِ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ قَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ

طَوَافَيْنِ أَوْ سَعْيَيْنِ لِلْقَارِنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْقُضُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيُقَالُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ عَلَى إطْلَاقِهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مُرَجِّحٌ لِلْفِعْلِ عَلَى الْقَوْلِ أَمَّا إذَا وُجِدَ فَلَا وَهُنَا قَدْ وُجِدَ مَا بَيَّنَ مَا هُوَ فِي قُوَّةِ الْمُعَارِضِ الْقَوْلِيِّ وَهُوَ «قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِصَبِيِّ ابْنِ مَعْبَدٍ هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ لَهُ طُفْتُ طَوَافًا لِعُمْرَتِي وَسَعَيْتُ سَعْيًا لِعُمْرَتِي، ثُمَّ عُدْتُ فَفَعَلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ لِحَجِّي، ثُمَّ بَقِيتُ حَرَامًا مَا أَقَمْنَا أَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ حَتَّى قَضَيْتُ آخِرَ نُسُكِي» رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَا هُوَ مُوَافِقٌ قَوْلِي وَعَمَلِي مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ لِلْفِعْلِ وَكَوْنُ الْفِعْلِ أَقْيَسُ بِأُصُولِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَقِرَّ شَرْعًا فِي ضَمِّ عِبَادَةٍ إلَى أُخْرَى أَنَّهُ يَفْعَلُ أَرْكَانَ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ) فِي الْمُجْمَلِ (أَرْجَحِيَّةُ دَلَالَتِهِ عَلَى دَلَالَةِ الْمُبَيِّنِ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ (عَلَى) الْمَعْنَى (الْمُعَيَّنِ) مِنْ الْمُجْمَلِ (بَلْ يُمْكِنُ) أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ الْمُجْمَلِ (عَلَى مَعْنَاهُ الْإِجْمَالِيِّ وَهُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ) أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ مُبَيِّنٍ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ لَا غَيْرُ (كَثَلَاثَةِ قُرُوءٍ) فَإِنَّهُ قَوِيُّ الدَّلَالَةِ (عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ مِنْ الطُّهْرِ أَوْ الْحَيْضِ وَيَتَعَيَّنُ) أَحَدُهُمَا (بِأَضْعَفِ دَلَالَةٍ عَلَى الْمُعَيَّنِ) بِأَنْ لَا يَكُونَ قَطْعِيًّا فِي مَدْلُولِهِ. (وَسَلَفَ لِلْحَنَفِيَّةِ) فِي بَحْثِ الْمُجْمَلِ (مَا تَقْصُرُ مَعْرِفَتُهُ) أَيْ الْمُرَادُ بِالْمُجْمَلِ: السَّمْعِيُّ (عَلَى السَّمْعِ فَإِنْ وَرَدَ) بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْهُ بَيَانًا (قَطْعِيًّا شَافِيًا صَارَ مُفَسِّرًا أَوْ لَا فَمُشْكِلٌ أَوْ ظَنًّا فَمُشْكِلٌ وَقُبِلَ الِاجْتِهَادُ فِي اسْتِعْلَامِهِ) وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَلَفَ: أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَيَانُ شَافِيًا بِقَطْعِيٍّ فَمُفَسَّرٌ أَوْ بِظَنِّيٍّ فَمُؤَوَّلٌ أَوْ غَيْرَ شَافٍ خَرَجَ مِنْ الْإِجْمَالِ إلَى الْإِشْكَالِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْخِلَافُ (لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاصْطِلَاحِ) فِي الْمُرَادِ بِالْمُجْمَلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ (وَقَالُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (إذَا بُيِّنَ الْمُجْمَلُ الْقَطْعِيُّ الثُّبُوتِ بِخَبَرِ وَاحِدٍ نُسِبَ) الْمَعْنَى الْمُبَيَّنُ (إلَيْهِ) أَيْ الْمُجْمَلِ لِكَوْنِهِ أَقْوَى (فَيَصِيرُ) الْمَعْنَى الْمُبَيَّنُ (ثَابِتًا بِهِ) أَيْ الْمُجْمَلِ (فَيَكُونُ) ذَلِكَ الْمَعْنَى (قَطْعِيًّا) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ بِقَطْعِيٍّ (وَمَنَعَهُ صَاحِبُ التَّحْقِيقِ إذْ لَا تَظْهَرُ مُلَازَمَةٌ) بَيْنَهُمَا تُوجِبُ ذَلِكَ، ثُمَّ أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْمُرَادِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ بِالرَّأْيِ الَّذِي هُوَ ظَنِّيٌّ وَبَيْنَ مَعْرِفَةِ الْمُرَادِ مِنْ الْمُجْمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي هُوَ ظَنِّيٌّ وَمِنْ ثَمَّةَ ذُكِرَ فِي الْمِيزَانِ أَنَّ الْمُجْمَلَ إذَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَهُوَ مُؤَوَّلٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ) أَيْ مَنْعُهُ (حَقٌّ وَلَوْ انْعَقَدَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمُجْمَلِ مَعْنًى بِعَيْنِهِ (إجْمَاعٌ فَشَيْءٌ آخَرُ) . (وَإِلَى بَيَانِ ضَرُورَةٍ تَقَدَّمَ) فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يَجْعَلْهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيَانِ وَجَعَلَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَمُوَافِقُوهُمَا مِنْ أَقْسَامِهِ وَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ تَعْرِيفُ الْبَيَانِ السَّابِقِ إلَى زِيَادَةٍ تُوجِبُ دُخُولَهُ فِيهِ، ثُمَّ الْإِضَافَةُ فِيهِ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَبَيَانُ التَّبْدِيلِ أَيْضًا فَإِنَّ الْإِضَافَةَ فِيهَا مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ. وَهَذَا أَوَانُ الشُّرُوعَ فِي بَيَانِ التَّبْدِيلِ فَنَقُولُ (وَأَمَّا بَيَانُ التَّبْدِيلِ فَهُوَ النَّسْخُ وَهُوَ) أَيْ النَّسْخُ لُغَةً (الْإِزَالَةُ) أَيْ الْإِعْدَامُ حَقِيقَةً كَنَسَخَتْ الشَّمْسُ الظِّلَّ وَالشَّيْبُ الشَّبَابَ وَالرِّيحُ آثَارَ الدَّارِ (مَجَازًا لِلنَّقْلِ) أَيْ التَّحْوِيلِ لِلشَّيْءِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان أَوْ مِنْ حَالَةٍ إلَى حَالَةٍ مَعَ بَقَائِهِ فِي نَفْسِهِ كَنَسَخَتْ النَّحْلُ الْعَسَلَ إذَا نَقَلَتْهُ مِنْ خَلِيَّةٍ إلَى خَلِيَّةٍ تَسْمِيَةً لِلْمَلْزُومِ بِاسْمِ اللَّازِمِ؛ لِأَنَّ فِي النَّقْلِ إزَالَةً عَنْ مَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَعَزَاهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ بِأَنَّ النَّقْلَ أَخَصُّ مِنْ الزَّوَالِ فَإِنَّ النَّقْلَ إعْدَامُ صِفَةٍ وَإِحْدَاثُ أُخْرَى وَالزَّوَالُ مُطْلَقُ الْإِعْدَامِ وَكَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً فِي الْعَامِّ مَجَازًا فِي الْخَاصِّ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ لِتَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ (أَوْ قَلْبِهِ) أَيْ حَقِيقَةً لِلنَّقْلِ مَجَازٌ لِلْإِزَالَةِ تَسْمِيَةً لِلَّازِمِ بِاسْمِ الْمَلْزُومِ وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَفَّالُ (أَوْ مُشْتَرَكٍ) لَفْظِيٍّ بَيْنَ الْإِزَالَةِ وَالنَّقْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِمَا، الْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَطْرُقُهُ أَنَّ الْمَجَازَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ إذَا دَارَ الْإِطْلَاقُ بَيْنَهُمَا أَوْ مَعْنَوِيٌّ بَيْنَهُمَا فَهُوَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الرَّفْعُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ (وَتَمْثِيلُ النَّقْلِ بِ نَسَخْتُ مَا فِي

الْكِتَابِ) كَمَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ (تَسَاهُلٌ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِثْلُ مَا فِي غَيْرِهِ لَا نَقْلُ عَيْنِهِ وَلَا إزَالَتُهُ وَلَا رَفْعُهُ، ثُمَّ قَالُوا هَذَا كُلُّهُ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ عَمَلِيٌّ وَقِيلَ: بَلْ مَعْنَوِيٌّ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي جَوَازِ النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْحَقَائِقِ الْعُرْفِيَّةِ لَا اللُّغَوِيَّةِ وَأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ كَنَقْلِ الصَّلَاةِ اللُّغَوِيَّةِ إلَى الشَّرْعِيَّةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ كَنَقْلِ الدَّابَّةِ فَنُقِلَ مِنْ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ (وَاصْطِلَاحًا رَفْعُ تَعَلُّقٍ مُطْلَقٍ) عَنْ تَقْيِيدٍ بِتَأْقِيتٍ أَوْ تَأْبِيدٍ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِفِعْلٍ (بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ ابْتِدَاءً) فَالرَّفْعُ شَامِلٌ لِلنَّسْخِ وَغَيْرِهِ وَمَا عَدَاهُ مُخْرِجٌ لِغَيْرِهِ فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، ثُمَّ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ لَا يُقَالُ: مَا ثَبَتَ فِي الْمَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ بُطْلَانُهُ لِتَحَقُّقِهِ قَطْعًا وَمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ فَكَيْفَ يَبْطُلُ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا رَفْعَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ الْبُطْلَانُ بَلْ زَوَالُ مَا يُظَنُّ مِنْ التَّعَلُّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا النَّاسِخُ لَكَانَ فِي عُقُولِنَا ظَنُّ التَّعَلُّقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَبِالنَّاسِخِ زَالَ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ الْمَظْنُونُ، ثُمَّ نَقُولُ (فَانْدَفَعَ) مُتَعَلِّقُ أَنْ يُقَالَ: (إنَّ الْحُكْمَ قَدِيمٌ لَا يَرْتَفِعُ) ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى " وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ " فَلَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: رُفِعَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ كَمَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَإِنْ وَقَعَ التَّقَصِّي عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا تَعَلَّقَ الْخِطَابُ بِهِ تَعَلُّقَ تَنْجِيزٍ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَحْدُثُ بَعْدَ حُدُوثِ شُرُوطِ التَّكْلِيفِ وَالْقَدِيمُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا هُوَ ضَرُورِيٌّ لِلطَّلَبِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ تَحْرِيمُ شَيْءٍ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَقَدْ انْتَفَى الْوُجُوبُ وَهَذَا الِانْتِفَاءُ هُوَ الَّذِي نَعْنِيهِ بِالرَّفْعِ وَإِذَا تَصَوَّرْت الْحُكْمَ وَالرَّفْعَ كَذَلِكَ كَانَ إمْكَانُ رَفْعِهِ ضَرُورِيًّا (وَ) انْدَفَعَ (بِمُطْلَقِ مَا) أَيْ التَّعَلُّقِ الْمَرْفُوعِ (بِالْغَايَةِ) نَحْوُ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (وَالشَّرْطِ) نَحْوُ «صَلِّ الظُّهْرَ إنْ زَالَتْ الشَّمْسُ» (وَالِاسْتِثْنَاءِ) نَحْوُ: اُقْتُلْ الْمُشْرِكِينَ إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ فَإِنَّ رَفْعَ الصِّيَامِ عَنْ اللَّيْلِ وَالصَّلَاةِ عَمَّا قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْقَتْلِ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُسَمَّى نَسْخًا اتِّفَاقًا قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَوَّلًا الرَّفْعُ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الثُّبُوتِ كَمَا سَنَذْكُرُ وَالْغَايَةُ وَالشَّرْطُ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَمْ يَرْفَعْ مَا سَبَقَ ثُبُوتُهُ قَبْلَ ذِكْرِهَا وَثَانِيًا سَنَذْكُرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأَخُّرِ التَّرَاخِي وَهَذِهِ لَوْ قُدِّرَ بِهَا رَفْعٌ لَمْ تَكُنْ مُتَرَاخِيَةً فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الرَّفْعِ بِهَا فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْحُكْمِ الْمُؤَقَّتِ بِوَقْتٍ خَاصٍّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نَسْخُهُ قَبْلَ انْتِهَائِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ انْتِهَائِهِ وَعَنْ الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ عَلَى مَا فِي كِلَيْهِمَا مِنْ خِلَافٍ سَيُذْكَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَانْدَفَعَ بِقَوْلِنَا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَقَدْ كَانَ الْوَجْهُ التَّصْرِيحُ بِهِ مَا كَانَ رَفْعًا لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهَا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى نَسْخًا اتِّفَاقًا وَمِنْ ثَمَّةَ اُعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنَسْخٍ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْكَلَامِ إنَّمَا كَانَتْ عَلَى الْأَصْلِ لَا بِخِطَابٍ شَرْعِيٍّ فَإِنْ قِيلَ: وَأَيْضًا سَيَأْتِي مِنْ أَقْسَامِ النَّسْخِ مَا نُسِخَ لَفْظُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ وَهُوَ لَيْسَ بِرَفْعِ حُكْمٍ بَلْ لَفْظٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُتَضَمِّنٌ لِرَفْعِ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ كَالتَّعَبُّدِ بِتِلَاوَتِهِ وَمَنْعِ الْجُنُبِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْهَا وَمِنْ مَسِّهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَ) انْدَفَعَ (بِالْأَخِيرِ) أَيْ ابْتِدَاءً (مَا) أَيْ التَّعَلُّقُ الْمُطْلَقُ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ الْمَرْفُوعِ (بِالْمَوْتِ وَالنَّوْمِ) وَالْجُنُونِ وَنَحْوِهَا وَبِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ كَذَهَابِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ رَفْعُهُ كَالصَّلَاةِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَكَوُجُوبِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عَنْ مَقْطُوعِهَا (لِعَارِضٍ) مِنْ هَذِهِ الْعَوَارِضِ لَا ابْتِدَاءً بِخِطَابٍ شَرْعِيٍّ وَأُورِدَ رَفْعُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالنَّوْمِ مَمْنُوعٌ بَلْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» الْحَدِيثَ وَقَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الَّذِي اخْتَصَّ الْحَنَفِيَّةُ بِعَقْدِهِ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ رَفْعَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالْغَافِلِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِعَدَمِ قَابِلِيَّةِ الْمَحَلِّ لَهُ لِطَرَيَانِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ، وَالنُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ رَافِعَةً بَلْ مُبَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ وَاقِعَاتٌ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ إذَا كَانَ هَذَا الْقَيْدُ لِإِخْرَاجِ مَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ بِهَا خَارِجٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ

لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، ثُمَّ قَدْ كَانَ الْوَجْهُ أَيْضًا إبْدَالٌ شَرْعِيٌّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ قَدْ يَكُونُ بِلَا بَدَلٍ فَلَا يَنْطَبِقُ التَّعْرِيفُ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ (وَيُعْلَمُ التَّأَخُّرُ) أَيْ التَّرَاخِي لِلرَّفْعِ عَنْ ثُبُوتِ التَّعَلُّقِ (مِنْ) ذِكْرِ (الرَّفْعِ) نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي سَبْقَ الثُّبُوتِ لِلْمَرْفُوعِ فَيَكُونُ الرَّفْعُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ ضَرُورَةً وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا التَّأَخُّرَ بِالتَّرَاخِي؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ قَدْ يَكُونُ مُخَصِّصًا لَا نَاسِخًا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُخَصِّصِ الْأَوَّلِ وَقَدْ كَانَ الْأَحْسَنُ التَّصْرِيحُ بِهِ فَيُقَالُ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ مُتَرَاخٍ، ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا التَّعْرِيفُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُخَصِّصِ الثَّانِي إذَا كَانَ مُتَرَاخِيًا وَهَلُمَّ جَرَّا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَسْخٍ نَعَمْ لَا يَضُرُّ هَذَا الْمُصَنِّفَ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ اشْتِرَاطَ الْمُقَارَنَةِ فِي سَائِرِ الْمُخَصِّصَاتِ السَّمْعِيَّةِ فَالْمُخَصِّصُ الْمُتَرَاخِي مِنْهَا نَاسِخٌ عِنْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ - (وَالسَّمْعِيُّ الْمُسْتَقِلُّ) بِنَفْسِهِ (دَلِيلُهُ) أَيْ الرَّفْعِ الَّذِي هُوَ النَّسْخُ (وَقَدْ يَجْعَلُ) النَّسْخُ (إيَّاهُ) أَيْ الدَّلِيلَ (اصْطِلَاحًا فِي قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَى ظُهُورِ انْتِفَاءِ شَرْطِ دَوَامِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ) قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ دَائِمًا فِي عِلْمِ اللَّهِ دَوَامًا مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ وَأَجَلُ الدَّوَامِ أَنْ يَظْهَرَ انْتِفَاءُ ذَلِكَ الشَّرْطِ لِلْمُكَلَّفِ فَيَنْقَطِعَ الْحُكْمُ وَيَبْطُلَ دَوَامُهُ وَمَا ذَلِكَ إلَّا بِتَوْفِيقِهِ تَعَالَى إيَّاهُ فَإِذَا قَالَ قَوْلًا دَالًّا عَلَيْهِ فَذَلِكَ هُوَ النَّسْخُ (وَالْغَزَالِيُّ) وِفَاقًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ (الْخِطَابُ الدَّالُ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ كَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ) وَقَالَ الْخِطَابَ لِيَعُمَّ اللَّفْظَ وَالْفَحْوَى وَالْمَفْهُومَ لِجَوَازِ النَّسْخِ بِجَمِيعِهَا وَيَخْرُجُ الْمَوْتُ وَنَحْوُهُ، وَمِمَّا يَرْفَعُ الْأَحْكَامَ وَالْخِطَابَ الْمُقَرِّرَ لِلْحُكْمِ وَقَالَ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ لِيَتَنَاوَلَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْخَبَرَ وَيَعُمَّ أَنْوَاعَ الْحُكْمِ مِنْ النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرِ وَالْوُجُوبِ، فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ قَدْ يُنْسَخُ وَقَالَ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعِبَادَاتِ فِي الشَّرْعِ يُزِيلُ حُكْمَ الْعَقْلِ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَلَا يُسَمَّى نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ حُكْمَ خِطَابٍ وَقَالَ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النَّسْخِ الرَّفْعُ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ رَفْعًا لَوْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ بِحَيْثُ لَوْلَا طَرَيَانُهُ لَبَقِيَ فَخَرَجَ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ مِثْلُ «لَا تَصُومُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» بَعْدَ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] فَإِنَّهُ لَيْسَ نَسْخًا وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا وَقَالَ مَعَ تَرَاخِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ بِهِ لَكَانَ بَيَانًا لِمُدَّةِ الْحُكْمِ لَا نَسْخًا لَهُ كَالشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَالْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ (وَمَا قِيلَ:) وَعَزَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَى الْفُقَهَاءِ (النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى انْتِهَاءِ أَمَدِ الْحُكْمِ) أَيْ غَايَتِهِ (مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْ مَوْرِدِهِ) أَيْ زَمَانِ وُرُودِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْبَيَانِ الْمُتَّصِلِ بِالْحُكْمِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقِلًّا كَلَا تَقْتُلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ عَقِبَ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ غَيْرَ مُتَّصِلٍ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْغَايَةِ وَالشَّرْطِ وَالْوَصْفِ (فَإِنَّهُ اُعْتُرِضَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى هَذِهِ التَّعَارِيفِ الثَّلَاثَةِ (بِأَنَّ جِنْسَهَا) مِنْ اللَّفْظِ وَالْخِطَابِ وَالنَّصِّ (دَلِيلُهُ) أَيْ طَرِيقُ النَّسْخِ الْمُعَرِّفِ لَهُ (لَا هُوَ) أَيْ النَّسْخُ (وَأُجِيبَ بِالْتِزَامِهِ) أَيْ الْتِزَامِ كَوْنِ جِنْسِهَا دَلِيلًا دَلِيلُ النَّسْخِ فِي الْحَقِيقَةِ لَكِنْ لَا ضَيْرَ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ لَهُ غَايَتُهُ أَنَّ إطْلَاقَ النَّسْخِ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَمَجَازٌ لُغَوِيٌّ فَلَيْسَ النَّسْخُ اصْطِلَاحًا إلَّا ذَلِكَ الْقَوْلَ (كَمَا أَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقَوْلَ هُوَ (الْحُكْمُ، وَهَذَا) أَيْ يَكُونُ النَّسْخُ الْحُكْمَ وَلَيْسَ إلَّا ذَلِكَ الْقَوْلَ (إنَّمَا يَصِحُّ فِي) الْكَلَامِ (النَّفْسِيِّ وَالْمَجْعُولِ جِنْسًا) فِي هَذِهِ التَّعَارِيفِ إنَّمَا هُوَ (اللَّفْظُ) الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ اللَّفْظِيُّ فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا لَهُ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْخِطَابُ (جُعِلَ دَالًّا لَنَا وَالنَّفْسِيَّ مَدْلُولٌ) عَلَيْهِ بِهِ (وَأَيْضًا يَدْخُلُ قَوْلُ الْعَدْلِ نُسِخَ) حُكْمُ كَذَا فِي التَّعَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ لِصِدْقِهَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ فَلَا تَكُونُ مُطَّرِدَةً (وَيَخْرُجُ) عَنْهَا (فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إذْ قَدْ يَكُونُ النَّسْخُ بِهِ فَلَا تَكُونُ مُنْعَكِسَةً (وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِالدَّالِّ فِي التَّعَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ (الدَّالُّ بِالذَّاتِ) أَيْ بِحَسَبِهَا لَا بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ (وَهُمَا) أَيْ قَوْلُ الْعَدْلِ وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (دَلِيلَا ذَلِكَ) أَيْ الدَّالِّ بِالذَّاتِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى الدَّالِّ عَلَى انْتِهَاءِ الْحُكْمِ (لَا هُوَ) أَيْ الدَّالِّ بِالذَّاتِ (وَخَصَّ الْغَزَالِيُّ بِوُرُودِ اسْتِدْرَاكٍ عَلَى وَجْهٍ إلَخْ) أَمَّا لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا فَلِأَنَّ الرَّفْعَ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ

وَأَمَّا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ فَلِأَنَّهُ لَوْلَاهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ إذَا تَقَرَّرَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ فَكَانَ رَفْعًا لِلثُّبُوتِ لَا رَفْعًا لِلثَّابِتِ فَهُوَ حِينَئِذٍ تَخْصِيصٌ لَا نَسْخٌ (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ إلَخْ (احْتِرَازٌ) عَنْ قَوْلِ الْعَدْلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ قَوْلُ الْعَدْلِ (لَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا (لِأَنَّ الِارْتِفَاعَ بِقَوْلِ الشَّارِعِ قَالَهُ هُوَ) أَيْ الْعَدْلُ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ (وَالتَّرَاخِي لِإِخْرَاجِ الْمُقَيَّدِ بِإِلْغَائِهِ) وَنَحْوِهَا مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ فَأَنَّ أَفْعَلُهُ إلَى يَوْمِ كَذَا يُوجِبُ ارْتِفَاعَ التَّكْلِيفِ فِي يَوْمِ كَذَا بِالْغَايَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُتَرَاخِيَةٍ عَنْ التَّكْلِيفِ بِهِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ صِحَّتَهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ (تُوجِبُ اعْتِبَارَ قَوْلِ الْعَدْلِ دَاخِلًا) فِي تَعْرِيفِهِ الَّذِي هُوَ الْخِطَابُ الدَّالُّ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَرَزُ عَمَّا لَيْسَ بِدَاخِلٍ (فَلَا يَنْدَفِعُ) إيرَادُ قَوْلِ الْعَدْلِ وَفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَنْ الْآخَرَيْنِ) الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ لِإِيجَابِهِ حَمْلَ الدَّالِّ عَلَى أَعَمِّ مِمَّا يَكُونُ بِالذَّاتِ (وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ) أَيْ دَفْعُ الْإِيرَادِ عَنْهُمَا (بِادِّعَاءِ أَنَّهُ) الدَّالُّ بِالذَّاتِ هُوَ (الْمُتَبَادَرُ مِنْ الدَّالِّ لَزِمَ الِاسْتِدْرَاكُ) الْمَذْكُورُ عَلَى الْغَزَالِيِّ وَخُصُوصًا حَيْثُ وَصَفَ بِهِ الْخِطَابَ وَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ خِطَابَ الشَّارِعِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِهِ هُنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ دَارَ الْحَالُ بَيْنَ انْدِفَاعِ قَوْلِ الْعَدْلِ وَفِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّعَارِيفِ الثَّلَاثَةِ وَلُزُومِ الِاسْتِدْرَاكِ لِلْغَزَالِيِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ لَوْلَاهُ إلَخْ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا مِنْ إرَادَةِ الدَّالِّ بِالذَّاتِ وَدَفْعٌ لِمَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ إطْلَاقِ الدَّلَالَةِ وَلَا يَقْدَحُ فِي التَّعْرِيفِ التَّصْرِيحُ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لَوْلَا فَهْمُ خِطَابِ الشَّارِعِ مِنْ الْخِطَابِ هُنَا وَبَيْنَ انْدِفَاعِهِمَا عَنْ تَعْرِيفِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْرَاكٍ عَلَيْهِ عَلَى مَا فِيهِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ آنِفًا وَعَدَمُ انْدِفَاعِهِمَا عَنْ الْآخَرَيْنِ إلَّا الثَّالِثَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَيَنْدَفِعُ قَوْلُ الرَّاوِي) نُسِخَ كَذَا (عَنْ الثَّالِثِ أَيْضًا بِأَنَّهُ) أَيْ قَوْلَهُ (لَيْسَ بِنَصٍّ فِي الْمُتَبَادَرِ) ، وَكَذَا فِعْلُ الرَّسُولِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الِاحْتِمَالِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّ النَّصَّ لَيْسَ بِمُخْرِجٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا بَلْ قَدْ وَقَدْ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي وَفِعْلِ الرَّسُولِ قَدْ يَكُونُ نَصًّا كَمَا يَكُونُ ظَاهِرًا وَمُجْمَلًا هَذَا إنْ أُرِيدَ بِالنَّصِّ مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ وَإِنْ أُرِيدَ مَا يُقَابِلُ الْإِجْمَاعَ وَالْقِيَاسَ وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَخُرُوجُ قَوْلِ الْعَدْلِ وَدُخُولُ فِعْلِ الرَّسُولِ ظَاهِرٌ هَذَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ النَّسْخَ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَيَانٌ لِمُدَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَا رَفْعٌ وَتَبْدِيلٌ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا تَبْدِيلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ مُؤَقَّتٌ وَمِنْ وَقْتِ كَذَا إلَى وَقْتِ كَذَا كَانَ النَّسْخُ بَيَانًا مَحْضًا لِمُدَّةِ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى، وَلَمَّا كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا كَانَ الْبَقَاءُ فِيهِ أَصْلًا ظَاهِرٌ فِي حَقِّنَا لِجَهْلِنَا بِمُدَّتِهِ فَالنَّسْخُ يَكُونُ تَبْدِيلًا لَهُ بِآخَرَ فِي حَقِّنَا كَالْقَتْلِ بَيَانٌ مَحْضٌ لِلْأَجَلِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَقْتُولٌ بِأَجَلِهِ وَفِي حَقِّنَا تَبْدِيلٌ لِلْحَيَاةِ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْحَيَاةُ لَوْلَا مُبَاشَرَةُ قَتْلِهِ وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِتَعَدُّدِ الْحُقُوقِ، وَالْحَقُّ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ وَاقِعٌ عِنْدَ اللَّهِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ فَمُتَعَدِّدٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُجْتَهِدٍ الْعَمَلُ بِاجْتِهَادِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ وَهَذَا الْحَقُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ وَاحِدٌ، وَهُوَ كَوْنُهُ بَيَانًا مَحْضًا لَا رَفْعًا وَهُوَ كَالْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا عَلَامَاتٌ مَحْضَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّارِعِ وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا قُلْت: وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْ الْمُعْتَرِضِ وَالْمُجِيبِ فَإِنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ مُتَعَدِّدٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَهُ اعْتِبَارَانِ مُخْتَلِفَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جِهَتَيْنِ كَمَا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْقَتْلِ وَالْوَقْتِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ بِاعْتِبَارَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جِهَتَيْنِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَكَمْ لَهُ مِنْ أَمْثَالٍ غَيْرَ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيَانِ كَمَا ذَكَرْنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيَانَ إظْهَارُ حُكْمِ الْحَادِثَةِ عِنْدَ وُجُودِهَا ابْتِدَاءً وَالنَّسْخَ رَفْعٌ بَعْدَ الثُّبُوتِ فَكَانَا غَيْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ النَّسْخُ بَيَانَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ أَمَّا فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَرَفْعُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ وَالْبَيَانُ إنَّمَا يَكُونُ بَيَانًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ لَا إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ لِعِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَجَعَلَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ بَيَانًا كَمَا سَلَفَ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ فِعْلُ الشَّارِعِ وَحَقِيقَتُهُ إظْهَارُ مُدَّةِ الْحُكْمِ لِلْعِبَادِ وَأَمَّا كَوْنُهُ رَفْعًا لِمَا هُوَ الْمُسْتَمِرُّ

مسألة جوازه أي النسخ

ظَاهِرًا فِي حَقِّنَا فَلَيْسَ حَقِيقَتُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَوْنُهُ مُؤَقَّتًا فِي عَمَلِهِ تَعَالَى فَيَنْتَهِي بِانْتِهَائِهِ لَا كَوْنُهُ مُسْتَمِرَّ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَكَانَ اعْتِبَارُ كَوْنِهِ بَيَانًا أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ رَفْعًا، وَالْبَيَانُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي إظْهَارِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ عِنْدَ وُجُودِهَا ابْتِدَاءً كَالْأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ بَعْدَ الثُّبُوتِ بَلْ هُوَ بَيَانُ انْتِهَاءِ مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مُسَلَّمًا فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ حَقِيقَةً فِيهِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ رَفْعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا بَلْ هُوَ بَيَانٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا أَيْضًا إذْ نَعْلَمُ بِهِ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ مُؤَقَّتًا، وَأَنَّ الِاسْتِمْرَارَ الَّذِي تَوَسَّمْنَاهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَا فِي الْوَاقِعِ وَإِذَا كَانَ الْعِبَادُ مُحْتَاجِينَ إلَى الْبَيَانِ فَجَعْلُهُ بَيَانًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ هُوَ الْمُنَاسِبُ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ بِمَعْنَى الظُّهُورِ وَهُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ بَيَانًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّارِعِ بِمَعْنَى الْإِظْهَارِ لَهُمْ لِمَا يَجْهَلُونَهُ وَإِظْهَارُ الْمَجْهُولِ لِمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْعَالِمِ بِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ إظْهَارًا وَبَيَانًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّارِعِ إظْهَارُ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ مَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا حَتَّى يُنَافِيَ كَوْنَ الْأَشْيَاءِ مَعْلُومَةً لَهُ انْتَهَى قُلْت. ثُمَّ هَذَا كَمَا يُفِيدُ جَوَازُ تَعْرِيفِهِ بِكُلٍّ مِنْ جِهَتَيْ الْبَيَانِ وَالرَّفْعِ يُفِيدُ تَرْجِيحَ تَعْرِيفِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَيَانِ عَلَى تَعْرِيفِهِ مِنْ جِهَةِ الرَّفْعِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْإِمَامَانِ الرَّازِيَّانِ وَأَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْإسْفَرايِينِيّ وَنُسِبَ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَكَسَ السُّبْكِيُّ فَرَجَّحَ الرَّفْعَ لِشُمُولِهِ النَّسْخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَفِي هَذَا التَّرْجِيحِ تَأَمُّلٌ وَعَلَيْهِ مَشَى الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَذِكْرُهُمْ) أَيْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ (الِانْتِهَاءَ دُونَ الرَّفْعِ إنْ كَانَ لِظُهُورِ فَسَادِهِ) أَيْ ذِكْرُ الرَّفْعِ (إذْ لَا يَرْتَفِعُ الْقَدِيمُ لَمْ يُفِدْ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّفْعُ (لَازِمُ الِانْتِهَاءِ) فَإِنَّهُ إذَا انْتَهَى ارْتَفَعَ، وَإِذَا كَانَ الْقَدِيمُ لَا يَرْتَفِعُ فَكَذَا لَا يَنْتَهِي أَيْضًا وَحَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ بِانْتِهَاءِ تَعَلُّقِهِ فَكَذَا الْمُرَادُ بِرَفْعِهِ رَفْعُ تَعَلُّقِهِ فَلَا مَحْذُورَ كَمَا سَلَفَ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ فِيهِ (وَإِنْ) كَانَ (لِاتِّفَاقِ اخْتِيَارِهِمْ عِبَارَةٌ أُخْرَى) تُفِيدُ الرَّفْعَ (فَلَا بَأْسَ) إذْ لَا حَجْرَ فِي ذَلِكَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّازِيِّ، ثُمَّ السُّبْكِيّ يُفِيدُ أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا وَأَفَادَهُ الْقَاضِي أَيْضًا لَكِنْ جَعَلَ ثَمَرَتَهُ جَوَازَ نَسْخِ الْخَبَرِ وَعَدَمَ جَوَازِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ نَسْخِ الْخَبَرِ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا خَفَاءَ فِي اتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ انْعَدَمَ تَعَلُّقُهُ لَا ذَاتُهُ وَأَنَّ الْخِطَابَ الثَّانِي هُوَ الَّذِي حَقَّقَ زَوَالَ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي أَنْ يُقَالَ: الرَّافِعُ هُوَ الثَّانِي حَتَّى لَوْ لَمْ يَجِئْ لَبَقِيَ الْأَوَّلُ أَوْ أَنَّ لِلْأَوَّلِ غَايَةً لَا نَعْلَمُهَا فَلَمَّا جَاءَ الدَّلِيلُ بَيَّنَ انْتِهَاءَهَا حَتَّى لَوْ لَمْ يَجِئْ كَانَ الْحُكْمُ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهُ فَيَتَخَلَّصُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا إلَى أَنَّهُ زَالَ بِهِ أَوْ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَلَكِنْ لَمْ نَعْلَمْ الزَّوَالَ إلَّا بِهِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ فَلَا يُوجِبُ كَوْنَهُ مَعْنَوِيًّا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة جَوَازِهِ أَيْ النَّسْخِ] (مَسْأَلَةٌ أَجْمَعَ أَهْلُ الشَّرَائِعِ عَلَى جَوَازِهِ) أَيْ النَّسْخِ عَقْلًا (وَوُقُوعِهِ) سَمْعًا (وَخَالَفَ غَيْرُ الْعِيسَوِيَّةِ مِنْ الْيَهُودِ فِي جَوَازِهِ فَفِرْقَةٌ) وَهُمْ الشَّمْعُونِيَّةُ مِنْهُمْ ذَهَبُوا إلَى امْتِنَاعِهِ (عَقْلًا) وَسَمْعًا (وَفِرْقَةٌ) وَهُمْ الْعَنَانِيَّةُ مِنْهُمْ ذَهَبُوا إلَى امْتِنَاعِهِ (سَمْعًا) أَيْ نَصًّا لَا عَقْلًا وَاعْتَرَفَ بِجَوَازِهِ عَقْلًا وَسَمْعًا الْعِيسَوِيَّةُ مِنْهُمْ وَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي عِيسَى الْأَصْفَهَانِيِّ الْمُعْتَرِفُونَ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ خَاصَّةً وَهُمْ الْعَرَبُ لَا إلَى الْأُمَمِ كَافَّةً (وَ) خَالَفَ (أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيَّ) الْمُعْتَزِلِيُّ الْمُلَقَّبُ بِالْحَافِظِ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرٍ وَقِيلَ: ابْنُ عُمَرَ وَقِيلَ: هُوَ عُمَرُ بْنُ يَحْيَى وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْعِلْمِ ذُو تَأْلِيفَاتٍ كَثِيرَةٍ مَا بَيْنَ تَفْسِيرٍ وَغَيْرِهِ (فِي وُقُوعِهِ فِي شَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ) وَفِي الْقُرْآنِ كَذَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَحَكَى الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ إنْكَارَهُ نَسْخَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ كِتَابَهُ بِأَنَّهُ {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] فَلَوْ نُسِخَ بَعْضُهُ لَبَطَلَ وَأَجَابَ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ لِمَجْمُوعِ الْقُرْآنِ وَهُوَ لَا يُنْسَخُ اتِّفَاقًا. وَأَجَابَ فِي الْمَحْصُولِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مِنْ الْكُتُبِ مَا يُبْطِلُهُ وَلَا يَأْتِي بَعْدَهُ مَا يُبْطِلُهُ وَأَجَابَ آخَرُونَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّسْخَ إبْطَالٌ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَبْطَالٌ لَكِنَّا نَمْنَعُ أَنَّ هَذَا الْإِبْطَالَ بَاطِلٌ بَلْ هُوَ حَقٌّ مِنْ حَقٍّ {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] وَسَيُتْلَى عَلَيْك مَا يَقْطَعُ بِحَقِيقَةٍ وَيَقْطَعُ دَابِرَ الْإِنْكَارِ وَحَكَى الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ إنْكَارَهُ وَوُقُوعَ النَّسْخِ مُطْلَقًا وَقِيلَ: لَمْ يُنْكِرْ

وُقُوعَهُ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ تَخْصِيصًا؛ لِأَنَّهُ قَصْرٌ لِلْحُكْمِ عَلَى بَعْضِ الْأَزْمَانِ فَهُوَ كَالتَّخْصِيصِ فِي الْأَعْيَانِ وَيُؤَيِّدُهُ نَصُّ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ لَفْظِيٌّ إذَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمُسْلِمِ إنْكَارُهُ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ نَسْخِ بَعْضِ أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ عَلَى حَقِّيَّةِ شَرِيعَتِنَا وَنَسْخُ بَعْضِ أَحْكَامِ شَرِيعَتِنَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ مِنْ شَرِيعَتِنَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنَازِعُ فِي الِارْتِفَاعِ وَيَزْعُمُ أَنَّ كُلَّ مَنْسُوخٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ فِي عِلْمِ اللَّهِ مُغَيًّا إلَى وُرُودِ النَّاسِخِ كَالْمُغَيَّا فِي اللَّفْظِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] إلَى اللَّيْلِ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ صُومُوا مُطْلَقًا وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ سَيُنَزِّلُ وَلَا تَصُومُوا اللَّيْلَ وَمِنْ هُنَا نَشَأَ تَسْمِيَتُهُ تَخْصِيصًا وَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي وُقُوعِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (لَنَا لَا يَلْزَمُ قَطْعًا مِنْهُ) مِنْ النَّسْخِ (مُحَالٌ عَقْلِيٌّ) أَيْ مُحَالٌ لِذَاتِهِ فَإِنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ فِيهَا حُسْنٌ لِذَاتِهِ وَلَا قُبْحٌ لِذَاتِهِ لِمَا حَسُنَ لِغَيْرِهِ وَقَبُحَ لِغَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ (إنْ لَمْ تُعْتَبَرْ الْمَصَالِحُ) أَيْ رِعَايَةُ جَلْبِ نَفْعِ الْعِبَادِ وَدَفْعِ ضَرِّهِمْ فِي التَّكَالِيفِ (فَظَاهِرٌ) عَدَمُ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكَالِيفِ حِينَئِذٍ لَيْسَ إلَّا الِابْتِلَاءُ وَاَللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَصْلَحَةٍ فِي حُكْمِهِ. (وَإِنْ) اُعْتُبِرَتْ الْمَصَالِحُ فِيهَا كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فَكَذَلِكَ إذْ كَمَا قَالَ (فَلِاخْتِلَافِهَا) أَيْ الْمَصَالِحِ (بِالْأَوْقَاتِ) بِاخْتِلَافِهَا كَشُرْبِ الدَّوَاءِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَافِعًا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ (فَيَخْتَلِفُ حُسْنُ الشَّيْءِ وَقُبْحُهُ) بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَرُبَّمَا كَانَ الشَّيْءُ حَسَنًا فِي وَقْتٍ قَبِيحًا فِي آخَرَ (وَالْأَحْوَالُ) أَيْ وَبِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَشُرْبِ الدَّوَاءِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَافِعًا فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ فَرُبَّمَا كَانَ الشَّيْءُ حَسَنًا فِي حَالَةٍ قَبِيحًا فِي أُخْرَى وَالْأَعْيَانُ فَرُبَّمَا قَبُحَ الشَّيْءُ مِنْ إنْسَانٍ وَحَسُنَ مِنْ إنْسَانٍ كَشُرْبِ الدَّوَاءِ أَيْضًا فَإِنَّهُ رُبَّمَا نَفَعَ إنْسَانًا وَضَرَّ لِإِنْسَانٍ وَكَيْفَ لَا وَالشَّرْعُ لِلْأَدْيَانِ كَالطَّبِيبِ لَلْأَبَدَانِ (فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ) أَيْ مَانِعِي جَوَازِهِ عَقْلًا (النَّهْيُ يَقْتَضِي الْقُبْحَ وَالْوُجُوبُ الْحُسْنَ فَلَوْ صَحَّ) كَوْنُ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مَنْهِيًّا عَنْهُ مَأْمُورًا بِهِ (حَسُنَ وَقَبُحَ) وَهُوَ مُحَالٌ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ ظَاهِرٌ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا اجْتِمَاعَ لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَا اسْتِحَالَةَ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ نَسْخَ اللَّهِ تَعَالَى الْحُكْمَ (إنْ) كَانَ (لِحِكْمَةٍ ظَهَرَتْ) لَهُ تَعَالَى (بَعْدَ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ ظُهُورِهَا عِنْدَ شَرْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ (فَبَدَاءٌ) بِالْمَدِّ أَيْ ظُهُورٌ بَعْدَ الْخَفَاءِ وَهُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ الْعِلْمَ بَعْدَ الْجَهْلِ وَهُوَ نَقْصٌ لَا يَحُومُ حَوْلَ جَنَابِهِ الْمُقَدَّسِ، وَكَيْفَ وَالْأَدِلَّةُ الْقَطْعِيَّةُ الْعَقْلِيَّةُ وَالنَّقْلِيَّةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ أَزَلًا وَأَبَدًا {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [يونس: 61] (أَوْ لَا) لِحِكْمَةٍ ظَهَرَتْ لَهُ تَعَالَى (وَهُوَ) أَيْ مَا لَا يَكُونُ لِحِكْمَةٍ (الْعَبَثُ) إذْ هُوَ فِعْلُ الشَّيْءِ لَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَهُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ الْجَهْلِ وَمُنَافٍ لِلْحِكْمَةِ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. (وَإِنَّمَا يَكُونُ) كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ لَازِمًا (لَوْ نُسِخَ مَا حَسُنَ) لِنَفْسِهِ (وَقَبُحَ لِنَفْسِهِ كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ) وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ فِي ذَلِكَ بَلْ فِيمَا حَسُنَ وَقَبُحَ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ هَذَا عِنْدَ غَيْرِ الْأَشَاعِرَةِ (أَمَّا الْأَشَاعِرَةُ فَيَمْنَعُونَ وُجُودَهُ) أَيْ مَا حَسُنَ لِنَفْسِهِ وَقَبُحَ لِنَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِبْطَالُ هَذَا الِاحْتِجَاجِ عَلَى رَأْيِهِمْ أَظْهَرُ (وَأَمَّا الْوُقُوعُ فَفِي التَّوْرَاةِ أُمِرَ آدَم بِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ) كَمَا ذَكَرَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ يَعْنِي وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ بِلَفْظِ الْإِطْلَاقِ، بَلْ الْعُمُومُ لَكِنْ عَنْ سَبِيلِ التَّوْزِيعِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِالْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ وَفِي زَمَانِهِ وَلَا تَقْيِيدٍ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَالِاحْتِمَالَاتُ الَّتِي لَمْ تَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ يَنْفِيهَا ظَاهِرُ الدَّلِيلِ لِكَوْنِهَا مَنْفِيَّةً عَلَى أَنَّ الطَّبَرِيَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُولَدُ لِآدَمَ غُلَامٌ إلَّا وُلِدَتْ مَعَهُ جَارِيَةٌ فَكَانَ يُزَوِّجُ تَوْأَمَةَ هَذَا لِلْآخَرِ وَتَوْأَمَةَ الْآخَرِ لِهَذَا فَسَاقَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَقَدْ وَقَعَتْ لَنَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَاقَهُ بِسَنَدِهِ إلَيْهِ قَالَ كَانَ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نُهِيَ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَتَهُ تَوْأَمَهَا وَأَنْ يُزَوِّجَ تَوْأَمَةَ هَذَا الْوَلَدِ آخَرَ وَأَنْ يُزَوِّجَهُ تَوْأَمَةَ الْآخَرِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا أَقْوَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَسَانِيدِ هَذِهِ

الْقِصَّةِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَ لَهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَعَلَّقَ لَهُ الْبُخَارِيُّ شَيْئًا وَوَثَّقَهُ الْجُمْهُورُ وَلَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ قَلِيلًا وَقَدْ حُرِّمَ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ اتِّفَاقًا وَهَذَا هُوَ النَّسْخُ (وَفِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ) مِنْ التَّوْرَاةِ (قَالَ تَعَالَى لِنُوحٍ) عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْفُلْكِ (إنِّي جَعَلْتُ كُلَّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ مَأْكَلًا لَكَ وَلِذُرِّيَّتِكَ) وَأَطْلَقْتُ ذَلِكَ أَيْ أَبَحْتُ ذَلِكَ كَنَبَاتِ الْعُشْبِ مَا خَلَا الدَّمَ فَلَا تَأْكُلُوهُ (ثُمَّ حُرِّمَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّوَابِّ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ (عَلَى لِسَانِ مُوسَى كَثِيرٌ) مِنْهَا كَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ السِّفْرُ الثَّالِثُ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهَذَا نَسْخٌ ظَاهِرٌ (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) عَلَيْهِمْ (بِتَحْرِيمِ السَّبْتِ) أَيْ الْعَمَلِ الدُّنْيَوِيِّ كَالِاصْطِيَادِ فِيهِ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (بَعْدَ إبَاحَتِهِ) قَبْلَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَوُجُوبِ الْخِتَانِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْيَهُودِ (يَوْمَ الْوِلَادَةِ) وَقِيلَ: فِي ثَامِنِ يَوْمِهَا (بَعْدَ إبَاحَتِهِ فِي مِلَّةِ يَعْقُوبَ) أَوْ فِي شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ الْمُكَلَّفُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَإِبَاحَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي شَرِيعَةِ يَعْقُوبَ وَتَحْرِيمِهِ عِنْدَ الْيَهُودِ وَكُلُّ ذَلِكَ نُسِخَ (فَيُدْفَعُ بِأَنَّ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَيْسَ نَسْخًا) وَإِبَاحَةُ هَذِهِ الْأُمُورِ كَانَتْ بِأَصْلٍ فَلَا يَكُونُ رَفْعُهَا نَسْخًا (وَالْحُكْمُ بِالْإِبَاحَةِ وَإِنْ كَانَ حُكْمًا بِتَحْقِيقِ كَلِمَتِهِ النَّفْسِيَّةِ وَهِيَ) أَيْ كَلِمَتُهُ النَّفْسِيَّةُ هِيَ (الْحُكْمُ لَكِنَّ) الْحُكْمَ (الشَّرْعِيَّ أَخَصُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ (وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ (مَا عُلِّقَ بِهِ خِطَابٌ فِي شَرِيعَةٍ) عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا تَقَرَّرَتْ تِلْكَ الْإِبَاحَاتُ فِي تِلْكَ الشَّرَائِعِ صَارَتْ بِحُكْمِ تَقْرِيرِ أَنْبِيَائِهَا مِنْ حُكْمِ شَرَائِعِهِمْ فَيَكُونُ رَفْعُهَا رَفْعَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَيَكُونُ نَسْخًا وَأَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْتَزَمُوهُ) أَيْ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ (نَسْخًا؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ لَمْ يُتْرَكُوا سُدًى) أَيْ مُهْمَلِينَ غَيْرَ مَأْمُورِينَ وَلَا مَنْهِيِّينَ (فِي وَقْتٍ) مِنْ الْأَوْقَاتِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ بَلْ كَلَامُهُمْ يُفِيدُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ حَيْثُ قَالُوا: رَفْعُ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَسْخٌ عِنْدَنَا (فَلَا إبَاحَةَ وَلَا تَحْرِيمَ قَطُّ إلَّا بِشَرْعٍ فَمَا يُذْكَرُ مِنْ حَالِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الشَّرْعِ فَرْضٌ وَأَمَّا) النَّسْخُ (فِي شَرِيعَةٍ) وَاحِدَةٍ (فَوُجُوبُ التَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ) أَيْ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] بَعْدَ أَنْ كَانَ التَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (وَنَسْخُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ) الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 180] كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي النَّاسِخِ مَا هُوَ وَسَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ (وَكَثِيرٌ) وَسَتَقِفُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُ فَالْحَقُّ أَنَّهُ (لَا يُنْكِرُهُ إلَّا مُكَابِرٌ أَوْ جَاهِلٌ بِالْوَقَائِعِ) قَالَ (الْمَانِعُونَ سَمْعًا لَوْ نُسِخَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى لَبَطَلَ قَوْلُهُ هَذِهِ شَرِيعَةٌ مُؤَبَّدَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ) قَالُوا وَالتَّالِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ (أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (قَالَهُ) بَلْ هُوَ مُخْتَلِفٌ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مُتَوَاتِرًا وَكَوْنِهِ فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ الْآنَ مِنْ التَّوْرَاةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَوَّلِ كَذِبٍ انْتَحَلُوهُ فِيهَا وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ قِيلَ أَوَّلُ مَنْ اخْتَلَقَهُ لِلْيَهُودِ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ لِيُعَارِضَ بِهِ دَعْوَى رِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا رَيْبَ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الِاخْتِلَاقِ إنْ مَاتَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (وَإِلَّا) لَوْ قَالَهُ (لَقَضَتْ الْعَادَةُ بِمُحَاجَّتِهِمْ) أَيْ الْيَهُودِ (بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْقَوْلِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحِرْصِهِمْ عَلَى مُعَارَضَتِهِ وَدَفْعِ دَعْوَى رِسَالَتِهِ (وَشُهْرَتِهِ) أَيْ وَلَقَضَتْ الْعَادَةُ بِشُهْرَةِ الْحِجَاجِ بِهِ لَوْ وَقَعَ الْحِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْخَطِيرَةَ لَا يَخْفَى وُقُوعُهَا وَتَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا وَلَمْ يُنْقَلْ مُحَاجَّتُهُمْ بِهِ وَلَا اُشْتُهِرَ وُقُوعُ الْحِجَاجِ بِهِ، ثُمَّ نَمْنَعُ كَوْنَهُ مُتَوَاتِرًا عَنْهُ وَلَوْ زَعَمُوا أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ التَّوْرَاةِ (لِأَنَّهُ لَا تَوَاتُرَ فِي نَقْلِ التَّوْرَاةِ الْكَائِنَةِ الْآنَ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ عَلَى إحْرَاقِ بُخْتِ نَصَّرَ أَسْفَارَهَا وَ) أَنَّهُ (لَمْ يَبْقَ مَنْ يَحْفَظُهَا. وَذَكَرَ

أَحْبَارُهُمْ أَنَّ عُزَيْرًا أُلْهِمَهَا فَكَتَبَهَا وَدَفَعَهَا إلَى تِلْمِيذِهِ لِيَقْرَأَهَا عَلَيْهِمْ) فَأَخَذُوهَا مِنْ التِّلْمِيذِ وَبِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَثْبُتُ التَّوَاتُرُ وَبَعْضُهُمْ زَعَمَ أَنَّ التِّلْمِيذَ زَادَ فِيهَا وَنَقَصَ فَكَيْفَ يُوثَقُ بِمَا هَذَا سَبِيلُهُ (وَلِذَا لَمْ تَزُلْ نُسَخُهَا الثَّلَاثُ) الَّتِي بِأَيْدِي الْعَنَانِيَّةِ وَاَلَّتِي بِأَيْدِي السَّامِرِيَّةِ وَاَلَّتِي بِأَيْدِي النَّصَارَى (مُخْتَلِفَةً فِي أَعْمَارِ الدُّنْيَا) وَأَهْلِهَا فَفِي نُسْخَةِ السَّامِرِيَّةِ زِيَادَةُ أَلْفِ سَنَةٍ وَكَسْرٍ عَلَى مَا فِي نُسْخَةِ الْعَنَانِيَّةِ وَفِي الَّتِي فِي أَيْدِي النَّصَارَى زِيَادَةُ أَلْفٍ وَثَلَثِمِائَةِ سَنَةٍ وَفِيهَا الْوَعْدُ بِخُرُوجِ الْمَسِيحِ وَبِخُرُوجِ الْعَرَبِيِّ صَاحِبِ الْجَمَلِ وَارْتِفَاعِ تَحْرِيمِ السَّبْتِ عِنْدَ خُرُوجِهِمَا كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا. وَفِي تَتِمَّةِ الْمُخْتَصَرِ فِي أَخْبَارِ الْبَشَرِ لِلشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ الْوَرْدِيِّ مَا مُلَخَّصُهُ نُسَخُ التَّوْرَاةِ ثَلَاثَةٌ: السَّامِرِيَّةُ وَالْعِبْرَانِيَّة وَهِيَ الَّتِي بِأَيْدِي الْيَهُودِ إلَى زَمَانِنَا وَعَلَيْهَا اعْتِمَادُهُمْ وَكِلْتَاهُمَا فَاسِدَةٌ لِإِنْبَاءِ السَّامِرِيَّةِ بِأَنَّ مِنْ هُبُوطِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الطُّوفَانِ أَلْفَيْ سَنَةٍ وَثَلَثَمِائَةٍ وَسَبْعُ سِنِينَ وَكَانَ الطُّوفَانُ لِسِتِّمِائَةٍ خَلَتْ مِنْ عُمْرِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَعَاشَ آدَم تِسْعَمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً بِاتِّفَاقٍ فَيَكُونُ نُوحٌ عَلَى حُكْمِ هَذِهِ التَّوْرَاةِ أَدْرَكَ جَمِيعَ آبَائِهِ إلَى آدَمَ وَمِنْ عُمْرِ آدَمَ فَوْقَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَهُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَلِإِنْبَاءِ الْعِبْرَانِيَّةِ بِأَنَّ بَيْنَ هُبُوطِ آدَمَ وَالطُّوفَانِ أَلْفَيْ سَنَةٍ وَخَمْسَمِائَةٍ وَسِتًّا وَخَمْسِينَ سَنَةً وَبَيْنَ الطُّوفَانِ وَوِلَادَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِائَتَيْ سَنَةٍ وَاثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً وَعَاشَ نُوحٌ بَعْدَ الطُّوفَانِ ثَلَثَمِائَةِ سَنَةٍ بِاتِّفَاقٍ فَيَكُونُ نُوحٌ أَدْرَكَ مِنْ عُمْرِ إبْرَاهِيمَ ثَمَانِيًا وَخَمْسِينَ سَنَةً وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّ قَوْمَ هُودٍ أُمَّةٌ نَجَتْ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ وَأُمَّةُ صَالِحٍ نَجَتْ بَعْدَ أُمَّةِ هُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَأُمَّتُهُ بَعْدَ أُمَّةِ صَالِحٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: خَبَرًا عَنْ هُودٍ فِيمَا يَعِظُ بِهِ قَوْمَهُ وَهُمْ عَادٌ {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} [الأعراف: 69] وقَوْله تَعَالَى خَبَرًا عَنْ صَالِحٍ فِيمَا يَعِظُ بِهِ قَوْمَهُ وَهُمْ ثَمُودُ {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} [الأعراف: 74] وَالنُّسْخَةُ الثَّالِثَةُ الْيُونَانِيَّةُ وَذَكَرَ أَنَّهَا اخْتَارَهَا مُحَقِّقُو الْمُؤَرِّخِينَ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي الْإِنْكَارَ عَلَى الْمَاضِي مِنْ عُمُرِ الزَّمَانِ وَهِيَ تَوْرَاةٌ نَقَلَهَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبْرًا قَبْلَ وِلَادَةِ الْمَسِيحِ بِقَرِيبِ ثَلَثِمِائَةِ سَنَةً لِبَطْلَيْمُوسَ الْيُونَانِيِّ بَعْدَ الْإِسْكَنْدَرِ قُلْت وَهَذِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ تَوَاتُرُهَا وَلَا اشْتِمَالُهَا عَلَى هَذَا وَقَالَ الطُّوفِيُّ وَالْمُخْتَارُ فِي الْجَوَابِ إنَّ فِي التَّوْرَاةِ نُصُوصًا كَثِيرَةً وَرَدَتْ مُؤَبَّدَةً، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّوْقِيتُ بِمُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ كَقَوْلِهِ إذَا خَرِبَتْ صُوَرٌ لَا تُعَمَّرُ أَبَدًا، ثُمَّ إنَّهَا عُمِّرَتْ بَعْدَ خَمْسِينَ سَنَةً وَمِنْهَا إذَا خَدَمَ الْعَبْدُ سَبْعَ سِنِينَ أُعْتِقَ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْعِتْقَ اُسْتُخْدِمَ أَبَدًا، ثُمَّ أُمِرَ بِعِتْقِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ سَبْعِينَ سَنَةً أَوْ غَيْرَهَا وَإِذَا جَازَ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ الْمُؤَبَّدَةِ أَنْ يُرَادَ بِهَا التَّوْقِيتُ فَلِمَ لَا يَجُوزُ فِي نَصِّ مُوسَى عَلَى تَأْبِيدِ شَرِيعَتِهِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ قُلْت: عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ؛ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْأَبَدِ مَنْقُولٌ فِي التَّوْرَاةِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ قَالَ فِي الْعَبْدِ يُسْتَخْدَمُ سِتَّ سِنِينَ، ثُمَّ يُعْتَقُ فِي السَّابِعَةِ فَإِنْ أَبَى الْعِتْقَ فَلْيُثْقَبْ أُذُنُهُ وَلْيُسْتَخْدَمْ أَبَدًا مَعَ تَعَذُّرِ الِاسْتِخْدَامِ أَبَدًا بَلْ الْعُمْرَ أَبَدًا فَأَطْلَقَ الْأَبَدَ عَلَى الْعُمْرِ فَقَطْ انْتَهَى، وَكَذَا فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ وَزَادَ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُسْتَخْدَمُ خَمْسَ سِنِينَ، ثُمَّ يُعْتَقُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَهَذَا اضْطِرَابٌ فِي التَّوْرَاةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى خُصُوصِ هَذَا الْفَرْعِ أَيْضًا وَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَبْدِيلِهِمْ وَتَحْرِيفِهِمْ كَمَا صَرَّحَ الْقُرْآنُ بِهِ، هَذَا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مَانِعِي جَوَازِهِ سَمْعًا فَرِيقَانِ: مَنْ لَا يَمْنَعُهُ عَقْلًا: وَمَنْ يَمْنَعُهُ عَقْلًا أَيْضًا فَقَدْ اجْتَمَعَا فِي الْوَجْهِ السَّمْعِيِّ الْمَذْكُورِ وَانْفَرَدَ مَانِعُوهُ سَمْعًا وَعَقْلًا بِوُجُوهٍ عَقْلِيَّةٍ مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (قَالُوا) أَيْ مَانِعُوا جَوَازِهِ سَمْعًا وَعَقْلًا وَإِنَّمَا لَمْ يُفْصِحْ بِهِمْ هَكَذَا لِإِرْشَادِ الْمَقُولِ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُ وَجْهٌ عَقْلِيٌّ وَهُوَ الْحُكْمُ (الْأَوَّلُ إمَّا مُقَيَّدٌ بِغَايَةٍ) أَيْ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ مُعَيَّنٍ (فَالْمُسْتَقْبَلُ) أَيْ فَالْحُكْمُ الَّذِي بِخِلَافِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ كَمَنْ يَقُولُ: صُمْ إلَى الْغَدِ، ثُمَّ يَقُولُ فِي الْغَدِ لَا تَصُمْ (لَيْسَ نَسْخًا) لِلْأَوَّلِ (إذْ لَيْسَ رَفْعًا) لِلْأَوَّلِ قَطْعًا بَلْ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ انْتَهَى بِنَفْسِهِ بِانْتِهَاءِ وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ (أَوْ) مُقَيَّدٌ (بِتَأْبِيدٍ فَلَا رَفْعَ) أَيْضًا فِيهِ (لِلتَّنَاقُضِ) عَلَى تَقْدِيرِ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِخْبَارُ بِتَأْبِيدِ الْحُكْمِ وَبِنَفْيِ تَأْبِيدِهِ، وَالتَّنَاقُضُ عَلَيْهِ

تَعَالَى بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْعَجْزِ عَنْ إيرَادِ مَا لَا تَنَاقُضَ فِيهِ وَمُسْتَلْزِمٌ لِلْكَذِبِ وَهُوَ مُحَالٌ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْعَالِمِ الْقَادِرِ الصَّادِقِ فَلَا نَسْخَ (وَلِتَأْدِيَتِهِ) أَيْ جَوَازِ نَسْخِهِ أَيْضًا (إلَى تَعَذُّرِ الْإِخْبَارِ بِهِ) أَيْ بِالتَّأْبِيدِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إذْ مَا مِنْ عِبَارَةٍ تُذْكَرُ لَهُ إلَّا وَيَقْبَلُ النَّسْخَ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ لَهُ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ عَلَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ وَكَيْفَ لَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةِ يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ وَالْإِخْبَارُ بِهِ (وَ) إلَى (نَفْيِ الْوُثُوقِ) بِتَأْبِيدِ حُكْمٍ مَا أَيْضًا (فَلَا يُجْزَمُ بِهِ) أَيْ بِالتَّأْبِيدِ فِي أَحْكَامٍ نَطَقَ دِينُ الْإِسْلَامِ بِتَأْبِيدِهَا أَعْنِي (فِي نَحْوِ الصَّلَاةِ) أَيْ فَرْضِيَّتِهَا وَفَرْضِيَّةِ الصَّوْمِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ بَلْ (وَشَرِيعَتُكُمْ) أَيْ وَلَا نَجْزِمُ بِتَأْبِيدِهَا أَيْضًا بَلْ تَجُوزُ نَسْخُهَا إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ غَيْرُ النَّصِّ الصَّرِيحِ عِنْدَكُمْ بِتَأْبِيدِهَا وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ التَّأْبِيدُ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ النَّسْخِ جَازَ نَسْخُهَا لَكِنْ جَوَازُ نَسْخِهَا بَاطِلٌ عِنْدَكُمْ (الْجَوَابُ إنْ عُنِيَ بِالتَّأْبِيدِ إطْلَاقُهُ) أَيْ الْحُكْمِ عَنْ التَّوْقِيتِ وَالتَّأْبِيدِ (فَلَا يَمْتَنِعُ) جَوَازُ نَسْخِهِ (إذْ لَا دَلَالَةَ لَفْظِيَّةَ عَلَيْهِ) أَيْ امْتِنَاعِ جَوَازِ نَسْخِهِ فَإِنَّ التَّوْقِيتَ وَالتَّأْبِيدَ وَالْبَقَاءَ وَالِاسْتِمْرَارَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْمُطْلَقِ وَبَقَاءُ التَّعَلُّقِ وَالْوُجُوبِ وَعَدَمُ بَقَائِهِمَا غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ الصِّيغَةِ (بَلْ إنَّهُ) أَيْ النَّسْخَ (مَشْرُوعٌ) فِيمَا هَذَا شَأْنُهُ (أَوْ) عُنِيَ بِالتَّأْبِيدِ (صَرِيحَهُ) أَيْ التَّأْبِيدِ (فَكَذَلِكَ) أَيْ لَا امْتِنَاعَ لِنَسْخِهِ (إنْ جَعَلَ) التَّأْبِيدَ (قَيْدًا لِلْفِعْلِ الْوَاجِبِ) إذْ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ دَوَامِ الْفِعْلِ وَعَدَمِ دَوَامِ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ كَ صُمْ رَمَضَانَ أَبَدًا فَإِنَّ التَّأْبِيدَ قَيْدٌ لِلصَّوْمِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ الْوَاجِبِ لَا لِإِيجَابِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إنَّمَا يَعْمَلُ بِمَادَّتِهِ لَا بِهَيْئَتِهِ وَدَلَالَةُ الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ بِالْهَيْئَةِ لَا بِالْمَادَّةِ فَيَكُونُ الرَّمَضَانَاتُ كُلُّهَا مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لِلْوُجُوبِ بِالِاسْتِمْرَارِ إلَى الْأَبَدِ فَلَمْ يَكُنْ رَفْعُ الْوُجُوبِ وَهُوَ عَدَمُ اسْتِمْرَارِهِ مُنَاقِضًا لِلْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي صُمْ رَمَضَانَ فَإِنَّ جَمِيعَ الرَّمَضَانَاتِ دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْخِطَابِ وَإِذَا مَاتَ انْقَطَعَ الْوُجُوبُ قَطْعًا، وَلَمْ يَكُنْ نَفْيًا لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِشَيْءٍ مِنْ الرَّمَضَانَاتِ وَتَنَاوُلِ الْخِطَابِ لَهُ (لَا) إنْ جُعِلَ قَيْدًا فِي (وُجُوبِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْحُكْمُ بِأَنْ يُخْبِرَ أَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ أَبَدًا، ثُمَّ يُنْسَخُ حَتَّى يَأْتِيَ زَمَانٌ لَا وُجُوبَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ (وَإِنْ لَزِمَ) صَرِيحُ التَّأْبِيدِ (قَيْدًا لَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (فَمُخْتَلِفٌ) فِي جَوَازِ نَسْخِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ أَيْضًا وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، ثُمَّ كَمَا قَالَ أَيْضًا (وَلَا يُفِيدُ) هَذَا التَّرْدِيدُ مَنْعَ جَوَازِ النَّسْخِ مُطْلَقًا (لِجَوَازِهِ) أَيْ النَّسْخِ (بِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ الدَّلِيلِ الدَّالِ عَلَى جَوَازِهِ، ثُمَّ وُقُوعِهِ فَالتَّشْكِيكُ فِيهِ سَفْسَطَةٌ. (وَتَسْلِيمُ كَوْنِ الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ) بِالتَّأْبِيدِ (صَرِيحًا لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ لَا يُفِيدُهُمْ) أَيْ مَانِعِي جَوَازِ النَّسْخِ مُطْلَقًا (النَّفْيُ الْكُلِّيُّ) لِجَوَازِ النَّسْخِ (الَّذِي هُوَ مَطْلُوبُهُمْ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُقَيَّدَ بِالتَّأْبِيدِ أَقَلُّ مِنْ الْقَلِيلِ قَالُوا) أَيْ مَانِعُوا جَوَازِهِ سَمْعًا وَعَقْلًا؛ وَلِمَا ذَكَرْنَا (أَيْضًا) آنِفًا (لَوْ رُفِعَ) تَعَلُّقُ الْحُكْمِ (فَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ رَفْعُهُ (قَبْلَ وُجُودِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (فَلَا ارْتِفَاعَ) لَهُ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَهُ يَقْتَضِي سَابِقَةَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ الْأَصْلِيَّ لَا يَكُونُ ارْتِفَاعًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ (أَوْ) يَكُونُ رَفْعُهُ (بَعْدَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (أَوْ) يَكُونُ رَفْعُهُ (مَعَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (فَيَسْتَحِيلُ) رَفْعُهُ أَيْضًا لِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ مَا وُجِدَ وَانْقَضَى؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْمَعْدُومِ مُحَالٌ وَلِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ الشَّيْءِ حَالَ وُجُودِهِ لِلُزُومِ اجْتِمَاعِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَيُوجَدُ حِينَ لَا يُوجَدُ وَأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ (وَلِأَنَّهُ تَعَالَى: إمَّا عَالِمٌ بِاسْتِمْرَارِهِ) أَيْ بِدَوَامِ الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ (أَبَدًا فَظَاهِرٌ) أَنَّهُ لَا نَسْخَ وَإِلَّا يَلْزَمُ وُقُوعُ خِلَافِ عِلْمِ اللَّهِ وَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ جَهْلٌ وَالْبَارِئُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْهُ (أَوْ لَا) يَعْلَمُ اسْتِمْرَارَهُ أَبَدًا (فَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ (فِي عِلْمِهِ مُؤَقَّتٌ فَيَنْتَهِي) الْحُكْمُ (عِنْدَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَقْتِ (وَالْقَوْلُ الَّذِي يَنْفِيهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ (لَيْسَ رَفْعًا) لِحُكْمٍ ثَابِتٍ فَلَا يَكُونُ نَسْخًا (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) وَهُوَ (أَنَّهُ) لَوْ رُفِعَ فَإِمَّا قَبْلَ وُجُودِهِ إلَخْ (تَرْدِيدٌ فِي الْفِعْلِ) وَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ (لَا) فِي (الْحُكْمِ) وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ إذْ النَّسْخُ ارْتِفَاعُ الْحُكْمِ لَا الْفِعْلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ ارْتِفَاعِ الْفِعْلِ ارْتِفَاعُ الْحُكْمِ (وَلَوْ أَجْرَى) التَّرْدِيدَ (فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ (قُلْنَا الْمُرَادُ) بِالنَّسْخِ (انْقِطَاعُ تَعَلُّقِهِ) أَيْ الْحُكْمِ وَانْقِطَاعُ اسْتِمْرَارِهِ وَمَعْنَاهُ

مسألة جواز النسخ

إنْ وُجِدَ التَّعَلُّقُ بِالْفِعْلِ الَّذِي فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يُوجَدْ التَّعَلُّقُ بِالْفِعْلِ الَّذِي فِي الزَّمَانِ الثَّانِي فَارْتَفَعَ وَانْقَطَعَ الِاسْتِمْرَارُ الَّذِي كَانَ يَتَحَقَّقُ لَوْلَا النَّاسِخُ (كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّعْرِيفِ) ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ أَزَلِيًّا لَا يَرْتَفِعُ لَا أَنَّ الْفِعْلَ ارْتَفَعَ (وَنَخْتَارُ عِلْمَهُ) أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى عَلَى اسْتِمْرَارِ الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ (مُؤَقَّتٌ) أَيْ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي عَلِمَ أَنَّهُ يَنْسَخُهُ فِيهِ (وَيَتَضَمَّنُ) عِلْمُهُ بِهِ مُؤَقَّتًا (عِلْمُهُ بِالْوَقْتِ الَّذِي يَنْسَخُهُ فِيهِ) وَعِلْمُهُ بِارْتِفَاعِهِ بِنَسْخِهِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ النَّسْخَ بَلْ يُثْبِتُهُ وَيُحَقِّقُهُ (فَكَيْفَ يُنَافِيهِ) . [مَسْأَلَةٌ جَوَازِ النَّسْخِ] (مَسْأَلَةٌ. الِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ) لِلْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْفِعْلِ (بَعْدَ التَّمَكُّنِ) مِنْ الْفِعْلِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَكَلُّفِهِ بِهِ (بِمُضِيِّ مَا يَسَعُ) الْفِعْلَ (وَمِنْ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لَهُ) أَيْ لِلْفِعْلِ (شَرْعًا إلَّا مَا عَنْ الْكَرْخِيِّ) مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ سَوَاءٌ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الْفِعْلَ أَوْ لَا (وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ فِي النَّسْخِ (قَبْلَهُ) أَيْ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ (بِكَوْنِهِ) أَيْ النَّسْخِ (قَبْلَ) دُخُولِ (الْوَقْتِ) الْمُعَيَّنِ لِلْفِعْلِ (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لَهُ (قَبْلَ) مُضِيِّ (مَا يَسَعُ) الْفِعْلَ مِنْهُ سَوَاءٌ (شَرَعَ) فِي الْفِعْلِ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ، وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِنَفْيِ تَعْيِينِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ كَوْنَ الْخِلَافِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ وَلِذَا قَالَ فِي التَّصْوِيرِ قَبْلَ دُخُولِ عَرَفَةَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمِثَالُ الْوَاضِحُ (كَصُمْ غَدًا وَرَفْعُ) وُجُوبَ صَوْمِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ الْغَدِ (أَوْ) رَفَعَ (فِيهِ) أَيْ فِي الْغَدِ (وَإِنْ شَرَعَ) فِي صَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ (قَبْلَ التَّمَامِ) لِصِيَامِهِ (فَالْجُمْهُورُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ) مِنْهُمْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْأَشَاعِرَةُ قَالُوا (نَعَمْ) يَجُوزُ نَسْخُهُ (بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ) بِالْقَلْبِ لِحَقِّيَّتِهِ (وَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَالْكَرْخِيُّ) وَالْجَصَّاصُ وَالْمَاتُرِيدِيُّ وَالدَّبُوسِيُّ (وَالصَّيْرَفِيُّ لَا) يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا إذَا مَضَى مَا لَا يَسَعُ الْفِعْلَ وَحَصَلَ التَّمَكُّنُ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ يَظْهَرُ مِنْ بَعْضِ الْأَدِلَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ قَبْلَ نَفْسِ الْفِعْلِ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ إذْ قَالَ: وَلَنَا أَنَّ كُلَّ نَسْخٍ قَبْلَ الْفِعْلِ وَقَدْ اعْتَرَفْتُمْ بِثُبُوتِهِ فَلْيَلْزَمُكُمْ قَبْلَ الْفِعْلِ وَهَذَا مَعَ تَهَافُتِهِ يُفِيدُ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ قَبْلَ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِلِاتِّفَاقِ الْمَحْكِيِّ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَا عَنْ الْكَرْخِيِّ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَقَالَ: وَعِنْدَهُمْ هُوَ أَنَّ النَّسْخَ بَيَانُ مُدَّةِ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْفِعْلِ أَوْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ تَفْرِيطٌ مِنْ الْعَبْدِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى بَيَانِ مُدَّةِ الْعَمَلِ بِالنَّسْخِ انْتَهَى. فَكُلُّ مَا يُفِيدُ خِلَافَهُ تَسَاهُلٌ (لَنَا: لَا مَانِعٌ عَقْلِيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ) مِنْ ذَلِكَ (فَجَازَ وَنَسَخَ خَمْسِينَ) مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِفَرْضِ خَمْسٍ كَذَا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ بَطَّالٍ وَالشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ وَالشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ وَالْأَظْهَرُ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ نَسَخَ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تُفِيدُ نَسْخَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْهَا وَاسْتِمْرَارَ خَمْسٍ، ثُمَّ قَوْلُهُ (فِي) لَيْلَةِ (الْإِسْرَاءِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمِعْرَاجَ إلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ إلَى مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِسْرَاءَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ أَيْضًا وَأَنَّهُمَا كَانَا يَقَظَةً كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَإِلَّا فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ بَلْ فِي لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ هِيَ لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ (وَإِنْكَارُ الْمُعْتَزِلَةِ إيَّاهُ) أَيْ نَسْخَ الْخَمْسِينَ أَوْ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا، وَكَذَا إنْكَارُ جُمْهُورِهِمْ الْمِعْرَاجَ (مَرْدُودٌ بِصِحَّةِ النَّقْلِ) لِذَلِكَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ عَدَمِ إحَالَةِ الْعَقْلِ لَهُ فَإِنْكَارُهُ بِدْعَةٌ ضَلَالَةٌ وَأَمَّا إنْكَارُ الْإِسْرَاءِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فَكُفْرٌ، ثُمَّ قَوْلُهُمْ هَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِخَمْسِينَ صَلَاةٍ كَانَ لِلْأُمَّةِ وَلَوْ يُوجَدُ تَمَكُّنُهُمْ مِنْ الِاعْتِقَادِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْلَ الْعِلْمِ دُفِعَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِهَا، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْأُمَّةُ تَابِعَةٌ لَهُ وَقَدْ عَلِمَ وَاعْتَقَدَ عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ ظَهَرَ بِالنَّسْخِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْأَمْرِ بِخَمْسِينَ صَلَاةً دُونَ أُمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي الِابْتِدَاءِ مُتَنَاوِلًا لَهُ وَلَهُمْ فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُ الْمَرْوِيِّ أَنَّ أُمَّتَهُ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِهَا أَيْضًا فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا أُجِيبَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْتَلِي عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ فَإِذَا

نَسَخَ الْمَأْمُورَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ عَمَلِهِ لِلْجَمِيعِ وَمِنْ الِاعْتِقَادِ لِلْأُمَّةِ ظَهَرَ أَنَّ الِابْتِلَاءَ كَانَ بِالِاعْتِقَادِ وَالْقَبُولِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ وَلِأُمَّتِهِ وَلَا بِدْعَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبْتَلَى بِأُمَّتِهِ كَمَا يُبْتَلَى لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ فِي الشَّفَقَةِ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ كَالْأَبِ فِي حَقِّ وَلَدِهِ، وَالْأَبُ يُبْتَلَى بِوَلَدِهِ كَمَا يُبْتَلَى بِنَفْسِهِ فَلَمْ يُوجَدْ النَّسْخُ إلَّا بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ وَالْقَبُولِ، ثُمَّ الِابْتِلَاءُ بِهِمَا كَالِابْتِلَاءِ بِالْفِعْلِ بَلْ أَوْلَى حَتَّى كَانَ الْقَبُولُ إيمَانًا، وَالْفِعْلُ خِدْمَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِيمَانَ رَأْسُ الطَّاعَاتِ وَرَأْسُ الْعِبَادَاتِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ (لَا فَائِدَةَ) حِينَئِذٍ فِي التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَدَنِ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْأَحْكَامِ إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ الِابْتِلَاءُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ يَدُلَّانِ عَلَى وُجُوبِ نَفْسِ الْعَمَلِ لَا عَلَى الْعَزْمِ، وَالْعَقْدُ (مُنْتَفٍ بِأَنَّهَا) أَيْ الْفَائِدَةَ فِي التَّكْلِيفِ حِينَئِذٍ (الِابْتِلَاءُ لِلْعَزْمِ) عَلَى الْفِعْلِ إذَا حَضَرَ وَقْتُهُ وَتَهْيِئَةُ أَسْبَابِهِ وَإِظْهَارُ الطَّاعَةِ مِنْ نَفْسِهِ (وَوُجُوبُ الِاعْتِقَادِ) لِحَقِّيَّتِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَمَلَ وَحْدَهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بَلْ عَقْدُ الْقَلْبِ مَقْصُودٌ أَيْضًا وَكَيْفَ وَالطَّاعَةُ لَا تُتَصَوَّرُ بِدُونِهِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَلَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَهُ لَا يَصِحُّ فِعْلُهُ وَعَزِيمَةُ الْقَلْبِ قَدْ تَصِيرُ قُرْبَةً بِلَا فِعْلٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الْخَيْرِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَالْإِنْسَانُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ فَأَتَى بِهِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِقْرَارِ اللِّسَانِيِّ كَانَ إيمَانًا صَحِيحًا بِالْإِجْمَاعِ بَلْ الْفِعْلُ بِاحْتِمَالِ السُّقُوطِ فَوْقَ الْعَزِيمَةِ الْقَلْبِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَسْقُطُ بِعُذْرِ الْإِغْمَاءِ وَغَيْرِهِ وَالتَّصْدِيقُ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَصْلًا فَإِذَنْ اعْتِبَارُ التَّمَكُّنِ مِنْ عَزِيمَةِ الْقَلْبِ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ وَيَتَحَرَّرُ أَنَّ حُكْمَ النَّسْخِ بَيَانٌ لِمُدَّةِ عَمَلِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا تَارَةً وَلِمُدَّةِ عَمَلِ الْقَلْبِ وَحْدَهُ تَارَةً، وَإِنَّ الشَّرْطَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَهُوَ عَمَلُ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ رَئِيسُ الْأَعْضَاءِ إذْ ابْتِلَاؤُهُ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ فَكَانَ لَازِمًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَأَمَّا التَّمَكُّنُ مِنْ الْعَمَلِ فَمِنْ الزَّوَائِدِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ بَيَانًا لِمُدَّتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ وَكَوْنُ الْمَقْصُودِ الْعَمَلَ لَا غَيْرَ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَوَامِرِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهَا لِجَرِّ النَّفْعِ لَا لِلِابْتِلَاءِ وَذَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِالِاعْتِقَادِ (وَأَمَّا إلْحَاقُهُ) أَيْ جَوَازُ النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ (بِالرَّفْعِ) أَيْ رَفْعِ الْحُكْمِ (لِلْمَوْتِ) أَيْ لِمَوْتِ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِ مَا كُلِّفَ بِهِ فَكَمَا أَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ تَنَاقُضًا فَكَذَا النَّسْخُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ بِجَامِعِ اسْتِوَائِهِمَا فِي انْقِطَاعِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ (وَمَا قِيلَ: كُلُّ رَفْعٍ قَبْلَ) وَقْتِ (الْفِعْلِ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ فِي الْبَدِيعِ أَيْضًا (فَلَيْسَا بِشَيْءٍ لِتَقْيِيدِ الْأَوَّلِ) أَيْ الرَّفْعِ بِالْمَوْتِ (عَقْلًا) أَيْ بِالْعَقْلِ إذْ الْعَقْلُ قَاضٍ بِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ لِلْمَيِّتِ فَلَمْ يُوجَدْ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ بِالْمَوْتِ بِالْعَقْلِ لَا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّفْعِ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ (لَا مَا قِيلَ: مِنْ مَنْعِ تَكْلِيفِ الْمَعْلُومِ مَوْتَهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) مِنْ الْفِعْلِ (لِيُدْفَعَ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ) أَوْ لِزَامٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ قَالُوا بِالتَّكْلِيفِ قَبْلَ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَمُوتُ أَوْ لَا يَمُوتُ كَمَا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ (وَالثَّانِي) أَيْ كُلُّ رَفْعٍ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ (فِي غَيْرِ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ قَائِلَهُ (يُرِيدُ) أَيْ بِالْوَقْتِ (وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ) لَا لِلْفِعْلِ لِمَا ذَكَرْنَا سَالِفًا (وَالنِّزَاعُ) لَيْسَ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ النِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ رَفْعُ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ (فِي وَقْتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (الَّذِي حُدَّ لَهُ) أَيْ لِلْفِعْلِ شَرْعًا قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ مِنْهُ يَسَعُ الْفِعْلَ وَفِيمَا قَبْلَ حُضُورِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لِلْفِعْلِ شَرْعًا (وَاسْتَدَلَّ) لِلْمُخْتَارِ (بِقِصَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُمِرَ) بِذَبْحِ وَلَدِهِ فَأَفَادَ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ (ثُمَّ تَرَكَ) إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَبْحَهُ (فَلَوْ) كَانَ تَرْكُهُ لَهُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ (بِلَا نَسْخٍ) لِوُجُوبِهِ (عَصَى) بِتَرْكِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْصِ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ أَنَّ تَرْكَهُ لَهُ كَانَ لِنَسْخِ وُجُوبِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ (وَأُجِيبَ بِمَنْعِ وُجُوبِ الذَّبْحِ) عَنْ أَمْرٍ لَهُ بِهِ (بَلْ) رَأَى (رُؤْيَا فَظَنَّهُ) أَيْ الْوُجُوبَ ثَابِتًا لَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] فَنَسَبَهُ إلَى الْمَنَامِ (وَمَا تُؤْمَرُ) أَيْ وَقَوْلُ وَلَدِهِ لَهُ {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] (يَدْفَعُهُ) أَيْ مَنْعَ وُجُوبِ الذَّبْحِ لِانْصِرَافِهِ ظَاهِرًا إلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ

إذْ لَا مَذْكُورَ غَيْرُهُ فَإِنْ قِيلَ تُؤْمَرُ مُضَارِعٌ فَلَا يَعُودُ إلَى مَا مَضَى فِي الْمَنَامِ أُجِيبَ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ضَرُورَةَ إقْدَامِهِ عَلَى الذَّبْحِ بِتَهْيِئَةِ أَسْبَابِهِ (مَعَ) لُزُومِ (الْإِقْدَامِ عَلَى مَا يَحْرُمُ) مِنْ قَصْدِ الذَّبْحِ وَتَرْوِيعِ الْوَلَدِ (لَوْلَاهُ) أَيْ الْوُجُوبُ بِالْأَمْرِ وَإِلَّا لَكَانَ مُمْتَنِعًا شَرْعًا وَعَادَةً عَلَى أَنَّ مَنَامَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَحْيٌ مَعْمُولٌ بِهِ (وَعَلَى أَصْلِهِمْ) أَيْ وَيَدْفَعُ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى أَصْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ ثَابِتَةٌ عَقْلًا وَالشَّرْعُ كَاشِفٌ عَنْهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْزَالُ الْكُتُبِ وَإِرْسَالُ الرُّسُلِ وَتَمْكِينُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ فَهْمِ مَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ لِيَنْكَشِفَ لَهُمْ أَنَّ إرَاءَةَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا يُوهِمُ أَنَّهُ أَمْرٌ وَلَيْسَ بِأَمْرٍ (تَوْرِيطٌ لَهُ) أَيْ إيقَاعٌ لِإِبْرَاهِيمَ (فِي الْجَهْلِ فَيَمْتَنِعُ) بَلْ لَا يَجُوزُ لِآحَادِ الْمُكَلَّفِينَ فَكَيْفَ لِإِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ (جَازَ التَّأْخِيرُ) لِلذَّبْحِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ عِصْيَانٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَهُ (مُوَسَّعٌ) فَيَحْصُلُ التَّمَكُّنُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْوَقْتَ فَلَا يَكُونُ نَسْخًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ بَلْ بَعْدَهُ (فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا (الْمَطْلُوبُ) وَهُوَ النَّسْخُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ (لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ (بِالْمُسْتَقْبَلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بَاقٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ قَطْعًا فِي الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ فَإِذَا نُسِخَ عَنْهُ فَقَدْ نُسِخَ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ (وَهُوَ) أَيْ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ هُوَ (الْمَانِعُ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ النَّسْخِ لِاشْتِرَاطِهِمْ فِي تَحْقِيقِ النَّسْخِ كَوْنَ الْمَنْسُوخِ وَاجِبًا فِي وَقْتِهِ وَتَعَلُّقُ الْوُجُوبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُنَافِيهِ وَسَتَقِفُ قَرِيبًا عَلَى مَا فِي إطْلَاقِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتِمُّ فِي هَذَا (لَكِنْ نَقَلَ الْمُحَقِّقُونَ) كَالْحَنَفِيَّةِ (عَنْهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ (أَنَّهُ) أَيْ النَّسْخَ (بَيَانُ مُدَّةِ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ) النَّسْخُ (إلَّا بَعْدَ التَّمَكُّنِ) مِنْ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ (الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ) مِنْ شَرْعِ الْأَحْكَامِ (لَا الْعَزْمُ) عَلَى الْعَمَلِ (وَمَعَهُ) أَيْ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ (يَجُوزُ) النَّسْخُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ (لِأَنَّ الثَّابِتَ) حِينَئِذٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ (تَفْرِيطُ الْمُكَلَّفِ) فِي ذَلِكَ بِالتَّرْكِ لَهُ (وَلَيْسَ) تَفْرِيطُهُ (مَانِعًا) مِنْ النَّسْخِ (وَهَذَا) أَيْ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعَمَلِ (مُتَحَقِّقٌ فِي الْمُوَسَّعِ) فَيَجُوزُ فِيهِ النَّسْخُ عِنْدَهُمْ (وَدَفْعُهُ) أَيْ جَوَازِ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ فِي الْمُوَسَّعِ (بِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ فِي الْمُوَسَّعِ) فَلَا يَتَحَقَّقُ شَرْطُ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا (إنَّمَا يَصْدُقُ فِي الْمُضَيَّقِ) قَبْلَ وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا (وَإِلَّا فَقَدْ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ) فِي الْمُوَسَّعِ (وَلِذَا) أَيْ لِوُجُوبِهِ (لَوْ فَعَلَهُ) أَيْ الْوَاجِبَ (سَقَطَ بِخِلَافِ مَا) أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي (قَبْلَ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْمُضَيَّقِ وَالْمُوَسَّعُ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ (ثُمَّ الْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِهِمْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ الْعَمَلُ بِالْبَدَنِ (أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنَهُ مَقْصُودًا أَصْلِيًّا (لَا يُوجِبُ الْحَصْرَ) فِيهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ قَرِيبًا (وَمَنْعَهُ) أَيْ وُجُوبَ الذَّبْحِ مُوَسَّعًا (بِأَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ الذَّبْحِ (لَوْ كَانَ) مُوَسَّعًا (لَأَخَّرَ) الْمُكَلَّفُ بِفِعْلِهِ فِعْلَهُ (عَادَةً فِي مِثْلِهِ) أَيْ ذَبْحِ الْوَلَدِ إمَّا رَجَاءَ أَنْ يُنْسَخَ عَنْهُ أَوْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا فَيَسْقُطَ عَنْهُ لِعِظَمِ الْأَمْرِ (مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقْتَضِي الْمُبَادَرَةَ) إلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ (وَإِنْ كَانَ مَا كَانَ) وَكَيْفَ لَا وَهُوَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ (فَعَلَ) أَيْ ذَبَحَ وَ (لَكِنْ) كَانَ كُلَّمَا قَطَعَ شَيْئًا (الْتَحَمَ) أَيْ بَرَأَ وَاتَّصَلَ مَا تَفَرَّقَ عَقِيبَ الْقَطْعِ أَيْ كَانَ مَأْمُورًا وَلَكِنْ بِمَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ إمْرَارُ السِّكِّينِ عَلَى الْحَلْقِ وَالتَّحَامُلُ عَلَيْهِ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ مِنْ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ فَحَصَلَ مُطَاوِعُ الذَّبْحِ لَكِنْ انْعَدَمَ أَثَرُهُ وَطَرَأَ ضِدُّهُ عَقِبَهُ وَلِهَذَا قِيلَ لَهُ {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105] وَمُدِحَ عَلَى ذَلِكَ (دَعْوًى مُجَرَّدَةٌ) عَنْ الثُّبُوتِ (كَذَا) قَوْلُهُمْ (مُنِعَ) الْقَطْعُ (بِصَفِيحَةٍ) مِنْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ خُلِقَتْ عَلَى حَلْقِهِ أَيْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَثَرٌ لِوُجُودِ هَذَا الْمَانِعِ فَلَمْ يَحْصُلْ مُطَاوِعُ الذَّبْحِ دَعْوًى مُجَرَّدَةٌ مَعَ أَنْ كُلًّا خِلَافَ الْعَادَةِ وَالظَّاهِرِ، وَلَمْ يُنْقَلْ نَقْلًا مُعْتَبَرًا وَلَوْ صَحَّ لَنُقِلَ وَاشْتُهِرَ وَكَانَ مِنْ الْآيَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَدْ صَدَّقْت؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّك عَمِلْت فِي الْمُقَدَّمَاتِ عَمَلَ مُصَدِّقٍ لِلرُّؤْيَا بِقَلْبِهِ قُلْت لَكِنْ يُعَكِّرُ هَذَا مَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ عَنْ السُّدِّيِّ وَهُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ «لَمَّا أُمِرَ إبْرَاهِيمُ

- عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَبْحِ ابْنِهِ قَالَ الْغُلَامُ يَا أَبَتِ اُشْدُدْ عَلَيَّ رِبَاطِي لِئَلَّا أَضْطَرِبَ وَاكْفُفْ عَنِّي ثِيَابَكَ لِئَلَّا يَنْضَحَ عَلَيْكَ مِنْ دَمِي وَأَسْرِعْ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِي لِيَكُونَ أَهْوَنَ عَلَيَّ قَالَ فَأَمَرَّ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ وَهُوَ يَبْكِي فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى حَلْقِهِ صَفِيحَةً مِنْ نُحَاسٍ. قَالَ فَقَلَبَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَحَزَّ الْقَفَا فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] فَنُودِيَ أَنْ يَا إبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا فَإِذَا الْكَبْشُ فَأَخَذَهُ وَذَبَحَهُ وَأَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ يُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ يَا بُنَيَّ الْيَوْمَ وُهِبْتَ لِي» وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ «أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَّ السِّكِّينَ فَانْثَنَتْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ اطْعَنْ بِهَا طَعْنًا فَطَعَنَ بِهَا فَانْقَلَبَتْ فَنُودِيَ حِينَئِذٍ» ، ثُمَّ عَلَى هَذَا لَا يَتِمُّ قَوْلُهُ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الذَّبْحَ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (حِينَئِذٍ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ) لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ حِينَئِذٍ عَلَى حَقِيقَةِ الذَّبْحِ الَّذِي هُوَ قَطْعُ الْحَلْقِ عَلَى وَجْهٍ تَبْطُلُ بِهِ الْحَيَاةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَا يُجَوِّزُونَهُ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ هَذَا الْمَنْعُ (نَسْخٌ) لِلْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الذَّبْحُ (أَيْضًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ) مِنْهُ وَإِلَّا أَثِمَ بِتَرْكِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ أَنْ لَوْ كَانَ التَّكْلِيفُ بِحَقِيقَةِ الذَّبْحِ مَوْجُودًا حَالَةَ قِيَامِ هَذَا الْمَانِعِ بِحَلْقِهِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ بَلْ نَقُولُ زَالَ التَّكْلِيفُ بِحَقِيقَةِ الذَّبْحِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْمَانِعِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَانِعَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَكُونُ نَسْخًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ أَنْ لَوْ كَانَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، نَعَمْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْقَائِلَ بِالنَّسْخِ لَا يَقُولُ نُسِخَ بِالْمَانِعِ الْمَذْكُورِ بَلْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَإِنَّمَا يُذْكَرُ الْمَانِعُ الْمَذْكُورُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ فَيَكُونُ النَّسْخُ بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بِالْمَانِعِ لَا بِنَفْسِ الْمَانِعِ (وَلِلْحَنَفِيَّةِ) فِي جَوَابِهِمْ (مُنِعَ النَّسْخُ وَالتَّرْكُ) لِلْمَأْمُورِ بِهِ (لِلْفِدَاءِ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] (وَهُوَ) أَيْ الْفِدَاءُ (مَا يَقُومُ مَقَامَ الشَّيْءِ فِي تَلَقِّي الْمَكْرُوهِ) الْمُتَوَجِّهِ عَلَيْهِ وَمِنْهُ فَدَتْكَ نَفْسِي أَيْ قَبِلَتْ مَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْك مِنْ الْمَكْرُوهِ. وَحَاصِلُ مَا لَهُمْ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ، وَالْوَلَدُ وَنَحْوُهُ مَحَلٌّ لِلْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ فَهُوَ مَحَلُّ مَحَلِّ الْحُكْمِ وَمَحَلُّ الْحُكْمِ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْحُكْمِ فَضْلًا عَنْ مَحَلِّ مَحَلِّهِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ نَسْخُ الْحُكْمِ بِرَفْعِهِ لَا بِإِبْدَالِ مَحَلِّهِ بَلْ الْإِبْدَالُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْحُكْمِ غَيْرَ أَنَّهُ جُعِلَ مَحَلَّهُ فِدَاءً عِوَضًا عَنْ ذَاكَ فَإِذَنْ كَمَا قَالَ (فَلَوْ ارْتَفَعَ) وُجُوبُ ذَبْحِ الْوَلَدِ (لَمْ يُفِدْ) أَيْ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَلَمْ يُسَمَّ فِدَاءً لَهُ، وَالتَّالِي مُنْتَفٍ وَنَظِيرُهُ بَقَاءُ وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي عِنْدَ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ تَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِثْمُ (وَمَا قِيلَ) مِنْ الْإِيرَادِ عَلَى هَذَا (الْأَمْرِ بِذَبْحِهِ) أَيْ الْفِدَاءِ (بَدَلًا هُوَ النَّسْخُ) يَعْنِي جَعْلَ وُجُوبِ ذَبْحِ الْفِدَاءِ بَدَلًا عَنْ وُجُوبِ ذَبْحِ الْوَلَدِ وَهَذَا نَسْخٌ ظَاهِرٌ فَجَوَابُهُ هَذَا (مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِهِ) أَيْ ثُبُوتِ رَفْعِ ذَلِكَ الْوُجُوبِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَبْحِ الْوَلَدِ وَإِثْبَاتِ وُجُوبٍ آخَرَ لِذَبْحِ الْكَبْشِ (وَهُوَ) أَيْ ثُبُوتُ هَذَا (مُنْتَفٍ) وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ إبْدَالِ الْمَحَلِّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِبْدَالِ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُهُ بَلْ الْإِبْدَالُ كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعَ إيجَابٍ آخَرَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَإِذَا جَازَ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ مَعَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ اعْتِبَارٌ لَا يُؤَدِّي إلَى النَّسْخِ وَكُلُّ اعْتِبَارٍ كَذَلِكَ يَتَرَجَّحُ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ فَتَعَيَّنَ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي التَّلْوِيحِ فَإِنْ. قِيلَ: هَبْ أَنَّ الْخَلَفَ قَامَ مَقَامَ الْأَصْلِ لَكِنَّهُ اسْتَلْزَمَ حُرْمَةَ الْأَصْلِ أَعْنِي ذَبْحَ الْوَلَدِ وَتَحْرِيمُ الشَّيْءِ بَعْدَ وُجُوبِهِ نَسْخٌ لَا مَحَالَةَ فَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَوْنَهُ نَسْخًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ حُرْمَةَ ذَبْحِ الْوَلَدِ ثَابِتَةٌ فِي الْأَصْلِ فَزَالَتْ بِالْوُجُوبِ، ثُمَّ عَادَتْ بِقِيَامِ الشَّاةِ مَقَامَ الْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ حُكْمُهَا شَرْعِيًّا حَتَّى يَكُونَ ثُبُوتُهَا نَسْخًا لِلْوُجُوبِ انْتَهَى. قُلْت وَهَذَا عَلَى مِنْوَالِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَيْسَ نَسْخًا إمَّا عَلَى أَنَّهُ نَسْخٌ كَمَا الْتَزَمَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إذْ لَا إبَاحَةَ وَلَا تَحْرِيمَ قَطُّ إلَّا بِشَرْعٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا يَكُونُ رَفْعُ الْحُرْمَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَسْخًا، ثُمَّ إذَا كَانَ رَفْعُهَا نَسْخًا يَكُونُ ثُبُوتُهَا بَعْدَ رَفْعِهَا نَسْخًا أَيْضًا فَيَبْقَى الْإِيرَادُ الْمَذْكُورُ مُحْتَاجًا إلَى الْجَوَابِ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الذَّبِيحِ قَالَ أَبُو الرَّبِيعُ الطُّوفِيُّ فَالْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ إسْمَاعِيلُ وَأَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُ

مسألة نسخ حكم فعل لا يقبل حسنه وقبحه السقوط

إِسْحَاقُ وَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ الْقَوْلَانِ انْتَهَى وَيُعَكِّرُهُ مَا فِي الْكَشَّافِ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ إسْمَاعِيلُ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْعَبَّاسِ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ إِسْحَاقُ وَعَزَى الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثُ الْأَوَّلَ إلَى مُجَاهِدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَالثَّانِي إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ وَهَكَذَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ وَذَكَرَ كَوْنَهُ إِسْحَاقَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَكَوْنُهُ إسْمَاعِيلَ عَنْهُمْ النَّوَوِيُّ وَصَحَّحَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ إِسْحَاقُ وَابْنُ كَثِيرٍ أَنَّهُ إسْمَاعِيلُ وَزَادَ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ تَلَقَّاهُ مِمَّا حَرَّفَهُ النَّقَلَةُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ أَنَّهُ أَثْبَتُ وَالْبَيْضَاوِيُّ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ يَجُوزُ بِأَثْقَلَ، وَالْحُجَجُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَهَا مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا (قَالُوا) أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ (إنْ كَانَ) أَيْ الْمَنْسُوخُ (وَاجِبًا وَقْتَ الرَّفْعِ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ بِالنَّقِيضَيْنِ فِي وَقْتٍ) وَاحِدٍ وَتَوَارُدُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ مُحَالٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَقْتَ الرَّفْعِ (فَلَا نَسْخَ) لِعَدَمِ الرَّفْعِ (أُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي) وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَقْتَ الرَّفْعِ لِانْتِهَاءِ التَّكْلِيفِ بِهِ وَانْقِطَاعِهِ بِالنَّاسِخِ وَقْتَ وُرُودِهِ مُتَّصِلًا بِهِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ بَيَانُ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ فَيَكُونُ عَقِبَهَا بِالضَّرُورَةِ كَمَا أَنَّ الْمُكَلَّفَ مُكَلَّفٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَيَنْقَطِعُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ بِالْمَوْتِ عَقِبَهُ مُتَّصِلًا بِهِ (وَالْمَعْنَى رَفْعُ إيجَابِهِ) أَيْ إيجَابِ الْمَنْسُوخِ (حُكْمَهُ) الثَّابِتَ لَهُ (عِنْدَ حُضُورِ وَقْتِهِ) الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا (لَوْلَاهُ) أَيْ النَّاسِخُ (وَهُوَ) أَيْ رَفْعُ النَّاسِخِ حُكْمَ الْمَنْسُوخِ عِنْدَ حُضُورِ وَقْتِ الْمَنْسُوخِ الْمُقَدَّرِ لَهُ (مَمْنُوعُكُمْ) أَيُّهَا الْمُعْتَزِلَةُ حَيْثُ قُلْتُمْ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ مَانِعٌ مِنْ نَسْخِهِ (فَإِنْ أَجَزْتُمُوهُ) أَيْ رَفْعَ النَّاسِخِ حُكْمَ الْمَنْسُوخِ الْوَاجِبِ فِي الِاسْتِقْبَالِ (وَلَمْ تُسَمُّوهُ نَسْخًا فَلَفْظِيَّةٌ) أَيْ فَالْمُنَازَعَةُ لَفْظِيَّةٌ غَيْرُ ظَاهِرَةِ الْوَجْهِ (وَقَدْ وَافَقْتُمْ) عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ (وَأَيْضًا لَوْ صَحَّ) كَوْنُ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ مَانِعًا مِنْ نَسْخِهِ (انْتَفَى النَّسْخُ) مُطْلَقًا وَلَوْ بَعْدَ حُضُورِ زَمَنٍ مِنْ وَقْتِهِ يَسَعُ الْفِعْلَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَبْقَ لِتَحَقُّقِهِ مَسَاغٌ إلَّا بَعْدَ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ أَوْ مَعَهُ وَتَقَدَّمَ انْتِفَاءُ تَحَقُّقِهِ فِيهِمَا. (ثُمَّ اُسْتُبْعِدَ) هَذَا (عَنْهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ (لِذَلِكَ الرَّفْعِ مِنْهُمْ) أَيْ قَوْلِهِمْ فِي قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَازَ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّهُ مُوَسَّعٌ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنْ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ النَّسْخِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا (وَلِلتَّعَارُضِ) فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ النَّسْخُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ وَقَوْلِهِمْ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ مَانِعٌ مِنْ نَسْخِهِ (يَجِبُ نِسْبَةُ ذَاكَ) الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ عَنْهُمْ إلَيْهِمْ لِسَلَامَتِهِ عَنْ التَّعَارُضِ حَمْلًا لِكَلَامِ الْعُقَلَاءِ عَلَى عَدَمِ الْمُنَاقَضَةِ مَا أَمْكَنَ وَإِنَّمَا قُلْت فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَظْهَرُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا فِي صُورَةِ مَا إذَا مَضَى زَمَنٌ مِنْ وَقْتِ الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا يَسَعُ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ، وَلَمْ يُبَاشِرْهُ فَإِنَّ مُقْتَضَى تَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ يُجَوِّزُ النَّسْخَ وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ لَمْ يَفْعَلْ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ بَاقٍ عَلَيْهِ فِي بَاقِي الْوَقْتِ يَمْنَعُ مِنْ النَّسْخِ وَمَعْلُومٌ أَنْ لَيْسَ كُلُّ نَسْخٍ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ مِنْ وَقْتِ الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا وَقَبْلَ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي شَرْحِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَأَيْضًا لَوْ صَحَّ إلَخْ عَلَى مَا كَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ نَسْخُ حُكْمِ فِعْلٍ لَا يَقْبَلُ حُسْنُهُ وَقُبْحُهُ السُّقُوطَ] (مَسْأَلَةٌ. الْحَنَفِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَا يَجُوزُ نَسْخُ حُكْمِ فِعْلٍ لَا يَقْبَلُ حُسْنُهُ وَقُبْحُهُ السُّقُوطَ كَوُجُوبِ الْإِيمَانِ وَحُرْمَةِ الْكُفْرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ وَالْعَدَمَ بِحَالٍ لِقِيَامِ دَلِيلِهِ وَهُوَ الْعَقْلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ (وَالشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ) وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (فَرْعُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ) الْعَقْلِيَّيْنِ فَلَمَّا قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا يُمْنَعُ جَوَازُ نَسْخِهِمَا وَلَمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ الْأَشَاعِرَةُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا يَجُوزُ نَسْخُهُمَا عَقْلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ اسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ فِيهِمَا فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ (وَلَا) يَجُوزُ نَسْخُ حُكْمِ (نَحْوِ: الصَّوْمُ عَلَيْكُمْ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا اتِّفَاقًا) فَعِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ (لِلنُّصُوصِيَّةِ) عَلَى تَأْيِيدِ الْحُكْمِ بِذِكْرِهِ قَيْدًا لِلْحُكْمِ لَا لِلْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الصَّوْمُ (وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِذَلِكَ) التَّنْصِيصِ (عَلَى رَأْيٍ) فِي النَّصِّ وَهُوَ اللَّفْظُ الْمَسُوقُ لِلْمُرَادِ الظَّاهِرِ مِنْهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُتَقَدِّمِيهِمْ فَإِنَّ أَبَدًا

كَذَلِكَ هُنَا (وَعَلَى) رَأْيٍ (آخَرَ) فِيهِ وَهُوَ اللَّفْظُ الْمَسُوقُ لِمُرَادٍ ظَاهِرٍ مِنْهُ لَيْسَ بِمَدْلُولٍ وَضْعِيٍّ لَهُ كَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِي {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] كَمَا هُوَ قَوْلُ مُتَأَخِّرِيهِمْ يَكُونُ عَدَمُ جَوَازِ النَّسْخِ فِي هَذَا (لِلتَّأْكِيدِ) فَإِنَّ الْأَبَدَ الِاسْتِمْرَارُ الدَّائِمُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَسُوقًا لَهُ هُنَا فَهُوَ مَدْلُولٌ وَضْعِيٌّ لَهُ وَإِلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ تَحْقِيقِ الِاصْطِلَاحِ) فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الدَّلَالَةِ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَمْنَعُ كُلٌّ مِنْ النُّصُوصِيَّةِ وَالتَّأْكِيدِ جَوَازَ النَّسْخِ وَكَيْفَ يَمْنَعُ، وَالنَّصُّ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ فَضْلًا عَنْ النَّسْخِ فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ وَالتَّأْكِيدُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَمْنَعُ احْتِمَالَهُمَا فَلَا يَمْنَعُ احْتِمَالَ النَّسْخِ أَيْضًا. وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ احْتِمَالَهُ فَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ فَضْلًا عَنْ جَوَازِهِ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ فِي وَجْهٍ مَنَعَ جَوَازَ نَسْخِ هَذَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُفِيدُ الْحُكْمَ دَائِمًا، وَالنَّسْخُ يُفِيدُ عَدَمَ دَوَامِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ، ثُمَّ هُوَ فِي حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ مُوَافِقٌ لِلْبَدِيعِ لَكِنْ فِي شَرْحِهِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ فِي الْأَحْكَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَ جَوَازَ نَسْخِهِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُ هَذَا، وَقَالَ السُّبْكِيُّ إذَا قَالَهُ إنْشَاءً يَجُوزُ نَسْخُهُ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ (وَاخْتُلِفَ فِي) حُكْمِ (ذِي مُجَرَّدَ تَأْبِيدٍ قَيْدًا لِلْحُكْمِ) كَ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا صَوْمُ رَمَضَانَ فَإِنَّ أَبَدًا نَصٌّ فِي ظَرْفِيَّتِهِ لِلْوُجُوبِ لَا لِلصَّوْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَعْمَلُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ (لَا الْفِعْلَ كَصُومُوا أَبَدًا) فَإِنَّ أَبَدًا ظَرْفٌ لِلصَّوْمِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْمُخَاطَبِينَ لَا لِإِيجَابِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إنَّمَا يَعْمَلُ بِمَادَّتِهِ لَا بِهَيْئَتِهِ وَدَلَالَةُ الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ بِالْهَيْئَةِ لَا بِالْمَادَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا سَالِفًا، ثُمَّ هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا إمَّا أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِ نَسْخِهِ، وَإِمَّا أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ نَسْخِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ جَوَازَ نَسْخِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ (أَوْ) فِي حُكْمِ ذِي مُجَرَّدَ (تَأْقِيتٍ قَبْلَ مُضِيِّهِ كَحُرْمَتِهِ عَامًّا) حَالَ كَوْنِ حُرْمَتِهِ (إنْشَاءً فَالْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ (يَجُوزُ) نَسْخُهُ. (وَطَائِفَةٌ كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَأَبِي مَنْصُورٍ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيِّ) وَأَبِي بَكْرٍ الْجَصَّاصِ (يَمْتَنِعُ) نَسْخُهُ (لِلُزُومِ الْكَذِبِ) فِي الْأَوَّلِ لِلتَّنَاقُضِ (أَوْ الْبَدَاءِ) عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ عَلَى تَقْدِيرِ النَّسْخِ (وَهُوَ) أَيْ اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ هُوَ (الْمَانِعُ) مِنْ النَّسْخِ (فِي الْمُتَّفَقِ) عَلَى عَدَمِ جَوَازِ نَسْخِهِ مِنْ نَحْوِ مُسْتَمِرٍّ أَبَدًا فَكَذَا يَكُونُ مَانِعًا فِي هَذَا الْمُخْتَلِفِ فِي جَوَازِ نَسْخِهِ (قَالُوا) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ لِلنَّسْخِ فِي الْأَوَّلِ أَبَدًا (ظَاهِرٌ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ) الْمُسْتَقْبَلَةِ (فَجَازَ تَخْصِيصُهُ) بِوَقْتٍ مِنْهَا دُونَ وَقْتٍ كَمَا هُوَ حُكْمُ سَائِرِ الظَّوَاهِرِ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ فِي الْأَزْمَانِ كَالتَّخْصِيصِ فِي الْأَعْيَانِ (قُلْنَا نَعَمْ) يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ (إذَا اقْتَرَنَ) الْمَخْصُوصُ (بِدَلِيلِهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ (فَيُحْكَمُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ اقْتِرَانِهِ بِدَلِيلِ التَّخْصِيصِ (بِأَنَّهُ) أَيْ التَّأْبِيدَ فِي الْمُخْتَلِفِ فِيهِ (مُبَالَغَةٌ) فِي إرَادَةِ الزَّمَنِ الطَّوِيلِ مَجَازًا إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَتُهُ الَّتِي هِيَ الِاسْتِمْرَارُ وَالدَّوَامُ الْمُفِيدُ لِاسْتِغْرَاقِ الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا (أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُهُ (الثَّابِتُ) فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (فَذَلِكَ اللَّازِمُ) أَيْ فَإِرَادَةُ تَخْصِيصِهِ بِالْبَعْضِ يَلْزَمُهُ لُزُومُ الْكَذِبِ (وَحَاصِلُهُ حِينَئِذٍ) أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ (يَرْجِعُ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي دَلِيلِ التَّخْصِيصِ) لِلْعَامِّ الْمَخْصُوصِ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (وَالْحَقُّ أَنَّ لُزُومَ الْكَذِبِ) إنَّمَا هُوَ (فِي الْإِخْبَارِ الْمُفِيدِ لِلتَّأْبِيدِ كَمَاضٍ) أَيْ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي التَّقْسِيمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ آنِفًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَأْبِيدِ الْحُكْمِ تَأْبِيدُهُ مَا دَامَتْ دَارُ التَّكْلِيفِ فَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَأْبِيدٌ لَا تَأْقِيتٌ قُلْت غَيْرَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ مَنْعُ النَّسْخَ فِي نَحْوِ هَذَا الْأَجَلِ لُزُومُ الْكَذِبِ عَلَى تَقْدِيرِ النَّسْخِ فَهُوَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خَبَرٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ التَّأْبِيدِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُقَيَّدُ بِالتَّأْبِيدِ وَعَدَمُهُ (فَلِذَا) أَيْ لُزُومِ الْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ عَلَى تَقْدِيرِ نَسْخِهِ. (اتَّفَقَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ نَسْخِهِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْخِلَافُ) إنَّمَا هُوَ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْخَبَرِ الْمُقَيَّدِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَرْعِيٍّ غَيْرِ مُقَيَّدٍ بِالتَّأْبِيدِ إذَا كَانَ (مِمَّا يَتَغَيَّرُ مَعْنَاهُ كَكُفْرِ زَيْدٍ)

مسألة لا يجري النسخ في الأخبار

وَإِيمَانِهِ أَيْ كَالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَبَدَّلَ بِالْآخَرِ فَالْمُخْتَارُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَاضِيًا أَوْ حَالًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ وَهُوَ الْحَقُّ وَفِي شَرْحِ عَضُدِ الدِّينِ وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيَّانِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ إلَى الْمُعَظَّمِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ إنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا جَازَ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَكْذِيبًا (بِخِلَافِ حُدُوثِ الْعَالَمِ) أَيْ الْإِخْبَارِ بِمَا لَا يَتَبَدَّلُ قَطْعًا لِعَدَمِ إمْكَانِ احْتِمَالِهِ لِلتَّبْدِيلِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ كَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ فَإِنَّ اتِّصَافَ الْعَالَمِ بِالْحُدُوثِ لَا يَتَبَدَّلُ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْقِدَمُ قَطْعًا هَذَا (وَلَازِمُ تَرَاخِي الْمُخَصَّصِ مِنْ التَّعْرِيضِ عَلَى الْوُقُوعِ فِي غَيْرِ الْمَشْرُوعِ) كَمَا سَلَفَ بَيَانُهُ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (غَيْرُ لَازِمٍ هُنَا) أَيْ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْإِخْبَارِ لِمَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ الْمُقَيَّدَ بِالتَّأْبِيدِ (بَلْ غَايَتُهُ) أَيْ جَوَازِ نَسْخِ هَذَا أَنَّهُ يَلْزَمُ (اعْتِقَادُ أَنَّهُ) أَيْ حُكْمَ الْإِخْبَارِ (لَا يُرْفَعُ) فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذْ الْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ غَيْبٌ لَا يُوقِفُ عَنْ الْعَمَلِ (وَهُوَ) اعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا يُرْفَعُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (غَيْرُ ضَائِرٍ) فِي الْعَمَلِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَلَا فِي تَرْكِ الْعَمَلِ فِي الِاسْتِقْبَالِ إذَا ظَهَرَ الرَّافِعُ لَهُ لِوُجُودِ الْمُزِيلِ حِينَئِذٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِقْبَالِ (فَالْوَجْهُ الْجَوَازُ) لِنَسْخِ الْحُكْمِ الْإِنْشَائِيِّ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ (كَصُمْ غَدًا ثُمَّ نُسِخَ قَبْلَهُ) أَيْ الْغَدِ (فَإِنَّهُ) أَيْ جَوَازَ نَسْخِهِ (اتِّفَاقٌ) ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ الْتِزَامًا فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، ثُمَّ نُسِخَ قَبْلَ انْقِضَاءِ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ نَسْخِ صُمْ غَدًا قَبْلَ مَجِيئِهِ وَبَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ نَسْخِ صُمْ أَبَدًا عُسْرٌ. (وَمَا قِيلَ) وَقَائِلُهُ عَضُدُ الدِّينِ (لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إيجَابِ فِعْلٍ مُقَيَّدٍ بِالْأَبَدِ وَعَدَمِ أَبَدِيَّةِ التَّكْلِيفِ) بِالْفِعْلِ أَيْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ أَبَدِيًّا وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ إيجَابُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الدَّوَامِ إنَّمَا يُنَاقِضُهُ عَدَمُ إيجَابِ الدَّوَامِ لَا عَدَمُ دَوَامِ الْإِيجَابِ (بَعْدَ مَا قَرَّرَ) هَذَا الْقَائِلُ (فِي النِّزَاعِ مِنْ أَنَّهُ) أَيْ النِّزَاعَ (عَلَى جَعْلِهِ) أَيْ التَّأْبِيدِ (قَيْدًا لِلْحُكْمِ مَعْنَاهُ بِالنَّسْخِ يَظْهَرُ خِلَافُهُ) أَيْ أَنَّ التَّأْبِيدَ لَيْسَ قَيْدًا لِلْحُكْمِ (وَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ هَذَا (أَنْ لَا يَجْعَلَ) مَا التَّأْبِيدُ فِيهِ قَيْدًا لِلْحُكْمِ (النِّزَاعُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ) الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُرَادُ (بَلْ هُوَ) أَيْ النِّزَاعُ (مَا) أَيْ التَّأْبِيدُ الَّذِي (هُوَ ظَاهِرٌ فِي تَقْيِيدِ الْحُكْمِ) لَا الَّذِي هُوَ نَصٌّ فِيهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ النِّزَاعُ فِيمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ بَلْ فِيمَا هُوَ نَصٌّ فِيهِ (فَالْجَوَابُ) بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إيجَابِ فِعْلٍ إلَخْ (عَلَى خِلَافِ الْمَفْرُوضِ) وَهُوَ أَنَّ النِّزَاعَ فِي الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ (وَحِينَئِذٍ فَقَدْ لَا يُخْتَلَفُ فِي الْجَوَازِ) لِنَسْخِهِ بَلْ وَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ نَسْخُ مِثْلِ صُومُوا أَبَدًا يَجُوزُ نَسْخُ وَاجِبٍ مُسْتَمِرًّا أَبَدًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا غَيْرَ أَنَّ عَضُدَ الدِّينِ الْقَائِلِ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إيجَابِ فِعْلٍ إلَخْ لَمْ يَجْعَلْ النِّزَاعَ فِي الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ بَلْ فِي الْفِعْلِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ فَإِنَّهُ قَالَ الْحُكْمُ الْمُقَيَّدُ بِالتَّأْبِيدِ إنْ كَانَ التَّأْبِيدُ قَيْدًا فِي الْفِعْلِ مِثْلُ صُومُوا أَبَدًا فَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِهِ وَإِنْ كَانَ التَّأْبِيدُ قَيْدًا لِلْوُجُوبِ وَبَيَانًا لِمُدَّةِ بَقَاءِ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِمْرَارِ فَإِنْ كَانَ نَصًّا مِثْلَ الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا لَمْ يُقْبَلْ خِلَافُهُ وَإِلَّا قُبِلَ وَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَجَازِ انْتَهَى. نَعَمْ أُورِدَ عَلَيْهِ كَيْفَ يَصِحُّ تَقْسِيمُ الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ إلَى كَوْنِهِ قَيْدًا لِلْفِعْلِ وَقَيْدًا لِلْوُجُوبِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْإِيجَابُ وَهُوَ غَيْرُ الْوُجُوبِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ التَّفْتَازَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: أَيْ الْمُشْتَمِلُ ذِكْرُهُ عَلَى مَا يُفِيدُ تَأْبِيدَ الْوَاجِبِ أَوْ الْوُجُوبِ هَذَا وَفِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَلَا طَائِلَ فِي هَذَا الْخِلَافِ إذْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَحْكَامِ حُكْمٌ مُقَيَّدٌ بِالتَّأْبِيدِ أَوْ التَّوْقِيتِ قَدْ نُسِخَ شَرْعِيَّتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ الْوَحْيِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةُ لَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ (الْجُمْهُورُ لَا يَجْرِي) النَّسْخُ (فِي الْأَخْبَارِ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَاضِيَةً أَوْ مُسْتَقْبَلَةً (لِأَنَّهُ) أَيْ النَّسْخَ فِيهَا هُوَ (الْكَذِبُ) وَالشَّارِعُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ وَالْحَقُّ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَجْرِي فِي وَاجِبَاتِ الْعُقُولِ بَلْ فِي جَائِزَاتِهَا وَتَحَقُّقِ الْمُخْبَرِ بِهِ فِي خَبَرِ مَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ

وَالْخُلْفُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالنَّسْخُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى الْكَذِبِ فَلَا يَجُوزُ (وَقِيلَ نَعَمْ) يَجْرِي فِيهَا مُطْلَقًا أَيْ مَاضِيَةً وَمُسْتَقْبَلَةً وَعْدًا وَوَعِيدًا وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ إذَا كَانَ مَدْلُولُهَا مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ وَعَزَاهُ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ إلَى بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ إذَا كَانَ مَدْلُولُهُ مُتَكَرِّرًا وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ عَامًّا كَمَا لَوْ قَالَ: عَمَّرْت زَيْدًا أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ تِسْعَمِائَةٍ أَوْ لَأُعَذِّبَنَّ الزَّانِيَ أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ أَرَدْت أَلْفَ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ النَّاسِخَ بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُ الْمَدْلُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَكَرِّرًا نَحْوَ أَهْلَكَ اللَّهُ زَيْدًا، ثُمَّ قَالَ مَا أَهْلَكَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَلَوْ أَخْبَرَ عَنْ إعْدَامِهِ وَبَقَائِهِ جَمِيعًا كَانَ تَنَاقُضًا وَمِنْهُمْ كَالْبَيْضَاوِيِّ مَنْ مَنَعَهُ فِي الْمَاضِي وَجَوَّزَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] إنَّ لَك أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى) وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه: 121] وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ الصِّلَةَ مُضَارِعٌ فَيَتَعَلَّقُ الْمِحْوَرُ بِمَا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ وَالْإِخْبَارُ يَتْبَعُهُ وَأَيْضًا الْوُجُودُ الْمُحَقَّقُ فِي الْمَاضِي لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ الثُّبُوتِ قِيلَ؛ وَلِأَنَّ الْكَذِبَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمَاضِي قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْمَفْهُومُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ أَجْلِهِ قَالَ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ وَيُسَمَّى مِنْ لَا يَفِي بِالْوَعْدِ مُخْلِفًا لَا كَاذِبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ «إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ كَانَ الْإِخْلَافُ كَذِبًا دَخَلَ تَحْتَ «وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ» وَالْأَوْجَهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَالْكَرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَعَلِّقَ بِالِاسْتِقْبَالِ كَ سَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ يَصِحُّ فِيهِ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ، وَالْوَعْدُ إنْشَاءٌ لَا خَبَرٌ وَالْإِخْلَافُ أَيْضًا كَذِبٌ وَلِلِاهْتِمَامِ بِهِ خَصَّصَهُ بِالذِّكْرِ، وَتَخْصِيصُهُ بِاسْمٍ آخَرَ لَا يُنَافِيهِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَمَّى، ثُمَّ تَقُولُ إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ الْكَذِبُ لَا يَكُونُ خَبَرًا فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُلَقَّبَةِ بِنَسْخِ الْأَخْبَارِ، ثُمَّ مِنْهُمْ كَابْنِ السَّمْعَانِيِّ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ فِي الْوَعْدِ؛ لِأَنَّ الْخُلْفَ فِي الْإِنْعَامِ عَلَى اللَّهِ مُسْتَحِيلٌ وَجَوَّزَهُ فِي الْوَعِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ خُلْفًا بَلْ عَفْوًا وَكَرَمًا وَعِبَارَةُ الْخَطَّابِيِّ: النَّسْخُ يَجْرِي فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَفْعَلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ بِخِلَافِ إخْبَارِهِ بِمَا لَا يَفْعَلُهُ إذْ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الشَّرْطِ فِيهِ وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَ ابْنُ عُمَرَ النَّسْخَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] فَإِنَّهُ نَسَخَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْعِ حَدِيثِ النَّفْسِ وَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّخْفِيفِ وَالْعَفْوِ عَنْ عِبَادِهِ وَهُوَ كَرْمٌ وَفَضْلٌ وَلَيْسَ بِخُلْفٍ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ أَنَّ الْخَبَرَ إنْ كَانَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ سَوَاءٌ فَإِذَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ بِالْحِلِّ مُطْلَقًا، ثُمَّ أَخْبَرَ بَعْدَهُ بِالْحُرْمَةِ بِنَسْخِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْهُمَا مُؤَبَّدًا لَا يُنْسَخُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ كَإِخْبَارِهِ أَنَّهُ يُدْخِلُ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ وَيُدْخِلُ الْكُفَّارَ النَّارَ فَعِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْأُصُولِ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْخُلْفِ فِي الْخَبَرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ فِي الْوَعِيدِ؛ لِأَنَّهُ كَرْمٌ لَا فِي الْوَعْدِ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ، وَكَذَا إذَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ بِأَنَّهُ يُولَدُ لِفُلَانٍ وَلَدٌ يَوْمَ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ إذْ خِلَافُهُ كَذِبٌ فَلَا يَجُوزُ فِي وَصْفِ اللَّهِ وَالنَّبِيُّ مَعْصُومٌ عَنْهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيِّ الْخَبَرُ الْوَارِدُ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ يَنْتَظِمُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعِبَادَةُ بِاعْتِقَادِ مُخْبِرِهِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ وَلَا التَّعَبُّدُ فِيهِ بِغَيْرِ الِاعْتِقَادِ الْأَوَّلِ وَالْمَعْنَى الْآخَرُ حِفْظُهُ وَتِلَاوَتُهُ وَهَذَا مِمَّا يَجُوزُ نَسْخُهُ وَإِنْ أُمِرْنَا بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَتَرْكِ تِلَاوَتِهِ حَتَّى يَنْدَرِسَ عَلَى مُرُورِ الْأَزْمَانِ فَيُنْسَى كَمَا نُسِخَ تِلَاوَةُ سَائِرِ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ، ثُمَّ قَدْ عُرِفَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ لَيْسَ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَمَّا إذَا كَانَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] جَازَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ بَرْهَانٍ بَلْ الْخِلَافُ يَجْرِي فِيهِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ، وَجَوَازُ نَسْخِهِ مَعْزُوٌّ إلَى الْأَكْثَرِينَ خِلَافًا لِلدَّقَّاقِ وَلَا وَجْهَ ظَاهِرٌ لَهُ قِيلَ: إلَّا أَنْ يُقَالَ لِكَوْنِهِ عَلَى صُورَةِ الْخَبَرِ وَهُوَ سَاقِطٌ هَذَا وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ أَوْ بَيَانٌ فَإِنْ قُلْنَا رَفْعٌ لَمْ يَجُزْ نَسْخُ الْخَبَرِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ النَّاسِخُ الرَّافِعُ لِبَعْضِ مَدْلُولِهِ كَاذِبًا ضَرُورَةً أَنَّهُ صَادِقٌ وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِبٌ وَإِنْ قُلْنَا بَيَانُ الْمُرَادِ اُتُّجِهَ أَنْ يُقَالَ: الْخِطَابُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا ظَاهِرًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ مِنْ اللَّفْظِ فَلَمْ يُفْضِ نَسْخُ الْخَبَرِ حِينَئِذٍ إلَى الْكَذِبِ وَهُوَ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ

مسألة لا ينسخ الحكم بلا بدل

(وَعَلَى قَوْلِهِمْ) أَيْ الْمُجَوِّزِينَ لِنَسْخِ الْأَخْبَارِ (يَجِبُ إسْقَاطٌ شَرْعِيٌّ مِنْ التَّعْرِيفِ) لِيَشْمَلَ نَسْخَ الْأَخْبَارِ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَغَيْرِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ جَامِعًا لَكِنْ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ قَوْلَ الْمُجَوِّزِينَ لِنَسْخِ الْخَبَرِ أَنَّ لَفْظَ شَرْعِيٍّ الَّذِي يَجِبُ إسْقَاطُهُ هُوَ وَصْفُ الْمَنْسُوخِ لَا النَّاسِخِ وَشَرْعِيٌّ الْمَذْكُورُ فِي التَّعْرِيفِ السَّابِقِ وَصْفُ النَّاسِخِ وَقَدْ كَانَ هَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى كَوْنِ صَدْرِ تَعْرِيفِهِ رَفْعَ تَعَلُّقِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إلَخْ، ثُمَّ تَحَرَّرَ عِنْدَهُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَقَعْ التَّنَبُّهُ لِهَذَا فَتَنَبَّهْ لَهُ. (وَالْجَوَابُ) لَمَّا نَفَى نَسْخَهُ عَنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّ مَعْنَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [الرعد: 39] (يَنْسَخُ بِمَا يَسْتَصْوِبُهُ) وَالْوَجْهُ حَذْفُ الْبَاءِ كَمَا قَالَ فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ يَنْسَخُ بِمَا يَسْتَصْوِبُ نَسْخَهُ وَيُثْبِتُ بَدَلَهُ مَا يَقْتَضِي حِكْمَتُهُ إثْبَاتَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ غَيْرَ مَنْسُوخٍ (أَوْ) يَمْحُو (مِنْ دِيوَانِ الْحَفَظَةِ) مَا لَيْسَ بِحَسَنَةٍ وَلَا سَيِّئَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِكِتْبَةِ كُلِّ قَوْلٍ وَفِعْلٍ وَيُثْبِتُ غَيْرَهُ (وَغَيْرُهُ) مِنْ الْأَقْوَالِ كَيَمْحُو سَيِّئَاتِ التَّائِبِ وَيُثْبِتُ الْحَسَنَاتِ مَكَانَهَا وَيَمْحُو قَرْنًا وَيُثْبِتُ آخَرِينَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} [طه: 118] مِنْ الْقَيْدِ وَالْإِطْلَاقِ لَا النَّسْخِ) كَذَا فِي الْمِيزَانِ (وَأَمَّا نَسْخُ إيجَابِ الْأَخْبَارِ) عَنْ شَيْءٍ (بِالْأَخْبَارِ) أَيْ بِإِيجَابِ الْأَخْبَارِ (عَنْ نَقِيضِهِ فَمَنَعَهُ الْمُعْتَزِلَةُ لِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ النَّسْخِ الشَّيْءَ (الْقَبِيحَ كَذِبَ أَحَدُهُمَا) أَيْ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ (بِنَاءً عَلَى حُكْمِ الْعَقْلِ) بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ (وَيَجِبُ لِلْحَنَفِيَّةِ مِثْلُهُ) أَيْ مَنْعَ ذَلِكَ أَيْضًا لِقَوْلِهِمْ بِاعْتِبَارِ حُكْمِ الْعَقْلِ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ (إلَّا إنْ تَغَيَّرَ الْأَوَّلُ) عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ الَّذِي وَقَعَ الْإِخْبَارُ بِهِ أَوَّلًا (إلَيْهِ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي كُلِّفَ الْإِخْبَارَ عَنْهُ ثَانِيًا لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ حِينَئِذٍ (وَكَذَا الْمُعْتَزِلَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَغَيَّرُ كَمَا إذَا قَالَ كَلَّفْتُكُمْ بِأَنْ تُخْبِرُوا بِقِيَامِ زَيْدٍ، ثُمَّ يَقُولُ كُلِّفْتُمْ بِأَنْ تُخْبِرُوا بِأَنَّ زَيْدًا لَيْسَ بِقَائِمٍ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ قَائِمًا وَقْتَ الْإِخْبَارِ بِقِيَامِهِ غَيْرَ قَائِمٍ وَقْتَ الْإِخْبَارِ بِعَدَمِ قِيَامِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ كَكَوْنِ السَّمَاءِ فَوْقَ الْأَرْضِ مَثَلًا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَمَذْهَبُنَا الْجَوَازُ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ مُطْلَقًا الْمُخْتَارُ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ إنْ اتَّبَعَ الْمَصْلَحَةَ فَيَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِهَا وَإِلَّا فَلَهُ الْحُكْمُ كَيْفَ شَاءَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، ثُمَّ بِالْجُمْلَةِ قَدْ كَانَ مُقْتَضَى التَّحْرِيرِ تَلْخِيصُ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ مَحَلُّ النَّسْخِ كَذَا وِفَاقًا وَخِلَافًا وَالْمُتَلَخِّصُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ النَّسْخِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حُكْمٌ شَرْعِيُّ فَرْعِيٌّ يَحْتَمِلُ فِي نَفْسِهِ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، ثُمَّ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِتَأْبِيدٍ، وَلَا بِتَأْقِيتٍ قَبْلَ مُضِيِّهِ خِلَافًا لِآخَرِينَ وَاخْتِصَارُهُ مَا حَسَّنَهُ أَوْ قَبَّحَهُ مُحْتَمِلٌ لِلسُّقُوطِ غَيْرَ مُؤَدٍّ نَسْخُهُ إلَى جَهْلٍ وَلَا كَذِبٍ وَهَذَا الْقَيْدُ الْأَخِيرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي لُحُوقِ النَّسْخِ لِبَعْضٍ لِلنِّزَاعِ فِي أَنَّ لُحُوقَهُ مُؤَدٍّ إلَى ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْحُكْمُ بِلَا بَدَلٍ] (مَسْأَلَةٌ قِيلَ) وَقَائِلُهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ (لَا يُنْسَخُ) الْحُكْمُ (بِلَا بَدَلٍ) عَنْهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ (فَإِنْ أُرِيدَ) بِالْبَدَلِ بَدَلٌ (وَلَوْ) كَانَ (بِإِبَاحَةٍ أَصْلِيَّةٍ) أَيْ بِثُبُوتِهَا لِذَلِكَ الْفِعْلِ إذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ تَعَلُّقُ الْمَنْسُوخِ بِهِ (فَاتِّفَاقُ) كَوْنِهِ لَا يَجُوزُ بِلَا بَدَلٍ بِهَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْبَارِئَ تَعَالَى لَمْ يَتْرُكْ عِبَادَهُ هَمْلًا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرِّسَالَةِ وَلَيْسَ يُنْسَخُ فَرْضٌ أَبَدًا إلَّا أُثْبِت مَكَانَهُ فَرْضٌ كَمَا نُسِخَتْ قِبْلَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأُثْبِت مَكَانَهَا الْكَعْبَةُ انْتَهَى - أَرَادَ بِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الصَّيْرَفِيُّ فِي شَرْحِهَا أَنَّهُ يُنْقَلُ مِنْ حَظْرٍ إلَى إبَاحَةٍ أَوْ مِنْ إبَاحَةٍ إلَى حَظْرٍ أَوْ تَخْيِيرٍ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِ الْفُرُوضِ. قَالَ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمُنَاجَاةُ كَانَ يُنَاجِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا تَقْدِيمِ صَدَقَةٍ ثُمَّ فَرَضَ اللَّهُ تَقْدِيمَ الصَّدَقَةِ ثُمَّ أَزَالَ ذَلِكَ فَرَدَّهُمْ إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَإِنْ شَاءُوا تَقَرَّبُوا بِالصَّدَقَةِ إلَى اللَّهِ وَإِنْ شَاءُوا نَاجَوْهُ مِنْ غَيْرِ صَدَقَةٍ. قَالَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَرْضٌ مَكَانَ فَرْضٍ فَتَفَهَّمْهُ انْتَهَى. (أَوْ) أُرِيدَ بِالْبَدَلِ بَدَلٌ (مُفَادٌ بِدَلِيلِ النَّسْخِ) فِي الْمَنْسُوخِ (فَالْحَقُّ نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ هَذَا الْمُرَادِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِهِ قَوْلٌ (بِلَا مُوجِبٍ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ كَنَسْخِ حُرْمَةِ الْمُبَاشَرَةِ) لِلنِّسَاءِ (بَعْد الْفِطْرِ) وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي تَفْسِيرِ الزَّجَّاجِ أَيْ حُكْمُ الْمَنْسُوخِ فِي هَذَا حُرْمَةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْمَذْكُورُ لِلْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَوُجُوبُ الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْفِطْرِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ أَيْ الْإِفْطَارُ؛ لِأَنَّهُ اسْمُهُ وَالْإِمْسَاكُ

بِظَاهِرِ إطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْإِمْسَاكَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قُلْت وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَنَسْخِ حُرْمَةِ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثَةِ بِالنَّوْمِ بَعْدَ دُخُولِ اللَّيْلِ أَوْ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ إذْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا فَأَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ هَلْ عِنْدَك مِنْ طَعَامٍ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ أَطْلُبُ لَك وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةً لَك فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} [البقرة: 187] فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] » وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَكَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّوْا الْعَتَمَةَ حَرُمَ عَلَيْهِمْ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ وَصَامُوا إلَى الْقَابِلَةِ فَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ يُسْرًا لِمَنْ بَقِيَ وَرُخْصَةً وَمَنْفَعَةً فَقَالَ سُبْحَانَهُ {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187] » نَعَمْ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ الْبَرَاءِ. وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَاتِ الْبَرَاءِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُقَيَّدًا بِالنَّوْمِ وَيَتَرَجَّحُ بِقُوَّةِ سَنَدِهِ وَبِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «إنَّ النَّاسَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِي الصِّيَامِ مَا نَزَلَ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَحِلُّ لَهُمْ شَأْنُ النِّسَاءِ فَإِذَا نَامَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ حَتَّى يُفْطِرَ مِنْ الْقَابِلَةِ وَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ مَا نَامَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَشْكُو إلَى اللَّهِ وَإِلَيْك الَّذِي أَصَبْت قَالَ وَمَا الَّذِي صَنَعْت قَالَ إنِّي سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي فَوَقَعْت عَلَى أَهْلِي بَعْدَ مَا نِمْتُ وَأَرَدْت الصِّيَامَ فَنَزَلَتْ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] إلَى قَوْلِهِ فَالْآنَ {بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187] » وَبِمَا أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ كُتِبَ عَلَى النَّصَارَى الصِّيَامُ وَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلُوا وَلَا يَشْرَبُوا وَلَا يَنْكِحُوا بَعْدَ النَّوْمِ وَكُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوَّلًا مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ يَفْعَلُونَ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْكِتَابِ إذَا نَامَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَطْعَمْ حَتَّى الْقَابِلَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ» ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ وَإِنْ ثَبَتَتْ عِنْدَ نَسْخِ الْحُرْمَةِ لَكِنْ لَمْ يُفِدْهَا نَفْسُ النَّاسِخِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] فَإِنْ قِيلَ بَلْ أَفَادَ هَذَا النَّاسِخُ الْإِبَاحَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَهِيَ الْحِلُّ فَلَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ مِمَّا لَمْ يُفِدْ فِيهِ النَّاسِخُ بَدَلًا. قُلْنَا الْحِلُّ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ بَعْضُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا بَعْضُ الْإِبَاحَةِ أَوْ بَعْضُ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فَلَا يَسْتَقِلُّ حُكْمًا بَلْ هُوَ جِنْسٌ لِلْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] فَدَلِيلٌ آخَرُ أَفَادَ الْبَدَلَ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ هَذَا الْقِسْمِ (وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النَّاسِخِ لِحُكْمٍ بِبَدَلٍ مُفَادُهُ بِغَيْرِ النَّاسِخِ (نَاسِخُ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ) فَوْقَ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ مَقْرُونٌ بِالْبَدَلِ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَذِهِ إبَاحَةٌ شَرْعِيَّةٌ هِيَ بَدَلٌ مَقْرُونٌ بِدَلِيلِ النَّسْخِ وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي تَمْثِيلِهِ لِوُقُوعِ النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ بِهَذَا (وَجَازَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ الدَّلِيلُ) النَّاسِخُ (لِغَيْرِ الرَّفْعِ) لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ (أَوْ) أُرِيدَ بِالْبَدَلِ بَدَلٌ هُوَ حُكْمٌ آخَرُ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ (بِلَا ثُبُوتٍ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ) لِذَلِكَ الْفِعْلِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) ذَلِكَ الْحُكْمُ (بِهِ) أَيْ ثَابِتًا بِدَلِيلِ النَّسْخِ (فَكَذَلِكَ) أَيْ الْحَقُّ نَفْيُهُ (لِذَلِكَ) أَيْ لِأَنَّهُ بِلَا مُوجِبٍ لَهُ (وَتَكُونُ) الصِّفَةُ (الثَّابِتَةُ) لِلْفِعْلِ (الْإِبَاحَةَ الْأَصْلِيَّةَ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَإِلَّا فَقَدْ عَرَفَ مَا عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ (لَكِنْ لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النَّاسِخِ بِلَا ثُبُوتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ (نَسْخُ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ) عِنْدَ إرَادَةِ مُنَاجَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِثُبُوتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ) وَهُوَ نَدْبِيَّةُ

مسألة نسخ التكليف بتكليف أخف

الصَّدَقَةِ (بِالْعَامِّ النَّادِبِ لِلصَّدَقَةِ) كِتَابًا وَسُنَّةً (بِثُبُوتِ إبَاحَةِ الْمُبَاشَرَةِ بِبَاشِرُوهُنَّ) وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِعَضُدِ الدِّينِ فِي تَمْثِيلِهِ لِوُقُوعِ النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ بِهَذَا (قَالُوا) أَيْ مَانِعُو النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ} [البقرة: 106] الْآيَةَ) أَيْ {مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] ، وَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْمَأْتِيِّ بِهِ خَيْرًا مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلَهُ إلَّا إذَا كَانَ بَدَلًا مِنْهُ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْرِيفُ الْمِثْلَيْنِ وَهُوَ الشَّيْئَانِ اللَّذَانِ يَسُدُّ أَحَدُهُمَا مَسَدَ الْآخَرِ (أُجِيبُ بِالْخَيْرِيَّةِ لَفْظًا عَلَى إرَادَةِ نَسْخِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ الْمُرَادِ الْخَيْرِيَّةُ لَفْظًا هُوَ (الظَّاهِرُ) ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِلنَّظْمِ الْخَاصِّ وَمَدْلُولُ اللَّفْظِ قَدْ يَكُونُ لَفْظًا وَمَدْلُولُ الْآيَةِ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ أَوْ أَكْثَرُ مُنْقَطِعٌ مَعْنًى مِمَّا قَبْلَهُ وَمِمَّا بَعْدَهُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى إنْ نَنْسَخْ لَفْظًا مُسْتَعْمَلًا مُنْقَطِعًا مِمَّا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ نَأْتِ بِلَفْظٍ آخَرَ خَيْرٍ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ يَكُونُ لَفْظًا وَكَذَا الْخَيْرُ، وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ اللَّفْظَ إذَا نُسِخَ جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلُهُ لَفْظٌ آخَرُ أَوْ لَمْ يَجُزْ بَلْ فِي أَنَّ الْحُكْمَ إذَا نُسِخَ جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلَهُ حُكْمٌ آخَرُ أَوْ لَا وَهَذَا لَا دَلَالَةَ لِلْآيَةِ عَلَيْهِ (وَأَمَّا ادِّعَاءُ أَنَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِتْيَانِ بِخَيْرٍ مِنْ الْمَنْسُوخِ حُكْمًا (عَلَى التَّنَزُّلِ) إلَيْهِ (تَرْكُ الْبَدَلِ) فَيُقَالُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ نَأْتِ بِحُكْمٍ خَيْرٍ مِنْهَا لَكِنَّهُ عَامٌّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَلَعَلَّهُ خُصِّصَ بِمَا نُسِخَ لَا إلَى بَدَلٍ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى جَوَازِهِ وَبَيْنَ الْآيَةِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (فَلَيْسَ) بِذَاكَ (إذْ لَيْسَ) تَرْكُ الْبَدَلِ (حُكْمًا شَرْعِيًّا وَصَرَّحَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ مِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِهِ الْأَبْهَرِيُّ ثُمَّ قَرَّرَ التَّنَزُّلَ إلَى هَذَا وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ (وَتَجْوِيزُ التَّخْصِيصِ لَا يُوجِبُ وُقُوعَهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي إنْ جَازَ تَخْصِيصُ الْإِتْيَانِ بِالْخَيْرِ بِمَا إذَا أُبْدِلَ لَا مُطْلَقًا لَكِنْ إنَّمَا يُفِيدُ وُقُوعَ التَّخْصِيصِ بِدَلِيلِهِ لَا جَوَازِهِ (وَالتَّنَزُّلُ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (إلَى أَنَّهَا) أَيْ الْآيَةَ (لَا تُفِيدُ نَفْيَ الْوُقُوعِ) لِلنَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ شَرْعًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ عَقْلًا (وَالْخِلَافُ) إنَّمَا هُوَ (فِي الْجَوَازِ تَسْلِيمٌ لَهُمْ) أَيْ لِلنَّافِينَ نَفْيَهُمْ الْجَوَازَ سَمْعًا (لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَتُهُمْ) أَيْ النَّافِينَ (نَفْيَهُ) أَيْ الْوُقُوعِ (سَمْعًا لَا عَقْلًا بِاسْتِدْلَالِهِمْ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِلَا بَدَلٍ لَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ فَيَكُونُ مُحَالًا عَقْلِيًّا وَإِذَا لَمْ يُحِيلُوهُ عَقْلًا كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُمْ فِي الْعَقْلِ فَإِذَا قِيلَ لَا يَجُوزُ وَالْفَرْضُ جَوَازُهُ عَقْلًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِدَلِيلِ السَّمْعِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ عَلَى قَوْلِهِ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فَصَارَ حَاصِلُ الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَقَعُ النَّسْخُ بِلَا بَدَلٍ لِلسَّمْعِيِّ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَالنَّظَرُ إلَى اسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ بِنَحْوِ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا يُفِيدُ مَا قُلْنَا وَنَسَبْنَاهُ إلَيْهِمْ. [مَسْأَلَةٌ نَسْخُ التَّكْلِيفِ بِتَكْلِيفٍ أَخَفَّ] (مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ اتِّفَاقًا نَسْخُ التَّكْلِيفِ بِتَكْلِيفٍ أَخَفَّ كَنَسْخِ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُبَاشَرَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ أَوْ النَّوْمِ مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ وَبِتَكْلِيفٍ مُسَاوٍ كَنَسْخِ التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ وَهَلْ يَجُوزُ بِتَكْلِيفٍ أَثْقَلَ قَالَ (الْجُمْهُورُ يَجُوزُ بِأَثْقَلَ وَنَفَاهُ) أَيْ جَوَازَهُ بِأَثْقَلَ (شُذُوذُ) بَعْضِهِمْ عَقْلًا وَبَعْضُهُمْ سَمْعًا وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ دَاوُد (لَنَا أَنْ اُعْتُبِرَتْ الْمَصَالِحُ وُجُوبًا أَوْ تَفَضُّلًا) فِي التَّكْلِيفِ (فَلَعَلَّهَا) أَيْ الْمَصْلَحَةَ لِلْمُكَلَّفِ (فِيهِ) أَيْ فِي النَّسْخِ بِأَثْقَلَ كَمَا يَنْقُلُهُ مِنْ الصِّحَّةِ إلَى السَّقَمِ وَمِنْ الشَّبَابِ إلَى الْهَرَمِ (وَإِلَّا) إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ (فَأَظْهَرُ) أَيْ فَالْجَوَازُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ لَهُ تَعَالَى أَنْ يَحْكُمَ مَا يَشَاءُ وَيَفْعَلَ مَا يُرِيدُ (وَيَلْزَمُ) مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْأَثْقَلِ لِكَوْنِهِ أَثْقَلَ (نَفْيُ ابْتِدَاءِ التَّكْلِيفِ) فَإِنَّهُ نَقْلٌ مِنْ سَعَةِ الْإِبَاحَةِ إلَى مَشَقَّةِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا الْتَزَمُوا الْمَشَقَّةَ الزَّائِدَةَ وَإِنْ تَرَكُوا الْوَاجِبَ اسْتَضَرُّوا بِالْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا قَائِلَ بِعَدَمِ جَوَازِ ابْتِدَاءِ التَّكْلِيفِ قَالَ الْقَاضِي وَلَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَتَعَقَّبَهُ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَا خَرَجَ بِالْإِجْمَاعِ عَنْ الْقَاعِدَةِ لَا يَرُدُّ نَقْضًا. (وَوَقَعَ) النَّسْخُ بِأَثْقَلَ (بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ) أَيْ صَوْمِ رَمَضَانَ لِلْمُكَلَّفِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ غَيْرَ مُسَافِرٍ (بَعْدَ التَّخْيِيرِ) لِلْمُكَلَّفِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا (بَيْنَهُ) أَيْ الصَّوْمِ (وَبَيْنَ الْفِدْيَةِ) عَنْ كُلِّ صَوْمِ يَوْمٍ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَمُدَّ طَعَامٍ بُرًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَقْوَاتِ الْبَلَدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَدَّ بُرٍّ أَوْ مُدَّيْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَإِنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ عَلَى

التَّعْيِينِ أَشَقُّ مِنْ التَّخْيِيرِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «لَمَّا نَزَلَتْ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ يَفْتَدِي حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا» ، وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكَيْنَا تَرَكَ الصِّيَامَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ وَرَخَّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] فَأُمِرُوا بِالصِّيَامِ» لَكِنْ يُعَارِضُهُمَا مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] وَلِبَعْضِ الرُّوَاةِ يُطَوَّقُونَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً وَهِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَالْأَوْلَى الْجَمْعُ وَإِنَّهَا كَانَتْ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ ثُمَّ خُصَّتْ بِالْعَاجِزِ انْتَهَى قُلْت وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْجَمْعِ بِشَيْءٍ فَإِنَّ مَنْطُوقَ اللَّفْظِ لَا يُسَاعِدُ عَلَى ذَلِكَ لِلتَّبَايُنِ بَيْنَ مَفْهُومَيْ مَنْ يُطِيقُ وَمَنْ لَا يُطِيقُ فَلَا يَشْمَلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، بَلْ أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَاهُنَا عَلَى مَا فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ كَانَتْ مُفِيدَةً هَذِهِ الرُّخْصَةَ لِلْمُطِيقِينَ مَنْطُوقًا وَلِغَيْرِهِمْ مَفْهُومًا ثُمَّ نُسِخَتْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنْطُوقِ دُونَ الْمَفْهُومِ وَهَذَا قَوْلٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَسَتَقِفُ عَلَى مَا فِيهَا وَإِنَّمَا قُلْت عَلَى مَا فِيهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ شَرْعِيَّةِ هَذِهِ الرُّخْصَةِ لِلْمُطِيقِينَ شَرْعِيَّتُهَا لِغَيْرِهِمْ لَا بِطَرِيقِ أَوْلَى وَلَا بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ إذْ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ تَخْيِيرِ الْمُطِيقِينَ لِلصَّوْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِدْيَةِ تَخْيِيرُ الْعَاجِزِينَ عَنْ الصَّوْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِدْيَةِ وَلَا تَعَيُّنُ لُزُومِ الْفِدْيَةِ لَهُمْ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ طَاقَتِهِمْ لَهُ إذْ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِمْ الْفِدْيَةُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّوْمِ عَلَى الْمُطِيقِينَ إنَّمَا كَانَ لِوُجُودِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الصَّوْمِ وَحَيْثُ انْتَفَتْ فِي الْعَاجِزِينَ انْتَفَى وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِمْ أَيْضًا. وَمَشَى شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى تَقْدِيمِ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ بَلْ مِنْ سَمَاعٍ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ فِي نَظْمِ كِتَابِ اللَّهِ فَجَعْلُهُ مَنْفِيًّا بِتَقْدِيرِ حَرْفِ النَّفْيِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا لِسَمَاعٍ أَلْبَتَّةَ وَكَثِيرًا مَا يُضْمَرُ حَرْفُ لَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي التَّنْزِيلِ الْكَرِيمِ {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أَيْ لَا تَفْتَؤُ، وَفِيهِ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] . أَيْ لَا تَضِلُّوا، {رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [لقمان: 10] . وَقَالَ شَاعِر فَقُلْت يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْك وَأَوْصَالِي أَيْ لَا أَبْرَحُ وَقَالَ تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيِيت بِهَالِكٍ حَتَّى تَكُونَهْ أَيْ لَا تَنْفَكُّ وَرِوَايَةُ الْأَفْقَهِ أَوْلَى وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] لَيْسَ نَصًّا فِي نَسْخِ إجَازَةِ الِافْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ انْتَهَى (قُلْت) وَلِلْبَحْثِ فِي هَذَا مَجَالٌ أَيْضًا فَإِنَّ فِي الْآيَةِ الْقِرَاءَةَ الْمَشْهُورَةَ وَخَمْسَ قِرَاءَاتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ الْقِرَاءَتَانِ السَّالِفَتَانِ وَيَتَطَوَّقُونَهُ وَيُطَوِّقُونَهُ وَيُطِيقُونَهُ، وَلِلْكُلِّ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ لَا مَعَ جَهْدٍ وَعُسْرٍ وَعِبَارَةُ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ أَيْ يَقْدِرُونَ عَلَى الصَّوْمِ بِأَنْ لَا يَكُونُوا مَرْضَى أَوْ مُسَافِرِينَ. ثَانِيهِمَا: فِي الْمَجْهُولِ يُكَلَّفُونَهُ عَلَى جَهْدٍ مِنْهُمْ وَمَشَقَّةٍ، وَفِي الْمَعْلُومِ يَتَكَلَّفُونَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ الْكُلْفَةِ بِمَعْنَى الْمَشَقَّةِ وَبُلُوغِ الْجَهْدِ وَالطَّاقَةِ، فَالْآيَةُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مَنْسُوخَةُ الْحُكْمِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى تَقْدِيرٍ لَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ تَقْدِيرُهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَعَمْ ذَكَرَ النَّسَفِيُّ فِي قِرَاءَةِ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعَلَى الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ وَعَلَى الثَّانِي ثَابِتَةُ الْحُكْمِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْقَوْلُ بِنَفْيِ النَّسْخِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحَلُّ تَوَارُدِ قَوْلَيْ النَّسْخِ وَنَفْيِهِ الْقِرَاءَةَ الْمَشْهُورَةَ مَعَ تَقْدِيرِ لَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكَانَ قَوْلُ النَّسْخِ مُقَدَّمًا عَلَى قَوْلِ نَفْيِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّسْخِ مُثْبِتٌ وَقَوْلُ نَافِيهِ نَافٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّسْخِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا فِيهِ وَحَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ لَا لِاحْتِيَاجِ ثُبُوتِ اسْتِمْرَارِ الْحُكْمِ إلَيْهَا مَعَ كَثْرَةِ إضْمَارِهَا بِخِلَافِ النَّسْخِ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَمَاعٍ وَخُصُوصًا فِي السِّيَاقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِابْنِ الْأَكْوَعِ

مسألة يجوز نسخ القرآن به

وَابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِعِلْمٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقْرِيرٍ مِنْهُ لَهُمْ عَلَيْهِ قَطْعًا. وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] كَانَ نَصًّا عِنْدَهُمْ فِي إفَادَةِ النَّسْخِ بِقَرَائِنَ اخْتَفَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ فِي " خَيْرٌ " لَيْسَ هَذَا لِلتَّفْضِيلِ بَلْ مَعْنَاهُ وَفِي الصَّوْمِ خَيْرَاتٌ لَكُمْ وَمَنَافِعُ دِينًا وَدُنْيَا مَعَ أَنَّ كَوْنَهُ نَاسِخًا لِلِافْتِدَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ نَصًّا فِي تَعْيِينِ الصَّوْمِ بَلْ الظُّهُورُ فِيهِ كَافٍ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَكَوْنُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَفْقَهَ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ فِي مُقَابَلَةِ ابْنِ الْأَكْوَعِ لَا فِي مُقَابَلَةِ ابْنِ عُمَرَ إذْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ هِيَ مَنْسُوخَةٌ وَلَا فِي مُقَابَلَةِ مَنْ لَقِيَهُمْ ابْنُ أَبِي لَيْلَى مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ السَّابِقُ عَلَى أَنَّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِلشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَعَلْقَمَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَافْتَدَى وَأَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا حَتَّى نَزَلَ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هَذَا (وَالْوَجْهُ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ الْوُجُوبَ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ (لَيْسَ بِنَسْخٍ) أَيْ بِمَنْسُوخٍ (أَصْلًا عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ فِي فِدَاءِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) فَإِنَّ الْوُجُوبَ هُنَا لَمْ يَرْتَفِعْ كَمَا لَمْ يَرْتَفِعْ ثَمَّةَ. لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - أَنْ يَقُولَ عَلَى ضِدِّ وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ فِي فِدَاءِ الذَّبِيحِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هُنَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِبَدَلِ مُتَعَلِّقِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْقُطُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِمَا وَثَمَّةَ صَارَ الْوُجُوبُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِبَدَلِ مُتَعَلِّقِهِ قَطْعًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إلَى مُتَعَلِّقِهِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، ثُمَّ هُوَ لَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ. نَعَمْ عَدَمُ نَسْخِ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْعَاجِزِ مِنْ شَيْخٍ وَشَيْخَةٍ بِالْفِدْيَةِ ظَاهِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا ثَمَّةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَرَجْمُ الزَّوَانِي) إنْ كُنَّ مُحْصَنَاتٍ (وَجَلْدُهُنَّ) إنْ كُنَّ غَيْرَ مُحْصَنَاتٍ (بَعْدَ الْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ) فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] إلَى قَوْلِهِ {سَبِيلا} [النساء: 15] قَالَ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا زَنَتْ حُبِسَتْ فِي الْبَيْتِ حَتَّى تَمُوتَ إلَى أَنْ نَزَلَتْ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] قَالَ فَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رُجِمَا بِالسُّنَّةِ فَهُوَ سَبِيلُهُنَّ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ وَلَا يَضُرُّ مَا فِيهِ لِتَضَافُرِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ وَالرَّجْمُ أَثْقَلُ مِنْ الْحَبْسِ (قَالُوا) أَيْ الشَّاذُّونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28] وَالْأَثْقَلُ إلَى الْأَثْقَلِ لَيْسَ تَخْفِيفًا فَلَا يُرِيدُهُ تَعَالَى (أُجِيبُ بِأَنَّ سِيَاقَهَا) أَيْ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ التَّخْفِيفِ (فِي الْمَآلِ) أَيْ الْمَعَادِ (وَفِيهِ) أَيْ الْمَآلِ (يَكُونُ) التَّخْفِيفُ (بِالْأَثْقَلِ فِي الْحَالِ، وَلَوْ سُلِّمَ) الْعُمُومُ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ (كَانَ) الْعُمُومُ (مَخْصُوصًا بِالْوُقُوعِ) كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا كَمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِخُرُوجِ أَنْوَاعِ التَّكَالِيفِ الثَّقِيلَةِ الْمُبْتَدَأَةِ وَأَنْوَاعِ الِابْتِلَاءِ فِي الْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ مِمَّا هُوَ وَاقِعٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى. (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَال مِنْ الشَّاذِّينَ (بِنَاءٌ عَلَى مَا نَفَيْنَاهُ) أَيْ عَلَى وِزَانِ مَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا لَيْسَ فِي الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ فِيهَا فِي الْجَوَازِ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَمْ يُحِيلُوهُ عَقْلًا حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوا مَا يُفِيدُهُ كَذَلِكَ بَلْ ذَكَرُوا مَا يُفِيدُهُ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ فَكَذَا هُنَا وَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الْمُخَالِفُ عَقْلًا إلَى ذِكْرِ مُسْتَنَدٍ لَهُ يُفِيدُ دَعْوَاهُ وَلَوْ ظَاهِرًا وَهُوَ بَعِيدٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (قَالُوا) أَيْ الشَّاذُّونَ ثَانِيًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] الْآيَةَ) فَيَجِبُ الْأَخَفُّ لِأَنَّهُ الْخَيْرُ، أَوْ الْمُسَاوِي لِأَنَّهُ الْمِثْلُ، وَالْأَشَقُّ لَيْسَ بِخَيْرٍ وَلَا مِثْلٍ (أُجِيبُ بِخَيْرِيَّةِ الْأَثْقَلِ عَاقِبَةً) أَيْ بِأَنَّ الْأَثْقَلَ خَيْرٌ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ إذْ لَعَلَّهُ فِيهِ أَكْثَرُ قَالَ تَعَالَى {لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ} [التوبة: 120] الْآيَةَ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ فِي الْعُمْرَةِ وَاخْرُجِي إلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي ثُمَّ ائْتِنَا بِمَكَانِ كَذَا وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِك» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَكَمَا يَقُولُ الطَّبِيبُ لِلْمَرِيضِ الْجُوعُ خَيْرٌ لَك (أَوْ مَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْخَيْرِيَّةُ لَفْظًا. [مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهِ] (مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهِ) أَيْ الْقُرْآنِ (كَآيَةِ عِدَّةِ الْحَوْلِ بِآيَةِ الْأَشْهُرِ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (وَالْمُسَالَمَةِ)

كَنَسْخِ آيَاتِ الْمُسَالَمَةِ لِلْكُفَّارِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ آيَةٍ كَقَوْلِهِ {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: 13] (بِالْقِتَالِ) أَيْ بِآيَاتِهِ كَقَوْلِهِ {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] (وَالْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ بِمِثْلِهِ) أَيْ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ (وَ) خَبَرُ (الْآحَادِ بِمِثْلِهِ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا وَعَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ أَنْ تُمْسِكُوا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ» إلَخْ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا السِّيَاقِ مُخَرِّجًا وَأَسْلَفْت بَعْضَ سِيَاقِ مُسْلِمٍ وَتَمَامُهُ «وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ النَّبِيذِ إلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الْأَوْعِيَةِ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَخْ وَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (فَبِالْمُتَوَاتِرِ) أَيْ فَجَوَازُ نَسْخِ الْآحَادِ بِالْمُتَوَاتِرِ (أَوْلَى) مِنْ جَوَازِ النَّسْخِ بِالْآحَادِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى (وَأَمَّا قَلْبُهُ) وَهُوَ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ (فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ كُلُّ مَانِعِي تَخْصِيصِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ وَأَكْثَرُ مُجِيزِيهِ) أَيْ تَخْصِيصِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ (فَارِقِينَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ جَمْعٌ لَهُمَا) أَيْ لِلْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ. (وَالنَّسْخُ إبْطَالُ أَحَدِهِمَا) الَّذِي هُوَ الْمُتَوَاتِرُ بِالْآحَادِ (وَأَجَازَهُ) أَيْ نَسْخَ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ (بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضُ الْمُجِيزِينَ لِتَخْصِيصِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ (لَنَا) خَبَرُ الْآحَادِ (لَا يُقَاوِمُهُ) أَيْ الْمُتَوَاتِرَ؛ لِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ وَخَبَرُ الْآحَادِ ظَنِّيٌّ (فَلَا يُبْطِلُهُ) خَبَرُ الْآحَادِ الْمُتَوَاتِرَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُبْطِلُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ (قَالُوا) أَيْ الْمُجِيزُونَ (وَقَعَ) نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِخَبَرِ الْآحَادِ (إذْ ثَبَتَ التَّوَجُّهُ) لِأَهْلِ مَسْجِدِ قَبَاءَ (إلَى الْبَيْتِ بَعْدَ الْقَطْعِيِّ) الْمُفِيدِ لِتَوَجُّهِهِمْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَا يَزِيدُ عَلَى عَامٍ عَلَى خِلَافٍ فِي مِقْدَارِهِ (الْآتِي لِأَهْلِ) مَسْجِدِ (قَبَاءَ) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَتَقَدَّمَ سِيَاقُهُ، وَقَوْلُ ابْنِ طَاهِرٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَمَا لِشَيْخِنَا الْحَافِظِ مِنْ التَّعَقُّبِ لَهُ فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الرَّاوِي (وَلَمْ يُنْكِرْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَهُ لَنُقِلَ وَلَمْ يُنْقَلْ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ «تَوِيلَةَ بِنْتِ مُسْلِمٍ قَالَتْ صَلَّيْنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي مَسْجِدِ بَنِي حَارِثَةَ وَاسْتَقْبَلْنَا مَسْجِدَ إيلِيَاءَ فَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَنَا مَنْ يُحَدِّثُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ فَتَحَوَّلْنَا النِّسَاءُ مَكَانَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاءِ فَصَلَّيْنَا السَّجْدَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَنَحْنُ مُسْتَقْبِلُونَ الْبَيْتَ الْحَرَامِ فَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنَى حَارِثَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أُولَئِكَ رِجَالٌ آمَنُوا بِالْغَيْبِ» (وَبِأَنَّهُ) أَيْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كَانَ يَبْعَثُ الْآحَادَ لِلتَّبْلِيغِ) لِلْأَحْكَامِ مُطْلَقًا أَيْ مُبْتَدَأَةً كَانَتْ أَوْ نَاسِخَةً لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَالْمَبْعُوثُ إلَيْهِمْ مُتَعَبَّدُونَ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْأَحْكَامِ مَا يَنْسَخُ مُتَوَاتِرًا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُلُوا الْفَرْقَ بَيْنَ مَا نَسَخَ مُتَوَاتِرًا وَهَذَا دَلِيلُ جَوَازِ نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ) نُسِخَ مِنْهَا مَا يُفِيدُ حِلَّهُ مِنْ ذِي النَّابِ (بِتَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ) مِنْ السِّبَاعِ الثَّابِتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا «كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ» إذْ الْآيَةُ إنَّمَا تُفِيدُ تَحْرِيمَ مَا اُسْتُثْنِيَ فِيهَا وَذُو النَّابِ لَمْ يُسْتَثْنَ فِيهَا فَكَانَ مُبَاحًا وَحَيْثُ حُرِّمَ فَإِنَّمَا حُرِّمَ بِالْحَدِيثِ وَإِذَا جَازَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَبِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَجْدَرُ (أُجِيبُ بِجَوَازِ اقْتِرَانِ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِمَا يُفِيدُ الْقَطْعَ) وَالْأَوَّلُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْقَرَائِنِ فِيهِ ظَاهِرٌ وَالْمَصِيرَ إلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ الْقَطْعِيِّ وَاجِبٌ (وَجَعْلُهُ) أَيْ الْمُقْتَرِنِ بِهَذَا الْخَبَرِ الْمُفِيدِ لِقَطْعِهِ (النِّدَاءَ) أَيْ نِدَاءَ مُخْبِرِهِمْ بِذَلِكَ (بِحَضْرَتِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ كَمَا ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ (غَلَطٌ أَوْ تَسَاهُلٌ) بِأَنْ يُرَادَ بِحَضْرَتِهِ وُجُودُهُ فِي مَكَان قَرِيبٍ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا صَنَعَ الْمُخْبِرُ كَالْوَاقِعِ بِحُضُورِهِ (وَهُوَ) أَيْ التَّسَاهُلُ (الثَّابِتُ) لِبُعْدٍ لِمَنْ يُرَادُ نِدَاؤُهُ فِي مَجْلِسِهِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ بَعْثُهُ الْآحَادَ لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ إنَّمَا يَتِمُّ (إذَا ثَبَتَ إرْسَالُهُمْ) أَيْ الْآحَادِ (بِنَسْخِ) حُكْمٍ (قَطْعِيٍّ عِنْدَ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ وَلَيْسَ) ذَلِكَ بِثَابِتٍ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أُجِيبَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لَهُ بِأَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ بِتِلْكَ الْآحَادِ بِقَرَائِنِ الْحَالِ وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّلِيلِ الْمَانِعِ (وَلَا أَجِدُ الْآنَ تَحْرِيمًا) أَيْ وَمَعْنَى الْآيَةِ هَذَا؛ لِأَنَّ أَجِدُ فِعْلٌ مُضَارِعٌ لِلْحَالِ فَتَكُونُ إبَاحَةُ غَيْرِ الْمُسْتَثْنَى مُؤَقَّتَةً بِوَقْتِ الْإِخْبَارِ بِهَا وَهُوَ الْآنَ لَا مُؤَبَّدَةً (فَالثَّابِتُ) فِيمَا عَدَاهُ فِيهَا عَدَمُ تَحْرِيمِ الشَّارِعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِطَابُ الْحَظْرِ وَالْإِطْلَاقِ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (إبَاحَةٌ أَصْلِيَّةٌ وَرَفْعُهَا)

مسألة يجوز نسخ السنة بالقرآن

أَيْ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ فِي الْمُسْتَقْبِلِ بِالتَّحْرِيمِ (لَيْسَ نَسْخًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ رَفْعًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَالنَّسْخُ رَفْعٌ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا أَنَّ الثَّابِتَ إذْنٌ شَرْعِيٌّ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ حَتَّى يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيَكُونَ رَفْعُهُ نَسْخًا قُلْت إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى الْقَائِلِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَسْخٌ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى جَوَابٍ غَيْرِ هَذَا وَلَعَلَّهُ أَنْ يُقَالَ وَحَيْثُ كَانَتْ هَذِهِ الْإِبَاحَةُ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتِ الْإِخْبَارِ بِهَا فَالتَّحْرِيمُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ نَسْخًا؛ لِأَنَّ انْتِهَاءَ الشَّيْءِ لِانْتِهَاءِ وَقْتِهِ لَا يَكُونُ نَسْخًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ] (مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَمُحَقَّقِي الشَّافِعِيَّةِ (وَأَصَحُّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعُ) وَفِي الْقَوَاطِعِ وَأَمَّا نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ فَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْجَدِيدَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَسْخَ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ وَلَعَلَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَلَوَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ فَخَرَّجَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ الْأَوْلَى بِالْحَقِّ انْتَهَى. فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ كَمَا كَانَ الْمُبْتَدِئُ بِفَرْضِهِ فَهُوَ الْمُزِيلُ الْمُثْبِتُ لِمَا شَاءَ مِنْهُ جَلَّ جَلَالُهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَقَالَ وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْسَخُهَا إلَّا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ سَنَّ فِيهِ غَيْرَ مَا سَنَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَسَنَّ فِيمَا أَحْدَثَ اللَّهُ إلَيْهِ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّ لَهُ سُنَّةً نَاسِخَةً لِلَّتِي قَبْلَهَا بِمَا يُخَالِفُهَا انْتَهَى. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ الْمُرَادُ نَفْيُ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ وَنَسَبَهُ السُّبْكِيُّ إلَى الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ وَالْقَلَانِسِيِّ وَهُمْ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا وَقِيلَ نَفْيُ الْجَوَازِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَأَبِي الطَّيِّبِ الصُّعْلُوكِيِّ وَأَبِي مَنْصُورٍ وَقِيلَ لَمْ يَمْنَعْ الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ السُّبْكِيُّ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَيْثُ وَقَعَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ فَمَعَهَا قُرْآنٌ عَاضِدٌ لَهَا يُبَيِّنُ تَوَافُقَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ فَمَعَهُ سُنَّةٌ عَاضِدَةٌ لَهُ تُبَيِّنُ تَوَافُقَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاسْتَشْهَدَ لِهَذَا بِقَوْلِهِ فَإِنْ قَالَ هَلْ تُنْسَخُ السُّنَّةُ بِالْقُرْآنِ قِيلَ لَهُ لَوْ نُسِخَتْ السُّنَّةُ بِالْقُرْآنِ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ سُنَّةٌ تُبَيِّنُ بِأَنَّ سُنَّتَهُ مَنْسُوخَةٌ بِسُنَّتِهِ الْآخِرَةِ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ بِأَنَّ الشَّيْءَ يُنْسَخُ بِمِثْلِهِ اهـ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (لَنَا لَا مَانِعَ) عَقْلِيَّ وَلَا شَرْعِيَّ مِنْ ذَلِكَ (وَوَقَعَ) أَيْضًا وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ (فَإِنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقُدْس) أَيْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَنُسِخَ) التَّوَجُّهُ إلَيْهِ (بِهِ) أَيْ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] (وَكَذَا حُرْمَةُ الْمُبَاشَرَةِ) بَلْ الْمُفْطِرَاتُ الثَّلَاثَةُ بِالنَّوْمِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] الْآيَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ تَحْرِيمَهَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ (وَتَجْوِيزُ كَوْنِهِ) أَيْ كُلٍّ مِنْ التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحُرْمَةِ الْمُبَاشَرَةِ مَنْسُوخًا (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْقُرْآنِ (مِنْ سُنَّةٍ أَوْ) تَجْوِيزِ كَوْنِ (الْأَصْلِ) أَيْ التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحُرْمَةِ الْمُبَاشَرَةِ ثَابِتًا (بِتِلَاوَةٍ نُسِخَتْ وَذَلِكَ) أَيْ النَّاسِخُ السُّنِّيُّ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَالْمَنْسُوخُ الْقُرْآنِيُّ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (عَلَى الْمُوَافَقَةِ) أَيْ الْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ وَالثَّانِي مُوَافِقٌ لِنَصِّ السُّنَّةِ فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُوَافِقَ لِنَصِّ الْقُرْآنِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ (احْتِمَالٌ بِلَا دَلِيلٍ) فَلَا يُسْمَعُ (ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَتَعَيَّنْ نَاسِخٌ عُلِمَ تَأَخُّرُهُ) لِنَسْخِ مَا تَقَدَّمَهُ (مَا لَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا نَاسِخٌ) لِكَذَا أَوْ نَحْوِهِ لِتَطَرُّقِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ تَعَيُّنِ الْمَعْلُومِ تَأَخُّرُهُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ مَا لَمْ يَقُلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ (خِلَافُ الْإِجْمَاعِ قَالُوا أَيْ الْمَانِعُونَ) أَوَّلًا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] يَقْتَضِي أَنَّ شَأْنَهُ الْبَيَانُ لِلْأَحْكَامِ وَالنَّسْخُ رَفْعٌ لَا بَيَانٌ (أُجِيبُ) بِتَسْلِيمِ أَنَّ شَأْنَهُ ذَلِكَ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّسْخَ لَيْسَ بِبَيَانٍ بَلْ (وَالنَّسْخُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ

(قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ ثَانِيًا نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ (يُوجِبُ التَّنْفِيرَ) لِلنَّاسِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِمَا سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا لَمْ يَنْسَخْهُ وَحُصُولُ التَّنْفِيرِ مُنَافٍ لِمَقْصُودِ الْبَعْثَةِ وَهُوَ التَّأَسِّي بِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَرَضِيٍّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ} [النساء: 64] (أُجِيبُ) بِمَنْعِ حُصُولِ النَّفْرَةِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ فَإِنَّهُ (إذَا آمَنَّا بِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ) عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا غَيْرُ (لَمْ يَلْزَمْ) مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ وُجُودُ النَّفْرَةِ إذْ الْجَمِيعُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى فَلَا يَتَأَتَّى أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَأَمَّا قَلْبُهُ) وَهُوَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ (فَمَنَعَهُ) الشَّافِعِيُّ (قَوْلًا وَاحِدًا) كَمَا رَأَيْت فَهُوَ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَطَعَ جَوَابَهُ بِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ وَعَلِمْت تَأْوِيلَ السُّبْكِيّ (وَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ لِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّهُ لَا مَانِعَ عَقْلِيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ مِنْ ذَلِكَ (وَوُقُوعُهُ) فَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ) وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالسُّنَنِ «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَهَذَا لِعُمُومِهِ فِي نَفْيِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ (نَسْخُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 180] (وَالِاعْتِرَاضُ مُنْتَهَضٌ عَلَى الْوُقُوعِ) أَيْ وُقُوعِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَضْرَابِهِ (بِأَنَّهَا آحَادٌ فَلَوْ صَحَّ) نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهَا (نُسِخَ بِهَا) أَيْ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ (الْقُرْآنُ) وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ اتِّفَاقًا (إلَّا أَنْ يُدَّعَى فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ (الشُّهْرَةُ فَيَجُوزُ) النَّسْخُ بِهَا (عَلَى) اصْطِلَاحِ (الْحَنَفِيَّةِ) حَتَّى نَقَلَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِمِثْلِ خَبَرِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِشُهْرَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُهَا مَشْهُورَةً فَيَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهَا (الْحَقُّ) لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ الْمُتَوَاتِرِ إذْ الْمُتَوَاتِرُ نَوْعَانِ: مُتَوَاتِرٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ وَمُتَوَاتِرٌ مِنْ حَيْثُ ظُهُورِ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّ ظُهُورَهُ يُغْنِي النَّاسَ عَنْ رِوَايَتِهِ وَهَذَا بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَإِنَّ الْعَمَلَ ظَهَرَ بِهِ مَعَ الْقَبُولِ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِلَا تَنَازُعٍ فَيَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ وَقِيلَ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ تَوَاتُرِ هَذَا وَنَحْوِهِ لِلْمُجْتَهِدِينَ الْحَاكِمِينَ بِالنَّسْخِ لِقُرْبِهِمْ مِنْ زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَإِذْ قَالَ) الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ (لَمْ يُوجَدْ) فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا نُسِخَ بِالسُّنَّةِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ (فَالْوَجْهُ) فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْوُقُوعِ أَنْ يُقَالَ (الْإِجْمَاعُ) عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَأَخِّرِ (دَلَّ عَلَى النَّاسِخِ) لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ النَّسْخَ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ (وَلَمْ يُوجَدْ) النَّاسِخُ (فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ سُنَّةٌ) هَذَا مَا عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مِنْ مَشَايِخِنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ وَأَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَبِهِ يَظْهَرُ عَدَمُ تَمَامِ دَعْوَى الزَّجَّاجِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْوَصِيَّةِ نَسَخَتْهُ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ نَعَمْ ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ وَاخْتَارَهُ الْجَصَّاصُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الْوَصِيَّةَ إلَى الْعِبَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 180] . ثُمَّ تَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةَ وَقَصْرُ الْإِيصَاءِ عَلَى حُدُودٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ النِّصْفِ وَالرُّبُعِ وَالثُّمُنِ وَالثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِجَهْلِ الْعِبَادِ وَعَجْزِهِمْ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَادِيرِهِ وَبِمَنْ هُوَ الْأَنْفَعُ مِنْ هَذِهِ الْوَرَثَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَ بَيَانُ الْمَوَارِيثِ هُوَ الْإِيصَاءُ؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِذَلِكَ الْحَقِّ بِعَيْنِهِ فَانْتَهَى حُكْمُ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِأَقْوَى الطَّرِيقَيْنِ كَمَنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَهِي حُكْمُ الْوَكَالَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. نَعَمْ الْحَدِيثُ مُقَرِّرٌ لِنَسْخِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَمُشْعِرٌ بِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ شَرْعِيَّةِ الْمِيرَاثِ حَيْثُ رَتَّبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ «فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» عَلَى قَوْلِهِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ فِي مِثْلِهِ تُشْعِرُ بِسَبَبِيَّةِ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا كَمَا فِي زَارَنِي فَأَكْرَمْته وَدُفِعَ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ هَذَا بِأَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ لَا تَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ اللَّهَ

مسألة نسخ جميع القرآن ممنوع بالإجماع

تَعَالَى فَرَضَ عَلَى الْمُوصِي الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بَيَانُ أَنَّهُ أَوْصَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْفِيَ وَصِيَّةَ الْمُوصِي وَلَا نَهَاهُ عَنْهَا فَيَجِبُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ حَتَّى لَا يُنْسَخَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ مَا لَا تَنْصِيصَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي نَسْخِهِ مِنْ نَفْيٍ أَوْ نَهْيٍ فَالْحُكْمُ بِنَسْخِهِ لِضَرُورَةِ التَّنَاقُضِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَهَاهُنَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ تُصْرَفَ الْأُولَى إلَى ثُلُثِ الْمَالِ وَالثَّانِيَةُ إلَى الْبَاقِي كَمَا فِي الْأَجَانِبِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَقِيَتْ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِمْ بَعْدَ شَرْعِ الْمَوَارِيثِ فِي حَقِّ الْأَقَارِبِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] جَعَلَ الْإِرْثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَالْأَقَارِبِ فَدَلَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَخْرِيجُ الْآيَتَيْنِ عَلَى التَّوَافُقِ فَلَا يَجِبُ التَّخْرِيجُ عَلَى التَّنَاسُخِ انْتَهَى. قُلْتُ يَعْنِي فَقَدْ كَانَ يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ فَرْضُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بَاقِيًا لَكِنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ وَغَايَتُهُ أَنْ يَجْتَمِعَ لِلْوَالِدَيْنِ وَبَعْضِ الْأَقْرَبِينَ الْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُمْتَنِعٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الشَّيْءُ إنَّمَا يَصِيرُ مَنْسُوخًا بِمَا يُضَادُّهُ وَلَيْسَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ تَضَادٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ الدَّيْنُ وَالْمِيرَاثُ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ تَجْتَمِعَ الْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ لَوْلَا هَذَا الْخَبَرُ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي جَوَازُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ غَيْرَ أَنَّ السُّنَّةَ نَسَخَتْ جَوَازَهَا لِلْوَارِثِ مِنْهُمْ نَعَمْ يَبْقَى عَلَى هَذَا مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الَّذِي نَسَخَ آيَةَ الْوَصِيَّةِ آيَةُ الْمَوَارِيثِ وَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي النَّسْخِ وَإِنَّمَا بَيَّنَهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ انْتَهَى. قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ كَوْنِهَا صَرِيحَةً فِي النَّسْخِ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهَا عَلَى أَنَّ النَّسْخَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَمَاعٍ كَمَا تَقَدَّمَ (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ قَالَ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] الْآيَةَ) أَيْ مِنْ الْقُرْآنِ (وَلَا مِثْلًا) لِلْقُرْآنِ (وَنَأْتِ يُفِيدُ أَنَّهُ) أَيْ الْآتِي بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلُهُ (هُوَ تَعَالَى) وَمَا يَأْتِي بِهِ تَعَالَى هُوَ الْقُرْآنُ (أُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ) وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِيَّةِ وَالْمِثْلِيَّةِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ (وَعَدَمُ تَفَاضُلِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (بِالْخَيْرِيَّةِ أَيْ الْبَلَاغَةِ مَمْنُوعٌ) إذْ فِي الْقُرْآنِ الْفَصِيحُ وَالْأَفْصَحُ وَالْبَلِيغُ وَالْأَبْلَغُ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِيَّةِ وَالْمِثْلِيَّةِ كَوْنُهُمَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ (فَالْمُرَادُ بِخَيْرٍ مِنْ حُكْمِهَا) لِلْمُكَلَّفِينَ أَوْ مُسَاوٍ لِحُكْمِهَا الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُكَلَّفِينَ (وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالسُّنَّةِ جَازَ كَوْنُهُ أَصْلَحَ لِلْمُكَلَّفِ) مِمَّا ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالسُّنَّةِ (مِنْ عِنْدِهِ تَعَالَى وَالسُّنَّةُ مُبَلِّغَةٌ وَوَحْيٌ غَيْرُ مَتْلُوٍّ بَاطِنٌ لَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [يونس: 15] فَلَا يَصِحُّ التَّشَبُّثُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمَنْعِ أَيْضًا بَلْ وَفِي جَوَازِ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ وَعَكْسِهِ إعْلَاءُ مَنْزِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعْظِيمِ سُنَّتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَوَّضَ بَيَانَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ وَحْيٌ فِي الْأَصْلِ إلَيْهِ لِيُبَيِّنَّهُ بِعِبَارَتِهِ وَجَعَلَ لِعِبَارَتِهِ مِنْ الدَّرَجَةِ مَا يَثْبُتُ بِهِ انْتِهَاءُ مُدَّةِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ بِوَحْيٍ مَتْلُوٍّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ بِهِ انْتِسَاخُهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ سُنَّتَهُ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ مِثْلَ كَلَامِهِ وَتَوَلَّى بَيَانَ مُدَّتِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا تَوَلَّى بَيَانَ مُدَّةِ الْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ بِكَلَامِهِ هَذَا وَظَهَرَ أَنَّ مَا عَنْ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا نُسِخَ بِالسُّنَّةِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ لَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَكَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ لَا تَنْسَخُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا سُنَّتُهُ وَلَا سِيَّمَا فِي نَسْخِ صُلْحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ عَلَى رَدِّ نِسَائِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] الْآيَةَ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ] (مَسْأَلَةٌ) نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْتَمِرَّةُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَنَسْخُ بَعْضِهِ جَائِزٌ وَهُوَ عَلَى

ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (يُنْسَخُ الْقُرْآنُ تِلَاوَةً وَحُكْمًا أَوْ أَحَدُهُمَا) أَيْ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا أَوْ حُكْمًا لَا تِلَاوَةً (وَمَنَعَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ غَيْرَ الْأَوَّلِ) أَيْ نَسْخَ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَجَائِزٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ النَّسْخِ (لَنَا جَوَازُ تِلَاوَةٍ وَحُكْمٍ) وَلِهَذَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَتَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ بِالْإِجْمَاعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي (وَمُفَادُهُ) مِنْ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ وَغَيْرِهِمَا حُكْمٌ (آخَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ حُكْمٍ آخَرَ) لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ كَذَلِكَ فَيَجُوزُ نَسْخُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَيْسَ بَيْنَهُمَا هَذَا التَّلَازُمُ (وَوَقَعَ) نَسْخُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ (رُوِيَ عَنْ عُمَرَ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ) كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاَلَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «إيَّاكُمْ أَنْ تَهْلَكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا» وَلِلتِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ، نَعَمْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كَمْ تَعُدُّونَ سُورَةَ الْأَحْزَابِ قَالَ قُلْت ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً قَالَ كَانَتْ تُوَازِي سُورَةَ الْبَقَرَةِ أَوْ أَكْثَرَ وَكُنَّا نَقْرَأُ فِيهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ (وَحُكْمُهُ) أَيْ هَذَا الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ (ثَابِتٌ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ الْمُحْصَنُ وَالْمُحْصَنَةُ وَهُمَا إذَا زَنَيَا رُجِمَا إجْمَاعًا (وَلَقَدْ اُسْتُبْعِدَ) هَذَا (مِنْ طُلَاوَةِ الْقُرْآنِ) بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا أَيْ حُسْنِهِ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَثْبُتَ قُرْآنٌ بِالْآحَادِ وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُ قُرْآنٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّوَاتُرَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْقُرْآنِ الْمُثْبَتِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ أَمَّا الْمَنْسُوخُ فَلَا سَلَّمْنَا لَكِنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ ضِمْنًا بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ أَصْلُهُ كَالنَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي أَنَّ أَحَدَ الْمُتَوَاتِرَيْنِ بَعْدَ الْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ التَّوَاتُرُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَنْقَطِعَ فَيَصِيرَ آحَادًا فَمَا رُوِيَ لَنَا بِالْآحَادِ إنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَمَّا كَانَ مَوْجُودًا بِشَرَائِطِهِ وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لِعَدَمِ التَّوَاتُرِ ثَبَتَ قُرْآنًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعُمَرَ وَأُبَيُّ إذْ لَا يُظَنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ اخْتَرَعُوهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِمَّا يُتْلَى ثُمَّ نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ بِصَرْفِ اللَّهِ الْقُلُوبَ عَنْ حِفْظِهِ إلَّا قُلُوبَ هَؤُلَاءِ وَسَمَاعُهُمْ كَافٍ لِكَوْنِهِ قُرْآنًا إذْ لَا يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ فِي حَقِّهِمْ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ كَوْنُهُ قُرْآنًا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي بِالظَّنِّ وَهُوَ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ مَشْرُوطٌ فِيمَا بَقِيَ بَيْنَ الْخَلْقِ مِنْ الْقُرْآنِ لَا فِيمَا نُسِخَ (وَمِنْهُ) أَيْ الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةُ فَقَطْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا (الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ لِابْنِ مَسْعُودٍ) فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (مُتَتَابِعَاتٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهَا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا كَانَ يُتْلَى فِي الْقُرْآنِ كَمَا حَفِظَ ابْنُ مَسْعُودٍ ثُمَّ انْتَسَخَتْ تِلَاوَتُهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَرْفِ الْقُلُوبِ عَنْ حِفْظِهِ إلَّا قَلْبَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بَاقِيًا بِنَقْلِهِ فَإِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مُوجِبٌ الْعَمَلُ بِهِ وَقِرَاءَتُهُ لَا تَكُونُ دُونَ رِوَايَتِهِ فَكَانَ بَقَاءُ هَذَا الْحُكْمِ بِهَذَا الطَّرِيقِ (وَابْنِ عَبَّاسٍ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ) مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَإِنَّهَا قِرَاءَةٌ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ أَيْضًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَوَجْهُهَا مَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ فِي الْقُرْآنِ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَالِثٌ وَلَا يَمْلَأُ فَاهُ إلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ قِيلَ إنَّهُ كَانَ مِنْ سُورَةِ " ص " وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ رَعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةٌ وَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ شَهْرًا عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ قَرَءُوا فِيهَا قُرْآنًا أَلَا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ثُمَّ رُفِعَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَقَلْبُهُ) أَيْ نَسْخُ الْحُكْمِ لَا التِّلَاوَةِ (آيَةَ الِاعْتِدَادِ حَوْلًا مَتْلُوَّةً وَارْتَفَعَ مُفَادُهَا) بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ الْمُفَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى

مسألة لا ينسخ الإجماع ولا ينسخ به

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (وَهُمَا) أَيْ نَسْخُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ (مَعًا قَوْلُ عَائِشَةَ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ) مَعْلُومَاتٍ (يُحَرِّمْنَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَالُوا) أَيْ مَانِعُو نَسْخِ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ أَوَّلًا (التِّلَاوَةُ مَعَ مُفَادِهَا) مِنْ الْحُكْمِ فِي دَلَالَتِهِمَا عَلَيْهِ (كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ وَالْمَنْطُوقِ مَعَ الْمَفْهُومِ) وَكَمَا لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ لَا يَنْفَكُّ الْحُكْمُ عَنْ التِّلَاوَةِ وَلَا التِّلَاوَةُ عَنْ الْحُكْمِ. وَلَمَّا أَجَابَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ قِبَلِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الْعَالَمِيَّةَ مِنْ الْأَحْوَالِ يَعْنِي الصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ وَلَا مَعْدُومَةٍ قَائِمَةٌ بِمَوْجُودٍ وَتَمَامُ هَذَا فَرْعُ ثُبُوتِ الْحَالِ وَالْحَقُّ عِنْدَنَا نَفْيُ الْحَالِ وَإِنْ قَالَ بِثُبُوتِهِ بَعْضٌ مِنَّا كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَرَأَى الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمِثَالِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ أَنَّ التِّلَاوَةَ وَهِيَ اللَّفْظُ مَلْزُومٌ لِإِفَادَةِ مَعْنَاهُ فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمَلْزُومِ بِلَا لَازِمِهِ غَيْرَ أَنَّهُمْ ضَرَبُوا ذَلِكَ مَثَلًا فَبُطْلَانُهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَشَارَ إلَى هَذَا وَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ الْجَوَابِ فَقَالَ (وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَتْلُوَّ (مَلْزُومٌ) لِمَعْنَاهُ (فَلَا يَضُرُّهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ (مَنْعُ ثُبُوتِ الْأَحْوَالِ وَالْجَوَابُ إنْ قُلْت) الْمَتْلُوُّ (مَلْزُومُ الثُّبُوتِ) أَيْ ثُبُوتِ مَعْنَاهُ (ابْتِدَاءً سَلَّمْنَاهُ وَلَا يُفِيدُ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِيهِ (أَوْ) مَلْزُومُ الثُّبُوتِ (بَقَاءُ مَعْنَاهُ) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الثُّبُوتِ ابْتِدَاءُ الثُّبُوتِ بَقَاءً (وَالْكَلَامُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِهِ بَقَاءً (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ ثَانِيًا (بَقَاءُ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ يُوهِمُ بَقَاءَهُ) أَيْ الْحُكْمِ لِكَوْنِ التِّلَاوَةِ دَلِيلَهُ وَبَقَاءُ الدَّلِيلِ مُوهِمٌ بَقَاءَ الْمَدْلُولِ (فَيُوقَعُ) بَقَاؤُهَا دُونَ الْمُكَلَّفِ (فِي الْجَهْلِ) لِظَنِّهِ بَقَاءَ الْحُكْمِ وَهُوَ لَيْسَ بِبَاقٍ فِي الْحَالِ وَالْإِيقَاعُ فِي الْجَهْلِ قَبِيحٌ فَلَا يَقَعُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. (وَأَيْضًا فَائِدَةُ إنْزَالِهِ) أَيْ الْقُرْآنِ (إفَادَتُهُ) أَيْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي دَلَّتْ التِّلَاوَةُ عَلَيْهِ (وَتَنْتَفِي) إفَادَتُهَا الْحُكْمَ (بِبَقَائِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (دُونَهَا) أَيْ التِّلَاوَةِ، وَالْكَلَامُ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ يَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ الْقُرْآنُ عَنْهُ (أُجِيبُ مَبْنَاهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ (عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ) الْعَقْلِيَّيْنِ وَقَدْ نَفَاهُمَا الْأَشَاعِرَةُ (وَلَوْ سُلِّمَ) الْقَوْلُ بِهِمَا (فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْإِيقَاعُ) فِي الْجَهْلِ عَلَى تَقْدِيرِ نَسْخِ الْحُكْمِ لَا التِّلَاوَةِ (لَوْ لَمْ يُنْصَبُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَدَمِ بَقَاءِ الْحُكْمِ لَكِنَّهُ نُصِبَ عَلَيْهِ فَالْمُجْتَهِدُ يَعْلَمُهُ بِالدَّلِيلِ، وَالْمُقَلِّدُ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ فَيَنْتَفِي التَّجْهِيلُ (وَيُمْنَعُ حَصْرُ فَائِدَتِهِ) فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ (بَلْ) إنْزَالُهُ لِفَوَائِدَ لِمَا ذَكَرْتُمْ وَأَيْضًا (لِلْإِعْجَازِ وَلِثَوَابِ التِّلَاوَةِ أَيْضًا وَقَدْ حَصَلَتَا) أَيْ هَاتَانِ الْفَائِدَتَانِ؛ لِأَنَّ الْإِعْجَازَ لَا يَنْتَفِي بِنَسْخِ تَعَلُّقِ حُكْمِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَنْعَدِمُ بِهِ وَالْأَعْجَازُ تَابِعٌ لِوُجُودِهِ لَا لِمُجَرَّدِ قُرْآنِيَّتِهِ وَالثَّوَابُ يَحْصُلُ بِتِلَاوَتِهِ كَمَا قَبْلَ النَّسْخِ (كَالْفَائِدَةِ الَّتِي عَيَّنْتُمُوهَا) أَيْ كَمَا حَصَلَتْ إفَادَةُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَيَسْتَتْبِعُ بَقَاءَهُ لَفْظًا أَيْضًا حُرْمَةُ ذِكْرِهِ عَلَى الْجُنُبِ وَجَوَازُ الصَّلَاةِ وَحُرْمَةُ مَسِّ رَسْمِهِ لِلْمُحْدِثِ كَالْمُتَشَابِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ فَائِدَةِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ بَقَاؤُهَا (وَإِلَّا انْتَفَى النَّسْخُ بَعْدَ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ تَكَرُّرُهُ) لِعَدَمِ بَقَاءِ فَائِدَتِهِ الَّتِي هِيَ وُجُوبُ تَكَرُّرِهِ دَائِمًا وَهُوَ بَاطِلٌ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ] (مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ) الْقَطْعِيُّ أَيْ لَا يُدْفَعُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ (وَلَا يُنْسَخُ بِهِ) غَيْرُهُ (أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّهُ لَا يُنْسَخُ (فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ رَفْعُ حُكْمِهِ (فَبِنَصٍّ قَاطِعٍ أَوْ إجْمَاعٍ) قَاطِعٍ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ رَفْعُ حُكْمِهِ بِنَصٍّ قَاطِعٍ (يَسْتَلْزِمُ خَطَأَ قَاطِعِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ حِينَئِذٍ (خِلَافُ الْقَاطِعِ) الَّذِي هُوَ النَّصُّ وَخِلَافُهُ خَطَأٌ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ قَطْعًا وَعَدَمِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ الْقَاطِعِ (وَالثَّانِي) أَيْ رَفْعُ حُكْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ يَسْتَلْزِمُ (بُطْلَانَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْإِجْمَاعَيْنِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى خِلَافِ إجْمَاعٍ آخَرَ فَأَحَدُ الْإِجْمَاعَيْنِ سَاقِطٌ بِالضَّرُورَةِ وَلَمَّا امْتَنَعَ بُطْلَانُ الْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ كَانَ الْإِجْمَاعُ الْآخَرُ وَهُوَ مَا فُرِضَ نَسْخُهُ غَيْرَ قَاطِعٍ وَبَاطِلٍ، وَعَلَى الْخَطَأِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَيْسَ) هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِ نَسْخِ الْإِجْمَاعِ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ (بِشَيْءٍ) مَانِعٍ مِنْ نَسْخِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُوجِبُ خَطَأَ الْأَوَّلِ وَإِلَّا) لَوْ كَانَ النَّسْخُ يُوجِبُ خَطَأَ الْمَنْسُوخِ (امْتَنَعَ)

النَّسْخُ (مُطْلَقًا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الْقَاطِعِ الْمُتَأَخِّرِ خَطَأُ الْقَاطِعِ الْمُتَقَدِّمِ لَزِمَ صِحَّةُ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ إلَى ظُهُورِ النَّصِّ الْقَاطِعِ أَوْ الْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ فَيَرْتَفِعُ بِهِ كَقَطْعِيِّ الْكِتَابِ بَعْدَ مِثْلِهِ (بَلْ) إنَّمَا لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ بِنَصٍّ مُتَأَخِّرٍ (لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ حُجِّيَّتَهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ مَشْرُوطَةٌ (بِقَيْدِ بُعْدِيَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا يُتَصَوَّرُ تَأَخُّرُ النَّصِّ عَنْهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (وَثَمَرَتُهُ) أَيْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ بِغَيْرِهِ تَظْهَرُ (فِيمَا إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ جَازَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْإِجْمَاعُ (عَلَى أَحَدِهِمَا) بِعَيْنِهِ (فَإِذَا وَقَعَ) الْإِجْمَاعُ عَلَى أَحَدِهِمَا عَيْنًا (ارْتَفَعَ جَوَازُ الْأَخْذِ بِالْآخَرِ) لِتَعَيُّنِ الْأَخْذِ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ وَبُطْلَانِ الْأَخْذِ بِمُخَالِفِهِ (فَالْمُجِيزُ) لِجَوَازِ نَسْخِ الْإِجْمَاعِ يَقُولُ ارْتِفَاعُ جَوَازِ الْأَخْذِ بِالْآخَرِ (نَسْخٌ) لِجَوَازِ الْأَخْذِ بِهِ (وَالْجُمْهُورُ) يَقُولُونَ (لَا) يَنْسَخُ جَوَازَ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا اجْتِهَادٌ أَوْ تَقْلِيدٌ (لِمَنْعِ) جَوَازِ (الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا) عَيْنًا بَعْدَ خِلَافِهِمْ الْمُسْتَقِرِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ جَوَازَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا عَيْنًا حِينَئِذٍ (مُخْتَلَفٌ) فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْإِجْمَاعِ (وَلَوْ سُلِّمَ) جَوَازُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْخِلَافِ الْمُسْتَقِرِّ فَلَا نَسْخَ لِلْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْأَوَّلَ كَمَا قَالَ (فَمَشْرُوطٌ بِعَدَمِ قَاطِعٍ يَمْنَعُهُ) أَيْ إنَّمَا يَنْعَقِدُ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَصِيرَ قَطْعِيَّةً بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي فَإِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ الثَّانِي انْتَفَى شَرْطُ كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً فَانْتَفَى شَرْطُ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ لَا لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَحَدِهِمَا) عَيْنًا بَعْدَ ذَلِكَ (مَانِعٌ) مِنْ ذَلِكَ (وَأَمَّا الثَّانِي) أَيْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ بِهِ غَيْرُهُ (فَالْأَكْثَرُ عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ لَا يُنْسَخُ بِهِ غَيْرُهُ (خِلَافًا لِابْنِ أَبَانَ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ. لَنَا إنْ) كَانَ الْإِجْمَاعُ (عَنْ نَصٍّ) مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ (فَهُوَ) أَيْ النَّصُّ (النَّاسِخُ يَعْنِي لِمَا بِحَيْثُ يُنْسَخُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُسْتَدِلَّ بَيَّنَ فِيمَا زَعَمَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ بِغَيْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ إذَا اُعْتُبِرَ نَاسِخًا أَنْ يَنْسَخَ مَا بِحَيْثُ يَجُوزُ نَسْخُهُ (وَإِلَّا) إنْ لَمْ يَكُنْ الْإِجْمَاعُ عَنْ نَصٍّ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ الْمَنْسُوخُ (إنْ) كَانَ (قَطْعِيًّا لَزِمَ خَطَأُ الثَّانِي) الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاعُ النَّاسِخُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ حِينَئِذٍ (عَلَى خِلَافِ) النَّصِّ (الْقَاطِعِ) وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ الْقَاطِعِ خَطَأٌ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ظَنِّيًّا (فَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ (أَظْهَرُ أَنَّهُ) أَيْ الْأَوَّلَ (لَيْسَ دَلِيلًا) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِهِ رُجْحَانُهُ وَقَدْ انْتَفَى بِمُعَارَضَةِ قَاطِعٍ لَهُ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ (فَلَا حُكْمَ) ثَابِتٌ لَهُ (فَلَا رَفْعَ) ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ فَرْعُ الثُّبُوتِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ وَيَرِدُ عَلَى هَذَا (مَنْعُ خَطَأِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الثَّانِيَ (قَطْعِيٌّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ) نَصٍّ (قَطْعِيٍّ) مُتَقَدِّمٍ كَمَا هُوَ التَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ وَالنَّسْخُ لَا يُوجِبُ خَطَأَ الْمَنْسُوخِ وَإِلَّا امْتَنَعَ النَّسْخُ مُطْلَقًا (وَإِنْ) كَانَ الْأَوَّلُ (عَنْ ظَنِّيٍّ) كَمَا هُوَ التَّقْدِيرُ الثَّانِي (فَيَرْفَعُهُ) الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ يَرْفَعُ مَا دُونَهُ (كَالْكِتَابِ لِلْكِتَابِ) أَيْ كَنَسْخِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ مِنْهُ لِقَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ مِنْهُ وَظَنِّيِّ الدَّلَالَةِ (وَإِذَنْ فَلِلْخَصْمِ مَنْعُ الْأَخِيرِ) وَهُوَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ أَظْهَرَ أَنَّ الظَّنِّيَّ لَيْسَ دَلِيلًا (بَلْ يَنْسَخُ) الْإِجْمَاعُ الثَّانِي الْقَطْعِيُّ الْأَوَّلَ (الظَّنِّيَّ لَا أَنَّهُ) أَيْ الثَّانِيَ (يَظْهَرُ بُطْلَانُهُ) أَيْ الْأَوَّلِ (فَالْوَجْهُ) فِي بَيَانِ دَلِيلِ مَنْعِ نَسْخِ الْإِجْمَاعِ (مَا لِلْحَنَفِيَّةِ) فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ (لَا مَدْخَلَ لِلْآرَاءِ فِي مَعْرِفَةِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى) بَلْ إنَّمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْوَحْيِ وَلَا وَحْيَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ (وَقَعَ) نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْإِجْمَاعِ (بِقَوْلِ عُثْمَانَ) لَمَّا قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ كَيْفَ تَحْجُبُ الْأُمَّ بِالْأَخَوَيْنِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَالْأَخَوَانِ لَيْسَا إخْوَةً (حَجَبَهَا قَوْمُك) يَا غُلَامُ قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَدَّمْته بِلَفْظٍ آخَرَ فِي الْبَحْثِ الثَّالِثِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي إبْطَالِ حُكْمِ الْقُرْآنِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ النَّسْخُ (وَبِسُقُوطِ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ) قُلُوبُهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الدَّالُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَتَاهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ

قَالَ {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] يَعْنِي الْيَوْمَ لَيْسَ مُؤَلَّفَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ (قُلْنَا الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ قَوْلِ عُثْمَانَ حَجَبَهَا قَوْمُك نَاسِخًا لِلْقُرْآنِ (يَتَوَقَّفُ عَلَى إفَادَةِ الْآيَةِ) أَيْ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] (عَدَمَ حَجْبِ مَا لَيْسَ إخْوَةً قَطْعًا) لَهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُفِدْ عَدَمَ حَجْبِ مَا لَيْسَ إخْوَةً لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ حَجَبَهَا قَوْمُك حَجَبَهَا الْإِجْمَاعُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَجْبُهُمْ إيَّاهَا لِدَلِيلٍ آخَرَ عَلَى حَجْبِهَا بِهِمَا (وَ) عَلَى (أَنَّ الْأَخَوَيْنِ لَيْسَا إخْوَةً قَطْعًا) ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا إخْوَةٌ لَكَانَ مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ حَجَبَهَا قَوْمُك اللُّغَةُ تُجِيزُ لَفْظَ الْإِخْوَةِ لِلْأَخَوَيْنِ كَمَا تُجِيزُهُ لِلثَّلَاثَةِ (لَكِنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ إفَادَةَ الْآيَةِ عَدَمَ حَجْبِ مَا لَيْسَ إخْوَةً ثَابِتٌ (بِالْمَفْهُومِ) الْمُخَالِفِ (الْمُخْتَلَفِ) فِي صِحَّةِ كَوْنِهِ حُجَّةً وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْوَةٌ لَا يَكُونُ لِأُمِّهِ السُّدُسُ (وَالثَّانِي) أَيْ إنَّ الْأَخَوَيْنِ لَيْسَا إخْوَةً قَطْعًا (فَرْعٌ إنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ لَا تُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ لَا) حَقِيقَةً (وَلَا مَجَازًا قَطْعًا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ عَلَيْهِمَا مَجَازًا لَا يُنْكَرُ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ عُثْمَانَ أَرَادَ حَجَبَهَا الْإِجْمَاعُ (وَجَبَ تَقْدِيرُ نَصٍّ) حَدَثَ قَطْعًا يَكُونُ النَّسْخُ بِهِ وَإِلَّا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ الْقَاطِعِ الَّذِي هُوَ الْمَفْهُومُ الْمَفْرُوضُ قَطْعِيَّتُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ (وَسُقُوطُ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْمُفْرَدَةِ) الْغَائِبَةِ وَهِيَ الْإِعْزَازُ لِلْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لَهُمْ هُوَ الْعِلَّةُ لِلْإِعْزَازِ إذْ يُفْعَلُ الدَّفْعُ لِيَحْصُلَ الْإِعْزَازُ فَإِنَّمَا انْتَهَى تَرَتُّبُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِعْزَازُ عَلَى الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ وَعَنْ هَذَا قِيلَ عَدَمُ الدَّفْعِ الْآنَ لِلْمُؤَلَّفَةِ تَقْرِيرٌ لِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَسْخٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِعْزَازُ وَكَانَ بِالدَّفْعِ وَالْآنَ هُوَ فِي عَدَمِ الدَّفْعِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي النَّسْخَ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ ارْتَفَعَ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ عِلَّةٌ لِحُكْمٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ فَنُسِخَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْسَ) انْتِهَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ (نَسْخًا وَلَوْ ادَّعَوْا) أَيْ الْقَائِلُونَ الْإِجْمَاعَ يُنْسَخُ بِهِ (مِثْلُهُ) أَيْ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ مُبَيِّنًا رَفْعَ الْحُكْمِ وَانْتِهَاءَ مُدَّتِهِ (نَسْخًا فَلَفْظِيٌّ) أَيْ فَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَكُونُ نَاسِخًا أَوْ لَا حِينَئِذٍ لَفْظِيٌّ (مَبْنِيٌّ عَلَى الِاصْطِلَاحِ فِي اسْتِقْلَالِ دَلِيلِهِ) أَيْ النَّسْخِ فَمَنْ اشْتَرَطَهُ فِيهِ وَهُوَ الْجُمْهُورُ لَمْ يَجْعَلْ الْإِجْمَاعَ نَاسِخًا فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَيْسَ مُسْتَقِلًّا بِذَاتِهِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ بَلْ اعْتِبَارُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فَالْإِجْمَاعُ كَاشِفٌ عَنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا لَفْظُهُ وَمَنْ لَمْ يَشْرِطْهُ فِيهِ جَعَلَهُ نَاسِخًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا عَنْ الْمُخَالِفِينَ إذْ الْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلِيلُ وُجُودِ النَّاسِخِ أَيْ يُعْلَمُ بِهِ النَّسْخُ بِدَلِيلِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ دَلِيلِهِ لَا أَنَّ الْإِجْمَاعَ نَفْسَهُ نَاسِخٌ، وَعِبَارَةُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ عَلَى مَا ذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ قَالَ إذَا رُوِيَ خَبَرَانِ مُتَضَادَّانِ وَالنَّاسُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَهُوَ النَّاسِخُ لِلْآخَرِ انْتَهَى صَرِيحُهُ فِي هَذَا كَمَا تَرَى نَعَمْ كَلَامُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فِي حِكَايَةِ قَوْلِ الْمُخَالِفِ تَنْبُو عَنْ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ وَأَمَّا النَّسْخُ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ جَوَّزَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِطَرِيقِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُوجِبٌ عِلْمَ الْيَقِينِ كَالنَّصِّ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسْخُ بِهِ، وَالْإِجْمَاعُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً أَقْوَى مِنْ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ وَإِذَا كَانَ يَجُوزُ النَّسْخُ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَجَوَازُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَوْلَى وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعِ الْآرَاءِ عَلَى شَيْءٍ وَلَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِي مَعْرِفَةِ نِهَايَةِ وَقْتِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِي الشَّيْءِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أَوَانُ النَّسْخِ حَالَ حَيَاةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاتِّفَاقِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَفِي حَالِ حَيَاتِهِ مَا كَانَ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِ رَأْيِهِ وَكَانَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ فَرْضًا، وَإِذَا وُجِدَ الْبَيَانُ مِنْهُ فَالْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ قَطْعًا هُوَ الْبَيَانُ الْمَسْمُوعُ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ بَعْدَهُ وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ النَّسْخَ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ لَا يَجُوزُ. (وَصَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِمَنْسُوخِيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (أَيْضًا) وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِنَسْخِ الْإِجْمَاعِ وَالنَّسْخِ بِهِ (قَالَ وَالنَّسْخُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ فِي الْإِجْمَاعِ (بِمِثْلِهِ) أَيْ بِإِجْمَاعِ مِثْلِهِ (جَائِزٌ حَتَّى إذَا ثَبَتَ حُكْمٌ بِإِجْمَاعٍ فِي عَصْرٍ يَجُوزُ أَنْ يُجْمِعَ أُولَئِكَ عَلَى خِلَافِهِ فَيُنْسَخُ بِهِ الْأَوَّلُ وَكَذَا فِي عَصْرَيْنِ) عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَقْيِيدٍ وَتَعَقُّبٍ نَذْكُرُهُمَا قَرِيبًا (وَوَجْهُ) قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي كَشْفِهِ

مسألة إذا رجح قياس متأخر لتأخر شرعية حكم أصله عن نص على نقيض حكمه

(بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ ظُهُورُ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ) الْأَوَّلِ (بِإِلْهَامِهِ تَعَالَى لِلْمُجْتَهِدِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّأْيِ دَخْلٌ فِي مَعْرِفَةِ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ وَزَمَانِ نَسْخِ مَا ثَبَتَ بِالْوَحْيِ وَإِنْ انْتَهَى بِوَفَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِامْتِنَاعِ نَسْخِ الْوَحْيِ بَعْدَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَكِنَّ زَمَانَ نَسْخِ مَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَنْتَهِ بِهِ) أَيْ بِمَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِبَقَاءِ زَمَانِ انْعِقَادِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ وَحُدُوثِهِ (فَجَازَ أَنْ يُجْمَعَ عَلَى خِلَافِ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ) إذْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْعَقِدَ إجْمَاعٌ لِمَصْلَحَةٍ ثُمَّ تَتَبَدَّلُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ فَيَنْعَقِدُ إجْمَاعٌ نَاسِخٌ لَهُ (فَيَظْهَرُ بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِ انْتِهَاءُ مُدَّةِ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ إلَّا أَنَّ شَرْطَهُ) أَيْ نَسْخِ الْإِجْمَاعِ الْإِجْمَاعَ (الْمُمَاثَلَةُ) بَيْنَهُمَا فِي الْقُوَّةِ (فَلَا يَنْسَخُ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ إجْمَاعٌ) مِنْ غَيْرِهِمْ (بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا) التَّوْجِيهَ (لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِجْمَاعِ لَا عَنْ مُسْتَنَدٍ وَلَيْسَ) هَذَا الْقَوْلُ الْقَوْلَ (السَّدِيدَ ثُمَّ نَاقَضَ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ هَذَا (قَوْلَهُ فِي النَّسْخِ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّسْخَ بِهِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعُ لَيْسَ حُجَّةً فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ بِدُونِ رَأْيِهِ وَالرُّجُوعُ إلَيْهِ فَرْضٌ وَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ الْبَيَانُ فَالْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ هُوَ الْبَيَانُ الْمَسْمُوعُ مِنْهُ وَإِذَا صَارَ الْإِجْمَاعُ وَاجِبَ الْعَمَلِ بِهِ) بَعْدَهُ (لَمْ يَبْقَ النَّسْخُ مَشْرُوعًا) بَعْدَهُ (وَجُوِّزَ أَنْ يُرِيدَ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِالصَّحِيحِ الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ (لَا يُنْسَخُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا نَسْخُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجُوزُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْسَخَهُمَا وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْعَقِدَ إجْمَاعٌ بِمَصْلَحَةٍ ثُمَّ تَتَبَدَّلَ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ فَيَنْعَقِدَ إجْمَاعٌ آخَرُ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمُرَادُ إذَا كَانَ (لِمُجَرَّدِ دَفْعِ الْمُنَاقَضَةِ لَا يَقْوَى اخْتِيَارُهُ لِلضَّعِيفِ) وَهُوَ أَنَّ النَّسْخَ يَكُونُ بِالْإِجْمَاعِ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ هَذَا الْمُرَادُ (مُنَافٍ لِقَوْلِهِ النَّسْخُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَيَاتِهِ إلَخْ) ظَاهِرُ الْمُنَافَاةِ (وَمَا قِيلَ) كَمَا هُوَ مُحَصَّلُ بَحْثٍ فِي التَّلْوِيحِ (جَازَ وُقُوعُ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي عَنْ نَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى مُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ وَلَا يُعْلَمُ تَأَخُّرُهُ) أَيْ النَّصِّ الرَّاجِحِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ مُسْتَنَدِ الْأَوَّلِ (كَيْ لَا يُنْسَبَ النَّسْخُ إلَى النَّصِّ فَيَقَعَ الْإِجْمَاعُ الثَّانِي مُتَأَخِّرًا) عَنْ الْأَوَّلِ (فَيَكُونَ نَاسِخًا) لِلْأَوَّلِ (لَمْ يَزِدْ عَلَى اشْتِرَاطِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ) عَنْ الْمَنْسُوخِ (ثُمَّ لَا يُفِيدُ) تَوَجُّهُ نَسْخِ الْإِجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِ بِسَبَبِ كَوْنِ مُسْتَنَدِهِ أَقْوَى (لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ تَحَقُّقُ الْإِجْمَاعِ عَنْ نَصٍّ امْتَنَعَ مُخَالَفَتُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ (وَلَوْ ظَهَرَ نَصٌّ أَرْجَحُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ نَصِّ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ (لِصَيْرُورَةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ) الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ (قَطْعِيًّا بِالْإِجْمَاعِ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِجْمَاعُ بِخِلَافِهِ) . [مَسْأَلَةٌ إذَا رُجِّحَ قِيَاسٌ مُتَأَخِّرٌ لِتَأَخُّرِ شَرْعِيَّةِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَنْ نَصٍّ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِ] (مَسْأَلَةٌ إذَا رُجِّحَ قِيَاسٌ مُتَأَخِّرٌ لِتَأَخُّرِ شَرْعِيَّةِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَنْ نَصٍّ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (فِي الْفَرْعِ) فَلِتَأَخُّرِ بَيَانِ وَجْهِ كَوْنِهِ مُتَأَخِّرًا. وَ " عَنْ نَصٍّ " مُتَعَلِّقٌ بِ " تَأَخُّرِ " بَيَانٌ لِلْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ، وَ " عَلَى نَقِيضٍ " مُتَعَلِّقٌ بِ " نَصٍّ " أَيْ عَنْ نَصٍّ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِ ذَلِكَ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ سَابِقِ ذَلِكَ النَّصِّ عَلَى حُكْمِ أَصْلِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ مِمَّا بِحَيْثُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ إذَا عَارَضَهُ مِمَّا لَيْسَ بِقِيَاسٍ أَوْ سَاوَاهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فَإِنَّ النَّاسِخَ عِنْدَنَا لَا يَلْزَمُ رُجْحَانُهُ بَلْ يَنْسَخُ الْمُسَاوِيَ لِغَيْرِهِ الْمُعَارِضَ لَهُ إذَا تَأَخَّرَ عَنْهُ وَجَوَابُ إذَا (وَجَبَ نَسْخُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (إيَّاهُ) أَيْ النَّصِّ السَّابِقِ (لِمَنْ يُجِيزُ تَقْدِيمَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ بِشُرُوطِهِ) أَيْ النَّسْخِ (دُونَ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَنْ يُجِيزُ تَقْدِيمَهُ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ (وَكَذَا) الْمُعَارِضُ (الْمُسَاوِي) مِثَالُهُ نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى عَدَمِ رِبَوِيَّةِ الذُّرَةِ ثُمَّ نَصَّ بَعْدَهُ عَلَى رِبَوِيَّةِ الْقَمْحِ وَهُوَ أَصْلُ قِيَاسِ رِبَوِيَّةِ الذُّرَةِ عَلَى الْقَمْحِ فَقَدْ اقْتَضَى الْقِيَاسُ الْمُتَأَخِّرُ لِتَأَخُّرِ شَرْعِيَّةِ حُكْمِ أَصْلِهِ فِي الذُّرَةِ الرِّبَوِيَّةَ وَالنَّصُّ عَدَمُهَا فِيهَا مَعَ عِلْمِ تَأَخُّرِ أَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ وَهُوَ النَّسْخُ إنْ كَمُلَتْ شُرُوطُهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَمَا قِيلَ فِي نَفْيِهِ) أَيْ النَّسْخِ (فِي) الْقِيَاسَيْنِ (الظَّنِّيَّيْنِ) كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ (بَيَّنَ الْقِيَاسَ) الثَّانِيَ الْمَظْنُونَ (زَوَالُ شَرْطِ الْعَمَلِ بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ الْأَوَّلِ الْمَظْنُونِ (وَهُوَ) أَيْ شَرْطُ عَمَلِهِ (رُجْحَانُهُ) أَيْ الْأَوَّلِ الْمَظْنُونِ بِأَنْ لَا يَظْهَرَ لَهُ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ

مسألة نسخ أحد الأمرين من فحوى منطوق

أَوْ مُسَاوٍ وَإِذْ بِمُجَرَّدِ الْمُعَارِضِ الْمُسَاوِي تَبْطُلُ ظَنِّيَّتُهُ فَكَيْفَ بِالرَّاجِحِ وَالْقِيَاسُ الظَّنِّيُّ رَاجِحٌ؛ لِأَنَّا فَرَضْنَاهُ نَاسِخًا فَيَبْطُلُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالظَّنِّيِّ الْمُتَقَدِّمِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ فَلَا يَكُونُ الْقِيَاسُ نَاسِخًا لَهُ (لَيْسَ بِشَيْءٍ بَعْدَ فَرْضِ تَأَخُّرِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ الثَّانِي (وَالْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ السَّابِقِ) بِالْقِيَاسِ الْأَوَّلِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَأَخِّرًا (فَلَا نَسْخَ وَإِنَّمَا ذَاكَ) أَيْ عَدَمُ النَّسْخِ (فِي الْمُعَارَضَةِ الْمَحْضَةِ) بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا (وَأَمَّا نَسْخُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (قِيَاسًا آخَرَ بِنَسْخِ حُكْمِ أَصْلِهِ) أَيْ الْآخَرِ (مَعَ) وُجُودِ (عِلَّةِ الرَّفْعِ) لِلْحُكْمِ (الثَّابِتَةِ فِي الْفَرْعِ) أَيْ بِنَسْخِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِنَصٍّ مُشْتَمِلٍ عَلَى عِلَّةٍ مُتَحَقِّقَةٍ فِي الْفَرْعِ فَيُنْسَخُ حُكْمُ الْفَرْعِ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ فَيَتَحَقَّقُ قِيَاسٌ نَاسِخٌ وَآخَرُ مَنْسُوخٌ مِثَالُهُ أَنْ تَثْبُتَ حُرْمَةُ الرِّبَا فِي الذُّرَةِ بِقِيَاسٍ عَلَى الْبُرِّ مَنْصُوصِ الْعِلَّةِ ثُمَّ تُنْسَخُ حُرْمَةُ الرِّبَا فِي الْبُرِّ تَنْصِيصًا عَلَى الْعِلَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذُّرَةِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ وَتُرْفَعُ حُرْمَةُ الرِّبَا فِيهَا فَيَكُونُ نَسْخًا لِلْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ (عَلَى مَا قِيلَ) وَقَائِلُهُ التَّفْتَازَانِيُّ (فَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدَنَا) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (إذْ لَا نُجِيزُ الْقِيَاسَ لِعَدَمِ حُكْمٍ كَمَا سَيُعْلَمُ) فِي الْمَرْصَدِ الثَّانِي فِي شَرْطِ الْعِلَّةِ (وَلَا يُعَلَّلُ النَّاسِخُ وَمَا فَرَضَهُ الْقَائِلُ) مِنْ وُجُودِ عِلَّةِ الرَّفْعِ فِي الْفَرْعِ (لَا يَكُونُ غَيْرَ بَيَانِ وَجْهِ انْتِهَاءِ الْمَصْلَحَةِ) الَّتِي شُرِعَ لَهَا الْحُكْمُ (وَهُوَ) أَيْ انْتِهَاءُ الْمَصْلَحَةِ (مَعْلُومٌ فِي كُلِّ نَسْخٍ فَلَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ) أَيْ انْتِهَاؤُهَا نَاسِخًا (كَانَ) النَّاسِخُ (مُعَلَّلًا دَائِمًا) وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَأَمَّا الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ فِي الشَّرْحِ وَهُوَ إذَا نُسِخَ حُكْمُ الْأَصْلِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّهُ إذَا نُسِخَ حُكْمُ الْأَصْلِ هَلْ يَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ الْفَرْعِ أَوْ لَا؟ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ بَقَائِهِ فَانْتِفَاؤُهُ لِرَفْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ أَوْ لِأَنَّ نَسْخَ حُكْمِ الْأَصْلِ نَسْخٌ لَهُ بِأَنْ يُقَاسَ عَدَمُهُ عَلَى عَدَمِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِيهِ خِلَافٌ (وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ) نَسْخُ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ (عِنْدَنَا بِشَرْعِيَّةِ بَدَلٍ) عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْأَصْلِ (يُضَادُّ) الْحُكْمَ (الْأَوَّلَ فَيَسْتَلْزِمُ) شَرْعُ ذَلِكَ (رَفْعَ حُكْمِهِ) الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ (فَقَدْ يُقَالُ بِمُجَرَّدِ رَفْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ أُهْدِرَ الْجَامِعُ) بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (فَيَرْتَفِعُ حُكْمُ الْفَرْعِ بِالضَّرُورَةِ وَلَا أَثَرَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَأَغْنَى هَذَا عَنْ مَسْأَلَتِهَا) أَيْ هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ الَّتِي هِيَ جَوَازُ نَسْخِ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ (وَتَمَامُهُ) أَيْ هَذَا الْبَحْثِ (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الَّتِي تَلِيهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ مِثَالَ نَسْخِ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ اتِّفَاقًا أَنْ يَنُصَّ الشَّارِعِ عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الْفَرْعِ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ قِيَاسُ الْفَرْعِ عَلَيْهِ أَقْوَى (وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْسِيمِ الْقِيَاسِ إلَى قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ) كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَسَتَعْلَمُ) فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ فِي أَرْكَانِ الْقِيَاسِ (أَنْ لَا قَطْعَ عَنْ قِيَاسٍ وَلَوْ قُطِعَ بِعِلَّتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ (وَوُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ لِجَوَازِ شَرْطِيَّةِ الْأَصْلِ أَوْ مَانِعِيَّةِ الْفَرْعِ) مِنْهُ (وَلَوْ تَجَوَّزَ بِهِ) أَيْ بِالْقَطْعِيِّ (عَنْ كَوْنِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (جَلِيًّا فَفَرْضُ غَيْرِ الْمَسْأَلَةِ) الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا (أَنْ عَنَى بِهِ) أَيْ بِالْجَلِيِّ (مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَعْنِ بِهِ ذَلِكَ (فَمَا فَرَضْنَاهُ) مِنْ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ (عَامٌّ) لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ (لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى ذِكْرِ الْجَلِيِّ وَتَخْصِيصِهِ بِذَلِكَ (قَالُوا) أَيْ مُجِيزُو النَّسْخِ (تَخْصِيصُ الزَّمَانِ بِإِخْرَاجِ بَعْضِهِ) أَيْ الزَّمَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَشْرُوعًا فِيهِ (فَكَتَخْصِيصِ الْمُرَادِ) أَيْ فَهُوَ كَإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَامُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَامِّ، وَالْقِيَاسُ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّصُ بِهِ الْمُرَادُ فَيَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ بِهِ وَالْمُلَخَّصُ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّسْخُ بِالْقِيَاسِ قِيَاسًا عَلَى التَّخْصِيصِ بِهِ بِجَامِعِ كَوْنِهِمَا تَخْصِيصَيْنِ، وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا فِي الْأَعْيَانِ وَالْآخَرُ فِي الزَّمَانِ لَا يَصْلُحُ فَارِقًا إذْ لَا أَثَرَ لَهُ (الْجَوَابُ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ إذْ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِي الِانْتِهَاءِ) لِلْحُكْمِ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى (كَمَا تَقَدَّمَ) فِي الَّتِي قَبْلَهَا (وَلَوْ عُلِمَ) الْحُكْمُ (مَنُوطًا بِمَصْلَحَةٍ عُلِمَ ارْتِفَاعُهَا فَكَسَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ) أَيْ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ كَسُقُوطِ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ وَلَيْسَ نَسْخًا. [مَسْأَلَةٌ نَسْخُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فَحَوَى مَنْطُوقٍ] (مَسْأَلَةٌ نَسْخُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فَحَوَى مَنْطُوقٍ) أَيْ هَلْ يُنْسَخُ الْفَحْوَى دُونَ الْمَنْطُوقِ وَبِالْعَكْسِ (وَهُوَ) أَيْ فَحْوَاهُ (الدَّلَالَةُ لِلْحَنَفِيَّةِ) وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ لِغَيْرِهِمْ فِيهِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا: نَعَمْ وَعَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ، ثَانِيهَا لَا وَنُسِبَ إلَى الْأَكْثَرِينَ، (ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ لِلْآمِدِيِّ وَأَتْبَاعِهِ جَوَازُ) نَسْخِ

(الْمَنْطُوقِ) بِدُونِ الْفَحْوَى (لَا) جَوَازُ (قَلْبِهِ) أَيْ يَمْتَنِعُ نَسْخُ الْفَحْوَى بِدُونِ الْمَنْطُوقِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَنْطُوقَ كَتَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ (مَلْزُومٌ) لِفَحْوَاهُ كَتَحْرِيمِ الضَّرْبِ (فَلَا يَنْفَرِدُ) الْمَلْزُومُ (عَنْ لَازِمِهِ) أَيْ فَلَا يُوجَدُ تَحْرِيمُ التَّأْفِيفِ مَعَ عَدَمِ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ مَعَ عَدَمِ اللَّازِمِ مُحَالٌ (بِخِلَافِ نَسْخِ التَّأْفِيفِ فَقَطْ) أَيْ انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ مَعَ بَقَاءِ اللَّازِمِ وَهُوَ تَحْرِيمُ الضَّرْبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ (لِأَنَّهُ) أَيْ نَسْخَ التَّأْفِيفِ لَا غَيْرُ (رَفْعٌ لِلْمَلْزُومِ) وَرَفْعُهُ مَعَ بَقَاءِ اللَّازِمِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ قَالَ (الْمُجِيزُونَ) النَّسْخَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ (مَدْلُولَانِ) مُتَغَايِرَانِ أَحَدُهُمَا صَرِيحٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ صَرِيحٍ (فَجَازَ رَفْعُ كُلٍّ دُونَ الْآخَرِ) ضَرُورَةً (أُجِيبُ) بِجَوَازِهِ (مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مَلْزُومًا لِلْآخَرِ فَإِذَا كَانَ) أَحَدُهُمَا مَلْزُومًا لِلْآخَرِ (فَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ فَإِنَّمَا يَجُوزُ نَسْخُ الْمَنْطُوقِ بِدُونِ الْفَحْوَى لَا الْقَلْبُ. قَالَ (الْمَانِعُونَ) لِنَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ يَمْتَنِعُ نَسْخُ (الْفَحْوَى دُونَ الْأَصْلِ) الَّذِي هُوَ الْمَنْطُوقُ (لِمَا قُلْتُمْ) مِنْ لُزُومِ الْمَلْزُومِ مَعَ عَدَمِ اللَّازِمِ (وَقَلْبُهُ) أَيْ وَيَمْتَنِعُ نَسْخُ الْأَصْلِ دُونَ الْفَحْوَى (لِأَنَّهُ) أَيْ الْفَحْوَى (تَابِعٌ) لِلْأَصْلِ (فَلَا يَثْبُتُ) الْفَحْوَى (دُونَ الْمَتْبُوعِ) أَيْ الْأَصْلِ لِوُجُوبِ ارْتِفَاعِهِ بِارْتِفَاعِ مَتْبُوعِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ تَابِعًا لَهُ (أُجِيبُ بِأَنَّ التَّابِعِيَّةَ) أَيْ تَابِعِيَّةَ الْفَحْوَى لِلْأَصْلِ إنَّمَا هِيَ (فِي الدَّلَالَةِ) أَيْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْأَصْلِ (وَلَا تَرْتَفِعُ) الدَّلَالَةُ إجْمَاعًا (لَا) أَنَّ الْفَحْوَى تَابِعٌ لِلْأَصْلِ فِي (الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ فَإِنْ فَهِمْنَا تَحْرِيمَ الضَّرْبِ مِنْ فَهْمِنَا لِتَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ لَا أَنَّ الضَّرْبَ إنَّمَا كَانَ حَرَامًا؛ لِأَنَّ التَّأْفِيفَ حَرَامٌ وَلَا أَنَّهُ لَوْلَا حُرْمَةُ التَّأْفِيفِ لَمَا كَانَ الضَّرْبُ حَرَامًا (وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ حُرْمَةُ التَّأْفِيفِ (الْمُرْتَفِعُ) فَالْمَتْبُوعُ لَمْ يَرْتَفِعْ وَالْمُرْتَفِعُ لَيْسَ بِمَتْبُوعٍ (وَاعْلَمْ أَنَّ تَحْقِيقَهُ أَنَّ الْفَحْوَى) إنَّمَا تَثْبُتُ (بِعِلَّةِ الْأَصْلِ مُتَبَادِرَةٌ) إلَى الْفَهْمِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ (حَتَّى تُسَمَّى قِيَاسًا جَلِيًّا فَالتَّفْصِيلُ) الْمَذْكُورُ (حَتَّى عَلَى اشْتِرَاطِ الْأَوْلَوِيَّةِ) أَيْ أَوْلَوِيَّةِ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ فِي الْفَحْوَى كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ (لِأَنَّ نَسْخَ الْأَصْلِ) يَكُونُ (بِرَفْعِ اعْتِبَارِ قَدْرِهِ) أَيْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَنْطُوقُهُ مِنْ الْمِقْدَارِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِيهِ (وَجَازَ بَقَاءُ الْمَفْهُومِ) الْمَذْكُورِ (بِقَدْرِ فَوْقِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الْأَصْلُ فَيَبْقَى حُكْمُ الْمَفْهُومِ لِبَقَاءِ عِلَّتِهِ (بِخِلَافِ الْقَلْبِ) أَيْ نَسْخِ الْفَحْوَى دُونَ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إهْدَارُ الْأَشَدِّ فِي التَّحْرِيمِ) كَالضَّرْبِ. (وَاعْتِبَارُ مَا دُونَهُ) أَيْ مَا دُونَ الْأَشَدِّ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ التَّأْفِيفُ (فِيهِ) أَيْ فِي التَّحْرِيمِ حَتَّى يَجُوزَ أَنْ يَنْسَخَ حُرْمَةَ الضَّرْبِ وَلَا يَنْسَخَ حُرْمَةَ التَّأْفِيفِ بَلْ الْأَمْرُ بِالْقَلْبِ فَإِنَّ الْحِكْمَةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ غَايَةٌ فِي إيجَابِ التَّعْظِيمِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْإِيذَاءِ حَتَّى يَسْتَتْبِعَ تَحْرِيمَ الشَّتْمِ وَالضَّرْبِ وَسَائِرَ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ، بِخِلَافِ حِكْمَةِ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي تِلْكَ الْغَايَةِ مِنْ التَّعْظِيمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِفَاعِ التَّعْظِيمِ الْأَوَّلِ ارْتِفَاعُ التَّعْظِيمِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَجِبُ أَنْ يُعَظِّمَ غَايَةَ التَّعْظِيمِ قَدْ يَجِبُ أَنْ يُعَظِّمَ تَعْظِيمًا مَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرِّعَايَةَ وَالْعِنَايَةَ فِي تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ فَوْقَهَا فِي تَحْرِيمِ الضَّرْبِ وَأَخَصُّ مِنْهَا وَانْتِفَاءُ الْأَعْلَى وَالْأَخَصِّ لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْأَدْنَى وَالْأَعَمِّ (وَنَحْوَ اُقْتُلْهُ وَلَا تُهِنْهُ) إنَّمَا جَازَ مَعَ أَنَّ الْقَتْلَ أَشَدُّ مِنْ الْإِهَانَةِ (لِعُرْفِ صَيْرِ الْإِهَانَةِ فَوْقَ الْقَتْلِ أَذًى) وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إهْدَارِ الْأَدْنَى إهْدَارُ الْأَعْلَى (وَتَقَدَّمَ) فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الدَّلَالَةِ (أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَكَثِيرًا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ) فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ (سِوَى التَّبَادُرِ) أَيْ تَبَادُرِ حُكْمِ الْمَذْكُورِ لِلْمَسْكُوتِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ سَوَاءٌ (اتَّحَدَ كَمِّيَّةُ الْمُنَاطِ) لِلْحُكْمِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ بِأَنْ تَسَاوَيَا فِي مِقْدَارِهِ (أَوْ تَفَاوَتَ) الْمُنَاطُ فِيهِمَا كَمْيَّةً بِأَنْ كَانَ فِي الْمَسْكُوتِ أَشَدُّ (فَيَلْزَمُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ (التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْأُولَى وَالْمَنْعُ فِيهِمَا) أَيْ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ (فِي الْمُسَاوَاةِ فَلَوْ نُسِخَ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ لِلْجِمَاعِ) أَيْ جِمَاعِ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ الصَّائِمِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ (لَانْتَفَى) إيجَابُهَا (لِلْأَكْلِ) أَيْ لِأَكْلِهِ عَمْدًا فِيهِ (وَمَبْنَاهُ) أَيْ عَدَمِ التَّفْصِيلِ فِي الْمُسَاوَاةِ (عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ نَسْخَ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا يَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ الْفَرْعِ) كَمَا خِلَافُهُ مَنْسُوبٌ إلَى الْحَنَفِيَّةِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ عَدَمِ بَقَاءِ حُكْمِ الْفَرْعِ (يُسَمَّى نَسْخًا أَوْ لَا) نِزَاعٌ (لَفْظِيٌّ أَوْ سَهْوُ

مسألة لا يثبت حكم الناسخ في حق الأمة بعد تبليغه

الْمُخَالِفِ) إذْ لَا نَسْخَ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ زَوَالِ الْحُكْمِ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ (لَنَا نَسْخُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (يُرْفَعُ اعْتِبَارُ كُلِّ عِلَّةٍ لَهُ) أَيْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ (وَبِهَا) أَيْ وَبِعِلَّةِ الْأَصْلِ (ثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ فَيَنْتَفِي) بِانْتِفَائِهَا وَإِلَّا لَزِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِلَا دَلِيلٍ، (فَقَوْلُ الْمُبْقِينَ) لِحُكْمِ الْفَرْعِ (الْفَرْعُ تَابِعٌ لِلدَّلَالَةِ لَا لِلْحُكْمِ) أَيْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ كَوْنُهُ تَابِعًا لِدَلَالَةِ الْأَصْلِ (انْتِفَاؤُهُ) أَيْ حُكْمِهِ (لِانْتِفَائِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُبْقِينَ أَيْضًا (هَذَا) أَيْ الْحُكْمُ بِأَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ لَا يَبْقَى مَعَ نَسْخِ حُكْمِ الْأَصْلِ (حُكْمٌ يَرْفَعُ حُكْمَ الْفَرْعِ قِيَاسًا عَلَى رَفْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْحُكْمُ قِيَاسٌ (بِلَا جَامِعٍ) بَيْنَهُمَا مُوجِبٌ لِلرَّفْعِ (بَعْدَ عَظِيمٍ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى مَعَ الْأَصْلِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْفَحْوَى نَاسِخًا وَقَدْ ادَّعَى الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَحْوَى قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ لَا يَكُونُ نَاسِخًا وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَيْضًا لِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَيَجُوزُ نَسْخُهُ مَعَ الْأَصْلِ وَبِدُونِهِ، وَأَمَّا نَسْخُ الْأَصْلِ بِدُونِهِ فَذَكَرَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ أَنْ أَظْهَرَ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ فَتَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ هُوَ بِارْتِفَاعِهَا، وَقِيلَ يَجُوزُ وَتَبَعِيَّتُهَا لَهُ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا مَعَهُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَهَلْ يَجُوزُ النَّسْخُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَابْنُ السَّمْعَانِيُّ لَا لِضَعْفِهَا عَنْ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ الصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى النُّطْقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ] (مَسْأَلَةٌ) مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ) فِي حَقِّ الْأُمَّةِ (بَعْدَ تَبْلِيغِهِ) أَيْ جِبْرِيلِ النَّبِيَّ (- عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ تَبْلِيغِهِ هُوَ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُمَّةَ وَقِيلَ يَثْبُتُ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْخِلَافُ إذَا بَلَّغَ جِبْرِيلُ وَأَلْقَاهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ، وَوَرَاءَهُ صُوَرٌ إحْدَاهَا: أَنْ لَا يَنْزِلَ إلَى الْأَرْضِ وَلَا يَبْلُغَ جِنْسَ الْبَشَرِ كَمَا إذَا أَوْحَى اللَّهُ إلَى جِبْرِيلَ وَلَمْ يَنْزِلْ. الثَّانِيَةُ أَنْ يَنْزِلَ وَلَكِنْ لَمْ يُلْقِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ فِي هَاتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ. الثَّالِثَةُ أَنْ يُبَلِّغَ جِنْسَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْبَشَرِ وَلَكِنْ فِي غَيْرِ دَارِ التَّكْلِيفِ كَالسَّمَاءِ ثُمَّ يَرْتَفِعَ كَفَرْضِ خَمْسِينَ صَلَاةً لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فَإِنَّهُ بَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رُفِعَ فَهَلْ يَكُونُ نَسْخًا؟ فِيهِ نَظَرٌ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِثُبُوتِهِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ اهـ قُلْت؛ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ فَلَمْ يَقَعْ النَّسْخُ لَهُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ وَاعْتِقَادِهِ اهـ. وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ. الرَّابِعَةُ أَنْ يُبَلِّغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَرْضِ وَلَا يُبَلِّغَ الْأُمَّةَ فَإِنْ تَمَكَّنُوا مِنْ الْعِلْمِ بِهِ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ قَطْعًا وَإِلَّا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَا بِمَعْنَى وُجُوبِ الِامْتِثَالِ وَلَا بِمَعْنَى الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَثْبُتُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي كَالنَّائِمِ وَلَا نَحْفَظُ أَحَدًا قَالَ بِثُبُوتِهِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ اهـ ثُمَّ إنَّمَا كَانَ الْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ) أَيْ ثُبُوتَهُ (يُوجِبُ تَحْرِيمَ شَيْءٍ وَوُجُوبَهُ فِي وَقْتٍ) وَاحِدٍ لَوْ كَانَ الشَّيْءُ الْمَنْسُوخُ وَاجِبًا قَبْلَ نَسْخِهِ إذْ وُجُوبُهُ بَاقٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ قَبْلَ وُصُولِ النَّاسِخِ إلَيْهِ (لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمَنْسُوخَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ عِلْمِهِ) بِالنَّاسِخِ (أَثِمَ) بِالْإِجْمَاعِ (وَهُوَ) أَيْ الْإِثْمُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ (لَازِمُ الْوُجُوبِ) فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ وَاجِبًا (وَالْفَرْضُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَمَلَ بِهِ (حُرِّمَ) بِالنَّاسِخِ فَكَانَ وَاجِبًا حَرَامًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ (وَلِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ) أَيْ الْمُكَلَّفُ الثَّانِي (غَيْرَ مُعْتَقِدٍ شَرْعِيَّتَهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ) بِكَوْنِهِ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ (أَثِمَ) بِعِلْمِهِ بِالِاتِّفَاقِ (فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ) أَيْ النَّاسِخِ وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ بِالْعَمَلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا إثْمَ بِالْعَمَلِ بِالْوَاجِبِ (وَأَيْضًا لَوْ ثَبَتَ) حُكْمُهُ (قَبْلَهُ) أَيْ تَبْلِيغِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُمَّةَ (ثَبَتَ) حُكْمُهُ (قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ) النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِاتِّحَادِهِمَا) أَيْ هَذَيْنِ (فِي وُجُودِ النَّاسِخِ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (الْمُوجِبِ لِحُكْمِهِ) أَيْ النَّاسِخِ (مَعَ عَدَمِ تَمَكُّنِ الْمُكَلَّفِ مِنْ عَمَلِهِ) أَيْ النَّاسِخَ (وَقَدْ يُقَال) عَلَى الْوَجْهَيْنِ

الْأَوَّلَيْنِ (الْإِثْمُ) إنَّمَا هُوَ (لِقَصْدِ الْمُخَالَفَةِ) لِلْمَشْرُوعِ (مَعَ الِاعْتِقَادِ) لِلْمُخَالَفَةِ لِلْمَشْرُوعِ (فِيهِمَا لَا لِنَفْسِ الْفِعْلِ) فِي الثَّانِي كَمَا فِيمَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَإِنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْوَطْءِ بَلْ بِالْجَرَاءَةِ عَلَيْهِ (وَلَا نُؤَثِّمُهُ) بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِالنَّاسِخِ (قَبْلَ تَمَكُّنِ الْعِلْمِ) النَّاسِخِ لِعَدَمِ لُزُومِ امْتِثَالِهِ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ بَلْ (إنَّمَا يُوجَبُ) التَّمَكُّنُ مِنْ الْعِلْمِ بِالنَّاسِخِ إذَا فَاتَ مُقْتَضَى النَّاسِخِ (التَّدَارُكُ) لِمُقْتَضَاهُ فِيمَا يُمْكِنُ التَّدَارُكُ لَهُ بِذَلِكَ (كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ) الْمُعَيَّنِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مَثَلًا (وَخُرُوجِهِ) إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ لِمَانِعٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْرِ مُسْقِطٍ لِلْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يُتَدَارَكُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْقَضَاءِ وَيُقَالُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ (وَالْفَرْقُ) بَيْنَ مَا قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ مَا بَعْدَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا لَمْ يُبَلِّغْ الْأُمَّةَ (أَنَّ مَا قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ حَالَةٌ لِلنَّاسِخِ (قَبْلَ التَّعَلُّقِ) أَيْ تَعَلُّقِهِ بِالْمُكَلَّفِينَ (أَنَّ شَرْطَهُ) أَيْ تَعَلُّقِهِ بِهِمْ (أَنْ يُبَلِّغَ وَاحِدًا) فَصَاعِدًا مِنْهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا لَمْ يُبَلِّغْ الْأُمَّةَ فَإِنَّهُ حَالَةٌ لِلنَّاسِخِ بَعْدَ تَعَلُّقِ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّهِمْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ آنِفًا فَلَا تَسَاوِيَ بَيْنَهُمَا، عَلَى أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الرَّسُولُ فَسَائِرُ الْمُكَلَّفِينَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ لِإِمْكَانِ اسْتِحْصَالِهِ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَلِّغْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الِاسْتِحْصَالَ مِنْ جِبْرِيلَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِثُبُوتِ حُكْمِ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ إذَا بُلِّغَ النَّبِيُّ وَلَمْ يُبَلِّغْ الْأُمَّةَ حُكْمَ النَّاسِخِ (حُكْمٌ تَجَدَّدَ) أَيْ ظَهَرَ تَعَلُّقُهُ (فَلَا يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِهِ) لِلْمُكَلَّفِ أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّهِ عَلَى عِلْمِهِ بِهِ (لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْعِلْمِ بِهِ (فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ (بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاحِدًا) مِنْهُمْ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ إذَا وَصَلَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ (قُلْنَا) قَوْلُكُمْ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ بِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ وَرَاءَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ أَيْضًا، وَهَذَا الَّذِي نَمْنَعُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ وَهُوَ مَنْ لَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْعِلْمِ لَا مَنْ لَيْسَ عَالِمًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الْكُفَّارُ مُكَلَّفِينَ وَمَنْ لَمْ يُبَلَّغْ التَّكْلِيفُ إلَيْهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّةِ لَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْعِلْمِ بِهِ فَيَكُونُ غَافِلًا، وَالثَّانِي التَّمَكُّنُ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الصُّورَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّ (بِبُلُوغِهِ وَاحِدًا حَصَلَ التَّمَكُّنُ وَلِذَا) أَيْ وَلِحُصُولِ التَّمَكُّنِ بِبُلُوغِ وَاحِدٍ (شَرَطْنَاهُ) أَيْ بُلُوغَ الْوَاحِدِ فِي ثُبُوتِ التَّعَلُّقِ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ آنِفًا (بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ) وَهُوَ مَا إذَا بَلَّغَ النَّبِيُّ لَا الْأُمَّةَ (فَافْتَرَقَا) وَلَكِنَّ هَذَا مُتَعَقَّبٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الرَّسُولُ أَمْكَنَ سَائِرَ الْمُكَلَّفِينَ اسْتِحْصَالُهُ مِنْهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ يُقَالُ النَّبِيُّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ذَلِكَ) الْوَاحِدُ (فِيهِ) أَيْ بِبُلُوغِهِ (يَحْصُلُ التَّمَكُّنُ) لَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ وَأُورِدَ أَيْضًا إنْ أُرِيدَ بِنَفْيِ الثُّبُوتِ نَفْيُ وُجُوبِ الِامْتِثَالِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ فَمَمْنُوعٌ فَقَدْ يَسْتَقِرُّ الشَّيْءُ فِي ذِمَّةِ مَنْ يَعْلَمُ بِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَالْوَجْهُ) فِي الِاسْتِدْلَالِ لِنَفْيِ ثُبُوتِ حُكْمِ النَّاسِخِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْ الْأُمَّةِ وَإِنْ بَلَّغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ وَبَعْضُ الْأُمَّةِ (السَّمْعُ) وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ» فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَمَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ (افْعَلْ وَلَا حَرَجَ) بِنَاءً (عَلَى) قَوْلِ (أَبِي حَنِيفَةَ) تَقْدِيمُ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ شَرْعًا مُرَتَّبَيْنِ وَاجِبٌ يُوجِبُ الْإِخْلَالُ بِهِ الدَّمَ عَمَلًا بِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا فِي حَجِّهِ أَوْ أَخَّرَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ الدَّمُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ قَبْلَ الْفِعْلِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ لَمْ أُشْعِرْ فَفَعَلْت كَذَا أَيْ لَمْ أَعْلَمْ وُجُوبَ ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ الْفِعْلِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ وَلِذَا قَدَّمَ اعْتِذَارَهُ عَلَى سُؤَالِهِ وَإِلَّا لَمْ يَسْأَلْ أَوْ لَمْ يَعْتَذِرْ وَعَذَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ كَانَ فِي ابْتِدَائِهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْهُ مَنَاسِكَهُمْ وَأَيْضًا وَاقِعَةُ أَهْلِ قُبَاءَ فَإِنَّهُمْ أَتَاهُمْ الْخَبَرُ بِنَسْخِ الْقِبْلَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَدَارُوا وَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَأَمَرَهُمْ بِالْإِعَادَةِ. هَذَا وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ بِلَفْظِيٍّ كَمَا

مسألة إذا زاد في مشروع جزءا أو شرطا له متأخرا

قَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ بَلْ مَعْنَوِيٌّ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ بَلْ هِيَ مُلْحَقَةٌ بِالْمُجْتَهَدَاتِ كَمَا ذَكَرَ غَيْرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ إذَا زَادَ فِي مَشْرُوعٍ جُزْءًا أَوْ شَرْطًا لَهُ مُتَأَخِّرًا] (مَسْأَلَةٌ إذَا زَادَ فِي مَشْرُوعٍ جُزْءًا أَوْ شَرْطًا لَهُ مُتَأَخِّرًا) عَنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ فِيهِ (هُوَ) أَيْ الْمَزِيدُ (فِعْلٌ أَوْ وَصْفٌ كَرَكْعَةٍ فِي الْفَجْرِ وَالتَّغْرِيبِ فِي الْحَدِّ) وَهَذَانِ مِنْ أَمْثِلَةِ الْجُزْءِ (وَالطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ وَوَصْفِ الْأَيْمَانِ فِي الرَّقَبَةِ) وَهَذَانِ مِنْ أَمْثِلَةِ الشَّرْطِ (فَهَلْ هُوَ) أَيْ الْمَزِيدُ (نَسْخٌ) لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ أَمْ لَا (فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ كَالْجُبَّائِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ (لَا) يَكُونُ نَسْخًا (وَقِيلَ إنْ رَفَعَتْ) الزِّيَادَةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا كَانَتْ نَسْخًا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا لِلْقَاضِي وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الزِّيَادَةَ (قَدْ) تَرْفَعُ حُكْمًا شَرْعِيًّا (وَقَدْ) لَا تَرْفَعُهُ وَنَقَلَ التَّفْتَازَانِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيَعْرِفُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ أَيَّ صُورَةٍ تَقْتَضِي رَفْعَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَأَيَّ صُورَةٍ لَا تَقْتَضِيهِ وَأَوْضَحَهُ السُّبْكِيُّ فَقَالَ وَأَنَا أَقُولُ لَا حَاصِلَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ وَلَيْسَ هُوَ بِوَاقِعٍ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ فِي أَنَّ مَا رَفَعَ حُكْمًا شَرْعِيًّا كَانَ نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَتُهُ وَلَسْنَا هُنَا فِي مَقَامِ أَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ أَوْ بَيَانٌ وَمَا لَا فَلَيْسَ بِنَسْخٍ فَالْقَائِلُ أَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ مَا رَفَعَ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَمَا لَمْ يَرْفَعْ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ نَسْخًا فَهِيَ نَسْخٌ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا كَمَا تَرَاهُ وَإِنَّمَا حَاصِلُ النِّزَاعِ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ هَلْ تَرْفَعُ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيَكُونُ نَسْخًا أَوْ لَا؟ فَلَوْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا تَرْفَعُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَوَقَعَ عَلَى أَنَّهَا نَسْخٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرْفَعُ لَوَقَعَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَسْخٍ، فَالنِّزَاعُ فِي الْحَقِيقَةِ فِي أَنَّهَا هَلْ هِيَ رَفْعٌ أَوْ لَا؟ وَلِذَا أَكْثَرَ الْأَئِمَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ تَعْدَادِ الْأَمْثِلَةِ لِيَعْتَبِرَهَا النَّظَرُ وَيَرُدَّهَا إلَى مَقَارِّهَا وَيَقْضِيَ عَلَيْهَا بِالنَّسْخِ إنْ كَانَتْ رَفْعًا وَبِعَدَمِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ. قَالَ وَلِي وَرَاءَ هَذَا التَّقْرِيرِ كَلَامٌ آخَرُ فَأَقُولُ قَوْلُنَا الزِّيَادَةُ هَلْ هِيَ نَسْخٌ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهَا هَلْ هِيَ نَسْخُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ فَلَا يُتَّجَهُ حِينَئِذٍ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إنْ رَفَعَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا كَانَتْ نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَلَامُنَا فِي أَنَّهَا هَلْ هِيَ نَسْخٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَمْ إنَّمَا كَلَامُنَا فِي نَسْخٍ خَاصٍّ فَهَلْ هِيَ نَسْخٌ لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ أَمْ لَا وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِلَا نَظَرٍ فَهَلْ الزِّيَادَةُ رَافِعَةٌ لَهُ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا أَوْ لَا؟ هَذَا حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي الْكَلَامِ فَذَكَرُوا مَا إذَا رَفَعَتْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ وَمَا إذَا رَفَعَتْ غَيْرَهُ انْتَهَى، ثُمَّ الَّذِي يَتَلَخَّصُ فِي بَيَانِ هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ إذَا ثَبَتَتْ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا وَكَانَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَمُتَأَخِّرَةً عَنْ الْمَزِيدِ تَأَخُّرًا يَصِحُّ مَعَهُ النَّسْخُ وَكَانَ الْمَرْفُوعُ حُكْمًا شَرْعِيًّا كَانَتْ نَاسِخَةً وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ وَالتَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَرَفْعَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ (وَالْحَنَفِيَّةُ) قَالُوا (نَعَمْ) هِيَ نَسْخٌ (لِأَنَّهَا تَرْفَعُ حُكْمًا شَرْعِيًّا) قَالَ السُّبْكِيُّ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَادَّعَى أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ (أَمَّا رَفْعُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ كَفِي الْمَعْلُوفَةِ) زَكَاةٌ (بَعْدَ) قَوْلِنَا فِي (السَّائِمَةِ) زَكَاةٌ (فَنِسْبَتُهُ) أَيْ كَوْنُهُ نَسْخًا (إلَى الْحَنَفِيَّةِ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَشَى عَلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ (غَلَطٌ إذْ يَنْفُونَهُ) أَيْ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ يَكُونُ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ زِيَادَةِ عِبَادَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَلَى مَا قَدْ شُرِعَ وَهُوَ لَيْسَ بِنَسْخٍ كَمَا سَتَعْلَمُ، وَمَا فِي التَّلْوِيحِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا مُؤَاخَذَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِمَا عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ فِي الِاخْتِصَارِ بِالسُّكُوتِ عَمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اعْتِذَارٌ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْكُت بَلْ حَكَمَ بِأَنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَسْخٌ. قِيلَ وَالِاعْتِذَارُ الْقَرِيبُ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ كَانَ رَفْعُهُ نَسْخًا فَهُوَ حَكَمَ بِذَلِكَ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَى هَذَا مَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَعِيدٌ أَيْضًا (وَإِذَا لَزِمَ الرَّفْعُ) لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ (عِنْدَهُمْ امْتَنَعَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى الْقَاطِعِ) عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ (فَمَنَعُوا زِيَادَةَ الطَّهَارَةِ وَالْأَيْمَانِ وَالتَّغْرِيبِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْأَوَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَلِيهَا بَابُ السُّنَّةِ وَفِي الْأَخِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ حَمْلِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّةَ الْمُشْتَرَكِ إلَخْ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي الثَّانِي (عَلَى

مَا سَلَفَ) أَيْ الطَّوَافِ وَالرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَحْدِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ فِي الزِّنَا الثَّابِتَةِ بِالنُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ (إذْ يَرْفَعُ) الظَّنُّ فِي هَذِهِ (حُرْمَةَ الزِّيَادَةِ فِي الْحَدِّ وَالْإِجْزَاءِ بِلَا طَهَارَةٍ) فِي الطَّوَافِ (وَ) بِلَا (أَيْمَانٍ) فِي تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَتَيْ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ. (وَإِبَاحَتُهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الطَّوَافِ وَتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ فِيهِمَا (كَذَلِكَ) أَيْ بِلَا طَهَارَةٍ فِي الْأَوَّلِ وَبِلَا أَيْمَانٍ فِي الثَّانِي (وَهُوَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْإِبَاحَةِ الْمَذْكُورَتَيْنِ (حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ النَّصِّ) الَّذِي هُوَ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (فَهُوَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْإِبَاحَةِ الْمَذْكُورَتَيْنِ ثَابِتٌ (بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ) قَطْعِيٍّ هُوَ النَّصُّ الْمَذْكُورُ فِي الطَّوَافِ وَالنَّصُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكَفَّارَةِ (وَعُمُومِ تَحْرِيمِ الْأَذَى) كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَدُورُ الْفِقْهُ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَسْنَدَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وُجُوهٍ وَمَجْمُوعُهَا يُقَوِّي الْحَدِيثَ وَيُحَسِّنُهُ وَقَدْ يَقْبَلُهُ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاحْتَجُّوا بِهِ،. وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فِي تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ، وَالْقَطْعِيُّ لَا يَبْطُلُ بِالظَّنِّيِّ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنْ اتَّصَلَتْ الزِّيَادَةُ بِالْمَزِيدِ عَلَيْهِ اتِّصَالَ اتِّحَادٍ يُرْفَعُ التَّعَدُّدُ وَالِانْفِصَالُ كَمَا لَوْ زِيدَ فِي الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ فَهِيَ نَسْخٌ إذْ كَانَ حُكْمُ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ الْإِجْزَاءَ وَالصِّحَّةَ بِدُونِ الْأُخْرَيَيْنِ وَقَدْ ارْتَفَعَ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ اتِّصَالَ اتِّحَادٍ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ جُزْأَيْنِ لِعِبَادَةٍ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ كَوْنِ الزِّيَادَةِ شَرْطًا كَاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّخْصِيصِ وَالنُّقْصَانِ مِنْ النَّصِّ لَا مِنْ قَبِيلِ النَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ إجْزَاءُ الطَّوَافِ بِالطَّهَارَةِ وَبِغَيْرِهَا وَأَخْرَجَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ وَخَرَجَ أَيْضًا زِيَادَةُ عِشْرِينَ جَلْدَةً عَلَى الثَّمَانِينَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَسْخٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَانِينَ بَقِيَ وُجُوبُهُ وَإِجْزَاؤُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَوَجَبَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مَعَ بَقَائِهِ وَأَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِرَاضَيْنِ أَنَّ الثَّمَانِينَ كَانَ حَدًّا كَامِلًا وَرُفِعَ اسْتِحْقَاقُ حُكْمِ الْكَمَالِ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَكَانَتْ نَسْخًا وَأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ نَسْخٌ لِوُجُوبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ. وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ اسْمِ الْكَمَالِ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ وُجُوبَ الِاقْتِصَارِ لَمْ يَثْبُتْ بِالْمَنْطُوقِ بَلْ بِالْمَفْهُومِ، وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ بِالْآحَادِ لَا يَقُولُ بِثُبُوتِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ وَإِنْ قَالَ بِجَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ بِالْآحَادِ فَهُوَ لَا يَقُولُ بِثُبُوتِ مَفْهُومِ الْعَدَدِ وَهَذَا مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْقَائِلَ بِثُبُوتِهِ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَهُ نَسْخًا أَنْ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْمَفْهُومَ كَانَ مُرَادًا، ثُمَّ ارْتَفَعَ بِالزِّيَادَةِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ بَلْ لَعَلَّهُ وَرَدَ بَيَانًا لِإِسْقَاطِ الْمَفْهُومِ مُتَّصِلًا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا (وَعَبْدُ الْجَبَّارِ) قَالَ الزِّيَادَةُ (إنْ غَيَّرْته) أَيْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ تَغَيُّرًا شَرْعِيًّا (حَتَّى لَوْ فُعِلَ) الْمَزِيدُ عَلَيْهِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ كَمَا كَانَ يُفْعَلُ قَبْلَهَا (وَجَبَ اسْتِئْنَافُهُ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الْفَجْرِ أَوْ) كَانَ (تَخْيِيرُهُ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (بَيْنَ) خِصَالٍ (ثَلَاثٍ) كَأَعْتِقْ أَوْ صُمْ أَوْ أَطْعِمْ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَخْيِيرِهِ (فِي ثِنْتَيْنِ) مِنْهَا كَأَعْتِقْ أَوْ صُمْ كَانَتْ نَسْخًا عِنْدَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَالثَّانِي (لِرَفْعِ حُرْمَةِ تَرْكِهِمَا) أَيْ الْخَصْلَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ مَعَ فِعْلِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ تَرْكُهُمَا مُحَرَّمًا (بِخِلَافِ زِيَادَةِ التَّغْرِيبِ عَلَى الْحَدِّ وَعِشْرِينَ عَلَى الثَّمَانِينَ) فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسْخًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ بِدُونِ وُجُودِهَا لَيْسَ كَالْعَدَمِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ اسْتِئْنَافُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ ضَمُّهَا إلَى الْمَزِيدِ عَلَيْهِ (وَغَلِطَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْأَخِيرِ (بَعْضُهُمْ) أَيْ ابْنُ الْحَاجِبِ حَيْثُ جَعَلَ وُجُودَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ فِيهِ بِدُونِهَا كَالْعَدَمِ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ نَسْخٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَمَا يُقَالُ شَرْطُ الضَّرَبَاتِ أَنْ تَكُونَ مُتَوَالِيَةً فَلَوْ أَتَى بِثَمَانِينَ مُنْفَصِلَةً عَنْ عِشْرِينَ لَمْ يَكْفِ ضَمُّ الْعِشْرِينَ إلَيْهَا تَكَلُّفُ مَحَضٍ، ثُمَّ أَنَّهُ قَدْ يُجْلَدُ فِي يَوْمٍ ثَمَانِينَ وَفِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ عِشْرِينَ وَذَلِكَ يُجْزِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ إنَّمَا الْمُمْتَنِعُ تَفَرُّقُهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا إيلَامٌ وَنَكِيلٌ وَزَجْرٌ كَمَا إذَا ضَرَبَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ وَضَبَطَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ التَّفْرِيقَ فَقَالَ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ مِنْ كُلِّ دَفْعَةٍ أَلَمٌ لَهُ وَقَعَ كَسَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ يُؤْلِمُ وَيُؤَثِّرُ بِمَالِهِ وَقَعَ فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ زَمَنٌ يَزُولُ فِيهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ جَازَ وَإِنْ تَخَلَّلَ لَمْ يَكْفِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَنْ يَعْدِمَ الْمُحَاوِلُ إذَا

تَكَلَّفَ صُورَةً مِنْ هَذَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهَا وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ ذَوِي التَّحْقِيقِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا مِثَالٌ لِلْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا لَا يُغَيَّرُ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ بَلْ يَكُونُ عَلَى حِيَالِهِ وَلَا يَكُونُ نَسْخًا عِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَقَدْ مَثَّلَ لَهُ الْآمِدِيُّ بِهِ وَبِزِيَادَةِ التَّغْرِيبِ عَلَى الْحَدِّ انْتَهَى. وَفِي الْقَوَاطِعِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ إنْ غَيَّرَتْ الزِّيَادَةُ حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبِلِ كَانَتْ نَسْخًا كَزِيَادَةِ التَّغْرِيبِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ تَغْيِيرَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فِي الْمُسْتَقْبِلِ مِنْ الْكُلِّ إلَى الْبَعْضِ، وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ حُكْمَهُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ بَلْ كَانَتْ مُقَارِنَةً لَهُ كَزِيَادَةِ سَتْرِ شَيْءٍ مِنْ الرُّكْبَةِ بَعْدَ وُجُوبِ سَتْرِ الْفَخْذِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ نَاسِخَةً لِوُجُوبِ سَتْرِ كُلِّ الْفَخْذِ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْكُلِّ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ سَتْرِ الْبَعْضِ بَلْ مُقَرَّرَةٌ (وَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ صَلَاةٍ) عَلَى الْخَمْسِ لَوْ وَقَعَتْ (عَدَمُهُ) أَيْ النَّسْخِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (وَقِيلَ نَسْخٌ) وَعُزِيَ إلَى بَعْضِ مَشَايِخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ (لِوُجُوبِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوُسْطَى) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وَالزِّيَادَةُ تَخْرِيجُهَا عَنْ كَوْنِهَا وُسْطَى (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الزِّيَادَةَ (لَا تُبْطِلُ وُجُوبَ مَا كَانَ مُسَمَّى الْوُسْطَى صَادِقًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا بَطَلَ كَوْنُهَا وُسْطَى وَلَيْسَ) كَوْنُهَا وُسْطَى (حُكْمًا شَرْعِيًّا) بَلْ هُوَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ فَلَا يَكُونُ رَفْعُهُ نَسْخًا وَهَذَا مَا قَالَ السُّبْكِيُّ إنْ كَانَتْ الْوُسْطَى عَلَمًا عَلَى صَلَاةٍ بِعَيْنِهَا إمَّا الصُّبْحُ أَوْ الْعَصْرُ أَوْ غَيْرُهُمَا وَلَيْسَتْ فُعْلَى مِنْ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَهُوَ أَيْضًا سَاقِطٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ زِيَادَةِ صَلَاةٍ ارْتِفَاعُ الْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى تِلْكَ الصَّلَاةِ الْفَاصِلَةِ لَكِنَّهُ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ الْوُسْطَى الْمُتَوَسِّطَ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْأَمْرَ يَخْتَلِفُ بِمَا يُزَادُ فَإِنْ زِيدَتْ وَاحِدَةٌ فَهِيَ تَرْفَعُ الْوَسَطَ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَتَّجِهُ بِمَا ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا حَقِيقًا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ عَلَيْهِ وَقَرَّرَهُ فَيَكُونُ نَسْخًا لِلْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ زِيدَتْ ثِنْتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا بِمَا لَا يَرْفَعُ الْوَسَطَ فَلَا نَسْخَ وَإِنَّمَا خَرَجَتْ الظُّهْرُ مَثَلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ وُسْطَى وَكَوْنُهَا كَانَتْ الْوَسَطَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ اتِّفَاقِيٌّ لَا يَرِدُ النَّسْخُ عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَسَطِ شَيْءٌ وَرَاءَ ذَلِكَ وَهُوَ لَمْ يَزُلْ بَلْ هُوَ بَاقٍ (وَأَمَّا نَقْصُ جُزْءٍ) مِنْ الْمَشْرُوعِ كَرَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ (أَوْ) نَقْصُ (شَرْطٍ) مِنْ شُرُوطِهِ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِلصَّلَاةِ (فَنَسْخٌ اتِّفَاقًا لِحُكْمِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْجُزْءِ أَوْ الشَّرْطِ (ثُمَّ قِيلَ وَنَسْخٌ لِمَا مِنْهُ) الْجُزْءُ وَلَهُ الشَّرْطُ أَيْضًا، ثُمَّ مِنْهُمْ كَالصَّفِيِّ الْهِنْدِيِّ مَنْ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي الشَّرْطِ الْمُتَّصِلِ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَا الْمُنْفَصِلِ كَالطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ نَسْخًا إجْمَاعًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُفِيدُ كَلَامُهُ إثْبَاتَ الْخِلَافِ فِي الْكُلِّ (وَعَبْدُ الْجَبَّارِ) قَالَ يَكُونُ ذَلِكَ النَّقْصُ نَسْخًا لِلْمَشْرُوعِ أَيْضًا (إنْ) كَانَ النَّاقِصُ (جُزْءًا) مِنْ الْمَشْرُوعِ وَلَا يَكُونُ نَسْخًا لِلْمَشْرُوعِ إنْ كَانَ شَرْطًا لَهُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ لِلْمَشْرُوعِ مُطْلَقًا (لَنَا لَوْ كَانَ) نَقْصُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ مَثَلًا أَوْ بَعْضُ شَرْطِهَا الَّذِي هُوَ الطَّهَارَةُ مَثَلًا (نَسْخًا لِوُجُوبِ الرَّكَعَاتِ الْبَاقِيَةِ افْتَقَرَتْ) الرَّكَعَاتُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ النَّقْصِ فِي وُجُوبِهَا (إلَى دَلِيلٍ آخَرَ لَهُ) أَيْ لِلْوُجُوبِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ ثَانٍ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ وُجُوبَ الشَّرْعِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ نُقْصَانِ الْجُزْءِ أَوْ الشَّرْطِ قَدْ ارْتَفَعَ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ النُّقْصَانَ نَسْخٌ لِلْوُجُوبِ فَوُجُوبُ الْمَشْرُوعِ بَعْدَ النُّقْصَانِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ. (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ نُقْصَانُ الْجُزْءِ أَوْ الشَّرْطِ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِ (حُرِّمَتْ) الصَّلَاةُ (بِلَا شَرْطِهَا) الَّذِي هُوَ الطَّهَارَةُ مَثَلًا (وَبَاقِيهَا) أَيْ بِدُونِ جُزْئِهَا الَّذِي هُوَ الرَّكْعَتَانِ مِنْ الظُّهْرِ مَثَلًا (وَارْتَفَعَتْ حُرْمَتُهُ) أَيْ الْمَشْرُوعِ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ مَثَلًا الْمُؤَدَّى بِهَذَا النَّقْصِ قَبْلَ وُرُودِ النَّصِّ بِهِ (بِنَقْصِ الشَّرْطِ) الَّذِي هُوَ الطَّهَارَةُ مَثَلًا أَيْ بِوُرُودِ النَّصِّ بِهِ كَمَا يَنْقُصُ الْجُزْءُ الَّذِي هُوَ الرَّكْعَتَانِ مِنْ الظُّهْرِ مَثَلًا فَكَانَ نُقْصَانُ الشَّرْطِ أَوْ الْجُزْءُ نَسْخًا (وَإِذَنْ فَلَا مَعْنَى لِتَفْصِيلِ عَبْدِ الْجَبَّارِ) الْمَذْكُورِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ارْتِفَاعِ تَحْرِيمِ الْمَشْرُوعِ بِدُونِهِمَا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُحَرَّمًا (أُجِيبُ بِأَنَّ وُجُوبَ الْبَاقِي) بَعْدَ النَّقْصِ (عَيْنُ وُجُوبِهِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ وُجُوبٌ بَلْ) إنَّمَا تَجَدَّدَ (إبْطَالُ وُجُوبِ مَا نَقَصَ فَظَهَرَ أَنَّ حُكْمَهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ نَقْصَ الْجُزْءِ أَوْ الشَّرْطِ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِ (بِهِ) أَيْ بِنَسْخِ الْمَشْرُوعِ إنَّمَا هُوَ (لِرَفْعِ حُرْمَةٍ لَهَا نِسْبَةٌ) أَيْ تَعَلُّقٌ (بِالْبَاقِي عَلَى تَقْدِيرِ الِاقْتِصَارِ) عَلَى مَا سِوَى

مسألة يعرف الناسخ بنصه عليه السلام عليه وضبط تأخره

الْجُزْءِ وَالشَّرْطِ الْمَنْسُوخَيْنِ قَبْلَ وُرُودِ النُّقْصَانِ بِأَحَدِهِمَا (وَعِنْدَنَا هُوَ) أَيْ نُقْصَانُ الْجُزْءِ وَالشَّرْطِ (يَرْفَعُ الْوُجُوبَ) لَهُمَا (لِأَنَّهُ) أَيْ رَفْعَ وُجُوبِهِمَا هُوَ (الْحُكْمُ الْآنَ) أَيْ بَعْدَ النُّقْصَانِ (وَذَاكَ) أَيْ حُكْمُهُمْ بِنَسْخِ الْمَشْرُوعِ بِوَاسِطَةِ النُّقْصَانِ الْمَذْكُورِ (كَالْمُضَافِ) إلَى مَا قَبْلَ وُرُودِ النُّقْصَانِ بِأَحَدِهِمَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ (الْخِلَافُ) إنَّمَا هُوَ (فِي) نَسْخِ (الْعِبَادَةِ وَهِيَ) أَيْ الْعِبَادَةُ (الْمَجْمُوعُ) مِنْ الْأَجْزَاءِ (لَا مُجَرَّدُ الْبَاقِي) مِنْهَا فَالنِّزَاعُ فِي نَسْخِهَا بِمَعْنَى ارْتِفَاعِ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَإِلَّا فَارْتِفَاعُ الْكُلِّ بِارْتِفَاعِ الْجُزْءِ ضَرُورِيٌّ (وَلَا شَكَّ فِي ارْتِفَاعِ وُجُوبِ الْأَرْبَعِ) بِارْتِفَاعِ وُجُوبِ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا. (وَاتَّجَهَ تَفْصِيلُ عَبْدِ الْجَبَّارِ) بَيْنَ الْجُزْءِ وَالشَّرْطِ بَلْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا شَكَّ فِي صِدْقِ ذَلِكَ) أَيْ ارْتِفَاعِ وُجُوبِ الْأَرْبَعِ (بِصِدْقِ كُلٍّ مِنْ نَسْخِ وُجُوبِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ أَجْزَائِهَا (أَوْ) نَسْخِ (وُجُوبِ كُلٍّ) أَيْ كُلِّ جُزْءٍ (مِنْهَا وَالثَّانِي) نَسْخُ وُجُوبِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا (مَمْنُوعٌ وَالْأَوَّلُ) أَيْ نَسْخُ وُجُوبِ أَحَدِ أَجْزَائِهَا (مُرَادُنَا فَفِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا نَسْخُ وُجُوبِ) جُزْءٍ (وَاحِدٍ دُونَ الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ يَصْدُقُ ذَلِكَ) أَيْ ارْتِفَاعُ وُجُوبِ الْأَرْبَعِ (بِهِ) أَيْ بِنَسْخِ وُجُوبِ جُزْءٍ مِنْهَا (فَبِمَا) أَيْ فَالِاعْتِبَارُ بِاَلَّذِي هُوَ ثَابِتٌ (فِي التَّحْقِيقِ اعْتِبَارُنَا) فَكَانَ أَوْلَى (وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا خَبْطٌ) وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ الْمُرَادُ بِالْبَعْضِ وَبِمَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْخَبْطِ. ثُمَّ قَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ نَقْصُ مَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْمَشْرُوعِ عَلَيْهِ دَاخِلًا كَانَ فِيهِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ أَمَّا نَقْصُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْمَشْرُوعِ عَلَيْهِ كَسُنَّةٍ مِنْ سُنَنِهَا وَمَثَّلَهُ الْغَزَالِيُّ بِالْوُقُوفِ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ وَسَتْرِ الرَّأْسِ فَلَيْسَ نَسْخًا لِلْعِبَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا نَقَلَهُ قَوْمٌ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقَدْ يُقَال إنْ قُلْنَا إنَّ الْعِبَادَةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ السُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ كَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّ نُقْصَانَ السُّنَنِ نَسْخٌ لَهَا كَالْقَوْلِ فِي نُقْصَانِ الْجُزْءِ، وَإِنْ قُلْنَا مُخْتَصَّةٌ بِالْفَرَائِضِ فَلَا وَصَنِيعُ الْفُقَهَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ جَمِيعًا حَيْثُ يَذْكُرُونَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ سُنَنَهَا وَحَيْثُ يَقُولُونَ بَابُ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا انْتَهَى. قُلْت وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْعِبَادَةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْأَجْزَاءِ الدَّاخِلَةِ الْمُقَوِّمَةِ لِمَاهِيَّتِهَا وَالسُّنَنُ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَالْآدَابِ إنَّمَا هِيَ أَوْصَافٌ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهَا مُوجَبَةٌ مُرَاعَاتُهَا لَهَا صِفَةُ كَمَالٍ خَارِجِيٍّ، وَذِكْرُ السُّنَنِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَإِضَافَتُهَا إلَيْهَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْهَا وَمِنْ الْفَرَائِض؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالصِّفَةِ كَيْفِيَّةُ إيقَاعِهَا فِي الْخَارِجِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ لَا بَيَانُ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَالْإِضَافَةُ تَكُونُ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ نَسْخَ الْعِبَادَةِ بِنَسْخِ سُنَنِهَا بَعِيدٌ جِدًّا وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ نَسْخَهَا لَا يَكُونُ نَسْخًا لِلْعِبَادَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ يُعْرَفُ النَّاسِخُ بِنَصِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِ وَضَبْطِ تَأَخُّرِهِ] (مَسْأَلَةٌ يُعْرَفُ النَّاسِخُ بِنَصِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) عَلَيْهِ (وَضَبْطِ تَأَخُّرِهِ) أَيْ النَّاسِخِ (وَمِنْهُ) أَيْ ضَبْطِ تَأَخُّرِهِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورهَا» الْحَدِيثَ (وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ نَاسِخٌ أَمَّا) تَعْيِينُ النَّاسِخِ (بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ هَذَا نَاسِخٌ فَوَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا الشَّافِعِيَّةِ) قَالُوا (لِجَوَازِ اجْتِهَادِهِ) أَيْ أَنْ يَكُونَ تَعْيِينُهُ عَنْ اجْتِهَادِهِ وَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُ الْمُجْتَهِدِ لَهُ فِيهِ (وَتَقَدَّمَ) فِي مَسْأَلَةِ حَمْلِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِهِ عَلَى أَحَدِ مَا يَحْتَمِلُهُ (مَا يُفِيدُهُ) أَيْ وُجُوبُ قَبُولِهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنَّ هَذَا التَّحْرِيرَ مَرْجُوحٌ فَلْيُرَاجَعْ مَا هُنَاكَ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مُقَدَّمٌ أَيْضًا عَلَى تَفْصِيلِ الْكَرْخِيِّ إنْ عَيَّنَ النَّاسِخَ بِأَنْ قَالَ هَذَا نَاسِخٌ بِذَاكَ لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ بَلْ قَالَ مَنْسُوخٌ قَبْلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا ظُهُورُ النَّسْخِ فِيهِ مَا أُطْلِقَ إطْلَاقًا (وَفِي تَعَارُضِ مُتَوَاتِرَيْنِ) إذَا عَيَّنَ الصَّحَابِيُّ أَحَدَهُمَا (فَقَالَ هَذَا نَاسِخٌ) أَوْ النَّاسِخُ (لَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (احْتِمَالُ النَّفْيِ) لِقَبُولِ كَوْنِهِ النَّاسِخَ (لِرُجُوعِهِ) أَيْ قَبُولِهِ (إلَى نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ) أَيْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ (أَوْ) نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ (بِهِ) أَيْ بِالْمُتَوَاتِرِ (وَالْآحَادُ دَلِيلُهُ) أَيْ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ دَلِيلُ كَوْنِهِ نَاسِخًا فَالنَّاسِخُ هُوَ الْمُتَوَاتِرُ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ لِلْآخَرِ، ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا وَجْهُ الْقَبُولِ لَا وَجْهُ نَفْيِ الْقَبُولِ فَالْوَجْهُ إمَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ احْتِمَالُ النَّفْيِ وَالْقَبُولِ وَيَسْقُطُ هُنَا قَوْلُهُ (وَالْقَبُولُ) وَإِمَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ قَوْلِهِ بِالْآحَادِ وَالْقَبُولِ لِرُجُوعِهِ إلَى

نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ بِهِ وَالْآحَادُ دَلِيلُهُ وَقَوْلُهُ (إذْ مَا لَا يُقْبَلُ ابْتِدَاءً قَدْ يُقْبَلُ مَآلًا كَشَاهِدَيْ الْإِحْصَانِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُقْبَلُ حُكْمُ الصَّحَابِيِّ بِالنَّسْخِ فَكَذَا لَا يُقْبَلُ مَا يَسْتَلْزِمُ حُكْمَهُ بِهِ وَهُوَ تَعْيِينُهُ أَحَدَ الْمُتَوَاتِرَيْنِ لِذَلِكَ وَإِيضَاحُ الْجَوَابِ أَنَّ مَا لَا يُقْبَلُ أَوَّلًا قَدْ يُقْبَلُ إذَا كَانَ الْمَآلُ إلَيْهِ كَمَا يُقْبَلُ الشَّاهِدَانِ فِي الْإِحْصَانِ، وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ لَا فِي الرَّجْمِ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ إلَّا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَة، وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا النَّسَبُ لَا فِي النَّسَبِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَجَاءَ التَّجْوِيزُ الْعَقْلِيُّ إذْ يُحْتَمَلُ مَا نَحْنُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُقْبَلُ ابْتِدَاءً وَيُقْبَلُ تَبَعًا (فَوَجَبَ الْوَقْفُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَإِنْ) كَانَ وُجُوبُهُ (عَنْ الْحُكْمِ بِالنَّسْخِ فَكَالْأَوَّلِ) أَيْ كَقَوْلِهِ هَذَا نَاسِخٌ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرَيْنِ وَقَدْ عَرَفْت أَنْ لَا وُجُوبَ لِلْوَقْفِ فِيهِ بَلْ هُوَ نَاسِخٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ غَيْرُ نَاسِخٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (وَإِنْ) كَانَ وُجُوبُهُ (عَنْ التَّرْجِيحِ) لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ (فَلَيْسَ) التَّرْجِيحُ (لَازِمًا) لِلْمُتَعَارَضَيْنِ (بَلْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ) أَيْ التَّرْجِيحِ (وَمِنْ الْجَمْعِ) بَيْنَهُمَا إذَا أَمْكَنَ، ثُمَّ التَّرْجِيحُ هُنَا لِلنَّسْخِ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ بِطَرِيقِ أَوْلَى فَإِنَّ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرَيْنِ قَدْ لَا يَلْزَمُ النَّسْخُ وَهُوَ بِاجْتِهَادِهِ حُكْمٌ بِالنَّسْخِ وَفِي الْمُتَوَاتِرَيْنِ النَّسْخُ لَازِمٌ وَالصَّحَابِيُّ عَيَّنَ النَّاسِخَ هَذَا وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ لَوْ قَالَ هَذَا الْحَدِيثُ سَابِقٌ قُبِلَ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ قَالَ وَالضَّابِطُ أَنْ لَا يَكُونَ نَاقِلًا فَيُطَالَبَ بِالْحِجَاجِ فَأَمَّا إذَا كَانَ نَاقِلًا فَيُقْبَلُ، ثُمَّ هَذِهِ هِيَ الطُّرُقُ الصَّحِيحَةُ فِي مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ (بِخِلَافِ بُعْدِيَّتِهِ) أَيْ أَحَدِ النَّصَّيْنِ عَنْ الْآخَرِ (فِي الْمُصْحَفِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ بُعْدِيَّتَهُ فِي النُّزُولِ عَلَيْهِ (وَ) بِخِلَافِ (حَدَاثَةِ سِنِّ الصَّحَابِيِّ) الرَّاوِي لَهُ (فَتَتَأَخَّرُ صُحْبَتُهُ فَمَرْوِيُّهُ) عَنْهُ أَيْضًا (وَ) بِخِلَافِ (تَأَخُّرِ إسْلَامِهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ تَأَخُّرَ مَرْوِيِّهِ أَيْضًا (بِجَوَازِ قَلْبِهِ) أَيْ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ غَيْرِهِ فِي تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ قَبْلَهُ فِي النُّزُولِ فَإِنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ لَيْسَ عَلَى تَرْتِيبِ نُزُولِهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّسْخِ تَأَخُّرُ النُّزُولِ لَا التَّأَخُّرُ فِي وَضْعِ الْمُصْحَفِ وَقَدْ رَوَيْنَا فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ هَذَا نَادِرٌ وَذَاكَ غَالِبٌ وَالْحَمْلُ عَلَى الْغَالِبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى النَّادِرِ وَمَرْوِيُّ حَدِيثِ السِّنِّ مُتَقَدِّمًا عَلَى كَبِيرِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَنْقَطِعَ صُحْبَةُ الْأَوَّلِ قَبْلَ صُحْبَةِ الثَّانِي فَيُرْجَعُ إلَى مَا عُلِمَ تَقَدُّمُ تَارِيخِهِ وَمَرْوِيُّ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ مُتَقَدِّمًا عَلَى قَدِيمِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ سَمِعَهُ بَعْدَ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ تَنْقَطِعَ صُحْبَةُ الْأَوَّلِ بِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ (وَكَذَا) لَيْسَ مِنْ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ لِتَعَيُّنِ النَّاسِخِ مَا قِيلَ (مُوَافَقَتُهُ) أَيْ أَحَدِ النَّصَّيْنِ (لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ تَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِهِ) عَنْ الْمُخَالِفِ لَهَا (لِفَائِدَةِ رَفْعِ الْمُخَالِفِ) أَيْ لِأَنَّهُ يُفِيدُ فَائِدَةً جَدِيدَةً وَهِيَ رَفْعُ الْحُكْمِ الْمُخَالِفِ لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لَهَا (بِخِلَافِ الْقَلْبِ) أَيْ جَعْلِ الدَّالِّ عَلَى الْمُخَالَفَةِ لَهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ الدَّالِّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ فَإِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَأْكِيدٌ لِلْأَصْلِ وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ وَأُورِد بِأَنَّ هَذَا مُعَارِضٌ بِأَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ لَزِمَ نَسْخُ حُكْمِ الْأَصْلِ، ثُمَّ نُسِخَ رَافِعُهُ بِالْمُوَافِقِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ وَلَوْ تَقَدَّمَ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا نَسْخٌ وَاحِدٌ وَالْأَصْلُ تَقْلِيلُ النَّسْخِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ رَفْعَ الْحُكْمِ بِأَنَّ رَفْعَ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ لَيْسَ نَسْخًا عَلَى مَا عُرِفَ فَاسْتَوَيَا نَعَمْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى غَيْرِ الْقَائِلِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَسْخٌ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ هَذَا طَرِيقًا صَحِيحًا لِتَعْيِينِ النَّاسِخِ (فَإِنَّ حَاصِلَهُ نَسْخٌ اجْتِهَادِيٌّ كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ) هَذَا نَاسِخٌ (اجْتِهَادًا) عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعَارَضَ بِأَنَّ تَأَخُّرَ الْمُوَافِقِ يَسْتَلْزِمُ تَغْيِيرَيْنِ وَتَقَدُّمَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إلَّا تَغْيِيرًا وَاحِدًا وَالْأَصْلُ قِلَّةُ التَّغْيِيرِ (وَمَا قِيلَ) وَقَائِلُهُ التَّفْتَازَانِيُّ (مَعَ أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ مَا عُلِمَ بِالْأَصْلِ ثَابِتًا عِنْدَ الشَّرْعِ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِهِ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ) وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ إذْ الْوَجْهُ حَذْفُهُ أَوْ فَهُوَ (مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَسْمِيَةِ الشَّارِعِ رَفْعَهُ) أَيْ رَفْعَ حُكْمِ الْأَصْلِ (نَسْخًا وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُ رَفْعِهِ يُسَمَّى نَسْخًا شَرْعًا

الباب الرابع في الإجماع

(مُنْتَفٍ بَلْ الثَّابِتُ) شَرْعًا (حِينَئِذٍ رَفْعُهُ) أَيْ رَفْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ (وَلَا يَسْتَلْزِمُ) رَفْعُهُ (ذَلِكَ) أَيْ كَوْنَهُ نَاسِخًا (كَرَفْعِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ) فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى نَسْخًا، وَإِنْ كَانَ رَفْعًا وَيَطْرُقُهُ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَسَالِفًا مِنْ أَنَّهُ نَسْخٌ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (وَمَا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ هَذَا (فِي التَّعَارُضِ) بَيْنَ الْمُحَرِّمِ وَالْمُبِيحِ (تَرْجِيحُ الْمُخَالِفِ حُكْمًا) كَالْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ (بِتَأَخُّرِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِهِ مُتَأَخِّرًا (كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ النَّسْخُ) بِنَاءً عَلَى أَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ مَعْنَاهُ (أَيْ) يَتَكَرَّرُ (الرَّفْعُ أَوْ) النَّسْخُ (عَلَى حَقِيقَتِهِ بِنَاءً عَلَى مَا سَلَفَ عَنْ الطَّائِفَةِ) الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَسْخٌ فِي مَسْأَلَةٍ أَجْمَعَ أَهْلُ الشَّرَائِعِ عَلَى جَوَازِهِ وَوُقُوعِهِ (فَلَا يَجِبُ الْوَقْفُ غَيْرَ أَنَّهُ مُرَجَّحٌ لَا نَاسِخٌ) وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ إلَّا أَنَّ كَوْنَ الْمُعَارِضِ مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ مُرَجَّحٌ عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ لَا نَاسِخٌ نَقْلِيٌّ مِثْلُ مَا قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ فِي تَرْجِيحِ الْمُخَالِفِ حُكْمًا بِتَأَخُّرِهِ عَنْ مُعَارِضِهِ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الْقَوْلُ بِمَنْسُوخِيَّةِ الْآخَرِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي كُلِّ مُتَعَارِضَيْنِ رَجَّحَ الْمُجْتَهِدُ أَحَدَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ التَّنْبِيهُ صَرِيحًا عَلَى نَفْيِ تَوَهُّمِ كَوْنِ الْمُخَالَفَةِ لِلْأَصْلِ إذَا لَمْ يُفِدْ ثُبُوتُ نَسْخِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهَا لِلْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا أَثَرٌ بِأَنَّ لَهَا أَثَرٌ وَهُوَ تَرْجِيحُهَا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ عَلَى مَا وَافَقَ الْأَصْلَ لَا أَنَّ الْمُرَادَ لَكِنْ مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ مُرَجَّحٌ لَا نَاسِخٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ إذْ قَدْ يَظْهَرُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لِتَخْصِيصِ الِاسْتِدْرَاكِ بِهِ وَجْهٌ ظَاهِرٌ هَذَا وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ التَّرَاجِيحَ قَدْ تَتَعَارَضُ وَهَذَا التَّرْجِيحُ يُعَارِضُهُ مَا فِي تَقْدِيمِ الْمُوَافِقِ عَلَى الْمُخَالِفِ مِنْ أَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ فَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَيِّهِمَا أَوْلَى وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى تَقْدِيمِ مَا لَزِمَ مِنْهُ تَقْلِيلُ النَّسْخِ، وَإِنْ لَزِمَ كَوْنُهُ تَأْكِيدًا عَلَى مَا يَلْزَمُ فِيهِ تَكَرُّرُ النَّسْخِ، وَإِنْ كَانَ تَأْسِيسًا لَكَانَ أَقْرَبَ مِنْ الْقَلْبِ إلَى الْقَلْبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِجْمَاعِ] ِ (الْإِجْمَاعُ الْعَزْمُ وَالِاتِّفَاقُ لُغَةً) يُقَالُ أَجْمَعَ فُلَانٌ عَلَى كَذَا إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ وَالْقَوْمُ عَلَى كَذَا إذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَيُتَصَوَّرُ الْإِجْمَاعُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ وَاحِدٍ لَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي قِيلَ وَالثَّانِي بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ أَنْسَبُ انْتَهَى وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ إلَّا وَاحِدٌ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً كَمَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ، ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لَهُ الْعَزْمُ، وَأَمَّا الِاتِّفَاقُ فَلَازِمٌ اتِّفَاقِيٌّ ضَرُورِيٌّ لِلْعَزْمِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَ مُتَعَلِّقِ عَزْمِ الْجَمَاعَةِ يُوجِبُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِ لَا أَنَّ الْعَزْمَ يَرْجِعُ إلَى الِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَنْ اتَّفَقَ عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ عَزَمَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ وَلَا أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ إذْ لَا مَلْجَأَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ (وَاصْطِلَاحًا اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَمْرٍ شَرْعِيٍّ) فَاتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ يُفِيدُ اتِّفَاقَ جَمِيعِهِمْ أَيْ اشْتِرَاكَهُمْ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِيمَا إذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ فِي عَصْرٍ هَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ إجْمَاعًا فَظَاهِرُ هَذَا لَا وَلَا ضَيْرَ؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ إجْمَاعًا كَمَا سَيَأْتِي وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِاتِّفَاقِ غَيْرِهِمْ قِيلَ اتِّفَاقًا وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ خِلَافُ الْعَامِّيِّ الصِّرْفِ وَلَا وِفَاقُهُ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ يَعْتَبِرُ مُطْلَقًا وَآخَرُونَ يَعْتَبِرُ فِي الْإِجْمَاعِ الْعَامِّ وَهُوَ مَا لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ النَّظَرِ بَلْ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ لِحَاجَةِ الْجَمِيعِ إلَى مَعْرِفَتِهِ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أُمَّهَاتِ الشَّرَائِعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَعَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ وَتَحْرِيمِ الرِّبَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَا فِي الْإِجْمَاعِ الْخَاصِّ وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِالرَّأْيِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْخَاصَّةُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ كَفَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ وَمَا يَجِبُ مِنْ الْحَقِّ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَعَلَى هَذَا مَشَى الْجَصَّاصُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَلَا ضَيْرَ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا هُوَ لِلْخَاصِّ. هَذَا وَقَدْ حُكِيَ خِلَافٌ فِي الْمُرَادِ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ الْعَامِّيِّ فِي الْإِجْمَاعِ فَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ وَأَنَّهُ صَرِيحُ كَلَامِ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ فِي افْتِقَارِ كَوْنِهِ حُجَّةً، ثُمَّ لَا شَكَّ فِي بُعْدِهِ بَلْ فِي سُقُوطِهِ

لِأَنَّ الْقَوْلَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ بَاطِلٌ وَالْعَامِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَرِ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَلَا يُعْتَدُّ فِيهِ بِخِلَافِهِ وَلَا وِفَاقِهِ، عَلَى أَنَّ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِجْمَاعُ لِعَدَمِ إمْكَانِ ضَبْطِ الْعَامَّةِ وَالْإِطْلَاعِ عَلَى أَقَاوِيلِهِمْ لِإِتْسَاعِ انْتِشَارِهِمْ شَرْقًا وَغَرْبًا وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ، وَأَمَّا الْعَامِّيُّ غَيْرُ الصِّرْفِ مِمَّنْ حَصَّلَ عِلْمًا مُعْتَبَرًا مِنْ فِقْهٍ أَوْ أُصُولٍ فَمِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْتَبِرُهُ فِي الْإِجْمَاعِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ طَرَّدَ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ أَيْضًا نَظَرًا إلَى فَقْدِ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُ بِحُصُولِ قُوَّةِ النَّظَرِ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ أَوْ فِي الْأُصُولِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَامِّيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الْفَقِيهَ لَا الْأُصُولِيَّ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ عَالِمٌ بِتَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الْخِلَافُ وَالْوِفَاقُ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ لِكَوْنِ الْأُصُولِيِّ أَقْرَبَ إلَى مَقْصُودِ الِاجْتِهَادِ لِعِلْمِهِ بِمَدَارِك الْأَحْكَامِ عَلَى اخْتِلَافِ أَقْسَامِهَا وَكَيْفِيَّةِ اسْتِفَادَتِهَا مِنْهَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ التَّعْرِيفُ وَيُفِيدُهُ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَيَلْزَمُهُ خُرُوجُ مَنْ يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ كَالْكَافِرِ أَصَالَةً. وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَسَيُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى وُجُوبِ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي التَّعْرِيفِ عَلَى قَوْلِ مُشْتَرَطِهَا فِي أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَانْدَفَعَ بِإِضَافَةِ الْمُجْتَهِدِينَ إلَى عَصْرٍ أَيْ زَمَنٍ طَالَ أَوْ قَصُرَ تَوَهُّمُ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْإِجْمَاعُ إلَّا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إجْمَاعُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي اللُّمَعِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا سَيَأْتِي مِنْ السُّنَّةِ خِلَافًا للإسفراييني فِي جَمَاعَةٍ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ قَبْلَ نَسْخِ مِلَلِهِمْ حُجَّةٌ وَلِلْآمِدِيِّ مُوَافَقَةٌ لِلْقَاضِي فِي اخْتِيَارِهِ الْوَقْفَ وَخَرَجَ بِالْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَا لَا يُدْرَكُ لَوْلَا خِطَابُ الشَّارِعِ سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ اعْتِقَادًا أَوْ تَقْرِيرًا وَلَوْ بِالسُّكُوتِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَمْرٍ لُغَوِيٍّ كَالْفَاءِ لِلتَّعْقِيبِ فَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ وَبِمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي بَعْضِ الْعَقْلِيَّاتِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ أَيْضًا حُجَّةٌ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَلَا مَحِيصَ عَنْ هَذَا، إلَّا أَنَّ ثَمَّ أَنْ يُقَالَ لَا يُشْكِلُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِهَا عَمَلٌ أَوْ اعْتِقَادٌ صَدَقَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إجْمَاعٌ عَلَى أَمْرٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا عَمَلٌ وَلَا اعْتِقَادٌ فَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَكَلَّمِ فِيهِ وَهُوَ مَا كَانَ دَلِيلًا مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ مُوجِبًا لِاعْتِبَارِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا شَكَّ فِي تَمَامِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الشِّقُّ الثَّانِي فَفِي تَمَامِهِ نَظَرٌ بَلْ يُقَالُ ثُبُوتُ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ فِي الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ يُفِيدُ ثُبُوتَهَا فِي الْأَمْرِ اللُّغَوِيِّ وَالْعُرْفِيِّ بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. هَذَا وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي غَيْرِ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ فِي زَمَانِهِ كَمَا ذَكَرَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ دُونَهُ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ فَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي جَوَازِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافًا وَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ كَمَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ الْمِيزَانِ فِي ذَيْلِ مَسْأَلَةِ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ إسْقَاطُ هَذَا الْقَيْدِ لَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَعَلَى مَنْ شَرَطَ لِحُجِّيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (وَالتَّعْرِيفِ لَهُ انْقِرَاضَ عَصْرِهِمْ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ التَّعْرِيفَ لِمُشْتَرِطِ انْقِرَاضِ عَصْرِ أُولَئِكَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي حُجِّيَّةِ إجْمَاعِهِمْ أَيْ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَثَتْ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ وَظَهَرَ الْكَلَامُ فِيهَا مِنْ مُجْتَهِدِيهِ (زِيَادَةٌ إلَى انْقِرَاضِهِمْ) بَعْدَ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ سَوَاءٌ كَانَتْ فَائِدَةُ الِاشْتِرَاطِ جَوَازَ الرُّجُوعِ لَا دُخُولَ مَنْ سَيُحْدِثُ فِي إجْمَاعِهِمْ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَمَنْ تَابَعَهُ أَوْ إدْخَالَ مَنْ أَدْرَكَ عَصْرَهُمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ بَاقِي الْمُشْتَرِطِينَ لِيَخْرُجَ اتِّفَاقُهُمْ إذَا رَجَعَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالْإِجْمَاعِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ مَا يَكُونُ حُجَّةً شَرْعًا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لِمَا هُوَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ الْمَقْرُونُ بِالشَّرَائِطِ، ثُمَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَلْزَمُ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ (وَ) عَلَى (مَنْ شَرَطَ) لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (عَدَمَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقَرٍّ) وَكَانَ يَرَى جَوَازَ حُصُولِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْخِلَافِ الْمُسْتَقِرِّ وَكَانَ التَّعْرِيفُ لَهُ

(زِيَادَةَ غَيْرِ مَسْبُوقٍ بِهِ) أَيْ بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ بَعْدَ شَرْعِيٍّ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُشْتَرَطُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ وَبَعْدُ إلَى انْقِرَاضِهِمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَشْتَرِطُهُ لِيَخْرُجَ عَنْ التَّعْرِيفِ مَا كَانَ بَعْدَ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ صَاحِبُ التَّعْرِيفِ يَرَى عَدَمَ جَوَازِ حُصُولِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْخِلَافِ الْمُسْتَقِرِّ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْجِنْسِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِخْرَاجِ أَوْ كَانَ يَرَى جَوَازَ حُصُولِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَنْعَقِدُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْمُعَرَّفِ فَلَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِهِ، ثُمَّ مَبْنَى هَذَا كُلِّهِ عَلَى أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ شُرُوطٌ لِمَاهِيَّةِ الْإِجْمَاعِ الشَّرْعِيِّ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا (وَإِذَنْ) أَيْ وَإِذْ كَانَ تَعْرِيفُهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ مَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ عَلَيْهِ (فَمَنْ شَرَطَ الْعَدَالَةَ) فِي الْمُجْمِعِينَ (وَعَدَدَ التَّوَاتُرِ) فِيهِمْ لِحُجِّيَّتِهِ كَمَا الْأَوَّلُ لِلْحَنَفِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ، وَالثَّانِي لِبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (مِثْلَهُ) أَيْ زِيَادَةِ ذَلِكَ فِي التَّعْرِيفِ فَيُزَادُ إذَا كَانَ التَّعْرِيفُ لَلْأَوَّلِينَ: " عُدُولٌ بَعْدَ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ " وَلِلْآخَرِينَ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بَعْدَ عُدُولٍ إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَرَوْنَ هَذَا الشَّرْطَ وَإِلَّا فَبَعْدَ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ وَسَتَتَّضِحُ هَذِهِ الْجَمَلُ فِي مَسَائِلِ الْبَابِ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ يُعَامَلُ هَذَا التَّعْرِيفُ بِمَزِيدٍ أَوْ نُقْصَانٍ بِحَسَبِ مَا هُوَ شَرْطُ الْمُعَرَّفِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ) فِي تَعْرِيفِهِ (اتِّفَاقُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَمْرٍ دِينِيٍّ مُعْتَرَضٌ بِلُزُومِ عَدَمِ تَصَوُّرِهِ) أَيْ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّتَهُ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْثَتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَبْلَ الْقِيَامَةِ لَا إجْمَاعَ وَبَعْدَهَا حُجِّيَّةٌ (وَفَسَادِ طَرْدِهِ) لَوْ أُرِيدَ بِهِ تَنْزِيلًا اتِّفَاقُهُمْ فِي عَصْرٍ مَا (إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُجْتَهِدٌ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا مَعَ صِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ (وَأُجِيبُ بِسَبْقِ إرَادَةِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرٍ لِلْمُتَشَرِّعَةِ) مِنْ اتِّفَاقِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كَمَا سَبَقَ) هَذَا الْمُرَادُ (مِنْ) نَحْوِ مَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» ) وَسَتَقِفُ عَلَى تَخْرِيجِهِ مِنْ طُرُقٍ، ثُمَّ كَأَنَّهُ اخْتَارَ هَذَا اللَّفْظَ لِيُوَافِقَ الْحَدِيثَ الدَّالَّ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وقَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وَالِاتِّفَاقُ قَرِينَةُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بَيْنَ الْمَوْجُودِينَ فِي عَصْرٍ (وَ) بِفَسَادِ (عَكْسِهِ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى عَقْلِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ) لِوُجُودِ الْمُعَرَّفِ مَعَ عَدَمِ التَّعْرِيفِ (أُجِيبُ) بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (لَا يَضُرُّ) بِالتَّعْرِيفِ (إذَا كَانَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (دِينِيًّا) لِمَنْعِ عَدَمِ التَّعْرِيفِ حِينَئِذٍ (وَغَيْرُهُ) أَيْ الدِّينِيِّ (خَرَجَ) بِالدِّينِيِّ فَلَا يَضُرُّ عَدَمُ صِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُجِّيَّةَ فِي الْإِجْمَاعِ فِيهِ وَيَطْرُقُهُ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا (وَادَّعَى النَّظَّامُ وَبَعْضُ الشِّيعَةِ اسْتِحَالَتَهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (عَادَةً) كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ النِّظَامِ. وَأَمَّا رَأْيُ النِّظَامِ نَفْسِهِ فِي بَعْضِ أَصْحَابِهِ فَهُوَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ كَذَا نَقَلَهُ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَإِنَّمَا أَحَالَهُ مَنْ أَحَالَهُ (لِأَنَّ انْتِشَارَهُمْ) أَيْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا وَقِفَارِ الْفَيَافِي وَسَبَاسِبِهَا (يَمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْحُكْمِ إلَيْهِمْ) عَادَةً (وَلِأَنَّ الِاتِّفَاقَ) عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (إنْ) كَانَ (عَنْ) دَلِيلٍ (قَطْعِيٍّ أَحَالَتْ الْعَادَةُ عَدَمَ الْإِطْلَاعِ عَلَيْهِ) لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَشِدَّةِ تَفَحُّصِهِمْ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ فَيُطَّلَعُ عَلَيْهِ (فَيُغْنِي) الْقَطْعِيُّ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْإِجْمَاعِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فَلَمْ يُطَّلَعْ عَلَيْهِ فَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ حِينَئِذٍ عَنْ قَطْعِيٍّ (أَوْ) كَانَ (عَنْ ظَنِّيٍّ أَحَالَتْ) الْعَادَةُ (الِاتِّفَاقَ عَنْهُ لِاخْتِلَافِ الْقَرَائِحِ) أَيْ الْقُوَى الْمُفَكِّرَةِ (وَالْأَنْظَارِ) وَمَوَادِّ الِاسْتِنْبَاطِ عِنْدَهُمْ وَأَحَالَتْهَا لِهَذَا (كَإِحَالَتِهَا اتِّفَاقَهُمْ عَلَى اشْتِهَاءِ طَعَامٍ) قَالُوا (وَلَوْ تُصَوِّرُ) ثُبُوتُهُ فِي نَفْسِهِ (اسْتَحَالَ ثُبُوتُهُ عَنْهُمْ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ (لِقَضَائِهَا) أَيْ الْعَادَةِ (بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) بِأَعْيَانِهِمْ (فَضْلًا عَنْ أَقْوَالِهِمْ مَعَ خَفَاءِ بَعْضِهِمْ لِخُمُولِهِ) أَيْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ (وَنَحْوِ أَسْرِهِ) فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي مَطْمُورَةٍ أَوْ عُزْلَتِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ النَّاسِ بِحَيْثُ يَخْفَى أَثَرُهُ (وَتَجْوِيزُ رُجُوعِهِ) عَنْ ذَلِكَ (قَبْلَ تَقَرُّرِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ قَوْلِ الْآخَرِ بِهِ فَلَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى قَوْلٍ فِي عَصْرٍ إذْ لَا يُمْكِنُ السَّمَاعُ مِنْهُمْ فِي آنٍ وَاحِدٍ بَلْ إنَّمَا يَكُونُ فِي زَمَانٍ مُتَطَاوِلٍ وَهُوَ مَظِنَّةُ تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ

قَالُوا (وَلَوْ أَمْكَنَ) ثُبُوتُهُ عَنْهُمْ (اسْتَحَالَ نَقْلُهُ إلَى مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ وَهُمْ) أَيْ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ (مِنْ بَعْدِهِمْ لِذَلِكَ بِعَيْنِهِ) أَيْ لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِإِحَالَةِ ذَلِكَ كَمَا سَيَتَّضِحُ فَإِنَّ طَرِيقَ نَقْلِهِ إمَّا التَّوَاتُرُ أَوْ الْآحَادُ (وَ) اسْتَحَالَ (لُزُومُ التَّوَاتُرِ فِي الْمُبَلِّغِينَ) عَادَةً لِتَعَذُّرِ أَنْ يُشَاهِدَ أَهْلُ التَّوَاتُرِ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا وَيَسْمَعُوا مِنْهُمْ وَيَنْقُلُوا عَنْهُمْ إلَى أَهْلِ التَّوَاتُرِ هَكَذَا طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ إلَى أَنْ يَتَّصِلَ بِنَا، وَأَمَّا الْآحَادُ فَلَا يَصْلُحُ هُنَا (إذْ لَا يُفِيدُ الْآحَادُ) الْعِلْمَ بِوُقُوعِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ (وَالْعَادَةُ تُحِيلُهُ) أَيْ لُزُومَ التَّوَاتُرِ فِي الْمُبَلِّغِينَ كَمَا بَيَّنَّا وَذَكَرَ عَادَةً بَعْدَ الْمُبَلِّغِينَ كَمَا ذَكَرْنَا (وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْكُلِّ) أَيْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي نَفْسِهِ وَبِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عَنْ الْمُجْمِعِينَ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَبِإِحَالَةِ الْعَادَةِ نَقَلَهُ إلَى مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ بَعْدَهُمْ (مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتْوَى بِحُكْمٍ وَ) بَيْنَ (اشْتِهَاءِ طَعَامٍ) وَاحِدٍ وَأَكْلِهِ لِلْكُلِّ فَإِنَّ هَذَا لَا إجْمَاعَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الدَّوَاعِي لَهُ طَبْعًا وَمِزَاجًا وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلدَّلِيلِ فَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ أَوْ ظَاهِرٍ (وَمَا بَعْدُ) أَيْ وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ مِنْ الشُّبْهَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ (تَشْكِيكٌ مَعَ الضَّرُورَةِ إذْ نَقْطَعُ بِإِجْمَاعِ كُلِّ عَصْرٍ) مِنْ الصَّحَابَةِ وَهَلُمَّ جَرَّا (عَلَى تَقْدِيمِ) الدَّلِيلِ (الْقَاطِعِ عَلَى الْمَظْنُونِ) وَمَا ذَاكَ إلَّا بِثُبُوتِهِ عَنْهُمْ وَنَقْلِهِ إلَيْنَا وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّشْكِيكِ فِي الضَّرُورِيَّاتِ (وَيُحْمَلُ قَوْلُ أَحْمَدَ مَنْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (كَاذِبٌ عَلَى اسْتِبْعَادِ انْفِرَادِ اطِّلَاعِ نَاقِلِهِ) عَلَيْهِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا لَنَقَلَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا كَمَا يَشْهَدُ بِهِ لَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ لَعَلَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا وَلَكِنْ يَقُولُ لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَا إنْكَارٌ لِتَحَقُّقِ الْإِجْمَاعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذْ هُوَ أَجَلُ أَنْ يَحُومَ حَوْلَهُ قُلْت وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ يَعْنِي {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] فَهَذَا نَقْلٌ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ أَصْحَابُهُ إنَّمَا قَالَ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْوَرَعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خِلَافٌ لَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ قَالَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِخِلَافِ السَّلَفِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَالْأَصْفَهَانِيّ إلَى أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. أَمَّا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَحُجَّةٌ مَعْلُومٌ تَصَوُّرُهُ لِكَوْنِ الْمُجْمِعِينَ ثَمَّةَ فِي قِلَّةٍ وَالْآنَ فِي كَثْرَةٍ وَانْتِشَارٍ قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ وَالْمُصَنِّفُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا خَبَرَ لَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ إلَّا مَا يَجِدُ مَكْتُوبًا فِي الْكُتُبِ وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِالسَّمَاعِ مِنْهُمْ أَوْ بِنَقْلِ أَهْلِ التَّوَاتُرِ إلَيْنَا وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إلَّا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا بَعْدَهُمْ فَلَا وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ إنَّمَا قَالَهُ إنْكَارًا عَلَى فُقَهَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ إجْمَاعَ النَّاسِ عَلَى مَا يَقُولُونَهُ وَكَانُوا مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ مَعْرِفَةً بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَأَحْمَدُ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي كَلَامِهِ احْتِجَاجٌ بِإِجْمَاعٍ بَعْدَ التَّابِعِينَ أَوْ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ انْتَهَى. هَذَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مَسَائِلَ الْإِجْمَاعِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ وَلِهَذَا يُرَدُّ قَوْلُ الْمَلَاحِدَةِ أَنَّ هَذَا الدِّينَ كَثِيرُ الِاخْتِلَافِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَمَا اخْتَلَفُوا فَنَقُولُ أَخْطَأْت بَلْ مَسَائِلُ الْإِجْمَاعِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ لَهَا مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي يَقَعُ الِاتِّفَاقُ مِنْهَا وَعَلَيْهَا وَهِيَ صَادِرَةٌ عَنْ مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ يَبْقَى قَدْرُ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَالْخِلَافِ، ثُمَّ فِي بَعْضِهَا يُحْكَمُ بِخَطَأِ الْمُخَالِفِ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ نَفْسِهِ وَفِي بَعْضٍ يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَفِي بَعْضِهَا يُتَسَامَحُ فَلَا يَبْلُغُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَبْقَى عَلَى الشُّبْهَةِ إلَى مِائَتَيْ مَسْأَلَةٍ (وَهُوَ) أَيْ الْإِجْمَاعُ (حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ) عِنْدَ الْأُمَّةِ (إلَّا) عِنْدَ (مَنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ مِنْ بَعْضِ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ؛ لِأَنَّهُمْ) أَيْ الْخَوَارِجَ وَالشِّيعَةَ (مَعَ فِسْقِهِمْ) إنَّمَا وُجِدُوا (بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى حُجِّيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَاطِعِ) وَهَذَا مُتَوَارَثٌ الشَّكُّ فِيهِ كَالشَّكِّ فِي الضَّرُورِيَّاتِ، (وَقَطْعُ مِثْلِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِمِثْلِهِ (عَادَةً لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَمْعِيٍّ قَاطِعٍ فِي ذَلِكَ) الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ الْقَاطِعَ لِظَنِّيٍّ بَعِيدٌ جِدًّا (فَيَثْبُتُ) الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ (بِهِ) أَيْ بِالسَّمْعِيِّ الْقَاطِعِ الْمُقْتَضِي لَهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. فَإِنْ قِيلَ

هَذَا دَوْرٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ إنَّمَا اسْتَدْلَلْنَا عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً قَطْعِيَّةً بِسَمْعِيٍّ قَاطِعٍ اقْتَضَى ذَلِكَ (وَذَلِكَ الِاتِّفَاقُ بِلَا اعْتِبَارِ حُجِّيَّتِهِ) أَيْ الِاتِّفَاقِ نَفْسِهِ (دَلِيلُهُ) أَيْ السَّمْعِيِّ الْقَاطِعِ يَعْنِي الِاسْتِدْلَالَ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَقَعَ بِالْإِجْمَاعِ بِلَا اعْتِبَارِ حُجِّيَّتِهِ بَلْ بِمُجَرَّدِهِ وَأَثْبَتَ الْمَطْلُوبَ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَنْ سَمْعِيٍّ قَاطِعٍ فَالْمُثْبِتُ لِحُجِّيَّةِ أَنَّ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً قَاطِعَةً دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ قَاطِعٌ، عَرَفْنَا وُجُودَ ذَلِكَ الِاتِّفَاقِ الْكَائِنِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْبَالِغِينَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَاطِعِ فَالْمُتَوَقِّفُ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ الْمُتَوَقَّفِ عَلَيْهِ (فَلَا دَوْرَ) وَهَذَا الْإِجْمَاعُ الْمُسْتَدَلُّ بِهِ (بِخِلَافِ إجْمَاعِ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ) نَظَرٍ (عَقْلِيٍّ يُزَاحِمُهُ الْوَهْمُ) فَإِنَّ تَعَارُضَ الشَّبَهِ وَاشْتِبَاهَ الصَّحِيحِ بِالْفَاسِدِ فِيهِ كَثِيرٌ وَلَا كَذَلِكَ الْإِجْمَاعُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ فَإِنَّ الْفَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْقَاطِعِ وَالظَّنِّيِّ بَيِّنٌ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّمْيِيزِ فَضْلًا عَنْ الْمُحَقِّقِينَ الْمُجْتَهِدِينَ (عَلَى أَنَّ التَّوَارِيخَ دَلَّتْ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِحُدُوثِهِ) أَيْ الْعَالَمِ (مِنْهُمْ) أَيْ الْفَلَاسِفَةِ فَلَا إجْمَاعَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا حَكَاهُ لَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قِرَاءَةِ هَذَا الْمَحَلِّ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَةٍ وُجِدَتْ بِحَجَرٍ فِي أَسَاسِ الْحَائِطِ الْجَيْرُونِيِّ مِنْ جَامِعِ دِمَشْقَ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْقِفْطِيُّ فِي كِتَابِهِ أَنْبَاءُ الرُّوَاةِ عَلَى أَبْنَاءِ النُّحَاةِ، وَلَا بَأْسَ بِسَوْقِهِ ذِكْرَ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الْعَلَاءِ الْمُقْرِي عَمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ قُرِئَ بِحَضْرَتِهِ يَوْمًا أَنَّ الْوَلِيدَ لَمَّا تَقَدَّمَ بِعِمَارَةِ دِمَشْقَ أَمَرَ الْمُتَوَلِّينَ لِعِمَارَتِهِ أَنْ لَا يَضَعُوا حَائِطًا إلَّا عَلَى جَبَلٍ فَامْتَثَلُوا وَتَعَسَّرَ عَلَيْهِمْ وُجُودُ جَبَلٍ لِحَائِطٍ جِهَةَ جَيْرُونَ وَأَطَالُوا الْحَفْرَ امْتِثَالًا لِمَرْسُومِهِ فَوَجَدُوا رَأْسَ حَائِطٍ مَكِينِ الْعَمَلِ كَثِيرِ الْأَحْجَارِ يَدْخُلُ فِي عَمَلِهِمْ فَأَعْلَمُوا الْوَلِيدَ أَمْرَهُ وَقَالُوا نَجْعَلُ رَأْسَهُ أُسًّا فَقَالَ اُتْرُكُوهُ وَاحْفِرُوا قُدَّامَهُ لِتَنْظُرُوا أُسَّهُ وُضِعَ عَلَى حَجَرٍ أَمْ لَا فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَوَجَدُوا فِي الْحَائِطِ بَابًا وَعَلَيْهِ حَجَرٌ مَكْتُوبٌ بِقَلَمٍ مَجْهُولٍ فَأَزَالُوا عَنْهُ التُّرَابَ بِالْغَسْلِ وَنَزَّلُوا فِي حَفْرِهِ لَوْنًا مِنْ الْأَصْبَاغِ فَتَمَيَّزَتْ حُرُوفُهُ وَطَلَبُوا مَنْ يَقْرَؤُهَا فَلَمْ يَجِدُوا ذَلِكَ وَتَطَلَّبَ الْوَلِيدُ الْمُتَرْجِمِينَ مِنْ الْآفَاقِ حَتَّى حَضَرَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يَعْرِفُ قَلَمَ الْيُونَانِيَّةِ الْأُولَى فَقَرَأَ الْكِتَابَةَ الْمَوْجُودَةَ فَكَانَتْ: بِاسْمِ الْمُوجِدِ الْأَوَّلِ أَسْتَعِينُ لَمَّا أَنْ كَانَ الْعَالَمُ مُحْدَثًا لِاتِّصَالِ أَمَارَاتِ الْحُدُوثِ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُحْدِثٌ لَا كَهَؤُلَاءِ كَمَا قَالَ ذُو السِّنِينَ وَذُو اللَّحْيَيْنِ وَأَشْيَاعُهُمَا، حِينَئِذٍ أَمَرَ بِعِمَارَةِ هَذَا الْهَيْكَلِ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ مُحِبَّ الْخَيْرِ عَلَى مُضِيِّ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَسَبْعِمِائَةِ عَامٍ لِأَهْلِ الْأُسْطُوَانِ فَإِنْ رَأَى الدَّاخِلُ إلَيْهِ ذِكْرَ بَانِيهِ عِنْدَ نَادِيهِ بِخَيْرٍ فَعَلَ وَالسَّلَامُ. فَأَطْرَقَ أَبُو الْعَلَاءِ عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ وَأَخَذَ الْجَمَاعَةُ فِي التَّعَجُّبِ مِنْ أَمْرِ هَذَا الْهَيْكَلِ وَأَمْرِ الْأُسْطُوَانِ الْمُؤَرَّخِ بِهِ وَفِي أَيِّ زَمَانٍ كَانَ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ ذَلِكَ رَفَعَ أَبُو الْعَلَاءِ رَأْسَهُ وَأَنْشَدَ فِي صُورَةِ مُتَعَجِّبٍ سَيَسْأَلُ قَوْمٌ مَا الْحَجِيجُ وَمَكَّةُ ... كَمَا قَالَ قَوْمٌ مَا جُدَيْسُ وَمَا طسم وَأَمَرَ بِتَسْطِيرِ الْحِكَايَةِ عَلَى ظَهْرِ جُزْءٍ مِنْ " اسْتَغْفِرْ وَاسْتَغْفِرِي " بِخَطِّ ابْنِ أَبِي هَاشِمٍ كَاتِبِهِ وَأَكْثَرُ مَنْ نَقَلَ الْكِتَابَ نَقَلَ الْحِكَايَةَ عَلَى مِثْلِ الْجُزْءِ الَّذِي هِيَ مَسْطُورَةٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. قُلْت وَقَدْ ذَكَرَهَا مُخْتَصَرَةً يَاقُوتُ الْحَمَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ لَكِنْ مَعَ زِيَادَةٍ بَيْنَ ذِي اللَّحْيَيْنِ وَبَيْنَ حِينَئِذٍ هِيَ فَوَجَبَتْ عِبَادَةُ خَالِقِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ وَبَدَلٌ عَلَى مُضِيِّ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَسَبْعِمِائَةِ عَامٍ عَلَى مُضِيِّ سَبْعَةِ آلَافٍ وَتِسْعِمِائَةِ عَامٍ وَأَفَادَ مِنْ أَهْلِ الْأُسْطُوَانِ قَوْمٌ مِنْ الْحُكَمَاءِ الْأُوَلِ كَانُوا بِبَعْلَبَكّ حَكَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ الطَّبِيبِ السَّرَخْسِيُّ الْفَيْلَسُوفُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَإِجْمَاعُ الْيَهُودِ عَلَى نَفْيِ نَسْخِ شَرْعِهِمْ عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَ) إجْمَاعُ (النَّصَارَى عَلَى صَلْبِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) إنَّمَا هُوَ (لِاتِّبَاعِ الْآحَادِ الْأَصْلَ) لِاتِّبَاعِهِمْ فِي هَذَيْنِ الِافْتِرَاءَيْنِ لِآحَادِ أَوَائِلِهِمْ هُمْ أَهْلُ الطَّبَقَةِ الْأُولَى فِيهِمَا (لِعَدَمِ تَحْقِيقِهِمْ) إذْ لَوْ كَانُوا مُحَقِّقِينَ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ (بِخِلَافِ مَنْ ذَكَرْنَا) مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَإِنَّهُمْ مُحَقِّقُونَ غَيْرُ مُتَّبِعِينَ لِأَحَدٍ فِي ذَلِكَ (لِأَنَّهُمْ الْأُصُولُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْإِجْمَاعَاتِ نَقْضًا عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ حَاكِمَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ الِاتِّفَاقِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَاطِعٍ لِانْتِفَاءِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّحْقِيقِ فِي الْأَخِيرَيْنِ فَهَذَا دَلِيلٌ

عَقْلِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ (وَمِنْ) الْأَدِلَّةِ (السَّمْعِيَّةِ آحَادٌ تَوَاتَرَ مِنْهَا) قَدْرٌ هُوَ (مُشْتَرَكُ «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الْخَطَأِ» وَنَحْوِهِ كَثِيرٌ) بِإِضَافَةِ " مُشْتَرَكُ " إلَى مَا بَعْدَهُ وَجَرِّ " نَحْوِهِ " بِالْعَطْفِ عَلَى لَا تَجْتَمِعُ وَكَثِيرٌ عَلَى أَنَّهُ صِفَتُهُ أَيْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ عِصْمَةُ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إلَى النَّارِ» وَقَالَ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَاللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ بِلَفْظِ «إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى ضَلَالَةٍ أَبَدًا وَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَاتَّبِعُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ فَإِنَّ مَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ» قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ، ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّتَهُ وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ «إنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ فَإِذَا رَأَيْتُمْ الِاخْتِلَافَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ «لَا يَجْمَعُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ» وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا إبْرَاهِيمَ بْنَ مَيْمُونَ فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَا لَهُ وَبِلَفْظِ «إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ جَمَاعَةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ» ، ثُمَّ قَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي هَانِئٍ الْخَوْلَانِيِّ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَأَلْت رَبِّي أَرْبَعًا فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَأَعْطَانِيهَا» الْحَدِيثَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا التَّابِعِيَّ الْمُبْهَمَ وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ أَيْضًا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا طَرِيقُ الْغَزَالِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، (وَمِنْهَا) قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] (وَهُوَ) أَيْ غَيْرُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ (أَعَمُّ مِنْ الْكُفْرِ جُمِعَ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ (وَبَيْنَ الْمُشَاقَّةِ) لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي الْوَعِيدِ) الشَّدِيدِ (فَيَحْرُمُ) اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ إذْ لَا يُضَمُّ مُبَاحٌ إلَى حَرَامٍ فِي الْوَعِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلْمُبَاحِ فِيهِ وَإِذَا حُرِّمَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ يَجِبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ إذْ لَا مَخْرَجَ بِحَسَبِ الْوُجُودِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ اتِّبَاعِ سَبِيلِهِمْ اتِّبَاعٌ لِسَبِيلِ غَيْرِهِمْ إذْ مَعْنَى السَّبِيلِ هُنَا مَا يَخْتَارُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَيُعْرَفُ بِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَالْإِجْمَاعُ سَبِيلُهُمْ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (وَيُعْتَرَضُ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ إثْبَاتُ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ (لَمْ تَثْبُتْ حُجِّيَّتُهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (إلَّا بِهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ (وَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءُ (الظَّاهِرُ) وَهُوَ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ (لِعَدَمِ قَطْعِيَّةِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خُصُوصِ الْمُدَّعَى) وَهُوَ الْإِجْمَاعُ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ سَبِيلَهُمْ فِي مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَوْ فِي مُنَاصَرَتِهِ وَدَفْعِ الْأَعْدَاءِ عَنْهُ أَوْ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَوْ فِيمَا صَارُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَإِذَا قَامَ الِاحْتِمَالُ كَانَ غَايَتُهُ الظُّهُورَ، وَالتَّمَسُّكُ بِالظَّاهِرِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ الدَّالِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالظَّوَاهِرِ الْمُفِيدَةِ لِلظَّنِّ إذْ لَوْلَاهُ لَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالدَّلَائِلِ الْمَانِعَةِ مِنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] ، فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ إثْبَاتًا لِلْإِجْمَاعِ بِمَا لَمْ تَثْبُتْ حُجِّيَّتُهُ إلَّا بِهِ فَيَصِيرُ دَوْرًا وَأَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ فِي الدَّرْسِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَا يَقْدَحُ فِي قَطْعِيَّتِهِ فَإِنَّ حُكْمَ الْعَامِّ عِنْدَهُمْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيمَا تَنَاوَلَهُ قَطْعًا وَيَقِينًا فَيَتِمُّ التَّمَسُّكُ بِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى الْإِجْمَاعِ الدَّالِّ عَلَى جَوَازِ التَّمَسُّكِ بِالظَّوَاهِرِ الْمُفِيدَةِ لِلظَّنِّ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُثْبِتٍ لِلْحُكْمِ فِيمَا تَنَاوَلَهُ بِطَرِيقِ الظَّنِّ. قُلْت إلَّا أَنَّ السُّبْكِيَّ ذَكَرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَنْبَطَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَأَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ وَحَكَى أَنَّهُ تَلَا الْقُرْآنَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ وَسَاقَ فِيهِ حِكَايَةً طَوِيلَةً غَرِيبَةً بِسَنَدِهِ، وَلَمْ يَدَّعِ أَعْنِي الشَّافِعِيَّ الْقَطْعَ فِيهِ اهـ فَإِنْ ادَّعَى الظَّنَّ فَلَا إشْكَالَ لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ الْقَطْعُ، وَإِنْ ادَّعَى الْقَطْعَ أَشْكَلَ بِقَوْلِهِ بِظَنِّيَّةِ دَلَالَةِ الْعَامِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُدْفَعَ هَذَا بِأَنَّ ظَنِّيَّتَهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تُفِيدُ الْقَطْعَ بِذَلِكَ وَهَاهُنَا قَدْ احْتَفَّ بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِذَلِكَ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ الْآيَةِ وَحْدَهَا دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا

مسألة انقراض المجمعين ليس شرطا لانعقاده ولا لحجته

فِي إفَادَةِ الْمَطْلُوبِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَالِاسْتِدْلَالُ) كَمَا ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (يَدُلُّ عَلَى) وُجُودِ دَلِيلٍ (قَاطِعٍ فِي الْحُكْمِ) الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ (عَادَةً) لِقَضَائِهَا بِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ مِثْلِهِمْ عَلَى مَظْنُونٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ حُجَّةً قَطْعِيَّةً لِذَلِكَ الْقَاطِعِ لَا لِقَوْلِهِمْ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (مَمْنُوعٌ) فَإِنَّ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ قَدْ يَكُونُ ظَنِّيًّا وَلَا نُسَلِّمُ قَضَاءَ الْعَادَةِ بِذَلِكَ دَائِمًا بَلْ يَمْتَنِعُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى مَظْنُونٍ دَقَّ فِيهِ النَّظَرُ لَا فِي الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالظَّوَاهِرِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ لِغَيْرِ هَذَا، وَحِينَئِذٍ لَا نُسَلِّمُ أَيْضًا إجْمَاعَهُمْ عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَاطِعِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ) أَيْ الْقَطْعَ ثَمَّةَ (قَطْعُ كُلٍّ) مِنْ الْمُجْمِعِينَ فَإِنَّهُ قَوْلٌ بِأَصْلٍ دِينِيٍّ اعْتِقَادِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ قَائِلِهِ بِهِ (وَالْقَطْعُ هُنَا) أَيْ فِيمَا سِوَاهُ قَدْ يَكُون (بَعْده) أَيْ الْإِجْمَاعِ وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالُوا) أَيْ الْمُخَالِفُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] فَلَا مَرْجِعَ إلَى غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إلَيْهِمَا رُجُوعٌ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ (الْجَوَابُ لَوْ تَمَّ) هَذَا (انْتَفَى الْقِيَاسُ وَلَا يَنْفُونَهُ) أَيْ الْمُخَالِفُونَ (فَإِنْ رَجَعْتُمُوهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (إلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (لِثُبُوتِ أَصْلِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ وَهُوَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ (بِهِ) أَيْ بِأَحَدِهِمَا (فَكَذَا لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ) وَهُوَ أَحَدُهُمَا أَوْ الْقِيَاسُ الرَّاجِعُ إلَى أَحَدِهِمَا وَحَيْثُ كَانَ ذَاكَ رَدًّا إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَكَذَا هَذَا (أَوْ خُصَّ) وُجُوبُ الرَّدِّ (بِمَا فِيهِ) النِّزَاعُ لِكَوْنِهِ جَوَابًا لَهُ (وَهُوَ) أَيْ مَا فِيهِ النِّزَاعُ (ضِدُّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ) هَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ) وُجُوبُ الرَّدِّ (خُصَّ بِالصَّحَابَةِ) بِقَرِينَةِ الْخِطَابِ (ثُمَّ) لَوْ سُلِّمَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ فَغَايَتُهُ أَنَّهُ (ظَاهِرٌ لَا يُقَاوِمُ الْقَاطِعَ) الَّذِي هُوَ أَوَّلُ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (وَأَيْضًا) قَالُوا (نَحْوَ) قَوْله تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ نَهْيًا عَامًّا لِلْأُمَّةِ (يُفِيدُ جَوَازَ خَطَئِكُمْ) أَيْ الْأُمَّةِ إذْ الْخِطَابُ عَامٌّ لَهُمْ وَلَوْلَا جَوَازُ صُدُورِ كُلٍّ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ عَنْ جَمِيعِهِمْ لَمَا أَفَادَ النَّهْيُ إذْ لَا يُنْهَى عَنْ الْمُمْتَنِعِ (أُجِيبُ بِعَدَمِ كَوْنِهِ) أَيْ النَّهْيِ (مَنْعًا لِكُلٍّ) وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ جَوَازُ كَوْنِ الْكُلِّ ذَا خَطَأٍ (لَا الْكُلِّ) أَيْ الْجَمِيعِ كَمَا قُلْتُمْ بِهِ وَرَتَّبْتُمْ عَلَيْهِ لُزُومَ جَوَازِ صُدُورِ كُلٍّ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ عَنْ جَمِيعِهِمْ (يَمْنَعُ اسْتِلْزَامُ النَّهْيِ جَوَازَ صُدُورِ الْمَنْهِيِّ) عَنْ الْمُكَلَّفِ (بَلْ يَكْفِي فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِ النَّهْيِ صَحِيحًا (الْإِمْكَانُ الذَّاتِيُّ) لِوُقُوعِ النَّهْيِ (مَعَ الِامْتِنَاعِ بِالْغَيْرِ) أَيْ كَوْنِهِ مُمْتَنِعًا بِعَارِضٍ مِنْ الْعَوَارِضِ فَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ خَطَئِهِمْ. عَلَى أَنَّ الْجَوَازَ عَقْلِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَمْ يَلْزَم مِنْهُ مُحَالٌ عَقْلًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْوُقُوعُ (وَمُفَادُهُ) أَيْ النَّهْيِ حِينَئِذٍ (الثَّوَابُ بِالْعَزْمِ) عَلَى تَرْكِ الْمَنْهِيِّ إذَا خَطَرَ لَهُ فِعْلُهُ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ، ثُمَّ هَذِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِطْرَادِهَا فِي الْأُصُولِ فَوَافَقَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى ذِكْرٍ. [مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ وَلَا لِحُجَّتِهِ] (مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ) عَلَى حُكْمٍ أَيْ مَوْتُهُمْ عَلَيْهِ (لَيْسَ شَرْطًا) لِانْعِقَادِهِ وَلَا (لِحُجَّتِهِ) أَيْ إجْمَاعُهُمْ (عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ) مِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَنَصَّ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ الْمَذَاهِبِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامُ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَالرَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ فَيَكُونُ اتِّفَاقُهُمْ حُجَّةً فِي الْحَالِ (فَيَمْتَنِعُ رُجُوعُ أَحَدِهِمْ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ لِصَيْرُورَةِ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ مَعَ قَوْلِ مُوَافِقِيهِ حُجَّةً عَلَيْهِ (وَخِلَافُ مَنْ حَدَّثَ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ فِيهِ (وَشَرَطَهُ) أَيْ انْقِرَاضَهُمْ (أَحْمَدُ وَابْنُ فُورَكٍ) وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ وَالْأَشْعَرِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ إجْمَاعُهُمْ عَنْ قَطْعٍ أَوْ ظَنٍّ (إنْ كَانَ سَنَدُهُ قِيَاسًا) لَا إنْ كَانَ نَصًّا قَاطِعًا كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ وَهْمٌ فَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَعْتَبِرُ الِانْقِرَاضَ أَلْبَتَّةَ بَلْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُسْتَنَدِ إلَى قَاطِعٍ، وَإِنْ كَانَ فِي مَظِنَّةِ الظَّنِّ فَلَا يَشْتَرِطُ فِيهِ تَمَادِيَ زَمَانٍ وَيَنْهَضُ حُجَّةً عَلَى الْفَوْرِ وَالظَّنِّيِّ فَيَشْتَرِطُ تَمَادِيَ

الزَّمَانِ حَتَّى لَوْ خَرَّ عَلَى الْمُجْمِعِينَ سَقْفٌ عَقِبَ الِاتِّفَاقِ أَوْ عَمَّهُمْ الْهَلَاكُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. قَالَ فَلَسْت أَرَى ذَلِكَ إجْمَاعًا، ثُمَّ هُوَ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الظَّنِّيِّ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الظُّنُونَ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ مَعَ التَّمَادِي قَالَ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ الْمُتَكَلِّفُ وَجْهًا فَيَقُولَ يَعُمُّهُمْ ظُهُورُ وَجْهٍ مِنْ الظَّنِّ قَالَ وَلِلْفَطِنِ أَنْ يَقُولَ مَا انْتَهَى إلَى هَذَا الْمُنْتَهَى فَقَدْ اعْتَزَى إلَى الْقَطْعِ (وَقِيلَ) يُشْتَرَطُ الِانْقِرَاضُ (فِي السُّكُوتِيِّ) وَهُوَ مَا كَانَ بِفَتْوَى الْبَعْضِ وَسُكُوتِ الْبَاقِينَ لِضَعْفِهِ لَا مَا إذَا كَانَ بِصَرِيحِ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ أَوْ بِهِمَا مَعًا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَزَعْمُ سُلَيْمٍ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ فِي السُّكُوتِيِّ مُعْتَبَرٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ الْقَوْلِيُّ وَقِيلَ يَنْعَقِدُ قَبْلَ الِانْقِرَاضِ فِيمَا لَا مُهْلَةَ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسٍ وَاسْتِبَاحَةٍ حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إتْلَافٌ وَاسْتِهْلَاكٌ اُشْتُرِطَ قَطْعًا، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا ذَلِكَ فَوَجْهَانِ وَهَذَا طَرِيقُ الْمَاوَرْدِيِّ وَقِيلَ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطٌ فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ مَشَى الطَّبَرِيُّ، ثُمَّ مِنْ الْمُشْتَرِطِينَ مَنْ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ جَمِيعِ أَهْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ أَكْثَرِهِمْ فَإِنْ بَقِيَ مَنْ لَا يَقَعُ الْعِلْمُ بِصِدْقِ خَبَرِهِ كَوَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ لَمْ يُعْتَبَرْ بِبَقَائِهِ كَذَا فِي تَقْرِيبِ الْقَاضِي وَلَفْظُ الْغَزَالِيِّ فِي مَنْخُولِهِ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِطُونَ فَقِيلَ يُكْتَفَى بِمَوْتِهِمْ تَحْتَ هَدْمٍ دَفْعَةً إذْ الْغَرَضُ انْتِهَاءُ أَعْمَارِهِمْ عَلَيْهِ وَالْمُحَقِّقُونَ لَا بُدَّ مِنْ انْقِضَاءِ مُدَّةٍ تُفِيدُ فَائِدَةً فَإِنَّهُمْ قَدْ يُجْمِعُونَ عَلَى رَأْيٍ وَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّغْيِيرِ، ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالِاشْتِرَاطِ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِهِ وَقِيلَ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً. هَذَا وَفِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَاخْتُلِفَ فِي فَائِدَةِ هَذَا الِاشْتِرَاطِ فَأَحْمَدُ وَمُتَابِعُوهُ جَوَازُ رُجُوعِ الْمُجْمِعِينَ أَوْ بَعْضِهِمْ عَمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الِانْقِرَاضِ لَا دُخُولُ مَنْ سَيُحْدِثُ فِي إجْمَاعِهِمْ وَاعْتِبَارُ مُوَافِقِيهِ لِلْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ أَجْمَعُوا وَانْقَرَضُوا مُصِرِّينَ عَلَى مَا قَالُوا يَكُونُ إجْمَاعًا وَإِنْ خَالَفَهُمْ الْمُجْتَهِدُ اللَّاحِقُ فِي زَمَانِهِمْ، وَقِيَاسُ هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمُخَالِفُ خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ إذْ اتِّفَاقُهُمْ لَيْسَ إجْمَاعًا بَعْدُ بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ فَإِذَا انْقَرَضُوا لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ الْخِلَافُ مُعْتَبَرًا وَيَكُونُ قَوْلُ الْمُخَالِفِ إذْ ذَاكَ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ وَذَهَبَ الْبَاقُونَ إلَى أَنَّهَا جَوَازُ الرُّجُوعِ وَإِدْخَالُ مَنْ أَدْرَكَ عَصْرَهُمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي إجْمَاعِهِمْ، ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ انْقِرَاضُ عَصْرِ الْمُدْرَكِ الْمُدْخَلِ فِي إجْمَاعِهِمْ وَإِلَّا لَمْ يَتِمَّ انْعِقَادُ إجْمَاعٍ أَصْلًا كَمَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ (لَنَا) الْأَدِلَّةُ (السَّمْعِيَّةُ تُوجِبُهَا) أَيْ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ (بِمُجَرَّدِهِ) أَيْ الِاتِّفَاقِ مِنْ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَلَوْ فِي لَحْظَةٍ إذْ الْحُجَّةُ إجْمَاعُهُمْ لَا انْقِرَاضُهُمْ فَلَا مُوجِبَ لِاشْتِرَاطِهِ (قَالُوا) أَيْ الْمُشْتَرِطُونَ (يَلْزَمُ) عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ (مَنْعَ الْمُجْتَهِدِ عَنْ الرُّجُوعِ) عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ (عِنْدَ ظُهُورِ مُوجِبِهِ) أَيْ الرُّجُوعِ (خَبَرًا) كَانَ الْمُوجِبُ (أَوْ غَيْرَهُ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ. أَمَّا إذَا كَانَ خَبَرًا فَلِاسْتِلْزَامِهِ عَدَمَ الْعَمَلِ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ خَبَرًا بِإِنْ كَانَ إجْمَاعُهُمْ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِي الرُّجُوعِ عِنْدَ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ بَيَانُ اللُّزُومِ أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ بَعْضِ الْمُجْمِعِينَ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بِاجْتِهَادِهِ فَنَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ الْعَمَلِ بِاجْتِهَادِهِ الثَّانِي لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ (أُجِيبُ) وُجُودُ الْخَبَرِ مَعَ ذُهُولِ الْمُجْمِعِينَ عَلَيْهِ (يُعِيدُ بَعْدَ فَحْصِهِمْ) عَنْهُ وَالْإِطْلَاعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الذُّهُولِ الْكَائِنِ بَعْدَ الْفَحْصِ أَبْعَدُ (وَلَوْ سُلِّمَ) وُجُودُهُ بَعْدَ ذُهُولِهِمْ الْكَائِنِ بَعْدَ فَحْصِهِمْ وَالْإِطْلَاعِ عَلَيْهِ (فَكَذَا) يُقَالُ لِلْمُشْتَرِطِينَ إجْمَاعُكُمْ بَعْدَ الِانْقِرَاضِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِاسْتِلْزَامِ حُجَّتِهِ إلْغَاءَ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مَنْ بَعْدَكُمْ (فَهُوَ) أَيْ هَذَا الْإِلْزَامُ (مُشْتَرَكٌ) بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْهُ هُوَ جَوَابُنَا وَهَذَا جَوَابٌ جَدَلِيٌّ (وَالْحَلُّ) وَهُوَ الْجَوَابُ الْجَدَلِيُّ (يَجِبُ ذَلِكَ) أَيْ إلْغَاءُ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ الْمُخَالِفِ حُكْمُهُ لِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ تَقْدِيمًا لِلْقَاطِعِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا لَيْسَ بِقَاطِعٍ وَهُوَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ الَّذِي اُطُّلِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنْ الرُّجُوعِ

لا يشترط لحجيته أي الإجماع انتفاء سبق خلاف مستقر

عَنْ اجْتِهَادِهِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّازِمَ بَاطِلٌ مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مَعَهُ فَالْمَنْعُ عَنْ الرُّجُوعِ وَاجِبٌ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُ الرُّجُوعِ عِنْدَ ظُهُورِ مُوجِبِهِ لَيْسَ مُطْلَقًا بِبَاطِلٍ بَلْ فِيمَا إذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ (قَالَ عُبَيْدَةُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ السَّلْمَانِيُّ (لِعَلِيٍّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (حِينَ رَجَعَ) عَنْ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ (قَبْلَهُ) أَيْ انْقِرَاضِ الْمُجْمِعِينَ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدُ أَنْ يُبَعْنَ وَمَقُولُ قَوْلِ عُبَيْدَة (رَأْيُك) وَرَأْيُ عُمَرَ (فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ) إلَيَّ (مِنْ رَأْيِك وَحْدَك) فِي الْفُرْقَةِ فَضَحِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُخَالَفَةً لِلْإِجْمَاعِ بَلْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرَى اشْتِرَاطَهُ) أَيْ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ، ثُمَّ لَيْسَ هَذَا الرَّأْيُ مِنْهُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِ بِمُتَعَيِّنِ الِاعْتِبَارِ حَتَّى يَنْتَهِضَ حُجَّةً لِلْمُخَالِفِينَ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَطَبَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ فَقَالَ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ أَنْ لَا تُبَاعَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَأَنَا الْآنَ أَرَى بَيْعَهُنَّ فَقَالَ لَهُ عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ رَأْيُك مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك وَحْدَك فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ اقْضُوا فِيهِ مَا أَنْتُمْ قَاضُونَ فَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَ أَصْحَابِي (قَالُوا) أَيْ الْمُشْتَرِطُونَ ثَانِيًا (لَوْ لَمْ تُعْتَبَرْ مُخَالَفَةُ الرَّاجِعِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى كُلُّ الْأُمَّةِ لَمْ تُعْتَبَرْ مُخَالَفَةُ مَنْ مَاتَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ كُلُّ الْأُمَّةِ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ (أُجِيبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ) مُخَالَفَةِ (الْمَيِّتِ مُخْتَلَفٌ) فِيهِ فَعَلَى عَدَمِ الِاعْتِبَارِ لَهُ نَمْنَعُ بُطْلَانَ اللَّازِمِ وَيَلْزَمُ أَنْ لَا قَوْلَ لِلْمَيِّتِ (وَعَلَى الِاعْتِبَارِ) لَهُ نَمْنَعُ الْمُلَازَمَةَ، وَحِينَئِذٍ (الْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا (تَحَقُّقُ الْإِجْمَاعِ) أَوَّلًا بِمُوَافَقَتِهِ (قَبْلَ الرُّجُوعِ فَامْتَنَعَ) اعْتِبَارُ مُخَالَفَتِهِ ثَانِيًا (وَلَمْ يَتَحَقَّقْ) الْإِجْمَاعُ (قَبْلَ الْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ الْمُخَالِفِ، ثُمَّ الْقَوْلُ لَمْ يَمُتْ بِقَوْلِ قَائِلَهُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ قَوْلِ قَائِلَةٍ لِدَلِيلِهِ لَا لِذَاتِ الْقَائِلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ غَيْرِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بِالدَّلِيلِ وَدَلِيلُ الْمَيِّتِ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَانَ كَبَقَائِهِ مُخَالِفًا فَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَنْ وُجِدَ مِنْ الْأُمَّةِ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَنْعَقِدُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ. هَذَا وَكَوْنُ فَائِدَةِ الِاشْتِرَاطِ جَوَازَ رُجُوعِ الْجَمِيعِ وَالْبَعْضِ لَا دُخُولَ مَنْ سَيَحْدُثُ قَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا حَتَّى يَنْقَرِضَ الْعَصْرُ وَقَدْ وُجِدَ مُجْتَهِدٌ قَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ فَلِمَ لَا يَدْخُلُ وَيُعْتَبَرُ حَتَّى لَا يَتِمَّ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ كَمَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رُجُوعُ بَعْضِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ أَفَادَنِي مَعْنَى هَذَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَإِذَا كَانَ اللَّاحِقُ صَارَ كَالسَّابِقِ فِي اعْتِبَارِ قَوْلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ انْقِرَاضُ عَصْرِهِ كَمَا فِي السَّابِقِ وَكَوْنُ اعْتِبَارِ انْقِرَاضِ عَصْرِهِ أَيْضًا يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْإِجْمَاعِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ بَلْ عَدَمَ اعْتِبَارِ هَذَا الْقَوْلِ الْمُؤَدَّى إلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. [لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ] (مَسْأَلَةٌ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ) كَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَالْقَفَّالِ الْكَبِيرِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ (وَغَيْرِهِمْ) كَالْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ (لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ) لِغَيْرِ الْمُجْمِعِينَ بِأَنْ اخْتَلَفَ أَهْلُ عَصْرٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاعْتَقَدَ كُلٌّ حَقِّيَّةَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ خِلَافُهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْبَحْثِ عَنْ الْمَأْخَذِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَحَدٌ فِي الْمَسْأَلَةِ حَقِّيَّةَ شَيْءٍ مِنْ الْأَقْوَالِ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ حَتَّى تَبْقَى الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً كَمَا كَانَتْ (وَخُرِّجَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اشْتِرَاطُهُ) أَيْ انْتِفَاءِ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ لِغَيْرِهِمْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ وَابْنُ بَرْهَانٍ وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي الْمَحْصُولِ أَنَّهُ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَنَقَلَهُ سِرَاجٌ الْهِنْدِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَالْأَشْعَرِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ (وَنَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ اشْتِرَاطِ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ لِغَيْرِهِمْ (عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كُلٌّ) مِنْ اشْتِرَاطِهِ وَنَفْيِ اشْتِرَاطِهِ (مِنْ الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ الْمُخْتَلَفِ) فِيهِ جَوَازٌ

وَعَدَمُ جَوَازٍ (لِلصَّحَابَةِ) كَمَا يُفِيدُهُ مَا أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ «عَنْ سَلَّامَةَ بِنْتِ مَعْقِلٍ قَالَتْ كُنْت لِلْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو فَمَاتَ وَلِي مِنْهُ وَلَدٌ فَقَالَتْ لِي امْرَأَتُهُ الْآنَ تُبَاعِينَ فِي دَيْنِهِ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت ذَلِكَ فَقَالَ مَنْ صَاحِبُ تَرِكَةِ الْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَتْ أَخُوهُ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا تَبِيعُوهَا وَأَعْتِقُوهَا فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِرَقِيقٍ جَاءَنِي فَأَتَوْنِي أُعَوِّضُكُمْ مِنْهَا فَفَعَلُوا فَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمُّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُعَوِّضْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ هِيَ حُرَّةٌ قَدْ أَعْتَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» زَادَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الرَّازِيّ فِي رِوَايَتِهِ فَفِي ذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ، (الْمُجْمَعِ لِلتَّابِعِينَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (مِنْ الْمَنْعِ) وَالْأَحْسَنُ إسْقَاطُ مِنْ عَلَى إبْدَالِ الْمَنْعِ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ (لَا يَنْفُذُ) بَيْعُهُنَّ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ لَمْ يَبْقَ اجْتِهَادِيًّا بِالْإِجْمَاعِ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي وَقَضَاءُ الْقَاضِي عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ لَا يَصِحُّ فَيُنْتَقَضُ قَضَاؤُهُ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْفُذُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ السَّابِقَ مَنْعُ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِ فَلَا يُنْقَضُ (وَلِأَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُمَا) فَقَدْ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِ الْمِيزَانِ مَعَ مُحَمَّدٍ وَفِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ نَصًّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ يَنْعَقِدُ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ كَذَا رَأَيْت فِي بَعْضِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ (وَالْأَظْهَرُ) مِنْ الرِّوَايَاتِ كَمَا فِي الْفُصُولِ الأسروشنية وَغَيْرِهَا (لَا يَنْفُذُ عِنْدَهُمْ) فَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْهُمْ جَمِيعًا أَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ (وَفِي الْجَامِعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ) إنْ أَمْضَاهُ نَفَذَ وَإِلَّا بَطَلَ وَكَلَامُ السَّرَخْسِيِّ يُفِيدُ أَنَّ الْمَخْرَجَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَدَمُ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ وَعَنْهُمَا اشْتَرَطَهُ شَيْخُهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ، ثُمَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ آخِرًا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِنَّ وَإِلَّا فَلَيْسَ إجْمَاعُ التَّابِعِينَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا حَكَاهُ كَثِيرٌ مِثَالًا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ لِأَهْلِ عَصْرٍ سَابِقٍ وَالْأَشْبَهُ ذَلِكَ مَا قَدْ سَمِعْت عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ نَاظَرَنِي عُمَرُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَقُلْت يُبَعْنَ وَقَالَ لَا يُبَعْنَ فَلَمَّا أُفْضِيَ الْأَمْرُ إلَيَّ رَأَيْت أَنْ يُبَعْنَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ عَهِدَ فِي وَصِيَّتِهِ فَقَالَ إنِّي تَرَكْت تِسْعَ عَشْرَةَ سُرِّيَّةً فَأَيَّتُهُنَّ كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ فَلْتُقَوَّمْ فِي حِصَّةِ وَلَدِهَا، ثُمَّ تَعْتِقْ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ انْطَلَقْت أَنَا وَرَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ تَعْتِقُ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى وِفَاقِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْآخَرُ فِيهِ جَوَازُ الْبَيْعِ مُطْلَقًا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ لَقِيَ ابْنَ عُمَرَ رَجُلَانِ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَا تَرَكْنَا هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِيَانِ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. قَالَ لَكِنَّ أَبَا حَفْصٍ عُمَرَ أَتَعْرِفَانِهِ؟ قَالَا نَعَمْ قَالَ قَضَى فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا صَاحِبُهَا مَا عَاشَ فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَنَقَلَهُ فِي التَّقْوِيمِ عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا كَالْكَرْخِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ لَا يَدُلُّ الْقَوْلُ بِنَفَاذِ الْقَضَاءِ بِبَيْعِهِنَّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ السَّابِقَ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَوْجُهُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا لِلدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ إجْمَاعٌ مُعْتَبَرٌ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَنَارِ وَذَكَرَ الْقَاآنِي أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَحِينَئِذٍ (فَالتَّخْرِيجُ لِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الْخِلَافِ السَّابِقِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ اللَّاحِقِ (أَنَّ) الْإِجْمَاعَ (الْمَسْبُوقَ) بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ (مُخْتَلَفٌ) فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَالْآخَرُونَ إجْمَاعٌ فِيهِ شُبْهَةٌ (فَفِيهِ) أَيْ فِي اعْتِبَارِهِ حِينَئِذٍ (شُبْهَةٌ) عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ إجْمَاعًا بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَا يُكَفَّرَ جَاحِدُهُ وَلَا يُضَلَّلُ وَإِذَا كَانَ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الْإِجْمَاعِ شُبْهَةٌ (فَكَذَا مُتَعَلِّقُهُ) أَيْ فَكَذَا فِي اعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِ هَذَا الْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ شُبْهَةً (فَهُوَ) أَيْ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ نَافِذٌ

لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ بَلْ لِإِجْمَاعٍ مُخْتَلِفٍ فِيهِ فَكَانَ (كَقَضَاءٍ فِي مُجْتَهَدٍ) فِيهِ أَيْ فِي حُكْمٍ مُخْتَلِفٍ فِي اعْتِبَارِهِ فَيَنْفُذُ وَيَصِيرُ لَازِمًا وَمُجْمَعًا عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ فِيهِ بِخِلَافِ قَضَاءِ الْأَوَّلِ كَانَ بَاطِلًا وَلَوْ كَانَ نَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَأَنْ اُسْتُقْضِيَتْ امْرَأَةٌ فِي الْحُدُودِ فَقَضَتْ فِيهَا فَرُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَبْطَلَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ مُخْتَلِفٌ فِيهِ فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَوْنُ أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْخَصَّافُ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْقُضَ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ هُوَ الْأَشْبَهُ، ثُمَّ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ أَيْضًا كَمَا فِي مُتَعَلَّقِهِ الَّذِي هُوَ جَوَازُ الْبَيْعِ لَا فِي نَفْسِ مُتَعَلَّقِهِ فَقَطْ فَيَتَّجِهُ مَا فِي الْجَامِعِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الثَّانِي هُوَ الَّذِي يَقَعُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ أَعْنِي الْأَوَّلَ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْكَشْفِ وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ. (تَنْبِيهٌ) ، ثُمَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَحَيْثُ كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا لِأَحَدِهِمْ كَمَا عَلَيْهِ الْحَالُ الْآنَ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ بَلْ دَائِمًا يُفَوَّضُ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لِيَقْضِيَ عَلَى مَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ الَّذِي هُوَ أَحَدُهُمْ نَقْلًا أَوْ تَخْرِيجًا فَلَوْ وَقَعَ قَضَاءُ قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الزَّمَانِ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يَنْفُذُ، وَإِنْ نَفَّذَهُ ذُو عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِ مُقَلِّدَيْهِمْ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (لَنَا) عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ (الْأَدِلَّةُ) الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ لَهُ (لَا نَفْصِلُ) بَيْنَ مَا سَبَقَهُ خِلَافٌ أَوْ لَا فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى إطْلَاقِهَا (قَالُوا) أَيْ الشَّارِطُونَ (لَا يَنْتَفِي الْقَوْلُ بِمَوْتِ قَائِلِهِ حَتَّى جَازَ تَقْلِيدُهُ) أَيْ قَائِلِهِ (وَالْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا يُدَوَّنُ وَيُحَفَّظُ (فَكَانَ) قَوْلُهُ (مُعْتَبَرًا حَالَ اتِّفَاقِ اللَّاحِقِينَ فَلَمْ يَكُونُوا) أَيْ اللَّاحِقُونَ (كُلَّ الْأُمَّةِ) فَلَا إجْمَاعَ (قُلْنَا جَوَازُ ذَلِكَ) أَيْ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ وَالْعَمَلِ بِقَوْلِهِ (مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ بَلْ) جَوَازُهُ (مَا لَمْ يُجْمَعُ عَلَى) الْقَوْلِ (الْآخَرِ) الْمُقَابِلِ لَهُ أَمَّا إذَا أُجْمِعَ عَلَى الْآخَرِ (فَيَنْتَفِي اعْتِبَارُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقَوْلِ السَّابِقِ (لَا وُجُودُهُ كَمَا بِالنَّاسِخِ) فَإِنَّ النَّاسِخَ يَنْفِي اعْتِبَارَ الْمَنْسُوخِ لَا وُجُودَهُ فَلَا يَسُوغُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَقْلِيدُهُ وَالْعَمَلُ بِقَوْلِهِ بَلْ هَذَا مِنْ قَبِيلِ النَّسْخِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ وَلَكِنَّهُ نُسِخَ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ سَاقِطًا كَقِيَاسٍ نَزَلَ بَعْدَهُ نَصٌّ بِخِلَافِهِ يَكُونُ مَنْسُوخًا سَاقِطًا انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ كَشْفِهِ أَيْ لَمْ يَبْقَ مُعْتَبَرًا مَعْمُولًا بِهِ بَعْدَ مَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ كَنَصٍّ نَزَلَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ يُخْرِجُ الْقِيَاسَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا بِهِ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَمَا هُوَ شَأْنُ النَّاسِخِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ النَّوَاسِخِ نَعَمْ قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ بِوَفَاةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَتْ الْأَحْكَامُ عَنْ احْتِمَالِ النَّسْخِ لِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ الَّذِي تَوَقَّفَ النَّسْخُ عَلَيْهِ بِوَفَاتِهِ بَلْ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ بِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا بَلْ كَانَ شُبْهَةً؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَا يَظْهَرُ خَطَؤُهُ أَيْضًا بَلْ يَتَقَرَّرُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَأَمَّا الشُّبْهَةُ فَتَزُولُ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْبُطْلَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ شُبْهَةٌ لَكِنْ قَالَ فِي الْكَشْفِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعِيَّةُ النَّسْخِ بِالْوَحْيِ وَبَقِيَتْ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ فِي زَمَانِهِ عَلَى مَا كَانَتْ فَأَمَّا الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ بَعْدَ الرَّسُولِ فَيَجُوزُ أَنْ تُنْسَخَ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي فَخْرَ الْإِسْلَامِ بِأَنْ يُوَفِّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمٍ بِإِجْمَاعٍ أَوْ بِاجْتِهَادِ أَهْلِ عَصْرٍ آخَرَ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى خِلَافِهِ بِنَاءً عَلَى اجْتِهَادٍ سَنَحَ لَهُمْ عَلَى خِلَافِ اجْتِهَادِ أَهْلِ الْعَصْرِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَكُونُ هَذَا بَيَانًا لِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي النُّصُوصِ وَلَا يُقَالُ هَذَا غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي مَعْرِفَةِ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ انْتِهَاءَ مُدَّةِ الْحُكْمِ بِآرَائِهِمْ بَلْ نَقُولُ لَمَّا انْتَهَى ذَلِكَ الْحُكْمُ بِانْتِهَاءِ الْمَصْلَحَةِ وَفَّقَهُمْ اللَّهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى خِلَافِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَبَدَّلَ بِتَبَدُّلِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفُوا عِنْدَ الِاتِّفَاقِ تَبَدُّلَ الْمَصْلَحَةِ وَمُدَّةَ الْحُكْمِ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ مُلَخَّصًا وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ النَّسْخِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْلِيلِ الْفِرْقَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِمْ فِي الدَّلِيلِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوهُ مَقْرُونًا

بِشَرَائِطِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهُمْ وُقُوعًا وَمِنْ مُنَاظَرَتِهِمْ تَقْرِيرًا بِخِلَافِ هَذَا التَّوْجِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نِسْبَتُهُمْ إلَى تَضْلِيلٍ لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِي الدَّلِيلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا الْجَوَابِ (يَبْطُلُ قَوْلُهُمْ) أَيْ الشَّارِطِينَ (يُوجِبُ) عَدَمُ اعْتِبَارِ قَوْلِ الْمَيِّتِ الْمُخَالِفِ (تَضْلِيلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ) فَإِنَّهُ كَثِيرٌ مَا اتَّفَقَ لَهُمْ خِلَافٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَسَائِلَ وَحَيْثُ يَصِحُّ وُجُودُ الْإِجْمَاعِ لِمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْقَوْلُ الْآخَرُ مَانِعًا مِنْ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْقَوْلِ الْآخَرِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَمُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ تُوجِبُ التَّضْلِيلَ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْحَقِّيَّةَ فِيمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] وَبَيَانُ بُطْلَانِ هَذَا اللَّازِمِ ظَاهِرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ صَاحِبِ الْقَوْلِ الْآخَرِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ مَمْنُوعٌ إذْ لَا وُجُودَ لِلْإِجْمَاعِ فِي حَيَاتِهِ وَالْمُخَالَفَةُ فَرْعُ الْوُجُودِ بَلْ غَايَتُهُ أَنَّ رَأْيَهُ كَانَ حُجَّةً قَبْلَ حُدُوثِ الْإِجْمَاعِ فَإِذَا حَدَثَ انْقَطَعَ كَوْنُهُ حُجَّةً مُقْتَصِرًا عَلَى الْحَالِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ تَضْلِيلِ الْمُجْتَهِدِ الْمُزَاحِمِ لِمُجْتَهِدِينَ اتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ فَمَا ظَنُّك بِالْمُجْتَهِدِ الْمُتَقَدِّمِ. نَعَمْ غَايَةُ مَا يَقْتَضِي هَذَا الْإِجْمَاعُ ظُهُورَ خَطَأِ الْمُخَالِفِ لِمَا حَدَثَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، ثُمَّ لَا ضَيْرَ فِيهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَلُومٍ وَلَا مَأْزُورٍ بَلْ مَعْذُورٌ وَمَأْجُورٌ، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ تَضْلِيلُ كُلِّ الصَّحَابَةِ أَوْ كُلِّ الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ إصَابَةَ الْحَقِّ لَا تَعْدُوهُمْ (وَبِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ) الْمَذْكُورِ (بَطَلَ مَا عَنْ الْأَشْعَرِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْغَزَالِيِّ وَشَيْخِهِ) إمَامِ الْحَرَمَيْنِ (مِنْ إحَالَةِ الْعَادَةِ إيَّاهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ (لِقَضَائِهَا) أَيْ الْعَادَةِ (بِالْإِصْرَارِ عَلَى الْمُعْتَقَدَاتِ وَخُصُوصًا مِنْ الِاتِّبَاعِ) لِأَرْبَابِهَا فَلَا يُمْكِنُ اتِّفَاقُهُمْ وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْوُقُوعَ دَلِيلُ الْجَوَازِ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ وُجُودُ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ) أَيْ قَضَاءَهَا بِإِحَالَةِ وُقُوعِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا (مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ) أَنْفُسِهِمْ (لَا) وُقُوعِهِ (مِمَّنْ بَعْدَهُمْ) وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي وُقُوعِهِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ أَيْضًا غَيْرَ مُسَلِّمٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُخْتَلِفِينَ إذْ قَدْ يَخْفَى الصَّوَابُ لِلْمُجْتَهِدِ فِي وَقْتٍ وَيَظْهَرُ لَهُ فِي آخَرَ، وَبَعِيدٌ مِنْ الْمُتَدَيِّنِ الْإِصْرَارُ عَلَى الْخَطَأِ بَعْدَ ظُهُورِ الصَّوَابِ لَهُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ إظْهَارُ بُطْلَانِ الِاسْتِحَالَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ ذَكَرَهُ لِذَلِكَ (وَمَا عَنْ الْمُجَوِّزِينَ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ) أَيْ وَبَطَلَ أَيْضًا مَا عَنْ بَعْضِ الْمُجَوِّزِينَ لِانْعِقَادِهِ وَحُجِّيَّتِهِ لَوْ انْعَقَدَ مِنْ نَفْيِ وُقُوعِهِ عَادَةً إذْ هُوَ وَاقِعٌ كَالْإِجْمَاعِ لِمَذْكُورٍ، ثُمَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُخْبِرِينَ طَائِفَتَانِ طَائِفَةٌ قَائِلَةٌ بِالْجَوَازِ وَالْوُقُوعِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ وَطَائِفَةٌ قَائِلَةٌ بِالْجَوَازِ لَا الْوُقُوعِ. (قَوْلُهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِامْتِنَاعِ الْوُقُوعِ فِي الْوُقُوعِ (تَعَارُضُ الْإِجْمَاعَيْنِ الْقَطْعِيَّيْنِ) الْأَوَّلِ (عَلَى تَسْوِيغِ الْقَوْلِ بِكُلٍّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ (وَ) الثَّانِي (عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ مَنْعِ تَسْوِيغِ الْقَوْلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَتَعَارُضُهُمَا مُحَالٌ عَادَةً (قُلْنَا) تَعَارُضُهُمَا مَمْنُوعٌ إذْ (التَّسْوِيغُ) أَيْ تَسْوِيغُ الْقَوْلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا وُجُوبًا) وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَيَّدٍ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ التَّسْوِيغُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ بِمَا إذَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَى أَحَدِهِمَا (لِأَدِلَّةِ الِاعْتِبَارِ) لِلْإِجْمَاعِ الْمَسْبُوقِ بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ أَيْ حُجِّيَّتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا (أَمَّا إجْمَاعُهُمْ) أَيْ الْمُخْتَلِفِينَ أَنْفُسِهِمْ (بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ) الْمُسْتَقِرِّ (عَلَى أَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ) أَيْ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا تَقَدَّمَ جَوَابًا وَاسْتِدْلَالًا فَمَنَعَهُ الْآمِدِيُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ اسْتِقْرَارَ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ يَتَضَمَّنُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْ شِقَّيْ الْخِلَافِ بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ فَيَمْتَنِعُ اتِّفَاقُهُمْ بَعْدُ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ، وَجَوَّزَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ مُطْلَقًا وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ لِأَدِلَّةِ الِاعْتِبَارِ، وَتَضَمُّنُ اسْتِقْرَارِ خِلَافِهِمْ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْ شِقَّيْ الْخِلَافِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُمْ فِي الِاخْتِلَافِ قَاطِعًا فَلَا يَجُوزُ حَذَرًا مِنْ إلْغَاءِ الْقَاطِعِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ إجْمَاعُهُمْ (حُجَّةً) فِي هَذِهِ (أَظْهَرُ) مِنْ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ فِي الْأُولَى (إذْ لَا قَوْلَ لِغَيْرِهِمْ مُخَالِفٌ لَهُمْ) فِي هَذِهِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُخَالِفِينَ مِنْهُمْ أَوَّلًا (بَعْدَ الرُّجُوعِ) عَنْهُ ثَانِيًا إلَى قَوْلِ الْبَاقِينَ (لَمْ يَبْقَ مُعْتَبَرًا) حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ الْعَمَلُ بِهِ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَنْهُ

مسألة لا يشترط في حجيته أي الإجماع عدد التواتر

(فَهُوَ) أَيْ الْقَوْلُ الَّذِي اسْتَمَرَّ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ وَرَجَعَ الْبَاقُونَ إلَيْهِ (اتِّفَاقُ كُلِّ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ مَا) أَيْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي (قَبْلَهَا) فَإِنَّ الْقَوْلَ الَّذِي انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ (يُعْتَبَرُ فَهُمْ) أَيْ الْمُجْمِعُونَ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْعَصْرِ الَّذِي بَعْدَهُ (كَبَعْضِ الْأُمَّةِ) فَإِنْ قِيلَ إنْ أَرَدْتُمْ يُعْتَبَرُ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخَالِفِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُقَلِّدٌ فَمُسَلَّمٌ، وَكَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمُخْتَلِفِينَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى مُقَابِلِهِ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مُقَابِلِهِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا فِي هَذِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِجْمَاعَيْنِ فِي الْحُجَّةِ ظُهُورًا وَأَظْهَرِيَّةً قُلْنَا نَخْتَارُ الثَّانِيَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مُقَابِلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا كَمَا فِي هَذِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَسْبُوقِ بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ مِنْ غَيْرِ الْمُجْمِعِينَ بِخِلَافِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ مَسْأَلَةِ إنْكَارِ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَسْبُوقِ بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ مِنْ الْمُجْمِعِينَ فَظَهَرَ وَجْهُ الْأَظْهَرِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِمَزِيدِ الْقُوَّةِ فِيهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) ، ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ أَمَّا عَلَى اشْتِرَاطِهِ فَجَائِزٌ وُقُوعُهُ وَيَكُونُ حُجَّةً إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُوهِمُ تَعَارُضِ الْإِجْمَاعَيْنِ وَلِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ إجْمَاعِهِمْ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَإِذَا جَازَ الرُّجُوعُ فِي الْوَاحِدِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَفِي الْمُخْتَلِفِ فِيهِ أَوْلَى وَالشَّرْطُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ إنْ رَجَعَ الْجَمِيعُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْقَرِضَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَإِنْ مَاتَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْبَاقِينَ إجْمَاعًا؟ فَاخْتَارَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالصَّفِّيُّ الْهِنْدِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا لَا بِالْمَوْتِ وَالْكُفْرِ بَلْ لِكَوْنِهِ قَوْلَ كُلِّ الْأُمَّةِ وَصَحَّحَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ فَالْبَاقُونَ بَعْضُ الْأُمَّةِ لَا كُلُّهَا وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ الرَّاجِحُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِيهِ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ إنْ لَمْ يُسَوِّغُوا فِيهِ الِاخْتِلَافَ صَارَ حُجَّةً؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُتَمَسِّكَةَ بِالْحَقِّ لَا يَخْلُو مِنْهَا زَمَانٌ وَقَدْ شَهِدَتْ بِبُطْلَانِ قَوْلِ الْمَنْقُوضَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا حَقًّا، وَإِنْ سَوَّغُوا فِيهِ الِاجْتِهَادَ لَمْ يَصِرْ إجْمَاعًا لِإِجْمَاعِ الطَّائِفِينَ عَلَى تَسْوِيغِ الْخِلَافِ، وَهَذَا مِنْ قَائِلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الْخِلَافِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ إذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ، وَأَمَّا إجْمَاعُهُمْ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ خِلَافِهِمْ فَإِجْمَاعٌ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ] (مَسْأَلَةٌ) مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ بَرْهَانٍ عَلَى أَنَّهُ (لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (عَدَدُ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ) الدَّلِيلَ (السَّمْعِيَّ) لِحُجِّيَّتِهِ (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ بَلْ يَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِمْ كُلَّ الْأُمَّةِ (وَالْعَقْلِيُّ) لِحُجِّيَّتِهِ (وَهُوَ أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (لَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ لَمْ يَحْصُلْ) الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَحْكُمُ بِأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْقَطْعِ فِي شَرْعِيٍّ بِمُجَرَّدِ تَوَاطُؤٍ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ بَلْ لَا يَكُونُ قَطْعُهُمْ إلَّا عَنْ نَصٍّ قَاطِعٍ بَلَغَهُمْ فِيهِ يُوجِبُ ذَلِكَ الْحُكْمَ (لَمْ يَصِحَّ) مُثْبَتًا لِاشْتِرَاطِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فِي حُجِّيَّتِهِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي، وَأَمَّا مَنْ اسْتَدَلَّ بِالْعَقْلِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا عَنْ قَاطِعٍ لَمَا حَصَلَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَدِ التَّوَاتُرِ فَإِنَّ انْتِفَاءَ حُكْمِ الْعَادَةِ فِي غَيْرِهِ ظَاهِرٌ اهـ. غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ هُوَ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فِي انْتِهَاضِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ دُونَ انْتِهَاضِهِ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ (وَإِذَنْ) أَيْ وَإِذْ لَا يُشْتَرَطُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ فِي الْمُجْمِعِينَ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (لَا إشْكَالَ فِي تَحَقُّقِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (لَوْ لَمْ يَكُنْ) ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ (لَا) اتِّفَاقَ (اثْنَيْنِ) عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فِي عَصْرٍ إذَا انْفَرَدَا فِيهِ كَأَنَّهُ لِوُجُودِ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ لُغَةً الِاتِّفَاقُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ اثْنَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ فِي صَدْرِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا أَيْضًا فَفِي التَّحْقِيقِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّ أَقَلَّ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَأَقَلَّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ عِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَاتَّفَقُوا قَوْلًا أَوْ فَتْوًى مِنْ الْبَعْضِ مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ (فَلَوْ اتَّحَدَ) أَيْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَصْرِ إلَّا مُجْتَهِدٌ وَاحِدٌ (فَقِيلَ) قَوْلُهُ (حُجَّةٌ)

مسألة ولا يشترط في حجيته أي الإجماع مع كون المجمعين أكثر مجتهدي ذلك العصر

جَزَمَ بِهِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَنَقَلَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ (لِتَضَمُّنِ السَّمْعِيِّ) السَّابِقِ فِي بَيَانِ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (عَدَمَ خُرُوجِ الْحَقِّ عَنْ الْأُمَّةِ) مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120] فَيَدْخُلُ تَحْتَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً (وَقِيلَ لَا) يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً (لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ عَنْهُ الْخَطَأُ الِاجْتِمَاعُ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَسَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ) حَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ الْإِجْمَاعَ (وَهُوَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (مُنْتَفٍ) فِي الْوَاحِدِ إذْ لَيْسَ لَهُ اجْتِمَاعٌ وَلَيْسَ هُوَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَنَصَّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ الْأَظْهَرُ وَالسُّبْكِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَإِطْلَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ مَجَازٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ إطْلَاقَهَا عَلَى الْجَمَاعَةِ حَقِيقَةٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِكَابِ الْمَجَازِ فِي حَقِّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتَعْظِيمِهِ ارْتِكَابَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْ بِمَعْنَى الْمُقْتَدَى فَهِيَ فُعْلَةٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالرِّحْلَةِ وَالنُّخْبَةِ، مِنْ أَمَّهُ إذَا قَصَدَهُ وَاقْتَدَى بِهِ فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَأُمُّونَهُ لِلِاسْتِفَادَةِ وَيَقْتَدُونَ بِسِيرَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] وَكُنْت عَرَضْت عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِذِكْرِهِ لَهُ آخِرًا مَعَ عَدَمِ تَعَقُّبِهِ فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ مَعَ دَلَائِلِهَا مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى اخْتِيَارِ أَحَدِهَا وَلَا تَعَقُّبِ دَلِيلِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ هُوَ الْآخَرُ وَفِي حِكَايَتِهَا بِلَا دَلِيلٍ أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ الْأَوَّلَ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ أَنَّ غَيْرَهُ الْمُخْتَارُ. [مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ] (مَسْأَلَةٌ وَلَا) يُشْتَرَطُ (فِي حُجِّيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (مَعَ الْأَكْثَرِ) أَيْ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَالْأَوْضَحُ وَلَا فِي حُجِّيَّتِهِ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ (عَدَدُهُ) أَيْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ (فِي الْأَقَلِّ) الَّذِينَ لَمْ يُوَافِقُوا الْمُجْتَهِدِينَ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ يَبْلُغُونَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ (فَلَا) يَكُونُ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ حُجَّةً أَصْلًا أَيْ لَا يُفَصَّلُ هَذَا التَّفْصِيلُ مِنْ أَنَّهُ إنْ بَلَغَ الْأَقَلُّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ مَنَعَ خِلَافُهُمْ انْعِقَادَ إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ لَمْ يَمْنَعْ كَمَا هُوَ مَعْزُوٌّ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ الَّذِي يَصِحُّ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ (وَمُطْلَقًا) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ كَوْنُ الْأَقَلِّ عَدَدًا مَخْصُوصًا كَعَدَدِ التَّوَاتُرِ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ حُجَّةٌ مُطْلَقًا كَمَا عَزَاهُ فِي الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ (لِابْنِ جَرِيرٍ) وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ (وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ) أَيْ أَبِي الْحُسَيْنِ الْحَنَّاطِ أُسْتَاذِ الْكَعْبِيِّ كَمَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ (وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ) أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ (وَقَالَ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (الْجُرْجَانِيُّ وَالرَّازِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ أَيْضًا (أَنْ سَوَّغَ الْأَكْثَرُ اجْتِهَادَ الْأَقَلِّ كَخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ) أَيْ فِي قِتَالِهِمْ (فَلَا) يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ خِلَافِهِ (بِخِلَافِ) مَنْ لَمْ يُسَوِّغْ الْأَكْثَرُ اجْتِهَادَهُ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ خِلَافِهِ وَلَكِنْ يَكُونُ حُجَّةً ظَنِّيَّةً كَخِلَافِ (أَبِي مُوسَى) الْأَشْعَرِيِّ (فِي نَقْضِ النَّوْمِ) حَيْثُ لَا يَنْقُضُ كَمَا أَخْرَجَ مَعْنَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَنَقَلَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا وَصَحَّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُسَيِّبِ قُلْت وَلَفْظُ السَّرَخْسِيِّ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا خَالَفَ الْجَمَاعَةَ فَإِنْ سَوَّغُوا لَهُ ذَلِكَ الِاجْتِهَادَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ بِدُونِ قَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ خِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلصَّحَابَةِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يُسَوِّغُوا لَهُ الِاجْتِهَادَ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ بِدُونِ قَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حِلِّ التَّفَاضُلِ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُسَوِّغُوا لَهُ هَذَا الِاجْتِهَادَ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ فَكَانَ الْإِجْمَاعُ ثَابِتًا بِدُونِ قَوْلِهِ. وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْإِمْلَاءِ لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ اهـ فَجَعَلَ الْمَسْأَلَةَ مَوْضُوعَةً فِي خِلَافِ الْوَاحِدِ لَا غَيْرُ وَاَلَّذِي فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مِقْدَارِ مَنْ يُعْتَبَرُ إجْمَاعُهُ فَقَائِلُونَ جَمَاعَةٌ يَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُخْبِرُوا عَنْ اعْتِقَادِهِمْ فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُمْ مُشْتَمِلًا عَلَى صِدْقِ فَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلٍ ثُمَّ خَالَفَهُمْ الْعَدَدُ الْقَلِيلُ الَّذِي يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِمْ أَنْ يُظْهِرُوا خِلَافَ مَا يَعْتَقِدُونَ وَلَا يُعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ خَبَرَهُمْ فِيمَا يُظْهِرُونَهُ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ مُشْتَمِلٌ عَلَى صِدْقٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِمْ إذَا

أَظْهَرَتْ الْجَمَاعَةُ إنْكَارَ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يُسَوِّغُوا لَهُمْ خِلَافًا، وَإِنْ سَوَّغَتْ الْجَمَاعَةُ لِلنَّفَرِ الْيَسِيرِ خِلَافَهُمْ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ لَمْ يَكُنْ مَا قَالَتْ بِهِ الْجَمَاعَةُ إجْمَاعًا، وَإِنْ خَالَفَ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ جَمَاعَةٌ مِثْلُهَا فِي الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنْكَرَ بَعْضٌ عَلَى بَعْضٍ مَا قَالَهُ أَوْ لَمْ يُنْكِرْهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بِقَوْلِ إحْدَى الْجَمَاعَتَيْنِ إجْمَاعٌ إذَا لَمْ يَثْبُتْ ضَلَالُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عِنْدَنَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَقَالَ آخَرُونَ إذَا خَالَفَ عَلَى الْجَمَاعَةِ الَّتِي وَصَفْتُمْ حَالَهَا الْعَدَدُ الْيَسِيرُ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا كَانَ خِلَافُهُ عَلَيْهَا خِلَافًا صَحِيحًا وَلَمْ يَثْبُتْ مَعَ خِلَافِهِ إجْمَاعٌ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ يَحْكِي عَنْ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَسَاقَ وَجْهَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ دَلَالَةً مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ فِي إثْبَاتِ خِلَافِ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأُمَّةُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَكُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ الْكَثْرَةِ فِي حَدٍّ يَنْعَقِدُ بِمِثْلِهَا الْإِجْمَاعُ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهَا مِثْلُهَا فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَبِرُ إجْمَاعَ الْأَكْثَرِ وَهُمْ الْحَشْوِيَّةُ وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ إجْمَاعٌ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا يُوجِبُهُ الدَّلِيلُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْقَلِيلِ إذَا كَانُوا عَلَى حَدٍّ مَتَى أَخْبَرُوا عَنْ اعْتِقَادِهِمْ لِلْحَقِّ وَظَهَرَتْ عَدَالَتُهُمْ وَوَقَعَ الْعِلْمُ بِاشْتِمَالِ خَبَرِهِمْ عَلَى صِدْقٍ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ فَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عَلَى الْقَلِيلِ وَمَدَحَهُمْ وَذَمَّ الْكَثِيرَ فَقَالَ تَعَالَى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ} [هود: 40] {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود: 116] {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إذَا أَفْسَدَ النَّاسُ» وَقَالَ «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ ارْتَدَّ أَكْثَرُ النَّاسِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنَعُوا الصَّدَقَةَ وَكَانَ الْمُحِقُّونَ الْأَقَلَّ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَكَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى الْقَوْلِ بِإِمَامَةِ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ وَأَشْبَاهِهِمَا مِنْ مُلُوكِ بَنِي مَرْوَانَ وَالْأَقَلُّ كَانُوا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الْأَقَلِّ لَا الْأَكْثَرِ فَبَطَلَ اعْتِبَارُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ. فَإِنْ قِيلَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ» وَقَالَ «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ» وَقَالَ «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ اعْتِبَارِ إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ قِيلَ لَهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا جَمَاعَةٌ فَلِمَ اعْتَبَرْت الْأَكْثَرَ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْخَبَرِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ يَعْنِي إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى شَيْءٍ وَخَالَفَهَا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهَا وَلَزِمَ اتِّبَاعُ الْجَمَاعَةِ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ فَأَخْبَرَ أَنَّ لُزُومَ الْجَمَاعَةِ إنَّمَا يَجِبُ إذَا لَمْ يُخَالِفْهَا إلَّا الْوَاحِدُ وَالْعَدَدُ الْيَسِيرُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» مَعْنَاهُ مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فِي أُصُولِ اعْتِقَادَاتِهَا فَلَا تَنْقُضُوهُ وَتَصِيرُوا إلَى خِلَافِهِ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِقَوْلٍ بَاطِلٍ فَقَدْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ وَالسَّوَادَ الْأَعْظَمَ إمَّا فِي جُمْلَةِ اعْتِقَادِهَا أَوْ تَفْصِيلِهِ اهـ مَعَ بَعْضِ تَلْخِيصٍ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهِ خِلَافٌ وَتُعُقِّبَ كَمَا سَيُعْلَمُ فَهُوَ خِلَافُ مَا نَسَبَهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ الْأَكْثَرِ حُجَّةٌ مُطْلَقًا، وَصَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْأَكْثَرَ إنْ سَوَّغَ اجْتِهَادَ الْأَقَلِّ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ مَعَ خِلَافِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَوِّغُوهُ انْعَقَدَ مَعَ خِلَافِهِ هَذَا وَنَقَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ مِنْ أَنَّهُ إنْ خَالَفَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَلَا وَنَقَلَ سُلَيْمُ الرَّازِيّ عَنْهُ إنْ خَالَفَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَالْمُخْتَارُ لَيْسَ) إجْمَاعَ الْأَكْثَرِ (إجْمَاعًا) أَصْلًا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً قَطْعِيَّةً وَلَا ظَنِّيَّةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ بَلْ وَلَا دَلِيلٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ الْأَئِمَّةِ (وَ) الْمُخْتَارُ (لِبَعْضِهِمْ) وَكَأَنَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (لَيْسَ إجْمَاعًا لَكِنْ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إصَابَتُهُمْ) أَيْ الْأَكْثَرِ (خُصُوصًا مَعَ عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَالسَّوَادُ الْأَعْظَمُ هُوَ الْأَكْثَرُ (وَأَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ إجْمَاعًا (فَانْفِرَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْعَوْلِ) أَيْ إنْكَارُهُ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ فَلَا يَقْدَحُ ذَهَابُ عَطَاءٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبَاقِرِ

مسألة ولا يشترط في حجية الإجماع عدالة المجتهد

وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِ إلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَاخْتَارَهُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ فِي جَوَازِ أَدَاءِ الصَّوْمِ) أَيْ إنْكَارِ صِحَّةِ أَدَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ (فِي السَّفَرِ) كَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ حُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إنْ صَامَ فِي السَّفَرِ فَكَأَنَّهُ أَفْطَرَ فِي الْحَضَرِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِيهِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ (عَدُّوهُ) أَيْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انْفِرَادَ هَؤُلَاءِ بِالْمَنْعِ مَعَ ذَهَابِ الْأَكْثَرِ إلَى عَدَمِهِ (خِلَافًا لَا إجْمَاعًا) وَلَوْ كَانَ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ إجْمَاعًا لَعَدُّوا قَوْلَ الْأَكْثَرِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ إجْمَاعًا (وَأَيْضًا فَالْأَدِلَّةُ إنَّمَا تُوجِبُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (فِي الْأُمَّةِ) أَيْ حُجِّيَّةُ إجْمَاعِهِمْ (غَيْرُ مَعْقُولٍ لُزُومُ إصَابَتِهِمْ) فَمَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ مُخَالِفًا لَهُمْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَمَا ثَبَتَ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى يَجِبُ رِعَايَةُ جَمِيعِ أَوْصَافِ النَّصِّ فِيهِ وَالنَّصُّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ (أَوْ) مَعْقُولَ الْمَعْنَى لَزِمَ إصَابَتُهُمْ (إكْرَامًا لَهُمْ) وَالْأَكْثَرُ لَيْسُوا كُلَّ الْأُمَّةِ (وَاسْتِدْلَالُ الْمُكْتَفِي بِالْأَكْثَرِ) فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ لَهُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ» مُفَادُهُ مَنْعُ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ) إلَى عَدَمِهَا (مِنْ شَذَّ الْبَعِيرُ) وَنَدَّ إذَا تَوَحَّشَ بَعْدَ مَا كَانَ أَهْلِيًّا فَالشَّاذُّ مَنْ خَالَفَ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ لَا مَنْ لَمْ يُوَافِقْ ابْتِدَاءً فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُوَافِقْ ابْتِدَاءً لَا عِبْرَةَ بِعَدَمِ وِفَاقِهِ فَإِذَنْ (فَالْجَمَاعَةُ الْكُلُّ، وَكَذَا السَّوَادُ الْأَعْظَمُ) الْمُرَادُ مِنْ مُتَابَعَتِهِ مُتَابَعَةُ الْأَكْثَرِ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِجْمَاعُ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ، ثُمَّ خَالَفَ الْبَعْضُ لِشُبْهَةٍ اعْتَرَضَتْ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالسَّوَادُ الْأَعْظَمُ الْكُلُّ إذْ هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا دُونَهُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ كُلِّهَا (وَبِاعْتِمَادِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ) أَيْ وَاسْتِدْلَالِ الْمُكْتَفِي بِالْأَكْثَرِ بِاعْتِمَادِ الْأُمَّةِ عَلَى إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ (فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ خِلَافِ عَلِيٍّ وَ) سَعْدِ (بْنِ عُبَادَةَ وَسَلْمَانَ فَلَمْ يَعْتَدُّوهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةُ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ اعْتِدَادِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافَتِهِ إنَّمَا هُوَ (بَعْدَ رُجُوعِهِمْ) أَيْ هَؤُلَاءِ إلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ؛ لِأَنَّ بِرُجُوعِهِمْ تَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافَتِهِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ رُجُوعِهِمْ خِلَافَتُهُ (صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِي الِانْعِقَادِ) أَيْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ (بِبَيْعَةِ الْأَكْثَرِ) إذْ هِيَ كَافِيَةٌ فِي انْعِقَادِهَا بَلْ هِيَ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ كَافِيَةٌ (لَا) أَنَّ خِلَافَتَهُ (مُجْمَعٌ عَلَيْهَا) وَقْتَئِذٍ فَلَمْ يَتِمَّ دَعْوَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَنْعَقِدُ بِالْأَكْثَرِ، ثُمَّ بَقِيَ مَا وَجْهُ قَائِلٍ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْأَقَلُّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ يَكُونُ حُجَّةً قَطْعِيَّةً، وَإِنْ بَلَغَ لَا يَكُونُ حُجَّةً أَصْلًا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا أَفَادَنِيهِ الْمُصَنِّفُ إمْلَاءً وَهُوَ أَنَّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْقَطْعُ فَلَوْ كَانَ مُخَالِفَهُ إجْمَاعًا لَوَقَعَ الْقَطْعُ بِالنَّقِيضَيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ أَهْلُ التَّوَاتُرِ مُسْتَنِدِينَ فِيهِ إلَى الْحِسِّ لَا مَا قَالُوهُ عَنْ رَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قُلْت ثُمَّ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفِيدَ الظَّنُّ وَلَا يَلْزَمَ مِنْهُ الْقَطْعُ بِالنَّقِيضَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ] (مَسْأَلَةٌ وَلَا) يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ فِي) الْقَوْلِ (الْمُخْتَارِ لِلْآمِدِيِّ) وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْمَنْخُولِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمُجْتَهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْعَدْلِ (لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ) الْمُفِيدَةَ لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (لَا تُوقِفُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى عَدَالَتِهِ (وَالْحَنَفِيَّةُ تَشْتَرِطُ) عَدَالَةَ الْمُجْتَهِدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمُجْتَهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْجَصَّاصُ وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَعَزَاهُ السَّرَخْسِيُّ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ وَابْنُ بَرْهَانٍ إلَى كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَصَاحِبُ كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَالسُّبْكِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ (لِأَنَّ الدَّلِيلَ) الدَّالَّ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (يَتَضَمَّنُهَا) أَيْ الْعَدَالَةَ (إذْ الْحُجِّيَّةُ) الثَّابِتَةُ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ إنَّمَا هِيَ (لِلتَّكْرِيمِ) لَهُمْ وَمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْرِيمِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِهَا لَهُمْ بِمَعْنًى مَعْقُولٍ (وَلِوُجُوبِ التَّوَقُّفِ فِي إخْبَارِهِ) أَيْ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] الْآيَةَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَامَى الْكَذِبُ غَالِبًا وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ

وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ فِي الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُظْهِرٍ لَهُ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ فِي الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ عُلِمَ فِسْقُهُ حَتَّى تُرَدُّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهَذَا عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لِلشَّهَادَةِ أَصْلًا وَلَا عَنْ الْأَهْلِيَّة لِلْكَرَامَةِ بِسَبَبِ الدِّينِ أَلَا يَرَى أَنَّا نَقْطَعُ الْقَوْلَ لِمَنْ يَمُوتُ مُؤْمِنًا مُصِرًّا عَلَى فِسْقِهِ أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ فَإِذَا كَانَ أَهْلًا لِلْكَرَامَةِ بِالْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ فَكَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ فِي الْإِجْمَاعِ (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ (يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ) أَيْ غَيْرِ الْعَدْلِ (فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ كَإِقْرَارِهِ) أَيْ كَمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِالْمَالِ وَالْجِنَايَاتِ فَيَكُونُ إجْمَاعُ الْعُدُولِ حُجَّةً عَلَيْهِ إنْ وَافَقَهُمْ لَا إذَا خَالَفَهُمْ وَعَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا (وَيُدْفَعُ) هَذَا الْقَوْلُ نَظَرًا إلَى هَذَا الْقِيَاسِ (بِأَنَّهُ) أَيْ إقْرَارَهُ مُعْتَبَرٌ مِنْهُ (فِيمَا عَلَيْهِ وَهَذَا) أَيْ وَاعْتِبَارُ قَوْلِهِ هُنَا (لَهُ) لَا عَلَيْهِ (إذْ يَنْتَفِي) بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ (حُجِّيَّتُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ فَيَحْصُلُ لَهُ شَرَفُ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَالِاعْتِبَارِ بِمَقَالِهِ فَانْتَفَتْ صِحَّةُ الْقِيَاسِ عَلَى اعْتِبَارِ إقْرَارِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّهُ إذَا خَالَفَ يُسْأَلُ عَنْ مَأْخَذِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْمِلَهُ فِسْقُهُ عَلَى الْفُتْيَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَإِنْ ذَكَرَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَمَلًا اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ اشْتِرَاطُ عَدَالَةِ الْمُجْتَهِدِينَ (يُبْتَنَى شَرْطُ عَدَمِ الْبِدْعَةِ) فِيهِ أَيْضًا (إذَا لَمْ يَكْفُرْ بِهَا) أَيْ بِالْبِدْعَةِ (كَالْخَوَارِجِ) إلَّا الْغُلَاةَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْبِدَعِ الْجَلِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَبَاحِثِ الْخَبَرِ وَلَمْ يَكْفُرُوا بِبِدْعَتِهِمْ (وَالْحَنَفِيَّةُ) قَالُوا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ الْبِدْعَةِ (إذَا دَعَا إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَقَصِّيًا) وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ الْحَقِّ عِنْدَ ظُهُورِ الدَّلِيلِ بِنَاءً عَلَى مَيْلٍ إلَى جَانِبٍ (يُوجِبُ خِفَّةَ سَفِيهٍ فَيُتَّهَمُ) فِي أَمْرِ الدِّينِ فَإِنْ لَمْ يَدْعُ إلَيْهَا يَكُونُ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ بِدْعَتِهِ مُعْتَبَرًا فِي انْعِقَادِ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَلِذَا كَانَ مَقْبُولُهَا فِي الْأَحْكَامِ لَا فِي بِدْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُضَلِّلُ لِمُخَالَفَتِهِ نَصًّا مُوجِبًا لِلْعِلْمِ وَكُلُّ قَوْلٍ يُخَالِفُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَكَذَا إنْ كَفَرَ بِهَوَاهُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْأُمَّةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقًا، ثُمَّ هَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا عَلَى مَا فِي الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعُوهُ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِالْهَوَى وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُظْهِرٍ لَهُ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِيمَا يُضَلِّلُ فِيهِ وَيُعْتَبَرُ فِيمَا سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُظْهِرًا لَهُ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قُبِلَتْ بِهِ شَهَادَتُهُ لَا يُوجَدُ هُنَا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ عَلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْمٌ عَظَّمُوا الذُّنُوبَ حَتَّى جَعَلُوهَا كُفْرًا لَا يُتَّهَمُونَ بِالْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْتَمَنُونَ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمُوَافَقَةِ الضُّلَّالِ لِأَهْلِ الْحَقِّ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي هُوَ حُجَّةُ اللَّهِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ الَّذِينَ لَمْ يَثْبُتْ فِسْقُهُمْ وَلَا ضَلَالُهُمْ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَالْحَقُّ إطْلَاقُ مَنْعِ الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ لَهُمْ) فِي اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ صَيْرُورَةَ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ وَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَمُوَافِقُهُ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ وِفَاقُ الْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي الْفِقْهِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي الْكَلَامِ هَكَذَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَذَكَرَ أَبُو ثَوْرٍ أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ الْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَاسْتَقْرَاهُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَرْجُوحِيَّةُ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْكَذِبِ لَا أَنَّهُ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُ الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ مَانِعَةٌ مِنْ اعْتِبَارِ قَوْلِ صَاحِبِهَا (لَمْ يُعْتَبَرْ خِلَافُ الرَّوَافِضِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافَةِ الشُّيُوخِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ أَدْنَى حَالِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ فَسَقَةٌ (وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ اعْتِبَارِ خِلَافِ الرَّافِضَةِ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ (لِتَقَرُّرِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى خِلَافَتِهِمْ (قَبْلَهُمْ) أَيْ قَبْلَ وُجُودِ الرَّافِضَةِ (فَعَصَوْا) أَيْ الرَّافِضَةُ (بِهِ) أَيْ بِخِلَافِهِمْ لَهُ لَا أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ بِنَاءٌ عَلَى فِسْقِهِمْ (وَخِلَافُ الْخَوَارِجِ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (خِلَافُ الْحُجَّةِ) الَّتِي هِيَ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ (لَا)

مسألة ولا يشترط في حجية الإجماع القطعية كونهم أي المجمعين الصحابة

خِلَافُ (إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْمُخَالِفِينَ مُجْتَهِدٌ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ كَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُجْتَهِدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (إلَّا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُخَالِفِينَ كَمُعَاوِيَةَ وَابْنِ الْعَاصِ مُجْتَهِدٌ) فَإِنَّهُ يَكُونُ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ حِينَئِذٍ (وَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ هَذَا التَّعْقِيبُ (إبْطَالُ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ كَوْنُ عَدَمِ اعْتِبَارِ خِلَافِ الرَّافِضَةِ فِي خِلَافَةِ الشُّيُوخِ لِفِسْقِهِمْ (وَالْمَطْلُوبُ) أَيْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ فِسْقِ الْمُجْمِعِينَ (ثَابِتٌ بِالْأَوَّلِ) وَهُوَ أَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ يَتَضَمَّنُ الْعَدَالَةَ إذْ الْحُجِّيَّةُ لِلتَّكْرِيمِ وَمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْرِيمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُمْ أَيْ الْمُجْمِعِينَ الصَّحَابَةَ] (مَسْأَلَةٌ وَلَا) يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ (كَوْنُهُمْ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ (الصَّحَابَةَ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ) فَقَالُوا الْإِجْمَاعُ اللَّازِمُ يَخْتَصُّ بِعَصْرِ الصَّحَابَةِ فَأَمَّا إجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَلِأَحْمَدَ قَوْلَانِ) أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَالظَّاهِرِيَّةِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ لَا كَالْجُمْهُورِ (لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ) الْمُفِيدَةِ لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ إجْمَاعِ (مَنْ سِوَاهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ فَلَا مُوجِبَ لِتَخْصِيصِهَا بِإِجْمَاعِهِمْ (قَالُوا) أَيْ الظَّاهِرِيَّةُ أَوَّلًا انْعَقَدَ (إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ) قَبْلَ مَجِيءِ مَنْ بَعْدَهُمْ (عَلَى أَنَّ مَا لَا قَاطِعَ فِيهِ) مِنْ الْأَحْكَامِ (جَازَ) الِاجْتِهَادُ فِيهِ وَجَازَ (مَا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ) مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ أَيْ الْأَخْذُ بِهِ (فَلَوْ صَحَّ إجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (عَلَى بَعْضِهَا) أَيْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا (لَمْ يَجُزْ) أَيْ الِاجْتِهَادُ (فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ إجْمَاعًا وَلَا الْأَخْذُ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ (فَيَتَعَارَضُ الْإِجْمَاعَانِ) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ مَا لَا قَاطِعَ فِيهِ يَجُوزُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَإِجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ الْمُفِيدُ أَنَّ مَا لَا قَاطِعَ فِيهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ. (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الصَّحَابَةَ (أَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوطَةٍ) عَامَّةٍ (أَيْ) يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيمَا لَا قَاطِعَ فِيهِ (مَا دَامَ لَا قَاطِعَ فِيهِ) فَلَمْ يَتَنَاقَضْ الْإِجْمَاعَانِ؛ لِأَنَّ مَا لَا قَاطِعَ فِيهِ قَدْ زَالَ مِنْهُ الشَّرْطُ وَهُوَ مَا دَامَ لَا قَاطِعَ فِيهِ لِحُصُولِ الْقَاطِعِ فِيهِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الثَّانِي فَزَالَ الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ (قَالُوا) أَيْ الظَّاهِرِيَّةُ ثَانِيًا (لَوْ اُعْتُبِرَ) إجْمَاعُ غَيْرِ الصَّحَابَةِ (اُعْتُبِرَ) أَيْضًا إجْمَاعُ غَيْرِهِمْ (مَعَ مُخَالَفَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِيمَا إذَا سَبَقَ خِلَافٌ) مُسْتَقِرٌّ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ اعْتِبَارُهُ مَعَ عَدَمِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ فَلْيَجُزْ مَعَ مُوَافَقَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَمُخَالَفَةِ بَعْضِهِمْ وَلِأَنَّ مُخَالَفَةَ بَعْضِهِمْ لَا تَصْلُحُ مُعَارِضًا لِإِجْمَاعِ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الظَّنِّيَّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ وَاللَّازِمَ مُنْتَفٍ لِاشْتِرَاطِكُمْ عَدَمَ الْمُخَالَفَةِ. (الْجَوَابُ إنَّمَا يَلْزَمُ) هَذَا لَازِمًا لِهَذَا الْقَوْلِ مَعَ بُطْلَانِهِ (مِنْ شَرَطَ عَدَمِ سَبْقِ الْخِلَافِ الْمُتَقَرِّرِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ) فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ لِفَقْدِ الْإِجْمَاعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ لَكِنَّ هَذَا إذَا سُلِّمَ الْمُلَازَمَةُ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا (لَا) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ هَذَا لَازِمًا بَاطِلًا (مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) عَدَمَ سَبْقِ خِلَافٍ مُتَقَرِّرٍ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (أَوْ جَعَلَ الْوَاحِدَ) أَيْ خِلَافَهُ (مَانِعًا) مِنْ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِمَنْ سِوَاهُ بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُهُ هَذَا غَيْرَ قَائِلٍ بِبُطْلَانِهِ إذْ هُوَ يَمْنَعُ بُطْلَانَ اللَّازِمِ (وَيُعْتَبَرُ التَّابِعِيُّ الْمُجْتَهِدُ فِيهِمْ) أَيْ فِي الصَّحَابَةِ عِنْدَ انْعِقَادِ إجْمَاعِهِمْ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ (وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ) مِنْ التَّابِعِينَ (دَرَجَتَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (بَعْدَ انْعِقَادِ إجْمَاعِهِمْ فَاعْتِبَارُهُ) أَيْ ذَلِكَ فِيهِمْ (وَعَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ فِيهِمْ مَبْنِيٌّ (عَلَى اشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ) فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (وَعَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ فَمَنْ اشْتَرَطَهُ اعْتَبَرَهُ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لَمْ يَعْتَبِرْهُ قُلْت إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ فَائِدَةُ الِاشْتِرَاطِ جَوَازُ رُجُوعِ بَعْضِ الْمُجْمِعِينَ وَدُخُولِ مُجْتَهِدٍ يَحْدُثُ قَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ. أَمَّا مَنْ قَالَ فَائِدَتُهُ جَوَازُ الرُّجُوعِ لَا غَيْرُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتَبِرَهُ أَيْضًا (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ (لَا يُعْتَبَرُ) التَّابِعِيُّ فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا عِنْدَ انْعِقَادِ إجْمَاعِهِمْ أَوْ بَعْدَهُ (لَنَا) عَلَى اعْتِبَارِ التَّابِعِيِّ الْمُجْتَهِدِ فِيهِمْ (لَيْسُوا) أَيْ الصَّحَابَةُ (كُلَّ الْأُمَّةِ دُونَهُ) أَيْ التَّابِعِيِّ الْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُمْ إلَّا فِي رِوَايَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ

مسألة ولا ينعقد الإجماع بأهل البيت النبوي

كَوْنَ الْحَقِّ مَعَهُمْ دُونَهُ وَلَا خُرُوجَهُ مِنْ الْأُمَّةِ وَالْعِصْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِلْكُلِّ (وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا) الْمُخْتَارِ (بِأَنَّ الصَّحَابَةَ سَوَّغُوا لَهُمْ) أَيْ لِلتَّابِعِينَ الِاجْتِهَادَ (مَعَ وُجُودِهِمْ) فَقَدْ مَلَأَ شُرَيْحٌ الْكُوفَةَ أَقْضِيَةً وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهَا لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ بِالْمَدِينَةِ فَتَاوًى وَهِيَ مَشْحُونَةٌ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا عَطَاءٌ بِمَكَّةَ وَالْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ بِالْبَصْرَةِ وَلَوْلَا اعْتِبَارُ قَوْلِهِمْ وَإِنْ خَالَفَ قَوْلَ أَنْفُسِهِمْ لَمَا سَوَّغُوا لَهُمْ. (قُلْنَا إنَّمَا يَتِمُّ) الِاسْتِدْلَال بِهَذَا عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ (لَوْ نُقِلَ تَسْوِيغُ خِلَافِهِمْ) أَيْ التَّابِعِينَ (مَعَ إجْمَاعِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (وَلَمْ يَثْبُتْ) تَسْوِيغُ خِلَافِهِمْ إلَّا مَعَ اخْتِلَافِهِمْ (كَالْمَنْقُولِ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (تَذَاكَرْت مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ لِوَفَاةِ زَوْجِهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ، وَقُلْت أَنَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ) وَلَيْسَ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ اتِّفَاقَهُمْ لَوْ مَنَعَهُمْ الِاجْتِهَادَ لَسَأَلُوا عَنْهُ قَبْلَ إقْدَامِهِمْ وَكَانُوا لَا يَسْأَلُونَ قَطْعًا اهـ وَلَيْسَ الْقَطْعُ بِانْتِفَاءِ السُّؤَالِ بِسَهْلٍ، ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالتَّابِعِينَ مَعَ الصَّحَابَةِ بَلْ يَجْرِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي تَابِعِ التَّابِعِينَ مَعَ الصَّحَابَةِ أَيْضًا. [مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ] (مَسْأَلَةٌ وَلَا) يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ (بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ) وَهُمْ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] أَلْقَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ كِسَاءً وَقَالَ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» (وَحْدَهُمْ) مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ أَوْ تَوَقُّفِهِمْ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْحُكْمَ (خِلَافًا لِلشِّيعَةِ) وَاقْتَصَرَ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ عَلَى الزَّيْدِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةِ فَإِنَّ إجْمَاعَهُمْ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ لِلْآيَةِ فَإِنَّ الْخَطَأَ رِجْسٌ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا عَنْهُمْ فَيَكُونُ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً وَأُجِيبُ بِمَنْعِ أَنَّ الْخَطَأَ رِجْسٌ، وَإِنَّمَا الرِّجْسُ الْعَذَابُ أَوْ الْإِثْمُ أَوْ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ وَمُسْتَنْكَرٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْبَيْتِ هُمْ مَعَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ مَا قَبْلَهَا وَهُوَ {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] إلَخْ وَمَا بَعْدَهَا وَهُوَ {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 34] الْآيَةَ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ الْعِتْرَةِ وَحْدَهُمْ حُجَّةٌ. [مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ] (مَسْأَلَةٌ وَلَا) يَنْعَقِدُ (بِالْأَرْبَعَةِ) الْخُلَفَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ أَوْ تَوَقُّفِهِمْ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْحُكْمَ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ (حَتَّى رَدَّ) مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو خَازِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ أَمْوَالًا) فِي خِلَافَةِ الْمُعْتَضِدِ بِاَللَّهِ لِكَوْنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى ذَلِكَ (بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْأَمْوَالِ (لِبَيْتِ الْمَالِ لِنَفَاذِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ بِرَدِّهَا وَقَبِلَ الْمُعْتَضِدُ قَضَاءَهُ بِذَلِكَ وَكَتَبَ بِهِ إلَى الْآفَاقِ وَكَانَ ثِقَةً دَيِّنًا وَرِعًا عَالِمًا بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ أَصْلُهُ مِنْ الْبَصْرَةِ وَسَكَنَ بَغْدَادَ وَأَخَذَ عَنْ هِلَالٍ الرَّاوِي وَأَخَذَ عَنْهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ وَغَيْرُهُمَا. وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالشَّامِ وَالْكُوفَةِ وَالْكَرْخِ مِنْ بَغْدَادَ وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ. [مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِالشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ] (مَسْأَلَةٌ وَلَا) يَنْعَقِدُ (بِالشَّيْخَيْنِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمَا أَوْ تَوَقُّفِهِمْ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْحُكْمَ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ) الْمُفِيدَةَ لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (تُوجِبُ وَقْفَهُ) أَيْ تَحَقُّقِ الْإِجْمَاعِ (عَلَى غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَغَيْرِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَغَيْرِ الشَّيْخَيْنِ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ (وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ كَمَا هُوَ حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فَيَنْتَفِي عَنْهُمَا الْخَطَأُ وَلَمَّا لَمْ يَجِبْ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا حَالَ اخْتِلَافِهِمَا وَجَبَ حَالَ اتِّفَاقِهِمَا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» ) الْمَهْدِيِّينَ عُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْعَزِيمَةِ وَأَنَّهُ

رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَأَنَّهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بَيَّنَّا دَلِيلَهُ ثَمَّةَ كَمَا هَذَا حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِهِمْ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ حَثَّ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ فَيَنْتَفِي عَنْهُمْ الْخَطَأُ. (أُجِيبُ: يُفِيدَانِ) أَيْ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ (أَهْلِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ) أَيْ أَهْلِيَّةَ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ لِاتِّبَاعِ الْمُقَلِّدِينَ لَهُمْ (لَا مَنْعَ الِاجْتِهَادِ) لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ (أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الِاقْتِدَاءَ فِيهِمَا (مَعَ إيجَابِهِ) أَيْ الِاقْتِدَاءِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ مُفِيدٌ حُجِّيَّةَ قَوْلِهِمَا وَقَوْلِهِمْ عَلَى كُلِّ مُجْتَهِدٍ سِوَاهُمْ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ (إلَّا أَنْ يُدْفَعَ بِأَنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا (آحَادٌ) فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقَطْعُ بِكَوْنِ إجْمَاعِهِمَا أَوْ إجْمَاعِهِمْ حُجَّةً قَطْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الظَّنِّيَّ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ (وَبِمُعَارَضَتِهِ) أَيْ وَأُجِيبُ أَيْضًا بِمُعَارَضَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا «بِأَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» «وَخُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنْ الْحُمَيْرَاءِ» ) أَيْ عَائِشَةَ. - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِقَوْلِ كُلِّ صَحَابِيٍّ وَقَوْلِ عَائِشَةَ، وَإِنْ خَالَفَ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ أَوْ الْأَرْبَعَةَ (إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» (لَمْ يُعْرَفْ) بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ فِي رِسَالَتِهِ الْكُبْرَى مَكْذُوبٌ مَوْضُوعٌ بَاطِلٌ وَإِلَّا فَلَهُ طُرُقٌ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَابْنِهِ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ أَقْرَبُهَا إلَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ مَا أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَيَانِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلُ أَصْحَابِي مَثَلُ النُّجُومِ يُهْتَدَى بِهَا فَبِأَيِّهِمْ أَخَذْتُمْ بِقَوْلِهِ اهْتَدَيْتُمْ» . وَمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلُ أَصْحَابِي فِي أُمَّتِي مَثَلُ النُّجُومِ فَبِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» نَعَمْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ أَحْمَدُ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ وَالْبَزَّارُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْكَلَامُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثٍ مَوْصُولٍ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ قَوِيٍّ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مُنْقَطِعٍ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يُؤَدِّي بَعْضَ مَعْنَاهُ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْمَرْفُوعُ «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُونَ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَالثَّانِي) أَيْ «خُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنْ الْحُمَيْرَاءِ» مَعْنَاهُ (إنَّكُمْ سَتَأْخُذُونَ) فَلَا يُعَارِضَانِ الْأَوَّلَيْنِ وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا لَا يُعَارِضَانِهِمَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ لَا أَعْرِفُ لَهُ إسْنَادًا وَلَا رَأَيْته فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَّا فِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ ذَكَرَهُ فِي مَادَّةِ " ح م ر " وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ خَرَّجَهُ وَرَأَيْته أَيْضًا فِي كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ لَكِنْ بِغَيْرِ لَفْظِهِ ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِغَيْرِ إسْنَادٍ أَيْضًا وَلَفْظُهُ «خُذُوا ثُلُثَ دِينِكُمْ مِنْ بَيْتِ الْحُمَيْرَاءِ» وَنَصَّ لَهُ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ فَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ إسْنَادًا وَذَكَرَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَافِظَيْنِ الْمِزِّيَّ وَالذَّهَبِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفَاهُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ بْنُ الْمُلَقِّنِ وَقَالَ الْحَافِظُ جَمَالُ الدِّينِ الْمِزِّيُّ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى سَنَدٍ إلَى الْآنَ،. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ هُوَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَاهِيَةِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا إسْنَادٌ بَلْ قَالَ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَكَانَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ يَقُولُ كُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ لَفْظُ الْحُمَيْرَاءِ لَا أَصْلَ لَهُ إلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا فِي النَّسَائِيّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ (وَالْحَقُّ أَنَّ مُقْتَضَاهُ) أَيْ دَلِيلِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ بِحُجِّيَّةِ إجْمَاعِ الْأَرْبَعَةِ وَالشَّيْخَيْنِ (الْحُجِّيَّةُ الظَّنِّيَّةُ) أَمَّا الْحُجِّيَّةُ فَلِلطَّلَبِ الْجَازِمِ لِلِاتِّبَاعِ لَهُمْ وَلَهُمَا، وَأَمَّا الظَّنِّيَّةُ فَلِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ (وَرَدُّ أَبِي خَازِمٍ) عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ أَمْوَالًا تَرَكَهَا أَقْرِبَاؤُهُمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ كَافَّةُ مُعَاصِرِيهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَدْ (رَدَّهُ أَبُو سَعِيدٍ) أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَرْذَعِيُّ مِنْ كِبَارِهِمْ وَقَالَ هَذَا فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ لَكِنْ نَقَلَ الْجَصَّاصُ عَنْ أَبِي خَازِمٍ أَنَّهُ قَالَ فِي جَوَابِهِ لَا أَعُدُّ زَيْدًا خِلَافًا عَلَى الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَإِذَا لَمْ أَعُدَّهُ خِلَافًا وَقَدْ حَكَمْتُ بِرَدِّ هَذَا الْمَالِ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ فَقَدْ نَفَذَ قَضَائِي بِهِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ بِالنَّسْخِ وَمِنْ هُنَا قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو خَازِمٍ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ خِلَافَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لَا يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَوَافَقَهُ عُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ فِي زَمَانِهِ.

مسألة ولا ينعقد الإجماع بأهل المدينة

[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاع بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ] (مَسْأَلَةٌ وَلَا) يَنْعَقِدُ (بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) أَيْ طَيْبَةَ (وَحْدَهُمْ) عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأُمَّةِ (خِلَافًا لِمَالِكٍ) عَلَى مَا شَاعَ عَنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ مَذْهَبَهُ ابْنُ بُكَيْر وَأَبُو يَعْقُوبَ الرَّازِيّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مَنِيَّاتٍ وَالطَّيَالِسِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عَلَى الْأَوَّلِ (قِيلَ مُرَادُهُ) أَيْ مَالِكٍ (أَنَّ رِوَايَتَهُمْ مُقَدَّمَةٌ) عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ وَنَقَلَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا (وَقِيلَ) مَحْمُولٌ (عَلَى الْمَنْقُولَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ) أَيْ الْمُتَكَرِّرَةِ الْوُجُودِ كَثِيرًا (كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالصَّاعِ) وَالْمُدِّ دُونَ غَيْرِهَا وَلَفْظُ الْقَرَافِيُّ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّوْقِيفُ حُجَّةٌ (وَقِيلَ بَلْ) هُوَ حُجَّةٌ (عَلَى الْعُمُومِ) فِي الْمَنْقُولَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ رَأْيُ أَكْثَرِ الْمَغَارِبَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ قَالُوا وَفِي رِسَالَةِ مَالِكٍ إلَى اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الصَّحَابَةَ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ حَكَاهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَعَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَادَّعَى أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ جَدُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى إجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحُكِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ إذَا وَجَدْت مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَدْخُلُ قَلْبَك شَكٌّ أَنَّهُ الْحَقُّ وَكُلَّمَا جَاءَك شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا تَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَلَا تَعْبَأْ بِهِ فَقَدْ وَقَعْت فِي الْبِحَارِ وَاللُّجَجِ وَفِي لَفْظٍ لَهُ إذَا رَأَيْت أَوَائِلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى شَيْءٍ فَلَا تَشُكَّنَّ أَنَّهُ الْحَقُّ وَاَللَّهِ إنِّي لَك نَاصِحٌ وَاَللَّهِ إنِّي لَك نَاصِحٌ وَاَللَّهِ إنِّي لَك نَاصِحٌ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ضَرْبَانِ نَقْلِيٌّ وَاسْتِدْلَالِيٌّ فَالْأَوَّلُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ أَحَدُهَا نَقْلُ شَرْعٍ مُبْتَدَأٍ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلٍ كَنَقْلِهِمْ الصَّاعَ وَالْمُدَّ وَالْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَالْأَوْقَاتَ وَالْأَخْبَارَ وَنَحْوَهُ. ثَانِيهَا نَقْلُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلٍ كَعُهْدَةِ الرَّقِيقِ. ثَالِثُهَا نَقْلُ ذَلِكَ مِنْ إقْرَارٍ كَتَرْكِهِمْ أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تُزْرَعُ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ لَا يَأْخُذُونَهَا مِنْهَا وَهَذَا النَّوْعُ حُجَّةً يَلْزَمُ عِنْدَنَا الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَتَرْكُ الْأَخْبَارِ وَالْمَقَايِيسِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِيهِ وَالثَّانِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَلَا بِمُرَجَّحٍ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَدَّمْنَا عَنْهُمْ إنْكَارَ كَوْنِهِ مَذْهَبَ مَالِكٍ. ثَانِيهَا مُرَجَّحٌ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. ثَالِثُهَا حُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يُجْزَمْ خِلَافُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْإِقْرَارِ إذْ كُلُّ ذَلِكَ نَقْلٌ مُحَصِّلٌ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ وَإِنَّهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ تُحِيلُ الْعَادَةُ عَلَيْهِمْ التَّوَاطُؤَ عَلَى خِلَافِ الصِّدْقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا هَذَا سَبِيلُهُ أَوْلَى مِنْ إخْبَارِ الْآحَادِ الْأَقْيِسَةَ وَالظَّوَاهِرَ، وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَالْأَوْلَى فِيهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا انْفَرَدَ وَمُرَجِّحٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَدِينَةَ مَأْرَزُ الْإِيمَانِ وَمَنْزِلُ الْأَحْكَامِ وَالصَّحَابَةُ هُمْ الْمُشَافِهُونَ لِأَسْبَابِهَا الْمُفَاهِمُونَ لِمَقَاصِدِهَا، ثُمَّ التَّابِعُونَ نَقَلُوهَا وَضَبَطُوهَا وَعَلَى هَذَا فَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مِنْ حَيْثُ إجْمَاعُهُمْ بَلْ إمَّا مِنْ جِهَةِ نَقْلِهِمْ الْمُتَوَاتِرِ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ مُشَاهَدَتِهِمْ الْأَحْوَالَ الدَّالَّةَ عَلَى مَقَاصِدِ الشَّرْعِ قَالَ وَهَذَا النَّوْعُ الِاسْتِدْلَالِيُّ إنْ عَارَضَهُ خَبَرٌ فَالْخَبَرُ أَوْلَى عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَصَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْخَبَرِ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ بِالْعِصْمَةِ إجْمَاعُ كُلِّ الْأُمَّةِ لَا بَعْضِهَا انْتَهَى. فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا يَقُولُ بِهِ جُمْهُورُهُمْ، وَمِنْهَا مَا يَقُولُ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَالْمَرَاتِبُ أَرْبَعٌ مَا يَجْرِي مَجْرَى النَّقْلِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَنَقْلِهِمْ مِقْدَارَ الصَّاعِ وَالْمُدِّ وَهَذَا حُجَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْعَمَلُ الْقَدِيمُ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ أَيْضًا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى كَمَا سَلَفَ، وَعَمَلُهُمْ الْمُوَافِقُ لِأَحَدِ دَلِيلَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ كَحَدِيثَيْنِ وَقِيَاسَيْنِ فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ مُرَجِّحٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ وَعَلَيْهِ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَقِيلٍ، وَمُرَجِّحٌ وَعَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَنَقَلَ عَنْ نَصِّ أَحْمَدَ وَالنَّقْلُ الْمُتَأَخِّرُ بِالْمَدِينَةِ، وَالْجُمْهُورُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَمَا ذَكَرَ

مسألة أفتى بعض المجتهدين بشيء من الأمور الاجتهادية أو قضى به واشتهر بين المجتهدين من أهل عصره وسكتوا بعد علمهم بذلك

الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ، ثُمَّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَنْبَارِيُّ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا إجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إجْمَاعِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ حَتَّى يُفَسَّقَ الْمُخَالِفُ وَيُنْقَضَ قَضَاؤُهُ بَلْ حُجَّةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُسْتَنِدَ إلَيْهِ مُسْتَنِدٌ إلَى مَأْخَذٍ مِنْ مَآخِذِ الشَّرِيعَةِ كَالْمُسْتَنِدِ إلَى الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَحْدِ (لَنَا الْأَدِلَّةُ) الْمُفِيدَةُ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ (تَوَقُّفُهُ) أَيْ تَحَقُّقُ الْإِجْمَاعِ (عَلَى غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ أَهْلَهَا لَيْسُوا كُلَّ الْأُمَّةِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِمْ وَحْدَهُمْ. (وَاسْتِدْلَالُهُمْ) أَيْ الْمَالِكِيَّةِ (بِأَنَّ الْعَادَةَ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْجَمْعِ الْمُنْحَصِرِ) فِي الْمَدِينَةِ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنَّهُمْ مَعَ اجْتِهَادِهِمْ (يَتَشَاوَرُونَ وَيَتَنَاظَرُونَ) فِي الْوَاقِعَةِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا وَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى حُكْمٍ فِيهَا (لَا يُجْمِعُونَ إلَّا عَنْ رَاجِحٍ) فَيُكْتَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ وَحْدَهُمْ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ (مَنَعَ قَضَاءَهَا) أَيْ الْعَادَةِ (بِهِ) أَيْ بِإِجْمَاعِهِمْ عَنْ رَاجِحٍ دُونَ سَائِرِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِهَذَا وَالْمُوجِبُ لِانْعِقَادِهِ مِنْهُمْ وَحْدَهُمْ هُوَ الِاخْتِصَاصُ (وَدُفِعَ) الْمَنْعِ (بِأَنَّ الْمُرَادَ) مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْجَمْعِ إلَخْ أَنَّ الْعَادَةَ (قَاضِيَةٌ) فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْحُكْمِ إلَّا (بِاطِّلَاعِ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى دَلِيلِهِ (فَامْتَنَعَ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْأَكْثَرِ أَحَدٌ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ شَأْنَ هَذَا الْجَمْعِ أَنْ لَا يُجْمِعُوا عَلَى أَمْرٍ إلَّا بَعْدَ تَشَاوُرٍ وَتَنَاظُرٍ وَذَلِكَ يَقْتَضِي اطِّلَاعَهُمْ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ اطِّلَاعِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَرْجَحَ مِنْهُ، فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى مَرْجُوحٍ إذْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْأَكْثَرِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَلَا يَطَّلِعُونَ عَلَى دَلِيلٍ خِلَافَ قَوْلِهِمْ إذْ رُبَّ رَاجِحٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْبَعْضُ فَيُجَابُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا احْتِمَالٌ مُمْكِنٌ بَعِيدٌ (وَالِاحْتِمَالُ) الْمُمْكِنُ الْبَعِيدُ (لَا يَنْفِي الظُّهُورَ وَهَذَا) أَيْ لَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ (انْحِطَاطٌ إلَى كَوْنِهِ) أَيْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (حُجِّيَّةً ظَنِّيَّةً لَا) أَنَّهُ يَكُونُ (إجْمَاعًا) قَطْعِيًّا وَقَدْ صَرَّحَ أَكْثَرُ الْمَغَارِبَةِ بِهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْهُمْ فَقَالُوا وَلَيْسَ قَطْعِيًّا بَلْ ظَنِّيٌّ يُقَدَّمُ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِقَوْلِ جُمْهُورِهِمْ بَلْ قَوْلُ جُمْهُورِهِمْ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ أَوْلَى كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْقُرْطُبِيِّ. (فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ مِثْلُهُ) أَيْ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ بِمِثْلِ هَذَا الْجَمْعِ (فِي أَهْلِ) بَلْدَةٍ (أُخْرَى) كَمَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَحْدَهُمْ (لِذَلِكَ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِاطِّلَاعِ الْأَكْثَرِ عَلَى الدَّلِيلِ الرَّاجِحِ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ وَيَمْتَنِعُ أَنْ لَا يَطَّلِعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَى آخِرِ مَا وَجَّهْنَاهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ (اُلْتُزِمَ) هَذَا (وَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ اتِّفَاقَ مِثْلِهِمْ حُجَّةٌ يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ مِنْ خِلَافِ مِثْلِهِ) غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ مُصَرَّحًا بِهِ عَنْ مَالِكٍ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ الْأَنْبَارِيِّ وَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ أَفْتَى بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَوْ قَضَى بِهِ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَسَكَتُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ] (مَسْأَلَةٌ إذَا أَفْتَى بَعْضُهُمْ) أَيْ الْمُجْتَهِدِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ التَّكْلِيفِيَّةِ (أَوْ قَضَى) بَعْضُهُمْ بِهِ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَسَكَتُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ وَنَظَرِهِمْ فِيهِ (وَلَمْ يُخَالِفْ) فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ وَكَانَ ذَلِكَ (قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ) فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ وَاسْتَمَرَّ الْحَالُ عَلَى هَذَا (إلَى مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ) وَهِيَ عَلَى مَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ حِينَ يَتَبَيَّنُ لِلسَّاكِتِ الْوَجْهُ فِيهِ وَفِي الْمِيزَانِ وَأَدْنَاهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ أَيْ مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ وَقِيلَ يُعْذَرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ قِيلَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ حَيْثُ قَالَ فَإِذَا اسْتَمَرَّتْ الْأَيَّامُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُظْهِرْ السَّاكِتُ خِلَافًا مَعَ الْعِنَايَةِ مِنْهُمْ بِأَمْرِ الدِّينِ وَحِرَاسَةِ الْأَحْكَامِ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يُظْهِرُوا الْخِلَافُ؛ لِأَنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لَهُمْ انْتَهَى. لِأَنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ تَرْكَ إظْهَارِ الْخِلَافِ إنَّمَا يَكُونُ دَلَالَةً عَلَى الْمُوَافَقَةِ إذَا انْتَشَرَ الْقَوْلُ وَظَهَرَ وَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْقَاتٌ يُعْلَمُ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مُخَالِفٌ لَأَظْهَرَ الْخِلَافَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى غَيْرِهِ مَقَالَتَهُ إذْ كَانَ قَدْ اسْتَوْعَبَ مُدَّةَ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ انْتَهَى. وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ (وَلَا تَقِيَّةَ) أَيْ خَوْفٍ يَمْنَعُ السَّاكِتَ مِنْ الْمُخَالَفَةِ (فَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ) وَأَحْمَدَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ أَنَّ هَذَا (إجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ) مِنْ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ فِي الْفُتْيَا (كَذَلِكَ) أَيْ إجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ (لَا فِي الْقَضَاءِ)

ذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ وَاَلَّذِي فِي الْمَحْصُولِ وَالْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ وَالْأَوْسَطِ لِابْنِ بَرْهَانٍ عَنْهُ إنْ كَانَ الْقَائِلُ حَاكِمًا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةَ وَإِلَّا فَنَعَمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ وَاضِحٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ صُدُورِهِ عَنْ الْحَاكِمِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ فَقَدْ يُفْتِي الْحَاكِمُ تَارَةً وَيَقْضِي أُخْرَى وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ إجْمَاعٌ إنْ كَانَ حُكْمًا، غَيْرُ إجْمَاعٍ إنْ كَانَ فُتْيَا (وَعَنْ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ) فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا (وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبَانَ وَالْبَاقِلَّانِيّ وَدَاوُد وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ) وَالْغَزَالِيُّ بَلْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ إنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَالسُّبْكِيُّ. وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ نَقَلُوا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ السُّكُوتِيُّ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَ أَنَّهُ آخِرُ أَقْوَالِهِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَابْنُ بَرْهَانٍ إلَيْهِ ذَهَبَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ وَنَصَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَأَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ فِي الْأُصُولِ وَمُقَدِّمَاتِ كُتُبِهِمْ الْمَبْسُوطَةِ فِي الْفُرُوعِ انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرِّسَالَةِ أَيْضًا لَكِنْ صَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْأُمِّ بِخِلَافِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَأَنْ يُنَزَّلُ الْقَوْلَانِ عَلَى حَالَيْنِ فَالنَّفْيُ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ مِنْ حَاكِمٍ وَالْإِثْبَاتُ إذَا مَا صَدَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي اللُّمَعِ إنَّهُ إجْمَاعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَجَمَعَ السُّبْكِيُّ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَنْفِيَّ هُوَ الْقَطْعِيُّ وَالْمُثْبَتُ هُوَ الظَّنِّيُّ، وَأَمَّا مُتَقَدِّمُو الْأُصُولِيِّينَ فَلَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْإِجْمَاعِ إلَّا عَلَى الْقَطْعِيِّ انْتَهَى. قُلْت وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ كَالرُّويَانِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ حُجَّةٌ وَهَلْ هُوَ إجْمَاعٌ فِيهِ وَجْهَانِ (وَالْجُبَّائِيُّ إجْمَاعٌ بِشَرْطِ الِانْقِرَاضِ) لِلْعَصْرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَنَقَلَهُ ابْنُ فُورَكٍ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِ مَذْهَبِهِ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ عَنْ حُذَّاقِهِمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَقَالَ فِي اللُّمَعِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالرَّافِعِيُّ إنَّهُ أَصَحُّ الْأَوْجُهِ (وَمُخْتَارُ الْآمِدِيِّ) وَالْكَرْخِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي هَاشِمٍ عَلَى مَا فِي الْقَوَاطِعِ (إجْمَاعٌ ظَنِّيٌّ أَوْ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ) وَقِيلَ إنْ كَانَ السَّاكِنُونَ أَقَلَّ كَانَ إجْمَاعًا وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مُخْتَارُ الْجَصَّاصِ، وَحَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ إنْ وَقَعَ فِي شَيْءٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهُ مِنْ إرَاقَةِ دَمٍ أَوْ اسْتِبَاحَةِ فَرْجٍ فَإِجْمَاعٌ وَإِلَّا فَحُجَّةٌ وَفِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا وَجْهَانِ وَذَهَبَ الرُّويَانِيُّ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ عَصْرِهِمْ فَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ التَّابِعِينَ بِالصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَصَاحِبُ الْوَافِي تَابِعِي التَّابِعِينَ بِالتَّابِعِينَ، وَصَرَّحَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَعْصَارِ كَذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ قَالَ (الْحَنَفِيَّةُ لَوْ شُرِطَ سَمَاعُ قَوْلِ كُلٍّ) مِنْ الْمُجْمِعِينَ (انْتَفَى) الْإِجْمَاعُ (لِتَعَذُّرِهِ) أَيْ سَمَاعِ قَوْلِ كُلٍّ (عَادَةً) قَالَ السَّرَخْسِيُّ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ السَّمَاعُ مِنْ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ بِقُرُونٍ فَهُوَ سَاقِطٌ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَذِّرَ كَالْمُمْتَنِعِ، وَكَذَا يَتَعَذَّرُ السَّمَاعُ عَنْ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ وَالْوُقُوفُ عَلَى قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ حَقِيقَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ الْبَيِّنِ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ غَيْرُ مُنْتَفٍ فَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مُنْتَفٍ، فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ تَعْلَمُونَ السُّكُوتِيَّ مِنْ الْقَوْلِ حِينَئِذٍ؟ فَالْجَوَابُ بِالتَّتَبُّعِ لِكَيْفِيَّةِ وُقُوعِهِ فَمَا تُتُبِّعَ فَلَمْ يُدْرَ كَيْفَ وُجِدَ كَانَ قَوْلِيًّا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَمَا تُتُبِّعَ فَوُجِدَ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ أَوْ قَضَى بِهِ بَعْضُهُمْ بِمَحْضَرٍ مِنْهُمْ أَوْ بِغَيْبَةٍ مِنْهُمْ وَبَلَغَهُمْ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْ نُقِلَ ابْتِدَاءً بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فَهُوَ سُكُوتِيٌّ. (وَأَيْضًا الْعَادَةُ فِي كُلِّ عَصْرٍ إفْتَاءُ الْأَكَابِرِ وَسُكُوتُ الْأَصَاغِرِ تَسْلِيمًا وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ السُّكُوتِيَّ (إجْمَاعٌ فِي الْأُمُورِ الِاعْتِقَادِيَّةِ فَكَذَا) الْأَحْكَامُ (الْفَرْعِيَّةُ) يَكُونُ فِيهَا إجْمَاعًا قَالَ (النَّافُونَ) لِحُجِّيَّتِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ قَطْعًا وَظَنًّا (السُّكُوتُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُوَافَقَةِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ تَفَكُّرٍ أَوْ عَدَمِ اجْتِهَادٍ أَوْ تَعْظِيمٍ) لِلْقَائِلِ فَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً مَعَ قِيَامِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ (أَجَابَ الظَّنِّيُّ بِأَنَّهُ) أَيْ السُّكُوتَ (ظَاهِرٌ فِي الْمُوَافَقَةِ)

لِلْمُفْتِي فِي فَتْوَاهُ وَالْقَاضِي فِي قَضَائِهِ (وَفِي غَيْرِهَا) أَيْ وَالسُّكُوتُ فِي غَيْرِ الْمُوَافَقَةِ مِمَّا ذُكِرَ (احْتِمَالَاتٌ) غَيْرُ ظَاهِرَةٍ وَهِيَ (لَا تَنْفِي الظُّهُورَ وَ) أَجَابَ (الْحَنَفِيَّةُ انْتَفَى الْأَوَّلُ) وَهُوَ السُّكُوتُ لِلْخَوْفِ (بِالْعَرَضِ) حَيْثُ قُلْنَا وَلَا تَقِيَّةَ (وَ) انْتَفَى (مَا بَعْدَهُ) وَهُوَ السُّكُوتُ لِلتَّفَكُّرِ (بِمُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ عَادَةً وَ) السُّكُوتُ (لِلتَّعْظِيمِ بِلَا تَقِيَّةٍ فِسْقٌ) كَتَرْكِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ الْفَتْوَى أَوْ الْقَضَاءَ إذَا كَانَ غَيْرَ حَقٍّ يَكُونُ مُنْكَرًا وَاجِبَ الرَّدِّ فَلَا يُنْسَبُ إلَى الْمُتَدَيِّنِ وَكَيْفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَبَاحِثَ الْمُجْتَهِدِينَ مَأْمُونَةُ الْعَوَاقِبِ لِطَهَارَةِ مَقَاصِدِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَظَاهِرُونَ عَلَى النَّصِيحَةِ بِتَحْقِيقِ الْحَقِّ وَإِزَاحَةِ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَالسَّادَةُ الْقَادَةُ إلَى الْيَقِينِ فَإِنْ اُدُّعِيَ ثُبُوتُ ذَلِكَ عَنْ سَاكِتٍ فَلَا يَقْدَحُ مُخَالَفَتُهُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْقَادِحَ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ الْعَدْلِ وَهَذَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَيْسَ بِهِ وَكَيْفَ لَا وَمَنْ تَسَامَحَ فِي الدِّينِ وَلَوْ بِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ يَخْرُجُ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ، وَإِنْ فُرِضَ كَوْنُ الْقَاضِي ظَالِمًا يَبْطِشُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَمَوَاضِعِ الْإِنْكَارِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ أَهْلٍ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَصِيرَ إجْمَاعًا. (وَمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سُكُوتِهِ عَنْ عُمَرَ فِي الْقَوْلِ) مِنْ قَوْلِهِ (كَانَ مَهِيبًا نَفَوْا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ (صِحَّتَهُ) عَنْهُ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (كَانَ يُقَدِّمُهُ) أَيْ ابْنَ عَبَّاسٍ (عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَكَابِرِ وَيَسْتَحْسِنُ قَوْلَهُ) فَعَنْهُ كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ لِمَ يَدْخُلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ عُمَرُ إنَّهُ مِنْ حَيْثُ عَلِمْتُمْ فَدَعَانِي ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَنِي مَعَهُمْ فَمَا رَأَيْت أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمئِذٍ إلَّا لِيُرِيَهُمْ قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَمَرَنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إذَا نَصَرَنَا وَفَتَحَ عَلَيْنَا وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ لِي أَكَذَلِكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْت لَا قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْت هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَهُ لَهُ قَالَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] وَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3] فَقَالَ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلَّا مَا تَقُولُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ قَالَ دَعَا عُمَرُ الْأَشْيَاخَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ لَهُمْ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا عَلِمْتُمْ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» وِتْرًا فَفِي أَيْ الْوِتْرِ تَرَوْنَهَا فَقَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ إنَّهَا تَاسِعَةٌ سَابِعَةٌ خَامِسَةٌ ثَالِثَةٌ فَقَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تَكَلَّمْ قَالَ قُلْت أَقُولُ بِرَأْيِي قَالَ عَنْ رَأْيِك أَسْأَلُك قُلْت إنِّي سَمِعْت وَاَللَّهِ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ السَّبْعِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ قَالَ عُمَرُ أَعْجَزْتُمْ أَنْ تَقُولُوا مِثْلَ مَا قَالَ هَذَا الْغُلَامُ الَّذِي لَمْ تَسْتَوْشِئُوا رَأْسَهُ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (وَكَانَ) عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أَلْيَنَ لِلْحَقِّ) وَأَشَدَّ انْقِيَادًا لَهُ مِنْ غَيْرِهِ (وَعَنْهُ لَا خَيْرَ فِيكُمْ إنْ لَمْ تَقُولُوا وَلَا خَيْرَ فِي إنْ لَمْ أَسْمَعْ) ذَكَرَهُ فِي التَّقْوِيمِ وَغَيْرِهِ (وَقِصَّتُهُ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي نَهْيِهِ عَنْ مُغَالَاةِ الْمَهْرِ شَهِيرَةٌ) رَوَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ رَكِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ مَا إكْثَارُكُمْ فِي صُدُقِ النِّسَاءِ وَقَدْ «كَانَ الصَّدُقَاتُ فِيمَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمَا دُونَ ذَلِكَ» وَلَوْ كَانَ الْإِكْثَارُ فِي ذَلِكَ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ أَوْ مَكْرُمَةً لَمْ تَسْبِقُوهُمْ إلَيْهَا فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا زَادَ رَجُلٌ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ ثُمَّ نَزَلَ فَاعْتَرَضَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَتْ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَهَيْتَ النَّاسَ أَنْ يَزِيدُوا النِّسَاءَ فِي صُدُقِهِنَّ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ أَمَا سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ عَفْوًا كُلُّ أَحَدٍ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ قَالَ، ثُمَّ رَجَعَ فَرَكِبَ الْمِنْبَرَ، ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَزِيدُوا النِّسَاءَ فِي صَدَاقِهِنَّ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ مَا أَحَبَّ لَكِنْ فِي نَفْيِ صِحَّةِ اعْتِذَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ تَرْكِ مُرَاجَعَةِ عُمَرَ بِالْهَيْبَةِ نَظَرٌ فَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ دَخَلْت أَنَا وَزُفَرُ بْنُ الْحَدَثَانِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ فَتَذَاكَرْنَا فَرَائِضَ الْمَوَارِيثِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَتَرَوْنَ مَنْ أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا

لَمْ يَخُصَّ فِي مَالٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا إذَا ذَهَبَ نِصْفٌ وَنِصْفٌ فَأَيْنَ الثُّلُثُ فَسَاقَ الْحَدِيثَ وَرَأْيُهُ فِي ذَلِكَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ لَهُ زُفَرُ مَا مَنَعَك أَنْ تُشِيرَ عَلَيْهِ بِهَذَا الرَّأْيِ قَالَ هَيْبَةً وَاَللَّهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ مَوْقُوفٌ حَسَنٌ انْتَهَى قَالُوا وَلَئِنْ صَحَّ فَهَذَا مِنْهُ إظْهَارٌ لِلْعُذْرِ فِي الِامْتِنَاعِ عَنْ مُنَاظَرَتِهِ وَاسْتِقْصَائِهِ فِي الْمُحَاجَّةِ مَعَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ احْتِشَامًا وَإِجْلَالًا لَهُ كَمَا يَكُونُ مَعَ الشُّبَّانِ مَعَ ذَوِي الْأَسْنَانِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَلَا سِيَّمَا إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْمُخَالِفَ لَا يَرْجِعُ عَنْ رَأْيِهِ فَإِنَّ الْمُنَاظَرَةَ فِي ذَلِكَ قَدْ تُتْرَكُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا وَإِنْ دَفَعَ أَنَّ السُّكُوتَ قَدْ يَكُونُ تَقِيَّةً لَا يَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهَا مُطْلَقًا لَا لِلْمُوَافَقَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ كَوْنِهِ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا، بَلْ قُصَارَى مَا يَثْبُتُ مَعَهُ كَوْنُهُ ظَنِّيًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ نَادِرٌ فَلَا يَقْدَحُ فِيمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا تَمَّ لِابْنِ عَبَّاسٍ السُّكُوتُ إجْلَالًا لَعُمَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَلُومًا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَئِذٍ فِي دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ وَغَيْرُ الْمُجْتَهِدِ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إظْهَارُ الْمُخَالَفَةِ (وَقَدْ يُقَالُ السُّكُوتُ عَنْ) إنْكَارِ (الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَى إنْكَارِهِ (فِسْقٌ وَقَوْلُ الْمُجْتَهِدِ لَيْسَ إيَّاهُ) أَيْ مُنْكَرًا (فَلَا يَجِبُ) عَلَى الْمُجْتَهِدِ السَّاكِتِ (إظْهَارُ خِلَافِهِ) أَيْ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ النَّاطِقِ (لِيَكُونَ السُّكُوتُ) عَنْ إنْكَارِهِ (فِسْقًا) لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ سُكُوتًا عَنْ إنْكَارِ الْمُنْكِرِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إنْكَارِهِ (بَلْ هُوَ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ السَّاكِتُ (مُخَيَّرٌ) بَيْنَ السُّكُوتِ وَاظِهَارِ خِلَافِهِ وَهَذَا (بِخِلَافِ الِاعْتِقَادِيِّ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدَ فِيهِ (مُكَلَّفٌ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ فَغَيْرُهُ) أَيْ الْحَقِّ إذَا أُتِيَ بِهِ (عَنْ اجْتِهَادِ مُنْكِرٍ فَامْتَنَعَ السُّكُوتُ) فِيهِ كَيْ لَا يَكُونَ سَاكِتًا عَنْ مُنْكَرٍ فَيَكُونُ فَاسِقًا اللَّهُمَّ (إلَّا أَنْ يُقَالَ يَجِبُ) عَلَى السَّاكِتِ إظْهَارُ خِلَافِ قَوْلِ الْقَائِلِ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا (لِتَجْوِيزِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ السَّاكِتِ (رُجُوعَ الْمُفْتِي) أَوْ الْقَاضِي (إلَيْهِ) أَيْ إلَى قَوْلِهِ (لِحَقِّيَّتِهِ) عَلَى أَنَّا سَنَذْكُرُ مِنْ الْمِيزَانِ أَنَّ الْعَمَلَ وَالِاعْتِقَادِيَّ فِي الْجَوَابِ سَوَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ. (وَإِذَنْ فَقَوْلُ مُعَاذٍ فِي جَلْدِ الْحَامِلِ) الَّتِي زَنَتْ لَمَّا هَمَّ بِجِلْدِهَا عُمَرُ أَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَك عَلَى ظَهْرِهَا سَبِيلًا (مَا جَعَلَ اللَّهُ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا سَبِيلًا) وَلَفْظُ كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ فَلَمْ يَجْعَلْ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا سَبِيلًا فَقَالَ لَوْلَا مُعَاذٌ لَهَلَكَ عُمَرُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَخْرِيجِهِ. دَلِيلٌ (لِلْوُجُوبِ) أَيْ وُجُوبِ إظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ فِي قَضَاءِ الْمُجْتَهِدِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْمُخَالِفِ لَهُ (فَيَبْطُلُ) بِهِ (تَفْصِيلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ) السَّابِقُ بِنَاءً عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ لَا تُنْكِرُ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّ مُعَاذًا أَنْكَرَ الْقَضَاءَ الْمُخَالِفَ لِمَا عِنْدَهُ (لَكِنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ إظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ السَّاكِتِ لِلْمُجْتَهِدِ الْقَائِلِ إذَا جُوِّزَ رُجُوعُهُ إلَيْهِ (مَمْنُوعٌ) ؛ لِأَنَّ التَّجْوِيزَ غَيْرُ مُلْزِمٍ وَلَيْسَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَائِلُ بِمَعْلُومِ الْبُطْلَانِ فِي الْوَاقِعِ بَلْ صَوَابٌ عِنْدَ قَائِلِهِ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَعْذُورٌ فِي حَالِ الْخَطَأِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَ مُعَاذٍ دَلِيلُ الْوُجُوبِ بَلْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَوْلُ مُعَاذٍ اخْتِيَارٌ لِأَحَدِ الْجَائِزَيْنِ) مِنْ السُّكُوتِ وَإِظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ (أَوْ) إظْهَارُ الْمُخَالَفَةِ وَاجِبٌ (فِي خُصُوصِ) هَذِهِ (الْمَادَّةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ عَنْ تَعْرِيضِهَا لِلْهَلَاكِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ السُّكُوتِ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا فِي الِاعْتِقَادِيِّ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْفَرْعِيِّ لِعَدَمِ اللَّازِمِ الْبَاطِلِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ غَيْرَ إجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ فِي الْفَرْعِيِّ بِخِلَافِهِ فِي الِاعْتِقَادِيِّ لَكِنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يُبْطِلُ الْمُدَّعَى. (وَقَوْلُهُ) أَيْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (الْعَادَةُ أَنْ لَا يُنْكَرَ بِخِلَافِ الْفَتْوَى) إنَّمَا هُوَ (بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ) لَا قَبْلَهُ وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا قَبْلَهُ وَالْأَمْرُ فِي الْفَتْوَى كَذَلِكَ (وَقَوْلُ الْجُبَّائِيُّ الِاحْتِمَالَاتُ تَضْعُفُ بَعْدَ الِانْقِرَاضِ لَا قَبْلَهُ) أَيْ الِانْقِرَاضِ (مَمْنُوعٌ بَلْ الضَّعْفُ) لَهَا (يَتَحَقَّقُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ فِي مِثْلِهِ عَادَةً وَمِنْ الْمُحَقِّقِينَ) وَهُوَ عَضُدُ الدِّينِ (مَنْ قَيَّدَ قَطْعِيَّتَهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ (بِمَا إذَا كَثُرَ وَتَكَرَّرَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى) بِلَفْظِ رُبَّمَا (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيِّ فِيمَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ مِمَّا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَقَدْ تَكَرَّرَ الْإِفْتَاءُ وَالْحُكْمُ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ عَدَمِ الْمُخَالَفَةِ مِنْ آخَرِينَ (يُحْتَمَلُ) أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلْقَطْعِ بِمَضْمُونِهِ كَمَا ذُكِرَ لِبُعْدِ ظَنِّ الْمُخَالَفَةِ مِنْ السَّاكِتِينَ فِي مِثْلِهِ عَادَةً بَلْ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ تَكَرُّرَ الْفُتْيَا مَعَ

طُولِ الْمُدَّةِ وَعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ مُفْضٍ إلَى الْقَطْعِ قَالَ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ طُولِ الزَّمَانِ وَقِصَرِهِ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ التِّلْمِسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمَعَالِمِ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَيْضًا فَإِنَّهُ جَعَلَ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ مَعَ تَكَرُّرِ الْوَاقِعَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَمَّا إذَا تَكَرَّرَ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ فَلَا أُنْكِرُ جَرَيَانَ خِلَافٍ وَقَدْ اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ الْخِلَافُ فِي السُّكُوتِيِّ بَلْ أَضْعَفُ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ قُيُودًا رَأَيْنَا أَنْ نَذْكُرَهَا مَعَ مَزِيدِ كَلَامٍ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا: أَوَّلُهَا: كَوْنُهُ فِي مَسَائِلِ التَّكْلِيفِ إذْ قَوْلُ الْقَائِلِ عَمَّارٌ أَفْضَلُ مِنْ حُذَيْفَةَ مَثَلًا وَبِالْعَكْسِ لَا يَدُلُّ السُّكُوتُ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ مِنْ مَشَايِخِنَا كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا. ثَانِيهَا: أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ بَلَغَ جَمِيعَ أَهْلِ الْعَصْرِ وَلَمْ يُنْكِرُوا وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ قَالَهُ الصَّيْرَفِيُّ وَغَيْرُهُ وَوَرَاءَهُ حَالَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ بَلَغَهُمْ لِانْتِشَارِهِ وَشُهْرَتِهِ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ إجْمَاعٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا وَجَعَلَهُ دَرَجَةً دُونَ الْأَوَّلِ انْتَهَى قُلْت وَجَعَلَ مَشَايِخُنَا اشْتِهَارَ الْفَتْوَى مِنْ الْبَعْضِ وَالسُّكُوتَ مِنْ الْبَاقِينَ كَافِيًا فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا مِنْ صُوَرِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ أَيْضًا لَكِنَّ كَوْنَهُ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ بِبُلُوغِهِ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ الِاشْتِهَارُ عَلَى الْعِلْمِ بِبُلُوغِهِمْ وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ قَطْعِيٌّ عَلَى نَوْعٍ مِنْهُ وَهُوَ مَا عُلِمَ بُلُوغُهُ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ وَسُكُوتُهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ، وَأَمَّا مَا ظُنَّ بُلُوغُهُ إيَّاهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ فَظَنِّيٌّ وَعَلَى هَذَا يَتَّفِقُ هُوَ وَقَوْلُ الْإسْفَرايِينِيّ الْمَذْكُورُ. الْحَالَة الثَّانِيَةِ أَنْ لَا يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ بَلْ اُحْتُمِلَ بُلُوغُهُ وَعَدَمُهُ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِمَا إذَا لَمْ يَنْتَشِرْ وَذَكَرَ أَنَّ عَدَمَ إنْكَارِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ قَوْلٌ فِيهِ لِعَدَمِ خَوْضِهِمْ فِي ذَلِكَ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَوَانِعِ أَوْ لَهُمْ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لَمْ يُنْقَلْ وَقِيلَ حُجَّةٌ مُطْلَقًا، وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ إنْ كَانَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ كَانَ كَالسُّكُوتِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَوْضِ غَيْرِ الْقَائِلِ فِيهِ فَيَكُونُ سُكُوتُهُ مُوَافَقَةً لِلْقَائِلِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِاحْتِمَالِ الذُّهُولِ، ثُمَّ اشْتِرَاطُ بُلُوغِ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَصْرِ كَمَا ذَكَرَ مَاشٍ عَلَى ظَاهِرِ تَفْسِيرِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ الِانْتِشَارَ بِبُلُوغِ الْجَمِيعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّازِيِّ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ بَلَغَ الْجَمِيعَ أَوْ لَا وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ. قُلْت وَيَتَأَتَّى أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ اتِّفَاقِ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ إلَّا وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمْ وَقَدْ عَرَفْت الْمُخْتَارَ وَغَيْرَهُ فِيهِ. ثَالِثُهَا كَوْنُ السُّكُوتِ مُجَرَّدًا عَنْ الرِّضَا وَالْكَرَاهَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ أَمَارَةُ رِضًا فَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْخُوَارِزْمِي وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ يَكُونُ إجْمَاعًا بِلَا خِلَافٍ وَجَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ سَخَطٍ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا بِلَا خِلَافٍ وَكَلَامُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ كَالصَّرِيحِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ السَّخَطِ. قُلْت وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ بَعِيدٌ. رَابِعُهَا مُضِيُّ زَمَانٍ يَسَعُ قَدْرَ مُهْلَةِ النَّظَرِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَادَةً وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِيَنْدَفِعَ احْتِمَالُ أَنَّ السَّاكِتِينَ كَانُوا فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ. خَامِسُهَا أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ. سَادِسُهَا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَلَوْ أَفْتَى وَاحِدٌ بِخِلَافِ الثَّابِتِ قَطْعًا فَلَيْسَ سُكُوتُهُمْ دَلِيلًا عَلَى شَيْءٍ وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا سَكَتُوا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُنْكَرٌ وَأَنَّ الْإِنْكَارَ لَا يُفِيدُ وَفِي الْمِيزَانِ إنْ لَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الِاجْتِهَادِيَّات بَلْ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِهَا تَكْلِيفٌ عِنْدَهُمْ كَمَا يُقَالُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَفْضَلُ أَمْ أَنَسٌ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ وَتَرْكُ الْإِنْكَارِ عَمَّا اُشْتُهِرَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَحَدِهِمَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِهَا تَكْلِيفٌ عِنْدَهُمْ وَانْتَشَرَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَسَكَتَ الْبَاقُونَ كَانَ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ اجْتِهَادِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي هِيَ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ لَا الِاعْتِقَادِ فَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْقَائِلِ إنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ فِي الْفُرُوعِ فَالْجَوَابُ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ سَوَاءٌ وَعَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَالْجُبَّائِيُّ يَكُونُ إجْمَاعًا إذَا انْتَشَرَ الْقَوْلُ فِيهِمْ، ثُمَّ انْقَرَضَ الْعَصْرُ وَابْنُهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا

تنبيه لو قال بعض أهل الإجماع هذا مباح وأقدم الباقي على فعله

وَلَكِنْ يَكُونُ حُجَّةً وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً وَعَنْ الشَّافِعِيِّ لَا أَقُولُ إنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَكِنْ أَقُولُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا تَحَرُّزًا عَنْ احْتِمَالِ الْخِلَافِ احْتِيَاطًا انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَيَتَلَخَّصُ مِنْهُ أَنَّ كَوْنَ الْمَسْأَلَةِ تَكْلِيفِيَّةً مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ هَذَا الْقَيْدِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْقَائِلِ: الْمُجْتَهِدُ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ. سَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ لِيَخْرُجَ إفْتَاءُ مُقَلِّدٍ سَكَتَ عَنْهُ الْمُخَالِفُونَ لِلْعِلْمِ بِمَذْهَبِهِمْ وَمَذْهَبُهُ كَشَافِعِيٍّ يُفْتِي بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ فَلَا يَدُلُّ سُكُوتُ الْحَنَفِيِّ عَنْهُ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِلْعِلْمِ بِاسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ وَالْخِلَافِ، وَفَائِدَتُهُ أَنْ لَا يَكُونَ السُّكُوتُ تَقِيَّةً كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيِّ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَوَقَعَ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِعَصْرِ الصَّحَابَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَيْدًا اتِّفَاقِيًّا وَإِلَّا فَالْأَوْلَى التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْجَمِيعِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ بَلْ التَّسْوِيَةُ هِيَ الْوَجْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ] (تَنْبِيهٌ) وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ أَنَّهُ يَكُونُ إجْمَاعًا مِنْهُمْ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَأَمَّا لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى عَمَلٍ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ قَوْلٌ فَفِيهِ مَذَاهِبُ: أَحَدُهَا وَهُوَ مَا قَطَعَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَفِي الْمَنْخُولِ أَنَّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ كَفِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَابِتَةٌ لِإِجْمَاعِهِمْ كَثُبُوتِهَا لَهُ. ثَانِيهَا الْمَنْعُ نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَاضِي وَتَعَقَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الَّذِي رَآهُ فِي التَّقْرِيبِ لِلْقَاضِي التَّصْرِيحُ بِالْجَوَازِ فَقَالَ كُلُّ مَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ يَقَعُ بِوَجْهَيْنِ إمَّا قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ وَكِلَاهُمَا حُجَّةٌ انْتَهَى. ثَالِثُهَا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يُحْمَلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْوُجُوبِ. رَابِعُهَا قَوْلُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ كُلُّ فِعْلٍ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْحُكْمِ وَالْبَيَانِ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ كَمَا أَنَّ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَفْعَالِ الرَّسُولِ مَخْرَجَ الشَّرْعِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ الشَّرْعُ، وَأَمَّا الَّذِي خَرَجَ مَخْرَجَ الْحُكْمِ وَالْبَيَانِ يَصِحُّ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِ الرَّسُولِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَجِيءِ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَنْقَرِضَ الْعَصْرُ أَوْ لَا وَمِنْ اشْتِرَاطِهِ فِي الْقَوْلِيِّ فَهُنَا أَوْلَى وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ اشْتِرَاطَهُ خِلَافُ التَّحْقِيقِ. [مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ] (مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ) فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ (لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُ) قَوْلٍ (ثَالِثٍ) فِيهَا (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي الْمَعَالِمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي رِسَالَتِهِ (وَخَصَّهُ) أَيْ عَدَمَ جَوَازِ إحْدَاثِ ثَالِثٍ (بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِالصَّحَابَةِ) أَيْ بِمَا إذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيهَا مِنْهُمْ فَلَمْ يُجَوِّزْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثَ ثَالِثٍ فِيهَا (وَمُخْتَارُ الْآمِدِيِّ) وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالرَّازِيِّ فِي غَيْرِ الْمَعَالِمِ وَأَتْبَاعِهِ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَرْفَعْ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْقَوْلَانِ وَلَا يَجُوزُ (إنْ رَفَعَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَرَدِّ الْمُشْتَرَاةِ بِكْرًا بَعْدَ الْوَطْءِ لِعَيْبٍ قَبْلَ الْوَطْءِ) كَانَ بِهَا عِنْدَ الْبَائِعِ عَلِمَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْوَطْءِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ (قِيلَ لَا) يَرُدُّهَا (وَقِيلَ) يَرُدُّهَا (مَعَ الْأَرْشِ) أَيْ أَرْشِ الْبَكَارَةِ (لَا يُقَالُ) يَرُدُّهَا (مَجَّانًا) أَيْ بِغَيْرِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ رَافِعٌ لِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَوَّلُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالثَّانِي عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَنَّهُمَا قَالَا يَرُدُّ مَعَهَا عُشْرَ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَنِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، ثُمَّ قَالَ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَسْلَمُ لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا فَمَنْ قَالَ يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا فَقَدْ خَالَفَ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً عَلَيْهِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَفِي هَذَا الْمِثَالِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي يُرْوَى عَنْهُمْ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمْ. وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَصَحَّتْ عَنْهُمْ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ: الْأَوَّلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالثَّانِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَشُرَيْحٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعَدَدٍ كَثِيرٍ، وَالثَّالِثُ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ مِنْ أَقْرَانِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ انْتَهَى وَاَلَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ شُرَيْحًا وَالنَّخَعِيَّ كَانَا يَقُولَانِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا عُشْرَ قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا، ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَقَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ

قَالَ يُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي قَدْرُ مَا يَضَعُ ذَلِكَ الْعَيْبُ أَوْ الدَّاءُ مِنْ ثَمَنِهَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَالنُّعْمَانُ، وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا رَدَّهَا وَمَا نَقَصَهَا الِاقْتِضَاضُ مِنْ ثَمَنِهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَلَمْ يَرُدَّهَا بَلْ يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ السُّبْكِيُّ إنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الرَّدِّ وَبَذْلُ الْأَرْشِ وَالْبَقَاءُ وَأَخْذُ الْأَرْشِ فَإِنْ تَشَاحَّا فَالصَّحِيحُ يُجَابُ مَنْ يَدْعُو إلَى الْإِمْسَاكِ وَالرُّجُوعِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ. وَحَكَى ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الثَّيِّبِ رِوَايَتَيْنِ لَا يَرُدُّهَا كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَرُدُّهَا بِلَا شَيْءٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَنَّهَا الصَّحِيحَةُ (وَمُقَاسَمَةُ الْجَدِّ) الصَّحِيحِ وَهُوَ مَنْ لَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى (الْإِخْوَةَ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كَمَا هِيَ مُسْتَوْفَاةٌ فِي عِلْمِ الْمَوَارِيثِ (وَحَجْبُهُ الْإِخْوَةَ فَلَا يُقَالُ بِحِرْمَانِهِ) أَيْ الْجَدِّ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ رَافِعٌ لِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ لِاتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ لِلْجَدِّ حَظًّا مِنْ الْمِيرَاثِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَفِي هَذَا الْمِثَالِ أَيْضًا نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ مَشْهُورَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ حَجْبُهُ لَهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى الْمُقَاسَمَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَجَاءَ حِرْمَانُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ، ثُمَّ رَجَعَ زَيْدٌ وَعَلِيٌّ إلَى الْمُقَاسَمَةِ قُلْت اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ إجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى بُطْلَانِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ الْحِرْمَانُ فَالْقَوْلُ بِهِ بَعْدَ مَنْ بَعْدَهُمْ يَكُونُ ثَالِثًا رَافِعًا لِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ فَلَا يُسْمَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ اللَّاحِقَ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ (وَعِدَّةُ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا) زَوْجُهَا (بِالْوَضْعِ) لِحَمْلِهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ (أَوْ أَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ) مِنْ الْوَضْعِ وَمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ (لَا يُقَالُ) تَنْقَضِي عِدَّتُهَا (بِالْأَشْهُرِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ رَافِعٌ لِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْفَسْخِ) لِلنِّكَاحِ (بِالْعُيُوبِ) مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْقَرْنِ وَالرَّتْقِ وَعَدَمِ الْفَسْخِ بِهَا (وَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجٍ) وَأَبَوَيْنِ (لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْكُلِّ أَوْ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ. (يَجُوزُ التَّفْصِيلُ فِي الْعُيُوبِ) وَكَيْفَ لَا وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِيهَا مَشْهُورَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِالتَّفْرِيقِ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُفْسَخُ بِهِ كَمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَقَدْ وَقَعَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْخِلَافِيَّاتِ (وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ) كَمَا سَتَعْلَمُ فَإِنَّ التَّفْصِيلَ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ لَمْ يَرْفَعْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَ فِي كُلِّ صُورَةٍ قَوْلًا (وَطَائِفَةٌ) كَالظَّاهِرِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ بَرْهَانٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ قَالُوا (يَجُوزُ) إحْدَاثُ ثَالِثٍ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُجْمِعُونَ عَلَى قَوْلَيْنِ الصَّحَابَةَ أَوْ غَيْرَهُمْ وَسَوَاءٌ رَفَعَ الثَّالِثُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَرْفَعْ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ نَقْلِ قَوْلَيْنِ عَنْ أَهْلِ عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ إجْمَاعِهِمْ عَلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ إحْدَاثِ ثَالِثٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ نَفْيُ بَيَانِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَقَالَ (الْآمِدِيُّ) إنَّمَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ إذَا لَمْ يَرْفَعْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ (لَمْ يُخَالِفْ مُجْمَعًا) عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ خِلَافُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ (الْمَانِعُ) مِنْ الْإِحْدَاثِ؛ لِأَنَّهُ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَلَمْ يُوجَدْ (بَلْ) الثَّالِثُ حِينَئِذٍ (وَافَقَ كُلًّا) مِنْ الْقَوْلَيْنِ (فِي شَيْءٍ) فَيَجُوزُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِلْجَوَازِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ وَارْتِفَاعُ الْمَانِعِ مِنْهُ وَهُوَ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ قِيلَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلٍ وَلَمْ يُفَصِّلُوا إجْمَاعٌ عَلَى عَدَمِ التَّفْصِيلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ لِلْإِجْمَاعِ لَازِمَةٌ لِكُلِّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ إحْدَاثٍ ثَالِثٍ فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَكَوْنُ عَدَمِ التَّفْصِيلِ مُجْمَعًا) عَلَيْهِ (مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ) أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ التَّفْصِيلِ (الْقَوْلُ بِهِ) أَيْ بِعَدَمِ التَّفْصِيلِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوهُ بَلْ سَكَتُوا عَنْهُ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ السُّكُوتُ عَنْ التَّفْصِيلِ قَوْلًا بِعَدَمِهِ (امْتَنَعَ الْقَوْلُ فِيمَا يَحْدُثُ) مِنْ الْحَوَادِثِ الَّتِي لَا قَوْلَ لِأَحَدٍ فِيهَا (إذْ كَانَ عَدَمُ الْقَوْلِ قَوْلًا بِالْعَدَمِ) لِلْقَوْلِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الشَّيْءِ وَعَدَمِ الْقَوْلِ بِالشَّيْءِ أَنْ لَا حُكْمَ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. (وَلَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ الْأَوَّلُ (لَوْ جَازَ التَّفْصِيلُ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِخَطَئِهِ) أَيْ التَّفْصِيلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّفْصِيلَ لَا عَنْ دَلِيلٍ

مسألة الجمهور إذا أجمعوا أي أهل عصر على دليل لحكم

مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الشَّرْعِ بِلَا دَلِيلٍ بَاطِلٌ فَهُوَ (عَنْ دَلِيلٍ) وَحِينَئِذٍ (فَإِنْ اطَّلَعُوا) أَيْ الْمُطْلِقُونَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الدَّلِيلِ (وَتَرَكُوهُ أَوْ لَمْ يَطَّلِعُوا) عَلَيْهِ (حَتَّى تَقَرَّرَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى خِلَافِهِ لَزِمَ خَطَؤُهُ) أَيْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ (إذْ لَوْ كَانَ) ذَلِكَ الدَّلِيلُ (صَوَابًا أَخْطَئُوا) بِتَرْكِ عَمَلِهِمْ بِهِ عَلِمُوهُ أَوْ جَهِلُوهُ (وَالتَّالِي) أَيْ خَطَؤُهُمْ (مُنْتَفٍ فَلَيْسَ) دَلِيلُ التَّفْصِيلِ (صَوَابًا) وَلِانْتِفَاءِ خَطَئِهِمْ لَزِمَ صَوَابُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنْ لَوْ كَانَ التَّفْصِيلُ صَحِيحًا كَانَ الْمُطْلِقُونَ مُخْطِئِينَ أَوْ جَاهِلِينَ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَلُزُومُهُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْقَطْعِ بِصَوَابِ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ (وَالْمَانِعُ) مِنْ الْقَوْلِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ (لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْمُخَالَفَةِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ مُخَالَفَةً بَلْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ لِلْقَطْعِ بِخَطَئِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَزِمَ جَهْلُ الْكُلِّ أَوْ خَطَؤُهُمْ (مَعَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُطْلِقَ) مِنْ الْفَرِيقَيْنِ (يَنْفِي التَّفْصِيلَ) ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْحَقُّ مَا ذَهَبْتُ إلَيْهِ لَا غَيْرُ (فَتَضَمُّنُهُ) أَيْ نَفْيِ التَّفْصِيلِ (وَإِطْلَاقُهُ) أَيْ الْمُطْلِقِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ فَقَدْ اجْتَمَعُوا فِي الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ مَا هُوَ الْحَقُّ حَقِيقَةٌ فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لِإِيجَابِ كُلِّ طَائِفَةٍ الْأَخْذَ بِقَوْلِهَا أَوْ قَوْلِ مُخَالِفِهَا وَتَحْرِيمِ الْأَخْذِ بِغَيْرِهَا. (وَأَمَّا قَوْلُهُمْ) أَيْ اسْتِدْلَالُ الْأَكْثَرِينَ بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّفْصِيلُ (يَلْزَمُ تَخْطِئَةُ كُلِّ فَرِيقٍ) مِنْ الْمُطْلِقِينَ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُفَصِّلُوا (فَيَلْزَمُ تَخْطِئَتُهُمْ) أَيْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا وَتَخْطِئَتُهَا غَيْرُ جَائِزٍ لِلنَّصِّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ فَالتَّفْصِيلُ غَيْرُ جَائِزٍ (فَدُفِعَ بِأَنَّ الْمُنْتَفِي) فِي النَّصِّ (تَخْطِئَةُ الْكُلِّ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَا تَخْطِئَةُ كُلٍّ فِي غَيْرِ مَا خَطِئَ فِيهِ الْآخَرُ) وَلَازِمٌ التَّفْصِيلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ نَعَمْ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ وَوَجَّهَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِعِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ شَامِلَةٌ لِلصُّورَتَيْنِ فَالتَّخْصِيصُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَكِنْ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ، وَهَذَا النَّظَرُ لَهُ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ انْقِسَامُ الْأُمَّةِ إلَى شَطْرَيْنِ كُلُّ شَطْرٍ مُخْطِئٌ فِي مَسْأَلَةٍ؟ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ خِلَافَهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمَحْذُورَ حُصُولُ الِاجْتِمَاعِ مِنْهَا عَلَى الْخَطَأِ إذْ لَيْسَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ الْأُمَّةِ بِمَعْصُومٍ فَإِذَا انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِخَطَأٍ غَيْرِ خَطَأِ صَاحِبِهِ فَلَا إجْمَاعَ عَلَى الْخَطَأِ (الْمُجَوِّزِ مُطْلَقًا اخْتِلَافَهُمْ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ الْأَوَّلِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْزِيعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ (دَلِيلِ تَسْوِيغِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ) فِيهَا؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِيهَا دَالٌّ عَلَى كَوْنِهَا اجْتِهَادِيَّةً فَسَاغَ فِيهَا الِاجْتِهَادُ فَسَاغَ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ (فَلَا يَكُونُ) اخْتِلَافُهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيهَا (مَانِعًا) مِنْ إحْدَاثِ ثَالِثٍ فِيهَا بَلْ مُسَوِّغًا لَهُ لِصُدُورِهِ عَنْ اجْتِهَادٍ أَيْضًا (أُجِيبُ) بِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ دَلِيلُ تَسْوِيغِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ (بِشَرْطِ عَدَمِ حُدُوثِ إجْمَاعٍ مَانِعٍ) مِنْ الِاجْتِهَادِ (كَمَا لَوْ اخْتَلَفُوا) فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ (ثُمَّ أَجْمَعُو هُمْ) عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فِيهِ وَهُنَا وُجِدَ إجْمَاعٌ مَانِعٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ إجْمَاعُهُمْ مَعْنًى عَلَى عَدَمِ التَّفْصِيلِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ (قَالُوا) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ مُطْلَقًا أَيْضًا (لَوْ لَمْ يَجُزْ) إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ مُطْلَقًا (لَأُنْكِرَ إذْ وَقَعَ) لَكِنَّهُ وَقَعَ (وَلَمْ يُنْكَرْ قَالَ الصَّحَابَةُ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ (وَابْنُ عَبَّاسٍ ثُلُثُ الْكُلِّ) فِيهِمَا كَمَا رَوَاهُ الْجَارُودِيُّ عَنْهُ وَعَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا (فَأَحْدَثَ ابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُ) وَهُوَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ كَمَا ذَكَرَ الْجَصَّاصُ (أَنَّ) لِلْأُمِّ (فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ) وَأَبَوَيْنِ (كَابْنِ عَبَّاسٍ وَالزَّوْجَةِ) أَيْ وَلِلْأُمِّ فِي مَسْأَلَتِهَا مَعَ الْأَبَوَيْنِ (كَالصَّحَابَةِ، وَعَكَسَ تَابِعِيٌّ آخَرَ) وَهُوَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْكَافِي فَقَالَ لَهَا فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ كَالصَّحَابَةِ وَفِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ (وَلَمْ يُنْكَرْ) إحْدَاثُ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ (وَإِلَّا) لَوْ أُنْكِرَ (نُقِلَ) وَلَمْ يُنْقَلْ وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ. (أَجَابَ الْمُفَصِّلُ بِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا التَّفْصِيلَ مِنْ كُلٍّ (مِنْ قِسْمِ الْجَائِزِ) إحْدَاثُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ بَلْ قَالَ فِي كُلِّ صُورَةٍ بِقَوْلٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ (وَمُطْلِقُو الْمَنْعِ) أَيْ وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ مُطْلَقًا (بِمَنْعِ) كُلٍّ مِنْ (انْتِفَاءِ الْإِنْكَارِ وَلُزُومِ النَّقْلِ لَوْ أَنْكَرَ، وَالشُّهْرَةُ لَوْ نُقِلَ) بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنْكَرَ وَلَمْ يُنْقَلْ الْإِنْكَارُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نُقِلَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَشْتَهِرَ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَيْسَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى حِكَايَةِ إنْكَارِهِ وَنَقْلِهِ أَلْبَتَّةَ. [مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ إذَا أَجْمَعُوا أَيْ أَهْلُ عَصْرٍ عَلَى دَلِيلٍ لِحُكْمٍ] (مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ إذَا أَجْمَعُوا) أَيْ أَهْلُ عَصْرٍ (عَلَى دَلِيلٍ) لِحُكْمٍ (أَوْ تَأْوِيلٍ جَازَ) لِمَنْ بَعْدَهُمْ (إحْدَاثُ غَيْرِهِمَا) مِنْ غَيْرِ إلْغَاءِ الْأَوَّلِ فَإِنْ قُلْت

مسألة لا إجماع إلا عن مستند

ذَكَرَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى بُطْلَانِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ مَا نَصُّوا عَلَى بُطْلَانِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ التَّأْوِيلِ الْقَدِيمِ، وَأَمَّا إحْدَاثُ الْجَدِيدِ فَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الْقَدْحُ فِي الْقَدِيمِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى تَفْسِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِأَحَدِ مَعْنَيَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ مَنْ بَعْدَهُمْ وَفَسَّرَهُ بِمَعْنَاهُ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ بِمَعْنَيَيْهِ جَمِيعًا وَصِحَّةُ الْجَدِيدِ تَقْتَضِي فَسَادَ الْقَدِيمِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ الْقَدْحُ جَازَ فَلِمَ لَمْ يُقَيِّدْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ الْجَوَازَ بِمَا إذَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى بُطْلَانِهِ وَبِمَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَدْحُ فِي الْأَوَّلِ قُلْت كَأَنَّهُ لِلْعِلْمِ بِإِرَادَتِهِ لِلُزُومِ تَخْطِئَةِ الْأُمَّةِ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ تَقْدِيرُهُ كَمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ آخَرُونَ بِمَا إذَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى صِحَّةِ إحْدَاثِهِ أَيْضًا لِلْعِلْمِ بِجَوَازِ مَا نَصُّوا عَلَى صِحَّتِهِ اتِّفَاقًا إذْ لَا تَخْطِئَةَ لِلْأُمَّةِ فِيهِ فَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا سَكَتُوا فِيهِ عَنْ الْأَمْرَيْنِ فَالْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ نَصًّا جَازَ الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ لَا، وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ إنْ كَانَ ظَاهِرًا لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُ، وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا يَجُوزُ لِجَوَازِ اشْتِبَاهِهِ عَلَى الْأَوَّلِينَ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ لَا، لَنَا) أَنَّ كُلًّا مِنْ الدَّلِيلِ وَالتَّأْوِيلِ (قَوْلٌ) عَنْ اجْتِهَادٍ (لَمْ يُخَالِفْ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ لَيْسَ قَوْلًا بِالْعَدَمِ) فَجَازَ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِجَوَازِهِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُ (بِخِلَافِ عَدَمِ التَّفْصِيلِ) فِي قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مُجْمَعٍ عَلَيْهِمَا (فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ) فَإِنَّ الْقَوْلَ الْمُفَصَّلَ فِيهَا يُخَالِفُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى (لِأَنَّهُ) أَيْ أَحَدَ صَاحِبَيْ الْقَوْلَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ (يَقُولُ لَا يَجُوزُ التَّفْصِيلُ لِبُطْلَانِ دَلِيلِهِ) أَيْ التَّفْصِيلِ (بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّفْصِيلُ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِخَطَئِهِ إلَخْ (وَكَذَا) الْمُطْلِقُ (الْآخَرُ) يَقُولُ لَا يَجُوزُ التَّفْصِيلُ لِبُطْلَانِ دَلِيلِهِ بِمَا ذَكَرْنَا (فَيَلْزَمُ) مِنْ الْإِحْدَاثِ لَهُ (خَطَؤُهُمْ) أَيْ الْأُمَّةِ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ قَوْلٌ بِالْعَدَمِ (وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَجُزْ) إحْدَاثُ كُلٍّ مِنْ الدَّلِيلِ وَالتَّأْوِيلِ (لَأَنْكَرَ) إحْدَاثَهُ (حِينَ وَقَعَ) ضَرُورَةَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ مُنْكِرُوهُمْ لَا يَسْكُتُونَ عَنْهُ (لَكِنْ) لَمْ يُنْكِرْ بَلْ (كُلُّ عَصْرٍ بِهِ يَتَمَدَّحُونَ) وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ فَضْلًا فَكَانَ إجْمَاعًا قَالَ مَانِعُو جَوَازِهِ أَوَّلًا هُوَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ سَبِيلَهُمْ الدَّلِيلُ أَوْ التَّأْوِيلُ السَّابِقُ وَهَذَا الْحَادِثُ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ بِالْآيَةِ. قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ كَمَا قَالَ (وَاتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ اتِّبَاعُ خِلَافِ مَا قَالُوهُ) مُتَّفِقِينَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ الْمُغَايَرَةِ (لَا مَا لَمْ يَقُولُوهُ) وَهَذَا مَا لَمْ يَقُولُوهُ، ثُمَّ إنَّ الْمُحْدِثَ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ دَلِيلَ الْأَوَّلِينَ وَلَا تَأْوِيلَهُمْ، وَإِنَّمَا ضَمَّ دَلِيلًا وَتَأْوِيلًا إلَى دَلِيلِهِمْ وَتَأْوِيلِهِمْ. (قَالُوا) أَيْ مَانِعُو جَوَازِهِ ثَانِيًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [آل عمران: 110] أَيْ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لِتَعَرُّفِهِ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ الْمُفِيدَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ (فَلَوْ كَانَ) الدَّلِيلُ أَوْ التَّأْوِيلُ الْمُحْدَثُ (مَعْرُوفًا أُمِرُوا) أَيْ الْأَوَّلُونَ (بِهِ) ضَرُورَةً لَكِنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فَلَمْ يَجُزْ الْمَصِيرُ إلَيْهِ (عُورِضَ لَوْ كَانَ) الدَّلِيلُ أَوْ التَّأْوِيلُ الْمُحْدَثُ (مُنْكَرًا لَنَهَوْا عَنْهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] أَيْ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لِتَعَرُّفِهِ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ الْمُفِيدَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنْهَوْا عَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا بَلْ مَعْرُوفًا، ثُمَّ فِي الْمُلَخَّصِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِيمَا إذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى كَذَا إلَّا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الدَّلِيلُ الثَّانِي مِمَّا تَتَغَيَّرُ دَلَالَتُهُ صَحَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى مَنْعِ كَوْنِهِ دَلِيلًا مِثْلَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْخُصُوصِ أَوْ يَنْقُلَهُ إلَى الْمَجَازِ أَوْ النَّسْخِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمْ كَمَا لَا يَصِحُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا، ثُمَّ هَلْ يَجْرِي التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى مَجْرَى الدَّلِيلِ فِي الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ فَأَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَسُلَيْمٌ نَعَمْ هِيَ كَالدَّلِيلِ فِي جَوَازِ إحْدَاثِهَا إلَّا إذَا قَالُوا لَا عِلَّةَ إلَّا هَذِهِ أَوْ تَكُونُ الثَّانِيَةُ بِخِلَافِ الْأُولَى فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ حِينَئِذٍ فَاسِدَةً، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إنْ كَانَ لِحُكْمٍ عَقْلِيٍّ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِعِلَّتَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا يُمْنَعُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ عِلَّتَهُمْ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ] (مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ) أَيْ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ إذْ رُتْبَةُ الِاسْتِقْلَالِ بِإِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ لَيْسَتْ لِلْبَشَرِ (وَإِلَّا) لَوْ جَازَ الْإِجْمَاعُ لَا عَنْ مُسْتَنَدٍ (انْقَلَبَتْ الْأَبَاطِيلُ صَوَابًا أَوْ أُجْمِعَ

عَلَى خَطَأٍ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (قَوْلُ كُلٍّ) مِنْ الْمُجْمِعِينَ (وَقَوْلُ كُلٍّ بِلَا دَلِيلٍ مُحَرِّمٌ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلشَّرْعِ بِالتَّشَهِّي وَهُوَ بَاطِلٌ فَكَوْنُهُ بِلَا مُسْتَنَدٍ بَاطِلٌ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا لُزُومُ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ وَبُطْلَانُهُ إلَّا أَنَّ (لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ) ذِكْرُ أَحَدِ اللَّازِمَيْنِ كَافٍ لِعَدَمِ انْفِكَاكِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ إذْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ انْقِلَابَ الْبَاطِلِ صَوَابًا بِالْإِجْمَاعِ إجْمَاعٌ عَلَى خَطَأٍ كَمَا أَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْخَطَأِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ انْقِلَابُ الْبَاطِلِ صَوَابًا فَلْيُتَأَمَّلْ (وَاسْتَدَلَّ) لِهَذَا الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ (يَسْتَحِيلُ) الْإِجْمَاعُ (عَادَةً مِنْ الْكُلِّ لَا لِدَاعٍ) يَدْعُو إلَى الْحُكْمِ مِنْ دَلِيلٍ أَوْ أَمَارَةٍ (كَالِاجْتِمَاعِ عَلَى اشْتِهَاءِ طَعَامٍ) أَيْ كَاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى اشْتِهَاءِ طَعَامٍ وَاحِدٍ (وَيُدْفَعُ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ) لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي دَلِيلًا شَرْعِيًّا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (بِخَلْقِ الضَّرُورِيِّ) أَيْ بِسَبَبِ خَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ عِنْدَهُمْ بِهِ فَيَصْدُرُ الْإِجْمَاعُ عَنْهُ وَهُوَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ وَالْمُسْتَنَدُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا (وَيَصْلُحُ) هَذَا الدَّفْعُ. (جَوَابَ الْأَوَّلِ) أَيْ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ (أَيْضًا إذْ الضَّرُورِيُّ حَقٌّ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الدَّفْعَ (فَرْضٌ غَيْرَ وَاقِعٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى خَاطَبَ بِكَذَا لَا يَثْبُتُ ضَرُورَةً عَقْلِيَّةً بَلْ بِالسَّمْعِ) وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ (وَلَوْ أُلْقِيَ فِي الرُّوعِ) بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ الْقَلْبِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُجَوَّزِينَ بِقَوْلِهِمْ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوَفِّقَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِاخْتِيَارِ الصَّوَابِ (فَإِلْهَامٌ) وَهُوَ (لَيْسَ حُجَّةً إلَّا عَنْ نَبِيٍّ قَالُوا) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ (لَوْ كَانَ) الْإِجْمَاعُ عَنْ سَنَدٍ (لَمْ يُفِدْ الْإِجْمَاعُ) لِلِاسْتِغْنَاءِ بِالسَّنَدِ عَنْهُ (أُجِيبُ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ حِينَئِذٍ (التَّحَوُّلُ) لِلْحُكْمِ إذَا كَانَ ظَنِّيًّا مِنْ الْأَحْكَامِ الظَّنِّيَّةِ (إلَى الْأَحْكَامِ الْقَطْعِيَّةِ) وَهُوَ سُقُوطُ الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَكَيْفِيَّةُ دَلَالَتِهِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ طَلَبُ الدَّلِيلِ الَّذِي صَدَرَ الْإِجْمَاعُ عَنْهُ بَلْ إنْ ظَهَرَ أَوْ نُقِلَ إلَيْهِ كَانَ أَحَدَ أَدِلَّةِ الْمَسْأَلَةِ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ نَفْيَ فَائِدَةِ الْإِجْمَاعِ عَنْ دَلِيلٍ (يَسْتَلْزِمُ لُزُومَ نَفْيِ الْمُسْتَنَدِ) لِإِيجَابِهِ عَدَمَ انْعِقَادِهِ عَنْ دَلِيلِ الْمُسْتَلْزِمِ لِوُجُوبِ كَوْنِهِ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْمُسْتَنَدُ لَا يَجِبُ لَا إنَّ عَدَمَهُ يَجِبُ (ثُمَّ يَجُوزُ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُسْتَنَدِ (قِيَاسًا خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ) وَابْن جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَاسْتُغْرِبَ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْعَ الظَّاهِرِيَّةِ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي مَنْعِ الْقِيَاسِ وَهُوَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إلَى عَكْسِ هَذَا كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي خَاتِمَةِ الْمَسْأَلَةِ. (وَبَعْضُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (يُجَوِّزُهُ) أَيْ كَوْنَهُ عَنْ قِيَاسٍ عَقْلًا وَيَقُولُ (وَلَمْ يَقَعْ لَنَا مَانِعٌ يُقَدَّرُ) فِي عَدَمِ كَوْنِ الْقِيَاسِ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ (إلَّا الظَّنِّيَّةَ) أَيْ كَوْنَهُ دَلِيلًا ظَنِّيًّا ظَنًّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ حَيْثُ كَانَ أَصْلًا قَطْعِيًّا مِنْ أُصُولِ الدِّينِ مَعْصُومًا عَنْ الْخَطَأِ لَا يَكُونُ مُسْتَنِدًا إلَى ظَنِّيٍّ مُعَرَّضٍ لِلْخَطَأِ غَيْرِ مَعْصُومٍ عَنْهُ إذْ الْمُجْتَهِدُ قَدْ يُخْطِئُ لِئَلَّا يَلْزَمَ كَوْنُ فَرْعِ الشَّيْءِ أَقْوَى مِنْهُ (وَلَيْسَتْ) الظَّنِّيَّةُ لِلدَّلِيلِ (مَانِعَةً) مِنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِذَلِكَ (كَالْآحَادِ) أَيْ كَخَبَرِ الْآحَادِ فَإِنَّهُ ظَنِّيٌّ قَالَ فِي الْبَدِيعِ وَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَنْهُ بَلْ حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَامَّةِ الْكُتُبِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَفِي الْمِيزَانِ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ وَالْقَاشَانِيِّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا عَنْ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَفِي أُصُولِ السَّرَخْسِيِّ وَكَانَ ابْنُ جَرِيرٍ يَقُولُ الْإِجْمَاعُ الْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ قَطْعًا لَا يَصْدُرُ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا عَنْ قِيَاسٍ وَعَلَى هَذَا فَيَنْتَفِي احْتِجَاجُ ابْنِ الْقَطَّانِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَافَقَ عَلَى وُقُوعِهِ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ فَكَذَلِكَ الْقِيَاسُ، ثُمَّ مَنَعَ كَوْنَ الْقِيَاسِ الَّذِي يَسْتَنِدُ الْإِجْمَاعُ ظَنِّيًّا؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ سَبَقَهُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقِيَاسُ ظَنِّيًّا بَلْ قَطْعِيًّا لِوُقُوعِ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّتِهِ فَيَكُونُ إسْنَادُ الْإِجْمَاعِ إلَى قَطْعِيٍّ لَا إلَى ظَنِّيٍّ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْفَرْعِ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ. قُلْت إلَّا أَنَّ فِي هَذَا تَأَمُّلًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ إذَا عُلِمَ انْعِقَادُهُ لِدَلِيلٍ يَكُونُ مُنْعَقِدًا عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَهَذَا مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ الْأَشَاعِرَةِ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ يَكُونُ مُنْعَقِدًا عَلَى الْحُكْمِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْمَطْلُوبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فَيَكُونُ مُنْعَقِدًا عَلَيْهِ لَا عَلَى الدَّلِيلِ. قَالُوا وَمِمَّا يُبْتَنَى عَلَيْهِ لَوْ انْعَقَدَ عَلَى مُوجَبِ خَبَرٍ فَعِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ يَكُونُ إجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ وَعِنْدَ

الْجُمْهُورِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ طَرِيقًا مَخْصُوصًا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ النَّقْلُ فَيُطْلَبُ صِحَّتُهُ وَعَدَمُ صِحَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ لَكِنَّ نَقْلَ الْأَوَّلِ أَشْبَهُ وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَيْضًا ضَعْفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ جَوَازِ انْعِقَادِهِ عَنْ جَلِيِّ الْقِيَاسِ دُونَ خَفِيِّهِ (وَ) قَدْ (وَقَعَ قِيَاسُ الْإِمَامَةِ) أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيَاسًا (عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ) لَهُ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيَّنَ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ» كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ الْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَأَتَاهُمْ عُمَرُ فَقَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالُوا نَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ» حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ وَافَقْنَا مِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طِيبَ نَفْسٍ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ ذَاكَ رَجُلٌ سَمَّاهُ اللَّهُ الصِّدِّيقَ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّلَاةِ رَضِيَهُ لِدِينِنَا فَرَضِينَاهُ لِدُنْيَانَا. (وَفِيهِ) أَيْ وَفِي كَوْنِ هَذَا مِمَّا مُسْتَنَدُهُ الْقِيَاسُ (نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةَ (أَثْبَتُوهُ) أَيْ كَوْنَ أَبِي بَكْرٍ إمَامًا فِي الْكُبْرَى (بِأَوْلَى) كَمَا يُفِيدُهُ مَا تَقَدَّمَ وَخُصُوصًا الْأَخِيرَ (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الْمُفِيدَةُ لَهُ هِيَ (الدَّلَالَةُ) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ) عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى النَّصِّ (لَكِنْ) وَقَعَ الْإِجْمَاعُ مُسْتَنِدًا إلَى الْقِيَاسِ فِي غَيْرِ هَذَا وَهُوَ (حَدُّ الشُّرْبِ) لِلْخَمْرِ فَإِنَّهُ ثَمَانُونَ لِلْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ قِيَاسًا (عَلَى الْقَذْفِ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) كَمَا يُفِيدُهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ نَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ فَإِنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَرَى أَنْ تَجْعَلَهُ ثَمَانِينَ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ قَالَ فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَشَارَ بِذَلِكَ فَرَوَى الْحَدِيثَ مَرَّةً مُقْتَصِرًا عَلَى هَذَا وَمَرَّةً عَلَى هَذَا، ثُمَّ هَذَا مُتَعَقَّبٌ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَيَمْنَعُهُ) أَيْ ثُبُوتَ الْحَدِّ بِالْقِيَاسِ (بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ) لَكِنَّ الْوَجْهَ إسْقَاطُ بَعْضٍ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُدُودُ كَمَا يُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِهِ فِي مَسْأَلَةٍ عَقِبَ مَسْأَلَةِ حُكْمِ الْقِيَاسِ وَيُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الْمَأْثُورَ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَنْتَهِضُ عَلَيْهِمْ وَنَذْكُرُ ثَمَّةَ مَا يُيَسِّرُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِذَا تَمَّ مَنْعُ هَذَا (فَالشَّيْرَجُ النَّجِسُ عَلَى السَّمْنِ فِي الْإِرَاقَةِ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَفْصَحَ بِهِ شَارِحُو كَلَامِهِ وَغَيْرُهُمْ أَيْ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى إرَاقَةِ الشَّيْرَجِ النَّجِسِ الْمَائِعِ قِيَاسًا عَلَى إرَاقَةِ السَّمْنِ النَّجِسِ الْمَائِعِ الْمُسْتَفَادِ مِمَّا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» وَقَدْ أُعِلَّ بِأَنَّهُ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَنَّهُ كَانَ يَضْطَرِبُ فِي إسْنَادِهِ كَمَا يَضْطَرِبُ فِي مَتْنِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا تَقْرَبُوهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ فَإِنَّ جُمْهُورَهُمْ يُجَوِّزُ الِاسْتِصْبَاحَ بِهِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُجَوِّزُ بَيْعَهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْإِجْمَاعُ فِي هَذَا بِالْقِيَاسِ (وَصَرَّحَ مُتَأَخِّرٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا بِنَفْيِ قَطْعِيَّةِ الْمُسْتَنَدِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ بَلْ الْإِجْمَاعُ يُفِيدُهَا) أَيْ الْقَطْعِيَّةَ (كَأَنَّهُ) أَيْ هَذَا مِنْ قَائِلِهِ (لِنَفْيِ الْفَائِدَةِ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ السَّنَدِ قَطْعِيًّا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهِ، ثُمَّ لَعَلَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الْمِيزَانِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ إلَّا عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعِ حُجَّةٌ قَطْعًا وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا فِي مَوْضِعٍ فِيهِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ وَالْحُكْمُ بِهِ مَعْلُومٌ لَمْ يَكُنْ فِي انْعِقَادِهِ حُجَّةٌ فَائِدَةٌ وَلَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْعِبَادِ إذْ الشَّرَائِعُ مَا شُرِعَتْ إلَّا لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ وَفَائِدَتِهِمْ، ثُمَّ حَيْثُ ثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ كَوْنُهُ حُجَّةً دَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ فِي انْعِقَادِهِ فَائِدَةً وَهُوَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَيَقُّنَ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهِمَا وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ

مسألة لا يجوز أن لا يعلموا أي مجتهدو عصر دليلا سالما عن المعارض المكافئ له عملوا بخلافه

إنَّمَا عُرِفَ حُجَّةً كَرَامَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لِحَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَمَتَى وَقَعَتْ حَادِثَةٌ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ قَاطِعٌ وَعَمِلُوا فِيهَا بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْخَطَأِ. وَجَازَ أَنْ يَكُونُوا عَلَى الْخَطَأِ كَانَ قَوْلًا بِخُرُوجِ الْحَقِّ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَمَسُّ الْحَاجَةِ إلَى تَجْدِيدِ الرِّسَالَةِ وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ لِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى بِكَوْنِ رَسُولِنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ فَصَارَ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً لِهَذِهِ الْحَاجَةِ أَلَا يُرَى أَنَّ إجْمَاعَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِمَا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِوُجُودِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ حَالَ حَيَاةِ رُسُلِهِمْ وَبَعْدَ وَفَاتِهِمْ بِتَجْدِيدِ الرِّسَالَةِ وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ فِي حَالِ حَيَاةِ الرَّسُولِ فَظَهَرَ أَنَّ الْحَاجَةَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ دُونَ مَوْضِعِ الْآيَةِ الْمُفَسِّرَةِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ قَطْعًا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَثَبَتَ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ فَيَنْعَقِدُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ لَا فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلِعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الدَّلَائِلَ الْمُوجِبَةَ لِكَوْنِهِ حُجَّةً لَا تُفْصَلُ بَيْنَمَا إذَا كَانَ الدَّاعِي دَلِيلًا قَاطِعًا أَوْ ظَاهِرًا مَعَ الشُّبْهَةِ فَاشْتِرَاطُ الْقَطْعِيِّ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ بِلَا دَلِيلٍ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ إذَا كَانَ الْمَبْنِيُّ عَلَى الدَّلِيلِ الْمُحْتَمَلِ حُجَّةً فَعَلَى الْمُتَيَقَّنِ أَوْلَى كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِذَا قِيلَ) الْقِيَاسُ الْمُسْتَنِدُ إلَى قَطْعِيٍّ (يُفِيدُهَا) أَيْ الْقَطْعِيَّةَ (بِأَوْلَى) أَيْ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ التَّأْكِيدِ وَطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ (انْتَفَى) التَّوَجُّهُ الْمَذْكُورُ (هَذَا عَلَى عَدَمِ تَفَاوُتِ الْقَطْعِيِّ قُوَّةً كَمَا أَسْلَفْنَاهُ) . وَأَمَّا عَلَى تَفَاوُتِهِ فَبِطَرِيقٍ أَوْلَى، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ فَالْحَاجَةُ إلَى مُطْلَقِ الْحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ ثَابِتَةٌ وَفِي كَثْرَةِ الدَّلَائِلِ تَيْسِيرٌ عَلَى النَّاسِ لِيَطْلُبُوا الْحَقَّ بِأَيِّ دَلِيلٍ اتَّفَقَ لَهُمْ وَتَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ جَائِزٌ بَلْ وَاقِعٌ بَلْ وَمُرَادٌ لَهُمْ مِنْ الشَّارِعِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَفِي الْمِيزَانِ وَلِأَنَّا وَجَدْنَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ الْكِتَابَ وَالْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ الْمَاسَّةُ تَرْتَفِعُ بِأَحَدِهِمَا فَكَذَا إذَا وُجِدَ الْإِجْمَاعُ مَعَهَا وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ وَلَكِنْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّيْسِيرِ وَالتَّخْفِيفِ وَرَفْعِ الْمُؤْنَةِ عَنْ طَلَبِ الْحَقِّ بِالِاجْتِهَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ التَّأْكِيدِ وَطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ، وَأَمَّا فِي زَمَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونَ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً وَقَوْلُ الرَّسُولِ حُجَّةٌ فَيَكُونَ حُجَّتَيْنِ وَهَكَذَا تَقُولُ فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ إنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ لِمَا قُلْنَا انْتَهَى هَذَا، وَفِي التَّلْوِيحِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِي كَوْنِ السَّنَدِ قَطْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ عَلَى حُكْمٍ ثَابِتٍ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ فَظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، وَكَذَا إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ صَادِقٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فَلَا يُتَصَوَّرُ النِّزَاعُ فِيهِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الثَّابِتِ مُحَالٌ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَيْ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ دَلِيلًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُكَافِئِ لَهُ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ] (مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا) أَيْ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ (دَلِيلًا رَاجِحًا) أَيْ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُكَافِئِ لَهُ (عَمِلُوا بِخِلَافِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَمِلُوا عَلَى وَفْقِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ الرَّاجِحِ حَالَ كَوْنِهِمْ (مُصِيبِينَ) فِي الْحُكْمِ لَكِنْ بِدَلِيلٍ مَرْجُوحٍ (فَقِيلَ كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَجُوزُ (لِأَنَّ الرَّاجِحَ سَبِيلُهُمْ) أَيْ الْمُؤْمِنِينَ (وَعَمِلُوا بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ الرَّاجِحِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ مُوَافَقَةِ الْحُكْمِ لِلدَّلِيلِ لَيْسَ اتِّبَاعًا لَهُ بَلْ إذَا أَخَذُوهُ مِنْهُ (وَالْمُجَوِّزُ) لِعَمَلِهِمْ عَلَى وَفْقٍ رَاجِحٍ مُصِيبِينَ فِي الْحُكْمِ لَكِنَّ الْمَرْجُوحَ يَقُولُ (لَيْسَ) عَدَمُ الْعِلْمِ بِالرَّاجِحِ (بِإِجْمَاعٍ عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ الرَّاجِحِ (لِيَكُونَ) عَمَلُهُمْ بِالْمَرْجُوحِ عَلَى وَفْقِ الرَّاجِحِ (خَطَأً) فَإِنَّ الْخَطَأَ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَعَدَمُ الْعِلْمِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَحْكُمُوا فِي وَاقِعَةٍ بِحُكْمٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَوْلًا بِعَدَمِ الْحُكْمِ فِيهَا (وَسَبِيلُهُمْ مَا عَمِلُوا بِهِ لَا مَا) أَيْ لَا الرَّاجِحُ الَّذِي (لَمْ يَخْطِرْ لَهُمْ بَلْ هُوَ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَخْطِرْ لَهُمْ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ لَمْ يَخْطِرْ لَهُمْ (مِنْ شَأْنِهِ) أَنْ يَكُونَ سَبِيلَهُمْ لَا أَنَّهُ سَبِيلُهُمْ بِالْفِعْلِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَاِبْنُ الْحَاجِبِ، ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ بِالْعَمَلِ بِمَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ فَاشْتِرَاكُهُمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ. [مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِ أُمَّةِ عَصْرٍ] (مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِ أُمَّةِ عَصْرٍ سَمْعًا، وَإِنْ جَازَ) ارْتِدَادُهُمْ (عَقْلًا) إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ (وَقِيلَ يَجُوزُ) شَرْعًا كَمَا يَجُوزُ عَقْلًا (لَنَا أَنَّهُ) أَيْ ارْتِدَادَهُمْ (إجْمَاعٌ عَلَى الضَّلَالَةِ) فَإِنَّ الرِّدَّةَ ضَلَالَةٌ وَأَيُّ ضَلَالَةٍ. (وَالسَّمْعِيَّةُ) مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (تَنْفِيهِ) أَيْ إجْمَاعَهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ (وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الرِّدَّةَ تُخْرِجُهُمْ) أَيْ الْأُمَّةَ (عَنْ تَنَاوُلِهَا) أَيْ السَّمْعِيَّةِ إيَّاهُمْ (إذْ لَيْسُوا أُمَّتَهُ) حِينَئِذٍ (وَالْجَوَابُ يَصْدُقُ) إذَا ارْتَدُّوا أَنَّهُ (ارْتَدَّتْ

مسألة ظن أن قول الشافعي دية اليهودي الثلث من دية المسلمين يتمسك فيه بالإجماع

أُمَّتُهُ قَطْعًا) أَيْ وَهُوَ أَعْظَمُ الْخَطَإِ وَإِيرَادُ صِدْقِ أَنَّ الْأُمَّةَ ارْتَدَّتْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا أُطْلِقَ بَعْدَ وُقُوعِ الرِّدَّةِ أَمَّا فِي حَالِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ قَالَ السُّبْكِيُّ وَيُمْكِنُ الْتِفَاتُ ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مَعَ الْمَعْلُولِ أَوْ سَابِقِهِ فَإِنَّ الِارْتِدَادَ عِلَّةُ خُرُوجِهِمْ عَنْ كَوْنِهِمْ أُمَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى خُرُوجِهِمْ صَدَقَ مَعَهُ لَفْظُ الْأُمَّةِ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَلَا، ثُمَّ ظَاهِرُ دَلِيلِ الْمُخْتَارِ أَنَّ السَّمْعِيَّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» وَنَظَائِرُهُ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَوْ اسْتَدَلَّ بِنَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ» لَكَانَ أَوْضَحَ فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَخْلُو عَنْ قَائِمٍ بِالْحَقِّ وَيَسْتَحِيلُ مَعَهُ رِدَّةُ الْكُلِّ. [مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ] (مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ) مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ (يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِ الْكُلِّ بِالثُّلُثِ إذَا قِيلَ بِهِ) أَيْ بِالثُّلُثِ (وَبِالنِّصْفِ وَالْكُلِّ وَلَيْسَ) هَذَا الظَّنُّ وَاقِعًا مَوْقِعَهُ (لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ) عَلَى الثُّلُثِ (جُزْءُ قَوْلِهِ) أَيْ الشَّافِعِيِّ بِوُجُوبِ الثُّلُثِ فَقَطْ إذْ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى حُكْمَيْنِ وُجُوبِ الثُّلُثِ (وَ) نَفْيِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ (لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى نَفْيِ الزَّائِدِ لَا بُدَّ فِي نَفْيِهِ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَإِنْ أَبْدَى وُجُودَ مَانِعٍ مِنْ الزِّيَادَةِ كَالْكُفْرِ أَوْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ لَهَا كَالْإِسْلَامِ أَوْ عَدَمِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الزِّيَادَةِ فَيُسْتَصْحَبُ الْأَصْلُ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ فَلَيْسَ مِنْ الْإِجْمَاعِ فِي شَيْءٍ بَلْ هِيَ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْهُ. [مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ] (مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ) كَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ الْمَنْقُولِ بِالتَّوَاتُرِ (يُكَفِّرُ) مُتَعَاطِيَهُ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَطَائِفَةٍ) ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ يَتَضَمَّنُ إنْكَارَ سَنَدٍ قَاطِعٍ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ إنْكَارَ صِدْقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كُفْرٌ غَيْرَ أَنَّ نِسْبَةَ هَذَا إلَى الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ فِيهِمْ إذْ فِي الْمِيزَانِ فَأَمَّا إنْكَارُ مَا هُوَ ثَابِتٌ قَطْعًا مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ بِأَنْ عَلِمَ بِالْإِجْمَاعِ وَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ انْتَهَى. وَالتَّقْوِيمُ مُشِيرٌ إلَيْهِ أَيْضًا إذْ فِيهِ لَمْ نُبَالِ بِخِلَافِ الرَّوَافِضِ إيَّانَا فِي إمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَبِخِلَافِ الْخَوَارِجِ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ لِفَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ، وَإِنْ كُنَّا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ لِلشُّبْهَةِ (وَطَائِفَةٌ لَا) تُكَفِّرُهُ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ حُجِّيَّتِهِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ فَإِنْكَارُ حُكْمِهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ كَإِنْكَارِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ دَلِيلَ حُجِّيَّتِهِ قَطْعِيٌّ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ فَلَا يَتِمُّ أَمْرُ هَذَا الْبِنَاءِ (وَيُعْطِي الْأَحْكَامُ) لِلْآمِدِيِّ (وَغَيْرِهِ) كَمُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَقْوَالِ (هَذَيْنِ وَالتَّفْصِيلِ) وَهُوَ (مَا) كَانَ (مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ) أَيْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَا يَعْرِفُهُ مِنْهُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لِلتَّشْكِيكِ كَوُجُوبِ اعْتِقَادِ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ وَوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَأَخَوَاتِهَا مِنْ الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ (يُكَفَّرُ) مُنْكِرُهُ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ بِأَنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ مِنْهُ إلَّا الْخَوَاصُّ كَفَسَادِ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَإِعْطَاءِ السُّدُسِ لِلْجَدَّةِ وَحُرْمَةِ تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا (فَلَا) يُكَفَّرُ مُنْكَرُهُ. (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمُعْطَى (غَيْرُ وَاقِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ إنْكَارَ نَحْوِ الصَّلَاةِ لَا يُكَفَّرُ مُتَعَاطِيهِ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا (إذْ لَا مُسْلِمَ يَنْفِي كُفْرَ مُنْكِرِ نَحْوَ الصَّلَاةِ) فَلَيْسَ فِي الْوَاقِعِ إلَّا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا التَّكْفِيرُ مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِمَا لَفْظُهُ فَشَا فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ خَارِقَ الْإِجْمَاعِ يُكَفَّرُ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنَّ مَنْ يُنْكِرُ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ لَا يُكَفَّرُ وَالْقَوْلُ فِي التَّكْفِيرِ وَالتَّبَرِّي لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، ثُمَّ قَالَ نَعَمْ مَنْ اعْتَرَفَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَقَرَّ بِصِدْقِ الْمُجْمِعِينَ فِي النَّقْلِ، ثُمَّ أَنْكَرَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ كَانَ هَذَا التَّكْذِيبُ آيِلًا إلَى الشَّارِعِ وَمَنْ كَذَّبَ الشَّارِعَ كَفَرَ، وَالْقَوْلُ الضَّابِطُ فِيهِ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ طَرِيقًا فِي ثُبُوتِ الشَّرْعِ لَمْ يَكْفُرْ وَمَنْ اعْتَرَفَ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مِنْ الشَّرْعِ ثُمَّ جَحَدَهُ كَانَ مُنْكِرًا لِلشَّرْعِ، وَإِنْكَارُ جُزْءٍ مِنْ الشَّرْعِ كَإِنْكَارِ كُلِّهِ ثَانِيهمَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وَعَلَيْهِ مَشَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَعَلَّلَ إكْفَارَ مَنْ اعْتَقَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِكِ فِي مَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ خِلَافَ مَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ صَارَ بِخِلَافِهِ جَاحِدًا لِمَا قُطِعَ بِهِ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَ كَالْجَاحِدِ لِصِدْقِ الرَّسُولِ. (وَإِذَا حُمِلَ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْخُصُوصِ)

وَهُوَ مَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فِيمَا فِي الْأَحْكَامِ وَمَا وَافَقَهُ لِيَنْدَفِعَ وُرُودُ هَذَا اللَّازِمِ الْبَاطِلِ لَا يَصِحُّ أَيْضًا لِعَدَمِ صِحَّةِ تَقْسِيمِهِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ إذْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ (لَمْ يَتَنَاوَلْهُ) أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ بَلْ يُبَايِنُهُ، ثُمَّ يُقَالُ وَلَيْسَ كَوْنُ الشَّيْءِ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ لَهُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ (لِأَنَّ حُكْمَهُ حِينَئِذٍ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (مَا لَيْسَ) نَاشِئًا (إلَّا عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْإِجْمَاعِ، وَالْمَعْلُومُ بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّةِ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ ظُهُورِ كَوْنِهِ مِنْ الدِّينِ ظُهُورَ اشْتِرَاكٍ فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ صَفِيُّ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي النِّهَايَةِ جَاحِدًا الْحُكْمَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ لَا يُكَفَّرُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَنَا بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ؛ لِأَنَّ جَاحِدَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ لَا يُكَفَّرُ وِفَاقَا انْتَهَى. وَجَعَلَ السُّبْكِيُّ لِمُنْكِرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ غَيْرِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ: مُنْكِرُ إجْمَاعٍ ذِي شُهْرَةٍ فِيهِ نَصٌّ كَحِلِّ الْبَيْعِ فَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ كَافِرٌ فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا رَيْبَ فِي كُفْرِهِ لِتَكْذِيبِهِ الصَّادِقَ، وَمُنْكِرُ إجْمَاعٍ ذِي شُهْرَةٍ لَا نَصَّ فِيهِ قِيلَ لَا يُكَفَّرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَكْذِيبِ الصَّادِقِ إذْ الْفَرْضُ أَنْ لَا نَصَّ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَذَّبَ الْمُجْمِعِينَ وَالْأَصَحُّ يُكَفَّرُ؛ لِأَنَّ تَكْذِيبَهُمْ يَتَضَمَّنُ تَكْذِيبَ الصَّادِقِ، وَمُنْكِرُ إجْمَاعٍ لَيْسَ بِذِي شُهْرَةٍ وَالْأَصَحُّ لَا يُكَفَّرُ وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ جَاحِدًا لِخَفِيٍّ وَلَوْ مَنْصُوصًا وَمَثَّلَ بِاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ الصُّلْبِيَّةِ فَإِنَّهُ قَضَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لِتَكْذِيبِهِ الْأُمَّةَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْ الْأُمَّةَ صَرِيحًا إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَيْسَ مَشْهُورًا فَهُوَ مِمَّا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ انْتَهَى. وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يُكَفَّرُ الْمُنْكِرُ إذَا اعْتَرَفَ بِالْعِلْمِ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ بِالْقَطْعِيِّ مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ نَصًّا كَعَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَمَعَ سُكُوتِ بَعْضِهِمْ) وَلَفْظُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَصَارَ الْإِجْمَاعُ كَأَنَّهُ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ وَالْعِلْمِ بِهِ فَيُكَفَّرُ جَاحِدُهُ فِي الْأَصْلِ انْتَهَى وَهَذَا كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ يَتَعَلَّقُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ حُكْمُهُ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَثْبُتَ الْمُرَادُ بِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا عَلَى سَبِيلِ التَّيَقُّنِ انْتَهَى. أَيْ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ أَنْ يَثْبُتَ الْمُرَادُ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ كَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى شَيْءٍ نَصًّا فَإِنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ تَوَهُّمُ الْخَطَأِ وَقَيَّدَ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ رُبَّمَا لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ قَطْعًا وَيَقِينًا بِسَبَبِ الْعَارِضِ كَمَا إذَا ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ بِنَصِّ الْبَعْضِ وَسُكُوتِ الْآخَرِينَ وَكَثُبُوتِ بُطْلَانِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَكَإِجْمَاعِ الْعَصْرِ الثَّانِي بَعْدَ سَبْقِ الْخِلَافِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمَّا كَانَ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ أَنْ يُوجِبَ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْآيَةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ فَيُكَفَّرُ جَاحِدُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ بِأَنْ يَكُونَ حُكْمًا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ كَجَاحِدِهِمَا لَا حُكْمَ كُلِّ إجْمَاعٍ لِيَتَنَاوَلَ إجْمَاعًا نَصَّ الْبَعْضُ عَلَى حُكْمِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ الْبَاقُونَ وَإِجْمَاعًا لِلْعَصْرِ الثَّانِي بَعْدَ سَبْقِ الْخِلَافِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ هَذَا أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَرَاتِبَ فَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ مِثْلُ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَإِجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْحَدِيثِ وَإِذَا صَارَ الْإِجْمَاعُ مُجْتَهَدًا فِي السَّلَفِ كَانَ كَالصَّحِيحِ مِنْ الْآحَادِ انْتَهَى. وَمُنْكِرُ خَبَرِ الْآحَادِ لَا يُكَفَّرُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي كَوْنِهِ مَقْطُوعًا بِهِ حَتَّى يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ وَهَذَا أَقْوَى مَا يَكُونُ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَفِي الصَّحَابَةِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعِتْرَةُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ بَيْنَ مَنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِمْ أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعِلْمِ قَطْعًا فَيُكَفَّرُ جَاحِدُهُ كَمَا يُكَفَّرُ جَاحِدُ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ أَوْ بِخَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ انْتَهَى. فَظَهَرَ أَنَّ كَوْنَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ قَائِلًا بِإِكْفَارِ مُنْكِرِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ مِنْ كَلَامِهِ بَلْ الظَّاهِرُ عَدَمُ إكْفَارِ مُنْكِرِهِ بَلْ ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُبَدَّعُ مُنْكِرُ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ أَوْ الَّذِي لَمْ يَنْقَرِضْ أَهْلُ عَصْرِهِ أَوْ الْإِجْمَاعَاتُ الَّذِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ الْمُعْتَبَرُونَ فِي انْتِهَاضِهِ حُجَّةً (وَأَمَّا) مُنْكِرُ إجْمَاعِ (مَنْ بَعْدَهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (بِلَا سَبْقِ خِلَافٍ فَيُضَلَّلُ) وَيُخَطَّأُ مِنْ

غَيْرِ إكْفَارٍ (كَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ) أَيْ كَمُنْكِرِهِ (وَالْمَسْبُوقِ بِهِ) أَيْ بِخِلَافِ مُسْتَقِرِّ إجْمَاعٍ (ظَنِّيٌّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ كَالْمَنْقُولِ) أَيْ كَالْإِجْمَاعِ الْمَنْقُولِ (آحَادًا) بِأَنْ رَوَى ثِقَةٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى كَذَا فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السُّنَّةِ الْمَنْقُولَةِ بِالْآحَادِ فَيُوجِبُ الْعَمَلَ لَا الْعِلْمَ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (وَوَجْهُ التَّرْتِيبِ) فِي هَذِهِ الْإِجْمَاعَاتِ (قَطْعِيَّةُ) إجْمَاعِ (الصَّحَابِيِّ إذْ لَمْ يُعْتَبَرْ خِلَافُ مُنْكِرِهِ) أَيْ إجْمَاعِهِمْ (وَضَعُفَ الْخِلَافُ) أَيْ خِلَافُ مُنْكِرِ الْإِجْمَاعِ (فِيمَنْ سِوَاهُمْ فَنَزَلَ) إجْمَاعُ مَنْ سِوَاهُمْ (عَنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى قُرْبِهَا) أَيْ الْقَطْعِيَّةِ (مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ وَمِثْلُهُ) أَيْ إجْمَاعِ مَنْ سِوَاهُمْ فِي النُّزُولِ عَنْ الْقَطْعِيَّةِ (يَجِبُ فِي) الْإِجْمَاعِ (السُّكُوتِيِّ عَنْ الْأَوْجَهِ فَضُلِّلَ) مُنْكِرُ حُكْمِهِ (وَقَوِيَ) الْخِلَافُ (فِي الْمَسْبُوقِ) بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ (وَالْمَنْقُولِ آحَادًا فَحُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ تُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ فَيَجُوزُ فِيهِمَا) أَيْ فِي حُكْمَيْ الْمَسْبُوقِ وَالْمَنْقُولِ آحَادًا وَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ مَسْبُوقٍ بِخِلَافٍ (الِاجْتِهَادُ) الْمُجْتَهِدُ مِنْ غَيْرِ الْمُجْمِعِينَ (بِخِلَافِهِ) حَتَّى يُسَوَّغَ لِذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ وَلِمُقَلِّدِهِ الْعَمَلُ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ حُكْمٍ يُخَالِفُ حُكْمَهَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ تَضَافُرُ الِاجْتِهَادِ مِنْ أَهْلِهِ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ إلَى دَرَجَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ فَيَصِيرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَمُخَالِفِهِ. وَإِذْ قَدْ جَازَ الِاجْتِهَادُ بِخِلَافِهِ لِمُجْتَهِدٍ مِنْ غَيْرِ الْمُجْمِعِينَ (فَرُجُوعُ بَعْضِهِمْ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ اجْتِهَادًا يَجُوزُ بِطَرِيقٍ (أَوْلَى، ثُمَّ لَيْسَ) هَذَا الْإِجْمَاعُ (نَسْخًا) لِلْأَوَّلِ (بَلْ مُعَارِضٌ) لَهُ (رَجَحَ) عَلَيْهِ بِمُرَجِّحٍ مِنْ الْمُرَجَّحَاتِ حَسْبَمَا ظَهَرَ لِأَهْلِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَلَا يُقْطَعُ بِخَطَأِ الْأَوَّلِ وَلَا صَوَابِهِ) فِي الْوَاقِعِ، وَكَذَا الثَّانِي (بَلْ هُوَ) أَيْ قَوْلُ كُلٍّ بِخَطَأِ مُخَالِفِهِ وَإِصَابَةِ نَفْسِهِ بِنَاءٌ (عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ) وَهُوَ قَدْ يَكُونُ الثَّابِتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقَدْ لَا (فَدَلِيلُ الْقَطْعِيَّةِ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ مُسْتَفَادٌ (مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَقْدِيمِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (عَلَى الْقَاطِعِ فِي إجْمَاعِهِمْ) إذْ لَا يَتْرُكُونَ الْقَاطِعَ لِظَنِّيٍّ (وَمَنَعَ الْغَزَالِيُّ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ حُجِّيَّةَ) الْإِجْمَاعِ (الْآحَادِيِّ إذْ لَيْسَ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ دَلِيلٌ (قَطْعِيٌّ وَحُجِّيَّةُ غَيْرِ الْقَاطِعِ) إنَّمَا تَكُونُ (بِقَاطِعٍ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا قَاطِعَ فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِ الْإِجْمَاعِ الْآحَادِيِّ حُجَّةً (وَالْجَوَابُ بَلْ فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِ الْإِجْمَاعِ الْآحَادِيِّ حُجَّةَ قَاطِعٍ (وَهُوَ) أَيْ الْقَاطِعُ فِيهِ (أَوْلَوِيَّتُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ الْآحَادِيِّ (بِهَا) أَيْ بِالْحُجِّيَّةِ (مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ الظَّنِّيِّ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ) أَيْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الظَّنِّيِّ الدَّلَالَةِ الَّذِي تَخَلَّلَتْ وَاسِطَةٌ بَيْنَ نَاقِلِهِ وَبَيْنَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إجْمَاعٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ (فِي) الْإِجْمَاعِ (الْقَطْعِيِّ الْمَنْقُولِ آحَادًا) الَّذِي لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَاقِلِهِ وَاسِطَةٌ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الضَّرَرِ فِي مُخَالَفَةِ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ احْتِمَالِهِ فِي مُخَالَفَةِ الْمَظْنُونِ بِهِ وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَثْبُتُ فِيمَا تَخَلَّلَ فِي نَقْلِهِ وَاسِطَةٌ أَوْ وَسَائِطُ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ. (وَقَدْ فَرَّقَ) بَيْنَ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَنَقْلِ الْإِجْمَاعِ آحَادًا (بِإِفَادَةِ نَقْلِ الْوَاحِدِ الظَّنَّ فِي الْخَبَرِ دُونَ الْإِجْمَاعِ لِبُعْدِ انْفِرَادِهِ) أَيْ الْوَاحِدِ (بِالِاطِّلَاعِ) عَلَى الْإِجْمَاعِ وَعَدَمِ بُعْدِ انْفِرَادِ الْوَاحِدِ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى الْخَبَرِ (وَيُدْفَعُ الِاسْتِبْعَادُ بِعَدَالَةِ النَّاقِلِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ) نَقْلُ الْوَاحِدِ الْإِجْمَاعَ (الِانْفِرَادَ) بِهِ أَيْضًا (بَلْ) يُفِيدُ (مُجَرَّدُ عَمَلِهِ) أَيْ النَّاقِلِ (فَجَازَ عِلْمُ الَّذِي لَمْ يَنْقُلْهُ أَيْضًا) إلَّا إنْ عُورِضَ الْإِجْمَاعُ الْآحَادِيُّ بِحَالٍ يَعْمَلُ بِمَا تَقْتَضِيهِ قَاعِدَةُ التَّعَارُضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (مِثَالُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ الْآحَادِيِّ (قَوْلُ عُبَيْدَة) السَّلْمَانِيِّ (مَا اجْتَمَعَ أَصِحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى مُحَافَظَةِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْإِسْفَارِ بِالْفَجْرِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ) كَذَا تَوَارَدَهُ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ. نَعَمْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْرُكُونَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ عَلَى حَالٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ مَا أَجْمَعَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مَا أَجْمَعُوا عَلَى التَّنْوِيرِ بِالْفَجْرِ، ثُمَّ فِي التَّقْوِيمِ وَحَكَى مَشَايِخُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ نَصًّا أَنَّ إجْمَاعَ كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةٌ إلَّا أَنَّهُ عَلَى مَرَاتِبَ أَرْبَعَةٍ فَالْأَقْوَى إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْرَةَ وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ

مسألة الإجماع يحتج به فيما لا يتوقف حجيته عليه من الأمور الدينية

يَكُونُونَ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِي ثَبَتَ بِنَصِّ الْبَعْضِ وَسُكُوتِ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّقْرِيرِ دُونَ النَّصِّ، ثُمَّ إجْمَاعُ مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ عَلَى حُكْمٍ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ قَوْلُ مَنْ سَبَقَهُمْ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا خُلَفَاءَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَانُوا خُلَفَاءَ الصَّحَابَةِ فَيَقَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خُلَفَائِهِمْ مِنْ التَّفَاوُتِ فَوْقَ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَيْرُ النَّاسِ رَهْطِي الَّذِينَ أَنَا فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُوَا الْكَذِبُ» فَرَتَّبَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَرَاتِبَ فِي الْخَيْرِيَّةِ فَكَذَلِكَ نَحْنُ نُرَتِّبُهُمْ فِي كَوْنِهِمْ حُجَّةً؛ لِأَنَّهَا نِهَايَةُ مَا تَنْتَهِي إلَيْهِ صِفَةُ الْخَيْرِيَّةِ، ثُمَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى حُكْمٍ سَبَقَهُمْ فِيهِ مُخَالِفٌ؛ لِأَنَّ هَذَا فَصْلٌ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا لَا يَكُونُ إجْمَاعًا اهـ وَعَلَى هَذَا دَرَجَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعِ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ] (مَسْأَلَةٌ: يُحْتَجُّ بِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ (عَقْلِيًّا كَالرُّؤْيَةِ) لِلَّهِ تَعَالَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ (لَا فِي جِهَةٍ وَنَفْيِ الشَّرِيكِ) لِلَّهِ تَعَالَى (وَلِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (فِي الْعَقْلِيِّ) أَيْ مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ (مُفِيدُهُ الْعَقْلُ لَا الْإِجْمَاعُ) لِاسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ بِإِفَادَةِ الْيَقِينِ وَمَشَى عَلَى هَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَفِي بُرْهَانِهِ وَلَا أَثَرَ لِلْإِجْمَاعِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ فَإِنَّ الْمُتَّبَعَ فِيهَا الْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَةُ فَإِذَا انْتَصَبَتْ لَمْ يُعَارِضْهَا شِقَاقٌ وَلَمْ يُعَضِّدْهَا وِفَاقٌ وَتَعَقَّبَهُ، فَفِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ الْعَقْلِيَّ قَدْ يَكُونُ ظَنِّيًّا فَبِالْإِجْمَاعِ يَصِيرُ قَطْعِيًّا كَمَا فِي تَفْضِيلِ الصَّحَابَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّات وَدُفِعَ بِأَنَّ الْعَقْلَ إنْ حَكَمَ بِهِ فَلَا يَكُونُ ظَنِّيًّا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ إلَّا أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ ظَنٌّ بِهِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالْعَقْلِ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ غَيْرَ عَقْلِيٍّ (كَالْعِبَادَاتِ) أَيْ كَوُجُوبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ (وَفِي الدُّنْيَوِيَّةِ كَتَرْتِيبِ أُمُورِ الرَّعِيَّةِ وَالْعِمَارَاتِ وَتَدْبِيرِ الْجُيُوشِ قَوْلَانِ لِعَبْدِ الْجَبَّارِ) مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَحَدُهُمَا وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَذَكَرَ فِي الْقَوَاطِعِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّمَا هُوَ حُجَّةٌ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ دُونَ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ وَأَنَا أَعْلَمُ بِأُمُورِ دِينِكُمْ» وَكَانَ إذَا رَأَى رَأْيًا فِي الْحَرْبِ يُرَاجِعُهُ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ وَرُبَّمَا تَرَكَ رَأْيَهُ بِرَأْيِهِمْ كَمَا وَقَعَ فِي حَرْبِ بَدْرٍ وَالْخَنْدَقِ، ثَانِيهمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَأَتْبَاعِهِمَا وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَصَّ فِي الْبِدَايَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْمُخْتَارُ حُجَّةٌ إنْ كَانَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ عَلَى حُجِّيَّتِهِ لَا تُفَصَّلُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ عَنْ وَحْيٍ فَهُوَ الصَّوَابُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ رَأْيٍ وَكَانَ خَطَأً فَهُوَ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ الصَّوَابُ بِالْوَحْيِ أَوْ بِإِشَارَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيُقَرُّ عَلَيْهِ وَالْإِجْمَاعُ بَعْدَ وُجُودِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَفِي الْمِيزَانِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ إجْمَاعًا هَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي كَمَا فِي الْإِجْمَاعِ فِي أُمُورِ الدِّينِ أَمْ لَا؟ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحَالُ يَجِبُ، وَإِنْ تَغَيَّرَ لَا يَجِبُ وَتَجُوزُ الْمُخَالَفَةُ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَوِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ الْعَاجِلَةِ وَهِيَ تَحْتَمِلُ الزَّوَالَ سَاعَةً فَسَاعَةً (بِخِلَافِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (عَلَى) حِسِّيٍّ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ (الْمُسْتَقْبَلَاتِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَأُمُورِ الْآخِرَةِ لَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ إجْمَاعٌ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ (بَلْ) يُعْتَبَرُ (مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْقُولٌ) عَمَّنْ يُوقَفُ عَلَى الْمَغِيبِ فَرَجَعَ إلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارَاتِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ الْإِجْمَاعِ الْمَخْصُوصِ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الِاجْتِهَادُ كَذَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَكَأَنَّ لِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (كَذَا لِلْحَنَفِيَّةِ) وَتَعَقَّبَهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ قَدْ يَكُونُ مِمَّا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْمُخْبِرُ الصَّادِقُ بَلْ اسْتَنْبَطَهُ الْمُجْتَهِدُونَ مِنْ نُصُوصِهِ فَيُفِيدُ الْإِجْمَاعُ قَطْعِيَّتَهُ وَدُفِعَ بِأَنَّ الْحِسِّيَّ الِاسْتِقْبَالِيَّ لَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ فَإِنْ وَرَدَ بِهِ نَصٌّ فَهُوَ ثَابِتٌ بِهِ وَلَا احْتِيَاجَ إلَى الْإِجْمَاعِ. وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ فَلَا مَسَاغَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ وَلَا يُتَمَسَّكُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ كَوُجُودِ الْبَارِئِ تَعَالَى وَصِحَّةِ الرِّسَالَةِ وَدَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ لِلُزُومِ الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِجْمَاعِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ الْمَوْقُوفِ

الباب الخامس في القياس

عَلَى ثُبُوتِ صِدْقِ الرَّسُولِ الْمَوْقُوفِ عَلَى دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِهِ الْمَوْقُوفِ عَلَى وُجُودِ الْبَارِئِ وَإِرْسَالِهِ فَلَوْ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ لَزِمَ الدَّوْرُ. وَإِلَى هُنَا انْتَهَى تَحْرِيرُ أُصُولِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَبَلَغَتْ قَوَاعِدُهَا فِي سَمَاءِ الْبَيَانِ غَايَةَ الِارْتِفَاعِ فَبَرَزَتْ خَرَائِدُهَا سَافِرَةً لِلِّثَامِ فِي أَحْسَنِ حُلَّةٍ وَأَكْمَلِ قَوَامٍ سَهْلَةَ الِانْقِيَادِ لِذَوِي النُّهَى وَالْأَحْلَامِ بِتَوْفِيقِ الْمَلِكِ الْعَلِيمِ الْعَلَّامِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَحْجُوبَةً عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَفْهَامِ شَامِخَةَ الْأَنْفِ أَبِيَّةَ الزِّمَامِ، وَمِنْ هُنَا يَقَعُ الشُّرُوعُ فِي الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ مِضْمَارُ الْفُحُولِ وَمِيزَانُ الْعُقُولِ وَلِلظَّفَرِ بِدَقَائِقِهِ وَرَقَائِقِهِ عَلَى اخْتِلَافِ حَدَائِقِهِ وَحَقَائِقِهِ تُشَدُّ الرِّحَالُ وَلِلِاحْتِبَاءِ بِمَطَارِفِ أَزْهَارِهِ وَالِاجْتِنَاءِ لِأَصْنَافِ ثِمَارِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِبَهْجَةِ أَنْوَارِهِ وَالِاجْتِلَاءِ لِسَاطِعِ أَنْوَارِهِ تَسِيرُ الرِّجَالُ وَفِي مُنَازَلَةٍ تَتَمَايَزُ الْأَقْدَارُ بِحَسَبِ مَا نَالَتْهُ مِنْ تَفَاوُتِ الْأَنْظَارِ وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي سُلُوكِ صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ وَالْهِدَايَة إلَى مَقْصِدِهِ الْأَسْنَى مِنْ فَضْلِهِ الْعَمِيمِ إنَّهُ سُبْحَانَهُ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ تَعَالَى ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ] (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ) (الْقِيَاسُ قِيلَ هُوَ لُغَةً التَّقْدِيرُ وَالْمُسَاوَاةُ وَالْمَجْمُوعُ) مِنْهُمَا (أَيْ يُقَالُ إذَا قَصَدَ الدَّلَالَةَ عَلَى مَجْمُوعِ ثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ عَقِيبَ التَّقْدِيرِ؛ قِسْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ) أَيْ قَدَّرْتهَا بِهَا فَسَاوَتْهَا وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ (وَلَمْ يَزِدْ الْأَكْثَرُ) كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَحَافِظِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ وَغَيْرِهِمْ (عَلَى) أَنَّ مَعْنَاهُ لُغَةً (التَّقْدِيرُ وَاسْتِعْلَامُ الْقَدْرِ) أَيْ طَلَبُ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ نَحْوُ (قِسْت الثَّوْبَ بِالذِّرَاعِ وَالتَّسْوِيَةُ فِي مِقْدَارٍ) نَحْوُ (قِسْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ وَلَوْ) كَانَتْ التَّسْوِيَةُ أَمْرًا (مَعْنَوِيًّا) نَحْوُ (أَيْ فُلَانٌ لَا يُقَاسُ بِفُلَانٍ، لَا يَقْدِرُ أَيْ لَا يُسَاوِي) وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ خِفْ يَا كَرِيمُ عَلَى عِرْضٍ يُدَنِّسُهُ ... مَقَالُ كُلِّ سَفِيهٍ لَا يُقَاسُ بِكَا وَاسْتِعْلَامُ الْقَدْرِ وَالتَّسْوِيَةُ: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (فَرْدًا مَفْهُومُهُ) أَيْ التَّقْدِيرِ (فَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ (مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ) يُطْلَقُ عَلَى اسْتِعْلَامِ الْقَدْرِ وَالتَّسْوِيَةِ بِاعْتِبَارِ شُمُولِ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ التَّقْدِيرُ لَهُمَا وَصِدْقُهُ عَلَيْهِمَا (لَا) مُشْتَرَكٌ (لَفْظِيٌّ) فِيهِمَا فَقَطْ أَوْ وَفِي الْمَجْمُوعِ مِنْهُمَا (وَلَا) حَقِيقَةَ فِي التَّقْدِيرِ (مَجَازٌ فِي الْمُسَاوَاةِ كَمَا قِيلَ) فِي الْبَدِيعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّقْدِيرَ يَسْتَدْعِي شَيْئَيْنِ يُضَافُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ بِالْمُسَاوَاةِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الشَّيْءِ مُسْتَلْزِمًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْمَلْزُومِ فِي لَازِمِهِ شَائِعٌ لِأَنَّ التَّوَاطُؤَ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ إذَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ. (وَفِي الِاصْطِلَاحِ) عَلَى قَوْلِ الْمُخَطِّئَةِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ الْقَائِلُونَ الْمُجْتَهِدُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ (مُسَاوَاةُ مَحَلٍّ لِآخَرَ فِي عِلَّةِ حُكْمٍ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآخَرِ (شَرْعِيٍّ لَا تُدْرَكُ) تِلْكَ الْعِلَّةُ (مِنْ نَصِّهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآخَرِ (بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ) فَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِالشَّرْعِيِّ الْمُسَاوَاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي عِلَّةِ حُكْمٍ لَهُ عَقْلِيٍّ صِرْفٍ وَالْمُسَاوَاةُ الْمَذْكُورَةُ الْمُخَيَّلَةُ فِي عِلَّةِ حُكْمٍ لَهُ لُغَوِيٍّ (فَلَا يُقَاسُ فِي اللُّغَةِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (وَإِطْلَاقُ حُكْمِهِ) بِأَنْ لَا يُوصَفَ بِشَرْعِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ (يَدْخُلُهُ) أَيْ الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ وَالْقِيَاسُ فِي الْعَقْلِيِّ الصِّرْفِ فِي الْحَدِّ لِتَنَاوُلِ الْحُكْمِ الْمُطْلَقِ لَهُمَا كَمَا لِلشَّرْعِيِّ فَيَصِيرُ الْحَدُّ مَدْخُولًا (وَالِاقْتِصَارُ) فِي تَعْرِيفِهِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ عَلَى قَوْلِ الْمُخَطِّئَةِ (عَلَى مُسَاوَاةِ فَرْعٍ لِأَصْلٍ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ) أَيْ الْأَصْلِ (يُفِيدُ طَرْدَهُ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ) لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ لِأَنَّهُ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ (وَاسْمُ الْقِيَاسِ) أَيْ إطْلَاقُهُ (مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ (مَجَازٌ لِلُزُومِ التَّقْيِيدِ) لِإِطْلَاقِهِ عَلَيْهِ (بِالْجَلِيِّ) أَيْ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ (وَإِلَّا فَعَلَى) إطْلَاقَ الْقِيَاسِ عَلَى الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَعَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى سَبِيلِ (التَّوَاطُؤِ) حَتَّى يَكُونَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ قِسْمًا مِنْ الْقِيَاسِ (بَطَلَ

اشْتِرَاطُهُمْ عَدَمَ كَوْنِ دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ) فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّ دَلِيلَ حُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ شَامِلٌ لِحُكْمِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ فَيَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مُخْرِجًا لَهُ وَقَدْ فَرَضَ أَنَّهُ مِنْهُ (وَ) بَطَلَ (إطْبَاقُهُمْ عَلَى تَقْسِيمِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ إلَى مَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ) لِأَنَّ الْقِيَاس لَيْسَ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ (وَلَوْ) كَانَ لَفْظُ الْقِيَاسِ مُشْتَرَكًا (لَفْظِيًّا) بَيْنَ مَا لَيْسَ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَبَيْنَ مَفْهُومِهَا (فَالتَّعْرِيفُ) الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ (لِخُصُوصِ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ) وَهُوَ مَا لَيْسَ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ (وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ (الدَّوْرَ فَإِنَّ تَعَقُّلَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَرْعُ تَعَقُّلِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ وَالْفَرْعَ هُوَ الْمَقِيسُ فَمَعْرِفَتُهُمَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَقَدْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِمَا. (وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (مَا صُدِّقَا عَلَيْهِ وَهُوَ) أَيْ مَا صُدِّقَا عَلَيْهِ (مَحَلٌّ) مَنْصُوصٌ عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَغَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الْفَرْعُ أَيْ الذَّاتَانِ اللَّتَانِ تَعْرِضُهُمَا الْفَرْعِيَّةُ وَالْأَصْلِيَّةُ لَا الذَّاتَانِ مَعَ الْوَصْفَيْنِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمُرَادُ (خِلَافُ) مُقْتَضَى (اللَّفْظِ) لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ إطْلَاقِ الْوَصْفِ إرَادَةُ الذَّاتِ مَعَ مَا قَامَ بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِرَادَةُ الذَّاتِ مُجَرَّدَةٌ عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى عِنَايَةً يَنْبُو عَنْهَا التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ (وَقُلْنَا) الْمُرَادُ بِكُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (رُكْنٌ وَيُسْتَغْنَى) بِهَذَا الْمُرَادِ (عَنْ الدَّفْعِ) الْمَذْكُورِ (الْمَنْظُورِ) فِيهِ بِهَذَا (ثُمَّ إنْ عُمِّمَ) كُلٌّ مِنْ تَعْرِيفِهِمْ وَتَعْرِيفِنَا (فِي) الْقِيَاسِ (الْفَاسِدِ) وَالصَّحِيحِ (زِيدَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ لِتَبَادُرِ) الْمُسَاوَاةِ (الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) إلَى الْفَهْمِ (مِنْ الْمُسَاوَاةِ) الْمُطْلَقَةِ عَنْ التَّقَيُّدِ بَقِيَ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ لَا الْمُقَيَّدِ بِهِ وَلَا الْأَعَمِّ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدَةِ بِهِ فَإِنَّهَا أَعَمُّ مِنْ الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِأَنْ يُطَابِقَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ لَا يُطَابِقَ (وَعَنْهُ) أَيْ وَعَنْ تَبَادُرِ الْمُسَاوَاةِ الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ الْمُطْلَقَةِ (لَزِمَ الْمُصَوِّبَةَ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ يُصِيبُ (زِيَادَتُهَا) أَيْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا (لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُسَاوَاةَ عِنْدَهُمْ (لَمَّا لَمْ تَكُنْ إلَّا) الْمُسَاوَاةَ (فِي نَظَرِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (كَانَ الْإِطْلَاقُ) لَهَا (كَقَيْدٍ مُخْرِجٍ لِلْإِفْرَادِ يُفِيدُ) الْإِطْلَاقُ (التَّقْيِيدَ بِنَفْسِ الْأَمْرِ وَافَقَ نَظَرَهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (أَوْ لَا) حَتَّى كَأَنَّهُ قِيلَ مُسَاوَاةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا مُسَاوَاةَ عِنْدَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَصْلًا بَلْ فِي نَظَرِهِ فَكَانَ قَيْدًا مُخْرِجًا لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ فَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَكَانَ بَاطِلًا وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا دَفْعُ مَا يَخْطُرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُسَاوَاةُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ فَإِطْلَاقُهَا مُنْصَرِفٌ إلَى إرَادَتِهَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَإِيضَاحِ دَفْعِهِ أَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ عِنْدَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا تُوجَدُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ النَّظَرِ الْمُفْضِي إلَى الظَّفَرِ بِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا: كُلُّ مَا أَدَّى إلَيْهِ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ صَوَابٌ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافُهُ. وَلَوْ اعْتَرَفُوا بِوُجُودِ مُسَاوَاةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَقَالُوا بِخَطَأِ ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي ظَهَرَ خِلَافُهُ لَا أَنَّهُ صَوَابٌ مَنْسُوخٌ بِالثَّانِي وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِيهِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ فِعْلَ الْمُجْتَهِدِ بَلْ هُوَ دَلِيلٌ نَصَبَهُ الشَّارِعُ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي سُوِّغَ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَإِنَّمَا فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ اسْتِنْبَاطُهُ الْحُكْمَ مِنْهُ فَهُوَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ نَظَرَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ أَوَّلًا كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ مَا يُفِيدُ مُنَاقَضَتَهُ وَتَبِعَهُمَا الشَّارِحُونَ عَلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ نَفَى كَوْنَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (فِعْلَ مُجْتَهِدٍ بِاخْتِيَارِ الْمُسَاوَاةِ) فِي تَعْرِيفِهِ لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ (فَأَبْطَلَ التَّعْرِيفَ) الْمَنْقُولَ عَنْ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ لِلْقِيَاسِ (بِبَذْلِ الْجَهْدِ إلَخْ) أَيْ فِي اسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ (بِأَنَّهُ) أَيْ بَذْلَ الْجَهْدِ (حَالُ الْقَائِسِ مَعَ أَعَمِّيَّتِهِ) فَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ جِنْسِ الْمَحْدُودِ فِي الْحَدِّ (ثُمَّ اخْتَارَ فِي قَصْدِ التَّعْمِيمِ) أَيْ فِي تَعْرِيفِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ (تَشْبِيهَ) فَرْعٍ بِأَصْلٍ عَلَى الْمُخَطِّئَةِ وَبِزِيَادَةٍ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ عَلَى الْمُصَوِّبَةِ (نَاقَضَ) نَفْسَهُ فَإِنَّ التَّشْبِيهَ لَيْسَ فِعْلَ الشَّارِعِ فَيَفْسُدُ تَعْرِيفُهُ بِمَا أَفْسَدَ بِهِ تَعْرِيفَ أُولَئِكَ (وَدَفَعَهُ) أَيْ هَذَا التَّنَاقُضَ (بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِتَشْبِيهِ فَرْعٍ بِأَصْلٍ (تَشْبِيهُ الشَّارِعِ) وَهُوَ فِعْلُ الشَّارِعِ (قَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ شَرْعَهُ تَعَالَى) الْحُكْمَ (فِي كُلِّ الْمَحَالِّ) إنَّمَا هُوَ (ابْتِدَاءٌ) أَيْ دَفْعَةٌ وَاحِدَةٌ (لَا بِنَاءٌ عَلَى

التَّشْبِيهِ) أَيْ لَا أَنَّهُ أَثْبَتَ الْحُكْمَ فِي بَعْضِهَا ابْتِدَاءً ثُمَّ أَثْبَتَهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِوَاسِطَةِ شِبْهِ هَذَا الْمَحَلِّ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ (وَإِنْ وَقَعَ بِذَلِكَ) التَّشْرِيعِ الدَّفْعِيِّ فِي الْجَمِيعِ (الشَّبَهُ) لِبَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ لِذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ لِقُصُورِ نَظَرِهِ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِجَمِيعِ الْحَالِ (وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِهِمْ تُفِيدُ) كَوْنَ الْقِيَاسِ (فِعْلُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا (فَمَا أَمْكَنَ رَدُّهُ) مِنْهَا (إلَى فِعْلِهِ) تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ يَسُوغُ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ (فَهُوَ) أَيْ الرَّدُّ الْمَذْكُورُ (مُخَلِّصٌ) مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ وَمَا لَا فَلَا (وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (دَلِيلٌ نَصَبَهُ الشَّارِعُ نَظَرَ فِيهِ مُجْتَهِدٌ أَوْ لَا كَالنَّصِّ) . قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ فِعْلًا لِلْمُجْتَهِدِ وَكَوْنُ النَّصِّ كَذَلِكَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلِيلٌ نَصَبَهُ الشَّارِعُ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِينَ وَلَيْسَ بِبِدْعِيٍّ أَنْ يَجْعَلَ الشَّارِعُ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ مَنَاطًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِعْلُ النَّاسِ لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إذَا عُرِفَ هَذَا (فَمِنْ الثَّانِي) أَيْ مَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى كَوْنِهِ فِعْلَ اللَّهِ تَعَالَى بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ (تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ مِنْ الْأَصْلِ إلَخْ) أَيْ إلَى الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ مُتَّحِدَةٍ لَا تُدْرَكُ بِمُجَرَّدِ اللُّغَةِ (لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِكَوْنِهِ مُعَدِّيًا حُكْمَ أَصْلٍ إلَى فَرْعٍ بِالْمَعْنَى الْمُتَبَادِرِ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ (ثُمَّ فَسَّرَهَا) أَيْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ التَّعْدِيَةَ (بِإِثْبَاتِ حُكْمِ مِثْلِ الْأَصْلِ) فِي الْفَرْعِ (وَأَوْرَدَ) عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ (مَا سَنَذْكُرُهُ) قَرِيبًا فِي حُكْمِ الْقِيَاسِ (فَأَفَادَ أَنَّهَا) أَيْ التَّعْدِيَةَ (فِعْلُ مُجْتَهِدٍ وَلَيْسَتْ) التَّعْدِيَةُ (بِهِ) أَيْ بِفِعْلِ الْمُجْتَهِدِ (إذْ لَا فِعْلَ لَهُ) أَيْ لِلْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ (سِوَى النَّظَرِ فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَوُجُودِهَا) فِي الْفَرْعِ (ثُمَّ يَلْزَمُهُ) أَيْ النَّظَرُ فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ إذَا أَدَّى نَظَرُهُ إلَى وُجُودِهَا فِيهِ (ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى عَادَةً فَلَيْسَتْ التَّعْدِيَةُ سِوَاهُ) أَيْ سِوَى ظَنِّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ وَظَنُّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ اصْطِلَاحًا فَإِنَّهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ لَا الْفِعْلِ (وَهُوَ) أَيْ ظَنُّهُ فِي الْفَرْعِ (ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ) فِي نَفْسِهِ (لَا نَفْسُ الْقِيَاسِ) فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تُصَدَّقُ عَلَى مَا لَهُ الثَّمَرَةُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ تَعْرِيفِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ إلَى فِعْلِهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ لَا الْقِيَاسُ (قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ) وَاسْتَحْسَنَهُ الْجُمْهُورُ (حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا إلَخْ) أَيْ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَفْيِهِمَا كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ. وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الْقَاضِي فَهُوَ مَعْنَاهُ إذْ لَفْظُهُ فِي التَّعْرِيفِ حَمْلُ أَحَدِ الْمَعْلُومَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي إيجَابِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَهُمَا أَوْ إسْقَاطِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ أَيْ أَمْرٍ كَانَ مِنْ إثْبَاتِ صِفَةٍ وَحُكْمٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِ ذَلِكَ عَنْهُمَا انْتَهَى لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ وَلَا شَيْءَ مِنْ ثَمَرَةِ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ (وَفِيهِ) أَيْ قَوْلِ الْقَاضِي فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا (زِيَادَةُ إشْعَارٍ بِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ) ثَابِتٌ (بِالْقِيَاسِ) كَحُكْمِ الْفَرْعِ لِأَنَّ هَذَا يُنْبِئُ عَنْ التَّشْرِيكِ بَيْنَهُمَا فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ (وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى كَانَ حُكْمَ الْأَصْلِ) قَبْلَ الْقِيَاسِ هُوَ (الظَّاهِرُ فَظَهَرَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (بِإِظْهَارٍ فِي الْقِيَاسِ الْفَرْعَ إيَّاهُ) وَالظَّاهِرُ بِإِظْهَارِ الْقِيَاسِ فِي الْفَرْعِ إيَّاهُ أَيْ حُكْمَ الْأَصْلِ فَفَائِدَةُ قَوْلِهِ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا بَيَانُ أَنَّ ظُهُورَ الْحُكْمِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَالْمَقِيسِ مَعًا إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ الْقِيَاسِ لَا أَنَّ الْإِثْبَاتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِهِ وَيُصَدَّقُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا جَمِيعًا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ جُزْأَيْهِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ إذْ ظَاهِرٌ أَنَّ افْتِقَارَ الْمَجْمُوعِ إلَى شَيْءٍ لَا يَقْتَضِي افْتِقَارُ كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْهِ إلَيْهِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ افْتِقَارُ أَحَدِ جُزْأَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ فِي هَذَا الْجَوَابِ عِنَايَةً ظَاهِرَةً ثُمَّ لَعَلَّهُ إنَّمَا اخْتَارَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِإِفَادَةِ إخْرَاجِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ فَإِنَّ مُسَاوَاةَ الْمَنْطُوقِ لَهُ فِي الْحُكْمِ لَمْ تَظْهَرْ فِي أَحَدِهِمَا بِالْقِيَاسِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ فِيهِ قَبْلَ مُلَاحَظَةِ الْقِيَاسِ بَلْ كَانَتْ قَبْلَهَا ثَابِتَةً لِلْعَارِفِ بِاللُّغَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْإِشْعَارَ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ قَوْلُهُ بِأَمْرٍ جَامِعٍ مُتَعَلِّقًا بِإِثْبَاتِ حُكْمٍ. أَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِالْحَمْلِ عَلَى

مَا هُوَ الْحَقُّ فَلَا انْتَهَى قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ إنَّمَا يَكُونُ فِيهِ الْإِشْعَارُ الْمَذْكُورُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ قَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُ فَإِنْ قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِحَمْلِ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ التَّشْرِيكَ وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَوْ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ قَصْدِ إثْبَاتِهِ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ وَالتَّسْوِيَةُ مِمَّا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى تَسْوِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْت لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ مَجَازًا لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ وَالْحَدُّ يُجْتَنَبُ فِيهِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ لَا يَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَمْلِ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ إلْحَاقُهُ بِهِ وَعَبَّرَ بِالْمَعْلُومِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْيَقِينِ وَالظَّنِّ لِيَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ مِنْ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ مُمْكِنٍ وَمُسْتَحِيلٍ وَلَوْ قَالَ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ لَاخْتَصَّ بِالْمَوْجُودِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْأَشَاعِرَةِ وَقَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَيْ الْمَعْلُومَيْنِ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا لِيَتَنَاوَلَ الْقِيَاسَ فِي الْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ نَحْوُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ قَتْلُ عَمْدٍ عُدْوَانٍ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْمَحْدُودِ وَفِي الْحُكْمِ الْعَدَمِيِّ نَحْوُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ أَيْضًا قَتْلٌ تَمَكَّنَ فِيهِ الشُّبْهَةُ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْعَصَا الصَّغِيرَةِ وَقَالَ بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ الْقِيَاسِ وَبِهِ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ بِالْحَمْلِ بِلَا جَامِعٍ ثُمَّ السُّبْكِيُّ مَشَى عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا آخِرُ الْحَدِّ وَأَنَّ أَيَّ أَمْرٍ كَانَ جَرَى مَجْرَى تَفْسِيرِ الْأَمْرِ الَّذِي يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ فَإِنَّ الْجَامِعَ يَنْقَسِمُ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَيْ ذَلِكَ الْأَمْرُ أَعَمُّ مِنْ الصِّفَةِ وَالْحُكْمِ ثُبُوتًا وَنَفْيًا وَابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ الْحَدُّ فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّ بِجَامِعٍ كَافٍ فِي التَّمْيِيزِ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَفْصِيلِ الْجَامِعِ فِي الْحَدِّ. وَأَجَابَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بِأَنَّ تَعْيِينَ الطَّرِيقِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَوْجَزَ أَوْلَى قُلْنَا الْأَوْلَوِيَّةُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ غَيْرُ التَّمْيِيزِ مَقْصُودٌ وَهَا هُنَا يُفِيدُ تَفْصِيلَ الْأَقْسَامِ أَيْضًا فَكَانَ أَوْلَى إذْ يُفِيدُ أَنَّ الْجَامِعَ قَدْ يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا كَكَوْنِ الْقَتْلِ عُدْوَانًا أَوْ لَيْسَ بِعُدْوَانٍ وَقَدْ يَكُونُ وَصْفًا عَقْلِيًّا إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا كَكَوْنِهِ عَمْدًا أَوْ لَيْسَ بِعَمْدٍ وَإِيرَادُ الْحُكْمِ إنْ تَنَاوَلَ الصِّفَةَ كَأَنْ ذَكَرَهَا مُسْتَدْرِكًا أَوَّلًا فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَوْ صِفَةٍ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْقِيَاسِ لَا يَكُونُ إلَّا حُكْمًا شَرْعِيًّا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الشُّرُوطِ بِخِلَافِ الْجَامِعِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَصْفًا عَقْلِيًّا وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ أَخَذَ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ ثُبُوتَ حُكْمِ الْفَرْعِ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْإِثْبَاتُ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلثُّبُوتِ تَصَوُّرًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ تَحَقُّقَهُ فِي الْوَاقِعِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحُكْمِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ وَثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ فَتَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ تَعْرِيفُ الْقِيَاسِ بِهِ دَوْرًا وَأُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَصَوُّرَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ لِإِمْكَانِ تَصَوُّرِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِدُونِ تَصَوُّرِ مَاهِيَّةِ الْقِيَاسِ فَلَا يَكُونُ أَخْذُهُ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ مُوجِبًا لِلدَّوْرِ وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ نَفْيَهُ حَشْوٌ وَقَوْلُهُ لِيَنْدَرِجَ الْإِلْحَاقُ فِي الثُّبُوتِ وَالنَّفْيِ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْإِلْحَاقَ فِي النَّفْيِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ بِالْعَدَمِ لَا فِي نَفْسِ الْعَدَمِ وَالْحُكْمُ بِالْعَدَمِ ثُبُوتِيٌّ لَا عَدَمِيٌّ كَالْحُكْمِ بِالْوُجُودِ أَلَا يَرَى أَنَّا نَقُولُ الْحُكْمُ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَهُوَ ثُبُوتِيٌّ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْحِلِّ وَالْعَدَمُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحْكُومِ بِهِ أَوْ فِي نَفْسِ الْعِبَارَةِ كَقَوْلِنَا لَا يَحْرُمُ وَمَعْنَاهُ يَحِلُّ فَإِنْ قُلْت عَدَمُ الْحُرْمَةِ أَعَمُّ مِنْ الْحِلِّ. قُلْت نَعَمْ وَلَكِنَّ عَدَمَ الْحُرْمَةِ الَّذِي لَا حِلَّ مَعَهُ هُوَ الْعَدَمُ الْعَقْلِيُّ وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَعَدَمُ الْحُرْمَةِ الْمُسْتَنِدُ إلَى الشَّرْعِ هُوَ الْحِلُّ بِعَيْنِهِ انْتَهَى قَالَ الْكَرْمَانِيُّ أَوْ نَقُولُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا أَوْ سَلْبًا فَهَذَا مِمَّا لَا جَوَابَ لَهُ (وَمِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ مَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى فِعْلِهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ تَعْرِيفُ الْمُنَازَلَةِ بِقَوْلِهِ (تَقْدِيرُ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ فِي الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ فَإِنَّك عَمِلْتَ أَنَّ التَّقْدِيرَ يُقَالُ عَلَى التَّسْوِيَةِ فَرَجَعَ) هَذَا (إلَى تَسْوِيَتِهِ تَعَالَى مَحَلًّا بِآخَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ) آنِفًا مِنْ (أَنَّهُمَا) أَيْ الْمَحَلَّيْنِ هُمَا (الْمُرَادُ بِهِمَا) أَيْ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ (وَيَقْرَبُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْقِيَاسَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى فِعْلِهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ (قَوْلُ أَبِي مَنْصُورٍ) الْمَاتُرِيدِيِّ (إبَانَةُ مِثْلِ

حُكْمِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ بِمِثْلِ عِلَّتِهِ فِي الْآخَرِ فَتَصْحِيحُهُ بِإِبَانَةِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ) أَيْ جَمْعٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ اخْتَارَ الْإِبَانَةَ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا (أَنَّهُ) أَيْ اخْتِيَارَهَا (لِإِفَادَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتٌ بَلْ الْمُثْبِتُ هُوَ سُبْحَانَهُ) فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ حَمْلُ الْإِبَانَةِ عَلَى إبَانَةِ الشَّارِعِ ثُمَّ هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ تَامٍّ (لِأَنَّ) الْأَدِلَّةَ (السَّمْعِيَّةَ) مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْحَقِيقَةِ مُظْهِرًا لِلْحُكْمِ لَا أَنَّهُ مُثْبِتٌ لَهُ (كُلَّهَا كَذَلِكَ) أَيْ فِي الْحَقِيقَةِ مُظْهِرَةٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتَةٌ لَهُ لِأَنَّهَا (إنَّمَا تُظْهِرُ الثَّابِتَ مِنْ حُكْمِهِ وَهُوَ) الْمَعْنَى (النَّفْسِيُّ ثُمَّ عَلَيْهِ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنْ يُقَالَ (إنَّ إبَانَتَهُ) أَيْ الشَّارِعِ (الْحُكْمَ لَيْسَ) ذَلِكَ (نَفْسَ الدَّلِيلِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ (بَلْ) ذَلِكَ أَمْرٌ (مُرَتَّبٌ عَلَى النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِيهِ) أَيْ فِي الدَّلِيلِ عَادَةً وَكَلَامُنَا إنَّمَا هُوَ فِي تَعْرِيفِ نَفْسِ الدَّلِيلِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ (وَيَجِبُ حَذْفُ " مِثْلِ " فِي مِثْلِ حُكْمٍ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ هُوَ حُكْمُ الْأَصْلِ غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (نُصَّ عَلَيْهِ فِي مَحَلٍّ) وَهُوَ الْأَصْلُ (وَالْقِيَاسُ يُفِيدُ أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْفَرْعُ (أَيْضًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ كُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَاحِدٌ لَهُ إضَافَتَانِ إلَى الْأَصْلِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِهِ وَبِاعْتِبَارِهِ يُسَمَّى حُكْمَ الْأَصْلِ وَإِلَى الْفَرْعِ وَبِاعْتِبَارِهِ يُسَمَّى حُكْمَ الْفَرْعِ فَلَا يَتَعَدَّدُ فِي ذَاتِهِ بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ أَصْلًا بَلْ هُوَ وَاحِدٌ لَهُ تَعَلَّقَ بِكَثِيرِينَ كَمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَقْدُورَاتِ وَبِهِ لَا تَصِيرُ الْقُدْرَةُ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً. (وَكَذَا) يَجِبُ حَذْفُ (مِثْلٍ فِي بِمِثْلِ عِلَّتِهِ) لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ هِيَ بِعَيْنِهَا الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ كَمَا سَتَعْلَمُ (وَمَبْنَى هَذَا الْوَهْمِ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مِثْلٍ فِي كِلَا هَذَيْنِ عَلَى كَثِيرٍ (حَتَّى قَالَ مُحَقِّقٌ) وَهُوَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي تَوْجِيهِهِ (لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَثُبُوتَ مِثْلِهَا فِي الْفَرْعِ إذْ ثُبُوتُ عَيْنِهَا) فِي الْفَرْعِ (لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ لَا يَقُومُ بِمَحَلَّيْنِ وَبِذَلِكَ) أَيْ وَبِالْعِلْمِ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَثُبُوتِ مِثْلِهَا فِي الْفَرْعِ (يَحْصُلُ ظَنُّ مِثْلِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ) وَبَيَانُ وَهْمِهِمْ (أَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْخِطَابُ النَّفْسِيُّ جُزْئِيٌّ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّهُ) أَيْ الْخِطَابَ (وَصْفٌ مُتَحَقِّقٌ فِي الْخَارِجِ قَائِمٌ بِهِ تَعَالَى فَهُوَ وَاحِدٌ لَهُ مُتَعَلِّقَاتٌ كَثِيرَةٌ وَمَا ذَكَرَ) مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ لَا يَقُومُ بِمَحَلَّيْنِ (إنَّمَا هُوَ فِي حَقِيقَةِ قِيَامِ الْعَرْضِ الشَّخْصِيِّ بِالْمَحَلِّ كَالْبَيَاضِ الشَّخْصِيِّ الْقَائِمِ بِالثَّوْبِ الشَّخْصِيِّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُومَ بِعَيْنِهِ بِغَيْرِهِ وَالْكَائِنُ هُنَا مُجَرَّدُ إضَافَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِوَاحِدٍ شَخْصِيٍّ وَكَذَلِكَ) أَيْ تَعَدُّدُ الْإِضَافَاتِ لَهُ (لَا يَمْنَعُهُ الشَّخْصِيَّةُ فَالتَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إلَى الْخَمْرِ) هُوَ (بِعَيْنِهِ لَهُ إضَافَةٌ أُخْرَى إلَى النَّبِيذِ وَمِثْلُهُ مِمَّا لَا يُحْصَى كَالْقُدْرَةِ الْوَاحِدَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْدُورَاتِ لَيْسَتْ) الْقُدْرَةُ (قَائِمَةً بِهَا) أَيْ بِالْمَقْدُورَاتِ (بَلْ بِهِ تَعَالَى وَلَهَا) أَيْ الْقُدْرَةِ بِالنِّسْبَةِ (إلَى كُلِّ مَقْدُورٍ إضَافَةٌ يَعْتَبِرُهَا الْعَقْلُ) وَكَمَا قَالَ الْأَشَاعِرَةُ فِي صِفَاتِ الْفِعْلِ فَلَمْ يَجْعَلُوا نَحْوَ الْخَالِقِ صِفَةً حَقِيقِيَّةً لِأَنَّهَا إضَافَةٌ تَعْرِضُ لِلْقُدْرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْدُورِ. (وَكَذَا الْوَصْفُ) الْمُعَدَّى الصَّالِحُ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ وَاحِدٌ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ قِيَامُ شَخْصٍ بِمَحَلَّيْنِ (إذْ لَيْسَ) الْوَصْفُ (الْمَنُوطُ بِهِ) الْحُكْمُ (الْوَصْفَ الْجُزْئِيَّ بَلْ) الْوَصْفُ الْمَنُوطُ بِهِ الْحُكْمُ هُوَ الْوَصْفُ (الْكُلِّيُّ وَهُوَ) أَيْ الْوَصْفُ الْكُلِّيُّ (بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي) كُلِّ (الْمَحَالِّ) أَصْلًا وَفَرْعًا (فَمَنَاطُ حُرْمَةِ الْخَمْرِ الْإِسْكَارُ) مُطْلَقًا لَا إسْكَارُ الْخَمْرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ إسْكَارَ الْخَمْرِ (قَاصِرٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخَمْرِ وَذِكْرُهَا إمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ أَوْ كَمَا هُوَ لُغَةً فِيهَا (فَتَمْتَنِعُ التَّعْدِيَةُ) لِامْتِنَاعِ تَعْدِيَةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْمَنَاطِ الْوَصْفَ الْكُلِّيَّ لَا أَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ الْكُلِّيَّ (الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْمَفَاسِدِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مُنَاسَبَتِهِ لِلتَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَفَاسِدِ الَّتِي يَجِبُ حِفْظُ الْإِنْسَانِ مِنْهَا (وَاشْتِمَالُهُ) عَلَيْهِ (لَيْسَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ إسْكَارٌ كَذَا بَلْ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ (إسْكَارٌ) مُطْلَقٌ (وَهُوَ بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي الْمَحَالِّ) كُلِّهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ وُجُودِ الْمُطْلَقِ فِي الْخَارِجِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ. (وَعَلَى هَذَا كَلَامُ النَّاسِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مَا ابْتَدَعَهُ هَؤُلَاءِ خِلَافُ كَلَامِ النَّاسِ (وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْعِلْمَيْنِ) أَيْ الْعِلْمِ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ فِي

الْأَصْلِ وَالْعِلْمِ بِثُبُوتِهَا فِي الْفَرْعِ (ظَنٌّ) لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ (لِجَوَازِ كَوْنِ خُصُوصِ الْأَصْلِ شَرْطًا) لِلْحُكْمِ فِيهِ (وَ) خُصُوصِ (الْفَرْعِ مَانِعًا) مِنْهُ (وَأُورِدَ عَلَى عَكْسِ التَّعْرِيفِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ قِيَاسُ الْعَكْسِ) وَهُوَ إثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الشَّيْءِ فِي شَيْءٍ آخَرَ بِنَقِيضِ عِلَّتِهِ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ وَالتَّعْرِيفُ لَا يَتَنَاوَلُهُ لِانْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ (فَإِنَّهُ مُثْبِتٌ لِنَقِيضِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ كَقَوْلِ حَنَفِيٍّ) لِإِثْبَاتِ مَطْلُوبَهُ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ الثَّابِتُ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَوْ فِي مُطْلَقِ الِاعْتِكَافِ لِيَشْتَمِل الْوَاجِبَ وَالنَّفَلَ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ مَالِكِيٍّ لِإِثْبَاتِهِ هَذَا فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا، بَلْ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا شَافِعِيٍّ أَوْ حَنْبَلِيٍّ لِأَنَّ جَدِيدَ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فِي مُطْلَقِ الِاعْتِكَافِ (لَمَّا وَجَبَ الصَّوْمُ شَرْطًا لِلِاعْتِكَافِ بِنَذْرِهِ) أَيْ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا نَذَرْت الِاعْتِكَافَ صَائِمًا (وَجَبَ) الصَّوْمُ لِلِاعْتِكَافِ (بِلَا نَذْرٍ) لِلصَّوْمِ مَعَهُ (كَالصَّلَاةِ لَمَّا لَمْ تَجِبْ شَرْطًا لَهُ) أَيْ لِلِاعْتِكَافِ (بِالنَّذْرِ) كَأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا (لَمْ تَجِبْ) فِي الِاعْتِكَافِ (بِغَيْرِ نَذْرٍ وَمَضْمُونُ الشَّرْطِ فِي الْأَصْلِ الصَّلَاةُ) وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ. (وَ) فِي (الْفَرْعِ الصَّوْمُ) وَهُوَ الْوُجُوبُ بِالنَّذْرِ (عِلَّةٌ لِمَضْمُونِ الْجَزَاءِ) وَهُوَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ نَذْرِهِ وَعَدَمُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الِاعْتِكَافِ بِنَذْرِهَا (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَإِذَنْ أَثْبَتْنَا وُجُوبَ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ بِعِلَّةِ وُجُوبِهِ فِيهِ بِنَذْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْعُ قِيَاسًا عَلَى إثْبَاتِنَا عَدَمَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الِاعْتِكَافِ بِلَا نَذْرِهَا بِعِلَّةِ عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ بِنَذْرِهَا وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ مُثْبِتٌ لِنَقِيضِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِنَقِيضِ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ (أُجِيبُ بِأَنَّ الِاسْمَ فِيهِ) أَيْ إطْلَاقَ اسْمِ الْقِيَاسِ عَلَى هَذَا (مَجَازٌ وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ مَجَازًا (لَزِمَ تَقْيِيدُهُ) أَيْ إطْلَاقِ اسْمِهِ عَلَيْهِ بِالْعَكْسِ إذَا أُرِيدَ بِهِ (أَوْ) الِاسْمِ فِيهِ (حَقِيقَةً) وَلَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ بَلْ نَقُولُ (وَالْمُسَاوَاةُ) فِيهِ (حَاصِلَةٌ ضِمْنًا) وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْمُرَادَ مُسَاوَاةُ الِاعْتِكَافِ بِلَا نَذْرِ الصَّوْمِ لَهُ) أَيْ لِلِاعْتِكَافِ (بِنَذْرِهِ) أَيْ الصَّوْمِ لَهُ (فِي حُكْمٍ هُوَ اشْتِرَاطُ الصَّوْمِ بِمَعْنَى لَا فَارِقَ) أَيْ إِمَّا بِطَرِيقِ إلْغَاءِ الْفَارِقِ بَيْنَ الِاعْتِكَافَيْنِ وَهُوَ النَّذْرُ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ فَتَبْقَى الْعِلَّةُ الِاعْتِكَافَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَهُوَ قَدْ اقْتَضَى وُجُوبَ الصَّوْمِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي فِيهَا نَذْرُهُ فَكَذَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَذْرُهُ وَهَذَا يُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ بِالسَّبْرِ عِنْدَ قَائِلِهِ) بِالْمُوَحَّدَةِ (مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَيْ هِيَ) أَيْ عِلَّةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ لِلِاعْتِكَافِ فِي صُورَةِ نَذْرِهِ مَعَهُ. (أَمَّا الِاعْتِكَافُ أَوْ هُوَ) أَيْ الِاعْتِكَافُ (بِنَذْرِ الصَّوْمِ أَوْ غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ الِاعْتِكَافِ الْمُجَرَّدِ عَنْ نَذْرِ الصَّوْمِ مَعَهُ وَالِاعْتِكَافُ الْمُقْتَرِنُ بِهِ (وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ غَيْرِهِمَا (وَالنَّذْرُ مَلْغِيٌّ) حَالَ كَوْنِهِ (فَارِقًا) بَيْنَ الِاعْتِكَافَيْنِ (أَوْ وَصْفًا لِلسَّبْرِ) أَيْ لِأَحَدِ أَقْسَامِهِ (بِالصَّلَاةِ) أَيْ بِنَذْرِهَا فِيهِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ (فَهِيَ) أَيْ عِلَّةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ الْمُقْتَرِنِ بِنَذْرِهِ إنَّمَا هِيَ (الِاعْتِكَافُ) فَقَطْ فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ بِنَذْرِ الصَّوْمِ أَصْلٌ وَبِغَيْرِ نَذْرِهِ فَرْعٌ، وَاشْتِرَاطَ الصَّوْمِ فِيهِمَا حُكْمٌ وَالِاعْتِكَافَ عِلَّةٌ وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تُذْكَرْ لِلْقِيَاسِ عَلَيْهَا بَلْ لِبَيَانِ إلْغَاءِ الْوَصْفِ الْفَارِقِ لِلْعِلَّةِ وَهُوَ كَوْنُهَا مُقْتَرِنَةً بِالنَّذْرِ أَوْ أَحَدِ أَوْصَافِ السَّبْرِ فَلَا تَجِبُ مُسَاوَاةُ الصَّوْمِ لَهَا فَلَا يَضُرُّ عَدَمُهَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ إذْ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ نَذْرِ الصَّوْمِ مُسَاوٍ لِلِاعْتِكَافِ بِنَذْرِهِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِيهِمَا وَفِي الْعِلَّةِ وَهِيَ الِاعْتِكَافُ الْمُطْلَقُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا، ثَانِيهمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ الصَّوْمِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الِاعْتِكَافِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُسَاوَاةُ الِاعْتِكَافِ أَيْ أَوْ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُسَاوَاةُ الصَّوْمِ (مَعَ نَذْرِهِ) فِي الِاعْتِكَافِ (بِالصَّلَاةِ بِالنَّذْرِ) أَيْ مَعَ نَذْرِهَا فِيهِ (فِي حُكْمٍ هُوَ عَدَمُ

إيجَابِ النَّذْرِ) لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ أَيْ كَمَا أَنْ لَا تَأْثِيرَ لِلنَّذْرِ فِي وُجُوبِهَا فِيهِ فَكَذَا لَا تَأْثِيرَ لِلنَّذْرِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ فِيهِ فَالْأَصْلُ الصَّلَاةُ بِالنَّذْرِ وَالْفَرْعُ الصِّيَامُ بِهِ وَالْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا عِبَادَتَيْنِ وَالْحُكْمُ فِي التَّحْقِيقِ عَدَمُ تَأْثِيرِ النَّذْرِ فِي الْوُجُوبِ وَالْمَقْصُودُ إضَافَةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ إلَى نَفْسِ الِاعْتِكَافِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ قِيَاسُ الْعَكْسِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (مَلْزُومُ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ) أَيْ الْمَطْلُوبُ (أَنَّ وُجُوبَهُ) أَيْ الصَّوْمِ (بِغَيْرِهِ) أَيْ النَّذْرِ وَهُوَ الِاعْتِكَافُ (وَالْأَوْجَهُ كَوْنُهُ) أَيْ قِيَاسِ الْعَكْسِ (مُلَازَمَةً) شَرْعِيَّةً (وَقِيَاسًا) لِبَيَانِهَا كَمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ فَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ هَكَذَا (وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الصَّوْمَ لِلِاعْتِكَافِ) بِلَا نَذْرٍ (لَمْ يُشْتَرَطْ) الصَّوْمُ لَهُ (بِالنَّذْرِ كَالصَّلَاةِ لَمْ تُشْتَرَطْ) لِلِاعْتِكَافِ بِلَا نَذْرٍ (فَلَمْ تُشْرَطْ) لِلِاعْتِكَافِ (بِهِ) أَيْ بِالنَّذْرِ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْجَهَ (لِعُمُومِهِ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهُ لِهَذَا وَلِغَيْرِهِ أَعْنِي (قَوْلَ شَافِعِيٌّ فِي تَزْوِيجِهَا) أَيْ الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ (نَفْسَهَا يَثْبُتُ الِاعْتِرَاضُ) لِلْأَوْلِيَاءِ (عَلَيْهَا فَلَا يَصِحُّ مِنْهَا كَالرَّجُلِ لَمَّا صَحَّ مِنْهُ) تَزْوِيجُ نَفْسِهِ (لَمْ يَثْبُتْ) الِاعْتِرَاضُ لَهُمْ (عَلَيْهِ فَمَضْمُونُ الْجَزَاءِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الرَّجُلُ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ مَضْمُونِ الشَّرْطِ) بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْ الْحُكْمِ حَالَ كَوْنِهِ مَضْمُونَ الشَّرْطِ (قَلَبَ الْأَصْلِ) أَيْ عَدَمُ ثُبُوتِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الرَّجُلِ عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَذْكُورًا فِي نُسَخِ شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَكَانَ غَيْرَ مُتَّجَهٍ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مُلَازَمَةٌ وَقِيَاسٌ لِبَيَانِهَا نَبَّهَ عَلَى التَّمْثِيلِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْكَرْمَانِيُّ بِقَوْلِهِ (وَالْوَجْهُ قَلْبُهُ) أَيْ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ صَحَّ مِنْهُ (وَالْمُسَاوَاةُ) بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ حَاصِلَةُ (فِي هَذَا) الْقَلْبِ (عَلَى تَقْدِيرِ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُهُ فِي الْمِثَالِ لَوْ صَحَّ) مِنْهَا (لَمَا ثَبَتَ الِاعْتِرَاضُ) عَلَيْهَا كَالرَّجُلِ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ صَحَّ مِنْهُ (فَعَدَمُ الِاعْتِرَاضِ تَسَاوَى بِهِ الرَّجُلُ عَلَى التَّقْدِيرِ) لِصِحَّةِ نِكَاحِهَا (وَالْمُسَاوَاةُ فِي التَّعْرِيفِ وَإِنْ تَبَادَرَ مِنْهُ) أَيْ فِي إطْلَاقِهَا (مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ) آنِفًا (هِيَ أَعَمُّ مِمَّا) أَنْ يَكُونَ (عَلَى التَّقْدِيرِ) أَوْ مُطْلَقًا لَكِنَّ الْأَبْهَرِيَّ دَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ " لَمَّا " تَدُلُّ عَلَى الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعَ وُقُوعِ الْمَلْزُومِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى كَوْنِ الْمَلْزُومِ عِلَّةً لِلَّازِمِ بَلْ الْمَلْزُومُ فِيهَا كَمَا فِي سَائِرِ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلَّازِمِ وَأَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا لَهُ وَأَنْ يَكُونَا مَعْلُولَيْ عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُتَضَايِفَيْنِ وَأَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْقِيَاسِ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً يُسْتَدَلُّ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ وَيُسْتَدَلُّ بِوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ عَلَى حُكْمِهِ ثُمَّ قَالَ وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَلْزَمُ بِمَا صَحَّحَهُ ثُبُوتُ الْمُلَازَمَةِ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهَا مُسْتَلْزِمًا لِعَدَمِ الْحُكْمِ لِكَوْنِهَا عَلَامَاتٍ أَوْ بَوَاعِثَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ قُلْت فَمَا جَوَابُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ. قُلْت هُوَ أَنْ يُقَالَ إنْ عَنَيْت أَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي تَزْوِيجِهَا نَفْسِهَا يَثْبُتُ مُطْلَقًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَهُوَ الْمُفِيدُ لَهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ عَلَيْهَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُهُ لِأَنَّ ذَاكَ لِحَقِّ الْوَلِيِّ فِي إلْزَامِهَا إيَّاهُ بِنِسْبَةِ غَيْرِ كُفْءٍ إلَيْهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ لَيْسَ لَهُ اعْتِرَاضٌ عَلَيْهَا (الثَّانِي) مِنْ الْأَمْرَيْنِ الْمُورَدَيْنِ عَلَى عَكْسِ التَّعْرِيفِ (قِيَاسُ الدَّلَالَةِ) وَهُوَ (مَا) أَيْ الْقِيَاسُ الَّذِي (لَمْ تُذْكَرْ) الْعِلَّةُ (فِيهِ بَلْ) ذُكِرَ فِيهِ (مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا) مِنْ وَصْفٍ مُلَازِمٍ لَهَا (كَقَوْلِ شَافِعِيٍّ فِي الْمَسْرُوقِ يَجِبُ) عَلَى السَّارِقِ (رَدُّهُ) حَالَ كَوْنِهِ (قَائِمًا) وَإِنْ قُطِعَتْ الْيَدُ فِيهِ (فَيَجِبُ ضَمَانُهُ) عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ (هَالِكًا) وَإِنْ قُطِعَتْ الْيَدُ فِيهِ أَيْضًا (كَالْمَغْصُوبِ) فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ وُجُوبُ الرَّدِّ عَلَيْهِ عِلَّةَ الضَّمَانِ بَلْ هِيَ الْيَدُ الْعَادِيَةُ وَفِي الْحَقِيقَةِ قَصَدَ الشَّارِعُ حِفْظَ مَالِ الْغَيْرِ وَهُمَا أَعْنِي وُجُوبَ الرَّدِّ فِي الْمَسْرُوقِ وَوُجُوبَهُ فِي الْمَغْصُوبِ مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ وَإِنَّمَا خَصَّ الشَّافِعِيَّ بِهَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْحَنْبَلِيُّ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّ وَالْمَالِكِيَّ لَا يَقُولَانِ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَفْصِيلٌ يُعْرَفُ فِي فُرُوعِهِ (وَأُجِيبُ بِأَنَّ الِاسْمَ فِيهِ) أَيْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ (مَجَازٌ لِاسْتِلْزَامِ الْمَذْكُورِ فِيهِ) أَيْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ (الْعِلَّةَ)

أركان قياس العلة

فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا وَالْقِيَاسُ إذَا أُطْلِقَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْقِيَاسُ حَقِيقَةً وَعَلَى هَذَا الْجَوَابُ عَوَّلَ أَبُو الْحُسَيْنِ (وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهُ) أَيْ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ (إلَى مُسَمَّاهُ) أَيْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ (بِأَنَّهُ) أَيْ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ (يَتَضَمَّنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا) لِاسْتِلْزَامِ الْجَامِعِ لَهَا، فَإِذَنْ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ دَاخِلٌ فِي قِيَاسِ الْعِلَّةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُوبِ الْمُسَاوَاةِ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا فَلَا يَضُرُّ انْطِبَاقُ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ (فَقِيَاسُ النَّبِيذِ) فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِشُرْبِهِ (عَلَى الْخَمْرِ) فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِشُرْبِهَا (بِرَائِحَةِ الْمُشْتَدِّ) فِيهِمَا (يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْإِسْكَارِ) الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِيَاسَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ الْعِلَّةُ مُتَضَمِّنَةً (غَيْرَ الْمَذْكُورِ) . [أَرْكَانُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ] . (وَأَرْكَانُهُ) أَيْ أَجْزَاءُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ الَّتِي لَا تَحْصُلُ حَقِيقَتُهُ إلَّا بِحُصُولِهَا (لِلْجُمْهُورِ) أَرْبَعَةٌ الْوَصْفُ (الْجَامِعُ) هَذَا هُوَ الْأَوَّلُ (وَالْأَصْلُ) وَهَذَا هُوَ الثَّانِي وَهُوَ إمَّا (مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ) كَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالنُّظَّارِ (أَوْ حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ طَائِفَةٌ (أَوْ دَلِيلُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُونَ (وَمَبْنَاهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْلِ هُنَا اصْطِلَاحًا أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ (عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ) وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَالْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ عَلَى دَلِيلِهِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ وَعَلَى مَحَلِّهِ فَالْكُلُّ مِمَّا يَبْتَنِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ إمَّا ابْتِدَاءً كَابْتِنَائِهِ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَابْتِنَائِهِ عَلَى الْمَأْخَذِ وَالْمَحَلِّ إذْ أَصْلُ الْأَصْلِ أَصْلٌ فَلَا بُعْدَ فِي تَسْمِيَةِ أَحَدِ هَذِهِ بِالْأَصْلِ. أَمَّا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَا يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ غَيْرِهِ بَنَى عَلَيْهِ أَوْ لَا فَيَخْتَصُّ الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ بِهِ بِكَوْنِهِ أَصْلًا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْحُكْمِ وَعَنْ دَلِيلِهِ وَهُوَ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِهِ بِدُونِهِمَا وَافْتِقَارِهِمَا إلَيْهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ بِدُونِ الْفِعْلِ الْمَوْصُوفِ بِهِ وَالْفِعْلُ لَا يُمْكِنُ تَحَقُّقُهُ بِدُونِ مَحَلِّهِ وَالدَّلِيلُ أَيْضًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُثْبِتَ الْحُكْمَ بِدُونِ الْمَحَلِّ وَمِنْ هُنَا قِيلَ كَوْنُ الْأَصْلِ الْمَحَلَّ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَتَمَّ فِي مَعْنَى الْأَصَالَةِ مِنْهَا لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ أَنَّ الْأَصْلَ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ (قِيلَ) أَيْ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ مَا مَعْنَاهُ (الْجَامِعُ فَرْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ أَصْلُ حُكْمِ الْفَرْعِ) إذْ لَا بِدَعَ فِي جَوَازِ كَوْنِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ فَرْعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ لِأَنَّ الْأَصَالَةَ وَالْفَرْعِيَّةَ مِنْ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْوَصْفَ الْجَامِعَ يُسْتَنْبَطُ مِنْ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَفِي الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ يُعْلَمُ بِثُبُوتِهِ فِيهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ اسْتِنْبَاطَ الْجَامِعِ مِنْ الْحُكْمِ (يَخُصُّ) الْعِلَلَ (الْمُسْتَنْبَطَةَ) لَا الْمَنْصُوصَةَ وَهِيَ قَدْ تَكُونُ مَنْصُوصَةً فَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ ثُمَّ فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ مُشِيرًا إلَى هَذَا وَهَذَا الصَّحِيحُ انْتَهَى لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَقِيقَةَ الِابْتِنَاءِ وَفِيمَا عَدَاهُ لَا بُدَّ مِنْ تَجَوُّزٍ وَمُلَاحَظَةِ وَاسِطَةٍ. (وَحُكْمُ الْأَصْلِ) وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ (وَالْفَرْعُ) وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ (الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ) عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ (أَوْ حُكْمُهُ) أَيْ الْحُكْمُ الْمُشَبَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ آخَرُونَ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيِّ قِيلَ وَكَوْنُ الْفَرْعِ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفْتَقِرُ إلَى غَيْرِهِ وَالْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ لَا مَحَلُّهُ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ لَمَّا سَمُّوا الْمَحَلَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ أَصْلًا لِكَوْنِهِ الْأَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ سَمَّى الْمَحَلَّ الْمُشَبَّهَ فَرْعًا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ أَوْ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ دَلِيلُ الْفَرْعِ وَكَيْفَ وَدَلِيلُهُ الْقِيَاسُ وَالْقِيَاسُ لَيْسَ فَرْعًا لِدَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ ثُمَّ شَرَعَ فِي قَسِيمِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهُوَ (وَظَاهِرُ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَرُكْنُهُ مَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ) مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ (وَجُعِلَ الْفَرْعُ نَظِيرًا لَهُ فِي حُكْمِهِ بِوُجُودِهِ فِيهِ أَنَّهُ) أَيْ رُكْنَ الْقِيَاسِ (الْعِلَّةُ الثَّابِتَةُ فِي الْمَحَلَّيْنِ) الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا جُعِلَ عِلْمًا أَيْ عَلَامَةً عَلَيْهِ الْمُعَرِّفُ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْمَحَلِّ وَوَافَقَ فَخْرَ الْإِسْلَامِ عَلَى هَذَا الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ حَيْثُ قَالَ: رُكْنُ الْقِيَاسِ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي جُعِلَ حُكْمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ مِنْ بَيْنِ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا اسْمُ النَّصِّ وَيَكُونُ الْفَرْعُ بِهِ نَظِيرًا لِلْأَصْلِ فِي الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِاعْتِبَارِهِ

فِي الْفَرْعِ لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَإِنَّمَا يَقُومُ الْقِيَاسُ بِهَذَا الْوَصْفِ. انْتَهَى وَأَفْصَحَ بِهِ صَاحِبُ الْمِيزَانِ أَيْضًا فَقَالَ رُكْنُ الْقِيَاسِ هُوَ الْوَصْفُ الصَّالِحُ الْمُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي النَّصِّ وَسَاقَهُ ثُمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِنَا بِسَمَرْقَنْدَ وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ الرُّكْنُ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي جُعِلَ عَلَمًا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ عَلَى أَنَّ رُكْنَ الْقِيَاسِ هُوَ الْوَصْفُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ الْأَوْلَى نِسْبَتُهُ إلَيْهِمْ إنْ لَمْ يُنْسَبْ إلَى الْحَنَفِيَّةِ لَا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ لَا غَيْرَ ثُمَّ إنَّمَا قَالَ عِلْمًا لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْعِلَلُ أَمَارَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ لَا مُوجِبَاتٌ ثُمَّ الْحُكْمُ إنْ كَانَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مُضَافًا إلَى النَّصِّ وَفِي الْفَرْعِ إلَى الْعِلَّةِ كَمَا عَلَيْهِ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ وَأَبُو زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعُوهُمْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنِيُّ عِلْمًا عَلَى وُجُودِ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْفَرْعِ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ وَمَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ وَالشَّافِعِيُّ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنِيُّ عِلْمًا عَلَى ثُبُوتِ النَّصِّ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ يَعْنِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنِيُّ الَّذِي جُعِلَ عِلْمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا النَّصُّ إمَّا بِصِيغَتِهِ كَاشْتِمَالِ نَصِّ الرِّبَا عَلَى الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ أَوْ بِغَيْرِ صِيغَتِهِ كَاشْتِمَالِ نَصِّ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْآبِقِ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنِيَّ لَمَّا كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ النَّصِّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِهِ صِيغَةً أَوْ ضَرُورَةً وَالضَّمِيرُ فِي " لَهُ " وَ " حُكْمُهُ " لِلنَّصِّ وَفِي بِوُجُودِهِ لِمَا وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَفِي فِيهِ لِلْفَرْعِ أَيْ جَعَلَ الْفَرْعَ مُمَاثِلًا لِلْمَنْصُوصِ فِي حُكْمِهِ مِنْ الْجَوَازِ وَغَيْرِهِ بِسَبَبِ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنِيِّ فِي الْفَرْعِ. وَقِيلَ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ (وَالْمُرَادُ) بِثُبُوتِ الْعِلَّةِ فِي الْمَحَلَّيْنِ (ثُبُوتُهَا) فِيهِمَا (وَهُوَ) أَيْ ثُبُوتُهَا فِيهِمَا (الْمُسَاوَاةُ الْجُزْئِيَّةُ) بَيْنَهُمَا فِيهَا (لَا) الْمُسَاوَاةُ (الْكُلِّيَّةُ لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُسَاوَاةُ الْكُلِّيَّةُ (مَفْهُومُ الْقِيَاسِ الْكُلِّيِّ الْمَحْدُودِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ (وَالرُّكْنُ جُزْؤُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (فِي الْوُجُودِ وَقَدْ يُخَالُ) أَيْ يُظَنُّ أَنَّ قَوْلَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ هُوَ الْوَجْهُ (لِظُهُورِ أَنَّ الطَّرَفَيْنِ شَرْطُ النِّسْبَةِ كَالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ هُنَا لَا أَرْكَانُهَا) أَيْ النِّسْبَةِ (فَهُمَا) أَيْ الطَّرَفَانِ (خَارِجَانِ عَنْ ذَاتِ النِّسْبَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ خَارِجًا وَالرُّكْنِيَّةُ) إنَّمَا تَثْبُتُ لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ (بِهَذَا الِاعْتِبَارِ) أَيْ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُتَوَقِّفِ جُزْءَ الْمُتَوَقِّفِ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا عَدَا الْوَصْفَ الْجَامِعَ (ثُمَّ اسْتَمَرَّ تَمْثِيلُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (مَحَلُّ الْحُكْمِ) يَعْنِي (الْأَصْلَ بِنَحْوِ الْبُرِّ وَالْخَمْرِ) فِي قِيَاسِ الذُّرَةِ وَالنَّبِيذِ عَلَيْهِمَا فِي حُكْمِهِمَا (تَسَاهُلًا تُعُورِفَ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي التَّحْقِيقِ) مَحَلُّ الْحُكْمِ الْأَصْلُ (إلَّا فِعْلُ الْمُكَلَّفِ) كَمَا يُذْكَرُ (لَا الْأَعْيَانُ) الْمَذْكُورَةُ (فَفِي نَحْوِ النَّبِيذِ الْخَاصِّ) أَيْ الْمُسْكِرِ (مُحَرَّمٌ كَالْخَمْرِ الْأَصْلُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَالْفَرْعُ شُرْبُ النَّبِيذِ وَالْحُكْمُ الْحُرْمَةُ) وَفِي الذُّرَةِ بِذُرَةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا حَرَامٌ كَالْبُرِّ الْأَصْلُ بَيْعُ الْبُرِّ بِبُرٍّ أَكْثَرَ مِنْهُ وَالْفَرْعُ بَيْعُ الذُّرَةِ بِذُرَةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا وَالْحُكْمُ الْحُرْمَةُ (وَحُكْمُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (وَهُوَ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ أَيْضًا) لَا مِثْلُهُ كَمَا سَلَفَ تَحْقِيقُهُ مِنْ حُكْمِ الْفَرْعِ هُوَ حُكْمُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا حَصَلَ مِنْ الْعِلْمَيْنِ ظَنٌّ لِجَوَازِ كَوْنِ خُصُوصِ الْأَصْلِ شَرْطًا وَالْفَرْعِ مَانِعًا (وَهُوَ) أَيْ ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ (مَعْنَى التَّعْدِيَةِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْحَمْلِ) الْمَذْكُورِ فِي تَعَارِيفِ الْقِيَاسِ (فَتَسْمِيَتُهُ) أَيْ ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ (تَعْدِيَةً اصْطِلَاحٌ فَلَا يُبَالَى بِإِشْعَارِهِ) أَيْ لَفْظِ التَّعْدِيَةِ (لُغَةً بِانْتِفَائِهِ) أَيْ الْحُكْمُ (مِنْ الْأَصْلِ) كَمَا أَوْرَدَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ التَّعْدِيَةَ. وَهَذَا مَا وَعَدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ وَأَوْرَدَ مَا سَيُذْكَرُ (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَمَا أَجَابَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ مِنْ قَوْلِهِ (بَلْ يُشْعِرُ) لَفْظُ التَّعْدِيَةِ (بِبَقَائِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْأَصْلِ (كَقَوْلِنَا لِلْفِعْلِ مُتَعَدٍّ إلَى الْمَفْعُولِ مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الْفِعْلَ (ثَابِتٌ فِي الْفَاعِلِ) أَيْضًا (إثْبَاتَ اللُّغَةِ بِالِاصْطِلَاحِ) وَهَذَا خَبَرُ مَا قِيلَ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ بَقَاءُ الْمُتَعَدِّي فِي الْمُتَعَدِّي مِنْهُ (مِمَّا لَا يُشْعِرُ بِهِ) لَفْظُ التَّعْدِيَةِ (بَلْ) إنَّمَا يُشْعِرُ (بِانْتِقَالِهِ) أَيْ الْمُتَعَدَّى مِنْهُ (إذْ تَعَدِّي الشَّيْءِ إلَى آخَرَ انْتِقَالُهُ)

في الشروط

أَيْ الشَّيْءِ (إلَيْهِ) أَيْ الْآخَرِ (بِرُمَّتِهِ) أَيْ جُمْلَتِهِ (لَوْلَا الِاصْطِلَاحُ) لِأَنَّ التَّعَدِّيَ لُغَةً هُوَ التَّجَاوُزُ عَنْ الشَّيْءِ بِمَعْنَى عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَبَادِرٍ مِنْ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالَاتِ اللُّغَوِيَّةِ مَعَ عَدَمِ دَلَالَةِ قَرِينَةٍ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ اللُّغَوِيِّ لَهُ (وَتَقْسِيمُ الْمَحْصُولِ الْقِيَاسَ إلَى قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ لَا يُخَالِفُهُ) أَيْ قَوْلَنَا، حُكْمُ الْقِيَاسِ ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ (إذْ قَطْعِيَّتُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (بِقَطْعِيَّةِ الْعِلَّةِ وَ) بِقَطْعِ (وُجُودِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي الْفَرْعِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ) كَوْنُ الْقِيَاسِ قَطْعِيًّا (قَطْعِيَّةَ حُكْمِهِ) أَيْ الْفَرْعِ (لِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ جَوَازِ كَوْنِ خُصُوصِ الْأَصْلِ شَرْطًا وَخُصُوصِ الْفَرْعِ مَانِعًا بَلْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ قَطْعِيًّا وَحُكْمُهُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ ظَنِّيًّا وَيَكُونُ حَاصِلُهُ أَنَّا قَطَعْنَا بِإِلْحَاقِ فَرْعٍ لِأَصْلٍ فِي حُكْمِهِ الْمَظْنُونِ (غَيْرَ أَنَّ تَمْثِيلَهُ) أَيْ الْمَحْصُولَ لِهَذَا (بِمَا هُوَ مَدْلُولُ النَّصِّ أَعْنِي الْفَحْوَى) أَيْ فَحْوَى الْخِطَابِ كَقِيَاسِ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ قَطْعِيٌّ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْأَذَى وَنَعْلَمُ وُجُودَهَا فِي الضَّرْبِ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ هُنَا ظَنِّيٌّ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ عِنْدَهُ لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ (مُنَاقَضَةً) لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ هُوَ فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إلْحَاقُ مَسْكُوتٍ عَنْهُ بِمَلْفُوظٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فِي الشُّرُوطِ] (فَصْلٌ فِي الشُّرُوطِ مِنْهَا لِحُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (مَعْدُولًا) بِهِ وَحَذَفَهُ مَعَ أَنَّ الْعُدُولَ وَهُوَ الْمَيْلُ عَنْ الطَّرِيقِ لَازِمٌ فَلَا يُبْنَى مِنْهُ الْمَجْهُولُ وَالْمَفْعُولُ إلَّا بِالْبَاءِ مُسَامَحَةً لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ مَائِلًا أَوْ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الْعَدْلِ وَهُوَ الضَّرْبُ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَالِاعْتِذَارُ عَنْ حَذْفِهِ أَيْ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ مَصْرُوفًا (عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ) أَيْ طَرِيقَةً لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ عَادِلًا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ عِلَّةً لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ إثْبَاتُ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ وَمَتَى كَانَ ثُبُوتُهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَانَ الْقِيَاسُ رَدًّا لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَدَفْعًا لَهُ فَلَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ بِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الشَّيْءِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ ثُبُوتِهِ وَحُكْمُ الْأَصْلِ الْجَارِي عَلَى سُنَنِ الْقِيَاسِ (أَنْ يَعْقِلَ مَعْنَاهُ) أَيْ حُكْمَ الْأَصْلِ (وَيُوجَدُ) مَعْنَاهُ (فِي آخَرَ فَمَا لَمْ يُعْقَلْ) مَعْنَاهُ (كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ) فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ (وَالْأَطْوِفَةِ) أَيْ وَكَأَعْدَادِ الْأَشْوَاطِ وَهِيَ سَبْعَةٌ فِي أَصْنَافِ الْأَطْوِفَةِ الْمَشْرُوعَاتِ (وَمَقَادِيرُ الزَّكَاةِ) مِنْ رُبْعِ الْعُشْرِ فِي النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّاتِ (وَبَعْضُ مَا خُصَّ بِحُكْمِهِ) أَيْ مَا يَكُونُ حُكْمُ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِهِ (كَالْأَعْرَابِيِّ بِإِطْعَامِ كَفَّارَتِهِ أَهْلَهُ) وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَلَكْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَمَا أَهْلَكَك قَالَ وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ فَقَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» رَوَاهُ السِّتَّةُ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِك وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ» . لَكِنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ لَا تَسْقُطُ بِالْعُسْرَةِ الْمُقَارِنَةِ لِوُجُوبِهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ هُوَ ظَاهِرَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَأَحَدَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَأَنَّ تَنَاوُلَهُ وَعِيَالِهِ مِنْ التَّمْرِ الْمَذْكُورِ كَانَ بَعْدَ تَعَيُّنِهِ لِلْكَفَّارَةِ وَأَنَّهَا سَقَطَتْ عَنْهُ بِذَلِكَ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ السِّيَاقِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَطْعِمْ هَذَا عَنْك وَابْنِ إِسْحَاقَ عِنْدَ الْبَزَّارِ «فَتَصَدَّقْ بِهِ عَنْ نَفْسِك» وَالثَّانِي احْتِمَالٌ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلرَّجُلِ انْطَلِقْ فَكُلْهُ أَنْتَ وَعِيَالُك فَقَدْ كَفَّرَ اللَّهُ

عَنْك» لَوْلَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَسْنَدَ أَبُو دَاوُد الْجَزْمَ بِهِ إلَى الزُّهْرِيِّ فَقَالَ زَادَ الزُّهْرِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّكْفِيرِ قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُنْذِرِيُّ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا انْتَهَى وَالْأَظْهَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقْ بِهَذَا لَمْ يَقْبِضْهُ بَلْ اعْتَذَرَ بِأَنَّهُ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ فَأَذِنَ لَهُ حِينَئِذٍ فِي أَكْلِهِ مِنْهُ وَإِطْعَامِهِ أَهْلَهُ فَكَانَ تَمْلِيكًا مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَى أَهْلِهِ وَكَانَ أَخْذُهُ لَهُ أَخْذًا بِصِفَةِ الْفَقْرِ الْمَشْرُوحَةِ لَا أَنَّهُ مَلَكَهُ مِلْكًا مَشْرُوطًا بِصِفَةٍ هِيَ إخْرَاجُهُ عَنْهُ فِي كَفَّارَتِهِ فَيَبْتَنِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي التَّمْلِيكِ الْمُقَيَّدِ بِشَرْطٍ وَلَا أَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ الْكَفَّارَةِ وَلَا أَكْلَ الْمَرْءِ وَمَنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ. وَعَلَى هَذَا مَشَى الْحَافِظُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ ذَكَرَ عَبْدُ الْغَنِيِّ وَابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّهُ سَلْمَانُ أَوْ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْبَيَّاضِي وَاسْتَنَدَا فِي ذَلِكَ إلَى مَا نَاقَشَهُمَا فِيهِ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ (أَوْ عَقَلَ) مَعْنَاهُ (وَلَمْ يَتَعَدَّ) حُكْمَهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى (كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ نَصَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا) فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى فَرَسًا مِنْ سَوَاءِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِي فَجَحَدَهُ فَشَهِدَهُ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا وَلَمْ تَكُنْ حَاضِرًا مَعَنَا فَقَالَ صَدَقْتُك بِمَا جِئْت بِهِ وَعَلِمْت أَنَّك لَا تَقُولُ إلَّا حَقًّا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَحَسْبُهُ» وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ فِي حَدِيثِ وَجَدْتهمَا مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ (وَلَيْسَ) النَّصُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَتِهِ (مُفِيدَ الِاخْتِصَاصِ) أَيْ اخْتِصَاصِهِ بِهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ (بَلْ) مُفِيدُ اخْتِصَاصِهِ بِهَا (الْمَجْمُوعُ مِنْهُ) أَيْ النَّصِّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَتِهِ (وَمِنْ دَلِيلِ مَنْعِ تَعْلِيلِهِ) أَيْ النَّصِّ عَلَى ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ دَلِيلُ مَنْعِ تَعْلِيلِهِ (تَكْرِيمُهُ) أَيْ خُزَيْمَةَ (لِاخْتِصَاصِهِ) أَيْ خُزَيْمَةَ (بِفَهْمِ حِلِّ الشَّهَادَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عَنْ أَخْبَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْنِ الْحَاضِرِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إخْبَارَهُ بِذَلِكَ فِي إفَادَةِ الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ الْعِيَانِ وَكَيْفَ لَا وَالشَّرْعُ قَدْ جَعَلَ التَّسَامُعَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِمَنْزِلَةِ الْعِيَانِ فَقَوْلُ الرَّسُولِ بِذَلِكَ أَوْلَى (فَلَا يَبْطُلُ) اخْتِصَاصُهُ (بِالتَّعْلِيلِ) أَيْ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيلُهُ أَصْلًا حَتَّى لَا يَثْبُتَ هَذَا فِي شَهَادَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ فِي الْفَضِيلَةِ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ يُبْطِلُهُ (فَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ) إنَّ اللَّهَ شَرَطَ الْعَدَدَ فِي عَامَّةِ الشَّهَادَاتِ وَثَبَتَ بِالنَّصِّ قَبُولُ شَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ لَكِنَّهُ (ثَبَتَ كَرَامَةً) لَهُ (فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيلِ) وَلَفْظُهُ فَلَمْ يَصِحَّ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ (فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يُبْطِلُ كَوْنَهُ كَرَامَةً حَتَّى يَمْتَنِعَ بَلْ يُعَدِّيهَا إلَى غَيْرِهِ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ اخْتِصَاصُهُ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ ثَبَتَ كَرَامَةً خُصَّ بِهَا فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيلِ وَدَلِيلُ اخْتِصَاصِهِ بِهَا كَوْنُهَا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ اخْتِصَاصِهِ بِالْفَهْمِ. (وَالنِّسْبَةُ) أَيْ نِسْبَةُ الِاخْتِصَاصِ (إلَى الْمَجْمُوعِ) مِنْ دَلِيلِ الِاكْتِفَاءِ بِهَا وَهُوَ النَّصُّ السَّابِقُ وَمِنْ دَلِيلِ مَنْعِ التَّعْلِيلِ فَلْيُلْحَقْ غَيْرُهُ بِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الِاخْتِصَاصَ (بِالْإِثْبَاتِ) أَيْ إثْبَاتُ الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ إثْبَاتُهُ وَالْمُرَادُ دَلِيلُ إثْبَاتِهِ (نُصَّ الِاكْتِفَاءُ بِهِ) شَاهِدًا (وَالنَّفْيِ) أَيْ وَبِنَفْيِ الِاكْتِفَاءِ (عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ) أَيْ النَّفْيُ عَنْ غَيْرِهِ (بِمَانِعِ الْإِلْحَاقِ) لِغَيْرِهِ بِهِ وَهُوَ اخْتِصَاصُهُ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَهْمِ الْمَذْكُورِ (فَمُجَرَّدُ خُرُوجِهِ) أَيْ هَذَا الْحُكْمِ الْمَخْصُوصِ بِهِ خُزَيْمَةُ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ (عَنْ قَاعِدَةٍ) عَامَّةٍ وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِي جَمِيعِ الشَّهَادَاتِ الْمُطْلَقَةِ (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ اخْتِصَاصَهُ بِهِ (كَمَا ظَنَّ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُمَا جَعَلَاهُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا لَا يُوجِبُهُ (لِجَوَازِ الْإِلْحَاقِ بِالْمُخَصَّصِ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ (بِجَوَازِ تَعْلِيلِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ) وَشُمُولِهِ لِغَيْرِ الْمُخَصَّصِ أَيْضًا. (وَمِثْلُهُ)

أَيْ الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ فِي كَوْنِهِ عَقَلَ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهِ (قَصْرُ الْمُسَافِرِ) السَّفَرَ الشَّرْعِيَّ الرَّبَاعِيَةَ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ (امْتَنَعَ تَعْلِيلُهُ) أَيْ قَصْرِهَا (بِمَا يُعَدِّيه) أَيْ قَصْرَهَا إلَى غَيْرِ الْمُسَافِرِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةُ لِلْقَصْرِ (فِي الْحَقِيقَةِ الْمَشَقَّةُ) لِأَنَّهَا الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ لِلرُّخْصَةِ بِهِ وَبِأَمْثَالِهِ مِنْ الرُّخَصِ الثَّابِتَةِ لِلْمُسَافِرِ (وَامْتَنَعَ اعْتِبَارُهَا) أَيْ الْمَشَقَّةِ نَفْسِهَا (لِتَفَاوُتِهَا وَعَدَمِ ضَبْطِ مَرْتَبَةٍ) مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا (تُعْتَبَرُ مَنَاطًا) لِلْقَصْرِ (فَتَعَيَّنَتْ) الْعِلَّةُ لِذَلِكَ (مَشَقَّةُ السَّفَرِ فَجُعِلَتْ) الْعِلَّةُ (السَّفَرَ) لِكَوْنِهِ مَظِنَّتَهَا (فَامْتَنَعَ) قَصْرُهَا (فِي غَيْرِهِ) أَيْ السَّفَرِ (وَالسَّلَمِ) أَيْ وَمِثْلُ الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ فِي كَوْنِهِ عَقَلَ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهِ (بِيعَ مَا لَيْسَ فِي الْمِلْكِ) أَيْ بِيعَ آجِلٌ بِعَاجِلٍ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ شُرِعَ (لِمَصْلَحَةِ الْمَفَالِيسِ) وَمِنْ ثَمَّةَ سُمِّيَ بَيْعُ الْمَفَالِيسِ (يَنْتَفِعُونَ بِالثَّمَنِ عَاجِلًا وَيُحَصِّلُونَ الْبَدَلَ آجِلًا عَلَى مَا تَشْهَدُ بِهِ الْآثَارُ) إذَا لِجَوَازِ مُخْتَصٍّ بِالسَّلَمِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ مَا لَيْسَ فِي الْمِلْكِ إذْ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ أَوْ ذَا وِلَايَةٍ لَهُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ حَالَ الْعَقْدِ حِسًّا وَشَرْعًا، حَتَّى لَوْ بَاعَ مُسْلِمٌ مَا لَا يَمْلِكُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ مَلَكَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ الْآبِقَ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ أَوْ الْخَمْرَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فِي الثَّانِي حِسًّا وَشَرْعًا وَشَرْعًا فِي الْأَخِيرِ. وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ ثَابِتَةٌ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِمَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ جُمْلَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَا عِنْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى بَيْعِهِ لَا يَجُوزُ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَا فِي مِلْكِهِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ وَمَالَهُ وِلَايَةٌ عَلَى بَيْعِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ يَجُوزُ «وَلِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ» كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلِقَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «وَإِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا» كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. لَكِنَّهُ رَخَّصَ فِي السَّلَمِ كَمَا يُعْلَمُ قَرِيبًا (غَيْرَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ فِي جَوَازِهِ حَالًا فَلَمَّا كَانَ حَاصِلُهُ) أَيْ السَّلَمِ (تَخْصِيصًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ) لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ (عَلَّلَهُ) أَيْ الشَّافِعِيُّ (بِدَفْعِ الْحَرَجِ بِإِحْضَارِ السِّلْعَةِ مَحَلَّ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ دَلِيلَ التَّخْصِيصِ يُعَلِّلُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَشْمَلُ الْحَالَ كَالْمُؤَجَّلِ فَيَجُوزُ الْحَالُ كَالْمُؤَجَّلِ (وَوَقَعَ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا التَّعْلِيلَ وَاقِعٌ (فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ الْقَائِلِ «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ) رَوَاهُ السِّتَّةُ فَقَدْ (أَوْجَبَ فِيهِ) أَيْ فِي السَّلَمِ (الْأَجَلَ فَالتَّعْلِيلُ لِتَجْوِيزِهِ) أَيْ الْحَالِ (مُبْطِلٌ لَهُ) أَيْ النَّصِّ الْمُوجِبِ لَهُ وَالتَّعْلِيلُ الْمُبْطِلُ لِلنَّصِّ بَاطِلٌ فَقَالُوا هُمْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ حَالًا (وَمِنْهُ) أَيْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ (عَلَى ظَنِّ الشَّافِعِيَّةِ النِّكَاحَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ خُصَّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَالِصَةٍ لَك فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (غَيْرُهُ) فِي انْعِقَادِ نِكَاحِهِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْخُصُوصِيَّةِ الثَّابِتَةِ لَهُ كَرَامَةً. (وَالْحَنَفِيَّةُ) عَلَى انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَيَقُولُونَ قَوْله تَعَالَى {خَالِصَةً} [الأحزاب: 50] (يَرْجِعُ إلَى نَفْيِ الْمَهْرِ وَمَنْ تَأَمَّلَ {أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} [الأحزاب: 50] لَك حَتَّى فُهِمَ الطِّبَاقُ) بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ (فُهِمَ أَحْلَلْنَا لَك بِمَهْرٍ وَبِلَا مَهْرٍ) فَكَانَ الْحَاصِلُ أَحْلَلْنَا لَك الْأَزْوَاجَ الْمُؤْتَى مُهُورُهُنَّ وَاَلَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَك فَلَمْ تَأْخُذْ مَهْرًا خَالِصَةً هَذِهِ الْخَصْلَةُ لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا هُمْ فَقَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ مِنْ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ (وَتَعْلِيلُ الِاخْتِصَاصِ بِنَفْيِ الْحَرَجِ يُنَادِي بِهِ) أَيْ بِرُجُوعِهِ إلَى نَفْيِ الْمَهْرِ أَيْضًا (إذْ هُوَ) أَيْ الْحَرَجُ (فِي لُزُومِ الْمَالِ لَا فِي تَرْكِ لَفْظٍ إلَى آخَرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَقْدَرِ الْخَلْقِ عَلَى التَّعْبِيرِ) عَنْ مُرَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ. (وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ (مَا عَقَلَ) مَعْنَاهُ (عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى

مُقْتَضًى شَرْعِيٍّ كَبَقَاءِ صَوْمِ) الصَّائِمِ (النَّاسِي) أَوْ الْآكِلِ أَوْ الشَّارِبِ فِي النَّهَارِ نِسْيَانًا بِمَا سَيَأْتِي مِنْ النَّصِّ (مَعَ عَدَمِ الرُّكْنِ) وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ أَوْ بَقَاءِ الصَّوْمِ مَعَ عَدَمِ رُكْنِهِ (مَعْدُولٌ عَنْ مُقْتَضَى عَدَمِ الرُّكْنِ) لِأَنَّ مُقْتَضَى عَدَمِ رُكْنِ الصَّوْمِ عَدَمُ بَقَاءِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَبْقَى مَعَ عَدَمِ رُكْنِهِ وَوُجُودِ مَا يُضَادُّهُ فِي مَحَلِّهِ سَوَاءً وُجِدَ الْمُضَادُّ نَاسِيًا أَوْ عَامِدً لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَا يَعْدِمُ الْفِعْلَ الْمَوْجُودَ وَلَا يُوجِدُ الْفِعْلَ الْمَعْدُومَ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الصَّلَاةِ نَاسِيًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَهُ عَامِدًا فَثَبَتَ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إعْدَامِ الْمَوْجُودِ. (فَإِنْ قِيلَ لَمَّا عَلَّلَ دَلِيلَ التَّخْصِيصِ) فِي الْمَوَاقِعِ نَاسِيًا (لَزِمَ مُجِيزِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ تَعْلِيلَهُ) أَيْ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ (لِإِلْحَاقِ) الصَّائِمِ (الْمُخْطِئِ) أَيْ الْمُفْطِرِ خَطَأً كَأَنْ تَمَضْمَضَ فَسَبَقَهُ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ (وَالْمُكْرَهِ) عَلَى الْإِفْطَارِ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ (وَالْمَصْبُوبِ فِي حَلْقِهِ) مَاءٌ أَوْ غَيْرُهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ بِالنَّاسِي فِي بَقَاءِ الصَّوْمِ (بِعَدَمِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ) عَلَى صَوْمِهِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُهُمْ (كَالشَّافِعِيِّ لَكِنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ (اتَّفَقُوا عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لِإِلْحَاقِهِمْ بِالنَّاسِي (فَالْجَوَابُ أَنَّ ظَنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ لِلنَّاسِي ثَابِتٌ (بِعِلَّةٍ مَنْصُوصَةٍ هِيَ قَطْعُ نِسْبَةِ الْفِعْلِ) الْمُفْطِرِ (عَنْ الْمُكَلَّفِ مَعَ النِّسْيَانِ وَعَدَمِ الْمُذَكِّرِ) لَهُ بِالصَّوْمِ إذْ لَا هَيْئَةَ لَهُ مُخَالِفَةً لِلْهَيْئَةِ الْعَادِيَّةِ لِلْمُكَلَّفِ بِنِسْبَةِ ذَاكَ (إلَيْهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ «تِمِّ عَلَى صَوْمِك فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك» ) هَذَا لَفْظُ الْهِدَايَةِ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ وَقَفْتُ عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَسُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي كُنْت صَائِمًا فَأَكَلْت وَشَرِبْتُ نَاسِيًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتِمَّ صَوْمَك فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَك وَسَقَاك» زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ «وَلَا قَضَاءَ عَلَيْك» (لِأَنَّهُ) أَيْ قَطْعَ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَى الْمُكَلَّفِ (فَائِدَتُهُ) أَيْ قَوْلُهُ تِمَّ عَلَى صَوْمِك إلَخْ (وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ الْمُطْعِمُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ طَعِمَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا. وَكَيْفَ لَا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ» (وَقَطْعُهُ) أَيْ وَقَطْعُ الشَّارِعِ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكَلَّفِ (مَعَهُ) أَيْ النِّسْيَانِ (وَهُوَ) أَيْ النِّسْيَانُ (جِبِلِّيٌّ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ بِلَا مُذَكِّرٍ) وَهُوَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ غَالِبُ الْوُجُودِ وَخَبَرُ قَطْعِهِ (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ قَطْعُهُ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكَلَّفِ (فِيمَا هُوَ دُونَهُ) أَيْ النِّسْيَانِ (مَعَ مُذَكِّرٍ كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا تُخَالِفُ الْهَيْئَةَ الْعَادِيَةَ لِلْمُكَلَّفِ (فَفَسَدَتْ بِفِعْلِ مُفْسِدٍ سَاهِيًا وَمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ) أَوَّلًا يَسْتَلْزِمُ قَطْعُهُ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَيْهِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ (كَالْخَطَأِ) لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عُذْرًا فِيمَا كَثُرَ وُجُودُهُ مِثْلَهُ فِيمَا لَمْ يَكْثُرْ وَلِأَنَّ فِي الْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ مَعَ التَّذَكُّرِ لِلصَّوْمِ فِيهِ لَيْسَ إلَّا مِنْ تَقْصِيرٍ فِي الِاحْتِرَاسِ فَيُنَاسِبُ الْفَسَادَ إذْ فِيهِ نَوْعُ إضَافَةٍ إلَيْهِ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُ الْخَطَأِ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ (ثَبَتَ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ) فِي الشَّرْعِ مُسْقِطًا لِلْمُجَازَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ (فِي خَطَأِ الْقَتْلِ فَأَوْجَبَ) الشَّارِعُ بِهِ (الدِّيَةَ) بَدَلَ الْمَحَلِّ (حَقًّا لِلْعَبْدِ مَعَ تَحَقُّقِ مَا عَيَّنَهُ) الشَّافِعِيُّ مِنْ عَدَمِ الْقَصْدِ إلَى الْجِنَايَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي النِّسْيَانِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ أَيْضًا. (وَ) أَوْجَبَ (الْكَفَّارَةَ) فِيهِ أَيْضًا (لِتَقْصِيرِهِ) فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْخَطَأِ فِيهِ إلَّا الْإِثْمُ فَكَذَا فِي الصَّوْمِ لَا يَسْقُطُ بِالْخَطَأِ فِيهِ إلَّا الْإِثْمُ ثُمَّ يُجْبَرُ بِالْقَضَاءِ (وَالْمُكْرَهُ أَمْكَنَهُ الِالْتِجَاءُ وَالْهَرَبُ وَلَوْ عَجَزَ) عَنْهُمَا (وَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ) لِفِعْلِهِ عَنْهُ (صَارَتْ إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى أَعْنِي الْمُكْرَهَ كَفِعْلِ الصَّبِّ) فِي حَلْقِ النَّائِمِ (نُسِبَ إلَى الْعَبْدِ لَا إلَيْهِ تَعَالَى حَتَّى أَثَّمَهُ) أَيْ أَثَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّابَّ (فَانْتَفَتْ الْعِلَّةُ) الْمُعَلَّلُ بِهَا دَلِيلُ التَّخْصِيصِ فِي الْمُكْرَهِ وَالْمَصْبُوبِ فِي حَلْقِهِ فَلَا يَلْحَقَانِ بِالنَّاسِي فِي بَقَاءِ الصَّوْمِ وَلَا يُقَالُ الْوِقَاعُ نَاسِيًا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ قِيَاسًا عَلَى الْأَكْلِ نَاسِيًا وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ بَلْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِلْعِلْمِ بِتَسَاوِي الْكُلِّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوِقَاعِ فِي أَنَّ رُكْنَ الصَّوْمِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْكَفِّ عَنْهَا وَإِنَّ تَسَاوِي الْمُتَسَاوِيَاتِ إذَا ثَبَتَ لِأَحَدِهَا حُكْمٌ يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ لِلْبَاقِي ضَرُورَةَ الْمُسَاوَاةِ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ مُتَسَاوِيَةً مَعَ كَوْنِهَا مُتَسَاوِيَةً فَكَانَ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْأَكْلِ

وَالشُّرْبِ وَارِدًا فِيهِ وَبَقَاءُ صَوْمِ النَّاسِي فِي الْأَكْلِ إنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ غَيْرُ جَانٍ عَلَى الصَّوْمِ لَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْأَكْلِ وَهَذَا بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي الْوِقَاعِ (وَمِنْهُ) أَيْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ (تَقَوُّمُ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ) فَإِنَّهُ ثَبَتَ لَهَا فِي الْإِجَارَةِ بِالنُّصُوصِ عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِ أَنَّ تَقَوُّمَهَا (يَمْنَعُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ هَكَذَا لَمْ تُحَرَّزْ) الْمَنَافِعُ (فَلَا مَالِيَّةَ فَلَا تَقَوُّمَ كَالصَّيْدِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ. أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّهَا لَمْ تُحَرَّزْ (فَلِأَنَّهَا) أَيْ الْمَنَافِعَ (أَعْرَاضٌ مُتَصَرِّمَةٌ) أَيْ مَتَى وُجِدَتْ تَلَاشَتْ وَاضْمَحَلَّتْ (فَلَوْ قُلْنَا بِبَقَاءِ شَخْصِ الْعَرْضِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا يَجُوزُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَشْخَاصِ الْأَعْرَاضِ وَلَوْ قُلْنَا بِعَدَمِ بَقَاءِ شَخْصِ الْعَرْضِ لَمْ تَكُنْ مُحْرَزَةً بِطَرِيقٍ أَوْلَى (ثُمَّ الْمَالِيَّةُ بِالْإِحْرَازِ، وَالتَّقَوُّمُ بِالْمَالِيَّةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ) أَيْ بِتَقْوِيمِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ (غَصْبُهَا) أَيْ إتْلَافُ الْمَنَافِعِ أَوْ تَعْطِيلُهَا فِي الْغَصْبِ (إذْ لَا جَامِعَ مُعْتَبَرٌ) بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ (لِتَفَاوُتِ الْحَاجَةِ) الَّتِي كَانَتْ الْمَنَافِعُ بِسَبَبِهَا مُتَقَوِّمَةً (وَعَدَمِ ضَبْطِ مَرْتَبَةٍ) مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا يُنَاطُ التَّقْوِيمُ بِهَا (كَمَشَقَّةِ السَّفَرِ فَنِيطَ) أَيْ عُلِّقَ التَّقَوُّمُ (بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ) لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهَا كَالسَّفَرِ فَإِنْ قِيلَ عَدَمُ تَقَوُّمِهَا فِي الْغَصْبِ يَفْتَحُ بَابَ الْعُدْوَانِ لِعِلْمِ الْمُعْتَدِينَ حِينَئِذٍ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فَالْجَوَابُ لَا مَانِعَ لَهُمْ وَمِنْ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْحَاجَةُ لِدَفْعِ الْعُدْوَانِ تَدْفَعُ بِالتَّعْزِيرِ) وَلَا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ إذْ هِيَ مُحْرَزَةٌ بِإِحْرَازِ الْمَحَلِّ الْقَائِمَةِ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِنَفْيِ إحْرَازِهَا نَفْيُ الْإِحْرَازِ الْقَصْدِيِّ (وَإِحْرَازُهَا بِالْمَحَلِّ ضِمْنٌ غَيْرُ مُضَمَّنٍ كَالْحَشِيشِ النَّابِتِ فِي أَرْضِهِ) فَإِنَّهُ مُحْرَزٌ تَبَعًا لِأَرْضِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مُتْلِفِهِ (وَلَوْ سَلَّمَ) أَنَّ الْإِحْرَازَ الضِّمْنِيَّ كَالْحَقِيقِيِّ فِي تَضْمِينِ الْمَالِيَّةِ (فَفُحْشُ تَفَاوُتِ الْمَالِيَّةِ يَمْنَعُ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ الْمَبْنِيِّ عَلَى) اشْتِرَاطِ (الْمُمَاثَلَةِ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] لِانْتِفَائِهَا بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَالْمَضْمُونِ بِهِ حِينَئِذٍ فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَضْمَنَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ فَاكِهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بِالنَّقْدِ إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْبَقَاءُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ قُلْنَا لَا فَإِنَّ الشَّرْطَ فِي الْمُمَاثَلَةِ الْمَشْرُوطَةِ بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَالْمَضْمُونِ بِهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَقَدْ عَرَّفْت انْتِفَاءَهَا بَيْنَ الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ (بِخِلَافِ الْفَاكِهَةِ مَعَ النَّقْدِ) فَإِنَّهَا مُتَحَقِّقَةٌ بَيْنَهُمَا (لِاتِّصَافِهَا بِالِاسْتِقْلَالِ بِالْوُجُودِ وَالْبَقَاءِ) وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي قَدْرِ الْبَقَاءِ (وَالتَّفَاوُتُ فِي قَدْرِهِ لَا يُعْتَبَرُ) لِأَنَّ قَدْرَهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ تَبْقَى مَا لَا يَبْقَى غَيْرُهَا مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى نَفْسِ الْبَقَاءِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. (وَسَرَّهُ) أَيْ عَدَمَ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْبَقَاءِ (أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُسَاوَاةِ لِإِيجَابِ الْبَدَلِ إنَّمَا هُوَ حَالُ الْوُجُوبِ) لِلْبَدَلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ حَالَ الْوُجُوبِ (حَالُ إقَامَةِ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَالتَّسَاوِي) بَيْنَهُمَا (فِيهِ) أَيْ فِي حَالِ الْوُجُوبِ (إذْ ذَاكَ) أَيْ حَالُ الْوُجُوبِ (ثَابِتٌ وَمِنْهُ) أَيْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيلِ (حِلُّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا) فَإِنَّهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُ يَكْفِيه اسْمُهُ فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ حِينَ يَذْبَحَ فَلْيُسَمِّ وَلِيَذْكُرْ اللَّهَ ثُمَّ لِيَأْكُلْ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى تَرْكِ شَرْطِ الصَّلَاةِ) مِنْ طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (نَاسِيًا لَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ مَعَهُ (حَتَّى وَجَبَتْ) إعَادَتُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ (إذَا ذَكَرَ) مَا تَرَكَهُ مِنْ شَرْطِهِ نَاسِيًا وَالتَّسْمِيَةُ فِي حِلِّ الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ بِالْكِتَابِ (فَلَا يَلْحَقُ بِهِ) أَيْ بِنِسْيَانِ التَّسْمِيَةِ فِي الْحِلِّ (الْعَمْدُ) فِي الْحِلِّ أَيْضًا (لِعَدَمِ الْمُشْتَرَكِ) بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّاسِيَ مَعْذُورٌ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْعَامِدُ جَانٍ مُعْرِضٌ عَنْهُ (وَلِأَنَّهُ) لَوْ أُلْحِقَ الْعَامِدُ بِهِ (لَمْ يَبْقَ تَحْتَ الْعَامِّ شَيْءٌ) مِنْ أَفْرَادِهِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فَيُنْسَخُ) نَصُّ الْقُرْآنِ (بِالْقِيَاسِ) وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَفِيهِ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ (نَظَرٌ يَأْتِي) فِي الْكَلَامِ فِي فَسَادِ الِاعْتِبَارِ. (وَمِنْهَا) أَيْ الشُّرُوطِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ (أَنْ يَكُونَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (شَرْعِيًّا فَلَا قِيَاسَ فِي اللُّغَةِ وَتَقَدَّمَ) أَنَّهُ الْمُخْتَارُ فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ (وَلَا فِي الْعَقْلِيَّاتِ خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ) فَإِنَّهُمْ جَوَّزُوهُ فِيهَا إذَا تَحَقَّقَ جَامِعٌ عَقْلِيٌّ إمَّا بِالْعِلَّةِ أَوْ الْحَدِّ أَوْ الشَّرْطِ أَوْ الدَّلِيلِ وَفِي

الْمَحْصُولِ وَمِنْهُ نَوْعٌ يُسَمَّى إلْحَاقَ الشَّاهِدِ بِالْغَائِبِ بِجَامِعٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَالْجَمْعُ بِالْعِلَّةِ وَهُوَ أَقْوَى الْوُجُوهِ كَقَوْلِ أَصْحَابِنَا الْعَالَمِيَّةُ فِي الشَّاهِدِ أَيْ الْمَخْلُوقَاتُ مُعَلَّلَةٌ بِالْعِلْمِ فَكَذَا فِي الْغَائِبِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْقِيَاسِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (لِعَدَمِ إمْكَانِ إثْبَاتِ الْمَنَاطِ فَلَوْ أَثْبَتَ حَرَارَةَ حُلْوٍ قِيَاسًا عَلَى الْعَسَلِ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْحَلَاوَةُ) لِلْحَرَارَةِ (إلَّا إنْ اُسْتُقْرِئَ) أَيْ تُتُبِّعَ كُلُّ حُلْوٍ فَوُجِدَ حَارًّا (فَتَثْبُتُ) عَلَيْهِ الْحَلَاوَةُ لِلْحَرَارَةِ حِينَئِذٍ (فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحُلْوِ (بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِقْرَاءِ (لَا بِالْقِيَاسِ فَلَا أَصْلَ وَلَا فَرْعَ وَعَنْهُ) أَيْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ (اشْتَرَطَ عَدَمَ شُمُولِ دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ الْفَرْعَ) خِلَافًا لِمَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَمُوَافِقِيهِمْ كَمَا يَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ (وَبِهَذَا) أَيْ اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِلْفَرْعِ (بَطَلَ قِيَاسُهُمْ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِينَ (الْغَائِبَ عَلَى الشَّاهِدِ فِي أَنَّهُ عَالِمٌ بِعِلْمٍ) خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ (مَعَ فُحْشِ الْعِبَارَةِ) حَيْثُ أَطْلَقَ الْغَائِبَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّى لَهُمْ هَذَا الْإِطْلَاقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّمَا بَطَلَ قِيَاسُهُمْ (لِأَنَّ ثُبُوتَهُ) أَيْ الْعَالَمِ بِالْعِلْمِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ مَنْ سِوَاهُ (بِاللَّفْظِ لُغَةً وَهُوَ أَنَّ الْعَالِمَ مَنْ قَامَ بِهِ) الْعِلْمُ (وَثَمَرَتُهُ) أَيْ كَوْنَ حُكْمِ الْأَصْلِ شَرْعِيًّا يَظْهَرُ (فِي قِيَاسِ النَّفْيِ لَوْ كَانَ) النَّفْيُ (أَصْلِيًّا فِي الْأَصْلِ امْتَنَعَ) الْقِيَاسُ عَلَيْهِ (لِعَدَمِ مَنَاطِهِ) أَيْ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ فَهُوَ لَا يَكُونُ عِلَّةً (بِخِلَافِهِ) أَيْ النَّفْيِ إذَا كَانَ (شَرْعِيًّا يَصِحُّ) الْقِيَاسُ عَلَيْهِ (بِوُجُودِهِ) أَيْ وُجُودِ مَنَاطِهِ فِيهِ فَهُوَ قَدْ يَكُونُ عِلَّةً قَالَ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَوْلُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمَنَاطُ إذَا كَانَ عَدَمًا شَرْعِيًّا (عَلَامَةٌ شَرْعِيَّةٌ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عِلَّةَ الْعَدَمِ لَا تَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ عِلَلِ الْأَحْكَامِ لِمَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّهَا وَصْفٌ ظَاهِرٌ ضَابِطٌ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مُفْسِدَةٍ بَلْ إنَّمَا يَكُونُ مُجَرَّدَ عَلَامَةٍ وَضَعَهَا الشَّارِعُ عَلَى النَّفْيِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يُقَاسُ لِإِثْبَاتِ عَدَمٍ لِمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ (أَنْ لَا يَكُونَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (مَنْسُوخًا لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ) الْوَصْفِ (الْجَامِعِ) فِيهِ لِلشَّارِعِ لِزَوَالِ الْحُكْمِ مَعَ ثُبُوتِ الْوَصْفِ فِيهِ فَلَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ بِهِ إذَا لَمْ يَبْقَ الِاسْتِلْزَامُ الَّذِي كَانَ دَلِيلًا لِلثُّبُوتِ. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ (أَنْ لَا يَثْبُتَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (بِالْقِيَاسِ بَلْ) يَثْبُتَ (بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ) كَمَا هُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الْكَرْخِيِّ وَجُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ وَنَصَّ فِي الْبَدِيعِ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (وَهَذَا) مَعْنَى (مَا يُقَالُ أَنْ لَا يَكُونَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (فَرْعًا لِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ كَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَرْعًا (قِيَاسَيْنِ) الْأَوَّلُ الَّذِي أَصْلُهُ فَرْعٌ لِلْقِيَاسِ الثَّانِي، وَالثَّانِي (فَالْجَامِعُ إنْ اتَّحَدَ فِيهِمَا) أَيْ الْقِيَاسَيْنِ (كَالذُّرَةِ عَلَى السِّمْسِمِ بِعِلَّةِ الْكَيْلِ ثُمَّ هُوَ) أَيْ السِّمْسِمُ (عَلَى الْبُرِّ) بِعِلَّةِ الْكَيْلِ (فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوَسَطِ) الَّذِي هُوَ السِّمْسِمُ (لِإِمْكَانِهِ) أَيْ قِيَاسِ الذُّرَةِ (عَلَى الْبُرِّ وَإِنَّمَا هِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةُ (مُشَاحَحَةٌ) وَالْوَجْهُ مُشَاحَّةٌ (لَفْظِيَّةٌ أَوْ اخْتَلَفَ) الْجَامِعُ فِيهِمَا (كَقِيَاسِ الْجُذَامِ عَلَى الرَّتَقِ) وَهُوَ الْتِحَامُ مَحَلِّ الْجِمَاعِ بِاللَّحْمِ (فِي أَنَّهُ) أَيْ الرَّتَقَ (يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ) بِأَنْ يُقَالَ يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِالْجُذَامِ كَمَا يُفْسَخُ بِالرَّتَقِ (بِجَامِعٍ أَنَّهُ) أَيْ الْجَامِعَ (عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ) فَكَذَا النِّكَاحُ كَالرَّتَقِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ كَمَا يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ (فَيُمْنَعُ) الْخَصْمُ (فَسْخَ النِّكَاحِ بِالرَّتَقِ فَيُعَلِّلُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ بِفَسْخِ النِّكَاحِ بِالرَّتَقِ (بِأَنَّهُ) أَيْ الرَّتَقَ (مُفَوِّتٌ لِلِاسْتِمْتَاعِ كَالْجَبِّ) أَيْ قَطْعِ الذَّكَرِ (وَهَذِهِ) الْعِلَّةُ وَهِيَ فَوَاتُ الِاسْتِمْتَاعِ (لَيْسَتْ فِي الْفَرْعِ الْمَقْصُودِ بِالْإِثْبَاتِ) وَهُوَ الْجُذَامُ فَإِنَّ الِاسْتِمْتَاعَ فِيهِ غَيْرُ فَائِتٍ (مَا نُقِلَ) فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ وَغَيْرِهِمَا (عَنْ الْحَنَابِلَةِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ مِنْ تَجْوِيزِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ مَعَ اخْتِلَافِ الْجَامِعِ (لِتَجْوِيزِ أَنْ يَثْبُتَ) الْحُكْمُ (فِي الْفَرْعِ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَصْلِ) بِهِ (كَالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ) أَيْ كَمَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْأَصْلِ بِدَلِيلٍ وَهُوَ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ وَفِي الْفَرْعِ بِآخَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْأَصْلِ بِعِلَّةٍ وَفِي الْفَرْعِ بِأُخْرَى (يَبْعُدُ صُدُورُهُ مِمَّنْ عَقَلَ الْقِيَاسَ فَإِنَّ ذَاكَ) أَيْ ثُبُوتَ حُكْمِ الْأَصْلِ بِدَلِيلٍ غَيْرِ الدَّلِيلِ الَّذِي بِهِ ثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ (فِي أَصْلٍ لَيْسَ فَرْعَ قِيَاسٍ) وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَالْكَلَامُ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلٍ هُوَ فَرْعُ قِيَاسٍ وَفِي تَجْوِيزِهِ فِيهِ

انْتِفَاءُ الْقِيَاسِ لِامْتِنَاعِ التَّعْدِيَةِ بِوَاسِطَةِ لُزُومِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِلَّةِ لَهُ. (هَذَا) الْمَذْكُورُ (إذَا كَانَ الْأَصْلُ فَرْعًا يُوَافِقُهُ الْمُسْتَدِلُّ لَا الْمُعْتَرِضُ فَلَوْ) كَانَ (قَلْبُهُ) بِأَنْ كَانَ الْأَصْلُ فَرْعًا يُخَالِفُهُ الْمُسْتَدِلُّ وَيُوَافِقُهُ الْمُعْتَرِضُ (فَلَا يُعْلَمُ فِيهِ إلَّا عَدَمُ الْجَوَازِ كَشَافِعِيٍّ) أَيْ كَقَوْلِهِ (فِي نَفْيِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ) قِصَاصًا: قَتْلُ الْمُسْلِمِ لَهُ قَتْلٌ (تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ) وَهِيَ عَدَمُ التَّكَافُؤِ فِي الشَّرَفِ (فَلَا يُقْتَلُ) الْمُسْلِمُ (بِهِ) أَيْ بِالذِّمِّيِّ (كَمَا) لَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ (بِالْمُثْقَلِ) لِتَمَكُّنِ شُبْهَةِ الْعَمْدِيَّةِ وَالشُّبَهُ دَارِئَةٌ لِلْحُدُودِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ (لِاعْتِرَافِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (بِبُطْلَانِ دَلِيلِهِ بِبُطْلَانِ مُقَدِّمَتِهِ) لِأَنَّ عِنْدَهُ يَثْبُتُ الْقِصَاصُ بِالْمُثْقَلِ (وَلَوْ) كَانَ هَذَا (فِي مُنَاظَرَةٍ فَأَرَادَ) الْمُسْتَدِلُّ الَّذِي هُوَ الشَّافِعِيُّ (الْإِلْزَامَ) بِهَذَا لِلْمُعْتَرِضِ الَّذِي هُوَ الْحَنَفِيُّ إذْ لَوْ الْتَزَمَهُ لَزِمَ الْمَقْصُودُ وَإِلَّا لَكَانَ مُنَاقِضًا فِي مَذْهَبِهِ لِعِلْمِهِ بِالْعِلَّةِ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ (لَمْ يَلْزَمْ) الْمُعْتَرِضَ (لِجَوَازِ قَوْلِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (هِيَ) أَيْ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ (عِنْدِي غَيْرُ مَا ذَكَرْت) أَنْتَ وَلَا يَجِبُ ذِكْرِي لَهَا فِي عُرْفِ الْمُنَاظَرَةِ (أَوْ أَعْتَرِفُ بِخَطَئِي فِي الْأَصْلِ) فِي أَحَدِهِمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ. (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ (فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (ذَا قِيَاسٌ مُرَكَّبٌ) أَيْ ثَابِتًا بِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ (أَنْ يَسْتَغْنِيَ) الْمُسْتَدِلُّ (عَنْ) الدَّلِيلِ عَلَى (إثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ) لِلْأَصْلِ (بِمُوَافَقَةِ الْخَصْمِ) لِلْمُسْتَدِلِّ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِلْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوصًا أَوْ مَجْمَعًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ ثُمَّ الْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ قِسْمَانِ أَشَارَ إلَى أَحَدِهِمَا بِقَوْلِهِ (مَانِعًا عَلَيْهِ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ) أَيْ حَالَ كَوْنِ الْخَصْمِ مَانِعًا صَلَاحِيَةَ الْوَصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً مُثِيرَةً لِلْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ لِتَثَبُّتِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِوَاسِطَةِ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ كَذَلِكَ وَحَالَ كَوْنِ الْخَصْمِ أَيْضًا (مُعَيِّنًا) عِلَّةً (أُخْرَى) كَذَلِكَ (عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ الَّتِي عَيَّنَهَا (إنْ لَمْ تَصِحَّ مَنَعَ) الْخَصْمُ (حُكْمَ الْأَصْلِ وَهَذَا) أَيْ مَمْنُوعُ الْعِلَّةِ (مُرَكَّبُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ يُوجِبُ اجْتِمَاعَ قِيَاسَيْهِمَا) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعْتَرِضِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْأَصْلِ لِإِثْبَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْحُكْمَ الَّذِي يُقَاسَ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ بِقِيَاسٍ فَإِنْ وُجِدَ الْجَامِعُ فِي كِلَا الْقِيَاسَيْنِ كَانَ كِلَاهُمَا صَحِيحًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَا لَمْ يُوجَدْ الْجَامِعُ فِيهِ صَحِيحًا فَيَكُونُ مَعْنَى تَرْكِيبِ الْقِيَاسِ الِاجْتِمَاعَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَكَانَ مُرَكَّبًا وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهُ كَمَا ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَمَنْ وَافَقَهُ (بِنَاءٌ عَلَى لُزُومِ فَرْعِيَّةِ الْأَصْلِ وَلِذَا) أَيْ لُزُومِ فَرْعِيَّتِهِ (صَحَّ مَنْعُهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (حُكْمَ الْأَصْلِ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ صِحَّتِهَا) أَيْ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ (فَلَوْ) كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ ثَابِتًا (بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عِنْدَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (انْتَفَى) مَنْعُهُ حُكْمُ الْأَصْلِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ صِحَّةِ مَا ادَّعَاهُ وَصْفًا مَنُوطًا بِهِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَأَشَارَ إلَى ثَانِيهِمَا بِقَوْلِهِ (أَوْ) حَالَ كَوْنِ الْخَصْمِ مَانِعًا (وُجُودَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ نَفْسِهَا فِي الْأَصْلِ مُعَيِّنًا عِلَّةً أُخْرَى (وَهُوَ) أَيْ وُجُودُهَا (وَصْفُهَا فَمُرَكَّبُ الْوَصْفِ) لِأَنَّهُ خِلَافٌ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ هَلْ لَهُ وُجُودٌ فِي الْأَصْلِ أَوْ لَا (أَوْ بِأَدْنَى تَمْيِيزٍ) أَيْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُرَكَّبَيْ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ بِمَنْعِ الْعِلَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَمَنْعِ وُجُودِهَا فِي الثَّانِي وَمَنْعِ وُجُودِهَا هُوَ مَنْعُ وَصْفِهَا بِأَدْنَى تَمْيِيزٍ (فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (إنْ لَمْ تَصِحَّ) الْعِلَّةُ (مَنَعَتْ حُكْمَ الْأَصْلِ وَظُهُورُ عَدَمِ الصِّحَّةِ فَرْعُ الشُّرُوعِ فِي الْإِثْبَاتِ أَوْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ) أَيْ الْإِثْبَاتِ (فَيَعْجَزُ) الْمُسْتَدِلُّ. (وَفِيهِ) أَيْ تَصْحِيحِ هَذَا (قَلْبُ الْوَضْعِ) لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ الْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا وَالْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلًّا (قُلْت) لَا ضَيْرَ (لِأَنَّ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ لِلْقِيَاسِ الْمُرَكَّبِ مِنْ صُوَرِ الْمُعَارَضَةِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ وَفِيهِ) أَيْ تَصْحِيحِ هَذَا (ذَلِكَ) الِانْقِلَابِ (فَإِنَّ جَوَابَهَا) أَيْ الْمُعَارَضَةِ (مَنْعُ الْمُسْتَدِلِّ لِمَا عَيَّنَهُ) الْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ (فَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (الْإِثْبَاتُ) لِعِلِّيَّةِ مَا عَيَّنَهُ نَفْسَهُ عَلَيْهِ (وَإِذَا صَارَ) الْمُعْتَرِضُ (مَانِعَهُ) أَيْ مَا أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ عَلَيْهِ (لَزِمَ الْمُسْتَدِلَّ إثْبَاتُهَا) أَيْ بَيَانُ اعْتِبَارِ عِلَّتِهِ (وَوُجُودُهَا) فِي الْأَصْلِ (وَيَنْتَهِضُ) دَلِيلُهُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ إذَا أَثْبَتَهَا وَوُجُودُهَا فِيهِ (إذْ لَيْسَ

ثُبُوتُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (إلَّا بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ (لِلْفَرْعِيَّةِ) لِلْأَصْلِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَثْبَتَ) الْمُسْتَدِلُّ (الْوُجُودَ فِي مُرَكَّبِ الْوَصْفِ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (مَعَهُ) أَيْ إثْبَاتِ الْمُسْتَدِلِّ الْوُجُودَ فِيهِ (يَمْنَعُ حُكْمَ الْأَصْلِ وَهُوَ) أَيْ مَنْعُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ (دَلِيلٌ أَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (مَانِعٌ صِحَّةَ مَا عَيَّنَهُ الْمُسْتَدِلُّ فِيهِمَا) أَيْ مُرَكَّبَيْ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ (وَإِذَنْ فَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يُثْبِتَ وُجُودَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ (بِدَلِيلِهِ) أَيْ الثُّبُوتِ (مِنْ حِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ شَرْعٍ أَوْ لُغَةٍ فَيَنْتَهِضُ) الدَّلِيلُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِصِحَّةِ الْمُوجِبِ) أَنْ يَكُونَ عِلَّةً مُوجِبَةً (وَوُجُودِهِ) أَيْ الْمُوجِبِ فِي الْأَصْلِ (إذْ قَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ) فَلَزِمَهُ الْقَوْلُ بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْوَجْهَ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا أَوْ حَذْفِ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِصِحَّةِ الْمُوجِبِ وَوُجُودِهِ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ لِتَسْلِيمِهِ وَاعْتِرَافِهِ وَالْفَرْضُ مَنَعَهُ حَتَّى احْتَاجَ الْمُسْتَدِلُّ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَخَبَرٍ فَقَوْلُهُمْ (فِيهِ نَظَرٌ بَلْ إذَا أَثَبَتَهُمَا) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ الْوُجُودَ وَالِاعْتِبَارَ انْتَهَضَ حِينَئِذٍ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ مُرَكَّبِ الْأَصْلِ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ مِثَالُ مُرَكَّبِ الْأَصْلِ (قَوْلٌ شَافِعِيٌّ) فِي كَوْنِ الْحُرِّ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ قَتَلَهُ الْمَقْتُولُ (عَبْدٌ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ كَالْمُكَاتَبِ الْمَقْتُولِ عَمَّا بَقِيَ بِكِتَابَتِهِ وَوَارِثُ غَيْرِ سَيِّدِهِ) لَا يُقْتَلُ قَاتِلُهُ الْحُرُّ بِهِ. وَإِنْ اجْتَمَعَ السَّيِّدُ وَوَارِثُهُ عَلَى طَلَبِ الْقِصَاصِ فَيُلْحَقُ الْعَبْدُ بِهِ هُنَا بِجَامِعِ الرِّقِّ (وَالْحَنَفِيُّ يُوَافِقُهُ) أَيْ الشَّافِعِيَّ (فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْمُكَاتَبِ الْمَذْكُورِ وَيُخَالِفُهُ فِي الْعِلَّةِ (فَيَقُولُ الْعِلَّةُ) عِنْدِي (جَهَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ) لِلْقِصَاصِ (مِنْ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي عَبْدِيَّتِهِ وَحُرِّيَّتِهِ) أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشُّعَبِيِّ كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا قُسِمَ مَا تَرَكَ عَلَى مَا أَدَّى وَعَلَى مَا بَقِيَ فَمَا أَصَابَ مَا أَدَّى فَلِلْوَرَثَةِ وَمَا أَصَابَ مَا بَقِيَ فَسَلِّمُوا إلَيْهِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ يُؤَدِّي إلَى مَوَالِيه مَا بَقِيَ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ مَا بَقِيَ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا وَاخْتِلَافُهُمْ يُوجِبُ اشْتِبَاهَ الْوَلِيِّ فَانْتَفَى الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ يَنْتَفِي بِالشُّبْهَةِ (فَإِنْ صَحَّتْ) عِلَّتِي (بَطَلَ إلْحَاقُك) الْعَبْدَ بِالْمُكَاتَبِ فِي حُكْمِهِ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْعِلَّةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ عِلَّتِي بَلْ صَحَّتْ عِلَّتُك وَهِيَ الْعَبْدِيَّةُ (مَنَعَتْ حُكْمَ الْأَصْلِ فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِهِ) أَيْ بِالْمُكَاتَبِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُ حِينَئِذٍ فَلَمْ يَنْفَكَّ الْحَنَفِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا الْجَهَالَةَ أَوْ مَنْعِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا الرِّقُّ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ (وَلَا يَتَأَتَّى) أَيْ وَلَا يَصِحُّ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ (إلَّا مِنْ مُجْتَهِدٍ) لِجَوَازِ تَبَدُّلِهِ فِي نَظَرِهِ (أَوْ مَنْ عُلِمَ عَنْهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (مُسَاوَاتِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي أَبَدَاهَا الْمُعْتَرِضُ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ لِانْتِفَائِهَا إمَّا مُقَلِّدٍ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا عَيَّنَهُ هُوَ الْمَأْخَذُ فِي نَظَرِ إمَامِهِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَجْزِ الْمُقَلِّدِ عَنْ تَقْرِيرِهِ عَجْزُ إمَامِهِ لِكَوْنِهِ أَكْمَلَ حَالًا مِنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصْوِيبُ إمَامِهِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ لَزِمَ تَخْطِئَتُهُ فِي الْفَرْعِ لَا بِالْعَكْسِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنْ ثَبَتَ النَّقْلُ عَنْ إمَامِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا الْحُكْمِ إلَّا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْمُدْرَكِ كَانَ لِلْمُقَلِّدِ مَنْعُ الْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ بُطْلَانِ الْمُدْرَكِ لِأَنَّ إمَامَهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُولَ بِحُكْمٍ بِلَا مُدْرَكٍ وَلَا يَكُونُ هَذَا تَخْطِئَةً لِإِمَامِهِ بَلْ تَعْرِيضًا عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَا مُدْرَكَ لَهُ إلَّا هَذَا كَمَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ. (وَالثَّانِي) أَيْ وَمِثَالُ مُرَكَّبِ الْوَصْفِ قَوْلٌ شَافِعِيٌّ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَا هُوَ سَبَبُ مِلْكِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ (فِي إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَطَالِقٌ) هَذَا (تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَا يَصِحُّ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ (كَقَوْلِهِ) أَيْ الْقَائِلِ (فُلَانَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ) حَيْثُ لَا تَطْلُقُ إذَا تَزَوَّجَهَا (فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ (كَوْنُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (تَعْلِيقًا) عَلَى سَبَبِ مِلْكِهِ (مُنْتَفٍ فِي الْأَصْلِ) أَيْ فُلَانَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا (بَلْ) الْأَصْلُ (تَنْجِيزٌ) لِلطَّلَاقِ (فَإِنْ صَحَّ) كَوْنُهُ تَنْجِيزًا (بَطَلَ إلْحَاقُك) هَذَا الْفَرْعَ بِهَذَا الْأَصْلِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ كَوْنُهُ تَنْجِيزًا بَلْ كَانَ تَعْلِيقًا (مَنَعَتْ حُكْمَ الْأَصْلِ)

وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ (فَتَطْلُقُ) فُلَانَةُ فِي قَوْلِهِ فُلَانَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا إذَا تَزَوَّجَهَا لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ مِنْهُ (وَهَذَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَنْعِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (الْأَمْرَيْنِ) وُجُودَ الْعِلَّةِ وَمَنْعَ عَلِيَّةِ الْأَصْلِ (وَلَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعْتَرِضِ (فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ (ظَاهِرًا مِنْ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (مَجْمَعًا) عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَا بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ (فَحَاوَلَ) الْمُسْتَدِلُّ (إثْبَاتَهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ بِنَصٍّ (ثُمَّ) إثْبَاتَ (عَلِيَّتِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِمَسْلَكٍ مِنْ مَسَالِكِهَا (قِيلَ لَا يُقْبَلُ) كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْإِثْبَاتَيْنِ لِضَمِّ نَشْرِ الْجِدَالِ (وَالْأَصَحُّ يُقْبَلُ) كُلٌّ مِنْهُمَا (لِأَنَّ إثْبَاتَ حُكْمِ الْأَصْلِ) حِينَئِذٍ مُقَدِّمَةٌ (مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ) أَيْ الْقَائِسِ (عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ) لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِلْفَرْعِ فَرْعُ ثُبُوتِهِ لِلْأَصْلِ (فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ) كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْإِثْبَاتَيْنِ بِطَرِيقِهِ (لَمْ يُقْبَلْ مُقَدِّمَةٌ تَقْبَلُ الْمَنْعَ) وَإِنْ أَثْبَتَهَا الْمُسْتَدِلُّ بِالدَّلِيلِ بَعْدَ مَنْعِ الْخَصْمِ إيَّاهَا لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَنْزِلَ مَنْزِلَةَ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الْمُقَدَّمَاتِ الَّتِي تَقْبَلُ الْمَنْعَ بَعْدَ أَنْ لَا تَخْرُجَ عَنْ الْمَطْلُوبِ مَقْبُولٌ فَكَذَا هَذَا لِأَنَّ إثْبَاتَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَطْلُوبِ. وَكَيْفَ لَا وَلَازِمُهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ إلَّا الْبَدِيهِيَّاتِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (يُسْتَدْعَى) مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالشَّرَائِطِ (كَالْآخَرِ) أَيْ حُكْمِ الْفَرْعِ لِكَوْنِهِ مِثْلَهُ فِي كَوْنِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيَطُولُ الْقَالُ وَيَنْتَشِرُ الْجِدَالُ بِخِلَافِ مُقَدِّمَاتِ الْمُنَاظَرَةِ الَّتِي تَقْبَلُ الْمَنْعَ فَإِنَّهَا قَدْ تَنْتَهِي سَرِيعًا إلَى الضَّرُورِيَّاتِ (لَا أَثَرَ لَهُ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا تَعْرِيضٌ يَرُدُّ مَا فِي شَرْحِ عَضُدِ الدِّينِ وَرُبَّمَا يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مِثْلُ الْأَوَّلِ يَسْتَدْعِي مَا يَسْتَدْعِيه بِخِلَافِ الْمُقَدَّمَاتِ الْأُخَرِ (وَمَا قِيلَ هَذِهِ اصْطِلَاحَاتٌ لَا يُشَاحُّ فِيهَا غَيْرُ لَازِمٍ لِمَنْ لَمْ يَلْتَزِمُهُ) وَلَهُ أَنْ لَا يَلْتَزِمَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَيْفَ لَا وَهُوَ طَرِيقٌ إلَى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ الِانْقِطَاعُ مَعَ عَدَمِ الْعَجْزِ عَنْ الْإِثْبَاتِ وَعَدَمِ خُرُوجِهِ عَنْ مُقْتَضَى مَنْصِبِهِ وَفِي هَذَا أَيْضًا تَعْرِيضٌ بِالْقَاضِي عَضُدِ الدِّين حَيْثُ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ اصْطِلَاحَاتٌ وَلِكُلٍّ نَظَرٌ فِيمَا يَصْطَلِحُ لَا يُمْكِنُ الْمُشَاحَّةُ فِيهِ انْتَهَى قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَأَشَارَ هُنَا بِهَذَا إلَى أَنَّهُ يَصْطَلِحُ عَلَى ذَلِكَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُعَدُّ الْبَحْثُ عَنْهُ انْتِقَالًا كَمَا أَنَّ لِكُلٍّ أَنْ يَصْطَلِحَ عَلَى أَمْرٍ نَظَرًا إلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاعْتِبَارٌ لَهُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا جَوَابًا جُمَلِيًّا يَصْلُحُ فِي كُلِّ مَا يَصْلُحُ عَلَيْهِ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا قَالَ نَظَرًا لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ بِدُونِ النَّظَرِ فِي الْمُنَاسَبَةِ الْمُخْتَصَّةِ فِي قُوَّةِ الْخَطَأِ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ (وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا) أَيْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ شَرْطًا لَهُ (لِبُطْلَانِ كَوْنِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ (شَرْطًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ بَلْ) إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ (لِلِانْتِهَاضِ) لِلْمَنَاظِرِ (عَلَى الْمَنَاظِرِ) فِي الْمُنَاظَرَةِ (بِهَذَا الطَّرِيقِ مِنْ الْجَدَلِ) فَهِيَ مَسْأَلَةٌ جَدَلِيَّةٌ لَا أُصُولِيَّةٌ (وَأَفَادُوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ نَفْيَ الْقَوْلِ بِهِ (بِاخْتِصَارٍ) فَقَالُوا (لَا يُعَلَّلُ بِوَصْفٍ مُخْتَلَفٍ) فِيهِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا (كَقَوْلِ شَافِعِيٍّ فِي إبْطَالِ الْكِتَابَةِ الْحَالَّةِ) كَكَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا لِلْكِتَابَةِ (عَقْدُ يَصِحُّ مَعَهُ التَّكْفِيرُ بِهِ) أَيْ بِالْمُكَاتَبِ (فَكَانَ) عَقْدُ الْحَالَّةِ (بَاطِلًا كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْخَمْرِ) إذَا كَانَ الْعَبْدُ وَالْوَلِيُّ مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا. (فَحُكْمُ الْأَصْلِ) وَهُوَ بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ فِي هَذَا (مُتَّفَقٌ) عَلَيْهِ (لَكِنَّ عِلَّتَهُ) أَيْ عِلَّةَ بُطْلَانِهِ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَوْنُ الْمَالِ) أَيْ الْخَمْرِ مَالًا فِي الْجُمْلَةِ (غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ) بَلْ هِيَ لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي شَرْعِنَا (لَا) أَنَّ عِلَّتَهُ (مَا ذُكِرَ مِنْ صِحَّةِ التَّكْفِيرِ بِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ (إثْبَاتُهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ (عَلَى مَا تَقَدَّمَ) آنِفًا أَنَّهُ الْأَصَحُّ (وَلِبَعْضِهِمْ) أَيْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ هُنَا عِبَارَةٌ هِيَ (لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ اُخْتُلِفَ فِي وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ أَوْ) فِي (الْأَصْلِ كَقَوْلٍ شَافِعِيٍّ فِي الْأَخِ شَخْصٌ يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقِهِ فَلَا يُعْتَقُ إذَا مَلَكَهُ كَابْنِ الْعَمِّ فَإِنْ أَرَادَ) الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقِهِ (عَتَقَهُ إذَا مَلَكَهُ) أَيْ إذَا اشْتَرَاهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ (فَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي ابْنِ الْعَمِّ) فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ عَنْهَا (أَوْ) أَرَادَ (إعْتَاقَهُ بَعْدَهُ) أَيْ يَصِيرُ مِلْكَهُ ثُمَّ يَقَعُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِإِعْتَاقٍ قَصْدِيٍّ بَعْدَ الْمِلْكِ (فَمَمْنُوعٌ فِي الْأَخِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ هَذَا الْوَصْفِ فِيهِ إذْ هُوَ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ (وَذَكَرَ) صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (الصُّورَتَيْنِ)

أَيْ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ إلَى آخِرِهَا وَعَبْدٌ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ إلَى آخِرِهَا (ثُمَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لِلْمُسْتَدِلِّ إثْبَاتَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ لِحُكْمِهِ (لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ هُنَا (إثْبَاتُهَا) أَيْ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَيْسَ مِنْ الشُّرُوطِ) لِحُكْمِ الْأَصْلِ (كَوْنُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (قَطْعِيًّا بَلْ يَكْفِي ظَنُّهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ الْعَمَلُ) وَقَيَّدَ بِهَذَا لِأَنَّ مَا يُقْصَدُ بِهِ الِاعْتِقَادُ لَا يَكْفِي فِيهِ النَّظَرُ (وَكَوْنُ الظَّنِّ يَضْعُفُ بِكَثْرَةِ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاضْمِحْلَالَ) أَيْ بُطْلَانَ الظَّنِّ فَلَا يَبْقَى فَائِدَةٌ لِلْقِيَاسِ (بَلْ هُوَ) أَيْ كَثْرَةُ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَظْنُونَةِ (انْضِمَامُ مُوجِبٍ إلَى مُوجِبٍ فِي الشَّرْعِ) وَانْضِمَامُ مُوجِبٍ إلَى مُوجِبٍ يُوجِبُ قُوَّةً فِي الْمُوجِبِ. (وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (ثَابِتًا بِالْعِلَّةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) وَالْحَنَفِيَّةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ (وَبِالنَّصِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) الْعِرَاقِيِّينَ وَالدَّبُوسِيِّ وَالْبَزْدَوِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافٌ (لَفْظِيٌّ فَمُرَادُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (الْبَاعِثَةَ عَلَيْهِ) أَيْ شَرْعِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ (وَ) مُرَادُ (الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ النَّصَّ (الْمُعَرِّفَ) لِلْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ (وَلَا يَتَأَكَّدُ فِي ذَلِكَ) أَيْ كِلَا الْمُرَادَيْنِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَمُوَافِقُوهُمَا (وَكَيْفَ) يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا الْمُثْبِتَةُ لِحُكْمِ الْأَصْلِ (وَقَدْ تَكُونُ ظَنِّيَّةً) بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلُ الْعِلَّةِ إنَّمَا يُفِيدُ ظَنَّهَا (وَحُكْمُ الْأَصْلِ قَطْعِيٌّ) لِثُبُوتِهِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ فَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُثْبِتَةُ لَهُ كَانَ الظَّنِّيُّ يُوجِبُ الْقَطْعَ وَهُوَ لَا يُوجِبُهُ وَلَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَنَحْنُ مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ لَا نُفَسِّرُ الْعِلَّةَ بِالْبَاعِثِ أَبَدًا أَوْ شَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يُفَسِّرُهَا وَإِنَّمَا يُفَسِّرُهَا بِالْمُعَرِّفِ وَإِنْ ادَّعَى قَائِلٌ ذَلِكَ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجْعَلُهَا فَرْعًا لِلْأَصْلِ أَصْلًا لِلْمُفَرِّعِ خَوْفًا مِنْ لُزُومِ الدَّوْرِ فَإِنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ النَّصِّ فَلَوْ كَانَتْ مُعَرِّفَةً لَهُ وَهِيَ إنَّمَا عُرِفَتْ بِهِ جَاءَ الدَّوْرُ وَنَحْنُ نَقُولُ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهَا إلَّا أَنَّهَا تُنَصَّبُ أَمَارَةً يَسْتَدِلُّ بِهَا الْمُجْتَهِدُ عَلَى وُجْدَانِ الْحُكْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ فِي حَقِّ الْعَارِفِ كَالْغَيْمِ الرَّطْبِ أَمَارَةً عَلَى الْمَطَرِ وَقَدْ يَتَخَلَّفُ فَإِذَا عَرَفَ النَّاظِرُ مَثَلًا أَنَّ الْإِسْكَارَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ فَهُوَ حَيْثُ وَجَدَهُ قَضَى بِالتَّحْرِيمِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْعَالِمَ يَعْرِفُ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِ الْإِسْكَارِ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى النَّصِّ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِسْكَارُ مُعَرَّفًا بَلْ هُوَ مَنْصُوبٌ مُعَرَّفًا فَقَدْ يَعْرِفُ بَعْضُ الْعَوَامّ عِلِّيَّةَ الْإِسْكَارِ لِلتَّحْرِيمِ وَلَا يَدْرِي هَلْ الْخَمْرُ هُوَ الْمَنْصُوصُ أَوْ النَّبِيذُ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ فَإِذَا وَجَدَ الْخَمْرَ قَضَى فِيهِ بِالتَّحْرِيمِ مُسْتَنِدًا إلَى وُجْدَانِ الْعِلَّةِ مُسْتَفِيدًا ذَلِكَ مِنْهَا فَوَضَحَ بِهَذَا أَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ تَعْرِفُ حُكْمَ الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِهَا وَقَدْ تَجْتَمِعُ فِي التَّعْرِيفِ هِيَ وَالنَّصُّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجَوِّزُ اجْتِمَاعَ مُعَرِّفَيْنِ وَإِذَا تَمَهَّدَ ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُعَرِّفُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ جَمِيعًا وَأَنَّ نِسْبَتَهُمَا إلَى الْعِلَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ إلَّا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ سَبَقَ لَهُمْ مَعْرِفَةُ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ الْعِلَّةِ فَلَمْ تُعَرِّفْهُمْ الْعِلَّةُ شَيْئًا وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ الْمُعَرِّفُ يُعَرِّفُ كُلَّ أَحَدٍ بَلْ إنَّمَا يُعَرِّفُ مَنْ لَيْسَ بِعَارِفٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَتَخَلُّفُ التَّعْرِيفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَارِفِ لَا يُخْرِجُ الْأَمَارَةَ عَنْ كَوْنِهَا أَمَارَةً. وَكَذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ يَعْرِفُ حُكْمَ الْفَرْعِ مِنْ الْعِلَّةِ دُونَ بَعْضِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ إنَّمَا يَعْرِفُونَ حُكْمَ الْفَرْعِ مِنْ الْمُفْتِي وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْعِلَّةَ أَصْلًا فَكَمْ مِنْ عَامِّيٍّ يَعْرِفُ مِنْ الْمُفْتِينَ أَنَّ الزَّبِيبَ رِبَوِيٌّ وَلَا يَدْرِي الْعِلَّةَ فَلَاحَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُعَرِّفُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَيْسَ الدَّوْرُ بِلَازِمٍ ثُمَّ كَمَا أَنَّ النَّصَّ عَرَّفَنَا الْحُكْمَ النَّفْسِيَّ عَرَّفَنَا أَنَّ الْعِلَّةَ تُعَرِّفُ الْحُكْمَ النَّفْسِيَّ أَيْضًا. وَالْفَرْعُ وَالْأَصْلُ جَمِيعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُسَمَّى أَصْلًا وُرُودُهُ عَلَى لِسَانِ الشَّرْعِ فَإِنْ قُلْت هَلْ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ قُلْت لَا بَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَائِدُ أَدْنَاهَا التَّعْلِيلُ بِالْقَاصِرَةِ فَمَنَعُوهُ لِأَنَّ عِرْفَانَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَاقِعٌ فَلَا تُجْدِي هِيَ شَيْئًا وَنَحْنُ نُجَوِّزُهُ وَنَذْكُرُ مِنْ فَوَائِدِهَا تَعْرِيفَ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ أَيْضًا وَمِنْهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ إذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ ثَابِتًا بِلَا مُثْبِتٍ لِأَنَّ مُثْبِتَهُ الْعِلَّةُ أَوْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَعَبُّدًا ثُمَّ انْقَلَبَ الْمَعْنَى وَهَذَا لَا يُضِيرُ فَإِنَّ الْمَعْنَى كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فَإِنْ صَلَحَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ ثَانِيًا فَقَدْ صَلَحَ أَوَّلًا فَإِنْ قُلْت قَدْ يَفْعَلُ الشَّارِعُ

ذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ قُلْت إذَا فَعَلَهُ كَانَ مَنْصُوصًا وَالْكَلَامُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَوْجُودٌ إنْ لَمْ تُوجَدْ الْعِلَّةُ انْتَهَى مَعَ بَعْضِ اخْتِصَارٍ وَغَالِبُهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِنْهُ أَنَّ مِنْ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ جَوَازَ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ وَعَدَمَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ وَبَعْضُهُ لَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ. (وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ لِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ) كَابْنِ الْحَاجِبِ (أَنْ يُسَاوِيَ) الْفَرْعُ (الْأَصْلَ فِيمَا عَلَّلَ بِهِ حُكْمَهُ) أَيْ الْأَصْلِ (مَنْ عَيَّنَ) لِلْعِلَّةِ (كَالنَّبِيذِ) أَيْ كَمُسَاوَاةِ النَّبِيذِ (لِلْخَمْرِ فِي الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ) الَّتِي هِيَ عَيْنُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ فِي الْخَمْرِ (وَهِيَ) الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ (بِعَيْنِهَا مَوْجُودَةً فِي النَّبِيذِ أَوْ جِنْسٍ) لِلْعِلَّةِ (كَالْأَطْرَافِ) أَيْ كَقِيَاسِهَا (عَلَى الْقَتْلِ فِي الْقِصَاصِ بِالْجِنَايَةِ) أَيْ بِسَبَبِهَا (عَلَى الذَّاتِ) إذْ الْجِنَايَةُ جِنْسٌ لِإِتْلَافِ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِالْحَقِيقَةِ إذْ جِنَايَةُ النَّفْسِ الْقَتْلُ وَجِنَايَةُ الْأَطْرَافِ الْقَطْعُ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعِلَّةِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ تَعْرِيفِهِ (وَفِيمَا يَقْصِدُ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَنْ يُسَاوِيَ حُكْمُ الْفَرْعِ حُكْمَ الْأَصْلِ فِيمَا تُقْصَدُ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ (مِنْ عَيْنِ الْحُكْمِ كَالْقَتْلِ) أَيْ كَقِيَاسِهِ (بِالْمُثْقَلِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُحَدِّدِ فِي الْقِصَاصِ فَإِنَّ حَقِيقَةِ الْقَتْلِ الْكَائِنَةِ فِي الْفَرْعِ بِعَيْنِهَا هِيَ الْكَائِنَةُ فِي الْأَصْلِ (أَوْ جِنْسِهِ) أَيْ مِنْ جِنْسِ الْحُكْمِ (كَالْوِلَايَةِ) أَيْ كَقِيَاسِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ (عَلَى الصَّغِيرَةِ فِي إنْكَاحِهَا عَلَى) ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا فِي (مَالِهَا) فَإِنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ مِنْ جِنْسِ وِلَايَةِ الْمَالِ بِسَبَبِ نَفَادِ التَّصَرُّفِ وَلَيْسَ عَيْنُهَا لِاخْتِلَافِ التَّصَرُّفَيْنِ كَذَا قَالُوا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا مَعْنَى لِلتَّقْسِيمِ) فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ (أَمَّا فِي الْعِلَّةِ فَلَا نَعْنِي بِالْعَيْنِ إلَّا مَا عُلِّلَ بِهِ حُكْمُ الْأَصْلِ وَكَوْنُهُ) أَيْ مَا عُلِّلَ بِهِ (جِنْسًا لِشَيْءٍ لَا يُوجِبُ أَنَّ الْعِلَّةَ جِنْسُ الْوَصْفِ فَالْجِنَايَةُ عَلَى الذَّاتِ عَيْنُ مَا عُلِّلَ بِهِ) حُكْمُ الْأَصْلِ (لَا جِنْسُ مَا عُلِّلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ) أَيْ الْجِنَايَةُ عَلَى الذَّاتِ (جِنْسَ جِنَايَةِ الْقَتْلِ. وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلَيْسَ الْمُعْدَى قَطُّ جِنْسَ حُكْمِ الْأَصْلِ بَلْ عَيْنَهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (فَالْمَالُ الْأَصْلُ وَالنَّفْسُ الْفَرْعُ وَحُكْمُ الْأَصْلِ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ فَيُعْدَى) ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ بِعَيْنِهِ (إلَى النَّفْسِ وَقَوْلُهُ) أَيْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ لِعَضُدِ الدِّينِ (وَهِيَ بِعَيْنِهَا إلَخْ يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْمِثْلِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَثُبُوتِ مِثْلِهَا فِي الْفَرْعِ إذْ ثُبُوتُ عَيْنِهَا لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ لَا يَقُومُ بِمَحَلَّيْنِ كَمَا سَلَف ذِكْرُهُ وَرَدُّهُ فِي الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ فَلَعَلَّهُ (رَجَعَ إلَى الصَّوَابِ) . (وَإِنْ لَا بِتَغَيُّرٍ فِيهِ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْفَرْعِ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِي الْفَرْعِ (حُكْمُ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ كَظِهَارِ الذِّمِّيِّ) أَيْ كَقِيَاسِهِ (عَلَى) ظِهَارِ (الْمُسْلِمِ فِي الْحُرْمَةِ فَإِنَّ الْمُعَدَّى غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ) أَعْنِي ظِهَارَ الْمُسْلِمِ (وَهِيَ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الْحُرْمَةِ وَهُوَ (الْحُرْمَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ بِالْكَفَّارَةِ إذْ لَا عِبَادَةَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الذِّمِّيِّ مُطَهَّرَةٌ (فَالْحُرْمَةُ فِي الْفَرْعِ) وَهُوَ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ (مُؤَبَّدَةٌ) لِعَدَمِ انْتِهَائِهَا بِالْكَفَّارَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّغْيِيرُ لِحُكْمِهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَاسَ ظِهَارُ الْعَبْدِ عَلَى ظِهَارِ الْحُرِّ فِي الصِّحَّةِ اللَّازِمَةِ الَّذِي هُوَ التَّعْبِيرُ لِحُكْمِهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ كُلُّ مِنْ الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ كَمَا يَتَأَتَّى مِنْ الْحُرِّ لِأَنَّهُ فَرْعُ الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لَهُ قُلْنَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ ظِهَارَ الذِّمِّيِّ إنَّمَا لَمْ يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى ظِهَارِ الْمُسْلِمِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْكَفَّارَةِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ) فَإِنَّهُ (أَهْلٌ) لِلْكَفَّارَةِ لَا أَنَّهُ (عَاجِزٌ) عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ (كَالْفَقِيرِ) أَيْ كَالْحُرِّ الْعَاجِزِ عَنْ ذَلِكَ فَكَمَا صَحَّ ظِهَارُ الْحُرِّ الْفَقِيرِ صَحَّ ظِهَارُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَوْ عَتَقَ وَأَصَابَ مَالًا كَانَتْ كَفَّارَتُهُ بِالْمَالِ أَيْضًا كَالْفَقِيرِ الْحُرِّ إذَا اسْتَغْنَى وَقَوْلُهُ (أَوْ عَلَى غَيْرِهِ) عَطْفٌ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ أَيْ وَأَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِي الْفَرْعِ حُكْمُ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عَلَى حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ (فَبَطَلَ قِيَاسُ تَمْلِيكِ الطَّعَامِ عَلَى) تَمْلِيكِ (الْكِسْوَةِ) فِي وُجُوبِهِ عَيْنًا (فِي الْكَفَّارَةِ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ ذَلِكَ (فَإِنَّهُ) أَيْ

التَّمْكِينَ مِنْ الطَّعَامِ (فِي الْفَرْعِ) وَهُوَ الطَّعَامُ (أَعَمُّ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ) إذْ هُوَ جَعَلَ الْغَيْرَ طَاعِمًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ لَازَمَهُ طَعْمٌ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَجُعِلَ تَمْلِيكُ الطَّعَامِ وَاجِبًا عَيْنًا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ نَصِّ الْفَرْعِ وَهُوَ غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ (وَالسَّلَمُ الْحَالُ) أَيْ وَبَطَلَ قِيَاسُهُ (بِالْمُؤَجَّلِ) فِي الْجَوَازِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ حُكْمِ نَصٍّ عَلَى حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ (لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ وَهُوَ السَّلَمُ الْمُؤَجَّلُ اشْتَمَلَ عَلَى جَعْلِ الْأَجَلِ خَلَفًا عَنْ مِلْكِ الْمُسْلَمِ فِيهِ) لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ (وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبَيْعِ كَوْنَ الْمَبِيعِ مَوْجُودًا مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ أَوْ مُتَعَلِّقَ وِلَايَتِهِ لِبَيْعِهِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَمَّا رَخَّصَ الشَّارِعُ فِي السَّلَمِ بِصِفَةِ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَقَامَ الْأَجَلَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْقُدْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ عَلَيْهِ مَقَامَهَا وَجَعَلَهُ خَلَفًا عَنْهَا وَفَوَاتُ الشَّيْءِ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ. (وَإِنْ) كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ (عِنْدَهُ) أَيْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا (بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ (مُسْتَحِقًّا لِحَاجَةٍ أُخْرَى) فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَحِقِّ لِلشُّرْبِ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ (وَالْإِقْدَامُ) عَلَى الْإِسْلَامِ (دَلِيلُهُ) أَيْ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِحَاجَةٍ أُخْرَى وَإِلَّا لَبَاعَهُ فِي الْحَالِ بِأَوْفَرِ ثَمَنٍ وَلَمْ يَبِعْهُ بِجِنْسٍ مِنْ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ مُتَوَفِّرَةٌ فِي حُصُولِ الِاسْتِرْبَاح، وَكَوْنُ الْإِقْدَامِ دَلِيلَهُ ثَابِتٌ (بِدَلِيلِ النَّصِّ عَلَى الْأَجَلِ) أَيْ مَا سَلَفَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (وَهُوَ) أَيْ جَعْلُ الْأَجَلِ خَلَفًا عَنْ مِلْكِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَعَنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (مُنْتَفٍ مِنْ) السَّلَمِ (الْحَالِّ) إذْ لَا أَجَلَ فِيهِ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّقْرِيرُ يُعْطِي أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ تَغْيِيرُ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِيهِ فِي الْفَرْعِ لَا تَغْيِيرُ حُكْمِ نَصٍّ عَلَى غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُورَدَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا تَغْيِيرُ حُكْمِ نَصٍّ عَلَى غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ» لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ السَّلَمُ الْمُؤَجَّلُ وَلَمْ يَبْقَ تَحْتَهُ سِوَى السَّلَمِ الْحَالِّ فَلَوْ جَازَ قِيَاسًا عَلَى الْمُؤَجَّلِ لَبَطَلَ هَذَا النَّصُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَى تَحْتَهُ شَيْءٌ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا يُقَالُ بَلْ تَحْتَهُ غَيْرُهُمَا كَبَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَانِ وَأَمْثَالُهُمَا مِنْ صُوَرِ السَّلَمِ الْحَالِّ أَيْضًا فِي الْمَعْنَى إذْ لَيْسَ الْمَعْنَى بِالسَّلَمِ إلَّا بَيْعُ غَائِبٍ بِثَمَنِ حَاضِرٍ وَالسَّلَمُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ وَالْبَيْعِ عَلَى الصَّحِيحِ فَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ نَظَرًا إلَى هَذَا التَّوْجِيهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُورَدُ فِي أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ إعْلَامًا بِأَنَّهُ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ غَيْرَ مَا اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ وَالشَّيْءُ إذَا كَانَ بَاطِلًا بِاعْتِبَارَاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ قَدْ يُورَدُ فِي كُلٍّ مِنْ أَمْثِلَةٍ اعْتِبَارٌ مِنْ تِلْكَ الِاعْتِبَارَاتِ ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِي الْفَرْعِ حُكْمُ نَصٍّ إلَخْ إنَّمَا هُوَ (بِالذَّاتِ شَرْطُ التَّعْلِيلِ لَا) شَرْطُ (حُكْمِ الْفَرْعِ وَيَسْتَلْزِمُ) انْتِفَاءُ هَذَا الشَّرْطِ لِلتَّعْلِيلِ (التَّغَيُّرَ فِي الْفَرْعِ) فَإِنْ قِيلَ جَوَّزْتُمْ دَفَعَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ قِيَاسًا عَلَى الْعَيْنِ وَصَرَفَ الزَّكَاةَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ قِيَاسًا عَلَى صَرْفِهَا إلَى الْكُلِّ بِعِلَّةِ دَفْعِ حَاجَةِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ. وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي دَفْعِ الْقِيَمِ وَفِي الصَّرْفِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ تُوجَدُ فِيهِ الْحَاجَةُ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ النَّصِّ الدَّالِ عَلَى وُجُوبِ عَيْنِ الشَّاةِ وَالنَّصُّ الدَّالُ عَلَى كَوْنِ الزَّكَاةِ حَقًّا لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ قُلْنَا كَوْنُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ مُغَيِّرًا لِحُكْمَيْ النَّصَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مَمْنُوعٌ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ التَّقْسِيمِ الثَّانِي لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَقَدَّمَ دَفْعُ النَّقْضِ بِدَفْعِ الْقِيَمِ) . وَكَذَا تَقَدَّمَ دَفْعُ النَّقْضِ فِي جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ لِصِنْفٍ فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ وَأَوْرَدَ ثَبْتَ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِتَطْهِيرِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ فَقَالَ تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ» وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «اقْرِضِيهِ بِالْمَاءِ وَاغْسِلِيهِ وَصَلِّي فِيهِ» وَقَدْ جَوَّزْتُمْ إزَالَتَهَا عَنْ الثَّوْبِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ مُزِيلٍ سِوَى الْمَاءِ بِالتَّعْلِيلِ بِكَوْنِهِ قَالِعًا مُزِيلًا وَفِيهِ تَغْيِيرُ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْأَصْلِ وَأُجِيبُ بِأَنْ لَيْسَ فِي تَجْوِيزِ إزَالَتِهَا بِالْمَائِعِ الْمَذْكُورِ تَغْيِيرُ حُكْمِ النَّصِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ

بِقَوْلِهِ (وَإِلْحَاقُ غَيْرِ الْمَاءِ بِهِ) أَيْ الْمَاءِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ (لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ) لِلشَّارِعِ مِنْ الْأَمْرِ بِغَسْلِ الثَّوْبِ بِهِ (الْإِزَالَةُ) لِلنَّجَاسَةِ (لَا الِاسْتِعْمَالُ) لِلْمَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (وَإِنْ نَصَّ) الشَّارِعُ (عَلَى الْمَاءِ فِي قَوْلِهِ وَاغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ) وَإِنَّمَا قُلْنَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِزَالَةُ (لِلِاكْتِفَاءِ) أَيْ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ (بِقَطْعِ مَحِلِّهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ فِي إسْقَاطِ هَذَا الْوَاجِبِ وَلَوْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ وَاجِبًا لَعَيَّنَهُ لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ (فَيَتَعَدَّى) هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ النَّجَسِ بِغَسْلِهِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ الطَّاهِرِ (إلَى كُلِّ مُزِيلٍ) قَالِعٍ طَاهِرٍ بِمَاءٍ كَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمَاءِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْيُسْرِ لِسُهُولَتِهِ وَكَثْرَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ إزَالَةُ الْحَدَثِ أَيْضًا بِالْمَائِعِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ نَصَّ عَلَى إزَالَتِهِ بِالْمَاءِ لَعَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا فَالْجَوَابُ لَا لِكَوْنِ إزَالَتِهِ الْخَبَثَ بِالْمَاءِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى (بِخِلَافِ) إزَالَةِ (الْحَدَثِ) بِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى إذْ (لَيْسَ) الْحَدَثُ (أَمْرًا مُحَقَّقًا) عَلَى الْأَعْضَاءِ (يُزَالُ) بِالْمَاءِ (بَلْ) هُوَ (اعْتِبَارٌ) شَرْعِيٌّ اُعْتُبِرَ قَائِمًا بِالْأَعْضَاءِ ثُمَّ (وُضِعَ الْمَاءُ لِقَطْعِهِ) بِأَنَّ تَعَبُّدَهُ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَسْحِ بِرَأْسِهِ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَالْمَاءُ إنَّمَا يُزِيلُ الْأَجْرَامَ الْحِسِّيَّةَ لَا الْأُمُورَ الْمَعْنَوِيَّةَ (فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا عُلِمَ قَطْعُ الشَّارِعِ اعْتِبَارَهُ) أَيْ الْحَدَثِ (عِنْدَهُ) أَيْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَا يُقَالُ لَا يُقَاسُ الْمَائِعُ الطَّاهِرُ الْقَالِعُ عَلَى الْمَاءِ فِي هَذَا لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَتَخْلُفُ النَّجَاسَةُ الْبِلَّةَ النَّجِسَةَ. وَكَذَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَهَلُمَّ جَرَّا إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَسْقَطَ هَذَا لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّا نَقُولُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِذْ سَقَطَ التَّنَجُّسُ بِالْمُلَاقَاةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ (لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ سَقَطَ) التَّنَجُّسُ بِالْمُلَاقَاةِ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ الْقَالِعَةِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالتَّطْهِيرِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهَا وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْعِلَّةِ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْحُكْمِ (وَمَا يُقَالُ) سَقَطَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ (فِي الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ إنْ أُرِيدَ ضَرُورَةُ الْإِزَالَةِ فَكَذَا) سَقَطَ مُقْتَضَاهُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْمَاءِ ضَرُورَةَ الْإِزَالَةِ (أَوْ) أُرِيدَ (أَنَّهُ لَا يُزِيلُ سِوَاهُ) أَيْ الْمَاءِ حِسًّا (فَلَيْسَ) هَذَا الْمُرَادُ (وَاقِعًا) كَمَا يَقْطَعُ بِهِ الْوِجْدَانُ (أَوْ) أُرِيدَ أَنَّهُ (لَا يُزِيلُ) غَيْرُ الْمَاءِ (شَرْعًا فَمَحَلُّ النِّزَاعِ وَأَنْ لَا يَتَقَدَّمَ) حُكْمُ الْفَرْعِ بِالشَّرْعِيَّةِ (عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ هَذَا (كَالْوُضُوءِ) أَيْ كَقِيَاسِهِ (فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ) فِيهِ (عَلَى التَّيَمُّمِ) بِجَامِعٍ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ لِأَنَّ الْوُضُوءَ بِالشَّرْعِيَّةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى التَّيَمُّمِ إذْ شَرْعِيَّةُ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالتَّيَمُّمِ بَعْدَهَا فَلَمْ يَجُزْ قِيَاسُ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ (لِثُبُوتِهِ) أَيْ حُكْمِ الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ حِينَئِذٍ (قَبْلَ عِلَّتِهِ) أَيْ قَبْلَ ثُبُوتِ عِلَّتِهِ لِأَنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ حُكْمِ الْفَرْعِ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مُتَأَخِّرَةً عَنْ حُكْمِهِ بِمَرْتَبَتَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْفَرْعِ ثَابِتًا قَبْلَ الْعِلَّةِ وَثُبُوتُ حُكْمِ الْقِيَاسِ قَبْلَهَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ ثَابِتًا بِدُونِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ فَيَكُونُ الثَّابِتُ بِالْقِيَاسِ ثَابِتًا بِدُونِهِ وَهُوَ مُحَالٌ اللَّهُمَّ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ (إلْزَامًا بِمَعْنَى لَا فَارِقَ) بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَقَدْ قُلْتُمْ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ فَكَذَا فِي الْوُضُوءِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ قِيَاسُ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي انْتِفَاءِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا (وَأَبْدَلَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ هَذَا) الشَّرْطَ (بِأَنْ يَكُونَ) الْفَرْعُ (نَظِيرَهُ) أَيْ مِثْلَ الْأَصْلِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يُوجَدَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ لَا فِي كُلِّ وَصْفٍ. وَإِنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَرْعُ مِثْلًا لَهُ فِي الْعِلَّةِ لَمَّا صَحَّ تَسْوِيَتُهُ مَعَ الْأَصْلِ فِيهِ (وَلَيْسَ الْوُضُوءُ نَظِيرَهُ) أَيْ التَّيَمُّمِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوُضُوءَ (مُطَهِّرٌ فِي نَفْسِهِ أَيْ مُنَظِّفٌ) وَفَسَّرَهُ بِهِ لِيَتَّضِحَ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَيَكُونُ مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ بَلْ الْمَعْنَى الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّنْظِيفُ مِنْ الْأَخْبَاثِ وَالْأَوْسَاخِ (وَالتَّيَمُّمُ مُلَوِّثٌ اُعْتُبِرَ مُطَهِّرًا شَرْعًا عِنْدَ قَصْدِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ) أَيْ قَصْدُ أَدَائِهَا (النِّيَّةُ) الْوَاجِبَةُ فِيهِ (فَلَا يَلْزَمُ فِيمَا هُوَ مُطَهِّرٌ فِي نَفْسِهِ مُنَظِّفٌ قَصْرُ طَهَارَتِهِ شَرْعًا عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ) أَيْ قَصْدِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا تُسْتَبَاحَ بِهِ إلَّا مَعَهَا (وَحَاصِلُهُ)

أَيْ مَنْعِ صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ (فَرْقٌ) بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ (مِنْ جِهَةِ الْآلَةِ الَّتِي يُقَامُ بِهَا الْفِعْلَانِ) الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ وَهِيَ فِي الْوُضُوءِ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ الطَّهُورُ وَفِي التَّيَمُّمِ الصَّعِيدُ الطَّاهِرُ (وَتَجُوزُ بِالْوُضُوءِ فِي الْمَاءِ) وَبِالتَّيَمُّمِ فِي الصَّعِيدِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ أَثَرِهِ (كَمَا يُفِيدُهُ) أَيْ كَوْنُهُ قِيَاسًا بَيْنَ الْآلَتَيْنِ (التَّعْلِيلُ) أَيْ تَعْلِيلُهُمْ عَدَمَ صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ بِقَوْلِهِمْ الْمَاءُ مُطَهِّرٌ فِي نَفْسِهِ وَالتُّرَابُ مُغَبِّرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ التَّعْدِيَةَ) هُنَا (لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِثُبُوتِ التَّطْهِيرِ بِالتُّرَابِ) ثُمَّ فَسَّرَ الْمُرَادَ بِالتَّطْهِيرِ بِالتُّرَابِ إيضَاحًا لَهُ بِقَوْلِهِ (أَيْ رَفْعُ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) مِنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا الْقَائِمَةِ بِالْأَعْضَاءِ (لَا) أَنَّ التَّعْدِيَةَ هُنَا (لِوَصْفٍ طَبِيعِيٍّ) لِلْمَقِيسِ عَلَيْهِ (وَالْمَاءُ كَالتُّرَابِ فِي ذَلِكَ) أَيْ رَفْعِ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ (وَقَدْ شَرَطَ الشَّرْعُ فِي ذَلِكَ) أَيْ رَفْعِ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ (النِّيَّةَ) فِي التُّرَابِ (فَكَذَا الْمَاءُ وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَاءِ (لَهُ وَصْفٌ اُخْتُصَّ بِهِ طَبِيعِيٌّ هُوَ إزَالَةُ الْقَذِرِ وَالتَّنْظِيفُ لَا دَخْلَ لَهُ) أَيْ لِهَذَا الْوَصْفِ (فِي الْحُكْمِ) أَيْ رَفْعِ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ (وَلَا الْجَامِعُ) بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ الْحُكْمِيَّةُ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ اُعْتُبِرَ مُطَهِّرًا شَرْعًا عِنْدَ قَصْدِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَصْرَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ مُطَهِّرًا شَرْعًا عِنْدَهُمْ عِنْدَ قَصْدِ غَيْرِهَا مِنْ الْقُرَبِ الْمَقْصُودَةِ لِذَاتِهَا الَّتِي لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ فَقَالَ (وَقَوْلُهُمْ عِنْدَ قَصْدِ) أَدَاءِ (الصَّلَاةِ تَجَوُّزٌ) بِالصَّلَاةِ (عَنْ قُرْبَةِ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا) أَيْ مَشْرُوعَةٍ ابْتِدَاءً يُعْقَلُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ (لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ) فَدَخَلَ التَّيَمُّمُ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَخَرَجَ التَّيَمُّمُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا وَالتَّيَمُّمُ لِلْإِسْلَامِ وَالسَّلَامِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا لَكِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ وَالشَّأْنُ فِي الْعَلَاقَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِهَذَا التَّجَوُّزِ (وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الْبَحْثِ الْمُفْضِي إلَى الْمِثْلِيَّةِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ كُلًّا مِنْهُمَا رَافِعًا لِلْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ (يَمْنَعُ الْمِثْلِيَّةَ فِيهِ) أَيْ فِي رَفْعِهَا (بَلْ جُعِلَ) الْمَاءُ (مُزِيلًا بِنَفْسِهِ) أَيْ بِطَبْعِهِ (شَرْعًا) لِلْمَانِعِيَّةِ (كَالْخَبَثِ) أَيْ كَإِزَالَتِهِ الْحِسِّيَّةِ لِلْخَبَثِ عَمَلًا (بِإِطْلَاقِ {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] بِخِلَافِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ رَافِعًا لِتِلْكَ الْمَانِعِيَّةِ شَرْعًا إلَّا بِالْقَصْدِ إذْ طَبْعُهُ مُلَوَّثُ وَمُغَبَّرُ فَلَا مِثْلِيَّةَ (وَإِذَنْ يَبْطُلُ لَا فَارِقَ) بَيْنَهُمَا هَذَا وَإِطْلَاقُ مَنْعُ كَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ مُتَأَخِّرًا عَنْ حُكْمِ الْفَرْعِ هُوَ الْمَذْكُورُ لِلْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِحُكْمِ الْفَرْعِ دَلِيلٌ سِوَى الْقِيَاسِ لِمَا تَقَدَّمَ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ دَلِيلٌ سِوَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ حُكْمِ الْأَصْلِ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ قَبْلَ حُكْمِ الْأَصْلِ يَكُونُ ثَابِتًا بِذَلِكَ الدَّلِيلِ وَبَعْدَهُ يَكُونُ ثَابِتًا بِهِ وَبِالْقِيَاسِ وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَوَارَدَ أَدِلَّةٌ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ كَمُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ الْمُعْجِزَةِ الْمُقَارِنَةِ لِابْتِدَاءِ الدَّعْوَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ إذْ لَيْسَ الْفَرْعُ حِينَئِذٍ فَرْعًا لِلْأَصْلِ الَّذِي فِيهِ يَتَكَلَّمُ وَغَايَةُ قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَفَرُّعُهُ عَنْ أَصْلٍ مُتَأَخِّرٍ وَهَذَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ دَلِيلٌ آخَرُ يُثْبِتُ حُكْمَهُ أَمْ لَمْ يَكُنْ (وَأَنْ لَا يَنُصَّ عَلَى حُكْمِهِ) أَيْ الْفَرْعِ (مُوَافِقًا) لِحُكْمِ الْأَصْلِ أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ هَذَا أَيْضًا عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْجَصَّاصُ وَأَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَبِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيّ (إذْ لَا حَاجَةَ) حِينَئِذٍ لِلْقِيَاسِ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ (وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ وُجُودَهُ) أَيْ النَّصِّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ (لَا يُنَافِي صِحَّتَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِ. (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ وُجُودِ النَّصِّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِ (لَمْ يَشْرِطْهُ) أَيْ هَذَا الشَّرْطَ (مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ) بَلْ شَرَطُوا أَنْ لَا يَثْبُتَ الْقِيَاسُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ فِي الْفَرْعِ قَالَ صَاحِبُ كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِأَنَّ فِيهِ تَأْكِيدَ النَّصِّ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَاهُ لَكَانَ حُكْمُ النَّصِّ ثَابِتًا بِالتَّعْلِيلِ وَلَا مَانِعَ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ مِنْ تَعَاضُدِ الْأَدِلَّةِ وَتَأَكُّدِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَإِنَّ الشَّرْعَ بِآيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَأَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ وَقَدْ مَلَأ السَّلَفُ كُتُبَهُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولُ فِي حُكْمٍ وَاحِدٌ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْ أَحَدٍ فِي ذَلِكَ نَكِيرٌ فَكَانَ

إجْمَاعًا عَلَى جَوَازِهِ (وَكَثِيرٌ) بَلْ نَقَلَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ جَوَازَهُ سَوَاءً لَمْ يُثْبِتْ زِيَادَةً لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا النَّصُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ أَثْبَتَ لِاحْتِمَالِ النَّصِّ زِيَادَةَ الْبَيَانِ فَيَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِتَحْصِيلِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ إثْبَاتَ زِيَادَةٍ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّصُّ بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ فَإِنَّ جَمِيعَ الْحُكْمِ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ كَانَ مَا أَثْبَتَهُ النَّصُّ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ يَصِيرُ بَعْضُهُ وَالنَّسْخُ بِالرَّأْيِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَنُصُّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَبِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ إثْبَاتَ حُكْمِ الْأَصْلِ فِيهِ نَقْضٌ وَإِبْطَالٌ لِلنَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَيْضًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَعَدَمُ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ وَالْمُسَاوِي فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (لِعِلَّةِ الْأَصْلِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعَارِضُ بِزِنَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَاشْتَمَلَ عَلَى بَيَانِ مَا بِهِ الْمُعَارَضَةُ قَوْلُهُ (بِثُبُوتِ وَصْفٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (يُوجِبُ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (إلْحَاقًا بِأَصْلٍ آخَرَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ (ثَبَتَ حُكْمُ الْمَرْجُوحِ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ) فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْفَرْعِ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ يُوجِبُ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حُكْمِ الْمَرْجُوحِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ وَلَا فَائِدَةَ لِلْقِيَاسِ إلَّا إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ (أَوْ) ثَبَتَ (التَّحَكُّمُ) فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ مُعَارِضٌ مُسَاوٍ يُوجِبُ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَارِضٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ فِيهِ مُعَارِضٌ مَرْجُوحٌ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَيُفِيدُ الْقِيَاسُ. وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهِ مُعَارِضٌ مُسَاوٍ لِعِلَّةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَعْمَلُ بِأَحَدِهِمَا بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ أَوْ بِالتَّخْيِيرِ (وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ هَذَا الشَّرْطِ (أَنَّهُ شَرْطُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ لَا شَرْطُ تَحَقُّقِهَا عِلَّةً لِأَنَّ وُجُودَهُ) أَيْ الْمُعَارِضِ (لَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ إذْ الْمُنَاسَبَةُ لَا تَزُولُ بِالْمُعَارَضَةِ بَلْ يَتَوَقَّفُ مُقْتَضَاهَا كَالشَّهَادَةِ إذَا عُورِضَتْ بِشَهَادَةٍ فَإِنَّ إحْدَاهُمَا لَا تُبْطِلُ الْأُخْرَى حَتَّى إذَا تَرَجَّحَتْ إحْدَاهُمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْأُخْرَى. (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْفَرْعِ (لِأَبِي هَاشِمٍ كَوْنُ حُكْمِهِ) أَيْ الْفَرْعِ (ثَابِتًا بِالنَّصِّ جُمْلَةً وَالْقِيَاسُ لِتَفْصِيلِهِ كَثُبُوتِ حَدِّ الْخَمْرِ) مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يُفِيدُهُ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (فَيَتَعَيَّنُ عَدَدُهُ) ثَمَانِينَ (بِالْقِيَاسِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ) كَمَا تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي مَسْأَلَةٍ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُدُودُ (وَرُدَّ) اشْتِرَاطُ هَذَا (بِأَنَّهُمْ قَاسُوا) قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ تَارَةً عَلَى الطَّلَاقِ فَيَقَعُ وَتَارَةً عَلَى الظِّهَارِ فَالْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْيَمِينِ فَإِيلَاءٌ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ) أَيْ الْإِيلَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ (وَلَا نَصَّ فِي الْفَرْعِ أَصْلًا) لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ ثُمَّ صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَائِسِينَ الْأَئِمَّةُ وَالزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ الصَّحَابَةُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ وَالثَّانِي أَبْلَغُ لَكِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْقِيَاسُ اللَّهُمَّ إلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهُ يَمِينٌ كَمَا سَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْهُ نَعَمْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَفْظُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْحَرَامُ ثَلَاثٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَفِي هَذَا مَا تَرَى مِنْ تَعَارُضٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ فَلَعَلَّ عَنْ كُلٍّ قَوْلَيْنِ وَسَاقَ فِيهِمَا أَقْوَالًا أُخَرَ وَذَكَرَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّ الْأَوَّلَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيٍّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ قُلْت وَابْنُ أَبِي شَيْبَةٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ وَالثَّانِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظٍ إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ

فصل في العلة

يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] قَالَ وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ هِيَ ظِهَارٌ فَجَاءَ عَنْ ابْنِ قِلَابَةَ أَحَدِ التَّابِعِينَ وَنَسَبَهُ ابْنُ حَزْمٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَاقَ بِسَنَدِهِ إلَى إسْمَاعِيلِ الْقَاضِي فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ هَذَا الطَّعَامُ حَرَامٌ عَلَيَّ ثُمَّ أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا ظِهَارًا نَظَرًا فَإِنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُرَتَّبَةٌ وَهَذَا ظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ سَلَّمْنَا لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَّقَ بَيْنَ تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ وَتَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ كَلَامًا مُخْتَلِفًا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ لَعَلَّ وَجْهَ الْأَوَّلِ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ نِهَايَةُ التَّحْرِيمِ فَصَرَفَ مُطْلَقَهُ إلَيْهَا وَالثَّانِي ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْله تَعَالَى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَهَذَا مَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهِ آنِفًا الثَّالِثُ أَنَّهُ مُشَابِهٌ لِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فِي الْحُرْمَةِ وَفِي هَذَا الْقَدْرِ هُنَا كِفَايَةٌ (وَلَيْسَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ (كَوْنُهُ) أَيْ الْفَرْعِ (مَقْطُوعًا بِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ) بَلْ ظَنُّ وُجُودِهَا كَافٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَكَوْنُ الْمُقَدِّمَاتِ كُلِّهَا مَظْنُونَةً مُوجِبٌ شَرْعًا) الْعَمَلُ (لَا مَانِعَ) مِنْهُ شَرْعًا فَلَا يَلِيقُ جَعْلُ انْتِفَائِهِ شَرْطًا لَهُ شَرْعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ] (فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ) هِيَ (مَا) أَيْ وَصْفٌ (شُرِعَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ وُجُودِهِ لَا بِهِ (لِحُصُولِ الْحِكْمَةِ جَلْبُ مَصْلَحَةٍ) أَيْ مَا يَكُونُ لَذَّةً أَوْ وَسِيلَةً إلَيْهَا (أَوْ تَكْمِيلُهَا أَوْ دَفْعُ مَفْسَدَةٍ) أَيْ مَا يَكُونُ أَلَمًا أَوْ وَسِيلَةً إلَيْهِ (أَوْ تَقْلِيلُهَا) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ نَفْسِيًّا أَوْ بَدَنِيًّا دُنْيَوِيًّا أَوْ أُخْرَوِيًّا وَحَاصِلُهُ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ إذْ الْعَاقِلُ إذَا خُيِّرَ اخْتَارَ حُصُولَ الْمَصْلَحَةِ وَدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَصْلُحُ مَقْصُودًا قَطْعًا (فَلَزِمَ تَعْرِيفُهُ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي شُرِعَ الْحُكْمُ فِي الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ لِلْحُكْمِ الْكَائِنِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لُزُومًا عَقْلِيًّا بِوَاسِطَةِ تَسَاوِيهِمَا فِيهِ (فَلَزِمَ) كَوْنُهُ مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ (ظُهُورُهُ وَانْضِبَاطُهُ) أَيْ كَوْنُهُ ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا فِي نَفْسِهِ أَيْضًا (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ خَفِيًّا أَوْ مُضْطَرِبًا (لَا تَعْرِيفَ) أَيْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ (وَ) لَزِمَ (كَوْنُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ (مَظِنَّتَهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ (أَوْ) كَوْنُهُ (مَظِنَّةَ مَظِنَّةِ أَمْرِ تَحْصِيلِ الْحِكْمَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الْخَاصِّ مَعَهُ) أَيْ مَعَ ذَلِكَ الْأَمْرِ (أَوْ) كَوْنُهُ (مَظِنَّةَ أَمْرٍ لِذَلِكَ) أَيْ لِأَنَّ تَحَصُّلَ الْحِكْمَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الْخَاصِّ مَعَهُ (فَالسَّفَرُ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ وَشَرْعُ الْقَصْرِ) الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ مَعَ السَّفَرِ (يُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ دَفْعِهَا) أَيْ الْمَشَقَّةِ فَهَذَا مِثَالُ الْأَوَّلِ (وَصِيَغُ الْعُقُودِ وَالْمُعَاوَضَاتِ مَظِنَّةُ الرِّضَا بِخُرُوجِ مَمْلُوكِيهِمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (إلَى الْبَدَلِ) بِأَنْ صَارَ الْمَمْلُوكُ لِكُلٍّ هُوَ الْبَدَلُ عَمَّا كَانَ فِي مِلْكِهِ كَالْبَيْعِ (أَوْ) بِخُرُوجِ مَمْلُوكِ (أَحَدِهِمَا) لَا إلَى بَدَلٍ (وَتُحْمَلُ الْمِنَّةُ مِنْ الْآخَرِ فِي الْهِبَةِ وَهُوَ) أَيْ الرِّضَا الْمَذْكُورُ (مَظِنَّةُ حَاجَتِهِمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى كُلٍّ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْمِنَّةُ مِنْ الْآخَرِ (فَشُرِعَ الرِّضَا سَبَبًا لِمِلْكِ الْبَدَلِ وَ) شُرِعَ (حِلُّهُ) أَيْ الْبَدَلِ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الرِّضَا (لِمَصْلَحَةِ دَفْعِهَا) أَيْ الْحَاجَةِ الْمَذْكُورَةِ. (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ مَا شُرِعَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ لِحُصُولِ الْحِكْمَةِ مَظِنَّةَ الْحِكْمَةِ إلَخْ (مَعْنَى اشْتِمَالِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ) وَإِلَّا فَنَفْسُ الْوَصْفِ لَا يَكُونُ مُشْتَمِلًا عَلَى ذَلِكَ إذْ الْإِسْكَارُ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ مَثَلًا لَيْسَ بِمُشْتَمِلٍ عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الْعُقُولِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ بَلْ عَلَى ذَهَابِ الْعَقْلِ وَيَصِحُّ أَنَّهُ مَظِنَّةُ أَمْرٍ يُحَصِّلُ الْحِكْمَةَ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ مَعَهُ (فَحَقِيقَةُ الْعِلَّةِ) فِي الْعُقُودِ (الرِّضَا) لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ أَمْرٍ هُوَ الْحَاجَةُ وَتَحْصُلُ الْحِكْمَةُ الَّتِي هِيَ دَفْعُ الْحَاجَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الْخَاصِّ وَهُوَ مِلْكُ الْبَدَلِ وَحِلُّهُ مَعَهُ وَلَكِنَّهُ خَفِيٌّ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ لَا اطِّلَاعَ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ (وَإِذْ خَفِيَ عَلِقَ الْحُكْمُ) وَهُوَ مِلْكُ الْبَدَلِ وَحِلُّهُ (بِالصِّيغَةِ فَهِيَ)

أَيْ الصِّيغَةُ (الْعِلَّةُ اصْطِلَاحًا) لَا حَقِيقَةً (وَهِيَ) أَيْ الصِّيغَةُ (دَلِيلُ مَظِنَّةِ مَا تَحْصُلُ الْحِكْمَةُ مَعَهُ بِالْحُكْمِ) إذْ هِيَ مَظِنَّةُ الرِّضَا الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ الَّتِي شَرَعَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ مِلْكُ الْبَدَلِ وَحِلُّهُ مَعَهَا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ الَّتِي هِيَ الْمَصْلَحَةُ (فَظَهَرَ أَنَّ الرِّضَا لَيْسَ الْحِكْمَةَ) فِي التِّجَارَةِ (كَمَا قِيلَ) قَالَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَهَذَا مِثَالُ الثَّالِثِ (وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ مَظِنَّةُ انْتِشَارِهِ) أَيْ الْعُدْوَانِ (إنْ لَمْ يُشْرَعْ الْقِصَاصُ فَوَجَبَ) الْقِصَاصُ (دَفْعًا لَهُ) أَيْ لِانْتِشَارِ الْعُدْوَانِ وَهَذَا مِثَالُ الثَّانِي فَاللَّفُّ وَالنَّشْرُ فِي الْمِثْلِ مُشَوَّشٌ (وَكَوْنُ الْوَصْفِ كَذَلِكَ) أَيْ شُرِعَ الْحُكْمِ عِنْدَهُ لِحُصُولِ الْحِكْمَةِ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهَا إلَخْ (مُنَاسَبَتُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَصْفُ (كَذَلِكَ) أَيْ شَرْعُ الْحُكْمِ عِنْدَهُ إلَخْ (الْمُنَاسِبُ فَهُوَ) أَيْ الْمُنَاسِبُ (مَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ مَا) أَيْ وَصْفٌ (لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ) كَوْنُهُ عِلَّةً لِحُكْمٍ (تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ) لِصَلَاحِيَّتِهِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ يُقَالُ هَذَا الشَّيْءُ مُنَاسِبٌ لِكَذَا أَيْ مُلَائِمٌ لَهُ (وَكَوْنُ الشَّارِعِ قَضَى بِالْحُكْمِ عِنْدَهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (لِلْحِكْمَةِ اعْتِبَارُهُ) أَيْ الشَّارِعِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ (وَمَعْرِفَتُهُ) أَيْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ (مَسَالِكُ الْعِلَّةِ) أَيْ طُرُقُهَا (وَشَرْطُهَا) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ شَرْطًا لِلْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (تَفَضُّلٌ) مِنْ اللَّهِ الْكَرِيمِ (لَا وُجُوبٌ) عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ. (وَهَذَا) الْقَوْلُ بِأَنَّهَا شَرْطٌ تَفَضُّلًا (مَا يُقَالُ الْأَحْكَامُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ دُنْيَوِيَّةً كَمَا ذُكِرَ) مِنْ التَّرْخِيصِ بِالرُّخَصِ لِلْمُسَافِرِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ وَدَفْعِ انْتِشَارِ الْفَسَادِ (وَأُخْرَوِيَّةً لِلْعِبَادَاتِ) وَهُوَ الْحُصُولُ عَلَى الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ الْجَوَّادِ الْوَهَّابِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْأَحْكَامِ مَبْنِيَّةً عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ (وِفَاقٌ بَيْنَ النَّافِينَ لِلطَّرْدِ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَكُونُ عِلَّةً إلَّا بِالْمُنَاسَبَةِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ اسْمُهُ) أَيْ التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا إذْ مِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّارِعِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْبَارِئِ سُبْحَانَهُ مُعَلَّلَةٌ بِمَصَالِح الْعِبَادِ أَوْ مُعَلَّلَةٌ بِالْأَغْرَاضِ وَهَذَا مَعْزُوٌّ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ قِيلَ النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ جَازَ (وَمَنَعَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ) ذَلِكَ (لِظَنِّهِمْ لُزُومَ اسْتِكْمَالِهِ فِي ذَاتِهِ كَمَالًا لَمْ يَكُنْ) حَاصِلًا لَهُ قَبْلَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ (ذُهُولٌ بَلْ ذَلِكَ) أَيْ اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ وَإِنَّمَا يَكُونُ (لَوْ رَجَعَتْ) الْمَصَالِحُ وَالْحُكْمُ الْمُعَبِّرُ عَنْهَا بِالْأَغْرَاضِ (إلَيْهِ) تَعَالَى. (أَمَّا) إذَا رَجَعَتْ (إلَى غَيْرِهِ فَمَمْنُوعٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ مَمْنُوعٌ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِهَا إلَى الْعِبَادِ أَيْضًا الْتَزَمُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَهُوَ إنْ رَاجَعَهَا إلَى الْعِبَادِ يَسْتَلْزِمُ كَمَالًا لَهُ فَأَجَابَ بِمَنْعِ ذَلِكَ (بَلْ هُوَ) أَيْ رَجْعُ الْمَصَالِحِ إلَى الْفُقَرَاءِ (أَثَرُ كَمَالِهِ الْقَدِيمِ) أَيْ الْمُتَّصِفِ بِهِ أَزَلًا لَا كَمَالَ حَادِثٍ لَهُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّازِمَ فِي الْمُتَجَدِّدِ) مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ (بِتَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ) أَيْ بِسَبَبِ تَعَلُّقِهَا بِهِمْ (لَازِمٌ فِي فَوَاضِلِهِ) وَإِنْعَامَاتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَنْحَاءِ (الْمُتَجَدِّدَةِ) الذَّوَاتِ وَالِاقْتِضَاءِ الْمُسْتَمِرَّةِ (فِي مَمَرِّ الْأَيَّامِ عَلَى الْأَنَامِ) إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا مَصَالِحُ لِلْعِبَادِ ابْتِدَاءً لَا بِوَاسِطَةِ الْعِبَادِ فَقَدْ {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] قَالَ الْمُصَنِّفُ هَذَا إلْزَامٌ عَلَى قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ كَمَالٌ لَهُ لَمْ يَكُنْ فَقَالَ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْمَصَالِحِ الْوَاصِلَةِ إلَى الْعِبَادِ ابْتِدَاءً لَا بِوَاسِطَةِ شَرْعِ الْأَحْكَامِ مِنْ إنْزَالَ الْمَطَرِ وَإِنْبَاتِ الشَّجَرِ وَالْأَقْوَاتِ وَإِيصَالَاتِ الرَّاحَاتِ وَمَا لَا يُحْصَى إلَى مَنْ لَا يُحْصَى مِنْ الْعِبَادِ فَكَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ تَعَالَى أَنْ لَا يُوجِدَهَا (فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ فِيهِ) أَيْ الْمَانِعِينَ عَنْ كَوْنِ إفَاضَةِ هَذَا الْجُودِ مِنْ الْجَوَادِ الْعَظِيمِ لِمَصَالِح الْعِبَادِ فَهُوَ (جَوَابُنَا) عَنْ كَوْنِ الْأَحْكَامِ مَبْنِيَّةً عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ أَيْضًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إلَّا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ وَتَعْرِيفُهُمْ مَظَاهِرَ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ وَكَرْمِهِ الْعَمِيمِ وَبِهِ نَقُولُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (وَلَقَدْ كَثُرَتْ لَوَازِمُ بَاطِلَةٌ لِكَلَامِهِمْ) كَمَا يُعْرَفُ فِي فَنِّ الْكَلَامِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ تَعْلِيلَ بَعْضِ الْأَفْعَالِ سِيَّمَا شَرْعِيَّةُ الْأَحْكَامِ بِالْحُكْمِ وَالْمَصَالِحِ ظَاهِرٌ كَإِيجَابِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَتَحْرِيمِ الْمُسْكِرَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالنُّصُوصُ أَيْضًا شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 32] الْآيَةُ

الكلام في تقسيم العلة وشروطها وطرق معرفتها

{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 37] الْآيَة وَلِهَذَا كَانَ الْقِيَاسُ حُجَّةً إلَّا عِنْدَ شِرْذِمَةٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ. وَأَمَّا تَعْمِيمُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَخْلُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ مِنْ غَرَضٍ فَمَحَلُّ بَحْثٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ (الْأَقْرَبُ) إلَى تَحْقِيقِ الْعُقَلَاءِ (أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافَ (لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَعْنَى الْغَرَضِ) فَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ أَنَّهُ الْمَنْفَعَةُ الْعَائِدَةُ إلَى الْفَاعِلِ قَالَ لَا تُعَلَّلُ بِالْغَرَضِ وَمَرِيدُ هَذَا بِالْغَرَضِ لَا يُخَالِفُهُ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ أَفْعَالِهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ التَّكْلِيفِيَّةِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَضْلًا عَنْ نَحَارِيرِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَبَحِّرِينَ وَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ أَنَّهُ الْفَائِدَةُ الْعَائِدَةُ إلَى الْعِبَادِ قَالَ إنَّ أَفْعَالَهُ وَأَحْكَامَهُ تُعَلَّلُ بِهَا وَمُرِيدُ هَذَا أَنْ لَا يَظُنّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُقَلَاءِ لَا يُخَالِفُهُ فِي كَوْنِ الْوَاقِعِ كَذَلِكَ وَمَنْ خَالَفَهُ فَقَدْ نَاقَضَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ حَيْثُ يَقُولُ الْمُنَاسَبَةُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (أَوْ) أَنَّهُ (غَلَطٌ مِنْ اشْتِبَاهِ الْحُكْمِ بِالْفِعْلِ فَاذْكُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ) فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ (مِنْ أَنَّهُ) عَزَّ وَجَلَّ (غَيْرُ مُخْتَارٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَدِيمًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ كَيْفَ يَكُونُ اخْتِيَارِيًّا (بِخِلَافِ الْفِعْلِ) فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِيهِ تَعَالَى فَمَنْ قَالَ إنَّ الْفِعْلَ لَا يُعَلَّلُ بِالْغَرَضِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ بِالْحُكْمِ وَمَنْ قَالَ الْحُكْمُ بِعِلَلٍ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِالْفِعْلِ (غَيْرَ أَنَّ اتِّصَافَهُ) أَيْ الْبَارِئِ تَعَالَى (بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ مِنْ الْكَمَالَاتِ مُوجِبٌ لِمُوَافَقَةِ حُكْمِهِ لِلْحِكْمَةِ بِمَعْنَى أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُوَافِقِ لِلْحِكْمَةِ فَعَلَى هَذَا الْكُلُّ وَاقِعٌ لِلْحِكْمَةِ فَلَا أَثَرَ لِهَذَا الِاشْتِبَاهِ فَإِذَنْ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَإِذْ لَزِمَ فِيهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (الْمُنَاسَبَةُ بَطَلَتْ الطَّرْدِيَّةُ) أَيْ كَوْنُهَا غَيْرَ وَصْفٍ مُنَاسِبٍ وَلَا شَبِيهٍ بِهِ بَلْ هِيَ مَحْضُ كَوْنِهَا مُعَرِّفَةً لِلْحُكْمِ (لِأَنَّ عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ) لِلْحُكْمِ (حُكْمٌ) خَبَرِيٌّ (نَظَرِيٌّ يَتَعَلَّقُ حُكْمُهُ) تَعَالَى (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ ذَلِكَ الْوَصْفِ (وَهِيَ) أَيْ الطَّرْدِيَّةُ إنَاطَةُ الْحُكْمِ بِهَا قَوْلٌ (بِلَا دَلِيلٍ فَبَطَلَتْ وَمَا قِيلَ) وَقَائِلُهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ بُطْلَانَ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ (لِلدُّورِ لِأَنَّهَا) أَيْ الطَّرْدِيَّةَ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَوْنِهَا طَرْدِيَّةً (أَمَارَةٌ مُجَرَّدَةٌ لَا فَائِدَةَ لَهَا إلَّا تَعْرِيفُ الْحُكْمِ) لِلْأَصْلِ (فَتَوَقَّفَ) الْحُكْمُ عَلَيْهَا (وَكَوْنُهَا مُسْتَنْبَطَةً مِنْهُ) أَيْ الْحُكْمِ (يُوجِبُ تَوَقُّفَهَا عَلَيْهِ) أَيْ الْحُكْمِ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُعَرِّفَ لِحُكْمِ الْأَصْلِ النَّصُّ وَهِيَ) أَيْ الطَّرْدِيَّةُ مُعَرِّفَةً (أَفْرَادَ الْأَصْلِ فَيُعْرَفُ حُكْمُهَا) أَيْ أَفْرَادِ الْأَصْلِ (بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ) أَيْ عِرْفَانِ أَفْرَادِ الْأَصْلِ (مَثَلًا مُعَرِّفُ حُرْمَةِ الْخَمْرِ النَّصُّ وَالْإِسْكَارُ) الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنْ حُرْمَتِهِ (يُعْرَفُ) الْجُزْئِيُّ (الْمُشَاهَدُ أَنَّهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَفْرَادِ الْأَصْلِ (فَيُعْرَفُ حُرْمَتُهُ) أَيْ الْأَصْلِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمُشَاهَدِ (فَلَا دَوْرَ ثُمَّ لَيْسَ) تَعْرِيفُهَا لِأَفْرَادِ الْأَصْلِ أَمْرًا (كُلِّيًّا بَلْ) إنَّمَا هُوَ (فِيمَا) أَيْ أَصْلٍ (لَهُ لَازِمٌ ظَاهِرٌ خَاصٌّ كَرَائِحَةِ الْمُشْتَدِّ أَنْ لَمْ يُشْرِكْهَا) أَيْ الْخَمْرَ (فِيهَا) أَيْ الرَّائِحَةِ (غَيْرُهَا) أَيْ غَيْرُ الْخَمْرِ (وَإِلَّا فَتَعْرِيفُ الْإِسْكَارِ بِنَفْسِهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِشُرْبِ الْمُشَاهَدِ) لِأَنَّ هَذَا اللَّازِمَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالشُّرْبُ طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ فَتَتَوَقَّفُ حُرْمَتُهُ عَلَى شُرْبِهِ (وَهُوَ) أَيْ وَتَوَقُّفُهَا عَلَيْهِ (بَاطِلٌ) بِالْإِجْمَاعِ (وَكَوْنُهُ الْإِسْكَارَ طَرْدًا) إنَّمَا هُوَ (عَلَى) قَوْلِ (الْحَنَفِيَّةِ) لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ عِنْدَهُمْ لِعَيْنِهَا (وَعَلَى) قَوْلِهِ (غَيْرُهُمْ هُوَ) أَيْ كَوْنُ الْإِسْكَارِ طَرْدًا (مِثَالٌ) لِذَلِكَ. [الْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا] [الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةُ] (وَالْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا) أَيْ الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ مُعْتَبَرٌ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ عِلَّةٌ (فِي مَرَاصِدَ) ثَلَاثَةٍ (الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ) فِي تَقْسِيمِهَا (تَنْقَسِمُ) الْعِلَّةُ (بِحَسْبِ الْمَقَاصِدِ وَ) بِحَسْبِ (الْإِفْضَاءِ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْمَقَاصِدِ (وَ) بِحَسْبِ (اعْتِبَارِ الشَّارِعِ) لَهَا عِلَّةً (فَالْأَوَّلُ) أَيْ انْقِسَامُهَا بِحَسْبِ الْمَقَاصِدِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِانْقِسَامُ (بِالذَّاتِ لِلْمَقَاصِدِ وَيَسْتَتْبِعُهُ) أَيْ هَذَا الِانْقِسَامَ لَهَا بِحَسْبِ الْمَقَاصِدِ انْقِسَامُهَا (وَهِيَ) أَيْ الْمَقَاصِدُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَصْفِ (ضَرُورِيَّةً) وَهِيَ مَا انْتَهَتْ الْحَاجَةُ فِيهَا إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ ثُمَّ (لَمْ تُهْدَرْ فِي مِلَّةٍ) مِنْ الْمِلَلِ السَّالِفَةِ بَلْ رُوعِيَتْ فِيهَا لِكَوْنِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي نِظَامُ الْعَالَمِ مُرْتَبِطٌ بِهَا وَلَا يَبْقَى النَّوْعُ مُسْتَقِيمَ الْأَحْوَالِ بِدُونِهَا وَهِيَ خَمْسَةٌ (حِفْظُ الدِّينِ بِوُجُوبِ الْجِهَادِ وَعُقُوبَةِ الدَّاعِي إلَى الْبِدَعِ) وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: 29] الْآيَة

(وَقَدْ يُوَجَّهُ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ الْجِهَادِ (لِكَوْنِهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (حَرْبًا عَلَيْنَا لَا لِكُفْرِهِمْ وَلِذَا) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ كَوْنَهُمْ حَرْبًا عَلَيْنَا (لَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ وَالرُّهْبَانُ) إذَا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى الْكُفْرِ بِسَلْطَنَةٍ أَوْ قِتَالٍ أَوْ رَأْيٍ فِيهِ أَوْ حَثٍّ عَلَيْهِ بِمَالٍ أَوْ مُطْلَقًا لِانْتِفَاءِ الْحِرَابَةِ (وَقُبِلَتْ الْجِزْيَةُ) مِنْ بَاذِلِيهَا مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لَهَا (وَلَزِمَتْ الْمُهَادَنَةُ) أَيْ الْمُصَالَحَةُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِانْتِفَاءِ حِرَابِهِمْ مَعَ وُجُودِ كُفْرِهِمْ (وَلَا يُنَافِيه) أَيْ وُجُوبَ الْجِهَادِ لِكَوْنِهِمْ حَرْبًا عَلَيْنَا وُجُوبُهُ لِحِفْظِ الدِّينِ فَإِنَّ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حِفْظِ الدِّينِ لَا يَتِمُّ مَعَ حِرَابَتِهِمْ فَإِنَّهَا مُفْضِيَةٌ لِقَتْلِ الْمُسْلِمِ أَوْ لِفِتْنَتِهِ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ فَكَوْنُهُ وَاجِبًا لِحِفْظِ الدِّينِ هُوَ مَعْنَى وُجُوبِهِ لِحِرَابَتِهِمْ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى وَإِنَّمَا يُنَافِيه لَوْ كَانَ وُجُوبُهُ لِمُجَرَّدِ الْكُفْرِ فَإِنَّ عَلَيْهِ يَكُونُ مَا قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ أَخَصُّ ثُمَّ أَوْجَهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ قَتْلِ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَمَنْ لَا يُحَارِبُ مِنْ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَغَيْرِهِمَا (وَ) حِفْظُ (النَّفْسِ بِالْقِصَاصِ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَتَضَافَرَ عَلَيْهِ مَعَ الْكِتَابِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. (وَ) حِفْظُ (الْعَقْلِ بِكُلٍّ مِنْ حُرْمَةِ الْمُسْكِرِ) الثَّابِتَةِ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ (وَحِّدْهُ) أَيْ الْمُسْكِرِ الثَّابِتِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (وَ) حِفْظُ (النَّسَبِ بِكُلٍّ مِنْ حُرْمَةِ الزِّنَا) بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (وَحْدَهُ) الَّذِي هُوَ الْجَلْدُ بِهَذِهِ أَيْضًا وَاَلَّذِي هُوَ الرَّجْمُ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمُزَاحَمَةَ عَلَى الْأَبْضَاعِ تُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ الْمُفْضِي إلَى انْقِطَاعِ التَّعَهُّدِ مِنْ الْآبَاءِ الْمُفْضِي إلَى انْقِطَاعِ النَّسْلِ وَارْتِفَاعِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ مِنْ الْوُجُودِ (وَ) حِفْظُ (الْمَالِ بِعُقُوبَةِ السَّارِقِ وَالْمُحَارِبِ) بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَتُسَمَّى هَذِهِ بِالْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَكُلٌّ مِنْهَا دُونَ مَا قَبْلَهُ وَحَصْرُ الْمَقَاصِدِ فِي هَذِهِ ثَابِتٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَاقِعِ وَعَادَاتِ الْمِلَلِ وَالشَّرَائِعِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَزَادَ الطُّوفِيُّ وَالسُّبْكِيُّ حِفْظَ الْعِرْضِ بِحَدِّ الْقَذْفِ (وَيَلْحَقُ بِهِ) أَيْ بِالضَّرُورِيِّ (مُكَمِّلُهُ مِنْ حُرْمَةِ قَلِيلِ الْخَمْرِ الْمُسْكِرِ وَحَدِّهِ) أَيْ حَدُّ قَلِيلِهَا إذْ قَلِيلُهَا لَا يُزِيلُ الْعَقْلَ وَحِفْظُ الْعَقْلِ حَاصِلٌ بِتَحْرِيمِ السُّكْرِ وَالْحَدِّ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ حُرِّمَ لِلتَّتْمِيمِ وَالتَّكْمِيلِ (إذْ كَانَ) قَلِيلُهَا (يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ) أَيْ الْخَمْرِ بِمَا يُوَرِّثُ النَّفْسَ مِنْ الطَّرَبِ الْمَطْلُوبِ زِيَادَتُهُ بِزِيَادَةِ سَبَبِهِ وَذِكْرُهَا أَمَّا كَمَا هُوَ لُغَةٌ فِيهَا أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمُسْكِرِ (فَيُزِيلُ) كَثِيرُهَا (الْعَقْلَ فَتَحْرِيمُ كُلِّ دَاعِيَةٍ) إلَى مُحَرَّمٍ (مُقْتَضَى الدَّلِيلِ ثَبَتَ الشَّرْعُ عَلَى وَفْقِهِ) أَيْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ (فِي الِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ) فَحَرُمَتْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فِيهِمَا كَمَا حَرُمَ نَفْسُ الْجِمَاعِ (وَعَلَى خِلَافِهِ) أَيْ وَثَبَتَ الشَّرْعُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ (فِي الصَّوْمِ) فَلَمْ تَحْرُمْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فِيهِ كَمَا حَرُمَ الْجِمَاعُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ (وَلَمْ يُثْبِتْ) الشَّرْعُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ (فِي الظِّهَارِ فَتَحْرِيمُ الْحَنَفِيَّةِ إيَّاهَا) أَيْ الدَّوَاعِي (فِيهِ) أَيْ فِي الظِّهَارِ (عَلَى وَفْقِهِ) أَيْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ. (وَهَذَا) الْمَقْصُودُ الضَّرُورِيُّ وَالْمُلْحَقُ بِهِ الْمُكَمِّلُ لَهُ هُوَ (الْمُنَاسِبُ الْحَقِيقِيُّ وَدُونَهَا) أَيْ الضَّرُورِيَّةِ مَقَاصِدُ (حَاجِيَةٌ) وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَنْتَهِ الْحَاجَةُ إلَيْهَا إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ (شُرِعَ) الْحُكْمُ (لَهَا) أَيْ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا (نَحْوُ الْبَيْعِ) لِمِلْكِ الْعَيْنِ بِعِوَضِ مَالٍ (وَالْإِجَارَةِ) لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضِ مَالٍ (وَالْقِرَاضِ) لِلشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ بِمَالٍ مِنْ وَاحِدٍ وَعَمَلٍ فِيهِ مِنْ آخَرَ (وَالْمُسَاقَاةِ) لِدَفْعِ الشَّجَرِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ بِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرِهِ (فَإِنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَشْرُوعَاتِ (لَوْ لَمْ تُشْرَعْ لَمْ يَلْزَمْ فَوَاتُ شَيْءٍ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ) الْخَمْسِ (إلَّا قَلِيلًا كَالِاسْتِئْجَارِ لِإِرْضَاعِ مَنْ لَا مُرْضِعَةَ لَهُ وَتَرْبِيَتِهِ وَشِرَاءِ الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ لِلْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِقْلَالِ بِالتَّسَبُّبِ فِي وُجُودِهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَاحْتِيجَ (إلَى دَفْعِ حَاجَتِهِ) أَيْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا (بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الْعُقُودِ فَهَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتُ مِنْ قَبِيلِ الضَّرُورِيِّ لِحِفْظِ النَّفْسِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ قَدْ يَحْصُلُ بِتَرْكِهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ عَدَّهَا الْآمِدِيُّ مِنْهُ (فَالتَّسْمِيَةُ) أَيْ إطْلَاقُ الْحَاجِيِّ عَلَى هَذِهِ الْمَشْرُوعَاتِ (بِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ) فَإِنَّ غَالِبَ الشِّرَاءَاتِ وَالْإِجَازَاتِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لَا ضَرُورِيٌّ فَدَعْوَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ ضَرُورِيٌّ لَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهَا (وَمُكَمِّلُهَا) أَيْ وَدُونَ الضَّرُورِيَّةِ أَيْضًا مَقْصُودٌ حَاجِيٌّ لَكِنْ لَا فِي نَفْسِهِ

بَلْ مُكَمِّلُ الْحَاجِيِّ فِي نَفْسِهِ (كَوُجُوبِ رِعَايَةِ الْكَفَّارَةِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْوَلِيِّ فِي) تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ (الصَّغِيرَةِ) فَإِنَّ أَصْلَ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِ النِّكَاحِ. وَإِنْ كَانَ حَاصِلًا بِدُونِهَا لَكِنَّهُمَا أَشَدُّ إفْضَاءً إلَى دَوَامِ النِّكَاحِ وَإِتْمَامِ الْأُلْفَةِ وَالِازْدِوَاجِ بَيْنَهُمَا وَدَوَامُهُ مِنْ مُكَمِّلَاتِ مَقْصُودِهِ فَوَجَبَ رِعَايَتُهُمَا (إلَّا لِدَلَالَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَدَّهُ عَلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ دُونَهَا) أَيْ رِعَايَتِهَا (كَتَزْوِيجِ أَبِيهَا) أَيْ الصَّغِيرَةِ أَوْ جَدِّهَا الصَّحِيحِ إيَّاهَا (مِنْ عَبْدٍ وَبِأَقَلَّ) مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ وَلَا بِالْمَجَانَةِ وَالْفِسْقِ وَهَذِهِ الدَّلَالَةُ قُرْبُ الْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ وَهِيَ الدَّاعِيَةُ إلَى وُفُورِ الشُّفْعَةِ مَعَ كَمَالِ الرَّأْيِ ظَاهِرًا فَإِنَّ مَنْ قَامَ بِهِ هَذَا لَا يَتْرُكُ كُلًّا مِنْهُمَا ظَاهِرًا إلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَرْبُو عَلَى كِلَيْهِمَا وَلَمَّا كَانَ النَّظَرُ لَهَا فِي ذَلِكَ بَاطِنًا وَهَذَا دَلِيلُهُ اُعْتُبِرَ دَلِيلُهُ وَعُلِّقَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ وَمِنْ الْأُمِّ لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فِي الْعَصَبَاتِ وَنُقْصَانِ الرَّأْيِ فِي الْأُمِّ (وَهَذَا) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحَاجِيِّ وَتُكْمِلُهُ (الْمُنَاسِبُ الْمَصْلَحِيُّ وَغَيْرُ الْحَاجِيِّ تَحْسِينِي) أَيْ مِنْ قَبِيلِ رِعَايَةِ أَحْسَنِ الْمَنَاهِجِ فِي مَحَاسِنِ الْعَادَاتِ (كَحُرْمَةِ الْقَاذُورَاتِ حَثًّا عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْتِزَامِ الْمُرُوءَةِ) وَنَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْصُوفٌ بِتَشْرِيعِ ذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِهِ {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بُعِثْت لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمِ (وَكَسَلَبِ الْعَبْدِ) وَإِنْ كَانَ ذَا دَيْنٍ يَغْلِبُ ظَنُّ صِدْقِهِ (أَهْلِيَّةَ الْوِلَايَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَغَيْرِهِمَا) كَالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ عَنْ الْحُرِّ لِكَوْنِهِ مُسْتَسْخَرًا لِلْمَالِكِ مَشْغُولًا بِخِدْمَتِهِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ الْمَنَاصِبُ الشَّرِيفَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ ضَرُورَةٌ وَلَا حَاجَةٌ وَلَا تَكْمِيلٌ لِإِحْدَاهُمَا بَلْ إجْرَاءٌ لِلنَّاسِ عَلَى مَا أَلِفُوهُ مِنْ الْعَادَاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ السَّيِّدَ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ ذُو فَضَائِلَ وَآخَرُ دُونَهُ فِيهَا اُسْتُحْسِنَ عُرْفًا أَنْ يُفَوِّضَ الْعَمَلَ إلَيْهِمَا بِحَسْبِ فَضِيلَتِهِمَا فَيُجْعَلُ الْأَفْضَلُ لِلْأَفْضَلِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَا يَقُومُ بِهِ الْآخَرُ. (الثَّانِي) انْقِسَامُهَا بِحَسْبِ الْإِفْضَاءِ وَأَقْسَامُهُ (خَمْسَةٌ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَقْصُودِ) مِنْ شَرْعِ الشَّارِعِ الْحُكْمُ عِنْدَ الْوَصْفِ لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ لِلْعَبْدِ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ عَنْهُ أَوْ لِكِلَيْهِمَا تَحْصِيلًا لِأَصْلِ الْمَقْصُودِ أَوْ تَكْمِيلًا لَهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ جَلْبًا لِلثَّوَابِ أَوْ دَفْعًا لِلْعِقَابِ فِي الْأُخْرَى (أَمَّا) أَنْ يَكُونَ (يَقِينًا كَالْبَيْعِ) الصَّحِيحِ (لِلْحِلِّ) أَيْ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ حَلَالًا لِلْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ يَقِينًا (أَوْ ظَنًّا كَالْقِصَاصِ لِلِانْزِجَارِ) عَنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ صِيَانَةُ النُّفُوسِ الْمَعْصُومَةِ عَنْ الْهَلَاكِ وَهَذَا يَحْصُلُ ظَنًّا مِنْهُ (لَا لِأَكْثَرِيَّةِ الْمُمْتَنِعِينَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقْدِمِينَ عَلَيْهِ (وَالِاتِّفَاقُ) ثَابِتٌ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ (أَوْ شَكًّا أَوْ وَهْمًا) وَهَذَانِ فِيهِمَا خِلَافٌ (وَالْمُخْتَارُ فِيهِمَا الِاعْتِبَارُ) ثُمَّ مَا يُسَاوِي فِيهِ حُصُولُهُ وَنَفْيُهُ لَا مِثَالَ لَهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى التَّحْقِيقِ بَلْ عَلَى التَّقْرِيبِ (كَحَدِّ الْخَمْرِ) فَإِنَّهُ شُرِعَ (لِلزَّجْرِ) عَنْ شُرْبِهَا لِحِفْظِ الْعَقْلِ (وَقَدْ ثَبَتَ) حَدُّهَا (مَعَ الشَّكِّ فِيهِ) أَيْ فِي الِانْزِجَارِ عَنْ شُرْبِهَا بِهِ لِأَنَّ اسْتِدْعَاءَ الطِّبَاعِ شُرْبَهَا يُقَاوِمُ خَوْفَ عِقَابِ الْحَدِّ وَعَدَمُ الْمُمْتَنِعِ وَالْمُقْدِمِ مُتَقَارِبَانِ وَلَا قَطْعَ عَادَةً لِغَلَبَةِ أَحَدِهِمَا وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلتَّسَامُحِ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ. وَأَمَّا مَعَ إقَامَتِهَا فَلَا وَنَحْنُ إنَّمَا نَعْتَبِرُ كَوْنَهُ مُفْضِيًا إلَى الْمَقْصُودِ أَوَّلًا عَلَى تَقْدِيرِ رِعَايَةِ الْمَشْرُوعِ لَا بِمُجَرَّدِ التَّشْرِيعِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا رِعَايَةَ الْمَشْرُوعِ لَكَانَ اسْتِيفَاءُ حَدِّ الْخَمْرِ أَقَلَّ مَنْعًا لِلشَّارِبِينَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِلْقَاتِلِينَ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ إزْهَاقِ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ خَوْفِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً (وَرُخْصَةُ السَّفَرِ) شُرِعَتْ (لِلْمَشَقَّةِ وَالنِّكَاحُ) شُرِعَ (لِلنَّسْلِ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عَنْ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا وَيَقُولُ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ» وَقَدْ (جَازَا) أَيْ التَّرَخُّصُ الْمَذْكُورُ وَالنِّكَاحُ (مَعَ ظَنِّ الْعَدَمِ) لِكُلٍّ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالنَّسْلِ (فِي) سَفَرِ (مَلِكٍ مُرَفَّهٍ) يُسَارُ بِهِ عَلَى الْمِحَفَّةِ فِي الْيَوْمِ مِقْدَارًا لَا يُصِيبُهُ فِيهِ نَصَبٌ وَلَا ظَمَأٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ بَلْ يَتَنَعَّمُ فِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَكُونُ فِي الْإِقَامَةِ. (وَ) نِكَاحِ (آيِسَةٍ فَعُلِمَ

أَنَّ الْمُعْتَبَرَ) فِي كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً فِي إفْضَائِهِ لِلْحُكْمِ (الْحُصُولُ فِي جِنْسِ الْوَصْفِ لَا فِي كُلِّ جُزْئِيٍّ وَلَا) فِي (أَكْثَرِهَا) أَيْ الْجُزْئِيَّاتِ (أَوْ) يَكُونُ (يَقِينُ الْعَدَمِ كَإِلْحَاقِ وَلَدِ مَغْرِبِيَّةٍ بِمَشْرِقِيٍّ) تَزَوَّجَ بِهَا وَقَدْ (عُلِمَ عَدَمُ تَلَاقِيهِمَا جَعْلًا لِلْعَقْدِ مَظِنَّةَ حُصُولِ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ وَوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ) الْمَجْعُولِ مَظِنَّةً لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْوَلَدِ (عَلَى مَنْ اشْتَرَاهَا) أَيْ الْأَمَةَ (فِي مَجْلِسِ بَيْعِهِ) إيَّاهَا الْآخَرَ مِنْهُ وَلَمْ يَغِيبَا عَنْهُ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا (وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ اعْتِبَارِ هَذَا الطَّرِيقِ (لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْمَظِنَّةِ) أَيْ بِمَكَانِ ظَنِّ وُجُودِ الْحِكْمَةِ (مَعَ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الْمِئِنَّةِ) أَيْ نَفْسِ الْحِكْمَةِ (وَنُسِبَ) فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْبَدِيعِ (إلَى الْحَنَفِيَّةِ اعْتِبَارُهُ) أَيْ هَذَا الطَّرِيقِ (وَلَا شَكَّ فِي الثَّانِي) أَيْ فِي أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ وَلَدِ الْمَغْرِبِيَّةِ بِالْمَشْرِقِيِّ الْمَذْكُورِ (لِتَعَذُّرِ الْقَطْعِ بِعَدَمِ الْمُلَاقَاةِ) بَيْنَهُمَا بَلْ ثُبُوتُهَا جَائِزٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ كَرَامَةِ الطَّيْرِ أَوْ صَاحِبَ جِنِّيٍّ (وَمُجِيزُهُ) أَيْ هَذَا إنَّمَا هُوَ (أَبُو حَنِيفَةَ لَا هُمَا) أَيْ صَاحِبَاهُ وَإِنَّمَا أَجَازَهُ (نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الْعِلَّةِ) الَّتِي هِيَ الْعَقْدُ (لَا إلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ) الْعِلَّةُ (مِنْ الْحِكْمَةِ) الَّتِي هِيَ حُصُولُ النَّسْلِ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ (أَمَّا لَوْ لَمْ تَخْلُ مَصْلَحَةُ الْوَصْفِ) أَيْ لَمْ تَثْبُتْ الْمَصْلَحَةُ مِنْهُ بَلْ ثَابِتَةٌ فِيهِ (لَكِنْ اسْتَلْزَمَ شَرْعُ الْحُكْمِ لَهَا) أَيْ لِلْمَصْلَحَةِ (مُفْسِدَ تُسَاوِيهَا أَوْ تَرَجُّحِهَا فَقِيلَ لَا تَنْخَرِمُ الْمُنَاسَبَةُ الْمُوجِبَةُ لِلِاعْتِبَارِ) نَعَمْ يَنْتَفِي الْحُكْمُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ. وَهَذَا اخْتِبَارُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ (وَمُخْتَارُ الْآمِدِيِّ وَأَتْبَاعِهِ الِانْخِرَامُ) فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضَى (لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ مَعَ مُعَارَضَةٍ مَفْسَدَةِ مِثْلِهَا وَمَنْ قَالَ بِعْهُ بِرِبْحِ مِثْلِ مَا تَخْسَرُ) أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ (عُدَّ) قَوْلُهُ هَذَا (خَارِجًا عَنْ تَصَرُّفِ الْعُقَلَاءِ قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الِانْخِرَامِ (لَا تُرَجِّحُ مَصْلَحَةٌ) صِحَّةَ (الصَّلَاةِ فِي) الْأَرْضِ (الْمَغْصُوبَةِ) عَلَى حُرْمَةِ مَفْسَدَتِهَا فِيهَا بَلْ هِيَ إمَّا مُسَاوِيَةٌ لِلْمَفْسَدَةِ أَوْ دُونَهَا وَقَدْ جَازَتْ فِيهَا فَظَهَرَ أَنَّ رُجْحَانَ الْمَصْلَحَةِ لَيْسَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ (وَإِلَّا) لَوْ رَجَحَتْ مَصْلَحَتُهَا عَلَى مَفْسَدَتِهَا (أُجْمِعَ عَلَى الْحِلِّ) لَهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمَفْسَدَةِ الْمَرْجُوحَةِ مَعَ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ (أُجِيبُ لَمْ يَنْشَأْ) أَيْ الْمَصْلَحَةُ وَالْمَفْسَدَةُ (مِنْ) شَيْءٍ (وَاحِدٍ كَالصَّلَاةِ) فَلَمْ تَنْشَأْ الْمَفْسَدَةُ مِنْهَا بَلْ مِنْ الْغَصْبِ وَلِذَا لَوْ شَغَلَهَا بِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً وَالْمَصْلَحَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْغَصْبِ بَلْ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَوْ نَشَآ مَعًا مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ وَجَبَ أَنْ لَا تَصِحَّ قَطْعًا (وَإِذَا لَزِمَ) فِي عَدَمِ انْخِرَامِ الْمُنَاسَبَةِ (رُجْحَانُهَا) أَيْ الْمَصْلَحَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُرَجِّحِ (فِي تَرْجِيحِ إحْدَاهُمَا) وَالْوَجْهُ فِي تَرْجِيحِهَا أَيْ الْمَصْلَحَةِ (عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا) أَيْ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ أَوْ مَا كَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَهُوَ فَلَهُ أَيْ لِلتَّرْجِيحِ فِي تَعَارُضِهِمَا (طُرُقٌ تَفْصِيلِيَّةٌ فِي خُصُوصِيَّاتِ الْمَسَائِلِ تَنْشَأُ) تِلْكَ الطُّرُقُ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْمَسَائِلِ (وَ) طَرِيقٌ (إجْمَالِيٌّ شَامِلٌ) لِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ (يُسْتَعْمَلُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ) وَهَذَا الطَّرِيقُ الْإِجْمَالِيُّ هُوَ (لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ رُجْحَانُهَا) أَيْ الْمَصْلَحَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ (هُنَا) أَيْ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ (لَزِمَ التَّعَبُّدُ الْبَاطِلُ) أَيْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لَا لِمَصْلَحَةٍ وَهَذَا (بِخِلَافِ مَا قَصُرَ) الْفَهْمُ (عَنْ دَرْكِهِ) مِنْ الْأَوْصَافِ الصَّالِحَةِ لِإِنَاطَةِ الْأَحْكَامِ بِهَا إذَا وُجِدَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ فِي مَحَالِّهَا الْوَارِدَةِ فِيهِ فَإِنَّ ثُبُوتَهَا فِيهِ تَعَبُّدٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَصْفِ عِنْدَ رُجْحَانِ الْمَصْلَحَةِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَى إلْغَاءِ الْوَصْفِ عِنْدَ رُجْحَانِ الْمَفْسَدَةِ (قِيلَ وَوُقُوعُ الِاتِّفَاقِ عَلَى الِاعْتِبَارِ عِنْدَ رُجْحَانِ الْمَصْلَحَةِ دُونَ الْإِلْغَاءِ لِرُجْحَانِ الْمَفْسَدَةِ) أَيْ وَلَمْ يَقَعْ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ عِنْدَ رُجْحَانٍ لِمَفْسَدَةٍ (لِشِدَّةِ اهْتِمَامِ الشَّارِعِ بِرِعَايَةِ الْمَصَالِحِ وَابْتِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهَا فَلَمْ تُهْمَلْ) الْمَصْلَحَةُ (مَرْجُوحَةً عَلَى الِاتِّفَاقِ) أَيْ فَلَمْ يَقَعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمَصْلَحَةِ إذْ كَانَتْ مَرْجُوحَةً بَلْ كَانَتْ عَلَى الْخِلَافِ. (وَأَمَّا الثَّالِثُ) أَيْ انْقِسَامُهَا بِحَسْبِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّةً (فَإِذَا كَانَ الْقَصْدُ اصْطِلَاحَ الْمَذْهَبَيْنِ) لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (فَاخْتَلَفَ طُرُقُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ الْغَزَالِيِّ وَشَيْخِهِ) إمَامِ الْحَرَمَيْنِ (وَالرَّازِيِّ وَالْآمِدِيّ

اقْتَصَرْنَا عَلَى) الطُّرُقِ (الشَّهِيرَةِ الْمُثْبِتَةِ وَالْمُنَاسِبُ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ) أَيْ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الْوَصْفَ عِلَّةً أَرْبَعَةٌ (مُؤَثِّرٌ وَمُلَائِمٌ وَغَرِيبٌ وَمُرْسَلٌ فَالْمُؤَثِّرُ مَا) أَيْ وَصْفٌ (اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ) مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ (كَالْحَدَثِ بِالْمَسِّ) أَيْ بِمَسِّ الذَّكَرِ فَإِنَّ عَيْنَ الْمَسِّ مُعْتَبَرَةٌ فِي عَيْنِ الْحَدَثِ بِمَا تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَسْأَلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا عَمّ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» (وَعَلَى) قَوْلِ (الْحَنَفِيَّةِ سُقُوطُ نَجَاسَةِ الْهِرَّةِ بِالطَّوْفِ) فَإِنَّ عَيْنَ الطَّوْفِ مُعْتَبَرَةٌ فِي عَيْنِ سُقُوطِ نَجَاسَةِ الْهِرَّةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ (فَتَعَدَّى) سُقُوطَ النَّجَاسَةِ (إلَى الْفَأْرَةِ) بِعَيْنِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الطَّوْفُ (وَالْأَوْضَحُ) فِي التَّمْثِيلِ (السُّكْرُ فِي الْحُرْمَةِ) فَإِنَّ عَيْنَ السُّكْرِ مُعْتَبَرٌ فِي عَيْنِ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَى نَصٍّ (أَوْ إجْمَاعٍ كَوِلَايَةِ الْمَالِ بِالصِّغَرِ) فَإِنَّ عَيْنَ الصِّغَرِ مُعْتَبَرٌ فِي عَيْنِ الْوِلَايَةِ بِالْإِجْمَاعِ. (وَقَدْ يُقَالُ) بَدَلُ مَا اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ مَا اُعْتُبِرَ (نَوْعُهُ) فِي نَوْعِ الْحُكْمِ كَمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (نَفْيًا لِتَوَهُّمِ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (مُضَافًا لِمَحَلٍّ) كَالسُّكْرِ الْمَخْصُوصِ بِالْخَمْرِ وَالْحُرْمَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِهَا فَيَكُونُ لِلْخُصُوصِيَّةِ مَدْخَلٌ فِي الْعِلِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا بِالْمُؤَثِّرِ لِظُهُورِ تَأْثِيرِهِ فِي الْحُكْمِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِثُبُوتِهِ ثُبُوتُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِذِكْرِ الْمُرْسَلِ فِي مُقَابِلِهِ وَهُوَ مِنْ الدَّلَائِلِ الْمُخْتَلِفِ فِيهَا وَقَيَّدَ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ أَمْرٌ شُرِعَ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ مُنْحَصِرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ غَيْرَ أَنَّ الْقِيَاسَ لَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا لِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي الْأَسْبَابِ (وَالْمُلَائِمُ مَا) أَيْ وَصْفٌ (ثَبَتَ) عَيْنُهُ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ عَيْنِ الْحُكْمِ (فِي الْأَصْلِ) بِمُجَرَّدِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ (مَعَ ثُبُوتِهِ اعْتِبَارِ عَيْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (فِي جِنْسِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قَلْبِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ ثُبُوتِ جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَسُمِّيَ مُلَائِمًا لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِمَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ (أَوْ) الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ ثُبُوتِ (جِنْسِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ. (فَالْأَوَّلُ) أَيْ الْوَصْفُ الثَّابِتُ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ مَعَ ثُبُوتِ اعْتِبَارِ عَيْنِهِ فِي حُكْمِ الْجِنْسِ (كَالصِّغَرِ فِي حَمْلِ إنْكَاحِهَا عَلَى مَالَهَا فِي وِلَايَةِ الْأَبِ) أَيْ كَكَوْنِ الصِّغَرِ وَصْفًا مُلَائِمًا لِتَرْتِيبِ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْأَبِ لِإِنْكَاحِ الصَّغِيرَةِ عَلَيْهِ كَمَا يَتَرَتَّبُ ثُبُوتُ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَى مَا لَهَا عَلَيْهِ (فَإِنَّ عَيْنَ الصِّغَرِ مُعْتَبَرٌ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الصِّغَرِ (فِي وِلَايَةِ الْمَالِ) لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ إجْمَاعٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ بِخِلَافِ اعْتِبَارِهِ فِي غَيْرِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ حَيْثُ تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ مَعَهُ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّهُ لِلصِّغَرِ أَوْ لِلْبَكَارَةِ أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ لَمَّا كَانَ فِي كَوْنِ هَذَا مِثَالًا لِلْمُلَائِمِ نُظِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ أَوَّلًا عَيْنُ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِابْتِدَاءِ جَعْلِ عَيْنِ الْوَصْفِ مُؤَثِّرًا فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَسَقَطَ الْأَصْلُ مِنْهُ فَلَا يَتِمُّ كَوْنُهُ مِثَالًا لَهُ بَلْ هُوَ مِثَالٌ لِلْمُؤَثِّرِ قَالَ (وَصَوَابُ الْمِثَالِ لِلْحَنَفِيَّةِ الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ عَلَى الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ بِالصِّغَرِ) أَيْ ثُبُوتِ وِلَايَةِ إنْكَاحِ الْأَبِ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ قِيَاسًا عَلَى ثُبُوتِ وِلَايَةِ إنْكَاحِهِ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ بِجَامِعِ الصِّغَرِ (وَعَيْنُهُ) أَيْ الصِّغَرِ اُعْتُبِرَ (فِي جِنْسِهَا) أَيْ الْوِلَايَةِ (لِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الصِّغَرِ (إلَخْ) أَيْ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ بِاعْتِبَارِهِ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ لِثُبُوتِهَا لَهُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ (لِأَنَّ إثْبَاتَ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْوَصْفِ عِلَّةٌ (بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فِي الْجِنْسِ) إنَّمَا هُوَ (بِإِظْهَارِهِ) أَيْ اعْتِبَارٍ (فِي) مَحَلٍّ (آخَرَ لَا فِي عَيْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ اعْتِبَارَهُ فِي عَيْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ هُوَ (الْمُؤَثِّرُ) لَا الْمُلَائِمُ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَعَدُّدَ بَيْنَهُمَا وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ التَّقْسِيمُ فَإِنَّهُمَا قَسِيمَانِ وَالْقَسِيمُ مُخَالِفٌ لِلْقَسِيمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الصَّوَابُ فِي الْمِثَالِ فَإِنَّ فِيهِ ظَهَرَتْ ثَلَاثَةُ مَحَالِّ الْأَصْلِ وَهُوَ نِكَاحُ الْبِكْرُ وَالْفَرْعِ وَهُوَ نِكَاحُ الثَّيِّبِ وَمَحَلُّ الْجِنْسِ وَهُوَ الْمَالُ. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَيْضًا أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْجِنْسِ الْجِنْسَ الْمُجَرَّدَ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَلْ مَا ظَهَرَ فِي جُزْئِيٍّ غَيْرِ الْجُزْئِيِّ الَّذِي

هُوَ الْأَصْلُ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَالثَّانِي) أَيْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ مَعَ ثُبُوتِ جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ ثَابِتٌ (فِي حَمْلِ الْحَضَرِ حَالَةَ الْمَطَرِ عَلَى السَّفَرِ فِي الْجَمْعِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ) أَيْ فِي قِيَاسِ الْحَضَرِ حَالَةَ الْمَطَرِ عَلَى السَّفَرِ فِي حُكْمٍ هُوَ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَكْتُوبَتَيْنِ بِوَصْفِ عُذْرِ الْمَطَرِ (وَجِنْسِهِ) أَيْ عُذْرِ الْمَطَرِ (الْحَرَجُ) أَيْ الضِّيقُ يُؤَثِّرُ (فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ) فِي الْحَضَرِ (بِالنَّصِّ عَلَى اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْحَرَجُ (فِي عَيْنِ الْجَمْعِ) فِي السَّفَرِ إذْ الْحَرَجُ جِنْسٌ يَجْمَعُ الْحَاصِلَ بِالسَّفَرِ وَهُوَ خَوْفُ الضَّلَالِ وَالِانْقِطَاعِ وَبِالْمَطَرِ وَهُوَ التَّأَذِّي بِهِ ثُمَّ كَانَ مُرَادُهُمْ بِالنَّصِّ عَلَى اعْتِبَارِ جِنْسِهِ مَا تُعْطِيه قُوَّةً سِيَاقُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (أَمَّا حَرَجُ السَّفَرِ فَبِالثُّبُوتِ مَعَهُ فَقَطْ) أَيْ إنَّمَا اُعْتُبِرَ عَيْنُ حَرَجِ السَّفَرِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ بِمُجَرَّدِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ إذْ لَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى عِلَّةِ نَفْسِ حَرَجِ السَّفَرِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ. قُلْت وَيَطْرُقُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُضَافَ هُوَ مَحَلُّ النَّصِّ) أَيْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ هُوَ الْمُضَافُ إلَى السَّفَرِ يَعْنِي حَرَجَ السَّفَرِ وَلِذَا نِيطَ بِعَيْنِ السَّفَرِ (فَلَا يَتَعَدَّى) حُكْمُ الْأَصْلِ إلَى غَيْرِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَحَلَّ جُزْءٌ مِنْ الْمُعْتَبَرِ فِي حُكْمِهِ (لَا) أَنَّ مَحَلَّ النَّصِّ هُوَ الْحَرَجُ (الْمُطْلَقُ) عَنْ الْإِضَافَةِ (وَإِلَّا تَعَدَّى) هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ جَوَازُ الْجَمْعِ (إلَى ذِي الصَّنْعَةِ الشَّاقَّةِ لِوُجُودِ الْحَرَجِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْإِنَاطَةِ بِالسَّفَرِ) بَلْ كَانَ يُضَافُ إلَى الْجُرْحِ مُطْلَقًا (إذْ لَا خَفَاءَ فِي) الْجُرْحِ (الْمُطْلَقِ) وَلَا فِي انْضِبَاطِهِ أَعْنِي مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَرَجٌ (كَالْإِسْكَارِ فِي الْخَمْرِ) وَالْإِنَاطَةُ بِالسَّفَرِ لَيْسَ إلَّا لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مَا هُوَ الْعِلَّةُ بِالْحَقِيقَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ إنَّمَا أُنِيطَ بِالْحَرَجِ الْمُضَافِ إلَى السَّفَرِ لَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْحَضَرِ فِي الْمَطَرِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِلْمُلَائِمِ الَّذِي اُعْتُبِرَ صِحَّةُ جِنْسِ الْوَصْفِ فِيهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ (وَأَيْضًا فَذَلِكَ) أَيْ دَلَالَةُ ثُبُوتِ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ عَلَى صِحَّةِ اعْتِبَارِ الْعَيْنِ الْمَوْجُودَةِ إنَّمَا يَكُونُ (بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَيْنِ فِي الْمَحَلَّيْنِ) الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ كَالصِّغَرِ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ (وَلَيْسَ الْمَطَرُ) الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ هُنَا (فِي الْأَصْلِ) الَّذِي هُوَ السَّفَرُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْعِ فَقَطْ وَهُوَ الْحَضَرُ فَلَا يُفِيدُ اعْتِبَارَ جِنْسِيَّةِ الْحَرَجِ فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ عَلَيْهِ الْمَطَرُ لِجَوَازِ الْجَمْعِ. قُلْت عَلَى أَنَّ هَذَا مِثَالٌ تَقْدِيرِيٌّ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِلَا عُذْرٍ فِي الْحَضَرِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّخَذَ عَادَةً وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ هَذَا ابْنُ سِيرِينَ وَرَبِيعَةُ وَأَشْهَبُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ خِلَافًا لِعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ تَمَسُّكًا بِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا تُحْرَجَ أُمَّتُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَلِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) كَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي التَّمْثِيلِ الثَّانِي (كَاعْتِبَارِ جِنْسِ الْمَضْمَضَةِ الْمُومَأِ إلَيْهَا فِي عَدَمِ إفْسَادِهَا الصَّوْمَ) فِي حَدِيثِ «عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ هَشَشْتُ فَقَبَّلْت وَأَنَا صَائِمٌ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ ثُمَّ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ مَضْمَضْت بِالْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ قَالَ فَمَهْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ النَّوَوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. . وَقَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحُ إلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ سَعِيدٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَتَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَأَشَارَ الْبَزَّارُ إلَى أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ وَاسْتَنْكَرَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ انْتَهَى وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا وَصَفَهُ بِهِ شَيْخُنَا الْحَافِظِ وَمَعْنَى فَمَهْ أَيْ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ الْمَضْمَضَةُ اُعْتُبِرَ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْإِفْسَادِ وَهُوَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ وَلَا مَجْمَعٌ عَلَيْهِ بَلْ اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ (وَهُوَ) أَيْ جِنْسُهُ (عَدَمُ دُخُولِ شَيْءٍ إلَى الْجَوْفِ) فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ) أَيْ مَا نَحْنُ فِيهِ (الْعِلَّةُ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ بَلْ الِانْتِفَاءُ) لِلْإِفْسَادِ (لِانْتِفَاءِ ضِدِّ الرُّكْنِ) لِلصَّوْمِ وَهُوَ أَعْنِي ضِدَّهُ دُخُولُ شَيْءِ إلَى الْجَوْفِ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا (مِنْ الْعَيْنِ) أَيْ اعْتِبَارِ عَيْنِ الْوَصْفِ وَهُوَ عَدَمُ دُخُولِ شَيْءٍ إلَى

الْجَوْفِ (فِي الْعَيْنِ) أَيْ عَيْنِ الْحُكْمِ وَهُوَ عَدَمُ إفْسَادِ الصَّوْمِ فَهُوَ مِنْ مِثْلِ الْمُؤَثِّرِ (وَالثَّالِثُ) أَيْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ مَعَ ثُبُوتِ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ (كَالْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ) أَيْ كَقِيَاسِهِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَتْلِ (بِالْمُحَدَّدِ) فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ (بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ) أَيْ بِهَذَا الْجَامِعِ كَمَا عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَجِنْسِهِ) أَيْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ (الْجِنَايَةُ عَلَى الْبِنْيَةِ) لِلْإِنْسَانِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ (فِي جِنْسِ) أَيْ جِنْسِ هَذَا الْحُكْمِ أَيْ (الْقِصَاصِ) كَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَيْسَ) مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (فَإِنَّهُ مِنْ الْمُؤَثِّرِ) لِأَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ بِهِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا وَجْهُ التَّفْتَازَانِيِّ كَوْنُهُ مِنْ الْمُلَائِمِ دُونَ الْمُؤَثِّرِ بِتَوْجِيهٍ غَيْرِ وَجِيهٍ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ (فَقِيلَ لَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ) فِي الْأَصْلِ (الْقَتْلُ وَحْدَهُ أَوْ) الْقَتْلُ (مَعَ قَيْدِ كَوْنِهِ بِالْمُحَدَّدِ) وَإِلَى دَفْعِهِ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ (وَلَوْ صَحَّ) هَذَا الْكَلَامُ (لَزِمَ انْتِفَاءُ الْمُؤَثِّرِ لِتَأَتِّيهِ) أَيْ مِثْلِ هَذَا (فِي كُلِّ وَصْفٍ مَنْصُوصٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَيْدٍ بِفَرْضٍ) وَهُوَ أَنَّ الْوَصْفَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنَاطُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ ذَلِكَ الْقَيْدِ الَّذِي يُفْرَضُ (فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا قُلْنَا) ذَلِكَ أَيْ أَنَّ الْوَصْفَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَنَاطُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْقَيْدِ الَّذِي يُبْدِيه النَّاظِرُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُعْتَبَرًا بِالنَّصِّ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ (إذَا قَالَ بِالْقَيْدِ) الَّذِي يُفْرَضُ (مُجْتَهِدٌ وَلَيْسَ) هَذَا بِمُتَأَتٍّ (فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي كُلِّ أَمْثِلَةِ الْمُؤَثِّرِ (قُلْنَا إنْ سَلَّمَ) أَنَّ إبْدَاءَ قَيْدٍ يُفْرَضُ إنَّمَا يَمْنَعُ كَوْنَ الْوَصْفِ لَا مَعَ ذَلِكَ الْقَيْدِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَنَاطُ إيَّاهُ مَعَ ذَلِكَ الْقَيْدِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَالَ بِذَلِكَ الْقَيْدِ مُجْتَهِدٌ (فَمُنْتَفٍ) أَيْ فَهَذَا الشَّرْطُ مُنْتَفٍ (فِي الْمِثَالِ) الْمَذْكُورِ (فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَعْتَبِرْ فِي الْعِلَّةِ) أَيْ فِي كَوْنِ الْقَتْلِ عِلَّةً لِلْقِصَاصِ (سِوَاهُ) أَيْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ أَبَا حَنِيفَةَ (يَقُولُ انْتَفَتْ الْعِلَّةُ) فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ (بِانْتِفَاءِ دَلِيلِ الْعَمْدِيَّةِ) وَهُوَ الْقَتْلُ بِمَا لَا يَلْبَثُ مِمَّا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ لِأَنَّ الْعَمْدِيَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ وَاسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْمُفَرِّقَةِ لِلْأَجْزَاءِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ فَأُقِيمَ مَقَامَ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الْقَصْدِ بِخِلَافِ اسْتِعْمَالِ غَيْرِهَا مِمَّا لَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ بَلْ يُرْضِهَا فَالْإِجْمَاعُ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ عِلَّةٌ لِلْقِصَاصِ أَيْضًا كَالنَّصِّ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا يَدُلُّ عَلَى الْعَمْدِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَلِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي التَّمْثِيلِ لِلثَّالِثِ (الطَّوْفُ فِي طَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ) اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ (وَجِنْسِهِ) أَيْ الطَّوْفِ (لِضَرُورَةٍ أَيْ الْحَرَجِ فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الطَّهَارَةُ أَيْ (التَّخْفِيفِ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ (عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ النَّصِّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَيْنِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الطَّوْفُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَهُوَ (كَاَلَّذِي قَبْلَهُ) مِنْ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُؤَثِّرِ كَمَا ذَكَرَ أَوَّلًا (وَالْغَرِيبُ مَا) أَيْ وَصْفٌ (لَمْ يَثْبُتْ) فِيهِ (سِوَى الْعَيْنُ) أَيْ سِوَى اعْتِبَارِ الشَّارِعِ عَيْنَهُ (مَعَ الْعَيْنِ) أَيْ عَيْنِ الْحُكْمِ بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَقَطْ (فِي الْمَحَلِّ كَالْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فِي حِرْمَانِ الْقَاتِلِ) الْإِرْثَ مِنْ مَقْتُولِهِ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْفَ أَعْنِي الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ (ثَبَتَ) الْحُكْمُ وَهُوَ حِرْمَانُ الْقَاتِلِ (مَعَهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (فِي الْأَصْلِ) أَيْ قَتْلِ الْوَارِثِ مُورِثَهُ (وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى اعْتِبَارِ عَيْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (أَوْ) عَلَى اعْتِبَارِ (جِنْسِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ (لِيَلْحَقَ بِهِ) أَيْ بِالْفِعْلِ فِعْلًا مُحَرَّمًا لِغَرَضٍ فَاسِدٍ (الْفَارُّ) مِنْ تَوْرِيثِ زَوْجَتِهِ مِنْهُ بِطَلَاقِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَيُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَطْلُوبِهِ كَمَا هُنَاكَ ثُمَّ قَدْ كَانَ فِي النُّسْخَةِ مَكَانٌ ثَبَتَ مَعَهُ فِي الْأَصْلِ ثَبَتَ مَعَهُ فِي الْجُمْلَةِ فَقَالَ هُنَا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ (وَقَوْلُنَا فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ الْمَحْرُومُ (قَدْ ثَبَتَ مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْحِرْمَانُ (فِيمَا لَمْ يَقْصِدْ الْمَالَ) أَيْ أَخْذِهِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ أَجْنَبِيًّا وَلَيْسَ بِزَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ فَإِنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ فَرْعُ مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرِثُ مِنْهُ (وَبِالثُّبُوتِ) أَيْ ثُبُوتِ الْوَصْفِ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ (بَعْدَ مَا قِيلَ) أَيْ مَا قَالَهُ غَيْرُ

وَاحِدٍ أَنَّ هَذَا (إنَّمَا هُوَ مِثَالُ غَرِيبِ الْمُرْسَلِ) الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ إلْغَاؤُهُ وَلَا اعْتِبَارُهُ كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا وَحَيْثُ كَانَ ذَاكِرًا وَجْهَ التَّقْيِيدِ بِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَإِذَنْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ (وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُمْكِنُ فِي الْأَصْلِ اعْتِبَارَانِ الْقَتْلُ) فِي الْوَصْفِ (وَالْحِرْمَانُ) فِي الْحُكْمِ (فَيَكُونُ) الْوَصْفُ مُنَاسِبًا (مُؤَثِّرًا) فِي الْحُكْمِ. فَإِنْ عَيَّنَ الْوَصْفَ اُعْتُبِرَ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مُرْسَلًا (أَوْ الْمُحَرَّمُ) فِي الْوَصْفِ (وَنَقِيضُ قَصْدِهِ) أَيْ الْفَاعِلِ فِي الْحُكْمِ (وَيَتَعَيَّنُ) هَذَا الِاعْتِبَارُ الثَّانِي (فِي الْمِثَالِ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ (اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِيهِمَا) أَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (إذْ هُوَ) أَيْ الْحُكْمُ (فِي الْأَصْلِ عَدَمُ الْمِيرَاثِ وَالْفَرْعِ الْمِيرَاثُ) فَلَا يَكُونُ مِنْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ (فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ) الْوَصْفُ مَعَ الْحُكْمِ (أَصْلًا فَالْمُرْسَلُ وَيَنْقَسِمُ) الْمُرْسَلُ (إلَى مَا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ (كَصَوْمِ الْمَلِكِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِمَشَقَّتِهِ) أَيْ الصَّوْمِ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ إعْتَاقِهِ) فَإِنَّهُ سَهْلٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ إيجَابَ الصِّيَامِ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَهَذَا الْقِسْمُ الْمُرْسَلُ الْمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ (وَمَا لَمْ يُعْلَمْ) إلْغَاؤُهُ (وَلَمْ يُعْلَمْ اعْتِبَارُ جِنْسِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (أَوْ) لَمْ يُعْلَمْ اعْتِبَارُ (عَيْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (أَوْ) لَمْ يُعْلَمْ اعْتِبَارُ (قَلْبِهِ) أَيْ جِنْسِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي (الْغَرِيبُ الْمُرْسَلُ وَهُمَا) أَيْ هَذَانِ الْقِسْمَانِ (مَرْدُودَانِ اتِّفَاقًا وَأُنْكِرَ عَلَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى) تِلْمِيذِ الْإِمَامِ مَالِكٍ (إفْتَاؤُهُ) بَعْضَ مُلُوكِ الْمَغْرِبِ فِي كَفَّارَةٍ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِحُكْمِ مَا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ وَهُوَ الصَّوْمُ (بِخِلَافِ الْحَنَفِيِّ) أَيْ إفْتَاءِ مَنْ أَفْتَى مِنْ الْحَنَفِيَّةِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ وَلِي خُرَاسَانَ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ بِالصَّوْمِ (مُعَلِّلًا) تَعَيُّنَ الصَّوْمِ عَلَيْهِ (بِفَقْرِهِ لِتَبِعَاتِهِ) أَيْ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ التَّبِعَاتِ فَوْقَ مَا لَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا (وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّعْلِيلُ (ثَانِي تَعْلِيلَيْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى حَكَاهُمَا بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ) الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ ابْنُ عَرَفَةَ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ مُتَّجَهٌ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمُنَاسِبِ الْمَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ فَلْيَكُنْ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ عِلَاوَةٌ فَلَا يَضُرُّ بُطْلَانُهُ (وَمَا عُلِمَ اعْتِبَارُ أَحَدِهَا) أَيْ جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ أَوْ عَيْنِهِ فِي جِنْسِهِ أَوْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِهِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ (الْمُرْسَلُ الْمُلَائِمُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ قَبُولُهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ وَذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمَا وَالسُّبْكِيُّ أَنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْ مَالِكٍ اعْتِبَارُ جِنْسِ الْمَصَالِحِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَهِي إلَى مَقَالَةِ مَالِكٍ وَلَا يَسْتَجِيزُ التَّنَائِيَ وَالْإِفْرَاطَ فِي الْبُعْدِ وَإِنَّمَا يُسَوِّغُ تَعْلِيقَ الْأَحْكَامِ بِمَصَالِحَ يَرَاهَا شَبِيهَةً بِالْمَصَالِحِ الْمُعْتَبَرَةِ وِفَاقًا وَبِالْمَصَالِحِ الْمُسْتَنَدَةِ إلَى أَحْكَامٍ ثَابِتَةِ الْأُصُولِ تَارَةً فِي الشَّرِيعَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَخْتَارُ نَحْوَ ذَلِكَ (وَشَرَطَ الْغَزَالِيُّ) فِي قَبُولِهِ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ (كَوْنَ مَصْلَحَتِهِ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً أَيْ ظَنًّا يَقْرُبُ مِنْهُ) وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ مَعَ أَنَّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ الظَّنُّ الْقَرِيبُ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِهَا فِي الْمِثَالِ الْآتِي مَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ (كُلِّيَّةً) كَمَا لَوْ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي حَرْبِهِمْ وَعَلِمْنَا أَنَّا إنْ لَمْ نَرْمِ التُّرْسَ اسْتَأْصَلُوا الْمُسْلِمِينَ الْمُتَتَرَّسِ بِهِمْ وَغَيْرِهِمْ بِالْقَتْلِ وَإِنْ رَمَيْنَا التُّرْسَ سَلِمَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ قَتْلُ مُسْلِمٍ بِلَا ذَنْبٍ لِحِفْظِ بَاقِي الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ لِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الشَّرْعَ يَقْصِدُ تَقْلِيلَ الْقَتْلِ كَمَا يَقْصِدُ حَسْمَ سَبِيلِهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَنَحْنُ إنْ لَمْ نَقْدِرْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْحَسْمِ فَقَدْ قَدَرْنَا عَلَى التَّقْلِيلِ فَكَانَ هَذَا الْتِفَاتًا إلَى مَصْلَحَةٍ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ كَوْنُهَا مَقْصُودَةً بِالشَّرْعِ لَا بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ بَلْ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ وَلَكِنْ يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ قَتْلُ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ فَيَنْقَدِحُ اعْتِبَارُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ كَوْنُهَا ضَرُورِيَّةً لِتَعَلُّقِهَا بِحِفْظِ الدِّينِ وَالنَّفْسِ قَطْعِيَّةً أَيْ ظَنِّيَّةً ظَنًّا قَرِيبًا مِنْ الْقَطْعِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لِجَوَازِ دَفْعِهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ رَمْيِهِمْ كُلِّيَّةً لِتَعَلُّقِهَا بِبَيْضَةِ الْإِسْلَامِ لَا أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِبَعْضٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا وَجَبَ قَبُولُهُ عِنْدَ وُجُودِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ يَلْزَمُ الْإِخْلَالُ بِمَا هُوَ مَقْصُودٌ

ضَرُورِيٌّ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ حِفْظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ عُمُومًا. وَمِنْ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ الشَّرْعَ يُؤْثِرُ الْكُلِّيَّ عَلَى الْجُزْئِيِّ وَأَنَّ حِفْظَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَهَمُّ مِنْ حِفْظِ دَمِ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ وَالدَّلِيلُ أَنَّ التُّرْسَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْمُلَائِمِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ الْجِنْسَ الْقَرِيبَ لِهَذَا الْوَصْفِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ لِهَذَا الْحُكْمِ إذْ لَمْ يُعْلَمْ فِي الشَّرْعِ إبَاحَةُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِعِلَّةٍ مِنْ الْعِلَلِ لَكِنَّهُ اعْتَبَرَ جِنْسَهُ الْبَعِيدَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ وُجِدَ اعْتِبَارُ الضَّرُورَةِ فِي الرُّخْصَةِ فِي اسْتِبَاحَةِ الْمُحَرَّمَاتِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا اعْتِبَارٌ لِلْجِنْسِ الْأَبْعَدِ مِنْ الْوَصْفِ أَعْنِي الْأَعَمَّ مِنْ ضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفْسِ وَهُوَ مُطْلَقُ الضَّرُورَةِ وَالْأَبْعَدُ غَيْرُ كَافٍ فِي الْمُلَاءَمَةِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَعِيدُ هُنَا الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ ضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفْسِ فَضْلًا عَنْ مُطْلَقِ الضَّرُورَةِ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ ضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفْسِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ هُنَا الْأَخَصُّ مِنْهَا وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَفِي التَّلْوِيحِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ حُصُولَ الْمَنْعِ الْكَثِيرِ فِي تَحَمُّلِ الضَّرَرِ الْيَسِيرِ وَجَمِيعُ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ هَذَا وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ بَلْ يَمْتَنِعُ لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا إنَّمَا يَكُونُ بِغَالِبِ الرَّأْيِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَغِيبٌ عَنَّا لَا بِالْيَقِينِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُدَارُ عَلَى وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ (فَلَا يُرْمَى الْمُتَتَرِّسُونَ بِالْمُسْلِمِينَ لِفَتْحِ حِصْنٍ) لِأَنَّ فَتْحَهُ لَيْسَ ضَرُورِيًّا (وَلَا) يُرْمَى الْمُتَتَرِّسُونَ بِالْمُسْلِمِينَ (لِظَنِّ اسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ) ظَنًّا بَعِيدًا مِنْ الْقَطْعِ لِانْتِفَاءِ الْقَطْعِ وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ (وَلَا يُرْمَى بَعْضُ أَهْلِ السَّفِينَةِ لِنَجَاةِ بَعْضٍ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كُلُّ الْأُمَّةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَاحْتِمَالُ كَوْنِ الْمَصْلَحَةِ فِي بَقَاءِ مَنْ أَبْقَى (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ (الْمُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ ) لِإِرْسَالِهَا أَيْ إطْلَاقِهَا عَمَّا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهَا أَوْ إلْغَائِهَا شَرْعًا (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (رَدُّهُ) مُطْلَقًا (إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الِاعْتِبَارِ) أَيْ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ إيَّاهُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ إذَا قِيلَ بِهِ (دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فَوَجَبَ رَدُّهُ) فَانْتَفَى تَخْصِيصُ رَدِّهِ بِكَوْنِهِ فِي الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِيهَا لِلْمَصْلَحَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَالْبَيْعِ وَالْحَدِّ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِهِ (فَتَخْلُو وَقَائِعُ) مِنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى تَقْدِيرِ رَدِّهَا وَخُلُوُّهَا مِنْهُ بَاطِلٌ. (قُلْنَا نَمْنَعُ الْمُلَازَمَةَ لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ وَالْأَقْيِسَةَ شَامِلَةٌ) لِتِلْكَ الْوَقَائِعِ (وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ شُمُولِهَا لَهَا (فَنَفْيُ كُلِّ مُدْرَكٍ خَاصٍّ) لِلدَّلِيلِ الْخَاصِّ (حُكْمُهُ) أَيْ ذَلِكَ النَّفْيِ (الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ فَلَمْ تَخْلُ) تِلْكَ الْوَقَائِعُ (عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ) أَيْ وَخُلُوُّهَا هُوَ (الْمُبْطِلُ فَظَهَرَ) مِمَّا تَقَدَّمَ (اشْتِرَاطُ لَفْظِ الْغَرِيبِ وَالْمُلَائِمِ بَيْنَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأُوَلِ لِلْمُنَاسِبِ وَالثَّوَانِي لِلْمُرْسَلِ وَسَنَذْكُرُ أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ قَبُولُ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ) أَيْ الْمُلَائِمِ (مِنْ الْمُرْسَلِ فَاتِّفَاقُهُمْ) أَيْ الْعُلَمَاءِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُمْ نَفْيَ الْمُرْسَلِ إنَّمَا هُوَ (فِي نَفْيِ الْأَوَّلِينَ) مَا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ وَالْغَرِيبُ الْمُرْسَلُ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا يَقْتَضِيه سَوْقُ الْكَلَامِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِيهِ وَاَلَّذِي فِي تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ لِلْقَرَافِيِّ أَنَّ مَا جُهِلَ حَالُهُ مِنْ الْإِلْغَاءِ وَالِاعْتِبَارِ هُوَ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ الَّتِي تَقُولُ بِهَا الْمَالِكِيَّةُ وَيُوَافِقُهُ تَفْسِيرُ الْإِسْنَوِيِّ بِالْمُنَاسِبِ الْمُرْسَلِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِهَذَا وَمَشَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ ثُمَّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الْآمِدِيُّ إنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالثَّانِي أَنَّهُ حُجَّةٌ مُطْلَقًا وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَدْ نُقِلَ أَيْضًا عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَصَالِحُ شَبِيهَةً بِالْمَصَالِحِ الْمُعْتَبَرَةِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ رَأْيُ الْغَزَالِيِّ وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً اُعْتُبِرَتْ وَإِلَّا فَلَا اهـ فَجَعَلَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا جُهِلَ حَالُهُ مِنْ الِاعْتِبَارِ وَعَدَمِهِ مَرْدُودٌ اتِّفَاقًا مَحَلَّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُرْسَلِ الْمُلَائِمِ نَعَمْ نِسْبَةُ الْإِسْنَوِيِّ ابْنَ الْحَاجِبِ إلَى أَنَّهُ قَالَ فِيمَا جُهِلَ حَالُهُ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي سَبِيلِ الْمُلَائِمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَجَعَلَ الْآمِدِيُّ الْخَارِجِيَّ) أَيْ الْمُحَقَّقَ فِي الْخَارِجِ (مِنْ الْمُلَائِمِ) قِسْمًا (وَاحِدًا) وَهُوَ مَا اُعْتُبِرَ فِيهِ خُصُوصُ الْوَصْفِ فِي خُصُوصِ الْحُكْمِ وَعُمُومِهِ

فِي عُمُومِهِ (قَالَ) (الْمُنَاسِبُ إنْ) كَانَ (مُعْتَبَرًا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ) (فَالْمُؤَثِّرُ وَإِلَّا فَإِنْ) كَانَ مُعْتَبَرًا (بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ فَتِسْعَةٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ خُصُوصُ الْوَصْفِ أَوْ عُمُومُهُ أَوْ خُصُوصُهُ وَعُمُومُهُ) مَعًا (فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ أَوْ عَيْنِهِ وَجِنْسِهِ) جَمِيعًا (ثُمَّ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ إلْغَاؤُهُ أَوْ لَا) فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْأَقْسَامِ (وَالْوَاقِعُ مِنْهَا فِي الشَّرْعِ لَا يَزِيدُ عَلَى خَمْسَةٍ مَا اُعْتُبِرَ خُصُوصُ الْوَصْفِ فِي خُصُوصِ الْحُكْمِ وَعُمُومُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (فِي عُمُومِهِ) أَيْ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ (وَيُسَمَّى الْمُلَائِمَ كَقَتْلِ الْمُثْقَلِ إلَخْ) أَيْ كَقِيَاسِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ بِجَامِعِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَقَدْ ظَهَرَ تَأْثِيرُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ الْقَتْلِ فِي الْمُحَدَّدِ وَتَأْثِيرُ جِنْسِهِ وَهُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَعْصُومِ بِالْقَوَدِ فِي جِنْسِ الْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ الْقِصَاصُ فِي الْأَيْدِي فَهَذَا هُوَ الْأَوَّلُ. قَالَ الْآمِدِيُّ وَهَذَا الْقِسْمُ مُتَّفَقٌ عَلَى قَبُولِهِ بَيْنَ الْقَائِسِينَ وَمَا عَدَاهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ (وَمَا اُعْتُبِرَ الْخُصُوصُ) فِي الْخُصُوصِ (فَقَطْ) لَكِنْ (لَا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ الْغَرِيبُ كَالْإِسْكَارِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لَوْ لَمْ يَنُصَّ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ النَّصِّ (إنَّمَا عَلَى عَيْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (فِي عَيْنِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (إذْ لَمْ يَظْهَرْ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ (وَلَا) اعْتِبَارُ (جِنْسِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (أَوْ عَيْنِهِ) أَيْ الْحُكْمِ فَهَذَا هُوَ الثَّانِي (وَمَا اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (فَقَطْ وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ وَهَذَا مِنْ جِنْسِ الْمُنَاسِبِ الْغَرِيبِ إلَّا أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمَ (دُونَ مَا سَبَقَ وَذَلِكَ كَاعْتِبَارِ جِنْسِ الْمَشَقَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْمُسَافِرِ فِي جِنْسِ التَّخْفِيفِ الْمُتَنَاوِلِ لِإِسْقَاطِ الصَّلَاةِ) أَصْلًا (وَ) إسْقَاطِ (الرَّكْعَتَيْنِ) مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَهَذَا هُوَ الثَّالِثُ (وَمَا لَمْ يَثْبُتْ) اعْتِبَارُهُ وَلَا إلْغَاؤُهُ (كَالتَّتَرُّسِ) أَيْ تَتَرُّسِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ سَبَقَ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ الْمُرْسَلُ فَهَذَا هُوَ الرَّابِعُ (أَوْ) الْمُنَاسِبُ الَّذِي (ثَبَتَ إلْغَاؤُهُ) وَلَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُهُ كَمَا فِي إيجَابِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَلَى الْمِلْكِ فِي كَفَّارَةٍ لِفِطْرٍ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا هُوَ الْخَامِسُ (ثُمَّ جِنْسُ كُلٍّ) مِنْ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ (قَرِيبٌ) أَيْ سَافِلٌ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَاسِطَةٌ (وَبَعِيدٌ) أَيْ عَالٍ وَهُوَ جِنْسٌ تَحْتَهُ جِنْسٌ لَيْسَ فَوْقَهُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ مِنْ الْأَجْنَاسِ (وَمُتَوَسِّطٌ) بَيْنَهُمَا وَهُوَ جِنْسٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَمَّا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ (فَالْعَالِي) مِنْ الْحُكْمِ (الْحُكْمُ ثُمَّ الْوُجُوبُ وَأَحَدُ مُقَابِلَاتِهِ) مِنْ التَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ (ثُمَّ الْعِبَادَةُ) فِي الْعِبَادَاتِ (أَوْ الْمُعَامَلَةُ) فِي الْمُعَامَلَاتِ (ثُمَّ الصَّلَاةُ) فِي الْعِبَادَاتِ (أَوْ الْبَيْعُ) فِي الْمُعَامَلَاتِ (ثُمَّ الْمَكْتُوبَةُ أَوْ النَّافِلَةُ) فِي الْعِبَادَاتِ (أَوْ الْبَيْعُ بِشَرْطِهِ) فِي الْمُعَامَلَاتِ (عَلَى تَسَاهُلٍ) فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ (لَا يَخْفَى لِأَنَّهَا) أَيْ الْعِبَادَةَ وَمَا بَعْدَهَا (أَفْعَالٌ لَا أَحْكَامٌ وَالْوَصْفُ) أَيْ وَالْجِنْسُ الْعَالِي مِنْهُ (كَوْنُهُ وَصْفًا يُنَاطُ بِهِ الْأَحْكَامُ ثُمَّ الْمُنَاسِبُ ثُمَّ الْمَصْلَحَةُ الضَّرُورِيَّةُ ثُمَّ حِفْظُ النَّفْسِ أَوْ مُقَابِلَاتُهُ) أَيْ حِفْظُ الدِّينِ وَحِفْظُ الْعَقْلِ وَحِفْظُ النَّسَبِ وَحِفْظُ الْمَالِ. وَهَذَا جِنْسٌ سَافِلٌ لَهُ وَمَا بَيْنَهُمَا أَجْنَاسٌ مُتَوَسِّطَةٌ (وَمِثْلُ الْوَصْفِ أَيْضًا) فِي تَرَتُّبِ أَجْنَاسِهِ (بِعَجْزِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْعَاقِلِ وَعَجْزِ الْمَجْنُونِ نَوْعَانِ) مِنْ الْعَجْزِ (جِنْسُهُمَا الْعَجْزُ لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَفَوْقَهُ) أَيْ الْعَجْزِ لِعَدَمِ الْعَقْلِ (الْعَجْزُ لِضَعْفِ الْقُوَى أَعَمُّ مِنْ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمَرِيضَ) وَفَوْقَهُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ الْعَجْزُ النَّاشِئُ عَنْ الْفَاعِلِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ عَلَى مَا يَشْتَمِلُ الْمَحْبُوسَ وَفَوْقَهُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ الْعَجْزُ النَّاشِئُ عَنْ الْفَاعِلِ عَلَى مَا يَشْتَمِلُ الْمُسَافِرَ أَيْضًا وَفَوْقَهُ مُطْلَقُ الْعَجْزِ الشَّامِلِ لِمَا يَنْشَأُ عَنْ الْفَاعِلِ وَعَنْ مَحَلِّ الْفِعْلِ وَعَنْ الْخَارِجِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ فَهَذَا هُوَ الْجِنْسُ الْعَالِي بِالنِّسْبَةِ إلَى عَجْزِ الْإِنْسَانِ وَتَحْتَهُ أَجْنَاسٌ مُتَوَسِّطَةٌ وَهِيَ الْعَجْزُ النَّاشِئُ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْعَجْزُ النَّاشِئُ عَنْ مَحَلِّ الْفِعْلِ وَالْعَجْزُ النَّاشِئُ عَنْ الْخَارِجِ وَتَحْتَ كُلٌّ مِنْهُمَا جِنْسٌ مَثَلًا تَحْتَ الْعَجْزِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَاعِلِ مُطْلَقًا جِنْسٌ هُوَ الْعَجْزُ النَّاشِئُ عَنْ الْفَاعِلِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ وَتَحْتَهُ جِنْسٌ هُوَ الْعَجْزُ بِسَبَبِ ضَعْفِ الْقُوَى وَتَحْتَهُ جِنْسٌ أَيْضًا هُوَ الْعَجْزُ بِسَبَبِ عَدَمِ الْعَقْلِ وَتَحْتَهُ نَوْعٌ هُوَ عَجْزُ الصَّبِيِّ وَعَجْزُ الْمَجْنُونِ وَيُقَابِلُ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ حُكْمٌ فَيَتَعَلَّقُ بِالْعَجْزِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْعَقْلِ حُكْمٌ هُوَ

سُقُوطُ مَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَالْعِبَادَاتِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْعَجْزِ بِسَبَبِ ضَعْفِ الْقُوَى حُكْمٌ هُوَ سُقُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْعَجْزِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَاعِلِ بِدُونِ اخْتِبَارِهِ حُكْمٌ هُوَ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْعَجْزِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَاعِلِ مُطْلَقًا حُكْمٌ هُوَ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالتَّرَخُّصُ بِقَصْرِ الصَّلَاةِ وَيَتَعَلَّقُ بِمُطْلَقِ الْعَجْزِ حُكْمٌ فِيهِ تَخْفِيفٌ فِي الْجُمْلَةِ لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ الْحَرَجِ وَالضَّرَرِ (وَلَا يُشْكِلُ أَنَّ الظَّنَّ بِاعْتِبَارِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ أَقْوَى لِكَثْرَةِ مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ) فِي الْأَقْرَبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبْعَدِ مَثَلًا مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَسَّاسُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ النَّامِي وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّامِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْجِسْمُ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْجِسْمُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْحَيَوَانُ فَمَا يُشَارِكُ الْإِنْسَانَ فِي الْحَيَوَانِيَّةِ يُشَارِكُهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِخِلَافِ مُشَارِكِهِ فِي الْجِسْمِيَّةِ أَوْ النُّمُوِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَقْوَى الْأَوْصَافِ فِي الْعَلِيَّةِ السَّافِلُ وَأَضْعَفَهَا الْعَالِي وَالْمُتَوَسِّطَات مُتَرَتِّبَةٌ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ بِحَسَبِ تَرَتُّبِهَا فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ فَمَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى السَّافِلِ فَهُوَ أَقْوَى مِمَّا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعَالِي. (وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْمُلَائِمِ (شَهَادَةَ الْأُصُولِ) مُرِيدِينَ بِهَا بَعْدَ أَنْ يُقَابِلَ الْوَصْفَ بِقَوَانِينَ الشَّرْعِ فَيُطَابِقَهَا (سَلَامَتُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (مِنْ إبْطَالِهِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ تَخَلُّفٍ) لِلْحُكْمِ الْمَنُوطِ بِهِ (عَنْهُ) فِي بَعْضِ صُوَرِ وُجُودِهِ (أَوْ وُجُودِ وَصْفٍ يَقْتَضِي ضِدَّ مُوجِبِهِ) مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنَفْسِ الْوَصْفِ (كَلَا زَكَاةَ فِي ذُكُورِ الْخَيْلِ فَلَا) زَكَاةَ (فِي إنَاثِهَا بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ بِالتَّسْوِيَةِ) بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي سَائِرِ السَّوَائِمِ فِي الزَّكَاةِ وُجُوبًا وَسُقُوطًا لِأَنَّ الْأُصُولَ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَلَى أَحْكَامِهِ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيَكُونُ الْعَرْضُ عَلَيْهَا وَامْتِنَاعُهَا مِنْ رَدِّهِ دَلِيلُ عَدَالَتِهِ كَالْعَرْضِ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَسُكُوتِهِ عَنْ الرَّدِّ ثُمَّ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْعَرْضِ عَلَى كُلِّ الْأُصُولِ لِأَنَّ احْتِمَالَ النَّقْضِ وَالْمُعَارَضَةِ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِهِ. وَقِيلَ أَدْنَى مَا يَجِبُ الْعَرْضُ عَلَيْهِ أَصْلَانِ لِأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَصْلَيْنِ كَمَا فِي الِاقْتِصَارِ فِي تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ عَلَى اثْنَيْنِ قُلْت وَرَدُّ الْأَوَّلِ لَا شَكَّ فِيهِ لِإِسْقَاطِ الشَّارِعِ الْحَرَجَ فِي الْمُتَعَسِّرِ وَسُقُوطِ التَّكْلِيفِ بِالْمُتَعَذِّرِ عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمَنْ شَرَطَ الْعَرْضَ عَلَى كُلِّ الْأُصُولِ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ الْعَمَلِ بِلَا دَلِيلٍ لِأَنَّهُ وَإِنْ اسْتَقْصَى فِي الْعَرْضِ فَالْخَصْمُ يَقُولُ وَرَاءَ هَذَا أَصْلٌ آخَرُ هُوَ مُعَارِضٌ أَوْ نَاقِضٌ لَا يَدَّعِيه فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَقُمْ عِنْدِي دَلِيلُ النَّقْضِ وَالْمُعَارَضَةِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ حَيْثُ كَانَ الْعَرْضُ تَزْكِيَةً أَوْ كَالتَّزْكِيَةِ فِي الشَّاهِدِ فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِالْعَرْضِ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ كَمَا يَكْتَفِي فِي تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ بِالْوَاحِدِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا إنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِمَا يَعْرِضُ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ التَّزْكِيَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اثْنَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَأَجَابَ مَشَايِخُنَا بِأَنَّ عَدَالَةَ الْوَصْفِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالتَّأْثِيرِ وَالْفَرْضُ ظُهُورُهُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْأُصُولِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّعْدِيلُ وَالْأُصُولُ شُهُودٌ لِلْحُكْمِ كَمَا تُوصَفُ الْعِلَلُ بِالْحُكْمِ لَا مُزَكُّونَ فَهِيَ كَثْرَةُ نَظَائِرَ وَذِكْرُ النَّظَائِرِ لَهُ لَا يُحْدِثُ لَهُ قُوَّةً كَالشَّاهِدِ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ أَفْعَالُهُ لَا تَظْهَرُ بِهِ عَدَالَتُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ) قَائِلُونَ (التَّعْلِيلُ بِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ) أَيْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ وَفِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ وَفِي الْعَيْنِ (مَقْبُولٌ فَإِنْ) كَانَ التَّعْلِيلُ (بِمَا عَيْنُهُ أَوْ جِنْسُهُ) مُؤَثِّرٌ (فِي عَيْنِ الْحُكْمِ فَقِيَاسٌ اتِّفَاقًا لِلُزُومِ أَصْلِ الْقِيَاسِ) فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ وَيُقَالُ لِمَا تَأْثِيرُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ إنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ الَّذِي رُبَّمَا يُقِرُّ بِهِ مُنْكِرٌ وَالْقِيَاسُ إذْ لَا فَرْقَ إلَّا بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ عَيْنُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ (فَقَدْ) يَكُونُ قِيَاسًا (بِأَنْ يَكُونَ) مَا عَيْنُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَكُونُ (الْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ أَيْضًا) فَيُسْتَدْعَى أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ (فَيَكُونُ مُرَكَّبًا) . وَكَذَا مَا جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ قَدْ يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ فِي عَيْنِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَصْلٌ فَيَكُونُ قِيَاسًا وَقَدْ لَا فَيَكُونُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُرْسَلِ

الَّتِي يَجِبُ قَبُولُهَا لِلْحَنَفِيَّةِ إذْ كُلٌّ مِنْ أَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَقْسَامِ الْمُؤَثِّرِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ) السَّرَخْسِيُّ قَالَ الْأَصَحُّ عِنْدِي (الْكُلُّ قِيَاسٌ دَائِمًا لِأَنَّ مِثْلَهُ) أَيْ هَذَا الْوَصْفِ (لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلِ قِيَاسٍ) فِي الشَّرْعِ لَا مَحَالَةَ (إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُتْرَكُ لِظُهُورِهِ) كَمَا قُلْنَا فِي إيدَاعِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِهَذَا الْوَصْفِ يَكُونُ مَقِيسًا عَلَى أَصْلٍ وَاضِحٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَبَاحَ الصَّبِيَّ طَعَامًا فَتَنَاوَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ بِالْإِبَاحَةِ سَلَّطَهُ عَلَى تَنَاوُلِهِ فَتَرَكْنَا ذِكْرَ هَذَا الْأَصْلِ لِوُضُوحِهِ وَرُبَّمَا لَا يَقَعُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ فَيُذْكَرُ كَمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي طَوْلِ الْحُرَّةِ إنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأَمَةِ: إنَّ كُلَّ نِكَاحٍ يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ الْحُرِّ كَنِكَاحِ الْحُرَّةِ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَعْنًى مُؤَثِّرٍ وَهُوَ أَنَّ الرِّقَّ يُنَصِّفُ الْحِلَّ الَّذِي يَبْتَنِي عَلَيْهِ عَقْدُ النِّكَاحِ شَرْعًا وَلَا يُبَدِّلُهُ بِحِلٍّ آخَرَ فَيَكُونُ الرَّقِيقُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ ذَلِكَ الْحِلُّ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ الْغُمُوضِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِ الْأَصْلِ (وَعَلَى هَذَا) الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ (لَا بُدَّ فِي التَّعْلِيلِ مُطْلَقًا مِنْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْجِنْسِ فِيهِ) أَيْ الْعَيْنِ (فَإِنَّ أَصْلَ الْقِيَاسِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِذَلِكَ) أَيْ بِتَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ (فَلَا يُعَلَّلُ بِالْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ تَعْلِيلًا بَسِيطًا أَصْلًا وَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِقْرَاءٍ يُفِيدُهُ) أَيْ هَذَا الْمَطْلُوبَ (ثُمَّ قَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (بِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ) الْمَذْكُورَةِ (يَشْمَلُ الْعَيْنَ فِي الْعَيْنِ فَقَطْ) كَمَا يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ الْأَقْسَامَ الْأُخَرَ: جِنْسَهُ فِي عَيْنِهِ فَقَطْ وَجِنْسَهُ فِي جِنْسِهِ فَقَطْ وَعَيْنَهُ فِي جِنْسِهِ فَقَطْ. (وَمُرَادُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (إذَا ثَبَتَ) التَّأْثِيرُ الْمَذْكُورُ (بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَإِلَّا لَزِمَهُ) أَيْ الْوَصْفَ الْمُعَلَّلَ بِهِ (التَّرْكِيبُ) وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَسِيطِ (وَسَمَّى بَعْضُهُمْ) أَيْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ الرَّازِيِّ (مَا يُوجَدُ مِنْ أَصْلِ الْقِيَاسِ) أَيْ مَا يَكُونُ لِحُكْمِهِ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَوْعِهِ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ (شَهَادَةَ الْأَصْلِ فَشَهَادَةُ الْأَصْلِ أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ مِنْ الِاعْتِبَارَيْنِ) أَيْ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ وَاعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ (مُطْلَقًا أَيْ بِصِدْقِ) شَهَادَةِ الْأَصْلِ (عِنْدَهُ) أَيْ مَا يُوجَدُ مِنْ أَصْلِ الْقِيَاسِ أَيْ لِأَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ اعْتِبَارَ نَوْعِ الْوَصْفِ أَوْ جِنْسَهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ فَقَدْ وُجِدَ لِلْحُكْمِ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَوْعٍ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ فَقَدْ وُجِدَ اعْتِبَارُ نَوْعِ الْوَصْفِ أَوْ جِنْسِهِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ عَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ لَهُ مَعَ وُجُودِهِ (وَمِنْ الْآخَرِينَ) أَيْ وَشَهَادَةُ الْأَصْلِ أَعَمُّ مِنْ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ وَاعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ (مِنْ وَجْهٍ) فَتُوجَدُ شَهَادَةُ الْأَصْلِ بِدُونِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيُوجَدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِدُونِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ. وَقَدْ يُوجَدَانِ مَعًا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ إثْبَاتُ شَهَادَةِ الْأَصْلِ بِدُونِ التَّأْثِيرِ وَتَعَقَّبَهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِأَنَّ التَّحَقُّقَ بِدُونِ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ التَّحَقُّقِ بِدُونِ الْمَجْمُوعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الْأَوَّلِينَ بِاعْتِبَارِ أَنْ يُوجَدَ فِي الْآخَرِينَ وَبِالْعَكْسِ فَبِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ بِدُونِ التَّأْثِيرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْغَرِيبِ وَهُوَ الْمَرْدُودُ مِمَّا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهُ أَمْ لَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي انْفِكَاكَهُ عَنْ التَّأْثِيرِ فِي الْجُمْلَةِ وَالِانْفِكَاكُ عَنْ التَّأْثِيرِ يَقْتَضِي جَوَازَ التَّحَقُّقِ بِدُونِ الْمَجْمُوعِ وَنَظَرُ الْمُتَعَقِّبِ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ إذَا لُوحِظَتْ النِّسْبَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ بِدُونِ مُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى الَّذِي اُعْتُبِرَ فِي الْغَرِيبِ الْمَرْدُودِ (وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَعْنَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ مَا ذَكَرْنَا) أَوَّلًا (ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ الْقِيَاسِ مِمَّا جِنْسُهُ) أَيْ جِنْسُ عَيْنِ الْوَصْفِ الثَّابِتِ فِي الْأَصْلِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ (فِي الْعَيْنِ) أَيْ عَيْنِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ (لَيْسَ إلَّا بِجَعْلِ الْعَيْنِ) أَيْ عَيْنِ الْوَصْفِ (عِلَّةً) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهَا) أَيْ عَيْنِ الْوَصْفِ (الْعِلَّةَ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ أَعْنِي بِهَا (جِنْسَهُ) أَيْ جِنْسَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (فَيَرْجِعُ إلَى اعْتِبَارِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ) وَيَنْتَفِي هَذَا الْقِسْمُ فِي التَّحْقِيقِ مَثَلًا إذَا عُلِّلَ عِتْقُ الْأَخِ عِنْدَ شِرَاءِ أَخِيهِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ أَخُوهُ. وَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِهِ بِتَأْثِيرِ مِلْكِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْجِنْسُ فِي الْعَيْنِ كَانَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحَقِيقَةِ فِي الْعَيْنِ لَيْسَ إلَّا مِلْكَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَثُبُوتُ الْعِتْقِ مَعَ مِلْكِ الْأَخِ لَيْسَ لِمِلْكِ الْأَخِ بَلْ

لِمِلْكِ ذِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَلَيْسَ فِي التَّحْقِيقِ إلَّا قِسْمَانِ مِنْ الدَّالِ عَلَى الِاعْتِبَارِ ثُبُوتُ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالْبَسَائِطُ أَرْبَعٌ مِنْ الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ) حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ عَيْنٌ فِي عَيْنٍ جِنْسٌ فِي جِنْسٍ عَيْنٌ فِي جِنْسِ قَلْبِهِ (هِيَ) أَيْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ هِيَ (الْمُؤَثِّرُ وَثَلَاثَةٌ مُلَائِمُ الْمُرْسَلِ) الْمُتَقَدِّمَةِ (أَمَّا الْمُلَائِمُ) الَّذِي هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْأَوَّلِ الْمُقَابِلِ لِلْمُرْسَلِ (فَيَلْزَمُهُ التَّرْكِيبُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ عَيْنِهِ فِي عَيْنِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ مَعَهُ فِي الْمَحَلِّ ثُمَّ ثُبُوتِ اعْتِبَارِ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ) ثُبُوتِ اعْتِبَارِ (قَلْبِهِ) أَيْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ (أَوْ) ثُبُوتِ اعْتِبَارِ (جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُلَائِمِ تَرْكِيبُهُ مِنْ اثْنَيْنِ) وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ اثْنَيْنِ كَمَا سَيُعْلَمُ (وَالْمُرَكَّبُ إمَّا مِنْ الْأَرْبَعَةِ قِيلَ) أَيْ ذَكَرَ فِي التَّلْوِيحِ (كَالسُّكْرِ) فَإِنَّ عَيْنَ هَذَا الْوَصْفِ مُؤَثِّرٌ (فِي الْحُرْمَةِ) أَيْ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ حُرْمَةُ الشُّرْبِ (وَجِنْسِهِ) أَيْ السُّكْرِ وَهُوَ (إيقَاعُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ) مُؤَثِّرٌ (فِيهَا) أَيْ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ إيقَاعَ الْعَدَاوَةِ كَمَا يَكُونُ بِسَبَبِ السُّكْرِ يَكُونُ بِغَيْرِهِ (ثُمَّ) السُّكْرُ مُؤَثِّرٌ (فِي وُجُوبِ الزَّاجِرِ أَعَمُّ مِنْ الْأُخْرَوِيِّ كَالْحَرْقِ وَالدُّنْيَوِيِّ كَالْحَدِّ) وَهَذَا جِنْسُ الْحُكْمِ (وَجِنْسُهُ) أَيْ السُّكْرِ (الْإِيقَاعُ) فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ مُؤَثِّرٌ (فِي الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ) وَهُوَ جِنْسُ الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السُّكْرَ لَمَّا كَانَ مَظِنَّةً لِلْقَذْفِ صَارَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ إيقَاعُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ مُؤَثِّرًا فِي وُجُوبِ الزَّاجِرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَخْفَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَرْقِ) فِي النَّارِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ (بَعُدَ أَنَّهُ اعْتِزَالٌ) لِجَوَازِ عَدَمِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ (غَيْرُ الْحُكْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ) وَهُوَ التَّكْلِيفِيِّ (وَأَنَّ تَأْثِيرَهُ) أَيْ السُّكْرِ (فِي وُجُوبِ الزَّاجِرِ لَيْسَ) تَأْثِيرًا (فِي جِنْسِ حُرْمَةِ الشُّرْبِ) لِيَكُونَ مِنْ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ (وَإِنَّمَا يَصِحُّ) أَنْ يَكُونَ مِنْ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ (لِتَأْثِيرِ السُّكْرِ فِي حُرْمَةِ الْإِيقَاعِ) فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ أَيْضًا كَمَا أَثَّرَ فِي حُرْمَةِ الشُّرْبِ فَيَكُونُ الْعَيْنُ قَدْ أَثَّرَ فِي الْجِنْسِ وَأَثَّرَ فِي الْعَيْنِ (وَالْإِيقَاعُ) فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ أَثَّرَ (فِي حُرْمَةِ الْقَذْفِ كَمَا أَثَّرَ فِي) حُرْمَةِ (الشُّرْبِ) أَيْضًا فَيَكُونُ جِنْسُ الْوَصْفِ وَهُوَ الْإِيقَاعُ قَدْ أَثَّرَ فِي الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْحُرْمَةُ مِنْ حُرْمَةِ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ كَمَا أَثَّرَ فِي الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ حُرْمَةُ الشُّرْبِ (لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِجِنْسِهِمَا) أَيْ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ (مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ) مِنْهُمَا (فَيَلْزَمُ التَّصَادُقُ لَا يُقَالُ مَجِيءُ مِثْلِهِ) أَيْ هَذَا الْكَلَامِ (فِي الْإِيقَاعِ مَعَ السُّكْرِ) لِأَنَّا نَقُولُ لَا (لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ) أَيْ بِالْإِيقَاعِ (مَوْقِعُ الْعَدَاوَةِ وَهُوَ) أَيْ مَوْقِعُهَا (أَعَمُّ مِنْ السُّكْرِ وَالْقَذْفِ) أَيْ زَمَنَ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ قَذْفٌ فَيُصَدَّقُ السُّكْرُ مَوْقِعَ الْعَدَاوَةِ وَالْكَلَامُ الَّذِي هُوَ قَذْفٌ مَوْقِعَ الْعَدَاوَةِ (فَيُحَرِّمُهُمَا) أَيْ مَوْقِعُ الْعَدَاوَةِ السُّكْرَ وَالْقَذْفَ (وَأَمَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ فَأَرْبَعَةٍ فَمَا سِوَى الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ) لِأَنَّ التَّرْكِيبَ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِإِسْقَاطِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ وَفِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسُ فِي الْجِنْسِ وَفِي الْعَيْنِ. فَإِنْ كَانَ السَّاقِطُ الْعَيْنَ فِي الْعَيْنِ كَانَ الْمُرَكَّبُ مِمَّا سِوَاهُ وَهُوَ الْعَيْنُ فِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسُ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسُ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ السَّاقِطُ الْعَيْنَ فِي الْجِنْسَ فَالْمُرَكَّبُ الْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسُ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ وَهُوَ ثَانٍ وَإِنْ كَانَ السَّاقِطُ الْجِنْسَ فِي الْجِنْسِ فَالْمُرَكَّبُ حِينَئِذٍ مِنْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ وَالْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ ثَالِثٌ وَإِنْ كَانَ السَّاقِطُ الْجِنْسَ فِي الْعَيْنِ فَالْمُرَكَّبُ مِنْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ، وَالْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ رَابِعٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَنَقُولُ (التَّيَمُّمُ) أَيْ صِحَّتُهُ وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ (عِنْدَ خَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ) وَهَذَا عَيْنُ الْوَصْفِ (فَالْجِنْسُ) لِلْوَصْفِ (الْعَجْزُ بِحَسَبِ الْمَحَلِّ) عَمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ صَلَاةُ الْعِيدِ وَالْوَصْفُ مُؤْثَرٌ (فِي الْجِنْسِ) أَيْ جِنْسِ التَّيَمُّمِ أَيْ (سُقُوطُ مَا يُحْتَاجُ) إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ (وَ) مُؤَثِّرٌ (فِي الْعَيْنِ التَّيَمُّمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] إقَامَةً لِأَحَدِ الْعَنَاصِرِ مَقَامَ الْآخَرِ فَإِنَّ التُّرَابَ مُطَهِّرٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِحَيْثُ يُنَشِّفُ النَّجَاسَاتِ (وَالْعَيْنُ) لِلْوَصْفِ (الْعَجْزُ عَنْ الْمَاءِ) مُؤَثِّرٌ (فِي الْجِنْسِ) لِلْحُكْمِ أَيْ (سُقُوطُ

اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ عَدَمِ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ (فَإِنَّهُ) أَيْ اسْتِعْمَالَهُ (أَعَمُّ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لِلْحَدَثِ وَالْخَبَثِ لَكِنَّ الْعَيْنَ) لِلْوَصْفِ وَهُوَ (خَوْفُ الْفَوْتِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْعَيْنِ) لِلْحُكْمِ أَيْ (التَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَيَمُّمٌ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَقَدْ جُعِلَتْ) الْعَيْنُ لِلْوَصْفِ (مَرَّةً خَوْفَ الْفَوْتِ وَمَرَّةً الْعَجْزَ عَنْ الْمَاءِ لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْخَوْفَ وَالْعَجْزَ (وَاحِدٌ) مَعْنًى (لِأَنَّ الْعَجْزَ مُخِيفٌ. فَإِنْ قُلْت خَوْفُ الْفَوْتِ وَهُوَ الْوَصْفُ الْمُعَلَّلُ بِهِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ الْفَرْعُ) أَيْ صَلَاةُ الْعِيدِ (وَالْمُرَادُ مِنْ الْوَصْفِ الْمَنْظُورُ فِي أَنَّ جِنْسَهُ أَثَّرَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ عَيْنِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (مَا فِي الْأَصْلِ لِيَدُلَّ بِهِ) أَيْ بِتَأْثِيرِ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ عَيْنِهِ (عَلَى اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ الْمَذْكُورِ (عِلَّةً فِي نَظَرِ الشَّارِعِ قُلْت ذَلِكَ) أَيْ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ (فِي غَيْرِ الْمُرْسَلِ وَالتَّعْلِيلُ بِهِ) أَيْ بِغَيْرِ الْمُرْسَلِ (قِيَاسٌ وَلَيْسَ هَذَا الْقِسْمُ) أَيْ الْمُرَكَّبُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَيْسَ مِنْهَا الْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْمَحَلِّ (إلَّا مُرْسَلًا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ قِيَاسٌ وَلَا اسْتَدْعَى أَصْلًا فَلَزِمَهُ) حِينَئِذٍ (الْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالْمُرْسَلُ مَأْخُوذٌ فِيهِ عَدَمُهُ) أَيْ الْعَيْنِ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْأَصْلِ (فَالتَّعْلِيلُ بِالْمُرْسَلِ) تَعْلِيلٌ (بِمَصَالِحَ خَاصَّةٍ ابْتِدَاءً اُعْتُبِرَتْ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ الَّذِي يُرَادُ إثْبَاتُهُ أَوْ جِنْسُهَا) أَيْ الْمَصَالِحِ (فِي عَيْنِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (أَوْ جِنْسِهِ لَكِنْ تُشْتَرَطُ الضَّرُورِيَّةُ وَالْكُلِّيَّةُ) فِيهَا (عَلَى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَائِلِهِ) أَيْ الْمُرْسَلِ وَهُوَ الْغَزَالِيُّ (فَإِنْ قُلْت الْمِثَالُ حَنَفِيٌّ وَهُوَ) أَيْ الْحَنَفِيُّ (يَمْنَعُ الْمُرْسَلَ) فَكَيْفَ يَتِمُّ عَلَى قَوْلِهِ (قُلْنَا سَبَقَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَوْلُ بِعَمَلِهِمْ بِبَعْضٍ مَا يُسَمَّى مُرْسَلًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَيَدْخُلُ) ذَلِكَ (فِي الْمُؤَثِّرِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (كَمَا سَيَظْهَرُ وَالْمُرَكَّبُ مِمَّا سِوَى الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ الْعَجْزُ عَنْ غَيْرِ مَاءِ الشُّرْبِ فِي التَّيَمُّمِ) أَيْ جَوَازُهُ (وَهُوَ) أَيْ وَهَذَا هُوَ (الْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ فِي مَحَلِّ النَّصِّ) أَيْ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا} [النساء: 43] الْآيَةَ (وَجِنْسُهُ) أَيْ عَيْنِ هَذَا الْوَصْفِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ (الْعَجْزُ الْحُكْمِيُّ) عَنْ الْمَاءِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ حُكْمِيًّا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ عَجْزَهُ عَنْ غَيْرِ مَاءِ الشُّرْبِ فَقَطْ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مُسْتَحِقًّا بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ الشُّرْبُ كَانَ كَأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لَهُ فَكَانَ عَجْزُهُ عَنْهُ حُكْمِيًّا لَا حَقِيقِيًّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُؤَثِّرٌ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ أَيْ (سُقُوطُ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ مَاءِ الشُّرْبِ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ (وَعَيْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (عَدَمُ وِجْدَانِهِ) أَيْ مَاءِ الشُّرْبِ مُؤَثِّرٌ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ سُقُوطُ اسْتِعْمَالِهِ أَيْ (السُّقُوطِ دَفْعًا لِلْهَلَاكِ وَالْجِنْسُ غَيْرُ مُؤَثِّرٌ فِيهِ) أَيْ الْعَيْنِ (لِأَنَّ الْعَجْزَ الْمَذْكُورَ) وَهُوَ الْعَجْزُ الْحُكْمِيُّ مُطْلَقًا (غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي) جَوَازِ أَوْ وُجُوبِ (التَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَيَمُّمٌ) بَلْ إنَّمَا أَثَّرَ فِي سُقُوطِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مُطْلَقًا مِنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ كَمَا ذَكَرَ آنِفًا. (وَ) الْمُرَكَّبُ (مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ كَالْحَيْضِ فِي حُرْمَةِ الْقُرْبَانِ) أَيْ وَهَذَا هُوَ (الْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ وَجِنْسُهُ) أَيْ الْحَيْضِ (الْأَذَى) مُؤَثِّرٌ (فِيهِ) أَيْ فِي تَحْرِيمِ الْقُرْبَانِ (أَيْضًا وَ) مُؤَثِّرٌ (فِي الْجِنْسِ) لِحُرْمَةِ الْقُرْبَانِ أَيْ (حُرْمَةِ الْجِمَاعِ مُطْلَقًا) فَتَدْخُلُ حُرْمَةُ اللِّوَاطِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ وُجُوبُ الِاعْتِزَالِ (وَ) الْمُرَكَّبُ (مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ كَالْحَيْضِ عِلَّةً لِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ) أَيْ وَهَذَا هُوَ (الْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ وَ) عِلَّةُ (جِنْسِهِ) أَيْ عَيْنِ الْحُكْمِ (حُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ) حَالَ كَوْنِهَا (أَعَمَّ مِمَّا فِي الصَّلَاةِ) وَخَارِجِهَا (وَجِنْسُهُ) أَيْ الْحَيْضِ (الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ) مُؤَثِّرٌ (فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَا الْجِنْسِ) أَيْ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَيْ (حُرْمَةِ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا وَالْمُرَكَّبُ مِنْ اثْنَيْنِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ مَعَ الْجِنْسِ فِيهِ) أَيْ الْعَيْنِ (الطَّوْفُ) فَإِنَّهُ عِلَّةٌ (فِي طَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ (وَجِنْسِهِ) أَيْ الطَّوْفِ وَهُوَ (مُخَالَطَةُ نَجَاسَةٍ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا) عِلَّةً لِلطَّهَارَةِ كَآبَارِ الْفَلَوَاتِ (وَ) الْمُرَكَّبُ (مِنْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ وَفِي الْجِنْسِ الْمَرَضِ) فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ (فِي الْفِطْرِ وَ) مُؤَثِّرٌ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْمَرَضِ (التَّخْفِيفُ فِي الْعِبَادَةِ بِثُبُوتِ الْقُعُودِ) فِي الْمَكْتُوبَةِ (وَ) الْمُرَكَّبُ (مِنْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ مَعَ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ كَالْجُنُونِ الْمُطْبَقِ) فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ (فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ) فَهَذَا مِنْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ (وَجِنْسُهُ) أَيْ الْجُنُونِ الْمُطْبَقِ (الْعَجْزُ بِعَدَمِ

الْعَقْلِ لِشُمُولِهِ) أَيْ الْعَجْزِ (الصِّغَرَ) مُؤَثِّرٌ (فِي جِنْسِهَا) أَيْ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَهُوَ الْوِلَايَةُ مُطْلَقًا (لِثُبُوتِهَا) أَيْ الْوِلَايَةِ (فِي الْمَالِ وَ) الْمُرَكَّبُ (مِنْ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ كَجِنْسِ الصِّغَرِ الْعَجْزُ لِعَدَمِ الْعَقْلِ) مُؤَثِّرٌ (فِي وِلَايَةِ الْمَالِ) لِلْحَاجَةِ إلَى بَقَاءِ النَّفْسِ (وَ) فِي (مُطْلَقِهَا) أَيْ الْوِلَايَةِ (فَتَثْبُتُ) الْوِلَايَةُ (فِي كُلٍّ مِنْهُ) أَيْ الْمَالِ (وَمِنْ النَّفْسِ وَ) الْمُرَكَّبِ (مِنْ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَقَلْبِهِ) أَيْ وَمِنْ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ (خُرُوجُ النَّجَاسَةِ) لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَهُوَ مُؤَثِّرٌ (فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ ثُمَّ خُرُوجُهَا مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ) مُؤَثِّرٌ (فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا) وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ أَعَمُّ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ فَكَانَ جِنْسَ الْوُضُوءِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ لِانْتِفَاءِ تَأْثِيرِ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ إلَّا فِي الْحَدَثِ ثُمَّ بِوُجُوبِ مَا شُرِطَ لَهُ) إزَالَتُهَا (تَجِبُ) إزَالَتُهَا. (وَ) الْمُرَكَّبِ (مِنْ الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ وَالْجُنُونِ وَالصِّبَا) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُؤَثِّرٌ (فِي سُقُوطِ الْعِبَادَةِ) لِلِاحْتِيَاجِ إلَى النِّيَّةِ (وَجِنْسُهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا الَّذِي هُوَ الْعَجْزُ بِعَدَمِ الْعَقْلِ (الْعَجْزُ لِخَلَلِ الْقُوَى) فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ (فِيهِ) أَيْ فِي سُقُوطِ الْعِبَادَةِ (وَظَهَرَ أَنَّ سِتَّةَ) الْمُرَكَّبِ (الثُّنَائِيِّ ثَلَاثَةٌ قِيَاسٌ) وَهِيَ الْأُولَى (وَثَلَاثَةٌ مُرْسَلٌ) وَهِيَ الْأَخِيرَةُ (وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَرْبَعَةِ) الْمُرَكَّبِ (الثُّلَاثِيِّ قِيَاسٌ) وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْهَا (وَوَاحِدٌ لَا) أَيْ لَيْسَ بِقِيَاسٍ وَهُوَ الْأَوَّلُ مِنْهَا (هَذَا وَالْأَكْثَرُ تَرْكِيبًا يُقَدَّمُ عِنْدَ تَعَارُضِهَا) أَيْ الْمُرَكَّبَاتِ (وَالْمُرَكَّبُ) يُقَدَّمُ (عَلَى الْبَسِيطِ) عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا لِأَنَّ قُوَّةَ الْوَصْفِ إنَّمَا هِيَ بِحَسَبِ التَّأْثِيرِ وَالتَّأْثِيرُ اعْتِبَارُ الشَّرْعِ فَكُلَّمَا كَثُرَ الِاعْتِبَارُ قَوِيَ الْآثَارَ فَيَكُونُ الْمُرَكَّبُ أَقْوَى مِنْ الْبَسِيطِ وَالْمُرَكَّبُ مِنْ أَجْزَاءٍ أَكْثَرَ أَقْوَى مِنْ الْمُرَكَّبِ مِنْ أَجْزَاءٍ أَقَلَّ لَكِنْ كَمَا قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا سِوَى اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ فَإِنَّهُ أَقْوَى الْكُلِّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ حَتَّى كَادَ يُقِرُّ بِهِ مُنْكِرُو الْقِيَاسِ إذْ لَا فَرْقَ إلَّا بِتَعَدِّي الْمَحَلِّ فَالْمُرَكَّبُ فِي غَيْرِهِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْهُ (وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَالسَّرَخْسِيُّ وَأَبُو زَيْدٍ (لَا بُدَّ قَبْلَ التَّعْلِيلِ فِي الْمُنَاظَرَةِ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْلُولِيَّةِ هَذَا الْأَصْلِ) الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْأُصُولَ مَعْلُولَةٌ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ لِجَوَازِ التَّعْلِيلِ فِي كُلِّ أَصْلٍ مِنْ دَلِيلٍ مُمَيِّزٍ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ هَذَا مِنْ قِيَامِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَعْلُولًا فِي الْحَالِ انْتَهَى إلَّا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى كَوْنِهِ مَعْلُولًا مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ لِمُسَاعَدَةِ الْخَصْمِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ آخَرَ عَلَيْهِ. (وَلَا يَكْفِي) قَوْلُ الْمُعَلِّلِ (الْأَصْلُ) فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ كَمَا عَزَاهُ فِي الْمِيزَانِ إلَى عَامَّةِ مُثْبِتِي الْقِيَاسِ وَالشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَصْلَ (مُسْتَصْحَبٌ يَكْفِي لِلدَّفْعِ) أَيْ لِدَفْعِ ثُبُوتِ مَا لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ (لَا الْإِثْبَاتِ) عَلَى الْخَصْمِ (كَمَا سَيُعْلَمُ) فِي بَحْثِ الِاسْتِصْحَابِ آخِرَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَهَذَا (بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ لِنَفْسِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبْلَ التَّعْلِيلِ لِنَفْسِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى مَعْلُولِيَّةِ ذَلِكَ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ (كَنَقْضِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ يُسْتَدَلُّ عَلَى مَعْلُولِيَّتِهِ) أَيْ كَوْنِ الْخَارِجِ النَّجِسِ الْمَذْكُورِ عِلَّةً لِلنَّقْضِ (بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِهِ) أَيْ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ (فِي مَثْقُوبِ السُّرَّةِ) إذَا خَرَجَ مِنْهَا قِيَاسًا عَلَى النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ (فَعُلِمَ) بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ (تَعَدِّيهِ) أَيْ النَّقْضِ (عَنْ مَحَلِّ النَّصِّ) الَّذِي هُوَ السَّيَلَانُ إلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْبَدَنِ إذْ لَوْ كَانَ خُصُوصُ الْمَحَلِّ مُعْتَبَرًا فِي النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُ لَمَا جَازَ قِيَامُ غَيْرِهِ مَكَانَهُ بِالرَّأْيِ لِأَنَّ الْأَبْدَالَ لَا تُنَصَّبَ بِالرَّأْيِ (فَصَحَّ تَعْلِيلُهُ) أَيْ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ (بِنَجَاسَةِ الْخَارِجِ) وَإِنَّمَا قَالَ هَكَذَا لِأَنَّ الضِّدَّ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ فَصِفَةُ النَّجَاسَةِ هِيَ الرَّافِعَةُ لِلطَّهَارَةِ وَالْعَيْنُ الْخَارِجَةُ مَعْرُوضُهَا الَّتِي هِيَ قَائِمَةٌ بِهَا (لِيَثْبُتَ النَّقْضُ بِهِ) أَيْ الْخَارِجِ النَّجِسِ (مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ وَطَائِفَةٌ لَا) تَشْتَرِطُ الدَّلَالَةَ عَلَى مَعْلُولِيَّةِ الْأَصْلِ قَبْلَ التَّعْلِيلِ فِي الْمُنَاظَرَةِ (إذْ لَمْ يُعْرَفْ) ذَلِكَ (فِي مُنَاظَرَةٍ قَطُّ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ) وَكَفَى بِهِمْ قُدْرَةً (وَلِأَنَّ إقَامَةَ الدَّلِيلِ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ) فِي إلْحَاقِ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ فِي حُكْمِهِ

بِوَاسِطَتِهِ (يَتَضَمَّنُهُ) أَيْ كَوْنُ الْأَصْلِ مَعْلُولًا (فَأَغْنَى) بَيَانُ الدَّلِيلِ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الْأَصْلِ مَعْلُولًا. (وَهَذَا) الْقَوْلُ (أَوْجَهُ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (ثُمَّ دَلِيلُ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتُهُ بِعَيْنِهِ فِي الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ (النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ وَسَيَأْتِيَانِ وَالتَّأْثِيرُ) وَهُوَ (ظُهُورُ أَثَرِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (شَرْعًا وَيُسَمُّونَهُ) أَيْ التَّأْثِيرَ (عَدَالَتَهُ) أَيْ الْوَصْفِ (وَيَسْتَلْزِمُ) التَّأْثِيرُ (مُنَاسَبَتَهُ) أَيْ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ بِأَنْ يَصِحَّ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ (وَيُسَمُّونَهَا) أَيْ مُنَاسَبَتَهُ (مُلَاءَمَتَهُ) بِالْهَمْزَةِ أَيْ مُوَافَقَتَهُ لِلْحُكْمِ (وَتَسْتَلْزِمُ) مُنَاسَبَتُهُ (كَوْنَهُ) أَيْ الْوَصْفِ (غَيْرَ نَابٍ) أَيْ بَعِيدٍ (عَنْ الْحُكْمِ) وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى بِصَلَاحِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ (كَتَعْلِيلِ) وُقُوعِ (الْفُرْقَةِ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ إذَا أَسْلَمَتْ وَأَبَى (بِالْإِبَاءِ) فَإِنَّهُ يُنَاسِبُهُ (بِخِلَافِهَا) أَيْ الْفُرْقَةِ (بِإِسْلَامِ الزَّوْجَةِ) فَإِنَّهُ نَابٍ عَنْهُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عُرِفَ عَاصِمًا لِلْحُقُوقِ وَالْأَمْلَاكِ قَاطِعًا لَهَا وَكَيْفَ لَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنَى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى» وَالْمَحْظُورُ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ وَانْقِطَاعُ النِّكَاحِ عُقُوبَةٌ وَإِبَاءُ الْإِسْلَامِ رَأْسُ أَسْبَابِ الْعُقُوبَاتِ فَصَلَحَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ (كَمَا سَيَأْتِي) ذِكْرُهُ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ صَلَاحُ الْوَصْفِ كَوْنُهُ مُوَافِقًا لِلْعِلَلِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ السَّلَفِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّلُونَ مُنَاسَبَةَ الْأَحْكَامِ غَيْرَ نَابِيَةٍ عَنْهَا فَمَا كَانَ مُوَافِقًا لَهَا يَصْلُحُ عِلَّةً وَمَا لَا فَلَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَقْصُودُ إثْبَاتُ حُكْمٍ شُرِعَ بِهَا فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِمَا نُقِلَ عَمَّنْ عُرِفَتْ أَحْكَامُ الشَّرْعِ بِبَيَانِهِمْ (وَفُسِّرَ) التَّأْثِيرُ (بِأَنْ يَكُونَ لِجِنْسِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (تَأْثِيرٌ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ كَإِسْقَاطِ الصَّلَاةِ الْكَثِيرَةِ) بِأَنْ تَزِيدَ عَلَى خَمْسٍ (بِالْإِغْمَاءِ) إذْ (لِجِنْسِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ الَّذِي هُوَ الْإِغْمَاءُ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْأَدَاءِ تَأْثِيرٌ (فِيهِ) أَيْ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ إسْقَاطُ الصَّلَاةِ وَمَا يُقَالُ إنَّهُ الْحَرَجُ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَضَاءُ إذَا ذَهَبَ الْعَجْزُ فَهُوَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ (أَوْ) لِجِنْسِهِ تَأْثِيرٌ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (كَالْإِسْقَاطِ) لِلصَّلَاةِ عَنْ الْحَائِضِ (بِمَشَقَّتِهِ) أَيْ فِعْلِهَا بِوَاسِطَةِ كَثْرَتِهَا. (وَجِنْسُهُ) أَيْ هَذَا الْوَصْفِ (الْمَشَقَّةُ الْمُتَحَقِّقَةُ فِي مَشَقَّةِ السَّفَرِ) مُؤَثِّرٌ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (السُّقُوطُ الْكَائِنُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ (وَعَنْ بَعْضِهِمْ نَفْيُهُ) أَيْ كَوْنِ تَأْثِيرِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ مِنْ التَّأْثِيرِ (وَمِنْ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ التَّأْثِيرَ هُوَ اعْتِبَارُ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا كَمَا عَزَاهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ هَذَا يُفِيدُ سُقُوطَ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَقَبْلَهُ وَالْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ مِنْ التَّأْثِيرِ وَبَعْضُهُ مُتَّجَهٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ دُونَ الْبَعْضِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْوَجْهُ سُقُوطُ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ) مِنْ التَّأْثِيرِ (بِمَا قَدَّمْنَا) كَأَنَّهُ يُرِيدُ قَوْلَهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ الْقِيَاسِ مِمَّا جِنْسُهُ فِي الْعَيْنِ لَيْسَ إلَّا بِجَعْلِ الْعَيْنِ عِلَّةً بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهَا لِعِلَّةِ جِنْسِهِ فَيُرْجَعُ إلَى اعْتِبَارِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ (دُونَ) سُقُوطِ (قَبْلِهِ) أَيْ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ مِنْ التَّأْثِيرِ (بِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ) لِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ فِيهِ (أَوْ) يَكُونُ (لِعَيْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ تَأْثِيرٌ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ (كَالْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فِي التَّقَدُّمِ) عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ (فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ) لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَهَذَا هُوَ عَيْنُ الْحُكْمِ الْمُؤَثِّرِ فِيهِ عَيْنُ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ مُؤَثِّرٌ فِيهِ (فِي جِنْسِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (التَّقْدِيمُ) الصَّادِقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقَدُّمِ (فِي الْمِيرَاثِ) وَالْإِنْكَاحِ (أَوْ) يَكُونُ لِعَيْنِهِ تَأْثِيرٌ (فِي عَيْنِهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ الصَّغِيرِ) ثُمَّ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ هَذَا الْكَلَامَ (كَوْنُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ كَالسُّكْرِ فِي الْحُرْمَةِ) إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا عَيْنٌ وَالسُّكْرُ عِلَّةٌ لِلْحُرْمَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْحُكْمِ بِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا (مُخْرِجٌ لَهُ) أَيْ لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (عَنْ دَلَالَةِ التَّأْثِيرِ عَلَى الِاعْتِبَارِ) أَيْ كَوْنِ الْوَصْفِ مُعْتَبَرًا بِالتَّأْثِيرِ فَتَكُونُ عِلَّتُهُ مُسْتَنْبَطَةً (إلَى الْمَنْصُوصَةِ) أَيْ إلَى أَنْ تَكُونَ مَنْصُوصَةً فَلَا تَكُونُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُؤَثِّرِ بَلْ مِنْ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا الْكَلَامَ هَذَا (إذْ لَمْ يَبْقَ مَعَ ظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ) بَعْدَ النَّصِّ

وَالْإِجْمَاعِ دَلِيلٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ (إلَّا الْإِخَالَةُ) فَإِنَّ الْمُنَاسَبَةَ إذَا ظَهَرَتْ فَدَلِيلُ اعْتِبَارِ مَا قَامَتْ بِهِ أَمَّا النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ أَوْ التَّأْثِيرُ وَهُوَ بِثُبُوتِ تَأْثِيرِ جِنْسِ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ الَّذِي يُرَادُ إثْبَاتُهُ أَوْ الْإِخَالَةُ فَإِذَا فُرِضَ ثُبُوتُ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ بِنَصٍّ خَرَجَ عَنْ التَّأْثِيرِ. (وَيَنْفُونَ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (إيجَابَهَا) أَيْ الْإِخَالَةِ الْحُكْمَ (مُجَوِّزِي الْعَمَلِ قَبْلَهُ) أَيْ التَّأْثِيرِ (بِهَا) أَيْ الْإِخَالَةِ (كَالْقَضَاءِ بِالْمَسْتُورِينَ يَنْفُذُ وَلَا يَجِبُ) هَذَا وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْلَى فِي حُسْنِ السِّيَاقِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ لِعَيْنِهِ فِي جِنْسِهِ كَالْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَهُوَ مُؤَثِّرٌ فِي جِنْسِهِ التَّقَدُّمُ فِي الْمِيرَاثِ أَوْ لِعَيْنِهِ فِي عَيْنِهِ كَمَا فِي كَشْفِ الْمَنَارِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ عَنْ بَعْضِهِمْ نُفِيَ الْجِنْسُ فِي الْجِنْسِ مِنْ التَّأْثِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّ التَّأْثِيرَ وَهُوَ تَأْثِيرُ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ وَالْوَجْهُ سُقُوطُ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ مِنْهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ دُونَ قَلْبِهِ بِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ ثُمَّ يَلْزَمُ الْكَشْفَ كَوْنُهُ إلَخْ (وَظَهَرَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (أَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ الْمُؤَثِّرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ (وَمِنْ الْمُلَائِمِ الْأَوَّلُ) الَّذِي هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْمُنَاسِبِ بِأَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِهِ بِمُجَرَّدِ ثُبُوتِهِ مَعَ الْحُكْمِ فِي الْمَحَلِّ مَعَ اعْتِبَارِ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِهِ أَوْ فِي جِنْسِهِ (وَمَا مِنْ الْمُرْسَلِ) أَيْ وَثَلَاثَةِ أَقْسَامِ الْمُلَائِمِ الْمُرْسَلِ وَهِيَ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْمَحَلِّ لَكِنْ ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِهِ أَوْ جِنْسِهِ (فَشَمِلَ) الْمُؤَثِّرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ أَوْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ (سَبْعَةُ أَقْسَامٍ فِي عُرْفِ الشَّافِعِيَّةِ إذْ لَمْ يُقَيِّدُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (الثَّلَاثَةَ) الَّتِي هِيَ تَأْثِيرُ الْجِنْسِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ فِي جِنْسِهِ وَتَأْثِيرُ الْعَيْنِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ (بِوُجُودِ الْعَيْنِ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْمَحَلِّ أَيْ الْأَصْلِ. وَكَذَا تَصْرِيحُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِيمَا تَقَدَّمَ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِمَا اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ إلَخْ) أَيْ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ، وَمَا اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ (مَقْبُولٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ) التَّعْلِيلُ بِأَحَدِهِمَا (قِيَاسًا بِأَنْ لَمْ يَتَرَكَّبْ مَعَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ) أَيْ الْعَيْنِ أَوْ الْجِنْسِ مَعَ الْعَيْنِ (وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ) أَيْ الْمَقْبُولِ (لِغَيْرِ مَا جِنْسُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ (أَبْعَدُ) أَيْ مَا اعْتَبَرَ الشَّارِعُ جِنْسَهُ الْأَبْعَدَ (كَتَضَمُّنِ مُطْلَقِ مَصْلَحَةٍ) أَيْ كَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ (بِخِلَافِ) جِنْسِهِ (الْبَعِيدِ) الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ الْأَبْعَدِ وَقَدْ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً فَإِنَّهُ يُقْبَلُ (كَالرَّمْيِ) أَيْ كَجَوَازِهِ (إلَى التُّرْسِ الْمُسْلِمِ إذَا غَلَبَ ظَنُّ نَجَاتِهِمْ) أَيْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالرَّمْيِ إلَيْهِ (إذْ لَا سَبِيلَ إلَى الْقَطْعِ) بِالنَّجَاةِ (كَالْغَزَالِيِّ بِخِلَافِ بَعْضِهِمْ فِي السَّفِينَةِ) أَيْ رَمْيِ بَعْضِ مَنْ فِي السَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ إذَا عُلِمَتْ نَجَاةُ الْبَعْضِ الْآخَرِينَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ غَيْرُ كُلِّيَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى هَذَا التَّقْيِيدِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُفَادَةً فِي تَوْضِيحِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (إذْ دَلِيلُ الِاعْتِبَارِ بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي مُطْلَقِهَا) وَالْكَلَامُ فِيمَا ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ اعْتِبَارُ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ الْإِخَالَةُ لَيْسَ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ وَلَا مُجَوِّزًا لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ (وَالْإِخَالَةُ إبْدَاءُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ) حُكْمِ (الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ بِمُلَاحَظَتِهِمَا) أَيْ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ سُمِّيَ بِهَا لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ الْمَذْكُورَةَ يُخَالُ أَيْ يُظَنُّ أَنَّ الْوَصْفَ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ (فَيَنْتَهِضُ) إبْدَاءُ مُنَاسَبَةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ (عَلَى الْخَصْمِ الْمُنْكِرِ لِلْمُنَاسَبَةِ) أَيْ لِمُنَاسَبَةِ الْحُكْمِ لَا الْمُنْكِرِ لِلْحُكْمِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمُنَاسَبَةِ لَا تُوجِبُ عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْإِخَالَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ (مَا عَنْ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ) وَلَفْظُهُ فِي التَّقْوِيمِ بِدُونِ ذِكْرِ الْأُمَّةِ كَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ النُّسْخَةُ أَوَّلًا وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي أَوَائِلِ فَصْلٍ فِي الْعِلَّةِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا زَادَهَا إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَامَّةُ الْعُقُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الصِّيغَةِ فَيَتَّضِحُ عَلَيْهِ تَفْرِيعُ قَوْلِهِ (فَإِنَّ الْمُنْكِرَ حِينَئِذٍ مُكَابِرٌ) أَيْ مُعَانِدٌ فَلَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ. (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَابْنِ الْحَاجِبِ

تتمة تقسيم لفظ العلة بالاشتراك اللفظي أو المجاز

(أَرَادَ) أَبُو زَيْدٍ بِكَوْنِ الْمُنَاسِبِ مَا ذَكَرَهُ (حُجِّيَّتَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ) أَيْ يَكْفِي هَذَا لِلنَّاظِرِ لِأَنَّهُ لَا يُكَابِرُ عَقْلَهُ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ لَا لِلْمُنَاظِرِ إذْ رُبَّمَا يَقُولُ الْخَصْمُ هَذَا مِمَّا لَا يَتَلَقَّاهُ عَقْلِي بِالْقَبُولِ فَلَا يَكُونُ مُنَاسِبًا بِالنِّسْبَةِ إلَيَّ وَلَيْسَ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ عَلَيَّ أَوْلَى مِنْ الْقَلْبِ وَمِنْ ثَمَّةَ مَنَعَ أَبُو زَيْدٍ التَّمَسُّكَ بِالْمُنَاسَبَةِ فِي إثْبَاتِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ بَلْ شَرَطَ ضَمَّ الْعَدَالَةِ إلَيْهَا بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ مُلَائِمًا مُؤَثِّرًا لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْخَصْمِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي نَفْيِهِ) أَيْ هَذَا الطَّرِيقِ الْمُسَمَّى بِالْإِخَالَةِ لِأَنَّهُ (لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمُعَارَضَةِ إذْ يُقَالُ) أَيْ يَقُولُ الْمُنَاظِرُ (لَمْ يَقْبَلْهُ عَقْلِي) عِنْدَ قَوْلِ الْمُنَاظِرِ هَذَا مُنَاسِبٌ لِأَنَّهُ لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ (يُفِيدُهُ) أَيْ أَنَّ مُرَادَ أَبِي زَيْدٍ كَوْنُ الْمُنَاسِبِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (وَإِلَّا) لَوْ كَانُوا قَائِلِينَ بِأَنَّ مُرَادَ أَبِي زَيْدٍ حُجِّيَّتُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَيْضًا (لَمْ يُسْمَعْ) قَوْلُهُ لَمْ يَقْبَلْهُ عَقْلِي لِأَنَّهُ مُكَابَرَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُمْ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمُعَارَضَةِ (وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ تَفْصِيلُهَا لِلْمُخَاطَبِ كَقَوْلِهِ الْإِسْكَارُ إزَالَةُ الْعَقْلِ وَهُوَ) أَيْ إزَالَةُ الْعَقْلِ (مَفْسَدَةٌ يُنَاسِبُ حُرْمَةَ مَا تَحْصُلُ بِهِ) الْإِزَالَةُ (وَ) يُنَاسِبُ (الزَّجْرَ عَنْهُ) أَيْ عَمَّا تَحْصُلُ بِهِ الْإِزَالَةُ وَهَذَا لَا تَتَأَتَّى فِيهِ الْمُعَارَضَةُ (وَتِلْكَ الْمُعَارَضَةُ فِي الْإِجْمَالِيِّ) أَيْ دَعْوَةِ الْمُنَاسَبَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَاعِ (كَقَبِلَهُ عَقْلِيٌّ أَوْ نَاسَبَ عِنْدِي) وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ ذَلِكَ فَانْتَفَى نَفْيُهُمْ صِحَّةَ اعْتِبَارِ الْإِخَالَةِ بِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْمُعَارَضَةِ (نَعَمْ يَنْتَهِضُ) فِي دَفْعِ الْإِخَالَةِ وَكَوْنُ الْوَصْفِ بَعْدَ ظُهُورِ مُنَاسَبَتِهِ لِلْحُكْمِ لَا تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهُ لِلْحُكْمِ (أَنَّهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةَ (لَيْسَتْ مَلْزُومَةً لِوَضْعِ الشَّارِعِ عَلَيْهِ مَا قَامَتْ بِهِ) الْمُنَاسَبَةُ أَيْ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ مُنَاسَبَةِ وَصْفٍ لِحُكْمٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ عِلَّةً لِشَرْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الشَّرْعِ (لِلتَّخَلُّفِ) لِلْحُكْمِ (فِي مَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ) أَيْ فِي وَصْفِ الْمُنَاسِبِ الْمَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ (مِنْ الْمُرْسَلِ وَغَيْرِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ. (فَإِنْ قِيلَ الظَّنُّ حَاصِلٌ قُلْنَا إنْ عَنِيَ ظَنَّ الْمُنَاسَبَةِ لِلْحُكْمِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يَسْتَلْزِمُ وَضْعَ الشَّارِعِ إيَّاهُ) أَيْ الْوَصْفَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ (لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ التَّخَلُّفِ فِي الْمَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ (وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا) الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِبَيَانِ إبْطَالِ كَوْنِ الْإِخَالَةِ طَرِيقًا مُعْتَبَرًا لِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ (وَمَا زَادُوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (مِنْ أَوْجُهِ الْإِبْطَالِ) لِكَوْنِهَا طَرِيقًا مُعْتَبَرًا أَيْضًا (عَدَمُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُخَالِ (قَبْلَ ظُهُورِ الْأَثَرِ) بِأَحَدِ الْأَوْجُهِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهَا لِأَنَّ الْأَوْجُهَ الْمَذْكُورَةَ اقْتَضَتْ إهْدَارَ اعْتِبَارِ الْإِخَالَةِ شَرْعًا فَلَوْ قُلْنَا بِجَوَازِ الْعَمَلِ بِهَا قَبْلَ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ لَكَانَ تَأْثِيرًا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَعْنِي الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ (وَلَيْسَ الْقِيَاسُ) لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِهَا قَبْلَ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ (عَلَى) جَوَازِ (الْقَضَاءِ بِمَسْتُورَيْنِ) كَمَا قَالُوا (صَحِيحًا لِأَنَّهُ إنْ فُرِضَ فِيهِ) أَيْ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ بِهِمَا (دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ) أَيْ الْقِيَاسِ إذْ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ مَا لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُمَا (فَهُوَ) أَيْ الدَّلِيلُ الْمَفْرُوضُ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ بِهِمَا (مُنْتَفٍ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ) بِالْإِخَالَةِ فَيَبْقَى مَا يُنْسَبُ حُكْمًا إلَى الْإِخَالَةِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ وَإِنَّمَا قَالَ إنْ فُرِضَ فِيهِ دَلِيلٌ لِانْتِقَائِهِ فِيمَا يَظْهَرُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَنْتَفِ بَلْ كَانَ دَلِيلُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْوَصْفِ ثَابِتًا (وَجَبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ) الْعَمَلُ بِهِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ انْفِكَاكُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْوَصْفِ عَنْ وُجُوبِهِ بِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ جَوَازَ الْعَمَلِ بِهِ (يُفِيدُ اعْتِبَارَ الشَّارِعِ) إيَّاهُ (وَهُوَ) أَيْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ إيَّاهُ (تَرْتِيبُ الْحُكْمِ) عَلَيْهِ أَيْ وَاعْتِبَارُ الشَّارِعِ الْوَصْفَ لَيْسَ إلَّا بِكَوْنِهِ مُثْبِتًا لِلْحُكْمِ حَيْثُمَا وُجِدَ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِهِ فِي مُحَالِ وُجُودِهِ لَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَأَنْ لَا يَحْكُمَ بِهِ إذْ عَدَمُ الْحُكْمِ بِهِ بَعْدَ جَعْلِ الشَّرْعِ إيَّاهُ مَنَاطًا لِلْحُكْمِ أَيْنَمَا كَانَ مُخَالَفَةٌ لِلشَّرْعِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا مَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ. (وَاعْلَمْ أَنَّ) (الْمُنَاسَبَةَ لَوْ) كَانَتْ (بِحِفْظِ أَحَدِ الضَّرُورِيَّاتِ) الْخَمْسِ (لَزِمَ) الْعَمَلُ بِهَا (عَلَى) قَوْلِ (الْكُلِّ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (وَلَيْسَ) هَذَا الطَّرِيقُ (إخَالَةً بَلْ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَى اعْتِبَارِهِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا تَذْهَلْ عَنْهُ [تَتِمَّةٌ تَقْسِيمَ لَفْظُ الْعِلَّةِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ الْمَجَازِ] (تَتِمَّةٌ قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْعِلَّةِ بِالِاشْتِرَاكِ) اللَّفْظِيِّ (أَوْ الْمَجَازِ لَا حَقِيقَتِهَا إذْ لَيْسَتْ) حَقِيقَتُهَا (إلَّا الْخَارِجَ)

عَنْ الْمَعْلُولِ (الْمُؤَثِّرِ) فِيهِ فَقَسَّمُوا مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُهَا بِأَحَدِ ذَيْنِك الِاعْتِبَارَيْنِ (إلَى سَبْعَةٍ) مِنْ الْأَقْسَامِ (ثَلَاثَةٌ) مِنْهَا (بَسَائِطُ) وَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا مُرَكَّبَةٌ فَالْبَسَائِطُ (إلَى عِلَّةٍ اسْمًا وَهِيَ الْمَوْضُوعَةُ لِمُوجَبِهَا أَوْ الْمُضَافُ إلَيْهَا) الْحُكْمُ (بِلَا وَاسِطَةٍ) وَإِنْ كَانَتْ الْوَاسِطَةُ ثَابِتَةً فِي الْوَاقِعِ وَمَعْنَى إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِنَا قَتَلَهُ بِالرَّمْيِ وَعَتَقَ بِالشِّرَاءِ وَهَلَكَ بِالْجَرْحِ وَتَفْسِيرُهَا اسْمًا بِمَا تَكُونُ مَوْضُوعَةً فِي الشَّرْعِ لِأَجْلِ الْحُكْمِ وَمَشْرُوعَةً لَهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ لَا فِي مِثْلِ الرَّمْيِ وَالْجَرْحِ (وَ) إلَى عِلَّةٍ (مَعْنًى بِاعْتِبَارِ تَأْثِيرِهَا) فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ (وَ) إلَى عِلَّةٍ (حُكْمًا بِأَنْ يَتَّصِلَ بِهَا) الْحُكْمُ (بِلَا تَرَاخٍ وَهِيَ) أَيْ الْعِلَّةُ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا الْعِلَّةُ (الْحَقِيقِيَّةُ وَمَا سِوَاهُ) أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعِ (مَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ) كَمَا هُوَ مُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (وَالْحَقُّ أَنَّ تِلْكَ) أَيْ الْعِلَّةَ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا الْعِلَّةُ (التَّامَّةُ تُلَازِمُهَا وَمَا سِوَاهَا) أَيْ تِلْكَ (قَدْ يَكُونُ) عِلَّةً (حَقِيقِيَّةً لِدَوَرَانِهَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ (مَعَ الْعِلَّةِ مَعْنًى فَتَثْبُتُ) الْحَقِيقَةُ (فِي أَرْبَعَةٍ) التَّامَّةِ (كَالْبَيْعِ) الصَّحِيحِ (الْمُطْلَقِ) عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ (لِلْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ) الصَّحِيحِ (لِلْحِلِّ وَالْقَتْلِ) الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ (لِلْقِصَاصِ) وَفِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ (وَالْإِعْتَاقِ لِزَوَالِ الرِّقِّ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ عِلَّةٌ اسْمًا لِوَضْعِهِ لِمُوجِبِهِ الْمَذْكُورِ وَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَمَعْنًى لِأَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِيهِ وَحُكْمًا لِأَنَّ مُوجِبَهُ غَيْرُ مُتَرَاخٍ عَنْهُ غَيْرَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ (وَيَجِبُ كَوْنُهُ) أَيْ الْإِعْتَاقِ لِزَوَالِ الرِّقِّ (عَلَى قَوْلِهِمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا (أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (فَلِإِزَالَةِ الْمِلْكِ) أَيْ فَالْإِعْتَاقُ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ أَوْ زَوَالِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَهَذَا فِي الْبَيِّنِ. وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْمُرَكَّبَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ السَّبْعَةِ فَنَقُولُ (وَإِلَى الْعِلَّةِ اسْمًا فَقَطْ كَالْإِيجَابِ الْمُعَلَّقِ) بِشَرْطٍ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَمَّا أَنَّهُ عِلَّةٌ اسْمًا فَلِوَضْعِهِ لِحُكْمِهِ وَمِنْ ثَمَّةَ يَثْبُتُ بِهِ وَيُضَافُ إلَيْهِ بَعْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ مَعْنًى فَلِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي حُكْمِهِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا فَلِتَرَاخِي حُكْمِهِ عَنْهُ إلَى زَمَانِ وُجُوبِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (قِيلَ) أَيْ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَنَارِ (وَالْيَمِينُ قَبْلَ الْحِنْثِ لِلْإِضَافَةِ) لِلْحُكْمِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ إلَيْهَا (يُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لَكِنْ لَا يُؤَثِّرُ) الْيَمِينُ (فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْحُكْمِ قَبْلَ الْحُكْمِ (وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ لِلْحَالِ وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْيَمِينِ عِلَّةً اسْمًا إنَّمَا هُوَ (عَلَى) التَّعْرِيفِ (الثَّانِي) لِلْعِلَّةِ وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهَا الْحُكْمُ بِلَا وَاسِطَةٍ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْيَمِينَ (لَيْسَتْ بِمَوْضُوعَةٍ إلَّا لِلْبِرِّ وَإِلَى الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى فَقَطْ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) الشَّرْعِيِّ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا مَعًا (وَ) الْبَيْعُ (الْمَوْقُوفُ) كَبَيْعِ الْإِنْسَانِ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا وِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ وَيُسَمَّى بَيْعَ الْفُضُولِيِّ (لِوَضْعِهِ) أَيْ الْبَيْعِ شَرْعًا لِحُكْمِهِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ (وَتَأْثِيرِهِ فِي) إثْبَاتِ (الْحُكْمِ) عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ (وَإِنَّمَا تَرَاخَى) الْحُكْمُ عَنْهُ (لِمَانِعٍ) وَهُوَ اقْتِرَانُهُ بِالشَّرْعِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ وَعُدِمَ إذْنُ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُحْتَرَمَ لَا يَزُولُ بِدُونِ رِضَا الْمَالِكِ أَوْ الْقَائِمِ مَقَامَهُ (حَتَّى يَثْبُتَ) الْحُكْمُ (عِنْدَ زَوَالِهِ) أَيْ الْمَانِعِ بِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْخِيَارِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَوْ يُجِيزَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ (وَمِنْ وَقْتِ الْإِيجَابِ) أَيْ الْعَقْدِ (فَيَمْلِكُ) الْمُشْتَرِي (الْمَبِيعَ بِوَلَدِهِ الَّذِي حَدَثَ قَبْلَ زَوَالِهِ) أَيْ الْمَانِعِ. وَكَذَا سَائِرُ زَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ (بَعْدَ الْإِيجَابِ) وَهَذِهِ آيَةُ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِلَّةً لَا سَبَبًا لِأَنَّ السَّبَبَ يَثْبُتُ مَقْصُودًا لَا مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ نَعَمْ فُرِّقَ بَيْنَ الْبَيْعَيْنِ بِأَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ لِمَا تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَفِي الْمَوْقُوفِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِصِفَةِ التَّوَقُّفِ وَتَوَقُّفُ الشَّيْءِ لَا يُعْدِمُ أَصْلَهُ فَيَتَوَقَّفُ إعْتَاقُهُ عَلَيْهِ وَأَوْرَدَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ تَأَخُّرِ الْحُكْمِ فِي هَذَا وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ حُكْمًا فَعِنْدَنَا مَا يَنْفِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَصِيرُ مُؤَثِّرًا مِنْ الْأَصْلِ بِالْإِجَازَةِ أَوْ الْإِسْقَاطِ أَوْ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُسْتَنِدَةٌ إلَى زَمَانِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ مَعَهُ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ تَأَخَّرَ صُورَةً

لِمَا عُلِمَ مِنْ تَحْقِيقِ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فِي الزَّوَائِدِ وَالْعِتْقِ فِي الْمَوْقُوفِ فَلَا تَأْخِيرَ لِلْحُكْمِ عَنْهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَ الْحُكْمِ فِي السَّبَبِ فِي صُورَةِ الِاسْتِنَادِ مَمْنُوعٌ إذْ الْإِجَازَةُ وَغَيْرُهَا مُتَأَخِّرَةٌ حَقِيقَةً وَصُورَةً وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ فِي الزَّوَائِدِ وَالْعِتْقِ فِي الْمَوْقُوفِ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَلَكِنَّهُ إذَا ثَبَتَ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ وَإِنَّمَا تَحَقُّقُ الْأَحْكَامِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ بِطَرِيقِ التَّبْيِينِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّابِتِ بِهِ وَالثَّابِتِ بِالِاسْتِنَادِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالِاسْتِنَادِ مَا لَا يَكُونُ ثَابِتًا حَقِيقَةً وَشَرْعًا ثُمَّ يَثْبُتُ وَيَرْجِعُ إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَعَهُ حَقِيقَةً بَلْ يُوجِبُ خِلَافَ ذَلِكَ وَالثَّابِتُ بِطَرِيقِ التَّبْيِينِ ثَابِتٌ حَقِيقَةً مَعَ السَّبَبِ لَكِنَّهُ خَفِيٌّ فَيَنْظَهِرُ بَعْدَ زَمَانٍ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ حُكْمُ الِاسْتِنَادِ يَظْهَرُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْفَائِتِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ وَمَاتَ الْوَلَدُ ثُمَّ سَقَطَ الْخِيَارُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ الِاسْتِنَادِ فِي حَقِّ الْهَالِكِ حَتَّى لَا يَنْقُصَ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ التَّبْيِينِ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الِاسْتِنَادِ مُتَأَخِّرٌ حَقِيقَةً وَصُورَةً وَلَكِنَّهُ يَثْبُتُ تَقْدِيرًا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّرَاخِي هَذَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَرَاخَى لِمَانِعٍ عَلَى قَوْلِ مُجَوِّزِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُنْكِرِهِ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَيْهِ فَيُجَابُ بِمَا فِي التَّلْوِيحِ الْخِلَافُ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَلِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْصَافِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْأَحْكَامِ لَا فِي الْعِلَلِ الَّتِي هِيَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ كَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ انْتَهَى عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَوْ كَانَ فِي تَخْصِيصِهَا مُطْلَقًا لَكَانَ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُنْكِرَ يَقُولُ الْعِلَّةُ الْوَصْفُ الْمُدَّعَى عِلَّةً مَعَ خُلُوِّهِ عَنْ الْمَانِعِ حَتَّى يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَالْوَصْفُ مَعَ الْمَانِعِ جُزْءُ عِلَّةٍ وَالتَّخَلُّفُ عَنْ الْعِلَّةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مَعْنَى وَإِنَّمَا تَرَاخَى لِمَانِعٍ أَيْ إنَّمَا تَأَخَّرَ لِعَدَمِ تَمَامِ عِلَّتِهِ لِفَوَاتِ جُزْئِهَا وَهُوَ عَدَمُ الْمَانِعِ لِوُجُودِهِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ تَمَّتْ الْعِلَّةُ وَالْمُجِيزُ يَقُولُ الْخُلُوُّ عَنْ الْمَانِعِ لَيْسَ بِجُزْءِ عِلَّةٍ بَلْ الْوَصْفُ وَحْدَهُ هُوَ الْعِلَّةُ وَالتَّخَلُّفُ عَنْ حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ مُمْكِنٌ وَلَا يَظْهَرُ بِالتَّخَلُّفِ كَوْنُ الْوَصْفِ غَيْرَ عِلَّةٍ بَلْ هُوَ عِلَّةٌ حَقِيقَةً مَعَ التَّخَلُّفِ وَلَا إشْكَالَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (وَالْإِيجَابُ الْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ غَدًا لِوَضْعِهِ شَرْعًا لِحُكْمِهِ وَإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَتَأْثِيرِهِ فِيهِ. (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمُضَافِ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا (أَسْقَطَ التَّصَدُّقَ الْيَوْمَ مَا أَوْجَبَهُ قَوْلُهُ: عَلَيَّ التَّصَدُّقُ بِدِرْهَمٍ غَدًا) لِأَنَّهُ إذْ بَعْدَ انْعِقَاد سَبَبِهِ وَ (لَمْ يَلْزَمْهُ) التَّصَدُّقُ (فِي الْحَالِّ) لِتَرَاخِيهِ عَنْهُ إلَى الزَّمَانِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَنْهُ عِنْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ لَا مُسْتَنِدًا إلَى زَمَانِ الْإِيجَابِ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (النِّصَابُ) لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ عِلَّتُهُ اسْمًا لِوَضْعِهِ فِي الشَّرْعِ وَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ وَمَعْنًى لِتَأْثِيرِهِ فِيهِ لِأَنَّ النَّمَاءَ يُعْقَلُ تَأْثِيرُهُ فِي وُجُوبِ الْإِحْسَانِ إلَى الْغَيْرِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي النِّصَابِ لَا حُكْمًا لِتَرَاخِيهِ إلَى تَحَقُّقِ زَمَانِ النَّمَاءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّ لِهَذَا) أَيْ النِّصَابِ (شَبَهًا بِالسَّبَبِ لِتَرَاخِي حُكْمِهِ إلَى مَا يُشْبِهُ الْعِلَّةَ) مِنْ جِهَةِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ مَا يُشْبِهُ الْعِلَّةَ (النَّمَاءُ الَّذِي أُقِيمَ الْحَوْلُ الْمُمْكِنُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النَّمَاءِ (مُقَامَهُ) أَيْ النَّمَاءِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَالنَّمَاءُ فِي الْحَقِيقَةِ فَضْلٌ عَلَى الْغَنِيِّ مُوجِبٌ لِلْإِحْسَانِ كَأَصْلِ الْغَنِيِّ وَيَثْبُتُ فِيهِ الْيُسْرُ فِي الْوَاجِبِ وَيَزْدَادُ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِيهِ فَكَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْوُجُوبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَكَانَ شَبِيهًا بِعِلَّةِ الْوُجُوبِ (لَا) إلَى (الْعِلَّةِ وَإِلَّا) لَوْ كَانَ إلَى الْعِلَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ حَقِيقَةُ الْعِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ (تَمَحَّضَ) النِّصَابُ (سَبَبًا) لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الَّذِي يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَحِّضٍ سَبَبًا لَهُ لِأَنَّ النَّمَاءَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّكَاةِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ وَصْفٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فِي الْوُجُودِ ثُمَّ لَوْ فُرِضَ أَنَّ النَّمَاءَ حَقِيقَةُ الْعِلِّيَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ لَكَانَ لِلنِّصَابِ حَقِيقَةُ السَّبَبِيَّةِ كَمَا إذَا دَلَّ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَسَرَقَهُ فَإِنَّ الدَّلَالَةَ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ لَا يُشْبِهُ الْعِلَّةَ أَصْلًا فَإِذَا كَانَ لِلنَّمَاءِ شَبَهُ الْعِلِّيَّةِ كَانَ لِلنِّصَابِ شَبَهُ السَّبَبِيَّةِ لِأَنَّ تَوَسُّطَ حَقِيقَةِ الْعِلِّيَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ يُوجِبُ حَقِيقَةَ السَّبَبِيَّةِ فَتَوَسُّطُ شَبَهِ الْعِلِّيَّةِ يُوجِبُ شَبَهَ السَّبَبِيَّةِ ثُمَّ شَبَهُ النِّصَابِ غَالِبٌ عَلَى شَبَهِهِ بِالسَّبَبِ لِأَنَّ شَبَهَهُ بِالْعِلِّيَّةِ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ إذْ النِّصَابُ

أَصْلٌ لِوَصْفِهِ وَشَبَهُهُ بِالسَّبَبِ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ تَوَقُّفِ حُكْمِهِ عَلَى النَّمَاءِ الَّذِي هُوَ وَصْفُهُ وَتَابِعٌ لَهُ. وَالشَّبَهُ الْحَاصِلُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لِأَصَالَتِهِ رَاجِحٌ عَلَى الشَّبَهِ الْمُتَحَقِّقِ لَهُ مِنْ جِهَةِ وَصْفِ التَّابِعِ لَهُ إذْ الْحَاصِلُ بِالذَّاتِ لِأَصَالَتِهَا وَاسْتِقْلَالِهَا رَاجِحٌ عَلَى الْحَاصِلِ بِوَاسِطَةِ الْوَصْفِ التَّابِعِ الْغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ النِّصَابُ قَبْلَ الْحَوْلِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لَيْسَ فِيهِ شَبَهُ السَّبَبِ وَالْحَوْلُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَلِ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ تَيْسِيرًا كَالسَّفَرِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَلِهَذَا صَحَّ تَعْجِيلُهُ قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ وَصْفُ كَوْنِهِ حَوْلِيًّا مِنْ الْعِلِّيَّةِ لَمَا صَحَّ التَّعْجِيلُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ قَبْلَ تَمَامِ النِّصَابِ قُلْنَا لَوْ كَانَ النِّصَابُ عِلَّةً تَامَّةً لِوُجُوبِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ لَوَجَبَتْ بِاسْتِهْلَاكِهِ فِي الْحَوْلِ كَمَا فِيمَا بَعْدَهُ وَإِنَّمَا صَحَّ التَّعْجِيلُ لِأَنَّ النِّصَابَ لَمَّا كَانَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شَبَهِ الرَّاجِعَةِ بِاعْتِبَارِ النَّمَاءِ وَكَانَ هَذَا الْوَصْفُ غَيْرَ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْمَوْصُوفِ اسْتَنَدَ عِنْدَ ثُبُوتِهِ إلَى أَصْلِ النِّصَابِ فَصَارَ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ مُتَّصِفًا بِأَنَّهُ حَوْلِيٌّ وَاسْتَنَدَ الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ إلَى أَوَّلِهِ أَيْضًا فَصَحَّ التَّعْجِيلُ بِنَاءً عَلَى هَذَا لِوُقُوعِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْعِلِّيَّةِ تَقْدِيرًا وَبِهَذَا أَيْضًا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ قَبْلَ الْحَوْلِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْعِلِّيَّةِ لِأَنَّ وَصْفَ النَّمَاءِ كَالْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ عِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الْحَوْلِ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ نَعَمْ هَذَا الْمُعَجَّلُ إنَّمَا يَصِيرُ زَكَاةً إذَا انْقَضَى الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ وَصْفِ الْعِلِّيَّةِ أَوَّلَ الْحَوْلِ ثُمَّ اسْتِنَادِ وَصْفِهَا إلَى أَوَّلِهِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَالْحَوْلُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ وَيَصِيرُ الدَّيْنُ حَالًّا وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُزَكِّي فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ سَقَطَ الْوَاجِبُ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ تَرِكَتِهِ وَالْمَدْيُونُ يَمْلِكُ إسْقَاطَ الْأَجَلِ وَالْمُزَكِّي لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ الْحَوْلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ) إذْ هُوَ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْأُجْرَةِ اسْمًا لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَيْهِ وَمَعْنًى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِمَا (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهِ عِلَّةً لَهُ اسْمًا وَمَعْنًى (صَحَّ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ) قَبْلَ الْوُجُوبِ وَاشْتِرَاطُ تَعْجِيلِهَا كَمَا صَحَّ أَدَاءُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ (وَلَيْسَ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ (عِلَّةً حُكْمًا) لِلْمَنَافِعِ (لِعَدَمِ الْمَنَافِعِ) الَّتِي تُوجَدُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقْتَ عَقْدِهَا (وَ) عَدَمِ (ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا) أَيْ الْمَنَافِعِ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ. (وَكَذَا) هُوَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا (فِي الْأُجْرَةِ) أَيْ لَا تُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَلَمَّا لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ فِي الْحَالِ فَكَذَا هِيَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الثُّبُوتِ كَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ عَقْدَ الْإِجَارَةِ (وُضِعَ لِمِلْكِهِمَا) أَيْ الْمَنَافِعِ وَالْأُجْرَةِ (وَ) هُوَ (الْمُؤَثِّرُ فِيهِمَا) أَيْ الْمَنَافِعِ وَالْأُجْرَةِ مِلْكًا كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَكَانَ التَّعَرُّضُ لِذِكْرِ هَذَا أَوَّلًا كَمَا ذَكَرْنَا أَوْلَى (وَيُشْبِهُ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ (السَّبَبَ لِمَا فِيهِ) أَيْ عَقْدِهَا (مِنْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ فِي حَقِّ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ إلَى مُقَارَنَتِهِ) أَيْ انْعِقَادِهَا (الِاسْتِيفَاءَ) لِلْمَنْفَعَةِ (إذْ لَا بَقَاءَ لَهَا) أَيْ لِلْمَنْفَعَةِ يَعْنِي الْإِجَارَةَ. فَإِنْ صَحَّتْ فِي الْحَالِ بِإِقَامَةِ الْعَيْنِ مُقَامَ الْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنَّهَا فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ مُضَافَةٌ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ كَأَنَّهَا تَنْعَقِدُ حِينَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ لِيَقْتَرِنَ الِانْعِقَادُ بِالِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْإِجَارَةُ عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ (وَمِمَّا يُشْبِهُ السَّبَبَ) أَيْ وَمِنْ الْعِلَلِ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا الشَّبِيهَةُ بِالسَّبَبِ (مَرَضُ الْمَوْتِ) إذْ هُوَ (عِلَّةُ) اسْمًا وَمَعْنًى (الْحَجْرِ عَنْ التَّبَرُّعِ) بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمُحَابَاةِ وَنَحْوِهَا (لِحَقِّ الْوَارِثِ) أَيْ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَارِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَعْنِي (مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ وُضِعَ فِي الشَّرْعِ لِلتَّغْيِيرِ مِنْ الْإِطْلَاقِ إلَى الْحَجْرِ ثُمَّ الْحَجْرُ عَنْ هَذَا مُضَافٌ إلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ مُؤَثِّرٌ فِيهِ أَيْضًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ حَدِيثُ «سَعِيدٍ حَيْثُ قَالَ أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا قَالَ فَبِالنِّصْفِ قَالَ لَا قَالَ فَبِالثُّلُثِ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّكَ إنْ تَدَعْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيُشْبِهُ) مَرَضُ الْمَوْتِ (السَّبَبَ لِأَنَّ الْحُكْمَ) الَّذِي هُوَ الْحَجْرُ (يَثْبُتُ بِهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَرَضٌ مُمِيتٌ وَلَمَّا كَانَ) الْمَوْتُ (مُنْعَدِمًا فِي الْحَالِ لَمْ يَثْبُتْ الْحَجْرُ فَصَارَ الْمُتَبَرَّعُ بِهِ مِلْكًا) لِلْمُتَبَرَّعِ لَهُ (لِلْحَالِ) لِانْعِدَامِ الْمَانِعِ حِينَئِذٍ (فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَمْلِيكٍ) جَدِيدٍ (لَوْ بَرِئَ) لِاسْتِمْرَارِ الْمَانِعِ عَلَى الْعَدَمِ. (وَإِذَا مَاتَ صَارَ

كَأَنَّهُ تَصَرَّفَ بَعْدَ الْحَجْرِ) لِاتِّصَافِ الْمَرَضِ بِكَوْنِهِ مُمِيتًا مِنْ أَوَّلِ وُجُودِهِ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَحْدُثُ بِآلَامٍ وَعَوَارِضَ مُزِيلَةٍ لِقُوَى الْحَيَاةِ مِنْ ابْتِدَاءِ الْمَرَضِ فَيُضَافُ إلَيْهِ كُلِّهِ وَإِذَا اسْتَنَدَ الْوَصْفُ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ اسْتَنَدَ بِحُكْمِهِ (فَتَوَقَّفَ) نَفَاذُهُ (عَلَى إجَازَتِهِمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ. (وَكَذَا التَّزْكِيَةُ) أَيْ تَعْدِيلُ شُهُودِ الزِّنَا (عِلَّةُ وُجُوبِ الْحُكْمِ بِالرَّجْمِ) لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ ثُمَّ ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ هَذَا عِلَّةٌ لَهُ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَأَنَّهُ يُشْبِهُ السَّبَبَ وَسَيَظْهَرُ وَجْهُ كَوْنِهِ عِلَّةً لَهُ اسْمًا وَمَعْنًى وَشَبَهِهِ بِالسَّبَبِ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا فَلَا لِعَدَمِ تَرَاخِيهِ عَنْهُ (لَكِنَّ) كَوْنَ التَّزْكِيَةِ عِلَّةً (بِمَعْنَى عِلَّةِ الْعِلِّيَّةِ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ الرَّجْمَ دُونَهَا) أَيْ التَّزْكِيَةِ بَلْ تُفِيدُ ظُهُورَهُ وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ كَمَا يُعْلَمُ قَرِيبًا فَيَكُونُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى التَّزْكِيَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (فَلَوْ رَجَعَ الْمُزَكُّونَ) وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ (ضَمِنُوا الدِّيَةَ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ) التَّزْكِيَةُ وَذِكْرُ الرَّاجِعِ إلَيْهَا بِاعْتِبَارِ التَّعْدِيلِ (صِفَةً لِلشَّهَادَةِ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الشَّهَادَةِ أَيْضًا فَأَيِّ الْفَرِيقَيْنِ رَجَعَ ضَمِنَ (وَعِنْدَهُمَا لَا) يَضْمَنُ الْمُزَكُّونَ إذَا رَجَعُوا لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خَيْرًا بِأَنْ قَالُوا هُوَ مُحْصَنٌ وَالضَّمَانُ يُضَافُ إلَى سَبَبٍ هُوَ تَعَدٍّ لَا إلَى مَا هُوَ حَسَنٌ وَخَيْرٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ رَجَعُوا مَعَ الْمُزَكِّينَ لَمْ يَضْمَنْ الْمُزَكُّونَ شَيْئًا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُزَكِّينَ لَيْسُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا مَا لَيْسَ بِمُوجِبٍ مُوجِبًا إذْ الشَّهَادَةُ بِالزِّنَا بِدُونِ الْإِحْصَانِ مُوجِبٌ لِلْعُقُوبَةِ وَالشَّهَادَةُ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ التَّزْكِيَةِ فَالْمُزَكُّونَ أَعْمَلُوا سَبَبَ التَّلَفِ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي فَضَمِنُوا. وَأَمَّا إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ مَعَهُمْ فَقَدْ انْقَلَبَتْ الشَّهَادَةُ تَعَدِّيًا وَأَمْكَنَ الْإِضَافَةُ إلَيْهَا عَلَى الْمَقْصُودِ لِأَنَّهَا تَعَدٍّ لَمْ يَحْدُثْ بِالتَّزْكِيَةِ لِاخْتِيَارِهِمْ فِي الْأَدَاءِ فَلَمْ يُضَفْ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ (وَكُلُّ عِلَّةِ عِلَّةٍ) هِيَ (عِلَّةٌ شَبِيهَةٌ بِالسَّبَبِ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَهُوَ) أَيْ عِلَّةُ الْعِلَّةِ الشَّبِيهَةِ بِالسَّبَبِ (السَّبَبُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ أَمَّا عِلَّةٌ فَلِأَنَّ الْعِلَّةَ لَمَّا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى) هِيَ الْأُولَى (كَانَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَيْهَا) أَيْ الْأُولَى (بِوَاسِطَةِ الثَّانِيَةِ فَهِيَ) أَيْ الْأُولَى (كَعِلَّةٍ تُوجِبُ) الْحُكْمَ (يُوصَفُ لَهَا) قَائِمٌ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ (فَيُضَافُ) الْحُكْمُ (إلَيْهَا) أَيْ الْأُولَى (دُونَ) الْمُتَخَلِّلَةِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ (الصِّفَةِ) كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ دُونَ الْوَصْفِ (وَأَمَّا الشَّبَهُ) بِالسَّبَبِ (فَلِأَنَّهَا) أَيْ الْأُولَى (لَا تُوجِبُ) الْحُكْمَ (إلَّا بِوَاسِطَةٍ) بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَهِيَ الثَّانِيَةُ كَمَا أَنَّ السَّبَبَ كَذَلِكَ (وَحَقِيقَةُ هَذَا نَفْيُ الْعِلَّةِ) لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى وَاسِطَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعْلُولِ (مِثَالُ ذَلِكَ) أَيْ عِلَّةِ الْعِلَّةِ الشَّبِيهَةِ بِالسَّبَبِ (شِرَاءُ الْقَرِيبِ فَإِنَّمَا هُوَ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْعِلَّةِ لِلْعِتْقِ فَهُوَ) أَيْ شِرَاؤُهُ (عِلَّةُ الْعِلَّةِ) لِلْعِتْقِ (فَبَيْنَ الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَالْعِلَّةِ الَّتِي تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِصِدْقِهِمَا فِيمَا قَبْلَهُ) أَيْ قِسْمِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ مِنْ النِّصَابِ وَمَا بَعْدَهُ (وَانْفِرَادِ) قِسْمِ الْعِلَّةِ (الْمُشَبَّهَةِ) بِالسَّبَبِ (فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ) فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّرَاخِي لِيَصْدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا أَيْضًا (وَ) انْفِرَادُ (الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ) الْخِيَارِ الشَّرْعِيِّ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا (وَالْمَوْقُوفُ وَإِلَى عِلَّةٍ مَعْنًى وَحُكْمًا كَآخِرِ) أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ (الْمُرَكَّبَةِ) مِنْ وَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ مُتَرَتِّبَيْنِ فِي الْوُجُودِ لِوُجُودِ التَّأْثِيرِ وَالِاتِّصَالِ (لَا اسْمًا إذَا لَمْ يُضَفْ) الْحُكْمُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى هَذَا الْجُزْءِ الْأَخِيرِ (فَقَطْ) بَلْ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الْمَجْمُوعِ وَهَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ وَمَشَى عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ وَذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ إلَى أَنَّ مَا عَدَا الْأَخِيرِ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَيَصِيرُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ كَمَا فِي أَثْقَالِ السَّفِينَةِ وَالْقَدَحِ الْأَخِيرِ فِي السُّكْرِ وَعَزَاهُ فِي التَّلْوِيحِ إلَى الْمُحَقِّقِينَ. قُلْت وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ عِلَّةً اسْمًا أَيْضًا. فَإِنْ قُلْت لَا لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي كَوْنِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْحُكْمُ عِلَّةً اسْمًا أَنْ تَكُونَ إضَافَتُهُ إلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالْحُكْمُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الْأَخِيرِ بِوَاسِطَةِ تَحْقِيقِ مَا قَبْلَهُ مَعَهُ. قُلْت كَوْنُ الْحُكْمِ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ بَعْدَ تَحَقُّقِ مَا قَبْلَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَيْسَ الشَّرْطُ فِي كَوْنِهِ عِلَّةً اسْمًا انْتِفَاءَ الْوَاسِطَةِ فِي إضَافَتِهِ إلَيْهِ

فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ فِي إطْلَاقِ إضَافَتِهِ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا التَّقْسِيمِ وَالْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ مِثَالِهِمْ لَهُ وَهُوَ مِلْكُ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ لِلْعِتْقِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ مُؤَثِّرٌ فِي الْعِتْقِ أَمَّا الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَالرِّقُّ يُوجِبُ الْمَذَلَّةَ وَإِذَا صِينَتْ عَنْ أَدْنَى الرِّقَّيْنِ وَهُوَ النِّكَاحُ احْتِرَازًا عَنْ الْقَطْعِ فَلَأَنْ تُصَانَ عَنْ أَعْلَاهُمَا أَوْلَى. وَأَمَّا الْمِلْكُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» وَيَفُوتُ الْعِتْقُ بِفَوَاتِ كِلَيْهِمَا فَلَا جَرَمَ أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ الْمِلْكُ عَنْ الْقَرَابَةِ أُضِيفَ الْعِتْقُ إلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ بَلْ إلَى الْمَجْمُوعِ لَمَا كَانَ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا وَلَمَا وَقَعَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْقَرَابَةُ أُضِيفَ الْعِتْقُ إلَيْهَا حَتَّى لَوْ وَرِثَا عَبْدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ اشْتَرَيَا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ غَرِمَ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَصِيرُ مُعْتِقًا بِوَاسِطَةِ الْقَرَابَةِ وَإِلَّا لَمَا غَرِمَ لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ كَمَا لَوْ وَرِثَا قَرِيبَ أَحَدِهِمَا نَعَمْ إذَا قِيلَ بِأَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِلْحُكْمِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ صَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ اسْمًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ لَمْ يُوضَعْ فِي الشَّرْعِ لِلْعِتْقِ وَإِنَّمَا الْمَوْضُوعُ لَهُ مِلْكُ الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ الْمُحَرَّمِ لَكِنَّ فِي وُجُوبِهِ نَظَرًا لِجَعْلِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ عِلَّةً اسْمًا لِلْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ إلَّا لِلْبِرِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَالِفًا ثُمَّ قَدْ أَوْرَدَ عَلَى إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَى الشَّاهِدِ الْأَخِيرِ حَتَّى يَضْمَنَ كُلَّ الْمُتْلَفِ إذَا رَجَعَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَعْمَلُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ يَقَعُ بِالْمَجْمُوعِ فَيَضْمَنُ الرَّاجِعُ أَيًّا كَانَ نِصْفَ الْمُتْلَفِ ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إلَى الْعِلَّةِ إذَا تَرَكَّبَتْ مِنْ وَصْفَيْنِ أَوْ أَوْصَافٍ هَلْ يَكُونُ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً أَوْ صِفَةُ الِاجْتِمَاعِ أَوْ وَصْفٌ مِنْهَا غَيْرُ عَيْنٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهِ الِاجْتِمَاعُ فَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْأَوَّلَ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ الثَّانِيَ أَوْ الثَّالِثَ فَسَفِينَةٌ لَا تَغْرَقُ بِوَضْعِ كُرٍّ فِيهَا وَتَغْرَقُ إذَا زِيدَ عَلَيْهِ قَفِيزٌ فَوَضَعَهُمَا إنْسَانٌ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِيهَا فَغَرِقَتْ وَتَلِفَ مَا فِيهَا فَعِنْدَ الْأَوَّلِينَ يُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِمَا وَعِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّانِي إلَى صِفَةِ الِاجْتِمَاعِ وَعِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ إلَى قَفِيزٍ مِنْهَا غَيْرِ عَيْنٍ وَيَسْتَوِي الْجَوَابُ بَيْنَ أَنْ يُلْقِيَهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْكُلُّ لَا يَتَحَقَّقُ التَّلَفُ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ الطَّرْحُ مِنْ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْكُلِّ إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا طَرَحَهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا أَوْ كَانَ مَأْذُونًا مِنْ صَاحِبِهَا بِطَرْحِ الْكُرِّ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِوَضْعِ مُتْلِفٍ وَإِنْ كَانَ الطَّرْحُ مِنْ اثْنَيْنِ. فَإِنْ طَرَحَا مَعًا فَعَلَيْهِمَا أَوْ مُتَعَاقِبًا فَعَلَى الْأَخِيرِ مِنْهُمَا عِنْدَنَا وَعَلَيْهِمَا عِنْدَ زُفَرَ لِأَنَّ التَّلَفَ حَقِيقَةً حَصَلَ بِالْكُلِّ أَوْ تَزَايُدِ غَيْرِ عَيْنٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعَاقُبِ وَالْقِرَانِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا التَّلَفُ حَقِيقَةً وَإِنْ حَصَلَ كَمَا قَالَ فَالْأَوْصَافُ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا تَنْعَقِدُ عِلَّةُ التَّلَفِ بِدُونِ الْوَصْفِ الْأَخِيرِ فَصَارَ هُوَ الْمُحَصِّلَ لِوَصْفِ الِاجْتِمَاعِ وَالْمُتْلِفُ هُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ أَوْ لِأَنَّ بِالْأَخِيرِ يَصِيرُ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا مُتْلِفًا لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَلَمْ يَعْمَلْ فِي التَّلَفِ فَصَارَ هُوَ الْجَاعِلَ إيَّاهُ عِلَّةً وَالْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَمَا إلَى نَفْسِهَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ مُلَخَّصٌ فِي الْمِيزَانِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْمَجْمُوعِ قَوْلُ زُفَرَ وَإِلَى الْأَخِيرِ قَوْلُ الْبَاقِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَإِلَى عِلَّةٍ اسْمًا وَحُكْمًا كُلُّ مَظِنَّةٍ) لِلْمَعْنَى الْمُؤَثِّرِ (أُقِيمَتْ مُقَامَ حَقِيقَةِ الْمُؤَثِّرِ) لِخَفَائِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ أَوْ احْتِيَاطًا (كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ لِلتَّرَخُّصِ) بِرُخْصِهِمَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِلَّةٌ لَهُ اسْمًا لِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الرُّخْصُ يُضَافُ إلَيْهِمَا فَيُقَالُ رُخْصَةُ السَّفَرِ وَرُخْصَةُ الْمَرَضِ وَحُكْمًا لِأَنَّ الرُّخْصَ يَثْبُتُ عِنْدَ وُجُودِهَا (لَا مَعْنًى لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ) فِي تَرَخُّصِهِمَا هُوَ (الْمَشَقَّةُ) لَا نَفْسُ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ لَكِنَّهُمَا أُقِيمَا مُقَامَهَا لِخَفَائِهَا وَلِكَوْنِهِمَا سَبَبَهَا إقَامَةً لِسَبَبِ الشَّيْءِ مَقَامَ الشَّيْءِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي السَّفَرِ فَإِنَّ جَوَازَ التَّرَخُّصِ لِلْمُسَافِرِ مَنُوطٌ بِمُطْلَقِهِ لِعَدَمِ تَنَوُّعِهِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ وَإِنْ كَانَ فِي رَفَاهِيَةٍ لَا يَخْلُو عَنْ مَشَقَّةٍ عَادَةً وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ هُوَ قَطْعُ مَسَافَاتٍ وَفِيهِ مَسَافَاتٌ لَا فِي الْمَرَضِ لِتَنَوُّعِهِ إلَى مَا يَكُونُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ وَهُوَ الْمُنَاطُ بِهِ رُخْصَةُ الْإِفْطَارِ وَإِلَى مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَنُوطَةٍ بِهِ

(وَكَالنَّوْمِ) مُضْطَجِعًا وَنَحْوِهِ (لِلْحَدَثِ إذْ الْمُعْتَبَرُ) فِي تَحَقُّقِ الْحَدَثِ (خُرُوجُ النَّجَسِ) مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ مِنْ الْبَدَنِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ النَّوْمَ (عِلَّةُ سَبَبِهِ) أَيْ خُرُوجِ النَّجَسِ (الِاسْتِرْخَاءِ) بِالْجَرِّ أَيْ عِلَّةُ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ الْمُوجِبِ لِزَوَالِ الْمَسْكَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْخُرُوجِ لَا عِلَّةُ نَفْسِ الْخُرُوجِ (فَأُقِيمَ) النَّوْمُ (مُقَامَهُ) أَيْ خُرُوجِ النَّجَسِ إقَامَةً لِعِلَّةِ السَّبَبِ لِلشَّيْءِ مُقَامَ ذَلِكَ الشَّيْءِ احْتِيَاطًا فِي الْعِبَادَاتِ (فَكَانَ) النَّوْمُ (عِلَّةً اسْمًا) لِلْحَدَثِ (لِإِضَافَةِ الْحَدَثِ) إلَيْهِ فَيُقَالُ حَدَثُ النَّوْمِ وَحُكْمًا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ النَّوْمِ لَا مَعْنًى لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْحَدَثِ إنَّمَا هُوَ الْخُرُوجُ الْمَذْكُورُ (وَإِلَى عِلَّةٍ مَعْنًى فَقَطْ وَهُوَ بَعْضُ أَجْزَاءِ) الْعِلَّةِ (الْمُرَكَّبَةِ) مِنْ وَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ فِي حُكْمٍ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَعْضِ (غَيْرَ) الْجُزْءِ (الْأَخِيرِ) مِنْهَا إذْ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُؤَثِّرٌ فِي الْجُمْلَةِ فِي الْحُكْمِ وَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْمَجْمُوعِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ) هَذَا الْبَعْضُ (سَبَبًا) لِلْحُكْمِ (لَوْ تَقَدَّمَ) عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مَوْضُوعٍ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ وَهَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ (خِلَافًا لِأَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ) السَّرَخْسِيِّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا سَبَبٌ إذَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ تَتِمَّ الْعِلَّةُ فَكَانَ الْمَبْدَأُ مُعْتَبَرًا لِتَمَامِ الْعِلَّةِ وَكَالطَّرِيقِ إلَى الْمَقْصُودِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْبَاقِي وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ وُجُودُ غَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ فَكَانَ سَبَبًا وَإِنَّمَا ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ بَلْ لَهُ شَبَهُ الْعِلِّيَّةِ (وَإِنْ لَمْ يَجِبْ) الْحُكْمُ (عِنْدَهُ لِفَرْضِ عَقْلِيَّةِ دَخْلِهِ فِي التَّأْثِيرِ) فِي الْحُكْمِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ سَبَبًا مَحْضًا فَانْتَفَى مَا فِي التَّلْوِيحِ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِأَجْزَاءِ الْعِلَّةِ فِي أَجْزَاءِ الْمَعْلُولِ وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ تَمَامُ الْعِلَّةِ فِي تَمَامِ الْمَعْلُولِ انْتَهَى. إذْ لَا مُخَالَفَةَ لَهُ فِي شَيْءٍ إذْ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ: الْمُؤَثِّرُ تَمَامُ الْعِلَّةِ فِي تَمَامِ الْمَعْلُولِ الْمُؤَثِّرُ التَّامُّ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ لِلْجُزْءِ أَثَرٌ مَا فِي تَمَامِ الْمَعْلُولِ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فِي الْعِلِّيَّةِ (وَلِذَا) أَيْ فَرْضِ عَقْلِيَّةِ دَخْلِهِ فِي التَّأْثِيرِ (جَعَلُوا) أَيْ أَصْحَابُنَا (كُلًّا مِنْ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ مُحَرِّمًا لِلنَّسِيئَةِ لِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ بِالْجُزْئِيَّةِ) أَيْ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ لِأَنَّ لِرِبَا النَّسِيئَةِ شُبْهَةَ الْفَضْلِ فَإِنَّ لِلنَّقْدِ مَزِيَّةً عَلَى النَّسِيئَةِ عُرْفًا حَتَّى كَانَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ نَقْدًا (فَامْتَنَعَ إسْلَامُ حِنْطَةٍ فِي شَعِيرٍ وَ) إسْلَامُ ثَوْبٍ (قُوهِيٍّ فِي) ثَوْبٍ (قُوهِيٍّ) وَهُوَ نِسْبَةٌ إلَى قُوهِسْتَانَ كُورَةٍ مِنْ كُوَرِ فَارِسٍ لِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ (وَالشُّبْهَةُ مَانِعَةٌ هُنَا) أَيْ فِي رِبَا النَّسِيئَةِ (لِلنَّهْيِ عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ) أَيْ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَشَبَهِهِ إلَّا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الرِّيبَةِ أَفَادَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى حَدِيثِ «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» فَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ وَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ أَيْ مَا يُشَكِّكُ وَيُحَصِّلُ فِيك الرِّيبَةَ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ قَلَقُ النَّفْسِ وَاضْطِرَابُهَا فَهِيَ إذَنْ بِكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ السَّاكِنَةِ ثُمَّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَفَادَ أَنَّ مَنْ رَوَى الرِّيبَةَ عَلَى حُسْبَانِ أَنَّهَا تَصْغِيرُ الرِّبَا فَقَدْ أَخْطَأَ لَفْظًا وَمَعْنًى وَعَلَى هَذَا فَفِي ثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ بِهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِأَنَّ حُرْمَةَ النِّسَاءِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَهُوَ أَسْرَعُ ثُبُوتًا مِنْ حُرْمَةِ الْفَضْلِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونُ يَدًا بِيَدٍ» فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْفَضْلِ لِأَنَّهَا أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ وَلَهَا عِلَّةٌ مَعْلُومَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا يَثْبُتُ بِمَا هُوَ دُونَهَا فِي الدَّرَجَةِ (وَخَرَجَ الْعِلَّةُ حُكْمًا فَقَطْ عَلَى الشَّرْطِ) كَدُخُولِ الدَّارِ (فِي تَعْلِيقِ الْإِيجَابِ) كَأَنْتِ طَالِقٌ (لِثُبُوتِ الْحُكْمِ) وَهُوَ الطَّلَاقُ (عِنْدَهُ) أَيْ دُخُولِ الدَّارِ (مَعَ انْتِفَاءِ الْوَضْعِ) أَيْ وَضْعِ دُخُولِ الدَّارِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ (وَالتَّأْثِيرِ) لَهُ فِيهِ. (وَكَذَا الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ السَّبَبِ الدَّاعِي) أَيْ الْحُكْمِ (الْمُقَامِ) مُقَامَ الْمُسَبَّبِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ (إذَا كَانَ) السَّبَبُ الدَّاعِي (مُرَكَّبًا) مِنْ جُزْأَيْنِ فَصَاعِدًا عِلَّةً حُكْمًا فَقَطْ لِوُجُودِ الِاتِّصَالِ مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ لَهُ وَلَا إضَافَةٍ إلَيْهِ وَلَا تَأْثِيرٍ لَهُ فِيهِ وَإِذَا كَانَ السَّبَبُ الدَّاعِي لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ فَكَيْفَ بِجُزْئِهِ وَالْمُخْرِجُ لِلْعِلَّةِ حُكْمًا فَقَطْ عَلَى هَذَيْنِ

المرصد الثاني في شروط العلة

صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَمَا أُقِيمَ مِنْ دَلِيلٍ مُقَامَ مَدْلُولِهِ كَالْإِخْبَارِ عَنْ الْمَحَبَّةِ) فِي إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لِوُجُودِ الطَّلَاقِ عِنْدَ إخْبَارِهَا عَنْ حُبِّهَا لَهُ مَعَ انْتِفَاءِ وَضْعِهِ لَهُ وَتَأْثِيرِهِ فِيهِ وَإِنَّمَا أُقِيمَ الدَّلِيلُ مُقَامَ الْمَدْلُولِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرٍ ثُمَّ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَلَكِنَّهُ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَتْ عَنْ الْمَحَبَّةِ خَارِجَ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّخْيِيرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ إلَى إخْبَارِهَا وَالتَّخْيِيرَ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَوْ كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْأَخْبَارِ يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةٍ غَيْرِهَا وَلَا مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ فَصَارَ الشَّرْطُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَحَبَّةِ وَقَدْ وُجِدَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْعِلَّةِ حُكْمًا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ فَلَعَلَّهُ مِنْ تَخْرِيجِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ] (الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (اسْتَلْزَمَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيفِهَا اشْتِرَاطَ الظُّهُورِ وَالِانْضِبَاطِ) أَيْ كَوْنِهَا وَصْفًا ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا فِي نَفْسِهِ (وَمَظِنِّيَّةَ الْحِكْمَةِ) أَيْ وَكَوْنِهَا مَظِنَّةً لِلْحِكْمَةِ الَّتِي شُرِعَ الْحُكْمُ لِأَجْلِهَا (أَوَّلًا أَوْ بِوَاسِطَةِ مَظِنَّةٍ أُخْرَى فَلَزِمَتْ الْمُنَاسَبَةُ) أَيْ كَوْنُهَا مُنَاسِبَةً لِلْحُكْمِ الَّذِي شُرِعَتْ لَهُ (وَعَدَمُ الطَّرْدِ) أَيْ مُجَرَّدُ وُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهَا كَمَا سَلَفَ بَيَانُهُ (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ (أَنْ لَا يَكُونَ عَدَمًا لِوُجُودِيٍّ لِطَائِفَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ) مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ (وَغَيْرِهِمْ) كَابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَعَزَاهُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ إلَى الْجُمْهُورِ (وَالْأَكْثَرُ) مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ مَذْهَبُهُمْ (الْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ كَوْنِهَا عَدَمًا لِوُجُودِيٍّ كَقَلْبِهِ اتِّفَاقًا (قِيلَ وَجَوَازُ) تَعْلِيلِ (الْعَدَمِيِّ بِهِ) أَيْ بِالْعَدَمِيِّ كَعَدَمِ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ بِعَدَمِ الْعَقْلِ (اتِّفَاقٌ) ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ قَالَ (النَّافِي) لِتَعْلِيلِ الْوُجُودِيِّ بِالْعَدَمِيِّ (الْعِلَّةُ) هِيَ الْأَمْرُ (الْمُنَاسِبُ) لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ (أَوْ مَظِنَّتِهِ) أَيْ الْمُنَاسِبُ إذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْوَصْفَ الْجَامِعَ بِحَسَبِ أَنْ يَكُونَ بَاعِثًا بِأَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ وَأَنَّ الْبَاعِثَ مُنْحَصِرٌ فِي الْمُنَاسِبِ وَمَظِنَّتِهِ وَهُوَ مَا يُلَازِمُهُ (وَالْعَدَمُ الْمُطْلَقُ ظَاهِرٌ) أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ وَلَا مَظِنَّتُهُ بَلْ نِسْبَتُهُ إلَى جَمِيعِ الْمُحَالِ وَالْأَحْكَامِ سَوَاءٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً. (وَ) الْعَدَمُ (الْمُضَافُ إمَّا) مُضَافٌ (إلَى مَا فِي الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ إلَى شَيْءٍ فِي شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ (مَصْلَحَةً) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (فَهُوَ) أَيْ الْعَدَمُ الْمُضَافُ (مَانِعٌ) مِنْ الْحُكْمِ لِعَدَمِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ وَعَدَمُ الْمَصْلَحَةِ مَانِعٌ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ عَدَمُهُ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ وَلَا مَظِنَّتُهُ مُنَاسِبٌ لَهُ فَإِنَّ مَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا لَهُ (أَوْ) مُضَافٌ إلَى مَا فِي الشَّرْعِيَّةِ مَعَهُ (مَفْسَدَةً) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (فَهُوَ) أَيْ الْعَدَمُ الْمُضَافُ إلَيْهِ (عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْحُكْمِ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ لَيْسَ مُنَاسِبًا وَلَا مَظِنَّةً مُنَاسِبٌ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ مُقْتَضٍ يُقَالُ أَعْطَاهُ لِعِلْمِهِ أَوْ لِفَقْرِهِ وَلَوْ قِيلَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ عُدَّ سُخْفًا لَكِنْ قَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهُ مُنْشِئًا لِمَصْلَحَةٍ وَدَافِعًا لِمَفْسَدَةٍ تَنْشَأُ مِنْ وُجُودِهِ فَيَكُونُ مُقْتَضِيًا وَعَدَمًا لِلْمَانِعِ وَمِثْلُهُ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ (أَوْ) إلَى (مُنَافٍ مُنَاسِبٍ) لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ (حَتَّى جَازَ أَنْ يَسْتَلْزِمَ) عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ الْمُنَاسِبَ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْحِكْمَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ (الْمُنَاسِبَ) لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الْعَدَمِ الْحِكْمَةُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ (فَيَكُونُ) عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ (مَظِنَّتَهُ) أَيْ الْمُنَاسِبِ (ثُمَّ لَا يَصْلُحُ) عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ مَظِنَّةً لِلْمُنَاسِبِ (لِأَنَّ مَا) أَيْ الْمُنَاسِبَ الَّذِي (هُوَ) أَيْ الْعَدَمُ (مَظِنَّةٌ لَهُ) أَيْ لِلْمُنَاسِبِ (إنْ كَانَ) وَصْفًا مُنْضَبِطًا (ظَاهِرًا) بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (أَغْنَى) بِنَفْسِهِ عَنْ الْمَظِنَّةِ الَّتِي هِيَ الْعَدَمُ فَكَانَ هُوَ الْعِلَّةَ بِالْحَقِيقَةِ (أَوْ) كَانَ (خَفِيًّا فَنَقِيضُهُ وَهُوَ مَا عَدَمُهُ مَظِنَّةٌ خَفِيٌّ) أَيْضًا (لِاسْتِوَاءِ النَّقِيضَيْنِ جَلَاءً وَخَفَاءً) وَالْخَفِيُّ لَا يَصْلُحُ مَظِنَّةً لِلْخَفِيِّ لِأَنَّ الْخَفِيَّ لَا يَعْرِفُ الْخَفِيَّ وَقَدْ تَعَقَّبَ هَذَا بِالْمَنْعِ لِجَوَازِ اخْتِلَافِ النَّقِيضَيْنِ جَلَاءً وَخَفَاءً لِتَكْرَارٍ وَإِلْفٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَسْبَابِ وَكَيْفَ وَالْمَلَكَاتُ أَجْلَى مِنْ الْإِعْدَامِ. (أَوْ)

مُضَافٌ إلَى (غَيْرِ مُنَافٍ) لِلْمُنَاسِبِ (فَوُجُودُهُ) أَيْ غَيْرِ الْمُنَافِي (وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ) فِي تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ (فَلَيْسَ عَدَمُهُ بِخُصُوصِهِ عِلَّةً بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ بِخُصُوصِهِ عِلَّةً فَلَا يَصْلُحُ عِلَّةً وَقَدْ فَرَضْنَاهُ عِلَّةً هَذَا خُلْفٌ ثُمَّ أَشَارَ إلَى إيضَاحِهِ بِمِثَالٍ وَهُوَ (كَمَا لَوْ قِيلَ يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ لِعَدَمِ إسْلَامِهِ فَلَوْ كَانَ فِي قَتْلِهِ مَعَ إسْلَامِهِ مَصْلَحَةٌ فَاتَتْ) فَيَكُونُ عَدَمُ الْإِسْلَامِ مَانِعًا مِنْ الْقَتْلِ وَهُوَ بَاطِلٌ (أَوْ) كَانَ فِي قَتْلِهِ مَعَ إسْلَامِهِ (مَفْسَدَةٌ فَعَدَمُ مَانِعٍ) أَيْ فَيَكُونُ الْإِسْلَامُ مَانِعًا مِنْ الْقَتْلِ فَمَا الْمُقْتَضِي لِقَتْلِهِ (أَوْ) كَانَ الْقَتْلُ مَعَ الْإِسْلَامِ (يُنَافِي مُنَاسِبًا لِلْقَتْلِ ظَاهِرًا وَهُوَ) أَيْ الْمُنَاسِبُ الظَّاهِرُ لِلْقَتْلِ (الْكُفْرُ فَهُوَ) أَيْ الْكُفْرُ الْعِلَّةُ فَلْيُقَلْ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ كَافِرٌ (أَوْ) كَانَ الْقَتْلُ مَعَ الْإِسْلَامِ يُنَافِي مُنَاسِبًا لِلْقَتْلِ (خَفِيًّا) وَهُوَ الْكُفْرُ مَثَلًا (فَالْإِسْلَامُ كَذَلِكَ) أَيْ خَفِيٌّ لِأَنَّهُ نَقِيضُهُ وَالنَّقِيضَانِ مِثْلَانِ (فَعَدَمُهُ) أَيْ الْإِسْلَامِ (كَذَلِكَ) أَيْ خَفِيٌّ فَلَا فَرْقَ ضَرُورَةً بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْكُفْرِ وَمَعْرِفَةِ عَدَمِ الْإِسْلَامِ فِي الْخَفَاءِ (أَوْ) كَانَ الْقَتْلُ مَعَ الْإِسْلَامِ (لَا) يُنَافِي مُنَاسِبًا إذْ لَيْسَ الْكُفْرُ هُوَ الْمُنَاسِبُ، وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ يَقْتُلُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ (فَالْمُنَاسِبُ) شَيْءٌ (آخَرُ يُجَامِعُ كُلًّا مِنْ الْإِسْلَامِ وَعَدَمِهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ فَالْإِسْلَامُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ فِي تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَكُونُ عَدَمُ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً مَظِنَّةَ الْحِلِّ. (وَدُفِعَ) هَذَا الدَّلِيلُ (مِنْ الْأَكْثَرِ بِاخْتِيَارِ أَنَّهُ) أَيْ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَدَمُ (يُنَافِيهِ) أَيْ الْمُنَاسِبَ (وَجَازَ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُنَاسِبِ الَّذِي يُنَافِيهِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَدَمُ (الْعَدَمَ نَفْسَهُ لَا) كَوْنُ عَدَمِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَدَمُ (مَظِنَّتَهُ) أَيْ الْمُنَاسِبِ وَالْمُسْتَدِلُّ إنَّمَا أَبْطَلَ هَذَا. وَأَمَّا كَوْنُ عَدَمِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَدَمُ هُوَ عَيْنُ الْمُنَاسِبِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا يَجُوزُ (لِاشْتِمَالِهِ) أَيْ الْعَدَمِ (عَلَى الْمَصْلَحَةِ كَعَدَمِ الْإِسْلَامِ) فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ (عَلَى مَصْلَحَةِ الْتِزَامِهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ (بِالْقَتْلِ) أَيْ بِسَبَبِ خَوْفِهِ مِنْ الْقَتْلِ (وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَ الْعَدَمَ مُطْلَقًا) أَيْ الْمُطْلَقَ وَالْمُضَافَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِوُجُودِيٍّ أَوْ عَدَمِيٍّ (فَلَمْ يَصِحَّ النَّقْلُ السَّابِقُ) أَيْ نَقْلُ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْعَدَمِيِّ بِالْعَدَمِيِّ (وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ) لِلنَّافِينَ لِلْوُجُودِيِّ خَاصَّةً (يَصْلُحُ لَهُمْ) أَيْ لِلْحَنَفِيَّةِ النَّافِينَ لَهُ مُطْلَقًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ (يُبْطِلُ الْعَدَمَ مُطْلَقًا) أَيْ كَوْنَهُ عِلَّةً لِوُجُودِيٍّ أَوْ عَدَمِيٍّ لِانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ وَمَظِنَّتِهَا فِيهِ وَكَيْفَ لَا وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ وَعَدَمُ الْحُكْمِ لَا يَحْتَاجُ إلَى عِلَّةٍ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَلَا يَصْلُحُ الْعَدَمُ لَهُ لَا لِلْعَدَمِ وَلَا لِلْوُجُودِ (وَيَرُدُّ) عَدَمَ جَوَازِ كَوْنِ الْعَدَمِيِّ عِلَّةً لِلْعَدَمِيِّ (نَقْضًا مِنْ الْأَكْثَرِ عَلَى) دَلِيلِ (الطَّائِفَةِ) الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ جَوَازِ كَوْنِ الْعَدَمِيِّ عِلَّةً لِوُجُودِيٍّ وَجَوَازِ كَوْنِهِ عِلَّةً لِعَدَمِيٍّ (وَكَوْنُ الْعَدَمِ نَفْسِهِ الْمُنَاسِبِ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَالْمُنَاسِبُ فِي الْمِثَالِ) الْمَذْكُورِ (الْكُفْرُ وَهُوَ) أَيْ الْكُفْرُ (اعْتِقَادٌ قَائِمٌ وُجُودِيٌّ ضِدُّ الْإِسْلَامِ وَيَسْتَلْزِمُ) الْكُفْرُ (عَدَمَهُ) أَيْ الْإِسْلَامِ (كَمَا هُوَ شَأْنُ الضِّدَّيْنِ فِي اسْتِلْزَامِ كُلٍّ عَدَمَ الْآخَرِ فَالْإِضَافَةُ) لِلْقَتْلِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمِثَالِ (إلَى الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا هُوَ (لَفْظًا) وَإِلَّا فَفِي التَّحْقِيقِ مَا هُوَ مُضَافًا إلَّا إلَى الْأَمْرِ الْوُجُودِيِّ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ غَيْرَ أَنَّهُ تَجُوزُ بِالْإِضَافَةِ إلَى لَازِمِهِ (وَيَطَّرِدُ) مَا قُلْنَا مِنْ كَوْنِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْعَدَمِ لَفْظًا فَقَطْ (فِي عَدَمِ عِلَّةٍ ثَبَتَ اتِّحَادُهَا لِعَدَمِ حُكْمِهَا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَمْ يُغْصَبُ) فَإِنَّ الْغَصْبَ سَبَبٌ مُعَيِّنٌ لِلضَّمَانِ وَالْخِلَافُ لَمْ يَقَعْ فِي مُطْلَقِ الضَّمَانِ بَلْ فِي ضَمَانِ الْغَصْبِ هَلْ يَجِبُ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ أَمْ لَا فَصَحَّ تَعْلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الْوَلَدِ بِعَدَمِ الْغَصْبِ إذْ لَا سَبَبَ لِلضَّمَانِ هُنَا إلَّا هُوَ فَعَدَمُهُ دَلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ ضَمَانِ الْغَصْبِ ضَرُورَةً (وَأَبِي حَنِيفَةَ) وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا (فِي نَفْسِ خُمُسِ الْعَنْبَرِ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ) أَيْ لَمْ يَعْمَلْ الْمُسْلِمُونَ خَيْلَهُمْ وَرِكَابَهُمْ فِي تَحْصِيلِهِ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهِ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْإِيجَافُ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْخُمُسِ وَهَذَا لِأَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا أَخْذٌ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ لَيْسَ فِي يَدِهِمْ فَإِنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً فَلَا يُخَمَّسُ. (وَالْوَجْهُ)

فِيهِمَا (مَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْعَدَمِ لَفْظًا إذْ مِنْ الظَّاهِرِ (أَنَّهُ) أَيْ تَعْلِيلَهُمَا (لَيْسَ حَقِيقِيًّا وَإِضَافَتَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمَ الْخُمُسِ وَمُحَمَّدٍ عَدَمَ الضَّمَانِ (إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ وَلَيْسَ) ذَلِكَ (مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْعِلَّةِ) بِمَعْنَى الْبَاعِثِ (قَالُوا) أَيْ الْأَكْثَرُونَ (عُلِّلَ الضَّرْبُ بِعَدَمِ الِامْتِثَالِ) وَهُوَ عَدَمِيٌّ (وَالضَّرْبُ ثُبُوتِيٌّ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيمَا إذَا أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِفِعْلٍ وَلَمْ يَمْتَثِلْ فَضَرَبَهُ السَّيِّدُ إنَّمَا ضَرَبَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِ لَمَا صَحَّ هَذَا (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّعْلِيلَ إنَّمَا هُوَ (بِالْكَفِّ) أَيْ كَفِّ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عَنْ الِامْتِثَالِ وَهُوَ ثُبُوتِيٌّ (قَالُوا) أَيْ الْأَكْثَرُونَ أَيْضًا (مَعْرِفَةُ الْمُعْجِزِ) أَيْ كَوْنِ الْمُعْجِزِ مُعْجِزًا أَمْرٌ (ثُبُوتِيٌّ مُعَلَّلٌ بِالتَّحَدِّي) بِالْمُعْجِزَةِ (مَعَ انْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ) لَهَا بِمِثْلِهَا (وَهُوَ) أَيْ انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ (جُزْءُ الْعِلَّةِ) الْمُعَرِّفَةِ لِلْمُعْجِزَةِ لِأَنَّهَا الْإِتْيَانُ بِخَارِقٍ لِلْعَادَةِ مَعَ التَّحَدِّي وَانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ انْتِفَاءَ الْمُعَارِضِ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ وَمَا جُزْؤُهُ عَدَمٌ فَهُوَ عَدَمٌ فَبَطَلَ سَلْبُكُمْ الْكُلِّيَّ. (وَكَذَا مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْمَدَارِ عِلَّةً) لِلدَّائِرِ (بِالدَّوَرَانِ) وَعَلَيْهِ الْمَدَارُ لِلدَّائِرِ وُجُودِيَّةً (وَجُزْؤُهُ) أَيْ الدَّوْرَانِ (عَدَمٌ) لِأَنَّ الدَّوَرَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ وَالْعَكْسُ عَدَمِيٌّ إذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوُجُودِ مَعَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ مَعَ الْعَدَمِ وَمَا جُزْؤُهُ عَدَمٌ فَهُوَ عَدَمٌ وَقَدْ عُلِّلَ بِهِ وُجُودِيٌّ فَبَطَلَ سَلْبُكُمْ الْكُلِّيَّ أَيْضًا (أُجِيبَ بِكَوْنِهِ) أَيْ الْعَدَمِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي مَعْرِفَةِ الْمُعْجِزِ وَعَلَيْهِ الدَّوَرَانُ (شَرْطًا) لَا جُزْءًا وَكَوْنُ الْعَكْسِ مُعْتَبَرًا فِي الدَّوْرَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَهُ فِي مَاهِيَّتِه لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ جُزْأَيْهِ وَهُوَ الطَّرْدُ عِلَّةً وَالْآخَرُ وَهُوَ الْعَكْسُ شَرْطًا فَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ الشَّرْطِ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُؤَثِّرَ الطَّرْدُ بِمُجَرَّدِهِ وَيُؤَثِّرُ مَعَهُ وَلَا بِدَعَ فِي جَوَازِ كَوْنِ شَرْطِ الثُّبُوتِيِّ عَدَمِيًّا (وَلَوْ سُلِّمَ كَوْنُ التَّحَدِّي لَا يَسْتَقِلُّ) عِلَّةً لِمَعْرِفَةِ الْمُعْجِزِ بِمَعْنَى أَنْ لَا يَكُونَ لِشَيْءٍ آخَرَ مُدْخَلٌ مَعَهُ فِي التَّعْرِيفِ (فَمُعَرِّفٌ) أَيْ فَهُوَ مُعَرِّفٌ لَهَا (وَالْكَلَامُ فِي الْعِلَّةِ بِمَعْنَى الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْحُكْمِ لَا بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْعِلَّةِ (عَلَى مَا لِجَمْعٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) الْكَرْخِيِّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَبِي زَيْدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمَا بَلْ حَكَاهُ فِي الْمِيزَانِ عَنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (أَنْ لَا تَكُونَ) الْعِلَّةُ (قَاصِرَةً) عَلَى الْأَصْلِ مُسْتَنْبَطَةً وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَشَايِخُنَا السَّمَرْقَنْدِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَالْبَاقِلَّانِيّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ إلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهَا وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَالْمُصَنِّفُ فَقَالَ (لَنَا) فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهَا (ظَنُّ كَوْنِ الْحُكْمِ لِأَجْلِهَا) أَيْ الْقَاصِرَةِ (لَا يَنْدَفِعُ) عَنْ النَّظَرِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ يَنْدَفِعُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الظَّنُّ (التَّعْلِيلُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى) صِحَّةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ (الْمَنْصُوصَةِ) أَيْ الثَّابِتَةِ بِالنَّصِّ وَعَلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُفِدْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا الظَّنَّ وَلَوْ كَانَ مَعْنَى التَّعْلِيلِ الْقَطْعَ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِأَجْلِهَا لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِهَا وَنَقْلُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْخِلَافَ فِيهِمَا أَيْضًا غَرِيبٌ ثُمَّ مِثَالُ الْقَاصِرَةِ (كَجَوْهَرِيَّةِ النَّقْدَيْنِ) أَيْ كَوْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جَوْهَرَيْنِ مُتَعَيِّنَيْنِ لِثَمَنِيَّةِ الْأَشْيَاءِ فِي تَعْلِيلِ حُرْمَةِ الرِّبَا فِيهِمَا فَإِنَّهُ وَصْفٌ قَاصِرٌ عَلَيْهِمَا (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) لِلْمُخْتَارِ (لَوْ تَوَقَّفَ صِحَّتُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (عَلَى تَعَدِّيهَا لَزِمَ الدَّوْرُ) لِتَوَقُّفِ تَعَدِّيهَا عَلَى صِحَّتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالدَّوْرُ بَاطِلٌ (فَدَوْرُ مَعِيَّةٍ) كَتَوَقُّفِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَضَايِفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ جَائِزٌ وَالْبَاطِلُ إنَّمَا هُوَ دَوْرُ التَّقَدُّمِ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا مُتَعَدِّيَةً لَا أَنَّ كَوْنَهَا مُتَعَدِّيَةً يَثْبُتُ أَوَّلًا ثُمَّ تَكُونُ عِلَّةً وَالْمُتَعَدِّيَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عِلَّةً لَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ عِلَّةً ثُمَّ عِلَّةً مُتَعَدِّيَةً. (قَالُوا) أَيْ مَانِعُو صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ (لَا فَائِدَةَ) فِيهَا لِأَنَّ فَائِدَةَ الْعِلَّةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهَا وَهُوَ مُنْتَفٍ أَمَّا فِي الْأَصْلِ فَلِثُبُوتِهِ فِيهِ بِغَيْرِهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. وَأَمَّا فِي الْفَرْعِ فَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَ أَنْ لَا فَرْعَ وَإِثْبَاتُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَا يَصِحُّ شَرْعًا وَلَا عَقْلًا (أُجِيبَ بِمَنْعِ حَصْرِهَا) أَيْ الْفَائِدَةِ (فِي التَّعْدِيَةِ بَلْ مَعْرِفَةُ كَوْنِ الشَّرْعِيَّةِ) لِلْحُكْمِ (لَهَا) أَيْ لِلْعِلَّةِ فَائِدَةٌ أُخْرَى لَهَا (أَيْضًا

لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ لَهَا (شَرْحٌ لِلصَّدْرِ بِالْحُكْمِ لِلِاطِّلَاعِ) عَلَى الْمُنَاسِبِ الْبَاعِثِ لَهُ فَإِنَّ الْقُلُوبَ إلَى قَبُولِ الْأَحْكَامِ الْمَعْقُولَةِ أَمْيَلُ مِنْهَا إلَى قَهْرِ التَّحَكُّمِ وَمَرَارَةِ التَّعَبُّدِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَا شَكَّ أَنَّهُ) أَيْ الْخِلَافَ (لَفْظِيٌّ فَقِيلَ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ بِاصْطِلَاحٍ) لِلْحَنَفِيَّةِ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقِيَاسِ بِاصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ فَالنَّافِي لِجَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ يُرِيدُ بِهِ الْقِيَاسَ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَحَدٍ بِدُونِ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْمُثْبِتُ لِجَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا يُرِيدُ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قِيَاسًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ أَيْضًا فَلَمْ يَتَوَارَدْ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ هَذَا يُشْكِلُ بِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تُفِيدُ أَنَّ مَوْرِدَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّعْلِيلُ الْكَائِنُ فِي الْقِيَاسِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عِلَّةِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي شُرُوطِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (وَأَرْكَانِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ الَّتِي مِنْهَا الْعِلَّةُ فَيَنْصَرِفُ إطْلَاقُ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ وَعَدَمِهِ إلَى مَا هُوَ الْعِلَّةُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَقَعْ هَذَا التَّعْلِيلُ مَوْقِعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ لَفْظِيًّا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ بَلْ هُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ التَّعْلِيلُ بِالْقَاصِرَةِ. فَإِنْ قُلْت إنَّمَا يَصْلُحُ ذَلِكَ قَرِينَةً لِهَذَا لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ مُمْكِنًا مَعَ الْقَاصِرَةِ وَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ كَانَ عَدَمُ إمْكَانِهِ مَعَهَا صَارِفًا عَنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُعَارِضًا لِلْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ. قُلْت فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ الْمُفِيدِ لَهَا بَلْ يَجِبُ سُقُوطُهُ وَقَوْلُهُ (وَإِلَّا فَلَهُمْ كَثِيرٌ مِثْلُهُ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ) كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيلُ هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْحَنَفِيَّةِ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُمْ مَنْعُ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِ الْحَجِّ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِمَا فِي الْحَجِّ إلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنْ الْأَشْوَاطِ وَكَأَنَّ سَبَبَهُ إظْهَارُ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ حَتَّى قَالُوا أَضْنَاهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبِمَا فِي غَيْرِ الْحَجِّ إلَى مِثْلِ تَعْلِيلِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا إذَا حَدَثَ لَهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ قَاصِرٌ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْفُرْقَةِ الطَّارِئَةِ عَلَى النِّكَاحِ بِهَذَا أَيْضًا فَإِنَّهُ قَاصِرٌ عَنْهُمَا أَيْضًا (لَكِنْ رُبَّمَا سَمُّوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ التَّعْلِيلَ بِالْقَاصِرَةِ (أَبَدًا حِكْمَةً لَا تَعْلِيلًا) كَأَنَّهُ تَمْيِيزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْلِيلِ بِالْمُتَعَدِّيَةِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ يَعْنِي وَحَمْلُ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ فَضْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ النُّبَلَاءِ عَلَى عَدَمِ التَّنَاقُضِ مَا أَمْكَنَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى التَّنَاقُضِ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا كَمَا ذَكَرْنَا فَيَتَعَيَّنُ هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي شَرْحِ هَذَا الْكَلَامِ وَيَتَلَخَّصُ مِنْهُ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ بِاصْطِلَاحٍ وَأَعَمُّ مِنْهُ بِآخَرَ فَيُحْمَلُ النَّفْيُ عَلَى الْقَوْلِ بِاتِّحَادِهِمَا وَالْإِثْبَاتُ عَلَى كَوْنِ التَّعْلِيلِ أَعَمَّ حَالَ كَوْنِهِ مُرَادًا بِهِ مَا لَيْسَ بِقِيَاسٍ وَهَذَا حَقٌّ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَا تَفِي الْعِبَارَةُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ ثَانِيًا أَفَادَ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ لَفْظِيًّا بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ خِلَافٌ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ لَفْظِيًّا وَأَنَّهُ ثَالِثًا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْقِيَاسَ لَمْ يَسْتَقِمْ لِمَانِعِيهِ بِالْقَاصِرَةِ مِنْهُمْ التَّعْلِيلُ بِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ حَقُّ التَّحْرِيرِ أَنْ يُقَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَعَمُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَالنَّافِي يُرِيدُ الْقِيَاسَ وَالْمُجِيزُ يُرِيدُ مَا لَيْسَ مِنْهُ بِقِيَاسٍ وَكِلَاهُمَا حَقٌّ إذْ لَا قِيَاسَ بِدُونِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إبْدَاءِ الْحِكْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ مَوَاقِعَ الْحُكْمِ كُلَّهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَجَعْلُهُ) أَيْ الْخِلَافِ (حَقِيقِيًّا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّأْثِيرِ) فِي التَّعْلِيلِ (أَوْ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِخَالَةِ) فِيهِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ اشْتِرَاطُ التَّأْثِيرِ فِيهِ كَمَا عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ (تَلْزَمُ التَّعْدِيَةُ) وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِخَالَةِ كَمَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ لَا تَلْزَمُ التَّعْدِيَةُ وَطَوَاهُ لِدَلَالَةِ مُقَابِلِهِ عَلَيْهِ وَخَصَّهُ بِالطَّيِّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ لِإِفَادَةِ تَعَقُّبِهِ وَالْجَاعِلُ: صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (غَلِطَ إذْ لَا يَلْزَمُ فِيهِ) أَيْ التَّأْثِيرِ (وُجُودُ عَيْنِ عِلَّةٍ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فِي) مَحَلٍّ (آخَرَ يَكُونُ فَرْعًا لِلِاكْتِفَاءِ بِجِنْسِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عِلَّةً (فِي)

مَحَلٍّ (آخَرَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِلَا قِيَاسٍ) وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ اللَّازِمَ فِي التَّأْثِيرِ كَوْنُ الْعَيْنِ الْمُعَلَّلِ بِهَا الْحُكْمُ ثَبَتَ اعْتِبَارُ جِنْسِهَا فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ عَيْنِهِ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْعَيْنِ الَّذِي عُلِّلَ بِهَا ثَابِتًا فِي مَحَلٍّ آخَرَ بَلْ جَازَ كَوْنُ ذَلِكَ الْمُعَلَّلِ بِهِ الْحُكْمُ غَيْرَ ثَابِتٍ بِعَيْنِهِ فِي غَيْرِهِ وَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِهِ ثُبُوتُ اعْتِبَارِ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ أَوْ عَيْنِهِ (بِذَلِكَ) أَيْ الِاكْتِفَاءِ بِالْجِنْسِ فِي آخَرَ (إنَّمَا تَعَدَّدَ مَحَلُّ الْجِنْسِ) وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدَ مَحَلِّ ذَلِكَ الْعَيْنِ لِجَوَازِ كَوْنِ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي فَرْدٍ آخَرَ غَيْرِ ذَلِكَ الْعَيْنِ فَلَمْ يَتَعَدَّدْ مَحَلُّ مَا جُعِلَ عِلَّةً (وَلَيْسَ) الْجِنْسُ هُوَ (الْمُعَلَّلُ بِهِ وَإِلَّا) لَوْ كَانَ هُوَ الْمُعَلَّلَ بِهِ (لَكَانَ الْأَخَصُّ عَيْنَ الْأَعَمِّ وَكَانَتْ الْعِلَّةُ جِنْسَهُ) أَيْ جِنْسَ الْعَيْنِ (لَا هُوَ) أَيْ الْعَيْنَ (وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُهَا جِنْسَهُ (غَيْرُ الْفَرْضِ) لِأَنَّ الْفَرْضَ وُجُودُ عَيْنِ الْمُدَّعَى عِلَّةً لِحُكْمِ الْأَصْلِ فِي آخَرَ (فَلَا يَسْتَلْزِمُ التَّأْثِيرُ تَعَدِّيَ مَا عُلِّلَ بِهِ) بِعَيْنِهِ إلَى آخَرَ (وَجُعِلَ ثَمَرَتُهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ (مَنْعُ تَعْدِيَةِ حُكْمِ أَصْلٍ فِيهِ) وَصْفَانِ (مُتَعَدٍّ وَقَاصِرٍ لِلْمُجِيزِ) لِلتَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ (لَا الْمَانِعِ) لِلتَّعْلِيلِ بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (كَذَلِكَ) أَيْ غَلَطُ أَيْضًا (بَلْ الْوَجْهُ إنْ ظَهَرَ اسْتِقْلَالُ) الْوَصْفِ (الْمُتَعَدِّي) فِي الْعِلِّيَّةِ (لَا يُمْنَعُ اتِّفَاقًا أَوْ) ظَهَرَ (التَّرْكِيبُ) لِلْعِلَّةِ مِنْ الْمُتَعَدِّي وَالْقَاصِرِ (مُنِعَ اتِّفَاقًا) وَفِي التَّلْوِيحِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِي التَّعْلِيلِ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ الْغَيْرِ الْمَنْصُوصَةِ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ عَدَمُ الْجَزْمِ بِذَلِكَ فَلَا نِزَاعَ وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ الظَّنِّ فَبَعْدَ مَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ عَلَيْهِ الْوَصْفُ الْقَاصِرُ وَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ بِأَمَارَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي اسْتِنْبَاطِ الْعِلَلِ لَمْ يَصِحَّ نَفْيُ الظَّنِّ ذَهَابًا إلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ. وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ رُجْحَانِ ذَلِكَ أَوْ عِنْدَ تَعَارُضِ الْقَاصِرِ وَالْمُتَعَدِّي فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَصْفُ الْمُتَعَدِّي وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى تَقْدِيرِ اشْتِرَاطِ التَّأْثِيرِ وَعَدَمِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِلنِّزَاعِ مَعْنًى ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَطَ التَّأْثِيرَ فِي التَّعْلِيلِ لَا يَغْلِبُ عَلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ كَوْنُ الْقَاصِرَةِ عِلَّةً بِخِلَافِ مَنْ اكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْإِخَالَةِ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَحْصُلُ الْوُقُوفُ عَلَى الْعِلِّيَّةِ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ انْتَهَى وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا اجْتَمَعَتْ الْقَاصِرَةُ وَالْمُتَعَدِّيَةُ وَتَعَارَضَتَا فَالْجُمْهُورُ رَجَّحَ الْمُتَعَدِّيَةَ. وَقِيلَ الْقَاصِرَةَ وَقِيلَ بِالْوَقْفِ ثُمَّ أَفَادَ إنَّمَا تُرَجَّحُ الْمُتَعَدِّيَةُ عَلَى الْقَاصِرَةِ إذَا تَسَاوَتَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَّا وَجْهَيْ التَّصَوُّرِ وَالتَّعَدِّي أَمَّا لَوْ رَجَحَتْ الْقَاصِرَةُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا أَوْ بِغَيْرِهِ فَهِيَ أَرْجَحُ وَقَدْ تَتَرَجَّحُ الْقَاصِرَةُ بِوَجْهٍ يُقَابِلُ وَجْهَ التَّعَدِّي فَيَتَعَادَلَانِ فَتَكُونُ الْفَائِدَةُ الْوَقْفَ وَمَنْعَ التَّعْدِيَةِ مِنْ الْمُتَعَدِّي (وَمَا أُورِدَ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ) الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ (مِنْ التَّعْلِيلِ بِالثَّمَنِيَّةِ لِلزَّكَاةِ) فِي الْمَضْرُوبِ (عَلَى ظَنِّ الْخِلَافِ) الْمَعْنَوِيِّ فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ (وَهُوَ) أَيْ التَّعْلِيلُ بِالثَّمَنِيَّةِ لَهَا وَصْفٌ (قَاصِرٌ مُنِعَ) وُرُودُهُ (بِتَعَدِّيهِ) أَيْ وَصْفِ الثَّمَنِيَّةِ (إلَى الْحُلِيِّ) فَهُوَ تَعْلِيلٌ بِوَصْفٍ مُتَعَدٍّ (وَلَقَدْ كَانَ الْأَوْجَهُ جَعْلَ الْخِلَافِ عَلَى عَكْسِهِ) أَيْ عَكْسِ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ (مِنْ التَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُ مَحَلٍّ غَيْرِ مَنْصُوصٍ) فَيُنْسَبُ إلَى الْحَنَفِيَّةِ الْجَوَازُ وَإِلَى الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُهُ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْجَهَ (لِمَا تَقَدَّمَ) فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ (مِنْ قَبُولِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (التَّعْلِيلَ بِلَا قِيَاسٍ بِمَا ثَبَتَ لِجِنْسِهَا إلَخْ) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي ثَبَتَ لِجِنْسِهَا أَوْ لَعَيْنِهَا اعْتِبَارٌ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ. (وَهُوَ) أَيْ التَّعْلِيلُ بِمَا اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ أَوْ عَيْنُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ تَعْلِيلٌ (بِقَاصِرَةٍ إذْ لَمْ تُوجَدْ) تِلْكَ الْعِلَّةُ (بِعَيْنِهَا فِي مَحَلَّيْنِ) وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ (فَالْحَنَفِيَّةُ نَعَمْ) يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُ مَحَلٍّ غَيْرِ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ (إذَا ثَبَتَ الِاعْتِبَارُ) لَهَا (بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ) مِنْ تَأْثِيرِ جِنْسِهَا فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ وَتَأْثِيرِ عَيْنِهَا فِي جِنْسِ الْحُكْمِ (وَالشَّافِعِيَّةُ لَا) يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفَ الَّذِي هَذَا شَأْنُهُ (مِنْ الْمُرْسَلِ) الْمُلَائِمِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمُوَافِقُوهُ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَأَنَّ الْآمِدِيَّ ذَكَرَ أَنَّ مَا اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ فَقَطْ وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ مِنْ جِنْسِ الْمُنَاسِبِ الْقَرِيبِ وَأَنَّهُ مَقْبُولٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ صِحَّةِ

الْعِلَّةِ (عَلَى) قَوْلِ (مَنْ قَدَّمَ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ) عَلَى الْقِيَاسِ (أَنْ لَا تَكُونَ) الْعِلَّةُ (مُعَدِّيَةً) مِنْ الْأَصْلِ (إلَى الْفَرْعِ حُكْمًا يُخَالِفُ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (بِشَرْطِهِ) أَيْ تَقْدِيمِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ (السَّابِقِ فِي وُجُوبِ تَقْلِيدِهِ) الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَةٍ قُبَيْلَ فَصْلٍ فِي التَّعَارُضِ (وَتَجْوِيزُ كَوْنِهِ) أَيْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِي الْفَرْعِ وَاقِعًا (عَنْ) عِلَّةٍ (مُسْتَنْبَطَةٍ) مِنْ أَصْلٍ آخَرَ فَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ مُخَالِفَةً قَوْلَهُ دَافِعَةً لِلظَّنِّ بِعِلِّيَّةِ مَا جُعِلَ عِلَّةً فِي الْأَصْلِ الَّذِي قُصِدَ تَعَدِّيَةُ حُكْمِهِ إلَى ذَلِكَ الْفَرْعِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُجَوِّزُونَ (وَذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ أَنَّهُ الْحَقُّ) (عِنْدَ هَؤُلَاءِ) الْقَائِلِينَ بِتَقْدِيمِ قَوْلِهِ عَلَى الْقِيَاسِ (احْتِمَالٌ مُقَابِلٌ لِظُهُورِ كَوْنِهِ) أَيْ قَوْلِهِ وَاقِعًا (عَنْ نَصٍّ) فِيهِ (كَمَا سَبَقَ) ثَمَّةَ حَيْثُ قَالَ بَلْ يَفُوتُ فِيهِ احْتِمَالُ السَّمَاعِ وَلَوْ انْتَفَى فَإِصَابَتُهُ أَقْرَبُ إلَخْ فَلَا يَقْدَحُ فِي الْحُجِّيَّةِ ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ قَوْلًا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ أَمَّا مَا لَا يُدْرَكُ بِهِ فَيُشْتَرَطُ خُلُوُّهُ عَنْهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ. (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْعِلَّةِ (عَدَمُ نَقْضِ) الْعِلَّةِ (الْمُسْتَنْبَطَةِ عِنْدَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا فِي مَحَلٍّ) وَلَوْ بِمَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ (لِمَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) وَأَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ (وَأَبِي الْحُسَيْنِ) الْبَصْرِيِّ (إلَّا أَبَا زَيْدٍ) مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فَإِنَّهُ وَأَكْثَرَ الْعِرَاقِيِّينَ أَيْضًا وَمِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ وَالرَّازِيُّ وَمَالِكًا وَأَحْمَدَ وَعَامَّةَ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَاخْتَلَفُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ الشَّارِطُونَ عَدَمَ النَّقْضِ فِي صِحَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ (فِي الْمَنْصُوصِيَّةِ فَمَانِعٌ أَيْضًا) عِنْدَهُمْ وَبِهِ قَالَ الْإسْفَرايِينِيّ وَعَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ. وَقِيلَ إنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَمُجَوِّزٌ) وَهُمْ أَكْثَرُهُمْ (وَالْأَكْثَرُ وَمِنْهُمْ عِرَاقِيُّو الْحَنَفِيَّةِ كَالْكَرْخِيِّ وَالرَّازِيِّ) وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْبَدِيعِ (يَجُوزُ) التَّخَلُّفُ فِي مَحَلٍّ (بِمَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ فِيهِمَا) أَيْ الْمُسْتَنْبَطَةِ وَالْمَنْصُوصَةِ فَقِيلَ يَقْدَحُ مُطْلَقًا قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَيَعُدُّهُ أَصْحَابُنَا فِي جُمْلَةِ مُرَجَّحَاتِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقُولُونَ عِلَلُهُ سَلِيمَةٌ عَنْ الِانْتِقَاضِ جَارِيَةٌ عَلَى مُقْتَضَاهَا لَا يَصُدُّهَا صَادٌّ ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْمُحَقِّقِينَ (وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ) كَابْنِ الْحَاجِبِ (الْجَوَازَ) لِلنَّقْضِ (فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ إذَا تَعَيَّنَ الْمَانِعُ) مِنْ الْعِلِّيَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ وَلَوْ عُدِمَ شَرْطٌ فَإِنَّهُ مَانِعٌ أَيْضًا (وَفِي الْمَنْصُوصَةِ بِنَصٍّ عَامٍّ) يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ وَيُعَارِضُهُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِيهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ فِيهِ (لَكِنْ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ) الْمَانِعُ مِنْ الْعِلِّيَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ (قُدِّرَ) وُجُودُهُ فِيهِ مِثَالُهُ أَنْ يَرِدَ الْخَارِجُ النَّجَسَ نَاقِضٌ وَيَثْبُتَ أَنَّ الْفَصْدَ لَا يَنْقُضُ فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْفَصْدِ وَوَجَبَ تَقْدِيرُ مَانِعٍ إنْ لَمْ يَعْلَمْهُ (أَمَّا) إذَا كَانَتْ مَنْصُوصَةً (بِقَاطِعٍ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ فَيَلْزَمُ الثُّبُوتُ فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ لِعَدَمِ جَوَازِ تَخَلُّفِ الْمَدْلُولِ عَنْ دَلِيلِهِ الْقَطْعِيِّ (أَوْ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَحَلِّ النَّقْضِ (فَقَطْ فَلَا تَعَارُضَ) لِأَنَّ النَّصَّ الْقَاطِعَ إنَّمَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ عِلِّيَّتِهِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ. وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ إنَّمَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ عِلِّيَّتِهِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ وَلَا تَعَارُضَ عِنْدَ تَغَايُرِ الْمَحَلَّيْنِ فَلَا نَقْضَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِيهِ وَتَخَلُّفَ الْحُكْمِ دَلَّ عَلَى عَدَمِ عِلِّيَّتِهِ فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ (قِيلَ وَلَا فَائِدَةَ فِي قَيْدِ الْقَاطِعِ لِأَنَّ الظَّنِّيَّ كَذَلِكَ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْعِلِّيَّةُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النَّقْضِ خَاصَّةً بِظَنِّيٍّ فَلَا تَعَارُضَ أَيْضًا انْتَهَى لِتَغَايُرِ الْمَحَلَّيْنِ وَيَزْدَادُ انْتِفَاءً إنْ كَانَ حُكْمُ مَحَلِّ النَّقْضِ ثَابِتًا بِقَطْعِيٍّ لِأَنَّ الظَّنِّيَّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ (وَهَذَا) التَّفْصِيلُ (مُرَادُ الْأَكْثَرِ) بِقَوْلِهِمْ يَجُوزُ بِمَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ فِيهِمَا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَيَبْعُدُ مِنْهُمْ مُخَالَفَتُهُ (وَلَيْسَ) هَذَا مَذْهَبًا (آخَرَ) غَيْرَهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ. (وَنُقِلَ الْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ النَّقْضِ (فِيهِمَا) أَيْ الْمُسْتَنْبَطَةِ وَالْمَنْصُوصَةِ (بِلَا مَانِعٍ) وَعَبَّرَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِلَا يُقْدَحُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ (وَ) جَوَازِ النَّقْضِ (كَذَلِكَ) أَيْ بِلَا مَانِعٍ (فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ فَقَطْ) نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (وَالْحَقُّ نَقْلُ بَعْضِهِمْ) وَهُوَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ

(الِاتِّفَاقَ عَلَى الْمَنْعِ) مِنْ التَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ مَنْقُوضَةٍ (بِلَا مَانِعٍ) لِأَنَّ الْمَنْقُوضَ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ يَجُوزُ فِيهِمَا أَوْ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ بِلَا مَانِعٍ (الْحُكْمُ بِهِ) أَيْ بِالْمَانِعِ (إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ) الْمَانِعُ (لِدَلِيلِهِمْ) أَيْ الْمُجَوِّزِينَ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ بِلَا مَانِعٍ (الْقَائِلِ الْمُسْتَنْبَطَةُ عِلَّةٌ) بِمَا يُوجِبُ الظَّنَّ بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ مِنْ الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلَّةِ تُوجِبُ ظَنَّهَا (وَالتَّخَلُّفُ مُشَكِّكٌ) أَيْ مُوجِبٌ لِلشَّكِّ (فِي عَدَمِهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (فَلَا يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِهَا) بَلْ إنَّمَا يُوجِبُ الشَّكَّ فِيهِ (فَإِنَّهُ) أَيْ التَّخَلُّفَ (إنْ) كَانَ (بِلَا مَانِعٍ فَلَا عِلَّةَ) لِاسْتِنَادِ التَّخَلُّفِ حِينَئِذٍ إلَى عَدَمِ الْمُقْتَضِي (وَ) إنْ كَانَ (مَعَهُ) أَيْ الْمَانِعِ فَالْعِلَّةُ (ثَابِتَةٌ) لِأَنَّ الظَّنَّ كَمَا هُوَ (وَجَوَازُهُمَا) أَيْ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ (عَلَى السَّوَاءِ) وَالظَّنُّ لَا يَرْفَعُ الشَّكَّ فَالتَّخَلُّفُ لَا يُبْطِلُ الْعِلِّيَّةَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَوَجْهُ دَلَالَةِ دَلِيلِهِمْ عَلَى اشْتِرَاطِ تَقْدِيرِهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ: أَنَّ بِلَا مَانِعٍ لَا عِلَّةَ وَمَعَ الْمَانِعِ الْعِلِّيَّةُ ثَابِتَةٌ فَلَمَّا لَمْ يُعْلَمْ الْوَاقِعُ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَدَلِيلُ الْعِلِّيَّةِ الْقَائِمُ أَوْجَبَ ظَنَّهَا لَزِمَ اعْتِبَارُ عِلِّيَّتِهَا فَلُزُومُ اعْتِبَارِ عِلِّيَّتِهَا مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِعَدَمِ الْعِلِّيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ يُوجِبُ مِنْهُمْ تَقْدِيرَهُ مَعَ حُكْمِهِمْ بِقِيَامِ الْعِلِّيَّةِ مَعَ التَّخَلُّفِ بِالضَّرُورَةِ انْتَهَى وَمِثْلُ هَذَا يَجِيءُ فِي الْمَنْصُوصَةِ (وَأُجِيبَ) عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ التَّخَلُّفَ (إنْ) كَانَ (أَوْجَبَ الشَّكَّ فِي عَدَمِهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (أَوْجَبَ فِي نَقِيضِهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ يُوجِبُهُ فِي الْآخَرِ إذْ حَقِيقَةُ احْتِمَالِ الْمُتَقَابِلَيْنِ سَوَاءٌ (فَنَاقَضَ قَوْلَكُمْ) الْعِلَّةُ (مَظْنُونَةٌ) قَوْلَكُمْ الْعِلَّةُ (مَشْكُوكَةٌ) لِأَنَّ الْمَظْنُونَ مَحَلُّ الظَّنِّ وَلَا يَجْتَمِعُ الظَّنُّ مَعَ الشَّكِّ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لِتَضَادِّهِمَا وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ قَوْلَكُمْ مَفْعُولُ نَاقَضَ وَ " مَشْكُوكَةٌ " فَاعِلُهُ وَفِي الْحَقِيقَةِ خَبَرُ جُمْلَةِ مَقُولِ الْقَوْلِ الْمُقَدَّرِ كَمَا رَأَيْت وَالْكَلَامُ الْمُتَنَاقِضُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يُرْفَعُ الظَّنُّ بِالشَّكِّ أَيْ حُكْمُهُ) أَيْ الظَّنُّ (السَّابِقُ لَا يُرْفَعُ شَرْعًا لِطُرُوِّ الشَّكِّ فِيهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِارْتِفَاعِهِ عَنْ الْبَقَاءِ) لِجَوَازِ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْعُ حُكْمَ الضِّدِّ الزَّائِلِ بَاقِيًا بِأَنْ يُجَوِّزَ الصَّلَاةُ مَعَ زَوَالِ ظَنِّ الطَّهَارَةِ بِالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ لَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ نَفْسَ الظَّنِّ لَا يَزُولُ بِنَفْسِ الشَّكِّ فَإِنَّ زَوَالَ الضِّدِّ عِنْدَ طُرُوِّ الضِّدِّ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ اجْتِمَاعُ الظَّنِّ وَالشَّكِّ فِي مُتَعَلِّقٍ وَاحِدٍ (وَلَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ هَذَا الْمُرَادِ (هُنَا) أَيْ فِي مَظْنُونِيَّةِ الْعِلَّةِ وَمَشْكُوكِيَّةِ عَدَمِهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْكَلَامَ (فِي ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ لَا حُكْمِهَا) فَإِذَا زَالَ بِالشَّكِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ حَكَمْنَا بِعَدَمِ الِاعْتِبَارِ نَعَمْ لَوْ ثَبَتَ مِنْ الشَّارِعِ جَوَازُ الْقِيَاسِ مَعَ زَوَالِ ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ بِالشَّكِّ لَتَابَعْنَاهُ وَقُلْنَا فِيهِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا لَزِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ تَقْدِيرُ الْمَانِعِ) إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ (كَفَاهُمْ) فِي الْجَوَابِ (التَّخَلُّفُ لِمَانِعٍ يُوجِبُ نَفْيَ ظَنِّهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (وَالدَّلِيلُ أَوْجَبَهُ) أَيْ ظَنَّهَا (وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا (بِتَقْدِيرِهِ) أَيْ الْمَانِعِ فِي التَّخَلُّفِ إذْ يُعْمَلُ بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِظَنِّيِّهَا فِي غَيْرِ صُورَةِ النَّقْضِ وَبِالْمُوجِبِ لِلْإِهْدَارِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ ثَانِيًا (لَوْ تَوَقَّفَ الثُّبُوتُ) لِلْحُكْمِ (بِهَا) أَيْ بِالْعِلِّيَّةِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ) لِلْحُكْمِ (عَلَيْهِ) أَيْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ (بِهَا) أَيْ بِالْعِلِّيَّةِ (فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ (انْعَكَسَ) أَيْ تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ عَلَيْهِ بِهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ (فَدَارَ أَوْ لَا) يَنْعَكِسُ (فَتَحَكُّمٌ) لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَلْبُ هَذَا وَهَذَا أَوْجَهُ (أُجِيبَ) بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ وَلَا ضَيْرَ فِي لُزُومِ الدَّوْرِ الْمَذْكُورِ إذْ هُوَ (دَوْرُ مَعِيَّةٍ) لَا دَوْرُ تَقَدُّمٍ (وَهَذَا) الْجَوَابُ (صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ تَوَقُّفُ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ) كَوْنَهَا عِلَّةً (لَكِنَّ الْكَلَامَ) لَيْسَ فِيهِ بَلْ (فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى عِلِّيَّتِهَا (أَيْ لَوْ تَوَقَّفَ الْعِلْمُ بِالثُّبُوتِ بِهَا أَيْ بِعِلِّيَّتِهَا) تَفْسِيرٌ لِلثُّبُوتِ بِهَا (إلَخْ) أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ عَلَيْهِ بِهَا فِيهِ انْعَكَسَ فَدَارَ (وَإِذَنْ فَتَرَتُّبٌ) أَيْ فَهُوَ دَوْرُ تَرَتُّبٍ (لِأَنَّا لَا نَعْلَمُهَا) أَيْ عِلِّيَّتَهَا (إلَّا بِالثُّبُوتِ) أَيْ بِالْعِلْمِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهَا (فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي جَمِيعِ صُوَرِ وُجُودِهَا إذْ كَاسِبُ الْعِلْمِ لَا يَكُونُ إلَّا عَالِمًا وَلِذَا قَالَ (فَلَوْ عَلِمَ بِهَا) أَيْ بِالْعِلِّيَّةِ (الثُّبُوتَ) لِلْحُكْمِ (تَقَدَّمَ

كُلٌّ) مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ (لِأَنَّ مَا بِهِ الْعِلْمُ) بِالشَّيْءِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ فَيَلْزَمُ تَوَقُّفُ الْعِلْمِ بِعِلِّيَّتِهَا عَلَى الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهَا وَثُبُوتُ الْحُكْمِ بِهَا عَلَى الْعِلْمِ بِعِلِّيَّتِهَا.؛ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (الْجَوَابُ مَنْعُ لُزُومُ الِانْعِكَاسِ وَالتَّحَكُّمِ إذْ ابْتِدَاءُ ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ) إنَّمَا هُوَ (بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ) لِلْعِلَّةِ مِنْ مُنَاسَبَةٍ وَغَيْرِهَا (فَإِذَا اسْتَقْرَأْت الْمُحَالَّ) لِلْعِلَّةِ (لِاسْتِعْلَامِ مُعَارَضَةِ مِنْ التَّخَلُّفِ لَا لِمَانِعٍ فَلَمْ يُوجَدْ) التَّخَلُّفُ لَا لِمَانِعٍ فِي مَحَلٍّ مِنْهُمَا (اسْتَمَرَّ) ظَنُّ الْعِلِّيَّةِ (فَاسْتِمْرَارُهُ) أَيْ ظَنِّهَا هُوَ (الْمَوْقُوفُ عَلَى الثُّبُوتِ) لِلْحُكْمِ فِي جَمِيعِ الْمَحَالَّ (أَوْ) عَلَى (عَدَمِهِ) أَيْ الثُّبُوتِ فِي بَعْضِ الْمُحَالَّ (مَعَ الْمَانِعِ وَالْحُكْمُ بِالثُّبُوتِ بِهِ) أَيْ بِالْوَصْفِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ (عَلَى ابْتِدَاءِ ظَنِّهَا) أَيْ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (فِي الْجُمْلَةِ) فَلَا دَوْرَ (وَاسْتُشْكِلَ) هَذَا (بِمَا إذَا قَارَنَ) ظَنُّ الْعِلِّيَّةِ (الْعِلْمَ بِالتَّخَلُّفِ) إذْ لَا يَتَأَتَّى حِينَئِذٍ ذِكْرُ الِاسْتِمْرَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُتَأَخِّرًا (كَمَا لَوْ سَأَلَهُ فَقِيرَانِ) غَيْرُ فَاسِقٍ وَفَاسِقٌ (فَأَعْطَى أَحَدَهُمَا) وَهُوَ غَيْرُ الْفَاسِقِ (وَمَنَعَ الْفَاسِقَ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِعِلِّيَّةِ الْفَقْرِ) لِإِعْطَائِهِ (يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِمَانِعِيَّةِ الْفِسْقِ) لِلْإِعْطَاءِ (وَبِالْعَكْسِ) أَيْ وَالْعِلْمُ بِمَانِعِيَّةِ الْفِسْقِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِعِلِّيَّةِ الْفَقْرِ (فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى الْعِلْمِ بِالْعِلِّيَّةِ الْعِلْمُ بِالْمَانِعِيَّةِ بِالْفِعْلِ وَالْمُتَوَقِّفَ عَلَيْهِ الْعِلِّيَّةُ هُوَ الْمَانِعِيَّةُ بِالْقُوَّةِ وَهُوَ) أَيْ الْمَانِعُ بِالْقُوَّةِ (كَوْنُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ إذَا جَامَعَ بَاعِثًا مَنَعَهُ) أَيْ الْبَاعِثُ (مُقْتَضَاهُ) وَالْفِسْقُ لِلْإِعْطَاءِ كَذَلِكَ إذْ الْفِسْقُ كَوْنُهُ بِحَيْثُ إذَا جَامَعَ الْفَقْرَ مَنَعَهُ مُقْتَضَاهُ الَّذِي هُوَ الْإِعْطَاءُ وُجِدَ الْفَقْرُ أَوْ لَا لَا أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ الْمَانِعِيَّةُ بِالْفِعْلِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) الدَّلِيلُ مَعَ جَوَابِهِ (مُشْتَرَكُ الْقَوْلَيْنِ) اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا يُجَوِّزُ فِي الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَة وَالْآخَرُ يُجَوِّزُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ فَقَطْ (وَيَزِيدُ الْمَانِعُ فِي الْمَنْصُوصَةِ بِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ النَّقْضِ فِيهَا (بُطْلَانَ النَّصِّ الْمُقْتَضِي الثُّبُوتَ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ) لِتَنَاوُلِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَحَلَّ التَّخَلُّفِ (بِخِلَافِ الْمُسْتَنْبَطَةِ) فَإِنَّ دَلِيلَهَا تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا عِنْدَ خُلُوِّهَا عَنْ الْمَانِعِ وَلَا تَخَلُّفَ لِلْحُكْمِ عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِلِّيَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ. (أُجِيبَ) عَنْ هَذَا (إنْ) كَانَ النَّصُّ (قَطْعِيًّا بِالثُّبُوتِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ لَمْ يُقْبَلْ التَّخْصِيصُ) كَغَيْرِهِ مِنْ التَّخْصِيصَاتِ الَّتِي تُتَصَوَّرُ لِلْقَوَاطِعِ فَإِنَّ الْقَاطِعَ لَا يَقْبَلُ شَيْئًا مِنْهَا (أَوْ) كَانَ (ظَنِّيًّا وَجَبَ قَبُولُهُ وَتَقْدِيرُ الْمَانِعِ جَمْعًا) بَيْنَ دَلِيلَيْ الِاعْتِبَارِ وَالْإِهْدَارِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا (وَأَنْتَ عَلِمْت مَا يَكْفِيهِمْ) فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا مِنْ أَنَّ التَّخَلُّفَ لَا لِمَانِعٍ يُوجِبُ نَفْيَ ظَنِّهَا وَالدَّلِيلُ أَوْجَبَهُ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بِتَقْدِيرِهِ فَوَجَبَ كَمَا فِي غَيْرِهِ فَلْيُقْتَصَرْ عَلَيْهِ (فَإِنَّمَا هَذَا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْمُولَعِينَ بِنَقْلِ الْخِلَافِ دُونَ تَحْرِيرٍ وَلِلْعَاكِسِ) لِلْجَوَازِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ لَا الْمَنْصُوصَةِ وَهُوَ الْقَائِلُ بِالْجَوَازِ فِي الْمَنْصُوصَةِ لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ (نَحْوُهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ لِلْجَوَازِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ وَهُوَ (لَوْ صَحَّتْ الْمُسْتَنْبَطَةُ مَعَ نَقْضِهَا كَانَ) كَوْنُهَا صَحِيحَةً (لِلْمَانِعِ) أَيْ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ (فَتَوَقَّفَتْ صِحَّتُهَا) حَالَ كَوْنِهَا (مَنْقُوضَةً عَلَيْهِ) أَيْ الْمَانِعِ (وَإِلَّا) لَوْ تَخَلَّفَتْ بِلَا مَانِعٍ (فَلَا اقْتِضَاءَ وَتَحَقُّقُهُ) أَيْ الْمَانِعِ (فَرْعُ صِحَّةِ عِلِّيَّتِهَا) إذْ لَوْ لَمْ تَصِحَّ الْعِلِّيَّةُ لَكَانَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَلَا أَثَرَ لِمَا يُتَصَوَّرُ مَانِعًا فَلَا يَكُونُ مَانِعًا فَتَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَى الْمَانِعِ وَالْمَانِعُ عَلَى الصِّحَّةِ (فَدَارَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الدَّوْرَ دَوْرُ (مَعِيَّةٍ) إذْ غَايَتُهُ امْتِنَاعُ انْفِكَاكِ كُلٍّ عَنْ الْآخَرِ. وَأَمَّا عَدَمُ الِانْفِكَاكِ بِصَفِّهِ التَّقَدُّمِ فَلَا (وَدُفِعَ) هَذَا الْجَوَابُ (بِأَنَّ حَقِيَةَ الْمُرَادِ) مِنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ (الْعِلْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْمَانِعِيَّةِ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَحْقِيقِ الْمُقْتَضَى وَالْمَانِعُ هُوَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ لِيَتَأَتَّى تَرْتِيبُ الْحُكْمِ (وَهُوَ) أَيْ تَوَقُّفُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ (تَرَتُّبٌ) أَيْ دَوْرٌ مُرَتَّبٌ لِظُهُورِ تَقَدُّمِ كُلٍّ عَلَى الْآخَرِ إذْ لَا تُعْلَمُ الْمَانِعِيَّةُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالِاقْتِضَاءِ وَلَا يُعْلَمُ الِاقْتِضَاءُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمَانِعِيَّةِ (بَلْ الْجَوَابُ أَنَّا نَظُنُّ صِحَّتَهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (أَوَّلًا بِمُوجَبِهِ) أَيْ الظَّنِّ (ثُمَّ نَسْتَقْرِئُ إلَخْ) أَيْ الْمَحَالَّ لِاسْتِعْلَامِ مُعَارِضِهِ مِنْ التَّخَلُّفِ لَا لِمَانِعٍ. فَإِنْ لَمْ نَجِدْ اسْتَمَرَّ الظَّنُّ بِصِحَّتِهَا وَإِنْ وَجَدْنَا التَّخَلُّفَ فِي

بَعْضِ الْمُحَالِ. فَإِنْ وَجَدْنَا أَمْرًا يَصْلُحُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ ذَلِكَ حَكَمْنَا عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ بِأَنَّهُ مَانِعٌ وَاسْتَمَرَّ ظَنُّ الصِّحَّةِ وَإِلَّا زَالَ فَإِذًا اسْتِمْرَارُ الظَّنِّ بِصِحَّتِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَكَوْنُهُ مَانِعًا بِالْفِعْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ظُهُورِ الصِّحَّةِ وَظَنِّهَا لَا عَلَى اسْتِمْرَارِهِ فَزَالَ الدَّوْرُ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ هُوَ اسْتِمْرَارُ الظَّنِّ وَالْمُتَوَقَّفَ عَلَيْهِ نَفْسُ الظَّنِّ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ مَنْ أَعْطَى فَقِيرًا يَظُنُّ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ لِفَقْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُعْطِ آخَرَ تَوَقَّفَ الظَّنُّ لِجَوَازِ وُجُودِ الْمَانِعِ وَعَدَمِهِ. فَإِنْ تَبَيَّنَ مَانِعٌ كَفِسْقِهِ اسْتَمَرَّ ظَنٌّ أَنَّهُ كَانَ لِلْفَقْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطِ الْآخَرَ مَعَ وُجُودِ الْبَاعِثِ لِفِسْقِهِ وَإِلَّا زَالَ ظَنُّ كَوْنِهِ لِلْفَقْرِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْفَقْرَ مُقْتَضٍ وَإِلَّا لَجَازَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ بِنَاءً عَلَى الْمُقْتَضِي وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ الْفَقْرَ مُقْتَضٍ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْفِسْقَ كَانَ مَانِعًا وَإِلَّا لَكَانَ التَّخَلُّفُ قَاطِعًا فِي عَدَمِ الْمُقْتَضِي (وَيَجْرِي فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْجَوَابِ (إشْكَالُ الْمُقَارَنَةِ) أَيْ مَا إذَا كَانَ الْعِلْمُ بِالتَّخَلُّفِ مُقَارِنًا لِظُهُورِ الْعِلِّيَّةِ إذْ لَا يَتَأَتَّى حِينَئِذٍ ذِكْرُ الِاسْتِمْرَارِ (وَدَفْعُهُ) أَيْ إشْكَالِهَا بِأَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْعِلِّيَّةِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْمَانِعِيَّةِ بِالْفِعْلِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِلِّيَّةُ هُوَ الْمَانِعِيَّةُ بِالْقُوَّةِ بِمَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ بِحَيْثُ إذَا جَامَعَ الْبَاعِثَ مَنَعَ مُقْتَضَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا آنِفًا (وَجْهُ الْمُخْتَارِ) وَأَنَّ عَدَمَ النَّقْضِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَة لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا (أَنَّهُ) أَيْ التَّخَلُّفَ (تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ دَلِيلِ حُكْمٍ) وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ عِلَّةً (فَوَجَبَ قَبُولُهُ كَاللَّفْظِ) أَيْ كَمَا يَجِبُ قَبُولُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ اللَّفْظِيِّ إذْ لَا فَرْقَ مُؤَثِّرٌ بَيْنَهُمَا. (وَمَا قِيلَ الْخِلَافُ) فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ مَنْقُوضَةٍ (مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الْمَعَانِي الْعُمُومَ فَالْمَانِعُ) أَنَّ لَهَا عُمُومًا (إذْ) الْمَعْنَى وَاحِدٌ (لَا تَعَدُّدَ إلَّا فِي مَحَالَّهُ) فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ (مَانِعٌ هُنَا) أَيْ مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا مَعْنًى وَالْقَائِلُ بِأَنَّ لَهَا عُمُومًا يُجَوِّزُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ لِعُمُومِهَا ثُمَّ الْخِلَافُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (غَيْرُ لَازِمٍ لِوُقُوعِ الِاتِّفَاقِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَتْ حُجَّةُ الْمَانِعِ هَذَا (عَلَى تَعَدُّدِ مَحَالَّهُ) أَيْ الْمَعْنَى (وَالْكَلَامُ هُنَا) أَيْ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِهَا) أَيْ مَحَالِّهَا (إذْ حَاصِلُهُ) أَيْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ الْمَعْنَى (يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي مَحَالَّهُ إلَّا مَحَلَّ الْمَانِعِ) مِنْ الْحُكْمِ (وَالْمَانِعُ هُوَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا التَّقْرِيرِ (انْدَفَعَ قَوْلُ الْمَانِعِينَ) مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ تَخْصِيصُهَا (تَنَاقُضٌ لَا تَخْصِيصٌ) قَالُوا (لِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلِّيَّةِ يُوجِبُ قَوْلَهُ) أَيْ الْمُعَلَّلِ (هَذَا الْوَصْفُ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ) أَيْ الْوَصْفَ (أَمَارَةً عَلَيْهِ) أَيْ الْحُكْمِ (أَيْنَمَا وُجِدَ) أَيْ الْوَصْفُ وَإِنَّمَا انْدَفَعَ قَوْلُهُمْ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَلِيلَ الْعِلِّيَّةِ يُوجِبُ جَعْلَهُ أَمَارَةً عَلَيْهِ أَيْنَمَا وُجِدَ (بَلْ) إنَّمَا يُوجِبُ جَعْلَهُ أَمَارَةً عَلَيْهِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ غَيْرَ أَنَّا إذَا قَطَعْنَا بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ مَحَالَّهُ) أَيْ الْحُكْمِ (مَعَ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا يَصِحُّ إضَافَةُ التَّخَلُّفِ إلَيْهِ قَدَّرْنَا مَانِعًا) مِنْ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ (جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ) دَلِيلِ الْعِلَّةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ وَدَلِيلِ التَّخَلُّفِ فِي مَحَلِّهِ. (وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَمَا قِيلَ) أَيْ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَرَّرَهُ فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ التَّخْصِيصَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهَا مِنْ الْأَصْلِ أَعْنِي الدَّلَالَةَ اللَّفْظِيَّةَ إلَى الْفَرْعِ أَعْنِي الْمُعَلَّلَ إذْ (التَّخْصِيصُ مَلْزُومٌ لِلْمَجَازِ الْمَلْزُومِ اللَّفْظِ) لِأَنَّ الْمَجَازَ مِنْ خَوَاصِّ اللَّفْظِ وَاخْتِصَاصُ اللَّازِمِ بِالشَّيْءِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِهِ وَإِلَّا لَزِمَ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ وَهُوَ مُحَالٌ (مُنِعَ بِأَنَّ الْمَلْزُومَ لِلْمَجَازِ مِنْهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (تَخْصِيصُ اللَّفْظِ لَا) التَّخْصِيصُ (مُطْلَقًا بَلْ هُوَ) أَيْ التَّخْصِيصُ مُطْلَقًا (أَعَمُّ) مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلْزُومًا لِلْمَجَازِ أَوْ لَا وَمَعْنَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إثْبَاتُ مِثْلِهِ فِي صُورَةِ الْفَرْعِ فَيَثْبُتُ فِي الْعِلَلِ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْمَوَارِدِ كَتَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ وَيَتَّصِفُ بِهِ اللَّفْظُ ضَرُورَةَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَيَمْتَنِعُ اتِّصَافُ الْعِلَّةِ بِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا الِاتِّصَافُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَبَعْدَ إصْلَاحِهِ إلَى وَمَعْنَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إثْبَاتُهُ فِي صُوَرِ الْفَرْعِ لِمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ فِي الْفَرْعِ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي فِي الْأَصْلِ لَا مِثْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يُجْدِي نَفْعًا فِي إثْبَاتِ جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ قِيَاسًا عَلَى الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجَامِعِ الْمُفِيدِ لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَمْ يُوجَدْ

هُنَا بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي الْمَحْصُولِ مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ عَلَى الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى عَدَمِ الْمُخَصِّصِ إلَّا أَنَّ عَدَمَ الْمُخَصِّصِ إذَا ضُمَّ إلَى الْعَامِّ صَارَ الْمَجْمُوعُ دَلِيلًا عَلَى الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ دَلَالَتَهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى عَدَمِ الْمُخَصِّصِ وَذَلِكَ الْعَدَمُ لَا يَجُوزُ ضَمُّهُ إلَى الْعِلَّةِ عَلَى جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ مَنَعَ كَوْنَ الْقَيْدِ الْعَدَمِيِّ جُزْءًا مِنْ عِلَّةِ الْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُجَوِّزِ فَلِاشْتِرَاطِهِ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ (إذْ لَا بُدَّ فِي صِحَّتِهَا مِنْ الْمَانِعِ) وَالْوَجْهُ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ فَسَقَطَ لَفْظُ عَدَمٍ مِنْ الْقَلَمِ (وَوُجُودِ الشَّرْطِ فَعَدَمُهُ) أَيْ الْمَانِعِ (وَوُجُودُهُ) أَيْ الشَّرْطِ (جُزْءُ الْعِلَّةِ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ) مِنْهُمَا وَمِنْ الْوَصْفِ هُوَ (الْمُسْتَلْزِمُ) لِلْحُكْمِ وَقَدْ وُجِدَ الْمَانِعُ أَوْ فُقِدَ الشَّرْطُ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ فَلَمْ يُوجَدْ تَمَامُ الْعِلَّةِ (قُلْنَا فَرَجَعَ) الْخِلَافُ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ خِلَافًا (لَفْظِيًّا مَبْنِيًّا عَلَى تَفْسِيرِهَا أَهِيَ الْبَاعِثُ) عَلَى الْحُكْمِ (أَوْ) هِيَ (جُمْلَةُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ) الْحُكْمُ. فَإِنْ فُسِّرَتْ بِالْبَاعِثِ عَلَى الْحُكْمِ فَلَيْسَ عَدَمُ الْمَانِعِ وَوُجُودُ الشَّرْطِ مِنْ الْبَاعِثِ فِي شَيْءٍ فَجَازَ النَّقْضُ وَإِنْ فُسِّرَتْ بِالْمُسْتَلْزِمِ فَوُجُودُهُ وُجُودُ الْحُكْمِ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَجُزْ النَّقْضُ (لَكِنَّ الْحَقَّ خَطَؤُكُمْ) فِي دَعَوَاكُمْ عَدَمَ جَوَازِ النَّقْضِ (لِتَفْسِيرِكُمْ) الْعِلَّةَ (بِالْمُؤَثِّرِ وَالشَّرْطُ وَعَدَمُ الْمَانِعِ لَا دَخْلَ لَهُمَا فِي التَّأْثِيرِ بِمُوَافَقَتِكُمْ) . (وَأَمَّا إلْزَامُ تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ) لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاجْتِهَادِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِسَلَامَتِهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ وَفَسَادُهُ وَخَطَؤُهُ بِانْتِقَاضِهِ فَإِذَا جَازَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ أَمْكَنَ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ النَّقْضُ فِي عِلَّتِهِ أَنْ يَقُولَ امْتَنَعَ حُكْمُ عِلَّتِي ثَمَّةَ لِمَانِعٍ وَفِي تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدِ قَوْلٍ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ إذْ الْأَصْلَحُ فِي كُلِّ مُجْتَهِدٍ أَنْ يَكُونَ مُصِيبًا وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ بَاطِلٌ فَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ كَذَلِكَ (فَمُنْتَفٍ لِأَنَّ ادِّعَاءَهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَوَّلًا إلَّا بِدَلِيلٍ وَمَعَ التَّخَلُّفِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ) كَوْنُ الْعِلَّةِ هِيَ وَصْفُ كَذَا لَكِنْ امْتَنَعَ حُكْمُهَا فِي مَحَلِّ كَذَا الْمَانِعِ (إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ مَانِعًا) صَالِحًا لِلتَّخْصِيصِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَتَيَسَّرُ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ عِنْدَ وُرُودِ النَّقْضِ عَلَى عِلَّتِهِ بَيَانُ مَانِعٍ صَالِحٍ لِلتَّخْصِيصِ، عَلَى أَنَّ لِلْمُجِيزِينَ أَنْ يَقْبَلُوا هَذَا عَلَى الْمَانِعِينَ بِأَنْ يَقُولُوا لَمَّا كَانَ عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَكُمْ فِي صُورَةِ التَّخْصِيصِ مُضَافًا إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ بِتَغَيُّرِ مَا يُمْكِنُ حِينَئِذٍ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ نَقْضٌ أَنْ يَقُولَ عَدِمْت عِلَّتِي فِي صُورَتَيْ النَّقْضِ لِزِيَادَةِ وَصْفٍ فِيهَا أَوْ نُقْصَانِهِ عَنْهَا وَيَتَخَلَّصُ عَنْ النَّقْضِ فَتَبْقَى عِلَّتُهُ عَلَى الصِّحَّةِ فَيَكُونُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا. (وَإِنَّمَا ذَلِكَ) أَيْ إلْزَامُ تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ (لَازِمٌ) لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (مَعَ إجَازَتِهِ) أَيْ النَّقْضِ (بِلَا تَعَيُّنِهِ) أَيْ الْمَانِعِ مِنْ الْحُكْمِ (كَمَا حَرَّرْنَاهُ أَوْ بِلَا مَانِعٍ كَمَا قِيلَ أَوْ دَلِيلٍ) وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَانِعٍ صَالِحٍ لِلتَّخْصِيصِ، ثُمَّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَصْوِيبُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ لِجَوَازِ إبْطَالِ عِلَّتِهِ بِسَائِرِ الطُّرُقِ مِنْ الْمُمَانَعَةِ وَالْمُعَارَضَةِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ وَالْقَلْبِ وَغَيْرِهَا وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْهُ ذَلِكَ لَكِنْ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّصْوِيبُ فِي حَقِّ الْعَمَلِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الثَّابِتِ عِنْدَ اللَّهِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ وَهَذَا لَا يُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ غَايَتُهُ وُقُوعُ الْأَصْلَحِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ بَاطِلٌ لَا بِوُقُوعِهِ مِنْهُ تَعَالَى لِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَأَحْكَامَهُ تَعَالَى مُعَلَّلَةٌ بِرِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ كَمَا تُنَادِي بِهِ تَعْلِيلَاتُهُمْ فِي شَرْعِيَّةِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ (صِحَّةُ الْعِلِّيَّةِ تَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ) لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّتِهَا لُزُومُ الْمَعْلُولِ لِعِلَّتِهِ (لَيْسَ بِشَيْءٍ بَعْد مَا ذَكَرْنَا) آنِفًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلَّةِ الْبَاعِثُ وَالْمُؤَثِّرُ لَا لُزُومُ الْحُكْمِ لَهَا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا لُزُومُهُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْمَانِعِ وَوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَيْسَا مِنْ الْبَاعِثِ وَالْمُؤَثِّرِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ أَيْضًا (تَعَارُضُ دَلِيلِ الِاعْتِبَارِ) لِلْعِلَّةِ وَهُوَ وُجُودُ الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ (وَ) دَلِيلُ (الْإِهْدَارِ) وَهُوَ التَّخَلُّفُ عَنْهُ فَتَسَاقَطَا (فَلَا اعْتِبَارَ) بِدَلِيلِ الْعِلِّيَّةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (مَمْنُوعٌ لِأَنَّ التَّخَلُّفَ لَيْسَ دَلِيلَ الْإِهْدَارِ إلَّا) إذَا كَانَ (بِلَا مَانِعٍ) لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي حِينَئِذٍ فَبَطَلَ الِاقْتِضَاءُ لَكِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لِمَانِعٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ

تنبيه قسم المصححون لتخصيص العلة مع المانع إلى خمسة

أَعْلَمُ هَذَا وَقَدْ قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ نَصٌّ فِيهِ وَادَّعَى قَوْمٌ مِنْ أَجِلَّاءِ أَصْحَابِنَا كَالْكَرْخِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالدَّبُوسِيِّ وَالْقَاضِي خَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّجَرِيِّ أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَاسْتَشْهَدُوا بِمَسَائِلَ. وَذَكَرَ الْمُحَاسِبِيُّ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ وَعَدَّهُ مِنْ مَنَاقِبِهِ وَلَفْظُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ تَخْصِيصُ أَحْكَامِ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَبَاهُ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ وَالشَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي حَكَيْنَاهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ أَخَذْنَاهُ عَمَّنْ شَاهَدْنَاهُ مِنْ الشُّيُوخِ الَّذِينَ كَانُوا أَئِمَّةَ الْمَذْهَبِ بِمَدِينَةِ الْإِسْلَامِ يَعْزُونَهُ إلَيْهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَيَحْكُونَ عَنْ شُيُوخِهِمْ الَّذِينَ شَاهَدُوهُمْ وَمَسَائِلُ أَصْحَابِنَا وَمَا عَرَفْنَا مِنْ مَقَالَتِهِمْ فِيهَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا وَشُيُوخِنَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ إلَّا بَعْضَ مَنْ كَانَ هَا هُنَا بِمَدِينَةِ الْإِسْلَامِ فِي عَصْرِنَا مِنْ الشُّيُوخِ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ وَلَهُ مَنَاكِيرُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي أَجْوِبَةِ مَسَائِلِهِمْ انْتَهَى وَفِي التَّحْقِيقِ ثُمَّ مَنْ أَجَازَ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ مِنْ مَشَايِخِنَا زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِالِاسْتِحْسَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ وُجُودُ الْعِلَّةِ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ لِمَانِعٍ وَالِاسْتِحْسَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّ حُكْمَ الْقِيَاسِ امْتَنَعَ فِي صُورَةِ الِاسْتِحْسَانِ لِمَانِعٍ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَنَسَبَهُ فِي الْكَشْفِ إلَى الْكَرْخِيِّ وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالُوا هُوَ لَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بَلْ الْحُكْمُ إنَّمَا انْعَدَمَ فِيهِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إذَا عَارِضَهُ اسْتِحْسَانٌ لَمْ يَبْقَ الْوَصْفُ عِلَّةً لِأَنَّ دَلِيلَ الِاسْتِحْسَانِ إنْ كَانَ نَصًّا فَلَا اعْتِبَارَ لِعِلَّةِ الْقِيَاسِ فِي مُقَابَلَتِهِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ عَدَمُ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِثْلُ النَّصِّ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْعِلَّةِ وَالضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ مَعْدُومٌ حُكْمًا. وَكَذَا إنْ كَانَ ضَرُورَةً لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ قِيَاسًا خَفِيًّا لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَالْمَرْجُوحُ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ بِسَبَبِ أَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لَا لِمَانِعٍ مَعَ قِيَامِهَا وَقَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي وَالْحَقُّ عِنْدِي هُوَ التَّفْضِيلُ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ اسْتَحْسَنَّا فِيهِ بِالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ وَالضَّرُورَةِ يُصَارُ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّخْصِيصِ وَإِلَّا يَلْزَمُ الْفَسَادُ وَالتَّنَاقُضُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ التَّخْصِيصُ بَاطِلٌ وَقَوْلِهِمْ شَرْطُ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ فِيهَا كَيْفَ يَكُونُ مَعْدُولًا عَنْ الْقِيَاسِ وَلَا يَبْقَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُخِّصَ فِي السَّلَمِ مَعْنًى لِأَنَّ التَّرَخُّصَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ وَكُلُّ مَوْضِعٍ اسْتَحْسَنَّا فِيهِ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ لَا يُصَارُ إلَى التَّخْصِيصِ لِانْتِفَاءِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَحْذُورَاتِ أَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ بِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ يَظْهَرُ أَنَّ مَا كَانَ يَتَرَاءَى عِلَّةً لَمْ يَكُنْ عِلَّةً حَقِيقَةً حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّخَلُّفِ لِمَانِعٍ بَلْ الْعِلَّةُ كَانَتْ غَيْرَهُ لِمَا قُلْنَا فِي سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ بِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ ظَهَرَ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لَيْسَتْ عِلَّةً لِنَجَاسَةِ سُؤْرَ سِبَاعِ الْوَحْشِ مِنْ الْبَهَائِمِ بَلْ الرُّطُوبَةَ النَّجِسَةَ فِي الْآلَةِ الَّتِي تُشْرَبُ بِهَا وَتِلْكَ الْعِلَّةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ فَلَمْ يَتَنَجَّسُ سُؤْرُهَا لِعَدَمِ عِلَّةٍ وَلِهَذَا لَا يُقَالُ إنَّ الْمُسْتَحْسَنَ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَانِعِ إلَى خَمْسَةٍ] (تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ) لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (مَعَ الْمَانِعِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الْمَوَانِعَ إلَى خَمْسَةٍ مَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ كَبَيْعِ الْحُرِّ) إذْ الْبَيْعُ عِلَّةُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَفِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ لَكِنْ وُجِدَ الْمَانِعُ مِنْ انْعِقَادِهِ عِلَّةً لِذَلِكَ هُنَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَانِعُ مِنْ انْعِقَادِهَا فِيهِ (انْتِفَاءُ مَحَلِّهَا) وَهُوَ الْمَالُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ بِالتَّرَاضِي وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ (وَلَا عِلَّةَ فِي غَيْرِ مَحَلٍّ) فَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الْأَوَّلُ (وَ) مَا يَمْنَعُ (تَمَامَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدِ) أَيْ فِي حَقِّ الْمَالِكِ (كَبَيْعِ عَبْدِ الْغَيْرِ) بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ بَيْعَهُ عِلَّةٌ (تَامَّةٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدِ) حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِهِ (لَا) فِي حَقِّ (الْمَالِكِ) لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْعَاقِدِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَا

يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَارِثِهِ نَعَمْ أَصْلُ الِانْعِقَادِ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْهِ (فَجَازَ بِإِجَازَتِهِ وَبَطَلَ بِإِبْطَالِهِ) وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ لَمْ يَلْزَمْ بِالْإِجَازَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الثَّانِي (وَمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ يَمْنَعُ الْمِلْكَ) فِي الْمَبِيعِ (لِلْمُشْتَرِي) وَإِنْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ فِي حَقِّهِمَا عَلَى التَّمَامِ وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الثَّالِثُ (وَ) مَا يَمْنَعُ (تَمَامَهُ) أَيْ الْحُكْمِ لَا أَصْلِهِ (كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يَمْنَعُهُ) أَيْ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ (لَكِنْ لَا يَتِمُّ بِالْقَبْضِ مَعَهُ) أَيْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ (وَيَتَمَكَّنُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ الْفَسْخِ بِلَا قَضَاءٍ وَ) لَا (رِضَاءٍ) فَكَانَ غَيْرَ لَازِمٍ لِعَدَمِ التَّمَامِ وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الرَّابِعُ (وَ) مَا يَمْنَعُ (لُزُومَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (كَخِيَارِ الْعَيْبِ يَثْبُتُ) الْحُكْمُ (مَعَهُ تَامًّا) حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ (وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا بِتَرَاضٍ أَوْ قَضَاءٍ) . وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الْخَامِسُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ مَرَاتِبُ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَمَّا كَانَ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ كَمَا عُرِفَ كَانَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِهِ فَيَكُونُ مَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِهِ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ صَدَرَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا عَنْ الشَّرْطِ فَأَوْجَبَ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ لَكِنْ لَمْ يَتِمَّ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ، وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ حَصَلَ السَّبَبُ وَالْحُكْمُ بَاتًّا لِتَمَامِ الرِّضَا لِوُجُودِ الرُّؤْيَةِ لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَيْبِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي فَقُلْنَا بِعَدَمِ اللُّزُومِ وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي فِي خِيَارِ الْعَيْبِ مِنْ رَدِّ بَعْضِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ وَأَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مُطْلَقًا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ قَبْلَ التَّمَامِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَأَوْرَدَ بِأَنَّ هَذَا يُشِيرُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَالْمُدَّعَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا بَعْدَهُ كَمَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِدُونِ الرِّضَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ يَنْفَرِدُ بِالرَّدِّ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ مُطْلَقًا ثُمَّ كَوْنُ الْمَوَانِعِ خَمْسَةً هُوَ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمُوَافِقِيهِمَا قَالُوا وَالْحَصْرُ فِيهَا اسْتِقْرَائِيٌّ قِيلَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْعِلَّةُ وَحُكْمُهَا وَلِلْأَوَّلِ مَانِعَانِ وَلِلثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّامِيَ إذَا قَصَدَ الرَّمْيَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُصْدِرَ السَّهْمَ مِنْ قَوْسِهِ رَمْيًا أَوْ لَا وَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ عِلَّةً وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَرْمَى أَوْ لَا وَالثَّانِي هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي حَالَ بَيْنَ الرَّامِي وَالْمَقْصِدِ حَائِلٌ فَالْحَائِلُ مَانِعٌ تَمَامَ الْعِلَّةِ وَالْأَوَّلُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ ثَمَّ عِلَّةٌ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِي الْعِلَلِ بَلْ فِي الْمَوَانِعِ ثُمَّ إذَا أَصَابَ السَّهْمُ الْمَرْمَى فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجْرَحَهُ أَوْ لَا وَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ الَّذِي مَنَعَ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ بِدَفْعِهِ بِقَوْسٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَزُولَ الْجُرْحُ بِالِانْدِمَالِ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي مَنَعَ تَمَامَ الْحُكْمِ وَالثَّانِي هُوَ الثَّالِثُ الَّذِي يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ وَهَذِهِ قِسْمَةٌ دَائِرَةٌ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَتُفِيدُ الْجَزْمَ وَلَا مَحَالَةَ. وَالْمَذْكُورُ فِي تَقْوِيمِ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَحْدُثُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ فَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالِانْعِقَادِ وَإِلَّا فَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ التَّمَامِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْعِلَّةِ أَوْ الْحُكْمِ وَوَافَقَهُ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي عَلَى هَذَا فَقَالَ وَلَوْ جَعَلَ أَقْسَامَ الْمَوَانِعِ أَرْبَعَةً وَجَعَلَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ مِمَّا يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ لَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفَسْخِ فِيهِمَا كَمَا جَعَلَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ لَكَانَ أَوْجَهَ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ يَظْهَرُ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (عَلَى الْخِلَافِ) فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (فَرْعًا عَلَى مَذْهَبِهِمْ) أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ الصَّائِمُ (النَّائِمُ إذَا صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ فَسَدَ) صَوْمُهُ (عِنْدَهُمْ لِفَوَاتِ رُكْنِهِ) أَيْ الصَّوْمِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرِ لِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ (فَهُوَ) أَيْ فَوَاتُ رُكْنِهِ بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ (عِلَّةُ الْفَسَادِ) لِلصَّوْمِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مُؤَثِّرٌ فِيهِ الْفَسَادُ وَقَدْ (تَخَلَّفَ) الْفَسَادُ (عَنْهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي صَوْمِ الشَّارِبِ (النَّاسِي) لِصَوْمِهِ لِأَنَّ بِشُرْبِهِ نَاسِيًا لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ (فَالْمُجِيزُ) تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ يَقُولُ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ (لِمَانِعٍ هُوَ الْحَدِيثُ) وَهُوَ مَا قَدَّمْنَا فِي شَرْطِ حُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْدُولًا عَنْ الْقِيَاسِ مِنْ سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي كُنْت صَائِمًا فَأَكَلْت وَشَرِبْت نَاسِيًا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتِمَّ صَوْمَك فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَك وَسَقَاك» (مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ) وَهُوَ فَوْتُ

الرُّكْنِ. (وَالْمَانِعُ) تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ يَقُولُ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ (لِعَدَمِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ فِيهِ (حُكْمًا لِأَنَّ فِعْلَ النَّاسِي نُسِبَ إلَى مُسْتَحِقِّ الصَّوْمِ) وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك» فَكَانَ أَكْلُهُ كَلَا أَكْلٍ فَبَقِيَ الرُّكْنُ حُكْمًا وَ) الصَّائِمُ النَّائِمُ (الْمَصْبُوبُ فِي فِيهِ) الْمَاءُ (لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ) أَيْ الصَّائِمِ النَّاسِي (إذْ لَيْسَ) فِعْلُهُ الْمُفَوِّتُ لِلرُّكْنِ (مُضَافًا إلَى الْمُسْتَحِقِّ) لِلصَّوْمِ (فَلَمْ يَسْقُطْ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ السَّاقِطِ فِي حَلْقِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (نَائِمًا) مَاءُ (مَطَرٍ) لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ (كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ) لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ شُرْبِ النَّاسِي لِعَدَمِ إضَافَتِهِ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي حَلْقِ الْمُسْتَيْقِظِ مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِلضَّرُورَةِ فَمَا الظَّنُّ بِهَذَا نَعَمْ آخَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَفْسُدُ فِي هَذِهِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِإِمْكَانِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ بِأَنْ يَأْوِيَ إلَى خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ فَيَنْقَدِحُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ فِيمَا نَحْنُ فِيهَا إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنَامَ مَسْتُورًا بِمَا يَمْنَعُ دُخُولَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمُسْتَوْضِحِ بِهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ بِأَنْ كَانَ سَائِرًا فِي فَلَاةٍ وَلَا خَيْمَةَ وَلَا سَقْفَ أَوْ ثَمَّ أَحَدُهُمَا وَهُوَ بِحَيْثُ يُمْنَعُ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْسُدَ حِينَئِذٍ كَقَوْلِ الْمَاضِينَ ثُمَّ كَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ لَا يَفْسُدُ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِشَيْءٍ وَقَالُوا إنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِأَنْ يَكُونَ إثَارَةُ الْغُبَارِ مِنْ تَعَاطِيهِ أَوْ بِدُنُوِّهِ. فَإِنْ تَمَّ إطْلَاقَ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيهِ مَعَ هَذَا تَمَّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُ النَّائِمِ السَّاقِطِ فِي حَلْقِهِ مَاءُ مَطَرٍ مُطْلَقًا وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ خَاضَ الْمَاءَ فَدَخَلَ أُذُنَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ صُبَّ الْمَاءُ فِي أُذُنِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ انْتَهَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَوْضَ الْمَاءِ قَدْ يَكُونُ لَهُ عَنْهُ بُدٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ) أَيْ مَا يُسَمَّى عِلَّةً فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ (غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ) مِنْ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ فَإِنَّ عَدَمَ الرُّكْنِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ (فَظَهَرَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَانِعِ) مِنْ فَسَادِ صَوْمِ النَّاسِي (الْإِضَافَةُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ) وَبِهَذَا يَظْهَرُ عَدَمُ إلْحَاقِ الشَّارِبِ نَائِمًا بِالشَّارِبِ نَاسِيًا فَإِنَّ فِي الْمُنْتَقَى يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشْفِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ رَاجِعٌ إلَى الْعِبَارَةِ فِي التَّحْقِيقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ وَفِي مَوْضِعِ التَّخَلُّفِ الْحُكْمُ مَعْدُومٌ بِلَا شُبْهَةٍ إلَّا أَنَّ الْعَدَمَ مُضَافٌ إلَى الْمَانِعِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظِيٍّ بَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ فَيَمْتَنِعُ إنْ قُدِحَ التَّخَلُّفُ وَإِلَّا فَلَا وَنُسِبَ إلَى السَّهْوِ وَفِي هَذَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي تَخَلُّفِ الْعِلَّةِ عَنْ الْحُكْمِ وَالْكَلَامُ فِي عَكْسِ ذَلِكَ وَثَانِيًا الْخِلَافُ فِي انْقِطَاعِ الْمُسْتَدِلِّ فَإِنَّ النَّقْضَ مِنْ عَظَائِمِ أَبْوَابِ الْجَدَلِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ انْقِطَاعُ الْخَصْمِ فَالْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّخْصِيصِ يَقُولُونَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت الْعِلِّيَّةَ فِي غَيْرِ مَا حَصَلَ فِيهِ التَّخَلُّفُ أَوْ هَذِهِ مِنْ الْبَعْضِ الَّذِي لَا يَلْزَمُنِي الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا نَسْمَعُ هَذَا مِنْك فَإِنَّ كَلَامَك مُطْلَقٌ وَأَنْتَ بِسَبِيلٍ مِنْ الِاحْتِرَازِ فَلِمَ لَا احْتَرَزْت. وَثَالِثًا الْخِلَافُ فِي انْخِرَامِ الْمُنَاسِبَةِ بِمُفْسِدَةٍ تَلْزَمُ رَاجِحَةً أَوْ مُسَاوِيَةً فَيَحْصُلُ إنْ قُدِحَ التَّخَلُّفُ عَلَى قَوْلِ الْمَانِعِينَ وَلَا يَحْصُلُ عَلَى قَوْلِ الْمُجَوِّزِينَ وَإِنَّمَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ كَمَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ (وَأَمَّا نَقْضُ الْحِكْمَةِ فَقَطْ بِأَنْ تُوجَدَ الْحِكْمَةُ دُونَ الْعِلَّةِ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحِكْمَةِ (فِي مَحَلٍّ وَلَمْ يُوجَدْ الْحُكْمُ وَيُسَمَّى كَسْرًا بِاصْطِلَاحٍ فَشُرِطَ عَدَمُهُ لِصِحَّةِ الْعِلَّةِ وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيِّ وَعَزَاهُ إلَى الْأَكْثَرِينَ (نَفْيُهُ) أَيْ شَرْطِ عَدَمِهِ (فَلَوْ قَالَ) قَائِلٌ لِلْقَائِلِ بِأَنَّ عِلَّةَ التَّرَخُّصِ بِالْقَصْرِ لِلْمُسَافِرِ كَائِنًا مَنْ كَانَ هِيَ السَّفَرُ (لَا تَصِحُّ عِلِّيَّة السَّفَرِ) لِلتَّرَخُّصِ الْمَذْكُورِ (لِانْتِقَاضِ حِكْمَتِهَا الْمَشَقَّةِ بِصَنْعَةٍ شَاقَّةٍ) كَحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَضَرْبِ الْمَعَاوِلِ وَمَا يُوجِبُ قُرْبَ النَّارِ فِي ظَهِيرَةِ الْقَيْظِ فِي الْقُطْرِ الْحَارِّ (فِي الْحَضَرِ) لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ الصَّنْعَةُ الشَّاقَّةُ بِدُونِ عِلَّتِهَا الَّتِي هِيَ السَّفَرُ وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ وَهُوَ رُخْصَةُ الْقَصْرِ (لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّهَا) أَيْ الْحِكْمَةَ

(غَيْرُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (وَكَوْنُهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ هِيَ (الْمَقْصُودَةُ) مِنْ الْعِلَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا عَسَرَ ضَبْطُهَا لِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَلَيْسَ كُلُّ قَدْرٍ مِنْهَا يُوجِبُ التَّرَخُّصَ وَتَعْيِينُ الْقَدْرِ الَّذِي يُوجِبُهُ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ وَانْضِبَاطِهِ ضُبِطَتْ بِالْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ السَّفَرُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ (فَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ وَفَاعِلُ يَبْطُلُ (مَا لَمْ يُعْتَبَرْ إلَّا لَهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ وَهُوَ عِلِّيَّةُ السَّفَرِ (إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ اُعْتُبِرَ مُطْلَقُهَا) أَيْ الْمَشَقَّةُ. (وَهُوَ) أَيْ اعْتِبَارُ مُطْلَقِهَا (مُنْتَفٍ بِالصَّنْعَةِ) الشَّاقَّةِ لِأَنَّ غَيْرَ السَّفَرِ مِنْ الصَّنَائِعِ الشَّاقَّةِ مَعْلُومٌ فِيهَا انْتِفَاءُ التَّرَخُّصِ بِالْقَصْرِ (فَالْحِكْمَةُ الَّتِي هِيَ الْعِلَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ مَشَقَّةُ السَّفَرِ وَلَمْ يُعْلَمْ مُسَاوَاتُهَا) الْعِلَّةَ (الْمَنْقُوضَةَ) وَهِيَ مَشَقَّةُ الصَّنْعَةِ الشَّاقَّةِ فِي الْحَضَرِ (وَلَوْ فُرِضَ الْعِلْمُ بِرُجْحَانِ الْمَنْقُوضَةِ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُ بُطْلَانُ الْعِلَّةِ) فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (إلَّا أَنَّ شَرْعَ حُكْمٍ) آخَرَ هُوَ (أَلْيَقُ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْحِكْمَةِ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَالْبُطْلَانُ فِي صُورَةٍ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْعِلِّيَّةِ وَصَلَاحِ الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مَقِيسًا عَلَيْهِ (كَالْقَطْعِ بِالْقَطْعِ) أَيْ كَقَطْعِ الْيَدِ بِقَطْعِ الْيَدِ شُرِعَ (لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ) لِلْمُكَلَّفِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ (تَخَلَّفَ) الْقَطْعُ (فِي الْقَتْلِ) الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ مَعَ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ أَزْيَدُ مِمَّا لَوْ قُطِعَ (لِشَرْعِ مَا هُوَ أَنْسَبُ بِهِ) أَيْ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ (وَهُوَ) أَيْ مَا هُوَ أَنْسَبُ بِهِ مِنْ الْقَطْعِ (الْقَتْلُ) إذْ الْقَتْلُ أَكْثَرُ عُدْوَانًا مِنْ الْقَطْعِ فَيَلِيقُ بِالزَّجْرِ عَنْهُ حُكْمٌ يَحْصُلُ بِهِ زَجْرٌ أَكْثَرُ مِنْ زَجْرِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ الْحُكْمُ أَمْرٌ يَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَزِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَشُرِعَ الْقَتْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِيَكُونَ زَائِدًا عَلَى الْقَطْعِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ سِوَى إبْطَالِ الْيَدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَتْلُ أَقْوَى افْتَقَرَ إلَى زَجْرٍ أَقْوَى فَشُرِعَ زَاجِرٌ أَقْوَى وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ حِكْمَةِ الزَّجْرِ بَلْ قُوَّةُ اعْتِبَارِهِ. (وَأَنْتَ إذْ عَلِمْت أَنَّ الْحِكْمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ) لِعُسْرِ ضَبْطِهَا وَتَعَذُّرِ تَعَيُّنِ الْقَدْرِ الَّذِي تُوجِبُهُ (ضُبِطَتْ شَرْعًا) بِمَظِنَّةٍ خَاصَّةٍ وَهُوَ الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ (لَمْ تَكَدْ تَقِفُ عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّ التَّخَلُّفَ) لِلْحُكْمِ (عَنْ مِثْلِهَا أَوْ أَكْبَرَ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ ضَابِطِهَا) وَلَوْ كَانَ عَدَمُ دُخُولِهِ (بِلَا مَانِعٍ) لَا يَنْقُضُ عِلِّيَّتَهَا خُصُوصًا إذَا (كَانَتْ مُومًى إلَيْهَا) أَيْضًا مِثْلُ {أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [البقرة: 184] لِأَنَّ الْحِكْمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعًا مِثْلًا مَشَقَّةُ السَّفَرِ بِخُصُوصِهِ (أَلَّا يُرَى أَنَّ الْبَكَارَةَ عِلِّيَّةُ الِاكْتِفَاءِ فِي الْإِذْنِ) أَيْ فِي إذْنِ الْحُرَّةِ الْبِكْرِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ لِوَلِيِّهَا أَوْ رَسُولِهِ فِي نِكَاحِهَا (بِالسُّكُوتِ) فِي النِّكَاحِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْهَا (لِحِكْمَةِ الْحَيَاءِ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ «عَنْ عَائِشَةَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَسْنَا مِنْ النِّسَاءِ قَالَ نَعَمْ قُلْت إنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي فَتَسْكُتُ قَالَ سُكُوتُهَا إذْنُهَا» (وَلَوْ فُرِضَ ثَيِّبٌ أَوْفَرُ حَيَاءً) مِنْهَا (أَوْ سَبَبٌ اقْتَضَاهُ) أَيْ حَيَاءً أَوْفَرَ مِنْ حَيَائِهَا (كَزِنًا اُشْتُهِرَ لَمْ يُكْتَفَ بِسُكُوتِهَا إجْمَاعًا) وَإِنْ ثَبَتَ قَدْرٌ مِنْ الْحِكْمَةِ وَهُوَ الْحَيَاءُ فِي هَاتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ حِكْمَةِ الْبَكَارَةِ وَهُوَ حَيَاؤُهَا (فَتَخَلَّفَ) الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الِاكْتِفَاءُ فِي الْإِذْنِ بِالسُّكُوتِ فِيهِمَا مَعَ وُجُودِ حِكْمَةٍ تَفُوقُ حِكْمَةَ الْبَكَارَةِ (وَلَمْ تَبْطُلْ عِلِّيَّةُ الْبَكَارَةِ) لِلِاكْتِفَاءِ بِالسُّكُوتِ (وَمَا ذَاكَ) أَيْ عَدَمُ بُطْلَانِ عِلِّيَّتِهَا (إلَّا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ حَيْثُ ضُبِطَتْ بِالْبَكَارَةِ كَانَتْ الْعِلَّةُ بِالْحَقِيقَةِ حَيَاءَ الْبِكْرِ فَلَمْ يَلْزَمْ فِي حَيَاءٍ فَوْقَهُ) أَيْ حَيَاءِ الْبِكْرِ (ثُبُوتُ الْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالسُّكُوتِ فِي ذَلِكَ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ حَيَاءٍ فَوْقَهُ (لِعَدَمِ دَلِيلِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (بِخُصُوصِهِ) وَهُوَ الْمَجْعُولُ ضَابِطًا (فَلَا تُنْتَقَضُ الْعِلَّةُ بِنَقْضِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ. وَأَمَّا النَّقْضُ الْمَكْسُورُ وَهُوَ نَقْضُ بَعْضِ) الْعِلَّةِ (الْمُرَكَّبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ اسْتِقْلَالِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَنْقُوضِ (بِالْحِكْمَةِ) حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ الْحِكْمَةُ الْمُعْتَبَرَةُ تَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْبَعْضِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْمَحَلِّ وَلَمْ يُوجَدْ الْحُكْمُ فِيهِ وَهُوَ نَقْضٌ لِمَا ادَّعَاهُ عِلِّيَّةً بِاعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ (كَمَا لَوْ قَالَ) الشَّافِعِيُّ (فِي مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ) هُوَ بَيْعٌ (مَجْهُولُ الصِّفَةِ) عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) (كَبَيْعِ عَبْدٍ بِلَا تَعْيِينٍ) لَهُ وَالْجَامِعُ الْجَهْلُ بِصِفَةِ الْمَبِيعِ (فَنَقَضَ) الْمُعْتَرِضُ (الْمَجْهُولِيَّةَ بِتَزَوُّجِ مَنْ لَمْ يَرَهَا) فَإِنَّهَا مَجْهُولَةُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ (مَعَ الصِّحَّةِ) لِتَزَوُّجِهَا إجْمَاعًا (وَحَذْفِ الْمَبِيعِ) فَاخْتُلِفَ فِي إبْطَالِهِ لِلْعِلِّيَّةِ قِيلَ يُبْطِلُهَا (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ (لَا يَمْنَعُ) الْعِلِّيَّةَ (لِأَنَّهَا)

أَيْ الْعِلِّيَّةَ (الْمَجْمُوعُ وَلَمْ يَنْتَقِضْ) الْمَجْمُوعُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عِلِّيَّةِ الْبَعْضِ عَدَمُ عِلِّيَّةِ الْجَمِيعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْجَمِيعِ مَا لَيْسَ لِلْجُزْءِ هَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى نَقْضِ الْبَعْضِ (فَلَوْ أَضَافَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَنْقُوضِ (إلْغَاءَ) الْوَصْفِ (الْمَتْرُوكِ) وَأَنَّهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلِّيَّةِ بِأَنْ بَيَّنَ عَدَمَ تَأْثِيرِ كَوْنِهِ مَبِيعًا (بِأَنْ قَالَ الْجَهَالَةُ) لِلصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ (مُسْتَقِلَّةٌ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَا دَخْلَ لِكَوْنِهِ مَبِيعًا) فِي مَنْعِ الصِّحَّةِ (صَحَّ) النَّقْضُ لِوُرُودِهِ عَلَى مَا يَصْلُحُ عِلَّةً وَلَا يَكُونُ مُجَرَّدُ ذِكْرِ الْمُسْتَدِلِّ ذَلِكَ الْبَعْضَ الَّذِي أَلْغَاهُ الْمُعْتَرِضُ رَافِعًا لِلنَّقْضِ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِهِ لَا يَصِيرُ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ إذَا قَامَ الدَّلِيلُ لِلْمُعْتَرِضِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا وَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِصُلُوحِ الْعِلِّيَّةِ فَيُبْطِلُهُ بِالنَّقْضِ إذْ النَّقْضُ عَلَى الْعِلَّةِ لَا عَلَى مَانِعِهَا فَظَهَرَ انْتِفَاءُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ سِوَاهُ مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ ذِكْرِهِ يَكُونُ دَافِعًا لِلنَّقْضِ. (وَحَاصِلُهُ) أَيْ النَّقْضِ الْمَكْسُورِ سُؤَالُ تَرْدِيدٍ وَهُوَ (إنْ عَيَّنَ الْمَجْمُوعَ) الْعِلَّةُ (لَمْ يَصِحَّ) تَعَيُّنُهُ لَهَا (لِإِلْغَاءِ الْمَلْغِيِّ أَوْ) عَيَّنَتْ (مَا سِوَاهُ) أَيْ الْمَلْغِيِّ الْعِلَّةِ (فَكَذَا) لَا يَصِحُّ (لِلنَّقْضِ) هَذَا وَكَوْنُ الْكَسْرِ وَالنَّقْضِ الْمَكْسُورِ مَا تَقَدَّمَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَكَانَ إلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِاصْطِلَاحٍ وَعَرَّفَ الْكَسْرَ الْبَيْضَاوِيُّ كَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ أَحَدِ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ وَنَقْضِ الْآخَرِ كَمَا يُقَالُ فِي إثْبَاتِ صَلَاةِ الْخَوْفِ هِيَ صَلَاةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا إذَا لَمْ تُفْعَلْ فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا كَصَلَاةِ الْآمِنِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ خُصُوصُ كَوْنِهَا صَلَاةً مَلْغِيٌّ لِأَنَّ الْحَجَّ وَاجِبُ الْأَدَاءِ كَالْقَضَاءِ فَلَمْ يَبْقَ عِلَّةً إلَّا قَوْلُك يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ يُؤَدَّى فَإِنَّ الْحَائِضَ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ أَدَائِهِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْجَدَلِيِّينَ الْكَسْرُ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ الِاعْتِبَارِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَهُوَ سُؤَالٌ مَلِيحٌ وَالِاشْتِغَالُ بِهِ يَنْتَهِي إلَى بَيَانِ الْفِقْهِ وَتَصْحِيحِ الْعِلَّةِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِفْسَادِ الْعِلَّةِ بِهِ وَيُسَمُّونَهُ النَّقْضَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَالْإِلْزَامَ مِنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ انْتَهَى وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ النَّقْضُ الْمَكْسُورُ. (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ (انْعِكَاسُهَا عِنْدَ قَوْمٍ وَهُوَ) أَيْ انْعِكَاسُهَا (انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَائِهَا لِمَنْعِ تَعَدُّدِ) الْعِلَلِ (الْمُسْتَقِلَّةِ فَيَنْتَفِي) الْحُكْمُ (لِانْتِفَاءِ خُصُوصِ هَذَا الدَّلِيلِ وَهُوَ الْعِلَّةُ) الَّتِي لَمْ تَنْعَكِسْ (إذْ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِلَا بَاعِثٍ تَفَضُّلًا) مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا نَقُولُهُ نَحْنُ مَعْشَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْ وُجُوبًا كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ ثُمَّ مِنْ مُشْتَرَطِي الْعَكْسِ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا فِي الِاطِّرَادِ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ يُكْتَفَى بِهِ وَلَوْ فِي صُورَةٍ ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْقَاضِي فَمَنْ سَعِدَ بِالْوَجْهِ فِيهِ سَعِدَ بِمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ اشْتَغَلَ بِهِ فَقَالَ (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا هُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ الْقَاضِي كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّقْرِيبِ (جَوَازُ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا) أَيْ مَنْصُوصَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَنْبَطَةً (وَالْوُقُوعِ فَلَا يُشْتَرَطُ انْعِكَاسُهَا) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِوَصْفٍ غَيْرِ الْوَصْفِ الْمَفْرُوضِ عِلَّةً وَقَالَ (الْقَاضِي) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ بُرْهَانُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ (فِي الْمَنْصُوصَةِ لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ) وَهُوَ رَأْيُ ابْنُ فُورَكٍ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ (وَقِيلَ عَكْسُهُ) أَيْ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ لَا الْمَنْصُوصَةِ حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَقَالَ (الْإِمَامُ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (يَجُوزُ) عَقْلًا (وَلَمْ يَقَعْ) لَا أَنَّ مَذْهَبَهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الْآمِدِيُّ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ نَحْنُ نَقُولُ تَعْلِيلُ حُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ لَيْسَ مُمْتَنِعًا عَقْلًا نَظَرًا إلَى الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ وَلَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا. وَقِيلَ مُمْتَنِعٌ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ (لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ (أَنَّ الْبَوْلَ وَالْمَذْيَ وَالرُّعَافَ) أُمُورٌ مُخْتَلِفَةُ الْحَقِيقَةِ (ثُمَّ كُلٌّ) مِنْهَا وَحْدَهُ (يُوجِبُ الْحَدَثَ وَهُوَ) أَيْ وَإِيجَابُ كُلٍّ مِنْهَا الْحَدَثَ هُوَ (الِاسْتِقْلَالُ وَكَذَا الْقَتْلُ) الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ (وَالرِّدَّةُ) كُلٌّ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ (تُحِلُّهُ) أَيْ الْقَتْلَ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ حَيَاةُ الْوَاحِدِ بِوَاحِدٍ (فَإِنَّ مَنْعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ بَلْ وُجُوبَ الْقَتْلِ قِصَاصًا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ وُجُوبِهِ

(بِالرِّدَّةِ وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ أَحَدِهِمَا غَيْرَ الْآخَرِ (انْتَفَى) قَتْلُ الْقِصَاصِ (بِالْعَفْوِ) مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ طَلَبِ الْقِصَاصِ (أَوْ الْإِسْلَامِ) أَيْ انْتَفَى قَتْلُ الرِّدَّةِ بِالْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ (وَبَقِيَ الْآخَرُ) أَيْ قَتْلُ الرِّدَّةِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَقَتْلُ الْقِصَاصِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَفْوِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (عُورِضَ لَوْ تَعَدَّدَتْ) الْأَحْكَامُ فِي هَذِهِ (كَانَ) تَعَدُّدُهَا (بِالْإِضَافَاتِ) إلَى أَدِلَّتِهَا (إذْ لَيْسَ مَا بِهِ الِاخْتِلَافُ) أَيْ اخْتِلَافُهَا (سِوَاهُ) أَيْ إضَافَتِهَا إلَى أَدِلَّتِهَا (وَاللَّازِمُ) أَيْ تَعَدُّدُهَا بِالْإِضَافَاتِ (بَاطِلٌ لِأَنَّ الْإِضَافَاتِ لَا تُوجِبُ تَعَدُّدًا فِي ذَاتِ الْمُضَافِ) وَهُوَ الْحُكْمُ كَالْحَدَثِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ (وَإِلَّا) لَوْ أَوْجَبْته (لَوَجَبَ) فِيهِ (لِكُلِّ حَدَثٍ وُضُوءٌ وَكَانَ يَرْتَفِعُ أَحَدُهَا) أَيْ الْأَحْدَاثِ بِالْوُضُوءِ الْوَاحِدِ (وَيَبْقَى الْآخَرُ) . هَذَا (ثُمَّ الْجَوَابُ) عَنْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ (أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ وُجُوبَ الْوُضُوءِ لِكُلٍّ وَارْتِفَاعَ أَحَدِهَا بِهِ مَرَّةً دُونَ الْآخَرِ إنَّمَا هُوَ (إلَى الشَّرْعِ فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّلَازُمُ بَيْنَ مُسَبَّبَاتٍ فِي الِارْتِفَاعِ) كَالْحَدَثِ الْمُسَبَّبِ عَنْ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَالرُّعَافِ مَثَلًا فَإِذَا ارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا لَا يَبْقَى الْآخَرُ (وَلَا يُعْتَبَرُ) التَّلَازُمُ فِي الِارْتِفَاعِ (فِي) مُسَبَّبَاتٍ (أُخْرَى) كَالْقَتْلِ الْمُسَبَّبِ عَنْ الرِّدَّةِ وَعَنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَعَنْ الزِّنَا إذْ يَرْتَفِعُ أَحَدُهُمَا وَلَا يَرْتَفِعُ الْآخَرُ ثُمَّ الْجَوَابُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (كَلَامٌ عَلَى السَّنَدِ) أَيْ قَوْلِهِ وَإِلَّا وَجَبَ لِكُلِّ حَدَثٍ وُضُوءٌ إلَى آخِرِهِ (وَالْمَطْلُوبُ) وَهُوَ الْمُعَارَضَةُ الْمَذْكُورَةُ (ثَابِتٌ دُونَهُ) أَيْ ذِكْرِ السَّنَدِ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ تَعَدُّدَ الْإِضَافَةِ لَا يُوجِبُهُ) أَيْ التَّعَدُّدَ (فِي ذَاتِهِ) أَيْ الْمُضَافِ وَإِلَّا لَزِمَ تَعَدُّدُ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ إذَا عَرَضَتْ لَهُ الْإِضَافَاتُ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ وَالْجُدُودَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ ضَرُورِيُّ الْبُطْلَانِ (وَثُبُوتُ ارْتِفَاعِ بَعْضِهِمَا) أَيْ الْأَحْكَامِ (دُونَ بَعْضٍ فِي صُورَةٍ) أَيْ الْقَتْلِ قِصَاصًا وَرِدَّةً (إنَّمَا يَكْفِي دَلِيلًا عَلَى التَّعَدُّدِ) لِلْأَحْكَامِ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِسَبَبِ خَصِّهَا (لَا فِي غَيْرِهَا كَمَا فِي الْقَتْلِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا) أَيْ الْقَتْلَيْنِ وَهُوَ الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ (حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْعَفْوُ وَلَا الْبَدَلُ (وَالْآخَرَ) وَهُوَ الْقَتْلُ قِصَاصًا (حَقُّ الْعَبْدِ) يَجُوزُ لَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَيُجْزِئُ فِيهِ الْعَفْوُ وَالْبَدَلُ. (وَمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الرُّعَافِ فَبَالَ ثُمَّ رَعَفَ فَتَوَضَّأَ حَنِثَ لَا يُشْكِلُ مَعَ قَوْلِهِ بِاتِّحَادِ الْحُكْمِ لَا الْعُرْفِ فِي مِثْلِهِ) إذْ الْعُرْفُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ بَوْلٍ وَرُعَافٍ (تَوَضَّأَ مِنْ الرُّعَافِ وَغَيْرِهِ) وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ (قِيلَ) أَيْ قَالَ الْآمِدِيُّ (وَالْخِلَافُ فِي) الْحُكْمِ (الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ وَالْمُخَالِفُ) فِي جَوَازِ التَّعَدُّدِ (يَمْنَعُهُ) أَيْ الْوَاحِدَ بِالشَّخْصِ (فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ) بَلْ الْحُكْمُ فِيهَا وَهُوَ الْحَدَثُ وَاحِدٌ بِالنَّوْعِ (وَالظَّاهِرُ بَعْدَهُ) أَيْ الْوَاحِدِ الشَّخْصِيِّ (مِنْ الشَّرْعِ وَشَخْصِيَّةِ مُتَعَلِّقِهِ) أَيْ الْحُكْمِ كَمَا عَزَّ مَثَلًا (لَا تُوجِبُهُ) أَيْ تَشَخُّصَ الْحُكْمِ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَاحِدِ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ انْدِرَاجِهِ فِي كُلِّيٍّ كَالزَّانِي مَثَلًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (بَلْ) إنَّمَا يُوجِبُ شَخْصِيَّةَ الْحُكْمِ (مَا) يَكُونُ مَخْصُوصًا بِمُتَعَلِّقٍ خَاصٍّ بِعَيْنِهِ شَرْعًا (كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ) فِي الِاكْتِفَاءِ بِهَا وَحْدَهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَلِّقُهَا (وَلَا يَتَعَدَّدُ فِي مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ هَذَا (عِلَلٌ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاحِدَ الشَّخْصِيَّ بَعِيدٌ وَالْحَقِيقِيَّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّزَاعُ فِي الْوَاحِدِ النَّوْعِيِّ (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) لِلْمُخْتَارِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ (لَوْ امْتَنَعَ) تَعَدُّدُ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ (امْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ) لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَدِلَّةٌ لَا مُؤَثِّرَاتٌ (فَقَدْ مُنِعَتْ الْمُلَازَمَةُ) وَأُسْنِدَ الْمَنْعُ كَمَا ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْبَاعِثَةَ أَخَصُّ) مِنْ مُطْلَقِ الْأَدِلَّةِ. وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْعِلَلَ أَدِلَّةٌ بَاعِثَةٌ لَا مُجَرَّدُ أَمَارَةٍ فَيَصِيرُ حَاصِلُ الْمُلَازَمَةِ لَوْ امْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ الْبَاعِثَةِ لَامْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ فَيَلْحَقُهَا الْمَنْعُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ الْأَوَّلِ امْتِنَاعُ الثَّانِي إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ الْأَخَصِّ امْتِنَاعُ الْأَعَمِّ فَلَا يَصِحُّ لَامْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ مُطْلَقًا (الْمَانِعُونَ) تَعَدُّدَ الْعِلَلِ قَالُوا (لَوْ تَعَدَّدَتْ) الْعِلَلُ الْمُسْتَقِلَّةُ (لَزِمَ التَّنَاقُضُ وَهُوَ) أَيْ التَّنَاقُضُ اللَّازِمُ (الِاسْتِقْلَالُ) أَيْ اسْتِقْلَالُهَا (وَعَدَمُهُ) أَيْ وَعَدَمُ اسْتِقْلَالِهَا (لِلثُّبُوتِ) أَيْ لِفَرْضِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ (بِكُلٍّ) مِنْهَا (بِلَا حَاجَةٍ إلَى غَيْرِهِ) مِنْ الْبَاقِيَةِ (وَهُوَ) أَيْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أُخْرَى هُوَ (الِاسْتِقْلَالُ وَعَدَمُهُ) أَيْ وَالْفَرْضُ عَدَمُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا (لِاسْتِقْلَالِ غَيْرِهِ) أَيْ لِفَرْضِ اسْتِقْلَالِ غَيْرِ مَا ثَبَتَ بِهِ

ذَلِكَ الْحُكْمُ (بِهِ) أَيْ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ (وَاسْتِغْنَاءِ الْمَحَلِّ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الثُّبُوتِ (فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَهُ عَنْ كُلٍّ بِالْآخَرِ وَعَدَمِهِ) أَيْ وَلِعَدَمِ اسْتِغْنَاءِ الْمَحَلِّ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَهُ عَنْ كُلٍّ بِالْآخَرِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ تَرَتَّبَتْ الْأَوْصَافُ أَوْ وُجِدْت مَعًا وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إلْزَامُ التَّنَاقُضِ فِي الْمَحَلِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ (وَ) لَزِمَ (الثُّبُوتُ) لِلْحُكْمِ (بِهِمَا) أَيْ بِالْعِلَّتَيْنِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْتِقْلَالِ (لَا بِهِمَا) لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِكُلٍّ يَمْنَعُ الثُّبُوتَ بِالْآخَرِ (فِي الْمَعِيَّةِ) وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى. (وَ) لَزِمَ (تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فِي التَّرْتِيبِ) أَيْ فِي حُصُولِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِالْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ مَا كَانَ حَاصِلًا بِالْأُولَى وَهَذَا لَازِمٌ آخَرُ فَوْقَ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَالْجَوَابُ الِاسْتِقْلَالُ) أَيْ مَعْنَاهُ فِيهَا (كَوْنُهَا بِحَيْثُ إذَا انْفَرَدَتْ ثَبَتَ بِهَا أَيْ عِنْدَهَا) الْحُكْمُ (وَالْحَيْثِيَّةُ) أَيْ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ ثَابِتَةٌ (لَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي الْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ) كَمَا فِي الِانْفِرَادِ (لَا) أَنَّ الِاسْتِقْلَالَ فِيهَا (بِمَعْنَى إفَادَتِهَا الْوُجُودَ كَالْعَقْلِيَّةِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ) أَيْ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ تُفِيدُ الْوُجُودَ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا تُفِيدُهُ عِلَّةٌ أَصْلًا بَلْ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ جَلَّ وَعَلَا وَبِهَذَا ظَهَرَ وَجْهُ تَفْسِيرٍ بِهَا بِعِنْدِهَا (فَانْتَفَى الْكُلُّ) أَيْ لُزُومُ التَّنَاقُضِ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ تَعَدُّدَ الْعِلَلِ مُطْلَقًا (أَيْضًا أَجْمَعُوا) أَيْ الْأَئِمَّةُ (عَلَى التَّرْجِيحِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا) أَهِيَ (الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ) كَمَا تَقَوَّلَهُ أَصْحَابُنَا (أَوْ الطَّعْمُ) كَمَا تَقَوَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ (أَوْ الِاقْتِيَاتُ) كَمَا تَقَوَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ (وَهُوَ) أَيْ التَّرْجِيحُ (فَرْعُ صِحَّةِ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ) مِنْهَا إذْ لَا مَعْنَى لِلتَّرْجِيحِ بَيْنَ مَا يَصْلُحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ (وَ) فَرْعُ (لُزُومِ انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ) أَيْ لَوْ جَازَ التَّعَدُّدُ لَقَالُوا بِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِالتَّرْجِيحِ لِتَعْيِينِ وَاحِدَةٍ وَنَفْيِ مَا سِوَاهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَبَثًا بَلْ بَاطِلًا. (وَالْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ عَلَى التَّرْجِيحِ (لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (هُنَا) أَيْ فِي الرِّبَا (إحْدَاهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ (وَإِلَّا) لَوْ انْتَفَى الْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا (جَعَلُوهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (الْكُلَّ) أَيْ جَمِيعَ الْمَذْكُورَاتِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ صَلَاحِيَّةَ كُلٍّ لِلْعِلِّيَّةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى إلْغَاءِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا جَمِيعًا وَذَلِكَ قَوْلٌ بِجُزْئِيَّةِ كُلٍّ لِلْعِلَّةِ لِيَكُونَ لِكُلٍّ دَخْلٌ فِي الْعِلِّيَّةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ وَجْهِ التَّرْجِيحِ وَقَالَ (الْقَاضِي) حَالَ كَوْنِهِ مُجَوِّزًا فِي الْمَنْصُوصَةِ لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ (إذَا نَصَّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْ مُتَعَدِّدٍ) مِنْ الْأَوْصَافِ بِالْعِلِّيَّةِ (فِي مَحَلٍّ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ) أَيْ التَّعَدُّدِ (ارْتَفَعَ احْتِمَالُ التَّرْكِيبِ) لِمُنَافَاتِهِ الِاسْتِقْلَالَ وَالْفَرْضُ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي الْمَنْصُوصَةِ فَجَازَ التَّعَدُّدُ فِيهَا (وَمَا لَمْ يَنُصَّ) فِيهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُجْتَمِعَةِ فِي مَحَلٍّ (مَعَ الصَّلَاحِيَّةِ) أَيْ صَلَاحِيَّةِ كُلٍّ مِنْهَا لِلْعِلِّيَّةِ (بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ) بِخُصُوصِهِ (مِنْ الْجُزْئِيَّةِ) أَيْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ (أَوْ الِاسْتِقْلَالِ) أَيْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً (فَتَعْيِينُ إحْدَاهُمَا) أَيْ الْجُزْئِيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ (تَحَكُّمٌ) لِقِيَامِ الِاحْتِمَالِ عَلَى السَّوَاءِ فِي نَظَرِ الْعَقْلِ وَفَرْضِ انْتِفَاءِ النَّصِّ عَلَى أَحَدِهِمَا (فَظَهَرَ أَنَّ اعْتِقَادَهُ) أَيْ الْقَاضِي (جَوَازَ التَّعَدُّدِ فِيهِمَا) أَيْ الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَة (غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحُكْمِ بِهِ) أَيْ التَّعَدُّدِ (فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ لِلِاحْتِمَالِ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا جُزْءًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً وَيَقْدِرُ عَلَى الْحُكْمِ بِهِ فِي الْمَنْصُوصَةِ لِلنَّصِّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ مِنْ التَّعَدُّدِ (فَإِذَا اجْتَمَعَتْ) الْعِلَلُ الْمُسْتَنْبَطَةُ (يَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ) مِنْ الْجُزْئِيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ لَا بِنَاءً عَلَى الْجُزْئِيَّةِ عَيْنًا. (وَالْجَوَابُ مَنْعُهُ) أَيْ لُزُومِ التَّحَكُّمِ عَلَى تَقْدِيرِ تَعْيِينِ إحْدَاهُمَا لِجَوَازِ اسْتِنْبَاطِ الِاسْتِقْلَالِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْلِ وَذَلِكَ (بِالْعِلْمِ بِالْحُكْمِ) أَيْ بِثُبُوتِهِ (مَعَ إحْدَاهُمَا فِي مَحَلٍّ كَمَا) يَعْلَمُ ثُبُوتَهُ (مَعَ) عِلَّةٍ (أُخْرَى فِي) مَحَلٍّ (آخَرَ فَيُحْكَمُ بِهِ) أَيْ الِاسْتِقْلَالِ (لِكُلٍّ) مِنْهَا (فِي مَحَلِّ الِاجْتِمَاعِ وَعَاكَسَهُ) أَيْ مَذْهَبُ الْقَاضِي يَقُولُ (يُقْطَعُ فِي الْمَنْصُوصَةِ بِأَنَّهَا الْبَاعِثُ) لِلشَّارِعِ عَلَى الْحُكْمِ لِتَعْيِينِهِ إيَّاهَا لَهُ (فَانْتَفَى احْتِمَالُ غَيْرِهَا) لِلْعِلِّيَّةِ كُلًّا وَجُزْءًا لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا (وَالْمُسْتَنْبَطَة وَهْمِيَّةٌ) بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَيْ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ (لَا يَنْتَفِي فِيهَا ذَلِكَ) أَيْ احْتِمَالُ غَيْرِهَا لِلْعِلِّيَّةِ جُزْءًا وَكُلًّا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ الْمَجْمُوعَ مِنْهُمَا وَأَنْ يَكُونَ

هَذَا كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَاكَ عَلَى سَوَاءٍ وَقَدْ تَرَجَّحَ كُلٌّ بِدَلِيلِهِ فَيَحْصُلُ الظَّنُّ بِعِلِّيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ (وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْكُلِّ) أَيْ الْقَطْعِ بِالْمَنْصُوصَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَلْفُوظَةُ السَّمْعِيَّةُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهَا ظَنِّيَّةً أَوْ إسْنَادُهَا ظَنِّيًّا وَانْتِفَاءُ احْتِمَالِ غَيْرِهَا لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْبَوَاعِثِ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِمَصَالِحَ مُتَعَدِّدَةٍ وَدَافِعًا لِمَفَاسِدَ مُخْتَلِفَةٍ. وَقَالَ (الْإِمَامُ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ) التَّعَدُّدُ (شَرْعًا وَقَعَ عَادَةً وَلَوْ) كَانَ الْوُقُوعُ (نَادِرًا) لِأَنَّ النَّادِرَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَلَى مَرِّ الدُّهُورِ وَلَمْ يَقَعْ (وَالثَّابِتُ بِأَسْبَابِ الْحَدَثِ مُتَعَدِّدٌ كَمَا تَقَدَّمَ) حَتَّى قِيلَ إذَا نَوَى رَفْعَ أَحَدِ أَحْدَاثِهِ لَمْ يَرْفَعْ الْآخَرُ (أُجِيبَ بِمَنْعِ عَدَمِ الْوُقُوفِ بَلْ مَا ذَكَرَ) مِنْ أَسْبَابِ الْحَدَثِ وَالْقَتْلِ يُفِيدُ الْوُقُوعَ (وَكَوْنُ الثَّابِتِ بِكُلٍّ) مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الثَّابِتِ (بِالْآخَرِ إنْ أَثْبَتَهُ) أَيْ كَوْنَ غَيْرِهِ (بِالِانْفِكَاكِ نَفْيًا) أَيْ بِأَنْ يَنْتَفِيَ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الْآخَرُ (فَتَقَدَّمَ اقْتِصَارُهُ) فِي الْقَتْلِ لِتَحَقُّقِ تَعَدُّدِ الْمُسْتَحِقِّ وَالْأَحْكَامِ (وَانْتِفَاؤُهُ) أَيْ الِانْفِكَاكِ (فِي الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ) وَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ إذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ مَعَ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ صَحَّ وُضُوءُهُ (وَتَجْوِيزُهُ) أَيْ تَعَدُّدِ الْحُكْمِ لِتَعَدُّدِ الْعِلَلِ (لَا يَكْفِيهِ) أَيْ الْإِمَامَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْمُثَبِّتِ لَهُ (لِأَنَّهُ مُسْتَدِلٌّ) لَا مُعْتَرِضٌ (ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُعَدِّدُونَ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِتَعَدُّدِ الْعِلَّةِ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ (أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ يَثْبُتُ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِالْوَصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي هِيَ الْعِلَلُ إذَا اجْتَمَعَتْ (فِي التَّرَتُّبِ) أَيْ إذَا وُجِدَتْ مُتَرَتِّبَةً (وَفِي الْمَعِيَّةِ) اخْتَلَفُوا (قِيلَ بِالْمَجْمُوعِ) مِنْهَا (فَكُلٌّ) مِنْهَا (جُزْءٌ) مِنْ الْعِلَّةِ. (وَقِيلَ) الْعِلَّةُ (وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا وَالْمُخْتَارُ) أَنَّهُ يَثْبُتُ (بِكُلٍّ) مِنْهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً (لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ كُلٍّ مِنْهَا عِلَّةً (لَوْ امْتَنَعَ كَانَ) الِامْتِنَاعُ (لِاجْتِمَاعِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ) وَاحِدٍ (وَهُوَ) أَيْ وَاجْتِمَاعُهَا عَلَيْهِ (حَقٌّ اتِّفَاقًا) فَلَا امْتِنَاعَ وَقَالَ الذَّاهِبُ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ (الْمَجْمُوعُ لَوْ اسْتَقَلَّ) كُلٌّ مِنْهَا (فِي الْمَعِيَّةِ لَزِمَ التَّنَاقُضُ) إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا (بِلُزُومِ الثُّبُوتِ بِكُلٍّ وَ) بِلُزُومِ (عَدَمِهِ) أَيْ الثُّبُوتِ حِينَئِذٍ كَمَا تَقَدَّمَ (وَمَرَّ جَوَابُهُ) وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِقْلَالِ لَهَا كَوْنُهَا بِحَيْثُ إذَا انْفَرَدَتْ يَثْبُتُ عِنْدَهَا الْحُكْمُ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ ثَابِتَةٌ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ (وَ) لَزِمَ (التَّحَكُّمُ) إنْ ثَبَتَ بِوَاحِدٍ فَقَطْ (قُلْنَا) إنَّمَا يَلْزَمُ التَّحَكُّمُ (وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ) الْحُكْمُ (بِكُلٍّ) مِنْهَا أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِكُلٍّ مِنْهَا (كَالشَّاهِدِ فِي) الْأَدِلَّةِ (السَّمْعِيَّةِ عَلَى حُكْمٍ) فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَقَالَ (غَيْرُ الْمُعَيِّنِ) أَيْ الذَّاهِبُ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَعِيَّةِ يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرِ مُعَيَّنٍ (لَوْلَاهُ) أَيْ أَنَّ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ وَاحِدٌ مِنْهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ (لَزِمَ التَّحَكُّمُ فِي التَّعْيِينِ) أَيْ فِي كَوْنِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَ) لَزِمَ (خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي الْجُزْئِيَّةِ) أَيْ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهَا جُزْءَ الْعِلَّةِ حَتَّى كَانَ الْمَجْمُوعُ هُوَ الْعِلَّةُ (لِثُبُوتِ الِاسْتِقْلَالِ لِكُلٍّ) مِنْهَا وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا. (الْجَوَابُ اخْتِيَارٌ ثَالِثٌ كَمَا ذَكَرْنَا) وَهُوَ أَنَّهُ بِكُلٍّ وَلَا يُنَافِي الِاسْتِقْلَالَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلًّا أَمَارَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَا مُؤَثِّرٌ فِي وُجُودِهِ فَلَا مَانِعَ كَمَا فِي السَّمْعِيَّةِ وَأَنَّهُ حَيْثِيَّةٌ ثَابِتَةٌ لِكُلٍّ وَاجْتِمَاعُهَا لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ (وَلَنَا فِي عَكْسِ مَا تَقَدَّمَ) وَهُوَ ثُبُوتُ أَحْكَامٍ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ (تَعَدُّدُ حُكْمِ عِلَّةٍ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ) أَيْ مَحْضُ التَّعْرِيفِ لِلْحُكْمِ (كَالْغُرُوبِ لِجَوَازِ الْإِفْطَارِ وَوُجُوبِ الْمَغْرِبِ) ثَابِتٌ (بِلَا خِلَافٍ وَتَسْمِيَةُ هَذَا) الْمُعَرَّفِ (عِلَّةً اصْطِلَاحٌ وَبِمَعْنَى الْبَاعِثِ فِي الْمُخْتَارِ لَا بُعْدَ فِي مُنَاسَبَةِ وَصْفٍ لِحُكْمَيْنِ كَالزِّنَا لِلْحُرْمَةِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ قَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ لِهَذَا (فِيهِ) أَيْ فِي جَوَازِ تَعَدُّدِ حُكْمِ عِلَّةٍ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ (تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ) الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْحُكْمِ الَّذِي بُعِثَتْ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ (بِأَحَدِ الْحُكْمَيْنِ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْوَصْفِ) الْوَاحِدِ (مَصْلَحَتَانِ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ) الْمَصْلَحَةُ (الْمَقْصُودَةُ إلَّا بِهِمَا) أَيْ بِالْحُكْمَيْنِ أَمَّا إذَا حَصَلَ بِالْوَصْفِ الْوَاحِدِ مَصْلَحَتَانِ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَةُ إلَّا بِالْحُكْمَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ بِهِ. وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ إنْ لَمْ يَتَضَادَّا لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ (أَنْ لَا تَتَأَخَّرَ) الْعِلَّةُ (عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَإِلَّا) لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ (ثَبَتَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (بِلَا بَاعِثٍ) وَهُوَ مُحَالٌ (وَأَيْضًا) لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ (يَثْبُتُ بِذَلِكَ) أَيْ تَأَخُّرِهَا عَنْهُ (أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (لَمْ يُشْرَعْ لَهَا) أَيْ لِلْعِلَّةِ (وَمِثْلُ) هَذَا كَمَا فِي حَاشِيَةِ التَّفْتَازَانِيِّ (بِتَعْلِيلِ نَجَاسَةِ مُصَابِ عَرَقِ

الْخِنْزِيرِ بِأَنَّهُ) أَيْ عَرَقَهُ (مُسْتَقْذَرٌ) كَاللُّعَابِ فَيَكُونُ نَجِسًا مِثْلَهُ (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِقْذَارُ (تَعْلِيلُ نَجَاسَةِ اللُّعَابِ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِقْذَارِ (وَهُوَ) أَيْ إثْبَاتُ نَجَاسَةِ الْعَرَقِ (قِيَاسٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِ اللُّعَابِ نَجِسًا (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِقْذَارُ (مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ (وَهُوَ) أَيْ تَأَخُّرُهُ عَنْهَا (غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ الْمُقَارَنَةِ) أَيْ أَنْ يَثْبُتَا مَعًا (وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ) مِثَالًا لِهَذَا (تَعْلِيلُ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ الَّذِي عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ بِالْجُنُونِ) لِيَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ وِلَايَتِهِ عَلَى الْبَالِغِ الْمَجْنُونِ قِيَاسًا عَلَيْهِ (لِأَنَّ وِلَايَتَهُ) أَيْ الْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ ثَابِتَةٌ (قَبْلَهُ) أَيْ عُرُوضِ الْجُنُونِ لَهُ بِالصِّغَرِ (وَأَمَّا سَلْبُهَا) أَيْ وَأَمَّا التَّمْثِيلُ لَهُ كَمَا ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ بِتَعْلِيلِ سَلْبِ الْوِلَايَةِ عَنْ الصِّغَرِ (بِعُرُوضِهِ) أَيْ الْجُنُونِ (لِلْوَلِيِّ فَعَكْسُ الْمُرَادِ) فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْوِلَايَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا سَلَبَهَا عَنْهُ عُرُوضُ جُنُونِهِ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَأَخُّرُ الْعِلَّةِ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ بِلَا تَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ فَيَسْتَقِيمُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ سَلْبُ وِلَايَتِهِ عَنْ الْبَالِغِ الْمَجْنُونِ بِعِلَّةِ جُنُونِهِ نَفْسِهِ قِيَاسًا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي قَوْلِهِ لِلْوَلِيِّ أَيْ الَّذِي هُوَ الصَّغِيرُ وَهُوَ مِنْ بَابِ وَضْعِ الْمُظْهَرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى سَلْبَ الْوِلَايَةِ عَنْ الصَّغِيرِ بِالْجُنُونِ الْعَارِضِ لَهُ. وَحُكْمُ الْأَصْلِ سَلْبُ الْوِلَايَةِ وَالْعِلَّةُ الْجُنُونُ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ السَّلْبِ إذْ السَّلْبُ حَاصِلٌ قَبْلَ الْجُنُونِ بِعِلَّةِ الصِّغَرِ مَثَلًا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُجْعَلَ سَلْبُ الْوِلَايَةِ عَنْ الْوَلِيِّ الَّذِي عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ كَالْأَبِ مَثَلًا فَرْعًا وَعَنْ الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ أَصْلًا وَالْجُنُونُ عِلَّةٌ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ ثَابِتٌ قَبْلَهُ لِعِلَّةِ الصِّغَرِ وَالْمَعْنَى كَأَنْ يُعَلَّلَ سَلْبُ الْوِلَايَةِ عَنْ الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ بِالْجُنُونِ الَّذِي هُوَ عَارِضٌ فِي الْوَلِيِّ الْبَالِغِ الْمَقِيسِ عَلَى الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الصِّبَا وَالْجُنُونَ وَالرِّقَّ يَسْلُبُ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ اتِّفَاقًا وَيَنْقُلُهَا إلَى الْبَعِيدِ وَالْغَيْبَةَ الْبَعِيدَةَ لَا تَسْلُبُ الْوِلَايَةَ وَلَا تَنْقُلُهَا إلَى الْبَعِيدِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ لَهُ وَالسُّلْطَانُ يَنُوبُ عَنْهُ فَقَاسَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ثُبُوتَهَا لَهُ عَلَى سَلْبِهَا عَنْ الصَّغِيرِ وَالْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ عَدَمُ الْعَقْلِ وَفِي الْفَرْعِ الْعَقْلُ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ قِيَاسِ الْعَكْسِ. فَإِنْ عُلِّلَ حُكْمُ الْأَصْلِ بِالْجُنُونِ الْعَارِضِ لَهُ كَانَتْ الْعِلَّةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مَسْلُوبَةٌ عَنْ الصَّغِيرِ قَبْلَ الْجُنُونِ الْعَارِضِ لَهُ (وَأَمَّا مَنْعُهُ) أَيْ تَأَخُّرِ الْعِلَّةِ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ (إذَا قُدِّرَ) الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ (أَمَارَةً) عَلَى الْحُكْمِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ حِينَئِذٍ (تَعْرِيفُ الْمُعَرَّفِ) فَإِنَّ الْمَفْرُوضَ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ قَبْلَ هَذَا (فَلَا) يَصِحُّ (لِاجْتِمَاعِ الْأَمَارَاتِ) أَيْ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهَا (وَلَيْسَ تَعَاقُبُهَا) أَيْ الْأَمَارَاتِ (مَانِعًا) مِنْ اجْتِمَاعِهَا بَلْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّلِيلِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُعَرَّفَاتِ إذَا تَرَتَّبَتْ تَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ بِالْأَوَّلِ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْ الثَّانِي مَعْرِفَةَ جِهَةِ دَلَالَتِهِ لَا مَعْرِفَةَ الْمَدْلُولِ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ حَاصِلٌ بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَأَنْ لَا يَعُودَ عَلَى أَصْلِهِ بِالْإِبْطَالِ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ التَّعْلِيلِ بِهَا بُطْلَانُ حُكْمِ الْقِيَاسِ أَعْنِي حُكْمَ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ الْمُعَلَّلُ بِهَا فَأَرَادَ بِالْأَصْلِ هُنَا الْحُكْمَ كَمَا هُوَ أَحَدُ اسْتِعْمَالَاتِهِ (فَتَبْطُلُ هِيَ) أَيْ تِلْكَ الْعِلَّةُ حِينَئِذٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ أَصْلُهَا وَالْفَرْعُ يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ أَصْلِهِ (مِثَالُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ تَعْلِيلُ الْحَنَفِيَّةِ) مَا سَبَقَ تَخْرِيجُهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» ) مَعَ أَنَّهُ (يَعُمُّ مَا لَا يُكَالُ قِلَّةً) لِعُمُومِ لَفْظِ الطَّعَامِ فَيَكُونُ مِنْ حُكْمِهِ حُرْمَةُ بَيْعِ بَعْضِهِ الْقَلِيلِ بِبَعْضِهِ الْقَلِيلِ مُتَفَاضِلًا (بِالْكَيْلِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعَلَّلُ بِهِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَعْلِيلٍ (فَخَرَجَ) بِهَذَا التَّعْلِيلِ مَا لَا يُكَالُ قِلَّةً فَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ حُرْمَةِ بَيْعِ بَعْضِهِ الْقَلِيلِ بِبَعْضِهِ الْقَلِيلِ مُتَفَاضِلًا فَيَبْطُلُ عُمُومُ حُكْمِ الْأَصْلِ «وَفِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ» ) أَيْ وَتَعْلِيلُ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا النَّصَّ النَّبَوِيَّ السَّابِقَ تَخْرِيجُهُ فِي التَّأْوِيلَاتِ الْمَحْكِيَّةِ لِلشَّافِعِيَّةِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَيْلِ التَّقْسِيمِ الثَّانِي لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ الْمُفِيدَةِ ظَاهِرُهُ تَعْيِينُ الشَّاةِ (بِسَدِّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ فَانْتَفَى وُجُوبُهَا) أَيْ عَيْنِ الشَّاةِ (إلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا) حِينَئِذٍ لِأَنَّ سَدَّ خُلَّتِهِ كَمَا يَكُونُ بِعَيْنِهَا يَكُونُ بِقِيمَتِهَا فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ تَعْيِينُ عَيْنِهَا (وَتَقَدَّمَ دَفْعُهُ) أَيْ هَذَا (فِي التَّأْوِيلَاتِ وَ) دَفْعُ (الْأَوَّلِ

فِي الِاسْتِثْنَاءِ) فَرَاجَعَهُمَا مِنْهُمَا (ثُمَّ الْمُرَادُ) مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْكَيْلِ فِي مَسْأَلَةِ جَوَازِ بَيْعِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مُتَفَاضِلًا مِمَّا يُكَالُ (عَدَمُ الْكَيْلِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ) فَلَيْسَ هُوَ حِينَئِذٍ بِمِثَالٍ مُطَابِقٍ. (وَ) مِثَالُهُ (لِلْحَنَفِيَّةِ تَعْلِيلُ نَصِّ السَّلَمِ) السَّابِقِ فِي أَوَّلِ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُفِيدِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِهِ حَالًّا أَيْضًا (يَخْرُجُ إحْضَارُ السِّلْعَةِ) مَجْلِسَ الْعَقْدِ وَنَحْوُهُ (الْمُبْطِلُ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) الْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ فَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهِ (وَأَمَّا الِافْتِتَاحُ بِنَحْوِ اللَّهُ أَعْظَمُ) أَوْ أَجَلُّ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَبِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] (إذْ التَّكْبِيرُ التَّعْظِيمُ) لَا بِتَعْلِيلٍ غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ كَمَا تَوَهَّمَهُ مَنْ تَوَهَّمَهُ وَقَوْلُهُ (وَتَقَدَّمَ) سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ (أَنْ لَا تُخَالِفَ نَصًّا) أَيْ أَنْ لَا تَكُونَ نَاشِئَةً فِي الْفَرْعِ حُكْمًا يُخَالِفُ النَّصَّ ثُمَّ أَشَارَ إلَى مِثَالِهِ بِقَوْلِهِ (تَقَدَّمَ اشْتِرَاطُ التَّمْلِيكِ فِي طَعَامِ الْكَفَّارَةِ كَالْكِسْوَةِ) أَيْ قِيَاسُهُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِيهَا (وَشَرْطُ الْأَيْمَانِ) فِي الرَّقَبَةِ الْمُحَرَّرَةِ كَفَّارَةٌ (فِي الْيَمِينِ كَالْقَتْلِ) أَيْ: قِيَاسًا عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الرَّقَبَةِ الْمُحَرَّرَةِ كَفَّارَةً فِي الْقَتْلِ (يَبْطُلُ إطْلَاقُ نَصِّ الْإِطْعَامِ وَالرَّقَبَةِ) لِأَنَّ الْإِطْعَامَ أَعَمُّ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَمُطْلَقُ الرَّقَبَةِ أَعَمُّ مِنْ الْمُؤْمِنَةِ وَالْكَافِرَةِ لَا يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ تَقَدَّمَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ وَنِسْبَتُهُ إلَى الثَّانِي سَهْوٌ (أَوْ) أَنْ لَا تُخَالِفَ (إجْمَاعًا) أَيْ وَأَنْ لَا تَكُونَ نَاشِئَةً فِي الْفَرْعِ حُكْمًا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ. وَمِثَالُهُ (مَا مَرَّ مِنْ مَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ) فَلَا تُقَاسُ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ عَلَى صَوْمِهِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ أَدَائِهِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ السَّفَرِ الْمُوجِبِ لِلْمَشَقَّةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لِعَدَمِ وُجُوبِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ تُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَيْهِ (وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمُسْتَنْبَطَةُ بِمُعَارِضٍ فِي الْأَصْلِ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً أَنْ لَا تَكُونَ مُعَارَضَةً بِمُعَارِضٍ مَوْجُودٍ فِي الْأَصْلِ (أَيْ وَصْفٍ) مَوْجُودٍ فِيهِ (يَصِحُّ) لِلْعِلِّيَّةِ حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ ثَابِتٍ فِي الْفَرْعِ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُعَارِضُ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَاهَا بِنَاءً (عَلَى عَدَمِ) جَوَازِ (تَعَدُّدِ) الْعِلَلِ (الْمُسْتَقِلَّةِ لَا مَعَ جَوَازِهِ) أَيْ تَعَدُّدِهَا (إلَّا مَعَ عَدَمِ تَرْجِيحِهِ) أَيْ التَّعَدُّدِ (عَلَى التَّرْكِيبِ فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ التَّرَكُّبُ فِيهِ رَاجِحًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُعَارِضُ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَاهَا فَلَا رَيْبَ فِي اشْتِرَاطِ عَدَمِهِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ اللَّهُمَّ إلَّا بِمُرَجِّحٍ لَهَا عَلَى الْمُعَارِضِ (وَمَا قِيلَ وَلَا) بِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ أَوْ مُسَاوٍ (فِي الْفَرْعِ تَقَدَّمَ) فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ وَأَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ شَرْطُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ لَا شَرْطُ تَحَقُّقِهَا وَرَاجَعَ ثَمَّةَ (وَأَنْ لَا تُوجِبَ) الْمُسْتَنْبَطَةُ (زِيَادَةً فِي حُكْمِ الْأَصْلِ) لَمْ يُثْبِتْهَا النَّصُّ أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً هَذَا وَذَلِكَ (كَتَعْلِيلِ) حُرْمَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْ (حَدِيثِ الطَّعَامِ) الْمَذْكُورِ آنِفًا (بِأَنَّهُ رِبًا) فِيمَا يُوزَنُ كَمَا فِي النَّقْدَيْنِ (فَيَلْزَمُ التَّقَابُضُ) فِي الْمَجْلِسِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ النَّقْدَانِ فَكَذَا فِي الْفَرْعِ وَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْفَضْلِ لِمَا فِي النَّقْدِ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى السُّنَّةِ (وَلَيْسَ) لُزُومُ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ مَذْكُورًا (فِي نَصِّ الْأَصْلِ) الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ الْعِلَّةُ (وَقِيلَ إنْ كَانَتْ) الزِّيَادَةُ (مُنَافِيَةً لَهُ) أَيْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ اُشْتُرِطَ عَدَمُ إيجَابِ الْعِلَّةِ لَهَا إلَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْوَجْهُ) وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ لِأَنَّهُ نُسِخَ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَيَرْجِعُ) هَذَا الشَّرْطُ حِينَئِذٍ (إلَى مَا يَبْطُلُ أَصْلُهُ) أَيْ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْ لَا يَعُودَ عَلَى أَصْلِهِ بِالْإِبْطَالِ فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي تَكْرَارِهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً (لَا مُوجِبَ) لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ إيجَابِ الْعِلَّةِ لَهَا قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِاتِّجَاهِ الْإِطْلَاقِ عَلَى أُصُولِ مَشَايِخِنَا فَإِنَّ الزِّيَادَةَ مُطْلَقًا عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ عِنْدَهُمْ فَيَكُونُ نَسْخًا بِالِاجْتِهَادِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً فَإِنَّهَا بِالنَّصِّ فَتَلْزَمُ الزِّيَادَةُ بِالنَّصِّ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ كَانَا مُتَكَافِئَيْنِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (وَأَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ بِعُمُومِهِ أَوْ بِخُصُوصِهِ (مُتَنَاوِلًا حُكْمَ الْفَرْعِ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ هَذَا أَيْضًا

لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِهِ فَالْعُدُولُ عَنْهُ إلَى إثْبَاتِ الْأَصْلِ ثُمَّ الْعِلَّةِ ثُمَّ بَيَانِ وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ ثُمَّ بَيَانِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَأَيْضًا رُجُوعٌ عَنْ الْقِيَاسِ إلَى النَّصِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ لَا بِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ. وَالرُّجُوعُ عَنْ دَلِيلٍ إلَى آخَرَ اعْتِرَافٌ بِبُطْلَانِ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ (وَالْوَجْهُ نَفْيُهُ) أَيْ هَذَا الشَّرْطِ (لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْأَدِلَّةِ) وَالْغَرَضُ حَاصِلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا مُوجِبَ لِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا (وَلَا يَسْتَلْزِمُ) تَنَاوُلُ الدَّلِيلِ حُكْمَ الْفَرْعِ (الرُّجُوعَ عَنْ الْقِيَاسِ بَلْ) يَسْتَلْزِمُ (الْإِفَادَةَ) لِلْحُكْمِ (بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (غَيْرَ مُلَاحَظٍ غَيْرَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (وَبِغَيْرِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ وَهُوَ النَّصُّ أَيْضًا فَانْتَفَى قَوْلُ السُّبْكِيّ إنْ وَضَحَ فِي التَّطْوِيلِ مَقْصِدٌ فِقْهِيٌّ فَهُوَ مَقْبُولٌ وَإِلَّا فَلَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ تَعْيِينَ الطَّرِيقِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ لَكِنَّ الطَّرِيقَيْنِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْتَقِلًّا وَالْآخَرُ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ وَيُلْغَى الثَّانِي فَيَلْزَمُ الرُّجُوعُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ طَرِيقٍ قَبْلَ إتْمَامِهِ إلَى آخَرَ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَنَازُعٌ فِي دَلَالَةِ دَلِيلِ الْعِلَّةِ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ. (أَمَّا لَوْ تُنُوزِعَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ) مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَامًّا مَخْصُوصًا وَالْمُعَلَّلُ لَا يَرَى عُمُومَهُ (فَجَوَازُهُ) أَيْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ (اتِّفَاقٌ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (يُثْبِتُ بِهِ) أَيْ بِدَلِيلِهَا (الْعِلِّيَّةَ) لَهَا (ثُمَّ يُعَمِّمُ بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ الْحُكْمَ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِ وُجُودِهَا ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ وَسَمَّيْنَا ثَمَّةَ جَمَاعَةً مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَقَدْ كَانَ فِي إسْقَاطِ الْمُكَرَّرِ وَذِكْرِ مَا عَدَاهُ فِيمَا سَلَفَ أَوْ هُنَا كِفَايَةٌ (وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ كَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (حُكْمًا شَرْعِيًّا مِثَالُهُ لِلْحَنَفِيَّةِ) مَا رَوَوْا «عَنْ الْخَثْعَمِيَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْحَجُّ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَيَجْزِينِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَمَا كَانَ يُقْبَلُ مِنْك قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» وَهَذَا السِّيَاقُ لِحَدِيثِهَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ مَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ سَوْدَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ «رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْته أَيُجْزِي عَنْهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَحُجَّ عَنْهُ» وَلَوْلَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَذْكُرُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ لَقُلْنَا هَذَا الْمَذْكُورُ قِطْعَةٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا مِثَالٌ لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَاسَ) إجْزَاءَ الْحَجِّ عَنْهُ بِإِجْزَاءِ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْهُ (بِعِلَّةِ كَوْنِهِ) أَيْ الْمَقْضِيِّ (دَيْنًا) فَإِنَّهُ فِي قُوَّةٍ يُجْزِئُ عَنْهُ فِي دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُجْزِئُ عَنْهُ فِي دَيْنِ الْعِبَادِ (وَهُوَ) أَيْ الدَّيْنُ (حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ لُزُومُ أَمْرٍ فِي الذِّمَّةِ) ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ قُلْت لَكِنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى مَا نَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ فِعْلٌ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةٍ تُثْبِتُ السَّبَبِيَّةَ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي الْمُدَبَّرِ مَمْلُوكٌ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يُبَاعُ كَأُمِّ الْوَلَدِ) فَإِنَّ فِيهِ قِيَاسَ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا مَمْلُوكَيْنِ تَعَلَّقَ عِتْقُهُمَا بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى وَهَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَإِنَّمَا قَالَ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ كَإِنْ مِتُّ فِي هَذَا الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ. (وَقِيلَ لَا) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا (لِلُزُومِ النَّقْضِ فِي التَّقَدُّمِ) أَيْ تَخَلُّفِ مَا فُرِضَ مَعْلُولًا عَمَّا فُرِضَ عِلَّةً إذَا كَانَ مَا فُرِضَ عِلَّةً مُتَقَدِّمًا بِالزَّمَانِ عَلَيْهِ (وَ) لُزُومُ (ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِلَا بَاعِثٍ فِي التَّأَخُّرِ) لِمَا فُرِضَ عِلَّةً عَلَيْهِ (وَ) لُزُومُ (التَّحَكُّمِ فِي الْمُقَارَنَةِ) أَيْ تَقَارُنِهِمَا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى بِالْعِلِّيَّةِ مِنْ الْآخَرِ (وَمُنِعَ الْأَخِيرُ) أَيْ لُزُومُ التَّحَكُّمِ فِي الْمُقَارَنَةِ (لِتَمْيِيزِ الْمُنَاسَبَةِ وَغَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْمُنَاسِبَةِ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ عِلِّيَّةَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيَنْتَفِي لُزُومُ التَّحَكُّمِ (وَتَقَدَّمَ مَا فِيمَا قَبْلَهُ) أَيْ مَا قَبْلَ الْأَخِيرِ وَهُوَ كَوْنُ الْحُكْمِ يَثْبُتُ بِلَا بَاعِثٍ وَلُزُومُ النَّقْضِ فِي التَّخَلُّفِ مِنْ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ لَيْسَ بِمَعْنَى الْإِيجَادِ وَالتَّحْصِيلِ حَتَّى يَمْتَنِعَ فِيهَا التَّقَدُّمُ أَوْ التَّخَلُّفُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لَا بِمَعْنَى إفَادَتِهَا الْوُجُودَ كَالْعَقْلِيَّةِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِي جَوَابِ

الْمَانِعِينَ لِتَعَدُّدِ الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ الْوَاحِدِ (ثُمَّ اُخْتِيرَ) أَيْ اخْتَارَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ (تَعَيُّنُ كَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ (لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ) يَقْتَضِيهَا حُكْمُ الْأَصْلِ (كَبُطْلَانِ بَيْعِ الْخَمْرِ بِالنَّجَاسَةِ) الَّتِي هِيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لِمُنَاسَبَتِهَا الْمَنْعَ مِنْ الْمُلَابَسَةِ تَكْمِيلًا لِمَقْصُودِ الْبُطْلَانِ وَهُوَ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ (لَا لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ) يَقْتَضِيهَا حُكْمُ الْأَصْلِ (لِأَنَّ) الْحُكْمَ (الشَّرْعِيَّ لَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى مَفْسَدَةٍ مَطْلُوبَةِ الدَّفْعِ وَإِلَّا لَمْ يُشْرَعْ ابْتِدَاءً. (وَحَقَّقَ) الْمُحَقِّقُ عَضُدُ الدِّينِ (جَوَازَهَا) أَيْ جَوَازَ كَوْنِ الْعِلَّةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا عَلَى مَفْسَدَةٍ (لِجَوَازِ اشْتِمَالِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ (عَلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ) مَرْجُوحَةٍ مَطْلُوبَةِ الدَّفْعِ (تُدْفَعُ بِحُكْمٍ آخَرَ) شَرْعِيٍّ (كَوُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا لِحِفْظِ النَّسَبِ عَلَى الْإِمَامِ) فَوُجُوبُهُ عَلَى الْإِمَامِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ هِيَ حِفْظُ النَّسَبِ وَهُوَ حَدٌّ (ثَقِيلٌ يُؤَدِّي) تَكْرَارُ وُقُوعِهِ كَثِيرًا (إلَى مَفْسَدَةِ إتْلَافِ النُّفُوسِ) وَإِيلَامِهَا لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ رَجْمٍ كَمَا فِي الْمُحْصَنِ وَجَلْدٍ كَمَا فِي غَيْرِهِ (فَعُلِّلَ) وُجُوبُ الْحَدِّ (بِوُجُوبِ شَهَادَةِ الْأَرْبَعِ) مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْعُدُولِ بِأَنَّ الزَّانِيَ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ الَّتِي هِيَ طَرِيقُ ثُبُوتِهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْكَثِيرِ الَّتِي هِيَ الْإِتْلَافُ وَالْإِيلَامُ الشَّدِيدُ لِتَبْقَى مَصْلَحَةُ حِفْظِ النَّسَبِ خَالِصَةً (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (جَوَازُ كَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (مَجْمُوعَ صِفَاتٍ وَهِيَ الْمُرَكَّبَةُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جَوَازِهِ (فِي الْعَقْلِ وَوَقَعَ) كَوْنُهَا كَذَلِكَ (كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ) لِلْقِصَاصِ. (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ مَانِعِي كَوْنِهَا مَجْمُوعَ صِفَاتٍ (لَوْ كَانَ) أَيْ لَوْ صَحَّ كَوْنُهَا مَجْمُوعُ صِفَاتٍ (وَالْعِلِّيَّةُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ) عَلَى ذَاتِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ مَجْمُوعُ صِفَاتٍ (فَقِيَامُهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (إنْ) كَانَ (بِجُزْءٍ) وَاحِدٍ مِنْهَا (أَوْ بِكُلِّ جُزْءٍ) مِنْ أَجْزَائِهَا عَلَى حِدَةٍ (فَهُوَ) أَيْ الْجُزْءُ الْوَاحِدُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ أَوْ كُلُّ جُزْءٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (الْعِلَّةُ) . وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ وَلَا مَدْخَلَ لِسَائِرِ الْأَجْزَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَيَلْزَمُ قِيَامُ الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ بِمَحَالَّ كَثِيرَةٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (أَوْ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ) بِهَا يَكُونُ الْمَجْمُوعُ مَجْمُوعًا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ (لَمْ تَقُمْ) الْكُلِّيَّةُ (بِهِ) أَيْ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَا تَكُونُ الْعِلِّيَّةُ قَائِمَةً بِشَيْءٍ وَاحِدٍ (وَيَعُودُ مَعَهَا) أَيْ مَعَ جِهَةِ الْوَاحِدَةِ لِلْمَجْمُوعِ (الْكَلَامُ) فِي جِهَةِ الْوَحْدَةِ (بِقِيَامِهَا) أَيْ بِسَبَبِ قِيَامِهَا بِمَا تَقُومُ بِهِ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَحَلٍّ فَنَقُولُ هِيَ قَائِمَةٌ (إمَّا بِكُلٍّ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِكُلِّ جُزْءٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ أَوْ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ فَلَا مَدْخَلَ لِغَيْرِهِ فَهِيَ قَائِمَةٌ بِالْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جَمِيعٌ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ جِهَةِ وَحْدَةٍ (فَتَتَحَقَّقُ وَحْدَةٌ أُخْرَى وَيَتَسَلْسَلُ قُلْنَا تَشْكِيكٌ فِي ضَرُورِيٍّ لِلْقَطْعِ بِنَحْوِ خَبَرِيَّةِ الْكَلَامِ) أَيْ بِأَنَّهُ خَبَرٌ أَوْ اسْتِفْهَامٌ أَوْ تَعَجُّبٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ الْكَلَامُ (مُتَعَدِّدٌ) لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْحُرُوفِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَكَوْنُهُ خَبَرًا أَوْ غَيْرَهُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَامَ كَوْنُهُ خَبَرًا مَثَلًا بِكُلِّ حَرْفٍ فَكُلُّ حَرْفٍ خَبَرٌ أَوْ بِحَرْفٍ مِنْهَا فَهُوَ الْخَبَرُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (وَإِنَّمَا هِيَ) أَيْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ لِلْمَانِعِينَ (مُغَلِّطَةٌ يَطْرُدُهَا) الْإِمَامُ (الرَّازِيّ لِلشَّافِعِيِّ فِي نَفْيِ التَّرْكِيبِ) فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ مَنْشَؤُهَا عَدَمُ اسْتِيفَاءِ الْأَقْسَامِ حَيْثُ تَرْكُ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ. (وَالْحَلُّ أَنَّهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةَ قَائِمَةٌ (بِالْمَجْمُوعِ) الَّذِي صَارَ وَاحِدًا (بِاعْتِبَارِ جِهَةِ وَحْدَتِهِ الْمُعَيِّنَةِ هَيْئَتَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّرْدِيدُ ثَانِيًا) فِي تِلْكَ الْوَحْدَةِ (وَلَا وَحْدَةٍ أُخْرَى مَعَ أَنَّهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةَ صِفَةٌ (اعْتِبَارِيَّةٌ، كَوْنُ الشَّارِعِ قَضَى بِالْحُكْمِ عِنْدَهَا وَالْمُسْتَدْعِي مَحَلًّا) مَوْجُودًا يَقُومُ بِهِ هِيَ الصِّفَةُ (الْحَقِيقِيَّةُ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ تَكُنْ اعْتِبَارِيَّةً بَلْ كَانَتْ حَقِيقِيَّةً (بَطَلَتْ عِلِّيَّةُ الْوَاحِدِ لِلُزُومِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ) لِأَنَّ الْوَصْفَ الْوَاحِدَ مَعْنًى وَالْعِلِّيَّةَ الْقَائِمَةَ بِهِ مَعْنًى فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى فَيَتَلَخَّصُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِالْمُتَعَدِّدِ لِلُزُومِ الْمُحَالِ الَّذِي هُوَ كَوْنُ الْعِلِّيَّةِ صِفَةً زَائِدَةً وُجُودِيَّةً لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْوَاحِدِ لِمُحَالٍ لَازِمٍ لِلْمُحَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قِيَامُ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَبَطَلَ عَدَمُ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْمُتَعَدِّدِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَمَامِ مَنْعِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ فَلَا يَضُرُّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّرْعَةَ وَالْبُطْءَ عَرَضَانِ قَائِمَانِ بِالْحَرَكَةِ وَهِيَ عَرَضٌ أَيْضًا (وَجَعْلُهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (صِفَةً لَهُ) أَيْ لِلشَّارِعِ (تَعَالَى بِاعْتِبَارِ جَعْلِهِ) أَيْ الشَّارِعِ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّةً (يَضْعُفُ بِأَنَّهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةَ (كَوْنُ الْوَصْفِ كَذَلِكَ) أَيْ

لا يشترط في تعليل انتفاء حكم بوجود مانع

مَجْعُولًا عِلَّةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ كَوْنُهُ صِفَةً لَهُ كَالْقَوْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَعْدُومَاتِ (لَا) أَنَّ الْعِلِّيَّةَ (جَعْلُهُ) أَيْ نَفْسِ جَعْلِ الشَّارِعِ ذَلِكَ عِلَّةً. (وَقَوْلُهُمْ نَفَى كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةَ انْتِفَائِهَا) أَيْ مَانِعِي كَوْنِهَا مَجْمُوعَ جَمِيعِ الْأَوْصَافِ فَيَلْزَمُ انْتِفَاؤُهَا لِانْتِفَاءِ كُلِّ وَصْفٍ (وَيَلْزَمُ النَّقْضُ) لِلْعِلِّيَّةِ (بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ آخَرَ بَعْدَ انْتِفَاءِ جُزْءٍ أَوَّلٍ) لِأَنَّ بِانْتِفَاءِ هَذَا الْوَصْفِ الْآخَرِ لَمْ يَنْتَفِ عَدَمُ الْعِلِّيَّةِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْعِلِّيَّةَ عُدِمَتْ بِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ الْأَوَّلِ، وَتَجَدُّدُ عَدَمٍ عَلَى عَدَمٍ لَا يُتَصَوَّرُ (لِاسْتِحَالَةِ إعْدَامِ الْمَعْدُومِ) كَإِيجَادِ الْمَوْجُودِ فَيَلْزَمُ النَّقْضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى انْتِفَاءِ الْوَصْفِ الْآخَرِ أَيْضًا لِتَخَلُّفِ الْمَعْلُولِ عَنْ عِلَّتِهِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُودِ عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ عَدَمِ جُزْءٍ مِنْ الْمَجْمُوعِ قُلْت وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى هَذَا كَابْنِ الْحَاجِبِ لِاسْتِبْعَادِ فَرْضِ عَدَمِ انْتِفَاءِ عِلِّيَّةِ الْمَجْمُوعِ بِانْتِفَاءِ الْآخَرِ مَعَ تَقَدُّمِ الْقَوْلِ بِانْتِفَائِهَا بِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَلُزُومُ التَّنَاقُضِ لَهُ ظَاهِرٌ وَهُوَ كَوْنُ الْعِلِّيَّةِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْجُزْءِ الثَّانِي ثَابِتَةً لِلْمَجْمُوعِ وَمُنْتَفِيَةً عَنْهُ ثُمَّ قَوْلُهُمْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (إنَّمَا يَجِيءُ فِي) الْعِلَلِ (الْعَقْلِيَّةِ لَا الْمَوْضُوعَةِ) لِلشَّارِعِ (عَلَامَةً عِنْدَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَصْلَحَةِ عَلَى الِانْتِفَاءِ) لِلْحُكْمِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ ارْتِفَاعُ جَمِيعِ الِانْتِفَاءَاتِ وَهُوَ نَفْسُ تَحَقُّقِ جَمِيعِ الْأَوْصَافِ فَيَجِبُ تَرْكُ الْأَمَارَةِ فِي طَرَفِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ مِنْ أَوْصَافٍ مُتَعَدِّدَةٍ (إذْ حَاصِلُهُ تَعَدُّدُ أَمَارَاتٍ) عَلَى الْعَدَمِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ. [لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ] (مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ) لَهُ مِنْ الثُّبُوتِ كَعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ لِلِابْنِ عَلَى الْأَبِ لِمَانِعِ الْأُبُوَّةِ (أَوْ) بِسَبَبِ (انْتِفَاءِ شَرْطٍ) لَهُ كَعَدَمِ وُجُوبِ رَجْمِ الزَّانِي لِانْتِفَاءِ إحْصَانِهِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ وُجُوبِ رَجْمِهِ (وُجُودُ مُقْتَضِيهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ (خِلَافًا لِلْبَعْضِ) أَيْ لِلْآمِدِيِّ بَلْ عَزَاهُ السُّبْكِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ قَالَ الْأَوَّلُونَ وَإِنَّمَا لَا يُشْتَرَطُ (لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا) أَيْ وُجُودِ الْمَانِعِ وَانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (وَعَدَمِ الْمُقْتَضَى) عَلَى حِيَالِهِ (عِلَّةُ عَدَمِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (فَجَازَ إسْنَادُهُ) أَيْ عَدَمُهُ (إلَى كُلٍّ) مِنْهَا (بِمَعْنَى لَوْ كَانَ لَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (مُقْتَضًى مَنَعَهُ) أَيْ الْمَانِعُ حُكْمَهُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ هَذَا بَلْ أُرِيدَ بِوُجُودِ الْمَانِعِ الْمَانِعُ حَقِيقَةً (فَحَقِيقَةُ الْمَانِعِيَّةِ) إنَّمَا هِيَ (بِالْفِعْلِ وَهُوَ) أَيْ وُجُودُ الْمَانِعِ بِالْفِعْلِ (فَرْعُ) وُجُودِ (الْمُقْتَضَى فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ) الْحُكْمُ (لِعَدَمِ وُجُودِهِ) أَيْ الْمُقْتَضَى (فَيَمْنَعُ) الْمَانِعُ (مَاذَا؟ وَاذْكُرْ مَا تَقَدَّمَ فِي فَكِّ الدُّورِ لَهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ نَقْضِ الْعِلَّةِ (فِي مَسْأَلَةِ النَّقْضِ) لَهَا فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ هَذَا فَاسْتَذْكِرْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ ثُمَّ بَعْدَ كَوْنِ الْمُرَادِ مَا ذُكِرَ فَفِي الْمَحْصُولِ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضَى أَظْهَرُ فِي الْعَقْلِ مِنْ انْتِفَائِهِ لِحُضُورِ الْمَانِعِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَعَلَى هَذَا فَمُدَّعَى الْأَوَّلِ أَرْجَحُ مِنْ مُدَّعَى الثَّانِي. (الْمَرْصَدُ الثَّالِثُ) فِي طُرُقِ مَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَصْفِ الْجَامِعِ عِلَّةَ حُكْمٍ خَبَرِيٍّ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَنْ لَا بُدَّ فِي إثْبَاتِهِ مِنْ الدَّلِيلِ وَلَهُ مَسَالِكُ صَحِيحَةٌ وَأُخْرَى يُتَوَهَّمُ صِحَّتُهَا فَيَنْبَغِي التَّعَرُّضُ لَهَا وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَنَقُولُ (طُرُقُ إثْبَاتِهَا) أَيْ الطُّرُقُ الدَّالَّةُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ الْمُعَيَّنِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ شَرْعًا هِيَ (مَسَالِكُ الْعِلَّةِ) وَهِيَ (مُتَّفِقَةٌ تَقَدَّمَ مِنْهَا الْمُنَاسَبَةُ عَلَى الِاصْطِلَاحَيْنِ) لِلشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ الْإِخَالَةُ وَلِلْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ التَّأْثِيرُ عَلَى اخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحِ فِيهِ فَعِنْدَهُمْ كَوْنُ الْوَصْفِ ثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اعْتِبَارِ جِنْسِهِ إلَى آخِرِ الْأَقْسَامِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْأَوَّلُ فَقَطْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيصُ الْمُنَاسَبَةِ هُنَا عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا سِوَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُؤَثِّرِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالْخِلَافُ فِي الْإِخَالَةِ) فِي كَوْنِهَا طَرِيقًا مُثْبِتًا لِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ الْوَصْفُ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا الْمُنَاسَبَةُ بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ بِاصْطِلَاحِ غَيْرِهِمْ مَحَلُّ خِلَافٍ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ. (وَ) الْمَسْلَكُ (الثَّانِي الْإِجْمَاعُ) فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً وَالظَّنُّ كَافٍ فِيهِ (فَلَا يَخْتَلِفُ فِي الْفَرْعِ) كَمَا فِي الْأَصْلِ (إلَّا إنْ كَانَ ثُبُوتُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (أَوْ طَرِيقُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعُ (ظَنِّيًّا) كَالثَّابِتِ بِالْآحَادِ (أَوْ ذَاتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعُ ظَنِّيًّا (كَالسُّكُوتِيِّ) أَيْ كَالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ (عَلَى الْخِلَافِ) فِي أَنَّهُ ظَنِّيٌّ أَوْ قَطْعِيٌّ مُطْلَقًا أَوْ إذَا كَثُرَ وَتَكَرَّرَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي مَبَاحِثِ الْإِجْمَاعِ (أَوْ يَدَّعِي فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (مُعَارِضٌ) أَوْ يَدَّعِي الْمُخَالِفُ اخْتِصَاصَ عِلِّيَّتِهِ بِالْأَصْلِ أَوْ يَكُونُ مِمَّنْ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ لِمَانِعٍ أَوْ يَدَّعِي تَخْصِيصَهَا فِي فَرْعِ الْمَانِعِ وَالْخَصْمُ يَمْنَعُ وُجُودَ الْمَانِعِ فَيُسَوِّغُ الِاخْتِلَافَ مَعَهَا فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ ثُمَّ مِثْلُ مَا هُوَ عِلَّةٌ

بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي حُكْمِهَا فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِقَوْلِهِ (كَالصِّغَرِ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ) فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهَا وِلَايَةُ النِّكَاحِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ مِنْ عِلَلِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ بِلَا خِلَافٍ. (وَ) الْمَسْلَكُ (الثَّالِثُ النَّصُّ) وَهُوَ (صَرِيحٌ لِلْوَضْعِ) أَيْ مَا دَلَّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ بِالْوَضْعِ وَهُوَ (مَرَاتِبُ كَعِلَّةِ) كَذَا أَوْ بِسَبَبِ كَذَا (أَوْ لِأَجْلِ كَذَا) كَمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَرْفُوعًا «إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ لِأَجْلِ الْبَصَرِ» أَوْ مِنْ أَجْلِ كَذَا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا «إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ» (أَوْ كَيْ) مُجَرَّدَةً عَنْ حَرْفِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} [طه: 40] أَوْ مُتَّصِلَةً بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] وَذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ أَنَّ لِأَجْلِ وَكَيْ دُونَ مَا قَبْلَهُمَا فِي الصَّرَاحَةِ (أَوْ إذَنْ) فَفِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ «قُلْت أَجْعَلُ لَك صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَنْ تُكْفَى هَمَّك وَيُغْفَرُ ذَنْبُك» فَهَذَا الْقِسْمُ أَقْوَاهَا لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ غَيْرَ الْعِلَّةِ (وَدُونَهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (مَا) يَكُونُ (بِحَرْفٍ ظَاهِرٍ فِيهِ) أَيْ فِي التَّعْلِيلِ. (كَذَلِكَ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم: 1] (أَوْ بِهِ) أَيْ بِكَذَا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] (أَوْ إنْ شَرْطًا أَوْ) إنْ (النَّاصِبَةَ) نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [الزخرف: 5] بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَمَا هُوَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَبِفَتْحِهَا كَمَا هُوَ قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ (أَوْ) إنَّ (الْمَكْسُورَةَ الْمُشَدَّدَةَ بَعْدَ جُمْلَةٍ وَالْمَفْتُوحَةَ) كَإِنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ وَإِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك فِي التَّلْبِيَةِ فَإِنَّ فِي " إنَّ فِيهِمَا الْوَجْهَيْنِ " إذْ هَذِهِ الْحُرُوفُ قَدْ تَجِيءُ لِغَيْرِ الْعِلَّةِ فَاللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا} [هود: 48] وَإِنْ لِمُجَرَّدِ اللُّزُومِ مِنْ غَيْرٍ وَسَبَبِيَّةٍ وَتَرَتُّبِ أَمْرٍ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ وَأَنْ لِمُجَرَّدِ نَصْبِ الْمُضَارِعِ وَإِنَّ وَأَنَّ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ وَأَنْكَرَ السُّبْكِيُّ كَوْنَ إنْ بِالْكَسْرِ تَرِدُ لِلتَّعْلِيلِ قَالَ وَإِنَّمَا تَرِدُ لِلشَّرْطِ وَالنَّفْيِ وَالزِّيَادَةِ وَإِنْ فُهِمَ التَّعْلِيلُ فِي الشَّرْطِيَّةِ فَهُوَ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ لَا مِنْ الْحَرْفِ انْتَهَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الْعِلِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَدْخُلُ غَالِبًا عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لِلْمُسَبِّبِ أَمْرٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ سِوَاهُ فَعِنْدَهُ تَتِمُّ الْعِلَّةُ وَفِي حَاشِيَةِ الْأَبْهَرِيِّ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بِتَثْقِيلِ النُّونِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مِنْ الْحُرُوفِ الظَّاهِرَةِ لِلتَّعْلِيلِ مِثْلُ مَا وَرَدَ فِي الْأَدْعِيَةِ نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ لِأَنَّ الْفَتْحَ بِتَقْدِيرِ اللَّامِ وَالْكَسْرَ لِأَنَّهَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ عَنْ الْعِلَّةِ انْتَهَى قُلْت وَالْأَوَّلُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَاعْتِرَافٌ بِكَوْنِهَا لِلْعِلَّةِ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ (وَدُونَهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (الْفَاءُ فِي الْوَصْفِ) الصَّالِحِ عِلَّةً لِحُكْمٍ تَقَدَّمَهُ مِثْلُ مَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَنَا لَا أَحْفَظُ هَذَا اللَّفْظَ فِي رِوَايَةٍ وَيُؤَدِّي الْغَرَضَ مَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كَلْمٍ أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ يُسَمَّى بِعَبْدِ رَبٍّ انْتَهَى وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ وَعَبْدُ رَبٍّ مَعْرُوفٌ وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ رَاوِي حَدِيثِ الْأَعْمَالِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ جَابِرٍ وَلِجَابِرٍ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ مِمَّنْ رَوَى الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَقِيلٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَمُحَمَّدٌ وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِنْ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ وَحَدِيثُ عَقِيلٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد (أَوْ) فِي (الْحُكْمِ) الْوَاقِعِ بَعْدَ صَالِحٍ لِلْعِلِّيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا دُونَ مَا قَبْلَهُ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْفَاءُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ (لِلتَّعْقِيبِ) وَدَلَالَتُهَا عَلَى الْعِلِّيَّةِ إنَّمَا تُسْتَفَادُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْكَلَامِ أَنَّ هَذَا تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَلَى الْبَاعِثِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ عَقْلًا أَوْ تَرَتُّبُ الْبَاعِثِ عَلَى حُكْمِهِ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُ فِي الْوُجُودِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْبَاعِثُ مُقَدَّمٌ عَقْلًا) عَلَى الْحُكْمِ (مُتَأَخِّرٌ خَارِجًا) عَنْهُ (فَلَوْ خَطَأَ) أَيْ التَّقَدُّمُ الْعَقْلِيُّ وَالتَّأَخُّرُ الْخَارِجِيُّ (فِيهَا) أَيْ فِي الْفَاءِ أَيْ فِي دُخُولِهَا عَلَى الْعِلَّةِ وَعَلَى الْحُكْمِ. (وَإِذًا فَلَا دَلَالَةَ لَهَا) وَضْعِيَّةً (عَلَى عِلِّيَّةِ مَا بَعْدَهَا) لِمَا قَبْلَهَا (أَوْ) عَلَى (حُكْمِيَّتِهِ)

أَيْ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا (بَلْ) إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا (بِخَارِجٍ) هَذَا وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيمُ الْعِلَّةِ أَقْوَى مِنْ عَكْسِهِ وَنَازَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ (وَدُونَهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (ذَلِكَ) أَيْ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى الْحُكْمِ (فِي لَفْظِ الرَّاوِي سَهَا فَسَجَدَ) كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فِي صَلَاتِهِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» «وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ» ) كَمَا أَقَرَّ بِلَفْظِ أَنِّي إفَادَتُهُ مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ مَاعِزًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّهُ زَنَى فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ فَانْطَلَقَ بِهِ فَرُجِمَ» وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مُفِيدًا لِلْعِلِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْهَمْ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ لَمْ يَنْقُلْهُ وَإِلَّا كَانَ مُلْبِسًا وَمَنْصِبُهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ هَذَا دُونَ مَا قَبْلَهُ (لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ) لِلرَّاوِي فِي تَصَوُّرِ السَّبَبِيَّةِ (وَلَا يَنْفِي الظُّهُورَ) الْمُفِيدَ لِلظَّنِّ لِأَنَّهُ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ حِينَئِذٍ. (وَقِيلَ هَذَا) أَيْ مَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ (كَمَا قِيلَ فِي) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهَا يَعْنِي الْهِرَّةَ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي بَحْثِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الْوَصْفَ عِلَّةً وَأَنَّهُ إيمَاءٌ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِلتَّعْلِيلِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِعِ لِتَقْوِيَةِ الْجُمْلَةِ الَّتِي يَطْلُبُهَا الْمُخَاطَبُ وَتُرُدِّدَ فِيهَا وَيُسْأَلُ عَنْهَا وَدَلَالَةُ الْجَوَابِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ وَفِي التَّلْوِيحِ وَبِالْجُمْلَةِ كَلِمَةُ إنَّ مَعَ الْفَاءِ أَوْ بِدُونِهَا قَدْ تُورِدُ فِي أَمْثِلَةِ الْإِيمَاءِ وَيُعْتَذَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِاعْتِبَارِ أَنْ وَالْفَاءِ وَإِيمَاءٌ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ ثُمَّ شَرَعَ فِي قَسِيمِ قَوْلِهِ صَرِيحٌ فَقَالَ (وَإِيمَاءٌ وَتَنْبِيهٌ تَرْتِيبُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (عَلَى الْوَصْفِ فَيُفْهَمُ لُغَةً أَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ (عِلَّةٌ لَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَصْفُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ (كَانَ) ذَلِكَ التَّرْتِيبُ (مُسْتَبْعَدًا) مِنْ الْعَارِفِ بِمَوَاقِعِ التَّرَاكِيبِ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيلِ دَفْعًا لِلِاسْتِبْعَادِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ (إيمَاءُ اللَّفْظِ) مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ اصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ فِي الدَّلَالَةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْفُصُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُفْرَدِ. (وَلَا يَخُصُّ الشَّارِعُ إلَّا أَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ (فِيهِ) أَيْ فِي الشَّارِعِ (أَبْعَدُ) لِنُنَزِّهَ فَصَاحَتَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَلِف مِنْ عَادَتِهِ اعْتِبَارَ الْمُنَاسَبَاتِ بَيْنَ الْعِلَلِ وَالْأَحْكَامِ دُونَ إلْغَائِهَا فَإِذَا قُرِنَ فِي الشَّرْعِ وَصْفٌ مُنَاسِبٌ بِالْحُكْمِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ نَظَرًا إلَى عَادَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ فِي مَظَانِّ بَيَانِ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ (وَلِذَا) أَيْ الِاسْتِبْعَادِ (يَجِبُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ (الْمُنَاسَبَةُ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (مِنْ الشَّارِعِ لِلْقَطْعِ بِحِكْمَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَفَسَدَتْ الْجَاهِلُ) إذَا صَدَرَ مِنْ الشَّارِعِ (وَإِنْ قَضَى بِحُمْقِهِ) أَيْ قَائِلُ هَذَا لَكِنْ ذَكَرَ السُّبْكِيُّ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ عَلَى هَذَا أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ وَلَكِنْ لَا يَقَعُ حُكْمٌ إلَّا بِحِكْمَةٍ وَالْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ قَدْ يَقَعُ بِحِكْمَةٍ وَقَدْ يَقَعُ وَلَا حِكْمَةَ قَالَ وَهُوَ الْحَقُّ انْتَهَى وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْجَهَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوُجُوبِ الْوُجُوبُ تَفَضُّلًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ فَصْلِ الْعِلَّةِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّ وَسَنَذْكُرُ فِي ذَيْلِ هَذَا الطَّرِيقِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ مَذَاهِبَ (وَمِنْهُ) أَيْ الْإِيمَاءِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ إذْ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْغَضَبَ عِلَّةُ عَدَمِ جَوَازِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يُشَوِّشُ الْفِكْرَ ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ فَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ مِنْ الْقَضَاءِ وَهُوَ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ فِي الْحُكْمِ بِشَغْلِ قَلْبِهِ بِغَيْرِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ وَالْوَصْفُ الْمَذْكُورُ عِلَّةٌ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْجَائِعِ وَالْحَاقِنِ وَيَخْرُجُ عَنْهُ سِوَاهُ كَالْغَضَبِ إذَا كَانَ فَقَدْ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى قُلْت: وَفِي خُرُوجِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ فِيهِ تَشْوِيشَ الْفِكْرِ كَمَا فِي غَيْرِهِ، ثُمَّ كَوْنُ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ إذَا ذُكِرَ كِلَاهُمَا إيمَاءٌ بِالِاتِّفَاقِ (فَإِنْ ذَكَرَ الْوَصْفَ فَقَطْ كَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) فَإِنَّ الْوَصْفَ وَهُوَ حِلُّ الْبَيْعِ مُصَرَّحٌ بِهِ وَالْحُكْمَ وَهُوَ الصِّحَّةُ غَيْرُ مَذْكُورٍ بَلْ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ الْحِلِّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لِغَايَتِهِ لِأَنَّهُ مَعْنَى عَدَمُ الصِّحَّةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لِغَايَتِهِ كَانَ عَبَثًا وَهُوَ قَبِيحٌ وَالْقَبِيحُ حَرَامٌ فَلَمْ يَكُنْ حَلَالًا فَإِذَا كَانَ حَلَالًا كَانَ صَحِيحًا ضَرُورَةً (أَوْ)

ذَكَرَ (الْحُكْمَ) فَقَطْ (كَأَكْثَرِ) الْعِلَلِ (الْمُسْتَنْبَطَةِ) نَحْوَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مَذْكُورٌ وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَالْوَصْفُ وَهُوَ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْهُ (فَفِي كَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (إيمَاءٌ تَقَدُّمَ عَلَى غَيْرِهَا) أَيْ عَلَى الْمُسْتَنْبَطَةِ بِلَا إيمَاءٍ عِنْدَ التَّعَارُضِ ثَلَاثَةُ (مَذَاهِبَ) : الْأَوَّلُ (نَعَمْ) هُوَ إيمَاءٌ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الْإِيمَاءَ اقْتِرَانٌ) لِلْوَصْفِ بِالْحُكْمِ (مَعَ ذِكْرِهِمَا) أَيْ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ (أَوْ) مَعَ ذِكْرِ (أَحَدِهِمَا) وَتَقْدِيرُ الْآخَرِ (وَ) الثَّانِي (لَا) يَكُونُ إيمَاءً (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْإِيمَاءَ إنَّمَا يَكُونُ (مَعَ ذِكْرِهِمَا) أَيْ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ الْأَمْرَانِ فَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ كَلَامُهُمَا فَلَا اقْتِرَانَ وَحَيْثُ لَا اقْتِرَانَ فَلَا إيمَاءَ لِانْتِفَاءِ حَدِّهِ (وَ) الثَّالِثُ (التَّفْصِيلُ) وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْبَدِيعِ (فَمَعَ ذِكْرِ الْوَصْفِ لَا الْحُكْمِ) يَكُونُ الْوَصْفُ إيمَاءً لَا الْحُكْمُ بَلْ بَعْضُهُمْ ادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِإِيمَاءٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفُ هُوَ (الْمُسْتَلْزِمُ) لِلْحُكْمِ (فَذِكْرُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (ذِكْرُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (فَيَدُلُّ الْحِلُّ عَلَى الصِّحَّةِ) كَمَا بَيَّنَّا لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَسْتَلْزِمُ الْمَعْلُومَ فَيَكُونُ بِمَثَابَةِ الْمَذْكُورِ فَيَتَحَقَّقُ الِاقْتِرَانُ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِفَادَةِ الْحُكْمِ مِنْ كَلَامٍ فِيهِ الْوَصْفُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا بِالتَّصْرِيحِ أَوْ بِالِاسْتِلْزَامِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الثُّبُوتِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي طَرِيقِهِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ صَرِيحًا وَالْآخَرُ مُسْتَنْبَطًا مِنْ مَدْلُولِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعِلَّةَ الْمُعَيَّنَةَ وَكَيْفَ وَهُوَ لَازِمٌ لَهَا وَإِثْبَاتُ لَازِمِ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ إثْبَاتَ مَلْزُومِهِ لِجَوَازِ كَوْنِ اللَّازِمِ أَعُمَّ مِنْ الْمَلْزُومِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِمَذْهَبٍ رَابِعٍ هُوَ عَكْسُ هَذَا الثَّالِثِ (مِثَالُ الْمُتَّفَقِ) عَلَيْهِ أَنَّهُ إيمَاءٌ مَا أَخْرَجَ الْحُفَّاظُ مِنْهُمْ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْت فَقَالَ وَيْحَك قَالَ وَقَعْت عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً قَالَ مَا أَجِدُ قَالَ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ مَا أَجِدُ» الْحَدِيثَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَاقَعْت أَهْلِي فَقَالَ كَفِّرْ) فَرِوَايَةٌ بِالْمَعْنَى (وَالْمُسْتَبْعَدُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْكَلَامِ (إخْلَاءُ السُّؤَالِ عَنْ جَوَابِهِ) فَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ جِدًّا وَكَيْفَ لَا وَفِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَمَنْعُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِهِ) أَيْ الْبَيَانِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ حُكْمٌ (شَرْعِيٌّ) لَا يَقَعُ مِنْ الشَّارِعِ (وَالظَّاهِرُ عَلَيْهِ عَيْنُ الْوِقَاعِ) لِلْإِعْتَاقِ وَأَخَوَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَكَوْنُهُ) أَيْ انْتِسَابُ الْحُكْمِ إلَى الْوِقَاعِ لَا لِعِلِّيَّةِ عَيْنِهِ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ (لِمَا تَضَمَّنَهُ) الْوِقَاعُ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ مَثَلًا كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (احْتِمَالُ) غَيْرِ الظَّاهِرِ (وَحَذْفُ بَعْضِ الصِّفَاتِ) الَّذِي لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلِّيَّةِ (فِي مِثْلِهِ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِيمَاءِ (وَاسْتِيفَاءُ الْبَاقِي يُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ) أَيْ تَلْخِيصُ مَا نَاطَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ بِهِ أَيْ رَبَطَهُ بِهِ وَعَلَّقَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعِلَّةُ عَنْ الزَّوَائِدِ (فِي اصْطِلَاحِ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ كَحَذْفِ أَعْرَابِيَّتِهِ) أَيْ السَّائِلِ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ أَعْرَابِيًّا (وَالْأَهْلِ) إذْ لَا مَدْخَلَ فِي الْعِلَّةِ لِكَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَامَّةِ لِلْمُكَلَّفِينَ بَيْنَ كَوْنِهِمْ أَعْرَابًا أَوْ غَيْرَهُمْ وَلَا لِكَوْنِ مَحَلِّ الْوِقَاعِ أَهْلًا لَهُ فَإِنَّ الزِّنَا بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ أَجْدَرُ تَغْلِيظًا عَلَى الزَّانِي (وَتَزِيدُ الْحَنَفِيَّةُ) عَلَى هَذَا الْحَذْفِ (كَوْنَهُ) أَيْ الْفِعْلِ الْمُفْطِرِ (وِقَاعًا) لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِخُصُوصِهِ فِي الْعِلَّةِ لِمُسَاوَاتِهِ لِغَيْرِهِ فِي تَفْوِيتِ رُكْنِ الصِّيَامِ الَّذِي هُوَ الْإِمْسَاكُ الْخَاصُّ (فَيَبْقَى كَوْنُهُ) أَيْ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْوِقَاعُ (إفْسَادًا عَمْدًا بِمُشْتَهًى) فَيَكُونُ الْمَنَاطَ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَتَجِبُ بِعَمْدِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ لِمُشْتَهًى كَمَا تَجِبُ بِالْعَمْدِ مِنْ الْجِمَاعِ فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ هُوَ النَّظَرُ فِي تَعْيِينِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ بِحَذْفِ مَا اقْتَرَنَ بِهَا مِمَّا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الِاعْتِبَارِ لِلْعِلِّيَّةِ (وَ) يُسَمَّى (النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ وُجُودِهَا) أَيْ بَيَانِ وُجُودِهَا (فِي آحَادِ الصُّوَرِ بَعْدَ تَعَرُّفِهَا) أَيْ مَعْرِفَتِهَا فِي نَفْسِهَا (بِنَصٍّ) كَمَا فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهَا مَنَاطُ وُجُوبِ اسْتِقْبَالِهَا وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَكَوْنُ هَذِهِ الْجِهَةِ هِيَ جِهَةُ الْقِبْلَةِ مَظْنُونٌ (أَوْ إجْمَاعٍ) كَالْعَدَالَةِ فَإِنَّهَا مَنَاطُ وُجُوبِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا عَدَالَةُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَمَظْنُونَةٌ لِأَنَّ إدْرَاكِ وُجُودِهَا فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ وَمُوجِبُهُ الظَّنُّ

(تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ) أَيْ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ ثُمَّ مَثَّلَ لِمَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأُدْرِكَتْ فِي مَحَالِّهَا بِالِاجْتِهَادِ بِقَوْلِهِ (كَكَوْنِ هَذَا) الشَّاهِدِ (عَدْلًا فَيُقْبَلُ) قَوْلُهُ أَيْ شَهَادَتُهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ (وَالْأَكْثَرُ) مِنْهُمْ أَكْثَرُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ (عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْقَوْلِ بِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ وَلَكِنَّهُ دُونَ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ (وَ) يُسَمَّى النَّظَرُ (فِي تَعَرُّفِهَا) أَيْ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ (لِحُكْمِ نُصَّ عَلَيْهِ) أَوْ أُجْمِعَ عَلَيْهِ (فَقَطْ) دُونَ عِلَّتِهِ بَلْ إنَّمَا عُرِفَتْ بِاسْتِخْرَاجِ الْمُجْتَهِدِ لَهَا بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ (تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ) كَالِاجْتِهَادِ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ عِلَّةً لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَهَذَا فِي الرُّتْبَة دُونَ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلِذَا أَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ هَذَا وَقَدْ نَصَّ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ تَحْقِيقَ الْمَنَاطِ النَّظَرُ فِي إثْبَاتِ الْعِلَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا بِنَفْسِهَا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اسْتِنْبَاطٍ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ أَخَصَّ مِنْ تَحْقِيقِهِ فَكُلُّ تَخْرِيجِ مَنَاطٍ تَحْقِيقُهُ وَلَيْسَ كُلُّ تَحْقِيقِ مَنَاطٍ تَخْرِيجَهُ. (وَهُوَ) أَيْ تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ (أَعَمُّ مِنْ الْإِخَالَةِ) لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى مَا يَثْبُتُ بِالسَّبْرِ (وَفِي كَلَامِ بَعْضٍ) وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمُوَافِقُوهُ (إفَادَةُ مُسَاوَاتِهَا) لِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ وَتُسَمَّى تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ وَهُوَ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِهِ لَا بِنَصٍّ وَغَيْرِهِ اهـ (وَعَنْهُ) أَيْ تَسَاوِيهِمَا (نُسِبَ لِلْحَنَفِيَّةِ نَفْيُهُ) أَيْ الْقَوْلِ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْبَدِيعِ لِأَنَّهُمْ يَنْفُونَ الْإِخَالَةَ وَيَقُولُونَ كَوْنُ الْوَصْفِ عِلَّةً لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ لَهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ كَمَا تَقَدَّمَ (وَاعْتَذَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ) وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (عَنْ عَدَمِ ذِكْرِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ بِأَنَّ مَرْجِعَهُ إلَى النَّصِّ) أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْمُنَاسَبَةِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُمَا لِمَرْجِعِهِمَا إلَى النَّصِّ بِالْآخِرَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُجْتَهِدٍ حَنَفِيٍّ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا) لَوْلَا تَنْقِيحُ الْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِ الْمَنَاطَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ كَالْجِمَاعِ فَيُحْذَفُ كَوْنُ الْفَاعِلِ أَعْرَابِيًّا وَكَوْنُ الْمُجَامَعَةِ زَوْجَتَهُ (مُنِعَ الْحُكْمُ فِي مَوْضِعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ) أَيْ لَقِيلَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي جِمَاعٍ هُوَ زِنًا وَنَحْوِهِ (غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يَضَعُوا لَهُ) أَيْ لِمَعْنَى تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ (اسْمًا اصْطِلَاحِيًّا كَمَا لَمْ يَضَعُوا الْمُنْفَرِدَ) لَمَّا وُضِعَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ فَقَطْ كَمَا وَضَعُوا الْمُشْتَرَكَ لِمَا وُضِعَ لِمَعَانٍ (وَ) لَمْ يَضَعُوا (تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ وَتَحْقِيقَهُ) أَيْ الْمَنَاطِ (مَعَ الْعَمَلِ بِمَعَانِي الْكُلِّ) غَالِبًا لِنَفْيِهِمْ الْعَمَلَ بِمَا كَانَ مِنْ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ إخَالَةً وَلَوْ تَعَرَّضَ لَهُ لَكَانَ أَوْلَى (وَكَوْنُ مَرْجِعِ الِاسْتِدْلَالِ إذَا نَقَّحَ النَّصَّ الْمَنَاطَ) كَمَا يُفِيدُهُ اعْتِذَارُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْوَضْعِ بَلْ ذَلِكَ) عَدَمُ الْوَضْعِ (رَاجِعٌ إلَى الِاخْتِيَارِ) لِذَلِكَ كَالْوَضْعِ. (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ الْإِيمَاءُ (اقْتِرَانُ) الْحُكْمِ (بِوَصْفٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ) أَيْ الْوَصْفُ (أَوْ نَظِيرُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (عِلَّةً) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (كَانَ) ذَلِكَ الِاقْتِرَانُ (بَعِيدًا ثُمَّ تَمْثِيلُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَدْ سَأَلَتْهُ الْخَثْعَمِيَّةُ عَنْ وَفَاةِ أَبِيهَا وَعَلَيْهِ الْحَجُّ أَفَيُجْزِيهِ حَجُّهَا عَنْهُ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ» إلَخْ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِأَنَّ النَّظِيرَ دَيْنُ الْعِبَادِ وَلَيْسَ) دَيْنُ الْعِبَادِ (الْعِلَّةَ) لِأَنَّهُ نَفْسُ الْأَصْلِ وَدَيْنُ اللَّهِ الْفَرْعُ (بَلْ) الْعِلَّةُ لِلْحُكْمِ الَّذِي هُوَ سُقُوطُهُ بِفِعْلِ الْمُتَبَرِّعِ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُقْضَى (دَيْنًا وَذَكَرَهُ) أَيْ الشَّارِعُ دَيْنَ الْعِبَادِ (لِيَظْهَرَ أَنَّ الْمُشْتَرِكَ) بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَوْنُهُ دَيْنًا (الْعِلَّةُ) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (وَتَقَدَّمَ التَّمْثِيلُ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ (لِلْحَنَفِيَّةِ لِلْعِلَّةِ الْوَاقِعَةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا) . وَهَذَا مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَذْكُرُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَذْكُورَ ثَمَّةَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ وَذَكَرْنَا أَنَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا وَذَكَرْنَا مَا يَسُدُّ مَسَدَّهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ لِلسُّقُوطِ فِي هَذَا كَوْنُ الْمُقْضَى دَيْنًا (يُسَمَّى مِثْلُهُ) عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ (تَنْبِيهًا عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ) فَتَسْمِيَتُهُمْ إيَّاهُ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دَيْنَ الْعِبَادِ أَصْلُ الْقِيَاسِ لَا عِلَّتُهُ «وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ هَلْ تُفْسِدُ الصَّوْمَ أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضْت بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْته أَكَانَ يُفْسِدُ» وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا بِهَذَا السِّيَاقِ مُخَرَّجًا وَقَدَّمْته بِغَيْرِهِ مُخَرَّجًا فِي بَحْثِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الْعِلَّةَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْفُوظًا فَهُوَ رِوَايَةٌ بِالْمَعْنَى فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِقَوْلِهِ وَسَأَلْته أَيْ وَالتَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ لِعُمَرَ فَهُوَ

حِينَئِذٍ مُحْتَاجٌ إلَى خَبَرٍ وَلَعَلَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَتَرَكَهُ اعْتِمَادًا عَلَى ظَنِّ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْإِيمَاءِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ لِأَنَّ الشَّارِعَ ذَكَرَ الْوَصْفَ فِي نَظِيرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَهُوَ الْمَضْمَضَةُ الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَةُ الشُّرْبِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ وَهُوَ عَدَمُ الْإِفْسَادِ دُونَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّوْمُ مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالْفَرْعُ وَهُوَ الصَّوْمُ مَعَ الْقُبْلَةِ. (وَقِيلَ لَيْسَ) هَذَا الْمِثَالُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالنَّظِيرِ قَالَهُ الْآمِدِيُّ (إذْ لَا يُنَاسِبُ كَوْنُهُ) أَيْ التَّمَضْمُضِ بِالْمَاءِ (مُقَدِّمَةً) لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ (غَيْرَ مُفْضِيَةٍ) إلَيْهِ (عَدَمُ الْفَسَادِ) لِيَكُونَ التَّمَضْمُضُ عِلَّةَ عَدَمِ إفْسَادِهِ (بَلْ) إنَّمَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْفَسَادِ (وُجُودُ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْفَسَادِ وَالتَّمَضْمُضُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ يَتَّفِقُ مَعَهُ الْفِطْرُ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ مَعَهُ (وَوُجُودُ مَا يَتَّفِقُ مَعَهُ) الْفِطْرُ تَارَةً (وَلَا يَتَّفِقُ) مَعَهُ أُخْرَى (لَا يَلْزَمُ عِلَّةً) لِلْفِطْرِ (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ النَّظِيرُ الْمَذْكُورُ (نَقْضٌ لِوَهْمِهِ) أَيْ عُمَرَ إفْسَادَ مُقَدِّمَةِ الْإِفْسَادِ كَالْإِفْسَادِ فَإِنَّ الْقُبْلَةَ مُقَدِّمَةُ الْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَمِنْهُ) أَيْ الْإِيمَاءِ (أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ بِذِكْرِ وَصْفَيْنِ كَالْمَرَاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ) غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ بِذِكْرِ وَصْفَيْنِ هُمَا الرُّجُولِيَّةُ وَالْفُرُوسِيَّةُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ الْوَصْفُ الْمُقْتَرِنُ بِهِ (أَوْ) بِذِكْرِ (أَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَصْفَيْنِ لَا غَيْرُ «كَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ» ) وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ وَإِرْثِهِ فَتَخْصِيصُ الْقَاتِلِ بِالْمَنْعِ مِنْ الْإِرْثِ (بَعْدَ ثُبُوتِ عُمُومِهِ) أَيْ الْإِرْثِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ الْقَتْلُ فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ مَنْعِ الْإِرْثِ الْمَذْكُورِ وَبَيْنَ الْإِرْثِ الْمَعْلُومِ بِوَصْفِ الْقَتْلِ الْمَذْكُورِ مَعَ مَنْعِ الْإِرْثِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الْقَتْلِ لِمَنْعِ الْإِرْثِ لَكَانَ بَعِيدًا (أَوْ) يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا (فِي ضِمْنِ غَايَةٍ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ} [البقرة: 222] {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] أَيْ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَلَا مَنْعَ مِنْ قُرْبَانِهِنَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمَنْعِ مِنْ قُرْبَانِهِنَّ فِي الْحَيْضِ وَبَيْنَ جَوَازِهِ فِي الْمُطَهِّرِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الطُّهْرِ لِلْجَوَازِ لَكَانَ بَعِيدًا. (أَوْ) فِي ضِمْنِ (اسْتِثْنَاءٍ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أَيْ الزَّوْجَاتُ عَنْ ذَلِكَ النِّصْفِ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ ثُبُوتِ النِّصْفِ لَهُنَّ وَبَيْنَ انْتِفَائِهِ عِنْدَ عَفْوِهِنَّ عَنْهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الْعَفْوِ لِلِانْتِفَاءِ لَكَانَ بَعِيدًا (أَوْ) فِي ضِمْنِ (شَرْطٍ) كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ يَدًا بِيَدٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِلَفْظِ «إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» ) وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ مَنْعِ بَيْعِ جِنْسٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَبَيْنَ جَوَازِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الِاخْتِلَافِ لِلْجَوَازِ لَكَانَ بَعِيدًا ثُمَّ هَذَا فِي هَذَا الْمِثَالِ (لَوْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ لَمْ تُوجَدْ (الْفَاءُ) فِيهِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْحُكْمِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] (عَلَى مَا قِيلَ) وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (وَذُكِرَ فِي اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ فِي) صِحَّةِ (عِلَلِ الْإِيمَاءِ) ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ الْأَوَّلُ (نَعَمْ) يُشْتَرَطُ وَلِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ الْأَحْكَامِ عَنْ الْحُكْمِ إمَّا وُجُوبًا كَالْمُعْتَزِلَةِ أَوْ تَفْضِيلًا كَغَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَحْكَامِ الشَّرْعِ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَلِ الْمُنَاسِبَةِ فَإِنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الِانْقِيَادِ وَأَفْضَى إلَيْهِ مِنْ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ فَيَلْحَقُ الْفَرْدُ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْحَكِيمِ مَا هُوَ أَفْضَى إلَى مَقْصُودِهِ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ (و) الثَّانِي (لَا) يُشْتَرَطُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ يُفْهَمُ بِدُونِهَا. (وَ) الثَّالِثُ (الْمُخْتَارُ) عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ (أَنَّ فَهْمَ التَّعْلِيلِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ) كَمَا فِيمَا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ (اُشْتُرِطَتْ) لِأَنَّ عَدَمَ الْمُنَاسَبَةِ فِيمَا الْمُنَاسَبَةُ شَرْطٌ فِيهِ تَنَاقُضٌ لِوُجُودِ الْمُنَاسَبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ شَرْطِهِ وَعَدَمُهَا بِنَاءً عَلَى الْفَرْضِ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يُفْهَمْ التَّعْلِيلُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَلْ بِغَيْرِهَا مِنْ الطُّرُقِ كَمَا فِي بَاقِي الْأَقْسَامِ (فَلَا) يُشْتَرَطُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ

يُفْهَمُ مِنْ غَيْرِهَا وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ إذْ الْفَرْضُ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا فَإِنَّ وُجُودَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْعِلِّيَّةُ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ أَمْرٍ آخَرَ لِصِحَّةِ الْعِلَّةِ وَاعْتِبَارِهَا فِي بَابِ الْقِيَاسِ. (قِيلَ) أَيْ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (وَإِنَّمَا يَصِحُّ) عَدَمُ اشْتِرَاطِهَا (إذَا أُرِيدَ بِالْمُنَاسَبَةِ ظُهُورُهَا) عِنْدَ النُّظَّارِ (وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ (فِي الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ) وَإِلَّا فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهَا (بِخِلَافِ الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ) عَنْ الْمُنَاسَبَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (عُلِمَتْ مِنْ إيمَاءِ النَّصِّ فَكَيْفَ يَفْصِلُ إلَى أَنْ تُعْلَمَ بِالْمُنَاسَبَةِ يَعْنِي فَقَطْ فَيُشْتَرَطُ) الْمُنَاسَبَةُ (أَوْ) تُعْلَمَ (لَا بِهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ (فَلَا) تُشْتَرَطُ الْمُنَاسَبَةُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ آنِفًا أَنَّهُ تَجِبُ الْمُنَاسَبَةُ فِي الْوَصْفِ الْمُومَأ إلَيْهِ مِنْ الشَّارِعِ دُونَ غَيْرِهِ وَذَكَرْنَا أَنَّ السُّبْكِيَّ عَزَاهُ مِنْ الشَّارِعِ إلَى الْفُقَهَاءِ دُونَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ أَوْجَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَ) الْمَسْلَكُ (الرَّابِعُ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ حَصْرُ الْأَوْصَافِ) الْمَوْجُودَةِ فِي الْأَصْلِ الصَّالِحَةِ لِلْعِلِّيَّةِ ظَاهِرًا فِي عَدَدٍ (وَيَكْفِي) الْمُسْتَدِلُّ الْمُنَاظِرُ فِي حَصْرِهَا الْمُتَأَهِّلُ لِلنَّظَرِ بِأَنْ كَانَتْ مَدَارِكُ الْمَعْرِفَةِ بِوُجُودِ ذَلِكَ الْوَصْفِ مُتَحَقِّقَةً عِنْدَهُ مِنْ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَكَانَ عَدْلًا ثِقَةً صَادِقًا غَالِبًا فِيمَا يَقُولُهُ (عِنْدَ مَنْعِهِ) أَيْ حَصْرِهَا مِنْ الْمُعْتَرِضِ أَنْ يَقُولَ (بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ) مَا يَصْلُحُ لِلْعَلِيَّةِ غَيْرَهَا وَيُصَدَّقُ فِيهِ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ وَأَهْلِيَّتَهُ لِلنَّظَرِ مِمَّا يُغَلِّبُ ظَنَّ عَدَمِ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْعَقْلِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ مِمَّا لَوْ كَانَتْ لَمَا خَفِيَتْ عَلَى الْبَاحِثِ عَنْهَا (أَوْ) يَقُولُ (الْأَصْلُ الْعَدَمُ) أَيْ عَدَمُ غَيْرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي وَجَدْتهَا فَلَا نُثْبِتُ وُجُودَ غَيْرِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَإِنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ الظَّنُّ الْمَقْصُودُ فِي إثْبَاتِ عِلِّيَّةِ أَحَدِهِمَا أَيْضًا فَيَنْدَفِعُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ عِنْدَ مَنْعِ الْحَصْرِ (ثُمَّ حَذْفُ بَعْضِهَا) أَيْ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ مَا سِوَى أَنَّ الْمُدَّعَى عِلَّةٌ لِعَدَمِ صَلَاحِهِ لَهَا حَقِيقَةً وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى حَصْرٍ (فَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي) بَعْدَ الْحَذْفِ لِلْعِلِّيَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ السَّبْرَ اخْتِبَارُ الْوَصْفِ هَلْ يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ أَوْ لَا وَالتَّقْسِيمُ هُوَ أَنَّ الْعِلَّةَ إمَّا كَذَا وَإِمَّا كَذَا فَقَدْ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَدَّمَ التَّقْسِيمَ فِي اللَّفْظِ لِكَوْنِهِ مُتَقَدِّمًا فِي الْخَارِجِ إلَّا أَنَّ اللَّقَبَ لِهَذَا الْمَسْلَكِ عِنْدَهُمْ هَكَذَا وَقَعَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ. (تَنْبِيهٌ) وَقَدْ يَتَّفِقُ الْمُتَنَاظِرَانِ عَلَى إبْطَالِ عِلِّيَّةِ مَا عَدَا وَصْفَيْنِ مِنْ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي أَيِّهِمَا الْعِلَّةُ فَيَكْفِي الْمُسْتَدِلُّ التَّرْدِيدَ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى ضَمِّ مَا عَدَاهُمَا إلَيْهِمَا فَنَقُولُ الْعِلَّةُ إمَّا ذَا أَوْ ذَاكَ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ ذَاكَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَا (وَلَوْ أَبْدَى) الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا (آخَرَ) لَمْ يُكَلَّفْ بَيَانَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّعْلِيلِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْحَصْرِ بِإِبْدَائِهِ كَافٍ فِي الِاعْتِرَاضِ وَهَلْ يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ (فَالْمُخْتَارُ لَا يَنْقَطِعُ) الْمُسْتَدِلُّ بَلْ عَلَيْهِ دَفْعُهُ بِإِبْطَالِ التَّعْلِيلِ بِهِ (إلَّا إنْ لَمْ يُبْطِلْهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْوَصْفِ الْمُبْدَى عِلَّةً فَإِنَّ عَجْزَهُ عَنْ إبْطَالِهِ انْقِطَاعٌ لَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَنْقَطِعُ بِمُجَرَّدِ الْمَنْعِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (لَمْ يَدَّعِ الْحَصْرَ قَطْعًا) بَلْ ظَنًّا وَلِهَذَا يَكْفِيهِ كَمَا سَيَذْكُرُ أَنْ يَقُولَ مَا وَجَدْت بَعْدَ الْفَحْصِ غَيْرَ هَذَا الْوَصْفِ أَوْ ظَنَنْت عَدَمَ هَذَا الْوَصْفِ وَيَصْدُقُ فِيهِ فَيَكُونُ كَالْمُجْتَهِدِ إذَا ظَهَرَ لَهُ مَا كَانَ خَافِيًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إذْ الْمُنَاظِرُ تِلْوَ النَّاظِرِ وَلَا مَعْنَى لِلْمُنَاظَرَةِ إلَّا إظْهَارُ مَأْخَذِ الْحُكْمِ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ الْعِلَّةُ إلَّا الْوَصْفَ الْفُلَانِيَّ يَجِبُ إتْبَاعُ الظَّنِّ ثُمَّ غَايَةُ إبْدَاءِ الْمُعْتَرِضِ وَصْفًا آخَرَ مَنَعَ مُقَدِّمَةً مِنْ مُقَدَّمَاتِ دَلِيلِهِ وَمُقْتَضَى الْمَنْعِ لُزُومُ الدَّلَالَةِ لِلْمُسْتَدِلِّ عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ لَا الِانْقِطَاعُ وَإِلَّا كَانَ كُلُّ مَنْعٍ قَطْعًا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى خِلَافِهِ. (وَيَكْفِيهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ إذَا مَنَعَ الْمُعْتَرِضُ الْحَصْرَ بِإِبْدَاءِ وَصْفٍ آخَرَ وَأَبْطَلَهُ أَنْ يَقُولَ (عَلِمْته وَلَمْ أُدْخِلْهُ) فِي حَصْرِي (لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ) لِلْعِلِّيَّةِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي إبْطَالِ عِلِّيَّتِهِ إلَى دَلِيلٍ وَإِذَا أَبْطَلَ الْمُسْتَدِلُّ الْوَصْفَ الْمُظْهَرَ فَقَدْ سَلِمَ حَصْرُهُ الْمَذْكُورُ فَلَمْ يَنْقَطِعْ بَلْ يَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ وَقِيلَ يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُعْتَرِضِ وَصْفًا زَائِدًا عَلَى الْحَصْرِ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَصْرًا ظَهَرَ بُطْلَانُهُ وَقَدْ عَرَفْت جَوَابَهُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَنْقَطِعُ إنْ كَانَ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ مُسَاوِيًا فِي الْعِلِّيَّةِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي حَصْرِهِ وَأَبْطَلَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذِكْرُ الْمَذْكُورِ وَإِبْطَالُهُ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الْمَسْكُوتِ

وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَلَا انْقِطَاعَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مُخَيَّلًا أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْته وَأَبْطَلْته اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ مُسْتَدِلًّا لِغَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ نَاظِرًا بِنَفْسِهِ يَرْجِعُ فِي حَصْرِ الْأَوْصَافِ إلَى ظَنِّهِ فَيَأْخُذَ بِهِ وَلَا يُكَابِرَ نَفْسَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْحَصْرِ وَالْإِبْطَالِ قَطْعِيًّا فَهَذَا الْمَسْلَكُ قَطْعِيٌّ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ظَنِّيًّا فَهُوَ ظَنِّيٌّ ثُمَّ حُكِيَ فِي الظَّنِّيِّ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ وَالْمُنَاظِرِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّيِّ وَعَزَاهُ السُّبْكِيُّ إلَى الْأَكْثَرِ ثَانِيهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا لِجَوَازِ بُطْلَانِ الْبَاقِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ ثَالِثُهَا حُجَّةٌ لَهُمَا إنْ أُجْمِعَ عَلَى تَعْلِيلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ حَذَرًا مِنْ أَدَاءِ بُطْلَانِ الْبَاقِي إلَى خَطَأِ الْمُجْمِعِينَ وَعَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَابِعُهَا حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ لَا الْمُنَاظِرِ لِأَنَّ ظَنَّهُ لَا يَقُومُ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ ثُمَّ إذْ لَا بُدَّ لِلْمَحْذُوفِ مِنْ طَرِيقٍ يُفِيدُ عَدَمَ عِلِّيَّتِهِ وَقَدْ نُوِّعَ إلَى أَرْبَعَةٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَطُرُقُ الْحَذْفِ بَيَانُ إلْغَائِهِ) أَيْ الْمَحْذُوفِ (بِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْبَاقِي فَقَطْ فِي مَحَلٍّ) آخَرَ (فَلَزِمَ) مِنْ هَذَا (اسْتِقْلَالُهُ) أَيْ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ مَعَهُ (وَعَدَمُ جُزْئِيَّةِ الْمُلْغِي) لِلْعِلِّيَّةِ أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ مَدْخَلٌ فِيهَا لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهَا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِإِلْغَاءِ الْمَحْذُوفِ هَذَا بَلْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَحْذُوفُ عِلَّةً لَانْتَفَى الْحُكْمُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ وَحَيْثُ لَمْ يَنْتَفِ الْحُكْمُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَحْذُوفِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ فَلَا يَكُونُ الْمَحْذُوفُ عِلَّةً (فَهُوَ) أَيْ الْإِلْغَاءُ حِينَئِذٍ (الْعَكْسُ) وَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ نَفْيُ عِلِّيَّةِ الْمَحْذُوفِ بِالْإِلْغَاءِ وَهُوَ نَفْيُهَا بِنَفْيِ عَكْسِهَا الْمَبْنِيِّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَكْسِ وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ. (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الْمَحَلَّ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ الْحُكْمُ بِالْمُسْتَبْقَى لَا غَيْرُ (أَصْلٌ آخَرَ) لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ غَيْرِهِمَا وَحِينَئِذٍ (فَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَصْلِ الْآخَرِ مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّهُ (يُسْقِطُ مُؤْنَةَ الْحَذْفِ) أَيْ الْإِلْغَاءِ اللَّازِمَةِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ ذِكْرُهُ تَطْوِيلًا بِلَا فَائِدَةٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَبِيحٌ فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ وَهَذَا بَحْثٌ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَمِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى رِبَوِيَّةِ الذُّرَةِ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ عِلَّةُ الرِّبَا فِي الْبُرِّ أَمَّا الطَّعْمُ أَوْ الْقُوتُ أَوْ الْكَيْلُ وَالْقُوتُ بَاطِلٌ لِثُبُوتِ الرِّبَا فِي الْمِلْحِ وَلَا قُوتَ فَيَقُولَ الْمُعْتَرِضُ فَقِسْ عَلَى الْمِلْحِ ابْتِدَاءً تَسْتَغْنِ عَنْ ذِكْرِ الْبُرِّ وَإِبْطَالُ عِلِّيَّةِ وَصْفِ الْقُوتِ فِيهِ (وَبَعُدَ أَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ (مُشَاحَّةٌ لَفْظِيَّةٌ) لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا تَفَاوُتٍ قَدْ لَا يَسْتَمِرُّ سُقُوطُ الْمُؤْنَةِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ إذْ (قَدْ تَكُونُ أَوْصَافُهُ) أَيْ الْأَصْلِ الْآخَرِ كَالْمِلْحِ (أَكْثَرَ) مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ كَالْبُرِّ فَيُحْتَاجُ فِي إبْطَالِ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ مِنْهَا بِطَرِيقَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبُرِّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَلَامِ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ مِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ (وَكَوْنِهِ) بِالْجَرِّ أَيْ وَيَكُونُ الْوَصْفُ الْمَحْذُوفُ طَرْدِيًّا أَعْنِي (مِمَّا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْإِرْثِ وَالْعِتْقِ وَالْقِصَاصِ وَغَيْرِهَا فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ حُكْمٌ أَصْلًا. وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الثَّانِي مِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ (أَوْ) كَوْنِ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ مِمَّا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ (فِي ذَلِكَ) الْحُكْمِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي غَيْرِهِ (كَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ) فَإِنَّ الشَّارِعَ وَإِنْ اعْتَبَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِمَامَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَالْإِرْثِ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَلْغَاهُ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ مِنْ السِّرَايَةِ وَوُجُوبِ السِّعَايَةِ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الثَّالِثُ مِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ (وَأَنْ لَا يَظْهَرَ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ (مُنَاسَبَةٌ) بَيْنَ الْمَحْذُوفِ وَذَلِكَ الْحُكْمِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهَا (وَيَكْفِي) لِلْمُسْتَدِلِّ الْمُنَاظِرِ أَنْ يَقُولَ (بَحَثْت) عَنْ مُنَاسَبَةِ الْمَحْذُوفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ (فَلَمْ أَجِدْهَا) وَيُصَدَّقُ فِيهِ لِأَنَّهُ عَدْلٌ أَهْلٌ لِلنَّظَرِ يُخْبِرُ عَمَّا لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا خَبَرُهُ لِأَنَّ وِجْدَانَهُ لَهُ وِجْدَانِيٌّ فَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ إلَّا نَفْسُهُ وَعَدَمُ الْوِجْدَانِ دَالٌّ عَلَى عَدَمِهِ ظَنًّا أَوْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَلَزِمَ حَذْفُهُ مِنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الرَّابِعُ مِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ. (فَإِنْ قَالَ) الْمُعْتَرِضُ (الْبَاقِي كَذَلِكَ) أَيْ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِأَنِّي بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ لَهُ مُنَاسَبَةً (تَعَارَضَا) أَيْ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ وَوَصْفُ الْمُعْتَرِضِ إذْ الْحُكْمُ بِعِلِّيَّةِ الْمُسْتَبْقَى وَعَدَمِ عِلِّيَّةِ الْمَحْذُوفِ بِحُكْمٍ بَاطِلٌ حِينَئِذٍ

وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ فِي جَوَابِهِ لِمَا يُذْكَرُ فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالتَّعَارُضِ. (وَوَجَبَ التَّرْجِيحُ) عَلَى الْمُسْتَدِلِّ لِوَصْفِهِ الْحَاصِلِ مِنْ سَبْرِهِ عَلَى الْوَصْفِ الْحَاصِلِ مِنْ سَبْرِ الْمُعْتَرِضِ وَإِنَّمَا لَمْ يُوجَبُ عَلَى الْمُعَلِّلِ بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ (إذْ لَوْ أَوْجَبْنَا بَيَانَهَا عَلَى الْمُعَلِّلِ انْتَقَلَ) مِنْ طَرِيقِ السَّبْرِ (إلَى الْإِخَالَةِ) إذْ هِيَ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ بِإِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ انْقِطَاعٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الِانْتِشَارِ الْمَحْذُورِ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا اخْتَلَفَ حَالُهُ) أَيْ الْمُعَلِّلِ (بِحَقِيقَةِ الْمُعَارَضَةِ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ (فَكَأَنَّهُ) أَيْ التَّعْلِيلَ (ابْتِدَاءٌ) فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ (مَعَ أَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ أَعْنِي كَوْنَهُ مَمْنُوعًا مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ السَّبْرِ إلَى الْإِخَالَةِ حَتَّى كَانَ بِالِانْتِقَالِ مُنْقَطِعًا فِي عُرْفِهِمْ طَرِيقَةٌ (تَحْسِينِيَّةٌ) مِنْهُمْ كَيْ لَا يَخْلُوَ الْمَجْلِسُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَإِلَّا فَفِي الْعَقْلِ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ طَرِيقٍ إلَى آخَرَ وَهَلُمَّ جَرًّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ مَا عَيَّنَهُ حَتَّى يَعْجِزَ عَنْ إثْبَاتِهِ وَإِنَّمَا الِانْقِطَاعُ بِدَلِيلِ الْعَجْزِ كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْأُسُولَةِ. (وَلَهُ) أَيْ الْمُعَلِّلِ التَّرْجِيحُ لِلْوَصْفِ الْحَاصِلِ مِنْ سَبْرِهِ (بِالتَّعَدِّي وَكَثْرَةِ الْفَائِدَةِ) فَيَقُولُ: سَبْرِي مُوَافِقٌ لِلتَّعْدِيَةِ فَإِنَّ الْوَصْفَ الَّذِي اسْتَبْقَيْته بِسَبْرِي مُتَعَدٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَسَبْرُك مُوَافِقٌ لِعَدَمِ التَّعْدِيَةِ فَيَكُونُ وَصْفُك قَاصِرًا وَمَا يُوَافِقُ التَّعْدِيَةَ رَاجِحٌ إمَّا لِعُمُومِ الْحُكْمِ وَكَثْرَةِ الْفَائِدَةِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَالْقَاصِرُ مُخْتَلِفًا فِيهِ أَوْ لِجَمِيعِ ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْت عُلِمَ بِمَا ذُكِرَ) فِي هَذَا الطَّرِيقِ (اشْتِرَاطُ مُنَاسَبَتِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى (فَلَمْ لَمْ تَتَّفِقْ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى قَبُولِهِ قُلْنَا يَجِبُ عَلَى أُصُولِهِمْ نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ قَبُولِهِ (وَإِنْ رَضِيَهُ الْجَصَّاصُ وَالْمَرْغِنَانِيّ) مِنْهُمْ (لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ نَفْيِ غَيْرِهِ) أَيْ حَذْفِهِ (لَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُهُ بِظُهُورِ التَّأْثِيرِ وَالْمُلَاءَمَةِ) فَظُهُورُ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ عِلَّةً عِنْدَهُمْ نَعَمْ كَمَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الْحَصْرُ وَالْإِبْطَالُ لِلْبَعْضِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَقْبُولًا عِنْدَنَا أَيْضًا لَكِنْ مِثْلُ هَذَا يَكُونُ إثْبَاتًا لِلْعِلِّيَّةِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فِي الْحَقِيقَةِ دُونَ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ فَيَرْجِعَانِ إلَيْهِمَا (فَلِذَا) أَيْ عَدَمُ ثُبُوتِ اعْتِبَارِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ (رَدَّهُ) أَيْ رَجَّعَهُ (مَنْ قَبِلَهُ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ) وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (إلَى النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ قَالَ) هَذَا الْمُتَأَخِّرُ (أَوْ الْمُنَاسَبَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَفِيهِ) أَيْ رَدِّهِ إلَيْهِ (نَظَرٌ إذْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةَ (لَا تَسْتَلْزِمُ التَّأْثِيرَ وَشَرْطُهُ) أَيْ التَّأْخِيرِ (فِي بَيَانِ الْحَصْرِ أَنْ يَثْبُتَ عَدَمُ عِلِّيَّةِ غَيْرِ الْمُسْتَبْقَى بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ النَّصُّ لَا يُوجِبُ كَوْنَهَا) أَيْ عِلِّيَّةِ الْمُسْتَبْقَى (ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَعَ الْقَطْعِ بِالْحَذْفِ وَالْحَصْرِ وَلَيْسَ) الْقَطْعُ بِهِمَا (بِلَازِمٍ لِلشَّافِعِيَّةِ بَلْ رُتْبَتُهُ) أَيْ ثُبُوتُ الْعِلِّيَّةِ لِلْمُسْتَبْقَى (الْإِخَالَةُ فَالْخِلَافُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِهَا بِهَا (ثَابِتٌ) فِي ثُبُوتِهَا بِالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَ) الْمَسْلَكُ (الْخَامِسُ الدَّوَرَانُ) وَيُسَمَّى الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ (نَفَاهُ) أَيْ كَوْنَهُ مَسْلَكًا مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (الْحَنَفِيَّةُ وَمُحَقِّقُو الْأَشَاعِرَةِ) كَابْنِ السَّمْعَانِيِّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (وَالْأَكْثَرُ نَعَمْ) هُوَ مَسْلَكٌ مِنْ مَسَالِكِهَا. (ثُمَّ قِيلَ يُفِيدُ ظَنًّا) وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعِهِ وَشُغِفَ بِهِ عِرَاقِيُّو الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ وَاخْتَارَهُ وَقَالَ وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْجَدَلِيِّينَ. (وَقِيلَ قَطْعًا) وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَنَا أَقُولُ لَعَلَّ مَنْ ادَّعَى الْقَطْعَ فِيهِ مِمَّنْ يَشْتَرِطُ ظُهُورَ الْمُنَاسَبَةِ فِي قِيَاسِ الْعِلَلِ مُطْلَقًا وَلَا يَكْتَفِي بِالسَّبْرِ وَلَا بِالدَّوَرَانِ بِمُجَرَّدِهِ عَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا فَإِذَا انْضَمَّ الدَّوَرَانُ إلَى هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ رُقِّيَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إلَى الْيَقِينِ وَإِلَّا فَأَيُّ وَجْهٍ لِتَخَيُّلِ الْقَطْعِ فِي مُجَرَّدِ الدَّوْرَانِ انْتَهَى (وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ لِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الدَّوَرَانِ (قِيَامَ النَّصِّ فِي حَالَيْ وُجُودِ الْوَصْفِ وَعَدَمِهِ) وَلَا حُكْمَ لِلنَّصِّ بِأَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْوَصْفِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْحُكْمَ لِوُجُودِ عِلَّةِ النَّصِّ لَا لِصُورَةِ النَّصِّ (كَالْوُضُوءِ وَجَبَ لِلْقِيَامِ) إلَى الصَّلَاةِ حَالَ كَوْنِ الْقَائِمِ (مُحْدِثًا وَلَمْ يَجِبْ) الْوُضُوءُ (لَهُ) أَيْ لِلْقِيَامِ (دُونَهُ) أَيْ الْحَدَثِ أَيْ قَالُوا كَوُجُوبِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ مُعَلَّلٌ بِالْحَدَثِ وَقَدْ دَارَ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ الْحَدَثِ بِلَا قِيَامٍ إلَى الصَّلَاةِ وَغَيْرُ وَاجِبٍ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا بِلَا حَدَثٍ وَالنَّصُّ مَوْجُودٌ فِي حَالِ وُجُودِ الْحَدَثِ وَحَالِ عَدَمِهِ وَلَا حُكْمَ لِلنَّصِّ لِأَنَّ

النَّصَّ يُوجِبُ أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ الْقِيَامُ وَجَبَ الْوُضُوءُ وَكُلَّمَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَجِبْ أَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْعَدَمُ وَمُوجِبُ النَّصِّ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالَيْنِ أَمَّا حَالُ عَدَمِ الْحَدَثِ فَإِنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يُوجِبُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْقِيَامُ مَعَ عَدَمِ الْحَدَثِ يَجِبُ الْوُضُوءُ وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَالِ عَدَمِ الْحَدَثِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ إنَّمَا هُوَ مَعَ الْحَدَثِ إذَا قَامَ إلَيْهَا. وَأَمَّا حَالُ وُجُودِ الْحَدَثِ فَلِأَنَّهُ يَنْبَغِي عَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ إذَا لَمْ يَقُمْ إلَيْهَا أَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ فَلِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَدْلُولُ النَّصِّ. وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَكِنْ جُعِلَ هَذَا الْحُكْمُ حُكْمَ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَجَازًا تَعْبِيرًا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُسْتَنِدِ إلَى النَّصِّ عَنْ مُطْلَقِ عَدَمِ الْوُجُوبِ وَإِلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَمُقْتَضَى النَّصِّ الْوُجُوبُ) أَيْ وُجُوبُ الْوُضُوءِ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ عَدَمِ الْحَدَثِ (كَمَا) مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْوُضُوءِ عَلَى الْقَائِمِ إلَيْهَا (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْحَدَثِ (وَالْقَضَاءُ غَضْبَانَ بِلَا شَغْلِ بَالٍ) بِأَنْ لَا يَكُونَ غَضَبًا شَدِيدًا (جَائِزٌ وَالنَّصُّ) أَيْ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» الْمُفِيدُ حُرْمَةُ الْقَضَاءِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ (قَائِمٌ) لِوُجُودِ الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَقَضَاؤُهُ غَيْرَ غَضْبَانَ لَكِنْ مَشْغُولَ الْقَلْبِ بِنَحْوِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ مُفْرِطَيْنِ أَوْ وَجَعٍ شَدِيدٍ أَوْ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ حَرَامٌ وَالنَّصُّ قَائِمٌ أَيْضًا مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ الَّذِي هُوَ إبَاحَةُ الْقَضَاءِ إمَّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَوْ بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ النُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْقَضَاءِ وَيُجْعَلُ مِنْ حُكْمِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَجَازًا وَقَدْ أَجْحَفَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الِاخْتِصَارِ هُنَا لِعَدَمِ إفَادَةِ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَلَا دَلِيلَ لَهُ) أَيْ لِهَذَا الشَّارِطِ هَذَا الشَّرْطَ (غَيْرَ الْوُجُودِ) فِي هَذَيْنِ (وَمَنَعَ) الْوُجُودَ فِيهِمَا (بِأَنَّ مُرَادَهُ) تَعَالَى وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ (وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ) كَمَا هُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي بَدَلِهِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَالنَّصُّ فِي الْبَدَلِ نَصٌّ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ بِسَبَبِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَدَلًا عَنْهُ بَلْ كَانَ وَاجِبًا ابْتِدَاءً بِسَبَبٍ آخَرَ فَكَانَ النَّصُّ مُقَيَّدًا بِالْحَدَثِ وَمُفِيدًا وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِشَرْطِ وُجُودِ الْحَدَثِ بَلْ وَدَافِعًا كَوْنَ عِلَّةِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ الْحَدَثَ فَلَمْ يُوجَدْ قِيَامُ النَّصِّ بِدُونِ الْحُكْمِ حَالَ عَدَمِ الْوَصْفِ. (وَ) بِأَنَّ (الشُّغْلَ) لِلْقَلْبِ (لَازِمٌ) لِلْغَضَبِ فَلَا يُوجَدَ الْغَضَبُ بِدُونِهِ وَإِنْ قَلَّ الْغَضَبُ فَلَا يُتَصَوَّرُ لَهُ فَرَاغُ الْقَلْبِ مَا دَامَ غَضْبَانَ فَلَمْ يُوجَدْ عَدَمُ الْحُكْمِ فِي حَالِ وُجُودِ الْوَصْفِ وَقِيَامِ النَّصِّ (فَالنَّصُّ عَلَى ظَاهِرِهِ) وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِنْ حُكْمِ هَذَا النَّصِّ حِلَّ الْقَضَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْغَضَبِ أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلنَّصِّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ. وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ فَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَثْبُتَ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ وَهُمْ قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَحِلُّ عِنْدَ شُغْلِ الْقَلْبِ بِغَيْرِ الْغَضَبِ أَيْضًا فَثَبَتَ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فَلَا يَكُونُ النَّصُّ حِينَئِذٍ دَالًّا عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ أَيْضًا وَالْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ لَيْسَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِنَصٍّ شَرْعِيٍّ فَذَلِكَ النَّصُّ وَالنُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ لَيْسَتْ النَّصَّ الْمُحَرِّمَ لِلْقَضَاءِ غَضْبَانَ وَلَا مُصَحِّحَ لِجَعْلِ الْإِبَاحَةِ مِنْ حُكْمِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَجَازًا فَلَيْسَ النَّصُّ الْمُحَرِّمُ لِلْقَضَاءِ غَضْبَانَ فِي حَالِ عَدَمِ الْغَضَبِ قَائِمًا إذْ لَيْسَ مَعْنَى قِيَامِ النَّصِّ وَلَا حُكْمَ لَهُ إلَّا أَنْ يَقْتَضِيَ النَّصُّ الْحُكْمَ مَعَ عَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ لَا قِيَامَهُ فِي الْوَاقِعِ فَبَطَلَ دَعْوَى قِيَامِ النَّصِّ فِي الْحَالَيْنِ (النَّافُونَ) لِكَوْنِ الدَّوَرَانِ مَسْلَكًا صَحِيحًا مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (قَالُوا تَحَقَّقَ انْتِفَاؤُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (مَعَ وُجُودِهِ) أَيْ الدَّوَرَانِ (فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ) كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْفَوْقِيَّةِ وَالتَّحْتِيَّةِ فَإِنَّهُ كُلَّمَا تَحَقَّقَ أَحَدُهُمَا تَحَقَّقَ الْآخَرُ وَكُلَّمَا انْتَفَى انْتَفَى وَلَا عِلِّيَّةَ وَلَا مُعْلَوْلِيَةَ بَيْنَهُمَا بِالِاتِّفَاقِ (وَ) فِي (غَيْرِهِمَا) أَيْ الْمُتَضَايِفَيْنِ (كَالْحُرْمَةِ مَعَ رَائِحَةِ الْمُسْكِرِ) الْمَخْصُوصَةِ اللَّازِمَةِ لَهُ فَإِنَّهَا تُوجَدُ مَعَهَا وَتَزُولُ بِزَوَالِهَا (وَلَيْسَتْ) الرَّائِحَةُ (الْعِلَّةَ) لِلْحُرْمَةِ (وَلَوْ انْتَفَتْ إلَى نَفْيِ غَيْرِهِ) أَيْ الْمَدَارِ (بِالْأَصْلِ) بِأَنْ قِيلَ الْأَصْلُ عَدَمُ الْغَيْرِ (أَوْ السَّبْرِ خَرَجَ) كَوْنُ الْمَدَارِ عِلَّةً (عَنْهُ) أَيْ عَنْ ثُبُوتِهِ بِالدَّوَرَانِ. (وَيُدْفَعُ) هَذَا الدَّلِيلُ (بِأَنَّهُ) أَيْ انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ (فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي

الْمُتَضَايِفَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (لِمَانِعٍ) مِنْ الْعِلِّيَّةِ (كَمَا تَبَيَّنَ) قَرِيبًا وَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ وَالتَّخَلُّفُ لِمَانِعٍ غَيْرُ قَادِحٍ (فَلَا يَنْفِي) انْتِفَاؤُهَا لِمَانِعٍ (ظَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (إذَا تَجَرَّدَ) الدَّوَرَانُ (عَنْهُ) أَيْ الْمَانِعِ (وَالْكَلَامُ فِيهِ) أَيْ فِي الدَّوَرَانِ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْمَانِعِ وَقَالَ (الْغَزَالِيُّ) مَنْ نَفَى كَوْنَ الدَّوَرَانِ مَسْلَكًا صَحِيحًا مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ الْمُفِيدِ لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ إذَا فُرِضَتْ إفَادَةُ الدَّوَرَانِ لَهُ إمَّا الِاطِّرَادُ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْعَكْسِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ إذْ (الِاطِّرَادُ عَدَمُ النَّقْضِ) إذْ حَاصِلُ الِاطِّرَادِ أَنْ لَا يُوجَدَ الْوَصْفُ فِي صُورَةٍ بِدُونِ الْحُكْمِ وَوُجُودُهُ بِدُونِ الْحُكْمِ هُوَ النَّقْضُ إذْ مَعْنَاهُ إظْهَارُ الْوَصْفِ بِدُونِ الْحُكْمِ وَالنَّقْضُ أَحَدُ مُفْسِدَاتِ الْعِلَّةِ وَالسَّلَامَةُ عَنْ مُفْسِدٍ وَاحِدٍ لَا تُوجِبُ انْتِفَاءَ كُلِّ مُفْسِدٍ وَلَا يَنْتَفِي الْفَسَادُ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا بِانْتِفَاءِ كُلِّ مُفْسِدٍ عَلَى أَنَّ انْتِفَاءَ كُلِّ مُفْسِدٍ لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْعِلِّيَّةِ إذْ عَدَمُ الْمَانِعِ وَحْدَهُ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً مُقْتَضِيَةً فَلَا بُدَّ لِصِحَّتِهَا مِنْ مُقْتَضٍ لَهَا (فَأَيْنَ الْمُقْتَضِي لِلْعِلِّيَّةِ أَوَّلًا. وَأَمَّا الِانْعِكَاسُ فَلَيْسَ شَرْطًا لَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (وَلَا لَازِمًا) لَهَا (أُجِيبَ الْمُدَّعِي) وَهُوَ الْعِلِّيَّةُ ثَابِتٌ (بِالْمَجْمُوعِ) مِنْ الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ (لَا بِبَعْضِهِ) أَيْ الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إفَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْعِلِّيَّةَ عَدَمُ إفَادَتِهِمَا إذْ قَدْ يَكُونُ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ مِنْ الْأَثَرِ مَا لَا يَكُونُ لِكُلِّ جُزْءٍ كَمَا فِي أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ بَعْضِ الْعِلَلِ مُطَّرِدَةً مُنْعَكِسَةً اشْتِرَاطُ الِانْعِكَاسِ فِي الْعِلَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ غَايَتُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي مَسْلَكُهَا الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ تَكُونُ مَشْرُوطَةً بِذَلِكَ وَلَا فَسَادَ فِيهِ (الْقَاطِعُونَ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الدَّوَرَانَ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ قَطْعًا قَالُوا (إذَا وَقَعَ الدَّوَرَانُ وَعُلِمَ انْتِفَاءُ مَانِعِ الْمَعِيَّةِ فِي التَّضَايُفِ) لِأَنَّ الْمُتَضَايِفَيْنِ يُوجَدَانِ مَعًا (وَ) انْتِفَاءُ مَانِعٍ (عُدِمَ التَّأْثِيرُ) أَيْ الْقَطْعُ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ (كَالشَّرْطِ الْمُسَاوِي) أَيْ كَعِلِّيَّةِ الشَّرْطِ الْمُسَاوِي لِمَشْرُوطِهِ وَقُيِّدَ بِهِ لِيَتَحَقَّقَ الطَّرْدُ أَعْنِي الدَّوَرَانَ وُجُودًا وَعَدَمًا إذْ مَعَ الْأَعَمِّ لَا يَلْزَمُ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ (وَ) انْتِفَاءُ مَانِعِ (التَّأْخِيرِ فِي الْمَعْلُولِيَّةِ) إذْ شَرْطُ الْمَعْلُولِ التَّأَخُّرُ عَنْ عِلَّتِهِ وَهَذَا مَا وَعَدَ بِبَيَانِهِ (قَطَعَ بِهَا) أَيْ بِالْعِلِّيَّةِ (لِلْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ) أَيْ لِقَطْعِهَا (فِيمَنْ تَكَرَّرَ دَوَرَانُ غَضَبِهِ عَنْ اسْمٍ) إذَا ذُكِرَ لَهُ وَعُدِمَ غَضَبُهُ إذَا لَمْ يُذْكَرْ لَهُ أَنَّ سَبَبَ غَضَبِهِ ذِكْرُ ذَلِكَ الِاسْمِ (حَتَّى عَلِمَهُ مَنْ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ لِلنَّظَرِ كَالصِّبْيَانِ) حَتَّى إذَا قَصَدُوا إغْضَابَهُ اتَّبَعُوهُ فِي الطُّرُقِ وَدَعَوْهُ بِهِ. (أُجِيبَ بِأَنَّ النِّزَاعَ) إنَّمَا هُوَ (فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِمُجَرَّدِهِ) وَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمِثَالِ مَمْنُوعٌ بَلْ غَايَتُهُ حُصُولُ الظَّنِّ عِنْدَهُ (وَالظَّنُّ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الدَّوَرَانِ إنَّمَا هُوَ (مَعَ غَيْرِهِ مِنْ التَّكَرُّرِ لَا) أَنَّ الظَّنَّ عِنْدَ الدَّوَرَانِ مَعَ (عَدَمِهِ) أَيْ الْغَيْرِ (بِعَدَمِ وُجْدَانِهِ) أَيْ الْغَيْرِ (مَعَ الْبَحْثِ عَنْهُ) أَيْ الْغَيْرِ (فَضْلًا عَنْ الْعِلْمِ) فَلَا يُفِيدُ بِمُجَرَّدِهِ عِلْمًا وَلَا ظَنًّا وَقَدْ انْدَرَجَ فِي هَذَا دَلِيلُ الظَّنِّ وَجَوَابُهُ (وَدُفِعَ) هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ إنْكَارُ حُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ فَضْلًا عَنْ الظَّنِّ (إنْكَارٌ لِلضَّرُورِيَّاتِ وَقَدْحٌ فِي التَّجْرِيبِيَّاتِ فَإِنَّ الْأَطْفَالَ يَقْطَعُونَ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ مُفِيدًا لِلْعِلِّيَّةِ (بِلَا أَهْلِيَّةِ اسْتِدْلَالٍ) بِالْبَحْثِ وَالْأَصْلِ وَنَحْوِهِمَا وَلَوْلَا أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَمَا عَلِمُوهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا الضَّرُورِيَّاتِ بَلْ وَأَهْلُ النَّظَرِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَادَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ أَنَّ دَوَرَانَ الشَّيْءِ مَعَ الشَّيْءِ أَنَّهُ كَوْنُ الْمَدَارِ عِلَّةَ الدَّائِرِ (وَيُجَابُ بِأَنَّ مِثْلَهُ) أَيْ الدَّوَرَانِ (يَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ لِغَيْرِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمَصَالِحِ) وَهُوَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ فِيهَا دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّةِ (أَمَّا هِيَ) أَيْ الْأَحْكَامُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ الْجَائِزِ اخْتِلَافُهَا بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ (فَلَا بُدَّ فِي بَيَانِ عِلَلِهَا مِنْ مُنَاسَبَةٍ أَوْ اعْتِبَارٍ مِنْ الشَّارِعِ إذْ فِي الْقَوْلِ) بِإِثْبَاتِ الْعِلَّةِ (بِالطَّرْدِ فَتْحُ بَابِ الْجَهْلِ) لِأَنَّ نِهَايَةَ الطَّرْدِ الْجَهْلُ بِوُجُودِ الْمُعَارِضِ وَالْمُنَاقِضِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لِهَذَا الْوَصْفِ مُعَارِضٌ وَلَا مُنَاقِضٌ أَصْلًا بَلْ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنْ يَقُولَ مَا وَجَدْت لَهُ مُعَارِضًا وَلَا مُنَاقِضًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الطَّرْدُ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ. (وَ) فَتْحُ بَابِ (التَّصَرُّفِ فِي الشَّرْعِ) بِالرَّأْيِ فِي الْقَوَاطِعِ وَإِذَا انْتَهَى التَّصَرُّفُ فِي الشَّرْعِ إلَى هَذَا الْمُنْتَهَى كَانَ ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً بِقَوَاعِدِ الدِّينِ وَتَطْرِيقًا لِكُلِّ قَائِلٍ أَنْ يَقُولَ

مَا أَرَادَ وَيَحْكُمُ بِمَا شَاءَ وَلِهَذَا صَرَفَ عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ سَعْيَهُمْ إلَى الْبَحْثِ عَنْ الْمَعَانِي الْمُخَيَّلَةِ الْمُؤْثِرَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا مِنْ الْحَنَفِيِّ دَفْعٌ وَقَوْلُهُ مِنْ مُنَاسَبَةٍ أَيْ الْمُنَاسِبُ الْمَقْبُولُ إجْمَاعًا وَهُوَ) الْمُنَاسِبُ (الضَّرُورِيُّ أَوْ الْمَصْلَحِيُّ لَا) مِنْ (الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّافِعِيَّ (لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُثْبِتَ طَرِيقًا لِلْعِلِّيَّةِ لَا يَجِبُ فِيهَا ظُهُورُ الْمُنَاسَبَةِ كَالسَّبْرِ وَالدَّوَرَانِ شَرَطَهَا) أَيْ الشَّافِعِيُّ الْمُنَاسَبَةَ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ) أَيْ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ (يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقَدْ يُخْتَلَفُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِهَا بَيْنَهُمَا (كَمَا فِي الدَّوَرَانِ وَقِيلَ مَنْشَأُ الْخِلَافِ فِيهِ) أَيْ فِي إفَادَةِ الدَّوَرَانِ الْعِلِّيَّةَ (عَدَمُ أَخْذِ قَيْدِ صَلَاحِيَّةِ الْوَصْفِ) لِلْعِلِّيَّةِ. (أَمَّا مَعَهُ) أَيْ صُلُوحِ الْوَصْفِ لِلْعِلِّيَّةِ وَقَدْ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وُجُودًا وَعَدَمًا (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْقَيْدَ (مُرَادٌ) لِمَنْ قَالَ الدَّوَرَانُ مُفِيدٌ لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ كَمَا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ (فَلَا خَفَاءَ فِي حُصُولِ ظَنِّ عَلِيَّتِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (بِالدَّوَرَانِ بِخِلَافِ مَا) إذَا (لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهِ) أَيْ الْوَصْفِ (مُنَاسَبَةٌ كَالرَّائِحَةِ) أَيْ رَائِحَةِ الْمُسْكِرِ الْمَخْصُوصَةِ (لِلتَّحْرِيمِ) لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ عِلِّيَّتُهَا لَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُعْلَمَ بِهِ وَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَأَمَّا الشَّبَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَلَيْسَ مِنْ الْمَسَالِكِ) لِلْعِلَّةِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَسَالِكَ هِيَ (الْمُثْبِتَةُ لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ) لِلْحُكْمِ (وَالشَّبَهُ تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهُ بِهَا) أَيْ بِالْمَسَالِكِ ثُمَّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَتَحَرَّرُ فِي الشَّبَهِ عِبَارَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ فِي صِنَاعَةِ الْحُدُودِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَقَدْ تَكَاثَرَ التَّشَاجُرُ فِي تَعْرِيفِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَلَمْ أَجِدْ لِأَحَدٍ تَعْرِيفًا صَحِيحًا فِيهَا ثُمَّ هُوَ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ (وَالْمُرَادُ) بِهِ هُنَا (مَا) أَيْ وَصْفُ (مُنَاسَبَتُهُ) لِلْحُكْمِ (لَيْسَتْ بِذَاتِهِ) أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِ الْوَصْفِ (بَلْ) مُنَاسَبَتُهُ لِلْحُكْمِ (يُشْبِهُهُ) الْوَصْفَ الْمُنَاسِبَ لِذَاتِهِ الشَّبَهُ الْخَاصُّ وَإِلَّا فَكَمَا قِيلَ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ إلَّا وَهُوَ يُشْبِهُ شَيْئًا آخَرَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْمَحْصُولِ الْمُعْتَبَرُ حُصُولُ الْمُشَابَهَةِ فِيمَا يُظَنُّ كَوْنُهُ عِلَّةَ الْحُكْمِ أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُشَابَهَةُ فِي الصُّورَةِ أَوْ الْمَعْنَى وَذَلِكَ كَالطَّهَارَةِ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تُنَاسِبُهُ بِوَاسِطَةِ عِبَادَةٍ بِخِلَافِ الْإِسْكَارِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لَهَا بِالذَّاتِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْعَقْلُ مُنَاسَبَتَهُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ شَرْعًا (فَيُحْتَاجُ) فِي إثْبَاتِ عِلِّيَّتِهِ (إلَى الْمُثْبِتِ) لَهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ فِي تَعْرِيفِهِ وَصْفٌ لَمْ تَثْبُتْ مُنَاسَبَتُهُ لِلْحُكْمِ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ (فَلَا يَصِحُّ إنْكَارُهُ) أَيْ الشَّبَهِ (بَعْدَ إثْبَاتِهِ) أَيْ كَوْنِهِ عَلِمَهُ (غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْإِخَالَةِ) بَلْ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ السَّبْرِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ (وَإِلَّا) لَوْ ثَبَتَ بِالْإِخَالَةِ أَيْضًا (كَانَ) الشَّبَهَ (الْمُنَاسِبَ الْمَشْهُورَ) وَلَيْسَ إيَّاهُ بَلْ بَيْنَهُمَا تَقَابُلٌ (كَطَهَارَةٍ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ) . أَيْ مِثَالُهُ أَنْ يُقَالَ فِي إلْحَاقِ إزَالَةِ الْخَبَثِ بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ فِي تَعَيُّنِ الْمَاءِ لَهَا: إزَالَةُ الْخَبَثِ طَهَارَةٌ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ (فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا غَيْرُ الْمَاءِ كَالْوُضُوءِ) فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ غَيْرُ الْمَاءِ فَكَوْنُ كُلٌّ مِنْهُمَا طَهَارَةً تُرَادُ لِلصَّلَاةِ هُوَ الْوَصْفُ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا لِتَعَيُّنِ الْمَاءِ لَهُمَا وَهُوَ وَصْفٌ شَبَهِيٌّ لَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ لِتَعَيُّنِ الْمَاءِ فِي إزَالَةِ الْخَبَثِ. (فَإِنْ ثَبَتَ بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي إثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ (أَنَّ كَوْنَ الطَّهَارَةِ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ يَصِحُّ عِلَّةَ تَعَيُّنِ الْمَاءِ) فِي إزَالَةِ الْخَبَثِ (لَزِمَ) كَوْنُهُ عِلَّةً لِذَلِكَ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَثْبُتْ صِحَّةُ كَوْنِهِ عِلَّةَ تَعَيُّنِهِ بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ تَعَيُّنُ الْمَاءِ (مُجَرَّدُ اعْتِبَارِهِ) أَيْ تَعَيُّنِ الْمَاءِ (فِي الْحَدَثِ وَعَلَى هَذَا) أَيْ أَنَّ الْوَصْفَ الشَّبَهِيَّ إنَّمَا يَثْبُتُ عِلَّةً بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ الْمَذْكُورَةِ (فَمَرْجِعُهُ) أَيْ الشَّبَهِ (إلَى إثْبَاتِ عِلِّيَّةِ وَصْفٍ بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ وَلَيْسَ شَيْئًا آخَرَ) فَيَنْتَفِي تَصْرِيحُ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ لَكِنْ قَوْلُ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ إنَّ الْقَائِلِينَ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ الْمُثْبِتَ لِمُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ الشَّبَهِيِّ لِلْحُكْمِ وَهُوَ الدَّلِيلُ الْخَارِجُ عَنْ ذَاتِهِ هُوَ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ إيَّاهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ وُجُودِهِ فِيهِ فَيُوهِمُ كَوْنُهُ مُنَاسِبًا لَهُ لَا النَّصُّ وَلَا الْإِجْمَاعُ وَلَا التَّأْثِيرُ الْمَاضِي بَيَانُهُ. قَالُوا وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ قَبُولُهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْبَاقِلَّانِيُّ وَالصَّيْرَفِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ

كَأَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ثُمَّ اخْتَلَفَ قَائِلُوهُ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ فِي اعْتِبَارِهِ إرْهَاقَ الضَّرُورَةِ إلَى الْحُكْمِ فِي وَاقِعَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا إلَّا الْوَصْفُ الشَّبَهِيُّ وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ قِيَاسُ الْمَعْنَى تَحْقِيقٌ وَالشَّبَهُ تَقْرِيبٌ وَالطَّرْدُ تَحَكُّمٌ ثُمَّ قَالَ قِيَاسُ الْمَعْنَى مَا يُنَاسِبُ الْحُكْمَ وَيَسْتَدْعِيهِ وَيُؤَثِّرُ فِيهِ وَالطَّرْدُ عَكْسُهُ وَالشَّبَهُ أَنْ يَكُونَ فَرْعٌ تَجَاذَبَهُ أَصْلَانِ فَيُلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا بِنَوْعِ شَبَهٍ مُقَرِّبٍ أَيْ يُقَرِّبَ الْفَرْعَ مِنْ الْأَصْلِ فِي الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِبَيَانِ الْمَعْنَى وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ (وَيُقَالُ) الشَّبَهُ (أَيْضًا لَا شَبَهِيَّةَ وَصْفَيْنِ فِي فَرْعٍ تَرَدَّدَ) الْفَرْعُ (بِهِمَا) أَيْ الْوَصْفَيْنِ (بَيْنَ أَصْلَيْنِ كَالْآدَمِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَالْمَالِيَّةُ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ تَرَدُّدُ) الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ (بِهِمَا) أَيْ بِالْآدَمِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ (بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ) وَلَفْظُ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ كَالنَّفْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَإِنَّهُ تَرَدَّدَ بِهِمَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْفَرَسِ وَهُوَ بِالْحُرِّ أَشْبَهُ إذْ مُشَارَكَتُهُ لَهُ فِي الْأَوْصَافِ وَالْأَحْكَامِ أَكْثَرُ اهـ. وَهُوَ أَوْلَى فَقِيَاسُ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ قَاتِلِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ نَفْسٌ مَنْ بَنِي آدَمَ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ دِيَتُهُ قِيمَتُهُ وَلَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةً وَلَا يُقَاسُ عَلَى الْفَرَسِ حَتَّى تُؤْخَذَ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مَالٌ كَسَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ إذْ مُشَارَكَةُ الْعَبْدِ لِلْحُرِّ فِي الْأَوْصَافِ كَكَوْنِهِ نَاطِقًا قَابِلًا لِلصِّنَاعَاتِ وَالْأَحْكَامُ كَكَوْنِهِ مُكَلَّفًا أَكْثَرُ مِنْ مُشَارَكَتِهِ لِلْفَرَسِ قَالُوا وَالشَّافِعِيُّ يُسَمِّي هَذَا قِيَاسَ عِلِّيَّةِ الْأَشْبَاهِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ أَعْلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ ثُمَّ الْقِيَاسُ الصُّورِيُّ كَقِيَاسِ الْخَيْلِ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِلشَّبَهِ الصُّورِيِّ بَيْنَهُمَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَنْسُبُونَ الدَّوَرَانَ لِأَهْلِ الطَّرْدِ وَكَذَا السَّبْرُ) يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِمْ (إذْ يُرِيدُونَ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ بِأَهْلِ الطَّرْدِ (مَنْ لَا يَشْتَرِطُ ظُهُورَ التَّأْثِيرِ) فِي الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةً (وَعَلِمْتَ) فِي الْكَلَامِ عَلَى اعْتِبَارَ الشَّارِعِ الْوَصْفَ عِلَّةً فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ (أَنَّهُ) أَيْ التَّأْثِيرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (يُسَاوِي الْمُلَاءَمَةَ عِنْدَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ. (وَعَلَى هَذَا) أَيْ تَسَاوِي التَّأْثِيرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْمُلَاءَمَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (فَمِنْ الطَّرْدِ الْإِخَالَةُ) أَيْ يَكُونُ شَامِلًا لَهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التَّأْثِيرِ (وَيُؤَيِّدُهُ) أَيْ كَوْنَ الْإِخَالَةِ مِنْ الطَّرْدِ عِنْدَهُمْ (تَصْرِيحُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (بِأَنَّ عَامَّةَ أَهْلِ النَّظَرِ مَالُوا إلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ) أَيْ بِالطَّرْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ (وَمَعْلُومٌ تَصْرِيحُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (بِأَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فَلَيْسَ أَهْلُهُ) أَيْ الطَّرْدِ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (إلَّا مَنْ ذَكَرْنَا) أَيْ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ ظُهُورَ التَّأْثِيرِ (فَلَا أَحَدَ يُضِيفُ حُكْمَ الشَّرْعِ إلَى مَا لَا مُنَاسَبَةَ لَهُ أَصْلًا كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ فَالطَّرْدُ مَا لَا مُنَاسَبَةَ لَهُ يَثْبُتُ اعْتِبَارُهَا اتِّفَاقًا وَالْخِلَافُ) فِي الْمُنَاسَبَةِ إنَّمَا هُوَ (فِيمَا بِهِ) يَثْبُتُ اعْتِبَارُهَا (فَالْحَنَفِيَّةُ لَيْسَ) شَيْءٌ يُثْبِتُ اعْتِبَارَهَا (إلَّا التَّأْثِيرَ الَّذِي هُوَ الْمُلَاءَمَةُ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةُ) يُثْبِتُ اعْتِبَارَهَا (بِغَيْرِهَا) أَيْ الْمُلَاءَمَةِ (أَيْضًا وَلَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّ الشَّارِعَ إذَا وَضَعَ أَمْرًا عَلَامَةً عَلَى حُكْمٍ كَالدُّلُوكِ) أَيْ كَوَضْعِهِ زَوَالَ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبَهَا عَلَامَةً (عَلَى الْوُجُوبِ) لِلصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (أُضِيفَ) ذَلِكَ الْحُكْمُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضُوعِ عَلَامَةً عَلَيْهِ (لَكِنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْأَمْرَ (لَيْسَ عِلَّةً) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (إلَّا مَجَازًا) وَالْعِلَّةُ لَهُ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ الْخِطَابُ. (وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمَارَةَ فِي اصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَتْ بِشُهْرَةِ الْعَلَامَةِ) بَلْ الْعَلَامَةُ عِنْدَهُمْ أَشْهَرُ مِنْ الْأَمَارَةِ (وَتَقْسِيمُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (الْخَارِجَ) عَنْ الْحُكْمِ (الْمُتَعَلِّقَ بِالْحُكْمِ) أَيْ بِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُفِيدِ كَوْنَ الْعَلَامَةِ مِنْ مَاصَدَقَاتِهِ وَإِخْرَاجُ الرُّكْنِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَقْسَامِهِ أَنَّ مَا يَكُونُ حُكْمًا مُتَعَلِّقُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ يَنْقَسِمُ (إلَى مُؤَثَّرٍ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الشَّيْءُ الْآخَرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الْكَلَامِ فِي اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الْوَصْفَ عِلَّةً (وَ) إلَى (مُفْضٍ إلَيْهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ (بِلَا تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ) وَهُوَ الْأَوَّلُ (وَالسَّبَبُ) وَهُوَ الثَّانِي (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا فِيهِ وَلَا مُفْضِيًا إلَيْهِ. (فَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْخَارِجِ (الْوُجُودُ) أَيْ وُجُودُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الشَّيْءُ

الْآخَرُ (فَالشَّرْطُ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ الْوُجُودُ. (فَإِنْ دَلَّ) الْحُكْمُ الْخَارِجُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الشَّيْءُ الْآخَرُ (فَالْعَلَامَةُ، فَالْعِلَّةُ تَقَدَّمَتْ بِأَقْسَامِهَا وَهَذَا) الَّذِي نَذْكُرُهُ (تَقْسِيمُهُمْ مَا سِوَاهَا) أَيْ الْعِلَّةِ قَالُوا (فَالسَّبَبُ تَجِبُ الْعِلَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ فِيهِ مَوْضُوعَةٍ لَهُ وَالسَّبَبُ مُفْضٍ إلَى الْحُكْمِ وَطَرِيقٌ لَهُ لَا مَوْضُوعٌ لَهُ وَلَا مُؤَثِّرٌ فِيهِ وَلَهُ أَقْسَامٌ بِحَسَبِ إضَافَةِ الْعِلَّةِ إلَيْهِ وَعَدَمِ إضَافَتِهَا إلَيْهِ (فَإِمَّا تُضَافُ) الْعِلَّةُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى السَّبَبِ (كَالسَّوْقِ) لِلدَّابَّةِ (الْمُضَافِ إلَيْهِ الْعِلَّةُ وَطْؤُهَا) أَيْ الدَّابَّةِ نَفْسًا أَوْ مَالًا فَالسَّوْقُ سَبَبُ التَّلَفِ وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ لَهُ لِأَنَّهُ (لَمْ يُوضَعْ لِلتَّلَفِ) بَلْ وُضِعَ لِسَيْرِ الدَّابَّةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ (وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ) أَيْ فِي التَّلَفِ (بَلْ طَرِيقٌ إلَيْهِ) وَإِنَّمَا هُوَ طَرِيقٌ إلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ وَالْعِلَّةُ لِلتَّلَفِ إنَّمَا هُوَ وَطْءُ الدَّابَّةِ بِقَوَائِمِهَا ذَلِكَ الْمَالَ أَوْ النَّفْسَ (فَالسَّبَبُ) أَيْ فَهَذَا السَّبَبُ (فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ) لِكَوْنِ الْعِلَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَحَادِثَةٌ بِهِ لِأَنَّ السَّوْقَ يَحْمِلُ الدَّابَّةَ عَلَى ذَلِكَ كُرْهًا وَلِهَذَا كَانَ مَشْيُهَا عَلَى مُوَافَقَةِ طَبْعِ السَّائِقِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ (فَلَهُ) أَيْ هَذَا السَّبَبِ. (حُكْمُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِيمَا يَرْجِعُ إلَى بَدَلِ الْمَحَلِّ) أَيْ مَحَلِّ الْإِتْلَافِ وَهُوَ الضَّمَانُ (لَا) فِيمَا يَرْجِعُ إلَى (جَزَاءِ الْمُبَاشَرَةِ فَعَلَيْهِ) أَيْ السَّائِقِ (الدِّيَةُ) إذَا وَطِئَتْ آدَمِيًّا فَقَتَلَتْهُ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَحَلِّ وَالسَّوْقُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ شَرْعًا وَعَقْلًا لَكِنْ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لَا مُطْلَقًا وَقَدْ فَاتَتْ بِالتَّلَفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ فَيُجْبَرُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْقَصْدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلضَّمَانِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْعَجْمَاءُ إنَّمَا يَكُونُ فِعْلُهَا جُبَارًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا قَائِدٌ وَلَا سَائِقَ ثَمَّ (لَا) يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (حِرْمَانُ الْإِرْثِ وَنَحْوُهُ) مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ. (وَالشَّهَادَةُ) أَيْ وَكَشَهَادَةِ الشُّهُودِ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ سَبَبٌ (لِلْقِصَاصِ) أَيْ لِوُجُوبِهِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ (لَمْ تُوضَعْ لَهُ) أَيْ لِلْقِصَاصِ (وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ بَلْ) هِيَ (طَرِيقُهُ) أَيْ الْقِصَاصِ (وَعِلَّتُهُ) أَيْ الْقِصَاصِ (الْمُتَوَسِّطِ) أَيْ مَا تَوَسَّطَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَوُجُوبِ الْقِصَاصِ (مِنْ فِعْلِ) الْفَاعِلِ (الْمُخْتَارِ الْمُبَاشِرِ لِلْقَتْلِ لَكِنْ فِيهِ) أَيْ فِي السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الشَّهَادَةُ (مَعْنَى الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (مُؤَدِّيَةٌ إلَى الْقَتْلِ بِوَاسِطَةِ إيجَابِهَا الْقَضَاءَ) عَلَى الْقَاضِي بِهِ حَتَّى حَكَمَ بِوُجُوبِهِ (وَاخْتِيَارُ الْوَلِيِّ إيَّاهُ) أَيْ وَبِوَاسِطَةِ اخْتِيَارِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْقَتْلَ (عَلَى الْعَفْوِ) إذْ لَوْلَاهَا لَمْ يَتَسَلَّطْ الْوَلِيُّ عَلَى قَتْلِهِ (فَعَلَيْهِمْ) أَيْ الشُّهُودِ (بِرُجُوعِهِمْ) عَنْ الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ (الدِّيَةُ) لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَحَلِّ (لَا الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ) أَيْ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ بِطَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ وَلَا مُبَاشَرَةَ مِنْهُمْ (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ) مِنْ الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ (إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ) وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْبَلُ بِشَهَادَتِنَا أَوْ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْبَلُ بِهَا (وَعُلِمَ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ قَبُولُهُمْ) وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِثْلُهُ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ حَلَفُوا عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَعُزِّرُوا وَتَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَتَكُونَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا قَالَ يُقْتَصُّ مِنْهُمْ فِي الصُّورَتَيْنِ (جَعْلًا لِلسَّبَبِ) الْقَوِيِّ (الْمُؤَكَّدِ بِالْقَصْدِ الْكَامِلِ كَالْمُبَاشَرَةِ) فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ (دَفَعَ) قَوْلُهُ (بِأَنَّ الْقِصَاصَ بِالْمُمَاثَلَةِ وَلَيْسَتْ) الْمُمَاثَلَةُ ثَابِتَةً (بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ وَإِنْ قَوِيَ) السَّبَبُ وَتَأَكَّدَ وَفِي الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ لِهَذَا السَّبَبِ حُكْمُ الْعِلَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ لَمَّا حَدَثَتْ بِالْأُولَى صَارَتْ الْعِلَّةُ الْأَخِيرَةُ حُكْمًا لِلْأُولَى مَعَ حُكْمِهَا لِأَنَّ حُكْمَ الثَّانِيَةِ مُضَافٌ إلَيْهَا وَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْأُولَى فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةٍ لَهَا حُكْمَانِ اهـ. قُلْت فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِيهِ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ (وَمِنْهُ) أَيْ السَّبَبِ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ (وَضْعُ الْحَجَرِ) فِي الطَّرِيقِ (وَإِشْرَاعُ الْجَنَاحِ) فِيهِ (وَالْحَائِطُ الْمَائِلُ بَعْدَ التَّقَدُّمِ) أَيْ وَتَرْكُ هَدْمِ الْحَائِطِ إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ أَوْ إلَى دَارِ جَارِهِ بَعْدَ مُطَالَبَةِ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْجَارُ وَلَوْ كَانَ سَاكِنًا فِيهَا عَلَى الثَّانِي صَاحِبُهُ يَنْقُضُهُ إذْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ تَصْلُحُ أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَيْهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ أَنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ هَذِهِ (مِثْلُهُ) أَيْ السَّبَبِ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ فِي حُكْمِهِ (لِتَعَدِّيهِ فِي إبْقَاءِ الْفِعْلِ السَّبَبَ) لَا أَنَّهُ مِنْ السَّبَبِ

فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ (وَإِمَّا لَا تُضَافُ) الْعِلَّةُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى السَّبَبِ (لِكَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا كَدَلَالَةِ السَّارِقِ) أَيْ كَدَلَالَةِ إنْسَانٍ سَارِقًا عَلَى مَالِ آخَرَ لِيَسْرِقَهُ فَفَعَلَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِوَصْفِهِ إيَّاهُ بِقَوْلِهِ (الْمُتَوَسِّطِ سَرِقَتُهُ) الَّتِي هِيَ فِعْلٌ يُبَاشِرُهُ الْمَدْلُولُ بِاخْتِيَارِهِ بَيْنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَالِ وَأَخْذِهِ. (فَالْحَقِيقِيُّ) أَيْ فَدَلَالَتُهُ سَبَبٌ مَحْضٌ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِتْلَافُ وَعِلَّتُهُ السَّرِقَةِ مِنْ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ وَهِيَ مُتَخَلِّلَةٌ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْحُكْمِ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى السَّبَبِ (فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى السَّبَبِ (فَلَا يَضْمَنُ دَالُّ السَّارِقِ) الْمَسْرُوقَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُضَافٌ إلَى فِعْلِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ لَا إلَى الدَّالِّ (وَلَا يُشْرَكُ فِي الْغَنِيمَةِ الدَّالُّ) لِقَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (عَلَى حِصْنٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ) بِوَصْفِ طَرِيقِهِ فَأَصَابُوهُ بِدَلَالَتِهِ وَحَصَلُوا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (لِقَطْعِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ) أَيْ لِقَطْعِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ اغْتِنَامُ الْمَدْلُولِينَ نِسْبَةَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْحُصُولُ عَلَى الْغَنِيمَةِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى السَّبَبِ الَّذِي هُوَ دَلَالَةُ الدَّالِّ بِوَاسِطَةِ تَخَلُّلِ اخْتِيَارِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ فَدَلَالَتُهُ سَبَبٌ مَحْضٌ نَعَمْ لَوْ ذَهَبَ مَعَهُمْ فَدَلَّهُمْ عَلَى الْحِصْنِ شَرَكَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ الْمُصَابَةِ فِيهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ حِينَئِذٍ سَبَبٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ. (وَلَا) يَضْمَنُ (دَافِعُ السِّكِّينِ لِصَبِيٍّ) لِيُمْسِكَهَا الصَّبِيُّ لِلدَّافِعِ (فَقَتَلَ) الصَّبِيُّ بِهَا (نَفْسَهُ) لِأَنَّ دَفْعَهَا إلَيْهِ سَبَبٌ مَحْضٌ لِلْهَلَاكِ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَيْهِ وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْهَلَاكُ عِلَّتُهُ وَهُوَ قَتْلُ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارٍ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الدَّافِعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْإِمْسَاكِ لَا بِالِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ إنَّمَا هَلَكَ بِالِاسْتِعْمَالِ (بِخِلَافِ سُقُوطِهَا) أَيْ مَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ لِيُمْسِكَهَا فَسَقَطَتْ بِلَا قَصْدٍ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ فَهَلَكَ فَإِنَّ الدَّافِعَ يَضْمَنُ الصَّبِيَّ لِإِضَافَةِ الْهَلَاكِ حِينَئِذٍ إلَيْهِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَمْ يَحْصُلْ بِمُبَاشَرَةِ فِعْلِ الْهَلَاكِ بِاخْتِيَارِ الصَّبِيِّ بَلْ بِإِمْسَاكِهِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ دَفْعِ الدَّافِعِ فَيُضَافُ مَا لَزِمَ مِنْ الْإِمْسَاكِ إلَيْهِ فَكَانَ الدَّفْعُ حِينَئِذٍ سَبَبًا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِكَوْنِ عِلَّةِ التَّلَفِ وَهِيَ السُّقُوطَ تُضَافُ إلَيْهِ. (وَلَا) يَضْمَنُ (الْقَائِلُ) لِغَيْرِهِ (تَزَوَّجْهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ (فَإِنَّهَا حُرَّةٌ) فَتَزَوَّجَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةُ إنْسَانٍ (لِقِيمَةِ الْوَلَدِ) الَّتِي أَدَّاهَا إلَى ذَلِكَ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ إخْبَارَهُ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ سَبَبٌ مَحْضٌ لِلِاسْتِيلَادِ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا عِلَّةٌ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى الْأَخْبَارِ وَهِيَ عَقْدُ النِّكَاحِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ بِاخْتِيَارِهِمَا (بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْوَلِيِّ أَوْ الْوَكِيلِ) أَيْ وَلِيِّهَا أَوْ وَكِيلِهَا (بِالشَّرْطِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَإِنَّ الزَّوْجَ الْمُسْتَوْلِدَ يَرْجِعُ بِضَمَانِ الْوَلَدِ عَلَى الْمُزَوِّجِ (لِلْغُرُورِ) مِنْ الْمُزَوِّجِ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحُرِّيَّةِ صَارَ وَصْفًا لَازِمًا لِهَذَا التَّزْوِيجِ وَالِاسْتِيلَادُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَصَارَ وَصْفُ الْحُرِّيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ كَالتَّزْوِيجِ وَشَارِطُهَا صَاحِبُ عِلَّةٍ وَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِمَا يَلْحَقُك بِسَبَبِ هَذَا الْعَقْدِ أَوْ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ حُكْمُ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِطَلَبِ النَّسْلِ فَكَانَ الْمُزَوِّجُ صَاحِبَ عِلَّةٍ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ. (وَلَا يَلْزَمُ) عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يُضَفْ فِيهَا الْحُكْمُ إلَى السَّبَبِ الْمَحْضِ (الْمُودِعُ وَالْمُحْرِمُ) إذَا دَلَّ الْمُودِعُ سَارِقًا وَالْمُحْرِمُ صَائِدًا (عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالصَّيْدِ) فَسَرَقَ الْمَدْلُولُ الْوَدِيعَةَ وَقَتَلَ الصَّيْدَ حَيْثُ (يَضْمَنَانِ) أَيْ الْمُودِعُ وَالْمُحْرِمُ الدَّالَّانِ (وَهُمَا مُسَبِّبَانِ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَمَا قَامَ بِهِمَا مِنْ الدَّلَالَةِ سَبَبٌ مَحْضٌ وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ لَهُ وَهِيَ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ وَإِنَّمَا لَمْ يُشْكِلْ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يُضَفْ الْحُكْمُ فِيهَا إلَى السَّبَبِ الْمَحْضِ (لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُودِعِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ) الْمُلْتَزَمِ لِلْوَدِيعَةِ بِعَقْدِهَا الْمُبَاشِرِ لَهُ بِدَلَالَةِ السَّارِقِ عَلَيْهَا. (وَ) ضَمَانُ (الْمُحْرِمِ بِإِزَالَةِ الْأَمْنِ) لِلصَّيْدِ الْمُلْتَزِمِ لَهُ بِالْإِحْرَامِ (الْمُتَقَرِّرِ بِالْقَتْلِ) لَهُ الْمُبَاشِرُ لَهَا بِدَلَالَةِ الْقَاتِلِ عَلَيْهِ (فَهُوَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمُودِعِ وَالْمُحْرِمِ الدَّالَّيْنِ (مُبَاشِرٌ) لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالصَّيْدِ فَهُوَ ضَامِنٌ بِالْمُبَاشَرَةِ لَا بِالتَّسَبُّبِ (بِخِلَافِهَا) أَيْ دَلَالَةِ الْحَلَالِ غَيْرَهُ (عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ) حَتَّى قَتَلَهُ الْمَدْلُولُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الدَّالِّ (لِأَنَّ أَمْنَهُ) أَيْ صَيْدِ الْحَرَمِ (بِالْمَكَانِ) الْخَاصِّ وَهُوَ الْحَرَمُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ أَمْنًا لِيَبْقَى مُدَّةَ بَقَاءِ الدُّنْيَا (وَلَمْ يَزُلْ) أَمْنُهُ (بِالدَّلَالَةِ) فَكَانَتْ سَبَبًا مَحْضًا (بِخِلَافِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ صَيْدِ الْحَرَمِ مِنْ الصَّيُودِ (فَإِنَّهُ) أَيْ أَمْنَهُ (بِتَوَارِيهِ) وَبُعْدِهِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ (فَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ إزَالَةُ أَمْنِهِ وَهُوَ) أَيْ إذْهَابُ

أَمْنِهِ (الْجِنَايَةُ عَلَى إحْرَامِهِ) وَأَوْرَدَ الْأَجْنَبِيَّ الْتَزَمَ بِعَقْدِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَدُلَّ سَارِقًا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ وَقَدْ تَرَكَ مَا الْتَزَمَ بِالدَّلَالَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِعَقْدِ الْتِزَامِ الْأَمْنِ بَلْ هُوَ الْتِزَامُ حَقِيقَةِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتْبَعُهُ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا وَالْتِزَامُهُ الْأَمْنَ وَالْحِفْظَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَلَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا لَهُمَا قَصْدًا وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ بِالْإِسْلَامِ الْتَزَمَ ذَلِكَ فَهَذَا الِالْتِزَامُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقَعُ فِعْلُهُ مُوجِبًا يُوجِبُ مَا تَرَكَهُ مِنْ الِالْتِزَامِ وَهُوَ الْإِثْمُ وَهُنَا الْعَقْدُ وَاقِعٌ مَعَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقَعُ فِعْلُهُ مُوجِبًا يُوجِبُ مَا تَرَكَهُ مِنْ الِالْتِزَامِ وَهُوَ الضَّمَانُ وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ بِالْإِسْلَامِ الْتَزَمَ الْأَمْنَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَلَالَةَ الْأَجْنَبِيِّ إزَالَةُ الْأَمْنِ لِأَنَّ أَمْنَ الْأَمْوَالِ لَا يَثْبُتُ بِالْبُعْدِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَأَيْدِيهِمْ وَالْجَهْلِ بِمَحِلِّهَا بَلْ أَمْنُهَا بِالْأَيْدِي وَالْحِرْزِ وَبِالدَّلَالَةِ لَا يَزُولُ هَذَا الْأَمْنُ بِخِلَافِ الصَّيْدِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. (تَنْبِيهٌ) ثُمَّ حَقِيقَةُ الدَّلَالَةِ الْإِعْلَامُ أَيْ إحْدَاثُ الْعِلْمِ فِي الْغَيْرِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ لَا يَكْذِبَ الدَّالُّ فِي ذَلِكَ فَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا لَوْ كَانَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ أَوْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَى الدَّالِّ لِعَدَمِ زَوَالِ أَمْنِهِ بِهَا وَشُرُوطُ تَحَقُّقِهَا جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ مَعَ تَحَقُّقِهَا فِي نَفْسِهَا أَنْ يَتَّصِلَ بِهَا الْقَتْلُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ آنِفًا بِقَوْلِهِ بِإِزَالَةِ الْأَمْنِ الْمُتَقَرِّرَةِ بِالْقَتْلِ حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ بِدَلَالَتِهِ ثُمَّ انْفَلَتَ ثُمَّ أَخَذَهُ لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ لِانْتِهَاءِ دَلَالَتِهِ بِالِانْفِلَاتِ وَالْأَخْذُ ثَانِيًا إنْشَاءٌ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَيْنِ تِلْكَ الدَّلَالَةِ وَأَنْ يَبْقَى الدَّالُّ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ الْآخِذُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ آنِفًا قَوْلُنَا وَالدَّالُّ مُحْرِمٌ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْقَتْلِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ مَوْجُودًا عِنْدَهُ. فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ الْمَحْضِ فَتْوَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي سَاعٍ بِغَيْرِهِ لَا بِحَقٍّ إلَى حَاكِمٍ ظَالِمٍ سِعَايَةً غَرَّمَتْهُ الْمَالَ ظُلْمًا بِضَمَانِهِ مَعَ أَنَّهَا سَبَبٌ مَحْضٌ تَخَلَّلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُكْمِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَالْجَوَابُ لَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ الضَّمَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَشَى عَلَيْهِ صَدْرُ الْإِسْلَامِ لَكِنْ مَعَ زِيَادَةٍ وَلَكِنْ لَوْ رَأَى الْقَاضِي تَضْمِينَ السَّاعِي لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ فَنَحْنُ نَكِلُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى تَنْزَجِرَ السُّعَاةُ عَنْ السَّعْيِ (وَفَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ بِالضَّمَانِ بِالسِّعَايَةِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ اسْتِحْسَانٌ لِغَلَبَةِ السُّعَاةِ) بِغَيْرِ الْحَقِّ إلَى الظُّلْمَةِ فِي زَمَانِنَا وَبِهِ يُفْتَى لِأَنَّ مُجَرَّدَ وُكُولِ الْأَمْرِ إلَى الْقَاضِي لَا يُجْدِي فِي هَذَا الْمَطْلُوبِ فِي زَمَانِنَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَنْبَغِي مِثْلُهُ) أَيْ الْإِفْتَاءُ بِضَمَانِ إتْلَافِ الْمَنَافِعِ مُطْلَقًا زَمَانًا وَمَكَانًا (وَلَوْ غَلَبَ غَصْبُ الْمَنَافِعِ) مُطْلَقًا فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي بَابِ الضَّمَانِ زَجْرًا لِلْغَصَبَةِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ فِي أَوَاخِرِ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ تَقْيِيدَ بَعْضِهِمْ ذَلِكَ بِالْأَوْقَافِ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَحِكَايَةِ بَعْضِهِمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى ضَمَانِ الْمَنَافِعِ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ إذَا كَانَ الْعَيْنُ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ وَإِذَا كَانَ الْمُوجِبُ لِذَلِكَ الزَّجْرَ لِلْغَصَبَةِ وَالْحِفْظَ لِأَمْوَالِ الضَّعَفَةِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَتْوَى بِضَمَانِهَا حِينَئِذٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِاحْتِيَاجِ مَا سِوَى هَؤُلَاءِ إلَى هَذَا الِارْتِفَاقِ وَحَسْمًا لِمَادَّةِ هَذَا الْفَسَادِ بَيْنَ الْعِبَادِ (وَيُقَالُ لَفْظُ السَّبَبِ مَجَازًا عَلَى الْمُعَلَّقِ) بِشَرْطٍ (مِنْ تَطْلِيقٍ وَإِعْتَاقٍ وَنَذْرٍ) وَهَذَا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُعَلَّقًا (بِمَا) أَيْ بِشَرْطٍ (لَا يُرِيدُ) الْمُعَلِّقُ (كَوْنَهُ) أَيْ وُجُودِهِ كَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ حُرَّةٌ وَإِنْ خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي فَعَلَيَّ لِلَّهِ صِيَامُ سَنَةٍ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ (وَعَلَى الْيَمِينِ) بِاَللَّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ (إذْ لَيْسَتْ) هَذِهِ الْمُعَلَّقَاتُ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ (مُفْضِيَةً إلَى الْوُقُوعِ) أَيْ وُقُوعِ مَعْنَاهَا مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَوُجُوبِ الْمَنْذُورِ فِي الذِّمَّةِ (وَ) إلَى (الْحِنْثِ) أَمَّا الْمُعَلَّقَاتُ فَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَانِعِ مِنْ تَحَقُّقِ مَعْنَاهَا وَهُوَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ تَعْلِيقِهَا عَلَيْهِ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْهَا. وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْبِرِّ وَالْبِرُّ لَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْحِنْثِ وَبِدُونِ الْحِنْثِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَالْمَانِعُ مِنْ وُجُودِ شَيْءٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُودِهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (بَلْ) هِيَ (مَانِعَةٌ) مِنْ الْوُقُوعِ وَالْحِنْثِ. (وَإِنَّمَا لَهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (نَوْعُ إفْضَاءٍ فِي الْجُمْلَةِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ) إلَى الْحُكْمِ وَهُوَ وَقْتُ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَالْحِنْثِ (فَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمُعَلَّقَاتُ وَالْيَمِينُ سَبَبٌ (مَجَازٌ) لِلْوُقُوعِ

وَالْكَفَّارَةِ (وَإِذَا صَدَرَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ صَارَ) الْمُعَلَّقُ نَفْسُهُ (عِلَّةً حَقِيقِيَّةً) لِلْوُقُوعِ لِتَأْثِيرِهِ فِيهِ مَعَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَإِيصَالِهِ بِهِ كَالْبَيْعِ لِلْمِلْكِ (بِخِلَافِ السَّبَبِ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَإِنْ وُجِدَ الْحُكْمُ (لِأَنَّهُ) أَيْ السَّبَبَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ (لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمُسَبَّبِ) الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ (وَإِنْ أَثَّرَ فِي عِلَّتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ كَمَا عَلِمْت فِي سَوْقِ الدَّابَّةِ إذَا وَطِئَتْ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ (فَلَمْ تَنْتَفِ حَقِيقَةُ السَّبَبِيَّةِ) فِي السَّبَبِ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ (بِوُجُودِ التَّأْثِيرِ) أَيْ تَأْثِيرِهِ فِي الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ مَجَازِيٌّ فَإِنَّ حَقِيقَةَ السَّبَبِيَّةِ انْتَفَتْ فِيهِ بِتَأْثِيرِهِ فِي الْحُكْمِ فَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُجْعَلْ مِنْ السَّبَبِ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَلَا السَّبَبُ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ سَبَبًا مَجَازًا وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْمُعَلَّقَ بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَصِيرُ عِلَّةَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَإِنَّمَا عِلَّتُهَا الْحِنْثُ لِأَنَّهُ الْمُؤَثِّرُ فِيهَا. هَذَا وَتَقْيِيدُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ بِكَوْنِهِ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَقَعَ فِي الْمَنَارِ وَغَيْرِهِ وَلَفْظُ الْبَزْدَوِيِّ وَمِثْلُ الْمُنْذَرِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ انْتَهَى فَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّارِحِينَ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا إذْ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ سَبَبًا لِلْحَالِ إذْ الْغَرَضُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيقِ حُصُولُ الشَّرْطِ فَكَانَ مُفْضِيًا إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ سَبَبًا فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " الْمُعَلَّقُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ " إلَى أَنَّ الْوَجْهَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ السَّبَبِيَّةِ لِلْحَالِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ عَلَيَّ لَمَّا تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ فِي الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَصِلْ إلَى ذِمَّتِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فَكَانَ تَسْمِيَتُهُ سَبَبًا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ الصَّيْرُورَةِ لَا الْمَعْنَى كَبَيْعِ الْحُرِّ كَذَا فِي التَّقْوِيمِ وَهُوَ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ثُمَّ لِلْمُعَلَّقِ) الَّذِي هُوَ السَّبَبُ (الْمَجَازِ شَبَهُ الْعِلَّةِ الْحَقِيقَةِ) مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (خِلَافًا لِزُفَرَ) فَإِنَّهُ عِنْدَهُ مَجَازٌ مَحْضٌ خَالٍ مِنْ هَذَا الشَّبَهِ (وَثَمَرَتُهُ) أَيْ الْخِلَافِ تَظْهَرُ (فِي تَنْجِيزِ الثَّلَاثِ) بَعْدَ تَعْلِيقِ بَعْضِهَا أَوْ جَمِيعِهَا عَلَى شَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ (يُبْطِلُ) تَنْجِيزُهَا (التَّعْلِيقَ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لَهُ) حَتَّى لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَوُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَهُمْ وَيَقَعُ عِنْدَهُ. (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةٌ (طَوِيلَةٌ فِي فِقْهِهِمْ وَالْمَبْنَى) فِي إبْطَالِهِ التَّعْلِيقَ وَعَدَمِ إبْطَالِهِ (الِاحْتِيَاجُ) أَيْ احْتِيَاجُ الْمُعَلَّقِ فِي الْبَقَاءِ (إلَى بَقَاءِ الْمَحَلِّ) لِتَنْجِيزِهِ عِنْدَهُمْ (لِلشُّبْهَةِ) أَيْ لِكَوْنِ الْمُعَلَّقِ لَهُ شَبَهُ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الْيَمِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْبِرِّ وَالتَّعْلِيقُ يَمِينٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُهُ وَهُوَ الْبِرُّ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ عَلَى مَعْنَى لَوْ فَاتَ الْبِرُّ لَزِمَ الْجَزَاءُ كَمَا أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ مَضْمُونَةٌ بِالْكَفَّارَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا فَاتَ الْبِرُّ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ تَحْقِيقًا لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْيَمِينِ مِنْ الْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ وَإِذَا كَانَ الْبِرُّ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ كَانَ لِلْجَزَاءِ شَبَهُ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ أَيْ قَبْلَ فَوَاتِ الْبِرِّ إذْ لِلضَّمَانِ شَبَهُ الثُّبُوتِ قَبْلَ فَوَاتِ الْمَضْمُونِ كَمَا فِي الْغَصْبِ فَإِنَّ مُوجَبَهُ رَدُّ الْعَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ فَاتَ رَدُّهَا لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَإِلَّا فَرَدُّ الْقِيمَةِ ثُمَّ لِلْقِيمَةِ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ شَبَهُ الْوُجُوبِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا أَدَّى الضَّمَانَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ فِي الْمَغْصُوبِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ حَتَّى جَازَ بَيْعُهُ إيَّاهُ قَبْلَ ضَمَانِهِ إذَا ضَمِنَهُ الْمَالِكُ إيَّاهُ بَعْدَ بَيْعِهِ وَإِذَا كَانَ لِلْجَزَاءِ فِي الْحَالِ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ وَثُبُوتُ الْجَزَاءِ حَقِيقَةً لَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْمَحَلِّ حَتَّى يَبْطُلُ بِفَوَاتِهِ فَكَذَا شُبْهَتُهُ لَا تُسْتَغْنَى عَنْ الْمَحَلِّ لِأَنَّ شُبْهَةَ الشَّيْءِ لَا تَثْبُتُ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقِيقَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ إذْ الشُّبْهَةُ دَلَالَةُ الدَّلِيلِ مَعَ تَخَلُّفِ الْمَدْلُولِ وَقَطُّ لَا يَدُلُّ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي غَيْرِ مَحَلٍّ أَلَا تَرَى أَنَّ شُبْهَةَ النِّكَاحِ لَا تَثْبُتُ فِي الرِّجَالِ اتِّفَاقًا وَشُبْهَةَ الْبَيْعِ لَا تَثْبُتُ فِي الْحُرِّ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ لَا تَثْبُتُ فِيهِمَا وَقَدْ فَاتَ الْمَحَلُّ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ فَبَطَلَ التَّعْلِيقُ ضَرُورَةً (وَعَدَمُهُ) أَيْ احْتِيَاجِ الْمُعَلَّقِ فِي الْبَقَاءِ إلَى بَقَاءِ الْمَحَلِّ لِتَنْجِيزِهِ عِنْدَ زُفَرَ (لِعَدَمِهَا) أَيْ شُبْهَةِ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ لِلْمُعَلَّقِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ قَدْ حَالَ التَّعْلِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّهِ فَأَوْجَبَ قَطْعَ السَّبَبِ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَالتُّرْسِ إذَا حَالَ بَيْنَ الرَّامِي وَالْمَرْمِيِّ إلَيْهِ. وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ جِهَةُ السَّبَبِيَّةِ بِوَجْهٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَحَلِّ وَاحْتِمَالُ صَيْرُورَتِهِ سَبَبًا فِي الزَّمَانِ الثَّانِي لَا يُوجِبُ اشْتِرَاطَ الْمَحَلِّ فِي الْحَالِ بَلْ يَكْفِيهِ احْتِمَالُ حُدُوثِ الْمَحَلِّيَّةِ وَهُوَ قَائِمٌ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهَا إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَهُوَ فِي الْحَالِ يَمِينٌ وَمَحِلُّهَا

ذِمَّةُ الْحَالِفِ فَتَبْقَى بِبَقَائِهَا فَلَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ وَاشْتِرَاطُ الْمِلْكِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا كَانَ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُودِ عَلَى جَانِبِ الْعَدَمِ حَتَّى يَصِحَّ إيجَابُ الْيَمِينِ بِهِ وَهَذَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ بَعْدَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ وَإِنْ عُدِمَ الْمَحِلُّ فَلَأَنْ يَبْقَى هَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مُوجَبَ الْيَمِينِ شَرْعًا الْبِرُّ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ فَصَارَتْ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ الَّتِي هِيَ الْجَزَاءُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ هِيَ الْمَانِعَةُ مِنْ الْحِنْثِ فَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا عِنْدَ الشَّرْطِ لِيَحْصُلَ مَعْنَى التَّخْوِيفِ. وَأَمَّا طَلْقَاتُ مِلْكٍ سَيُوجَدُ فَغَيْرُ مُتَيَقَّنَةِ الْوُجُودِ عِنْدَ الشَّرْطِ إذَا الظَّاهِرُ عَدَمُ مَا سَيَحْدُثُ وَقَدْ فَاتَ مِلْكُ الثَّلَاثِ بِتَنْجِيزِهَا لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ زَوَالُ صِفَةِ الْحِلِّ بِهِ عَنْ الْمَحِلِّ فَلَا تَصَوُّرَ لِذَلِكَ بَعْدَ حُرْمَةِ الْمَحِلِّ بِهَا فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ لِأَنَّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحِلِّ يَسْتَوِي فِيهِ الْبَقَاءُ وَالِابْتِدَاءُ ثُمَّ انْعِقَادُ التَّعْلِيقِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْمَحَلِّيَّةِ فِي الْحَالِ بَلْ يَنْتَفِي الْمِلْكُ وَالْمَحَلِّيَّةُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ بِهِ تَحْصُلُ فَائِدَةُ الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ بِدُونِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ فِي الْحَالِ خَوْفًا مِنْ نُزُولِ الْجَزَاءِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ فَصَارَ هَذَا التَّعْلِيقُ مِثْلَ التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ حَالَ حِلِّ الْمَحَلِّ بَلْ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ نُزُولَ الْجَزَاءِ قَطْعِيٌّ هُنَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ نُزُولِهِ عِنْدَ سَائِرِ الشُّرُوطِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (أَنْ يُعَيِّنُوا أَسْبَابَ الْمَشْرُوعَاتِ) وَإِنْ كَانَ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ شَارِعَ الشَّرَائِعِ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِإِيجَابِ الْأَحْكَامِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا تُضَافُ إلَى مَا هُوَ سَبَبٌ فِي الظَّاهِرِ بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِجَعْلِ الْأَحْكَامِ مُرَتَّبَةً عَلَيْهَا تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ لِيَتَوَصَّلُوا بِذَلِكَ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ وَقَطْعًا لِشُبْهَةِ الْمُعَانِدِينَ إذْ لَوْ لَمْ يُوضَعْ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لَهَا رُبَّمَا أَنْكَرَ الْمُعَانِدُ وُجُوبَهَا وَلَمْ يُمْكِنْ إلْزَامُهُ لِأَنَّ إيجَابَهُ غَيْبٌ عَنَّا فَهِيَ عِلَلٌ جَعْلِيَّةٌ وَضَعَهَا الشَّارِعُ عَلَامَاتٍ عَلَى الْإِيجَابِ لَا مُؤَثِّرَاتٍ بِذَوَاتِهَا فَانْتَفَى نَفْيُ مَنْ نَفَاهَا أَصْلًا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهَا تَوَارُدُ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ مُضَافَةٌ إلَى إيجَابِ اللَّهِ لِأَنَّهُ شَارِعُ الشَّرَائِعِ إجْمَاعًا وَنَفْيُ بَعْضِهِمْ إيَّاهَا فِي الْعِبَادَاتِ خَاصَّةً إذْ الْمَقْصُودُ فِيهَا الْفِعْلُ فَقَطْ وَوُجُوبُهُ بِالْخِطَابِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ فَإِنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَيَجُوزُ أَنْ تُضَافَ الْأَمْوَالُ وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ لِلْعُقُوبَةِ إلَى الْأَسْبَابِ وَنَفْسُ الْوُجُوبِ إلَى الْخِطَابِ. (قَالُوا السَّبَبُ لِوُجُوبِ الْإِيمَانِ أَيْ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ) بِوُجُودِهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ الْعَلِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحَيَاةِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى كَالْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّقْلُ وَشَهِدَ بِهِ الْعَقْلُ (حُدُوثُ الْعَالَمِ) أَيْ كَوْنُ (كُلِّ مَا سِوَاهُ تَعَالَى مِمَّا فِي الْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ) مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ وَمَعْنَى سَبَبِيَّةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ لَا لِوُجُودِ الْبَارِئِ تَعَالَى أَوْ وَحْدَانِيِّتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَزَلِيٌّ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَادِثَ لِإِمْكَانِهِ وَافْتِقَارِهِ إلَى مُؤَثِّرٍ وَاجِبٍ لِذَاتِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ مُحْدِثًا قَدِيمًا غَنِيًّا عَمَّا سِوَاهُ وَاجِبًا لِذَاتِهِ قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ وَلِهَذَا سُمِّيَ الْعَالَمُ عَالَمًا فَإِنَّهُ عَلَمٌ عَلَى وُجُودِهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهِ بِهِ ثُمَّ وُجُوبُ الْوُجُودِ يُنْبِئُ عَنْ جَمِيعِ الْكَمَالَاتِ وَيَنْفِي جَمِيعَ النَّقَائِصِ ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ السَّبَبَ بِالنَّظَرِ إلَى كُلِّ أَحَدٍ هُوَ حُدُوثُ الْعَالَمِ فَقَطْ بَلْ مَرَاتِبُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت: 53] الْآيَةَ إلَّا أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ هُوَ أَشَدُّ الْمَرَاتِبِ وُضُوحًا وَأَكْثَرُهَا وُقُوعًا وَأَبْيَنُهَا دَوَامًا إذْ كُلٌّ يُشَاهِدُ نَفْسَهُ وَالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَكَانَ مُلَازِمًا لِكُلِّ مَنْ هُوَ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَلَمَّا كَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ حُدُوثُ الْعَالَمِ قَدْ يُوهِمُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِهِ وُجُوبَ الْأَدَاءِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ عَلَى الْمُخْتَارِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَصْلُ الْوُجُوبِ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَيْ أَصْلُ الْوُجُوبِ فَلِذَا) أَيْ كَوْنِ سَبَبِ أَصْلِ الْوُجُوبِ حُدُوثَ الْعَالَمِ (صَحَّ إيمَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ) لِتَحَقُّقِ سَبَبِ أَصْلِ وُجُوبِهِ فِي حَقِّهِ ثُمَّ وُجُودِ رُكْنِهِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ الصَّادِرَانِ عَنْ نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ وَكَيْفَ لَا وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ. (وَقَدْ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ (عَلَيْهِ شَرْعًا اتِّفَاقًا تَبَعًا) لِأَبَوَيْهِ

الْمُسْلِمَيْنِ (فَيَصِحُّ) إيمَانُهُ (مَعَ إقْرَارِهِ اخْتِيَارًا عَنْ اعْتِقَادٍ صَحِيحٍ) بِطَرِيقٍ (أَوْلَى وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ) أَيْ فِي تَحَقُّقِ أَصْلِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ مِنْ خِلَافِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (فَأَمَّا وُجُوبُ الْأَدَاءِ) لِلْإِيمَانِ (فَأَبُو الْيُسْرِ) هُوَ (بِالْخِطَابِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فَعُذِرَ مَنْ بَلَغَ بِشَاهِقٍ وَلَمْ تَبْلُغْهُ) الدَّعْوَةُ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُسْلِمْ وَإِنْ أَدْرَكَ مُدَّةَ التَّأَمُّلِ وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا التَّجَارِبُ وَالنَّظَرُ فِي الْآيَاتِ. (وَ) عِنْدَ (الْآخَرِينَ) مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ هُوَ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ فَلَا يُعْذَرُ بَعْدَ إمْهَالِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ مُدَّةَ التَّأَمُّلِ (وَشَرْطُ الْخِطَابِ) إنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ (فِيمَا) أَيْ حُكْمٍ (يَحْتَمِلُ النَّسْخَ) وَالْإِيمَانُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِاخْتِلَافُ (بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِقْلَالَ الْعَقْلِ يُدْرِكُ إيجَابَهُ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْإِيمَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْآخَرِينَ (و) عَلَى (عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (وَتَقَدَّمَ) الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ. (وَ) السَّبَبُ (لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ) الْمَكْتُوبَةِ (الْوَقْتُ) أَيْ وَقْتُهَا الْمَشْرُوعَةُ هِيَ فِيهِ لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] إذْ الْإِضَافَةُ مِنْ دَلَائِلِ السَّبَبِيَّةِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ وَكَمَالُهُ فِي اخْتِصَاصِ الْمُسَبَّبِ فِي سَبَبِهِ وَلِتَكَرُّرِ وُجُوبِهَا بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ وَلِصِحَّتِهَا فِيهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهَا قَبْلَهُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ ثُمَّ هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَعَامَّةِ مُتَأَخِّرِي مَشَايِخِنَا (وَالْوَجْهُ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ) مِنْهُمْ وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمِيزَانِ (أَنَّهُ) أَيْ سَبَبَ الْوُجُوبِ (لِكُلٍّ) مِنْ (الْعِبَادَاتِ تَوَالِي النِّعَمِ الْمُفْضِيَةِ فِي الْعَقْلِ إلَى وُجُوبِ الشُّكْرِ) فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَسْدَى إلَى كُلٍّ مِنْ الْعِبَادِ مِنْ أَنْوَاعِ النِّعَمِ مَا تَقْصُرُ الْعُقُولُ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى كُنْهِهَا فَضْلًا عَنْ الْقِيَامِ بِشُكْرِهَا وَأَوْجَبَ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهِمْ بِإِزَائِهَا وَرَضِيَ بِهَا شُكْرًا لِسَوَابِغِ نِعَمِهِ بِفَضْلِهِ وَكَرْمِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ اسْتِيفَاءَ شُكْرِ هَذَا الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ إذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللَّهِ نِعْمَةٌ ... عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إلَّا بِفَضْلِهِ ... وَإِنْ طَالَتْ الْأَيَّامُ وَاتَّسَعَ الْعُمُرُ فَإِنْ مَنَّ بِالنَّعْمَاءِ عَمَّ سُرُورُهَا ... وَإِنْ مَنَّ بِالضَّرَّاءِ أَعْقَبَهُ الْأَجْرُ (فَلِلْإِيمَانِ) أَيْ وَلِسَبَبٍ وُجُوبِهِ (شُكْرُ نِعْمَةِ الْوُجُودِ) وَقُوَّةِ النُّطْقِ (وَكَمَالِ الْعَقْلِ) الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْمَوَاهِبِ (وَإِلَّا فَالْعَالَمُ دَلِيلُ وُجُودِهِ تَعَالَى دُونَ إيجَابِهِ) عَلَى الْعُقَلَاءِ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلصَّلَاةِ شُكْرُ نِعْمَةِ الْأَعْضَاءِ السَّلِيمَةِ) فَيُعْرَفَ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ قَدْرَ الرَّاحَةِ. (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلصَّوْمِ شُكْرُ نِعْمَةِ اقْتِضَاءِ الشَّهَوَاتِ) أَكْثَرَ السَّنَةِ (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلزَّكَاةِ شُكْرُ نِعْمَةِ الْمَالِ) الْفَاضِلِ عَنْ الْحَاجَةِ اللَّازِمَةِ وَيَقَعُ بِهِ التَّنَعُّمُ بِالْجَاهِ وَغَيْرِهِ فِي السَّنَةِ (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلْحَجِّ شُكْرُ نِعْمَةِ الْبَيْتِ الْمَجْعُولِ هُدًى لِلْعَالَمِينَ وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ لِأَنَّهُ قِبْلَتُهُمْ وَمُتَعَبَّدُهُمْ وَفِيهِ آيَاتٌ عَجِيبَةٌ وَمَآثِرُ غَرِيبَةٌ وَهُوَ مَوْضِعُ ثَوَابِهِمْ بِحَجِّهِ وَاعْتِمَارِهِ وَأَمْنِهِمْ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّ الْجَانِيَ الْمُلْتَجِئَ إلَيْهِ لَا يُؤَاخَذُ حَتَّى يَخْرُجَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» «وَالْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» «وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ هَذَا وَالْوَجْهُ إمَّا حَذْفُ الْجَارِّ مِنْ كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ فَلِلْإِيمَانِ وَلِلصَّلَاةِ وَلِلزَّكَاةِ وَلِلصَّوْمِ وَلِلْحَجِّ أَوْ حَذْفُ شُكْرٍ فَإِنَّ وُجُوبَ الْإِيمَانِ وَفُرُوعِهِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ السَّبَبُ الَّذِي هُوَ الشُّكْرُ وَالنِّعَمُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ السَّبَبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا وَأَشَارَ إلَيْهِ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ (غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّرَ مَا اُعْتُبِرَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ النِّعَمِ (سَبَبًا بِوَقْتِهِ) أَيْ الْقَدْرِ الْمُعْتَبَرِ مِنْهَا لِلسَّبَبِيَّةِ (كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهُ ضَبَطَ الْقَدْرَ الْمُعْتَبَرِ مِنْ نِعْمَةِ الْأَعْضَاءِ السَّلِيمَةِ أَوْ مُطْلَقِ النِّعْمَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ بِوَقْتِهَا (أَوْ قَدْرِهِ) أَيْ أَوْ قَدَّرَ مَا اُعْتُبِرَ مِنْهَا سَبَبًا بِقَدْرِ الْمِقْدَارِ الْمُعْتَبَرِ مِنْهَا لِلسَّبَبِيَّةِ كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ ضَبَطَ الْقَدْرَ الْمُعْتَبَرَ مِنْ نِعْمَةِ الْمَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ النِّعْمَةِ

الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ النِّصَابُ النَّامِي تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا كَمَا نَذْكُرُ قَرِيبًا (أَمَّا الْوَقْتُ) نَفْسُهُ لِلصَّلَاةِ (فَجَدِيرٌ بِهِ الْعَلَامَةُ) كَمَا سَيَأْتِي (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلزَّكَاةِ النِّصَابُ) النَّامِي تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا (لِعَقْلِيَّةِ الْغَنِيِّ سَبَبًا) لِمُوَاسَاةِ الْفَقِيرِ بِقَلِيلٍ مِنْ كَثِيرٍ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (وَشُرِطَ النَّمَاءُ) فِي النِّصَابِ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ (تَيْسِيرًا) لِلْأَدَاءِ وَتَحْقِيقًا لِلْغِنَى لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْمَالِ تَتَجَدَّدُ زَمَانًا فَزَمَانًا وَهُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ نَامِيًا تُغْنِيهِ الْحَوَائِجُ قَرِيبًا فَيَكُونُ الْغِنَى بِدُونِ الِاسْتِنْمَاءِ نَاقِصًا فِي مَعْرِضِ الزَّوَالِ وَإِذَا كَانَ نَامِيًا تَعَيَّنَ صَرْفُ النَّمَاءِ إلَى الْحَاجَاتِ الْمُتَجَدِّدَةِ فَيَبْقَى أَصْلُ الْمَالِ فَاضِلًا عَنْ الْحَوَائِجِ فَيَحْصُلُ بِهِ الْغِنَى وَيَتَيَسَّرُ عَلَيْهِ مِنْهُ الْأَدَاءُ (وَأُقِيمَ الْحَوْلُ مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ النَّمَاءِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَوْلَ. (طَرِيقُهُ) أَيْ النَّمَاءِ إقَامَةً لِلسَّبَبِ الْمُؤَدِّي إلَى الشَّيْءِ مَقَامَ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِأَنَّ الْحَوْلَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي لَهَا تَأْثِيرٌ فِي النَّمَاءِ بِالدَّوْرِ وَالنَّسْلِ وَزِيَادَةِ الْقِيمَةِ بِتَفَاوُتِ الرَّغَبَاتِ فِي شِرَاءِ مَا يُنَاسِبُ كُلَّ فَصْلٍ فَصَارَ الْحَوْلُ شَرْطًا وَتَجَدُّدُهُ تَجَدُّدٌ لِلنَّمَاءِ وَتَجَدُّدُ النَّمَاءِ تَجَدُّدٌ لِلْمَالِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ بِوَصْفِ النَّمَاءِ وَالْمَالُ بِهَذَا النَّمَاءِ غَيْرُهُ بِذَلِكَ النَّمَاءِ ثُمَّ حَيْثُ أُقِيمَ الْحَوْلُ مَقَامَ النَّمَاءِ كَانَ تَكَرُّرُ الْوُجُوبِ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ تَكَرُّرَ الْحُكْمِ بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ لَا بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ هَذَا وَاتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ هُوَ الشَّهْرُ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ ثُمَّ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُمْ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلصَّوْمِ) أَيْ لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ (الْجُزْءُ الْأَوَّلُ) الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ (مِنْ الْيَوْمِ لِأَنَّ إيجَابَ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ شَرِيفٍ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْوَقْتِ لِحَقِّ تِلْكَ الْعِبَادَةِ وَالْعِبَادَةُ فِي الْأَدَاءِ دُونَ الْإِيجَابِ فَإِنَّهُ صُنْعُ اللَّهِ وَالصَّوْمُ وَجَبَ فِي الْيَوْمِ. (وَلَا دَخْلَ لِلَّيْلِ فِيهِ) أَيْ فِي الصَّوْمِ فَكَانَ السَّبَبُ الْيَوْمَ؛ ثُمَّ صَوْمُ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ عَلَى حِدَةٍ مُخْتَصٌّ بِشَرَائِطِ وُجُودِهِ مُنْفَرِدٌ بِالِانْتِقَاضِ بِطُرُوءِ نَوَاقِضِهِ مُتَعَلِّقٌ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ وَذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى اسْتِوَاءِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي فِي سَبَبِيَّتِهِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ ثَابِتَةٌ لِمُطْلَقِ شُهُودِ الشَّهْرِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ لِإِظْهَارِ شَرَفِهِ وَشَرَفُهُ فِيهَا جَمِيعًا وَمِنْ ثَمَّةَ تَصِحُّ نِيَّةُ صَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ بَعْدَ تَحَقُّقِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَتِهِ وَلَا تَصِحُّ قَبْلَ دُخُولِ جُزْءٍ مِنْهَا لِأَنَّ نِيَّةَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ تَجُوزُ بَعْدَ تَصَوُّرِ سَبَبِهِ لَا قَبْلَهُ وَلَزِمَ قَضَاءُ الشَّهْرِ لِمَنْ كَانَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ وَاسْتَمَرَّ مَجْنُونًا حَتَّى مَضَى الشَّهْرُ فَأَفَاقَ وَلِلْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْهُ ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ وَلَوْ لَمْ يَتَقَرَّرْ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ مِمَّا شَهِدَ مِنْ الشَّهْرِ حَالَةَ الْأَهْلِيَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ وَأُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِ اللَّيَالِي لَهَا دَخْلٌ فِي السَّبَبِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا جَوَازُ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلِأَنَّ اللَّيْلَ تَابِعٌ) لِلنَّهَارِ (فِي الشَّرَفِ) الَّذِي لِلنَّهَارِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَقْتًا لِلصَّوْمِ. فَإِنْ قِيلَ لِلَّيْلِ شَرَفٌ مُسْتَقِلٌّ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَقْتٌ لِقِيَامِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِي شَرَفٍ يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِيَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِأَدَاءِ مُسَبَّبِهِ (وَتَحَقَّقَتْ ضَرُورَةٌ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي جَعْلِ اللَّيْلِ تَابِعًا لِلنَّهَارِ فِي جَوَازِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ شَرَفِهِ لِأَنَّ فِي اقْتِرَانِهَا بِأَوَّلِ أَجْزَاءِ الصَّوْمِ عُسْرًا وَحَرَجًا فَأُقِيمَتْ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ مَقَامَ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَوَّلِ أَجْزَاءِ الصَّوْمِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. (وَالْجُنُونُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ بِالسَّبَبِ) لِأَنَّهُ بِجُمْلَتِهِ يَثْبُتُ بِهِ جَبْرًا (بَلْ) لَا يُنَافِيهَا (بِالْخِطَابِ) إذْ كَانَ وُجُوبُهُ (لِيَظْهَرَ) أَثَرُهُ (فِي الْحَالِ فِي) الْوَاجِبِ (الْمَالِيِّ غَيْرِ الزَّكَاةِ) مِنْ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَالُ وَوُصُولُهُ إلَى مُعَيَّنٍ وَهُوَ لَا يَتَعَذَّرُ مَعَ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِالنَّائِبِ بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ كَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إيجَابِهَا إيجَادُ نَفْسِ الْفِعْلِ ابْتِلَاءً لِيَظْهَرَ الطَّائِعُ مِنْ الْعَاصِي وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عَنْ اخْتِيَارِ صَحِيحٍ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ بِدُونِ الْعَقْلِ فَانْتَفَى الْوُجُوبُ لِانْتِفَاءِ حُكْمِهِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ (وَ) لِيَظْهَرَ (فِي الْمَالِ) أَيْ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ (فَائِدَةُ الْقَضَاءِ بِلَا حَرَجٍ وَهُوَ فِيهِ) أَيْ الْحَرَجِ فِي الْقَضَاءِ (بِالْكَثْرَةِ) وَهِيَ فِي كُلٍّ بِحَسَبِهِ فَفِي

الصَّوْمِ يَحْصُلُ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ مِنْ الْكَثْرَةِ بِقَوْلِهِ (اسْتِيعَابُ الشَّهْرِ جُنُونًا) لِأَنَّ الشَّهْرَ تَامٌّ وَقْتُهُ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرٌ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْكَثْرَةُ فِيمَا إذَا أَفَاقَ بَعْضَ لَيْلَةٍ مِنْهُ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَفِيهِ) أَيْ تَقْدِيرُ الْكَثْرَةِ بِاسْتِيعَابِ الشَّهْرِ (تَأَمُّلٌ) إذْ يَلْزَمُ مِنْ الْحَرَجِ فِي إلْزَامِهِ بِقَضَاءِ الشَّهْرِ فِيمَا إذَا أَفَاقَ فِي سَاعَةٍ مِنْهُ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ مَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَرَجِ فِي إلْزَامِهِ بِقَضَاءِ الشَّهْرِ لَوْ اسْتَوْعَبَهُ وَإِذَا كَانَ الْحَرَجُ مُسْقِطًا فِي هَذَا فَكَذَا فِيمَا قَبْلَهُ وَإِلَّا عَادَ الْأَمْرُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ ثُمَّ قَدْ أُيِّدَ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ لَمْ تَكُنْ الْأَيَّامُ مِعْيَارًا لِلصَّوْمِ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الْأَدَاءِ لِوُجُوبِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْجُزْءُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ فَاصِلًا فَلَا يَكُونُ كُلُّ يَوْمٍ مِعْيَارًا لِصَوْمِهِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى خِلَافِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُؤَيَّدَ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ هُنَا الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فَيَكُونُ الْحُكْمُ مُقَارِنًا لَهُ لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ مُقَارِنَةٌ لِأَحْكَامِهَا كَالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ كَمَا فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ اهـ. (قُلْت) لَكِنَّ هَذَا الزَّعْمَ غَيْرُ تَامٍّ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَحْثِ ثُمَّ كَوْنُ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَقْلِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً لَيْسَ بِالْمُتَّجَهِ بَلْ الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَعْقُبُهَا بِلَا فَصْلٍ كَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا بَأْسَ بِالْإِسْعَافِ بِذِكْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَنَّ الْعُقَلَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْمَعْلُولَ يَعْقُبُهَا بِلَا فَصْلٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُمَا مَعًا فِي الْخَارِجِ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ خَصَّصُوا الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ فَجَعَلُوهَا تَسْتَعْقِبُ الْمَعْلُولَ لِأَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ كَالْأَعْيَانِ بَاقِيَةً فَأَمْكَنَ فِيهَا اعْتِبَارُ الْأَصْلِ وَهُوَ تَقَدُّمُ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْأَثَرِ بِخِلَافِ نَحْوِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ لِأَنَّهَا عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَلَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ تَقْدِيمِهَا وَإِلَّا بَقِيَ الْفِعْلُ بِلَا قُدْرَةٍ وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ التَّعْقِيبُ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ حَتَّى أَنَّ الِانْكِسَارَ يَعْقُبُ الْكَسْرَ فِي الْخَارِجِ غَيْرَ أَنَّهُ لِسُرْعَةِ إعْقَابِهِ مَعَ قِلَّةِ الزَّمَنِ إلَى الْغَايَةِ إذَا كَانَ آنِيًّا لَمْ يَقَعْ تَمْيِيزُ التَّقَدُّمِ وَالتَّأْخِيرِ فِيهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَا يَقُومُ بِهِ التَّأْثِيرُ قَبْلَ وُجُودِهِ وَحَالَةَ خُرُوجِهِ مِنْ الْعَدَمِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكْمُلَ هُوِيَّتُه لِيَقُومَ بِهِ عَارِضُهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا اهـ. وَعَلَى التَّعَقُّبِ مَشَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ فِي غَيْرِ مَا فَرْعٍ، ثُمَّ مِنْ هَذَا يُعْرَفُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي مُقَارَنَةِ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لِمَعْلُولِهَا بِالزَّمَانِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّخَلُّفُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ مِنْ أَنَّ كَوْنَ الْإِيجَادِ بَعْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ مَعَ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّأْثِيرِ بَعْدِيَّةً زَمَانِيَّةً مَمْنُوعٌ لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ قَالَ فِيهِ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ يَجِبُ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْمَعْلُولِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ الْعِلَّةَ النَّاقِصَةَ أَوْ التَّامَّةُ الَّتِي هِيَ الْفَاعِلُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلْحَجِّ الْبَيْتُ لِلْإِضَافَةِ) أَيْ الْحَجِّ إلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَالْإِضَافَةُ مِنْ دَلَائِلِ السَّبَبِيَّةِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ سَبَبِ وُجُوبِهِ الْبَيْتَ (لَمْ يَتَكَرَّرْ) وُجُوبُ الْحَجِّ لِأَنَّ سَبَبَهُ وَاحِدٌ غَيْرُ مُتَكَرِّرٍ. وَأَمَّا الْوَقْتُ فَشَرْطُ جَوَازِ أَدَائِهِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ بِدُونِهِ وَلَيْسَ بِسَبَبٍ وَإِلَّا تَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِهِ وَالِاسْتِطَاعَةُ شَرْطُ وُجُوبِهِ إذْ لَا وُجُوبَ بِدُونِهَا لَا شَرْطُ جَوَازِهِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْفَقِيرِ وَإِلَّا كَانَ أَدَاءً قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ حِينَئِذٍ (فَاتَّفَقُوا) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ وَالْمُتَقَدِّمُونَ فِي هَذِهِ الْأَسْبَابِ (فِيمَا سِوَى) سَبَبِ (الصَّلَاةِ) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيمَا سِوَى سَبَبِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْوَقْتُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ نِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ فِيهِ وَأَنَّهَا قُدِّرَتْ بِالْوَقْتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ آنِفًا وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ حَيْثُ قَالَ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ سَبَبٌ مَحْضٌ عَلَامَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَالنِّعَمُ فِيهِ الْعِلَّةُ بِالْحَقِيقَةِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ لَهَا النِّعَمُ إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَهَا بِنِعْمَةِ الْأَعْضَاءِ السَّلِيمَةِ بِخِلَافِ سَبَبِ وُجُوبِ الْإِيمَانِ إذْ مِنْ قَائِلٍ بِأَنَّهُ نِعْمَةُ الْوُجُودِ وَكَمَالُ الْعَقْلِ وَمِنْ قَائِلٍ بِأَنَّهُ نَفْسُ حَدَثِ الْعَالَمِ. (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِصَدَقَةِ الْفِطْرِ الرَّأْسُ الَّذِي يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ) أَيْ يَقُومُ الْإِنْسَانُ بِكِفَايَتِهِ وَيَتَحَمَّلُ ثِقَلَهُ بِسَبَبِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ الْوِلَايَةَ الْمُطْلَقَةَ مِنْ التَّزْوِيجِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا وَالْوِلَايَةُ نَفَاذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى فَلَا يَكُونُ الرَّأْسُ سَبَبًا حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهِ الْوَصْفَانِ الْوِلَايَةُ

وَالْمُؤْنَةُ فَخَرَجَ الصَّغِيرُ الَّذِي لَهُ مَالٌ تَجِب نَفَقَتُهُ فِيهِ لِانْعِدَامِ الْمُؤْنَةِ عَلَى غَيْرِهِ فِي حَقِّهِ حَتَّى الْأَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ وُجِدَتْ الْوِلَايَةُ الْمُطْلَقَةُ لِلْأَبِ عَلَيْهِ وَالِابْنُ الْبَالِغُ الزَّمِنُ الْمُعْسِرُ وَالْمَرْأَةُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ الْمُطْلَقَةِ لِلْأَبِ وَالزَّوْجِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ وُجِدَتْ الْمُؤْنَةُ لَهُمَا عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ الرَّأْسَ الْمَذْكُورَ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ الْحَدِيثِ وَيَبْقَى بَعْدَهُ عِلَاوَةً إضَافَةُ الصَّدَقَةِ إلَى الرَّأْسِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ زَكَاةُ رُءُوسِ النَّاسِ ضَحْوَةَ فِطْرِهِمْ ... بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَاعٌ مِنْ الْبُرِّ لِأَنَّهَا دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ فَلَا يَضُرُّ فِي الْمَطْلُوبِ أَنَّ تَمَامَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِهِ مَسْمُوعًا مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِوَضْعِهِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ أَوْ صِحَّةِ مَا قَالُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالْإِضَافَةُ إلَى الْفِطْرِ الشَّرْطُ) لِوُجُوبِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْفِطْرِ (مَجَازٌ) لِأَنَّهُ زَمَانُ الْوُجُوبِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الشَّرْطِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُلَابَسَةِ (بِدَلِيلِ التَّعَدُّدِ) لِوُجُوبِهَا (بِتَعَدُّدِ الرَّأْسِ) تَقْدِيرًا لِأَنَّ الرَّأْسَ لَمَّا صَارَ سَبَبًا بِوَصْفِ الْمُؤْنَةِ وَهِيَ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ كَانَ الرَّأْسُ لِتَجَدُّدِهَا مُتَجَدِّدًا تَقْدِيرًا كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي النِّصَابِ لِلزَّكَاةِ لَا إنْ تَكَرَّرَ الْوَاجِبُ بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ مَعَ اتِّحَادِ الرَّأْسِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ سَبَبِيَّةُ الْوَقْتِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ فِي هَذَا مَا فِيهِ. وَالْأَظْهَرُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» ) كَذَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ وَتَقَدَّمَ فِي تَقْسِيمِ مُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيَّ رَوَيَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ» فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَفَادَ) بِهَذَا (تَعَلُّقَهَا) أَيْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِالْمَأْمُورِينَ بِهَا مِنْ الْأَبِ وَالْمَوْلَى بِسَبَبِ الْمُشَارِ إلَيْهِمْ (بِالْمُؤَنِ) أَيْ بِسَبَبِ وُجُوبِ مُؤْنَتِهِمْ عَلَى الْمَأْمُورِينَ بِهَا حَتَّى كَأَنَّ الْمَعْنَى تَحَمَّلُوا هَذِهِ الصَّدَقَةَ بِسَبَبِ مَنْ وَجَبَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْكُمْ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْمُؤَنِ رَأْسٌ يَلِي عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ دُونَ الْوَقْتِ إذْ الرَّأْسُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى الْمُؤْنَةِ دُونَ الْوَقْتِ وَكَيْفَ لَا وَمُؤْنَةُ الشَّيْءِ سَبَبٌ لِبَقَائِهِ وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الرَّأْسِ دُونَ الْوَقْتِ فَيَتَلَخَّصُ مِنْهُ أَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ هَؤُلَاءِ وَالْقَطْعُ مَعَ جِهَةِ الشَّرْعِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَمَّنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي مُؤْنَتِهِ وَوِلَايَتِهِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إجْمَاعًا عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ عَبْدِ غَيْرِهِ وَوَلَدِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ عَلَيْهِ وَمَانَهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ بِسَبَبِ غَيْرِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَزِمَ أَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ نَعَمْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ السَّبَبِ فِي الْجَدِّ إذَا كَانَتْ نَوَافِلُهُ صِغَارًا فِي عِيَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ عَنْهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّهُ يُمَوِّنُهُمْ وَيَلِي عَلَيْهِمْ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ صَدَقَةَ فِطْرِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْحَقِيقِيِّ) أَيْ بِالنَّمَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ النَّمَاءُ لَهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْعُشْرَ اسْمٌ (إضَافِيٌّ) إذْ هُوَ اسْمٌ لِوَاحِدٍ مِنْ عَشَرَةٍ فَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خَارِجُهُ لَا يَتَحَقَّقُ عُشْرُهُ وَهُوَ (عِبَادَةٌ) أَيْ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ (بِخِلَافِ الْخَرَاجِ) الْمُوَظَّفِ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ (بِالتَّقْدِيرِيِّ) أَيْ بِالنَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ (وَهُوَ) أَيْ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ (بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ) وَالِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْخَارِجِ إذْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالدَّرَاهِمِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْخَارِجِ (فَكَانَ) الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ (عُقُوبَةً) لِمَا فِي الِاشْتِغَالِ بِتَحْصِيلِهِ بِالزِّرَاعَةِ مِنْ عِمَارَةِ الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْجِهَادِ وَهُوَ سَبَبُ الْمَذَلَّةِ (مُؤْنَةً لَهَا) أَيْ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِبَقَائِهَا فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ (فَلَزِمَا) أَيْ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ (فِي مَمْلُوكَةِ الصَّبِيِّ) أَيْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ وَالْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ فَيَجِبُ فِيهِمَا الْعُشْرُ إنْ كَانَتَا عُشْرِيَّتَيْنِ وَالْخَرَاجُ إنْ كَانَتَا خَرَاجِيَّتَيْنِ لِوُجُودِ سَبَبِهِمَا فِيهِمَا (وَلَمْ يَجْتَمِعَا) أَيْ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ (فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ) عِنْدَ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ ذَاتًا لِأَنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْخَرَاجُ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى

الْعُقُوبَةِ، وَمَحَلًّا فَإِنَّ الْعُشْرَ فِي الْخَارِجِ وَالْخَرَاجُ فِي الذِّمَّةِ، وَسَبَبًا لِأَنَّ سَبَبَ الْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا وَسَبَبَ الْخَرَاجِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ تَقْدِيرًا بِهِ، وَمَصْرِفًا إذْ مَصْرِفُ الْعُشْرِ الْفُقَرَاءُ وَمَصْرِفُ الْخَرَاجِ الْمُقَاتِلَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَ السَّبَبَانِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ فَيَجِبَانِ كَوُجُوبِ الدَّيْنِ مَعَ أَحَدِهِمَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا ذَاتًا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَهُمَا فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ سَبَبَهُمَا مُتَعَدِّدٌ بَلْ هُوَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ النَّمَاءُ فِي الْعُشْرِ تَحْقِيقًا وَفِي الْخَرَاجِ تَقْدِيرًا وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَيْهَا فَيُقَالُ خَرَاجُ الْأَرْضِ وَعُشْرُ الْأَرْضِ وَإِذَا كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا كَانَ الْمُسَبَّبُ أَحَدَهُمَا مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ بَيْنَهُمَا كَالدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ اتِّحَادَ السَّبَبِ يُوجِبُ اتِّحَادَ الْحُكْمِ. (وَقَدْ يُقَالُ جَازَ) أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ (الْوَاحِدُ سَبَبًا لِمُتَعَدِّدٍ) مِنْ الْأَحْكَامِ (كَالْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ) أَيْ كَمَا جَازَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ الْوَاحِدَةُ عِلَّةً لِمُتَعَدِّدٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالزِّنَا فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِلتَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ كَمَا تَقَدَّمَ (وَيُجَابُ بِأَنَّ) الْجَوَازَ الْمَذْكُورَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ جِهَتَيْ الْحُكْمِ تَنَافٍ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ (جِهَتَيْهِمَا) أَيْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ (مُتَنَافِيَةٌ) وَالْوَجْهُ مُتَنَافِيَتَانِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْجِهَةَ (فِي إحْدَاهُمَا) أَيْ أَرْضَيْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ (أَمَّا) أَرْضٌ تُسْقَى (بِمَاءٍ خَاصٍّ) وَهُوَ الْأَنْهَارُ الَّتِي شَقَّتْهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَيْدِي وَمَاءِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ الَّتِي كَانَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ حَوَيْنَاهَا قَهْرًا وَالْمُسْتَنْبَطَة مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (أَوْ) أَرْضٍ صَارَتْ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ (فَتْحٍ عَنْوَةً) أَيْ قَهْرًا لَهَا (إلَخْ) أَيْ وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَيْهَا الْخَرَاجَ أَوْ صَالَحَهُمْ مِنْ جَمَاجِمِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ عَلَى وَظِيفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَهَذِهِ الْأَرَاضِي كُلُّهَا خَرَاجِيَّةٌ (وَفِي) الْأَرْضِ (الْأُخْرَى) وَهِيَ الْعُشْرِيَّةُ الْأَمْرُ فِيهَا (بِخِلَافِهِمَا) أَيْ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ وَالْفَتْحِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ تُسْقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ مَاءِ الْبِحَارِ أَوْ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْأَيْدِي وَبِأَنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ (فَلَا يَجْتَمِعَانِ) أَيْ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ (فِي) مَحَلٍّ (وَاحِدٍ) لِتَنَافِي لَازِمَيْهِمَا إذْ لَازِمُ الْخَرَاجِ الْكَرَّةُ وَلَازِمُ الْعُشْرِ الطَّوْعُ وَتَنَافِي اجْتِمَاعِ اللَّوَازِمِ يُوجِبُ تَنَافِي اجْتِمَاعِ الْمَلْزُومَاتِ. (قُلْت) وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَعْلُومٌ أَنَّ بَعْضَ صُوَرِ الْخَرَاجِ يَكُونُ مَعَ الْفَتْحِ عَنْوَةً وَهُوَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا. وَكَذَا بَعْضُ صُوَرِ الْعُشْرِ وَهُوَ فِيمَا إذَا فَتَحَهَا عَنْوَةً وَقَسَّمَهُمَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَمَا أَنَّ بَعْضَ صُوَرِ الْخَرَاجِ لَا يَكُونُ مَعَ الْعَنْوَةِ بَلْ لِلصُّلْحِ أَوْ بِأَنْ أَحْيَاهَا وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْأَنْهَارِ الصِّغَارِ أَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ تَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا مُطْلَقًا نَعَمْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَعَ هَذَا فَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الرَّاشِدِينَ مِنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ لَمْ يَأْخُذُوا عُشْرًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَإِلَّا لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ تَفَاصِيلُ أَخْذِهِمْ الْخَرَاجَ بِهَذَا تَقْضِي الْعَادَةُ وَكَوْنُهُمْ فَوَّضُوا الدَّفْعَ إلَى الْمُلَّاكِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ أَرَأَيْت إذَا كَانَ الْعُشْرُ وَظِيفَةً فِي الْأَرْضِ الَّتِي وُظِّفَ فِيهَا الْخَرَاجُ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ فَهَلْ يَقْرُبُ أَنْ يَتَوَلَّوْا أَخْذَ وَظِيفَةٍ وَيَكِلُوا الْأُخْرَى إلَيْهِمْ لَيْسَ لِهَذَا مَعْنًى وَكَيْفَ وَهُمْ كُفَّارٌ لَا يُؤْمِنُونَ عَلَى أَدَائِهِ مِنْ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ وَإِذَا كَانَ الظَّنُّ عَدَمَ أَخْذِ الثَّلَاثَةِ صَحَّ دَلِيلًا بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَيَكُونُ إجْمَاعًا هَذَا وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً كَالْعُشْرِ ذَكَرَهُ فِي أُصُولِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْخَانِيَّةِ وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَيْءٌ مِنْ الْخَارِجِ وَإِنَّمَا يُفَارِقُ الْعُشْرَ فِي الْمَصْرِفِ. (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلطَّهَارَةِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 6] {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْقِيَامِ) أَيْ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ الْقِيَامُ مُطْلَقًا السَّبَبَ (بَلْ) السَّبَبُ لِوُجُوبِهَا (الْإِرَادَةُ) لِلصَّلَاةِ وَالْحَدَثُ شَرْطُ وُجُوبِهَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَتَرْتِيبُهَا عَلَيْهَا يُشْعِرُ بِسَبَبِيَّتِهَا وَالْغَرَضُ مِنْ الطَّهَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى بِصِفَتِهَا فَلَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا وَذَلِكَ بِالْحَدَثِ فَيَتَوَقَّفُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ شَرْطًا وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ بِمَا فِي ذِكْرِهِ هُنَا طُولٌ

فَيُرَاجَعْ مِنْهُ (وَالْحَدَثُ) عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِدَوَرَانِهَا مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا وَأُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِ الدَّوَرَانِ دَلِيلَ الْعِلِّيَّةِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ وُجُودٌ مَوْجُودٌ لِوُجُودِ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَفِي حَقِّ غَيْرِ الْبَالِغِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الشَّيْءِ مَا يُفْضِي إلَيْهِ وَالْحَدَثُ يُزِيلُ الطَّهَارَةَ وَيُنَافِيهَا وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ سَبَبًا لِنَفْسِهَا بَلْ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ لَا يُنَافِيهِ بَلْ يُفْضِي إلَيْهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (ثُمَّ إنْ نَقَضَهَا) أَيْ نَقَضَ الْحَدَثَ طَهَارَةٌ سَابِقَةٌ عَلَيْهِ (لَمْ يَمْتَنِعْ) مَعَهُ أَنْ يَكُونَ نَفْسُهُ (سَبَبًا لِوُجُوبِ) طَهَارَةٍ (أُخْرَى) لَاحِقَةٍ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا (لَكِنْ مَعَ الصَّلَاحِيَّةِ) أَيْ صَلَاحِيَّةِ الْحَدَثِ لِسَبَبِيَّتِهِ لَهَا (يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلِ الِاعْتِبَارِ) أَيْ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ عَلَى كَوْنِهِ سَبَّبَهَا لَهَا لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِدَلِيلِ الْجَعْلِ لَا بِمُجَرَّدِ التَّجْوِيزِ وَدَلِيلُ الْجَعْلِ مَفْقُودٌ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي آخَرِينَ سَبَبُ وُجُوبِهَا الصَّلَاةُ وَالْحَدَثُ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِإِضَافَتِهَا إلَى الصَّلَاةِ فَيُقَالُ طَهَارَةُ الصَّلَاةِ وَثُبُوتُهَا بِثُبُوتِهَا وَسُقُوطُهَا بِسُقُوطِهَا وَلَا يَخْفَى عَدَمُ ظُهُورِ كَوْنِ مُجَرَّدِ الصَّلَاةِ سَبَبًا مُوجِبًا لِلطَّهَارَةِ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُوجِبَ لَهَا وُجُوبَ مَا يَسْتَلْزِمُ تَحْقِيقَهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا الصَّلَاةُ أَيْ وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ مَشْرُوطِهَا) لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ إيجَابَ الشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ إيجَابَ شَرْطِهِ (وَأَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ الْمَحْضَةِ كَالْحُدُودِ مَحْظُورَاتٌ مَحْضَةٌ) مِنْ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَغَيْرِهَا. (وَ) أَسْبَابُ (مَا فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إذْ لَمْ تَجِبْ) الْكَفَّارَاتُ (ابْتِدَاءً تَعْظِيمًا) لِلَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ بَلْ أَجِزْيَةً عَلَى أَفْعَالٍ مِنْ الْعِبَادِ فِيهَا مَعْنَى الْحَظْرِ زَجْرًا عَنْهَا وَهَذَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ إذْ الْعُقُوبَةُ مَا وَجَبَ جَزَاءً عَلَى ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْمَأْثَمَ بِهِ (وَشُرِعَ فِيهَا نَحْوُ الصَّوْمِ) مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْإِعْتَاقِ (وَلَزِمَتْ النِّيَّةُ) فِيهَا شَرْطًا لَهَا وَهَذَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا مُوَضَّحًا مَعَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ ثُمَّ أَسْبَابُ مَا فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ) لِتَقَعَ الْمُلَاءَمَةُ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْعِبَادَةِ مُضَافًا إلَى صِفَةِ الْعِبَادَةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ مُضَافًا إلَى صِفَةِ الْحَظْرِ إذْ الْأَثَرُ أَبَدًا يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْمُؤَثِّرِ وَلِذَا لَا يَصْلُحُ الْمَحْظُورُ الْمَحْضُ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ سَبَبًا لَهَا كَمَا لَا يَصْلُحُ الْمُبَاحُ الْمَحْضُ كَالْقَتْلِ بِحَقٍّ وَالْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ سَبَبًا لَهَا وَذَلِكَ (كَالْإِفْطَارِ) الْعَمْدِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ وَمَحْظُورٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ الْإِفْطَارَ بِالزِّنَا أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ مَعَ أَنَّ كُلًّا حَرَامٌ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ يُلَاقِي الْإِمْسَاكَ وَالْإِمْسَاكُ حَقُّهُ وَلِهَذَا يَصِيرُ بِهِ مُتَعَبِّدًا لِلَّهِ تَعَالَى فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِفْطَارَ لَاقَى حَقَّهُ يَكُونُ مُبَاحًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ يَكُونُ مَحْظُورًا وَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ لَيْسَا بِسَبَبَيْنِ لِلْكَفَّارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِهِمَا وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لَهَا الْفِطْرُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْفِطْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ الْمَمْلُوكِ لَهُ تَمَكَّنَتْ فِيهِ جِهَةُ الْإِبَاحَةِ وَلَا تَفَاوُتَ فِي تَحَقُّقِ هَذِهِ الْجِهَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفِطْرُ بِالْمُبَاحِ أَوْ الْحَرَامِ وَفِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلْقَآنِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْهُ انْتَهَى. يَعْنِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَحْظُورٌ مَحْضٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالظِّهَارُ) وَهُوَ تَشْبِيهُ الزَّوْجَةِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهَا شَائِعٌ أَوْ مُعَبَّرٍ بِهِ عَنْ الْكُلِّ بِمَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْحُرْمَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ طَلَاقًا مُبَاحٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ مَحْظُورٌ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ وَقَدْ أَسْلَفْت فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ أَنَّ آخَرِينَ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ جَمِيعًا لِأَنَّ الظِّهَارَ كَبِيرَةٌ فَلَا يَصْلُحُ وَحْدَهُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ وَيَصْلُحُ مَعَ الْعَوْدِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَأَنَّ آخَرِينَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ وَالظِّهَارُ شَرْطٌ وَبَيَانُ الْوَجْهِ فِي كِلَيْهِمَا وَمَا عَلَيْهِمَا وَمَا لَعَلَّهُ الْأَشْبَهُ مَعَ زِيَادَةِ مَبَاحِثَ فَلْيُسْتَذْكَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ مِنْهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ سُكُوتُهُ بَعْدَ ظِهَارِهِ قَدْرَ

مَا يُمْكِنُهُ طَلَاقُهَا وَرُدَّ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْكَفَّارَةِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَالْجِنَايَةِ وَالظِّهَارُ لَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ لِيَكُونَ الْإِمْسَاكُ عَنْ طَلَاقِهَا جِنَايَةً وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْإِمْسَاكُ عَنْ طَلَاقِهَا لِلسَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ الْكَفَّارَةِ أَوْ لِلتَّرَوِّي فِي طَلَاقِهَا فَلَا يَكُونُ مُجَرَّدُهُ جِنَايَةً فَلَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لَهَا (وَالْقَتْلُ الْخَطَأُ) سَوَاءٌ كَانَ خَطَأً فِي الْقَصْدِ بِأَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ فِي الْفِعْلِ بِأَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا فَهُوَ مُبَاحٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ مَعْصُومِ الدَّمِ وَمَحْظُورٌ بِاعْتِبَارِ إصَابَةِ مَعْصُومِ الدَّمِ، وَقَتْلُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ أَوْ فِي الْحَرَمِ وَلُبْسُهُ وَتَطَيُّبُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ وَجِمَاعُهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قَتْلُ صَيْدٍ وَارْتِفَاقٌ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالْجِمَاعِ مُبَاحَةٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِهِ أَوْ الْحَرَمِ مَحْظُورَةٌ وَالْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ الْمُنْتَقِضَةُ بِالْحِنْثِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي اجْتِمَاعِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فِيهَا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] أَيْ بَذْلُهُ فِي كُلِّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ وَالْحِنْثَ شَرْطٌ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَقْضِهِ بِالْحِنْثِ مَحْظُورٌ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 46] وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الْحِنْثِ سَبَبٌ. وَفِي التَّحْقِيقِ وَإِلَى كُلِّ وَاحِدٍ ذَهَبَ فَرِيقٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَفِي الْكَشْفِ مَا مُلَخَّصُهُ الْيَمِينُ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ بِلَا خِلَافٍ لِإِضَافَتِهَا إلَيْهَا إلَّا أَنَّهَا عِنْدَنَا سَبَبٌ بِصِفَةِ كَوْنِهَا مَعْقُودَةً لِأَنَّهَا الدَّائِرَةُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا فَوَاتُ الْبِرِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْيَمِينِ الْبِرُّ احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ خَلَفًا عَنْ الْبِرِّ لِيَصِيرَ كَأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ فَشُرِطَ فَوَاتُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَلَفِ وَالْأَصْلِ وَالْيَمِينِ وَإِنْ انْعَدَمَتْ بَعْدَ الْحِنْثِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ أَعْنِي الْبِرَّ فَهِيَ قَائِمَةٌ فِي حَقِّ الْخَلَفِ فَالسَّبَبُ فِي الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ وَاحِدٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ سَبَبٌ بِصِفَةِ كَوْنِهَا مَعْقُودَةً وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ أَصْلًا لَا خَلَفًا عَنْ الْبِرِّ بِشَرْطِ فَوَاتِ التَّصْدِيقِ مِنْ الْخَبَرِ فَلَا تَجِبُ فِي الْغَمُوسِ عِنْدَنَا وَتَجِبُ فِيهَا عِنْدَهُ (وَفِي تَحْرِيرِهِ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (نَوْعُ طُولٍ) لَا بَأْسَ بِطَيِّهِ فِي الْمُتُونِ كَمَا لَا بَأْسَ بِبَسْطِهِ فِي الشُّرُوحِ فَلَا جَرَمَ أَنْ طَوَاهُ وَبَسَطْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. (وَ) السَّبَبُ (لِشَرْعِيَّةِ الْمُعَامَلَاتِ) مِنْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَغَيْرِهِمَا (الْبَقَاءُ) لِلْعَالَمِ (عَلَى النِّظَامِ الْأَكْمَلِ إلَى الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ) بَقَاؤُهُ إلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ لِهَذَا النِّظَامِ الْمَنُوطِ بِنَوْعِ الْإِنْسَانِ بَقَاءً إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حِفْظِ الْأَشْخَاصِ إذْ بِهَا بَقَاءُ النَّوْعِ وَالْإِنْسَانُ لِفَرْطِ اعْتِدَالِ مِزَاجِهِ يَفْتَقِرُ فِي الْبَقَاءِ إلَى أُمُورٍ صِنَاعِيَّةٍ فِي الْغِذَاءِ وَاللِّبَاسِ وَالْمَسْكَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهِيَ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ كُلِّ فَرْدٍ بِهَا وَعَدَمِ تَهَيُّئِهَا لَهُ يُفْتَقَرُ إلَى مُعَاوَنَةٍ وَمُشَارَكَةٍ فِيهَا مِنْ أَفْرَادِ النَّوْعِ ثُمَّ يَحْتَاجُ لِلتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ إلَى ازْدِوَاجٍ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَقِيَامٍ بِالْمَصَالِحِ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ يَفْتَقِرُ إلَى أُصُولٍ كُلِّيَّةٍ مُقَرَّرَةٍ مِنْ الشَّارِعِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا الْأَحْكَامُ الْجُزْئِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَصَالِح الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ لِيَحْفَظَ بِهَا الْعَدْلَ وَالنِّظَامَ بَيْنَهُمْ فِي بَابِ الْمُنَاكَحَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَقَاءِ النَّوْعِ وَالْمُبَايَعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَقَاءِ الشَّخْصِ إذْ كُلُّ أَحَدٍ يَشْتَهِي مَا يُلَائِمُهُ وَيَغْضَبُ عَلَى مَنْ يُزَاحِمُهُ فَيَقَعُ الْجَوْرُ وَيَخْتَلُّ النِّظَامُ وَهِيَ الْمُعَامَلَاتُ الْمَزْبُورَةُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ فَصَدَقَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَمَا تَقَدَّمَ) فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ (مِنْ حِفْظِ الضَّرُورِيَّاتِ وَالْحَاجِيَّاتِ تَفْصِيلُ هَذَا) . (وَ) السَّبَبُ (لَلِاخْتِصَاصَاتُ) الشَّرْعِيَّةُ (كَالْمِلْكِ) وَالْحُرْمَةِ وَإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقَبَةِ لَا إلَى أَحَدِ (التَّصَرُّفَاتِ) الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ (الْمَجْعُولَةِ أَسْبَابًا شَرْعًا) لَهَا (كَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَقَدْ أَطْلَقُوا لَفْظَ السَّبَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فِي فَصْلِ الْعِلَّةِ إطْلَاقُهُمْ عَلَيْهِ (عِلَّةً) فَيَحْتَاجُ إلَى إعْطَاءِ ضَابِطٍ فِي ذَلِكَ بَيَانًا لِاصْطِلَاحِهِمْ فِيهِ وَنَفْيًا لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ (فَقِيلَ) أَيْ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَلَمْ يَعْقِلْ تَأْثِيرَهُ) فِي الْحُكْمِ (وَلَيْسَ) هُوَ (صُنْعَ الْمُكَلَّفِ خُصَّ بِاسْمِ السَّبَبِ) لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْحُكْمِ كَالْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ (وَإِنْ) كَانَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَلَمْ يَعْقِلْ تَأْثِيرَهُ فِيهِ ثَابِتًا (بِصُنْعِهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (وَذَلِكَ الْحُكْمُ هُوَ الْغَرَضُ مِنْ وَضْعِهِ) أَيْ وَضْعِ ذَلِكَ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الْحُكْمُ (فَعِلَّةٌ) أَيْ فَذَلِكَ الْمُتَرَتِّبُ

عَلَيْهِ الْحُكْمُ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ (وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ سَبَبٌ مَجَازًا كَالْبَيْعِ لِلْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) ذَلِكَ الْحُكْمُ (الْغَرَضُ مِنْ وَضْعِهِ كَالشِّرَاءِ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ لَا يُعْقَلُ تَأْثِيرُهُ) أَيْ لَفْظِ الشِّرَاءِ فِي مِلْكِ الْمُتْعَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي (وَلَيْسَ) مِلْكُ الْمُتْعَةِ (الْغَرَضَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشِّرَاءِ (بَلْ) الْغَرَضُ مِنْ الشِّرَاءِ (مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَسَبَبُهُ) أَيْ فَذَلِكَ سَبَبُ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَيْهِ (وَإِنْ عَقَلَ تَأْثِيرَهُ) أَيْ تَأْثِيرَ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْحُكْمِ (خَصَّ) ذَلِكَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ (بِاسْمِ الْعِلَّةِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالِاصْطِلَاحُ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا لَمْ يُعْقَلْ تَأْثِيرُهُ أَيْ مُنَاسَبَتُهُ بِنَفْسِهِ بَلْ) إنَّمَا تُعْقَلُ مُنَاسَبَتُهُ (بِمَا هُوَ مَظِنَّتُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا) فِي فَصْلِ الْعِلَّةِ (وَثَبَتَ) شَرْعًا (اعْتِبَارُهُ) أَيْ اعْتِبَارُ مَا هُوَ مَظِنَّتُهُ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ فَمَظِنَّتُهُ (عِلَّةٌ) لَهُ كَالسَّفَرِ لِقَصْرِ الصَّلَاةِ (وَمَا هُوَ مُفْضٍ) إلَى الْحُكْمِ (بِلَا تَأْثِيرٍ) فِيهِ (سَبَبٌ وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ (خَصَّ اسْمَ الْعِلَّةِ الْحِكْمَةُ) اصْطِلَاحًا (وَالِاصْطِلَاحُ) الْأُصُولِيُّ (نَاطِقٌ بِخِلَافِهِ) أَيْ تَخْصِيصُ الْحِكْمَةِ بِاسْمِ الْعِلَّةِ (وَيُطْلَقُ كُلٌّ) مِنْ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ (عَلَى الْآخَرِ مَجَازًا) وَمِنْ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. (وَأَمَّا الشَّرْطُ) أَيْ أَقْسَامُهُ (فَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ) لَفْظُ شَرْطٍ (حَقِيقِيٌّ) وَهُوَ مَا (يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي الْوَاقِعِ) كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ. (وَ) شَرْطٌ (جَعْلِيٌّ) أَمَّا (لِلشَّرْعِ فَيَتَوَقَّفُ) الْمَشْرُوطُ أَيْ وُجُودُهُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ (شَرْعًا كَالشُّهُودِ لِلنِّكَاحِ وَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ) إذْ لَا وُجُودَ لِلنِّكَاحِ وَالصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّيْنِ الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِهِمَا (وَالْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْعِبَادَاتِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى زَمَانٌ ثُمَّ عَلِمَ لَا يَلْزَمْهُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْوَقْتُ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ شُيُوعُ الْخِطَابِ فِي دَارِ السَّلَامِ وَتَيَسُّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِأَدْنَى طَلَبٍ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقُدْرَةِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْعِلْمِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَمْ يُوجَدَا وَحَيْثُ فَاتَ الشَّرْطُ فِي حَقِّهِ مُنِعَ السَّبَبُ مِنْ الِانْعِقَادِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ وَكَانَتْ الْأَسْبَابُ مِنْ الْوَقْتِ وَالشَّهْرِ وَالْبَيْتِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ وُجُودِهَا حَقِيقَةً كَالْمَعْدُومَةِ حُكْمًا فِي حَقِّهِ. وَأَمَّا وُجُوبُ قَضَائِهَا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهَا حَتَّى مَضَى زَمَانٌ فَعَلَى فَرْضِ انْتِفَاءِ عِلْمِهِ بِهَا لَمْ يَنْتَفِ مَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهُوَ شُيُوعُ الْخِطَابِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِوُجُودِهِ فِيهَا. فَإِنْ قِيلَ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ دُونَ نَفْسِ الْوُجُوبِ الثَّابِتِ بِالسَّبَبِ وَكَوْنِ السَّبَبِ سَبَبًا إذْ لَوْ كَانَ الْعِلْمُ شَرْطًا لَهُمَا لَمَا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّائِمِ وَالْمُغْمَى إذَا لَمْ يَمْتَدَّ الْإِغْمَاءُ وَلَمَا وَجَبَ الصَّوْمُ عَلَى الْمَجْنُونِ الَّذِي لَمْ يَسْتَغْرِقْ جُنُونُهُ الشَّهْرَ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْعِلْمُ فِي حَقِّهِمْ لَكِنَّ اللَّازِمَ بَاطِلٌ لِتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ فَكَذَا الْمَلْزُومُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْعِلْمِ لِنَفْسِ الْوُجُوبِ وَكَوْنُ السَّبَبِ سَبَبًا وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ حُصُولِ الْعِلْمِ فِي حَقِّهِمْ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا فِي حَقِّهِمْ تَقْدِيرُ الشُّيُوعِ الْخِطَابِ وَبُلُوغُهُ إلَى سَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ بِمَنْزِلَةِ بُلُوغِهِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. (أَوْ لِلْمُكَلَّفِ بِتَعْلِيقِ تَصَرُّفِهِ عَلَيْهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَجْعُولِ شَرْطًا لَهُ بِكَلِمَةِ الشَّرْطِ (مَعَ إجَازَةِ الشَّرْعِ) لَهُ ذَلِكَ (كَإِنْ دَخَلْت) الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) عَلَى (مَعْنَاهُ) أَيْ الْمَجْعُولِ شَرْطًا لَهُ بِكَلِمَةِ الشَّرْطِ مَعَ إجَازَةِ الشَّرْعِ بِأَنْ يَدُلَّ الْكَلَامُ عَلَى التَّعْلِيقِ دَلَالَةَ كَلِمَةِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ (كَالْمَرْأَةِ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا) طَالِقٌ لِوُقُوعِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ التَّزَوُّجُ وَصْفًا لِامْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَالْوَصْفُ مُعْتَبَرٌ لِتَعَرُّفِهَا وَحُصُولِ تَعَيُّنِهَا الَّذِي لَا بُدَّ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا مِنْهُ لِأَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى مَجْهُولٍ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِذَا اُعْتُبِرَ فِيهَا صَارَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ إذْ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ تَعْلِيقٌ لَهُ بِهِ كَالشَّرْطِ فَيَكُونُ شَرْطًا دَلَالَةً لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَكُونُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَيَتَوَقَّفُ نُزُولُ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ وَقَدْ وُجِدَ هَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَقِيمُ هُنَا ذِكْرُ الْجَزَاءِ بِالْفَاءِ وَبِدُونِهِ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطِ صِيغَةٍ بَلْ شَرْطُ مَعْنًى فَاسْتَقَامَ ذِكْرُ الْجَزَاءِ بِالْفَاءِ وَبِدُونِهِ أَيْضًا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَهَذَا (بِخِلَافِ) مَا لَوْ دَخَلَ الْوَصْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ بِأَنْ أَشَارَ إلَى امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ ذَكَرَهَا بِاسْمِهَا

الْعَلَمِ فَقَالَ (هَذِهِ) الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ (وَزَيْنَبُ إلَخْ) الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ دَلَالَةً عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الْوَصْفَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ (فَيَلْغُو) الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ فَتَبْقَى هَذِهِ الْمَرْأَةُ طَالِقٌ وَزَيْنَبُ طَالِقٌ فَيَلْغُو لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا كَإِنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ فِيهِمَا جَمِيعًا. (وَيُسَمَّى) هَذَا النَّوْعُ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّرْطِ (شَرْطًا مَحْضًا لِامْتِنَاعِ الْعِلَّةِ) أَيْ وُجُودِهَا لِلْحُكْمِ (بِالتَّعْلِيقِ) أَيْ بِسَبَبِ التَّعْلِيقِ بِهِ فَهُوَ إذَنْ مَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ التَّعْلِيقِ بِهِ وُجُودُ الْعِلَّةِ فَإِذَا وُجِدَ وُجِدَتْ وَيَصِيرُ وُجُودُ الْحُكْمِ مُضَافًا إلَيْهِ دُونَ وُجُوبِهِ (وَلِمَا شَابَهَ) الشَّرْطَ (الْعِلَّةَ لِلتَّوَقُّفِ) أَيْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ التَّوَقُّفُ فِي الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْحُكْمِ وَفِي الْعِلَّةِ لِوُجُوبِهِ (وَالْوَضْعُ) أَيْ وَلَاشْتَرَاكَهُمَا فِي كَوْنِهِمَا مَوْضُوعَيْنِ أَمَارَةً عَلَى الْحُكْمِ شَرْعًا لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَمَارَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ كَالشُّرُوطِ (أَضَافُوا إلَيْهِ) أَيْ إلَى الشَّرْطِ (الْحُكْمَ أَحْيَانًا فِي التَّعَدِّي وَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ عِلَّةٍ صَالِحَةٍ لِلْإِضَافَةِ) أَيْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا لِأَنَّ شَبِيهَ الشَّيْءِ قَدْ يَخْلُفُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِ فَهُوَ كُلُّ شَرْطٍ لَا يُعَارِضُهُ عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا وَفِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلْقَآنِيِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَلَا سَبَبَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصْلُحْ الْعِلَّةُ وَصَلُحَ السَّبَبُ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ دُونَ الشَّرْطِ كَمَا يَلُوحُ مِمَّا سَيَأْتِي وَهُوَ حَسَنٌ (وَسَمُّوهُ) أَيْ هَذَا الشَّرْطَ (شَرْطًا فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ كَشِقِّ الزِّقِّ) الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَائِعٍ تَعَدِّيًا إذَا سَالَ مِنْهُ وَتَلِفَ (وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ) تَعَدِّيًا إذَا وَقَعَ فِيهَا مَالٌ فَتَلِفَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الشَّاقُّ وَالْحَافِرُ (لِأَنَّ الْعِلَّةَ) فِي تَلَفِ الْمَائِعِ أَعْنِي (السَّيَلَانَ لَا تَصْلُحُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ الضَّمَانَ) أَيْ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ إلَيْهِ (إذْ لَا تَعَدِّي فِيهِ) لِأَنَّهُ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ لِلْمَائِعِ ثَابِتٌ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالشِّقُّ شَرْطُهُ) أَيْ السَّيْلَانِ (وَإِزَالَةُ الْمَانِعِ) مِنْ السَّيْلَانِ (تَعَدِّيًا) عَلَى مَالِكِهِ لِأَنَّ الزِّقَّ كَانَ مَانِعًا مِنْهُ (فَيُضَافُ) الضَّمَانُ (إلَيْهِ) وَعِلَّةُ السُّقُوطِ فِي الْبِئْرِ الثِّقَلُ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ طَبِيعِيٌّ لَا تَعَدِّيَ فِيهِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ شَرْطُ السُّقُوطِ. وَإِزَالَةُ الْمَانِعِ مِنْهُ تَعَدِّيًا لِأَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مَانِعَةً مِنْ عَمَلِ عِلَّتِهِ فَأُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي إذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى الثِّقَلِ أَنْ يُضَافَ إلَى الْمَشْيِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعِلَّةِ مِنْ الشَّرْطِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْحُكْمِ وَالِاتِّصَالِ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ الضَّمَانُ إلَى الْمَشْيِ لِأَنَّ الضَّمَانَ ضَمَانُ عُدْوَانٍ فَلَا بُدَّ فِيمَا يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ صِفَةِ التَّعَدِّي وَلَا تَعَدِّيَ فِي الْمَشْيِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مَحْضٌ بِلَا شُبْهَةٍ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ صِفَةُ التَّعَدِّي بِأَنْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ عَلَى الْبِئْرِ فَوَقَعَ فِيهَا وَهَلَكَ يُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِ لِصَلَاحِيَّةِ الْإِضَافَةِ لَا إلَى الشَّرْطِ فَلَا يَضْمَنُ الْحَافِرُ فَظَهَرَ أَنَّ خِلَافَةَ الشَّرْطِ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ لِصَلَاحِيَّةِ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِمَا (وَكَشُهُودِ وُجُودِ الشَّرْطِ) وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ مَثَلًا بَعْدَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِهِ فِيمَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَدْخُلْ بِزَوْجَتِهِ أَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِدُخُولِهَا إيَّاهَا (فَإِذَا رَجَعُوا) أَيْ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ (بَعْدَ الْقَضَاءِ) بِالطَّلَاقِ وَلُزُومِ نِصْفِ الْمَهْرِ (ضَمِنُوا) نِصْفَ الْمَهْرِ لِلزَّوْجِ (لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ) وَلَفْظُهُ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنُوا لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ عَيْنُ الزَّوْجِ لَا تَصْلُحُ عِلَّةً لِلضَّمَانِ لِخُلُوِّهَا عَنْ وَصْفِ التَّعَدِّي إذْ شُهُودُهَا ثَابِتُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فَتَجِبُ إضَافَتُهُ إلَى الشَّرْطِ لِظُهُورِ صِفَةِ التَّعَدِّي بِالرُّجُوعِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّارِحِينَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَقَالَ يَجِبُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ انْتَهَى. (قُلْت) وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْمُعِينِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّ شَاهِدَيْ الشَّرْطِ لَوْ رَجَعَا عَلَى الِانْفِرَادِ هَلْ يَضْمَنَانِ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَضْمَنَانِ لِأَنَّ إيجَابَ الضَّمَانِ عَلَى مُحَصِّلِ الشَّرْطِ عِنْدَ انْعِدَامِ إمْكَانِ الْإِيجَابِ عَلَى صَاحِبِ الْعِلَّةِ وَاجِبٌ وَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ السَّلَفِ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِلْعَتَّابِيِّ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُونَ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا وَحْدَهُمْ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ يَضْمَنُونَ لِأَنَّهُمْ سَبَّبُوا لِلتَّلَفِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَهُ أَثَرٌ فِي وُجُودِ

الْعِلَّةِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَكُونُ سَبَبُ الضَّمَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْحِصَانِ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَهُوَ الزِّنَا لَا فِي وُجُودِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِالْعِلَّةِ (وَاَلَّذِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَا) يَضْمَنُونَ ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ نَقْلًا عَنْ أَبِي الْيُسْرِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لَهُ وَفِي التَّلْوِيحِ الصَّغِيرِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا فِي مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلزَّعْفَرَانِيِّ وَلَا لِلْحَصِيرِيِّ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْمُعِينِ وَالتَّحْقِيقُ يَنْفِيهِ أَيْضًا نَعَمْ عَزَاهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ إلَى الزِّيَادَاتِ وَفِي التَّحْقِيقِ إلَى عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (وَعَلَيْهِ) شَمْسُ الْأَئِمَّةِ (السَّرَخْسِيُّ وَأَبُو الْيُسْرِ وَفِي الطَّرِيقَةِ الْبَرْعَزِيَّةِ هُوَ) أَيْ ضَمَانُ شُهُودِ الشَّرْطِ (قَوْلُ زُفَرَ وَالثَّلَاثَةِ) أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالُوا (لَا تَضْمِينَ) نَصَّ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ. (قِيلَ) وَقَائِلُهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ (لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَالِحَةً لِإِيجَابِهِ) أَيْ الضَّمَانِ لِخُلُوِّهَا عَنْ صِفَةِ التَّعَدِّي (صَالِحَةٌ لِقَطْعِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (عَنْ الشَّرْطِ إذْ كَانَتْ) الْعِلَّةُ (فِعْلَ مُخْتَارٍ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (أَيْ الْفَضَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ) عِلَّةً لِإِيجَابِ الضَّمَانِ (وَإِلَّا) لَوْ صَلُحَ لِإِيجَابِ الضَّمَانِ (ضَمِنَ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ صَاحِبُهَا وَالْحُكْمُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى غَيْرِ الْعِلَّةِ إذَا لَمْ تَصْلُحْ هِيَ لِإِضَافَتِهِ لَهَا (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا التَّقْرِيرِ (يَنْتَفِي مَا قِيلَ) أَيْ مَا قَالَهُ التَّفْتَازَانِيُّ (إنَّهُ) أَيْ هَذَا الْمِثَالَ (مِثَالُ مَا لَا عِلَّةَ فِيهِ أَصْلًا وَمِمَّا فِيهِ) أَيْ وَمِنْ الشَّرْطِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ. (وَلَا تَصْلُحُ) الْعِلَّةُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا (شَهَادَةُ شَرْطِ الْيَمِينِ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ) لِعَبْدِهِ (إنْ كَانَ قَيْدُهُ عَشَرَةً) مِنْ الْأَرْطَالِ (فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ حَلَّ فَهُوَ حُرٌّ فَشَهِدَا بِعَشَرَةٍ) أَيْ أَنَّهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ (فَقَضَى بِعِتْقِهِ) ثُمَّ حَلَّ الْقَيْدَ (ثُمَّ وُزِنَ فَبَلَغَ ثَمَانِيَةً) مِنْ الْأَرْطَالِ (ضَمِنَا) قِيمَةَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا (لِنَفَاذِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ بِعِتْقِهِ (بَاطِنًا) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُ كَنَفَاذِهِ ظَاهِرًا إجْمَاعًا (لِابْتِنَائِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ بِعِتْقِهِ (عَلَى مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ) لِلْقَضَاءِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ الْمَذْكُورَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ صِيَانَتِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ بِإِثْبَاتِ التَّصَرُّفِ الْمَشْهُودِ بِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ بَاطِنًا عِنْدَهُ أَيْضًا بَعْدَ الْحِلِّ لِتَيَقُّنِ بُطْلَانِهِ بَعْدَهُ بِظُهُورِ كَذِبِهِمَا كَمَا لَوْ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا فَالْجَوَابُ لَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نُفُوذَ الْقَضَاءِ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الْقَاضِي تَعَرُّفُ مَا لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ الْمَانِعِ مِنْ نُفُوذِهِ وَعَدَمِ نُفُوذِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَانِعِ مِنْ نُفُوذِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ وَكَوْنُ الشُّهُودِ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا مِنْ الثَّانِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا) فَإِنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَتِهِمْ لَيْسَ عَلَى مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْ الْقَاضِي فِي تَعْرِيفِ الْمَانِعِ مِنْ النُّفُوذِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْوُقُوفِ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَانِعِ مِنْ قَبُولِهِمْ (لِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كُلٍّ مِنْ رَقِّهِمْ وَكُفْرِهِمْ فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْقَاضِي تَعَرُّفُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَمْ يَنْفُذْ (وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ سَقَطَ) عَنْ الْقَاضِي تَعَرُّفُ صِدْقِهِمْ لِأَنَّهُ بِمَعْرِفَةِ وَزْنِ الْقَيْدِ وَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ (مَعْرِفَةُ وَزْنِهِ لِأَنَّهُ) أَيْ عِرْفَانَ وَزْنِهِ (بِحِلِّهِ) أَيْ الْقَيْدِ لِيُوزَنَ (وَبِهِ) أَيْ وَبِحِلِّهِ (يُعْتَقُ) فَلَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا فِي الْوُقُوفِ عَلَى مَا لَا طَرِيقَ إلَى تَعَرُّفِهِ مِنْ الْمَانِعِ مِنْ نُفُوذِهِ فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِدُونِ الْحِلِّ (وَإِذَا نَفَذَ) الْقَضَاءُ بِعِتْقِهِ بَاطِنًا كَمَا نَفَذَ ظَاهِرًا (عَتَقَ قَبْلَ الْحِلِّ فَامْتَنَعَ إضَافَتُهُ) أَيْ الْعِتْقِ (إلَيْهِ) أَيْ الْحِلِّ (وَالْعِلَّةُ وَهِيَ الْيَمِينُ أَيْ الْجَزَاءُ) وَهُوَ فَهُوَ حُرٌّ (فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْكَلَامِ (غَيْرُ صَالِحٍ لِإِضَافَةِ الضَّمَانِ إلَيْهِ) أَيْ الْعِلَّةِ وَذَكَرَ ضَمِيرَهَا بِاعْتِبَارِ الْجَزَاءِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْجَزَاءَ (تَصَرُّفُ الْمَالِكِ) فِي مِلْكِهِ (لَا تَعَدٍّ) مِنْهُ فِيهِ كَمَا إذَا بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ أَوْ أَكَلَهُ (فَتَعَيَّنَ) أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ (إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ) أَيْ الشَّرْطُ (كَوْنُهُ) أَيْ الْقَيْدِ (عَشَرَةً وَقَدْ كَذَبَ بِهِ الشُّهُودُ تَعَدِّيًا فَيَضْمَنُونَهُ وَعِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَمُحَمَّدٍ (لَا) يَضْمَنُونَ قِيمَتَهُ لِمَوْلَاهُ (إذْ لَا يَنْفُذُ) الْقَضَاءُ عِنْدَهُمَا (بَاطِنًا) لِأَنَّ صِحَّتَهُ بِالْحُجَّةِ وَالْحُجَّةُ بَاطِلَةٌ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا كَذِبٌ إلَّا أَنَّ الْعَدَالَةَ الظَّاهِرَةَ

دَلِيلُ الصِّدْقِ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَتْ حُجَّةً فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ دُونَ التَّنْفِيذِ حَقِيقَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْحُرِّيَّةِ نَافِذًا فِي الظَّاهِرِ لَا بَاطِنًا (فَهُوَ رَقِيقٌ بَاطِنًا بَعْدَ الْقَضَاءِ) بِالْعِتْقِ. (ثُمَّ عَتَقَ بِالْحِلِّ) لَا بِالشَّهَادَةِ فَلَا يَضْمَنُونَ (وَمَا فِيهِ) أَيْ وَمِثَالُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ شَرْطٌ وَعِلَّةٌ مُعَارِضَةٌ لَهُ (صَالِحَةٌ) لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا (شَهَادَتَا الْيَمِينِ وَالشَّرْطِ) السَّالِفَانِ (فَيُضَافُ) الْحُكْمُ (إلَيْهَا) أَيْ شَهَادَةِ الْيَمِينِ (فَيَضْمَنُ شُهُودُ الْيَمِينِ) نِصْفَ الْمَهْرِ (إذَا رَجَعَ الْكُلُّ) أَيْ شُهُودُ الْيَمِينِ وَشُهُودُ الشَّرْطِ لِأَنَّ شُهُودَ الْيَمِينِ شُهُودُ عِلَّةٍ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا قَوْلَ الزَّوْجِ هِيَ طَالِقٌ وَهِيَ صَالِحَةٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا فَلَا جَرَمَ لِإِضَافَتِهِ إلَى الشُّهُودِ وَسَمَّوْا شُهُودَ التَّعْلِيقِ شُهُودَ الْعِلَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُعَلَّقُ عِلَّةً إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إمَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعِلَّةَ أَعَمُّ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَمِمَّا فِيهِ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ بُعْدِ شَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ وَقَضَاءِ الْقَاضِي فَقَدْ ثَبَتَ لِلْمُعَلَّقِ اتِّصَالٌ بِالْمَحَلِّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي زَعْمِهِمْ وَصَارَتْ عِلَّةً حَقِيقِيَّةً. فَإِنْ قِيلَ شُهُودُ التَّعْلِيقِ إنَّمَا شَهِدُوا بِالْعِلَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا مُطْلَقًا وَتَحْقِيقُ الْعِلِّيَّةِ مَوْقُوفٌ عَلَى الشَّرْطِ فَشُهُودُهُ أَوْلَى بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُمْ شُهُودُ تَحْقِيقِ الْعِلَّةِ وَتَأْثِيرِهَا أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بَلْ شَهِدُوا بِسَمَاعِ التَّعْلِيقِ مُطْلَقًا وَهُوَ عِلَّةٌ لَوْلَا الْمَانِعُ وَلَا تَعَلُّقَ لِشَهَادَةِ شُهُودِ الشَّرْطِ بِتَحَقُّقِ الْعِلَّةِ وَتَأْثِيرِهَا فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهَا وَلَا بِتَحَقُّقِهَا وَتَأْثِيرِهَا بَلْ تَحَقُّقُهَا وَتَأْثِيرُهَا بِشَهَادَةِ شُهُودِ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَثْبَتُوهُ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ تَحْقِيقُ الْعِلَّةِ وَتَأْثِيرُهَا عِنْدَ ارْتِفَاعِ الْمَانِعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا بِالتَّعْلِيقِ ثُمَّ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ ضَمِنُوا وَلَوْ تَحَقَّقَ التَّعْلِيقُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ ثُمَّ شَهِدُوا بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يَضْمَنُوا فَعَرَفْنَا أَنَّ تَحَقُّقَ الْعِلَّةِ وَتَأْثِيرَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى شَهَادَةِ الشَّرْطِ بِوَجْهٍ (وَمَا) أَيْ وَسَمَّوْا الشَّرْطَ الَّذِي (لَمْ يُضَفْ) الْحُكْمُ (إلَيْهِ أَصْلًا كَأَوَّلِ الْمَفْعُولَيْنِ مِنْ شَرْطَيْنِ عُلِّقَ عَلَيْهِمَا) طَلَاقٌ أَوْ غَيْرُهُ (كَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ) الدَّارَ (وَهَذِهِ) الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (شَرْطًا مَجَازًا اصْطِلَاحًا) لِتَخَلُّفِ حُكْمِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْوُجُودُ عِنْدَ وُجُودِهِ عَنْهُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ مُفْتَقِرًا إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَانَ شَرْطًا صُورَةً لَا مَعْنًى وَهَذِهِ هِيَ الْعَلَاقَةُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمُسَمَّى (جَدِيرٌ بِحَقِيقَتِهِ) أَيْ الشَّرْطِ لِتَوَقُّفِ وُجُودِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ وَلَا إفْضَاءٍ (وَيُقَالُ) لِهَذَا أَيْضًا (شَرْطٌ اسْمًا لَا حُكْمًا) أَمَّا اسْمًا فَلِتَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلِهَذَا أَجْمَعُوا عَلَى تَسْمِيَةِ كُلٍّ مِنْ الطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالنِّيَّةِ شَرْطًا سَوَاءٌ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا لَا حُكْمًا فَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ عِنْدَهُ. فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَيْنِ وَهِيَ فِي نِكَاحِهَا طَلُقَتْ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ الْأُخْرَى لَمْ تَطْلُقْ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَإِنْ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الْأُخْرَى لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ زُفَرَ لِاسْتِوَاءِ الشَّرْطَيْنِ فِي تَوَقُّفِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِمَا فَصَارَا كَشَرْطٍ وَاحِدٍ وَالْمِلْكُ شَرْطٌ عِنْدَ وُجُودِ الثَّانِي فَكَذَا عِنْدَ الْأَوَّلِ وَطَلُقَتْ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ لِصِحَّةِ وُجُودِ الْجَزَاءِ لَا لِصِحَّةِ وُجُودِ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ دَخَلَتْهُمَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَا لِبَقَاءِ الْيَمِينِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْيَمِينِ الذِّمَّةُ فَيَبْقَى بِبَقَائِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ إلَّا عِنْدَ الشَّرْطِ الثَّانِي لِأَنَّهُ حَالَ نُزُولِ الْجَزَاءِ الْمُفْتَقِرِ إلَى الْمِلْكِ (وَمَا) أَيْ وَسَمَّوْا الْفِعْلَ الَّذِي (اعْتَرَضَ بَعْدَهُ) أَيْ حَصَلَ بَعْدَ حُصُولِهِ (فِعْلٌ مُخْتَارٌ لَمْ يَتَّصِلْ) هَذَا الْفِعْلُ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ حَالَ كَوْنِ هَذَا الْفِعْلِ (غَيْرَ مَنْسُوبٍ إلَى الشَّرْطِ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلِ (كَحَلِّ قَيْدِ الْعَبْدِ شَرْطًا فِيهِ مَعْنَى السَّبَبِ فَلَا ضَمَانَ بِهِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الَّذِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ صَالِحٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ فَلَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ (فَلَا يَضْمَنُ) الْحَالُّ (قِيمَتَهُ) أَيْ الْعَبْدِ (إنْ أَبَقَ) لِأَنَّ حُكْمَهُ شَرْطُ الْإِبَاقِ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الْمَانِعِ مِنْ الْإِبَاقِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ تَلَفِ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِعْلٌ مُخْتَارٌ صَالِحٌ لِإِضَافَةِ التَّلَفِ إلَيْهِ وَهُوَ الْإِبَاقُ فَيَمْنَعُ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى الشَّرْطِ ثُمَّ لَمَّا سَبَقَ الْحِلُّ الْإِبَاقَ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ تَلَفٍ كَانَ لِلْحِلِّ حُكْمُ

السَّبَبِ لِأَنَّ سَبَبَ الشَّيْءِ يَتَقَدَّمُهُ لِكَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَيْهِ وَشَرْطُهُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ وُجُودًا فَخَرَجَ الشَّرْطُ الْمَحْضُ نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إذْ التَّعْلِيقُ وَهُوَ فِعْلُ الْمُخْتَارِ لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَى الشَّرْطِ بَلْ بِالْعَكْسِ وَمَا اعْتَرَضَ عَلَى الشَّرْطِ فِعْلٌ غَيْرُ مُخْتَارٍ بَلْ طَبِيعِيٌّ كَمَا إذَا شَقَّ زِقَّ الْغَيْرِ فَسَالَ الْمَائِعُ مِنْهُ فَتَلِفَ وَمَا إذَا أَمَرَ عَبْدَ الْغَيْرِ بِالْإِبَاقِ فَأَبَقَ لِأَنَّهُ وَإِنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِعْلٌ مُخْتَارٌ فَالْأَمْرُ اسْتِعْمَالٌ لِلْعَبْدِ وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ فَيَصِيرُ غَاصِبًا بِهِ لِلْعَبْدِ فَعَمَلُهُ عَلَى وَفْقِ اسْتِعْمَالِهِ كَالْآلَةِ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهَا وَمَا إذَا كَانَ فِعْلُ الْمُخْتَارِ مَنْسُوبًا إلَى الشَّرْطِ كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ ضَمَانِ الْعَبْدِ إذَا كَانَ عَاقِلًا. فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا لَا يَضْمَنُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَجْنُونًا كَانَ الْحَالُ ضَامِنًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اخْتِلَافٍ (وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَفَصِ وَالْإِصْطَبْلِ لَا يَضْمَنُهَا) أَيْ الْفَاتِحُ الطَّيْرَ وَالدَّابَّةَ إذَا ذَهَبَا مِنْهُمَا عَلَى الْفَوْرِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَقَالَ يَضْمَنُهُمَا إذَا ذَهَبَا عَلَى الْفَوْرِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (جَعَلَهُ) أَيْ مُحَمَّدٌ فَتْحَ كُلٍّ مِنْهُمَا (كَشَرْطٍ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ إذْ بَايَعَهُمَا) أَيْ الطَّيْرَ وَالدَّابَّةَ (الِانْتِقَالَ) أَيْ الْخُرُوجَ عَنْهُمَا بِحَيْثُ لَا يَصْبِرَانِ عَنْهُ عَادَةً (عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ) مِنْهُ وَالْعَادَةُ إذَا تَأَكَّدَتْ صَارَتْ طَبِيعَةً لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا (فَهُوَ) أَيْ انْتِقَالُهُمَا مِنْهُمَا (كَسَيَلَانِ) الْمَائِعِ مِنْ (الزِّقِّ عِنْدَ الشَّقِّ وَلِأَنَّ فِعْلَهُمَا) أَيْ الطَّيْرِ وَالدَّابَّةِ (هَدَرٌ) شَرْعًا لِفَسَادِ اخْتِيَارِهِمَا كَمَا إذَا صَاحَ بِالدَّابَّةِ فَذَهَبَتْ صَارَ ضَامِنًا وَإِنْ ذَهَبَتْ مُخْتَارَةً لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ فَاسِدٌ فَلَا يَصْلُحُ لِإِضَافَةِ التَّلَفِ إلَيْهِ (فَيُضَافُ التَّلَفُ إلَى الشَّرْطِ) الَّذِي هُوَ الْفَتْحُ (وَهُمَا) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (مَنَعَا الْإِلْحَاقَ) أَيْ إلْحَاقَ الطَّائِرِ وَالدَّابَّةِ بِالْجَمَادِ الْمَائِعِ فِي إضَافَةِ التَّلَفِ إلَى الشَّرْطِ (بَعْدَ تَحْقِيقِ الِاخْتِيَارِ) لَهُمَا. (وَكَوْنُهُ) أَيْ فِعْلِهَا (هَدَرًا) أَيْ لَا يَصْلُحُ لِإِيجَابِ حُكْمٍ بِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَحِلُّهُ الذِّمَّةُ وَلَا ذِمَّةَ لَهُمَا (لَا يَمْنَعُ قَطْعَ الْحُكْمِ عَنْ الشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ) مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ الْمُصَادِ بِهَا (إلَى صَيْدٍ فَمَالَ) الْمُرْسَلُ (عَنْهُ) أَيْ الصَّيْدِ (ثُمَّ رَجَعَ) الْمُرْسَلُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الصَّيْدِ (فَأَخَذَهُ مَيْلَةً هَدَرٌ) فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ بَهِيمَةً (وَقَطَعَ) مَيْلَهُ (النِّسْبَةَ) لِإِرْسَالِهِ (إلَى الْمُرْسَلِ) فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ (أَمَّا لَوْ نُسِبَ) خُرُوجُهُمَا (إلَيْهِ كَفَتْحِهِ) أَيْ الْفَاتِحِ (عَلَى وَجْهِ نَفْرِهِ) أَيْ مَا كَانَ فِيهِمَا مِنْ طَائِرٍ أَوْ دَابَّةٍ (فَفِي مَعْنَى الْعِلَّةِ) أَيْ فَفَتْحُهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى السَّبَبِ بَلْ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ (فَيَضْمَنُ) الْفَاتِحُ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ أَنَّ مَا ذَكَرَاهُ قِيَاسٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُخَالِفُ قَرِيبٌ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْحَاقِ الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ بِالطَّبِيعَةِ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ وَإِهْدَارًا لِاخْتِيَارِ مَا لَا عَقْلَ لَهُ حُكْمًا فَإِنَّهُ اخْتِيَارٌ لَا حُكْمَ لَهُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَعَلَى هَذَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَتَرَجَّحُ الْقِيَاسُ فِيهَا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ قُلْت بَلْ فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِ الْفَتْوَى بِالِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ اخْتِيَارِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الْفَتْوَى بِالضَّمَانِ بِالسِّعَايَةِ بَلْ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْهُ لُزُومُ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي فَوْرِ الْفَتْحِ بَلْ بَعْدَ لَحْظَةٍ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَدَمُ الضَّمَانِ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ فِي فَوْرِ الْفَتْحِ عُلِمَ أَنَّهَا تَرَكَتْ عَادَتَهَا وَكَانَ الْخُرُوجُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الِاخْتِيَارِ فَأَشْبَهَ حِلَّ الْقَيْدِ وَسَاقَ هَذَا الْحُكْمَ مَسَاقَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. (وَأَمَّا الْعَلَامَةُ) وَعَلِمْت أَنَّهَا لِمُجَرَّدِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُكْمِ فَالْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِهِ لَا هُوَ نَفْسُهُ (فَكَالْأَوْقَاتِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ) الْمَفْرُوضَيْنِ فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى وُجُودِ وُجُوبِهِمَا مِنْ غَيْرِ إفْضَاءٍ وَلَا تَأْثِيرٍ (وَعُدَّ الْإِحْصَانُ) لِإِيجَابِ رَجْمِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ (مِنْهَا) أَيْ الْعَلَامَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَزْدَوِيُّ فِي آخَرِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ (لِثُبُوتِهِ) أَيْ الْإِحْصَانِ قَبْلَ ثُبُوتِ الزِّنَا (بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ) أَيْ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَزُفَرَ وَلَوْ كَانَ عِلَّةً أَوْ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا لِوُجُوبِ الرَّجْمِ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ لِتَوَقُّفِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَشَهَادَتُهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي الْحُدُودِ وَبَعْدَ ثُبُوتِ الزِّنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ حِينَئِذٍ تَكْمِيلُ الْعُقُوبَةِ وَالْمُكَمِّلُ لَهَا بِمَنْزِلَةِ

الْمُوجِبِ لِأَصْلِهَا فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ كَالزِّنَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ثُبُوتِ الزِّنَا فَإِنَّ تَكْمِيلَ الْحَدِّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَالَا الْإِحْصَانُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْعُقُوبَةِ إذْ هُوَ عَلَى مَا قَالَ كَثِيرٌ كَوْنُ الْإِنْسَانِ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً تَزَوُّجًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَعَزَا السَّرَخْسِيُّ هَذَا إلَى الْمُتَقَدِّمِينَ ثُمَّ تَعَقَّبَهُمْ بِأَنَّ شَرْطَهُ عَلَى الْخُصُوصِ شَيْئَانِ: الْإِسْلَامُ وَالدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِثْلُهُ ثُمَّ قَالَ: فَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَهُمَا شَرْطَا الْأَهْلِيَّةِ لِلْعُقُوبَةِ لَا شَرْطَا الْإِحْصَانِ عَلَى الْخُصُوصِ وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطُ تَكْمِيلِ الْعُقُوبَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ خِصَالٍ حَمِيدَةٍ بَعْضُهَا غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْقُدْرَةِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَبَعْضُهَا فَرْضٌ عَلَيْهِ كَالْإِسْلَامِ وَبَعْضُهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لَهَا الْعِلَّةُ الصَّالِحَةُ وَهِيَ الزِّنَا فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ هَذِهِ الْخِصَالِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الزِّنَا كَمَا قَبْلَ ثُبُوتِهِ (مُشْكِلٌ بَلْ هُوَ) أَيْ الْإِحْصَانُ (شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ) أَيْ الرَّجْمِ (كَمَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ) مِنْهُمْ مُتَقَدِّمُو مَشَايِخِنَا وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ (لِتَوَقُّفِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْحَدِّ (عَلَيْهِ) أَيْ الْإِحْصَانِ (بِلَا عَقْلِيَّةِ تَأْثِيرٍ) لَهُ فِي خُصُوصِ هَذَا الْحَدِّ. (وَلَا إفْضَاءَ) إلَيْهِ وَهَذَا شَأْنُ الشَّرْطِ (لَا) أَنَّهُ عَلَامَةٌ (لِتَوَقُّفِ مُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِهِ) أَيْ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الزِّنَا إذَا ثَبَتَ لَا يَتَوَقَّفُ انْعِقَادُهُ عِلَّةً لِلرَّجْمِ عَلَى إحْصَانٍ يَحْدُثُ بَعْدَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَلَامَةَ إذَا كَانَتْ دَلِيلَ الْوُجُودِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا بَعْدَ الْوُجُودِ. فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الرَّجْمِ كَمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَكَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي شُهُودِ الشَّرْطِ إذَا رَجَعُوا وَحْدَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَالْجَوَابُ لَا (وَعَدَمُ الضَّمَانِ بِرُجُوعِ شُهُودِ الشَّرْطِ هُوَ الْمُخْتَارُ) كَمَا سَلَفَ وَجْهُهُ (وَإِنَّمَا تُكَلِّفُهُ) أَيْ الْإِحْصَانَ (عَلَامَةَ الْمُضَمَّنِ) شُهُودَ الشَّرْطِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَدَمُ تَضْمِينِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ (وَهُوَ) أَيْ تَكَلُّفُهُ عَلَامَةً لِيَنْدَفِعَ عَنْهُ إلْزَامُ تَضْمِينِهِمْ (غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَوْ) كَانَ الْإِحْصَانُ (شَرْطًا لَمْ تَضْمَنْ) شُهُودُهُ (بِهِ) أَيْ بِالرُّجُوعِ أَيْضًا (إذْ شَرْطُهُ) أَيْ تَضْمِينِ شُهُودِ الشَّرْطِ (عَدَمُ) الْعِلَّةِ (الصَّالِحَةِ) لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا (وَالزِّنَا عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِضَافَةِ الْحَدِّ) إلَيْهِ فَلَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْإِحْصَانُ. فَإِنْ قِيلَ الشَّرْطُ مَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْعِلَّةِ حَقِيقَةً بَعْدَ وُجُودِهَا صُورَةً إلَى حِينِ وُجُودِهِ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْعَتَاقِ بِالدُّخُولِ مَثَلًا وَالزِّنَا إذَا تَحَقَّقَ لَمْ يَتَوَقَّفْ انْعِقَادُهُ عِلَّةً لِلرَّجْمِ عَلَى إحْصَانِ مُحْدِثٍ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ لَوْ وُجِدَ بَعْدَ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّجْمُ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُطْلَقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَقَدَّمَهُ) أَيْ الشَّرْطَ الْإِحْصَانُ (عَلَى الْعِلَّةِ الزِّنَا غَيْرُ قَادِحٍ) فِي كَوْنِ الْإِحْصَانِ شَرْطًا لِإِيجَابِ الرَّجْمِ (إذْ تَأَخُّرُهُ) أَيْ الشَّرْطِ (عَنْهَا) أَيْ الْعِلَّةِ صُورَةً (غَيْرُ لَازِمٍ كَشَرْطِ الصَّلَاةِ) مِنْ إزَالَةِ حَدَثٍ وَخَبَثٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عِلَّةِ الصَّلَاةِ أَيْ الْخِطَابِ بِهَا أَوْ تَضْيِيقِ الْوَقْتِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُ شَرْطِهَا فَيَكُونُ هَذَا مِثَالًا لِتَأَخُّرِ الشَّرْطِ عَنْ الْعِلَّةِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ وُجُودَهُ فَهُوَ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ عِلَّتِهَا بِالتَّفْسِيرِ السَّابِقِ لَهَا إمَّا لِعُذْرٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَوْ تَسَاهُلًا وَقَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا اسْتِعْدَادًا لِأَدَائِهَا عِنْدَ تَحَقُّقِ عِلَّتِهَا وَعَلَى هَذَا فَجَعَلَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ مِثَالًا لِمَا لَا يَكُونُ الشَّرْطُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْعِلَّةِ لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ هَلْ يَلْزَمُ تَقَدُّمُهُ أَوْ تَأَخُّرُهُ عَنْ عِلَّتِهِ أَوْ لَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ بَلْ قَدْ وَقَدْ، وَتَقَدُّمُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ عَلَى الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ هَذَا بِشَيْءٍ؛ نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَأْخِيرَ الشَّرْطِ عَنْ الْعِلَّةِ الْعَقْلِ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ عِلَّةٌ لِأَحْكَامِهَا الْمُخْتَصَّةِ بِهَا وَالْعَقْلُ شَرْطٌ لَهَا وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا (إلَّا فِي) الشَّرْطِ (التَّعْلِيقِيِّ) فَإِنَّ تَأَخُّرَهُ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ لَازِمٌ (بَلْ قِيلَ) أَيْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ. (وَلَا فِيهِ) أَيْ وَلَيْسَ تَأَخُّرُ التَّعْلِيقِيِّ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ بِلَازِمٍ أَيْضًا (فَقَدْ يَتَقَدَّمُ) التَّعْلِيقِيُّ (وَيَكُونُ الْمُتَأَخِّرُ الْعِلْمَ بِهِ) وَظُهُورُهُ (كَالتَّعْلِيقِ بِكَوْنِ قَيْدِهِ عَشَرَةً) بِأَنْ قَالَ إنْ كَانَ زِنَةُ قَيْدِ عَبْدِي عَشَرَةَ أَرْطَالٍ فَهُوَ حُرٌّ فَقَدْ سَبَقَ الشَّرْطُ وَهُوَ كَوْنُهُ عَشَرَةً الْعِلَّةُ أَيْ الْيَمِينُ أَيْ الْجَزَاءُ مِنْهُ أَعْنِي قَوْلَهُ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ نَظَرَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ

ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّرْطِ مَعْدُومٌ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَذَلِكَ هُوَ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ عَشَرَةً فَكَانَ هُوَ الشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ خِلَافَهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّعْلِيقَ فِي مِثْلِهِ) يَكُونُ (عَلَى الظُّهُورِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ ظَهَرَ أَنَّ زِنَةَ قَيْدِهِ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ (لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ) أَيْ الشَّرْطِ التَّعْلِيقِيِّ تَعْلِيقٌ (عَلَى مَعْدُومٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَعَلَى كَائِنٍ تَنْجِيزُ) مَعْنًى وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا صُورَةً وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى وَقَدْ أَسْلَفْنَا هَذَا فِي ذَيْلِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ مِنْ مَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةِ فَلْيُسْتَذْكَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ التَّعْلِيقِيَّ قَدْ يُقْصَدُ فِيهِ وُجُودُ الْمُعَلَّقِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَقَدْ يُقْصَدُ فِيهِ وُجُودُ الْمُعَلَّقِ عِنْدَ ظُهُورِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَالْعِلْمُ بِهِ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَالشَّرْطُ التَّعْلِيقِيُّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ دَائِمًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (فَكَوْنُهُ) أَيْ الْإِحْصَانِ (عَلَامَةً) لِوُجُوبِ الرَّجْمِ (مَجَازٌ) لِتَوَقُّفِ وُجُودِ وُجُوبِ الرَّجْمِ شَرْعًا عَلَى وُجُودِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ وَلَا إفْضَاءٍ وَلَوْ كَانَ عَلَامَةً حَقِيقَةً لَمَا تَوَقَّفَ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِهِ. (وَلَا تَتَقَدَّمُ الْعَلَامَةُ عَلَى مَا هِيَ) عَلَامَةٌ (لَهُ كَالدُّخَانِ) عَلَامَةٌ عَلَى النَّارِ فَلَا يَتَقَدَّمُ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِهَا قُلْت (وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ) إنْ تَمَّ اشْتِرَاطُ هَذَا فِي الْعَلَامَةِ اصْطِلَاحًا فِيهَا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ عَلَامَةً عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ عَلَامَةٌ عَلَيْهِ سَابِقًا عَلَيْهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ سَابِقًا عَلَيْهِ كَالنَّارِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدُّخَانِ وَقَدْ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ كَالسَّاعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَلَامَاتِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَلَامَةَ كَمَا تَكُونُ دَالَّةً عَلَى مَوْجُودٍ فِي الزَّمَانِ السَّابِقِ تَكُونُ دَالَّةً عَلَى مَوْجُودٍ فِي الزَّمَانِ اللَّاحِقِ. (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ الْمُسَمَّى بِالْعَلَامَةِ (وِلَادَةُ الْمَبْتُوتَةِ) أَيْ الْبَائِنَةِ بِثَلَاثٍ فَمَا دُونَهَا (وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا) زَوْجُهَا (عَلَامَةُ الْعُلُوقِ السَّابِقِ) عَلَى الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ إذَا أَتَتَا بِهِ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ (وَلَوْ) أَتَتَا بِهِ (بِلَا) تَقَدُّمِ (حَبَلٍ ظَاهِرٍ وَلَا اعْتِرَافٍ) مِنْ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ (عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (فَقَبِلَا شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ) الْحُرَّةِ الْعَدْلَةِ (عَلَيْهَا) أَيْ الْوِلَادَةِ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حِينَئِذٍ لَيْسَتْ إلَّا فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ (وَهِيَ) أَيْ شَهَادَتُهَا (مَقْبُولَةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ) لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا «مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِنْ وِلَادَةِ النِّسَاءِ وَعُيُوبِهِنَّ» (ثُمَّ ثُبُوتُ نَسَبِهِ) أَيْ الْوَلَدِ إنَّمَا هُوَ (بِالْفِرَاشِ السَّابِقِ) عَلَى الْوِلَادَةِ وَهُوَ الْقَائِمُ عِنْدَ الْعُلُوقِ (وَعِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (لَيْسَتْ) الْوِلَادَةُ (عَلَامَةً إلَّا مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْحَبَلِ الظَّاهِرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ وَاعْتِرَافِ الزَّوْجِ بِهِ (فَلَا تُقْبَلُ) شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ (دُونَهُ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ) أَيْ عَدَمُ ظُهُورِ الْحَبَلِ وَعَدَمُ اعْتِرَافِهِ بِالْحَبَلِ سَابِقًا (كَالْعِلَّةِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ) لَا يُعْلَمُ ثُبُوتُهُ إلَّا بِهَا (فَيَلْزَمُ النِّصَابُ) أَيْ فَيُشْتَرَطُ لِإِثْبَاتِهَا كَمَالُ الْحُجَّةِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْفِرَاشُ قَائِمًا أَوْ الْحَبَلُ ظَاهِرًا أَوْ إقْرَارُ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَتَكُونُ الْوِلَادَةُ حِينَئِذٍ عَلَامَةً مُعَرِّفَةً لَهُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِ الْوِلَادَةِ عَلَامَةً أَوْ لَا (إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَيْهَا) أَيْ الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَكُنْ حَبَلٌ ظَاهِرٌ وَلَا إقْرَارُ الزَّوْجِ بِهِ فَقَالَتْ وَلَدْت وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ فَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِهَا (قُبِلَتْ) فِي ثُبُوتِ الْوِلَادَةِ اتِّفَاقًا. وَكَذَا فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهَا ضِمْنًا لَا قَصْدًا (عِنْدَهُمَا) اعْتِبَارًا لِجَانِبِ كَوْنِهَا عَلَامَةً (وَعِنْدَهُ) لَا تُقْبَلُ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا بَلْ (يَلْزَمُ النِّصَابُ) لِثُبُوتِهِ اعْتِبَارًا لِجَانِبِ كَوْنِهَا شَرْطًا لَهُ مَحْضًا لِلطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَمْنَعُ انْعِقَادَهُ عِلَّةً لِلْوُقُوعِ إلَى حِينِ وُجُودِهَا وَشَرْطُ الْحُكْمِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِكَمَالِ الْحُجَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَمْ تُقْبَلْ (لِأَنَّهَا) شَهَادَةٌ (عَلَى) وُقُوعِ (الطَّلَاقِ مَعْنًى) وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَلَيْسَ وُقُوعُهُ حُكْمًا مُخْتَصًّا بِالْوِلَادَةِ لِوُجُودِ الِانْفِكَاكِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا بِخِلَافِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَثُبُوتِ اللِّعَانِ عِنْدَ نَفْيِ الْوَلَدِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِهَا لَازِمٌ لَهَا شَرْعًا فَإِذَا ثَبَتَتْ ثَبَتَ فَلَا امْتِنَاعَ فِي ثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ فِي حَقِّ نَفْسِهَا وَالْحُكْمِ الْمُخْتَصِّ بِهَا لَا فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ (كَمَا عَلَى ثِيَابَةِ أَمَةٍ

فصل تقسيم القياس باعتبار التفاوت في القوة إلى جلي وخفي

بِيعَتْ بِكْرًا) أَيْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهَا ثَيِّبٌ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْبُولَةُ الشَّهَادَةِ بِثِيَابَتِهَا (لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا لِلرَّدِّ) أَيْ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ (وَإِنْ قُبِلَتْ فِي الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ) حَتَّى تَثْبُتَ الثِّيَابَةُ فِي هَذِهِ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ فَلَا تَنْدَفِعُ عَنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا بِحَلِفِهِ بِاَللَّهِ مَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمَهَا بِحُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ وَمَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ. فَإِنْ حَلَفَ فَلَا خُصُومَةَ وَإِنْ نَكَلَ تُرَدُّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ ثُبُوتُ ثِيَابَتِهَا فِي نَفْسِهَا لَا فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْوِلَادَةِ أَصْلًا وَوَصْفًا وَهُوَ كَوْنُهَا شَرْطًا وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَتُقْبَلُ فِي أَصْلِهَا لَا فِي وَصْفِهَا فَلَمْ يَقَعْ الْجَزَاءُ أَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ وَبِهَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا وَلَدْت عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَقَعُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْقَابِلَةُ بِهَا لِأَنَّهَا شَرْطُ وُقُوعِهِ وَهِيَ مِمَّا تَقِفُ عَلَيْهِ الْقَابِلَةُ فَلَا تُقْبَلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا كَمَا لَا تُقْبَلُ فِي نَسَبِ الْمَوْلُودِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِبُرُوزٍ مَوْجُودٍ فِي بَاطِنِهَا فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُهَا كَمَا فِي: إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَيْفَ لَا وَالظَّاهِرُ بَلْ الْيَقِينُ وِلَادَتُهَا إذَا جَاءَتْ فَارِغَةً وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْوِلَادَةِ مِنْ أَيِّ وَلَدٍ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ مُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ تَعَيَّنَ هَذَا الْوَلَدُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَدٍ آخَرَ مَيِّتٍ ثُمَّ تُرِيدُ حَمْلَ نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي تَعَيُّنِ الْوِلَادَةِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ تَقْسِيم الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيَ] (فَصْلٌ قَسَّمَ الشَّافِعِيَّةُ الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ) التَّفَاوُتِ فِي (الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ مَا عُلِمَ فِيهِ نَفْيُ اعْتِبَارِ الْفَارِقِ) أَيْ إلْغَاؤُهُ (بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ مِنْ التَّقْوِيمِ عَلَى مُعْتِقِ الْبَعْضِ) الثَّابِتِ فِيهِ ذَلِكَ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مِنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ بِهِ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» فَإِنَّا نَقْطَعُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ وَأَنْ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا سِوَى ذَلِكَ (وَخَفِيَ بِظَنِّهِ) أَيْ مَا يَكُونُ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ مَظْنُونًا (كَالنَّبِيذِ) أَيْ كَقِيَاسِهِ (عَلَى الْخَمْرِ فِي حُرْمَةِ الْقَلِيلِ مِنْهُ) أَيْ الْخَمْرِ (لِتَجْوِيزِ اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْخَمْرِ) أَيْ كَوْنِ الشَّرَابِ مَاءَ الْعِنَبِ الْخَاصِّ فِي الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ (وَلِذَا) أَيْ تَجْوِيزِ هَذَا الِاعْتِبَارِ (قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ) أَيْ ذَهَبُوا إلَى اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ لِمَا هُوَ مَسْطُورٌ لَهُمْ فِي مَوْضِعِهِ وَهَذَا التَّجْوِيزُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ فَلَا يُنَافِي ظَنَّ نَفْيِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَمِنْ الْجَلِيِّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَا كَانَ احْتِمَالُ الْفَارِقِ فِيهِ احْتِمَالًا ضَعِيفًا بَعِيدًا كُلَّ الْبُعْدِ كَإِلْحَاقِ الْعَمْيَاءِ بِالْعَوْرَاءِ فِي حَدِيثِ الْمَنْعِ مِنْ التَّضْحِيَةِ بِالْعَوْرَاءِ يَعْنِي حَدِيثَ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا» إلَخْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ جَلِيٌّ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ وَخَفِيَ وَهُوَ الشَّبَهُ وَوَاضِحٌ وَهُوَ مَا بَيْنَهُمَا وَقِيلَ الْجَلِيُّ قِيَاسُ الْأُولَى كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْوَاضِحُ الْمُسَاوِي كَقِيَاسِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَكْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْخَفِيُّ الْأَدْوَنُ كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا وَالْجَلِيُّ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَعَمُّ مِنْ الْجَلِيِّ بِهَذَا الْمَعْنَى. (وَ) قَسَّمُوهُ (بِاعْتِبَارِ الْعِلَّةِ إلَى قِيَاسِ عِلَّةِ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ كَأَنْ يُقَالَ يَحْرُمُ النَّبِيذُ لِلْإِسْكَارِ كَالْخَمْرِ (وَ) إلَى (قِيَاسِ دَلَالَةٍ أَنْ يَجْمَعَ) فِيهِ (بِمُلَازِمِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (كَرَائِحَةِ) الْعَصِيرِ (الْمُشْتَدِّ) بِالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ (بَيْنَ النَّبِيذِ وَالْخَمْرِ) فِي الْحُرْمَةِ (لِدَلَالَتِهِ) أَيْ الْمُلَازِمِ الَّذِي هُوَ الرَّائِحَةُ (عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ الْإِسْكَارِ) الْحَاصِلِ مِنْ ذِي الشِّدَّةِ (إذْ كَانَ) الْإِسْكَارُ (مُلَازِمًا لَهَا) أَيْ لِلرَّائِحَةِ فَيُقَالُ النَّبِيذُ حَرَامٌ كَالْخَمْرِ بِجَامِعِ الرَّائِحَةِ الْمُشْتَدَّةِ وَحَاصِلُهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ فِي الْفَرْعِ هُوَ وَحُكْمٍ آخَرَ تُوجِبُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْأَصْلِ فَيُقَالُ ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ لِثُبُوتِ الْآخِرِ فِيهِ وَهُوَ مُلَازِمٌ لَهُ فَيَكُون قَدْ جَمَعَ بِأَحَدِ مُوجِبَيْ الْعِلَّةِ أَيْ الْحُكْمَيْنِ الْحَاصِلَيْنِ مِنْهَا فِي الْأَصْلِ لِوُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْمُوجِبِ الْآخَرِ لِمُلَازَمَةِ الْآخَرِ لَهُ وَيَرْجِعُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِأَحَدِ الْمُوجِبَيْنِ عَلَى الْعِلَّةِ وَبِالْعِلَّةِ عَلَى الْمُوجِبِ الْآخَرِ لَكِنْ يُكْتَفَى بِذِكْرِ مُوجِبِ

الْعِلَّةِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهَا (وَ) إلَى (قِيَاسٍ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ أَنْ يَجْمَعَ) بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (بِنَفْيِ الْفَارِقِ أَيْ بِإِلْغَائِهِ) أَيْ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الْفَارِقِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ بِوَصْفٍ هُوَ الْعِلَّةُ (كَإِلْغَاءِ كَوْنِهِ) أَيْ الْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (أَعْرَابِيًّا وَكَوْنِهَا) أَيْ الْمُجَامَعَةُ (أَهْلًا) لِلْمُجَامِعِ السَّائِلِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حُكْمِ وُقُوعِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ لَهُ الْمُجَابِ بِبَيَانِ الْكَفَّارَةِ (فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ الْمَجَامِعِ غَيْرِ الْأَعْرَابِيِّ (وَبِالزِّنَا وَكَذَا إذَا أَلْغَى الْحَنَفِيُّ كَوْنَهُ) أَيْ الْمُفْطِرِ (جِمَاعًا فَتَجِبُ) الْكَفَّارَةُ (بِعَمْدِ الْأَكْلِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الْإِيمَاءِ (وَلَوْ تَعَرَّضَ) الْقَائِسُ (لِغَيْرِ نَفْيِ الْفَارِقِ مِنْ عِلَّةٍ مَعَهُ) أَيْ مَعَ نَفْيِ الْفَارِقِ (وَكَانَ) نَفْيُ الْفَارِقِ (قَطْعِيًّا خَرَجَ) مِنْ كَوْنِهِ قِيَاسًا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ (إلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ أَوْ) كَانَ نَفْيُ الْفَارِقِ (ظَنِّيًّا فَإِلَى) الْقِيَاسِ (الْخَفِيِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا) التَّقْسِيمَ (تَقْسِيمٌ لِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْقِيَاسِ إذْ الْجَمْعُ بِنَفْيِ الْفَارِقِ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ. (وَالْحَنَفِيَّةُ) قَسَّمُوا الْقِيَاسَ (إلَى جَلِيٍّ مَا تَبَادَرَ) أَيْ سَبَقَ إلَى الْأَفْهَامِ (وَ) إلَى (مَا هُوَ خَفِيٌّ مِنْهُ فَالْأَوَّلُ الْقِيَاسُ وَالثَّانِي الِاسْتِحْسَانُ فَهُوَ) أَيْ الِاسْتِحْسَانُ (الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى) قِيَاسٍ (ظَاهِرٍ مُتَبَادِرٍ وَيُقَالُ) الِاسْتِحْسَانُ (لِمَا هُوَ أَعَمُّ) مِنْ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ أَيْ (كُلُّ دَلِيلٍ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ نَصٌّ كَالسَّلَمِ) فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» السَّالِفَ تَخْرِيجُهُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُفِيدِ لِجَوَازِ السَّلَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْعَقْدِ فِي السَّلَمِ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ فَتُرِكَ هَذَا الْقِيَاسُ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ وَأُقِيمَتْ الذِّمَّةُ مُقَامَ مِلْكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ وَأُورِدَ النَّصُّ الْمَذْكُورُ مُخَصَّصًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» أَيْ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَك وَلَا وِلَايَةَ لَك عَلَى بَيْعِهِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ بِهِ أُجِيبَ: سَلَّمْنَا كَوْنَهُ مُخَصَّصًا لَهُ لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ تَرْكُ مُوجِبِ قِيَاسِ السَّلَمِ عَلَى سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ بِهَذَا النَّصِّ (أَوْ إجْمَاعٌ كَالِاسْتِصْنَاعِ) أَيْ طَلَبِ صَنْعَةٍ لِمَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ خُفٍّ وَغَيْرِهِ كَأَنْ يَقُولَ لِخَفَّافٍ اصْنَعْ لِي خُفًّا مِنْ جِلْدِ كَذَا صِفَتُهُ كَذَا وَمِقْدَارُهُ كَذَا بِكَذَا وَلَا يَذْكُرُ لَهُ أَجَلًا وَيُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوْ لَا يُسَلِّمُهُ فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِهِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ لِلْأُمَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ كَمَا قَالَ بِهِ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ حَقِيقَةً وَوَصْفًا فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَتَعَيَّنْ حَقِيقَةً وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الذِّمَّةِ وَقَصُرُوا الْجَوَازَ عَلَى مَا فِيهِ تَعَامُلٌ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَ مَوْضِعِ التَّعَامُلِ عَلَى أَصْلِهِ وَخُصَّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِكُلٍّ مِنْ السَّلَمِ وَالِاسْتِصْنَاعِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مَحَلُّهُ كُتُبُ الْفُرُوعِ. (أَوْ ضَرُورَةً كَطَهَارَةِ الْحِيَاضِ وَالْآبَارِ) الْمُتَنَجِّسَةِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى طَهَارَتِهَا بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِيهَا مِنْ نَزْحٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الضَّرُورَةُ الْمُحْوِجَةُ إلَى ذَلِكَ لِعَامَّةِ النَّاسِ وَلِلضَّرُورَةِ أَثَرٌ فِي سُقُوطِ التَّكْلِيفِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى طَهَارَتِهَا بَعْدَ تَنَجُّسِهَا وَهُوَ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَةِ فِيهَا لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِ الْمَاءِ النَّجِسِ فِي الْحَوْضِ وَالْبِئْرِ لَا يُؤَثِّرُ فِي طَهَارَةِ الْبَاقِي وَلَوْ أَخْرَجَ الْكُلَّ فَمَا يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلَ أَوْ يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَى يُلَاقِي نَجَسًا مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيُنَجَّسُ بِمُلَاقَاتِهِ قُلْت وَالْحَقُّ أَنَّ تَطْهِيرَ الْآبَارِ لَا يُعَدُّ مُطْلَقًا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا وَجَبَ فِيهَا نَزْحُ الْبَعْضِ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ بَلْ قَوْلُهُمْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَسَائِلُ الْآبَارُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ دُونَ الْقِيَاسِ يُفِيدُ أَنَّ تَطْهِيرَهَا مُطْلَقًا مِنْ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ ثُمَّ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ أَوْ قِيَاسٌ خَفِيٌّ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (فَمُنْكِرُهُ) أَيْ الِاسْتِحْسَانِ حَيْثُ قَالَ: مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ (لَمْ يَدْرِ الْمُرَادَ بِهِ) عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُسَارِعَ إلَى رَدِّهِ وَاعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي تَفْسِيرِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقَ لُغَةً عَلَى مَا يَهْوَاهُ الْإِنْسَانُ وَيَمِيلُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَحًا عِنْدَ غَيْرِهِ وَكَثُرَ

اسْتِعْمَالُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ إنْكَارُ الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِمَعْنَاهُ مُسْتَحْسَنًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُرَادُ مِنْهُ إذْ لَا وَجْهَ لِقَبُولِ الْعَمَلِ بِمَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ. وَفِي هَذَا الِاعْتِذَارِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ بَعْدَمَا عُلِمَ أَنَّهُ اسْمٌ لِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ نَصًّا كَانَ أَوْ إجْمَاعًا أَوْ ضَرُورَةً أَوْ قِيَاسًا خَفِيًّا إذَا وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ قِيَاسٍ يَسْبِقُ إلَيْهِ الْإِفْهَامُ حَتَّى لَا يُطْلَقَ عَلَى مَا لَا يُقَابِلُ مِنْهَا الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ تَصَوُّرِ خِلَافٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يَتَحَقَّقُ اسْتِحْسَانٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. (وَقَسَّمُوا الِاسْتِحْسَانَ إلَى مَا قَوِيَ أَثَرُهُ) أَيْ تَأْثِيرُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقَابِلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَ) إلَى (مَا خَفِيَ فَسَادُهُ) أَيْ ضَعْفُهُ لِأَنَّهُ إذَا ضَعُفَ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِهِ فَسَدَ ثُمَّ خَفَاؤُهُ (بِالنِّسْبَةِ إلَى ظُهُورِ صِحَّتِهِ وَإِنْ كَانَ) ظُهُورُ صِحَّتِهِ (خَفِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِيَاسِ) الْمُقَابِلِ لَهُ (وَظَهَرَ صِحَّتُهُ) عَطْفٌ عَلَى خَفِيَ يَعْنِي إذَا تُؤُمِّلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ عُلِمَ أَنَّهُ فَاسِدٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ انْضَمَّ إلَى مُقَابِلِهِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ وَإِذَا نَظَرَ إلَيْهِ أَدْنَى النَّظَرِ يُرَى صَحِيحًا. (وَ) قَسَّمُوا (الْقِيَاسَ إلَى مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ و) إلَى (مَا ظَهَرَ فَسَادُهُ وَخَفِيَ صِحَّتُهُ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْضَمَّ إلَى وَجْهِهِ مَعْنًى دَقِيقٌ يُورِثُهُ قُوَّةً وَرُجْحَانًا عَلَى وَجْهِ مُقَابِلِهِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ (فَأَوَّلُ الْأَوَّلِ) أَيْ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ مَا قَوِيَ أَثَرُهُ (مُقَدَّمٌ عَلَى أَوَّلِ الثَّانِي) أَيْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِيَاسِ وَهُوَ مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ (وَثَانِي الثَّانِي) أَيْ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ فَسَادُهُ وَخَفِيَ صِحَّتُهُ مُقَدَّمٌ (عَلَى ثَانِي الْأَوَّلِ) أَيْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ صِحَّتُهُ وَخَفِيَ فَسَادُهُ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلظَّاهِرِ بِظُهُورِهِ وَلَا لِلْبَاطِنِ بِبُطُونِهِ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِقُوَّةِ الْأَثَرِ فِي مَضْمُونِهِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا صَارَتْ عِلَّةً بِأَثَرِهَا فَيَسْقُطُ ضَعِيفُ الْأَثَرِ بِمُقَابَلَةِ قَوِيِّ الْأَثَرِ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ خَفِيًّا. (مِثَالُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَوَّلُ كُلٍّ) مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ (سِبَاعُ الطَّيْرِ) أَيْ سُؤْرُهَا وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي إذْ (الْقِيَاسُ نَجَاسَةُ سُؤْرِهَا) قِيَاسًا وَالِاسْتِحْسَانُ (عَلَى) نَجَاسَةِ سُؤْرِ (سِبَاعِ الْبَهَائِمِ) كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ لِأَنَّ السُّؤْرَ مُعْتَبَرٌ بِاللَّحْمِ، وَلَحْمُ سِبَاعِ الطَّيْرِ نَجِسٌ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وَحُرْمَتُهُ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْغِذَاءِ لَا لِلْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ فَكَانَ سُؤْرُهَا نَجِسًا كَسُؤْرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَإِنَّ لَحْمَهَا لَمَّا كَانَ حَرَامًا وَكَانَتْ حُرْمَتُهُ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْغِذَاءِ لَا لِلْكَرَامَةِ آيَةَ النَّجَاسَةِ كَانَ سُؤْرُهَا نَجِسًا فَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا نَجَاسَةُ اللَّحْمِ وَهَذَا مَعْنًى ظَاهِرُ الْأَثَرِ ثُمَّ حَيْثُ اسْتَوَيَا فِيهِ اسْتَوَيَا فِي أَثَرِهِ وَهُوَ نَجَاسَةُ السُّؤْرِ (وَالِاسْتِحْسَانُ) طَهَارَةُ سُؤْرِهَا وَهُوَ (الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ عَلَى) طَهَارَةِ سُؤْرِ (الْآدَمِيِّ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَإِنْ كَانَ حُرْمَةُ أَكْلِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ لِلْكَرَامَةِ وَحُرْمَةُ أَكْلِ لَحْمِ سِبَاعِ الطَّيْرِ لِلنَّجَاسَةِ (لِضَعْفِ أَثَرِ الْقِيَاسِ) الْمَذْكُورِ (أَيْ مُؤَثِّرُهُ) أَيْ مُؤَثِّرُ حُكْمِهِ الَّذِي هُوَ نَجَاسَةُ السُّؤْرِ (وَهُوَ) أَيْ مُؤَثِّرُهُ (مُخَالَطَةُ اللُّعَابِ النَّجِسِ) لِلْمَاءِ فِي سُؤْرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهَا وَهِيَ تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا وَهُوَ رَطْبٌ بِهِ فَيَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَاءِ عَادَةً (لِانْتِفَائِهِ) أَيْ هَذَا الْمُؤَثِّرِ فِي سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ (إذْ تَشْرَبُ) سِبَاعُ الطَّيْرِ (بِمِنْقَارِهَا الْعَظْمِ الطَّاهِرِ) لِأَنَّهُ جَافٌّ وَلَا رُطُوبَةَ فِيهِ وَإِذْ كَانَ طَاهِرًا مِنْ الْمَيِّتِ فَمِنْ الْحَيِّ أَوْلَى ثُمَّ تَأْخُذُ الْمَاءَ بِهِ ثُمَّ تَبْتَلِعُهُ وَلَا يَنْفَصِلُ شَيْءٌ مِنْ لُعَابِهَا فِي الْمَاءِ (فَانْتَفَتْ عِلَّةُ النَّجَاسَةِ) وَهِيَ مُخَالَطَةُ النَّجَاسَةِ لِلْمَاءِ فِي سُؤْرِهَا (فَكَانَ طَاهِرًا كَسُؤْرِ الْآدَمِيِّ وَأَثَرُهُ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ (أَقْوَى) مِنْ ذَلِكَ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الْأَثَرِ لِأَنَّ تَأْثِيرَ مُلَاقَاةِ الطَّاهِرِ لِلطَّاهِرِ فِي تَبْقِيَتِهِ طَاهِرًا أَشَدُّ مِنْ مُجَرَّدِ تَأْثِيرِ نَجَاسَةٍ لِلَّحْمِ فِي نَجَاسَةِ السُّؤْرِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ مَضْبُوطَةً تُغَذَّى بِالطَّاهِرِ فَقَطْ لَا يُكْرَهُ سُؤْرُهَا كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَاسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَوْا بِهِ. وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً يُكْرَهُ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَامَى الْمَيْتَةُ فَكَانَتْ كَالدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ وَلِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ مَا يَقَعُ عَلَى الْجِيَفِ مِنْهَا سُؤْرُهُ نَجِسٌ لِأَنَّ مِنْقَارَهُ لَا يَخْلُو مِنْ نَجَاسَةٍ عَادَةً كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا تُدَلِّكُ مِنْقَارَهَا بِالْأَرْضِ بَعْدَ الْأَكْلِ وَهُوَ شَيْءٌ صُلْبٌ فَيَزُولُ مَا عَلَيْهِ بِالدَّلْكِ فَيَطْهُرُ وَلِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِالنَّجَاسَةِ عَلَى مِنْقَارِهَا مَعَ الْبَلْوَى بِهَا فَإِنَّهَا تَنْقَضُّ مِنْ الْهَوَاءِ عَلَى الْمَاءِ وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّحَارِي فَتَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ لَا النَّجَاسَةُ كَمَا فِي الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ. (فَإِنْ قُلْت سَبَقَ عِنْدَهُمْ) أَيْ

الْحَنَفِيَّةِ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ (أَنْ لَا تَعْلِيلَ بِالْعَدَمِ وَهَذَا الِاسْتِحْسَانُ قِيَاسُ عِلَلٍ فِيهِ بِهِ) أَيْ بِالْعَدَمِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيلُ الطَّهَارَةِ بِعَدَمِ مُخَالَطَةِ اللُّعَابِ النَّجِسِ (قُلْنَا تَقَدَّمَ) ثَمَّةَ (اسْتِثْنَاءُ عِلَّةٍ مُتَّحِدَةٍ) لِحُكْمٍ (فَيُسْتَدَلُّ بِعَدَمِهَا عَلَى عَدَمِ حُكْمِهَا لَا) أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالَ (تَعْلِيلٌ حَقِيقِيٌّ) وَهَذَا كَذَلِكَ فَإِنَّ عِلَّةَ نَجَاسَةِ سُؤْرِهَا مُخَالَطَةُ لُعَابِهَا النَّجِسِ لِلْمَاءِ فَيُسْتَدَلُّ بِعَدَمِهَا عَلَى عَدَمِهَا (وَمَثَّلُوا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَانِيَاهُمَا) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَهُمَا الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ فَسَادُهُ، الْخَفِيُّ صِحَّتُهُ وَالِاسْتِحْسَانُ الظَّاهِرُ صِحَّتُهُ، الْخَفِيُّ فَسَادُهُ (بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الصَّلَاةِ الْقِيَاسُ) أَنَّهُ يَجُوزُ (أَنْ يَرْكَعَ بِهَا) فِي الصَّلَاةِ نَاوِيهَا بِهِ سَوَاءٌ كَانَ غَيْرَ رُكُوعِ الصَّلَاةِ أَوْ رُكُوعَهَا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا (لِظُهُورِ أَنَّ إيجَابَهَا) أَيْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ (لِإِظْهَارِ التَّعْظِيمِ) لِلَّهِ تَعَالَى بِالْخُضُوعِ لَهُ مُوَافَقَةً لِمَنْ عَظَّمَ وَمُخَالَفَةً لِمَنْ اسْتَكْبَرَ (وَهُوَ) أَيْ إظْهَارُ التَّعْظِيمِ بِالْخُضُوعِ مَوْجُودٌ (فِي الرُّكُوعِ) أَيْضًا (وَلِذَا) أَيْ وُجُودِ التَّعْظِيمِ بِالْخُضُوعِ فِي الرُّكُوعِ (أَطْلَقَ عَلَيْهَا) أَيْ السَّجْدَةِ (اسْمَهُ) أَيْ اسْمَ الرُّكُوعِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: 24] أَيْ سَقَطَ سَاجِدًا لِأَنَّ الْخُرُورَ السُّقُوطُ عَلَى الْوَجْهِ فَجَازَ إسْقَاطُهَا عَنْهُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى سُقُوطِهَا عَنْهُ بِهَا نَفْسِهَا بِجَامِعِ الْخُضُوعِ تَعْظِيمًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْظِيمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ فَكَانَا فِي حُصُولِ التَّعْظِيمِ بِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا. نَعَمْ السُّجُودُ بِهَا أَفْضَلُ كَمَا ذَكَرَهُ هَكَذَا مُطْلَقًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبَدَائِعِ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ لِلْوَاجِبِ وَهُوَ السُّجُودُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37] بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَأَمَّا بِالرُّكُوعِ فَبِمَعْنَاهُ (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ النُّكْتَةُ (صِحَّتُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (الْخَفِيَّةُ وَفَسَادُهُ) أَيْ ضَعْفُهُ (الظَّاهِرُ لُزُومُ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ بِهِ) وَهُوَ السُّجُودُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37] (بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ الرُّكُوعُ (وَ) لُزُومُ (الْعَمَلِ بِالْمَجَازِ) وَهُوَ الرُّكُوعُ (مَعَ إمْكَانِهِ) أَيْ الْعَمَلِ (بِالْحَقِيقَةِ) وَهُوَ السُّجُودُ (وَالِاسْتِحْسَانُ لَا) يَجُوزُ أَنْ يَرْكَعَ بِهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (قِيَاسًا عَلَى سُجُودِ الصَّلَاةِ لَا يَنُوبُ رُكُوعُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (عَنْهُ) أَيْ سُجُودِهَا مَعَ قُرْبِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَمُوجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ فَلَأَنْ لَا يَنُوبَ الرُّكُوعُ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْلَى وَعَلَى عَدَمِ تَأَدِّيهَا بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَخُصُوصًا إذَا كَانَ ذَلِكَ الرُّكُوعُ رُكُوعَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِجِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ خَارِجُهَا غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ لِجِهَةٍ أُخْرَى (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى (صِحَّتُهُ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسِ (الظَّاهِرَةِ لِوَجْهِ فَسَادِ ذَلِكَ) الْقِيَاسِ (مِنْ تَأَدِّي إلَخْ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِغَيْرِهِ وَالْعَمَلِ بِالْمَجَازِ مَعَ إمْكَانِهِ بِالْحَقِيقَةِ فَإِنَّ وَجْهَ فَسَادِ ذَلِكَ الظَّاهِرِ هُوَ هَذَا (وَفَسَادُ الْبَاطِنِ) أَيْ بَاطِنِ هَذَا الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ (أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِحْسَانَ (قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ وَهُوَ) أَيْ الْفَارِقُ (أَنَّ فِي الصَّلَاةِ كُلًّا مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَطْلُوبٌ بِطَلَبٍ يَخُصُّهُ) عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 77] {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا السُّجُودِ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَمَنْعُ) كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا بِطَلَبٍ يَخُصُّهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (تَأَدَّى أَحَدُهُمَا فِي ضِمْنِ الْآخَرِ) أَيْ بِالْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجَمْعِ الْمَأْمُورِ بِهِ (بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ طُلِبَتْ وَحْدَهَا وَعُقِلَ أَنَّهُ) أَيْ طَلَبُهَا (لِذَلِكَ الْإِظْهَارِ) لِلتَّعْظِيمِ (وَمُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ) عَنْ السُّجُودِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي مَوَاضِعِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ إظْهَارِ التَّعْظِيمِ وَمُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ (حَاصِلٌ بِمَا اُعْتُبِرَ عِبَادَةً) وَهُوَ الرُّكُوعُ. (غَيْرَ أَنَّ الرُّكُوعَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعْرَفْ عِبَادَةً فَتَعَيَّنَ) أَنْ يَكُونَ الرُّكُوعُ الْمُجَرَّدُ عَنْهَا (فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ لِحُصُولِ مَعْنَى التَّوَاضُعِ تَعْظِيمًا وَالْعِبَادَةِ فِيهِ (فَتَرَجَّحَ الْقِيَاسُ) بِسَبَبِ قُوَّةِ أَثَرِهِ الْبَاطِنِ الْمُتَضَمِّنِ فَسَادَ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ لِمَا أَسْلَفْنَا مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الْأَثَرِ الْبَاطِنِ (وَنُظِرَ فِي أَنَّ ذَلِكَ) الْقِيَاسَ (ظَاهِرٌ وَهَذَا) الْقِيَاسُ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ (خَفِيٌّ وَهُوَ) أَيْ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى (ظَاهِرٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْعَ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ شَرْعًا بِغَيْرِهِ أَقْوَى تَبَادُرًا مِنْ جَوَازِهِ)

أَيْ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا بِغَيْرِهِ (لِمُشَارَكَتِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ (لَهُ) أَيْ لِلْمَأْمُورِ بِهِ (فِي مَعْنًى كَالتَّعْظِيمِ أَوْ لِإِطْلَاقِ لَفْظِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ (كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: 24] أَيْ سَاجِدًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظٍ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ جَوَازُ إيقَاعِ مُسَمَّاهُ) أَيْ ذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ (مَكَانَ مُسَمَّى الْآخَرِ) الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لَهُ (شَرْعًا وَإِنْ كَانَ الْمُطْلِقُ الشَّارِعَ) إذْ طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ غَيْرُ طَرِيقِ الْقِيَاسِ إذْ الْأَوَّلُ يَصِحُّ مَعَ عَلَاقَةٍ مَا وَالثَّانِي يَتَوَقَّفُ عَلَى صَلَاحِ الْعِلَّةِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَعَدَالَتِهَا وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ طَرِيقَ الْقِيَاسِ لَصَحَّ أَنْ يَنُوبَ الرُّكُوعُ عَنْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لِثُبُوتِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ مُطْلَقِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ الْمُسْتَعَارَ فِي النَّصِّ مُطْلَقُ الرُّكُوعِ لَا الرُّكُوعُ الَّذِي هُوَ عِبَادَةٌ (وَلَوْ فُرِضَ قِيَامُ دَلَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ جَوَازُ قِيَامِ الرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ مَقَامَهَا (لَا يُصَيِّرُهُ) جَوَازُ قِيَامِهِ فِي الصَّلَاةِ مَقَامَهَا الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ (أَظْهَرَ) مِنْ عَدَمِ جَوَازِهِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِمَا ذَكَرْنَا بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَإِنَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالسُّجُودِ وَالرُّكُوعِ غَيْرُهُ وَوَجْهُ الْقِيَاسِ يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا وَعَلَى أَنَّ الرُّكُوعَ أُطْلِقَ عَلَى السُّجُودِ فِي الْآيَةِ مَجَازًا وَالْإِطْلَاقُ بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ يَعْتَمِدُ الْعَلَاقَةَ الْمُعْتَبَرَةَ وَعَلَى أَنَّ تِلْكَ هِيَ الْخُضُوعُ وَعَلَى أَنَّهَا تَصْلُحُ مَنَاطًا لِلْأَمْرِ بِالسُّجُودِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَنَاطَ ثَابِتٌ فِي الرُّكُوعِ فَيَصْلُحُ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ السُّجُودِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا كَانَ تَوَقُّفُهُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ أَقَلَّ يَكُونُ أَجْلَى عِنْدَ الْعَقْلِ مِمَّا يَكُونُ تَوَقُّفُهُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ أَكْثَرَ. وَلِهَذَا قِيلَ الْعَامُّ أَجْلَى عِنْدَ الْعَقْلِ مِنْ الْخَاصِّ فَلَا جَرَمَ أَنَّ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي هَذَا قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُعْرِضَ عَنْ هَذَا التَّكَلُّفَاتِ صَفْحًا وَيُقَالُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَإِنْ وَرَدَ بِالسُّجُودِ إلَّا أَنَّ مَوَاضِعَ السَّجْدَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مُجَرَّدُ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ جَرَيَانِ التَّدَاخُلِ فِيهِ وَالرُّكُوعُ فِيهِ صَالِحٌ لِلتَّوَاضُعِ فَيُعْطِي مَعْنَاهُ كَأَدَاءِ الْقِيمَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَرَأَ وَالنَّجْمِ أَوْ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك فِي صَلَاةٍ وَبَلَغَ آخِرَهَا كَبَّرَ وَرَكَعَ وَإِنْ قَرَأَهَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ سَجَدَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ السَّجْدَةِ تَكُونُ آخِرَ السُّورَةِ أَيَسْجُدُ لَهَا أَمْ يَرْكَعُ قَالَ إنْ شِئْت فَارْكَعْ وَإِنْ شِئْت فَاسْجُدْ ثُمَّ اقْرَأْ بَعْدَهَا سُورَةً رَوَاهُ سَعِيدٌ وَحَرْبٌ وَاللَّفْظُ لَهُ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمَا خِلَافُهُ بَلْ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْأَسْوَدِ وَطَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمَ وَعَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ تَبَادُرُ عَدَمِ تَأَدِّيهَا بِالرُّكُوعِ أَظْهَرَ مِنْ تَبَادُرِ تَأَدِّيهَا بِهِ (وَجَبَ كَوْنُ الْحُكْمِ الْوَاقِعِ مِنْ تَأَدِّيهَا بِالرُّكُوعِ حُكْمَ الِاسْتِحْسَانِ) لِأَنَّهُ أَخْفَى مِنْ عَدَمِ تَأَدِّيهَا بِهِ (لَا كَوْنُهُ) أَيْ تَأَدِّيهَا بِهِ (مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَحَيْثُ كَانَ فِي تَأَدِّيهَا بِالرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ أَدَاؤُهَا بِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِهِ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ غَيْرَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّةِ فِعْلِ الصَّحَابِيِّ وَقَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَدْخَلٌ أَوْ لَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَدْخَلٌ فَلَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَظَهَرَ) مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ (أَنْ لَا اسْتِحْسَانَ) وَلَوْ كَانَ إجْمَاعٌ أَوْ أَثَرٌ أَوْ ضَرُورَةٌ (إلَّا مُعَارِضًا لِقِيَاسٍ وَلَزِمَ أَنْ لَا يُعَدَّى مَا) ثَبَتَ (بِغَيْرِ قِيَاسٍ وَهُوَ) أَيْ غَيْرُ الْقِيَاسِ (اسْتِحْسَانٌ أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَيْسَ بِاسْتِحْسَانٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ مَا ثَبَتَ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ (مَعْدُولٌ) عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْدُولًا عَنْهُ (كَإِيجَابِ يَمِينِ الْبَائِعِ فِي اخْتِلَافِهِمَا) أَيْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ) وَقِيَامِهِ فَإِنَّهُ حُكْمُ هَذَا الِاخْتِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا (بِإِطْلَاقِ النَّصِّ) النَّبَوِيِّ الْقَائِلِ «إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» كَمَا تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ مُخَرَّجًا فِي مَسْأَلَةِ إذَا انْفَرَدَ الثِّقَةُ بِزِيَادَةٍ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ (لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ) أَيْ الْبَائِعِ (مَبِيعًا لِتَسَلُّمِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي (إيَّاهُ) أَيْ الْمَبِيعَ وَالْبَائِعُ يُقِرُّ بِذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مُدَّعِيًا لَمْ يَتَوَجَّهْ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ

وَأَوْرَدَ صُورَةَ الدَّعْوَى حَاصِلَةً مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا حَقِيقَةً وَقَدْ اكْتَفَى بِهَا فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِهَا فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا الْمَانِعِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاقِفٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ فَلَمْ يَكْتَفِ بِصُورَةِ الدَّعْوَى بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُمْ لَا وُقُوفَ لَهُمْ عَلَى حَقِيقَةِ الدَّعْوَى فَاكْتَفَى بِصُورَتِهَا وَإِنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يُحْمَلُ النَّصُّ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ بِدَلِيلِ النَّصِّ الْآخَرِ وَهُوَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ؟ ، فَالْجَوَابُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ التَّرَادِّ رَدَّ الْمَأْخُوذِ حِسًّا فَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ رَدَّ الْعَقْدِ وَفَسْخَهُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَلَغَا قَوْلُهُ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ إذْ هَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ لَكِنَّ الْفَرْضَ تَصَوَّرَهُ فَجَرَيَانُهُ الْمُوجِبُ لِلتَّحَالُفِ يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِقِيَامِ السِّلْعَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الِاخْتِلَافِ لَغْوًا فَيَقْتَصِرُ ثُبُوتُ التَّحَالُفِ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى هَذَا الْمَوْرِدِ (فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْإِجَارَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَآجِرَانِ فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ (وَ) إلَى (الْوَارِثَيْنِ) بِلَفْظِ الْمُثَنَّى أَيْ وَارِثِ الْبَائِعِ وَوَارِثِ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ اخْتَلَفَ وَارِثُ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثُ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ أَوْ وَارِثَاهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثِهِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَ الْوَارِثِينَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ مُحَمَّدٍ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ (إذْ كُلٌّ) مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (يَدَّعِي) عَلَى صَاحِبِهِ (عَقْدًا غَيْرَ) الْعَقْدِ (الْآخَرِ) الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَيُنْكِرُ مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ إذْ الْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُهُ بِأَلْفَيْنِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْوَارِثِينَ (دُفِعَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الثَّمَنِ لَا يُوجِبُهُ) أَيْ اخْتِلَافَ الْعَقْدِ (كَمَا فِي زِيَادَتِهِ وَحَطِّهِ) أَيْ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَالْحَطِّ مِنْهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِأَلْفٍ يَصِيرُ بِعَيْنِهِ بِأَلْفَيْنِ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ بِأَلْفَيْنِ يَصِيرُ بِعَيْنِهِ بِأَلْفٍ بِالْحَطِّ مِنْهُمَا وَوَافَقَهُمَا مُحَمَّدٌ عَلَى عَدَمِ التَّعْدِيَةِ إلَى الْإِجَارَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّرَادِّ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَسْخِ لِتَلَاشِي الْمَنَافِعِ وَعَدَمِ تَقَوُّمِهَا بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ وَلَوْ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا عَقْدَ فَيَرْجِعُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُقَيِّدْ خِلَافَهُ بِالْوَارِثَيْنِ لِإِرْشَادِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ وَاعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ كَوْنِهِ قَيْدًا لِمَا يَلِيهِ خَاصَّةً (بِخِلَافِ مَا) ثَبَتَ (بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ إنْ كَانَ عَلَى وَفْقِهِ اسْتِحْسَانًا كَانَ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يُعَدَّى بِشَرْطِهِ فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَلَزِمَ أَنْ لَا يُعَدَّى مَا بِغَيْرِ قِيَاسٍ (وَهُوَ) أَيْ مَا ثَبَتَ بِهِ (مَا) أَيْ تَحَالُفُهُمَا الَّذِي (قَبْلَ الْقَبْضِ) لِلْمَبِيعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ فَإِنَّ الْبَائِعَ يُنْكِرُ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُ وُجُوبَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ فَيَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّ الْيَمِينَ يَكُونُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي شَيْئًا عَلَى الْبَائِعِ لِيَكُونَ الْبَائِعُ أَيْضًا مُنْكِرًا وَإِذَا كَانَ تَحَالُفُهُمَا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ (فَتَعَدَّى) التَّحَالُفُ (إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى الْوَارِثِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَاضِيَةِ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ وَالْحُكْمُ مَعْقُولٌ فَوَارِثُ الْبَائِعِ يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ أَوْ وَارِثَهُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَوَارِثُ الْمُشْتَرِي يُطَالِبُ الْبَائِعَ أَوْ وَارِثَهُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَيَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا (وَإِلَى الْإِجَارَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ كَتَحَالُفِ الْقَصَّارِ وَرَبَّيْ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْلُحُ مُدَّعِيًا وَمُنْكِرًا (وَفُسِخَتْ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ قَبْلَ إقَامَةِ الْعَمَلِ وَفِي التَّحَالُفِ ثَمَّ الْفَسْخُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالتَّحَالُفُ مَشْرُوعٌ لِذَلِكَ فَيَجْرِي بَيْنَهُمَا (وَاسْتُشْكِلَ اخْتِصَاصُ قُوَّةِ الْأَثَرِ وَفَسَادِ الْبَاطِنِ مَعَ صِحَّةِ الظَّاهِرِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَقَلْبُهُمَا) أَيْ وَاخْتِصَاصُ ضَعْفُ الْأَثَرِ وَصِحَّةِ الظَّاهِرِ مَعَ فَسَادِ الْبَاطِنِ (بِالْقِيَاسِ) وَالْمُسْتَشْكِلُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ

قَالَ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ (فَأَجْرَى تَقْسِيمَ) أَيْ فَذَكَرَ أَنَّ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ يَنْقَسِمُ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ (بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ) أَيْ قُوَّةِ الْأَثَرِ وَضَعْفِهِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُمَا (إمَّا قَوِيَّاهُ أَوْ ضَعِيفَاهُ أَوْ الْقِيَاسُ قَوِيُّهُ وَالِاسْتِحْسَانُ ضَعِيفُهُ أَوْ بِالْقَلْبِ) أَيْ الْقِيَاسُ ضَعِيفُهُ وَالِاسْتِحْسَانُ قَوِيُّهُ (وَإِنَّمَا يَتَرَجَّحُ الِاسْتِحْسَانُ) فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْقَلْبِ. (وَ) يَتَرَجَّحُ (الْقِيَاسُ فِيمَا سِوَى) الْقِسْمِ (الثَّانِي) وَهُوَ ضَعِيفَاهُ (لِلظُّهُورِ) كَمَا فِي الْأَوَّلِ (وَالْقُوَّةِ) كَمَا فِي الثَّالِثِ (أَمَّا فِيهِ) أَيْ الثَّانِي (فَيَحْتَمِلُ سُقُوطَهُمَا) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لِضَعْفِهِمَا كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْقِيَاسِ لِظُهُورِهِ (وَضُعِّفَ) وَفِي التَّلْوِيحِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ (بِقَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ) وَلَمَّا صَارَتْ الْعِلَّةُ عِنْدَنَا عِلَّةً بِأَثَرِ هَذَا (فَسَمَّيْنَا مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ قِيَاسًا وَمَا قَوِيَ أَثَرُهُ اسْتِحْسَانًا) أَيْ قِيَاسًا مُسْتَحْسَنًا فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ قِيَاسًا ظَهَرَ أَوْ خَفِيَ وَمَا قَوِيَ أَثَرُهُ اسْتِحْسَانًا ظَهَرَ أَوْ خَفِيَ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ نَوْعًا وَاحِدًا ضَعِيفَ الْأَثَرِ فِي الْأَوَّلِ قَوِيَّهُ فِي الثَّانِي وَدُفِعَ بِأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ قَسَّمَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ بِقَوْلِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِيَاسِ فَمَا ضَعُفَ أَثَرُهُ وَالنَّوْعُ الثَّانِي مَا ظَهَرَ فَسَادُهُ وَاسْتَتَرَتْ صِحَّتُهُ وَأَحَدُ نَوْعَيْ الِاسْتِحْسَانِ مَا قَوِيَ أَثَرُهُ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا وَالثَّانِي مَا ظَهَرَ أَثَرُهُ وَخَفِيَ فَسَادُهُ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ أَحَدَ نَوْعَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِخِلَافِ النَّوْعِ الْآخَرِ فَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ مَا قَوِيَ أَثَرُهُ وَمِنْ الِاسْتِحْسَانِ مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ بِقَرِينَةِ التَّقَابُلِ وَظَهَرَ مِنْهُ أَنْ لَيْسَ تَسْمِيَتُهُ بِالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ بِاعْتِبَارِ ضَعْفِ الْأَثَرِ وَقُوَّتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ خَفَائِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَقَدَّمْنَا الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ جَلِيًّا حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْخَفَاءُ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَالْجَلَاءُ فِي الْقِيَاسِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْكَلَامُ فِي الِاصْطِلَاحِ وَهُوَ) أَيْ الِاصْطِلَاحُ (عَلَى اعْتِبَارِ الْخُلَفَاءِ فِيهِ وَفِي أَثَرِهِ وَفَسَادِهِ) وَالضَّمَائِرُ الْمَجْرُورَةُ لِلِاسْتِحْسَانِ. وَقَدْ ظَهَرَ انْتِفَاءُ مَا فِي شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لِلشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ مِنْ أَنْ لَا شَيْءَ مِنْ نَوْعَيْ الْقِيَاسِ مُسَمًّى بِمَا قَوِيَ أَثَرُهُ وَلَا مِنْ نَوْعَيْ الِاسْتِحْسَانِ بِمَا ضَعُفَ أَثَرُهُ (وَبِالثَّانِي) أَيْ وَأَجْرَى التَّقْسِيمَ لَهُمَا بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ مَعَ صِحَّةِ الظَّاهِرِ وَقَلْبِهِ أَيْ يَنْقَسِمَانِ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ إلَى أَقْسَامٍ تَظْهَرُ ثَمَرَتُهَا فِي تَعَارُضِهِمَا لِأَنَّهُمَا (إمَّا صَحِيحَا الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَوْ فَاسِدَاهُمَا أَوْ الْقِيَاسُ فَاسِدُ الظَّاهِرِ صَحِيحُ الْبَاطِنِ وَالِاسْتِحْسَانُ قَلْبُهُ) أَيْ صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ (أَوْ قَلْبُهُ) أَيْ أَوْ الْقِيَاسُ صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ وَالِاسْتِحْسَانُ فَاسِدُ الظَّاهِرِ صَحِيحُ الْبَاطِنِ (فَصُوَرُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ (سِتَّةَ عَشَرَ) صُورَةً قِيَاسٌ صَحِيحُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانِ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ قِيَاسٌ فَاسِدُهُمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ قِيَاسٌ صَحِيحُ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ كَذَلِكَ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الْبَاطِنِ لَا الظَّاهِرِ مَعَ اسْتِحْسَانِ صَحِيحِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِهِمَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ كَذَلِكَ مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ صَحِيحِهِمَا مَعَ فَاسِدِهِمَا حَاصِلَةٌ (مِنْ أَرْبَعَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ) أَيْ مِنْ ضَرْبِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ لِلْقِيَاسِ فِي الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ لِلِاسْتِحْسَانِ (فَصَحِيحُهُمَا) أَيْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ (مِنْ الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ لِظُهُورِهِ أَوْ صِحَّتِهِ عَلَى أَقْسَامِ الِاسْتِحْسَانِ وَلَا شَكَّ فِي رَدِّ فَاسِدِهِمَا) أَيْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقِيَاسِ لِفَسَادِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (فَتَسْقُطُ أَرْبَعَةٌ) أَيْ قِيَاسٌ فَاسِدُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ كَذَلِكَ مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ كَمَا سَقَطَتْ أَرْبَعَةٌ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهِيَ قِيَاسٌ صَحِيحُهُمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ كَذَلِكَ مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِهِمَا. (تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ) حَاصِلَةٌ (مِنْ) ضَرْبِ (بَاقِي حَالَاتِ الْقِيَاسِ) وَهُمَا كَوْنُهُ فَاسِدًا لِظَاهِرٍ صَحِيحِ الْبَاطِنِ وَقَلْبِهِ

(مَعَ أَرْبَعَةِ الِاسْتِحْسَانِ) أَيْ فِيهِمَا (يُقَدَّمُ صَحِيحُهُمَا) أَيْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ (مِنْهُ) أَيْ الِاسْتِحْسَانِ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى بَاقِي حَالَاتِ الْقِيَاسِ لِصِحَّتِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَيُرَدُّ فَاسِدُهُمَا) أَيْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ لِفَسَادِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَسَقَطَتْ أَرْبَعَةٌ (تَبْقَى أَرْبَعَةٌ) حَاصِلَةٌ (مِنْ) ضَرْبِ (بَاقِي كُلٍّ) مِنْ حَالَاتِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْآخَرَيْنِ أَحَدُهَا اسْتِحْسَانٌ صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ مَعَ قِيَاسٍ بِالْقَلْبِ ثَانِيهَا اسْتِحْسَانٌ فَاسِدُ الظَّاهِرِ صَحِيحُ الْبَاطِنِ مَعَ قِيَاسٍ بِالْقَلْبِ ثَالِثُهَا اسْتِحْسَانٌ صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ مَعَ قِيَاسٍ كَذَلِكَ رَابِعُهَا اسْتِحْسَانٌ صَحِيحُ الْبَاطِنِ فَاسِدُ الظَّاهِرِ مَعَ قِيَاسٍ كَذَلِكَ (فَالِاسْتِحْسَانُ الصَّحِيحُ الْبَاطِنِ الْفَاسِدُ الظَّاهِرِ مَعَ عَكْسِهِ) أَيْ فَاسِدِ الْبَاطِنِ صَحِيحِ الظَّاهِرِ (مِنْ الْقِيَاسِ مُقَدَّمٌ) عَلَى عَكْسِهِ مِنْ الْقِيَاسِ (وَفِي قَلْبِهِ) أَيْ الِاسْتِحْسَانِ الْفَاسِدِ الْبَاطِنِ الصَّحِيحِ الظَّاهِرِ مَعَ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ الْبَاطِنِ الْفَاسِدِ الظَّاهِرِ (الْقِيَاسُ) مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ (كَمَا) الْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ (مَعَ الِاسْتِحْسَانِ الصَّحِيحِ الْبَاطِنِ إلَخْ) أَيْ الْفَاسِدِ الظَّاهِرِ (مَعَ مِثْلِهِ) أَيْ الصَّحِيحِ الْبَاطِنِ الْفَاسِدِ الظَّاهِرِ (مِنْ الْقِيَاسِ لِلظُّهُورِ) فِي الْقِيَاسِ (وَيَرِدُ قَلْبُهُمَا) أَيْ صَحِيحِ الظَّاهِرِ فَاسِدِ الْبَاطِنِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لَا أَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ فِي هَذَا كَمَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. (قِيلَ) أَيْ وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَالظَّاهِرُ امْتِنَاعُ التَّعَارُضِ فِي هَذَيْنِ) أَيْ صَحِيحِ الْبَاطِنِ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ سَوَاءٌ كَانَ صِحَّتُهُمَا الْبَاطِنَةُ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي صِحَّةِ الظَّاهِرِ أَوْ دُونَهُ (وَفِي قَوِيِّ الْأَثَرِ) مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ (لِلُزُومِ التَّنَاقُضِ فِي الشَّرْعِ) عَلَى تَقْدِيرِ التَّعَارُضِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ وَصْفًا مِنْ الْأَوْصَافِ عِلَّةً لِحُكْمٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُطْلَقًا أَوْ بِلَا مَانِعٍ يُوجَدُ ذَلِكَ الْحُكْمُ لَكِنَّهُ قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي فَرْعٍ فَوُجِدَ الْحُكْمُ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْعُ أَيْضًا وَصْفًا آخَرَ عِلَّةً لِنَقِيضِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ ثُمَّ يُوجَدُ هَذَا الْوَصْفُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ حُكْمُهُ بِالتَّنَاقُضِ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى الشَّارِعِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ التَّعَارُضُ لِجَهْلِنَا بِالصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ (وَبِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ يَنْتَفِي التَّرْجِيحُ بِالظُّهُورِ أَيْ التَّبَادُرِ إذْ لَا أَثَرَ لَهُ) أَيْ لِلظُّهُورِ (مَعَ اتِّحَادِ جِهَةِ الْإِيجَابِ) لِلْحُكْمِ (بَلْ يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ) لِلْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ الْكَائِنَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (إنْ جَازَ تَعَارُضُهُمَا بِمَا تَتَرَجَّحُ بِهِ الْأَقْيِسَةُ الْمُتَعَارِضَةُ غَيْرَ أَنَّا لَا نُسَمِّي أَحَدَهُمَا اسْتِحْسَانًا اصْطِلَاحًا) . وَحَيْثُ انْجَرَّ الْكَلَامُ إلَى التَّرْجِيحِ فِي تَعَارُضِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ فَلْنُتِمَّهُ بِذِكْرِ التَّرْجِيحَاتِ بَيْنَ الْأَقْيِسَةِ عِنْدَ تَعَارُضِهَا فَنَقُولُ (وَهَذِهِ تَتِمَّةٌ فِيهِ) أَيْ فِيمَا تُرَجَّحُ بِهِ الْأَقْيِسَةُ الْمُتَعَارِضَةُ (يُقَدَّمُ) الْقِيَاسُ الَّذِي هُوَ (مَنْصُوصُ الْعِلَّةِ) أَيْ مَا كَانَتْ عِلَّتُهُ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ (صَرِيحًا عَلَى مَا) أَيْ عَلَى الْقِيَاسِ الثَّابِتَةِ عِلَّتُهُ (بِإِيمَاءٍ) مِنْ النَّصِّ لِأَنَّهُ دُونَ الصَّرِيحِ ثُمَّ فِي الْإِيمَاءِ يُرَجَّحُ مَا يُفِيدُ ظَنًّا أَغْلَبَ وَأَقْرَبَ إلَى الْقَطْعِ عَلَى غَيْرِهِ (وَمَا بِقَطْعِيٍّ عَلَى مَا بِظَنِّيٍّ وَمَا غَلَبَ ظَنُّهُ) أَيْ وَالْقِيَاسُ الثَّابِتُ عِلِّيَّةُ عِلَّتِهِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ عَلَى الْقِيَاسِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ عِلَّتِهِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ أَوْ غَالِبِ الظَّنِّ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ بِخِلَافِهِمَا وَمَا غَلَبَ ظَنُّهُ عَلَى مَا لَمْ يَغْلِبْ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقَطْعِ مِنْهُ (وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ) الْعِلَّةِ (ذَاتِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ) أَيْ الثَّابِتَةِ بِهِ (عَلَى) الْعِلَّةِ (الْمَنْصُوصَةِ) بِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا كَمَا نَقَلَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ تَقْدِيمَ الْقِيَاسِ الثَّابِتِ حُكْمُ أَصْلِهِ بِالنَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ الثَّابِتِ حُكْمُ أَصْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْحَاصِلِ وَالْبَيْضَاوِيُّ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ اللَّفْظِيَّةَ قَابِلَةٌ لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ هَذَا بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ فَرْعٌ عَلَى النَّصِّ لِأَنَّ حُجِّيَّتَهُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ نَعَمْ إنْ كَانَ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْمَنْصُوصَةِ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ عَلَى الْمَنْصُوصَةِ بِقَطْعِيٍّ غَيْرِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ احْتِمَالِ الْإِجْمَاعِ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ فَلَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَنْصُوصَةُ ثَابِتَةً بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ مُفَسَّرٍ أَوْ مُحْكَمٍ بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِهَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ مَا قِيلَ مِنْ عَدَمِ احْتِمَالِ الْإِجْمَاعِ النَّسْخَ فَلَا يَتِمُّ فِي الْمَنْصُوصَةِ

بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ مُحْكَمٍ بِاصْطِلَاحِهِمْ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ. وَمَشَى السُّبْكِيُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ الثَّابِتِ عِلَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ عَلَى الثَّابِتِ عِلَّتُهُ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَتَقْدِيمِ الثَّابِتِ عِلَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ عَلَى النَّصِّ الْقَطْعِيِّ (وَمَا بِالْإِيمَاءِ عَلَى مَا بِالْمُنَاسَبَةِ) أَيْ وَتَقْدِيمُ الْقِيَاسِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ عِلَّتِهِ بِإِيمَاءِ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ عِلَّتِهِ بِالْمُنَاسَبَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْلَى بِتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ وَمَشَى الْبَيْضَاوِيُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْمُنَاسَبَةِ عَلَى الْإِيمَاءِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي وَصْفًا مُنَاسِبًا وَالْإِيمَاءُ لَا لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ يُشْعِرُ بِالْعِلِّيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مُنَاسِبًا أَوْ لَا وَالْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ حَيْثُ تَوَافَقَا فِي الثُّبُوتِ بِالْمُنَاسَبَةِ (فَمَا) أَيْ الْوَصْفُ الَّذِي (عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِهِ) أَيْ الْحُكْمُ (أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ عَلَى مَا) أَيْ الْوَصْفُ الَّذِي (عُرِفَ بِهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ (تَأْثِيرُ جِنْسِهِ فِي نَوْعِهِ) أَيْ الْحُكْمِ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ كُلَّمَا كَانَتْ أَخَصَّ كَانَ الظَّنُّ بِالْعِلِّيَّةِ أَقْوَى وَالْأَقْوَى مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دُونَهُ. (وَهَذَا) الْوَصْفُ الَّذِي عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ جِنْسِهِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ (أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ) وَهُوَ الْوَصْفُ الَّذِي عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ نَوْعِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ شَأْنِ الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ أَهَمُّ وَأَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ شَأْنِ الْعِلَّةِ ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ مِنْ أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنْ اللَّذَيْنِ الْمُشَارَكَةُ فِيهِمَا فِي عَيْنٍ وَاحِدٍ وَجِنْسُ الْآخَرِ مَا الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فِي عَيْنِ الْعِلَّةِ عَلَى مَا الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْعُمْدَةُ فِي التَّعْدِيَةِ لِأَنَّ تَعْدِيَةَ الْحُكْمِ فَرْعُ تَعْدِيَتِهَا فَكُلَّمَا كَانَ التَّشَابُهُ فِي عَيْنِهَا أَكْثَرَ كَانَ أَقْوَى (وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ هَذَيْنِ (أَوْلَى مِنْ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ) أَيْ مِمَّا عُرِفَ بِطَرِيقَةِ تَأْثِيرِ جِنْسِ الْوَصْفِ فِيهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا آنِفًا (ثُمَّ الْجِنْسُ الْقَرِيبُ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ) أَوْلَى (مِنْ) الْجِنْسِ (غَيْرِ الْقَرِيبِ) فِي غَيْرِ الْقَرِيبِ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ (وَتَقَدَّمَ) فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ (أَنَّ الْمُرَكَّبَ أَوْلَى مِنْ الْبَسِيطِ) وَذَكَرْنَا ثَمَّةَ وَجْهَهُ وَمَا عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ التَّعَقُّبِ (وَأَقْسَامِ الْمُرَكَّبَاتِ) يُقَدَّمُ فِيهَا (مَا تَرْكِيبُهُ أَكْثَرُ) عَلَى مَا تَرْكِيبُهُ أَقَلُّ (وَمَا تَرَكَّبَ مِنْ رَاجِحَيْنِ أَوْلَى مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُرَكَّبِ (مِنْ مُسَاوٍ وَمَرْجُوحٍ) فَضْلًا عَنْ الْمُرَكَّبِ مِنْ مَرْجُوحَيْنِ (فَيُقَدَّمُ مَا) أَيْ الْمُرَكَّبُ (مِنْ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ الْقَرِيبِ) فِي الْعَيْنِ (عَلَى مَا) أَيْ الْمُرَكَّبِ (مِنْ) تَأْثِيرِ (الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ وَالْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَيَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا سَبَقَ) مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ وَغَيْرِهَا (أَقْسَامٌ) أُخَرُ كَالْمُرَكَّبَيْنِ الْمُشْتَمِلِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى رَاجِحٍ وَمَرْجُوحٍ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ فِيهِ مَا يَكُونُ الرَّاجِحُ فِي جَانِبِ الْحُكْمِ عَلَى مَا يَكُونُ فِي جَانِبِ الْعِلَّةِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ. وَيُعَارِضُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا مِنْ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُقَدِّمُ مَا يَقْطَعُ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي فَرْعِهِ عَلَى مَا يَظُنُّ وُجُودَهَا فِيهِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الِاحْتِمَالِ الْقَادِحِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالتَّتَبُّعِ وَالتَّأَمُّلِ (وَلِلشَّافِعِيَّةِ تَرَجُّحُ الْمَظِنَّةِ عَلَى الْحِكْمَةِ) أَيْ التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحِكْمَةِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِنَفْسِ الْحِكْمَةِ قَالُوا لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمَظِنَّةِ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ بِالْحِكْمَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَنْبَغِي) أَنْ يَكُونَ هَذَا (عِنْدَ عَدَمِ انْضِبَاطِهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ. قُلْت حَكَى الْآمِدِيُّ فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَعَلَى هَذَا فَلَا تَعَارُضَ لِيَحْتَاجَ إلَى التَّرْجِيحِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْقِيَاسُ الْمُعَلَّلُ بِالْمَظِنَّةِ وَالْجَوَازِ مُطْلَقًا وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ تَرَجُّحُ الْمَظِنَّةِ عَلَى الْحِكْمَةِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْبَيْضَاوِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ بِمَا أَلْحَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ وَالْجَوَازُ إنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً مُنْضَبِطَةً بِنَفْسِهَا وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مُخْتَارُ الْآمِدِيِّ وَهَذَا يَحْتَمِلُ جَرَيَانَ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا وَالتَّرْجِيحُ الْمَذْكُورُ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ وَيَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ عَلَيْهِ بِالْوَصْفِ الْعَدَمِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَدَمِ لَا يَدْعُو إلَى شَرْعِ الْحُكْمِ إلَّا إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِاشْتِمَالِ الْعَدَمِ عَلَى نَوْعِ مَصْلَحَةٍ فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ بِالْمَصْلَحَةِ أَوْلَى وَهَذَا وَإِنْ اقْتَضَى تَرْجِيحَ الْحِكْمَةِ عَلَى الْوَصْفِ الْحَقِيقِيِّ لَكِنْ عَارَضَهُ كَوْنُ

الْحَقِيقِيِّ أَضْبَطَ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَعَلَى هَذَا فَالتَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ رَاجِحٌ عَلَيْهِ بِالْأَوْصَافِ الْإِضَافِيَّةِ وَالتَّقْدِيرِيَّة لِأَنَّهَا عَدَمِيَّةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (ثُمَّ الْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ) أَيْ التَّعْلِيلُ بِهِ لِلْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِيِّ لِلْعَدَمِيِّ أَوْ لِلْوُجُودِيِّ وَبِالْوُجُودِيِّ لِلْعَدَمِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ وَالْمَعْلُولِيَّة وَصْفَانِ ثُبُوتِيَّانِ فَحَمْلُهُمَا عَلَى الْمَعْدُومِ لَا يُمْكِنُ إلَّا إذَا قُدِّرَ الْمَعْدُومُ مَوْجُودًا وَتَعَقَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُمَا عَدَمِيَّانِ كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لِكَوْنِهِمَا مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ ثُمَّ يَلِي هَذَا فِي الْأَوْلَوِيَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ تَعْلِيلُ الْعَدَمِيِّ بِالْعَدَمِيِّ لِلْمُشَابَهَةِ وَتَوَقَّفَ هُوَ وَصَاحِبُ التَّحْصِيلِ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْعَدَمِيِّ بِالْوُجُودِيِّ وَعَكْسِهِ. وَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاصِلِ بِأَنَّ تَعْلِيلَ الْعَدَمِيِّ بِالْوُجُودِيِّ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ هَذَا وَهَلْ يَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِيِّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَفِي الْمَحْصُولِ وَالْحَاصِلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ التَّرْجِيحُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْوُجُودِيَّ وَأَنْ يُقَالَ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ الْعَدَمَ أَشْبَهُ بِالْأُمُورِ الْحَقِيقِيَّةِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ اتِّصَافَ الشَّيْءِ بِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْعٍ بِخِلَافِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَرَجَّحَ صَاحِبُ التَّحْصِيلِ وَالْبَيْضَاوِيُّ الْعَدَمِيَّ وَيَلْزَمُهُ كَوْنُ التَّقْدِيرِيِّ أَوْلَى مِنْ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّ التَّقْدِيرِيَّ عَدَمِيٌّ لَكِنْ جَزَمَ فِي الْمَحْصُولِ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالشَّرْعِيِّ تَعْلِيلٌ بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ فَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ فَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ عَلَى الْعَدَمِيِّ أَيْضًا وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى هَذَا حَيْثُ قَالَ (وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ) أَيْ يَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ بَلْ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْوُجُودِيَّ وَالْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ سَوَاءٌ (وَالْبَسِيطُ) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْبَسِيطِ عَلَيْهِ بِالْوَصْفِ الْمُرَكَّبِ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الِاجْتِهَادَ فِيهِ أَقَلُّ فَيَبْعُدُ عَنْ الْخَطَأِ بِخِلَافِ الْمُرَكَّبِ وَقِيلَ الْكَثِيرُ الْأَوْصَافِ أَوْلَى (وَالْحَنَفِيَّةُ) عَلَى أَنَّ الْبَسِيطَ (كَالْمُرَكَّبِ) وَهُوَ مُقْتَضَى بُرْهَانِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَكَّبَ أَوْلَى مِنْ الْبَسِيطِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ ثَمَّةَ الْوَصْفُ الْمُتَعَدِّدُ جِهَاتُ اعْتِبَارِهِ مِنْ كَوْنِهِ بَعُدَ أَنَّهُ ثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِهِ فِي الْمَحَلِّ ثَبَتَ اعْتِبَارُ جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ إلَخْ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ بَسِيطًا كَالْإِسْكَارِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ذُو جُزْأَيْنِ فَصَاعِدًا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (وَلَيْسَ الْبَسِيطُ مُقَابِلًا لِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ وَمَا بِالْمُنَاسَبَةِ) أَيْ وَيُرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الثَّابِتِ عِلِّيَّتُهُ بِالْمُنَاسَبَةِ (أَيْ الْإِخَالَةِ عَلَى مَا بِالشَّبَهِ وَالدَّوَرَانِ) أَيْ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الثَّابِتِ عِلِّيَّتُهُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ لِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِالْمُنَاسَبَةِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِهِمَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى زِيَادَةِ الْمَصْلَحَةِ ثُمَّ مَا بِالشَّبَهِ عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ وَقِيلَ يُقَدَّمُ مَا بِالدَّوَرَانِ عَلَى مَا بِالْمُنَاسَبَةِ وَالشَّبَهِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ اطِّرَادَ الْعِلَّةِ وَانْعِكَاسَهَا بِخِلَافِهِمَا (وَمَا بِالسَّبْرِ) أَيْ وَيُرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الثَّابِتِ عِلِّيَّتُهُ بِالسَّبْرِ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ وَصْفِهِ بِالشَّبَهِ وَالتَّعْلِيلِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ وَصْفِهِ بِالدَّوَرَانِ كَمَا اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (وَعَلَّلَ) وَتَرْجِيحُ مَا بِالسَّبْرِ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ (بِمَا فِيهِ) أَيْ السَّبْرِ (مِنْ التَّعَرُّضِ لِنَفْيِ الْمُعَارِضِ) بِالْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمُعَارِضِ. وَالْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ مُقْتَضِيهِ فِي الْأَصْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِفَاءِ مُعَارِضِ مُقْتَضِيهِ فِيهِ أَيْضًا فَمَا دَلَّ عَلَيْهِمَا أَوْلَى وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَقَدْ يُقَالُ فَكَذَا الدَّوَرَانُ) يَتَرَجَّحُ الْوَصْفُ الثَّابِتُ عِلِّيَّتُهُ بِهِ عَلَى الْوَصْفِ الثَّابِتِ عِلِّيَّتُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الطُّرُقِ (لِزِيَادَةِ إثْبَاتِ الِانْعِكَاسِ) أَيْ لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْهُ مُطَّرِدَةٌ مُنْعَكِسَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ تَقْدِيمُ الدَّوَرَانِ لِإِثْبَاتِهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ (تَقْدِيمُ مَا بِالسَّبْرِ عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ) لِتَحَقُّقِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مَعَ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا فِيهِ (لِانْعِكَاسِ عِلَّتِهِ) أَيْ الْعِلَّةِ الثَّابِتَةِ بِهِ (لِلْحَصْرِ) أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ حَصْرُ الْأَوْصَافِ الصَّالِحَةِ لِلْعِلِّيَّةِ ظَاهِرًا فِي عَدَدٍ ثُمَّ إلْغَاءُ بَعْضِهَا بِطَرِيقِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلْعِلِّيَّةِ (وَيَزِيدُ) السَّبْرُ عَلَى الدَّوَرَانِ (بِنَفْيِ الْمُعَارِضِ فَيَبْطُلُ مَا قِيلَ) أَيْ مَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ (مِنْ عَكْسِهِ) أَيْ تَقْدِيمِ مَا بِالدَّوَرَانِ عَلَى مَا بِالسَّبْرِ قُلْت وَلَمْ يَظْهَرْ فِي السَّبْرِ تَعَرُّضٌ لِثُبُوتِ الِانْعِكَاسِ أَلْبَتَّةَ فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحَصْرِ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا الْإِلْغَاءُ أَيْضًا عِنْدَ التَّحْقِيقِ

بَلْ إنَّمَا يُشْبِهُ بَعْضَ طُرُقِ الْإِلْغَاءِ الْعَكْسِ وَلَيْسَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ نَعَمْ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ السَّبْرِ عَلَى الدَّوَرَانِ بِمَا تَقَدَّمَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ فِي الْفَرْعِ إلَّا بِنَفْيِ الْمُعَارِضِ وَالِاخْتِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الِانْعِكَاسِ فِي الْعِلَّةِ ثُمَّ فِي الْمَحْصُولِ وَهَذَا إذَا كَانَ السَّبْرُ مَظْنُونًا. فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ فَالْعَمَلُ بِهِ مُتَعَيِّنٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّرْجِيحِ. (وَلَا يُتَصَوَّرُ) هَذَا التَّرْجِيحُ (لِلْحَنَفِيَّةِ) لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ هَذِهِ طُرُقًا صَحِيحَةً لِإِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ؛ وَالتَّرْجِيحُ فَرْعُ كَوْنِهَا كَذَلِكَ بَلْ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ مَنْ قَبِلَ السَّبْرَ مِنْهُمْ يَتَعَيَّنُ عِنْدَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَيَسْقُطُ مَا عَدَاهُ فَلَمْ يُوجَدْ أَيْضًا رُكْنُ الْمُعَارَضَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا وُجُودُ التَّرْجِيحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَالضَّرُورِيَّةُ عَلَى الْحَاجِيَّةِ وَالدِّينِيَّةُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِهَا) أَيْ وَإِذَا تَعَارَضَتْ أَقْسَامٌ مِنْ الْمُنَاسِبِ رَجَحَتْ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْمَصْلَحَةِ فَرَجَحَتْ الْمَقَاصِدُ الْخَمْسَةُ الضَّرُورِيَّةُ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ وَالنَّسْلِ وَالْمَالِ عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ الْمَقَاصِدِ الْحَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ لِزِيَادَةِ مَصْلَحَةِ الضَّرُورِيَّةِ وَلِذَا لَمْ تَخْلُ شَرِيعَةٌ مِنْ مُرَاعَاتِهَا (وَهِيَ) أَيْ وَرَجَحَتْ الْحَاجِيَّةُ (عَلَى مَا بَعْدَهَا) وَهِيَ الْمَقَاصِدُ التَّحْسِينِيَّةُ لِتَعَلُّقِ الْحَاجَةِ بِالْحَاجِيَّةِ دُونَ التَّحْسِينِيَّةِ (وَمُكَمِّلُ كُلٍّ) مِنْ الضَّرُورِيَّةِ وَالْحَاجِيَّةِ وَالتَّحْسِينِيَّة (مِثْلُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمُكَمِّلُ (فَمُكَمِّلُهُ) أَيْ الضَّرُورِيِّ مُرَجَّحٌ (عَلَى الْحَاجِيِّ) فَضْلًا عَنْ مُكَمِّلِهِ لِقُرْبِ الْمُكَمِّلِ مِنْ الْمُكَمَّلِ عَلَى مَا ثَبَتَ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ مِثْلَهُ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ كَوْنِ مُكَمِّلِ كُلٍّ مِثْلَهُ (ثَبَتَ) شَرْعًا مِنْ الْحَدِّ (فِي) شُرْبِ (قَلِيلِ الْخَمْرِ) وَلَوْ قَطْرَةً (مَا) ثَبَتَ مِنْهُ (فِي) شُرْبِ (كَثِيرِهَا وَيُقَدَّمُ حِفْظُ الدِّينِ) مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ عَلَى مَا عَدَاهُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وَغَيْرُهُ مَقْصُودٌ مِنْ أَجْلِهِ وَلِأَنَّ ثَمَرَتَهُ أَكْمَلُ الثَّمَرَاتِ وَهِيَ نَيْلُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فِي جِوَارِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (ثُمَّ) يُقَدَّمُ حِفْظُ (النَّفْسِ) عَلَى حِفْظِ النَّسَبِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ الْمَصَالِحَ الدِّينِيَّةَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْعِبَادَاتِ وَحُصُولُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى بَقَاءِ النَّفْسِ (ثُمَّ) يُقَدَّمُ حِفْظُ (النَّسَبِ) عَلَى الْبَاقِيَيْنِ لِأَنَّهُ لِبَقَاءِ نَفْسِ الْوَلَدِ إذْ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا لَا يَحْصُلُ اخْتِلَاطُ النَّسَبِ فَيُنْسَبُ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَهْتَمَّ بِتَرْبِيَتِهِ وَحِفْظِ نَفْسِهِ وَإِلَّا أُهْمِلَ فَتَفُوتُ نَفْسُهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى حِفْظِهَا (ثُمَّ) يُقَدِّمُ حِفْظَ (الْعَقْلِ) عَلَى حِفْظِ الْمَالِ لِفَوَاتِ النَّفْسِ بِفَوَاتِهِ حَتَّى أَنَّ الْإِنْسَانَ بِفَوَاتِهِ يَلْتَحِقُ بِالْحَيَوَانَاتِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ وَمِنْ ثَمَّةَ وَجَبَ بِتَفْوِيتِهِ مَا وَجَبَ بِتَفْوِيتِ النَّفْسِ وَهِيَ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ قُلْت وَلَا يَعْرَى كَوْنُ بَعْضِ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ مُفِيدَةً لِتَرْتِيبِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مِنْ تَأَمُّلٍ (ثُمَّ) حِفْظُ (الْمَالِ وَقِيلَ) يُقَدِّمُ (الْمَالَ) أَيْ حِفْظَهُ فَضْلًا عَنْ حِفْظِ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ وَالنَّسَبِ (عَلَى) حِفْظِ (الدِّينِ) كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ نَبَّهَ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَقَدْ كَانَ الْأَحْسَنُ تَقْدِيمَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الدِّينِيِّ لِأَنَّهَا حَقُّ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ وَالْمُشَاحَّةِ وَيَتَضَرَّرُ بِفَوَاتِهِ وَالدِّينِيُّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّيْسِيرِ وَالْمُسَامَحَةِ وَهُوَ لِغِنَاهُ وَتَعَالِيهِ لَا يَتَضَرَّرُ بِفَوَاتِهِ (وَلِذَا) أَيْ تَقْدِيمِ هَذِهِ عَلَى الدِّينِيِّ (تُتْرَكُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ) وَهُمَا دِينِيَّانِ (لِحِفْظِهِ) أَيْ الْمَالِ وَهُوَ دُنْيَوِيٌّ (وَلِأَبِي يُوسُفَ تُقْطَعُ) الصَّلَاةُ (لِلدِّرْهَمِ) وَلَفْظُ الْخُلَاصَةِ وَلَوْ سُرِقَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ دِرْهَمٌ يَقْطَعُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ انْتَهَى وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ قَطْعِ صَلَاتِهِ وَلَا فَصْلَ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَدَّرُوا ذَلِكَ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّ مَا دُونَهُ حَقِيرٌ فَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِأَجْلِهِ لِأَنَّ اكْتِسَابَهُ ذَمِيمٌ (وَقُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْقَتْلِ بِهِمَا فَإِنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَأَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ لِحِفْظِ النَّفْسِ وَقَتْلُ الرِّدَّةِ أَمْرٌ دِينِيٌّ (وَرَدُّ) كَوْنِ الْعِلَّةِ فِي تَقْدِيمِ قَتْلِ الْقِصَاصِ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ تَقْدِيمُ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ (بِأَنَّ فِي الْقِصَاصِ حَقَّهُ تَعَالَى) وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ وَالتَّصَرُّفُ بِمَا يُفْضِي إلَى تَفْوِيتِهَا فَقُدِّمَ لِتَرَجُّحِهِ بِاجْتِمَاعِ الْحَقَّيْنِ وَإِيضَاحِهِ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الشَّارِعَ لَا مَقْصِدَ لَهُ فِي إزْهَاقِ الْأَرْوَاحِ إنَّمَا مَقْصِدُهُ

دَعْوَةُ الْخَلْقِ إلَيْهِ وَهُدَاهُمْ وَإِرْشَادُهُمْ. فَإِنْ حَصَلَ فَهُوَ الْغَايَةُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ حَسْمُ الْفَسَادِ بِإِرَاقَةِ دَمِ مَنْ لَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهِ فَإِرَاقَةُ دَمِ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي بَقَائِهِ لَا لِقَصْدٍ فِي الْإِزْهَاقِ فَإِذَا زَاحَمَهُ قَتْلُ الْقِصَاصِ وَكَانَ وَلِيُّ الدَّمِ لَا قَصْدَ لَهُ إلَّا التَّشَفِّيَ بِاسْتِيفَاءِ ثَأْرِ مُوَلِّيهِ سَلَّمْنَاهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ الْمَقْصِدَانِ جَمِيعًا لِتَطْهُرَ الْأَرْضُ مِنْ الْمُفْسِدِينَ بِإِرَاقَةِ دَمِ هَذَا الْكَافِرِ وَبِتَشَفِّي وَلِيِّ الدَّمِ وَلَا كَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ مَقْصِدُ وَلِيِّ الدَّمِ بِالْأَصَالَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ أَوْلَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَسْلِيمَهُ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ لَيْسَ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ بَلْ هُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ. وَأَمَّا مَا فِي حَاشِيَةِ الْأَبْهَرِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُ هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ مَحْضُ حَقِّ الْآدَمِيِّ إذْ لَوْ كَانَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الدَّمِ كَمَا قِيلَ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَحْضَةِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ بِاسْتِدْعَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ وَلَوْ عَفَا عَنْهُ كَانَ لِلْإِمَامِ اسْتِيفَاؤُهُ انْتَهَى فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ نَعَمْ الْغَالِبُ فِي الْقِصَاصِ حَقُّ الْعَبْدِ. وَأَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ كَمَا سَلَفَ ذَلِكَ فِي تَقْسِيمِ الْحَنَفِيَّةِ لِمُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لِحِفْظِ الْمَالِ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَقْدِيمِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ (إذْ لَهُ) أَيْ لِتَرْكِهِمَا (خَلَفٌ) يُجْبَرَانِ بِهِ وَهُوَ الظُّهْرُ وَالِانْفِرَادُ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ فَاتَ فِيهَا صِفَتُهَا الَّتِي هِيَ الْجَمَاعَةُ وَالْفَائِتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَائِتٍ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّرْكِ مُطْلَقًا وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ عَنْ قَطْعِ الصَّلَاةِ لِسَرِقَةِ دِرْهَمٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إلَى خَلَفٍ مِنْ إعَادَةٍ أَوْ قَضَاءٍ لَا إلَى تَرْكٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) تَرْجِيحُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ الْمُعَارِضِ لَهُ (بِتَرْجِيحِ دَلِيلِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَلَى دَلِيلِ حُكْمِ) الْأَصْلِ (الْآخَرِ) كَكَوْنِ دَلِيلِ حُكْمِ أَصْلِ أَحَدِهِمَا مُتَوَاتِرًا أَوْ مُحْكَمًا أَوْ حَقِيقَةً أَوْ صَرِيحًا أَوْ عِبَارَةً بِخِلَافِ الْآخَرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَلِلنُّصُوصِ بِالذَّاتِ) لَا لِلْقِيَاسِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ (وَتَرَكْنَا أَشْيَاءَ مُتَبَادِرَةً) مِنْ تَرَاجِيحِ الْأَقْيِسَةِ الْمُتَعَارِضَةِ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِهَا لِلْمُتْقِنِ مَا سَبَقَ مِنْ الْمَبَاحِثِ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا عِلَّتُهُ مُنْضَبِطَةٌ وَعِلَّةُ الْآخَرِ مُضْطَرِبَةٌ أَوْ جَامِعَةٌ مَانِعَةٌ لِلْحِكْمَةِ فَكُلَّمَا وُجِدَتْ وُجِدَتْ الْحِكْمَةُ وَكُلَّمَا انْتَفَتْ انْتَفَتْ الْحِكْمَةُ وَعِلَّةُ الْآخَرِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمُثَارُهَا زِيَادَةُ غَلَبَةِ الظَّنِّ (وَتَتَعَارَضُ الْمُرَجِّحَاتِ) لِلْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ كَمَا لِغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُتَعَارِضَاتِ (فَيَحْتَمِلُ) التَّرْجِيحُ (الِاجْتِهَادَ كَالْمُلَائِمَةِ وَالْبَسِيطَةِ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ الْقِيَاسَ بِعِلَّةٍ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهَا بِالْمُلَائِمَةِ تُرَجَّحُ عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ مَثَلًا فَلَوْ كَانَتْ الْمُلَائِمَةُ مُرَكَّبَةً وَالْمُطَّرِدَةُ الْمُنْعَكِسَةُ بَسِيطَةً تَعَارَضَ مُرَجِّحَانِ وَاحْتَمَلَ التَّرْجِيحُ الِاجْتِهَادَ فِيهِ (وَعَادَةُ الْحَنَفِيَّةِ ذِكْرُ أَرْبَعَةٍ) مِنْ مُرَجِّحَاتِ الْقِيَاسِ (قُوَّةُ الْأَثَرِ وَالثَّبَاتُ عَلَى الْحُكْمِ وَكَثْرَةُ الْأُصُولِ وَالْعَكْسُ فَأَمَّا قُوَّةُ الْأَثَرِ) أَيْ التَّأْثِيرِ فَلِأَنَّهُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ صَارَ الْوَصْفُ حُجَّةً فَمَهْمَا قَوِيَ قَوِيَتْ لِأَنَّ قُوَّةَ الْمُسَبِّبِ يُسَبِّبُ قُوَّةَ سَبَبِهِ فَإِذَا قَوِيَ أَثَرُ وَصْفٍ عَلَى أَثَرِ وَصْفٍ آخَرَ زَادَتْ قُوَّتُهُ عَلَى قُوَّتِهِ فَتَرَجَّحَتْ حُجَّتُهُ عَلَى حُجَّتِهِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ مُرَجَّحَةٌ فَتَعَيَّنَ التَّمَسُّكُ بِهِ وَسَقَطَ الْآخَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَهُوَ (مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ فَإِذَا تَعَارَضَا فَأَيُّهُمَا كَانَ أَثَرُ وَصْفِهِ أَقْوَى قُدِّمَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَمِنْهُ) أَيْ التَّرْجِيحِ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ فِي الْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ (فِي جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ) لِلْحُرِّ (مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ) أَيْ قُدْرَتِهِ عَلَى تَزَوُّجِهَا بِأَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا وَالْأَصْلُ الطَّوْلُ عَلَى الْحُرَّةِ أَيْ الْفَضْلُ فَاتَّسَعَ فِيهِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ ثُمَّ أُضِيفَ الْمَصْدَرُ إلَى الْمَفْعُولِ فَقُلْنَا يَجُوزُ لَهُ إذْ (يَمْلِكُهُ) أَيْ نِكَاحَ الْأَمَةِ (الْعَبْدُ) مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي نِكَاحِ مَنْ شَاءَ مِنْ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَيَدْفَعَ لَهُ مَهْرًا يَصْلُحُ لَهُمَا (فَكَذَا الْحُرُّ) يَمْلِكُهُ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ قِيَاسًا عَلَى الْحُرِّ الَّذِي تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ إجْمَاعًا فَإِنَّ قِيَاسَنَا (أَقْوَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ بِجَامِعِ إرْقَاقِ مَائِهِ مَعَ غُنْيَتِهِ) عَنْ إرْقَاقِهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَصْفًا بَيِّنَ الْأَثَرِ فِي الْمَنْعِ إذْ الْإِرْقَاقُ إهْلَاكٌ مَعْنًى لِأَنَّهُ أَثَرُ الْكُفْرِ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ حُكْمًا فَكَمَا يَحْرُمُ قَتْلُ وَلَدِهِ شَرْعًا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إرْقَاقُهُ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ وَلِهَذَا يُخَيَّرُ الْإِمَامُ

فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْقَتْلِ فَلَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ نِكَاحِ الْحُرَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا قِيَاسُنَا أَقْوَى (لِأَنَّ أَثَرَ الْحُرِّيَّةِ فِي اتِّسَاعِ الْحِلِّ أَقْوَى مِنْ الرِّقِّ فِيهِ) أَيْ فِي اتِّسَاعِ الْحِلِّ (تَشْرِيفًا) لِلْحُرِّ (كَالطَّلَاقِ) فَإِنَّ كَوْنَهُ ثَلَاثًا يَتْبَعُ الْحُرِّيَّةَ إلَّا أَنَّا اعْتَبَرْنَاهَا فِي جَانِبِ الزَّوْجَةِ وَاعْتَبَرَهَا الشَّافِعِيُّ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ (وَالْعِدَّةِ) فَإِنَّهَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْرُؤٍ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ وَفِي حَقِّ الْأَمَةِ قُرْآنِ، وَشَهْرٌ وَنِصْفٌ، وَشَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ (وَالتَّزَوُّجِ) فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلْحُرِّ أَرْبَعٌ وَلِلْعَبْدِ ثِنْتَانِ (وَكَثِيرٍ) مِنْ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَأَسْبَابِ الْكَرَامَةِ وَالشَّرَفِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْبَشَرِ فِي الدُّنْيَا إذْ بِهَا يَكُونُ أَهْلًا لِلْوِلَايَاتِ وَيَمْلِكُ الْأَشْيَاءَ فَيَكُونُ تَأْثِيرُهَا فِي الْإِطْلَاقِ وَالِاتِّسَاعِ فِي بَابِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مِنْ النِّعَمِ لَا فِي الْمَنْعِ وَالْحَجْرِ وَالرِّقِّ مِنْ أَوْصَافِ النُّقْصَانِ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْآدَمِيِّ بِهِ لِلْوِلَايَاتِ وَالتَّمَلُّكَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَثَرُهُ فِي الْمَنْعِ وَالتَّضْيِيقِ فَلَوْ اتَّسَعَ الْحِلُّ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ لِلْعَبْدِ وَضَاقَ عَلَى الْحُرِّ بِأَنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ لَكَانَ قَلَبَ الْمَشْرُوعَ وَعَكَسَ الْمَعْقُولَ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ يَزْدَادُ بِزِيَادَةِ الشَّرَفِ وَلِهَذَا جَازَ لِمَنْ كَانَ أَفْضَلَ الْبَشَرِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ. قُلْت وَأَمَّا مَا فِي التَّلْوِيحِ وَرُبَّمَا يُجَابُ أَنَّ هَذَا التَّضْيِيقَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ حَيْثُ مُنِعَ الشَّرِيفُ مِنْ تَزَوُّجِ الْخَسِيسِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مَظِنَّةِ الْإِرْقَاقِ وَذَلِكَ كَمَا جَازَ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ لِلْكَافِرِ دُونَ الْمُسْلِمِ انْتَهَى فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا خِسَّةَ كَالْكُفْرِ وَقَدْ جَازَ تَزَوُّجُ الْمُسْلِمِ الْقَادِرِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ بِالْكَافِرَةِ الْكِتَابِيَّةِ (وَمَنْعُ) الشَّارِعِ مِنْ (الْإِرْقَاقِ وَإِنْ تَضَمَّنَهُ) أَيْ التَّشْرِيفَ (لَكِنَّهُ) أَيْ الْإِرْقَاقَ بِتَزَوُّجِ الْأَمَةِ (مُنْتَفٍ لِأَنَّ اللَّازِمَ) مِنْ تَزَوُّجِهَا (الِامْتِنَاعُ عَنْ) إيجَادِ (الْجُزْءِ) أَيْ الْوَلَدِ (الْحُرِّ) إذْ الْمَاءُ لَيْسَ بِوَلَدٍ وَلَا يُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ بَلْ هُوَ قَابِلٌ لَأَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الْحُرُّ وَالرَّقِيقُ فَتَزَوُّجُهَا امْتِنَاعٌ مِنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبِ وُجُودِ الْحُرِّيَّةِ فَحِينَ يُخْلَقُ يُخْلَقُ رَقِيقًا (لَا) أَنَّ اللَّازِمَ مِنْهُ (إرْقَاقُهُ) أَيْ الْجُزْءُ أَيْ لَا أَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ إلَى الرِّقِّ وَالْهَلَاكُ إنَّمَا هُوَ فِي إرْقَاقِ الْحُرِّ (وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ) أَيْ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْجُزْءِ الْحُرِّ هُوَ (الْمُرَادُ بِالْإِرْقَاقِ نُقِضَ بِنِكَاحِ الْعَبْدِ الْقَادِرِ) عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ (أَمَةً لِأَنَّ مَاءَهُ) أَيْ الْعَبْدِ إذَا تَخَلَّقَ مِنْهُ وَلَدٌ فِي الْحُرَّةِ (حُرٌّ إذْ الرِّقُّ مِنْ الْأُمِّ لَا الْأَبِ) وَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا (وَبِعَزْلِ الْحُرِّ) عَنْ أَمَتِهِ مُطْلَقًا وَعَنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ بِرِضَاهَا وَبِنِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَالْعَجُوزِ وَالْعَقِيمِ فَإِنَّ الْعَزْلَ وَمَا مَعَهُ إتْلَافٌ حَقِيقَةً وَالْإِرْقَاقَ إتْلَافٌ حُكْمًا إذْ فِي الْعَزْلِ وَنَحْوِهِ يَفُوتُ أَصْلُ الْوَلَدِ بِحَيْثُ لَا يُرْجَى وُجُودُهُ وَفِي الْإِرْقَاقِ إنَّمَا يَفُوتُ صِفَةُ الْحُرِّيَّةِ لَا أَصْلُ الْوَلَدِ مَعَ أَنَّهُ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْعِتْقِ وَإِذَا جَازَ الْأَوَّلُ كَانَ الثَّانِي بِالْجَوَازِ أَحْرَى (وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ التَّرْجِيحِ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ فِي الْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ فِي نَفْيِ اسْتِنَانِ تَثْلِيثِ مَسْحِ الرَّأْسِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا عَلَى الْقِيَاسِ بِاسْتِنَانِ تَثْلِيثِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَسْحُ الرَّأْسِ (مَسْحٌ فَلَا يُثَلَّثُ كَالْخُفِّ) أَيْ كَمَسْحِهِ فَإِنَّ قِيَاسَنَا هَذَا (أَقْوَى أَثَرًا) فِي مَنْعِ التَّثْلِيثِ (مِنْ) أَثَرِ (قِيَاسِهِ) فِي اسْتِنَانِ التَّثْلِيثِ وَهُوَ مَسْحُ الرَّأْسِ (رُكْنٌ فَيُثَلَّثُ كَالْمَغْسُولِ) أَيْ كَغُسْلِ الْوَجْهِ أَوْ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ ثُمَّ كَوْنُ قِيَاسِنَا أَقْوَى أَثَرًا مِنْ أَثَرِ قِيَاسِهِ (بَعْدَ تَسْلِيمِ تَأْثِيرِهِ) أَيْ كَوْنِهِ رُكْنًا فِي التَّثْلِيثِ (فِي الْأَصْلِ) وَهُوَ الْمَغْسُولُ وَإِنَّمَا قُلْنَا قِيَاسُنَا أَقْوَى حِينَئِذٍ. (فَإِنْ شَرْعَهُ) أَيْ مَسْحَ الرَّأْسِ (مَعَ إمْكَانِ شَرْعِ غَسْلِ الرَّأْسِ وَخُصُوصًا مَعَ عَدَمِ اسْتِيعَابِ الْمَحَلِّ) أَيْ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ فَرْضًا (لَيْسَ إلَّا لِلتَّخْفِيفِ) وَهُوَ فِي عَدَمِ التَّكْرَارِ فَظَهَرَ أَنَّ تَأْثِيرَ قِيَاسِنَا أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ قِيَاسِهِ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَسْلَمْ تَأْثِيرُ الرُّكْنِيَّةِ فِي التَّثْلِيثِ (فَقَدْ نُقِضَ) كَوْنُ الرُّكْنِيَّةِ مُؤَثِّرَةً فِي التَّثْلِيثِ (طَرْدًا وَعَكْسًا لِوُجُودِهِ) أَيْ التَّثْلِيثِ. (وَلَا رُكْنَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَوُجُودُ الرُّكْنِ دُونَهُ) أَيْ التَّثْلِيثِ (كَثِيرٌ) كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ مِنْ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ وَأَرْكَانِ الْحَجِّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَصْلُحُ التَّعْلِيلُ بِهَا أَصْلًا. فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ رُكْنًا كَوْنُهُ رُكْنًا فِي الْوُضُوءِ لَا مُطْلَقُ الرُّكْنِيَّةِ فَلَا يَرِدُ أَرْكَانُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ

أُجِيبَ بِأَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ إيرَادَ النَّقْضِ بِسَائِرِ الْأَرْكَانِ بَلْ بَيَانَ أَنَّ الرُّكْنِيَّةَ وَإِنْ سَلِمَ تَأْثِيرُهَا فِي الْوُضُوءِ فَلَيْسَتْ بِمُؤَثِّرَةٍ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي التَّكْرَارِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَوَصْفُ الْمَسْحِ مُؤَثِّرٌ فِي التَّخْفِيفِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَكُونُ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى. (وَأَمَّا الثَّبَاتُ) أَيْ قُوَّةُ ثَبَاتِ الْوَصْفِ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي يَشْهَدُ الْوَصْفُ بِثُبُوتِهِ (فَكَثْرَةُ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ فِي الْحُكْمِ) أَيْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ ذَلِكَ الْوَصْفَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَيْ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَمَعَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَحَاصِلُهُ أَنْ يَكُونَ وَصْفُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ أَلْزَمَ لِلْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ مِنْ وَصْفِ الْقِيَاسِ الْآخَرِ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَزْدَادُ قُوَّةً لِفَضْلِ مَعْنَاهُ الَّذِي صَارَ بِهِ حُجَّةً وَهُوَ رُجُوعُ أَثَرِهِ إلَى الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَوَقِّفِ اعْتِبَارُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ فَكَانَ زِيَادَةُ ثَبَاتِهِ عَلَى الْحُكْمِ ثَابِتَةً بِأَحَدِهَا أَيْضًا كَثُبُوتِ أَصْلِ الْأَثَرِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى مَا لَمْ تُوجَدْ فِيهِ هَذِهِ الْقُوَّةُ (كَالْمَسْحِ فِي) دَلَالَتِهِ عَلَى (التَّخْفِيفِ فِي كُلِّ تَطْهِيرٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ كَالتَّيَمُّمِ وَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَالْجَوْرَبِ وَالْخُفِّ) فَإِنَّ الْمَسْحَ فِي هَذِهِ لَا يُسَنُّ فِيهِ التَّكْرَارُ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنْ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مَسْحٌ وَقَدْ شُرِعَ فِيهِ التَّكْرَارُ لِأَنَّهُ عَقْلٌ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ إذْ الْمَقْصُودُ التَّنْقِيَةُ وَالتَّكْرَارُ يُؤَثِّرُ فِي تَحْصِيلِهَا. وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا حَصَلَتْ بِمَرَّةٍ لَا يُكَرَّرُ الْمَسْحُ فَكَانَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ لَهُ التَّكْرَارُ أَثْبَتُ مِنْ دَلَالَةِ الرُّكْنِ عَلَى التَّكْرَارِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ فَيُسَنُّ لَهُ التَّكْرَارُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الرُّكْنِ فَإِنَّ أَثَرَهُ) أَيْ الرُّكْنَ (فِي الْإِكْمَالِ وَهُوَ) أَيْ الْإِكْمَالُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (الْإِيعَابُ) بِالْمَسْحِ لِلْمَحَلِّ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ لَا فِي سُنِّيَّةِ التَّكْرَارِ لِانْتِفَائِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَرْكَانِ (وَكَقَوْلِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي) صَوْمِ (رَمَضَانَ) صَوْمٌ (مُتَعَيِّنٌ فَلَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ) فَيَسْقُطُ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّوْمِ إذْ التَّعْيِينُ أَثْبَتُ فِي سُقُوطِ التَّعْيِينِ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ صَوْمُ فَرْضٍ فِي دَلَالَةِ التَّعْيِينِ وَكَيْفَ لَا (وَهُوَ) أَيْ التَّعْيِينُ شَرْعًا (وَصْفٌ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ) فِي سُقُوطِ التَّعْيِينِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَائِرِ الْمُتَعَيِّنَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَفِي الْكَثِيرِ مِنْهَا كَمَا (فِي الْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبِ) أَيْ دِرْهَمًا (وَرَدِّ الْمَبِيعِ فِي) الْبَيْعِ (الْفَاسِدِ) إلَى الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الرَّدُّ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ يَقَعُ عَنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِوُجُودِ تَعَيُّنِ الْمَحَلِّ لِذَلِكَ شَرْعًا (وَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ) وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ (لَا يُشْتَرَطُ) فِي خُرُوجِهِ بِهِ عَنْ الْفَرْضِ (تَعْيِينُ نِيَّةِ الْفَرْضِ بِهِ) مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى الْفَرَائِضِ بَلْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ لِكَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا غَيْرَ مُتَنَوِّعٍ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِخِلَافِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْفَرْضِيَّةُ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ إلَّا الِامْتِثَالَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا تَعْيِينَ النِّيَّةِ حَتَّى أَنَّ الْحَجَّ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ أَثَرُهُ مُخْتَصًّا بِبَعْضِ الْعِبَادَاتِ. (وَأَمَّا كَثْرَةُ الْأُصُولِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا جِنْسُ الْوَصْفِ) فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِ الْحُكْمِ (أَوْ عَيْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِلشَّافِعِيَّةِ) فِي الْمَقْصِدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ (فَقِيلَ لَا تُرَجَّحُ) الْوَصْفُ الْكَائِنَةُ لَهُ عَلَى الْوَصْفِ الْعَارِيَ عَنْهَا وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ (كَكَثْرَةِ الرُّوَاةِ) أَيْ كَالتَّرْجِيحِ بِهَا إذَا لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ الشُّهْرَةِ أَوْ التَّوَاتُرِ وَالْخَبَرُ لَا يُرَجَّحُ بِهِمَا فَالْوَصْفُ لَا يَتَرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ (وَلِأَنَّ كُلَّ أَصْلٍ كَعِلَّةٍ) عَلَى حِدَةٍ (فَبِالْقِيَاسِ) أَيْ فَالتَّرْجِيحُ بِهَذَا النَّوْعِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (نَعَمْ) أَيْ تُرَجِّحُ كَثْرَةُ الْأُصُولِ الْوَصْفَ الْكَائِنَةَ لَهُ عَلَى الْوَصْفِ الْعَارِي عَنْهَا (لِأَنَّ مَرْجِعَهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي هُوَ كَثْرَةُ الْأُصُولِ (اشْتِهَارُ الدَّلِيلِ أَيْ الْوَصْفِ) هُنَا فَصَارَ الْوَصْفُ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ مِنْ كَثْرَةِ الْأُصُولِ (كَالْخَبَرِ الْمُشْتَهِرِ) . وَإِذَا كَانَ الْخَبَرُ يَتَرَجَّحُ بِالشُّهْرَةِ فَكَذَا الْوَصْفُ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ لِأَنَّهَا شُهْرَةٌ لَهُ (فَازْدَادَ ظَنُّ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ حُكْمَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ بِهَذِهِ الْوَسَاطَةِ (بِخِلَافِ مَا) أَيْ الْوَصْفِ (إذَا لَمْ يَبْلُغْهَا) أَيْ لَمْ يَتَّصِفْ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلْ لَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ الظَّنِّ كَالْخَبَرِ

الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الشُّهْرَةَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنَّ أُصُولَهُ كَثِيرَةٌ وَكَثْرَةُ الْأَقْيِسَةِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ قِيَاسٍ عِلَّةٌ عَلَى حِدَةٍ وَذَلِكَ (كَالْمَسْحِ) فَإِنَّهُ وَصْفٌ يَشْهَدُ لِتَأْثِيرِهِ (فِي التَّخْفِيفِ) أُصُولٌ إذْ (يُوجَدُ فِي التَّيَمُّمِ وَمَا ذَكَرْنَا) مِنْ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَالْجَوْرَبِ وَالْخُفِّ (فَيَتَرَجَّحُ عَلَى تَأْثِيرِ وَصْفِ الرُّكْنِيَّةِ) فِي تَأْثِيرِهِ (فِي التَّثْلِيثِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ إلَّا الْغُسْلُ (فَلِذَا) أَيْ كَوْنِ الْمَسْحِ فِي تَأْثِيرِهِ التَّخْفِيفُ مِثَالًا لِهَذَا وَلِلثَّانِي. (قِيلَ) أَيْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ (هُوَ) أَيْ هَذَا الثَّالِثُ (قَرِيبٌ مِنْ الثَّانِي) قِيلَ لِأَنَّ فِي الثَّالِثِ اُعْتُبِرَ الْمُؤَثِّرُ وَهُوَ كَثْرَةُ الْأُصُولِ وَفِي الثَّانِي اُعْتُبِرَ الْأَثَرُ وَهُوَ ثَبَاتُهُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ فِي الثَّالِثِ أُخِذَ مِنْ نَظَائِرِ الْوَصْفِ كَالتَّيَمُّمِ وَنَحْوِهِ وَفِي الثَّانِي أُخِذَ مِنْ قُوَّةِ الْوَصْفِ وَهُوَ الْمَسْحُ فِي مَسْأَلَةِ التَّثْلِيثِ مَثَلًا وَنُقِلَ فِي التَّلْوِيحِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ التَّأْثِيرَ إذَا كَانَ بِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ جِنْسَ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعَهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ فَقُوَّةُ الثَّبَاتِ حِينَئِذٍ تَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَإِذَا كَانَ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ جِنْسِ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ نَوْعِهِ فَأَحَدُهُمَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ (وَالْحَقُّ أَنَّ الثَّلَاثَةَ تَرْجِعُ إلَى قُوَّةِ الْأَثَرِ وَالتَّفْرِقَةُ) بَيْنَهَا إنَّمَا هِيَ (بِالِاعْتِبَارِ فَهُوَ) أَيْ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ قُوَّةُ الْأَثَرِ (بِالنَّظَرِ إلَى) نَفْسِ (الْوَصْفِ وَالثَّبَاتِ) أَيْ وَقُوَّةِ الثَّبَاتِ عَلَى الْحُكْمِ بِالنَّظَرِ (إلَى الْحُكْمِ وَكَثْرَةِ الْأُصُولِ) بِالنَّظَرِ (إلَى الْأَصْلِ) وَعَزَاهُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ إلَى الْمُحَقِّقِينَ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَمَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إذَا قَرَّرْته فِي مَسْأَلَةٍ إلَّا وَتَبَيَّنَ بِهِ إمْكَانُ تَقْرِيرِ النَّوْعَيْنِ فِيهِ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ وَقَلَّمَا يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا وَمَعَهُ الْآخَرَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُوجَدُ عَلَى مَا قِيلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا الْعَكْسُ) وَيُسَمَّى الِانْعِكَاسَ أَيْضًا وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ فَعِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ وَلَا وُجُودَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لِأَنَّ الرُّجْحَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَمُخْتَارُ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ صَالِحٌ لِلتَّرْجِيحِ لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ الَّذِي جُعِلَ حُجَّةً دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ وَوَكَادَةِ تَعَلُّقِهِ بِهِ فَصَلُحَ مُرَجِّحَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنَّهُ تَرْجِيحٌ ضَعِيفٌ كَمَا يَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا (كَمَسْحٍ) أَيْ كَقَوْلِنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ هُوَ مَسْحٌ لَمْ يُعْقَلْ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ (فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ) فَإِنَّهُ يَنْعَكِسُ صَادِقًا إلَى كُلِّ مَا لَيْسَ بِمَسْحٍ لَمْ يُعْقَلْ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ (بِخِلَافِ) قَوْلِ الشَّافِعِيِّ هُوَ (رُكْنٌ فَيُكَرَّرُ) لِأَنَّهُ لَا يَنْعَكِسُ صَادِقًا إلَى كُلِّ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ لَا يُكَرَّرُ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّكْرَارَ (يُوجَدُ مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ الرُّكْنِ (كَمَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ. (وَقَوْلُنَا فِي بَيْعِ الطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ الْمَطْعُومِ حِنْطَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا بِالطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (مَبِيعٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ أَوْلَى مِنْ) قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (مَأْكُولٌ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ حَرُمَ التَّفَاضُلُ) فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ (إذْ لَا يَنْعَكِسُ) هَذَا صَادِقًا إلَى كُلِّ مَا لَا يُقَابَلُ بِجِنْسِهِ لَا يَحْرُمُ الْفَضْلُ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ (لِاشْتِرَاطِ قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) حَالَ كَوْنِ رَأْسِ مَالِهِ (غَيْرَ رِبَوِيٍّ) مِنْ ثِيَابٍ وَغَيْرِهَا (بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ مَبِيعٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ (إذْ كُلَّمَا انْتَفَى) التَّعْلِيلُ الَّذِي هُوَ التَّعْيِينُ (انْتَفَى) الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ كَوْنِ عِلَّةِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ مَا ذَكَرْنَا (لَزِمَ الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ) أَيْ بَيْعُ جِنْسِ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ كَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ (لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ) وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الصَّرْفِ فَانْتَفَى عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لِانْتِفَاءِ التَّعْيِينِ فِي الْبَدَلَيْنِ وَلَوْ صَحَّ بِدُونِ الْقَبْضِ لَكَانَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدِينٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. (وَ) فِي (السَّلَمِ لِانْتِفَاءِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ) وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَقِيقَةً مَعَ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ النَّقْدِ غَالِبًا فَيَكُونُ دَيْنًا فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَيْضًا فَيَكُونُ انْتِفَاءُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ لِانْتِفَاءِ التَّعْيِينِ أَيْضًا. قُلْت لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ قَائِلًا بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ التَّعْيِينَ فِي الْعُقُودِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عِنْدَهُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا تَمَّ عَلَيْهِ أَوْ لَا عُدِمَ تَعْيِينُهَا بِالتَّعْيِينِ هَذَا وَقَدْ أَوْرَدَ مَا ذَكَرْتُمْ غَيْرَ

مُطَّرِدٍ فَإِنَّ الْمَبِيعَ فِي بَيْعِ إنَاءِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ بِإِنَاءٍ كَذَلِكَ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ إذَا كَانَ ثَوْبًا بِعَيْنِهِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وُرُودَهُمَا عَلَى الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَرُبَّمَا يَقَعُ عَقْدُهُمَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَيَتَعَذَّرُ عَلَى عَامَّةِ التُّجَّارِ مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ أُقِيمَ اسْمُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ مَقَامَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَعُلِّقَ وُجُوبُ الْقَبْضِ بِهِمَا تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ فَوَجَبَ الْقَبْضُ بِهِمَا سَوَاءٌ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى دَيْنٍ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ بِعَيْنٍ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ تَقْدِيرًا إذْ الشَّيْءُ إذَا أُقِيمَ مَقَامَ غَيْرِهِ فَالْمَنْظُورُ نَفْسُهُ لَا الشَّيْءُ الَّذِي أُقِيمَ هُوَ مَقَامَهُ كَالسَّفَرِ لَمَّا أُقِيمَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ صَارَ الْمَنْظُورُ السَّفَرَ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْمَشَقَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِي التَّلْوِيحِ فَإِنْ قِيلَ الْمَبِيعُ فِي السَّلَمِ هُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ وَلَيْسَ بِمَقْبُوضٍ وَالْمَقْبُوضُ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ وَلَيْسَ بِمَبِيعٍ أُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَبِيعٍ مُتَعَيِّنٍ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِهِ وَيَنْعَكِسُ إلَى كُلِّ مَبِيعٍ لَا يَكُونُ مُتَعَيِّنًا يُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِهِ وَثَانِيهِمَا الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ أَصْلًا وَيَنْعَكِسُ إلَى كُلِّ بَيْعٍ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَبِيعُ وَلَا ثَمَنُهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْجُمْلَةِ انْتَهَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ نَوْعَ نَبْوَةٍ مِنْ تَقْرِيرِ التَّرْجِيحِ بِالْعَكْسِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لِأَنَّ حَاصِلَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْبَدَلِ فِي الْأَصْلِ وَاشْتِرَاطُهُ فِي الِانْعِكَاسِ وَهُوَ خِلَافُ مَا صُرِّحَ بِهِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَاشْتِرَاطِهِ وَمُؤَدَّى الْوَجْهِ الثَّانِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ قَبَضَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ أَوْ قَبَضَ أَحَدَهُمَا فِي الْأَصْلِ وَاشْتِرَاطُ الْقَبْضِ فِي الْعَكْسِ فِي الْجُمْلَةِ أَيُّهُمَا كَانَ وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ الْمُصَرَّحِ بِهِ ثُمَّ هَلْ الْقَبْضُ فِي هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ. قِيلَ أَشَارَ مُحَمَّدٌ إلَى كُلٍّ وَصَحَّحَ الثَّانِي (وَهَذَا) أَيْ الْعَكْسُ (أَضْعَفُهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ (لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِعِلَلٍ شَتَّى) فَيَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ مَعَ انْتِفَاءِ عِلَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهُ لِثُبُوتِهِ بِغَيْرِهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ انْعِدَامُهُ عِنْدَ انْعِدَامِهَا مَعَ وُجُودِهِ عِنْدَ وُجُودِهَا مُطْلَقًا صَالِحًا لَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى وَكَادَةِ اتِّصَالِهِ بِهَا صَلُحَ مُرَجِّحًا عَلَى مَا يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِهَا مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ضَعْفِهِ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهُ إذَا عَارَضَهُ تَرْجِيحٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ كَانَ ذَلِكَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ (وَابْتَنَى عَلَى مَا سَلَفَ) فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ (مِنْ عَدَمِ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا فِي عَدَمِ التَّرْجِيحِ مِنْ بَحْثٍ تَقَدَّمَ فِيهِ (أَنْ لَا يُرَجَّحَ قِيَاسٌ بِآخَرَ بِأَنْ خَالَفَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقِيَاسُ الْمُنْضَمُّ إلَيْهِ (فِي الْعِلَّةِ لَا الْحُكْمِ عَلَى) قِيَاسِ (مُعَارِضِهِ) لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ (وَلَوْ اتَّفَقَا) أَيْ الْقِيَاسَانِ (فِيهَا) أَيْ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الْحُكْمِ (كَانَ) اتِّفَاقُهُمَا (مِنْ كَثْرَةِ الْأُصُولِ لَا) مِنْ كَثْرَةِ (الْأَدِلَّةِ) إذْ لَا يَتَحَقَّقُ تَعَدُّدُ الْقِيَاسَيْنِ حَقِيقَةً إلَّا عِنْدَ تَعَدُّدِ الْعِلَّتَيْنِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِيَاسِ وَمَعْنَاهُ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ حُجَّةً هِيَ الْعِلَّةُ لَا الْأَصْلُ (فَيُرَجَّحُ) الْقِيَاسُ الْمُنْضَمُّ إلَيْهِ ذَلِكَ (عَلَى مُخَالِفِهِ) لِأَنَّ كَثْرَةَ الْأُصُولِ مُرَجِّحٌ صَحِيحٌ. (وَكَذَا كُلُّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً) مُسْتَقِلَّةً لِحُكْمٍ (لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا) لِعِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ أُخْرَى لِذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى عِلَّةٍ مُعَارِضَةٍ لَهَا فِيهِ إذْ تَقَوِّي الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي ذَاتِهِ وَتَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَالْمُسْتَقِلُّ لِاسْتِقْلَالِهِ لَا يَنْضَمُّ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَتَّحِدُ بِهِ فَلَا يُفِيدُ الْقُوَّةَ (فَلَمْ يَتَفَاوَتْ بِتَفَاوُتِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعَيْنِ) كَأَنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ الدَّارِ وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا (مَا يَشْفَعَانِ فِيهِ) وَهُوَ النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْهَا إذَا بَاعَهُ مَالِكُهُ وَطَلَبَا أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ بِأَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَا النِّصْفِ الْمَبِيعِ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ ثُلُثَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَرَجَّحَ صَاحِبُ الثُّلُثِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْفَرِدُ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَيَسْقُطُ صَاحِبُ السُّدُسِ بَلْ يَكُونُ النِّصْفُ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي كُلِّ جَانِبٍ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ نَصِيبِهِمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي اسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ فِي جَانِبِ صَاحِبِ الثُّلُثِ الْأَكْثَرِ الْعِلَّةُ وَهِيَ لَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَكُونُ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَثُلُثَاهُ

لِصَاحِبِ الثُّلُثِ (قَالَ) الشَّافِعِيُّ (هِيَ) أَيْ الشُّفْعَةُ (مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ) أَيْ مَنَافِعِهِ (كَالْوَلَدِ) لِلْحَيَوَانِ (وَالثَّمَرَةِ) لِلشَّجَرَةِ الْمُشْتَرِكَيْنِ بَيْنَهُمَا فَيُقْسَمُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ (أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ انْقِسَامَ الْمَعْلُولِ بِحَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ إنَّمَا هُوَ (فِي الْعِلَلِ الْمَادِّيَّةِ) الَّتِي يَتَوَلَّدُ الْمَعْلُولُ مِنْهَا كَالْحَيَوَانِ لِلْوَلَدِ وَالشَّجَرِ لِلثَّمَرِ (وَعِلَّةُ الْقِيَاسِ) لَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ هِيَ (كَالْفَاعِلِيَّةِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي الْمَعْلُولِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِلَّةِ الْفَاعِلَةِ فِي الْمَعْلُولِ لَيْسَ بِطَرِيقِ التَّوَلُّدِ بَلْ بِإِيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ عَقِبَهُ وَمِلْكُ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ فَاعِلِيَّةٌ تَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ لَا عِلَّةٌ مَادِّيَّةٌ تَتَوَلَّدُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ تَرَتُّبُ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ عَلَيْهِ كَتَرَتُّبِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ فَلَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ هَذَا. (وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ الْمِلْكَ عِلَّةً لِلشُّفْعَةِ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ الْمِلْكِ (فَجَعْلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْعِلَّةِ عِلَّةً لِجُزْءٍ مِنْ الْمَعْلُولِ نَصْبُ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ) وَهُوَ بَاطِلٌ (وَلَوْ عَجَزَ) الْمُجْتَهِدُ (عَنْ التَّرْجِيحِ) لِأَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ (عَمِلَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ التَّعَارُضِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ (وَقَابَلُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (أَرْبَعَةَ الصِّحَّةِ) أَيْ أَرْبَعَةَ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ الصَّحِيحَةِ السَّالِفَةِ الْآنَ (بِأَرْبَعَةٍ) مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ (فَاسِدَةِ التَّرْجِيحِ بِمَا يَصْلُحُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً) لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَقَدْ عَرَفْت وَجْهَهُ وَدَفْعَهُ فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ فَهَذَا أَحَدُهَا (وَبِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ) أَيْ وَالتَّرْجِيحُ بِهَا أَيْ (كَوْنُ الْفَرْعِ لَهُ بِأَصْلٍ أَوْ أُصُولِ وُجُوهِ شَبَهٍ فَلَا يُرَجَّحُ) أَيْ لَا يُقَدَّمُ إلْحَاقُ الْفَرْعِ بِذَلِكَ الْأَصْلِ أَوْ الْأُصُولِ بِوَاسِطَةِ تَعَدُّدِ شَبَهِهِ بِهِ أَوْ بِهَا (عَلَى مَا) أَيْ عَلَى إلْحَاقِهِ بِأَصْلٍ آخَرَ يُخَالِفُ الْأَوَّلَ (لَهُ) أَيْ لِلْفَرْعِ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْأَصْلِ (شَبَهٌ) وَاحِدٌ (وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ نَعَمْ) يُرَجَّحُ مَا لَهُ وُجُوهُ شَبَهٍ بِأَصْلٍ أَوْ أُصُولٍ عَلَى مَا لَهُ شَبَهٌ بِأَصْلٍ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً لِإِفَادَةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَهِيَ تَزْدَادُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ كَمَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْأُصُولِ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا تُرَجَّحُ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْأَشْبَاهَ (تَعَدُّدُ أَوْصَافٍ) تُجْعَلُ عِلَلًا فَكُلُّ شَبَهٍ وَصْفٌ عَلَى حِدَةٍ يَصْلُحُ عِلَّةً (فَتَرْجِيعُ) الْأَشْبَاهِ (إلَى تَعَدُّدِ الْأَقْيِسَةِ) فَالتَّرْجِيحُ بِهَا مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (بِخِلَافِ تَعَدُّدِ الْأُصُولِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ التَّرْجِيحُ بِهَا مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ (لِاتِّحَادِ الْوَصْفِ) فِيهَا. (وَكُلُّ أَصْلٍ يَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (فَيُوجِبُ ثَبَاتَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ وَقُوَّتِهِ (وَاعْلَمْ أَنَّ كَثْرَةَ الْأُصُولِ) تَكُونُ (بِوَحْدَةِ الْوَصْفِ) أَيْ مَعَهَا (وَهُوَ) أَيْ وَهَذَا (مَحَلُّ التَّرْجِيحِ) أَيْ مَا يَقُومُ بِهِ التَّرْجِيحُ فَيَكُونُ مُرَجِّحًا (وَ) تَكُونُ (مَهْ تَعَدُّدَهُ) أَيْ الْوَصْفِ (اتِّحَادُ الْحُكْمِ وَهِيَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَتَعَدَّدُ الْوَصْفُ وَيَتَّحِدُ الْحُكْمُ (أَقْيِسَةٌ مُتَمَاثِلَةٌ لَا تَرْجِيحَ مَعَهَا) لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَدِلَّةٌ مُتَكَثِّرَةٌ وَلَا تَرْجِيحَ بِهَا. (وَ) تَكُونُ (مَعَ تَعَدُّدِهِ) أَيْ الْوَصْفِ حَالَ كَوْنِهَا (مُتَبَايِنَةً مُتَعَارِضَةً وَهِيَ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا التَّرْجِيحُ) ثُمَّ مِثَالُ التَّرْجِيحِ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ (كَمَا لَوْ قِيلَ الْأَخُ كَالْأَبَوَيْنِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ و) مِثْلُ (ابْنِ الْعَمِّ فِي حِلِّ الْحَلِيلَةِ وَالزَّكَاةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقِصَاصِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ) إذْ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْأَخَوَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ حَلِيلَةَ أَخِيهِ وَأَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلَيْهِ وَأَنْ يَشْهَدَ لَهُ وَأَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ إذَا وَجَدَ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ وَانْتَفَى الْمَانِعُ مِنْهُ كَمَا فِي ابْنِ الْعَمِّ (فَيُرَجَّحُ إلْحَاقُهُ) أَيْ الْأَخِ (بِهِ) أَيْ بِابْنِ الْعَمِّ فَلَا يَعْتِقُ بِمِلْكِهِ إيَّاهُ كَمَا لَا يُعْتِقُ ابْنُ عَمِّهِ بِمِلْكِهِ إيَّاهُ لِأَنَّ شَبَهَ الْأَخِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ شَبَهِهِ بِالْأَبَوَيْنِ (فَيَمْنَعُ) تَرْجِيحَ إلْحَاقِ الْأَخِ بِابْنِ الْعَمِّ بِكَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ (بِأَنَّهُ) أَيْ التَّرْجِيحَ بِهَا (بِمُسْتَقِلٍّ) أَيْ تَرْجِيحٌ بِوَصْفٍ مُسْتَقِلٍّ (إذْ كُلٌّ) مِنْ وُجُوهِ الْمُشَبَّهِ بِهِ (يَسْتَقِلُّ) وَصْفًا (جَامِعًا) بَيْنَ الْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ فِي الْحُكْمِ وَلَا تَرْجِيحَ بِمُسْتَقِلٍّ وَهَذَا ثَانِيهَا (وَبِزِيَادَةِ التَّعْدِيَةِ) أَيْ وَالتَّرْجِيحُ بِكَوْنِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ أَكْثَرَ مَحَالَّ مِنْ الْأُخْرَى (كَتَرْجِيحِ الطُّعْمِ) أَيْ التَّعْلِيلِ بِهِ لِحُرْمَةِ الرِّبَا فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ عَلَى تَعْلِيلِ حُرْمَتِهِ فِيهَا بِالْكَيْلِ وَالْجِنْسِ (لِتَعَدِّيهِ) أَيْ الطُّعْمِ (إلَى الْقَلِيلِ) كَمَا لِلْكَثِيرِ فَيَحْرُمُ بَيْعُ تُفَّاحَةٍ بِتُفَّاحَتَيْنِ وَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ (دُونَ الْكَيْلِ) فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّى

مسألة حكم القياس الثبوت

إلَى الْقَلِيلِ الَّذِي هُوَ نِصْفُ صَاعٍ عَلَى مَا قَالُوا (وَلَا أَثَرَ لَهُ) أَيْ كَوْنُهَا أَكْثَرَ مَحَالَّ مِنْ مُعَارِضَتِهَا فِي تَأْثِيرِهَا وَقُوَّتِهَا الَّذِي بِهِ يَكُونُ التَّرْجِيحُ (بَلْ) الْأَثَرُ (لِدَلَالَةِ الدَّلِيلِ) أَيْ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ (عَلَى الْوَصْفِ) أَيْ كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ قَلَّتْ مَحَالُّهُ أَوْ كَثُرَتْ وَهَذَا ثَالِثُهَا (وَبِالْبَسَاطَةِ) أَيْ وَالتَّرْجِيحِ بِكَوْنِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ وَصْفًا لَا جُزْءَ لَهُ عَلَى الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ وَصْفٌ ذُو أَجْزَاءَ لِسُهُولَةِ إثْبَاتِهَا وَالِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّتِهَا (كَالطُّعْمِ) أَيْ كَتَرْجِيحِ كَوْنِهِ عِلَّةَ حُرْمَةِ الرِّبَا فِيمَا تَقَدَّمَ (عَلَى الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ) أَيْ كَوْنُهُمَا عِلَّتَهُ. (وَلَا أَثَرَ لَهُ) أَيْ كَوْنِهَا لَا جُزْءَ لَهَا فِي تَأْثِيرِهَا وَقُوَّتِهَا؛ لِلَّذِي بِهِ يَكُونُ التَّرْجِيحُ بَلْ لِقُوَّةِ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى عِلِّيَّتِهَا (كَمَا ذَكَرْنَا) آنِفًا فَالْمُرَكَّبُ وَالْبَسِيطُ سَوَاءٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ فَرْعُ ثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ الْمُوجَزُ لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى الْمُطَوَّلِ فِي الْبَيَانِ فَكَذَا الْعِلَّةُ وَكَيْفَ لَا وَالْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ صُورَةُ الْعِلَّةِ وَالتَّأْثِيرُ مَعْنَاهَا وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَقَعُ بِالْمَعَانِي بِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا وَتَأْثِيرِهَا لَا بِالصُّورَةِ وَمِنْ ثَمَّةَ رُبَّمَا كَانَ الْمُرَكَّبُ أَرْجَحَ وَالْوَصْفُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَقْوَى تَأْثِيرًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ] (مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ) لِحُكْمِ الْأَصْلِ (فِي الْفَرْعِ وَهُوَ) أَيْ ثُبُوتُهُ فِي الْفَرْعِ (التَّعَدِّيَةُ بِالِاصْطِلَاحِيَّةِ فَلَزِمَهُ) أَيْ الْقِيَاسُ (أَنْ لَا يَثْبُتَ الْحُكْمُ ابْتِدَاءً كَإِبَاحَةِ الرَّكْعَةِ) الْوَاحِدَةِ (وَحُرْمَةِ الْمَدِينَةِ) أَيْ أَنْ يَكُونَ لَهَا حَرَمٌ كَحَرَمِ مَكَّةَ (أَوْ وَصْفُهُ) أَيْ الْحُكْمُ (كَصِفَةِ الْوِتْرِ) مِنْ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِنَانِ (بَعْدَ مَشْرُوعِيَّتِهِ) بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ، وَلِذَا لَمْ يَسْتَنِدْ مَنْ قَالَ بِحُرْمَةِ الْمَدِينَةِ أَوْ كَوْنِ الْوِتْرِ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً إلَّا إلَى السَّمْعِ كَمَا عُرِفَ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتَا بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً (لِانْتِفَاءِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَكَذَا) لَزِمَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ (الشَّرْطِيَّةَ وَالْعِلِّيَّةَ كَكَوْنِ الْجِنْسِ فَقَطْ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ) أَيْ الْبَيْعَ نَسِيئَةً (إلَّا) أَيْ لَكِنْ يَثْبُتُ كُلٌّ مِنْهُمَا (بِالنَّصِّ دَلَالَةً وَغَيْرَهَا) أَيْ عِبَارَةً أَوْ إشَارَةً أَوْ اقْتِضَاءً فَإِنَّ الثَّابِتَ بِهَذِهِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ كَمَا عُرِفَ (وَكَذَا) لَزِمَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ (صِفَةَ السَّوْمِ) أَيْ اشْتِرَاطَهُ لِنَصْبِ الْأَنْعَامِ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهَا (وَالْحِلِّ) أَيْ وَكَذَا لَزِمَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ اشْتِرَاطَ صِفَةِ الْحِلِّ (لِلْوَطْءِ الْمُوجِبِ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) فِي ثُبُوتِ حُرْمَتِهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَشَرْطِيَّةَ التَّسْمِيَةِ) أَيْ وَكَذَا لَزِمَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ اشْتِرَاطَ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَذْبُوحِ (لِلْحِلِّ) لَهُ (وَوَصْفِيَّةَ شَرْطِ النِّكَاحِ) أَيْ وَكَذَا لَزِمَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ اشْتِرَاطَ وَصْفِيَّةِ شَرْطِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الشَّهَادَةُ (بِالْعَدَالَةِ) وَالذُّكُورَةِ فِي شُهُودِهِ بَلْ إنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْأُمُورُ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَلَا جَرَمَ أَنْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْجِنْسِ بِمُفْرَدِهِ مُحَرَّمًا لِلنَّسِيئَةِ وَأَنَّ اشْتِرَاطَ السَّوْمِ فِي نَصْبِ الْأَنْعَامِ لِلزَّكَاةِ وَذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الذَّبِيحَةِ فِي حِلِّهَا إنَّمَا هِيَ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ إبَاحَةَ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَحُرْمَةَ الْمَدِينَةِ وَاشْتِرَاطَ وَصْفِ الْحِلِّ لِلْوَطْءِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَالْعَدَالَةَ وَالذُّكُورَةَ فِي شُهُودِ النِّكَاحِ إنَّمَا هِيَ بِالنُّصُوصِ فِيهَا كَمَا ذَلِكَ كُلُّهُ مَسْطُورٌ فِي فُرُوعِ الْفَرِيقَيْنِ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ وَمَحَلِّ الْخَوْضِ فِيهِ كُتُبُ الْفُرُوعِ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَزِمَ حُكْمُ الْقِيَاسِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ مُفِيدَ الثُّبُوتِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ حُرْمَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فِي فَرْعٍ بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ إلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ مَوْجُودٍ فِي الشَّرْعِ ثَابِتٍ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عَدَمُ إثْبَاتِهِ ابْتِدَاءً لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عِلَّةٍ أَوْ شَرْطٍ لَهُ أَوْ صِفَةٍ لِأَحَدِهَا لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ الْقِيَاسِ بِانْتِفَاءِ الْأَصْلِ الْمُعَدَّى مِنْهُ إلَى الْمَحَلِّ الْمُدَّعَى فَرْعِيَّتُهُ لَهُ فَيَتَمَحَّضُ إثْبَاتُ هَذِهِ إمَّا نَصْبًا لِلشَّرْعِ بِالرَّأْيِ كَمَا فِيمَا عَدَا إثْبَاتِ الشَّرْطِ وَوَصْفِهِ ابْتِدَاءً وَإِمَّا إبْطَالًا وَنَسْخًا بِالرَّأْيِ كَمَا فِي الشَّرْطِ وَوَصْفِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الشَّرْطِ وَقَبْلَ وَصْفِهِ وَبَعْدَ مَا شُرِطَ لَهُ شَرْطٌ أَوْ أُثْبِتَ لَهُ وَصْفٌ صَارَ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَمَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِهِ، فَالتَّعْلِيلُ ابْتِدَاءً بِهِ رَفْعٌ لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ وَنَسْخٌ لَهُ بِالضَّرُورَةِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا إلَى الْعِبَادِ (وَ) لَزِمَهُ (أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ) بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ (مَنَاطُ عِلِّيَّةِ أَمْرٍ) لِشَيْءٍ (أَوْ شَرْطِيَّتُهُ) أَيْ أَمْرٌ لِشَيْءٍ (أَوْ وَصْفُهُمَا) أَيْ الْعِلِّيَّةُ وَالشَّرْطِيَّةُ

لِشَيْءٍ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَيْضًا فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِثَبَتَ (كَانَ) غَيْرُ ذَلِكَ الْأَمْرِ (فِي مِثْلِهِ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (عِلَّةً وَشَرْطًا) بِوَاسِطَةِ تَحَقُّقِ مَنَاطِهِمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ (لِانْتِفَاءِ التَّحَكُّمِ) اللَّازِمِ مِنْ تَقْدِيرِ جَعْلِ بَعْضِ أَفْرَادِ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ الْمَنَاطُ لِعِلِّيَّةِ حُكْمٍ أَوْ شَرْطِيَّتِهِ عِلَّةً أَوْ شَرْطًا دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ الْمُتَحَقِّقِ فِيهِ ذَلِكَ أَيْضًا لِتَسَاوِيهِمَا فِي الصَّلَاحِيَّةِ وَارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّحَكُّمُ اللَّازِمُ مِنْ جَعْلِ الْقِيَاسِ مُظْهِرًا لِثُبُوتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَيْسَ بِعِلِّيَّةٍ وَلَا شَرْطِيَّةٍ فِي فَرْعٍ بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ إلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ فِي الشَّرْعِ ثَابِتٍ فِيهِ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِثُبُوتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ عِلِّيَّةُ شَيْءٍ أَوْ شَرْطِيَّتُهُ لِآخَرَ فِي مَحَلٍّ بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ إلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ فِي الشَّرْعِ ثَابِتٍ فِيهِ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الصَّلَاحِيَّةِ وَارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ (وَالْخِلَافُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ) الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ (شَهِيرٌ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْأَخِيرِ (فَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَتْبَاعُهُ) وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ) وَعَزَاهُ إلَى مَشَايِخِنَا أَيْضًا (وَطَائِفَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ) بَلْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى مَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ (نَعَمْ) يُعَلَّلُ لِإِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ (وَوُجِدَ) ذَلِكَ أَيْضًا (وَهُوَ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ) الْمُعَيَّنِ (بِالطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُ وُجِدَ لِإِثْبَاتِهِ) أَيْ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي هَذَا الْبَيْعِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا (أَصْلٌ هُوَ الصَّرْفُ) فَإِنَّ التَّقَابُضَ فِيهِ شَرْطٌ (بِجَامِعِ أَنَّهُمَا.) أَيْ الْبَدَلَيْنِ فِيهِمَا (مَالَانِ يَجْرِي فِيهِمَا رِبَا الْفَضْلِ وَلِنَفْيِهِ) أَيْ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِيهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (أَصْلٌ) هُوَ (بَيْعُ سَائِرِ السِّلَعِ بِمِثْلِهَا أَوْ بِالدَّرَاهِمِ) لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ (وَقِيلَ لَا) يُعَلَّلُ لِإِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَالْآمِدِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَفِي الْمَحْصُولِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ) مَنَاطَ شَرْطِيَّةِ التَّقَابُضِ (كَذَلِكَ) أَيْ فِي الصَّرْفِ ثُمَّ وُجِدَتْ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ (قِيلَ وَلَوْ ثَبَتَ) مَنَاطُ عِلِّيَّةِ أَمْرٍ لِحُكْمٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَيْضًا (كَانَ السَّبَبُ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (ذَلِكَ الْمَنَاطُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا إنْ انْضَبَطَ) وَكَانَ ظَاهِرًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ وَلَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا (فَمَظِنَّتُهُ) أَيْ الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الَّذِي ضُبِطَ هُوَ بِهِ (إنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَدْ اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ وَحِينَئِذٍ فَلَا قِيَاسَ (وَمَا يُخَالُ) أَيْ يُظَنُّ (أَصْلًا وَفَرْعًا) أَنَّهُمَا هُمَا (فَرْدَاهُ) أَيْ الْمَنَاطُ الْمَذْكُورُ (كَمَا لَوْ ثَبَتَ عِلِّيَّةُ الْوِقَاعِ) عَمْدًا مِنْ الْمُكَلَّفِ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (لِلْكَفَّارَةِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجِنَايَةِ الْمُتَكَامِلَةِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ) وَهِيَ هَتْكُ حُرْمَتِهِ (فَهِيَ) أَيْ الْجِنَايَةُ الْمُتَكَامِلَةُ عَلَيْهِ (الْعِلَّةُ) لِلْكَفَّارَةِ (وَكُلٌّ مِنْ الْأَكْلِ) وَالشُّرْبِ (وَالْجِمَاعِ) فِيهِ مِنْ الْمُكَلَّفِ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ مُبِيحٍ لِلْفِطْرِ (صُوَرُ وُجُودِهِ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ لِتَحَقُّقِ هَتْكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِكُلٍّ مِنْهَا (وَكَعِلِّيَّةِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ عَلَيْهِ) أَيْ الْقَتْلُ (بِالسَّيْفِ) لِلْقِصَاصِ إذْ ثَبَتَ أَنَّهَا أَيْ عِلَّةَ الْقِصَاصِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعِدْوَانُ (فَالْمُثْقَلُ) أَيْ فَالْقَتْلُ بِهِ (مِنْ مَحَالِّهِ) أَيْ مِنْ مَنَاطِ الْقِصَاصِ (وَقَدْ يُخَالُ عَدَمُ التَّوَارُدِ) لِهَذَا الْخِلَافِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّعَدِّيَةِ فِي الْعِلِّيَّةِ مَعْنَاهُ (تَعَدِّي عِلِّيَّةِ الْوَاحِدِ لِشَيْءٍ) أَيْ الْحُكْمُ (إلَى شَيْءٍ آخَرَ) فَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْآخَرُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ عِلَّةً لَهُ أَيْضًا فَتَتَعَدَّدُ الْعِلَّةُ وَيَتَّحِدُ الْحُكْمُ (وَالثَّانِي) أَيْ الْقَوْلُ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّعَدِّيَةِ فِي الْعِلِّيَّةِ مَعْنَاهُ (تَعَدِّي عِلِّيَّتِهِ) أَيْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لِحُكْمٍ (إلَى) شَيْءٍ (آخَرَ لِآخَرَ) أَيْ لِحُكْمٍ آخَرَ فَيَكُونُ الشَّيْءُ الْآخَرُ الْمُعَدَّى إلَيْهِ عِلَّةً لِحُكْمٍ آخَرَ فَيَتَعَدَّدُ الْعِلَّةُ وَالْحُكْمُ هَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ (وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ) كَوْنُ مَعْنَى الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا أَنَّ مَعْنَى الثَّانِي مَا ذَكَرَ فَلَا بَلْ كُلٌّ مِنْ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ فِيهِ مُتَّحِدٌ لِلِاتِّحَادِ فِي النَّوْعِ وَلَا عِبْرَةَ لِلتَّغَايُرِ بِحَسَبِ الشَّخْصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَفْرَادِ الْقِيَاسِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَلَا يَتَأَتَّى إنْكَارُهُ مِنْ قَائِلٍ بِهِ كَمَا أَنَّ الْمَعْنَى الثَّانِيَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا قَائِلَ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ فَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَمِمَّنْ أَنْكَرَهُ) أَيْ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ فِي السَّبَبِ أَيْ الْعِلَّةِ (مَنْ اعْتَرَفَ بِقِيَاسِ أَنْتِ حَرَامٌ) فِي إثْبَاتِهِ الطَّلَاقَ بَائِنًا (عَلَى طَالِقٍ بَائِنٍ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسُ قِيَاسٌ (فِي السَّبَبِ) فَهُوَ بِهَذَا

مُنَاقِضٌ نَفْسَهُ فِي الْمَنْعِ حِينَئِذٍ (وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي هَذَا) أَيْ فِي أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عِلِّيَّةُ شَيْءٍ لِحُكْمٍ بِنَاءً عَلَى مَعْنًى صَالِحٍ لِتَعْلِيلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا أَوْ مُلَائِمًا وَوُجِدَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرُ أَوْ الْمُلَائِمُ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْآخَرُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ ثُمَّ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ بِالْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَقَدْ تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهُ بِمَا هُوَ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ فَتَكُونُ الْعِلَّةُ شَيْئًا وَاحِدًا لَهُ تَعَدُّدٌ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ (بَلْ) الْخِلَافُ (فِيمَا إذَا كَانَتْ) عِلِّيَّةُ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ (لِمُجَرَّدِ مُنَاسَبَتِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ فَجَعَلَ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ لِيَحْصُلَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ (مَحَلٌّ آخَرُ) تَحَقَّقَتْ فِيهِ عِلِّيَّتُهُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا بِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ (لِأَنَّا إنَّمَا نُثْبِتُ سَبَبِيَّةَ) وَصْفٍ (آخَرَ) غَيْرِ الْوَصْفِ الثَّابِتِ فِي الْأَصْلِ إذْ الْمَفْرُوضُ تَغَايُرُ الْوَصْفَيْنِ (فَلَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ إثْبَاتُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِمُجَرَّدِ مُنَاسَبَتِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْهَدَ بِاعْتِبَارِهِ أَصْلٌ (إلَّا الْمُرْسَلُ) فَيَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّأْثِيرَ أَوْ الْمُلَائَمَةَ (وَهَذَا عَلَى) قَوْلِ (الشَّافِعِيَّةِ أَمَّا مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي سَبَبِيَّتِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ (بِعَيْنِهِ لِآخَرَ) فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ بِالطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ (فَيَنْبَغِي كَوْنُهُ) أَيْ هَذَا التَّعْلِيلِ (الْقَرِيبَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأُوَلِ) مِنْ أَقْسَامِ الْمُنَاسِبِ (لِوُجُودِ أَصْلِهِ) أَيْ هَذَا الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّقَابُضِ وَهُوَ الصَّرْفُ (إذَا كَانَتْ سَبَبِيَّتُهُ) أَيْ أَصْلُهُ (لِشَيْءٍ) وَهُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (ثَابِتَةً شَرْعًا) بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدًا بِيَدٍ» كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَبِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ (وَهُوَ الْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْمَحَلِّ لَكِنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ بِالِاعْتِبَارِ وَ) هَذَا هُوَ الْقَرِيبُ الْمَذْكُورُ كَمَا تَقَدَّمَ (كَانَ الظَّاهِرُ اتِّفَاقَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ هَذَا (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِخَالَةِ إنْ لَمْ يَكُنْهَا) أَيْ الْإِخَالَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هِيَ فِي الْمَعْنَى (لَكِنَّ الْخِلَافَ) فِي هَذَا ثَابِتٌ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ الْإِرْسَالِ) فِي ثُبُوتِ السَّبَبِيَّةِ بِالْقِيَاسِ (لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ) أَيْ ثُبُوتُهَا بِهِ أَيْضًا (لِأَنَّ الْوَصْفَ الْأَصْلُ أَنْ تَثْبُتَ عِلِّيَّتُهُ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ) أَيْ بِثُبُوتِهَا بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ (فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُنَاسَبَةُ فِي) وَصْفٍ (آخَرَ كَانَ) الْوَصْفُ الْآخَرُ (عِلَّةً بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لَا بِالْإِلْحَاقِ بِالْأَوَّلِ لِاسْتِقْلَالِهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ (بِإِثْبَاتِ) عِلِّيَّةِ (مَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ وَإِنْ ثَبَتَتْ) عِلِّيَّتُهُ (بِالنَّصِّ ثُمَّ عَقَلَتْ مُنَاسَبَتُهَا) لِلْحُكْمِ (وَوُجِدَتْ) الْمُنَاسَبَةُ الْمَذْكُورَةُ (فِي مَا) أَيْ وَصْفٍ (لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ) أَيْضًا (فَكَذَلِكَ) أَيْ كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ عِلَّةٌ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ (لِلِاسْتِقْلَالِ) أَيْ اسْتِقْلَالِ الْمُنَاسَبَةِ بِإِثْبَاتِ عِلِّيَّةِ مَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ الْحَالُ هَذَا (ثُبُوتُ عِلِّيَّةِ وَصْفٍ بِالنَّصِّ وَ) عِلِّيَّةِ وَصْفٍ (آخَرَ بِالْمُنَاسَبَةِ) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي مِثْلِهِ خِلَافٌ (فَالْوَجْهُ أَنْ يُقْصَرَ الْخِلَافُ عَلَى مِثْلِ حَمْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ) أَيْ حَمْلُهُ أَيْ قِيَاسُهُ (أَنْ يَنُصَّ عَلَى عِلَّةٍ مُنْضَبِطَةٍ بِنَفْسِهَا فَيَلْحَقُ بِهَا مَا تَصْلُحُ مَظِنَّةً لَهَا فَيَثْبُتُ مَعَهَا حُكْمُ الْمَنْصُوصَةِ كَمَا أَلْحَقَ) عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (الشُّرْبَ) لِلْخَمْرِ (بِالْقَذْفِ) فِي الْحَدِّ بِهِ ثَمَانِينَ (بِجَامِعِ الِافْتِرَاءِ) بَيْنَهُمَا (لِكَوْنِهِ) أَيْ شُرْبِهَا (مَظِنَّتَهُ) أَيْ الِافْتِرَاءَ وَقَدْ أَسْلَفْنَا الْمَرْوِيَّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذَا مَخْرَجًا فِي مَسْأَلَةِ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ قُلْت ثَمَّ قَدْ يُقَالُ وَإِذَا قَصُرَ الْخِلَافُ عَلَى هَذَا هَلْ يَتَرَجَّحُ الْمُلْحَقُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ السُّكُوتِيِّ عَلَى الْإِلْحَاقِ الْمَذْكُورِ وَالْجَوَابُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ مِمَّنْ يَرَى الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ حَجَّةً، نَعَمْ وَعِنْدَهُمْ لَا كَمَا سَتَعْلَمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ وَلَكِنْ الشَّأْنُ فِي مُوجِبِ الْقَصْرِ عَلَيْهِ مَعَ نَقْلِ عُمُومِ الْخِلَافِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ثَمَّ هَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ إعْرَاضٌ عَمَّا أَفَادَهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوَّلًا مِنْ جَوَازِ ثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ تَقْرِيرُهُ وَيَنْدَفِعُ وَجْهُهُ الَّذِي هُوَ لُزُومُ التَّحَكُّمِ لَوْلَا جَوَازُهُ

مسألة قال الحنفية لا تثبت به أي بالقياس الحدود

بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُرْسَلِ الْمَرْدُودِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ وَالْغَرِيبُ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ فَلَا تَحَكُّمَ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمَانِعُ مِنْ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ مَنَاطُ عِلِّيَّةِ أَمْرٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ كَانَ السَّبَبُ الْمَنَاطُ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا إنْ انْضَبَطَ وَإِلَّا مَظِنَّتُهُ وَأَيًّا مَا كَانَ اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَّ هَذَا انْتَفَى الْقِيَاسُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ لِتَأَتِّي هَذَا بِعَيْنِهِ فِيهِ لَكِنْ انْتِفَاؤُهَا فِيهِ مَمْنُوعٌ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ] {مَسْأَلَةٌ} قَالَ (الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (الْحُدُودُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَقْدِيرَاتٍ لَا تُعْقَلُ) كَعَدَدِ الْمِائَةِ فِي الزِّنَا وَالثَّمَانِينَ فِي الْقَذْفِ وَالْقِيَاسُ فَرْعُ تَعَقُّلِ الْمَعْنَى (وَمَا يُعْقَلُ) مِنْهَا (كَالْقَطْعِ) لِيَدِ السَّارِقِ لِكَوْنِهَا الْجَانِيَةَ بِالسَّرِقَةِ (فَلِلشُّبْهَةِ) فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ لِاحْتِمَالِهِ الْخَطَأَ «وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ» كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَسْأَلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ وَدَرْؤُهَا فِي عَدَمِ ثُبُوتِهَا بِهِ وَقَالَ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ يَثْبُتُ بِهِ (قَالُوا أَدِلَّةُ الْقِيَاسِ) الدَّالَّةُ عَلَى حُجِّيَّتِهِ (مُعَمِّمَةٌ) لَهَا كَمَا لِغَيْرِهَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ فِيهِمَا (قُلْنَا) عُمُومُهَا (فِي مُسْتَكْمِلِ الشُّرُوطِ اتِّفَاقًا) وَالْحُدُودُ لَيْسَتْ بِمُسْتَكْمِلَةٍ لَهَا لِمَا ذَكَرْنَا (وَانْتِهَاضُ أَثَرِ عَلِيٍّ) السَّالِفِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُجِيزُونَ (مَوْقُوفٌ عَلَى إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى صِحَّةِ طَرِيقِهِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى الْقَذْفِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ فِيهِ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِهِ بَلْ (أَنَّهُ) أَيْ إجْمَاعَهُمْ (عَلَى حُكْمِهِ) الَّذِي هُوَ وُجُوبُ جَلْدِ ثَمَانِينَ (بِاجْتِمَاعِ دَلَالَاتٍ سَمْعِيَّةٍ عَلَيْهِ) أَيْ حُكْمِهِ الْمَذْكُورِ (كَمَا ذَكَرْنَاهَا فِي الْفِقْهِ) أَيْ فِي حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَلَمْ نَذْكُرْهَا هُنَا تَحَامِيًا مِنْ التَّطْوِيلِ مَعَ أَنَّ كُتُبَ الْفُرُوعِ بِهَا أَلْيَقُ وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ فَإِنْ قِيلَ لَا يَجُوزُ عِنْدَكُمْ إثْبَاتُ الْحُدُودِ بِالْقِيَاسَاتِ فَإِنْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ قَدْ اتَّفَقَتْ عَلَى إثْبَاتِ حَدِّ الْخَمْرِ قِيَاسًا فَهَذَا إبْطَالٌ لِأَصْلِكُمْ فِي إثْبَاتِ الْحُدُودِ قِيَاسًا قِيلَ الَّذِي نَمْنَعُهُ أَنْ يَبْتَدِئَ إيجَابُ حَدٍّ بِقِيَاسٍ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ التَّوْقِيفُ فَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الِاجْتِهَادِ فِي شَيْءٍ وَرَدَ فِيهِ التَّوْقِيفُ فَيُتَحَرَّى فِيهِ مَعْنَى التَّوْقِيفِ فَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا وَاسْتِعْمَالُ اجْتِهَادِ السَّلَفِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ ضَرَبَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَرُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا كُلُّ رَجُلٍ بِنَعْلِهِ ضَرْبَتَيْنِ فَتَحَرَّوْا فِي اجْتِهَادِهِمْ مُوَافَقَةَ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلُوهُ ثَمَانِينَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَنَقَلُوا ضَرْبَهُ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ إلَى السَّوْطِ كَمَا يَجْتَهِدُ الْجَلَّادُ فِي الضَّرْبِ وَكَمَا يَخْتَارُ السَّوْطَ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْجِلْدِ اجْتِهَادًا [تَنْبِيهٌ] الْكَفَّارَاتُ فِي هَذَا كَالْحُدُودِ بَلْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهَا مَا يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ] (مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ) لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (لِيَحْكُمَ فِي مَحَالِّهِ) أَيْ الْمَنَاطِ (بِحُكْمِهِ جَائِزٌ عَقْلًا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ التَّكْلِيفُ أَوْ التَّعَبُّدُ (بِالْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (الْمُسَاوَاةُ) بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فِي عِلَّةِ حِكْمَةٍ لِأَنَّهَا فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَعَبُّدَ بِفِعْلِهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ فِعْلَ الْمُجْتَهِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي أَوَائِلِ الْقِيَاسِ (وَإِيجَابُ الْعَمَلِ بِمُوجِبِ الْقِيَاسِ) أَيْ جَعْلُ هَذَا مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (فِيهِ قُصُورٌ عَنْ الْمَقْصُودِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا إذَا تَمَّ الْقِيَاسُ فَاعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ وَمَقْصُودِ الْمَسْأَلَةِ اُنْظُرْ لِيَظْهَرَ لَك فِي الْوَاقِعِ قِيَاسٌ أَوْ لَا وَهَذَا مَحَلٌّ آخَرُ لِلْوُجُوبِ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنْ اسْتِكْشَافِ الْحَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ هُوَ الْعَمَلُ بِهِ (لَا) أَنَّ تَكْلِيفَهُ بِذَلِكَ (وَاجِبٌ) عَقْلًا (كَالْقَفَّالِ) الشَّاشِيِّ (وَأَبِي الْحُسَيْنِ) الْبَصْرِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ خُلُوُّ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْوَقَائِعَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَالنُّصُوصَ مَحْصُورَةٌ وَالْقِيَاسَ كَافِلٌ بِهَا فَاقْتَضَى التَّعَبُّدَ بِهِ وَالْجَوَابُ بَعْدَ تَسْلِيمِ وُجُوبِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاقِعَةٍ حُكْمٌ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ الْوَاقِعَةِ عَنْ الْحُكْمِ مَنَعَ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّعَبُّدِ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلُزُومُ خُلُوِّ وَقَائِعَ) عَنْ الْحُكْمِ (لَوْلَاهُ) أَيْ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ الْمَذْكُورِ (مُنْتَفٍ لِانْضِبَاطِ أَجْنَاسِ الْأَحْكَامِ وَالْأَفْعَالِ وَإِمْكَانِ إفَادَتِهَا) أَيْ أَجْنَاسِ الْأَحْكَامِ الْكَائِنَةِ

لِأَجْنَاسِ الْأَفْعَالِ (الْعُمُومَاتُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ إفَادَتِهَا وَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْمَفْعُولِ فَتُعْلَمُ أَحْكَامُ جُزْئِيَّاتِهَا الَّتِي لَا تَنْحَصِرُ بِانْدِرَاجِهَا تَحْتَهَا مِثْلَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ وَكُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَطْعُومٍ رِبَوِيٌّ. (وَلَوْ لَمْ تُفِدْهَا) أَيْ الْعُمُومَاتُ أَحْكَامَ أَجْنَاسِ الْأَفْعَالِ عَلَى وَجْهٍ يُعْلَمُ مِنْهُ أَحْكَامُ جَمِيعِ الْوَقَائِعِ (ثَبَتَ فِيهَا) أَيْ الْوَقَائِعِ الَّتِي لَمْ تُفِدْهَا الْعُمُومَاتُ (حُكْمُ الْأَصْلِ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ (فَلَا خُلُوَّ) لِوَاقِعَةٍ مِنْهَا عَنْ الْحُكْمِ (وَلَا مُمْتَنِعَ عَقْلًا) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّيْدِيَّةُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهُمْ النَّظَّامُ لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرِيعَتِنَا خَاصَّةً عَلَى مَا فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا التَّكْلِيفُ الْمَذْكُورُ جَائِزٌ (إذْ لَا يَلْزَمُ إلْزَامُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ (بِحَالٍ) لَا لِنَفْسِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ (وَكَوْنُ الظَّنِّ مَمْنُوعًا عَقْلًا لِاحْتِمَالِهِ الْخَطَأَ) وَالْقِيَاسُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ وَالْخَطَأُ مَحْظُورٌ قَطْعًا وَالْعَقْلُ يُوجِبُ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمَحْذُورِ فَيَمْتَنِعُ التَّكْلِيفُ بِمَنَاطِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَائِلُونَ بِامْتِنَاعِهِ عَقْلًا (مَمْنُوعٌ) ثُبُوتُهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ جَانِبُ الصَّوَابِ أَمَّا إذَا ظَنَّ وَكَانَ الْخَطَأُ مَرْجُوحًا فَلَا (بَلْ أَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ لِفَوَائِدَ غَيْرِ مُتَيَقَّنَةٍ) إذْ مَا مِنْ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ إلَّا وَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنِ الْحُصُولِ فَإِنَّ الزَّارِعَ لَا يَزْرَعُ وَهُوَ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ الرِّيعَ وَالتَّاجِرَ لَا يُسَافِرُ وَهُوَ جَازِمٌ بِأَنْ يَرْبَحَ وَالْمُتَعَلِّمَ لَا يَتْعَبُ فِي تَعَلُّمِهِ وَهُوَ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ وَيُثْمِرُ عَلَيْهِ مَا يَتَعَلَّمُهُ لَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَبِهِ) أَيْ وَيَكُونُ أَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ لِفَوَائِدَ مَظْنُونَةٍ (ظَهَرَ إيجَابُهُ) أَيْ الْعَقْلُ (الْعَمَلُ عِنْدَ ظَنِّ الثَّوَابِ) وَإِنْ أَمِنَ الْخَطَأَ تَحْصِيلًا لِفَوَائِدَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِهِ. (وَثَبَتَ) وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ (شَرْعًا بِتَتَبُّعِ مَوَارِدِهِ) أَيْ الشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَكَيْفَ لَا وَالْمَظَانُّ الْأَكْثَرِيَّةُ لَا تُتْرَكُ بِالِاحْتِمَالَاتِ الْأَقَلِّيَّةِ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ الْأَسْبَابُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالْأُخْرَوِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَدِلَّتِهَا ظَنِّيَّةٌ (وَثُبُوتُ الْجَمْعِ) شَرْعًا (بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ) كَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ قَتْلِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ عَمْدًا وَخَطَأً فِي الْفِدَاءِ وَبَيْنَ زِنَا الْمُحْصَنِ وَرِدَّةِ الْمُسْلِمِ فِي الْقَتْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَ) ثُبُوتُ (الْفَرْقِ) شَرْعًا (بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ) كَقَطْعِ سَارِقِ الْقَلِيلِ دُونَ غَاصِبِ الْكَثِيرِ مَعَ أَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ وَجَلْدِ مَنْ نَسَبَ الْعَفِيفَ إلَى الزِّنَا دُونَ مَنْ نَسَبَ الْمُسْلِمَ إلَى الْكُفْرِ مَعَ أَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي نِسْبَةِ الْمُحَرَّمِ إلَى الْغَيْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (إنَّمَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ كَوْنُ التَّكْلِيفِ بِالْمَنَاطِ الْمَذْكُورِ مُسْتَحِيلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْقِيَاسِ ضِدُّ ذَلِكَ وَهُوَ إلْحَاقُ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ فَأَنَّى يَجْتَمِعَانِ كَمَا ذَكَرَ النَّظَّامُ (لَوْ لَمْ يَكُنْ) الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ (بِجَامِعٍ) اشْتَرَكَتْ فِيهِ وُجِدَ فِي الْكُلِّ يَقَعُ بِهِ (التَّمَاثُلُ) بَيْنَهَا فَإِنَّ الْمُخْتَلِفَاتِ لَا يُمْنَعُ اجْتِمَاعُهَا فِي صِفَاتٍ ثُبُوتِيَّةٍ وَأَحْكَامٍ (أَوْ) لَمْ يَكُنْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ لِوُجُودِ (فَارِقٍ) بَيْنَهَا فِي الْحُكْمِ (تَقْتَضِيهِ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْمُتَمَاثِلَاتِ إنَّمَا يَجِبُ اشْتِرَاكُهَا فِي الْحُكْمِ إذَا كَانَ مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ وَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْأَصْلِ مُعَارِضٌ يَقْتَضِي حُكْمًا غَيْرَهُ وَلَا فِي الْفَرْعِ مُعَارِضٌ أَقْوَى يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَكُلٌّ مِنْ انْتِفَاءِ الْجَامِعِ وَالْفَارِقِ غَيْرُ مَعْلُومٍ (وَلَا) مُمْتَنِعٍ (سَمْعًا خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ وَالْقَاسَانِيِّ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ نِسْبَةً إلَى بَلْدَةٍ بِتُرْكِسْتَانَ (وَالنَّهْرَوَانِيّ) هَذَا عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ وَذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ عَنْ دَاوُد وَابْنِهِ وَالْقَاسَانِيُّ وَالنَّهْرَوَانِيّ إنْكَارَ وُقُوعِهِ شَرْعًا وَمَعْلُومًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ وُقُوعِهِ شَرْعًا امْتِنَاعُهُ شَرْعًا ثُمَّ ذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى وُقُوعِ ذِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُومِي إلَيْهَا. قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ وَلِذَا لَا يُنْكِرُونَ قِيَاسَ الْأَوْلَى وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْجَوَازِ إنْكَارُ وُقُوعِ الْقِيَاسِ بِجُمْلَتِهِ إلَّا عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ ثُمَّ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْقِيَاسِيِّينَ إلَى أَنَّ مَا صَارَ الْقَاسَانِيُّ وَالنَّهْرَوَانِيّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا لَيْسَ قَوْلًا بِالْقِيَاسِ بَلْ هُوَ يَتَتَبَّعُ النَّصَّ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي إنْكَارِهِ جُمْلَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلٌ بِبَعْضِ الْقِيَاسِ انْتَهَى وَنَقَلَ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ الْقَاسَانِيِّ وَالنَّهْرَوَانِيّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ فِي صُورَتَيْنِ كَوْنِ عِلَّةِ الْأَصْلِ مَنْصُوصَةً بِصَرِيحِ اللَّفْظِ أَوْ بِإِيمَائِهِ وَكَوْنِ الْفَرْعِ بِالْحُكْمِ أَوْلَى مِنْ الْأَصْلِ كَقِيَاسِ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ

وَاعْتَرَفَا بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَقْلِ هُنَا مَدْخَلٌ لَا فِي الْوُجُوبِ وَلَا فِي عَدَمِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَهَذَا الثَّانِي أَبْدَلَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى بِالْحُكْمِ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ كَرَجْمِ مَاعِزٍ وَفِي الْبُرْهَانِ بِالْحُكْمِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَقِيَاسِ صَبِّ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ بِالْبَوْلِ فِيهِ وَجَعْلِ الثَّانِي مِنْ كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ دَاخِلًا فِي الْأَوَّلِ هَذَا (وَاسْتِدْلَالُهُمْ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ شُرُوحِ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لِمَانِعِيهِ عَقْلًا فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ لِمَانِعِيهِ سَمْعًا إمَّا عَلَى أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ نَقْلِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ لِلسَّمَاعِ فِيهِ مَدْخَلٌ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ إحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ ثَابِتَةٌ بِالنَّقْلِ فَظَاهِرٌ وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ النَّقْلِيِّ وَالْعَقْلِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا كَانَتْ مُقَدِّمَتَاهُ ثَابِتَتَيْنِ بِالنَّقْلِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ أَنْ يَكُونَ الْمَانِعُ مِنْهُ الْعَقْلَ نَعَمْ الْعِبَارَةُ مُوهِمَةٌ نَقْلَ هَذَا عَنْ الْمَانِعِينَ سَمْعًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ (بِأَنَّ فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (اخْتِلَافًا) مِنْ الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَالْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا (فَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ (مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وَمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ (مَدْفُوعٌ بِمَنْعِ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ فِي الْآيَةِ مَا فِي الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ أَيْ فِي بَعْضِهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ لَا يُمْكِنُ إنْكَارُهُ. (بَلْ) الِاخْتِلَافُ الْمُوجِبُ لِلرَّدِّ فِيهَا (التَّنَاقُضُ) فِي الْمَعْنَى (وَالْقُصُورُ) عَنْ الْبَلَاغَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا وَقَعَ التَّحَدِّي وَالْإِلْزَامُ بِكَوْنِ الْقُرْآنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَيْ لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَكَانَ بَعْضُ أَخْبَارِهِ مُطَابِقَةً لِلْوَاقِعِ دُونَ بَعْضٍ وَالْعَقْلُ مُوَافِقًا لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ دُونَ بَعْضٍ وَكَانَ مُتَفَاوِتًا فِي النَّظْمِ إلَى رَكِيكٍ وَفَصِيحٍ ثُمَّ إلَى فَصِيحٍ بَالِغٍ حَدَّ الْإِعْجَازِ وَقَاصِرٍ عَنْهُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاءُ لِنُقْصَانِ الْقُوَّةِ الْبَشَرِيَّةِ وَأُورِدَ لِمَ قُلْتُمْ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَزِمَهُ الِاخْتِلَافُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ هِيَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ وَلَا اخْتِلَافَ فِيهَا لِإِتْقَانِ مُصَنِّفِيهَا إيَّاهَا وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّ مِثْلَ الْقُرْآنِ نَظْمِهِ وَطَرِيقِ إعْجَازِهِ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ بَشَرًا تَكَلَّفَهُ فِي مِثْلِ حَجْمِهِ لَلَزِمَهُ الِاخْتِلَافُ لِوُعُورَةِ طَرِيقِهِ عَلَى السَّالِكِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَهُ بَشَرٌ بِغَيْرِ إذْنٍ إلَهِيٍّ لَأَعْجَزَهُ اللَّهُ فِيهِ بِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ الدَّالِّ عَلَى كَذِبِهِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُؤَيِّدُهُ بِالْمُعْجِزَةِ تَمْيِيزًا لِلصَّادِقِ مِنْ غَيْرِهِ (وَتِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) أَيْ وَاسْتِدْلَالُ مَانِعِيهِ سَمْعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] (وَنَحْوِهِ) أَيْ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] أَيْ عَلَى قِرَاءَةِ رَفْعِهِمَا فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ كِتَابَهُ بَيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَجَمِيعَ الْأَحْكَامِ فِي الْكِتَابِ الْمُبِينِ فَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حُجَّةً لَمْ يَكُنْ الْكِتَابُ بَيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَلَا كُلُّ الْأَحْكَامِ فِي الْكِتَابِ الْمُبِينِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ الْقُرْآنُ لَا اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ كَمَا عُزِيَ إلَى عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ عِلْمُ اللَّهِ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ الْعُمُومُ فِيهِمَا (مَخْصُوصٌ قَطْعًا) إذْ لَيْسَ كُلُّ الْأَشْيَاءِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ فِي الْقُرْآنِ. (أَوْ هُوَ) أَيْ كُلُّ شَيْءٍ (فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ (إجْمَالًا) وَلَوْ بِالْإِحَالَةِ إلَى السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ فَيَكُونُ مُبَيِّنًا لَهُ بِطَرِيقٍ إجْمَالِيٍّ مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ لَفْظًا كَمَا بَعْضُ الْأَشْيَاءِ مُبَيَّنٌ فِيهِ تَفْصِيلًا (فَجَازَ فِيهِ) أَيْ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا (حُكْمُ الْقِيَاسِ) وَهُوَ ثُبُوتُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ أَيْ اعْتِبَارُهُ (فَيَعْلَمُهُ الْمُجْتَهِدُ) بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ (كَمَا جَازَ) أَنْ يَكُونَ (الْكُلُّ) أَيْ كُلُّ الْأَحْكَامِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ (وَيَعْلَمُهُ النَّبِيُّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قِيلَ جَمِيعُ الْعِلْمِ فِي الْقُرْآنِ لَكِنْ تَقَاصَرَتْ عَنْهُ أَفْهَامُ الرِّجَالِ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ مُتَمَسَّكُهُمْ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (مُسْتَلْزِمٌ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُ الْقُرْآنِ حَجَّةً) بِعَيْنِ مَا ذَكَرُوهُ (وَهُوَ) أَيْ انْتِفَاءُ حُجِّيَّةِ غَيْرِ الْقُرْآنِ (مُنْتَفٍ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ (أَيْضًا) فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ عَنْ هَذَا اللَّازِمِ لَهُمْ فَهُوَ جَوَابُنَا (وَبِهِ) أَيْ وَبِانْتِفَاءِ هَذَا اللَّازِمِ عِنْدَهُمْ (يَبْعُدُ نِسْبَةُ هَذَا) الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَتَيْنِ (لَهُمْ عَلَى الِاقْتِصَارِ) عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ حِكَايَةِ النَّاقِلِينَ لَهُ عَنْهُمْ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ أَيْ الْقُرْآنُ تِبْيَانٌ لِلْقِيَاسِ (بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ) أَيْ الْقُرْآنِ (عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ نَصًّا) أَيْ لَفْظًا. (وَحُكْمِ

الْفَرْعِ دَلَالَةً) أَيْ مَعْنًى (فَلَيْسَ) كَذَلِكَ (وَإِلَّا فَكُلُّ قِيَاسٍ مَفْهُومٌ مُوَافَقَةً) لِأَنَّهُ الَّذِي شَأْنُهُ هَذَا (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ كَوْنُ الْقُرْآنِ أَفَادَ الْأُصُولَ بِالنَّصِّ وَالْفُرُوعَ بِالدَّلَالَةِ (مَمْنُوعٌ فِي) الْأَشْيَاءِ (السِّتَّةِ) الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ (أُصُولُ الرِّبَا) الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَ) فِي (كَثِيرٍ) مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا (بَلْ) بَيَانُ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ إنَّمَا هُوَ (بِالسُّنَّةِ فَقَطْ وَحَدِيثُ) «لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسْتَقِيمًا حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ أَوْلَادُ السَّبَايَا وَقَاسُوا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا كَانَ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِي سَنَدِهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ فِيهِ مَقَالٌ وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ (لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ) وَهُوَ إظْهَارُ مَا قَدْ كَانَ وَرَدُّ مَشْرُوعٍ إلَى نَظِيرِهِ فِي حُكْمِهِ بِالْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهُمَا بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقِيسُونَ فِي نَصْبِ الشَّرَائِعِ بِالْآرَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا بِمَا كَانَ مَشْرُوعًا جَهْلًا مِنْهُمْ وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ أَشَدُّ النَّاسِ نَكِيرًا لِذَلِكَ (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ لَهُ سَمْعًا أَيْضًا (أَرْشَدُ إلَى تَرْكِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (بِإِيجَابِ الْحَمْلِ عَلَى الْأَصْلِ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ (فِيمَا لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ) فِيهِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ فَكُلُّ مَا لَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُحَرَّمًا لَا يَكُونُ مُحَرَّمًا بَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ. (الْجَوَابُ) هَذَا (إنَّمَا يُفِيدُ مَنْعَ إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ ابْتِدَاءً بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِمَنْعِ إثْبَاتِهَا ابْتِدَاءً بِهِ (نَقُولُ كَمَا) نَقُولُ بِامْتِنَاعِهِ فِيمَا (لَمْ يُدْرَكْ مَنَاطُهُ قَالُوا) أَيْضًا الْقِيَاسُ (ظَنِّيٌّ) فَلَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ حَقِّ الشَّارِعِ بِهِ وَهُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْبَيَانِ الْقَطْعِيِّ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ كَالشُّبُهَاتِ لِعَجْزِهِمْ عَنْ الْإِثْبَاتِ بِقَطْعِيٍّ (لَا) أَنَّهُ (كَخَبَرِ الْوَاحِدِ) فَإِنَّهُ بَيَانٌ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ قَطْعِيٌّ وَإِنَّمَا تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي طَرِيقِ الِانْتِقَالِ إلَيْنَا فَأَثَّرَ تَمَكُّنُهَا فِي انْتِفَاءِ الْيَقِينِ وَخَرَجَ الْخَبَرُ بِهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً مُوجِبَةً لِلْعِلْمِ كَالنَّصِّ الْمُؤَوَّلِ (وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ تَقْدِيمِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْقِيَاسِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ الْخَبَرِ الْحَاصِلِ الْآنَ وَهُوَ مَظْنُونٌ كَالْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ عِنْدَنَا مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ كَمَا أَنَّ الْخَبَرَ أَصْلُهُ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ لِأَنَّ الْوَصْفَ كَالْخَبَرِ وَالتَّعْلِيلَ كَالرِّوَايَةِ فَكَمَا احْتَمَلَتْ الرِّوَايَةُ الْغَلَطَ احْتَمَلَ التَّعْلِيلُ الْغَلَطَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْعِبَادِ سَاقِطٌ لِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا لِأَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمَعَ ذَلِكَ أُطْلِقَ لَنَا الْعَمَلُ بِالرَّأْيِ فِيهِ إمَّا التَّحْقِيقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وَسِعْنَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْأَحْكَامِ (ثُمَّ بَعْدَ جَوَازِهِ) أَيْ تَكْلِيفِ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ مَنَاطِ الْحُكْمِ (وَقَعَ) التَّكْلِيفُ بِهِ (سَمْعًا قِيلَ ظَنًّا لِأَبِي الْحُسَيْنِ وَلِذَا) أَيْ وُقُوعِهِ ظَنًّا عِنْدَهُ (عَدَلَ) فِي إثْبَاتِهِ (إلَى مَا تَقَدَّمَ) مِنْ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ فَإِنَّ السَّمْعِيَّ يُفِيدُ ظَنَّ إيجَابِ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ وَإِثْبَاتُ أَصْلٍ دِينِيٍّ ثَبَتَ بِهِ الْأَحْكَامُ لَا يَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ. (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ الْأَكْثَرُ وَقَعَ (قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ رَدُّ الشَّيْءِ إلَى نَظِيرِهِ بِأَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْأَصْلُ الَّذِي تُرَدُّ إلَيْهِ النَّظَائِرُ عِبْرَةً وَهَذَا يَشْمَلُ الِاتِّعَاظَ وَالْقِيَاسَ الْعَقْلِيَّ وَالشَّرْعِيَّ وَلَا شَكَّ أَنَّ سَوْقَ الْآيَةِ لِلِاتِّعَاظِ فَتَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةً وَعَلَى الْقِيَاسِ إشَارَةً (وَكَوْنُهُ) أَيْ اعْتَبِرُوا (مَخْصُوصًا بِمَا انْتَفَتْ شَرَائِطُهُ) أَيْ خُصَّ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ مَا انْتَفَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْقِيَاسِ (وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ) أَيْ اعْتَبِرُوا (لِلنَّدْبِ وَ) احْتِمَالُ (كَوْنِهِ) أَيْ اعْتَبِرُوا خِطَابًا (لِلْحَاضِرِينَ) فَقَطْ (وَ) احْتِمَالُ (إرَادَةِ الْمَرَّةِ) مِنْ الِاعْتِبَارِ (وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ) فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ وُجُوبُ الْعَمَلِ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ بِكُلِّ قِيَاسٍ صَحِيحٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ جَوَابُهُ أَنَّ اعْتَبِرُوا فِي مَعْنَى افْعَلُوا الِاعْتِبَارَ وَهُوَ عَامٌّ وَالتَّخْصِيصُ الْمَذْكُورُ (لَا يَنْفِي الْقَطْعَ بِهِ) أَيْ بِمَا عَدَاهُ (لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالْعَقْلِ) عَلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْعُمُومِ فَالْإِطْلَاقُ كَافٍ وَلَفْظُ {أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] يَعُمُّ الْمُجْتَهِدِينَ بِلَا نِزَاعٍ (وَلَيْسَ بِكُلِّ تَجْوِيزٍ عَقْلِيٍّ يَنْتَفِي الْقَطْعُ)

فَلَا عِبْرَةَ بِبَاقِي الِاحْتِمَالَاتِ (وَإِلَّا انْتَفَى) الْقَطْعُ (عَنْ السَّمْعِيَّاتِ) لِطُرُوقِهِ لَهَا بَلْ لَوْ اُعْتُبِرَ لَمْ يَصِحَّ التَّمَسُّكُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. (وَأَمَّا ظُهُورُ كَوْنِهِ) أَيْ الِاعْتِبَارِ (فِي الِاتِّعَاظِ بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ السَّبَبِ) الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْمُ (وَلِبُعْدِ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ (فَقِيسُوا الذُّرَةَ بِالْبُرِّ) كَمَا هُوَ لَازِمُ الِاسْتِدْلَالِ لِانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ (فَالْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ) لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ فَانْتَفَى الْأَوَّلُ وَظَهَرَ كَوْنُهُ فِي الِاتِّعَاظِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِهَذَا (انْتَفَى الثَّانِي) أَيْضًا وَهُوَ بُعْدُ تَرْتِيبِ فَاعْتَبِرُوا عَلَيْهِ (إذْ الْمُرَتَّبُ) عَلَى السَّبَبِ الْمَذْكُورِ الِاعْتِبَارُ (الْأَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ قِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ (أَيْ فَاعْتَبِرُوا الشَّيْءَ بِنَظِيرِهِ فِي مَنَاطِهِ فِي الْمَثُلَاتِ) أَيْ الْعُقُوبَاتِ جَمْعُ مَثُلَةٍ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا (وَغَيْرِهَا وَهَذَا) الطَّرِيقُ فِي إثْبَاتِ التَّكْلِيفِ بِالْقِيَاسِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ مِنْ الْآيَةِ (أَيْسَرُ مِنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِهِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ مِنْهَا (دَلَالَةً) كَمَا تَنَزَّلَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ وَطَرِيقُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ هَلَاكَ قَوْمٍ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ اعْتِزَازُهُمْ بِالْقُوَّةِ وَالشَّوْكَةِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاعْتِبَارِ لِيَكُفَّ عَنْ مِثَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ لِئَلَّا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْجَزَاءِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِلَّةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِحُكْمِهَا فَكَذَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ وَهَذَا الْمَعْنَى يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ فَيَكُونُ مَفْهُومًا بِطَرِيقِ اللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَيَكُونُ دَلَالَةَ نَصٍّ لَا قِيَاسًا حَتَّى لَا يَكُونَ إثْبَاتُ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ بَلْ فِي التَّلْوِيحِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَاءَ بَلْ صَرِيحُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَا يَقْتَضِي الْعِلَّةَ التَّامَّةَ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةُ وُجُوبِ الِاتِّعَاظِ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ السَّابِقَةَ غَايَةُ فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ لَهَا دَخْلٌ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ عَلِمَ وُجُودَ السَّبَبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ بَلْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّحْقِيقِ مِمَّا يَشُكُّ فِيهِ الْأَفْرَادُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِنْ دَلَالَةِ النَّصِّ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (إذْ لَا يَفْهَمُ مَنْ فَهِمَ اللُّغَةَ الْأَمْرَ بِالْقِيَاسِ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ) الْأَمْرِ بِ (الِاتِّعَاظِ) وَقَدْ أُجِيبَ أَوَّلًا بِأَنَّ الْفَاءَ تَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَظَاهِرٌ أَنْ لَا عِلَّةَ هُنَا لِوُجُوبِ الِاتِّعَاظِ سِوَى الْقَضِيَّةِ السَّابِقَةِ فَتَكُونُ كُلُّ الْعِلَّةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهَا لَهَا دَخْلٌ فِي الْعِلَّةِ تَثْبُتُ أَيْضًا أَنَّ لَهَا دَلَالَةً عَلَى الْعِلِّيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَثَانِيًا بِأَنَّ التَّحْقِيقَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشُكَّ فِيهِ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ فَلَوْ شَكَّ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِاللُّغَةِ أَوْ مِمَّنْ يُظْهِرُ الشَّكَّ عِنَادًا، هَذَا وَالشَّرْطُ فِي دَلَالَةِ النَّصِّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ ثَابِتًا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لُغَةً بِحَيْثُ يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللِّسَانِ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَنَاطُ الْحُكْمِ مِمَّا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللِّسَانِ (وَأَيْضًا قَدْ تَوَاتَرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَإِنْ كَانَتْ التَّفَاصِيلُ آحَادًا كَمَا تَقِفُ الْآنَ عَلَيْهِ عَنْ أَعْيَانٍ مِنْهُمْ. (وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ فِي مِثْلِهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ (بِأَنَّهُ) إنَّمَا يَكُونُ (عَنْ قَاطِعٍ فِيهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهُ عَلَى التَّعْيِينِ (وَأَيْضًا شَاعَ مُبَاحَثَتُهُمْ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ (وَتَرْجِيحُهُمْ) الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ (بِلَا نَكِيرٍ) لِذَلِكَ (فَكَانَ) ذَلِكَ (إجْمَاعًا مِنْهُمْ فِي حُجِّيَّتِهِ لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ حُجَّةً (فِي مِثْلِهِ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ لَا سُكُوتًا) يُفِيدُ الظَّنَّ (وَحَدِيثُ مُعَاذٍ) الْمُفِيدُ حُجِّيَّةَ الْقِيَاسِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ مُخَرَّجًا فِي مَسْأَلَةٍ وَلَيْسَتْ لُغَوِيَّةً مَبْدَئِيَّةُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ (يُفِيدُ طُمَأْنِينَةً) وَهُوَ فَوْقَ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ بِالْآحَادِ (فَإِنَّهُ) أَيْ حَدِيثَهُ (مَشْهُورٌ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ) فَيَثْبُتُ بِهِ الْحُصُولُ فَإِنْ قِيلَ الِاجْتِهَادُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَالْحُكْمِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْقِيَاسُ الْمَنْصُوصُ الْعِلَّةُ وَالِاسْتِنْبَاطُ مِنْ النُّصُوصِ الْخَفِيَّةِ الدَّلَالَةِ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْجَوَازِ لِغَيْرِ مُعَاذٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ احْتِيَاجِهَا إلَى الِاجْتِهَادِ هِيَ مَا تُوجَدُ فِي الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْصُوصَ الْعِلَّةِ فَقَطْ لَمَا سَكَتَ الشَّارِعُ لِبَقَاءِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ الَّتِي تَبْتَنِي عَلَى قِيَاسٍ غَيْرِ مَنْصُوصِ الْعِلَّةِ (وَكَوْنُ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَنْصُوصِ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ) أَيْ مُعَاذٍ

أَقْضِي بِمَا فِي (كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) ثَابِتٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُسْتَنْبَطَ مِنْهُمَا مَوْجُودٌ فِيهِمَا (فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقِيَاسُ) مُطْلَقًا. (وَالْقَطْعُ بِأَنَّ إطْلَاقَهُ) أَيْ إطْلَاقَ جَوَازِهِ لِمُعَاذٍ (لَيْسَ إلَّا لِاجْتِهَادِهِ لَا لِخُصُوصِهِ) فَثَبَتَ فِي غَيْرِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ (وَالْمَرْوِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَالصِّدِّيقِ وَالْفَارُوقِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (مِنْ ذَمِّهِ) أَيْ الْقِيَاسِ فَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْكَلَالَةِ قَالَ أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إذَا قُلْت فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اتَّقُوا الرَّأْيَ فِي دِينِكُمْ إيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ اتَّهَمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا أَقِيسُ شَيْئًا بِشَيْءٍ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَعَنْهُ أَيْضًا إيَّاكُمْ وَأَرَأَيْت وَأَرَأَيْت فَتَزَلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَرَوَى هُوَ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ يُحَدِّثُ قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ فَيَنْهَدِمُ الْإِسْلَامُ وَيَنْثَلِمُ فَبَعْدَ صِحَّتِهِ عَنْهُمْ (فَالْقَطْعُ بِأَنَّهُ) أَيْ الذَّمَّ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا فَمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرِّجًا بَلْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ رَأَيْت فِي الْكَلَالَةِ رَأْيًا فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنْ قِبَلِي وَالشَّيْطَانِ الْكَلَالَةُ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ الْكَلَالَةِ فَقَالَ أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي إلَخْ وَفِي مُسْنَدِ الطَّبَرَانِيِّ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ وَفِيمَا وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ تَكَلَّمَ فِيهِ ثُمَّ إنَّمَا كَانَ مُرَادُ الذَّامِّينَ غَيْرَ مَا نَحْنُ فِيهِ (إذْ قَاسَ كَثِيرٌ) وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ الصَّحَابَةُ (حَرَامٌ عَلَى طَالِقٍ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَخْرِيجٍ فِيهِ بَلْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ فِي الْحَرَامِ وَالْخِلْيَةِ وَالْبَرِّيَّةِ وَالْبَتَّةِ هِيَ ثَلَاثٌ وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الَّذِي يُحَرِّمُ أَهْلَهُ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُمَا ثِقَاتٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ إبْرَاهِيمَ وَعَلِيٍّ وَالثَّانِيَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ قَالَ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى خِلَافٍ عَنْهُ اهـ فَلَا جَرَمَ أَنْ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ رَوَى وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ. ثُمَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِطَالِقٍ عِنْدَهُمْ سِوَى وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وُقُوعَ وَاحِدَةٍ بِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهَذَا فِي تَمْشِيَتِهِ قِيَاسٌ عَلَى طَالِقٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ بِهِ فَهُمْ يَقُولُونَ بِوُقُوعِهَا بَائِنَةً وَالْوَاقِعُ بِطَالِقٍ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ثُمَّ إنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالْحَرَامِ إذَا نَوَاهَا لَا بِطَالِقٍ (وَ) قَاسَ (عَلِيٌّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (الشَّارِبَ) لِلْخَمْرِ (عَلَى الْقَاذِفِ) فِي الْحَدِّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَبَعِيدًا (وَ) قَاسَ (الصِّدِّيقُ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (الزَّكَاةَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وُجُوبِ الْقِتَالِ) فِي التَّرْكِ فَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ فَسَاقَهُ وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَن مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَمِنْ قَوْلِ عُمَرَ فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْت أَنَّهُ الْحَقُّ (وَفِيهِ) أَيْ قِيَاسِ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورِ (إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ أَيْضًا) فَإِنَّهُمْ وَافَقُوهُ عَلَيْهِ (وَوَرَّثَ) أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أُمَّ الْأُمِّ لَا أُمَّ الْأَبِ) لَمَّا اجْتَمَعَتَا (فَقِيلَ لَهُ) وَالْقَائِلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ كَمَا أَفَادَتْهُ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مَا مَعْنَاهُ (تَرَكْت الَّتِي لَوْ كَانَتْ الْمَيِّتَةَ) وَهُوَ حَيٌّ (وَرِثَ الْكُلَّ) مِنْهَا إذَا انْفَرَدَ (أَيْ هِيَ) أَيْ أُمُّ الْأَبِ (أَقْرَبُ) مِنْ أُمِّ الْأُمِّ (فَشَرَكَ) أَبُو بَكْرٍ (بَيْنَهُمَا فِي السُّدُسِ) عَلَى السَّوَاءِ أَخْرَجَ مَعْنَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. (وَ) وَرَّثَ (عُمَرُ الْمَبْتُوتَةَ بِالرَّأْيِ) فَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ أَنَّهَا تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَرِثُهَا وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْ عُثْمَانَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ (وَابْنُ مَسْعُودٍ) قَاسَ (مَوْتَ زَوْجِ الْمُفَوَّضَةِ) قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فِي لُزُومِ جَمِيعِ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى مَوْتِ زَوْجِ غَيْرِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فِي لُزُومِ

مسألة النص من الشارع على العلة للحكم يكفي في إيجاب تعدية الحكم بها

جَمِيعِ الْمُسَمَّى لَهَا وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَسْأَلَةٍ بَعْدَ اشْتِرَاطِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُقَارَنَةَ فِي التَّخْصِيصِ وَفِي التَّنْبِيهِ بِذَيْلِ مَسْأَلَةِ " عِرْفَانُ الشُّهْرَةِ مُعَرِّفٌ لِلْعَدَالَةِ " نَعَمْ لَمْ يَقَعْ فِي الرِّوَايَةِ تَصْرِيحُ ابْنِ مَسْعُودٍ بِالْقِيَاسِ وَلَا ضَيْرَ فَإِنَّهُ لَازِمُ قَوْلِهِ (وَذَلِكَ) أَيْ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ لِلصَّحَابَةِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ (أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُنْقَلَ وَاخْتِلَافُهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةُ (فِي تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (كُلٌّ) مِنْهُمْ (قَالَ فِيهِ بِالتَّشْبِيهِ) فَقَدْ أَخْرَجَ طَلْحَةُ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ الصَّادِقِ أَنَّ عُمَرَ شَاوَرَ عَلِيًّا وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ أَرَأَيْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ شَجَرَةً انْشَعَبَ مِنْهَا غُصْنٌ ثُمَّ انْشَعَبَ مِنْ الْغُصْنِ غُصْنٌ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إلَى أَحَدِ الْغُصْنَيْنِ أَصَاحِبُهُ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ أَمْ الشَّجَرَةُ وَقَالَ زَيْدٌ لَوْ أَنَّ جَدْوَلًا انْبَعَثَ مِنْ سَاقِيَةٍ ثُمَّ انْبَعَثَ مِنْ السَّاقِيَةِ سَاقِيَتَانِ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إحْدَى السَّاقِيَتَيْنِ إلَى صَاحِبَتِهَا أَمْ الْجَدْوَلُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ. [مَسْأَلَةُ النَّصِّ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا] (مَسْأَلَةُ النَّصِّ) مِنْ الشَّارِعِ (عَلَى الْعِلَّةِ) لِلْحُكْمِ (يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِيهَا (وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ شَرْعِيَّةُ الْقِيَاسِ وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَأَحْمَدَ وَالنَّظَّامِ وَالْقَاسَانِيِّ) وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ (وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ) قَالَ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا (فِي التَّحْرِيمِ) أَيْ إذَا كَانَتْ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ الْفِعْلَ دُونَ غَيْرَهُ (خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ) فِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيهِ الْحُكْمَ بِهَا مُطْلَقًا (لَهُمْ) أَيْ الْجُمْهُورِ (انْتِفَاءُ دَلِيلِ الْوُجُوبِ) لِتَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا ثَابِتٌ (وَهُوَ) أَيْ دَلِيلُهُ (الْأَمْرُ) بِالتَّعَدِّيَةِ بِهَا (أَوْ الْإِخْبَارُ بِهِ) أَيْ بِالْوُجُوبِ فَيَنْتَفِي الْوُجُوبُ (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) لَهُمْ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (بِلُزُومِ عِتْقِ كُلِّ) عَبْدٍ (أَسْوَدَ) لَهُ (لَوْ قَالَ أَعْتَقْت) عَبْدِي (غَانِمًا لِسَوَادِهِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَثَابَةِ أَعْتَقْت كُلَّ عَبْدٍ لِي أَسْوَدَ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ مَقْطُوعٌ بِهِ (فَمَرْدُودٌ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ وَمَنْ مَعَهُمْ (لَا يَقُولُونَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ مِنْ اللَّفْظِ لِيَلْزَمَ ذَلِكَ) اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ (بَلْ) يَقُولُونَ (إنَّهُ) أَيْ النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ (دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ إثْبَاتِ الْحُكْمِ) بِهَا عَلَى الْمُجْتَهِدِ (أَيْنَ وُجِدَ) الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فَذَكَرَهَا بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى نَقْلِ الْأَكْثَرِينَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّنْصِيصَ عَلَى الْعِلَّةِ أَمْرًا بِالْقِيَاسِ وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْآمِدِيُّ عَنْ النَّظَّامِ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْعِلَّةِ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهَا بِطَرِيقِ عُمُومِ اللَّفْظِ فَيَتِمُّ اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ عَلَيْهِ. (وَكَذَا) الِاسْتِدْلَال لِلْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ (بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَرَّمْت الْخَمْرَ لِإِسْكَارِهَا وَ) حَرَّمْت (كُلَّ مُسْكِرٍ إذَا كَانَ مِنْ وَاجِبِ الِامْتِثَالِ) وَالثَّانِي يُفِيدُ عُمُومَ الْحُرْمَةِ لِكُلِّ مُسْكِرٍ فَكَذَا الْأَوَّلُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ الْعِلَّةِ صَرِيحًا وَبَيْنَ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مَرْدُودٌ (لِمَا ذَكَرْنَا) آنِفًا مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ مِنْ اللَّفْظِ لِيَلْزَمَ عَدَمُ الْفَرْقِ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّظَّامِ عَلَى نَقْلِ غَيْرِ الْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ (وَالْفَرْقُ) الْمُدَّعَى لِلْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ بَيْنَ كَوْنِ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ يُوجِبُ تَعَدِّيَةَ الْحُكْمِ بِهَا وَبَيْنَ عَدَمِ لُزُومِ الْعِتْقِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (بِأَنَّ الْقِيَاسَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكْفِي فِيهِ الظُّهُورُ وَالْعِتْقُ زَوَالُ حَقِّ آدَمِيٍّ فَبِالصَّرِيحِ) أَيْ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ وَقَوْلُهُ أَعْتَقْت غَانِمًا لِسَوَادِهِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ (مَمْنُوعٌ بِأَنَّ الْعِتْقَ كَذَلِكَ) أَيْ يَكْفِي فِيهِ الظُّهُورُ (لِتَشَوُّفِهِ) أَيْ الشَّارِعِ (إلَيْهِ) حَتَّى كَانَ أَحَبَّ الْمُبَاحَاتِ إلَيْهِ (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ الْعِتْقِ (حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي هِيَ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى. (وَلَنَا أَنَّ ذِكْرَ الْعِلَّةِ مَعَ الْحُكْمِ يُفِيدُ تَعْمِيمَهُ) أَيْ الْحُكْمَ (فِي مَحَالِّ وُجُودِهَا لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ إلَى فَهْمِ كُلِّ مَنْ سَمِعَ حُرْمَةَ الْخَمْرِ لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ تَحْرِيمَ كُلِّ مَا أَسْكَرَ وَمِنْ قَوْلِ طَبِيبٍ لَا تَأْكُلْهُ) أَيْ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ (لِبُرُودَتِهِ مَنَعَهُ) أَيْ الْمُخَاطَبَ (مِنْ) أَكْلِ (كُلِّ بَارِدٍ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ) أَيْ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ إنَّمَا هُوَ (لِبَيَانِ حِكْمَتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (مَعَ مَنْعِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ مِثْلِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ (أَوْ أَنَّهُ) أَيْ النَّصَّ عَلَيْهَا فِي نَحْوِ حَرَّمْت الْخَمْرَ لِإِسْكَارِهَا إنَّمَا هُوَ (لِخُصُوصِ إسْكَارِ الْخَمْرِ) أَيْ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْعِلَّةَ

فصل في بيان الاعتراضات الواردة على القياس

إسْكَارُ الْخَمْرِ بِحَيْثُ يَكُونُ قَيْدُ الْإِضَافَةِ إلَى الْخَمْرِ مُعْتَبَرًا فِي الْعِلَّةِ لِجَوَازِ اخْتِصَاصِ إسْكَارِهَا بِتَرَتُّبِ مَفْسَدَةٍ عَلَيْهِ دُونَ إسْكَارِ غَيْرِهَا لَا أَنَّ الْعِلَّةَ الْإِسْكَارُ مُطْلَقًا احْتِمَالٌ (لَا يَقْدَحُ فِي الظُّهُورِ كَاحْتِمَالِ خُصُوصِ الْعَامِّ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ) وَعَدَمِ الْعُثُورِ عَلَيْهِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ (حِينَئِذٍ) أَيْ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَعَدَمِ الْعُثُورِ عَلَيْهِ (ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ التَّخْصِيصِ) فَإِنَّ الظُّهُورَ لَا يَدْفَعُ بِالِاحْتِمَالِ الْغَيْرَ الظَّاهِرَ وَكَيْفَ وَهُوَ لَازِمُهُ (فَبَطَلَ مَنْعُهُ) أَيْ كَوْنُ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ مُوجِبًا لِتَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا (بِتَجْوِيزِ كَوْنِهِ) أَيْ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ (لِتُعْقَلَ فَائِدَةُ شَرْعِيَّتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مَعَ قَصْرِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (عَلَيْهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا بَطَلَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَأَبْعَدُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّجْوِيزِ الْمَذْكُورِ (تَعْلِيلُ كَوْنِهِ) أَيْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ (بِإِسْكَارِهَا بِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ لَا تُعَلَّلُ بِكُلِّ إسْكَارٍ) بَلْ بِالْإِسْكَارِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَإِنَّمَا كَانَ أَبْعَدَ (لِأَنَّ الْمُدَّعَى ظُهُورُ) نَحْوِ (حُرْمَتِهَا لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ فِي التَّعْلِيلِ بِالْإِسْكَارِ الدَّائِرِ فِي كُلِّ إسْكَارٍ دُونَ الْإِسْكَارِ الْمُقَيَّدِ بِالْإِضَافَةِ الْخَاصَّةِ) وَهِيَ الْإِضَافَةُ إلَى الْخَمْرِ (لِتَبَادُرِ الْغَايَةِ) أَيْ خُصُوصِ الْإِضَافَةِ (إلَى عَقْلِ كُلِّ مَنْ فَهِمَ مَعْنَى السُّكْرِ وَاعْتَرَفَ هَذَا الْقَائِلُ) يَعْنِي عَضُدَ الدِّينِ (بِإِفَادَةِ قَوْلِ الطَّبِيبِ لَا تَأْكُلْهُ لِبَرْدِهِ التَّعْمِيمَ) أَيْ الْمَنْعَ مِنْ أَكْلِ كُلِّ بَارِدٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ. (وَهُوَ) أَيْ وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ (مِثْلُهُ) فَيَكُونُ مُفِيدًا مَنْعَ شُرْبِ كُلِّ مُسْكِرٍ (دُونَ) أَنْ يَقُولَ (إنَّ الْمَنْعَ) فِيهِ إنَّمَا هُوَ (مِنْ ذَلِكَ الْبَارِدِ) بِخُصُوصِهِ (وَلَا يُعَلَّلُ) الْمَنْعُ مِنْهُ (بِكُلِّ بُرُودَةٍ) كَمَا قَالَ فِي حُرْمَةِ الْخَمْرِ لِإِسْكَارِهَا لَا تَعْلِيلَ بِكُلِّ إسْكَارٍ بَلْ بِالْإِسْكَارِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا (وَفَرَّقَ الْبَصْرِيُّ بِأَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ مُوجِبٌ ضَرَرًا) لِأَنَّ النَّهْيَ الشَّرْعِيَّ الْمُفِيدُ لِلتَّحْرِيمِ إنَّمَا يَقَعُ عَنْ مُضِرٍّ (فَيُفِيدُ) النَّهْيُ عَنْهُ (الْعُمُومَ) فِي عِلَّتِهِ فَالنَّهْيُ عَنْ أَكْلِ شَيْءٍ لِأَذَاهُ دَالٌّ عَلَى طَلَبِ تَرْكِ أَكْلِ كُلِّ مُؤْذٍ كَقَوْلِ الطَّبِيبِ الْمَذْكُورِ (وَالْفِعْلُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ) كَالتَّصَدُّقِ عَلَى فَقِيرٍ لِلْمَثُوبَةِ (لَا يُوجِبُ كُلَّ تَحْصِيلٍ) لِكُلِّ مَثُوبَةٍ (لَا يُفِيدُ) مَطْلُوبَهُ (بَعْدَ ظُهُورِ أَنَّهُ) أَيْ النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ (مِنْ الشَّارِعِ يُفِيدُ إيجَابَ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (وَيَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لِاعْتِبَارِهِ وَمُسْتَلْزِمًا لِوُجُوبِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (لَزِمَتْ مُخَالَفَةُ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (وَهُوَ) أَيْ خِلَافُ اعْتِبَارِهِ (مُضِرٌّ كَالنَّهْيِ وَهَذَا) الْجَوَابُ (تَفْصِيلُ رَدِّ دَلِيلِهِمْ) أَيْ الْجُمْهُورِ وَالظَّاهِرُ رَدُّ تَفْصِيلِ دَلِيلِهِمْ (الْأَوَّلِ) وَهُوَ انْتِفَاءُ الْأَمْرِ بِالتَّعَدِّيَةِ وَالْإِخْبَارِ بِوُجُوبِهَا بِهَا فَإِنَّ إفَادَةَ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ بِحَيْثُ يَجِبُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ إخْبَارُ مَعْنَى بِوُجُوبِهَا. (وَأَمَّا مَا ذُكِرَ) فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (مِنْ مَسْأَلَةٍ لَا يَجْرِي الْخِلَافُ) فِي جَرَيَانِ الْقِيَاسِ (فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ) بِمَعْنَى أَنَّ ثَمَّ قَائِلًا بِجَرَيَانِهِ فِي جَمِيعِهَا وَقَائِلًا بِامْتِنَاعِهِ فِي بَعْضِهَا (فَمَعْلُومَةٌ مِنْ الشُّرُوطِ) لَهُ لِكَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى وَكَوْنِ الْفَرْعِ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ حُكْمُ نَصٍّ وَإِجْمَاعٍ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إفْرَادِ مَسْأَلَةٍ فِيهِ ثُمَّ الَّذِي فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ وَغَيْرِهَا لَا يَجْرِي الْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ خِلَافًا لِشُذُوذِ الْمُرَادِ وَاحِدٌ (وَيَجِبُ الْحُكْمُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَنْقُولِ عَلَى الْإِطْلَاقِ) فِي هَذَا (بِالْخَطَأِ) إذْ لَا خِلَافَ يُنْقَلُ بَلْ وَلَا يُعْقَلُ فِي امْتِنَاعِ جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِي حُكْمٍ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَاَلَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي امْتِنَاعِ جَرَيَانِهِ فِي بَعْضِهَا اتِّفَاقًا عَلَى مَا فِي بَعْضِهَا مِنْ خِلَافٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَمَا حَكَى مِنْ شُبْهَةِ الْمُخَالِفِ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَمَاثِلَةٌ لِشُمُولِ حَدِّ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَهَا وَقَدْ جَرَى الْقِيَاسُ فِي الْبَعْضِ فَلْيَجْرِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الْمُتَمَاثِلَاتِ بِحَسَبِ اشْتِرَاكِهَا فِيمَا يَجُوزُ عَلَيْهَا فَسَاقِطٌ لِأَنَّ شُمُولَ الْحَدِّ الْوَاجِبِ لَا يُوجِبُ تَمَاثُلَهَا عَلَى أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُوجِبًا التَّمَاثُلَ لَكَانَ مُسَوِّغًا لِقِيَاسِ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ ثُمَّ هَذَا. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ] (فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ) وَنَذْكُرُ فِي طَيِّهَا مَا يَرِدُ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا (يَرِدُ عَلَى الْقِيَاسِ أَسْئِلَةٌ مَرْجِعُ مَا سِوَى الِاسْتِفْسَارِ إلَى الْمَنْعِ أَوْ الْمُعَارَضَةِ) لَا جَمِيعِهَا كَمَا أَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْجَدَلِيِّينَ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ

بِدَلِيلِهِ يَكُونُ بِصِحَّةِ مُقَدِّمَاتِهِ لِيَصْلُحَ لِلشَّهَادَةِ وَبِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ لِتَنْفُذَ شَهَادَتُهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَغَرَضُ الْمُعْتَرِضِ مِنْ عَدَمِ إثْبَاتِهِ بِهِ بِهَدْمِ أَحَدِهِمَا يَكُونُ بِالْقَدْحِ فِي صِحَّةِ الدَّلِيلِ بِمَنْعِ مُقَدِّمَةٍ مِنْهُ أَوْ بِمُعَارَضَتِهِ بِمَا يُقَاوِمُهَا وَيَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِهَا وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ الْقَبِيلَيْنِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَقْصُودِ الِاعْتِرَاضِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَمَشَى السُّبْكِيُّ عَلَى أَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْمَنْعِ وَحْدَهُ مُوَافَقَةً لِبَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ مَنْعُ الْعِلَّةِ عَنْ الْجَرَيَانِ (أَوَّلُهَا) أَيْ الْأَسْئِلَةِ وَطَلِيعَتُهَا (الِاسْتِفْسَارُ) وَهُوَ طَلَبُ بَيَانِ مَعْنَى اللَّفْظِ (وَلَا يَخْتَصُّ) الْقِيَاسُ (بِهِ) بَلْ هُوَ جَارٍ فِي كُلِّ خَفِيِّ الْمُرَادِ وَهُوَ (مُتَّفَقٌ) عَلَيْهِ (وَلَمْ تَذْكُرْهُ الْحَنَفِيَّةُ لِثُبُوتِهِ بِالضَّرُورَةِ) إذْ بِالضَّرُورَةِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا لَمْ يَفْهَمْهُ الْمُخَاطَبُ يُسْتَفْسَرُ عَنْهُ. (وَإِنَّمَا يَسْمَعُ فِي لَفْظٍ يُخْفَى مُرَادُهُ) وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْقَاضِي مَا تَمَكَّنَ فِيهِ الِاسْتِبْهَامُ حَسُنَ فِيهِ الِاسْتِفْهَامُ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظَاهِرًا (فَتَعَنُّتٌ) أَيْ فَالِاسْتِفْسَارُ تَعَنُّتٌ (مَرْدُودٌ) لِتَفْوِيتِهِ فَائِدَةَ الْمُنَاظَرَةِ إذْ يَأْتِي فِي كُلِّ لَفْظٍ يُفَسَّرُ بِهِ لَفْظٌ وَيَتَسَلْسَلُ وَفِي الصِّحَاحِ جَاءَنِي فُلَانٌ مُتَعَنِّتًا إذَا جَاءَ بِطَلَبِ زَلَّتِك (وَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (أَنْ لَا يَقْبَلَهُ) أَيْ اسْتِفْسَارَ الْمُعْتَرِضِ (حَتَّى يُبَيِّنَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ خَفَاءَ الْمُرَادِ مِنْهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْخَفَاءَ (خِلَافُ الْأَصْلِ) إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْخَفَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَضْعُ الْأَلْفَاظِ لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهَا وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مُدَّعِي خِلَافِ الْأَصْلِ (وَيَكْفِيهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ فِي بَيَانِ الْخَفَاءِ (صِحَّةُ إطْلَاقِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (لِمُتَعَدِّدٍ وَلَوْ) كَانَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَعَانِي الْمُتَعَدِّدَةِ (بِلَا تَسَاوٍ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (يُخْبِرُ بِالِاسْتِبْهَامِ عَلَيْهِ لِتِلْكَ الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ لِمُتَعَدِّدٍ فَيَكْفِيهِ مَا يَدْفَعُ بِهِ ظَنَّ التَّعَنُّتِ فِي حَقِّهِ وَيَصْدُقُ لِعَدَالَتِهِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ. (وَجَوَابُهُ) أَيْ الِاسْتِفْسَارُ (بَيَانُ ظُهُورِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (فِي مُرَادِهِ) مِنْهُ (بِالْوَضْعِ) أَيْ بِبَيَانِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمُرَادِ كَقَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ لِانْتِهَاءِ حُرْمَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا عَلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ بِوَطْءِ زَوْجٍ ثَانٍ شَرْعًا إذَا كَانَ قَائِلًا بِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْوَطْءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فِي جَوَابِ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ مَا الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُقَالُ شَرْعًا عَلَى الْوَطْءِ وَالْعَقْدُ الْمُرَادُ الْوَطْءُ لِوَضْعِهِ لَهُ مَعَ عَدَمِ الْمُوجِبِ لِلْعُدُولِ عَنْهُ (أَوْ الْقَرِينَةِ) الْمُنْضَمَّةِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ قَائِلًا بِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْعَقْدِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ مُبَاشَرَتُهَا لَهُ فِي جَوَابِ الْمُعْتَرِضِ الْمَذْكُورِ الْمُرَادُ الْعَقْدُ بِقَرِينَةِ الْإِسْنَادِ إلَى الْمَرْأَةِ (أَوْ ذِكْرِ مَا أَرَادَ) بِهِ إذَا عَجَزَ عَنْ بَيَانِ ظُهُورِهِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ (بِلَا مُشَاحَّةِ تَكَلُّفِ نَقْلِ اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ فِيهِ) نَعَمْ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ يَجِبُ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ كَتَفْسِيرِ يُخْرِجُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الثَّوْرَ لِقَائِلٍ مَا الثَّوْرُ الْقِطْعَةُ مِنْ الْأَقِطِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ جِنْسِ اللَّعِبِ فَيَخْرُجُ عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ الْمُنَاظَرَةُ مِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ فَلَا يَسْمَعُ وَقِيلَ يَسْمَعُ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُ نَاظَرَهُ بِلُغَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ وَرُدَّ بِأَنَّ فِيهِ فَتْحَ بَابٍ لَا يَنْسَدُّ. قَالَ السُّبْكِيُّ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مَشْهُورًا فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا فَالْجَزْمُ تَبْكِيتُ الْمُعْتَرِضِ وَفِي مِثْلِهِ مَرَّ فَتَعَلَّمْ ثُمَّ ارْجِعْ فَتَكَلَّمْ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ التَّوْقَادِيُّ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ فِي دَفْعِ خَفَاءِ الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِهِ لِلْمُعْتَرِضِ (يَلْزَمُ ظُهُورُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فِي أَحَدِهِمَا (فَالْإِجْمَالُ) أَيْ فَيَلْزَمُ الْإِجْمَالُ لَهُ (وَهُوَ) أَيْ الْإِجْمَالُ (خِلَافُ الْأَصْلِ أَوْ) يَلْزَمُ ظُهُورُهُ (فِيمَا قَصَدْتَ إذْ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي الْآخَرِ) بِمُوَافَقَتِكَ إيَّايَ عَلَى ذَلِكَ (فَالْحَقُّ نَفْيُهُ) أَيْ هَذَا الدَّفْعِ كَمَا عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ نَفْيَهُ كَمَا عَلَيْهِ آخَرُونَ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ وُرُودِهِ (فَاتَ الْغَرَضُ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (ذَكَرَ عَدَمَ فَهْمِهِ) مُرَادُ الْمُسْتَدِلِّ (فَلَمْ يُبَيَّنْ) لَهُ مُرَادُهُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ سُؤَالُ الِاسْتِفْسَارِ فِي عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِالْقِيَاسِ (سُؤَالُ التَّقْسِيمِ) فَإِنَّهُ جَارٍ فِي جَمِيعِ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي تَقْبَلُ الْمَنْعَ وَلِذَا عَقَّبَهُ بِهِ وَهُوَ (مَنْعُ أَحَدِ مَا تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ) بِعَيْنِهِ (مَعَ تَسْلِيمِ الْآخَرِ) أَيْ كَوْنُهُ مُسْلِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَالَ كَوْنِهِ الْمَنْعَ (مُقْتَصِرًا) إنْ لَمْ يَقْرُنْ بِذِكْرِ تَسْلِيمِ الْآخَرِ بِأَنْ سَكَتَ الْمُعْتَرِضُ عَنْ ذِكْرِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا (أَوْ) قَرَنَ (بِذِكْرِهِ) أَيْ التَّسْلِيمِ لَهُ (كَفَى الصَّحِيحَ الْمُقِيمَ)

أَيْ كَمَا يُقَالُ فِي إجَازَةِ التَّيَمُّمِ لِلصَّحِيحِ الْمُقِيمِ (فَقْدُ الْمَاءِ فَوُجِدَ سَبَبُ التَّيَمُّمِ) وَهُوَ فَقْدُ الْمَاءِ (فَيَجُوزُ) التَّيَمُّمُ (فَيُقَالُ) مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ (سَبَبِيَّةُ الْفَقْدِ) لِلْمَاءِ فَقْدُهُ (مُطْلَقًا أَوْ) فَقْدُهُ (فِي السَّفَرِ الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ) وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمَطْلُوبُ إذْ الْكَلَامُ فِي الصَّحِيحِ الْحَاضِرِ. (وَفِي الْمُلْتَجِئِ) أَيْ وَكَمَا يُقَالُ فِي الْقَاتِلِ عَمْدًا عُدْوَانًا إذَا لَاذَ بِالْحَرَمِ يُقْتَصُّ مِنْهُ إذْ (الْقَتْلُ) الْعَمْدُ (الْعُدْوَانُ سَبَبُهُ) أَيْ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ (فَيُقْتَصُّ فَيُقَالُ) الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ سَبَبُهُ (مُطْلَقًا) أَيْ مَعَ الِالْتِجَاءِ وَبِدُونِهِ (أَوْ) هُوَ سَبَبُهُ (مَا لَمْ يَلْتَجِ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ) وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ وَلَا يُلْزِمُ الْمَطْلُوبَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُلْتَجِئِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا السُّؤَالِ (فَقِيلَ لَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَمْنُوعِ مُرَادًا) لِلْمُعْتَرِضِ وَلَا يَبْطُلُ كَلَامُ الْمُسْتَدِلِّ حَتَّى يَكُونَ الْمَمْنُوعُ مُرَادَهُ (وَلِأَنَّ حَاصِلَهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ (ادِّعَاءُ الْمُعْتَرِضِ مَانِعًا) لِلْحُكْمِ (وَبَيَانُهُ) أَيْ الْمَانِعُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ لِدَعْوَاهُ أَمْرًا عَارِضًا (وَالْمُخْتَارُ قَبُولُهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالُ (لِجَوَازِ عَجْزِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (عَنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ الْمَمْنُوعِ وَلَهُ مَدْخَلٌ فِي هَدْمِ الدَّلِيلِ (وَاللَّفْظُ) لِلسَّائِلِ (يُفِيدُ نَفْيَ السَّبَبِيَّةِ لَا وُجُودَ الْمَانِعِ مَعَ السَّبَبِ وَأَمَّا كَوْنُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (بِهِ) أَيْ بِالْإِبْطَالِ (يَتَبَيَّنُ مُرَادُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ وَرُبَّمَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَتْمِيمُ الدَّلِيلِ مَعَ الْإِبْطَالِ كَمَا ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ فِي تَوْجِيهِ هَذَا (فَلَيْسَ) كَذَلِكَ (بَلْ قِيَاسُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (يُفِيدُهُ) أَيْ تَبْيِينُ مُرَادِهِ (إذْ تَرْتِيبُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ (عَلَى الْفَقْدِ) لِلْمَاءِ مُطْلَقًا (وَالْقَتْلِ) الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ (مُطْلَقًا فَهُوَ) أَيْ مُرَادُهُ (مَعْلُومٌ) بِهَذَا. (وَتَرْدِيدُ السَّائِلِ تَجَاهُلٌ أَوْ تَحْرِيرُ التَّرْتِيبِ عَلَى الْفَقْدِ الْمُقَيَّدِ) بِقَوْلِهِ فِي السَّفَرِ (مُبَالَغَةٌ فِي الِاسْتِيضَاحِ وَيَكْفِيهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (الْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ) وَلَا يَلْزَمُ بَيَانُهُ فَإِنَّ الدَّلِيلَ مَا لِوُجُودِ النَّظَرِ إلَيْهِ أَيْ بِلَا الْتِفَاتِ إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَعَدَمِهِ أَفَادَ الظَّنَّ وَإِنَّمَا بَيَانُ كَوْنِهِ مَانِعًا عَلَى الْمُعْتَرِضِ (هَذَا وَيُقْبَلُ) هَذَا السُّؤَالُ (وَإِنْ اشْتَرَكَا) أَيْ احْتِمَالًا لِلَّفْظِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَهُمَا (فِي التَّسْلِيمِ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِمَا مِنْ) الْأَسْئِلَةِ (الْفَوَادِحِ) فِيهِمَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْسِيمِ مَعْنًى كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي الْمَنْعِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَمْنُوعًا وَالْآخَرُ مُسَلَّمًا هَذَا وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ لَيْسَ هَذَا سُؤَالًا آخَرَ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ سُؤَالِ الِاسْتِفْسَارِ فَلَا مَعْنَى لِجَعْلِهِ وَاحِدًا مُسْتَقِلًّا مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ. (ثُمَّ) قَالَ (الْحَنَفِيَّةُ الْعِلَلُ طَرْدِيَّةٌ وَمُؤَثِّرَةٌ) وَعَلِمْتُ أَنَّ (مِنْهَا) أَيْ الْمُؤَثِّرَةِ الْعِلَّةَ (الْمُلَائِمَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَلَيْسَ لِلسَّائِلِ فِيهَا) أَيْ الْمُؤَثِّرَةِ (إلَّا الْمَانِعَةُ) أَيْ مَنْعُ مُقَدِّمَةِ الدَّلِيلِ مَعَ السَّنَدِ أَيْ مَا الْمَنْعُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ أَوَّلًا مَعَهُ وَهِيَ مَنْعُ ثُبُوتِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعُ صَلَاحِيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ أَوْ مَنْعُ نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ (وَالْمُعَارَضَةُ) وَهِيَ لُغَةً الْمُقَابَلَةُ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ وَاصْطِلَاحًا تَسْلِيمُ دَلِيلِ الْمُعَلَّلِ دُونَ مَدْلُولِهِ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى نَفْيِ مَدْلُولِهِ (لِأَنَّهُمَا لَا يَقْدَحَانِ فِي الدَّلِيلِ) كَمَا عَلِمْت (بِخِلَافِ فَسَادِ الْوَضْعِ) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ مُرَتَّبًا عَلَيْهَا نَقِيضُ مَا تَقْتَضِيهِ (وَ) فَسَادِ (الِاعْتِبَارِ) أَيْ كَوْنِ الْقِيَاسِ مُعَارَضًا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ كَمَا سَنَذْكُرُ (وَالْمُنَاقَضَةُ) أَيْ وُجُودُ الْعِلَّةِ فِي صُورَةٍ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ وَإِنَّمَا قَالَ (أَيْ النَّقْضُ) لِئَلَّا يَتَبَادَرَ بِمَعْنَى مَنْعِ مُقَدِّمَةٍ بِعَيْنِهِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْجَدَلِيِّينَ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ لِلسَّائِلِ فِي الْمُؤَثِّرَةِ (إذْ يُوجِبُ) كُلٌّ مِنْهَا (تَنَاقُضَ الشَّرْعِ) لِأَنَّ التَّأْثِيرَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَهَذِهِ لَا تَحْتَمِلُ التَّنَاقُضَ فَكَذَا التَّأْثِيرُ الثَّابِتُ بِهَا لِأَنَّ فِي مُنَاقَضَتِهِ مُنَاقَضَتُهَا (وَهَذَا) أَيْ هَذَا النَّقْضُ إنَّمَا لَا يَكُونُ لِلسَّائِلِ فِي الْمُؤَثِّرَةِ (عَلَى مَنْعِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ) . أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَأَوْرَدَ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ كَمَا لَا تَحْتَمِلُ الْمُنَاقَضَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْمُعَارَضَةَ أَيْضًا فَلِمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أُجِيبَ بِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَحْتَمِلْ الْمُعَارَضَةُ حَقِيقَةً تَحْتَمِلُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لِلْجَهْلِ بِالنَّاسِخِ بِخِلَافِ الْمُنَاقَضَةِ فَإِنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهَا أَصْلًا لِأَنَّ التَّنَاقُضَ يُبْطِلُ نَفْسَ الدَّلِيلِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ نِسْبَةُ الْجَهْلِ إلَى الشَّارِعِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَافْتَرَقَا (وَأَمَّا وُجُودُ الْحُكْمِ دُونَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (وَهُوَ الْعَكْسُ فَعَامُّ الِانْتِفَاءِ) عَنْ

الْمُؤَثِّرَةِ وَالطَّرْدِيَّةِ عِنْدَ شَارِطِي انْعِكَاسِ الْعِلَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِهَا مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ (وَكَذَا الْمُفَارَقَةُ) أَيْ مَنْعُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ وَإِبْدَاءُ وَصْفٍ صَالِحٍ لِلْعِلِّيَّةِ غَيْرَهُ أَوْ مَنْعُ اسْتِدْلَالِهِ بِالْعِلَّةِ بِادِّعَاءِ أَنَّهُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ الْعِلَّةُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ فَعَامُّ الِانْتِفَاءِ عَنْهُمَا أَيْضًا عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ وُجِدَتْ صُورَةُ النَّقْضِ) فِي الْمُؤَثِّرَةِ (دُفِعَ بِأَرْبَعٍ) مِنْ الطُّرُقِ (نَذْكُرُهَا وَعَلَى الطَّرْدِ تَرِدُ) هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْمُمَانَعَةِ وَالْمُعَارَضَةِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ وَالِاعْتِبَارِ وَالْمُنَاقَضَةِ (مَعَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ) أَيْ الْتِزَامِ السَّائِلِ مَا يَلْزَمُهُ الْمُعَلِّلُ بِتَعْلِيلِهِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ (وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهَا) أَيْ الطَّرْدِيَّةِ (بِهِ) أَيْ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِمَا بَلْ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْعِلَلُ قِسْمَانِ طَرْدِيَّةٌ وَمُؤَثِّرَةٌ وَعَلَى كُلٍّ ضُرُوبٌ مِنْ الدَّفْعِ أَمَّا الْمُؤَثِّرَةُ فَبِطَرِيقٍ صَحِيحٍ وَطَرِيقٍ فَاسِدٍ أَمَّا الْفَاسِدُ فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الْمُنَاقَضَةُ وَفَسَادُ الْوَضْعِ وَقِيَامُ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِ الْعِلَّةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَوَجْهَانِ الْمُعَارَضَةُ وَالْمُمَانَعَةُ وَوُجُوهُ دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ أَرْبَعَةٌ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ ثُمَّ الْمُمَانَعَةُ ثُمَّ بَيَانُ فَسَادِ الْوَضْعِ ثُمَّ الْمُنَاقَضَةُ اهـ مُلَخَّصًا وَتَابَعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى هَذَا يُوهِمُ اخْتِصَاصَ كُلٍّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ بِمَا ذُكِرَ لَهَا مِنْ وُجُوهِ الدَّفْعِ وَمِنْ ثَمَّةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ فِي دَفْعِ الْمُؤَثِّرَةِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ أَوَّلُهَا الْمُمَانَعَةُ ثُمَّ الْقَلْبُ الْمُبْطِلُ ثُمَّ الْعَكْسُ الْكَاسِرُ ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُنَوَّعَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا وَاَلَّتِي ذُكِرَتْ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ يَتَدَاخَلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَاَلَّتِي لَا تَدَاخُلَ فِيهَا لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا بَلْ تَجْرِي فِيهَا فَتَخْصِيصُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ هُنَا وَتِلْكَ الْأَرْبَعَةِ هُنَالِكَ لَا يَخْلُو عَنْ تَحَكُّمٍ وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي تَرْتِيبِ وُجُوهِ دَفْعِ الطَّرْدِيَّةِ مَا هُوَ الْمُتَدَاوَلُ مِنْ أَنَّهُ قَدَّمَ الْقَوْلَ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ بِتَسْلِيمِ مُوجِبِ عِلَّتِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ إذْ الْمَصِيرُ إلَى الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الْمُوَافَقَةِ ثُمَّ الْمُمَانَعَةِ عَلَى الْبَاقِيَيْنِ لِأَنَّ الْمَنْعَ أَسْهَلُ مِنْهُمَا ثُمَّ فَسَادِ الْوَضْعِ لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي الدَّفْعِ إذْ الْمُنَاقَضَةُ خَجَلُ مَجْلِسٍ وَهَذَا انْقِطَاعٌ كُلِّيٌّ. قَالَ وَلَمْ أَدْرِ مَا دَعَاهُمْ إلَى تَرْكِ الْمُعَارَضَةِ هُنَا مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّرْدِيَّةَ قَدْ تُدْفَعُ كَمَا تُدْفَعُ بِهَا الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الطَّرْدِيَّةَ تَنْدَفِعُ لَا مَحَالَةَ بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ السَّائِلُ إلَى الِاشْتِغَالِ بِهَا هَذَا وَقَدْ وَافَقَ فَخْرَ الْإِسْلَامِ عَلَى فَسَادِ الِاعْتِرَاضِ بِالْمُنَاقَضَةِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا فَسَادَهَا قَبْلَ ظُهُورِ أَثَرِ الْوَصْفِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِالْمُمَانَعَةِ لَمَّا صَحَّ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَصْفُ مُؤَثِّرًا صَحَّ الِاعْتِرَاضُ بِهِمَا أَيْضًا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ وَإِنْ أَرَادُوا بَعْدَ ظُهُورِ تَأْثِيرِهِ فَلَا فَرْقَ إذًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَانِعَةِ فِي الْفَسَادِ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ لَمَّا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ مَحَلُّ الْمُمَانَعَةِ كَمَا لَمْ يَبْقَ مَحَلُّهَا وَأُجِيبُ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بُطْلَانُ دَفْعِ السَّائِلِ بِهِمَا بَعْد ظُهُورِ أَثَرِ الْوَصْفِ عِنْدَ الْمُجِيبِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ظُهُورِهِ لَا يَحْتَمِلُهُمَا وَلَكِنَّهُ يَقْبَلُ الْمُمَانَعَةَ لِأَنَّ السَّائِلَ إنَّمَا يَمْنَعُهُ حَتَّى تَظْهَرَ صِحَّتُهُ وَأَثَرُهُ عِنْدَهُ أَيْضًا كَمَا ظَهَرَ عِنْدَ الْمُجِيبِ فَتَنْفَعُهُ الْمُمَانَعَةُ وَجَوَّزَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وُرُودَ النَّقْضِ وَفَسَادَ الْوَضْعِ عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ لِأَنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَرِدَانِ عَلَى عِلَّةِ الشَّارِعِ بَلْ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ الْمُجِيبُ عِلَّةً مُؤَثِّرَةً وَذَا فِي الْحَقِيقَةِ يَثْبُتُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَدُفِعَ) التَّخْصِيصُ مُطْلَقًا (بِأَنَّ الْإِيرَادَ) لِلِاعْتِرَاضِ إنَّمَا هُوَ (بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (لِلْعِلِّيَّةِ إنْكَارِ ظَنِّهِ) أَيْ إنْكَارِ السَّائِلِ مُطَابَقَةَ ظَنِّ الْمُسْتَدِلِّ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لَا عَلَى) الْعِلَلِ (الشَّرْعِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِلَّا) إذَا كَانَ الْإِيرَادُ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (فَيَجِبُ نَفْيُ) إيرَادِ (الْمُعَارَضَةِ أَيْضًا) عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ (إذْ بَعْدَ ظُهُورِ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ) يَلْزَمُ (فِي الْمُعَارَضَةِ الْمُنَاقَضَةُ) لِلشَّرْعِ (خُصُوصًا بِطَرِيقِ الْقَلْبِ) وَمُنَاقَضَتُهُ بَاطِلَةٌ فَالْمُعَارَضَةُ بَاطِلَةٌ بَلْ وَعَزَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ كَوْنَ النَّقِيضِ سُؤَالًا صَحِيحًا تَبْطُلُ بِهِ الْعِلَّةُ خُصُوصًا عِنْدَ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَخْصِيصَهَا إلَى غَايَةِ الْأُصُولِيِّينَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ

فَسَادَهُ بَعْدَ مَا ظَهَرَ تَأْثِيرُهَا بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ فَأَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ فَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مُمَانَعَتُهُ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ فِي التَّحْقِيقِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فَالِاعْتِرَاضَاتُ الصَّحِيحَةُ عَلَى الْعِلَلِ خَمْسَةٌ: الْأَوَّلُ الْمُمَانَعَةُ ثُمَّ فَسَادُ الْوَضْعِ ثُمَّ الْمُنَاقَضَةُ ثُمَّ الْقَلْبُ ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الِاعْتِرَاضَاتُ الْفَاسِدَةُ عَلَى الْعِلَلِ وَالطَّرْدِيَّاتِ الْفَاسِدَةِ فَلَا نِهَايَةَ لَهَا لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ فَاسِدُ الْخَاطِرِ يَعْتَرِضُ بِأَلْفِ أَلْفِ اعْتِرَاضَاتٍ فَاسِدَةٍ وَيَأْتِي بِأَلْفِ أَلْفِ طَرْدِيَّاتٍ فَاسِدَةٍ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى حَصْرِهَا وَفِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ. وَهَكَذَا ذَكَرَ عَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (وَإِذْ لَا تَخْصِيصَ) لِبَعْضِ الِاعْتِرَاضَاتِ بِالْمُؤَثِّرَةِ دُونَ الطَّرْدِيَّةِ وَبِالْعَكْسِ (نَذْكُرُهَا) أَيْ الِاعْتِرَاضَاتِ (بِلَا تَفْصِيلٍ وَتَعَرُّضٍ لِخُصُوصِيَّاتِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فِيهَا (الْأَوَّلُ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ كَوْنُ الْقِيَاسِ مُعَارَضًا بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَلَا وُجُودَ لَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ لَهُ (حِينَئِذٍ لِيَنْظُرَ فِي مُقَدِّمَاتِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقِيَاسِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ وَضْعُهُ وَتَرْكِيبُهُ صَحِيحًا لِكَوْنِهِ عَلَى الْهَيْئَةِ الصَّالِحَةِ لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (وَتَخَلُّصِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ (بِالطَّعْنِ فِي السَّنَدِ) لِلنَّصِّ (إنْ أَمْكَنَ) بِأَنْ لَا يَكُونَ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً مُتَوَاتِرَةً بِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ أَوْ كَذَّبَ الْأَصْلُ الْفَرْعَ فِيهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي الْوَاقِعِ كَذَلِكَ (أَوْ) فِي (دَلَالَتِهِ) عَلَى مَطْلُوبِ الْمُعْتَرِضِ بِأَنَّهُ غَيْرُ شَامِلٍ لَهُ أَوْ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِيهِ (أَوْ أَنَّهُ) وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مَا ذَكَرْتُ فَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ بَلْ هُوَ (مَا دَلَّ بِدَلِيلِهِ) أَيْ التَّأْوِيلِ الْمُفِيدِ يُرَجِّحُهُ عَلَى الظَّاهِرِ (أَوْ) أَنَّهُ (خَصَّ مِنْهُ حُكْمَ الْقِيَاسِ) مَعَ بَيَانِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ فَإِنَّ التَّأْوِيلَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ إضْمَارٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَمُعَارَضَتِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ نَصُّ الْمُعْتَرِضِ (بِمُسَاوٍ فِي النَّوْعِ) لَهُ كَالْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالسَّنَةِ (وَالتَّرْجِيحِ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ التَّسَاوِي (بِالْخُصُوصِيَّةِ) الْمُمْتَازِ بِهَا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَالْمُحْكَمِ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَهُوَ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ عَلَى الظَّاهِرِ وَإِنْ انْتَفَتْ الْخُصُوصِيَّةُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يَتَسَاقَطَ النَّصَّانِ سَلِمَ قِيَاسُ الْمُسْتَدِلِّ (فَلَوْ عَارَضَ الْآخَرَ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (بِآخَرَ) أَيْ بِنَصٍّ آخَرَ مَعَ الْأَوَّلِ (مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ) أَيْ نَوْعِ الْأَوَّلِ (وَجَبَ أَنْ يَبْنِيَ) تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي (عَلَى التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ) وَالْوَجْهُ الرُّوَاةُ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشُّهْرَةِ فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ (وَعَلَى) الْقَوْلِ بِأَنْ (لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ) الرُّوَاةِ (لَا يُعَارِضُ النَّصُّ النَّصَّ وَالْقِيَاسَ لِيَقِفَ الْقِيَاسُ لِلْعِلْمِ بِسُقُوطِ هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي نَظَرِ الصَّحَابَةِ) فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرْجِعُونَ عِنْدَ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ إلَى الْقِيَاسِ فَمَا أَوْجَبَهُ الْقِيَاسُ أَخَذُوا بِهِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ تَتَبُّعُ أَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ وَالْمُنَاظَرُ تِلْوَ الْمُنَاظَرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْقَصْدِ إلَى إظْهَارِ الصَّوَابِ (وَمِنْ نَوْعِهِ) أَيْ لَوْ عَارَضَ الْمُعْتَرِضَ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ بِنَصٍّ آخَرَ مِنْ نَوْعِ دَلِيلِهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا مَعَ دَلِيلِهِ الْأَوَّلِ (لَا يَرْجَحُ) دَلِيلُ الْمُعْتَرِضِ الْأَوَّلِ بِهِ (اتِّفَاقًا) بَلْ كِلَاهُمَا يُعَارِضُهُمَا نَصُّ الْمُسْتَدِلِّ الْوَاحِدِ كَمَا يُعَارِضُ شَهَادَةُ الِاثْنَيْنِ شَهَادَةَ الْأَرْبَعِ (وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ) لِلْمُعْتَرِضِ (عَارَضَ نَصُّك قِيَاسِي فَسَلِمَ نَصِّي فَبَعُدَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابَ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ هُوَ (الِانْتِقَالُ الْمَمْنُوعُ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُثْبَتٌ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْإِثْبَاتِ بِالْقِيَاسِ (مُعْتَرِفٌ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ عَلَى قِيَاسِهِ) لِاعْتِرَافِهِ بِمُعَارَضَةِ قِيَاسِهِ النَّصَّ مِثَالُهُ (نَحْوَ) أَنْ يَقُولَ الشَّافِعِيُّ فِي حِلِّ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ الْمَتْرُوكَةِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا (ذَبْحِ التَّارِكِ) لَهَا ذَبْحٌ (مِنْ أَهْلِهِ) وَهُوَ كَوْنُهُ مُسْلِمًا (فِي مَحَلِّهِ) أَيْ فِيمَا جَازَ أَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا (فَيَحِلُّهَا كَالنَّاسِي) أَيْ كَذَبْحِ نَاسِي التَّسْمِيَةِ. (فَيُقَالُ) فِي جَوَابِهِ هَذَا قِيَاسٌ (فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ لِمُعَارَضَةِ {وَلا تَأْكُلُوا} [الأنعام: 121] الْآيَةَ) أَيْ {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] (فَالْمُسْتَدِلُّ) الشَّافِعِيُّ يَقُولُ هَذَا (مُؤَوَّلٌ بِذَبْحِ الْوَثَنِيِّ بِقَوْلِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» ) وَيَتَمَشَّى لَهُ فِي الْجُمْلَةِ إذَا أَثْبَتَ هَذَا وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَاهُ فَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد عَنْ الصَّلْتِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ إنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا اسْمَ اللَّهِ» وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ فَلَا

يَضُرُّ حِينَئِذٍ قَوْلُ السُّبْكِيّ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ (وَمَا قِيلَ) فِي دَفْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ (خَصَّ) مَذْبُوحَ (النَّاسِي) مِنْ نَصِّ {وَلا تَأْكُلُوا} [الأنعام: 121] الْآيَةَ (بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْ قِيسَ عَلَيْهِ) أَيْ النَّاسِي (الْعَامِدُ أَوْجَبَ) الْقِيَاسُ عَلَيْهِ (كَوْنَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (نَاسِخًا) لِلنَّصِّ (لَا مُخَصِّصًا إذَا لَمْ يَبْقَ تَحْتَ الْعَامِّ) يَعْنِي مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ (شَيْءٌ) لِأَنَّ تَحْتَهُ النَّاسِيَ وَالْعَامِدَ وَقَدْ خَرَجَا (إنَّمَا يَنْتَهِضُ) دَافِعًا لَهُ (إذَا لَمْ يَلْزَمْ) أَنْ يَكُونَ النَّصُّ (مُؤَوَّلًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ الْحَاصِلُ أَنَّ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي إفْسَادِ هَذَا الْقِيَاسِ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى فَسَادُ الِاعْتِبَارِ فَإِذَا أَثْبَتَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ النَّصَّ مُؤَوَّلٌ انْدَفَعَ الثَّانِي إفْسَادُهُ بِإِلْزَامِ أَنَّ قِيَاسَهُ حِينَئِذٍ نَاسِخٌ لِلْكِتَابِ وَهُوَ أَيْضًا مُنْدَفِعٌ بِالتَّأْوِيلِ يَعْنِي بِمَا إذَا ذَبَحَ لِلنَّصِّ وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْعَامِدِ فَالْعَامِدُ يَنْقَسِمُ إلَى تَارِكٍ فَقَطْ وَتَارِكٍ مَعَ الذَّبْحِ لِلنُّصُبِ وَإِذَا أُرِيدَ بِالْآيَةِ هَذَا الثَّانِي فَيَلْزَمُ إمَّا أَنْ يَبْقَى تَحْتَ الْعَامِّ هَذَا الْعَامِدُ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُخْرِجْهُ بَلْ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي قِسْمًا مِنْ التَّارِكِ الْعَامِدِ فَلَيْسَ حِينَئِذٍ مِنْ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فِي شَيْءٍ وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي فَصْلِ الشُّرُوطِ بِقَوْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (فَلَوْ قَالَ) الْمُسْتَدِلُّ لَمَّا أَلْزَمَهُ الْمُعْتَرِضُ فَسَادَ الِاعْتِبَارِ (قِيَاسِي أَرْجَحُ مِنْ نَصِّكَ) فَلَا يَلْزَمُنِي فَسَادُ الِاعْتِبَارِ (فَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ) أَنْ يُبَيِّنَ فَسَادَ قِيَاسِهِ بِالْفَارِقِ لِيَنْدَفِعَ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ قِيَاسَهُ أَرْجَحُ مِنْ ذَلِكَ النَّصِّ فَيَثْبُتُ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الْمِثَالِ (إبْدَاءُ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي (بِأَنَّهُ) أَيْ الْعَامِدَ (صَدَفَ) أَيْ أَعْرَضَ (عَنْ الذِّكْرِ مَعَ اسْتِحْضَارِ مَطْلُوبِيَّتِهِ) أَيْ الذِّكْرِ مِنْهُ (شَرْعًا) فَكَانَ مُقَصِّرًا (بِخِلَافِ النَّاسِي) فَإِنَّهُ مَعْذُورٌ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ فَكَانَ الْعِلَّةُ أَنَّهُ ذَبْحٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ غَيْرُ مُقَصِّرٍ وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعَامِدِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ بَيَانَ الْفَارِقِ مُسْتَقِلٌّ بِفَسَادِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ رُجُوعًا عَنْ إفْسَادِهِ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ إلَى إفْسَادِهِ بِبَيَانِ الْفَارِقِ فَهُوَ كَمَا قَالَ (انْتِقَالٌ عَنْ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ) أَيْ إفْسَادِ الْقِيَاسِ بِهِ إلَى إفْسَادِهِ بِبَيَانِ الْفَارِقِ وَأَيُّ شَيْءٍ أَقْبَحُ فِي الْمُنَاظَرَةِ مِنْ الِانْتِقَالِ. (وَلِلْمُعْتَرِضِ مَنْعُ مُعَارَضَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِعَامِّ الْكِتَابِ) أَيْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ (فَلَا يَتِمُّ) أَنْ يَكُونَ (مُؤَوَّلًا وَلِلْمُجِيبِ إثْبَاتُهُ) أَيْ كَوْنُ خَبَرِ الْوَاحِدِ مُعَارِضًا لِعَامِّ الْكِتَابِ (إنْ قَدَرَ) عَلَى ذَلِكَ (وَلَيْسَ) إثْبَاتُهُ (انْقِطَاعًا وَإِنْ كَانَ مُنْتَقِلًا إلَى) دَلِيلٍ (آخَرَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مِثْلِ مُقَدِّمَاتِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ انْقِطَاعًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُجِيبَ (يُعَدُّ سَاعٍ فِي إثْبَاتِ نَفْسِ مُدَّعَاهُ كَمَنْ احْتَجَّ بِالْقِيَاسِ فَمَنَعَ جَوَازَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (فَاحْتَجَّ) الْمُحْتَجُّ بِهِ (بِقَوْلِ عُمَر لِأَبِي مُوسَى اعْرِفْ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ وَقِسْ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا (فَمَنَعَ) مَانِعٌ جَوَازَهُ (حُجِّيَّةَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَأَثْبَتَهُ) أَيْ الْمُحْتَجُّ حُجِّيَّتَهُ (بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ) وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْإِجْمَاعِ (فَمَنَعَ) الْمَانِعُ الْمَذْكُورُ (حُجِّيَّةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَأَثْبَتَهُ) أَيْ الْمُحْتَجُّ كَوْنُهُ حُجَّةً بِمَا تَقَدَّمَ فِي السُّنَّةِ. (وَإِذْ يَتَرَدَّدُ فِي الْأَجْوِبَةِ) شَيْءٌ (مِنْ هَذَا) أَيْ الِانْتِقَالِ مِنْ كَلَامٍ إلَى آخَرَ (فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ فِي الِانْتِقَالِ) مِنْ كَلَامٍ إلَى آخَرَ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُسْتَدِلُّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ هُوَ (إمَّا مِنْ عِلَّةٍ إلَى) عِلَّةٍ (أُخْرَى لِإِثْبَاتِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ (أَوْ) مِنْ حُكْمٍ (إلَى حُكْمٍ آخَرَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ) الْحُكْمُ الْأَوَّلُ يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ (بِتِلْكَ الْعِلَّةِ) الَّتِي هِيَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ (أَوْ) إلَى حُكْمٍ آخَرَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ الْمُنْتَقِلُ (بِأُخْرَى) وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ صَحِيحَةٌ اتِّفَاقًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ الْتَزَمَ إثْبَاتَ الْحُكْمِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ فَإِذَا أَنْكَرَ الْخَصْمُ ثُبُوتَهَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا فَمَا دَامَ سَعْيُهُ فِي إثْبَاتِ تِلْكَ الْعِلَّةِ يَكُونُ وَفَاءً مِنْهُ بِمَا الْتَزَمَ وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُمَانَعَةِ فَإِنَّ السَّائِلَ لَمَّا مَنَعَ وَصْفَ الْمُعَلَّلِ عَنْ كَوْنِهِ عِلَّةً لَزِمَهُ إثْبَاتُ عِلِّيَّتِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ ضَرُورَةً فَلَا يُعَدُّ مُنْقَطِعًا لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا هُوَ وَظِيفَتُهُ. وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ حُكْمٍ إلَى آخَرَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ مُوَافَقَةِ الْخَصْمِ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ

فِي الْقَوْلِ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ السَّائِلَ لَمَّا سَلَّمَ الْحُكْمَ الَّذِي رَتَّبَهُ الْمُجِيبُ عَلَى الْعِلَّةِ وَادَّعَى النِّزَاعَ فِي حُكْمٍ آخَرَ لَمْ يَتِمَّ غَرَضُ الْمُجِيبِ فَيَنْتَقِلُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ آيَةُ كَمَالِ فِقْهِهِ حَيْثُ عَلَّلَ عَلَى وَجْهٍ يُمَكِّنُهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ وَدَلِيلٍ عَلَى صِحَّةِ وَصْفِهِ حَيْثُ أَمْكَنَهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ بِهِ (أَوْ) مِنْ عِلَّةٍ (إلَى) عِلَّةٍ (أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ) لَا لِإِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْأُولَى وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ وَالْمُنَاقَضَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُمَا بِبَيَانِ الْمُلَائَمَةِ وَالتَّأْثِيرِ وَالطَّرْدِ (وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا) الرَّابِعِ (فَقِيلَ يُقْبَلُ لِمُحَاجَّةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) نُمْرُودَ بْنَ كَنْعَانَ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258] فَانْتَقَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حُجَّةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمَدُّحِ فَهُوَ إذًا صَحِيحٌ. (وَدُفِعَ) هَذَا (بِأَنَّ حُجَّتَهُ) أَيْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأُولَى (مُلْزِمَةٌ) لِلَّعِينِ مُفْحِمَةٌ لَهُ (وَمُعَارَضَةُ اللَّعِينِ) لَهُ بِمَنْعِ دَلِيلِهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ أَنَا أُحْيِيَ وَأُمِيتُ ثُمَّ بَيَانُ مُسْتَنِدِ مَنْعِهِ بِإِحْضَارِهِ شَخْصَيْنِ مِنْ السِّجْنِ وَجَبَ قَتْلُهُمَا فَأَطْلَقَ أَحَدَهُمَا وَقَالَ قَدْ أَحْيَيْتُهُ وَقَتَلَ الْآخَرَ وَقَالَ قَدْ أَمَتُّهُ (بِتَرْكِ التَّسَبُّبِ فِي إزَالَةِ حَيَاةِ شَخْصٍ وَإِزَالَتِهَا قَتْلًا بَاطِلَةٌ إذْ الْمُرَادُ) بِالْإِحْيَاءِ (إيجَادُهَا) أَيْ الْحَيَاةِ (فِيمَا لَيْسَتْ فِيهِ وَ) بِالْإِمَاتَةِ (إزَالَتُهَا) أَيْ الْحَيَاةِ (بِلَا مُبَاشَرَةٍ مَحْسُوسَةٍ) أَيْ بِنَزْعِ الرُّوحِ الْحَيَوَانِيِّ مِنْ الْجَسَدِ بِغَيْرِ عِلَاجٍ مَحْسُوسٍ وَلَا اسْتِبْقَاءِ الْحَيَاةِ فِي الْأَحْيَاءِ وَتَفْوِيتِهَا بِالْعِلَاجِ الْمَحْسُوسِ فِي الْإِمَاتَةِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الشُّلُوحُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَأَيُّ مَزِيَّةٍ لِلْعَيْنِ فِيهِ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ (وَحَاضِرُهُ ضَلَالٌ يُسْرِعُ إلَيْهِمْ إلْزَامُ مَا لَا يَلْزَمُ فَانْتَقَلَ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ لَا يَحْتَمِلُ التَّلْبِيسَ) وَلَا الْمُغَالَطَةَ وَلَا الْمُكَابَرَةَ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقُلْ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَشْرِقِ مَعَ عِلْمِهِ بِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ إذْ قَدْ يَحْمِلُهُ وَقَاحَتُهُ وَمُكَابَرَتُهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ هَذَا لَقَالَ لَهُ أَنَا آتِي بِهَا مِنْ الْمَشْرِقِ ثُمَّ يَصْبِرُ حَتَّى تَطْلُعَ مِنْهُ فَيَقُولَ هَا قَدْ أَطْلَعْتُهَا مِنْهُ فَيَحْتَاجَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى إبْطَالِ دَعْوَاهُ هَذِهِ أَيْضًا وَفِي ذَلِكَ تَطْوِيلُ الْبَحْثِ وَانْتِشَارُهُ فَاسْتَرَاحَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ طَلَبَ مِنْهُ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ إفْضَاحُهُ لِلْخَاصِّ وَالْعَامِّ لِعَجْزِهِ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَهُوَ انْتِقَالٌ إلَى دَلِيلٍ أَوْضَحَ وَحُجَّةٍ أَبْهَرَ لِيَكُونَ نُورًا عَلَى نُورٍ وَإِضَاءَةً غِبَّ إضَاءَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْحَقُّ أَنْ لَا انْتِقَالَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ قَوْلَهُ {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258] (الدَّعْوَى وَاسْتِدْلَالُهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ فِي قَوْلِهِ {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ} [البقرة: 258] إلَخْ) كَأَنَّهُ قَالَ الْمُرَادُ بِالْإِحْيَاءِ إعَادَةُ الرُّوحِ إلَى الْبَدَنِ فَالشَّمْسُ بِمَنْزِلَةِ رُوحِ الْعَالَمِ لِإِضَاءَتِهِ بِهَا وَإِظْلَامِهِ بِغُرُوبِهَا فَإِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ عَلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى فَأَعِدْ رُوحَ الْعَالَمِ إلَيْهِ بِأَنْ تَأْتِيَ بِالشَّمْسِ مِنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ. وَعَلَى هَذَا مَشَى نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِانْتِقَالٍ مِنْ حُجَّةٍ إلَى حُجَّةٍ أُخْرَى فِي الْمُنَاظَرَةِ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ادَّعَى انْفِرَادَ اللَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ فَلَمَّا أَرَادَ النُّمْرُودُ التَّلْبِيسَ أَظْهَرَ كَمَالَ الْقُدْرَةِ بِحَدِيثِ الشَّمْسِ وَالدَّلِيلُ وَاحِدٌ وَالصُّورَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ انْتَهَى. وَهَذَا مَا قِيلَ الِانْتِقَالُ فِي الْمِثَالِ كَأَنَّهُ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُوجِدُ الْمُمْكِنَاتِ وَيُعْدِمُهَا وَأَتَى بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ مِثَالًا فَلَمَّا اعْتَرَضَ جَاءَ بِمِثَالٍ أَجْلَى لِدَفْعِ الشَّغَبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أَيْ انْقَطَعَ لِأَنَّهُ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا كَذَلِكَ عَجَزَ عَنْ تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ ظَهَرَ نَقْصُهُ وَبُطْلَانُ دَعْوَاهُ الْإِلَهِيَّةَ. (وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْبُطْلَانُ) لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ (الْأَوَّلِ فَانْتَقَلَ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ فَإِنَّهُ) أَيْ انْتِقَالَهُ (انْقِطَاعٌ فِي عُرْفِهِمْ) أَيْ النُّظَّارِ (اسْتَحْسَنُوهُ كَيْ لَا يَخْلُوَ الْمَجْلِسُ) لِلْمُنَاظَرَةِ (عَنْ الْمَقْصُودِ) وَهِيَ إظْهَارُ الْحَقِّ (وَإِلَّا فَفِي الْعَقْلِ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ (أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى) دَلِيلٍ (آخَرَ وَآخَرَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ مَا عَيَّنَهُ) مِنْ الْحُكْمِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الدَّلِيلِ (حَتَّى يُعْجِزَهُ عَنْ إثْبَاتِهِ وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (فِي مَجَالِسَ) وَكَيْفَ لَا وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ ظُهُورُ الْحَقِّ بِأَيِّ دَلِيلٍ كَانَ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُعَلِّلِ الِانْتِقَالُ مِنْ دَلِيلٍ إلَى آخَرَ لَا إلَى نِهَايَةٍ بَلْ الِانْتِقَالُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى عِلَّةٍ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِقَالِ

مِنْ بَيِّنَةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ حُقُوقِ النَّاسِ وَهُوَ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ صِيَانَةً لَهَا فَكَذَا هَذَا (فَالِانْقِطَاعُ) لِلسَّائِلِ أَوْ الْمُعَلِّلِ إنَّمَا يَكُونُ (بِدَلِيلِهِ) أَيْ الْعَجْزِ عَنْ تَحْقِيقِ مَطْلُوبِهِ (سُكُوتٌ) كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ اللَّعِينِ بِقَوْلِهِ {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258] قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ أَنْوَاعِ الِانْقِطَاعِ (أَوْ إنْكَارٌ ضَرُورِيٌّ) أَيْ مَعْلُومٌ ضَرَرُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ إلَّا الْعَجْزُ عَنْ دَفْعِ حُجَّةِ الْخَصْمِ (أَوْ مَنْعٌ بَعْدَ تَسْلِيمٍ) فَإِنَّهُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَيْهِ إلَّا عَجْزُهُ عَنْ الدَّفْعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ وَفِي الْكَشْفِ وَلَا يُقَالُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهُ عَنْ سَهْوٍ أَوْ عَنْ غَفْلَةٍ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يُبَيِّنُ وَجْهَ الدَّفْعِ بِطَرِيقِ التَّسْلِيمِ ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهِ اسْتِدْرَاكَ مَا سَهَا فِيهِ فَأَمَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمَنْعِ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْعَجْزِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُعَلِّلُ وَالسَّائِلُ وَبَقِيَ رَابِعٌ يَخُصُّ الْمُعَلِّلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ الرَّابِعُ السَّالِفُ. (وَفِي) انْتِقَالِ الْمُعَلِّلِ مِنْ (مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ إلَى مَا لَا يُنَاسِبُ الْمَطْلُوبَ أَصْلًا دَفْعًا لِظُهُورِ إفْحَامِهِ انْقِطَاعٌ فَاحِشٌ) لِلْمُعَلِّلِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا انْتِقَالُ السَّائِلِ مِنْ دَفْعٍ إلَى آخَرَ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِكَلَامِ الْمُجِيبِ فَمَا دَامَ فِي الْمُعَارَضَةِ بِدَفْعٍ يَصْلُحُ اعْتِرَاضًا لَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمِيزَانِ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْأُولَى مِثَالُهُ (لِلْحَنَفِيَّةِ فِي إثْبَاتِ أَنَّ إيدَاعَ الصَّبِيِّ) غَيْرِ الْمَأْذُونِ مَا لَيْسَ بِرَقِيقٍ (تَسْلِيطٌ) لِلصَّبِيِّ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ (عِنْدَ تَعْلِيلِهِ) أَيْ الْحَنَفِيِّ (بِهِ) أَيْ بِتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ (لِنَفْيِ ضَمَانِهِ) إذَا أَتْلَفَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مَعَ التَّسْلِيطِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا إذَا أَبَاحَ لَهُ طَعَامًا فَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ الصَّبِيُّ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ إيدَاعُهُ تَسْلِيطًا عِلَّةً لِلْقِيَاسِ فَإِذَا مَنَعَهُ الْخَصْمُ فَانْتَقَلَ الْمُعَلِّلِ إلَى إثْبَاتِ كَوْنِهِ تَسْلِيطًا بِأَنَّ التَّسْلِيطَ عَلَى الشَّيْءِ هُوَ التَّمْكِينُ مِنْهُ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى مَا يَنَالُ بِالْأَيْدِي وَقَدْ وُجِدَ هُنَا لَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي إثْبَاتِهَا. (وَالثَّانِي) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ حُكْمٍ إلَى آخَرَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ يَثْبُتُ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ مِثَالُهُ (لَهُمْ) أَيْ لِلْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا فِي جَوَازِ إعْتَاقِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ (الْكِتَابَةُ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) بِالْإِقَالَةِ وَبِالْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ (فَلَا يُمْنَعُ التَّكْفِيرُ بِمَنْ تَعَلَّقَتْ) الْكِتَابَةُ (بِهِ) فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَمَا هُوَ الِاسْتِحْسَانُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَالْإِجَارَةِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا لِبَائِعِ عَبْدِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ وَمُؤَجِّرِهِ إعْتَاقُهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فَكَوْنُهَا عَقْدًا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ (فَيُقَالُ) مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ أَنَا أَقُولُ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَمْنَعُ الصَّرْفَ إلَى الْكَفَّارَةِ عِنْدِي (بَلْ الْمَنْعُ لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ (مِنْ نُقْصَانِ الرِّقِّ بِهِ) أَيْ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِلْمُكَاتَبِ مُسْتَحَقٌّ بِهِ فَصَارَ (كَأُمِّ الْوَلَدِ) أَيْ كَاسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ بِالْوِلَادَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِأَكْسَابِهِ وَأَوْلَادِهِ دُونَهَا (فَيُجَابُ بِإِثْبَاتِ عَدَمِ نُقْصَانِهِ) أَيْ الرِّقِّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ حُكْمٌ آخَرُ (بِالْأُولَى) أَيْ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى فَيُقَالُ (احْتِمَالُ الْفَسْخِ) لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ (دَلِيلُ عَدَمِ إيجَابِهِ) أَيْ عَقْدِهَا (نُقْصَانَهُ) أَيْ رِقِّهِ (لِأَنَّ مَا يُوجِبُهُ) أَيْ نُقْصَانُ رِقِّهِ (لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) بِوَجْهٍ (إذْ هُوَ) أَيْ نُقْصَانُ الرِّقِّ (بِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ وَجْهٍ) وَكَمَا أَنَّ ثُبُوتَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَكَذَا ثُبُوتُهَا مِنْ وَجْهٍ فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ كَوْنِ قَبُولِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَسْخَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي الرِّقِّ انْتِقَالٌ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ وَهُوَ عَدَمُ مَنْعِهِ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ إلَى إثْبَاتِ حُكْمٍ آخَرَ وَهُوَ عَدَمُ إيجَابِهِ نَقْصًا فِي الرِّقِّ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى وَهِيَ قَبُولُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَسْخَ ثُمَّ مِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ تَمَكُّنَ نُقْصَانٍ فِي رِقِّ الْمُكَاتَبِ وَلَا يَصِيرُ الْعِتْقُ مُسْتَحَقًّا لَهُ أَنَّ حُكْمَ الْعِتْقِ فِي الْكِتَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَكَذَا هَذَا الشَّرْطُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَبِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَمْنَعُ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ بِهِ يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي الرِّقِّ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى. (وَالثَّالِثُ) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ

الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَيَثْبُتُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى مِثَالُهُ (أَنْ يُجِيبَ) الْمُسْتَدِلُّ فِي جَوَابِ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ آنِفًا مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ (بِقَوْلِهِ الْكِتَابَةُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِيهِ) أَيْ الرِّقِّ (كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ) فَيَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَإِعْتَاقِ الْبَائِعِ عَبْدَهُ الَّذِي بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي مُدَّتِهِ فَعَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عِلَّةٌ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ هُوَ عَدَمُ النُّقْصَانِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ (وَالْكُلُّ) أَيْ وَجَمِيعُ هَذِهِ الِانْتِقَالَاتِ الثَّلَاثَةِ (جَائِزٌ) إلَّا أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمُخْرِجَ إلَى الِانْتِقَالِ فِيهِ مِنْ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى أَوْ إلَى حُكْمٍ آخَرَ لَا يَخْلُو عَنْ ضَرْبِ غَفْلَةٍ حَيْثُ لَمْ يُعَرِّفْ الْمُعَلِّلُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي ابْتِدَاءِ تَعْلِيلِهِ حَتَّى عَلَّلَ عَلَى وَجْهٍ اُفْتُقِرَ فِيهِ إلَى الِانْتِقَالِ. (هَذَا وَيُشْبِهُ الِاسْتِفْسَارَ فِي عُمُومِهِ) لِلْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ (وَفَسَادَ الِاعْتِبَارِ فِي عَدَمِ الْقِيَاسِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا انْتِفَاءَ وُجُودِ الْقِيَاسِ فِي الْوَاقِعِ (الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ (دَعْوَى النَّصْبِ) لِلدَّلِيلِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَ) غَيْرِ (لَازِمِهِ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ (إذْ هُوَ) أَيْ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ (تَسْلِيمُ مَدْلُولِ الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ هَذَا الْمَعْنَى (بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ) أَيْ النَّصْبِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَلَازِمِهِ (مُنْتَفٍ فَظَهَرَ) مِنْ هَذَا (أَنْ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ) أَيْ الْمُخَصَّصِ (الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ بِالطَّرْدِيَّةِ) كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ. (وَهُوَ) أَيْ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ (ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَاسْتِنَادِهِ) أَيْ الْمُعْتَرَضِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ (إلَى لَفْظِ الْمُعَلِّلِ كَقَوْلِهِ) أَيْ الْمُعَلِّلِ الَّذِي هُوَ الشَّافِعِيُّ (فِي الْمُثْقَلِ) أَيْ فِي أَنَّ الْقَتْلَ بِهِ يُوجِبُ الْقِصَاصَ (قَتْلٌ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَلَا يُنَافِي الْقِصَاصَ كَالْحَرْقِ) أَيْ كَالْقَتْلِ بِالنَّارِ فَإِنَّ الْحَرْقَ يَقْتُلُ غَالِبًا (فَيُسَلِّمُ) الْمُعْتَرِضُ الَّذِي هُوَ الْحَنَفِيُّ (عَدَمَ مُنَافَاتِهِ) أَيْ الْقَتْلِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا وُجُوبَ الْقِصَاصِ (مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي ثُبُوتِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُهُ (الْمُتَنَازَعُ فِيهِ) وَكَمَا أَنَّ عَدَمَ مُنَافَاتِهِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ لَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ لَا يَقْتَضِي مَحَلَّ النِّزَاعِ أَيْضًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مُنَافَاتِهِ الْوُجُوبَ أَنْ يَجِبَ (أَوْ) اسْتِنَادُهُ فِيهِ إلَى (حَمْلِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ كَلَامَ الْمُسْتَدِلِّ (عَلَى غَيْرِ مُرَادِهِ كَالْمَسْحِ) بِالرَّأْسِ (رُكْنٌ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ) كَالْغُسْلِ لِلْوَجْهِ (فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (بِمُوجِبِهِ) وَهُوَ اسْتِنَانُ تَثْلِيثِ الْمَسْحِ (إذْ سَنَنَّا الِاسْتِيعَابَ) فِي مَسْحِ الرَّأْسِ (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِيعَابُ فِيهِ (ضَمُّ مِثْلَيْ الْوَاجِبِ) فِيهِ أَيْ (الرُّبْعِ وَزِيَادَةٍ إلَيْهِ) أَيْ الْوَاجِبِ فَالِاسْتِيعَابُ تَثْلِيثٌ وَزِيَادَةٌ إذْ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ ثَلَاثَ أَمْثَالِهِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي اتِّحَادَ الْمَحَلِّ فَإِنَّ مَنْ دَخَلَ ثَلَاثَةَ دُورٍ يَكُونُ ثَلَاثَ دَخَلَاتٍ كَمَا لَوْ دَخَلَ دَارًا وَاحِدًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَمَقْصُودُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ التَّثْلِيثِ لَيْسَ هَذَا بَلْ (التَّكْرِيرُ فَإِذَا أَظْهَرَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ أَنَّ مُرَادَهُ التَّكْرِيرُ (انْتَفَى) الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ وَتَعَيَّنَتْ الْمُمَانَعَةُ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرُّكْنَ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ بَلْ الْمَسْنُونُ فِي الرُّكْنِ الْإِكْمَالُ دُونَ التَّكْرَارِ وَهُوَ بِالْإِطَالَةِ فِي مَحَلِّهِ كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْإِكْمَالُ بِهَا لِاسْتِغْرَاقِ الْفَرْضِ مَحَلَّهُ كَمَا فِي الْغُسْلِ فَإِنَّ تَكْمِيلَهُ بِالْإِطَالَةِ يَقَعُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَيُصَارُ إلَى التَّكْرَارِ خَلْفًا عَنْهُ وَفِي مَسْحِ الرَّأْسِ الْأَصْلُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَسْحِ الرَّأْسُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ وَهُوَ مُتَّسَعٌ يَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ الْفَرْضِ فَيُمْكِنُ تَكْمِيلُهُ بِالْإِطَالَةِ وَالِاسْتِيعَابِ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَيَبْطُلُ الْخَلْفُ. (وَكَذَا) قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ الشَّافِعِيِّ لِتَعْيِينِ نِيَّةِ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ (صَوْمُ فَرْضٍ فَيُشْتَرَطُ) فِيهِ (التَّعْيِينُ فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ الْحَنَفِيُّ (بِمُوجِبِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ أَيْ (لُزُومِ التَّعْيِينِ) فِي صَوْمِ رَمَضَانَ (وَالنِّزَاعُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ لُزُومِ التَّعْيِينِ أَيْ (كَوْنِ الْإِطْلَاقِ بَعْدَ تَعْيِينِ لُزُومِ التَّعْيِينِ) لِنِيَّةِ الصَّوْمِ (بَعْدَ تَعْيِينِ الشَّرْعِ الْوَقْتَ الْخَاصَّ) وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ (لَهُ) أَيْ لِلصَّوْمِ (تَعْيِينًا) لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ صَوْمَ غَيْرِهِ (حَمْلًا) لِلتَّعْيِينِ (عَلَى) التَّعْيِينِ (الْأَعَمِّ) مِنْ أَنْ يَكُونَ بِقَصْدِ الصَّائِمِ أَوْ بِتَعْيِينِهِ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ (وَمُرَادُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ التَّعْيِينِ (تَعْيِينُ الْمُكَلَّفِ) فَإِذَا أَظْهَرَهُ انْتَفَى الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ وَتَعَيَّنَتْ الْمُمَانَعَةُ. قَالَ

الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ لِلشَّارِطِ) فِي التَّعْيِينِ كَوْنُهُ بِقَصْدِ الْمُكَلَّفِ (لِأَنَّ كَوْنَ إطْلَاقِ النَّاوِي تَعْيِينَ بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ) أَيْ الْأَعَمِّ كَالنَّقْلِ بِالْأَعَمِّ (يَصِيرُ الْأَعَمُّ عَيْنَ الْأَخَصِّ وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ) أَيْ هَذَا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ فَلْيُسْتَذْكَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ ثُمَّ هَذَا قَلَّمَا يَقَعُ لِشُهْرَةِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَتَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ غَالِبًا (وَالثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ (إبْطَالُ) الْمُسْتَدِلِّ بِدَلِيلِ الْخَصْمِ (مَا ظَنَّ مَأْخَذَ خَصْمِهِ) وَمَبْنَى مَذْهَبِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَأْخَذًا لِمَذْهَبِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِهِ إبْطَالُ مَذْهَبِهِ (كَفَى الْقَتْلُ بِالْمُثْقَلِ) إذَا اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيُّ عَلَى نَفْيِ الْقَتْلِ بِهِ فَقَوْلُهُ قَتْلٌ بِمُثْقَلٍ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ كَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ (لِلْمُعْتَرِضِ) الَّذِي هُوَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَقُولَ هُوَ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ لَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْوَسِيلَةِ الَّتِي هِيَ الْآلَةُ ثُمَّ (التَّفَاوُتُ فِي الْوَسِيلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ) كَالتَّفَاوُتِ فِي الْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ وَهُوَ أَنْوَاعُ الْجِرَاحَاتِ الْقَاتِلَةِ (فَيَقُولُ) الْمُسْتَدِلُّ (الْمَانِعُ) مِنْ الْقِصَاصِ (غَيْرُهُ) أَيْ التَّفَاوُتُ فِي الْوَسِيلَةِ فَيَفْتَكُّ عَدَمُ التَّفَاوُتِ فِيهَا نَفْيَ مَانِعٍ خَاصٍّ (وَنَفْيُ مَانِعٍ) خَاصٍّ (لَيْسَ نَفْيَ الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْمَوَانِعِ وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ جَمِيعِ الْمَوَانِعِ وَوُجُودُ الشَّرَائِطِ بَعْدَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي (وَيُصَدَّقُ) الْمُعْتَرِضُ إذَا قَالَ هَذَا مَأْخَذِي إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ مَأْخَذَ إمَامِي إنْ كَانَ مُقَلِّدًا عَلَى الصَّحِيحِ (لِعَدَالَتِهِ) وَكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِمَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ إمَامِهِ وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيَانِ مَأْخَذٍ آخَرَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مَأْخَذَهُ أَوْ مَأْخَذَ إمَامِهِ وَلَكِنَّهُ يُعَانِدُ ثُمَّ هَذَا أَكْثَرُ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ لِخَفَاءِ مَأْخَذِ الْأَحْكَامِ. (وَالثَّالِثُ) مِنْ أَقْسَامِ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ (أَنْ يَسْكُتَ) الْمُسْتَدِلُّ (عَنْ مُقَدِّمَةٍ) غَيْرَ مَشْهُورَةٍ (لِظَنِّ الْعِلْمِ بِهَا فَيُسَلِّمُ) الْمُعْتَرِضُ الْمُقَدِّمَةَ (الْمَذْكُورَةَ وَبَقِيَ النِّزَاعُ فِي) الْمُقَدِّمَةِ (الْمَطْوِيَّةِ نَحْوَ) قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ (مَا ثَبَتَ قُرْبَةً فَشَرْطُهُ النِّيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَطَوَى وَالْوُضُوءُ قُرْبَةٌ فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ مَا ثَبَتَ قُرْبَةً فَشَرْطُهُ النِّيَّةُ (مُسَلَّمٌ وَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطُهُ النِّيَّةُ) وَلَوْ لَمْ يَسْكُتْ عَنْ الصُّغْرَى لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْعُهَا بِأَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوُضُوءَ يَثْبُتُ قُرْبَةً وَلَا يَكُونُ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ (قَالُوا) أَيْ الْجَدَلِيُّونَ (لَا بُدَّ فِيهِ) أَيْ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ (مِنْ انْقِطَاعِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُتَنَاظِرَيْنِ (إذْ) فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ (لَوْ بَيَّنَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ الْمُثْبِتُ (مَحَلُّ النِّزَاعِ أَوْ مَلْزُومُهُ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ (أَوْ) فِي الْقِسْمِ الثَّانِي بَيَّنَ الْمُسْتَدِلُّ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُبْطِلَ (مَأْخَذُهُ) أَيْ الْخَصْمِ (أَوْ) فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ بَيَّنَ الْمُسْتَدِلُّ (كَيْفِيَّةَ) الْمُقَدِّمَةِ (الْمَحْذُوفَةِ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُبِيحُ مَطْلُوبَهُ (انْقَطَعَ الْمُعْتَرِضُ) إذْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ إلَّا تَسْلِيمُ الْمَطْلُوبِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ (الْمُسْتَدِلُّ) هَذِهِ الْأُمُورَ انْقَطَعَ الْمُسْتَدَلُّ إذْ قَدْ ظَهَرَ عَدَمُ إفْضَاءِ دَلِيلِهِ إلَى مَطْلُوبِهِ (وَاسْتَبْعَدَ) أَيْ وَاسْتَبْعَدَ ابْنُ الْحَاجِبِ انْقِطَاعَ أَحَدِهِمَا (فِي) الْقِسْمِ (الْأَخِيرِ إذْ مُرَادُ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ الْمَتْرُوكَ) لِظُهُورِهِ (كَالْمَذْكُورِ) فَالْمَتْرُوكُ لَفْظًا مَذْكُورٌ مَعْنًى وَالْمَجْمُوعُ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ. (وَ) مُرَادُ (الْمُعْتَرِضِ أَنَّ الْمَذْكُورَ وَحْدَهُ لَا يُفِيدُ فَإِذَا ذَكَرَ) الْمُسْتَدِلُّ (أَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ (الْمَجْمُوعُ) مِنْ الْمَذْكُورِ وَالْمَتْرُوكِ (لَا الْمَذْكُورِ وَحْدَهُ) وَحَذَفَ الْمَتْرُوكَ لِلْعِلْمِ بِهِ (وَحَذْفُ الْمَعْلُومِ شَائِعٌ) كَانَ (لَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (الْمَنْعُ وَاسْتَمَرَّ الْبَحْثُ) وَإِنْ سَلِمَ فَقَدْ انْقَطَعَ (وَكَذَا لَا يَخْفَى بُعْدُ قَوْلِهِمْ) أَيْ الْجَدَلِيِّينَ (أَنَّهُ مَأْخَذُهُ بَلْ يَقُولُ الْمُعْتَرِضُ مَأْخَذِي غَيْرُهُ أَوْ كَذَا انْقَطَعَ) بِهِ (الْمُسْتَدِلُّ وَإِلَّا الْمُعْتَرِضُ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا عَنْهُمْ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْمُرَادُ بِهِ لِأُوَافِقَ عَلَى بُعْدِهِ (وَظَهَرَ) مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ (أَنَّ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ (يُلْجِئُ أَهْلَ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْثِيرِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (لَمَّا سَلَّمَ مُوجِبَ عِلَّتِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ احْتَاجَ إلَى مَعْنًى مُؤَثِّرٍ غَيْرِ وَاقِعٍ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (الْجَوَابُ بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ بَيَانِ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَوْ مَلْزُومِهِ أَوْ مَأْخَذِهِ أَوْ الْمَحْذُوفِ (وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ذَكَرْنَا (ذَلِكَ) أَيْ الْقَوْلُ بِالتَّأْثِيرِ. (وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقِيَاسِ) بِالْجَوَابِ عَنْ الِاسْتِفْسَارِ وَالتَّقْسِيمِ (وَتَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ) بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ (يَشْرَعُ) الْمُسْتَدِلُّ (فِيهِ) أَيْ فِي الْقِيَاسِ (وَأَوَّلُ مُقَدِّمَاتِهِ حُكْمُ الْأَصْلِ

ثُمَّ عِلَّتُهُ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ (ثُمَّ ثُبُوتُهَا) أَيْ عِلَّتُهُ (فِي الْفَرْعِ مَعَ الشُّرُوطِ الْأَوَّلُ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ يَرِدُ (عَلَيْهِ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ) أَيْ ثُبُوتِهِ فِيهِ قِيلَ وَالْمَنْعُ أَسَاسُ الْمُنَاظَرَةِ فَلَا يَتَجَاوَزُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهَلْ يَكُونُ مُجَرَّدُهُ قَطْعًا لِلْمُسْتَدِلِّ قِيلَ نَعَمْ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالدَّلِيلِ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ إلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ آخَرَ الْكَلَامُ فِيهِ بِقَدْرِ الْكَلَامِ فِي الْأَوَّلِ سَوَاءٌ فَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَرَامِهِ وَشُغِلَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ لِلْمُعْتَرِضِ غَايَةُ مَرَامِهِ (وَالصَّحِيحُ لَيْسَ) مُجَرَّدُهُ (قَطْعًا) لِلْمُسْتَدِلِّ (وَإِنَّهُ) أَيْ هَذَا الْمَنْعَ (يُسْمَعُ إلَّا إنْ اصْطَلَحُوا) أَيْ أَهْلُ بَلَدِ الْمُنَاظَرَةِ عَلَى عَدِّهِ قَطْعًا فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَطْعٌ كَمَا عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فَإِنَّهُ ذِكْرٌ يَتْبَعُ عُرْفَ الْمَكَانِ وَاصْطِلَاحَ أَهْلِهِ فَإِنْ عَدُّوهُ قَطْعًا فَقَطْعٌ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَضْعِيٌ لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ وَالشَّرْعِ فِيهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ سَمَاعِهِ إذَا اصْطَلَحُوا عَلَى عَدِّهِ قَطْعًا (مَحْمَلُ) قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يُسْمَعُ هَذَا الْمَنْعُ مِنْ الْمُعْتَرِضِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ الدَّلَالَةُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَيَنْتَفِي اسْتِبْعَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ إيَّاهُ بِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ إقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَى خَصْمِهِ وَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ أَصْلِهِ مَمْنُوعًا وَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ دَلِيلًا لِأَنَّ قِيَامَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ جُزْءُ الدَّلِيلِ وَلَا يَثْبُتُ الدَّلِيلُ إلَّا بِثُبُوتِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي كِتَابَيْ الْمُلَخَّصِ وَالْمَعُونَةِ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ سَمَاعُ الْمَنْعِ قَالَ ثُمَّ الْمَانِعُ إمَّا أَنْ لَا يَخْتَلِفَ مَذْهَبُهُ فِي الْمَنْعِ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدِهَا تَفْسِيرِ الْحُكْمِ بِمَا يَسْلَمُ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْإِجَارَةِ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَبَطَلَتْ بِالْمَوْتِ كَالنِّكَاحِ فَيَمْنَعُ الْأَصْلُ إذْ النِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ فَيَقُولُ أَرَدْتُ بِقَوْلِي يَبْطُلُ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فَيَسْقُطُ الْمَنْعُ وَالثَّانِي أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعًا يَسْلَمُ فِيهِ كَقَوْلِنَا الْوُضُوءُ عِبَادَةٌ شُرِعَ لَهَا الِاخْتِتَامُ بِالْيَسَارِ فَشَرَطَ فِيهَا التَّرْتِيبَ كَالصَّلَاةِ فَيَقُولُ الْمُخَالِفُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَأَتَى بِهِنَّ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ فَيَقُولُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الرُّكُوعَ عَلَى الْقِرَاءَةِ أَوْ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ لَا يَصِحُّ وَهَذَا كَافٍ فِي التَّسْلِيمِ وَالثَّالِثِ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ كَقَوْلِنَا الْخِنْزِيرُ حَيَوَانٌ نَجِسٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيُغْسَلُ مِنْهُ سَبْعًا كَالْكَلْبِ فَيَمْنَعُونَ الْأَصْلَ فَيَدُلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ» وَإِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَ مَذْهَبُ الْمَانِعِ فَإِنْ كَانَ لِإِمَامِهِ قَوْلَانِ أَوْ لِأَصْحَابِهِ وَجْهَانِ فَجَوَابُهُ مِنْ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ وَيَزِيدُ بِتَبْيِينِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ التَّسْلِيمُ كَمَا يَقُولُ فِيمَنْ تَطَوَّعَ بِالْحَجِّ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُ فَانْصَرَفَ إلَى مَا عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَطْلَقَ النِّيَّةَ فَيَمْنَعُ الْخَصْمُ مُسْتَنِدًا إلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا فَيُجِيبُ بِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِمَّا أَنْ لَا يَعْرِفَ مَذْهَبَ إمَامِهِ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْكَافِرِ يُسْلِمُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ لَا يَخْتَارُ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُحَرَّمٌ فِي نِكَاحٍ فَلَا يُخَيَّرُ فِيهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ دَلِيلُهُ إذَا جَمَعَتْ الْمَرْأَةُ بَيْنَ زَوْجَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا نَصَّ فِيهَا لِأَصْحَابِنَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُسْلِمَهُ وَتَعَقَّبَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهَا إذَا أَسْلَمَتْ عَلَيْهِمَا وَقَدْ وَقَعَ عَقْدُهُمَا مَعًا لَمْ تُقَرَّ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ أَمْ لَا وَفِيمَا إذَا اعْتَقَدُوهُ وَجْهٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْتَارُ أَحَدَهُمَا وَإِنْ وَقَعَا مُرَتَّبَيْنِ فَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ اهـ ثُمَّ إنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْمَنْعَ لَيْسَ بِقَطْعٍ لِلْمُسْتَدِلِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْمَنْعَ (مَنْعُ بَعْضِ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ وَكَمَا لَا يَكُونُ مُجَرَّدُ مَنْعِ مُقَدِّمَةٍ غَيْرَ هَذِهِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ قَطْعًا لَهُ فَكَذَا هَذَا (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ مُجَرَّدُ هَذَا الْمَنْعِ قَطْعًا لَهُ (فَكُلُّ مَنْعٍ قَطْعٌ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (بِهِ) أَيْ بِمَنْعِ الْمُعْتَرِضِ حُكْمَ الْأَصْلِ (يَنْتَقِلُ إلَى) حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ حُكْمُ الْأَصْلِ (مِثْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ حُكْمُ الْفَرْعِ. (لَا يَضُرُّ إذَا تَوَقَّفَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (عَلَيْهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ (وَسِعَهُ مَجْلِسٌ أَوْ مَجَالِسُ) فَلَا يَنْعَمُ مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ مَنَعَ عِلِّيَّةَ الْعِلَّةِ أَوْ وُجُودَهَا فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ إثْبَاتُهَا وَلَا يُعَدُّ الْمَنْعُ قَطْعًا لَهُ (وَلَوْ تَعَارَفَهُ) أَيْ كَوْنَ مَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ قَطْعًا (طَائِفَةٌ أُخْرَى) غَيْرُ أَهْلِ بَلَدِ الْمُنَاظَرَةِ (لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَدِلَّ عُرْفُهُمْ) إذَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ (ثُمَّ لَا يَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ بِإِقَامَةِ دَلِيلِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ (عَلَى الْمُخْتَارِ إذْ لَا يَلْزَمُ صِحَّتُهُ) أَيْ الدَّلِيلِ (مِنْ صُورَتِهِ) وَلَا بُدَّ فِي ثُبُوتِ

الْمُقَدِّمَةِ الْمَمْنُوعَةِ مِنْ صِحَّتِهِ وَذَلِكَ بِصِحَّةِ مُقَدِّمَةِ مُقَدِّمَةٍ (فَلَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (الِاعْتِرَاضُ عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ وَقِيلَ يَنْقَطِعُ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى دَلِيلِ مَحَلِّ الْمَنْعِ خَارِجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنْ الْمَقْصُودِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالْعَجْزِ عَمَّا تَصَدَّى لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِطُولِ الزَّمَانِ وَقِصَرِهِ وَلَا بِوَحْدَةِ الْمَجْلِسِ وَتَعَدُّدِهِ (وَأَمَّا مُعَارَضَتُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ تَسْلِيمُ السَّائِلِ دَلَالَةً مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى مَطْلُوبِهِ وَإِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِ مَطْلُوبِهِ فَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ (فَقِيلَ لَا) يُسْمَعُ (لِأَنَّهُ غَصْبٌ لِنَصْبِ الِاسْتِدْلَالِ) لِصَيْرُورَةِ السَّائِلِ مُسْتَدِلًّا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذِكْرِ الْعِلَّةِ وَإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّتِهَا إذْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ فَيَنْقَلِبُ الْحَالُ إذْ وَظِيفَتُهُ الِاعْتِرَاضُ لَا الِاسْتِدْلَال. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى قَبُولِهَا لِأَنَّهَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الْعِلَّةِ لِإِيجَابِهَا وُقُوفَ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ الْعَمَلِ إذْ الْعَمَلُ بِعِلَّتِهِ دُونَ عِلَّةِ السَّائِلِ بَعْدَ قِيَامِ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُمَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ إلَى قِيَامِ دَلِيلِ التَّرْجِيحِ لِأَحَدِهِمَا وَلَيْسَ مَعْنَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْعِلَّةِ إلَّا مَا يُوجِبُ تَوَقُّفُهَا عَنْ الْعَمَلِ وَيَمْنَعُهَا مِنْهُ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ اعْتِرَاضٌ مَقْبُولٌ وَيَجِبُ الْجَوَابُ عَنْهُ (وَلَيْسَ) بِغَصْبٍ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ غَصْبًا (مُنِعَتْ) الْمُعَارَضَةُ (مُطْلَقًا) وَلَيْسَتْ بِمَمْنُوعَةٍ (وَقَوْلُهُ) أَيْ الْمَانِعِ لِقَبُولِهَا إسْمَاعُهَا (يَصِيرُ) الْمُعْتَرِضُ بِهِ (مُسْتَدِلًّا فِي نَفْسِ صُورَةِ الْمُنَاظَرَةِ إنْ أَرَادَ فِي عَيْنِ دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ فَمُنْتَفٍ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى خِلَافِهَا (أَوْ) أَرَادَ (فِي تِلْكَ الْمُنَاظَرَةِ فَلَا بَأْسَ كَمُعَارَضَةِ الدَّلِيلِ وَلَا تَتِمُّ الْمُنَاظَرَةُ إلَّا بِانْقِطَاعِ أَحَدِهِمَا مِثَالُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ جِلْدُ الْخِنْزِيرِ لَا يَقْبَلُ الدِّبَاغَةَ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ كَالْكَلْبِ فَيُمْنَعُ كَوْنُ جِلْدِ الْكَلْبِ لَا يَقْبَلُهَا وَفِي الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ الْمَسْحُ رُكْنٌ فَيُسَنُّ تَكْرِيرُهُ كَالْغُسْلِ فَيُمْنَعُ سُنِّيَّةُ تَكْرِيرِ الْغُسْلِ بَلْ) السُّنَّةُ (إكْمَالُهُ) أَيْ الْغُسْلِ (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الْغُسْلَ (اسْتَغْرَقَ مَحَلَّهُ فَكَانَ) إكْمَالُهُ (بِتَكْرِيرِهِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ) الْمَفْرُوضِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَغْرِقْ مَحَلَّهُ (فَتَكْمِيلُهُ) أَيْ الْمَسْحَ (بِاسْتِيعَابِهِ) أَيْ الْمَحَلِّ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ صَوْمُ رَمَضَانَ (صَوْمُ فَرْضٍ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ) بِالنِّيَّةِ (كَالْقَضَاءِ فَيُقَالُ إنْ) كَانَ وُجُوبُ تَعْيِينِهِ بِالنِّيَّةِ (بَعْدَ تَعْيِينِ الشَّرْعِ) الزَّمَانَ (لَهُ فَ) هُوَ (مُنْتَفٍ فِي الْأَصْلِ) أَيْ الْقَضَاءِ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُضَيِّقْهُ بِزَمَانٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ وُجُوبُ تَعْيِينِهِ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ تَعْيِينِ الشَّرْعِ الزَّمَانَ لَهُ (فَفِي الْفَرْعِ) أَيْ فَهَذَا مُنْتَفٍ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لِعَدَمِ شَرْعِيَّةِ غَيْرِهِ فِيهِ. (الثَّانِي) أَيْ عِلَّةُ حُكْمِ الْأَصْلِ يَرِدُ (عَلَيْهِ مُنَوَّعٌ أَوَّلُهَا مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ مِثَالُهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْكَلْبِ حَيَوَانٌ يُغْسَلُ) الْإِنَاءُ (مِنْ وُلُوغِهِ) فِيمَا فِيهِ (سَبْعًا فَلَا يَطْهُرُ) جِلْدُهُ (بِالدِّبَاغَةِ كَالْخِنْزِيرِ فَيُمْنَعُ كَوْنُ الْخِنْزِيرِ يُغْسَلُ) الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ فِيمَا فِيهِ (سَبْعًا وَ) مِثَالُهُ لَهُمْ أَيْضًا (فِي) الْعِلَلِ (الطَّرْدِيَّةِ) أَيْ اسْتِنَانِ تَثْلِيثِ مَسْحِ الرَّأْسِ (مَسْحٌ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَيُمْنَعُ كَوْنُ الِاسْتِنْجَاءِ طَهَارَةَ مَسْحٍ بَلْ) الِاسْتِنْجَاءُ طَهَارَةٌ (عَنْ) النَّجَاسَةِ (الْحَقِيقِيَّةِ) أَيْ إزَالَتِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ غُسْلُهَا بِالْمَاءِ أَفْضَلَ وَلَا اسْتِنْجَاءَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتَلَوَّثْ شَيْءٌ مِنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسَوَّغُ لِلْمُعْتَرِضِ تَقْرِيرُ الْمَنْعِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَوَّغُ لَهُ الْمَنْعُ إلَّا إذَا اعْتَزَى إلَى ذِي مَذْهَبٍ يَرَى الْمَنْعَ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَ الْمَنْعُ خَفِيًّا بِحَيْثُ يُخْشَى نِسْبَةُ الْمَانِعِ إلَى الْمُكَابَرَةِ مُكِّنَ مِنْ تَقْرِيرِهِ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ (وَجَوَابُهُ) أَيْ هَذَا الْمَنْعِ (بِإِثْبَاتِ وُجُودِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ مِمَّا هُوَ طَرِيقُ ثُبُوتِ مِثْلِهِ (حِسًّا) إنْ كَانَ حِسِّيًّا (أَوْ عَقْلًا) إنْ كَانَ عَقْلِيًّا (أَوْ شَرْعًا) إنْ كَانَ شَرْعِيًّا. (ثَانِيهَا مَنْعُ كَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتَهُ فِي الْأَصْلِ (عِلَّةً وَهُوَ) أَيْ هَذَا (قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ مَنْعُ نِسْبَتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (إلَيْهِ) أَيْ الْوَصْفِ وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِهِ فَقِيلَ لَا يُقْبَلُ (وَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمُورَدَ عَلَيْهِ) هَذَا الْمَنْعُ (مُسَاوَاةٌ فِي) وَصْفٍ (مُشْتَرَكٍ) مَوْجُودٍ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (تَظُنُّ الْإِنَاطَةُ) لِلْحُكْمِ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ (وَأَمَّا مُسَاوَاةُ فَرْعِ الْأَصْلِ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ فَالْقِيَاسُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) وَهَذَا لَيْسَ بِالْمُورَدِ عَلَيْهِ لِيُقَالَ قَدْ أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ فَلَا يُكَلَّفُ إثْبَاتَهُ

ثَانِيًا (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ (عُدُولُهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (إلَى الْمَنْعِ دَلِيلُ عَجْزِهِ عَنْ إبْطَالِهِ) أَيْ كَوْنُ الْوَصْفِ الْمُنَاطُ بِهِ الْحُكْمُ عِلَّةً لَهُ (أَيْ نَقْضُهُ لِأَنَّ مَرْجِعُهُ) أَيْ النَّقْضِ (إلَى مَنْعٍ بِسَنَدِهِ أَوْ كَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَصْفًا (طَرْدِيًّا) فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى نَقْضِهِ، وَعَجْزُهُ عَنْ إبْطَالِهِ دَلِيلُ صِحَّتِهِ فَلَا يُسْمَعُ الْمَنْعُ وَلَا يُشْتَغَلُ بِجَوَابِهِ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالْبُطْلَانِ (أَمَّا) الْمَنْعُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا ذَكَرَ مِنْ النَّقْضِ وَالطَّرْدِيَّةِ (فَغَصْبٌ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ لِمَنْصِبِ الْمُسْتَدِلِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (لَمْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ. (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُسْمَعْ النَّقْضُ (لَمْ يُسْمَعْ الْمَنْعُ اتِّفَاقًا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَمْ يَسْتَدِلَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَنْعَ (بَعْدَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ) عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (غَيْرُ مُنْتَظِمٍ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَنْعَ (طَلَبُهُ) أَيْ الدَّلِيلِ (وَقَدْ حَصَلَ) الدَّلِيلُ (بَلْ) الْمَنْعُ إنَّمَا يَكُونُ (فِي مُقَدِّمَاتِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ النَّقْضُ غَصْبًا لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِسَنَدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْعٌ قُبِلَ وَمِنْ حَيْثُ السَّنَدُ الَّذِي هُوَ التَّخَلُّفُ كَانَ إبْطَالًا (قُلْنَا الْمُلَازَمَةُ) الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُمْ عُدُولُهُ إلَى الْمَنْعِ دَلِيلُ عَجْزِهِ (مَمْنُوعَةٌ وَلَوْ سَلِمَتْ) الْمُلَازَمَةُ (لَا يَلْزَمُ صِحَّتُهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتَهُ (لِانْتِقَاضِهِ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ (بِكَثِيرٍ) ثُمَّ فِي نُسْخَةٍ (إذْ يَلْزَمُ صِحَّتُهُ كُلَّمَا عَجَزَ الْمُعْتَرِضُ عَنْ إبْطَالِهِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا قَائِلَ بِهِ (حَتَّى دَلِيلُ الْحُدُوثِ) وَهَذَا آخِرُ مَا فِي الْكِتَابِ نُسْخَةً يَعْنِي حُدُوثَ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتَ الصَّانِعِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَا يَصِحُّ دَلِيلُهُمَا بِمُجَرَّدِ عَجْزِ الْمُعْتَرِضِ عَنْ إبْطَالِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَجْهِ دَلَالَةٍ وَصِحَّةِ تَرْتِيبٍ حَتَّى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْمَنْعِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى دَفْعِهِ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بَلْ حَتَّى دَلِيلَا النَّقِيضَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَعَجَزَ كُلٌّ عَنْ إبْطَالِ الْآخَرِ. وَقَدْ يُقَالُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَسَائِرِ الصُّوَرِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ طُرُقَ عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ مَحْصُورَةٌ مَضْبُوطَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَالْمُنَاظِرِ فَلَمَّا لَمْ يُظْهِرْ الْمُنَاظِرُ طَرِيقًا مِنْهَا وَهَرَبَ إلَى مُجَرَّدِ الْمَنْعِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ طَرِيقُ نَفْيِهَا فَلَا يَكُونُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ أَلْبَتَّةَ لِلنَّاظِرِ وَالْمُنَاظِرِ وَكَيْفَ وَالسَّبْرُ دَلِيلٌ لِلْعِلِّيَّةِ ظَاهِرٌ لِلنَّاظِرِ عَامٌّ لِكُلِّ عِلَّةٍ لِكُلِّ حُكْمٍ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ الْمُسْتَدِلُّ فَإِذَا اقْتَصَرَ الْمَانِعُ عَلَى مُجَرَّدِ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ كَانَ الْمُسْتَدِلُّ مُتَمَكِّنًا مِنْ رُجُوعِهِ إلَى السَّبْرِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مَعَ سَبْرِ الْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَعْدِلَ الْمَانِعُ مِنْ مُجَرَّدِ الْمَنْعِ إلَى إبْطَالِ الْوَصْفِ الَّذِي أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّتَهُ بِالسَّبْرِ بِمُعَارَضَتِهِ بِإِبْدَاءِ وَصْفٍ آخَرَ لِلْعِلِّيَّةِ فَلْيَفْعَلْ الْمُسْتَدِلُّ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْقِيَاسِ وَيَطْرَحْ مُؤْنَةَ الْمَنْعِ وَقَبُولَهُ وَلَا قَبُولَهُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَقَدْ يُعَارَضُ أَيْضًا بِأَنَّ عَجْزَ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ إثْبَاتِهِ دَلِيلُ فَسَادِهِ إذْ طُرُقُ الْعِلِّيَّةِ مِمَّا لَا تَخْفَى فَالْفِرَارُ إلَى مُجَرَّدِ صُورَةِ الدَّلِيلِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِهِ (وَإِذَا بَيَّنَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً (بِنَصٍّ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ (الِاعْتِرَاضُ بِمَا يُمْكِنُ) الِاعْتِرَاضُ بِهِ (عَلَى ذَلِكَ السَّمْعِيِّ) مِنْ مَنْعِ ظُهُورِهِ فِي الدَّلَالَةِ وَصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِدَلِيلِهِ وَطَعْنٍ فِي السَّنَدِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَمُعَارَضَتُهُ) بِنَصٍّ آخَرَ مُقَاوِمٌ لَهُ (وَكَذَا الْإِجْمَاعُ) أَيْ إذَا بَيَّنَ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً بِهِ لِلْمُعْتَرِضِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِمَا يُمْكِنُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَيْهِ كَمَنْعِ وُجُودِهِ (وَيَزِيدُ) بَيَانُهُ بِالْإِجْمَاعِ (بِنَفْيِ كَوْنِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (دَلِيلًا بِنَحْوِ كَوْنِ السُّكُوتِ يُفِيدُهُ) أَيْ الظَّنَّ (إنْ كَانَ) الْإِجْمَاعُ الْمُثْبَتُ بِهِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ (أَوْ) بَيَّنَهُ (بِغَيْرِهِمَا) أَيْ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (مِنْ) مَسْلَكٍ (مُخْتَلَفٍ) فِيهِ (كَالدَّوَرَانِ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ (مَنْعُ صِحَّتِهِ وَلِلْآخَرِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (إثْبَاتُهَا) أَيْ صِحَّتِهِ (وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) كَصَاحِبِ الْمَنَارِ هَذَا الْمَنْعُ (يُلْجِئُ أَهْلَ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْثِيرِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ) أَيْ الْمُؤَثِّرِ فَيَضْطَرُّ إلَى إثْبَاتِهِ لِيُمْكِنَهُ الْإِلْزَامُ عَلَى الْخَصْمِ (يُفِيدُهُ نَفْيُ تَمْكِينِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (مِنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُؤَثِّرِ. (وَمُقْتَضَى مَا فِي الِانْتِقَالِ يُخَالِفُهُ) لِأَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِهَا وَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ (إلَّا إنْ حَمَلَ) غَيْرَ الْمُؤَثِّرِ (عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَهِضُ) عِلَّةً (لِأَوْجُهِ الْبُطْلَانِ) لِمَا سِوَى التَّأْثِيرِ (فَيَرْجِعُ) الْمُسْتَدِلُّ حِينَئِذٍ (إلَى التَّأْثِيرِ لَكِنَّهُ) أَيْ رُجُوعَهُ إلَيْهِ (انْتِقَالٌ) مِنْ عِلَّةٍ (إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ (عِلِّيَّةُ الْوَصْفِ هُنَا وَعَلِمْت) فِي الِانْتِقَالِ (مَا فِيهِ) أَيْ أَنَّهُ الِانْتِقَالُ الْمَمْنُوعُ فِي عُرْفِ الْمُنَاظِرِينَ

اسْتِحْسَانًا كَيْ لَا يَخْلُوَ مَجْلِسُ الْمُنَاظَرَةِ عَنْ الْمَقْصُودِ (مِثَالُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْمِثَالِ) السَّابِقِ لِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ فِي الْكَلْبِ حَيَوَانٌ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ كَالْخِنْزِيرِ (مَنْعُ كَوْنِ الْغَسْلِ سَبْعًا عِلَّةَ عَدَمِ قَبُولِهِ) أَيْ جِلْدِ الْكَلْبِ (الدِّبَاغَةَ شَرْعًا وَ) مِثَالُهُ (لِلْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ) الْأَخُ (لَا يَعْتِقُ عَلَى أَخِيهِ) بِمِلْكِهِ إيَّاهُ (إذْ لَا بَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْأَخَوَيْنِ (كَابْنِ الْعَمِّ) فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ لِانْتِفَاءِ الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا (مَنْعُ أَنَّهَا) أَيْ الْبَعْضِيَّةَ (الْعِلَّةُ فِي الْعِتْقِ لِيَنْتَفِيَ الْحُكْمُ) الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ (بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمُتَّحِدَةِ) بَيْنَهُمَا وَهِيَ الْبَعْضِيَّةُ (بَلْ) الْعِلَّةُ فِي الْعِتْقِ (الْقَرَابَةُ الْمُحَرَّمَةُ) وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأَخَوَيْنِ دُونَ ابْنَيْ الْعَمِّ. (ثَالِثُهَا عَدَمُ تَأْثِيرِهِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ عَدَمُ التَّأْثِيرِ (لِلشَّافِعِيَّةِ أَيْ) عَدَمُ (اعْتِبَارُهُ) شَرْعًا (وَقَسَّمُوهُ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ (أَرْبَعَةً) مِنْ الْأَقْسَامِ (أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ مُطْلَقًا أَوْ) أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ (فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ أَوْ) أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ تَأْثِيرِ (قَيْدٍ مِنْهُ) أَيْ الْوَصْفِ (مُطْلَقًا أَوْ لَا) يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (بَلْ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِهِ (بِعَدَمِ اطِّرَادِهِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَرَدُّوا الْأَوَّلَ) أَيْ عَدَمَ تَأْثِيرِهِ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثَ) أَيْ عَدَمَ تَأْثِيرِهِ فِي الْأَصْلِ (إلَى الْمُطَالَبَةِ بِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَجَوَابِهِ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ (الْمُتَقَدِّمِ) وَهُوَ إثْبَاتُ الْعِلِّيَّةِ بِمَسْلَكٍ مِنْ مَسَالِكِهَا (جَوَابُهُ) أَيْ جَوَابُ هَذَا إذْ هُوَ هُوَ (وَ) رَدُّوا (الثَّانِيَ) أَيْ عَدَمَ تَأْثِيرِ قَيْدٍ مِنْهُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعَ) أَيْ أَنْ لَا يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (إلَى الْمُعَارَضَةِ) فِي الْأَصْلِ بِإِبْدَاءِ عِلَّةٍ أُخْرَى (عَلَى خِلَافٍ فِي الرَّابِعِ) يَأْتِي قَرِيبًا وَتَعَقَّبَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بِمَا حَاصِلُهُ كَمَا ذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ حَاصِلُ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ مُجَرَّدُ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ وَطَلَبِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا بَلْ إثْبَاتُ عَدَمِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ مُطْلَقًا أَوْ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا وَبَيْنَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِهَا وَلَيْسَ حَاصِلُ الثَّانِي وَالرَّابِعِ مُجَرَّدَ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ بِإِبْدَاءِ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعِلَّةَ بَلْ إثْبَاتُ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَفَرَّقَ بَيْنَ إبْدَاءِ مَا يَحْتَمِلُ الْعِلَّةَ وَإِبْدَاءِ مَا هُوَ الْعِلَّةُ قَطْعًا. (مِثَالُ الْأَوَّلِ وَيُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْوَصْفِ) أَنْ يُقَالَ (فِي) صَلَاةِ (الصُّبْحِ) صَلَاةٌ (لَا تُقْصَرُ فَلَا يُقَدِّمُ أَذَانَهُ) أَيْ أَذَانَ أَدَائِهَا عَلَى وَقْتِهَا (كَالْمَغْرِبِ فَيُرَدُّ عَدَمُ الْقَصْرِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي عَدَمِ تَقْدِيمِ الْأَذَانِ إذْ لَا مُنَاسَبَةَ وَلَا شَبَهَ) بَيْنَ وَصْفِ عَدَمِ الْقَصْرِ وَحُكْمِ عَدَمِ التَّقْدِيمِ لَا بِالذَّاتِ وَلَا بِالتَّبَعِ وَلِذَا كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ مَنْعُ تَقْدِيمِ الْأَذَانِ عَلَى الْوَقْتِ مَوْجُودًا فِيمَا قُصِرَ مِنْ الصَّلَاةِ فَهُوَ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقًا (وَ) مِثَالُ (الثَّانِي فِي مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَيُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ مَبِيعٌ غَيْرُ مَرْئِيٍّ فَلَا يَصِحُّ) بَيْعُهُ (كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فَيُرَدُّ هَذَا) الْوَصْفُ وَهُوَ كَوْنُهُ غَيْرَ مَرْئِيٍّ (وَإِنْ نَاسَبَ) نَفْيَ الصِّحَّةِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ مَسْأَلَةُ الطَّيْرِ (فَفِي الْأَصْلِ مَا يَسْتَقِلُّ) بِمَنْعِ الصِّحَّةِ (وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلِذَا) أَيْ اشْتِمَالُ الْأَصْلِ عَلَى مَا يَسْتَقِلُّ بِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ (رَجَعَ) هَذَا الْقِسْمُ (إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْعِلَّةِ) بِإِبْدَاءِ عِلَّةٍ أُخْرَى هِيَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلِذَا بَنَاهُ بَانُونَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا (يَنْكَشِفُ أَنَّ اعْتِبَارَ جِنْسِهِ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ (ظُهُورَ عَدَمِ التَّأْثِيرِ غَيْرُ وَاقِعٍ إذْ لَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ مُنَاسَبَةٍ فِي غَيْرِ مَرْئِيٍّ بِمَا أَبْدَاهُ) مِنْ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ (بَلْ جَوَّزَهُ) أَيْ مَا أَبْدَاهُ (مَعَهُ) أَيْ كَوْنُهُ غَيْرَ مَرْئِيٍّ. (وَ) مِثَالُ (الثَّالِثِ وَيُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْحُكْمِ لَوْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُرْتَدِّينَ) إذَا أَتْلَفُوا أَمْوَالَنَا (مُشْرِكُونَ أَتْلَفُوا مَالًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَضْمَنُونَ) أَمْوَالَنَا إذَا أَسْلَمُوا كَسَائِرِ الْمُشْرِكِينَ (فَيُرَدُّ لَا تَأْثِيرَ لِدَارِ الْحَرْبِ) فِي نَفْيِ الضَّمَانِ عِنْدَكُمْ (لِلِانْتِفَاءِ) لِلضَّمَانِ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ دَارِ الْحَرْبِ (عِنْدَكُمْ فَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ (كَالْأَوَّلِ) فِي كَوْنِ مَرْجِعِهِمَا إلَى الْمُطَالَبَةِ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) مِثَالُ (الرَّابِعِ وَيُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْفَرْعِ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَيُرَدُّ كَتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (لَا أَثَرَ لِغَيْرِ كُفْءٍ) فِي الرَّدِّ (لِتَحَقُّقِ النِّزَاعِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ (أَيْضًا فَرَجَعَ) هَذَا (إلَى الْمُعَارَضَةِ بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا فَقَطْ) وَقَدْ سَمِعْت قَوْلَهُمْ بِرُجُوعِهِ إلَى الْمُعَارَضَةِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى كَالثَّانِي قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى رُجُوعُهُ إلَى الثَّالِثِ) وَهُوَ عَدَمُ تَأْثِيرِ قَيْدٍ ذُكِرَ

فِيهِ فَيَرْجِعُ لِلْمُطَالَبَةِ بِتَأْثِيرِ ذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَظَهَرَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضَ (لَيْسَ سُؤَالًا مُسْتَقِلًّا) بَلْ هُوَ إمَّا مُطَالَبَةٌ بِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ أَوْ مُعَاوَضَةٌ بِعِلَّةٍ أُخْرَى (فَتَرَكَهُ الْحَنَفِيَّةُ لِهَذَا وَلِمَا نَذْكُرُ ثُمَّ الْمُخْتَارُ أَنَّ الثَّالِثَ) عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالرَّابِعَ عَلَى قَوْلِهِمْ (مَرْدُودٌ إذَا اعْتَرَفَ الْمُسْتَدِلُّ بِطَرْدِيَّتِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِأَنَّهُ فِي كَوْنِهِ جُزْءَ الْعِلَّةِ كَاذِبٌ بِاعْتِرَافِهِ وَأَنَّهُ لَقَبِيحٌ وَقِيلَ لَا لِأَنَّ الْفَرْضَ اسْتِلْزَامُ الْحُكْمِ وَالْجُزْءُ إذَا اسْتَلْزَمَ فَالْكُلُّ مُسْتَلْزِمٌ قَطْعًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَغَيْرُ مَرْدُودٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ) الْمُسْتَدِلُّ بِطَرْدِيَّتِهِ (لِجَوَازِ غَرَضٍ صَحِيحٍ) لِلْمُسْتَدِلِّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ (أَنْ يَدْفَعَ) الْمُسْتَدِلُّ (النَّقْضَ الْمَكْسُورَ) وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ نَقْضُ بَعْضِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ اسْتِقْلَالِهِ بِالْحِكْمَةِ أَيْ إيرَادِهِ عَلَيْهِ. (وَهُوَ) أَيْ إيرَادُهُ (أَصْعُبُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ) مِنْ إيرَادِ النَّقْضِ الصَّرِيحِ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ عَدَمِ تَأْثِيرِ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْوَصْفِ وَبَيَانَ نَقْضِ الْبَعْضِ الْآخَرِ وَفِي النَّقْضِ الصَّرِيحِ لَيْسَ إلَّا بَيَانُ الْوَصْفِ أَعْنِي ثُبُوتَهُ فِي صُورَةٍ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهَا فَرُبَّمَا يَعْجِزُ الْمُعْتَرِضُ عَنْ إيرَادِهِ الْأَصْعَبَ وَلَا يَعْجِزُ عَنْ إيرَادِهِ غَيْرَهُ وَقِيلَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ ضَمَّهُ إلَى الْعِلَّةِ لَغْوٌ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِطَرْدِيَّتِهِ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ لَهُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَرَفَ فَافْتَرَقَا (وَلِلشَّافِعِيَّةِ بَعْدَهُ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ (أَرْبَعَةٌ) مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُنَاسَبَةِ (الْقَدْحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ بِإِبْدَاءِ مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ) عَلَى الْمَصْلَحَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا قَضَى عَلَى الْوَصْفِ بِالْمُنَاسَبَةِ (أَوْ مُسَاوِيَةٍ) لَهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ بِحَسَبِ الْإِفْضَاءِ مِنْ أَنَّ مُخْتَارَ الْآمِدِيِّ وَأَتْبَاعِهِ انْخِرَامُ الْمُنَاسَبَةِ لِمَفْسَدَةٍ تَلْزَمُ رَاجِحَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ (وَجَوَابُهُ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ (تَرْجِيحُ الْمَصْلَحَةِ إجْمَالًا) عَلَى الْمَفْسَدَةِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ رُجْحَانُهَا لَزِمَ التَّعَبُّدُ الْبَاطِلُ (وَتَقَدَّمَ) ذِكْرُهُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ بِحَسَبِ الْإِفْضَاءِ (وَتَفْصِيلًا بِمَا فِي الْخُصُوصِيَّاتِ) أَيْ خُصُوصِيَّاتِ الْمَسَائِلِ مِنْ الرُّجْحَانِ كَهَذَا ضَرُورِيٌّ وَذَاكَ حَاجِيٌّ وَإِفْضَاءُ هَذَا قَطْعِيٌّ أَوْ أَكْثَرِيٌّ وَذَاكَ ظَنِّيٌّ أَوْ أَقَلِّيٌّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (مِثْلُ) أَنْ يُقَالَ فِي الْفَسْخِ فِي الْمَجْلِسِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ (وُجِدَ سَبَبُ الْفَسْخِ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ) أَيْ سَبَبُهُ (دَفْعُ الضَّرَرِ) عَنْ الْفَاسِخِ (فَيَثْبُتُ) الْفَسْخُ (فَيُعَارَضُ بِضَرَرِ الْآخَرِ) الَّذِي لَمْ يَفْسَخْ (مَفْسَدَةً مُسَاوِيَةً فَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا) الْآخَرَ (يُجْلَبُ) بِاسْتِبْقَاءِ الْعَقْدِ (نَفْعًا وَذَاكَ) الْفَاسِخُ (يَدْفَعُ ضَرَرًا) عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِمْضَاءِ (وَهُوَ) أَيْ دَفْعُ الضَّرَرِ (أَهَمُّ) لِلْعُقَلَاءِ وَلِذَلِكَ يَدْفَعُ كُلَّ ضَرَرٍ وَلَا يَجْلِبُ كُلَّ نَفْعٍ. (وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا (التَّخَلِّي) أَيْ تَفْرِيغُ النَّفْسِ (لِلْعِبَادَةِ) النَّافِلَةِ (أَفْضَلُ مِنْ التَّزَوُّجِ لِمَا فِيهِ) أَيْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ (مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ فَيُعَارَضُ بِفَوَاتِ أَضْعَافِهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ (فِيهِ) أَيْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ مِنْهَا كَسْرُ الشَّهْوَةِ وَغَضُّ الْبَصَرِ وَإِعْفَافُ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَإِيجَادُ الْوَلَدِ وَتَرْبِيَتُهُ وَتَوْسِعَةُ الْبَاطِنِ بِالتَّحَمُّلِ فِي مُعَاشَرَةِ أَبْنَاءِ النَّوْعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَيَرْجَحُ) التَّزَوُّجُ لِمَا فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْمَصَالِحِ الَّتِي مِنْهَا تَزْكِيَةُ النَّفْسِ وَالتَّسَبُّبُ لِعِبَادَةِ شَخْصٍ آخَرَ وَتَرْكُ الْمَعَاصِي عَلَى التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعِبَادَةِ (فَيُرَجِّحُهَا) أَيْ مَصْلَحَةَ الْعِبَادَةِ (الْآخَرُ بِأَنَّهَا لِحِفْظِ الدِّينِ وَتِلْكَ) الْمَصَالِحُ الَّتِي فِي التَّزَوُّجِ (لِحِفْظِ النَّسْلِ) وَحِفْظُ الدِّينِ أَرْجَحُ مِنْ حِفْظِ النَّسْلِ (غَيْرَ) أَنَّهُ يَطْرُقُهُ (أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ حَالَةَ الِاعْتِدَالِ وَعَدَمَ الْخَشْيَةِ) لِلْوُقُوعِ فِي الزِّنَا فَلَا يَتِمُّ هَذَا التَّرْجِيحُ فَهَذَا أَوَّلُ الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ (وَالْقَدْحُ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْمَصْلَحَةِ) الْمَقْصُودَةِ (فِي شَرْعِهِ) أَيْ الْحُكْمِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ (كَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ) لِلْمَحَارِمِ عَلَى التَّأْبِيدِ (لِلْحَاجَةِ إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ) لِضَرُورَةِ الِاخْتِلَاطِ وَتَعَذُّرِ الْمَعَاشِ أَوْ تَعَسُّرِهِ إلَّا بِالتَّلَاقِي (إذْ يُفْضِي) التَّحْرِيمُ عَلَى التَّأْبِيدِ (إلَى دَفْعِ الْفُجُورِ) لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الطَّمَعَ الْمُفْضِيَ إلَى الْهَمِّ وَالنَّظَرَ الْمُفْضِيَ إلَى الْفُجُورِ (فَيُمْنَعُ) كَوْنُ التَّحْرِيمِ عَلَى التَّأْبِيدِ غَيْرُ مُفْضٍ إلَى الْفُجُورِ (بَلْ سَدُّ بَابِ الْعَقْدِ أَفْضَى) إلَى الْفُجُورِ (لِحِرْصِ النَّفْسِ عَلَى الْمَمْنُوعِ فَيُدْفَعُ) هَذَا الْمَنْعُ (بِأَنَّ تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ يَمْنَعُ عَادَةً) مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْهَمِّ وَالنَّظَرِ (إذْ يَصِيرُ) ذَلِكَ الِامْتِنَاعُ بِهَذَا السَّبَبِ (كَالطَّبِيعِيِّ) لِلْإِنْسَانِ فَلَا يَبْقَى الْمَحَلُّ مُشْتَهًى (أَصْلُهُ الْأُمَّهَاتُ) فَإِنَّهُ بِوَاسِطَةِ تَحْرِيمِهِنَّ عَلَى التَّأْبِيدِ صِرْنَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَهَذَا ثَانِي

الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ. (وَكَوْنُ الْوَصْفِ خَفِيًّا كَالرِّضَا) فِي الْعُقُودِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى (وَيُجَابُ بِضَبْطِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (بِظَاهِرٍ كَالصِّيغَةِ) أَيْ بِضَبْطِ الرِّضَا بِصِيَغِ الْعُقُودِ وَهَذَا ثَالِثُ الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (غَيْرَ مُنْضَبِطٍ كَالْحِكَمِ) جَمْعُ حِكْمَةٍ وَهِيَ الْأَمْرُ الْبَاعِثُ مِنْ الْمَقَاصِدِ (وَالْمَصَالِحِ) أَيْ مَا يَكُونُ لَذَّةً أَوْ وَسِيلَةً إلَى لَذَّةٍ (كَالْحَرَجِ وَالزَّجْرِ لِأَنَّهَا) أَيْ الْحِكَمَ وَالْمَصَالِحَ (مَرَاتِبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعِلَّةِ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا (وَجَوَابُهُ بِإِبْدَاءِ الضَّابِطِ بِنَفْسِهِ) كَمَا يُقَالُ فِي الْمَشَقَّةِ وَالْمَضَرَّةِ إنَّهُمَا مُنْضَبِطَانِ عُرْفًا (أَوْ) أَنَّ الْوَصْفَ (نِيطَ بِمُنْضَبِطٍ كَالسَّفَرِ) نِيطَ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ بِهِ (وَالْحَدِّ) نِيطَ الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ فِي حُصُولِ الزَّجْرِ بِهِ وَهَذَا رَابِعُ الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ (وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْحَنَفِيَّةُ لَا لِاخْتِصَاصِهَا بِالْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّ هَذَا) أَيْ انْتِفَاءَهَا (اتِّفَاقٌ بَلْ لِأَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ (انْتِفَاءُ لَوَازِمِ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ مُطْلَقًا) أَيْ بِأَيِّ مَسْلَكٍ كَانَ (كَمَا تَقَدَّمَ) فِي فَصْلِ الْعِلَّةِ. (وَمَعْلُومٌ أَنَّ بِانْتِفَاءِ لَازِمِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ (يَتَّجِهُ إيرَادُهُ) أَيْ انْتِفَائِهَا (إذْ يُوجِبُ) انْتِفَاءُ لَازِمِهَا (انْتِفَاءَهَا) لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ (فَهُوَ) أَيْ انْتِفَاءُ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ (مَعْلُومٌ مِنْ الشُّرُوطِ) لَهَا (وَمَنْعُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (بَعْضَهَا) أَيْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ (وَهُوَ مَرْجِعُ الثَّانِي وَالرَّابِعِ) مِنْ مَنْعِ التَّأْثِيرِ (لِمَنْعِهِمْ الْمُعَارَضَةَ لِعِلَّةِ الْأَصْلِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) إذَا أَفْضَتْ النَّوْبَةُ إلَى الْكَلَامِ فِيهَا (وَذَكَرُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (مَنْعَ الشُّرُوطِ) لِلتَّعْلِيلِ وَصَحَّ فِيهَا لِأَنَّ شَرْطَ دَلِيلِ وُجُوبِ الْعَمَلِ سَابِقٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ ثُمَّ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ لَمْ يَشْتَرِطَا كَوْنَ الشَّرْطِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ (وَقَيَّدَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَحَلَّهُ) أَيْ مَنْعِ الشَّرْطِ (بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ) فَقَالَ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ شَرْطٌ مِنْهَا وَهُوَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ عُدِمَ فِي الْفَرْعِ أَوْ الْأَصْلِ (فَيَتَّجِهُ) الْمَنْعُ (عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فَيُفِيدُ مَنْعُهُ بُطْلَانَ التَّعْلِيلِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَأَمَّا إذَا مَنَعَ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَقُولُ الْمُعَلِّلُ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدِي فَلَا يَضُرُّ عَدَمُهُ فَحِينَئِذٍ يُؤَوَّلُ الْكَلَامُ إلَى أَنَّ مَانِعَهُ شَرْطٌ أَمْ لَا فَيُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ إذْ الْمَقْصُودُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لَا إثْبَاتُ شَرْطِ الْقِيَاسِ قُلْت وَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ شَرَطَ أَنْ يَمْنَعَ الشَّارِطُ وُجُوبَ شَرْطٍ هُوَ شَرْطٌ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ السَّائِلِ وَالْمُجِيبِ فَأَشَارَ إلَى أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ الْإِجْمَاعَ الْمُطْلَقَ هَذَا وَفِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ. وَمَعَ هَذَا لَوْ مَنَعَ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ إلْزَامِ الْمُعَلِّلِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الِانْتِقَالُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ اهـ قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ هَذَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَلَامِ أَبِي زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيِّ فَإِنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْمَنْعِ الشَّرْطُ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَهُ وَهُمَا لَمْ يَنْفِيَاهُ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْمَنْعِ عِنْدَهُمَا الشَّرْطُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ لَمْ يَنْفِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْأَتْقَانِيِّ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِمَا كَوْنَ الشَّرْطِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ عِنْدِي لِأَنَّ قَوْلَ الْمُجِيبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى السَّائِلِ فَيُثْبِتُ الْمُجِيبُ مَا ادَّعَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَقْبَلُهُ السَّائِلُ أَوْ يَسْكُتُ عَنْ إنْكَارِهِ يُوهِمُ أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ يُخَالِفُ هَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَقَدْ مَثَّلَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ السَّلَمُ الْحَالُّ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ أَحَدُ عِوَضَيْ الْبَيْعِ فَيَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا كَثَمَنِ الْمَبِيعِ فَيُقَالُ لَهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ شُرُوطَ التَّعْلِيلِ مَوْجُودَةٌ فِي هَذَا فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِهِ بِالِاتِّفَاقِ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ حُكْمُ النَّصِّ بَعْدَ التَّعْلِيلِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ وَقَدْ تَغَيَّرَ هُنَا لِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا مَمْلُوكًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَالشَّرْعُ نَقَلَ الْقُدْرَةَ الْحَقِيقِيَّةَ فِي الْبَيْعِ إلَى الْقُدْرَةِ الِاعْتِبَارِيَّةِ فِي السَّلَمِ بِذِكْرِ الْأَجَلِ فَصَارَ ذَلِكَ رُخْصَةَ نَقْلٍ إلَى خَلَفٍ فَلَوْ جَازَ السَّلَمُ حَالًّا لَصَارَ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ لَا إلَى خَلَفٍ فَكَانَ تَغْيِيرًا لِحُكْمِ النَّصِّ وَالسَّلَمُ مَعْدُولٌ عَنْ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ. (رَابِعُهَا) أَيْ الْمُنُوعِ الْوَارِدَةِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (النَّقْضُ وَتُسَمِّيهِ الْحَنَفِيَّةُ الْمُنَاقَضَةُ وَهِيَ لِلْجَدَلِيِّينَ مَنْعُ مُقَدِّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ الدَّلِيلِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ السَّنَدِ أَوْ لَا وَقَدْ سَلَفَ أَنَّ السَّنَدَ مَا كَانَ الْمَنْعُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ وَلِلسَّنَدِ صِيَغٌ ثَلَاثٌ إحْدَاهَا لَا نُسَلِّمُ هَذَا لِمَ

لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَذَا ثَانِيَتُهَا لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ كَذَا ثَالِثَتُهَا لَا نُسَلِّمُ كَيْفَ هَذَا وَالْحَالُ كَذَا (وَغَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ) أَيْ وَمَنْعُ الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُعَيَّنَةٍ مِنْ الدَّلِيلِ (بِأَنْ يَلْزَمَ الدَّلِيلُ مَا يُفْسِدُهُ) أَيْ الدَّلِيلُ (فَيُفِيدُ) لُزُومُ ذَلِكَ لَهُ (بُطْلَانَ مُقَدِّمَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ الدَّلِيلِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ قَوْلَهُ وَغَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ (النَّقْضُ الْإِجْمَالِيُّ وَرَدُّوا) أَيْ الْأُصُولِيُّونَ (النَّقْضَ) الْكَائِنَ عِنْدَهُمْ (إلَى مَنْعِ مُسْنَدٍ) وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ السَّنَدِ لَهُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَرُدَّ إلَيْهِ (كَانَ) النَّقْضُ (مُعَارَضَةً قَبْلَ الدَّلِيلِ) وَهِيَ لَا تَكُونُ قَبْلَهُ (وَعَلَى هَذَا يَجِبُ) أَنْ يَكُونَ النَّقْضُ (مُعَارَضَةً لَوْ) كَانَ (بَعْدَهُ) أَيْ الدَّلِيلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (اسْتَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ) أَيْ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً (بِالتَّخَلُّفِ) أَيْ بِوُجُودِهِ فِي صُورَةٍ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهَا (وَيُجِيبُ الْآخَرُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (بِمَنْعِ وُجُودِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ وَيَسْتَدِلُّ الْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وُجُودِهَا فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ (بَعْدَهُ) أَيْ مَنْعِ الْمُسْتَدِلِّ وُجُودَهَا فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ (أَوْ ابْتِدَاءً) أَيْ قَبْلَ مَنْعِ الْمُسْتَدِلِّ إيَّاهُ (فَانْقَلَبَ) الْمُعْتَرِضُ مُعَلِّلًا وَالْمُعَلِّلُ مُعْتَرِضًا. (وَقِيلَ لَا) يُقْبَلُ مِنْ الْمُعْتَرِضِ إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِ الْوَصْفِ إذَا مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَهُ فِي صُورَةِ التَّخَلُّفِ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ (وَقِيلَ) لَا يُقْبَلُ (إنْ كَانَ) ذَلِكَ الْوَصْفُ (حُكْمًا شَرْعِيًّا) لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِإِثْبَاتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الِانْتِقَالُ الْمَمْنُوعُ وَإِلَّا فَنَعَمْ لِظُهُورِ تَتْمِيمِ الْمُعْتَرِضِ لِدَلِيلِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلَّةِ وَعَلَى بُطْلَانِ قِيَاسِ الْمُسْتَدِلِّ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ (وَقِيلَ) يُقْبَلُ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَادِحٌ أَقْوَى) مِنْ النَّقْضِ فَإِنْ كَانَ لَهُ قَادِحٌ أَقْوَى مِنْهُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ غَصْبَ الْمَنْصِبِ وَالِانْتِقَالِ إنَّمَا يَنْفَعَانِ اسْتِحْسَانًا فَإِذَا وُجِدَ الْأَحْسَنُ لَمْ يَرْتَكِبْهُمَا وَإِلَّا فَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ (وَلَيْسَتْ) هَذِهِ الْأَقْوَالُ (بِشَيْءٍ) قَوِيٍّ (فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَدِلُّ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُودِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي الْأَصْلِ بِمَوْجُودٍ) أَيْ بِدَلِيلٍ مَوْجُودٍ (فِي مَحَلِّ النَّقْضِ فَنَقَضَهَا) أَيْ الْمُعْتَرِضُ الْعِلَّةَ (فَمَنَعَ) الْمُسْتَدِلُّ (وُجُودَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ (فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ فَيَلْزَمُ إمَّا انْتِقَاضُ الْعِلَّةِ أَوْ) انْتِقَاضُ (دَلِيلِهَا وَكَيْفَ كَانَ) اللَّازِمُ أَيْ انْتِقَاضُ الْعِلَّةِ أَوْ دَلِيلِهَا (لَا تَثْبُتُ) الْعِلِّيَّةُ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ النَّقْضَ يُبْطِلُ الْعِلِّيَّةَ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ مِنْ مِلْكٍ صَحِيحٍ (قُبِلَ) بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ عَدَمَ الِانْتِقَالِ فِيهِ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَتْرُكْ ذِكْرَ نَقْضِ الْعِلَّةِ. (وَلَوْ نَقَضَ) الْمُعْتَرِضُ (دَلِيلَهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (عَيْنًا فَالْجَدَلِيُّونَ لَا يُسْمَعُ) هَذَا مِنْ الْمُعْتَرِضِ (لِسَلَامَةِ الْعِلَّةِ إذْ نَقَضُهُ) أَيْ دَلِيلِهَا الْمُعَيَّن (لَيْسَ نَقْضَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ فَقَدْ انْتَقَلَ مِنْ نَقْضِهَا إلَى نَقْضِ دَلِيلِهَا (وَنَظَرَ فِيهِ) أَيْ فِي عَدَمِ سَمَاعِهِ وَالنَّاظِرُ ابْنُ الْحَاجِبِ (بِأَنَّ بُطْلَانَهُ) أَيْ دَلِيلِ الْعِلِّيَّةِ (بُطْلَانُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (أَيْ عَدَمُ ثُبُوتِهَا إذْ لَا بُدَّ لَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (مِنْ مَسْلَكٍ صَحِيحٍ وَهُوَ) أَيْ بُطْلَانُ الْعِلَّةِ (مَطْلُوبُهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِبُطْلَانِهَا عَدَمَ ثُبُوتِهَا (فَبُطْلَانُ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يُوجِبُهُ) أَيْ بُطْلَانُهَا (لَكِنَّهُ) أَيْ بُطْلَانَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ (يُحْوِجُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (إلَى الِانْتِقَالِ إلَى) دَلِيلٍ (آخَرَ لِإِثْبَاتِ الْأَوَّلِ) أَيْ الْعِلِّيَّةَ (وَيُجِيبُ) الْمُسْتَدِلُّ (أَيْضًا) عِوَضًا عَنْ مَنْعِ وُجُودِهَا (بِمَنْعِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ اتِّفَاقًا (وَلِلْمُعْتَرِضِ الدَّلَالَةُ) أَيْ إقَامَةُ الدَّلِيلِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ (فِي الْمُخْتَارِ) إذْ بِهِ يَحْصُلُ مَطْلُوبُهُ وَهُوَ إبْطَالُ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ وَقِيلَ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ أَوْلَى مِنْ النَّقْضِ بِالْقَدْحِ وَإِلَّا سُمِعَ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ (وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ وُجُوبِ الِاحْتِرَاسِ عَنْ النَّقْضِ) عَلَى الْمُسْتَدِلِّ (فِي الِاسْتِدْلَالِ وَقِيلَ يَجِبُ) الِاحْتِرَاسُ مِنْهُ فَيَذْكُرُ قَيْدًا يُخْرِجُ مَحَلَّ النَّقْضِ لِئَلَّا تَنْتَقِضُ الْعِلَّةُ قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي. (وَقِيلَ) يَجِبُ (إلَّا فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ) وَهِيَ الصُّوَرُ الَّتِي يَنْتَفِي فِيهَا الْحُكْمُ وَتُوجَدُ الْعِلَّةُ أَيَّةَ كَانَتْ مِنْ الْعِلَلِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ وُرُودَ النَّقْضِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ لِأَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ كَانَ مُجَامِعًا لِمَا هُوَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَا قِيَاسَ عَلَيْهِ وَلَا يُنَاقِضُ بِهِ (كَالْعَرَايَا

عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) إذَا وَرَدَتْ عَلَى الرِّبَوِيَّاتِ لِأَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ الْعَرَايَا بِمَا يَقْتَضِي وُرُودَهَا عَلَى كُلِّ الْمَذَاهِبِ سَوَاءٌ عُلِّلَ الرِّبَا بِالطُّعْمِ أَوْ الْقُوتِ أَوْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ بِقَدْرِ كَيْلِهِ مِنْ التَّمْرِ خَرْصًا لَوْ جَفَّ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَيْسَتْ الْعَرِيَّةُ عِنْدَهُمْ إلَّا الْعَطِيَّةَ وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُعْرِي وَالْمُعْرَى بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ فَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَهُمْ (لَنَا أَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (أَتَمَّ الدَّلِيلَ إذْ انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ) لَهُ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ الدَّلِيلِ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِنَفْيِ الْمُعَارِضِ فَلَا يَلْزَمُهُ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الِاحْتِرَاسَ عَنْهُ بِذِكْرِ قَيْدٍ يُخْرِجُ مَحَلَّ النَّقْضِ (لَا يُفِيدُ) دَفْعَ الِاعْتِرَاضِ بِالنَّقْضِ (إذْ يَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (الْقَيْدُ طَرْدٌ وَالْبَاقِي) بَعْدَهُ (مُنْتَقَضٌ وَهَذَانِ) أَيْ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَمَنْعُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ (دَفْعَانِ) لِتَحَقُّقِ النَّقْضِ (وَالْجَوَابُ الْحَقِيقِيُّ بَعْدَ الْوُرُودِ) أَيْ تَحَقُّقِهِ (بِإِبْدَاءِ الْمَانِعِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ وَهُوَ) أَيْ الْمَانِعُ (مُعَارَضٌ اقْتَضَى نَقِيضَ الْحُكْمِ) الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ (فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ كَنَفْيِ الْوُجُوبِ لِلْوُجُوبِ (أَوْ) اقْتَضَى (خِلَافَهُ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُغَايِرُ الْوُجُودِيُّ غَيْرُ الْمُسَاوِي فَيَتَنَاوَلُ الضِّدَّ وَهَذَا الِاقْتِضَاءُ ( لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ كَالْعَرَايَا لَوْ أُورِدَتْ عَلَى الرِّبَوِيَّاتِ) لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَى الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ لَهُمْ وَقَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُمْ ثَمَنٌ آخَرُ. (وَكَذَا الدِّيَةُ) أَيْ كَضَرْبِهَا (عَلَى الْعَاقِلَةِ) إذَا أُورِدَ (عَلَى الزَّجْرِ) لِلْقَاتِلِ بِسَبَبِ مَشْرُوعِيَّتِهَا ( لِمَصْلَحَةِ أَوْلِيَائِهِ ) أَيْ الْمَقْتُولِ (مَعَ عَدَمِ تَحْمِيلِهِ) أَيْ الْقَاتِلِ شَيْئًا مِنْهَا مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقَتْلَ (لِلشَّافِعِيَّةِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِمْ لِأَنَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُؤَدِّي الْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ (أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ كَالِاضْطِرَارِ لَوْ وَرَدَ عَلَى تَعْلِيلِ حُرْمَةِ الْمَيْتَةِ بِالِاسْتِقْذَارِ فَإِنَّهُ) أَيْ الِاضْطِرَارَ (اقْتَضَى خِلَافَهُ) أَيْ التَّحْرِيمِ (مِنْ الْإِبَاحَةِ) فَإِنَّ دَفْعَ هَلَاكِ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ أَكْلِ الْقَاذُورَاتِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً بِظَاهِرٍ عَامٍّ (فَلَوْ كَانَتْ) الْعِلَّةُ (مَنْصُوصَةً بِ) ظَاهِرٍ (عَامٍّ) لَا يَجِبُ إبْدَاءُ الْمَانِعِ بِعَيْنِهِ بَلْ (وَجَبَ تَقْدِيرُ الْمَانِعِ وَتَخْصِيصُهُ) أَيْ الظَّاهِرِ الْعَامِّ (بِغَيْرِ مَحَلِّ النَّقْضِ) جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ (وَهَذَا) أَيْ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ مَحَلِّ النَّقْضِ (إذَا كَانَ النَّصُّ عَلَى اسْتِلْزَامِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْحُكْمَ (فِي الْمَحَالِّ لَا عَلَى عِلِّيَّتِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِيهَا) أَيْ الْمَحَالِّ (إذْ لَا تَنْتَفِي عِلِّيَّتُهَا بِالْمَانِعِ أَوْ) كَانَتْ مَنْصُوصَةً (بِخَاصٍّ فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ (وَجَبَ تَقْدِيرُهُ) أَيْ الْمَانِعِ (فَقَطْ وَالْحُكْمُ بِعِلِّيَّتِهَا فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ (أَمَّا مَانِعُو تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فَبِعَدَمِ وُجُودِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ أَيْ يُجِيبُونَ بِهَذَا بَدَلَ إبْدَاءِ الْمَانِعِ (إذْ هِيَ) أَيْ الْعِلَّةُ (الْبَاعِثَةُ) عَلَى الْحُكْمِ (مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ الْمَانِعِ (فَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الْمَانِعِ (شَرْطُ عِلِّيَّتِهَا وَغَيْرُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ لِتَخْصِيصِهَا وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ عَدَمُ الْمَانِعِ (شَرْطُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَتَقَدَّمَ) فِي الْمَرْصَدِ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ (مَا فِيهِ) أَيْ هَذَا الْبَحْثِ فَلْيُرَاجَعْ مِنْهُ. (وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ) قَالُوا (لَا يُمْكِنُ دَفْعُ النَّقْضِ عَنْ الطَّرْدِيَّةِ) لِأَنَّهُ يُبْطِلُهَا حَقِيقَةً (إذْ الِاطِّرَادُ لَا يَبْقَى بَعْدَ النَّقْضِ) كَمَا يُفِيدُهُ عِبَارَةُ عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَصَاحِبِ الْكَشْفِ وَهِيَ أَيْ الْمُنَاقَضَةُ تُلْجِئُ أَصْحَابَ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالْأَثَرِ لِأَنَّ الطَّرْدَ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْمُجِيبُ لَمَّا انْتَقَضَ بِمَا أَوْرَدَهُ السَّائِلُ مِنْ النَّقْضِ لَا يَجِدُ الْمُجِيبُ بُدًّا مِنْ الْمَخْلَصِ عَنْهُ إلَّا بِبَيَانِ الْفَرْقِ وَعَدَمِ وُرُودِهِ نَقْضًا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ الطَّرْدِ إلَى بَيَانِ الْمَعْنَى وَهَذَا إنْ لَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ انْقِطَاعًا أَوْ سَامَحَهُ السَّائِلُ وَلَمْ يُنَاقِشْهُ فِي الشُّرُوعِ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ وَالتَّأْثِيرِ فَأَمَّا إذَا جُعِلَ انْقِطَاعًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ وَلَمْ يُسَامِحْهُ السَّائِلُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ احْتَجَجْت عَلَيَّ بِاطِّرَادِ هَذَا الْوَصْفِ وَقَدْ انْتَقَضَ ذَلِكَ بِمَا أَوْرَدْته فَلَمْ يَبْقَ حُجَّةً فَلَا يَنْفَعُهُ بَيَانُ التَّأْثِيرِ وَالشُّرُوعُ فِي الْفَرْقِ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ لِأَنَّ ذَلِكَ انْتِقَالٌ عَنْ حُجَّةٍ هِيَ الطَّرْدُ إلَى حُجَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ التَّأْثِيرُ لِإِثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ الْأَوَّلِ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ فَيَضْطَرُّ إلَى التَّمَسُّكِ بِالتَّأْثِيرِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الطَّرْدِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ الْمَجَالِسِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ إمْكَانِ دَفْعِ النَّقْضِ عَنْهَا (بَعْدَ كَوْنِهِ عَلَى) تَقْدِيرِ (النَّقْضِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَعُرِفَ مَا فِيهِ) حَيْثُ قَالَ سَالِفًا وَعَلَى الطَّرْدِيَّةِ تَرِدُ مَعَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهَا بِهِ وَدُفِعَ بِأَنَّ الْإِيرَادَ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ الْعِلِّيَّةَ لِإِنْكَارِ

ظَنِّهِ لَا عَلَى الشَّرْعِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَخْ (بِنَاءً عَلَى قَصْرِ الطَّرْدِيَّةِ عَلَى مَا) يُكْتَفَى فِيهَا (بِالدَّوَرَانِ) أَيْ بِمُجَرَّدِ دَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا فَقَطْ أَوْ عَدَمًا (وَلَا وَجْهَ لَهُ) أَيْ لِقَصْرِهَا عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ (بَلْ) الطَّرْدِيَّةُ هِيَ (غَيْرُ الْمُؤَثِّرَةِ) فَتَعُمُّ الْمُنَاسِبَ وَالْمُلَائِمَ بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ. (وَعَلَى) تَقْدِيرِ (الْوُرُودِ) لِلنَّقْضِ عَلَى الطَّرْدِيَّةِ لِجَوَازِهِ كَمَا سَلَفَ (يُحْوِجُ) وُرُودُهُ (إلَى التَّأْثِيرِ كَطَهَارَةٍ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْوُضُوءُ طَهَارَةٌ (فَيَشْتَرِطُ لَهَا النِّيَّةَ كَالتَّيَمُّمِ فَيُنْقَضُ بِغَسْلِ الثَّوْبِ) مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ وَلَا يَشْتَرِطُ فِيهِ النِّيَّةَ (فَيُفَرَّقُ) بَيْنَهُمَا (بِأَنَّهَا) أَيْ الطَّهَارَةَ الَّتِي هِيَ الْوُضُوءُ طَهَارَةٌ (غَيْرُ مَعْقُولَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ فِي مَحَلِّهَا نَجَاسَةٌ (فَكَانَتْ مُتَعَبَّدًا بِهَا فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ) تَحْقِيقًا لِمَعْنَى التَّعَبُّدِ إذْ الْعِبَادَةُ لَا تُنَالُ بِدُونِ النِّيَّةِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ غَسْلِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ (لِعَقْلِيَّةِ قَصْدِ الْإِزَالَةِ) لِلنَّجَاسَةِ بِهِ لَا لِتَحْقِيقِ مَعْنَى التَّعَبُّدِ (وَبِالِاسْتِعْمَالِ) لِلْمَائِعِ الْقَالِعِ الطَّاهِرِ فِيهِ (تَحْصُلُ) الْإِزَالَةُ (فَلَمْ يَفْتَقِرْ) غَسْلُهُ إلَى النِّيَّةِ وَتَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ مَا يَدْفَعُ هَذَا عَنْ الْحَنَفِيِّ (وَأَمَّا) الْعِلَلُ (الْمُؤَثِّرَةُ فَتَقَدَّمَ صِحَّةُ وُرُودِ النَّقْضِ عَلَيْهَا) بِنَاءً عَلَى دَعْوَى الْمُجِيبِ كَوْنَهَا عِلَّةً مُؤَثِّرَةً لَا عَلَى كَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَحَيْثُ وَرَدَ) النَّقْضُ صُورَةً عَلَيْهَا وَكَانَ مِنْ مُفْسِدَاتِهَا كَمَا هُوَ الْحَقُّ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُسْتَلْزِمَةً لِلْحُكْمِ لَا يَجُوزُ تَخَلُّفُهُ عَنْهَا إلَّا لِمَانِعٍ أَوْ زَوَالِ شَرْطٍ فَقَدْ (دُفِعَ بِأَرْبَعٍ إبْدَاءِ عَدَمِ الْوَصْفِ) فِي صُورَةِ النَّقْضِ (كَخَارِجٍ نَجِسٍ) أَيْ كَمَا يُقَالُ فِي الْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ إنَّهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ نَجِسٌ (مِنْ الْبَدَنِ فَحَدَثٌ كَمَا فِي السَّبِيلَيْنِ فَيُنْقَضُ بِمَا لَمْ يَسِلْ) مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ مَعَ أَنَّهُ خَارِجٌ نَجِسٌ مِنْ الْبَدَنِ (فَيُدْفَعُ) النَّقْضُ بِهِ (بِعَدَمِ الْخُرُوجِ) فِي الْقَلِيلِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْخُرُوجَ (بِالِانْتِقَالِ) مِنْ مَكَان بَاطِنٍ إلَى مَكَان ظَاهِرٍ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا فِي غَيْرِ السَّائِلِ بَلْ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ بِزَوَالِ الْجِلْدَةِ السَّاتِرَةِ لَهَا ثُمَّ هُوَ لَيْسَ بِنَجِسٍ كَمَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ بِخِلَافِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ظُهُورُ الْقَلِيلِ إلَّا بِالْخُرُوجِ فَانْتَفَى الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ (وَمِلْكُ بَدَلِ الْمَغْصُوبِ) لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ (عِلَّةُ مِلْكِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ (فَيُنْقَضُ بِالْمُدَبَّرِ) فَإِنَّ غَصْبَهُ سَبَبُ الْمِلْكِ بَدَّلَهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَمَعَ هَذَا لَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْمُبْدَلَ وَلَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (فَيُمْنَعُ مِلْكُ بَدَلِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (بَلْ) هُوَ (بَدَلُ الْيَدِ) لِأَنَّ ضَمَانَهُ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ بَلْ عَنْ الْيَدِ الْفَائِتَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ مِلْكِ الْبَدَلِ زَوَالُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَكَانَ عَدَمُ الْحُكْمِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ مِلْكُ رَقَبَةِ الْمُدَبَّرِ لِلْغَاصِبِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ وَهِيَ كَوْنُ الْغَصْبِ سَبَبَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَهَذَا أَحَدُ الطُّرُقِ الدَّافِعَةِ لِلنَّقْضِ مَعَ التَّمْثِيلِ لَهُ (وَيُمْنَعُ وُجُودُ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ صَارَ) الْوَصْفُ (عِلَّةً) وَذَلِكَ الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِلَّةِ كَالثَّابِتِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنْصُوصِ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَصْفَ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ (فَيَنْتَفِي) وُجُودُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مَعْنًى. (وَإِنْ وُجِدَ) الْمَعْنَى (صُورَةً كَمَسْحٍ) أَيْ كَمَا يُقَالُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مَسْحٌ (فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ فَيَنْتَقِضُ بِالِاسْتِنْجَاءِ) بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ مَسْحٌ وَالْعَدَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْنُونًا فِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا يَقَعُ تَثْلِيثُهُ سُنَّةً بِالْإِجْمَاعِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ (فَيُمْنَعُ فِيهِ) أَيْ فِي الِاسْتِنْجَاءِ (الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ) الْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ (التَّطْهِيرُ الْحُكْمِيُّ) لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ تَطْهِيرٌ حَقِيقِيٌّ (وَلَهُ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمَسْحَ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ (لَمْ يُسَنَّ) التَّكْرَارُ فِيهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّكْرَارَ (لِتَأْكِيدِ التَّطْهِيرِ الْمَعْقُولِ) الْمَعْنَى وَهُوَ غَسْلُ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ (لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ) وَتَأَكُّدِهَا بِهِ (وَهُوَ) أَيْ التَّطْهِيرُ الْمَعْقُولُ الْمَعْنَى ثَابِتٌ (فِي الِاسْتِنْجَاءِ) لِأَنَّهُ إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ (دُونَهُ) أَيْ مَسْحِ الرَّأْسِ (كَمَا فِي التَّيَمُّمِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَطْهِيرٌ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى وَلِهَذَا كَانَ الْغَسْلُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَفْضَلَ بِخِلَافِهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَلَوْ أَحْدَثَ بِالرِّيحِ لَمْ يَكُنْ الِاسْتِنْجَاءُ سُنَّةً ثُمَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ لِلْمَسْحِ مِمَّا يُشِيرُ إلَى هَذَا لِأَنَّهُ

الْإِصَابَةُ وَهِيَ تُنْبِئُ عَنْ التَّخْفِيفِ. هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ وَمَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ سُنِّيَّةِ التَّثْلِيثِ كَرَاهَتَهُ لِئَلَّا يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيُعَلَّلَ وَهَذَا ثَانِي الطُّرُقِ الدَّافِعَةِ لِلنَّقْضِ مَعَ مِثَالِهِ (وَيُمْنَعُ التَّخَلُّفُ) لِلْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ وَالْقَوْلُ بِتَحَقُّقِ الْحُكْمِ فِيهَا (كَمَا إذَا نُقِضَ) الْمِثَالُ (الْأَوَّلُ) لِإِبْدَاءِ عَدَمِ الْوَصْفِ (بِالْجُرْحِ السَّائِلِ) فَإِنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مَوْجُودٌ فِيهِ بِدُونِ الْحَدَثِ (فَيُمْنَعُ كَوْنُهُ) أَيْ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فِيهِ (لَيْسَ حَدَثًا بَلْ هُوَ) حَدَثٌ (وَتَأَخَّرَ حُكْمُهُ) الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ (إلَى مَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ) عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِهِ (أَوْ الْفَرَاغِ) مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ النَّوَافِلِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِهِ (ضَرُورَةَ الْأَدَاءِ) لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِأَدَائِهَا فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا وَلَا قُدْرَةَ إلَّا بِسُقُوطِ حُكْمِ الْحَدَثِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (وَلِذَا) أَيْ تَأَخَّرَ حُكْمُهُ إلَى مَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ (لَمْ يَجُزْ مَسْحُهُ) أَيْ صَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ (خُفَّهُ إذَا لَبِسَهُ فِي الْوَقْتِ مَعَ السَّيَلَانِ) أَوْ كَانَ السَّيَلَانُ مُقَارِنًا لِلْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ اللُّبْسِ (بَعْدَ خُرُوجِهِ) أَيْ الْوَقْتِ لِأَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ يَصِيرُ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ إذْ خُرُوجُ الْوَقْتِ لَيْسَ بِحَدَثٍ إجْمَاعًا وَالْحُكْمُ قَدْ يَتَّصِلُ بِالسَّبَبِ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ لِمَانِعٍ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوُضُوءُ وَاللُّبْسُ عَلَى الِانْقِطَاعِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ بَعْدَ الْوَقْتِ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصِحَّاءِ لِعَدَمِ صَيْرُورَتِهِ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عَلَيْهِمَا وَهَذَا ثَالِثُ الطُّرُقِ الدَّافِعَةِ لِلنَّقْضِ مَعَ مِثَالِهِ. قُلْت وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِمَعْنَى هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ الدَّفْعِ فَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَسْلَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَشْفِ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مُجَوِّزِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ لِمَانِعٍ لَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجَوِّزُهُ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَتَخَلَّفْ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ كَمَا أَنَّ الْعِلَّةَ كَذَلِكَ وَلَا تَخْصِيصَ لِلْعِلَّةِ بِدُونِ وُجُودِهَا وَانْتِفَاءِ حُكْمِهَا لِمَانِعٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (وَبِالْغَرَضِ) الْمَطْلُوبِ بِالتَّعْلِيلِ (فَيَقُولُ) الْمُسْتَدِلُّ (فِي الْمِثَالِ) الْأَوَّلِ لِإِبْدَاءِ عَدَمِ الْوَصْفِ (غَرَضِي بِهَذَا التَّعْلِيلِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ وَغَيْرِهِ فِي كَوْنِهِمَا) أَيْ الْخَارِجِ مِنْهُ وَالْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِ (حَدَثًا وَإِذَا لَزِمَا) أَيْ اسْتَمَرَّا (صَارَ عَفْوًا) بِأَنْ يَسْقُطَ حُكْمُهُمَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ضَرُورَةَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ (فَإِنَّ الْبَوْلَ) الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ (كَذَلِكَ) أَيْ إذَا دَامَ يَصِيرُ عَفْوًا لِهَذَا الْمَعْنَى (فَوَجَبَ فِي الْفَرْعِ) أَيْ الْجُرْحِ السَّائِلِ (مِثْلُهُ) أَيْ إذَا دَامَ يَصِيرُ عَفْوًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَإِلَّا لَكَانَ الْفَرْعُ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَكَذَا الْحُكْمُ وَكَمَا أَنَّ ظُهُورَ الْحُكْمِ قَدْ يَتَأَخَّرُ فِي الْفَرْعِ فَكَذَا فِي الْأَصْلِ فَالتَّسْوِيَةُ حَاصِلَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهَذَا رَابِعُ الطُّرُقِ الدَّافِعَةِ لِلنَّقْضِ مَعَ مِثَالِهِ (وَحَاصِلُ الثَّانِي الِاسْتِدْلَال عَلَى انْتِفَائِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (إذْ هِيَ) أَيْ الْعِلَّةُ (بِمَعْنَاهَا لَا بِمُجَرَّدِ صُورَتِهَا) وَالرَّابِعُ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ رَاجِعٌ إلَى مَنْعِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْمُنَاقِضَ يَدَّعِي أَمْرَيْنِ ثُبُوتَ الْعِلَّةِ وَانْتِفَاءَ الْحُكْمِ فَلَا يَصِحُّ دَفْعُهُ إلَّا بِمَنْعِ أَحَدِهِمَا وَإِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ الدَّفْعُ لِلنَّقْضِ بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ فَقَدْ بَطَلَتْ. (وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ نَقْضَ الْحِكْمَةِ وَيُسَمُّونَهُ كَسْرًا وَتَقَدَّمَ) فِي الْمَرْصَدِ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ (الْخِلَافُ فِي قَبُولِهِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ) عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ (قَبُولُهُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِرُجْحَانِ) الْحِكْمَةِ (الْمَنْقُوضَةِ) فِي مَحَلِّ النَّقْضِ عَلَى الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَصْلِ (أَوْ مُسَاوَاتِهَا) أَيْ الْمَنْقُوضَةِ لَهَا إلَّا أَنَّ شَرْعَ حُكْمٍ آخَرَ أَلْيَقُ بِهَا فَيُسْمَعُ حِينَئِذٍ (وَحَقَّقْنَا ثَمَّةَ خِلَافَهُ) أَيْ هُوَ الْمُخْتَارُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ وَإِنْ عَلِمَ رُجْحَانَ الْمَنْقُوضَةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِسُكُوتِ بِكْرٍ زَانِيَةٍ اُشْتُهِرَ زِنَاهَا وَإِنْ كَانَ حَيَاؤُهَا أَكْثَرَ مِنْ حَيَاءِ بِكْرٍ لَمْ تَزْنِ (ثُمَّ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ هُنَا) أَيْ فِي الْكَسْرِ (عَلَى تَقْدِيرِ سَمَاعِهِ) أَيْ الْكَسْرِ (أَظْهَرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَنْعِ وُجُودِهَا (فِي النَّقْضِ) لِأَنَّ قَدْرَ الْحِكْمَةِ مُتَفَاوِتٌ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ مَا هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ مِنْهُ فِي الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِخِلَافِ نَفْسِ الْوَصْفِ فَإِنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ وَمَنْعُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ هُنَا قَدْ يُدْفَعُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمٌ هُوَ أَوْلَى بِالْحِكْمَةِ ثُمَّ حَيْثُ يُسْمَعُ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي النَّقْضِ مِنْ أَنَّهُ يُجَابُ بِأَجْوِبَةٍ ثَلَاثَةٍ مِمَّا مَضَى بِمَنْعِ وُجُودِ الْمَعْنَى فِي صُورَةِ النَّقْضِ أَوَّلًا وَبِمَنْعِ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهَا كَيْ لَا يَتَحَقَّقَ ثَانِيًا

وَبِإِبْدَاءِ الْمَانِعِ فِيهَا إذَا تَحَقَّقَ ثَالِثًا وَحِينَئِذٍ فَهَلْ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى وُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ الْمَاضِيَةُ وَعَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ فِيهِ الْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ وَهَلْ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْكَسْرِ فِي مَتْنِ الِاسْتِدْلَالِ؟ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ هَذَا وَقَدَّمْنَا مُرَادَ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ بِالْكَسْرِ وَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ. (خَامِسُهَا) أَيْ الْمُنُوعِ الْمُورَدَةِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (فَسَادُ الْوَضْعِ) وَهُوَ (أَخَصُّ مِنْ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ مِنْ وَجْهٍ إذْ قَدْ يَجْتَمِعُ ثُبُوتُ اعْتِبَارِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ فَسَادُ الْوَضْعِ (مَعَ مُعَارَضَةِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ) لِذَلِكَ الَّذِي هُوَ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ (وَلَا يَخْفَى الْآخَرَانِ) أَيْ انْفِرَادُ ثُبُوتِ اعْتِبَارِهَا فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ عَنْ كَوْنِ الْقِيَاسِ مُعَارَضًا بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَبِالْعَكْسِ وَقِيلَ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فَقَطْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْقِيَاسِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَا لِفَسَادٍ فِي وَضْعِهِ وَتَرْكِيبِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لِصِحَّتِهِ بَلْ لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ فَقَطْ فَعَلَى هَذَا كُلُّ فَاسِدِ الْوَضْعِ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَيَكُونُ فَاسِدُ الْوَضْعِ أَخَصَّ مُطْلَقًا مِنْ فَاسِدِ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَقِيلَ هُمَا وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَيُفَارِقُ) فَسَادُ الْوَضْعِ (النَّقْضَ بِتَأْثِيرِهِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ (فِي النَّقِيضِ) فَإِنَّ الْوَصْفَ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ هُوَ الَّذِي يُثْبِتُ النَّقِيضَ بِخِلَافِ النَّقْضِ فَإِنَّهُ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِثُبُوتِهِ بِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّقِيضُ مَعَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ (وَ) يُفَارِقُ (الْقَلْبَ بِكَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ يُثْبِتُ نَقِيضَ الْحُكْمِ (بِأَصْلٍ آخَرَ) وَفِي الْقَلْبِ يُثْبِتُ نَقِيضَ الْحُكْمِ بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ. (وَ) يُفَارِقُ (الْقَدْحَ فِي الْمُنَاسَبَةِ بِمُنَاسَبَتِهِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ (نَقِيضَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) إمَّا مُنَاسِبٌ لِنَقِيضِهِ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِفْضَاءُ إلَى الْمَصْلَحَةِ (إذَا كَانَ) التَّنَاسُبُ (مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ التَّنَاسُبِ لِلْحُكْمِ فَتَكُونُ مُنَاسَبَتُهُ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ وَالْحُكْمِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ (بِخِلَافِهِ) أَيْ مَا إذَا كَانَ التَّنَاسُبُ لِلنَّقِيضِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ التَّنَاسُبِ لِلْحُكْمِ (إذَا كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْوَصْفِ (جِهَتَانِ) يُنَاسِبُ بِإِحْدَاهُمَا الْحُكْمَ وَبِالْأُخْرَى نَقِيضَهُ (كَكَوْنِهِ) أَيْ الْمَحَلِّ (مُشْتَهًى) لِلنُّفُوسِ (يُنَاسِبُ الْإِبَاحَةَ) لِنِكَاحِهِ (لِدَفْعِ الْحَاجَةِ وَالتَّحْرِيمَ لِقَطْعِ الطَّمَعِ) فَإِنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُنَاسَبَةِ حِينَئِذٍ لِجَوَازِ تَعْلِيلِ الضِّدَّيْنِ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ بِشَرْطَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ إذْ عِنْدَ التَّحْقِيقِ عِلَّةُ هَذَا غَيْرُ عِلَّةِ ذَلِكَ وَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ ثُبُوتَ النَّقِيضِ مَعَ الْوَصْفِ نَقْضٌ فَإِنْ زِيدَ ثُبُوتُ النَّقِيضِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَفَسَادُ الْوَضْعِ وَإِنْ زِيدَ عَلَى الْفَسَادِ كَوْنُهُ بِهِ فِي أَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ فَقَلْبٌ وَأَمَّا بِدُونِ ثُبُوتِ النَّقِيضِ مَعَ الْوَصْفِ فِي أَصْلٍ فَالْمُنَاسَبَةُ فَإِنْ نَاسَبَتْ الْحُكْمَ وَنَقِيضَهُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ قَدْحًا فِيهَا وَمِنْ جِهَتَيْنِ لَا (مِثَالُهُ) أَيْ فَسَادِ الْوَضْعِ قَوْلُ الْقَائِلِ فِي التَّيَمُّمِ (مَسْحٌ فَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَيُرَدُّ) أَنْ يُقَالَ الْمَسْحُ لِإِثْبَاتِ التَّكْرَارِ فَاسِدُ الْوَضْعِ إذْ الْمَسْحُ (مُعْتَبَرٌ فِي كَرَاهَتِهِ) أَيْ التَّكْرَارِ (كَالْخُفِّ) فَإِنَّ تَكْرَارَ الْمَسْحِ عَلَيْهِ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَجَوَابُهُ) أَيْ هَذَا الْمَنْعِ (بِالْمَانِعِ) أَيْ بِبَيَانِ وُجُودِ الْمَانِعِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْخُفِّ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْمُعْتَرِضِ أَيْ بِذِكْرِ (فَسَادِهِ) أَيْ إنَّمَا كُرِهَ التَّكْرَارُ فِي الْخُفِّ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلتَّلَفِ (وَ) مِثَالُهُ (لِلْحَنَفِيَّةِ إضَافَةُ الشَّافِعِيِّ الْفُرْقَةَ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ إذَا أَسْلَمَتْ وَأَبَى (إلَى إسْلَامِ الزَّوْجَةِ) فَإِنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْإِسْلَامَ (اُعْتُبِرَ عَاصِمًا لِلْحُقُوقِ) كَمَا اقْتَضَاهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ السَّالِفِ فِي بَحْثِ التَّأْثِيرِ قُلْت وَهَذَا مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ فَسَادُ الْوَضْعِ وَالِاعْتِبَارِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (فَالْوَجْهُ) إضَافَةُ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا (إلَى إبَائِهِ) أَيْ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِإِضَافَةِ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَهُوَ رَأْسُ أَسْبَابِ الْعُقُوبَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ ثَمَّةَ أَيْضًا (وَكَقَوْلِهِ) أَيْ الشَّافِعِيِّ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ أَنَّهَا الطُّعْمُ إذْ (الْمَطْعُومُ ذُو خَطَرٍ) أَيْ عِزَّةٍ وَشَرَفٍ لِتَعَلُّقِ قِوَامِ النَّفْسِ وَبَقَاءِ الشَّخْصِ بِهِ وَالْحُرْمَةُ لِلشَّيْءِ تُشْعِرُ بِتَضْيِيقِ طَرِيقِ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَهُوَ أَمَارَةُ الْخَطَرِ لِأَنَّ مَا ضَاقَ إلَيْهِ الْوُصُولُ عَزَّ فِي الْأَعْيُنِ إذَا أُصِيبَ وَإِذَا اتَّسَعَ

الْوُصُولُ إلَيْهِ هَانَ فِي الْأَعْيُنِ (فَيُزَادُ فِيهِ) أَيْ فِي تَمَلُّكِهِ (شَرْطُ التَّقَابُضِ) إظْهَارًا لِلْخَطَرِ كَالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْتِيلَاءً عَلَى مَحَلٍّ ذِي خَطَرٍ لِتَعَلُّقِ بَقَاءِ النَّوْعِ بِهِ شُرِطَ لِجَوَازِهِ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَهُوَ حُضُورُ الشُّهُودِ (فَيُرَدُّ اعْتِبَارُ مِسَاسِ الْحَاجَةِ) إلَى الشَّيْءِ إنَّمَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا (فِي التَّوْسِعَةِ) وَالْإِطْلَاقِ لَا فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّضْيِيقِ بِدَلِيلِ حِلِّ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ وَجَرَتْ سُنَّةُ اللَّهِ بِتَسْهِيلِ طَرِيقِ الْوُصُولِ إلَى كُلِّ مَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَمَسَّ كَالْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَالتُّرَابِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى الْحُرِّ وَالْحُرِّيَّةُ تُنْبِئُ عَنْ الْخُلُوصِ وَالْخُلُوصُ يَمْنَعُ وُرُودَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ نَوْعُ رِقٍّ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمَ وَلَكِنْ ثَبَتَ الْحِلُّ بِعَارِضِ الْحَاجَةِ إلَى بَقَاءِ النَّسْلِ وَمَا ثَبَتَ بِالْعَارِضِ يَجُوزُ تَوَقُّفُهُ عَلَى أَشْيَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ الْأَصْلَ فَظَهَرَ أَنَّ فِي تَرْتِيبِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي تَمَلُّكِ الْمَطْعُومِ عَلَى كَوْنِهِ ذَا خَطَرٍ فَسَادَ الْوَضْعِ لِأَنَّهُ نَقِيضُ مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ التَّوْسِعَةِ وَالتَّيْسِيرِ ثُمَّ هَذَا الْمَنْعُ يُبْطِلُ الْعِلَّةَ بِكُلِّيَّتِهَا وَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِتَغْيِيرِ الْكَلَامِ فَهُوَ فَوْقَ النَّقْضِ. (سَادِسُهَا الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ) وَهِيَ (أَنْ يُبْدِيَ) الْمُعْتَرِضُ (فِيهِ وَصْفًا آخَرَ صَالِحًا) لِلْعِلِّيَّةِ (يَحْتَمِلُ أَنَّهُ) وَحْدَهُ (الْعِلَّةُ) وَأَنْ يَكُونَ هُوَ مَعَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِقَسِيمِهِ أَعْنِي (أَوْ) أَنَّهُ (مَعَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ) الْعِلَّةَ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ إبْدَاءُ الْوَصْفِ الْآخَرِ الصَّالِحِ لِلْعِلِّيَّةِ الْمُحْتَمِلِ أَنَّهُ الْعِلَّةُ أَوْ أَنَّهُ مَعَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ الْعِلَّةُ (مُعَارَضَةُ الطُّعْمِ بِالْقُوتِ أَوْ الْكَيْلِ) أَيْ مُعَارَضَةُ الْمُعْتَرِضِ تَعْلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ حُرْمَةَ الرِّبَا بِالطُّعْمِ بِأَحَدِهِمَا إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقُوتُ أَوْ الْكَيْلُ هُوَ الْعِلَّةُ وَحْدَهُ أَوْ الْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الطُّعْمِ وَالْقُوتِ أَوْ مَجْمُوعُ الطُّعْمِ وَالْكَيْلِ (وَالثَّانِي) أَيْ إبْدَاءُ الْوَصْفِ الْآخَرِ الصَّالِحِ لِلْعِلِّيَّةِ الْمُحْتَمِلِ أَنْ يَكُونَ مَعَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ الْعِلَّةَ (الْجَارِحُ لِلْقَتْلِ) الْعَمْدِ (الْعُدْوَانِ) أَيْ مُعَارَضَةُ الْمُعْتَرِضِ تَعْلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ الْقِصَاصَ فِي الْمُحَدَّدِ بِكَوْنِهِ قَتْلًا عَمْدًا عُدْوَانًا بِكَوْنِهِ بِالْجَارِحِ (لِنَفْيِ الْمُثَقَّلِ) أَيْ الْقِصَاصَ بِالْقَتْلِ بِهِ كَالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُ الْجُرْحِ مِنْ الْقَتْلِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ عِلَّةً لِلْقِصَاصِ وَالْجَارِحُ لَا يَصْلُحُ سِوَى أَنْ يَكُونَ هُوَ جُزْءُ الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِقْلَالِ. (وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ هَذَا الْمَنْعِ (فِي الْمَذْهَبَيْنِ) لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ (وَالْمُخْتَارُ لِلشَّافِعِيَّةِ قَبُولُهُ لِتَحَكُّمِ الْمُسْتَدِلِّ بِاسْتِقْلَالِ وَصْفِهِ) بِثُبُوتِ الْحُكْمِ دُونَ الْوَصْفِ الْمُعَارِضِ الْمُبْدِي (مَعَ صَلَاحِيَّةِ الْمُبْدَى لَهُ) أَيْ لِلِاسْتِقْلَالِ بِالْعِلِّيَّةِ (وَلِلْجُزْئِيَّةِ) أَيْ وَأَنْ يَكُونَ جُزْءَ الْعِلَّةِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ الْأَوَّلِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الصُّلُوحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فِي الْوُجُودِ فَإِنْ قِيلَ لَا تَحَكُّمَ مَعَ الرُّجْحَانِ وَوَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ رَاجِحٌ إذْ فِي اعْتِبَارِهِ دُونَ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ تَوْسِعَةٌ فِي الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ تَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى الْفَرْعِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ وَصْفُ الْمُعْتَرِضِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي الْفَرْعِ لَمْ يَتَعَدَّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الرُّجْحَانَ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ مَمْنُوعٌ (وَلَا يُرَجَّحُ) لِكَوْنِهِ عِلَّةً (بِالتَّوْسِعَةِ لِأَنَّهُ) أَيْ حُصُولَ التَّوْسِعَةِ (مُرَجِّحٌ لِمَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ هُنَا (وَلَوْ سَلِمَ) أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ (فَمُعَارَضٌ بِمَا يُرَجِّحُ وَصْفَ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ) أَيْ الْمُعَارِضُ (مُوَافَقَةُ الْأَصْلِ) وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ (بِالِانْتِفَاءِ) لِلْحُكْمِ (فِي الْفَرْعِ وَ) الْمُخْتَارُ (لِلْحَنَفِيَّةِ نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ قَبُولِهِ (وَيُسَمُّونَهَا) أَيْ الْمُعَارَضَةَ فِي الْأَصْلِ (الْمُفَارَقَةَ فَإِنْ كَانَ) الْفَرْقُ (صَحِيحًا فَلْيُجْعَلْ مُمَانَعَةً لِيُقْبَلَ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ لِأَنَّ الْمُفَارَقَةَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْمُمَانَعَةَ أَسَاسُ الْمُنَاظَرَةِ وَبِهَا يُعْرَفُ فِقْهُ الرَّجُلِ (فَفِي إعْتَاقِ عَبْدِ الرَّهْنِ) أَيْ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِبُطْلَانِهِ لِأَنَّهُ (تَصَرُّفٌ لَاقَى حَقَّ الْمُرْتَهِنِ) بِالْإِبْطَالِ بِدُونِ رِضَاهُ (فَيَبْطُلُ كَبَيْعِهِ) أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَا إذْنِهِ (لَوْ قَالَ) الْحَنَفِيُّ (هِيَ) أَيْ الْعِلَّةُ (فِي الْأَصْلِ) أَيْ الْبَيْعِ (كَوْنُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ) بَعْدَ وُقُوعِهِ فَيُمْكِنُ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ فَسْخِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَنْعِ مِنْ النَّفَاذِ لَكَانَ فِقْهًا صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنْ إذَا (لَمْ يُقْبَلْ) لِصُدُورِهِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْفَرْقِ وَهُوَ السَّائِلُ (فَلْيُقَلْ إنْ ادَّعَيْت حُكْمَ الْأَصْلِ) أَيْ بَيْعَ الْعَبْدِ الرَّهْنَ (الْبُطْلَانَ مَنَعْنَاهُ) أَيْ كَوْنَ

حُكْمِهِ الْبُطْلَانَ. (أَوْ) ادَّعَيْت حُكْمَهُ (التَّوَقُّفَ) عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ (فَغَيْرُ حُكْمِك فِي الْفَرْعِ) بِالْبُطْلَانِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَاحِدًا وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ ابْتِدَاءُ حُكْمِ الْأَصْلِ التَّوَقُّفُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ لَكَفَى (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْمُخْتَارِ نَفْيَ قَبُولِهِ (لِأَنَّهُ غَصْبٌ) لِمَنْصِبِ التَّعْلِيلِ وَالسَّائِلُ جَاهِلٌ مُسْتَرْشِدٌ فِي مَوْقِفِ الْإِنْكَارِ فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَقَفَ مَوْقِفَ الدَّعْوَى وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الدَّلِيلِ فَالْمُعَارِضُ لَا يَبْقَى سَائِلًا بَلْ يَصِيرُ مُعَلِّلًا مُدَّعِيًا ابْتِدَاءً (وَلَيْسَ) كَذَلِكَ (لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُبْدِي وَحْدَهُ (الْعِلَّةَ أَوْ مَعَ مَا ذَكَرَ) الْمُسْتَدِلُّ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ (مَنْعُ اسْتِقْلَالِهِ) أَيْ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِالْعِلِّيَّةِ (وَتَسْمِيَتُهُ مُعَارَضَةً تَجُوزُ لِقَوْلِهِمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (إذَا أُطْلِقَتْ) الْمُعَارَضَةُ فِي بَابِ الْقِيَاسِ (فَمَا فِي الْفَرْعِ) أَيْ فَالْمَعْنَى بِهَا الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ (وَهَذِهِ) أَيْ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ تُذْكَرُ (بِقَيْدٍ) هُوَ فِي الْأَصْلِ (وَإِذَا رَدَّ النَّقْضَ إلَى الْمَنْعِ) كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفِهِ (فَهَذَا) أَيْ رَدُّ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ إلَى الْمَنْعِ (أَوْلَى) مِنْهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي النَّقْضِ مُسْتَدِلٌّ عَلَى الْبُطْلَانِ بِالتَّخَلُّفِ وَهُنَا يُجَوِّزُ الْمُبْدِي تَجْوِيزًا فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّلْوِيحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نِزَاعٌ جَدَلِيٌّ يَقْصِدُونَ بِهِ عَدَمَ وُقُوعِ الْخَبْطِ فِي الْبَحْثِ وَإِلَّا فَهُوَ سَاعٍ فِي إظْهَارِ الصَّوَابِ. (قَالُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (وَلِجَوَازِ عِلَّتَيْنِ فِي الْأَصْلِ تَعَدَّى بِكُلٍّ) مِنْهُمَا (إلَى مَحَلِّهَا) الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْأُخْرَى فِيهِ (فَعَدَمُ إحْدَاهُمَا) بِعَيْنِهَا (فِي مَحَلٍّ لَا يَنْفِي) كَوْنَ (الْأُخْرَى) عِلَّةً لِحُكْمِهَا الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ وُجِدَتْ فِيهِ (وَهَذَا) الْوَجْهُ (يَقْتَصِرُ) أَيْ يُفِيدُ اقْتِصَارَ نَفْيِ الْقَبُولِ (عَلَى مَا يَجِبُ فِيهِ اسْتِقْلَالُ كُلٍّ) مِنْ الْعِلَّتَيْنِ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِذَلِكَ (دُونَ تَجْوِيزِ جُزْئِيَّتِهِ) أَيْ الْمُبْدِي لِلْعِلَّةِ الَّذِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَدِلُّ (فَالْحَقُّ إنْ أَجْمَعَ عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ إحْدَاهُمَا) أَيْ الْمَذْكُورَتَيْنِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعْتَرِضِ بِالِاسْتِقْلَالِ (كَعِلَّةِ الرِّبَا) أَهِيَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ أَوْ الطُّعْمُ أَوْ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ (قُبِلَ) هَذَا الِاعْتِرَاضُ لِلتَّجْوِيزِ الْمَذْكُورِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى أَنَّهَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ إحْدَاهُمَا بِالِاسْتِقْلَالِ (لَا) يُقْبَلُ بِتَقْدِيرِ الِاسْتِقْلَالِ لِإِحْدَاهُمَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِمَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ الْمُخْتَارِ لِلشَّافِعِيَّةِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ الثَّابِتُ (بِالِاسْتِقْرَاءِ مَبَاحِثُ الصَّحَابَةِ جَمْعٌ) أَيْ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ بَيْنَ أَصْلٍ وَفَرْعٍ بِمُوجِبِ وَصْفٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا (وَفَرْقٌ) أَيْ تَخْصِيصُ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالْأَصْلِ بِمُوجِبِ وَصْفٍ مُخْتَصٍّ بِالْأَصْلِ وَالْبَحْثِ وَالنَّظَرِ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ هِيَ ذَلِكَ الْوَصْفُ الْمُشْتَرَكُ أَوْ الْمُخْتَصُّ وَذَلِكَ إجْمَاعٌ عَلَى جَوَازِ إبْدَاءِ وَصْفٍ فَارِقٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ فِي الْفَرْعِ فِي مُعَارَضَةِ وَصْفٍ جَامِعٍ اعْتَبَرَهُ الْمُعَلِّلُ وَأَنَّهُ يُقْبَلُ وَيُتْرَكُ بِهِ قِيَاسُ الْمُسْتَدِلِّ وَلَا مَعْنَى لِقَبُولِ الْمُعَارَضَةِ سِوَى هَذَا (لَا يَمَسُّهُ) أَيْ الْقَبُولَ عَلَى الْعُمُومِ (إلَّا إنْ انْفَلَّتْ) مَبَاحِثُهُمْ جَمْعًا وَفَرْقًا (عَلَى الْعُمُومِ وَلَا يُمْكِنُ) نَقْلُهَا كَذَلِكَ. (وَعَلَى قَبُولِهَا) أَيْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ هَلْ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ بَيَانُ أَنَّ وَصْفَهُ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي الْأَصْلِ مُعَارَضًا مُنْتَفٍ فِي الْفَرْعِ فِيهِ أَقْوَالٌ فَأَحَدُهَا يَلْزَمُهُ لِيَنْفَعَهُ دَعْوَى التَّعْلِيلِ بِهِ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ تَنْتَفِ الْعِلَّةُ فِي الْفَرْعِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ وَيَحْصُلُ مَطْلُوبُ الْمُسْتَدِلِّ فَثَانِيهَا لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ غَرَضَهُ عَدَمُ اسْتِقْلَالِ مَا ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ اسْتِقْلَالَهُ وَهَذَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ إبْدَائِهِ (فَثَالِثُهَا) الَّذِي هُوَ (الْمُخْتَارُ لَا يَلْزَمُ) الْمُعْتَرِضَ (بَيَانُ انْتِفَائِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُبْدِي فِي الْأَصْلِ مُعَارِضًا (عَنْ الْفَرْعِ إلَّا إنْ ذَكَرَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ انْتِفَاءَهُ فِي الْفَرْعِ (لِأَنَّ مَقْصُودَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (لَمْ يَنْحَصِرْ فِي ضِدِّهِ) أَيْ صَرْفِ الْمُسْتَدِلِّ (عَنْ التَّعْلِيلِ) بِذَلِكَ (لِيَنْتَفِيَ لُزُومُهُ) أَيْ بَيَانُ انْتِفَائِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَمَا هُوَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ (وَلَا نَفَى حُكْمَهُ) أَيْ وَلَمْ يَنْحَصِرْ فِي نَفْيِ حُكْمِهِ (فِي الْفَرْعِ لِيَلْزَمَ) بَيَانُ انْتِفَائِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي (بَلْ قَدْ) يَكُونُ مَقْصُودُ الْمُعْتَرِضِ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ. (وَقَدْ) يَكُونُ مَقْصُودُهُ الْأَمْرَ الثَّانِيَ (فَإِذَا ادَّعَاهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ انْتِفَاءً كَأَنْ قَالَ هَذَا الْوَصْفُ الْآخَرُ الصَّالِحُ فِي الْأَصْلِ مُنْتَفٍ فِي الْفَرْعِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (إثْبَاتُهُ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَمْرًا

فَيَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ هَلْ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ ذِكْرُ أَصْلٍ يُبَيِّنُ تَأْثِيرَ وَصْفِهِ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ حَتَّى يُقْبَلَ مِنْهُ قِيلَ يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ بِدُونِ الِاقْتِرَانِ لَا تَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلٍ يَشْهَدُ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ (وَ) الْمُخْتَارُ (لَا) يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ (ذِكْرُهُ أَصْلًا لَوَصْفِهِ) الَّذِي أَبْدَاهُ فِي الْأَصْلِ يُبَيِّنُ تَأْثِيرَهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ (كَمُعَارَضَةِ الِاقْتِيَاتِ بِالطُّعْمِ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ الْعِلَّةُ الطُّعْمُ لَا الْقُوتُ (كَمَا فِي الْمِلْحِ) فَإِنَّهُ طُعْمٌ وَلَيْسَ بِقُوتٍ وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ حَيْثُ جُعِلَ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (لَمْ يَدَعْهُ) أَيْ كَوْنَ وَصْفِهِ عِلَّةً حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ (إنَّمَا جَوَّزَ مَا ذَكَرَ) مِنْ كَوْنِ وَصْفِهِ عِلَّةً أَوْ جُزْأَهَا (لِيَلْزَمَ) الْمُسْتَدِلَّ (التَّحَكُّمُ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عِلَّةً دُونَ وَصْفِهِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الصُّلُوحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فِي الْوُجُودِ (وَأَيْضًا يَكْفِيهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ فِي وَصْفِهِ الْمُبْدِي (أَصْلُ الْمُسْتَدِلِّ) إذْ أَصْلُ الْمُسْتَدِلِّ أَصْلُهُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ وَصْفِهِ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُعَارَضْ (فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (جَازَ الطُّعْمُ أَوْ الْكَيْلُ أَوْ هُمَا) عِلَّةً (كَمَا فِي الْبُرِّ بِعَيْنِهِ وَجَوَابُهَا) أَيْ الْمُعَارَضَةِ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ (عَلَى الْقَبُولِ بِمَنْعِ وُجُودِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ فِي الْأَصْلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمْ أَنَّهُ مَكِيلٌ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ. (أَوْ) مَنْعِ (تَأْثِيرِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ (إنْ كَانَ) وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ أَيْ عِلِّيَّتُهُ (لَمْ يُثْبِتْهُ الْمُسْتَدِلُّ أَوْ أَثْبَتَهُ) الْمُسْتَدِلُّ (بِمَا) أَيْ بِأَيِّ طَرِيقٍ (كَانَ وَتَقْيِيدُ سَمَاعِهِ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ وَهُوَ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَدِلِّ الْمُعْتَرِضِ بِتَأْثِيرِ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ (مِنْ الْمُسْتَدِلِّ بِمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَدِلُّ أَثْبَتَ وَصْفَهُ) أَيْ عِلِّيَّتَهُ (بِالْمُنَاسَبَةِ وَنَحْوِهَا) أَيْ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ إذَا لَمْ تُعَارَضْ بِمُنَاسَبَةٍ أُخْرَى (لَا) إذَا أَثْبَتَ وَصْفَهُ (بِالسَّبْرِ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّ الْوَصْفَ يَدْخُلُ فِي السَّبْرِ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ كَوْنِهِ مُنَاسِبًا وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الْمُنَاسَبَةُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ أَوْ إلَى الْخَارِجِ عَلَى مَا يَعُمُّ الشَّبَهَ فَتَتِمُّ الْمُعَارَضَةُ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ وَصْفٍ آخَرَ مُحْتَمِلٌ لِلْعِلِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ مُنَاسَبَتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (تَحَكُّمٌ لِأَنَّ ذَاكَ) الْمُثْبَتَ بِمَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ (وَصْفُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (وَهَذَا) الْمُبْدِي وَصْفٌ (آخَرُ مُجَوَّزٌ) أَيْ جَوَّزَهُ الْمُعْتَرِضُ وَقَدْ (دَفَعَهُ) الْمُسْتَدِلُّ (بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ (عَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (فَيَجِبُ إثْبَاتُهُ) عَلَى الْمُعْتَرِضِ بِمَا شَاءَ (فَبِالْمُنَاسَبَةِ ظَاهِرٌ وَكَذَا بِالسَّبْرِ لِأَنَّ مَا أَفَادَ الْعِلِّيَّةَ أَفَادَ الْمُنَاسَبَةَ إذْ هِيَ) أَيْ الْمُنَاسَبَةُ (لَازِمُ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ) فَمَا أَفَادَهَا أَفَادَهَا (لَكِنْ لَا يَلْزَمُ إبْدَاؤُهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ (فِي السَّبْرِ وَنَحْوِهِ وَلِذَا) أَيْ عَدَمِ لُزُومِ إبْدَائِهَا فِيهِ (عُورِضَ الْمُسْتَبْقَى فِيهِ) أَيْ السَّبْرُ (لِعَدَمِهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ (وَقِيلَ الْمَعْنَى) لِلْمُسْتَدِلِّ مُطَالَبَةُ الْمُعْتَرِضِ بِكَوْنِ وَصْفِهِ مُؤَثِّرًا (إذَا كَانَ الْمُعْتَرِضُ أَثْبَتَهُ بِالْمُنَاسَبَةِ) كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شَارِحِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ (وَهُوَ خَبْطٌ إذْ بِفَرْضِ إثْبَاتِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً (بِهَا) أَيْ بِالْمُنَاسَبَةِ (كَيْفَ يَمْنَعُ) الْمُسْتَدِلُّ (التَّأْثِيرَ وَهُوَ) أَيْ التَّأْثِيرُ (هِيَ) أَيْ الْمُنَاسَبَةُ (إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ) أَيْ التَّأْثِيرِ (عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (فِيهِ) أَيْ فِي التَّأْثِيرِ (وَهُوَ كَوْنُ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ) إثْبَاتُ الْمُعْتَرِضِ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً بِهَذَا (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (بَعْدَ إثْبَاتِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً (بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ هِيَ الْمُنَاسَبَةُ بِالْفَرْضِ نَعَمْ) يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ إثْبَاتُهُ بِالتَّأْثِيرِ (لَوْ كَانَ الْمُعْتَرِضُ حَنَفِيًّا فَإِنَّ الْمُنَاسَبَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الِاعْتِبَارَ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَالتَّأْثِيرُ عِنْدَهُمْ شَرْطٌ مَعَ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ) أَيْ التَّأْثِيرُ عِنْدَهُمْ (إنْ ثَبَتَ اعْتِبَارُ جِنْسِ الْمُنَاسَبَةِ إلَى آخِرِ الْأَقْسَامِ) الْمَاضِيَةِ فِي بَحْثِ التَّأْثِيرِ. (وَلَا يَصِحُّ) مِمَّنْ أَثْبَتَ وَصْفَهُ بِالسَّبْرِ مُسْتَدِلًّا كَانَ أَوْ مُعْتَرِضًا التَّرْجِيحُ (بِتَرْجِيحِ السَّبْرِ) عَلَى الْمُنَاسَبَةِ (لِتَعَرُّضِهِ) أَيْ لِأَجْلِ تَعَرُّضِ السَّبْرِ (لِنَفْيِ غَيْرِهِ وَ) لَا (بِكَثْرَةِ الْفَائِدَةِ) وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ تَعَرُّضَهُ لِنَفْيٍ غَيْرِهِ إنَّمَا يَكُونُ مُرَجَّحًا (بَعْدَ ظُهُورِ شَرْطِهِ) أَيْ السَّبْرِ وَهُوَ مُنَاسَبَةُ الْمُسْتَبْقَى لِأَنَّ شَرْطَ كُلِّ عِلَّةٍ مُنَاسَبَتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ إظْهَارُهَا عَلَى الْمُعَلِّلِ فِي كُلِّ إثْبَاتٍ لِأَنَّ بَعْضَ طُرُقِ الْعِلَّةِ لَا تَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ كَالسَّبْرِ (أَوْ عَدَمِ ظُهُورِ عَدَمِهِ) أَيْ الشَّرْطِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (أَمَّا مَعَ ظُهُورِهِ) أَيْ عَدَمِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ الْمُسْتَبْقَى أَيْضًا غَيْرَ مُنَاسِبٍ فِيمَا إذَا أَبْدَى وَصْفًا آخَرَ

لِيُبْطِلَ الْحَصْرَ فَقَالَ الْمُعَلِّلُ هَذَا لَمْ أُدْخِلْهُ فِي سَبْرِي لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ (فَلَا) يَتَرَجَّحُ السَّبْرُ (إذْ لَا يُفِيدُ) السَّبْرُ (مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الشَّرْطِ هُوَ (الْمُعْتَرَضُ بِهِ) لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَارَضَ ظُهُورَ مُنَاسَبَةِ الْمُسْتَبْقَى عِنْدَهُ بِظُهُورِ عَدَمِ مُنَاسَبَةِ الْمُسْتَبْقَى عِنْدَهُ (أَوْ بَيَانِ خَفَائِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ فَهُوَ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مَنْعِ وُجُودِهِ أَوْ تَأْثِيرِهِ. وَكَذَا (أَوْ عَدَمِ انْضِبَاطِهِ أَوْ مَنْعِ ظُهُورِهِ أَوْ) مَنْعِ (انْضِبَاطِهِ) أَوْ كُلٍّ مِنْهَا عُطِفَ عَلَى مَا يَلِيهِ إذْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُعَارَضَةِ لِمَا عُلِمَ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ اشْتِرَاطُ الظُّهُورِ وَالِانْضِبَاطِ فِي الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ فَلَا بُدَّ فِي دَعْوَى صُلُوحِ الْوَصْفِ عِلَّةً مِنْ بَيَانِهِمَا وَالصَّادِرُ عَنْهُمَا إنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهَا وَأَنْ يُطَالِبَ بِبَيَانِ وُجُودِهِمَا (أَوْ أَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ الْمُعَارَضَ بِهِ لَيْسَ وَصْفًا وُجُودِيًّا بَلْ هُوَ (عَدَمُ مُعَارِضٍ فِي الْفَرْعِ) وَالْعَدَمُ لَا يَكُونُ عِلَّةً وَلَا جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ فِي الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ (كَالْمُكْرَهِ) أَيْ كَقِيَاسِ الْقَاتِلِ الْمُضْطَرِّ إلَى الْقَتْلِ (عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ الْقَاتِلِ بِاخْتِيَارِهِ (فِي) وُجُوبِ (الْقِصَاصِ بِجَامِعِ الْقَتْلِ فَيُعَارَضُ بِأَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (هُوَ) أَيْ الْقَتْلُ (مَعَ الطَّوَاعِيَةِ) فَإِنَّهَا مُنَاسِبَةٌ لِإِيجَابِ الْقِصَاصِ فَلَا تَكُونُ الْعِلَّةُ الْقَتْلَ الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ فَقَطْ بَلْ بِقَيْدِ الِاخْتِيَارِ (فَيُجِيبُ) الْمُسْتَدِلُّ (بِأَنَّهَا) أَيْ الطَّوَاعِيَةَ (عَدَمُ الْإِكْرَاهِ لَا الْإِكْرَاهُ الْمُنَاسِبُ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ) أَيْ عَدَمُ الْقِصَاصِ وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَدَمُ الْمَانِعِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا يُسْنَدُ الْحُكْمُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَاعِثِ فِي شَيْءٍ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُعَارَضَةِ كَقَوْلِهِ (أَوْ بِإِلْغَائِهِ) أَيْ كَوْنِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ مُلْغًى إمَّا مُطْلَقًا فِي جِنْسِ الْأَحْكَامِ كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ أَوْ فِي الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِهِ كَالذُّكُورَةِ فِي الْعِتْقِ (بِاسْتِقْلَالِ وَصْفِهِ) أَيْ بِسَبَبِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِالْعِلِّيَّةِ (بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ كَ «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» وَقَدَّمْنَا فِي مَبَاحِثِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَخْرَجَهُ بِمَعْنَاهُ (فِي مُعَارَضَةِ الطُّعْمِ) أَيْ كَجَوَابِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا الطُّعْمُ لِمُعْتَرِضِهِ بِمُعَارَضَتِهِ (بِالْكَيْلِ) بِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الطُّعْمِ فِي صُورَةٍ مَا وَهُوَ هَذَا الْحَدِيثُ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْحُكْمِ مُرَتَّبًا عَلَى وَصْفٍ يُشْعِرُ بِالْعِلِّيَّةِ «وَمَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ) كَمَا هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. (عِنْدَ مُعَارَضَةِ مُطْلِقِهِ) أَيْ التَّبْدِيلِ (بِتَبْدِيلِ الْإِيمَانِ بِالْكُفْرِ) أَيْ وَكَجَوَابِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى قَتْلِ الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ وَالنَّصْرَانِيِّ إذَا تَهَوَّدَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ كَالْمُرْتَدِّ لِتَبْدِيلِهِ دِينَهُ لِمُعْتَرِضِهِ بِمُعَارَضَتِهِ لِوَصْفِهِ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ التَّبْدِيلِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ تَبْدِيلُ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ بِأَنَّ التَّبْدِيلَ مُعْتَبَرٌ فِي صُورَةٍ مَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (وَلَوْ قَالَ) الْمُسْتَدِلُّ (عَمَّ) الْحَدِيثُ (فِي كُلِّ تَبْدِيلٍ) سَوَاءٌ كَانَ تَبْدِيلَ دِينِ حَقٍّ بِبَاطِلٍ أَوْ بَاطِلٍ بِبَاطِلٍ (كَانَ) هَذَا الْقَوْلُ (شَيْئًا آخَرَ) أَيْ إثْبَاتًا لِلْحُكْمِ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ وَالْمَقْصُودُ إثْبَاتُهُ بِهِ بَلْ وَيَكُونُ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ ضَائِعًا وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ هَذَا نَعَمْ لَا يَضُرُّهُ كَوْنُهُ عَامًّا إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْمِيمِ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ (وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ الْإِلْغَاءِ الْمَقْبُولِ (انْفِرَادُ الْحُكْمِ عَنْهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُبْدِي لِلْمُعْتَرِضِ (لِعَدَمِ) اشْتِرَاطِ (الْعَكْسِ) فِي الْعِلَّةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ (لَكِنْ يَتِمُّ اسْتِقْلَالُ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ) لِكَوْنِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ عَدَمُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَكَوْنُهُ لَغْوًا (وَلِكَوْنِهِ) أَيْ انْفِرَادِ الْحُكْمِ عَنْهُ (لَيْسَ إلْغَاءً لَا يُفِيدُ) الْمُسْتَدِلَّ فِي تَمَامِ إلْغَاءِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ فِي صُورَةِ عَدَمِهِ (إبْدَاءُ الْخَلَفِ) أَيْ وَصْفٍ آخَرَ يَخْلُفُ الْوَصْفَ الْمُبْدَيْ أَوَّلًا الَّذِي أَلْغَاهُ الْمُسْتَدِلُّ (مِنْ الْمُعْتَرِضِ) لِئَلَّا يَكُونَ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ مُسْتَقِلًّا وَإِنَّمَا لَا يُفِيدُ الْمُسْتَدِلُّ هَذَا تَمَامَ إلْغَائِهِ لِابْتِنَاءِ إلْغَاءِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ عَلَى اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ وَقَدْ بَطَلَ اسْتِقْلَالُهُ بِإِبْدَاءِ الْمُعْتَرِضِ قَيْدًا آخَرَ يَنْضَمُّ إلَيْهِ فَيَبْطُلُ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ. (وَهُوَ) أَيْ فَسَادُ الْإِلْغَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (تَعَدُّدُ الْوَضْعِ) لِتَعَدُّدِ أَصْلَيْ الْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْرَدَهُمَا الْمُعْتَرِضُ وَصَيْرُورَتِهِ مُعَلَّلًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى وَضْعٍ أَيْ مَعَ قَيْدٍ (نَحْوُ) أَنْ يُقَالَ فِي صِحَّةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ لِلْحَرْبِيِّ (أَمَانٌ) صَادِرٌ (مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ فَيُقْبَلُ كَالْحُرِّ) أَيْ كَأَمَانِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ لَهُ (لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ (مَظِنَّتَانِ لِلِاحْتِيَاطِ لِلْأَمَانِ) أَيْ لِإِظْهَارِ مَصْلَحَةٍ بَدَلَ الْأَمَانِ (فَيَعْتَرِضُ بِاعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ مَعَهُمَا) أَيْ الْإِسْلَامِ

وَالْعَقْلِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْحُرِّيَّةَ (مَظِنَّةُ التَّفَرُّغِ) لِلنَّظَرِ فِي مَصْلَحَةِ الْأَمَانِ لِعَدَمِ اشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى (فَنَظَرَهُ) أَيْ الْحُرِّ (أَكْمَلُ) مِنْ نَظَرِ الْعَبْدِ (فَيُلْغِيهَا) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ الْحُرِّيَّةَ (بِالْمَأْذُونِ فِي الْقِتَالِ) أَيْ بِاسْتِقْلَالِ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ بِالْأَمَانِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَذِنَ سَيِّدُهُ لَهُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ فَإِنَّ لَهُ الْأَمَانَ بِالِاتِّفَاقِ (فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (الْإِذْنُ) أَيْ إذْنُ السَّيِّدِ لَهُ فِي ذَلِكَ (خَلَفَهَا) أَيْ الْحُرِّيَّةَ (لِدَلَالَتِهِ) أَيْ إذْنِ السَّيِّدِ لَهُ فِي ذَلِكَ (عَلَى عِلْمِ السَّيِّدِ بِصَلَاحِهِ) لِإِظْهَارِ مَصَالِحِ الْأَمَانِ أَوْ قَامَ الْإِذْنُ مَقَامَ الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِبَذْلِ الْوُسْعِ فِي النَّظَرِ (فَالْبَاقِي) أَيْ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ (عِلَّةٌ عَلَى وَضْعٍ أَيْ قَيْدِ الْحُرِّيَّةِ) أَيْ هُمَا مَعَهَا (وَآخَرَ) أَيْ وَالْبَاقِي عِلَّةٌ أَيْضًا عَلَى وَضْعٍ آخَرَ وَهُوَ كَوْنُ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ مَعَ (الْإِذْنِ وَجَوَابُهُ) أَيْ تَعَدُّدِ الْوَضْعِ (أَنْ يُلْغِيَ) الْمُسْتَدِلُّ ذَلِكَ (الْخَلْفَ بِصُورَةٍ لَيْسَ) ذَلِكَ الْخَلْفُ (فِيهَا فَإِنْ أَبْدَى) الْمُعْتَرِضُ (فِيهَا) أَيْ الصُّورَةِ الْمُبْدَاةِ (خَلَفًا) آخَرَ (فَكَذَلِكَ) أَيْ فَجَوَابُهُ إلْغَاؤُهُ بِإِبْدَائِهِ صُورَةً أُخْرَى لَا يُوجَدُ فِيهَا ذَلِكَ الْخَلَفُ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا (إلَى أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا) إمَّا الْمُسْتَدِلُّ لِعَجْزِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ أَوْ الْمُعْتَرِضُ لِعَجْزِهِ عَنْ ثُبُوتِ عِوَضٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَظْهَرُ الرِّجَالُ وَيَتَبَيَّنُ فُرْسَانُ الْجِدَالِ. (وَلَا يُلْغِي) أَيْ وَلَا يُفِيدُ الْمُسْتَدِلُّ إلْغَاءَ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ فِي الْأَصْلِ (بِضَعْفِ الْحِكْمَةِ إنْ سَلَّمَ) الْمُسْتَدِلُّ (الْمَظِنَّةَ) أَيْ وُجُودَ الْمَظِنَّةِ الْمُتَضَمَّنَةِ لِتِلْكَ الْحِكْمَةِ (كَالرِّدَّةِ عِلَّةُ الْقَتْلِ) فِي قِيَاسِ الْمُرْتَدَّةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ (فَيُقَالُ) مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ بَلْ (مَعَ الرُّجُولِيَّةِ لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ الْمُرْتَدِّ رَجُلًا (الْمَظِنَّةُ لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ) إذْ يُعْتَادُ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ (فَيُلْغِيهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْمُرْتَدِّ رَجُلًا الْمَظِنَّةُ لِذَلِكَ (بِمَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ) لِضَعْفِ الرُّجُولِيَّةِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يُقْتَلُ اتِّفَاقًا إذَا ارْتَدَّ فَهَذَا (لَا يُقْبَلُ) مِنْ الْمُسْتَدِلِّ أَيْ لَا يَنْفَعُهُ (بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ الرُّجُولِيَّةِ مَظِنَّةً) اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلَى حِكْمَتِهَا كَسَفَرِ الْمَلِكِ الْمُرَفَّهِ لَا يَمْنَعُ الرُّخْصَ (وَلَا يُفِيدُ تَرْجِيحُ الْمُسْتَدِلِّ وَصْفَهُ) عَلَى وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ (بِشَيْءٍ) مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ فِي جَوَابِ الْمُعَارَضَةِ خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ (لِأَنَّ الْمُفِيدَ) فِي ذَلِكَ (تَرْجِيحُ أَوْلَوِيَّةِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ إذْ لَا تَعْلِيلَ بِالْمَرْجُوحِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ (وَهُوَ) أَيْ تَرْجِيحُهَا (مُنْتَفٍ مَعَ احْتِمَالِ الْجُزْئِيَّةِ) أَيْ جُزْئِيَّةِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ وَهُوَ بَاقٍ إذْ لَا يَمْتَنِعُ تَرْجِيحُ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ عَلَى بَعْضِ كَمَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَإِنَّ الْقَتْلَ أَقْوَى فِي الْعِلِّيَّةِ مِنْ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَلَوْ قِيلَ بِاسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ كَانَ تَحَكُّمًا (أَوْ يَدَّعِي) أَيْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ (الْمُعْتَرِضُ اسْتِقْلَالَ وَصْفِهِ) أَيْ وَصْفِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُفِيدُ تَرْجِيحَ وَصْفِ نَفْسِهِ. (وَأَمَّا أَنَّ) الْعِلَّةَ (الْمُتَعَدِّيَةَ لَا تُرَجَّحُ) عَلَى الْقَاصِرَةِ (لِمُعَارَضَةِ مُوَافَقَةِ الْأَصْلِ) أَيْ لِكَوْنِ الْقَاصِرَةِ مُعَارِضَةً لَهَا بِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِلْأَصْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْأَحْكَامِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ (فَلَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ فَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّنَزُّلُ مِنْهُمْ بِعَدَمِ التَّرْجِيحِ لِأَجْلِ مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ بَلْ يَكُونُ الْوَصْفُ الْمُسْتَقِلُّ الْمُتَعَدِّي مُرَجَّحًا عَلَى الْمُسْتَقِلِّ الْقَاصِرِ. (وَاخْتُلِفَ فِي) جَوَازِ (تَعَدُّدِ الْأُصُولِ) أَيْ أُصُولِ الْمُسْتَدِلِّ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا (فَقِيلَ لَا) يَجُوزُ (لِأَنَّ) الْأَصْلَ (الزَّائِدَ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الظَّنُّ وَهُوَ يَحْصُلُ بِهِ (وَيُدْفَعُ) هَذَا (بِثُبُوتِ الْحَاجَةِ) إلَى الزَّائِدِ عَلَيْهِ (لِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ) فِي الظَّنِّ فَإِنَّ قُوَّتَهُ مَقْصُودَةٌ أَيْضًا (وَالْوَجْهُ الْآخَرُ) لِهَذَا الْقَوْلِ (وَهُوَ تَأَدِّيهِ) أَيْ جَوَازِ تَعَدُّدِ الْأُصُولِ (إلَى الِانْتِشَارِ وَزِيَادَةِ الْخَبْطِ يَدْفَعُهُ) أَيْ هَذَا الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ (لِأَنَّ مَعَهُ) أَيْ مَعَ تَأَدِّيهِ إلَى هَذَا (يَبْعُدُ الظَّنُّ فَضْلًا عَنْ زِيَادَتِهِ) أَيْ الظَّنِّ (فَاخْتِيَارُ جَوَازِهِ) أَيْ التَّعَدُّدِ (مُطْلَقًا) كَمَا هُوَ صَنِيعُ ابْنِ الْحَاجِبِ (لَيْسَ بِذَاكَ) الْقَوِيِّ (بَلْ) الْوَجْهُ جَوَازُهُ (فِي نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ) لِانْتِفَاءِ الِانْتِشَارِ (لَا) فِي (الْمُنَاظَرَةِ) لِتَأَدِّيهِ إلَى النَّشْرِ (وَعَلَى الْجَوَازِ) أَيْ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا (اُخْتُلِفَ فِي اقْتِصَارِ الْمُعَارِضِ عَلَى أَحَدِهَا فَالْمُجِيزُ) لِاقْتِصَارِهِ عَلَى أَحَدِهَا. قَالَ (إبْطَالُ جُزْءٍ مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (إبْطَالُهُ) أَيْ كَلَامِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ (وَمُلْزِمُ إبْطَالِ الْكُلِّ) قَالَ (إذَا سَلِمَ لَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (أَصْلٌ كَفَاهُ) فِي مَطْلُوبِهِ لِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَيَتِمُّ الْقِيَاسُ الْمُقْتَضِي لِلْمَقْصُودِ مِنْ الْحُكْمِ (وَمَحَلُّهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ

(اتِّحَادُ الْوَصْفِ) الْمُعَارَضِ بِهِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا أَوْجَبَهُ بَعْضُهُمْ حَذَرًا مِنْ انْتِشَارِ الْكَلَامِ (دُونَ تَعَدُّدِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِيهَا أَيْ جَوَازِ الْمُعَارَضَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ بِغَيْرِ مَا عَارَضَ بِهِ فِي الْأَصْلِ الْآخَرِ لِجَوَازِ أَنْ يُسَاعِدَهُ فِي الْكُلِّ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (وَلَا يَتَلَاقَيَانِ) أَيْ هَذَانِ الْقَوْلَانِ (فَنَظَرَ الْأَوَّلُ إلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (الْتَزَمَ صِحَّةَ الْإِلْحَاقِ بِكُلٍّ) مِنْ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ (وَعَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْإِلْحَاقِ بِكُلٍّ (فَبَطَلَ) الْإِلْحَاقُ (وَالْآخَرُ) قَائِلٌ (الْمَقْصُودُ إثْبَاتُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (فِي الْفَرْعِ وَيَكْفِيهِ) أَيْ إثْبَاتِهِ فِي الْفَرْعِ (مَا سَلِمَ) لَهُ مِنْ الْأُصُولِ (وَفِي مُعَارَضَةِ الْكُلِّ) أَيْ جَمِيعِ الْأُصُولِ (لَوْ أَجَابَ) الْمُسْتَدِلُّ (عَنْ أَحَدِهَا) أَيْ دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ عَنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ (فَالْقَوْلَانِ) مُجْتَمِعَانِ عَلَى أَنَّهُ (لَا بُدَّ أَنْ يَدْفَعَ) الْمُسْتَدِلُّ (عَمَّا الْتَزَمَهُ) وَهُوَ الْكُلُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ ضِمْنًا (يَكْفِيهِ وَاحِدٌ) (وَأَمَّا سُؤَالُ التَّرْكِيبِ فَتَقَدَّمَ فِي الشُّرُوطِ) لِحُكْمِ الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ وَمِنْهَا فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ إلَخْ وَأَنَّ حَاصِلَهُ الْمَنْعُ أَمَّا الْعِلِّيَّةُ عِلَّةُ حُكْمِ الْأَصْلِ أَوْ لِوُجُودِهَا أَوْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِي هَذِهِ الْمُنُوعِ وَلَيْسَ سُؤَالًا بِرَأْسِهِ وَالْأَمْثِلَةُ مَذْكُورَةٌ ثَمَّةَ (وَسُؤَالُ التَّرْجِيحِ بِالتَّعَدِّيَةِ) أَيْ وَأَمَّا سُؤَالُ التَّعَدِّيَةِ كَأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي إجْبَارِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ عَلَى النِّكَاحِ بِكْرٌ فَتُجْبَرُ كَالصَّغِيرَةِ (فَيُعَارِضُ الْبَكَارَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ إلَى الْبَالِغَةِ) وَغَيْرِهَا (بِالصِّغَرِ الْمُتَعَدِّي إلَى الثَّيِّبِ) الصَّغِيرَةِ وَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْإِجْبَارِ (لِيَتَسَاوَيَا) فِي التَّعْدِيَةِ. (وَمَرْجِعُهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ (إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ بِمَا يُسَاوِي) الْعِلَّةَ (الْأُخْرَى فِي التَّعَدِّيَةِ) دَفْعًا لِتَرْجِيحِ الْوَصْفِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُسْتَدِلُّ بِالتَّعْدِيَةِ (وَلَا تَرْجِيحَ بِزِيَادَةِ التَّعْدِيَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ بِخِلَافِ أَصْلِهَا) أَيْ التَّعَدِّيَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرَجَّحًا فَلَا يَكُونُ هَذَا السُّؤَالُ سُؤَالًا آخَرَ بَلْ هُوَ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ عِبَارَةُ الْآمِدِيِّ فِي تَعْرِيفِهِ هُوَ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأَصْلِ مَعْنًى وَيُعَارِضَ بِهِ ثُمَّ يَقُولَ لِلْمُسْتَدِلِّ مَا عَلَّلْت بِهِ وَإِنْ تَعَدَّى إلَى فَرْعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَكَذَا مَا عَلَّلْت بِهِ تَعَدَّى إلَى فَرْعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ (وَإِذْ لَمْ يَقْبَلُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (الْمُعَارَضَةَ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَذْكُرُوا سُؤَالَ اخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ) فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بَعْدَ اتِّحَادِ الضَّابِطِ فِيهِمَا (كَإِيلَاجِ مُحَرَّمٍ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ لِلْحَدِّ بِاللِّوَاطِ هُوَ إيلَاجُ فَرْجٍ مُحَرَّمٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا مُشْتَهًى طَبْعًا (فَيُحَدُّ بِهِ كَالزِّنَا فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (الْمَصْلَحَةُ مُخْتَلِفَةٌ فِي تَحْرِيمِهِمَا) أَيْ اللِّوَاطِ وَالزِّنَا (فَفِي الزِّنَا اخْتِلَاطُ النَّسَبِ الْمُفْضِي إلَى عَدَمِ تَعَهُّدِ الْوَلَدِ وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ تَعَهُّدِهِ (قَتْلٌ مَعْنًى وَفِي اللِّوَاطِ دَفْعُ رَذِيلَتِهِ) وَقَدْ يَتَفَاوَتَانِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ بِحَيْثُ لَا تَقُومُ إحْدَاهُمَا مَقَامَ الْأُخْرَى فَيُنَاطُ الْحُكْمُ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا السُّؤَالَ تَفْرِيعًا عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِمْ الْمُعَارَضَةَ فِي الْأَصْلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالَ (هِيَ) أَيْ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ لِإِبْدَاءِ خُصُوصِيَّةٍ فِي الْأَصْلِ فَلَمْ يَذْكُرُوهُ مُفْرَدًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ هِيَ (إذْ حَاصِلُهُ) أَيْ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ (الْعِلَّةُ) فِي الْأَصْلِ (شَيْءٌ آخَرُ) وَهُوَ كَوْنُهُ مُوجِبًا لِاخْتِلَاطِ النَّسَبِ (مَعَ مَا ذَكَرْت وَلِذَا) أَيْ كَوْنِهِ مُعَارَضَةً فِي الْأَصْلِ لِإِبْدَاءِ خُصُوصِيَّةٍ فِي (كَانَ جَوَابُهُ جَوَابُهَا بِإِلْغَاءِ الْخُصُوصِيَّةِ) أَيْ مَعَ إلْغَائِهَا (بِطَرِيقِهِ) أَيْ الْإِلْغَاءِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْأَمْرَيْنِ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالَ (يَنْدَرِجُ فِي مَعْنَى الشُّرُوطِ) لِلْفَرْعِ إذْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُسَاوِيَ الْأَصْلَ فِيمَا عُلِّلَ بِهِ حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِ، إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَالْمُسَاوَاةُ هُنَا فِي الْفَرْعِ مُنْتَفِيَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ عِلَّةَ الْأَصْلِ كَوْنُهُ مُوجِبًا لِاخْتِلَاطِ النَّسَبِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ. (الثَّالِثُ) مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْقِيَاسِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَهُوَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ (عَلَيْهِ سُؤَالَانِ الْأَوَّلُ مَنْعُ وُجُودِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي الْفَرْعِ كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ (بَيْعُ التُّفَّاحَةِ بِثِنْتَيْنِ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِمَطْعُومٍ مُجَازَفَةً فَلَا يَصِحُّ كَصُبْرَةٍ بِصُبْرَتَيْنِ) وَمَقُولُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ (يَمْنَعُ وُجُودَهُ) أَيْ الْوَصْفِ (فِي الْفَرْعِ لِأَنَّ الْمُجَازَفَةَ بِاعْتِبَارِ الْكَيْلِ وَهُوَ) أَيْ الْكَيْلُ (مُنْتَفٍ فِيهِ) أَيْ التُّفَّاحِ (وَيَرِدُ) عَلَى هَذَا الْمَنْعِ (أَنَّهَا) أَيْ الْمُجَازَفَةَ (بِاعْتِبَارِ الْمُقَدَّرِ) لِذَلِكَ شَرْعًا (كَيْلًا وَوَزْنًا فَالْإِلْحَاقُ) لِلْفَرْعِ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورَيْنِ (بِاعْتِبَارِ) الْمُقَدَّمِ (الْأَعَمِّ) مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ (فَإِنَّمَا يُدْفَعُ هَذَا) الْإِيرَادُ (بِانْتِفَائِهِمَا) أَيْ الْكَيْلِ

الْوَزْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ التُّفَّاحَ (عَدَدِيٌّ وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ عَدَدِيًّا (مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ التُّفَّاحَ (كَذَلِكَ) عَدَدِيٌّ (فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَدِيًّا (فَالْعَادَةُ) أَيْ فَالْعِبْرَةُ بِمَا هُوَ الْعُرْفُ فِي بَيْعِهِ مِنْ وَزْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَهِيَ) أَيْ الْعَادَةُ (مُخْتَلِفَةٌ فِيهِ) أَيْ التُّفَّاحِ مِنْ كَوْنِهِ وَزْنِيًّا وَغَيْرَهُ (وَلِمُحَمَّدٍ) أَيْ وَكَمَا فِيمَا لِمُحَمَّدٍ (فِي إيدَاعِ الصَّبِيِّ) غَيْرِ الْمَأْذُونِ مَالًا غَيْرَ الرَّقِيقِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ إذَا أَتْلَفَهُ لِأَنَّ مَالِكَهُ (سَلَّطَهُ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ (فَيَمْنَعَانِ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْمُقَابِلَةِ (أَنَّهُ) أَيْ إيدَاعَهُ (تَسْلِيطٌ) لَهُ عَلَى إتْلَافِهِ لَكِنَّ الْمَسْطُورَ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ كَمَا مَشَيْنَا عَلَيْهِ فِيمَا سَلَفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُضَمِّنُهُ كَمُحَمَّدٍ (وَلِلشَّافِعِيَّةِ) أَيْ وَكَمَا فِيمَا لَهُمْ (فِي) صِحَّةِ (أَمَانِ الْعَبْدِ أَمَانٌ مِنْ أَهْلِهِ فَيُعْتَبَرُ كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ فَيَمْنَعُ أَهْلِيَّتَهُ) أَيْ الْعَبْدِ (لَهُ) أَيْ الْأَمَانِ (وَجَوَابُهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ (بِبَيَانِ وُجُودِهِ) أَيْ هَذَا الْوَصْفِ (بِعَقْلٍ أَوْ حِسٍّ أَوْ شَرْعٍ) أَيْ بِمَا هُوَ طَرِيقُ مِثْلَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ (وَيَزِيدُ الْمُسْتَدِلُّ هُنَا) أَيْ فِي هَذَا الْفَرْعِ (بَيَانَ مُرَادِهِ بِالْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ) أَيْ بَيَانُ مُرَادِهِ بِهَا (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُؤْمِنِ (مَظِنَّةً لِرِعَايَةِ مَصْلَحَتِهِ) أَيْ الْأَمَانِ الثَّابِتَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ (بِإِسْلَامِهِ وَبُلُوغِهِ وَلَوْ زَادَ الْمُعْتَرِضُ بَيَانَ الْأَهْلِيَّةِ لِيَظْهَرَ انْتِفَاؤُهَا) فِي الْفَرْعِ (فَالْمُخْتَارُ لَا يُمْكِنُ) مِنْهُ (إذْ هُوَ) أَيْ بَيَانُ الْمُرَادِ بِهَا (وَظِيفَةُ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ) أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ الْعَالِمُ بِمُرَادِهِ فَيَتَوَلَّى تَعْيِينَ مَا ادَّعَاهُ (دَفْعًا لِنَشْرِ الْجِدَالِ) بِالِانْتِقَالِ وَالِاشْتِغَالِ. السُّؤَالُ (الثَّانِي الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ (فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ بِأَنْ يَقُولَ مَا ذَكَرْته مِنْ الْوَصْفِ وَإِنْ اقْتَضَى ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَعِنْدِي وَصْفٌ آخَرُ يَقْتَضِي نَقِيضَهُ فَيَتَوَقَّفُ دَلِيلُك (وَهِيَ) أَيْ وَهَذِهِ هِيَ (الْمُعَارَضَةُ إذَا أُطْلِقَتْ) فِي بَابِ الْقِيَاسِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا بُدَّ لَهُ) أَيْ لِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ فِيهِ (مِنْ أَصْلٍ) بِجَامِعٍ بَيْنَهُمَا يُثْبِتُ عِلِّيَّتَهُ (فَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ (مُعَارَضَةُ قِيَاسَيْنِ وَلِذَا) أَيْ كَوْنِهَا مُعَارَضَةَ قِيَاسَيْنِ (كَانَتْ) هِيَ الْمُعَارَضَةُ (الْحَقِيقَةُ) أَيْ حَقِيقَةُ الْمُعَارَضَةِ الْمُطْلَقَةِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (إثْبَاتُ وَصْفِهِ) أَيْ عِلِّيَّتِهِ (بِمَسْلَكِهِ وَلِلْآخَرِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (اعْتِرَاضُهُ بِمَا يَعْتَرِضُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ فَيَنْقَلِبَانِ) أَيْ فَيَصِيرُ الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلًّا وَالْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا لِانْقِلَابِ وَظِيفَتِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ انْقِلَابُهُمَا لِانْقِلَابِ التَّنَاظُرِ (وَجْهُ مَنْعِ مَانِعِهَا) أَيْ الْقَائِلِ بِعَدَمِ سَمَاعِهَا لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِمَّا قَصَدَاهُ مِنْ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ نَظَرِ الْمُسْتَدِلِّ فِي دَلِيلِهِ إلَى أَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ مَعْرِفَةُ صِحَّةِ نَظَرِ الْمُعْتَرِضِ فِي دَلِيلِهِ وَالْمُسْتَدِلُّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَعْرِفَةِ صِحَّةِ نَظَرِ الْمُعْتَرِضِ فِي دَلِيلِهِ وَلَا عَلَيْهِ أَتَمَّ نَظَرُ الْمُعْتَرِضِ فِي دَلِيلِهِ أَمْ لَا (وَدُفِعَ بِأَنَّ) الِانْقِلَابَ (الْمُمْتَنِعَ أَنْ يُثْبِتَ) الْمُعْتَرِضُ (مُقْتَضَى دَلِيلِهِ) نَفْسِهِ (وَهَذَا) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَصْدُهُ (لِهَدْمِهِ) أَيْ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ (بِنَقِيضِهِ بَعْدَ تَمَامِهِ) أَيْ نَقِيضِهِ (فَالْمَعْنَى تَمَامُ دَلِيلِك) أَيُّهَا الْمُسْتَدِلُّ (مَوْقُوفٌ عَلَى هَدْمِ هَذَا) أَيْ دَلِيلِي لِمُعَارَضَتِهِ لِدَلِيلِك وَقَدْ يُجَابُ عَنْ سُؤَالِ الْمُعَارَضَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْقَدْحِ فِيهَا وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ التَّرْجِيحِ (وَالْمُخْتَارُ قَبُولُ التَّرْجِيحِ بِمَا تَقَدَّمَ) فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ (وَلَا خِلَافَ فِيهِ) أَيْ فِي قَبُولِ التَّرْجِيحِ فِيهِ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ) بِالدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ (بَعْدَ الْمُعَارَضَةِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ) أَيْ التَّرْجِيحِ (وَقِيلَ لَا) يُقْبَلُ التَّرْجِيحُ (لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِتَسَاوِي الظَّنَّيْنِ) إذْ لَا مِيزَانَ يُوزَنُ بِهِ الظُّنُونُ وَلَا مِعْيَارَ يُعْرَفُ بِهِ مَرَاتِبُهَا (وَالتَّرْجِيحُ فَرْعُهُ) أَيْ تَسَاوِيهِمَا (وَهَذَا) مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ (يُبْطِلُ التَّرْجِيحَ مُطْلَقًا وَدَلَالَةَ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ) أَيْ التَّرْجِيحِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ (يُبْطِلُهُ) أَيْ إبْطَالُ التَّرْجِيحِ مُطْلَقًا. (وَعَلَى الْمُخْتَارِ) مِنْ قَبُولِ التَّرْجِيحِ هَلْ يَجِبُ الْإِيمَاءُ إلَى التَّرْجِيحِ فِي مَتْنِ الدَّلِيلِ كَأَنْ يَقُولَ أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ مُوَافِقًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَجِبُ لِأَنَّ الرُّجْحَانَ شَرْطُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِهِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ (لَا تَجِبُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) أَيْ التَّرْجِيحِ (عَلَى الْمُسْتَدِلِّ) قَبْلَ الْمُعَارَضَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّرْجِيحَ (لَيْسَ) جُزْءًا (مِنْهُ) أَيْ الدَّلِيلِ لِلتَّوَصُّلِ بِالدَّلِيلِ إلَى الْمَدْلُولِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْهُ نَعَمْ يُوقَفُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ عِنْدَ حُصُولِ الْمُعَارِضِ (وَتَوَقُّفُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ) أَيْ التَّرْجِيحِ (عِنْدَ ظُهُورِ الْمُعَارَضَةِ شَرْطٌ) لَهُ (مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ) وَهُوَ ظُهُورُ الْمُعَارَضَةِ فَهُوَ مِنْ

تَوَابِعِ ظُهُورِهَا لِدَفْعِهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الدَّلِيلِ فَلَا يَجِبُ ذِكْرُهُ فِي الدَّلِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ لُزُومُهُ) أَيْ الْإِيمَاءِ إلَى التَّرْجِيحِ فِي الدَّلِيلِ (فِي الْعَمَلِ) أَيْ عَمَلِ الْمُنَاظِرِ (لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ دَلِيلًا مُوجِبًا لِلْعَمَلِ إلَّا بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُعَارِضِ أَوْ مَرْجُوحِيَّتِهِ فَيَلْزَمُ الْإِيمَاءُ إلَى التَّرْجِيحِ فِي دَلِيلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْمُعَارِضِ لِيَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ الْمُوجِبُ لِلْعَمَلِ (لَا) فِي (الْمُنَاظَرَةِ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ قَبْلَ إبْدَاءِ الْمُعَارَضَةِ. (وَأَمَّا مَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ سُؤَالِ اخْتِلَافِ الضَّابِطِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَهُوَ (أَنْ يَجْمَعَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَ عِلَّتَيْنِ كَشُهُودِ الزُّورِ) إذَا شَهِدُوا عَلَى إنْسَانٍ بِقَتْلٍ عَمْدٍ عُدْوَانٍ فَقُتِلَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ ظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِرُجُوعِهِمْ فَيُقَالُ يُقْتَلُونَ لِأَنَّهُمْ (تَسَبَّبُوا فِي الْقَتْلِ فَيُقْتَصُّ) مِنْهُمْ (كَالْمُكْرِهِ) لِغَيْرِهِ عَلَى قَتْلٍ عَمْدٍ عُدْوَانٍ (فَيُقَالُ الضَّابِطُ) فِيهِمَا مُخْتَلِفٌ (فِي الْأَصْلِ الْإِكْرَاهُ وَفِي الْفَرْعِ الشَّهَادَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُ تُسَاوِيهِمَا) أَيْ الْإِكْرَاهِ وَالشَّهَادَةِ ( مَصْلَحَةً ) وَهِيَ الزَّجْرُ عَنْ التَّسَبُّبِ لِلْقَتْلِ الظُّلْمِ (شَرْعًا لِيُقْتَلَ) الشَّاهِدُ (بِالشَّهَادَةِ) فَقَدْ يَكُونُ مَا وُجِدَ مِنْ التَّسَبُّبِ فِي ضَابِطِ الْأَصْلِ رَاجِحًا عَلَى مَا وُجِدَ مِنْهُ فِي ضَابِطِ الْفَرْعِ فَلَا يُمْكِنُ تَعَدِّيَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ. (وَجَوَابُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ لِهَذَا السُّؤَالِ (إمَّا بِأَنَّ الضَّابِطَ) بَيْنَ هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ الْخَاصَّيْنِ (التَّسَبُّبُ) الْمُطْلَقُ وَهُوَ (مُنْضَبِطٌ عُرْفًا) وَهَذَا الْجَوَابُ (عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ) فِي مَسْأَلَةِ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ فِي الْفُرُوعِ (مِنْ الْقِيَاسِ لِلْعِلَّةِ) أَيْ لَا يُعَلَّلُ لِإِثْبَاتِهَا (لِمَنْ مَنَعَهُ) أَيْ الْقِيَاسَ بِهَا (وَجَعَلَ) الْمَنَاطَ (الْمُشْتَرَكَ) بَيْنَ الْأَمْرِ الَّذِي ثَبَتَ عِلِّيَّتُهُ لِحُكْمٍ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ كَذَلِكَ (عِلَّتَهُ) أَيْ عِلَّةَ ذَلِكَ الْمَنَاطِ الْمُشْتَرَكِ إنْ انْضَبَطَ وَكَانَ ظَاهِرًا وَحِينَئِذٍ فَلَا قِيَاسَ وَمَا يُخَالُ أَصْلًا وَفَرْعًا إنَّمَا هُمَا فَرْدَا ذَلِكَ الْمَنَاطِ الْمُشْتَرَكِ (أَوْ بِأَنَّ إفْضَاءَهُ) أَيْ الضَّابِطِ إلَى الْمَقْصُودِ فِي الْفَرْعِ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ إفْضَاءِ الضَّابِطِ إلَى الْمَقْصُودِ فِي الْأَصْلِ (أَوْ أَرْجَحُ) مِنْهُ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَبِطَرِيقٍ أَوْلَى عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي كَمَا (فِيمَا لَوْ جَعَلَ أَصْلَهُ) أَيْ أَصْلَ هَذَا الْفَرْعِ (إغْرَاءُ الْحَيَوَانِ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الشَّاهِدِ زُورًا بِإِغْرَائِهِ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَتْلِ بِالْقِصَاصِ لِشَهَادَتِهِ قِيَاسًا عَلَى إغْرَاءِ الْحَيَوَانِ عَلَى الْقَتْلِ (فَإِنَّ الشَّهَادَةَ أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إغْرَاءِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ انْبِعَاثَ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ عَلَى قَتْلِ مَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ طَلَبًا لِلتَّشَفِّي وَالْأَخْذِ بِثَأْرِ الْمَقْتُولِ أَرْجَحُ مِنْ انْبِعَاثِ الْحَيَوَانِ عَلَى قَتْلِ مَنْ يُغْرِي هُوَ عَلَيْهِ لِسَبَبِ نُفْرَتِهِ عَنْ الْآدَمِيِّ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْإِغْرَاءِ. (وَكَوْنُهُمَا) أَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ (التَّسَبُّبَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى التَّسَبُّبِ بِالْإِغْرَاءِ) كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَرَّحَ بِهِ عَضُدُ الدِّينِ قِيَاسٌ (بِلَا جَامِعٍ بَلْ) الْوَجْهُ فِيهِمَا (الشَّهَادَةُ) أَيْ قِيَاسُهَا (عَلَى الْإِكْرَاهِ أَوْ الْإِغْرَاءِ أَوْ الشَّاهِدِ) أَيْ قِيَاسِهِ (عَلَى الْمُكْرَهِ بِالتَّسَبُّبِ أَوْ بِإِلْغَاءِ التَّفَاوُتِ) بَيْنَ ضَابِطَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْمَصْلَحَةِ (إذَا أَثْبَتَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ التَّفَاوُتَ (فِي خُصُوصِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَمَا إذَا قَالَ التَّفَاوُتُ الْمَذْكُورُ مُلْغًى فِي الْقِصَاصِ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ إذْ لَا فَرْقَ فِي الْقِصَاصِ بِالْمَوْتِ بِقَطْعِ الْأُنْمُلَةِ وَبِالْمَوْتِ بِضَرْبِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ كَانَ ضَرْبُ الرَّقَبَةِ أَشَدَّ إفْضَاءً إلَى الْمَوْتِ مِنْ قَطْعِ الْأُنْمُلَةِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُثْبِتْهُ فِي خُصُوصِهِ (لَمْ يَفْدِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ فَارِقٍ مُعَيَّنٍ إلْغَاءُ كُلِّ فَارِقٍ (فَلَمْ تَذْكُرْهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالَ (الْحَنَفِيَّةُ لِرُجُوعِهِ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ وَسُؤَالُ الْقَلْبِ مُنْدَرِجٌ فِي الْمُعَارَضَةِ) لِأَنَّهَا دَلِيلٌ يَثْبُتُ بِهِ خِلَافُ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْقَلْبُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا مَخْصُوصٌ فَإِنَّ الْأَصْلَ وَالْجَامِعَ فِيهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ قِيَاسَيْ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعَارِضِ ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ شَرْحًا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ نَوْعُ مُعَارَضَةٍ اشْتَرَكَ فِيهِ الْأَصْلُ وَالْجَامِعُ لَكِنْ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ مَا عَلَيْهِ اصْطِلَاحُ الْخِلَافِيِّينَ وَهِيَ إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ مَا أَقَامَ الْمُسْتَدِلُّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُغَايِرًا لِدَلِيلِهِ أَوْ عَيْنَهُ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِاشْتِرَاطِ مُغَايَرَةِ الْوَصْفَيْنِ أَعْنِي وَصْفَيْ الْمُعَلِّلِ وَالْمُعَارِضِ فِيهَا اهـ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ عَضُدِ الدِّينِ. وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِيءُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُعَارَضَةِ فِي قَبُولِهِ وَيَكُونُ الْمُخْتَارُ قَبُولَهُ إلَّا أَنَّهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ الْمَحْضَةِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الِانْتِقَالِ فَإِنَّ قَصْدَ هَدْمِ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ لِأَدَائِهِ إلَى التَّنَاقُضِ ظَاهِرٌ فِي الْقَلْبِ

وَلِأَنَّهُ مَانِعٌ لِلْمُسْتَدِلِّ مِنْ تَرْجِيحِ دَلِيلِهِ عَلَى دَلِيلِ الْمُعْتَرِضِ بِالتَّوْسِعَةِ وَالتَّعَدِّيَةِ إذْ التَّرْجِيحُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَهُنَا دَلِيلٌ وَاحِدٌ اهـ مُوَضَّحًا فِيهِ تَأَمَّلْ. (وَكَلَامُ الْحَنَفِيَّةِ الْمُعَارَضَةُ) وَأَسْلَفْنَا بَيَانَهَا (نَوْعَانِ) النَّوْعُ الْأَوَّلُ (مُعَارَضَةٌ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ) وَهِيَ الْمُقَابَلَةُ بِالتَّعْلِيلِ الْمُبْطِلِ لِتَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ (وَهِيَ الْقَلْبُ) وَتَحْقِيقُهَا أَنَّ الْمُعَارَضَةَ إبْدَاءُ دَلِيلٍ مُبْتَدَأٍ بِدُونِ التَّعَرُّضِ لِدَلِيلِ الْمُعَلِّلِ وَالْمُنَاقَضَةُ إبْطَالُ دَلِيلِ الْمُعَلِّلِ بِدُونِ إبْدَاءِ دَلِيلٍ مُبْتَدَأٍ وَلَمَّا كَانَ الْقَلْبُ مُرَكَّبًا مِنْ أَحَدِ جُزْأَيْ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ إبْدَاءُ عِلَّةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَأَحَدُ جُزْأَيْ الْمُنَاقَضَةِ وَهُوَ إبْطَالُ الدَّلِيلِ سَمَّيْنَاهُ بِاسْمٍ آخَرَ مُنْبِئٍ عَنْهُمَا وَهُوَ مُعَارَضَةٌ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ وَلَمْ يُسَمِّ مُنَاقَضَةً فِيهَا مُعَارَضَةٌ لِأَنَّ إبْدَاءَ الْعِلَّةِ بِمُقَابَلَةِ دَلِيلِ الْمُعَلِّلِ سَابِقٌ وَمَقْصُودٌ وَتَخَلُّفَ الْحُكْمِ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْمُعَارَضَةُ أَصْلًا (وَيُقَالُ) الْقَلْبُ (لِجَعْلِ الْأَعْلَى أَسْفَلَ) وَالْأَسْفَلَ أَعْلَى كَقَلْبِ الْإِنَاءِ (وَمِنْهُ) أَيْ جَعْلِ الْأَعْلَى أَسْفَلَ وَالْأَسْفَلَ أَعْلَى (جَعْلُ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَقَلْبِهِ) أَيْ جَعْلِ الْعِلَّةِ مَعْلُولًا فَجَعْلُ الْمَعْلُولِ عِلَّةً جَعْلُ الْأَسْفَلِ أَعْلَى وَجَعْلُ الْعِلَّةِ مَعْلُولًا جَعْلُ الْأَعْلَى أَسْفَلَ (فَإِنَّ الْعِلَّةَ أَعْلَى لِلْأَصْلِيَّةِ) أَيْ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَالْمَعْلُولُ فَرْعٌ وَهُوَ أَسْفَلُ فَتَبْدِيلُهُمَا بِمَنْزِلَةِ جَعْلِ الْإِنَاءِ مَنْكُوسًا. (وَإِنَّمَا يُمْكِنُ) هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ (فِي التَّعْلِيلِ بِحُكْمٍ) أَيْ فِيمَا إذَا جَعَلَ الْمُسْتَدِلُّ حُكْمًا فِي الْأَصْلِ عِلَّةً لِحُكْمٍ آخَرَ فِيهِ عَدَّاهُ إلَى الْفَرْعِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَمَا اسْتَقَامَ عِلَّةً اسْتَقَامَ حُكْمًا لَا فِي التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْمَحْضِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ حُكْمًا بِوَجْهٍ وَلَا الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ عِلَّةً لَهُ أَصْلًا (كَالْكُفَّارِ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: الْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَوْ زَنَى الذِّمِّيُّ الْحُرُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الَّذِي وَطِئَ امْرَأَةً فِي الْقُبُلِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ يُرْجَمُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ جِنْسٌ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً إذَا كَانَ حُرًّا (فَيُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ) أَيْ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارَ الْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءَ الْوَاطِئِينَ لِامْرَأَةٍ فِي الْقُبُلِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ يُرْجَمُونَ لِأَنَّهُ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً فَجَعَلَ جَلْدَ الْبِكْرِ مِائَةً عِلَّةً لِوُجُوبِ رَجْمِ الثَّيِّبِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَقَاسَ الْكُفَّارَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْجَامِعِ وَهُوَ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ يَقَعَانِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ الْمُعْتَرِضُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا يُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ لِأَنَّهُ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ بَلْ (إنَّمَا جُلِدَ بِكْرُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ يُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ) فَلَا يَلْزَمُ رَجْمُ الذِّمِّيِّ الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الثَّيِّبِ الزَّانِي (فَحَيْثُ جَعَلَ) الْحَنَفِيُّ الْمُعْتَرِضُ مَا جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ الْمُسْتَدِلُّ (الْعِلَّةَ) فِي الْأَصْلِ وَهُوَ جَلْدُ الْمِائَةِ (حُكْمًا) فِيهِ وَمَا جَعَلَهُ حُكْمًا فِيهِ وَهُوَ رَجْمُ الثَّيِّبِ الْعِلَّةَ فِيهِ كَانَ هَذَا الْقَلْبُ مُعَارَضَةً صُورَةً لِتَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ بِتَعْلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْحُكْمِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْمُسْتَدِلُّ وَكَانَ الْحُكْمُ عِلَّةً (لَزِمَهَا النَّقْضُ) لِأَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ حُكْمًا فَهِيَ تُوجَدُ وَلَا يُوجَدُ مَعَهَا الْحُكْمُ وَلَيْسَ النَّقْضُ إلَّا وُجُودَ الْمُدَّعِي عِلَّةً مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ (وَهُوَ) أَيْ وَهَذَا (قَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ مُعَارَضَةً (فِيهَا مُنَاقَضَةٌ) أَيْ إبْطَالٌ لِتَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ. هَذَا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَعَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ فِي هَذَا الْقَلْبِ وَجَعَلُوهُ إبْطَالًا لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ إبْدَاءُ دَلِيلٍ يُوجِبُ خِلَافَ مَا أَوْجَبَهُ دَلِيلُ الْمُعَلِّلِ فِي مَحَلِّ اسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا هُنَا فِي الْقَلْبِ إذْ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِتَعْلِيلِ الْقَالِبِ لَا يَتَعَرَّضُ لِحُكْمِ الْمُعَلَّلِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ وَإِنَّمَا يَدُلُّ تَعْلِيلُهُ عَلَى فَسَادِ تَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ فَكَانَ إبْطَالًا لَا مُعَارَضَةً وَفِي الْكَشْفِ لَكِنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ اعْتَبَرَ صُورَةَ الْمُعَارَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْغَالِبَ عَارَضَ تَعْلِيلَ الْمُعَلِّلِ بِتَعْلِيلٍ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ تَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ حُكْمِهِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ فِي الْأَصْلِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِتَعْلِيلِ الْقَالِبِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ تَعَقَّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُعَيَّنَةِ عَدَمُ الْمَعْلُولِ لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ لِأَنَّ دَلِيلَهُ تَعْلِيلٌ بِأَمْرٍ وُجُودِيٍّ وَهَذَا عَدَمِيٌّ وَقَدْ عُرِفَ الْخِلَافُ فِيهِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ جَوَازِهِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْكَشْفِ وَلَعَمْرِي هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَانَعَةِ مِنْهُ إلَى الْمُعَارَضَةِ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَمْنَعُ نَفْسَ الدَّلِيلِ وَصَلَاحِيَّتَهُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَقَطَعَ بِهِ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ. (وَالِاحْتِرَاسُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ هَذَا الْقَلْبِ حَتَّى لَا يَتَأَتَّى إيرَادُهُ عَلَى الْمُعَلِّلِ (جَعَلَهُ) أَيْ الْكَلَامَ (اسْتِدْلَالًا) أَيْ لَا يُورَدُ الْحُكْمَانِ بِطَرِيقِ

تَعْلِيلِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى ثُبُوتِ الْآخَرِ إذْ لَا امْتِنَاعَ فِي جَعْلِ الْمَعْلُولِ دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّةِ بِأَنْ يُقَيِّدَ الثُّبُوتَ بِتَصْدِيقِهَا كَمَا يُقَالُ هَذِهِ الْخَشَبَةُ قَدْ مَسَّتْهَا النَّارُ لِأَنَّهَا مُحْتَرِقَةٌ وَهَذَا الْإِنْسَانُ مُتَعَفِّنُ الْأَخْلَاطِ لِأَنَّهُ مَحْمُومٌ (وَهُوَ) أَيْ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ إنَّمَا يَتِمُّ (إذَا ثَبَتَ التَّلَازُمُ شَرْعًا) بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَيَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَلِيلَ الْآخَرِ وَمَدْلُولَهُ (كَالتَّوْأَمَيْنِ) أَيْ الْمَوْلُودَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ (فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالنَّسَبِ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِأَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ لِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ وَالرِّقُّ فِي أَيِّهِمَا كَانَ لِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ وَنَسَبُ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ لِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ مِثَالُهُ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ: الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي مَالِهَا فَيُوَلَّى عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فَلَوْ قِيلَ قَلْبًا الْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ لِلْوِلَايَةِ إنَّمَا هُوَ الْعَجْزُ الْمَوْجُودُ فِي الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَى التَّصَرُّفِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْوِلَايَةِ عَلَى الْحُرِّ اكْتِفَاءً بِرَأْيِهِ وَإِنَّمَا يُقَامُ رَأْيُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ إذَا عُدِمَ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ نَظَرًا لَهُ وَلِهَذَا كَانَتْ تَصَرُّفَاتُ الْوَلِيِّ لَهُ مَشْرُوطَةً بِالْغِبْطَةِ فَالْوِلَايَةُ لِلْوَلِيِّ ظَاهِرًا وَعَلَيْهِ مَعْنًى وَلِهَذَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهَا وَيَأْثَمُ بِتَقْصِيرِهِ فِي رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ لَهُ. وَالنَّفْسُ وَالْمَالُ وَالثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ فِي الْعَجْزِ وَالْحَاجَةِ سَوَاءٌ فَأَمْكَنَ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي الْأُخْرَى لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْعِلَّةِ بِخِلَافِ تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ هَذَا الْمَخْلَصُ بِهَذَا الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ لَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ لِأَنَّ الرَّجْمَ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ لِإِتْيَانِهِ عَلَى النَّفْسِ وَالْجَلْدَ نَائِبٌ مَحَلُّهُ ظَاهِرُ الْبَدَنِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الشَّرْطُ لِأَنَّ النِّيَابَةَ شَرْطُ الرَّجْمِ دُونَ الْجَلْدِ فَجَازَ أَنْ يُفَرَّقَا فِي شَرْطِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَلْزَمُ الِانْقِطَاعُ صُورَةً هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ يُوهِمُ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ يَصِيرُ مُنْقَطِعًا بِالْقَلْبِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ بَعْدَهُ قَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا عِلَّةٌ لِذَاكَ أَوْ لَا بِأَنْ يَقُولَ الْكُفَّارُ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ وَيُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ التَّدَارُكُ مُمْكِنٌ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَبِأَنْ يَقُولَ الْعِلَّةُ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ تُطْلَقُ عَلَى الْمُعَرِّفِ وَالْمُرَادُ هُوَ الثَّانِي فَلَا يَضُرُّنَا الْقَلْبُ لِأَنَّ الشَّيْءَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُعَرِّفًا لِشَيْءٍ وَذَلِكَ الشَّيْءُ مُعَرِّفًا لَهُ كَالنَّارِ مَعَ الدُّخَانِ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ عِلَّةً لِصَاحِبِهِ بِمَعْنَى كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَرِّفًا لِصَاحِبِهِ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَبِأَنْ يَقُولَ غَرَضِي الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَمَا ذَكَرْت مِنْ الْقَلْبِ لَا يُنَافِي غَرَضِي فَظَهَرَ أَنَّ الْمُعَلِّلَ لَا يَنْقَطِعُ بِالْقَلْبِ وَلَهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ عَنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ (وَ) يُقَالُ (لِجَعْلِ الظَّهْرِ بَطْنًا) وَالْبَطْنَ ظَهْرًا كَقَلْبِ الْجِرَابِ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ (جَعْلُ وَصْفِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (شَاهِدًا) أَيْ حُجَّةً (لَك) أَيُّهَا الْمُعْتَرِضُ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ يُخَالِفُ حُكْمَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ شَاهِدًا لَهُ عَلَيْك فِي إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ فَوَجْهُ الْوَصْفِ كَانَ إلَى الْمُعَلِّلِ أَيْ مُقْبِلًا عَلَيْهِ وَظَهْرُهُ إلَى السَّائِلِ أَيْ مُعْرِضًا عَنْهُ فَصَارَ وَجْهُهُ إلَى السَّائِلِ وَظَهْرُهُ إلَى الْمُعَلِّلِ وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَصْفَ لَمَّا شَهِدَ لِلْمُعْتَرِضِ بَعْدَ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ صَارَ مُتَنَاقِضًا فِي شَهَادَتِهِ فَبَطَلَتْ شَهَادَتُهُ. (وَلَا بُدَّ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا النَّوْعِ (مِنْ زِيَادَةٍ) فِي الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ (تُورِدُ تَفْسِيرًا لِمَا أَبْهَمَهُ الْمُسْتَدِلُّ) مِنْ الْوَصْفِ وَتَقْرِيرًا لَهُ لَا تَغْيِيرًا فَكَانَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِعَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا بِغَيْرِهِ لِيَلْزَمَ أَنْ لَا يَكُونَ قَلْبًا بَلْ يَكُونُ مُعَارَضَةً مَحْضَةً غَيْرَ مُتَضَمِّنَةٍ لِلْإِبْطَالِ وَحَقِيقَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ أَنَّهُ رَبْطُ خِلَافِ قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ إلْحَاقًا بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ (كَصَوْمِ فَرْضٍ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ صَوْمُ فَرْضٍ (فَلَا يَتَأَدَّى بِلَا تَعْيِينٍ) لِلنِّيَّةِ (كَالْقَضَاءِ) أَيْ كَصَوْمِ الْقَضَاءِ فَعَلَّقَ وُجُوبَ التَّعْيِينِ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ (فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ (صَوْمُ فَرْضٍ مُتَعَيِّنٍ) قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِانْتِفَاءِ سَائِرِ الصِّيَامَاتِ عَنْ الْوَقْتِ (فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ بَعْدَ تَعَيُّنِهِ (كَالْقَضَاءِ)

أَيْ كَصَوْمِهِ (بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ) فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا عَيَّنَ مَرَّةً لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ ثَانِيًا فَالْمُسْتَدِلُّ قَالَ صَوْمُ فَرْضٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُتَعَيِّنًا فِي هَذَا الْوَقْتِ تَرْوِيجًا لِمَطْلُوبِهِ وَذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ تَفْسِيرًا لَهُ وَبَيَانًا لِمَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّ مَحَلَّهُ الصَّوْمُ الْفَرْضُ الْمُتَعَيَّنُ فِي وَقْتِهِ فَيَكُونُ الْأَصْلُ لَهُ صَوْمَ الْقَضَاءِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ غَايَتُهُ أَنَّ تَعْيِينَ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِتَعْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ بِالشُّرُوعِ بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ وَلَا ضَيْرَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَعْيِينُ الشَّارِعِ أَدْنَى مِنْ تَعْيِينِ الْعَبْدِ. (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْحُ (رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَلَيْسَ تَكْرِيرُهُ كَالْغُسْلِ فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ الْمَسْحُ (رُكْنٌ فِيهِ) أَيْ الْوُضُوءِ (أَكْمَلُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْفَرْضِ) وَهُوَ اسْتِيعَابُ بَاقِيهِ (فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَالْغُسْلِ فَهِيَ) أَيْ الزِّيَادَةُ الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْفَرْضِ (تَفْسِيرٌ) لِحُصُولِ مَحَلِّ النِّزَاعِ (لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي تَثْلِيثِ الْمَسْحِ بَعْدَ إكْمَالِهِ كَذَلِكَ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْفَرْضِ (وَهُوَ الِاسْتِيعَابُ وَلَمْ يَصِحَّ إيرَادُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لِهَذَا) الْمِثَالِ (فِي الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ مَعَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ لَيْسَ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَقْرِيرٌ فِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ مَا جَعَلَ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ دَلِيلًا عَلَى نَقِيضِ مُدَّعَاهُ فَيَلْزَمُ إبْطَالُهُ (وَإِذَا عَلِمْت) فِي أَوَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ (أَنَّ الْإِيرَادَ) أَيْ إيرَادَ الْمُعْتَرِضِ لِلِاعْتِرَاضِ إنَّمَا هُوَ (عَلَى ظَنِّهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (التَّأْثِيرَ لَا) عَلَى (حَقِيقَتِهِ) أَيْ التَّأْثِيرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (صَحَّ إيرَادُ الْقَلْبِ عَلَى) الْعِلَلِ (الْمُؤَثِّرَةِ كَفَسَادِ الْوَضْعِ) إذْ الْمُنَافَاةُ إنَّمَا هِيَ بَيْنَ التَّأْثِيرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَتَمَامُ الْمُعَارَضَةِ عَلَى الْقَطْعِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ (وَيُخَالِفُهُ) أَيْ الْقَلْبَ فَسَادُ الْوَضْعِ (بِالزِّيَادَةِ) فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْقَلْبِ (وَبِكَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ (أَعَمَّ مِنْ مُدَّعَاهُ) فَلَا يَكُونُ مَنْعُ وُرُودِهِ عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ صَحِيحًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْقَلْبَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْقَالِبَ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَقِيضِ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ فَلَا يَقْدَحُ فِي دَلِيلِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْأَصْلِ الْوَاحِدِ حُكْمَانِ غَيْرُ مُتَنَافِيَيْنِ. وَإِنْ تَعَرَّضَ لِنَقِيضِهِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ وَلَا إثْبَاتِهِ بِعِلَّتِهِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَاسْتِحَالَةِ اقْتِضَاءِ الْعِلَّةِ حُكْمَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ لِتَعَذُّرِ مُنَاسَبَتِهِمَا لَهُمَا وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِالْمَنْعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا تَعَرَّضَ لِنَفْيِهِ مِنْ لَوَازِمِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قَادِحًا فِي الدَّلِيلِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ شَرْطَ الْقَلْبِ اشْتِمَالُ الْأَصْلِ عَلَى حُكْمَيْنِ غَيْرِ مُتَنَافِيَيْنِ فِي ذَاتَيْهِمَا قَدْ امْتَنَعَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْفَرْعِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ وَنَقِيضِهِ حَقِيقَةً فَلَمْ يَكُنْ اجْتِمَاعُهُمَا فِي أَصْلِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُنَاسِبَةً لِلْحُكْمِ فِي نَظَرِ الْمُسْتَدِلِّ وَلِنَقِيضِهِ فِي نَظَرِ الْمُعْتَرِضِ فَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ فِي الْفَرْعِ ثُمَّ حَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ الْقَلْبَ صَحِيحٌ وَهُوَ مُعَارَضَةٌ فَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَمْنَعَ حُكْمَ الْقَالِبِ فِي الْأَصْلِ وَأَنْ يَقْدَحَ فِي تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ فِيهِ بِالنَّقْضِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَأَنْ يَقُولَ بِمُوجِبِهِ إذَا أَمْكَنَهُ بِبَيَانِ أَنَّ اللَّازِمَ لَا يُنَافِي حُكْمَهُ وَأَنْ يَقْلِبَ قَلْبَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَلْبُ الْقَلْبِ مُنَاقِضًا لِحُكْمِهِ لِأَنَّ قَلْبَ الْقَلْبِ إذَا فَسَدَ بِالْقَلْبِ الثَّانِي سَلِمَ أَصْلُ الْقِيَاسِ مِنْ الْقَلْبِ كَذَا فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْأُصُولِ وَقِيلَ لَا يُسْمَعُ الْقَلْبُ وَالنَّقْضُ عَلَى الْقَلْبِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِفْسَادِ لِكَلَامِ الْخَصْمِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ وَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِبَيَانِ أَنَّ هَذَا الْقَلْبَ لَا يُخْرِجُ دَلَالَةَ الْوَصْفِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ تَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ. (قَالُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (وَيَقْلِبُ الْعِلَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَاسِدٍ كَعِبَادَةٍ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا فَلَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْوُضُوءِ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الشُّرُوعَ فِي نَفْلٍ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ غَيْرُ مُلْزِمٍ لِلشَّارِعِ فِيهِ إتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ إذَا أَفْسَدَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا إذَا فَسَدَتْ كَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا فَلَمْ يَلْزَمْ بِالشُّرُوعِ فِيهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْكُلَّ عِبَادَةٌ وَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا وَاحْتُرِزَ بِلَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا عَنْ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهِ بِالشُّرُوعِ لِوُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي الْفَاسِدَةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ (فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ

مَا كَانَ عِبَادَةً لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا (فَيَسْتَوِي عَمَلُ النَّذْرِ وَالشُّرُوعُ فِيهَا كَالْوُضُوءِ) أَيْ كَمَا اسْتَوَى عَمَلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ بِالشُّرُوعِ لَمْ يَلْزَمْ بِالنَّذْرِ (فَتَلْزَمُ) الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ (بِالشُّرُوعِ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ) إجْمَاعًا لِأَنَّهُ كَمَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الشُّرُوعُ مَعَ النَّذْرِ فِي الْإِيجَابِ بِمَنْزِلَةِ تَوْأَمَيْنِ لَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّ النَّاذِرَ عَهِدَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالشَّارِعُ عَزَمَ عَلَى الْإِبْقَاءِ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ صِيَانَةً لِمَا أَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَحَيْثُ وَجَبَتْ بِالنَّذْرِ إجْمَاعًا وَجَبَتْ بِالشُّرُوعِ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ الِاسْتِوَاءِ وَيُسَمَّى هَذَا قَلْبُ التَّسْوِيَةِ (وَسَمَّاهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَكْسًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ عَكْسُ خُصُوصِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ وَهُوَ الْوُضُوءُ فِي هَذَا الْمِثَالِ (عَدَمُ اللُّزُومِ بِالنَّذْرِ وَلِشُرُوعٍ فِي الْفَرْعِ) أَيْ الْعِبَادَةِ النَّافِلَةِ وَهُوَ لُزُومُهَا بِهِمَا. (وَهَذَا) النَّوْعُ مِنْ الْقَلْبِ هُوَ (الْمَنْسُوبُ إلَى الْحَنَفِيَّةِ أَوَّلُ الْقِيَاسِ مُسَمًّى بِقِيَاسِ الْعَكْسِ) وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ (وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِاعْتِرَاضٍ) هُوَ رَدُّ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ سُنَنِ الْأَصْلِ (وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِهِ فَقِيلَ نَعَمْ) يُقْبَلُ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (إذْ جَعَلَ) الْمُعْتَرِضُ (وَصْفَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (شَاهِدًا لِمَا يَسْتَلْزِمُ نَقِيضَ مَطْلُوبِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْمُسْتَلْزِمُ لِنَقِيضِ مَطْلُوبِ الْمُسْتَدِلِّ (الِاسْتِوَاءُ) لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ الشُّرُوعُ وَالنَّذْرُ لَوْ ثَبَتَ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الشُّرُوعِ مُلْزِمًا كَالنَّذْرِ وَهُوَ خِلَافُ دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ وَالْخَبَّازِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ أَنَّهُ (لَا) يُقْبَلُ (لِأَنَّ كَوْنَ الْوَصْفِ يُوجِبُ شَبَهًا فِي شَيْءٍ لَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الشَّبَهِ) بَيْنَ الْمُتَشَابِهَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ (لِيَلْزَمَ الِاسْتِوَاءُ مُطْلَقًا) لَهُمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا ثُمَّ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ لِانْتِفَاءِ اتِّحَادِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْحُكْمِ لِاخْتِلَافِ الِاسْتِوَاءِ فِيهِمَا فَإِنَّ اسْتِوَاءَ النَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِي الْوُضُوءِ سُقُوطُ الْإِلْزَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلنَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتِوَاؤُهُمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ثُبُوتُ الْإِلْزَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ اسْتِوَاؤُهُمَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُلْزِمًا وَالثُّبُوتُ وَالسُّقُوطُ مَعْنَيَانِ مُتَنَافِيَانِ وَكَيْفَ لَا وَظَاهِرُ امْتِنَاعِ تَعْدِيَةِ اسْتِوَاءِ السُّقُوطِ فِي الْوُضُوءِ لِإِثْبَاتِ الِاسْتِوَاءِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ لَا يُعَارِضُهُ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ. (وَمَا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ) النَّوْعِ (الثَّانِي) مِنْ الْقَلْبِ (وَهُوَ دَعْوَى تَجْوِيزِ ثُبُوتِ نَقِيضِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْفَرْعِ بِوَصْفِهِ) أَيْ وَصْفِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْأَصْلِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ أَنَّ وُجُودَ الْجَامِعِ فِي الْفَرْعِ يَسْتَلْزِمُ مُخَالَفَةَ حُكْمِهِ حُكْمَ الْأَصْلِ فَوُجُودُ الْجَامِعِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مُسْتَلْزِمٌ لِحُكْمَيْنِ مُتَخَالِفَيْنِ فِيهِمَا يَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَى الْجَامِعِ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ لَهُ وَإِلَى الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لِحُلُولِهِمَا فِيهِمَا (وَهُوَ قَلْبٌ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ (لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (لِيُبْطِلَ الْمُسْتَدِلَّ) أَيْ مَذْهَبَهُ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ لِتَنَافِيهِمَا (كَلُبْثٍ) أَيْ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ الِاعْتِكَافُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ لُبْثٌ مَخْصُوصٌ (وَمُجَرَّدُهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى (كَالْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ فَإِنَّ مُجَرَّدَهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ وَإِنَّمَا صَارَ قُرْبَةً بِانْضِمَامِ عِبَادَةٍ إلَيْهِ وَهِيَ الْإِحْرَامُ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ اعْتِبَارِ عِبَادَةٍ مَعَهُ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً (فَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الِاعْتِكَافِ (الصَّوْمُ) لِأَنَّ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ عِبَادَةٍ إلَيْهِ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً قَالَ هِيَ الصَّوْمُ لَا غَيْرُ (فَيَقُولُ) الشَّافِعِيُّ (فَلَا يُشْتَرَطُ) فِيهِ الصَّوْمُ (كَالْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَعَرَّضَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ أَشَارَ إلَى اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ وَالْمُعْتَرِضَ أَشَارَ إلَى نَفْيِ اشْتِرَاطِهِ صَرِيحًا (وَ) قَلْبٌ (لِإِبْطَالِ) مَذْهَبِ (الْمُسْتَدِلِّ صَرِيحًا لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (كَالْحَنَفِيِّ فِي الرَّأْسِ) أَيْ كَقَوْلِهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالرُّبْعِ لِأَنَّهُ عُضْوٌ (مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يَكْفِي أَقَلُّهُ) أَيْ الرَّأْسِ وَهُوَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّأْسِ (كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ فَيَقُولُ) الشَّافِعِيُّ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (فَلَا يُقَدَّرُ بِالرُّبْعِ كَبَقِيَّتِهَا) أَيْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (وَوُرُودُهُ) أَيْ هَذَا الْقَلْبِ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اتَّفَقْنَا) مَعَاشِرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى (أَنَّ الثَّابِتَ

أَحَدُهُمَا) أَيْ أَقَلُّ الرَّأْسِ أَوْ الرُّبْعُ فَإِذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِهِ صِحَّةُ مَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ إذَا كَانَ ثَمَّ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ هُنَا الِاسْتِيعَابُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحُ. (أَوْ) لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ (الْتِزَامًا كَقَوْلِهِ) أَيْ الْحَنَفِيِّ (فِي بَيْعِ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ فَيَقُولُ) الشَّافِعِيُّ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ (فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) كَالْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ فَالْمُعْتَرِضُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ صَرِيحًا بَلْ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِهَا قَالَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ عِنْدَهُ فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ انْتِفَاءُ الصِّحَّةِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (فَلَا يَصِحُّ) إذْ يُقَالُ لَهُ لَكِنَّك قُلْت إذَا رَأَى الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَازِمٌ لِلصِّحَّةِ عِنْدَك وَقَدْ انْتَفَى اللَّازِمُ فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ ثُمَّ فِي الْكَشْفِ قُلْت هَذِهِ أَقْيِسَةٌ لَيْسَتْ بِمُنَاسِبَةٍ فَضْلًا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُؤَثِّرَةً بَلْ بَعْضُهَا طَرْدِيَّةٌ وَبَعْضُهَا شَبَهِيَّةٌ فَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ الشَّارِطُونَ لِلتَّأْثِيرِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الطَّرْدِ وَالشَّبَهِ كَيْفَ يَخْطُرُ بِبَالِهِمْ مِثْلُ هَذِهِ الْأَقْيِسَةِ وَكَيْفَ يُعَلِّلُونَ بِهَا وَالِالْتِفَاتُ إلَى مِثْلِهَا لَيْسَ مِمَّنْ دَأْبُهُمْ وَهِجِّيرَاهُمْ لَكِنَّ الْمُخَالِفِينَ وَضَعُوهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ وَنَسَبُوهَا إلَى أَصْحَابِنَا وَأَوْرَدُوهَا أَمْثِلَةً فِي كُتُبِهِمْ لِيَصِحَّ لَهُمْ أَقْسَامُ الْقَلْبِ الَّتِي ذَكَرُوهَا. النَّوْعُ (الثَّانِي) مِنْ نَوْعَيْ الْمُعَارَضَةِ (الْمُعَارَضَةُ الْخَالِصَةُ) مِنْ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ (فِي) حُكْمِ (الْفَرْعِ) وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ الْمُعْتَرِضُ عِلَّةً أُخْرَى تُوجِبُ خِلَافَ مَا تُوجِبُهُ عِلَّةُ الْمُسْتَدِلِّ (بِلَا تَغْيِيرٍ) وَلَا زِيَادَةٍ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِعَيْنِهِ فَيَقَعُ بِهِ مَحْضُ الْمُقَابَلَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِإِبْطَالِ عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ فَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِمَا لِمُدَافَعَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يُقَابِلُهَا مَا لَمْ تَتَرَجَّحْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَإِذَا تَرَجَّحَتْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَيَسْتَدْعِي أَصْلًا آخَرَ وَعِلَّةً) أُخْرَى (كَالْمَسْحِ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُسَنُّ تَكْرِيرُهُ كَالْغُسْلِ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ هَذَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ (فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ مَسْحُ الرَّأْسِ (مَسْحٌ فَلَا يُكَرَّرُ كَمَسْحِ الْخُفِّ) فَهَذَا قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ الصَّحِيحَةِ مُثْبِتًا حُكْمًا مُخَالِفًا لِلْأَوَّلِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا تَغْيِيرٍ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ إذْ أَصْلُ الْأَوَّلِ الْغُسْلُ وَعِلَّتُهُ الرُّكْنِيَّةُ وَأَصْلُ الثَّانِي مَسْحُ الْخُفِّ وَعِلَّتُهُ كَوْنُهُ مَسْحًا (وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَ أَصْلَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (لِتَيَمُّمٍ) فَيُقَالُ كَالتَّيَمُّمِ (فَيَنْدَفِعُ) عَلَى هَذَا (الْمُتَوَهَّمِ مِنْ مَانِعِ فَسَادِ الْخُفِّ) أَيْ إنَّمَا لَمْ يُكَرِّرْ مَسْحَ الْخُفِّ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّلَفِ وَأَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهَا بِعَطْفِهِ عَلَى بِلَا تَغْيِيرٍ قَوْلَهُ (أَوْ بِتَغْيِيرٍ مَا) فِي الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي إثْبَاتِهِ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَالْأَخِ (فِي صَغِيرَةٍ بِلَا أَبٍ وَجَدِّ صَغِيرَةٍ فَيُوَلَّى عَلَيْهَا فِي الْإِنْكَاحِ كَذَاتِ الْأَبِ) أَيْ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَهَا أَبٌ بِجَامِعِ الصِّغَرِ الْمُوجِبِ لِلْعَجْزِ عَنْ مُرَاعَاةِ مَصَالِحِهِ (فَيَقُولُ) الشَّافِعِيُّ (الْأَخُ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهَا كَالْمَالِ) فَإِنَّ الْأَخَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَالِ إجْمَاعًا، وَهَذَا مُعَارَضَةٌ صَحِيحَةٌ خَالِصَةٌ صَحِيحَةٌ مُثْبِتَةٌ حُكْمًا مُخَالِفًا لِلْأَوَّلِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِعَيْنِهِ لَكِنْ مَعَ تَغْيِيرٍ مَا فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ إذْ الْعِلَّةُ فِي الْأَوَّلِ الصِّغَرُ وَفِي الثَّانِي قُصُورُ الشَّفَقَةِ وَفِي الْحُكْمِ تَغْيِيرٌ مِنْ إطْلَاقٍ يَشْمَلُ الْأَخَ وَغَيْرَهُ إلَى تَقْيِيدٍ بِالْأَخِ. (وَأَمَّا نَظْمُهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ الْمُعَارَضَةَ (صَغِيرَةً فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهَا قَرَابَةُ الْإِخْوَةِ كَالْمَالِ) كَمَا فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالتَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا بِوِلَايَةِ الْإِخْوَةِ (فَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ بَلْ مِنْ الْقَلْبِ فَالْمُعْتَرِضُ (عَارَضَ مُطْلَقَ الْوِلَايَةِ) الَّتِي أَثْبَتَهَا الْمُسْتَدِلُّ (بِنَفْيِهَا) أَيْ الْوِلَايَةِ (عَنْ خُصُوصٍ) وَهُوَ الْأَخُ فَهَذَا الْقَدْرُ مُعَارَضَةٌ فَاسِدَةٌ لِعَدَمِ قَدْحِهِ فِي كَلَامِ الْمُعَلِّلِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ (يَلْزَمُهُ) أَيْ نَفْيُهَا عَنْهُ (نَفْيُ) حُكْمِ (الْمُعَلِّلِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُ) أَيْ الْأَخِ (أَقْرَبُ) إلَيْهَا (بَعْدَ الْوِلَادِ) أَيْ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَلَدِ (فَنَفْيُهَا) أَيْ وِلَايَةُ الْأَخِ (نَفْيُ مَا بَعْدَهَا) مِنْ وِلَايَةِ مَنْ سِوَاهُ مِنْ عَمٍّ وَغَيْرِهِ (مُطْلَقًا) ظَهَرَ مَعْنَى الصِّحَّةِ فِيهِ وَأَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ إثْبَاتُ) الْمُعْتَرِضِ حُكْمًا (آخَرَ) يُخَالِفُ فِي الصُّورَةِ حُكْمًا آخَرَ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُعَلِّلُ مُقَابِلًا لِذَلِكَ

الْآخَرِ لَكِنَّهُ (يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ نَفْيَ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ (كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَحَقِّيَّةِ الْمَنْعِيِّ) أَيْ الَّذِي نُعِيَ إلَى زَوْجَتِهِ أَيْ أُخْبِرَتْ بِمَوْتِهِ فَتَرَبَّصَتْ مِنْهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ (بِوَلَدِهَا) الَّذِي وَلَدَتْهُ (فِي نِكَاحِ مَنْ تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَهُ) أَيْ الْمَنْعِيِّ إذَا جَاءَ مِنْ الَّذِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ الْمَنْعِيُّ (صَاحِبُ فِرَاشٍ صَحِيحٍ) لِقِيَامِ نِكَاحِهِ (فَهُوَ أَحَقُّ) بِالْوَلَدِ (مِنْ) صَاحِبِ الْفِرَاشِ (الْفَاسِدِ) وَهُوَ الْمُتَزَوِّجُ بِهَا مَعَ قِيَامِ نِكَاحِ الْمَنْعِيِّ (كَمَا لَا يُحْصَى) مِنْ تَقْدِيمِ الصَّحِيحِ عَلَى الْفَاسِدِ عِنْدَ التَّعَارُضِ (فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ كَالصَّاحِبَيْنِ الزَّوْجُ (الثَّانِي صَاحِبُ فِرَاشٍ فَاسِدٍ فَيَلْحَقُهُ) الْوَلَدُ (كَالْمُتَزَوِّجِ بِلَا شُهُودٍ) إذَا وَلَدَتْ الْمُتَزَوِّجُ بِهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ الْفِرَاشُ فَاسِدًا (فَإِثْبَاتُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مِنْ الثَّانِي) مُعَارَضَةٌ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ آخَرُ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي أَثْبَتَ الْمُعَلِّلُ فِيهِ حُكْمَهُ لِأَنَّ الْمُعَلِّلَ أَثْبَتَ النَّسَبَ مِنْ الْأَوَّلِ بِفِرَاشٍ صَحِيحٍ وَالْمُعْتَرِضَ أَثْبَتَهُ مِنْ الثَّانِي بِفِرَاشٍ فَاسِدٍ وَاتِّحَادُ الْمَحَلِّ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ (يَلْزَمُهُ) أَيْ هَذَا الْإِثْبَاتَ (نَفْيُهُ) أَيْ لِوَلَدٍ (عَنْ الْأَوَّلِ لِلْإِجْمَاعِ أَنْ لَا يَثْبُتَ مِنْهُمَا) وَقَدْ وَجَدَ مَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ النَّسَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي وَهُوَ الْفِرَاشُ الْفَاسِدُ صَحَّتْ وَاحْتِيجَ إلَى التَّرْجِيحِ (فَرَجَّحَ) أَبُو حَنِيفَةَ (الْمِلْكَ وَالصِّحَّةَ) الْكَائِنَيْنِ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ فِرَاشَهُ صَحِيحٌ وَمِلْكَهُ قَائِمٌ (عَلَى الْحُضُورِ وَالْمَاءِ) أَيْ كَوْنِ الثَّانِي حَاضِرًا وَالْمَاءِ لَهُ (كَالزِّنَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ) أَنْ يُقَالَ (تَرَجَّحَ) الْأَوَّلُ (بِالصِّحَّةِ عَلَى) الثَّانِي بِمُجَرَّدِ (الْحُضُورِ) مَعَ انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ صِحَّةَ الْفِرَاشِ تُوجِبُ حَقِيقَةَ النَّسَبِ وَالْفَاسِدُ شُبْهَتُهُ وَحَقِيقَةُ الشَّيْءِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ شُبْهَتِهِ (أَمَّا الْمَاءُ فَمُقَدَّرٌ فِيهِمَا) أَيْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالزَّوْجِ الثَّانِي لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِهِ مِنْ الثَّانِي قُلْت فَانْدَفَعَ مَا فِي التَّلْوِيحِ وَرُبَّمَا يُقَالُ فِي الْحُضُورِ حَقِيقَةُ النَّسَبِ وَحَقِيقَةُ الشَّيْءِ أَوْلَى لِأَنَّهُ وُلِدَ مِنْ مَائِهِ. (وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ الْأَسْئِلَةِ مُخَالَفَةَ حُكْمِ الْفَرْعِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ) إذْ لَا يَصِحُّ مَعَهَا قِيَاسٌ إذْ مِنْ شَرْطِهِ اتِّحَادُ الْحُكْمِ كَمَا عُرِفَ (كَقِيَاسِ الْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ وَعَكْسِهِ) أَيْ النِّكَاحِ عَلَى الْبَيْعِ (فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ) بِجَامِعٍ فِي صُورَةٍ (فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ الْحُكْمُ مُخْتَلِفٌ حَقِيقَةً (عَدَمُهَا) أَيْ الصِّحَّةِ (فِي الْبَيْعِ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ) بِالْبَيْعِ (وَ) عَدَمُهَا (فِي النِّكَاحِ حُرْمَةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْجَوَابُ الْبُطْلَانُ) الَّذِي هُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيهِمَا فِي الْحَقِيقَةِ (وَاحِدٌ عَدَمُ) تَرَتُّبِ (الْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ) عَلَيْهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صُوَرُهُ) أَيْ مَحَالِّهِ مِنْ كَوْنِهِ بَيْعًا وَنِكَاحًا إذْ اخْتِلَافُ الْمَحَلِّ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْحَالِّ بَلْ اخْتِلَافُ الْمَحَلِّ شَرْطٌ فِي الْقِيَاسِ ضَرُورَةً فَكَيْفَ يُجْعَلُ شَرْطُهُ مَانِعًا مِنْهُ إذْ يَلْزَمُ امْتِنَاعُهُ أَبَدًا ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ جَوَابَ هَذَا السُّؤَالِ بِبَيَانِ الِاتِّحَادِ عَيْنًا كَالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ أَوْ جِنْسًا كَمَا فِي قَطْعِ الْأَيْدِي بِالْيَدِ كَالْأَنْفُسِ بِالنَّفْسِ وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ جِنْسًا وَنَوْعًا كَوُجُوبٍ عَلَى تَحْرِيمٍ وَنَفْيٍ عَلَى إثْبَاتٍ وَبِالْعَكْسِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا شُرِعَ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمَقْصُودِ وَاخْتِلَافُهُ مُوجِبٌ لِلْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْإِفْضَاءِ (وَهَذَا) السُّؤَالُ (وَغَيْرُهُ) مِنْ الْأَسْئِلَةِ (كَكَوْنِ الْأَصْلِ مَعْدُولًا) عَنْ الْقِيَاسِ (دَاخِلٌ فِيمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ مَنْعِ وُجُودِ الشَّرْطِ) فَلَا حَاجَةَ إلَى إفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ. (وَأَمَّا سُؤَالُ الْفَرْقِ) بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (إبْدَاءُ خُصُوصِيَّةٍ فِي الْأَصْلِ هِيَ) أَيْ الْخُصُوصِيَّةُ (شَرْطٌ) لِلْوَصْفِ (مَعَ بَيَانِ انْتِفَائِهَا فِي الْفَرْعِ أَوْ بَيَانُ مَانِعٍ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى إبْدَاءُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ مِنْ الْحُكْمِ (وَ) بَيَانُ (انْتِفَائِهِ) أَيْ الْمَانِعِ (فِي الْأَصْلِ فَمَجْمُوعُ مُعَارَضَتَيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ) أَيْ فَالْفَرْقُ مَجْمُوعُهُمَا إذَا تَعَرَّضَ لِانْتِقَاءِ الشَّرْطِ فِي الْفَرْعِ أَوْ عَدَمٍ لِمَانِعٍ فِي الْأَصْلِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ إبْدَاءَ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ وَبَيَانُ انْتِفَائِهَا فِي الْفَرْعِ مُعَارَضَةٌ فِيهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَكَمَا قَالَ (وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُهُ مَجْمُوعُهُمَا (فِي الثَّانِي) أَيْ بَيَانِ مَانِعٍ فِي الْفَرْعِ وَانْتِفَائِهِ فِي الْأَصْلِ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْوَصْفُ مَعَ عَدَمِ هَذَا الْمَانِعِ) لَا الْوَصْفِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ بَيَانُ وُجُودِ الْمَانِعِ فِي الْفَرْعِ مُعَارَضَةً فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الشَّيْءِ فِي قُوَّةِ الْمُقْتَضَى لِنَقِيضِهِ فَيَكُونُ فِي الْفَرْعِ وَصْفٌ

يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ وَيَسْتَنِدُ إلَى أَصْلٍ لَا مَحَالَةَ وَبَيَانُ انْتِفَائِهِ فِي الْأَصْلِ عَلَى هَذَا مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ أَبْدَى عِلَّةً أُخْرَى لَا تُوجَدُ فِي الْفَرْعِ. (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (بَيَانُ كَوْنِهِ) أَيْ مَا أَبْدَاهُ مِنْ الْخُصُوصِيَّةِ فِي الْأَصْلِ شَرْطًا (أَوْ) مَا أَبْدَاهُ مِنْ الْمَانِعِ فِي الْفَرْعِ (مَانِعًا عَلَى طَرِيقِ إثْبَاتِ الْمُسْتَدِلِّ عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ) الْمُعَلَّلِ بِهِ مِنْ التَّأْثِيرِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ أَنَّهُ) أَيْ الْفَرْقَ مُعَارَضَتَانِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (عَلَى ادِّعَاءِ الشَّرْطِ وَ) مُعَارَضَةٌ (فِي الْفَرْعِ فَقَطْ عَلَى الْمَانِعِ لِمَا تَقَدَّمَ) فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ (مِنْ الْحَقِّ أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ) زَادَ الْمُصَنِّفُ هُنَا (بِخِلَافِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّرْطَ (خُصُوصِيَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْوَصْفِ) الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْمُعَلِّلُ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْهُ. (وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ) الْمُعْتَرِضُ (لِانْتِفَائِهِ) أَيْ الشَّرْطِ (مِنْ الْفَرْعِ لَمْ يَكُنْ) إبْدَاءَ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ (الْفَرْقُ بَلْ) هُوَ (مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ الْمُسَمَّى مُفَارَقَةً) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا فَلَمْ يَذْكُرُوهُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ غَيْرَ أَنَّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ يَقُولُ الْفَرْقُ رَاجِعٌ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي أَحَدِهِمَا فَلَا يَتِمُّ نَفْيُ كَوْنِ الِاقْتِصَارِ عَلَى إبْدَاءِ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ فَرْقًا وَإِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ بِرُجُوعِهِ إلَيْهِمَا، هَذَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْأُصُولِ لَوْ فَرَّقَ الْمُعْتَرِضُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَأَصْلٍ مِنْهَا كَفَى فِي الْقَدْحِ فِيهَا لِأَنَّهُ يُبْطِلُ جَمْعَهَا الْمَقْصُودَ وَقِيلَ لَا يَكْفِي لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهَا وَقِيلَ يَكْفِي إنْ قَصَدَ الْإِلْحَاقَ بِمَجْمُوعِهَا لِأَنَّهُ يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِكُلٍّ مِنْهَا وَهُوَ حَسَنٌ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَوَابَ هَذَا السُّؤَالِ وَمِمَّا يُجَابُ بِهِ مَنْعُ كَوْنِ الْمَبْدَأِ فِي الْأَصْلِ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ مَانِعًا مِنْ الْحُكْمِ وَفِي اقْتِصَارِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى جَوَابِ أَصْلٍ وَاحِدٍ عَلَى تَقْدِيرِهِ فَرَّقَ الْمُعْتَرِضُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَأَصْلٍ مِنْ الْأُصُولِ حَيْثُ جَازَ تَعَدُّدُهَا قَوْلَانِ يَكْفِي لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالدَّفْعِ عَنْ وَاحِدٍ وَلَا يَكْفِي لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْجَمِيعَ فَلَزِمَهُ الدَّفْعُ عَنْهُ وَقَدْ عَرَفْت مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ جَوَازِ التَّعَدُّدِ وَعَدَمِهِ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَلَاقَيَا ثُمَّ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ لَا مَا ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَرْقِ وَرَاءَ الْمُعَارَضَةِ وَإِنْ خَاصَّهُ وَسَرَّهُ فَقَدْ يُنَاقِضُهُ قَصْدُ الْجَمِيعِ ثُمَّ هُوَ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ فِي أَمْرِ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ كَمَا يُعْرَفُ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى كَلَامِهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى جَمْعِهَا) أَيْ الِاعْتِرَاضَاتِ (مِنْ جِنْسٍ) وَاحِدٍ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا تَنَاقُضٌ وَلَا انْتِقَالٌ مِنْ سُؤَالٍ إلَى آخَرَ (وَبَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ) يَذْكُرُ فِي كَلَامِهِمْ (النَّوْعَ لِلْجِنْسِ وَالْجِنْسَ لِلنَّوْعِ) عَكْسُ مَا عَلَيْهِ اصْطِلَاحُ الْأُصُولِيِّينَ بَلْ ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ أَنَّهُ اصْطِلَاحُ الْأُصُولِيِّينَ وَوَافَقَهُ التَّفْتَازَانِيُّ عَلَيْهِ (وَأُصُولُ الْحَنَفِيَّةِ) وَفُرُوعُهُمْ أَيْضًا يَذْكُرُ فِيهِمَا (الْجِنْسُ لِلنَّوْعِ) كَالْحِنْطَةِ (وَالنَّوْعُ) وَالْجِنْسُ أَيْضًا (لِلصِّنْفِ كَرَجُلٍ) وَلَا مُنَاقَشَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَذَلِكَ) أَيْ جَمْعُهَا مِنْ جِنْسٍ (كَالِاسْتِفْسَارَاتِ وَالْمُنَوَّعِ وَالْمُعَارَضَاتِ) فَإِنَّ الِاسْتِفْسَارَاتِ يَجْمَعُهَا الِاسْتِفْسَارُ وَالْمُنَوَّعَ يَجْمَعُهَا الْمَنْعُ وَالْمُعَارَضَاتِ تَجْمَعُهَا الْمُعَارَضَةُ (وَفِي الْأَجْنَاسِ مَنَعَهُ) أَيْ جَمْعَهَا (السَّمَرْقَنْدِيُّونَ لِلْخَبْطِ) اللَّازِمِ مِنْ ذَلِكَ (لِلِانْتِشَارِ) وَأَوْجَبُوا الِاقْتِصَارَ عَلَى سُؤَالٍ وَاحِدٍ حِرْصًا عَلَى الضَّبْطِ قَالُوا وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ كَمَا أَلْزَمَهُمْ بِهِ الْآمِدِيُّ فَإِنَّا جَوَّزْنَا تَعَدُّدَهَا وَإِنْ أَدَّتْ إلَى النَّشْرِ لِأَنَّ النَّشْرَ فِي الْمُخْتَلِفَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْمُتَّفِقَةِ وَالْجُمْهُورُ جَوَّزُوا الْجَمْعَ بَيْنَهَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْحَقُّ (ثُمَّ) إذَا جَازَ الْجَمْعُ (مَنَعَ أَكْثَرُ النُّظَّارِ) الِاعْتِرَاضَاتِ (الْمُرَتَّبَةَ طَبْعًا) مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ (كَمَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَمَنْعِ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِذَلِكَ) إذْ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ طَبْعًا (إذْ يُفِيدُ) الْأَخِيرُ (تَسْلِيمَ الْأَوَّلِ) فَيَتَعَيَّنُ الْأَخِيرُ سُؤَالًا فَيُجَابُ عَنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ فَيَضِيعُ الْأَوَّلُ (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (جَوَازُهُ) أَيْ جَمْعِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُرَتَّبَةِ طَبْعًا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (لِأَنَّ التَّسْلِيمَ) لِلْمُتَقَدِّمِ (فَرْضِيٌّ أَيْ لَوْ سَلِمَ) الْأَوَّلُ (وَرَدَ الثَّانِي) وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّسْلِيمَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا كَانَ الْمُخْتَارُ جَوَازَهُ وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّسْلِيمِ إذْ كَانَ التَّسْلِيمُ فَرْضِيًّا (الْوَاجِبُ تَرْتِيبُهَا) أَيْ

الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُرَتَّبَةِ طَبْعًا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُهَا (فَمَنَعَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ) إذَا عَكَسَ التَّرْتِيبَ (إذْ) قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ (لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّلٌ بِكَذَا يَتَضَمَّنُ تَسْلِيمَهُ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (فَقَوْلُهُ) بَعْدَ ذَلِكَ (بِمَنْعِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ رُجُوعٌ) عَنْ تَسْلِيمِهِ (لَا يُسْمَعُ) لِأَنَّهُ إنْكَارٌ بَعْدَ إقْرَارٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُسَلَّمًا غَيْرَ مُسَلَّمٍ وَحِينَئِذٍ فَيَرِدُ هَذَا إشْكَالًا عَلَى أَكْثَرِ النُّظَّارِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا مَنَعُوهَا مُرَتَّبَةً لِمَا يَلْزَمُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْمَنْعِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يُوجِبُوهَا غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَيَبْطُلُ مَا يَلْزَمُ قَوْلَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ وُجُوبِهَا غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ) فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْمَنْعَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ أَقْبَحُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْمَنْعِ (وَإِلَّا فَالِاتِّفَاقُ عَلَى) جَوَازِ (التَّعَدُّدِ مِنْ نَوْعٍ وَلَا مَخْلَصَ لَهُمْ) أَيْ لِلْأَكْثَرِ (إلَّا بِادِّعَاءِ أَنَّ مَنْعَ الْعِلِّيَّةِ بِفَرْضِ وُجُودِ الْحُكْمِ) إلَّا أَنْ يُجِيبُوا بِأَنَّ تَسْلِيمَ حُكْمِ الْأَصْلِ إنَّمَا يُوجِبُهُ مَنْعُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ اسْتِلْزَامًا ظَاهِرًا فَإِذَا صَرَّحَ بَعْدَهُ بِمَنْعِهِ حُمِلَ عَلَى إرَادَتِهِ مَنْعَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ بِفَرْضِ وُجُودِ الْحُكْمِ كَمَا أَجَبْنَا بِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا نُسَلِّمُ عِلِّيَّةَ هَذَا الْوَصْفِ لِهَذَا الْحُكْمِ لَوْ كَانَ ثَابِتًا وَنَحْنُ نَمْنَعُ ثُبُوتَهُ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُمْ مِثْلُهُ فِي مَنْعِهِمْ الْمُتَرَتِّبَةَ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَمَا قِيلَ) أَيْ وَقَوْلُ التَّفْتَازَانِيِّ (كُلٌّ مِنْ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ) اعْتِرَاضًا الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ الْمَاضِيَةِ (جِنْسٌ يَنْدَرِجُ تَحْتَ نَوْعٍ) عَلَى مَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْأُصُولِ مِنْ انْدِرَاجِ الْأَجْنَاسِ تَحْتَ الْأَنْوَاعِ (غَلَطٌ يُبْطِلُ حِكَايَةَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ مِنْ جِنْسٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَدُّدُ مَثَلًا مِنْ مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَهُوَ) أَيْ مَنْعُ وُجُودِهَا (أَحَدُهَا) أَيْ الْخَمْسَةُ وَالْعِشْرِينَ بَلْ الْمَنْعُ نَوْعٌ يَنْدَرِجُ فِيهِ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ وَمَنْعُ وُجُودِ الْوَصْفِ وَمَنْعُ عِلِّيَّتِهِ وَمَنْعُ وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ وَالْمُعَارَضَةُ نَوْعٌ يَنْدَرِجُ فِيهَا الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْفَرْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذِهِ أَجْنَاسٌ لِأَنَّ تَحْتَهَا أَشْخَاصُ الْمُنَوَّعِ وَالْمُعَارَضَاتِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْجِنْسَ هُوَ النَّوْعُ الْمَنْطِقِيُّ بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ فَالنَّقْضُ حِينَئِذٍ جِنْسٌ انْحَصَرَ فِيهِ نَوْعُهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَكَلَامُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ أَيْضًا (فِي الْمِثْلِ وَذِكْرِ الْأَجْنَاسِ خِلَافُهُ) أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ ثُمَّ إذَا وَجَبَ التَّرْتِيبُ فَتَرَتَّبَ التَّرْتِيبَ الطَّبِيعِيَّ لِيُوَافِقَ الْوَضْعِيُّ الطَّبِيعِيَّ. وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالِاسْتِفْسَارِ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ لَا يَعْرِفُ مَا يَتَّجِهُ عَلَيْهِ ثُمَّ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِي الدَّلِيلِ مِنْ جِهَةِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي تَفْصِيلِهِ ثُمَّ بِفَسَادِ الْوَضْعِ قَالَ الْآمِدِيُّ لِكَوْنِهِ أَخَصَّ مِنْ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ يَعْنِي مُطْلَقًا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ مِنْ وَجْهٍ عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (فَتَقَدَّمَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْأَصْلِ) فَتَقَدَّمَ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ التَّفْصِيلِ (ثُمَّ) الْمُتَعَلِّقُ (بِالْعِلَّةِ) لِأَنَّهُ نَظَرَ فِيمَا هُوَ مُتَفَرِّعٌ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ فَتَقَدَّمَ مَنْعُ وُجُودِ عِلَّةِ الْأَصْلِ فِيهِ ثُمَّ الْمُطَالَبَةُ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَالْقَدْحِ فِي الْمُنَاسَبَةِ وَالتَّقْسِيمِ وَكَوْنِ الْوَصْفِ غَيْرِ ظَاهِرٍ وَلَا مُنْضَبِطٍ وَكَوْنِ الْحُكْمِ غَيْرِ مُفْضٍ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ لِكَوْنِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ صِفَةَ وُجُودِ الْعِلَّةِ ثُمَّ النَّقْضُ وَالْكَسْرُ لِكَوْنِهِ مُعَارِضًا لِدَلِيلِ الْعِلَّةِ ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ وَالتَّعَدِّيَةُ وَالتَّرْكِيبُ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْعِلَّةِ (ثُمَّ) الْمُتَعَلِّقُ (بِالْفَرْعِ) لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْعِلَّةِ وَحُكْمِ الْأَصْلِ فَيَذْكُرُ مَنْعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ وَمُخَالَفَةَ حُكْمِهِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ وَمُخَالَفَتَهُ لِلْأَصْلِ فِي الضَّابِطِ أَوْ الْحِكْمَةِ وَالْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ وَسُؤَالِ الْقَلْبِ ثُمَّ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّلِيلِ الْمُثْمِرِ لَهُ. (وَتَقَدَّمَ النَّقْضُ عَلَى مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ عِنْدَ مُعْتَبِرِهَا) أَيْ مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ (إذْ هِيَ) أَيْ مُعَارَضَةُ الْأَصْلِ (لِإِبْطَالِ اسْتِقْلَالِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ بِالتَّأْثِيرِ وَالنَّقْضُ لِإِبْطَالِ أَصْلِ الْعِلَّةِ فَقُدِّمَ عَلَيْهَا فَيُقَالُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِعَدَمِ الِاطِّرَادِ وَلَوْ سَلِمَ فَلَيْسَ بِمُسْتَقِلٍّ (وَمَنَعَ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ قَبْلَ مَنْعِهَا وَالْقَلْبَ قَبْلَ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ لِأَنَّهُ مُعَارَضَةٌ بِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ) بِخِلَافِ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ فَيَذْكُرُ الْقَلْبَ أَوَّلًا (ثُمَّ يُقَالُ) إذَا ذُكِرَتْ هِيَ ثَانِيًا (وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ) أَيْ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ (يُفِيدُ مَطْلُوبَهُ عِنْدَنَا دَلِيلٌ آخَرُ يَنْفِيهِ) أَيْ مَطْلُوبَهُ وَأَوْجَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ تَرْتِيبَ الْأَسْئِلَةِ فَاخْتَارَ فَسَادَ الْوَضْعِ ثُمَّ الِاعْتِبَارَ ثُمَّ الِاسْتِفْسَارَ ثُمَّ الْمَنْعَ ثُمَّ الْمُطَالَبَةَ وَهُوَ مَنْعُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ الْفَرْقَ ثُمَّ النَّقْضَ ثُمَّ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ ثُمَّ الْقَلْبَ وَرَدَّ التَّقْسِيمَ إلَى الِاسْتِفْسَارِ أَوْ الْفَرْقِ وَأَنَّ عَدَمَ التَّأْثِيرِ مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ وَعَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى وَقَدْ اعْتَرَفُوا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَسْئِلَةِ

خاتمة للكلام في هذه المقالة الثانية

الْجَدَلِ وَأَسْئِلَةِ الِاسْتِرْشَادِ. وَمِنْ هُنَا وَقَعَ التَّخَبُّطُ وَإِلَّا فَالْحَقُّ أَنْ لَا يُبْنَى الْجَدَلُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْإِرْشَادِ وَالِاسْتِرْشَادِ لَا لِلْعِلِّيَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالْوَاجِبُ رَدُّ الْجَمِيعِ إلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَكَيْفَ لَا وَالْجَدَلُ مَأْمُورٌ بِهِ بِالْحَقِّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ ثُمَّ كَمَا فِي الْوَاضِحِ لَوْلَا مَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ الْبَاطِلِ وَاسْتِنْقَاذِ الْهَالِكِ بِالِاجْتِهَادِ فِي رَدِّهِ عَنْ ضَلَالَتِهِ لَمَا حَسُنَتْ الْمُجَادَلَةُ لِلْإِيحَاشِ فِيهَا غَالِبًا وَإِذَا نَفَرَتْ النُّفُوسُ عَمِيَتْ الْقُلُوبُ وَخَمَدَتْ الْخَوَاطِرُ وَانْسَدَّتْ أَبْوَابُ الْفَوَائِدِ وَلَكِنْ فِيهَا أَعْظَمُ الْمَنْفَعَةِ إذَا قَصَدَ بِهَا نُصْرَةَ الْحَقِّ وَالتَّقَوِّي عَلَى الِاجْتِهَادِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ قَصْدِ الْمُغَالَبَةِ وَبَيَانِ الْفَرَاهَةِ فَضْلًا عَنْ قَصْدِ التَّغْطِيَةِ عَلَى الْحَقِّ وَتَرْوِيجُ الْبَاطِلِ بِآفَةٍ مِنْ الْآفَاتِ مِنْ مُحَابَاةٍ لِأَرْبَابِ الْمَنَاصِبِ تَقَرُّبًا إلَيْهِمْ أَوْ مُنَاضَلَةً مَرْدُودَةً دَوْمًا لِحُصُولِ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِ الْعَوَامّ وَالتَّعْظِيمِ لَدَيْهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُصُودِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ الْمَكْرُوهَةِ وَمَنْ بَانَ لَهُ سُوءُ قَصْدِ خَصْمِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ أَدَّى إلَى مَكْرُوهٍ فَمَكْرُوهٌ وَمُحَرَّمٍ فَمُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحج: 68] قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَهَذَا أَدَبٌ حَسَنٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ لِيَرُدُّوا بِهِ مَنْ جَادَلَ تَعَنُّتًا فَلَا يُجِيبُوهُ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اجْتِمَاعَ جَمْعٍ مُتَجَادِلِينَ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَا يَطْمَعُ أَنْ يَرْجِعَ إذَا ظَهَرَتْ لَهُ الْحُجَّةُ وَلَا فِيهِ مُؤَانَسَةٌ وَمَوَدَّةٌ وَتَوْطِئَةُ الْقُلُوبِ لِوَعْيِ الْحَقِّ بَلْ هُوَ عَلَى الضِّدِّ مَحْمَلُ مَا رَوَى أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ ثُمَّ تَلَا {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا} [الزخرف: 58] » وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْمِرَاءَ» . وَكَوْنُ مَكْحُولٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي هَذَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُبْطِلٌ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَمَنْ تَرَكَهُ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ يُقَالُ مَارَى يُمَارِي مُمَارَاةً وَمِرَاءً أَيْ جَادَلَ وَالْمِرَاءُ اسْتِخْرَاجُ غَضَبِ الْمُجَادِلِ مِنْ مَرَيْت الشَّاةَ اسْتَخْرَجْت لَبَنَهَا وَفِي الْوَاضِحِ وَاحْذَرْ الْكَلَامَ فِي مَجَالِسِ الْخَوْفِ أَوْ الَّتِي لَا إنْصَافَ فِيهَا وَكَلَامَ مَنْ تَخَافُهُ أَوْ تَبْغُضُهُ أَوْ لَا يَفْهَمُ عَنْك وَاسْتِصْغَارَ الْخَصْمِ وَلَا يَنْبَغِي كَلَامُ مَنْ عَادَتُهُ ظُلْمُ خَصْمِهِ وَالْهُزْءُ وَالتَّشَفِّي لِعَدَاوَتِهِ وَالْمُتَرَصِّدُ لِلْمَسَاوِئِ وَالتَّحْرِيفُ وَالتَّزَيُّدُ وَالْبُهْتُ، وَكُلُّ جَدَلٍ وَقَعَ فِيهِ ظُلْمُ الْخَصْمِ اخْتَلَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَرَزَ مِنْهُ وَقَدِّرْ فِي نَفْسِك الصَّبْرَ وَالْحِلْمَ وَلَا يَنْقُصُ بِالْحِلْمِ إلَّا عِنْدَ جَاهِلٍ وَلَا بِالصَّبْرِ عَلَى شَغَبِ السَّائِلِ إلَّا عِنْدَ غَبِيٍّ وَتَرْتَفِعُ فِي نُفُوسِ الْعُلَمَاءِ وَتَنْبُلُ عِنْدَ أَهْلِ الْجَدَلِ وَمَنْ خَاضَ فِي الشَّغَبِ تَعَوَّدَهُ وَمَنْ تَعَوَّدَهُ حُرِمَ الْإِصَابَةَ وَاسْتُدْرِجَ إلَيْهِ وَمَنْ عُرِفَ بِهِ سَقَطَ سُقُوطَ الدُّرَّةِ وَفِي رَدِّ الْغَضَبِ الظَّفَرُ وَلَا رَأْيَ لِغَضْبَانَ وَالْغَالِبُ فِي السَّفَهِ الْأَسْفَهُ كَالْغَالِبِ بِالْعِلْمِ الْأَعْلَمُ وَمَعَ هَذَا فَلَا أَحَدَ يَسْلَمُ مِنْ الِانْقِطَاعِ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ. وَلَيْسَ حَدُّ الْعَالِمِ كَوْنَهُ حَاذِقًا بِالْجَدَلِ فَإِنَّهُ صِنَاعَةٌ وَالْعِلْمُ صِنَاعَةٌ وَهُوَ مَادَّةُ الْجَدَلِ يَحْتَاجُ إلَى الْعَالِمِ وَلَا عَكَسَ وَأَدَبُ الْجَدَلِ يَزِينُ صَاحِبُهُ وَتَرْكُهُ يَشِينُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ لِمَا اتَّفَقَ لِبَعْضِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ حَظْوَةٍ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ رَفِيعًا عِنْدَ الْجُهَّالِ فَهُوَ سَاقِطٌ عِنْدَ أُولِي الْأَلْبَابِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ وَيُكْرَهُ اصْطِلَاحًا تَأْخِيرُ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ كَثِيرًا وَعِنْدَ بَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ مُنْقَطِعٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِمَحَاسِنِ الْآدَابِ وَالْهَادِي إلَى سَبِيلِ الصَّوَابِ. [خَاتِمَةٌ لِلْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ] (خَاتِمَةٌ) لِلْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ (الِاتِّفَاقُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ) أَيْ عَلَى كَوْنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ أَدِلَّةً شَرْعِيَّةً لِلْأَحْكَامِ (عِنْدَ مُثْبِتِي الْقِيَاسِ) وَهُمْ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ (وَاخْتُلِفَ فِي أُمُورٍ) أُخْرَى أَيْ فِي كَوْنِهَا أَدِلَّةً شَرْعِيَّةً لِلْأَحْكَامِ (الِاسْتِدْلَال بِالْعَدَمِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِ فَإِنَّهُ الَّذِي (نَفَاهُ الْحَنَفِيَّةُ) وَتَقَدَّمَ فِي الْمَرْصَدِ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ الْكَلَامُ فِيهِ نَفْيًا لَهُ مُطْلَقًا عَنْهُمْ إلَّا عَدَمَ عِلَّةٍ مُتَّحِدَةٍ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَدُ الْمَغْصُوبِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْصِبْ عَلَى تَحْقِيقٍ لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَنَّ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ إنَّمَا هِيَ إضَافَةٌ إلَى الْعَدَمِ لَفْظًا وَإِلَى الْوُجُودِ مَعْنًى

كَمَا عُرِفَ ثَمَّةَ وَإِثْبَاتًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِمْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا مُطْلَقًا وَمُضَافًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمُعَلَّلُ بِهِ وُجُودِيًّا وَعَدَمِيًّا وَإِلَّا فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ثَمَّةَ يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ دَلِيلِهِ صَحِيحٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَقَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ فِقْدَانُ الدَّلِيلِ بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَلِيغِ يَغْلِبُ ظَنَّ عَدَمِهِ وَعَدَمُهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْحُكْمِ لِامْتِنَاعِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ إذْ الْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِقْدَانَ الدَّلِيلِ بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَلِيغِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ مِنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْوَقْفُ عَلَيْهِ وَظَنُّ عَدَمِهِ يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إذْ لَوْ ثَبَتَ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَزِمَ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَالْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَاجِبٌ غَيْرَ أَنَّ عَدَّهُ إيَّاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمَقْبُولَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْخَاصِّ أَوْ مُطْلَقًا لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَصَدَقَ أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّلْوِيحِ لَا قَائِلَ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالنَّفْيِ أَحَدُ الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِنَفْيِ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ فَلْيُحْمَلْ كَلَامُ الْبَيْضَاوِيِّ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ فَهَذَا وَاحِدٌ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ. (وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ) وَهِيَ الَّتِي لَا يَشْهَدُ لَهَا أَصْلٌ بِالِاعْتِبَارِ فِي الشَّرْعِ وَلَا بِالْإِلْغَاءِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى سُنَنِ الْمَصَالِحِ وَتَلَقَّتْهَا الْعُقُولُ بِالْقَبُولِ (أَثْبَتَهَا مَالِكٌ) وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ (وَمَنَعَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ) مِنْهُمْ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَمُتَأَخِّرُو الْحَنَابِلَةِ (لِعَدَمِ مَا يَشْهَدُ) لَهَا (بِالِاعْتِبَارِ وَلِعَدَمِ أَصْلِ الْقِيَاسِ فِيهَا كَمَا يُعْرَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ) فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ مِنْ فَصْلِ الْعِلَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَرَافِيُّ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لِأَنَّهُمْ يَقِيسُونَ وَيُفَرِّقُونَ بِالْمُنَاسَبَاتِ وَلَا يَطْلُبُونَ شَاهِدًا بِالِاعْتِبَارِ وَلَا يَعْنِي بِالْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ إلَّا ذَلِكَ وَمِمَّا يُؤَكِّدُ الْعَمَلَ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلُوا أُمُورًا لِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ لَا لِتَقْدِيمِ شَاهِدٍ بِالِاعْتِبَارِ نَحْوَ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ أَمْرٌ وَلَا نَظِيرٌ وَوِلَايَةِ الْعَهْدِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَظِيرٌ وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْخِلَافَةِ شُورَى وَتَدْوِينُ الدَّوَاوِينِ وَعَمَلُ السِّكَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَاِتِّخَاذِ السِّجْنِ فَعَمِلَ ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذِهِ الْأَوْقَافُ الَّتِي بِإِزَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّوْسِعَةُ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ ضِيقِهِ فَعَلَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَجْدِيدُ أَذَانٍ فِي الْجُمُعَةِ بِالسُّوقِ وَهُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ فَعَلَهُ عُثْمَانُ ثُمَّ نَقَلَهُ هِشَامٌ إلَى الْمَسْجِدِ وَذَكَرَ كَثِيرٌ حَدًّا لِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَدْ عَمِلَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْغِيَاثِيِّ أُمُورًا وَجَوَّزَهَا وَأَفْتَى بِهَا وَالْمَالِكِيَّةُ بَعِيدُونَ عَنْهَا وَجَسَرَ عَلَيْهَا وَقَالَهَا لِلْمَصْلَحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ مَعَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ شَدِيدَا الْإِنْكَارِ عَلَيْنَا فِي الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ انْتَهَى فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِمَنْ تَتَبَّعَ وَحَقَّقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا ثَانٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ. (وَتَعَارُضُ الْأَشْبَاهِ) أَيْ بَقَاءُ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِتَعَارُضِ أَصْلَيْنِ فِيهِ يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (كَقَوْلِ زُفَرَ فِي الْمَرَافِقِ) لَا يَجِبُ غُسْلُهَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّهَا (غَايَةٌ) لِغُسْلِ الْيَدِ وَالْغَايَةُ قِسْمَانِ (دَخَلَ مِنْهَا) فِي الْمُغَيَّا قِسْمٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1] (وَخَرَجَ) مِنْهَا عَنْ الْمُغَيَّا قِسْمٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَإِذْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ دُخُولُ الْمَرَافِقِ فِي الْغُسْلِ بِأَوْلَى مِنْ عَدَمِ دُخُولِهَا فِيهِ (فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ غُسْلُهَا وَاجِبًا فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ (وَدُفِعَ) كَوْنُهُ دَلِيلًا (بِأَنَّهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِالْجَهْلِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ) لِزُفَرَ (الْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ دُخُولُ الْمَرَافِقِ فِي الْغُسْلِ (فَيَبْقَى) عَدَمُهُ مُسْتَمِرًّا (إلَى ثُبُوتِ مُوجِبِهِ) أَيْ الدُّخُولِ (وَالثَّابِتُ) فِي الْغَايَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُغَيَّا دُخُولًا وَخُرُوجًا إنَّمَا هُوَ (التَّعَارُضُ) وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا يُعْرَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ إلَى مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ فَلْيُرَاجَعْ وَهَذَا ثَالِثٌ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ. (وَمِنْهَا) أَيْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ (الِاسْتِدْلَال) وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الدَّلَالَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ يَرِدُ لِمَعَانٍ مِنْهَا الطَّلَبُ كَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَالِاتِّخَاذُ كَاسْتَعْبَدَ فُلَانٌ فُلَانًا وَاسْتَأْجَرَهُ أَيْ اتَّخَذَهُ عَبْدًا وَأَجِيرًا فَذَكَرَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ طَلَبُ الدَّلِيلِ وَفِي الْعُرْفِ يُطْلَقُ عَلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ مُطْلَقًا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ

أَوْ غَيْرِهِمَا وَعَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا (قِيلَ مَا لَيْسَ بِأَحَدِ) الْأَدِلَّةِ (الْأَرْبَعَةِ) الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ (فَيَخْرُجُ قِيَاسًا الدَّلَالَةُ وَمَا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ) وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ مَا لَا يُذْكَرُ فِيهِ الْعِلَّةُ بَلْ وَصْفٌ مُلَازِمٌ لَهَا كَالنَّبِيذِ حَرَامٌ كَالْخَمْرِ بِجَامِعِ الرَّائِحَةِ الْمُشْتَدَّةِ وَإِنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي فِي مَعْنَى الْأَصْلِ وَيُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ كَقِيَاسِ الْبَوْلِ فِي إنَاءٍ وَصَبِّهِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ عَلَى الْبَوْلِ فِيهِ فِي الْمَنْعِ بِجَامِعِ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي مَقْصُودِ الْمَنْعِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ كَمَا يَخْرُجُ قِيَاسُ الْعِلَّةِ وَهُوَ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِالْعِلَّةِ نَحْوَ يَحْرُمُ النَّبِيذُ كَالْخَمْرِ لِلْإِسْكَارِ لِإِطْلَاقِ نَفْيِ كَوْنِهِ قِيَاسًا أَيْضًا لِأَنَّ مُنَافِيَ الْأَعَمِّ مُنَافٍ لِلْأَخَصِّ. (وَقَدْ يُقَيَّدُ الْقِيَاسُ) الْمَنْفِيُّ (بِقِيَاسِ الْعِلَّةِ فَيُدْخِلَانِهِ) أَيْ قِيَاسَا الدَّلَالَةِ وَمَا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ فِي الِاسْتِدْلَالِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَخَصَّ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَعَمُّ مِنْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ وَنَفْيُ الْأَعَمِّ لِكَوْنِهِ أَخَصَّ يَكُونُ أَخَصَّ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ (وَاخْتِيرَ) أَيْ وَاخْتَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ (أَنَّ أَنْوَاعَهُ) أَيْ الِاسْتِدْلَالِ ثَلَاثَةٌ (شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَالِاسْتِصْحَابُ وَالتَّلَازُمُ وَهُوَ) أَيْ التَّلَازُمُ (الْمُفَادُ بِالِاسْتِثْنَائِيِّ وَالِاقْتِرَانِيِّ بِضُرُوبِهِمَا) فِي مَبَاحِثِ النَّظَرِ (وَقَدَّمْنَا زِيَادَةَ ضَرْبٍ فِي تَسَاوِي الْمُقَدَّمِ وَالتَّالِي) بَلْ ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ حَاصِلٌ مِنْهُمَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ نَقِيضِ الْمُقَدَّمِ كَأَنْ كَانَ هَذَا وَاجِبًا فَتَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَتَارِكُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ وَضَرْبٌ حَاصِلٌ مِنْهُمَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ عَيْنِ التَّالِي كَأَنْ كَانَ هَذَا وَاجِبًا فَتَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ لَكِنْ تَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ فَهُوَ وَاجِبٌ فَتَصِيرُ ضُرُوبُهُ أَرْبَعَةً هَذَيْنِ وَالضَّرْبَيْنِ الْمُتَّفَقِ عَلَى إنْتَاجِهِمَا وَهُمَا الْحَاصِلُ مِنْهُمَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ عَيْنِ الْمُقَدَّمِ كَأَنْ كَانَ هَذَا وَاجِبًا فَتَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ لَكِنَّهُ وَاجِبٌ فَتَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ وَالْحَاصِلُ مِنْهُمَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ نَقِيضِ التَّالِي كَأَنْ كَانَ هَذَا وَاجِبًا فَتَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ لَكِنْ تَارِكُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ فَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ (وَكَذَا) زِيَادَةُ ضَرْبٍ (فِي الِاقْتِرَانِيِّ) وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ كُلِّيَّتَيْنِ صُغْرَى سَالِبَةٍ وَكُبْرَى مُوجَبَةٍ مُتَسَاوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ كَلَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِصَهَّالٍ وَكُلُّ صَهَّالٍ فَرَسٌ فَلَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِفَرَسٍ وَذَكَرَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ ثَمَّةَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ هَذَا زِيَادَةُ ضَرْبٍ آخَرَ أَيْضًا وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ جُزْئِيَّةٍ سَالِبَةٍ صُغْرَى وَكُلِّيَّةٍ مُوجَبَةٍ كُبْرَى مُتَسَاوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ كَلَيْسَ بَعْضُ الْإِنْسَانِ بِفَرَسٍ وَكُلُّ فَرَسٍ صَهَّالٌ فَلَيْسَ بَعْضُ الْإِنْسَانِ بِصَهَّالٍ لِاتِّحَادِ الْوَسَطِ الْمُقْتَضِي لِلْإِنْتَاجِ فِي هَذَا كَمَا فِيمَا قَبْلَهُ (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ التَّلَازُمَ (هُنَا عَلَى خُصُوصٍ هُوَ إثْبَاتُهُ أَحَدَ مُوجِبَيْ الْعِلَّةِ بِالْآخَرِ فَتَلَازُمُهُمَا) أَيْ مُوجِبِيهَا وَهُمَا الْحُكْمَانِ (بِلَا تَعْيِينِ عِلَّةٍ) جَامِعَةٍ. (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ إثْبَاتُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِتَلَازُمِهِمَا بِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ (فَقِيَاسٌ) أَيْ فَإِثْبَاتُهُ بِهَا قِيَاسٌ (وَيَكُونُ) التَّلَازُمُ (بَيْنَ ثُبُوتَيْنِ) وَلَا بُدَّ فِيهِ إمَّا مِنْ الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَمَا فِيمَا يَكُونُ التَّالِي فِيهِ مُسَاوِيًا لِلْمُقَدَّمِ أَوْ طَرْدًا لَا عَكْسًا مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَكُونُ التَّالِي أَعَمَّ مِنْ الْمُقَدَّمِ (كَمَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ وَهُوَ) أَيْ وَثُبُوتُ التَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا يَكُونُ (بِالِاطِّرَادِ) الشَّرْعِيِّ وَهُوَ أَنَّا تَتَبَّعْنَا فَوَجَدْنَا كُلَّ شَخْصٍ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ وَكُلُّ مَنْ صَحَّ ظِهَارُهُ صَحَّ طَلَاقُهُ (وَيَقْوَى) ثُبُوتُهُ بَيْنَهُمَا (بِالِانْعِكَاسِ) وَهُوَ أَنَّا تَتَبَّعْنَا فَوَجَدْنَا كُلَّ شَخْصٍ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ وَكُلَّ شَخْصٍ لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَحَاصِلُهُ التَّمَسُّكُ بِالدَّوَرَانِ مُمْكِنٌ عَلَى أَنَّ الْعَدَمَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْهُ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لَهُ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِهِ الْقَائِلِ بِصِحَّةِ ظِهَارِ الذِّمِّيِّ لَا الْحَنَفِيِّ وَمُوَافِقِهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ ظِهَارِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ لَا تَلَازُمَ عِنْدَهُ فِي هَذَا عَكْسًا فِي كِلَا الطَّرَفَيْنِ بَلْ فِي أَحَدِهِمَا الَّذِي هُوَ الظِّهَارُ وَسَيُشِيرُ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ ثُمَّ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ لَهُ (وَيُقَرِّرُ) ثُبُوتُ التَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا إذَا كَانَا أَثَرَيْنِ لِمُؤَثِّرٍ بِالِاسْتِدْلَالِ (ثُبُوتَ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ فَيَلْزَمُ) أَنْ يُوجَدَ الْأَثَرُ (الْآخَرُ لِلُّزُومِ) وُجُودَ (الْمُؤَثِّرِ) لَهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ أَثَرُهُ وَكَوْنُ نِسْبَتِهِ إلَى الْمُؤَثِّرِ كَنِسْبَةِ الْآخَرِ إلَيْهِ. (وَ) يُقَرِّرُ (بِمَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى هَذَا

وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ عَلَى ثُبُوتِ الْمُؤَثِّرِ ثُمَّ ثُبُوتُهُ عَلَى ثُبُوتِ الْآخَرِ (كَفَرْضِ الصِّحَّتَيْنِ) لِلطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ (أَثَرَ الْوَاحِدِ) كَالْأَهْلِيَّةِ لَهُمَا فَإِذَا ثَبَتَ صِحَّةُ الطَّلَاقِ ثَبَتَ الْأَهْلِيَّةُ لَهَا وَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ ثُبُوتُهُ لِصِحَّةِ الظِّهَارِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى التَّعْرِيفِ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ بَلْ مِنْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ دُونَ التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ لَهُ لِأَنَّ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِتَعْيِينِ الْمُؤَثِّرِ (وَمَتَى عُيِّنَ الْمُؤَثِّرُ خَرَجَ) عَنْ الِاسْتِدْلَالِ (إلَى قِيَاسِ الْعِلَّةِ وَبَيْنَ نَفْيَيْنِ) أَيْ وَيَكُونُ التَّلَازُمُ بَيْنَهُمَا (وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ) أَيْ التَّنَافِي بَيْنَ (الطَّرَفَيْنِ) فَسَقَطَ مِنْ الْقَلَمِ لَفْظُ بَيْنَ (طَرْدًا وَعَكْسًا) أَيْ إثْبَاتًا وَنَفْيًا كَمَا هُوَ الْمُنْفَصِلَةُ الْحَقِيقِيَّةُ (أَوْ أَحَدِهِمَا) أَيْ طَرْدًا فَقَطْ كَمَا هُوَ مَانِعَةُ الْجَمْعِ أَوْ عَكْسًا فَقَطْ كَمَا هُوَ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ مِثَالُهُ (لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِلَا نِيَّةٍ فَلَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ) بِلَا نِيَّةٍ (وَهُوَ) أَيْ ثُبُوتُ التَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا (أَيْضًا بِالِاطِّرَادِ) أَيْ كُلُّ تَيَمُّمٍ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَكُلُّ وُضُوءٍ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ (وَيَقْوَى بِالِانْعِكَاسِ) أَيْ كُلُّ تَيَمُّمٍ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ وَكُلُّ وُضُوءٍ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِهِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِهِ فَيَتِمُّ التَّلَازُمُ طَرْدًا وَعَكْسًا فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَقَطْ وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ كُلَّ تَيَمُّمٍ بِالنِّيَّةِ صَحِيحٌ وَبِغَيْرِ النِّيَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ دُونَ الْآخَرِ وَهُوَ الْوُضُوءُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وُضُوءٍ بِالنِّيَّةِ صَحِيحًا فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ كُلُّ وُضُوءٍ بِلَا نِيَّةٍ غَيْرَ صَحِيحٍ بَلْ ذَاكَ الْوُضُوءُ الَّذِي هُوَ عِبَادَةٌ لَا الْوُضُوءُ الَّذِي لَيْسَ بِعِبَادَةٍ فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا فِي النَّفْيِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى زُفَرَ فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّفْيَيْنِ أَصْلًا لِعَدَمِ تَوَقُّفِ صِحَّةِ وُضُوءٍ وَتَيَمُّمٍ عَلَى النِّيَّةِ عِنْدَهُ (وَيُقَرَّرُ) ثُبُوتُ التَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَا أَثَرَيْنِ لِمُؤَثِّرٍ (بِانْتِفَاءِ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ فَالْآخَرُ) أَيْ فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْأَثَرِ الْآخَرِ لِانْتِفَاءِ الْمُؤَثِّرِ لِفَرْضِ ثُبُوتِهِمَا أَثَرًا لِوَاحِدٍ وَلَيْسَ فَرْضُ كَوْنِ الثَّوَابِ وَاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ أَثَرَيْنِ لِلْعِبَادَةِ (يُوجِبُهُ) أَيْ التَّلَازُمَ بَيْنَ النَّفْيَيْنِ (عَلَى الْحَنَفِيِّ) لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي صِحَّةِ كَوْنِ الْوُضُوءِ شَرْطًا لِلصَّلَاةِ كَوْنَهُ عِبَادَةً (وَبَيْنَ نَفْيٍ لَازِمٍ لِلثُّبُوتِ) أَيْ وَيَكُونُ التَّلَازُمُ بَيْنَ ثُبُوتِ مَلْزُومٍ وَنَفْيِ لَازِمٍ لَهُ (وَعَكْسُهُ) أَيْ وَبَيْنَ نَفْيِ مَلْزُومٍ وَثُبُوتِ لَازِمٍ مِثَالُ الْأَوَّلِ هَذَا (مُبَاحٌ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ) وَمِثَالُ الثَّانِي هَذَا (لَيْسَ جَائِزًا فَحَرَامٌ وَيُقَرَّرَانِ) أَيْ التَّلَازُمَانِ بَيْنَهُمَا (بِإِثْبَاتِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا) كَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالنَّفْيِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَعَدَمِ الْحَرَامِ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّ عَدَمَ الْحَرَامِ أَعَمُّ مِنْ الْمُبَاحِ وَلَا بَيْنَ غَيْرِ الْجَائِزِ وَالْحَرَامِ لِأَنَّ غَيْرَ الْجَائِزِ إمَّا مُسَاوِي الْحَرَامِ أَوْ أَعَمُّ مِنْهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّارِحِينَ أَيْ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ لَكِنْ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا قُصُورٌ بَلْ وَبَيْنَ الْجَائِزِ وَالْحَرَامِ ثُمَّ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ فِي الْإِثْبَاتِ وَلِهَذَا اسْتَلْزَمَ الْمُبَاحُ عَدَمَ الْحَرَامِ وَعَكْسَهُ لَا فِي النَّفْيِ وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ عَدَمُ الْمُبَاحِ الْحَرَامَ وَلَا عَكْسَهُ قُلْت إلَّا أَنَّ فِي اسْتِلْزَامِ عَدَمِ الْحَرَامِ الْمُبَاحَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَعَكْسَهُ نَظَرًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ عَدَمَ الْحَرَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُبَاحَ أَلْبَتَّةَ بَلْ كَمَا يَسْتَلْزِمُهُ يَسْتَلْزِمُ الْمَنْدُوبَ. وَقَالَ فِي الثَّانِي وَهُوَ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَلِهَذَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ الْحُرْمَةُ وَعَكْسُهُ وَمِنْ الْجَوَازِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ وَالْعَكْسُ وَيَخُصُّ هَذَا مُوَجِّهًا لَهُ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ فَقَالَ أَيْ التَّلَازُمُ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَنَفْيِهِ وَعَكْسُهُ يُقَرَّرَانِ بِبَيَانِ ثُبُوتِ التَّنَافِي بَيْنَ الثُّبُوتَيْنِ فَإِنْ كَانَ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ كَمَا بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ اسْتَلْزَمَ كُلٌّ مِنْ الثُّبُوتَيْنِ نَفْيَ الْآخَرِ فَيَصْدُقُ مَا كَانَ مُبَاحًا لَا يَكُونُ حَرَامًا وَإِنْ كَانَ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا فِي الْخُلُوِّ كَمَا بَيْنَ الْجَائِزِ بِمَعْنَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا اسْتَلْزَمَ نَفْيُ كُلٍّ مِنْ الثُّبُوتَيْنِ عَيْنَ الْآخَرِ فَيَصْدُقُ مَا لَا يَكُونُ جَائِزًا يَكُونُ حَرَامًا انْتَهَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعِنَايَةَ لَا تُفِيدُهَا الْعِبَارَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَالسُّبْكِيِّ أَيْ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَهُوَ مَعَ إبْهَامِهِ رَاجِعٌ إلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى أَحَدِهِمَا الْمُرَادُ مِنْهُ وَمِنْ الْعَجَبِ إهْمَالُ عَضُدِ الدِّينِ ثُمَّ التَّفْتَازَانِيِّ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا (أَوْ) بِإِثْبَاتِ التَّنَافِي بَيْنَ (لَوَازِمِهِمَا) وَهُوَ التَّأْثِيمُ اللَّازِمُ لِفِعْلِ الْحَرَامِ وَعَدَمُهُ اللَّازِمُ لِفِعْلِ الْمُبَاحِ وَالْجَائِزِ فَيَلْزَمُ التَّنَافِي بَيْنَ مَلْزُومِهِمَا لِأَنَّ تَنَافِيَ

اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ (وَيَرِدُ عَلَيْهَا) أَيْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ (مَنْعُ اللُّزُومِ كَالْحَنَفِيِّ فِي الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ كَمَنْعِ الْحَنَفِيِّ التَّلَازُمَ بَيْنَ الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ وَنَفْيِ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ بِلَا نِيَّةٍ وَنَفْيِ صِحَّةِ الْوُضُوءِ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ. (وَ) مَنْعُ (ثُبُوتِ الْمَلْزُومِ وَمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْعِلَّةِ) مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَعَيَّنْ الْعِلَّةُ فِي التَّلَازُمِ وَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَيَخْتَصُّ) التَّلَازُمُ بِسُؤَالٍ لَا يَرِدُ عَلَى الْقِيَاسِ وَهُوَ مَنْعُ تَحَقُّقِ الْمُلَازَمَةِ (فِي مِثْلِ تَقْطَعُ الْأَيْدِيَ بِيَدٍ) وَاحِدَةٍ (كَقَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِوَاحِدٍ لِمُلَازَمَتِهِ) أَيْ الْقِصَاصِ (لِثُبُوتِ الدِّيَةِ عَلَى الْكُلِّ فِي الْأَصْلِ أَيْ النَّفْسِ لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ (أَثَرَانِ فِيهَا) أَيْ النَّفْسِ يَتَرَتَّبَانِ عَلَى الْجِنَايَةِ (وَوُجِدَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْأَثَرَيْنِ وَهُوَ الدِّيَةُ (فِي الْفَرْعِ) أَيْ الْيَدِ (فَالْآخَرُ) أَيْ الْأَثَرُ الْآخَرُ وَهُوَ (الْقِصَاصُ) عَلَى الْكُلِّ يُؤْخَذُ فِيهِ أَيْضًا (لِأَنَّ عِلَّتَهُمَا) أَيْ الْأَثَرَيْنِ وَهُمَا الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ (فِي الْأَصْلِ إنْ) كَانَتْ (وَاحِدَةً فَظَاهِرٌ) وُجُودُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ إذْ لَا خَفَاءَ فِي وُجُودِ الْأَثَرِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُؤَثِّرِ (أَوْ) كَانَتْ (مُتَعَدِّدَةً فَتَلَازُمُهُمَا) أَيْ الْأَثَرَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا وُجُوبُ الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ عَلَى الْجَمِيعِ (فِي الْأَصْلِ) أَيْ النَّفْسِ دَلِيلٌ (لِتَلَازُمِهِمَا) أَيْ الْعِلَّتَيْنِ فَوُجُودُ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ وَهُوَ الدِّيَةُ فِي الْفَرْعِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ عِلَّتِهِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ عِلَّةِ الْأَثَرِ الْآخَرِ (فَيَثْبُتُ) الْأَثَرُ (الْآخَرُ) وَهُوَ الْقِصَاصُ فِي الْفَرْعِ أَيْضًا لِثُبُوتِ عِلَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ (فَيَرِدُ) الْوَارِدُ الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الْمِثَالِ وَهُوَ (تَجْوِيزُ كَوْنِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْأَثَرِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الدِّيَةِ عَلَى الْكُلِّ (بِعِلَّةٍ) فِي الْفَرْعِ أَيْ الْيَدِ تَقْتَضِي وُجُوبَ الدِّيَةِ فِي الْكُلِّ ثُمَّ (لَا تَقْتَضِي قَطْعَ الْأَيْدِي) بِالْيَدِ (وَلَا) تَقْتَضِي (مُلَازَمَةَ مُقْتَضِيهِ) أَيْ قَطْعِ الْأَيْدِي بِالْيَدِ. (وَفِي الْأَصْلِ) أَيْ النَّفْسِ (بِأُخْرَى تَقْتَضِيهِمَا) أَيْ الْقِصَاصَ وَوُجُوبَ الدِّيَةِ (أَوْ) بِعِلَّةٍ أُخْرَى (لَا تَلَازُمَ مُقْتَضٍ قَبْلَ الْكُلِّ وَيُرَجَّحُ) الْمُعْتَرِضُ كَوْنَ ثُبُوتِهِ فِي الرَّفْعِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى (بِاتِّسَاعِ مَدَارِكِ الْأَحْكَامِ) أَيْ أَدِلَّتِهَا الَّتِي يُدْرَكُ بِهَا فَإِنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى يُوجِبُ التَّعَدُّدَ فِي مُدْرَكِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (وَهُوَ) أَيْ اتِّسَاعُ مَدَارِك الْأَحْكَامِ (أَكْثَرُ فَائِدَةً وَجَوَابُهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ (الْأَصْلُ عَدَمُ) عِلَّةٍ (أُخْرَى) (وَيُرَجَّحُ الِاتِّحَادُ) أَيْ اتِّحَادُ الْعِلَّةِ فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ وَهُوَ الدِّيَةُ مَثَلًا عَلَى تَعَدُّدِهَا (بِأَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ الْمُتَّحِدَةَ (مُنْعَكِسَةٌ) وَالْمُنْعَكِسَةُ عِلَّةٌ بِاتِّفَاقٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَالْمُتَّفِقُ عَلَيْهَا أَرْجَحُ (فَإِنْ دَفَعَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ (بِأَنَّ الْأَصْلَ أَيْضًا عَدَمُ عِلَّةِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ قَالَ) الْمُسْتَدِلُّ إذَا تَعَارَضَ الْأَصْلَانِ وَتَسَاقَطَا كَانَ التَّرْجِيحُ مَعَنَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ الْعِلَّةُ (الْمُتَعَدِّيَةُ) مِنْ النَّفْسِ إلَى الْيَدِ (أَوْلَى) مِنْ الْقَاصِرَةِ عَلَى النَّفْسِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا وَالْخِلَافُ فِي الْقَاصِرَةِ وَلِكَثْرَتِهَا وَقِلَّةِ الْقَاصِرَةِ فَإِنَّا إذَا أَثْبَتْنَا الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ فَقَدْ عَدَّيْنَاهَا مِنْ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِمَا فَقَدْ قَصَرْنَا عِلَّةَ الْأَصْلِ عَلَى الْأَصْلِ وَعِلَّةَ الْفَرْعِ عَلَى الْفَرْعِ قَالَ (الْآمِدِيُّ وَمِنْهُ) أَيْ الِاسْتِدْلَالِ (وُجِدَ السَّبَبُ) فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَا يُلْزِمُهُ الْمَطْلُوبُ بِتَقْدِيرِ تَحَقُّقِهِ قَطْعًا أَوْ ظَاهِرًا وَمَا ذَكَرَ كَذَلِكَ وَالْمَطْلُوبُ وَإِنْ تَوَقَّفَ وُجُودُهُ عَلَى الدَّلِيلِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ فَوُجُودُ الدَّلِيلِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى وُجُودِهِ بَلْ تَمَيُّزُهُ فِي نَفْسِهِ فَلَا دُورَ كَمَا فِي مُنْتَهَى السُّولِ لَهُ أَيْ الْمَطْلُوبُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ مِنْ جِهَةِ وُجُودِهِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ وَالدَّلِيلُ يَتَوَقَّفُ عَلَى لُزُومِ الْمَطْلُوبِ مِنْ جِهَةِ حَقِيقَتِهِ فَلَا دُورَ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا وَلَا قِيَاسًا لِاحْتِمَالِ تَقْرِيرِ سَبَبِيَّةِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. (وَ) وُجِدَ (الْمَانِعُ وَفُقِدَ الشَّرْطُ) فَيُعْدَمُ الْحُكْمُ (وَنُفِيَ الْحُكْمُ لِانْتِفَاءِ مُدْرَكِهِ) وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِ (وَالْحَنَفِيَّةُ وَكَثِيرٌ عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الِاسْتِدْلَالِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ (إذْ هُوَ دَعْوَى الدَّلِيلِ) فَهُوَ بِمَثَابَةِ وُجِدَ دَلِيلُ الْحُكْمِ فَيُوجَدُ فَلَا يُسْمَعُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ الدَّلِيلَ الْمُدَّعَى وُجُودُهُ (فَالدَّلِيلُ وُجُودُ الْمُعَيَّنِ) أَيْ الْمُقْتَضِي أَوْ الْمَانِعِ أَوْ فَقْدِ الشَّرْطِ (مِنْهَا) أَيْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْحُكْمِ (وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمَذْكُورَ (دَلِيلٌ) وَهُوَ مَثَلًا هَذَا حُكْمٌ وُجِدَ سَبَبُهُ وَكُلُّ حُكْمٍ وُجِدَ سَبَبُهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ

(بَعْضُ مُقَدِّمَاتِهِ نَظَرِيَّةٌ) وَهِيَ الصُّغْرَى فَإِنَّ الْكُبْرَى بَيِّنَةٌ (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ (إنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ) أَيْ وُجُودُ السَّبَبِ أَوْ الْمَانِعُ أَوْ فَقْدُ الشَّرْطِ (بِأَحَدِهَا) وَهُوَ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ بِغَيْرِهَا أَيْ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ (فَاسْتِدْلَالٌ وَإِلَّا) فَإِنْ ثَبَتَ بِأَحَدِهَا (فَبِأَحَدِهَا) أَيْ فَهُوَ ثَابِتٌ بِأَحَدِهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ لَا بِالِاسْتِدْلَالِ (وَعَلَى هَذَا) التَّفْصِيلِ (يَرِدُ الِاسْتِدْلَال مُطْلَقًا إلَى أَحَدِهَا إذْ ثُبُوتُ ذَلِكَ التَّلَازُمِ لَا بُدَّ فِيهِ شَرْعًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَحَدِهَا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّلَازُمُ ثَابِتًا شَرْعًا بِأَحَدِهَا (فَلَيْسَ) ذَلِكَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ (حُكْمًا شَرْعِيًّا) لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِأَحَدِهَا. (فَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِدْلَالَ (كَيْفِيَّةُ اسْتِدْلَالٍ) بِأَحَدِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ (لَا) دَلِيلَ (آخَرَ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ وَتَقَدَّمَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا) قَبْلَ فَصْلِ التَّعَارُضِ بِمَسْأَلَتَيْنِ (وَيُرَدُّ إلَى الْكِتَابِ) بِقَصِّهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ (وَالسُّنَّةِ) بِقَصِّهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ (وَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ) وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ (وَرُدَّ إلَى السُّنَّةِ) حَيْثُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَلِيهَا فَصْلُ التَّعَارُضِ (وَرُدَّ الِاسْتِصْحَابُ إلَى مَا بِهِ ثَبَتَ الْأَصْلُ الْمَحْكُومُ بِاسْتِمْرَارِهِ) (فَهُوَ) أَيْ الِاسْتِصْحَابُ (الْحُكْمُ) ظَنًّا (بِبَقَاءِ أَمْرٍ تَحَقَّقَ) سَابِقًا (وَلَمْ يَظُنَّ عَدَمَهُ) بَعْدَ تَحَقُّقِهِ (وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) السَّمَرْقَنْدِيِّينَ مِنْهُمْ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَالْحَنَابِلَةُ (مُطْلَقًا) أَيْ لِلْإِثْبَاتِ وَالدَّفْعِ (وَنَفَاهُ) أَيْ كَوْنَهُ حُجَّةً (كَثِيرٌ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُتَكَلِّمُونَ (مُطْلَقًا) أَيْ لِلْإِثْبَاتِ وَالدَّفْعِ (وَأَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعُوهُمْ قَالُوا هُوَ حُجَّةٌ (لِلدَّفْعِ) لَا لِلْإِثْبَاتِ (وَالْوَجْهُ لَيْسَ حُجَّةٌ) أَصْلًا كَمَا قَالَ الْكَثِيرُ (وَالدَّفْعُ اسْتِمْرَارُ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الطَّارِئِ (الْأَصْلِيِّ) عَلَى مَا تَحَقَّقَ وُجُودُهُ (لِأَنَّ مُوجِبَ الْوُجُودِ لَيْسَ مُوجِبَ بَقَائِهِ) أَيْ الْوُجُودِ وَكَيْفَ لَا وَبَقَاءُ الشَّيْءِ غَيْرُ وُجُودِهِ لِأَنَّهُ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ بَعْدَ الْحُدُوثِ (فَالْحُكْمُ بِبَقَائِهِ) أَيْ الْوُجُودِ يَكُونُ (بِلَا دَلِيلٍ قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِحُجِّيَّتِهِ مُطْلَقًا الْحُكْمُ ظَنًّا بِالْبَقَاءِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الِاسْتِصْحَابِ أَمْرٌ (ضَرُورِيٌّ لِتَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الْحُكْمِ ظَنًّا بِالْبَقَاءِ الْمَذْكُورِ (مِنْ إرْسَالِ الرُّسُلِ وَالْكُتُبِ وَالْهَدَايَا) مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْلَا الْحُكْمُ ظَنًّا بِالْبَقَاءِ الْمَذْكُورِ لَكَانَ ذَلِكَ سَفَهًا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِذْ ثَبَتَ الْحُكْمُ ظَنًّا بِالْبَقَاءِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ مُتَّبَعٌ كَمَا عُرِفَ. (وَمِنْهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّتِهِ مُطْلَقًا (مَنْ اسْتَبْعَدَهُ) أَيْ كَوْنَهُ حُجَّةً بِالضَّرُورَةِ (فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَعَدَلُوا إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَمْ يَجْزِمْ بِبَقَاءِ الشَّرَائِعِ مَعَ احْتِمَالِ الرَّفْعِ) أَيْ طَرَيَانِ النَّاسِخِ وَاللَّازِمِ بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِبَقَاءِ شَرِيعَةِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بِعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقَاءِ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَدًا (وَ) إلَى (الْإِجْمَاعِ) أَيْضًا (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ أَيْ اعْتِبَارُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفُرُوعِ كَمَا (فِي نَحْوِ بَقَاءِ الْوُضُوءِ وَالْحَدَثِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالْمِلْكِ) إذَا ثَبَتَ (مَعَ طُرُوِّ الشَّكِّ) فِي طَرَيَانِ الضِّدِّ (وَأُجِيبَ) عَنْ الْأَوَّلِ (بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ لِجَوَازِهِ) أَيْ الْجَزْمِ بِبَقَائِهَا وَالْقَطْعِ بِعَدَمِ نَسْخِهَا (بِغَيْرِهِ) أَيْ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ الِاسْتِصْحَابِ (كَتَوَاتُرِ إيجَابِ الْعَمَلِ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ لِأَهْلِهَا (إلَى ظُهُورِ النَّاسِخِ) وَوُجُودِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا نَسْخَ لِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَتِلْكَ الْفُرُوعُ) لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ بَلْ (لِأَنَّ الْأَسْبَابَ تُوجِبُ أَحْكَامًا مُمْتَدَّةً) مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَعَدَمِ جَوَازِهَا وَحِلِّ الْوَطْءِ وَالِانْتِفَاعِ بِحَسَبِ وَضْعِ الشَّارِعِ (إلَى ظُهُورِ النَّاقِضِ شَرْعًا وَاعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ الْخِلَافِ) فِي كَوْنِ الِاسْتِصْحَابِ حُجَّةً أَوْ لَا مَبْنِيٌّ (عَلَى أَنَّ سَبْقَ الْوُجُودِ مَعَ عَدَمِ ظَنِّ الِانْتِفَاءِ هَلْ هُوَ دَلِيلُ الْبَقَاءِ فَقَالُوا) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ (نَعَمْ فَلَيْسَ الْحُكْمُ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِصْحَابِ حُكْمًا (بِلَا دَلِيلٍ وَالْحَنَفِيَّةُ) قَالُوا (لَا إذْ لَا بُدَّ فِي الدَّلِيلِ مِنْ جِهَةٍ يَسْتَلْزِمُ بِهَا) الْمَطْلُوبَ (وَهِيَ) أَيْ الْجِهَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لَهُ (مُنْتَفِيَةٌ) فِي حَقِّ الْبَقَاءِ (فَتَفَرَّعَتْ الْخِلَافِيَّاتُ) بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (فَيَرِثُ الْمَفْقُودُ) مِنْ مَاتَ مِنْ وَرَثَتِهِ فِي غَيْبَتِهِ (عِنْدَهُ) أَيْ

المقالة الثالثة في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد والإفتاء

الشَّافِعِيِّ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ حَيَاتِهِ الْمُفِيدَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِ (لَا عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ بَابِ الْإِثْبَاتِ وَحَيَاتَهُ بِالِاسْتِصْحَابِ فَلَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَهُ. (وَلَا يُورَثُ لِأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ الْإِرْثِ (دَفْعٌ) لِلِاسْتِحْقَاقِ فَيَثْبُتُ بِالِاسْتِصْحَابِ (وَعَلَى مَا حَقَّقْنَا عَدَمُهُ أَصْلِيٌّ) مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا وَأَنَّ الدَّفْعَ اسْتِمْرَارُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لِلْأَمْرِ الطَّارِئِ إنَّمَا لَا يُورَثُ (لِعَدَمِ سَبَبِهِ) أَيْ الْإِرْثِ (إذْ لَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ) أَيْ الْمَفْقُودِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ (وَلَا صُلْحَ عَلَى إنْكَارٍ) أَيْ لَا صِحَّةَ لَهُ مَعَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (لِإِثْبَاتِ اسْتِصْحَابِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ) لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ فَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي (كَالْيَمِينِ وَصَحَّ) الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ فَلَا تَكُونُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي فَيَصِحُّ الصُّلْحُ (وَلَمْ تَجِبْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشَّفِيعِ) عَلَى الْمِلْكِ الْمَشْفُوعِ بِهِ لِإِنْكَارِ الْمُشْتَرِي الْمِلْكَ الْمَشْفُوعَ بِهِ لِلشَّفِيعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَإِنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ فِي الظَّاهِرِ وَالتَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَالْإِلْزَامِ جَمِيعًا عِنْدَهُ (وَوَجَبَتْ) الْبَيِّنَةُ الْمَذْكُورَةُ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْأَصْلِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ هَذَا وَأَمَّا السُّبْكِيُّ فَقَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ عُلَمَاءَ الْأُمَّةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ ثَمَّ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَشْخِيصِهِ فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الِاسْتِصْحَابُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَقَدْ عَلِمْت مَوَارِدَ اسْتَفْعَلَ فِي اللُّغَةِ. وَعِنْدِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا فِي مُصْطَلَحِ الْأُصُولِيِّينَ الِاتِّخَاذُ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا بَابُ مَا اتَّخَذُوهُ دَلِيلًا وَالسِّرُّ فِي جَعْلِ هَذَا الْبَابِ مُتَّخَذًا دُونَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ أَنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ قَامَ الْقَاطِعُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتَنَازَعْ الْمُعْتَبَرُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَكَانَ مَنَالُهَا لَمْ يَنْشَأْ عَنْ صُنْعِهِمْ لِاجْتِهَادِهِمْ بَلْ أَمْرٌ ظَاهِرٌ وَأَمَّا مَا عُقِدَ لَهُ هَذَا الْبَابُ فَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ قَالَهُ كُلُّ إمَامٍ بِمُقْتَضَى تَأْدِيَةِ اجْتِهَادِهِ فَكَأَنَّهُ اتَّخَذَهُ دَلِيلًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يُسْتَدَلُّ بِالِاسْتِصْحَابِ وَمَالِكُ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِالِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَتَّخِذَ كُلٌّ مِنْهُمْ ذَلِكَ دَلِيلًا كَمَا يَقُولُ يُحْتَجُّ بِكَذَا وَهَذَا مَعْنًى مَلِيحٌ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ] (الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ) مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ (هُوَ) أَيْ الِاجْتِهَادُ (لُغَةً بَذْلُ الطَّاقَةِ فِي تَحْصِيلِ ذِي كُلْفَةٍ) أَيْ مَشَقَّةٌ يُقَالُ اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ الصَّخْرَةِ وَلَا يُقَالُ اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ النَّوَاةِ وَالْمُرَادُ بِبَذْلِ الْوُسْعِ اسْتِفْرَاغُ الْقُوَّةُ بِحَيْثُ يَحْسُنُ الْعَجْزُ عَنْ الْمَزِيدِ (وَاصْطِلَاحًا ذَلِكَ) أَيْ بَذْلُ الطَّاقَةِ (مِنْ الْفَقِيهِ فِي تَحْصِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ظَنِّيٍّ) فَبَذْلُ الطَّاقَةِ جِنْسٌ يَصْلُحُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَقْصُودِ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى خُرُوجِ اجْتِهَادِ الْمُقَصِّرِ وَهُوَ الَّذِي يَقِفُ عَنْ الطَّلَبِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ السَّعْيِ فَإِنَّ هَذَا الِاجْتِهَادَ لَا يُعَدُّ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ اجْتِهَادًا مُعْتَبَرًا وَمِنْ الْفَقِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ بَذْلِ الطَّاقَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِاجْتِهَادٍ اصْطِلَاحِيٍّ. وَفِي تَحْصِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ احْتِرَازٌ مِنْ بَذْلِهَا مِنْهُ فِي غَيْرِهِ مِنْ حِسِّيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِذَلِكَ أَيْضًا وَظَنِّيٍّ قِيلَ لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ لَا اجْتِهَادَ فِيهِ وَسَيَأْتِي مَنْعُهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْأَحْكَامِ فِي الِاجْتِهَادِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَمَدَارِكِهَا بِالْفِعْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ وُسْعِ الْبَشَرِ (وَنَفْيُ الْحَاجَةِ إلَى قَيْدِ الْفَقِيهِ) كَمَا ذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ (لِلتَّلَازُمِ بَيْنَهُ) أَيْ الْفَقِيهِ (وَبَيْنَ الِاجْتِهَادِ) فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ فَقِيهًا إلَّا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْفِقْهِ التَّهَيُّؤَ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ (سَهْوٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ) جِنْسًا فِي التَّعْرِيفِ إنَّمَا هُوَ (بَذْلُ الطَّاقَةِ لَا الِاجْتِهَادُ وَيُتَصَوَّرُ) بَذْلُ الطَّاقَةِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الْفَقِيهِ (فِي طَلَبِ حُكْمٍ) شَرْعِيٍّ وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَقِيهٌ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ وَلَا مُجْتَهِدٌ غَيْرُ فَقِيهٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ ذُو مَلَكَةٍ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى اسْتِنْتَاجِ الْأَحْكَامِ مِنْ مَأْخَذِهَا. (وَشُيُوعُ الْفَقِيهِ لِغَيْرِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (مِمَّنْ يَحْفَظُ الْفُرُوعَ) إنَّمَا هُوَ (فِي غَيْرِ اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ) وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفُ

لَيْسَ تَعْرِيفًا لِلِاجْتِهَادِ مُطْلَقًا بَلْ (تَعْرِيفٌ لِنَوْعٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ) وَهُوَ الِاجْتِهَادُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الظَّنِّيَّةِ (لِأَنَّ مَا) أَيْ الِاجْتِهَادَ (فِي الْعَقْلِيَّاتِ اجْتِهَادٌ غَيْرَ أَنَّ الْمُصِيبَ) فِي الْعَقْلِيَّاتِ (وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئَ آثِمٌ وَالْأَحْسَنُ تَعْمِيمُهُ) أَيْ التَّعْرِيفِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ظَنِّيًّا كَانَ أَوْ قَطْعِيًّا (بِحَذْفِ ظَنِّيٍّ) فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ قَدْ يَكُونُ فِي الْقَطْعِيِّ مِنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مَا بَيْنَ أَصْلِيٍّ وَفَرْعِيٍّ غَايَتُهُ أَنَّ الْحَقَّ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْمُخَالِفَ فِيهِ مُخْطِئٌ آثِمٌ فِي نَوْعٍ مِنْهُ غَيْرَ آثِمٍ فِي نَوْعٍ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي نَعَمْ إنْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ لَا يَحْكُمُ فِيهِ بِإِثْمِ الْمُخْطِئِ فِيهِ اُحْتِيجَ إلَى قَيْدٍ مُخْرِجٍ لِمَا يَكُونُ الْمُخْطِئُ آثِمًا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْآمِدِيِّ وَالرَّازِيِّ وَمُوَافِقِهِمَا الْمُجْتَهَدُ فِيهِ كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ. (ثُمَّ يَنْقَسِمُ) الِاجْتِهَادُ (مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ) الْمُتَعَلِّقُ بِهِ (إلَى وَاجِبٍ عَيْنًا عَلَى الْمَسْئُولِ) عَلَى الْفَوْرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَادِثَةِ) عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ إذَا نَزَلَتْ الْحَادِثَةُ بِهِ بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا (وَكِفَايَةً) أَيْ وَإِلَى وَاجِبٍ كِفَايَةً عَلَى الْمَسْئُولِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (لَوْ لَمْ يَخَفْ) فَوَاتَ الْحَادِثَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ (وَثَمَّ غَيْرُهُ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَيَتَوَجَّهُ الْوُجُوبُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَأَخَصُّهُمْ بِوُجُوبِهِ مَنْ خُصَّ بِالسُّؤَالِ عَنْ الْحَادِثَةِ حَتَّى لَوْ أَمْسَكُوا مَعَ ظُهُورِ الْجَوَابِ وَالصَّوَابِ لَهُمْ أَثِمُوا وَإِنْ أَمْسَكُوا مَعَ الْتِبَاسِهِ عَلَيْهِمْ عُذِرُوا وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ الطَّلَبُ وَكَانَ فَرْضُ الْجَوَابِ بَاقِيًا عِنْدَ ظُهُورِ الصَّوَابِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَيَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ حَيْثُ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي تَرْكِهِ (وَيَسْقُطُ) الْوُجُوبُ عَنْ الْكُلِّ (بِفَتْوَى أَحَدِهِمْ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا (وَعَلَى هَذَا) أَيْ سُقُوطِ الْوُجُوبِ بِفَتْوَى أَحَدِهِمْ لَوْ أَنَّ مُجْتَهِدًا ظَنَّ خَطَأَ الْمُفْتِي فِيمَا أَجَابَ بِهِ (لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ) أَيْ الْجَوَابَ (خَطَأً) الِاجْتِهَادُ فِيهِ لِسُقُوطِ الْوُجُوبِ بِذَلِكَ الِاجْتِهَادِ هَذَا وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْإِثْمِ بِالرَّدِّ إذَا كَانَ هُنَاكَ غَيْرُ الْمَسْئُولِ وَأَصَحُّهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْوَاقِعَةِ شُهُودٌ يَحْصُلُ الْغَرَضُ بِبَعْضِهِمْ وُجُوبُ الْإِجَابَةِ إذَا طُلِبَ الْأَدَاءُ مِنْ الْبَعْضِ قَالَ وَفِي الْفَرْقِ غُمُوضٌ انْتَهَى قِيلَ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْفَتْوَى تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَفِكْرٍ وَالْمُشَوَّشَاتُ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى ذَلِكَ وَلَا يَعْرَى عَنْ بَحْثٍ (وَكَذَلِكَ حُكْمٌ تَرَدَّدَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ) مُجْتَهِدَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي النَّظَرِ فِيهِ يَكُونُ وُجُوبُ الِاجْتِهَادِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ وُجُوبَ كِفَايَةٍ (أَيُّهُمَا حَكَمَ بِشَرْطِهِ) الْمُعْتَبَرِ فِيهِ شَرْعًا (سَقَطَ) الْوُجُوبُ عَنْهُمَا وَإِنْ تَرَكَاهُ بِلَا عُذْرٍ أَثِمَا (وَ) إلَى (مَنْدُوبٍ) وَهُوَ مَا (قَبْلَهُمَا) أَيْ وُجُوبِهِ عَيْنًا وَوُجُوبِهِ كِفَايَةً كَالِاجْتِهَادِ فِي حُكْمِ شَيْءٍ بِلَا سُؤَالٍ عَنْهُ وَلَا نُزُولِهِ لِيَطَّلِعَ عَلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ قَبْلَ نُزُولِهِ (وَمَعَ سُؤَالٍ فَقَطْ) أَيْ وَفِيمَا يُسْتَفْتَى عَنْ حُكْمِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ (وَ) إلَى (حَرَامٍ) وَهُوَ الِاجْتِهَادُ (فِي مُقَابَلَةِ) دَلِيلٍ (قَاطِعٍ) مِنْ (نَصٍّ) (أَوْ إجْمَاعٍ) (وَشَرْطُ مُطْلَقِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ (بَعْدَ صِحَّةِ إيمَانِهِ) بِمَعْرِفَةِ الْبَارِي تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَتَصْدِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُعْجِزَاتِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَسَائِرِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ دُونَ التَّدْقِيقَاتِ التَّفْصِيلِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ دَأْبُ الْمُتَبَحِّرِينَ فِي الْكَلَامِ وَبُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ (مَعْرِفَةُ مَحَالِّ جُزْئِيَّاتِ مَفَاهِيمِ الْأَلْقَابِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلْمَتْنِ مِنْ شَخْصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الظُّهُورِ كَالظَّاهِرِ) وَالنَّصِّ وَالْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ (وَالْعَامِّ) وَالْخَاصِّ (وَالْخَفَاءِ كَالْخَفِيِّ وَالْمُجْمَلِ) وَالْمُشْكِلِ وَالْمُتَشَابِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي انْقِسَامَاتِ الْمُفْرَدِ السَّابِقَةِ فِي فُصُولِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا عِنْدَ طَلَبِ الْحُكْمِ كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ ثُمَّ قِيلَ: هُوَ مِنْ الْكِتَابِ خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ قِيلَ: وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا مُقَاتِلَ بْنَ سُلَيْمَانَ أَوَّلَ مَنْ أَفْرَدَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ بِالتَّصْنِيفِ ذَكَرَهَا خَمْسَمِائَةٍ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ أَرَادَ الظَّاهِرَةَ لَا الْحَصْرَ، وَمِنْ السُّنَّةِ خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ، وَقِيلَ: خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ وَحُمِلَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَالتَّغْلِيظِ فِي الْفُتْيَا، أَوْ أَرَادَ وَصْفَ أَكْمَلِ الْفُقَهَاءِ، فَأَمَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَقَدْ قَالَ: الْأُصُولُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ لَا مَعْرِفَةُ الْجَمِيعِ، وَهُوَ فِي السُّنَّةِ ظَاهِرٌ لِتَعَذُّرِهِ لِسَعَتِهَا

وَإِلَّا لَانْسَدَّ بَابُ الِاجْتِهَادِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِحْضَارُهُ جَمِيعَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ، وَلَوْ تُصُوِّرَ لَمَا حَضَرَ ذِهْنَهُ عِنْد الِاجْتِهَادِ، وَقَدْ اجْتَهَدَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ لَمْ يَسْتَحْضِرُوا فِيهَا النُّصُوصَ حَتَّى رُوِيَتْ لَهُمْ فَرَجَعُوا إلَيْهَا. وَأَمَّا فِي الْقُرْآنِ فَقِيلَ: مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ تَمْيِيزَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ مِنْ غَيْرِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْجَمِيعِ بِالضَّرُورَةِ، وَتَقْلِيدُ الْغَيْرِ فِي ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ مُتَفَاوِتُونَ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْآيَاتِ عَلَى أَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِالْأَحْكَامِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ بَلْ هُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْقَرَائِحِ وَالْأَذْهَانِ وَمَا يَفْتَحُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِنْبَاطِ، وَلَعَلَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى الْأَحْكَامِ بِالْمُطَابَقَةِ لَا بِالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرُهُ إذْ غَالِبُ الْقُرْآنِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ (وَهِيَ) أَيْ جُزْئِيَّاتُ تِلْكَ الْمَفَاهِيمِ (أَقْسَامُ اللُّغَةِ مَتْنًا وَاسْتِعْمَالًا لَا حِفْظُهَا) أَيْ الْمَحَالِّ الْمَذْكُورَةِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ حِفْظُ مَا اخْتَصَّ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْقُرْآنِ وَنُقِلَ فِي الْقَوَاطِعِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْحَافِظَ أَضْبَطُ لِمَعَانِيهِ مِنْ النَّاظِرِ فِيهِ وَنَقَلَهُ الْقَيْرَوَانِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ قُلْت وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ نَعَمْ الْحِفْظُ أَحْسَنُ كَمَا تَعْلِيلُ اللُّزُومِ يُفِيدُهُ (وَلِلسَّنَدِ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ وَالضَّعِيفِ وَالْعَدْلِ وَالْمَسْتُورِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ) قَالُوا: وَالْبَحْثُ عَنْ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ فِي زَمَانِنَا مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَكَثْرَةِ الْوَسَائِطِ كَالْمُتَعَذِّرِ فَالْأَوْلَى الِاكْتِفَاءُ بِتَعْدِيلِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْرُوفِ صِحَّةُ مَذْهَبِهِمْ فِي التَّعْدِيلِ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْجَرْحِ (وَعَدَمُ الْقَاطِعِ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " مَعْرِفَةُ " (وَ) عَدَمُ (النَّسْخِ) وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ غَيْرُ خَافٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ. وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِنْبَاطِ وَفَهْمُ الْمُرَادِ مِنْ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ وَاعْتِبَارُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْقَاطِعِ وَلَا مَنْسُوخٍ وَلَا مُجْمَعٍ عَلَى خِلَافِهِ، وَعَلَى هَذَا يُزَادُ وَمَعْرِفَتُهُ بِمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَخْرِقَهُ، وَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ مَذْهَبَ ذِي مَذْهَبٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّهُ وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ لَا خَوْضَ فِيهَا لِأَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَلَا يَلْزَمُهُ حِفْظُ جَمِيعِ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ. (وَ) شَرْطُ (الْخَاصِّ مِنْهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ مَعْرِفَةُ (مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ آنِفًا عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِ (فِيمَا فِيهِ) الِاجْتِهَادُ (كَذَا لِكَثِيرٍ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَدِيعِ (بِلَا حِكَايَةِ عَدَمِ جَوَازِ تَجَزِّي الِاجْتِهَادِ) أَيْ أَنْ يُقَالَ شَخْصُ مَنْصِبِ الِاجْتِهَادِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ فَيَحْصُلُ لَهُ مَا هُوَ مَنَاطُ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْأَدِلَّةِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا (كَأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهَا) أَيْ حِكَايَةَ عَدَمِ جَوَازِ تَجَزِّيهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ جَوَازِ تَجَزِّيهِ (فَرْعٌ) أَنَّهُ يَجُوزُ (اجْتِهَادُ الْفَرَضِيِّ فِي) عِلْمِ (الْفَرَائِضِ) بِأَنْ يَعْلَمَ أَدِلَّتَهُ بِاسْتِقْرَاءٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ مُجْتَهِدٍ كَامِلٍ وَيَنْظُرُ فِيهَا (دُونَ غَيْرِهِ) مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ فِيهَا رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ (وَقَدْ حُكِيَتْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهَا وَذُكِرَ فِيهَا جَوَازُهُ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُسْتِيُّ مِنْ مَشَايِخِنَا وَمُخْتَارُ الْغَزَالِيِّ وَنَسَبَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى الْأَكْثَرِ وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْحَقُّ فِي مَسْأَلَةِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ يَلْزَمُهُ التَّقْلِيدُ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ التَّوَقُّفُ (وَاخْتَارَ طَائِفَةٌ نَفْيَهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدَ (وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَ كُلِّ مَا يَحْتَاجُهُ لَهَا) أَيْ لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي هُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهَا (احْتَمَلَ غَيْبَةَ بَعْضِهِ) أَيْ مَا يَحْتَاجُهُ لَهَا مِمَّا يَقْدَحُ فِي ظَنِّ الْحُكْمِ (عَنْهُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ) الْمَذْكُورُ ثَابِتٌ (كَذَلِكَ لِلْمُطْلَقِ) أَيْ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ أَيْضًا، وَهُوَ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ ظَنَّ كُلٌّ مِنْهُمَا حُصُولَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ ظَنِّهِ لَا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ (لَكِنَّهُ) أَيْ هَذَا الِاحْتِمَالُ (يَضْعُفُ) أَوْ يَنْعَدِمُ (فِي حَقِّهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ (لِسِعَتِهِ) أَيْ نَظَرِهِ وَإِحَاطَتِهِ بِالْكُلِّ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَيَبْقَى ظَنُّهُ بِالْحُكْمِ بِحَالِهِ (وَيَقْوَى فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ لِعَدَمِ إحَاطَتِهِ بِالْكُلِّ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَلَا يَبْقَى بِالْحُكْمِ بِحَالِهِ فَلَمْ يَقْدَحْ فِي الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُطْلَقِ وَقَدَحَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ. (وَقَدْ يَمْنَعُ التَّفَاوُتُ)

مسألة أنه عليه السلام مأمور في حادثة لا وحي فيها بانتظار الوحي

أَيْ تَفَاوُتُهُمَا مَا فِي الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ (بَعْدَ كَوْنِ الْآخَرِ) الَّذِي لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ مُطْلَقٍ (قَرِيبًا) مِنْ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ مُحَصِّلًا فِي ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ بِخُصُوصِهِ مَا حَصَّلَهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ (بَلْ) ذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ فِي الْمَطْلُوبِ الْخَاصِّ (مِثْلُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ فِيهِ (وَسَعَتُهُ) أَيْ الْمُطْلَقِ (بِحُصُولِ مَوَادَّ أُخْرَى لَا تُوجِبُهُ) أَيْ التَّفَاوُتَ فِي الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِذَلِكَ فِيهِ (فَإِذَا وَقَعَ) الِاجْتِهَادُ (فِي) مَسْأَلَةٍ (صَلَوِيَّةٍ) أَيْ مُتَعَلِّقَةٍ بِالصَّلَاةِ (وَفَرْضُ) وُجُودِ (مَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالْقَوَاعِدِ فَسَعَةُ الْآخَرِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ (بِحُضُورِ مَوَادِّ) الْأَحْكَامِ (الْبَيْعِيَّاتِ وَالْغَصْبِيَّاتِ) وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ مَثَلًا (شَيْءٌ آخَرُ) لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا وَحَيْثُ لَمْ يَقْدَحْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُطْلَقِ فَكَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ (وَأَمَّا مَا قِيلَ) مِنْ قِبَلِ الْمُثْبِتِينَ (لَوْ شُرِطَ) عَدَمُ التَّجَزُّؤِ لِلِاجْتِهَادِ (شُرِطَ فِي الِاجْتِهَادِ الْعِلْمُ بِكُلِّ الْمَآخِذِ) أَيْ الْأَدِلَّةِ. (وَيَلْزَمُ) هَذَا (عِلْمُ كُلِّ الْأَحْكَامِ) وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ تَوَقَّفُوا فِي مَسَائِلَ بَلْ لَمْ يُحِطْ أَحَدٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ عِلْمًا بِجَمِيعِ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى (فَمَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ الْمَآخِذِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ (لِلْوَقْفِ بَعْدَهُ) أَيْ الْعِلْمِ بِكُلِّ الْمَآخِذِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ (عَلَى الِاجْتِهَادِ) ثُمَّ قَدْ يُوجَدُ الِاجْتِهَادُ وَلَا يُوجَدُ الْحُكْمُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَعَدَمِ الْإِطْلَاعِ عَلَى مُرَجِّحٍ أَوْ لِتَشْوِيشِ فِكْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا قُلْت ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ مَا ذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ تَقْيِيدِ صِحَّةِ جَوَازِ التَّجَزُّؤِ بِوُجُودِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ضَبْطِ مَأْخَذِ الْمَسْأَلَةِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا لَا مُوجِبَ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ: الْحَقُّ التَّفْصِيلُ فَمَا كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ كُلِّيًّا كَقُوَّةِ الِاسْتِنْبَاطِ وَمَعْرِفَةِ مَجَازِيِّ الْكَلَامِ، وَمَا يُقْبَلُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَمَا يُرَدُّ وَنَحْوُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِجْمَاعِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ دَلِيلٍ وَمَدْلُولٍ فَلَا تَتَجَزَّأُ تِلْكَ الْأَهْلِيَّةُ، وَمَا كَانَ خَاصًّا بِمَسْأَلَةٍ أَوْ مَسَائِلَ أَوْ بَابٍ، فَإِذَا اسْتَجْمَعَهُ الْإِنْسَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْبَابِ أَوْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَوْ الْمَسَائِلِ مَعَ الْأَهْلِيَّةِ كَانَ فَرْضُهُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ الِاجْتِهَادَ دُونَ التَّقْلِيدِ فَحَسَنٌ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ قَوْلٌ مُفَصَّلٌ بَيْنَ الْمَنْعِ وَالْجَوَازِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْمُطْلِقِينَ لِتَجَزِّي الِاجْتِهَادِ. غَايَتُهُ أَنَّهُ مُوَضِّحٌ لِمَحِلِّ الْخِلَافِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَأَمَّا الْعَدَالَةُ) فِي الْمُجْتَهِدِ (فَشَرْطُ قَبُولِ فَتْوَاهُ) فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ لَا شَرْطُ صِحَّةِ الِاجْتِهَادِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْفَاسِقِ قُوَّةَ الِاجْتِهَادِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ لِنَفْسِهِ وَيَأْخُذَ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا الْحُرِّيَّةُ وَلَا الذُّكُورَةُ وَلَا عِلْمُ الْكَلَامِ وَلَا عِلْمُ الْفِقْهِ لِإِمْكَانِ حُصُولِ قُوَّةِ الِاجْتِهَادِ بِدُونِهَا وَانْتِفَاءِ الْمُوجِبِ لِاشْتِرَاطِهَا، أَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِلْمُ الْكَلَامِ فَقَالُوا: لِجَوَازِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ لِلْجَازِمِ بِالْإِسْلَامِ تَقْلِيدًا، وَأَمَّا عِلْمُ الْفِقْهِ فَلِأَنَّهُ نَتِيجَةُ الِاجْتِهَادِ وَثَمَرَتُهُ. نَعَمْ مَنْصِبُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَانِنَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِمُمَارَسَتِهِ فَهُوَ طَرِيقٌ إلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ. [مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام مَأْمُورٌ فِي حَادِثَةٍ لَا وَحْيَ فِيهَا بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ] (مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) الْمُتَأَخِّرِينَ مَا عَنْ أَكْثَرِهِمْ (أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَأْمُورٌ) فِي حَادِثَةٍ لَا وَحْيَ فِيهَا (بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ أَوَّلًا مَا كَانَ رَاجِيهِ) أَيْ الْوَحْيِ (إلَى خَوْفِ فَوْتِ الْحَادِثَةِ) بِلَا حُكْمٍ (ثُمَّ بِالِاجْتِهَادِ) ثَانِيًا إذَا مَضَى وَقْتُ الِانْتِظَارِ، وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوَحْيِ إلَيْهِ فِيهَا إذْنٌ فِي الِاجْتِهَادِ حِينَئِذٍ، ثُمَّ كَوْنُ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ مُفَسَّرَةً بِهَذَا، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْحَوَادِثِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: هِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الِاجْتِهَادُ (فِي حَقِّهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يَخُصُّ الْقِيَاسَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ (فَفِي دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ) عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهَا لِعُرُوضِ خَفَاءٍ وَاشْتِبَاهٍ فِيهِ يَكُونُ لِغَيْرِهِ فِيهَا الِاجْتِهَادُ (وَ) فِي (الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصِ الْعَامِّ وَ) بَيَانُ (الْمُرَادِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَبَاقِيهَا) أَيْ الْأَقْسَامِ الَّتِي فِي دَلَالَتِهَا عَلَى الْمُرَادِ خَفَاءٌ مِنْ الْمُجْمَلِ وَالْمُشْكِلِ وَالْخَفِيِّ وَالْمُتَشَابِهِ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ الرَّاسِخِ فِي الْعِلْمِ بِعِلْمِ تَأْوِيلِهِ غَيْرَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ الْمُجْمَلِ يَكُونُ مَعْنَاهُ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا بَذْلُ الْوُسْعِ فِي الْفَحْصِ عَمَّا جَاءَ مِنْ بَيَانِهِ مِنْ قِبَلِ الْمُجْمَلِ لِيَقِفَ عَلَى مُرَادِهِ مِنْهُ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يُنَالُ الْمُرَادُ بِهِ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ الْمُجْمَلِ نَعَمْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْبَيَانُ مُحْتَاجًا فِي تَحَقُّقِ الْمُرَادِ بِهِ إلَى نَوْعِ اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ الْمُجْمَلِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ، فَإِنَّ بَعْضَ أَفْرَادِهِ قَدْ يُنَالُ الْمُرَادُ بِهِ مِنْ

غَيْرِ الْمُجْمَلِ عِنْدَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعِهِ فَيُوَافِقُ الْأَقْسَامَ الْبَاقِيَةَ الَّتِي فِي دَلَالَتِهَا خَفَاءٌ فِي أَنَّ مَعْنَى الِاجْتِهَادِ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ بِهِ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي الْوُقُوفِ عَلَيْهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ بِغَالِبِ الرَّأْيِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. ثُمَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لَهَا أَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلُّ هَذَا وَاضِحٌ لَدَيْهِ بِلَا اجْتِهَادٍ (وَ) فِي (التَّرْجِيحِ) لِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ (عِنْدَ التَّعَارُضِ) بَيْنَهُمَا (لِعَدَمِ عِلْمِ الْمُتَأَخِّرِ) أَيْ لِهَذَا السَّبَبِ، وَأَمَّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا غَيْرُ مُتَأَتٍّ فِي حَقِّهِ لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ التَّعَارُضِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَانْتِفَاءِ عُزُوبِ تَأَخُّرِ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ عَنْ عِلْمِهِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ صُورَةِ التَّعَارُضِ (فَإِنْ أَقَرَّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ عِنْدَ خَوْفِ الْحَادِثَةِ (أَوْجَبَ) إقْرَارُهُ عَلَيْهِ (الْقَطْعَ بِصِحَّتِهِ) أَيْ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ اجْتِهَادَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ أَوْ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى الْخَطَأِ (فَلَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهُ) كَالنَّصِّ (بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ إلَى اجْتِهَادِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ وَالْقَرَارِ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ اجْتِهَادُهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ (وَحْيٌ بَاطِنٌ) عَلَى مَا عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ وَسَمَّاهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مَا يُشْبِهُ الْوَحْيَ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: فَإِنَّ مَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا الطَّرِيقِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِالْوَحْيِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ صَوَابًا لَا مَحَالَةَ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُقَرُّ عَلَى الْخَطَأِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ حُجَّةً قَاطِعَةً. (وَالْوَحْيُ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ (بَاطِنٌ هَذَا) الِاجْتِهَادُ الَّذِي أُقِرَّ عَلَيْهِ (وَظَاهِرٌ ثَلَاثَةٌ) مِنْ الْأَقْسَامِ (مَا يَسْمَعُهُ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ الْمَلَكِ شِفَاهًا) بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْمُبَلِّغَ مَلَكٌ نَازِلٌ بِالْوَحْيِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُرَادُ بِرُوحِ الْقُدْسِ فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 102] وَبِالرُّوحِ الْأَمِينِ فِي قَوْله تَعَالَى {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء: 193] {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 194] {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] وَبِرَسُولٍ كَرِيمٍ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: 19] {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: 20] {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 21] بِالْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ أَنَّهُ هُوَ وَهَذَا أَحَدُهَا (أَوْ) مَا (يُشِيرُ إلَيْهِ) الْمَلَكُ (إشَارَةً مُفْهِمَةً) لِلْمُرَادِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ بِالْكَلَامِ (وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (الْحَدِيثَ) أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَلِلْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ أُخَرُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْهَا مَا عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا النَّاسَ فَقَالَ: هَلُمُّوا إلَيَّ فَأَقْبَلُوا إلَيْهِ فَجَلَسُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إلَّا بِطَاعَتِهِ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا قَدَامَةَ بْنَ زَائِدَةَ بْنِ قَدَامَةَ فَإِنَّهُ لَا يَحْضُرُنِي فِيهِ جَرْحٌ وَلَا تَعْدِيلٌ وَنَفَثَ بِالْمُثَلَّثَةِ فِي رُوعِي بِضَمِّ الرَّاءِ أَلْقَى فِي قَلْبِي وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ أَيْ لِلرِّزْقِ بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ أَوْ تَرْكِ الْمُبَالَغَةِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْحِرْصِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ الرِّزْقَ مِنْ اللَّهِ لَا مِنْ الْكَسْبِ وَهَذَا ثَانِيًا. (أَوْ) مَا (يُلْهَمُهُ، وَهُوَ) أَيْ الْإِلْهَامُ (إلْقَاءُ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ بِلَا وَاسِطَةِ عِبَارَةِ الْمَلَكِ وَإِشَارَتِهِ مَقْرُونٌ بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ أَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى (مِنْهُ تَعَالَى جَعَلَهُ وَحْيًا ظَاهِرًا) وَهَذَا ثَالِثُهَا، وَلَمَّا كَانَ مِمَّا يَتَبَادَرُ أَنَّ هَذَا بَاطِنٌ أَشَارَ إلَى نَفْيِهِ بِتَوْجِيهِ كَوْنِهِ ظَاهِرًا بِقَوْلِهِ (إذْ فِي الْمَلَكِ) أَيْ مُشَافَهَتِهِ (لَا بُدَّ مِنْ خَلْقِ) الْعِلْمِ (الضَّرُورِيِّ أَنَّهُ) أَيْ الْمُخَاطَبُ (هُوَ) أَيْ الْمَلَكُ فَلَمْ يُخَالِفْهُ إلَّا بِعَدَمِ مُشَافَتِهِ وَإِشَارَتِهِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ عَدَّهُ ظَاهِرًا (وَلِذَا) أَيْ كَوْنِ الْإِلْهَامِ وَحْيًا (كَانَ حُجَّةً قَطْعِيَّةً) (عَلَيْهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَعَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ إلْهَامِ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ فِيهِ أَقْوَالًا أَحَدُهَا حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، وَهَذَا فِي الْمِيزَانِ مَعْزُوٌّ إلَى قَوْمٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ بَلْ عُزِيَ فِيهِ إلَى صِنْفٍ مِنْ الرَّافِضَةِ لُقِّبُوا بِالْجَعْفَرِيَّةِ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ سِوَاهُ. ثَانِيهَا: حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَهَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمِيزَانِ أَيْ

يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُلْهَمِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ غَيْرَهُ إلَيْهِ، وَعَزَاهُ فِيهِ إلَى عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ السُّهْرَوَرْدِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ: وَمِنْ عَلَامَتِهِ أَنْ يَنْشَرِحَ لَهُ الصَّدْرُ وَلَا يُعَارِضُهُ مُعَارِضٌ مِنْ خَاطِرٍ آخَرَ (ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ فِيهِ) أَيْ إلْهَامُ غَيْرِهِ أَنَّهُ (لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ وَلَا) عَلَى (غَيْرِهِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ نِسْبَتَهُ) أَيْ الْمُلْهَمِ بِهِ (إلَيْهِ تَعَالَى) هَذَا وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ جَعَلَ الْوَحْيَ الظَّاهِرَ قِسْمَيْنِ مَا ثَبَتَ بِلِسَانِ الْمَلَكِ، وَمَا ثَبَتَ بِإِشَارَتِهِ وَجَعَلَ الْبَاطِنَ مَا ثَبَتَ بِالْإِلْهَامِ قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ: وَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ فِي الْقَلْبِ بِالْإِلْهَامِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ هُوَ بَاطِنٌ، وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ مَا يُنَالُ الْمَقْصُودُ بِهِ بِالتَّأَمُّلِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصَةِ وَبِالظَّاهِرِ مَا يُنَالُ الْمَقْصُودُ بِهِ لَا بِالتَّأَمُّلِ فِيهَا وَحِينَئِذٍ مَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَوْجَهُ. قُلْت: وَيَبْقَى عَلَيْهِمَا التَّكْلِيمُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ مِنْ الْوَحْيِ الظَّاهِرِ وَرُؤْيَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مِنْ الْبَاطِنِ وَلَمْ يَتَعَارَضَا لَهُمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ثُمَّ شَرَعَ فِي قِسْمِ الْمُخْتَارِ فَقَالَ: (وَالْأَكْثَرُ) أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُورٌ (بِالِاجْتِهَادِ مُطْلَقًا) وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ تَقْدِيرَ مَأْمُورٍ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ سَوْقُ الْكَلَامِ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَقِيلَ بِالْجَوَازِ أَيْ بِجَوَازِ كَوْنِهِ مُتَعَبَّدًا بِالِاجْتِهَادِ مُطْلَقًا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحُرُوبِ وَالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ انْتَهَى وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْأَكْثَرِ هَؤُلَاءِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ الْجَوَازَ عَلَى كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ مُوَافَقَةً فِي الْمَعْنَى لِمِثْلِ مَا فِي مُنْتَهَى السُّولِ لِلْآمِدِيِّ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَالْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ إلَى أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ انْتَهَى. وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ مَحِلَّ النِّزَاعِ إنَّمَا هُوَ إيجَابُهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْجَوَازِ دُونَ الْوُجُوبِ كَمَا سَيُصَرَّحُ بِهِ لَكِنَّ قَوْلَ الْآمِدِيِّ بَعِيدٌ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ انْتَهَى ظَاهِرٌ فِي مُخَالَفَةِ هَذَا ذَاكَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا مُجَرَّدُ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَيْضًا، وَفِي الْمُعْتَمَدِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ إنْ أُرِيدَ بِاجْتِهَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الِاسْتِدْلَال بِالنُّصُوصِ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَطْعًا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِدْلَال بِالْأَمَارَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ أَخْبَارَ آحَادٍ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَتْ أَمَارَاتٍ مُسْتَنْبَطَةً يُجْمَعُ بِهَا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُتَعَبَّدُ بِهِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ فِي وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ بَعْدَ جَوَازِهِ لَهُ وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْوُجُوبَ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إلَى حُقُوقِهِمْ إلَّا بِاجْتِهَادٍ، وَلَا يَجِبُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ انْتَهَى، وَهَذَا صَرِيحٌ أَيْضًا فِي أَنَّهُ ثَمَّ مَنْ يَقُولُ بِالْجَوَازِ دُونَ الْوُجُوبِ. (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ الْأَشَاعِرَةُ وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: (لَا) يَكُونُ الِاجْتِهَادُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ حَظَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَيْهِ عَقْلًا، وَهُوَ عَنْ الْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ وَبَعْضِهِمْ جَائِزٌ عَلَيْهِ عَقْلًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُتَعَبَّدْ بِهِ شَرْعًا ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ كَانَ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْحُرُوبِ دُونَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ حَكَاهُ فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ (وَقِيلَ) كَانَ لَهُ الِاجْتِهَادُ (فِي الْحُرُوبِ فَقَطْ) ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الْقَاضِي وَالْجُبَّائِيِّ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] فَعُوتِبَ عَلَى الْإِذْنِ لَمَّا ظَهَرَ نِفَاقُهُمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَلَا يَكُونُ الْعِتَابُ فِيمَا صَدَرَ عَنْ وَحْيٍ فَيَكُونُ عَنْ اجْتِهَادٍ لِامْتِنَاعِ الْإِذْنِ مِنْهُ تَشَهِّيًا وَدَفَعَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ قَالَ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ فَمَا ارْتَكَبَ إلَّا صَوَابًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ

{فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [النور: 62] فَلَمَّا أَذِنَ لَهُمْ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِمَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مِنْ شَرِّهِمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ لَقَعَدُوا وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِيمَا فَعَلَ وَلَا خَطَأَ قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَمَنْ قَالَ الْعَفْوُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ ذَنْبٍ فَهُوَ غَيْرُ عَارِفٍ بِكَلَامِ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا مَعْنَى عَفَا اللَّهُ عَنْك لَمْ يُلْزِمْك ذَنْبًا كَمَا فِي عَفَا عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ قَطُّ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنَّهُ عِتَابٌ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى وَلَكِنْ لَا يَعْرَى عَنْ بَحْثٍ (وَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي فِدَاءِ أُسَارَى بَدْرٍ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: قُلْت لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنَا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَتُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهُ فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْت فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْت فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُك فَإِنْ وَجَدْت بُكَاءً بَكَيْت وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْت لِبُكَائِكُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْكِي الَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُك مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67] إلَى قَوْلِهِ {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ» . قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَيْ لَوْلَا حُكْمٌ سَبَقَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ أَحَدٌ بِالْخَطَأِ، وَكَانَ هَذَا خَطَأً فِي الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُمْ نَظَرُوا فِي أَنَّ اسْتِبْقَاءَهُمْ كَانَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ وَتَوْبَتِهِمْ وَأَنَّ فِدَاءَهُمْ يُتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَخَفِيَ عَلَيْهِمْ أَنَّ قَتْلَهُمْ أَعَزُّ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْيَبُ لِمَنْ وَرَاءَهُمْ وَأَقَلُّ لِشَوْكَتِهِمْ، وَقَدْ رَدَّ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ هَذَا فَقَالَ فِي التَّقْوِيمِ: فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ اللَّهُ عَاتَبَ رَسُولَهُ عَلَى الْفِدَاءِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ نَزَلَ الْعَذَابُ مَا نَجَا إلَّا عُمَرُ» فَدَلَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُخْطِئًا قُلْنَا: هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمِلَ بِرَأْيِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أُقِرَّ عَلَيْهِ صَوَابًا وَاَللَّهُ تَعَالَى قَرَّرَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] وَتَأْوِيلُ الْعِتَابِ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67] وَكَانَ لَك كَرَامَةً خُصِّصْت بِهَا رُخْصَةً لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ بِهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ لَمَسَّكُمْ الْعَذَابُ لِحُكْمِ الْعَزِيمَةِ عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى قَبْلَ الْإِثْخَانِ، وَقَدْ أَثْخَنْت يَوْمَ بَدْرٍ فَكَانَ لَك الْأَسْرَى كَمَا كَانَ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَلَكِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي الْأَسْرَى الْمَنُّ أَوْ الْقَتْلُ دُونَ الْمُفَادَاةِ فَلَوْلَا الْكِتَابُ السَّابِقُ فِي إبَاحَةِ الْفِدَاءِ لَك لَمَسَّكُمْ الْعَذَابُ. وَالْمُلَخَّصُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ بَحْثًا، وَهُوَ أَنَّهُ أَيْضًا تَرَكَ الْأَوْلَى، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ فِيهِ خَطَأٌ لَكَانَ الْأَمْرُ بِالنَّقْضِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ ذَنْبٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ فِيهِ بَيَانُ مَا خُصَّ بِهِ وَفُضِّلَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَ هَذَا النَّبِيُّ غَيْرَك وَتُرِيدُونَ الْخِطَابَ فِيهِ لِمَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُرِيدِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِصْمَتِهِ ثُمَّ الْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ الْعَمَلُ بِرَأْيِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ فَبِرَأْيِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى عَلَى أَنَّ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ، وَكُلُّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ الْعَمَلَ يَجُوزُ لَهُ بِالرَّأْيِ فِي الْحُرُوبِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا (وَقَدْ قُلْنَا بِهِ) أَيْ بِوُجُوبِ اجْتِهَادِهِ فِي الْحُرُوبِ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ الْآيَتَيْنِ وَبِوُجُوبِ اجْتِهَادِهِ فِي الْأَحْكَامِ أَيْضًا بِآيَةِ مُفَادَاةِ الْأُسَارَى فَإِنَّ جَوَازَ مُفَادَاتِهِمْ وَفَسَادَهَا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ. (وَثَبَتَ) اجْتِهَادُهُ (فِي الْأَحْكَامِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمَا سُقْت الْهَدْيَ» ) ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ

بِلَفْظِ «لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ «مَا أَهْدَيْت، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت» وَذَلِكَ حِينَ أَذِنَ لِمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي حَجَّتِهِمْ مَعَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً يَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا؛ لِأَنَّ السَّوْقَ مَانِعٌ مِنْ التَّحَلُّلِ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (وَسَوْقُهُ) أَيْ الْهَدْيِ (مُتَعَلَّقُ حُكْمِ الْمَنْدُوبِ) فَهُوَ مَنْدُوبٌ (وَهُوَ) أَيْ النَّدْبُ (حُكْمٌ شَرْعِيٌّ) ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْ وَحْيٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَا بِالتَّشَهِّي لِامْتِنَاعِهِ عَلَيْهِ فَكَانَ بِالِاجْتِهَادِ قُلْت: وَمِمَّا هُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْمَطْلُوبِ أَيْضًا مَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «جَاءَ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دَرَسَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَإِنَّمَا أَقْضِي بِرَأْيِي فِيمَا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهِ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ يَأْتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى عُنُقِهِ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ إلَّا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَهُوَ مَدَنِيٌّ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ اسْتِشْهَادًا (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الِاجْتِهَادَ (مَنْصِبٌ شَرِيفٌ) حَتَّى قِيلَ: إنَّهُ أَفْضَلُ دَرَجَاتِ الْعِلْمِ لِلْعِبَادِ فَإِذَنْ (لَا يُحَرِّمُهُ) أَفْضَلُ الْخَلْقِ (وَتَنَالُهُ أُمَّتُهُ وَلَأَكْثَرِيَّةُ الثَّوَابِ لِأَكْثَرِيَّةِ الْمَشَقَّةِ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ جَوَازِ النَّسْخِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ فِي الْعُمْرَةِ فَاخْرُجِي إلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي ثُمَّ آتِينَا بِمَكَانِ كَذَا وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِك أَوْ نَصَبِك» وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ «إنَّ لَك مِنْ الْأَجْرِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِك وَنَفَقَتِك» فَإِنَّ ظَاهِرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْفَضْلَ فِي الْعِبَادَةِ يَكْثُرُ بِكَثْرَةِ النَّصَبِ وَالنَّفَقَةِ، وَالْمُرَادُ النَّصَبُ الَّذِي لَا يَذُمُّهُ الشَّرْعُ وَكَذَا النَّفَقَةُ وَفِي الِاجْتِهَادِ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا لَيْسَ فِي الْعَمَلِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِظُهُورِهِ لَكِنْ هَذَا مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ مُطْلَقًا إذْ قَدْ يَفْضُلُ بَعْضُ الْعِبَادَاتِ الْخَفِيفَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَشَقُّ فِي صُوَرٍ فَالْإِيمَانُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ مَعَ سُهُولَتِهِ وَخِفَّتِهِ عَلَى اللِّسَانِ. وَفَرْضُ الصُّبْحِ أَفْضَلُ مِنْ أَعْدَادٍ مِنْ الرَّكَعَاتِ النَّافِلَةِ، وَدِرْهَمٌ مِنْ الزَّكَاةِ أَفْضَلُ مِنْ دَرَاهِمَ مِنْ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ، وَفَرِيضَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ فَرَائِضَ فِي غَيْرِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَرَّرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّ السُّقُوطَ) لِلِاجْتِهَادِ (لِلدَّرَجَةِ الْعُلْيَا) وَهِيَ الْوَحْيُ فَإِنَّ مُتَعَلَّقَهُ أَعْلَى مِنْ مُتَعَلَّقِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْوَحْيِ مَقْطُوعٌ بِهِ بِخِلَافِهِ بِالِاجْتِهَادِ فَسُقُوطُهُ (لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي قَدْرِهِ وَأَجْرِهِ وَلَا اخْتِصَاصِ غَيْرِهِ بِفَضِيلَةٍ لَيْسَتْ لَهُ فَقِيلَ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ (ذَلِكَ) أَيْ سُقُوطُ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى ثُمَّ لَا يَكُونُ فِيهِ نَقْصٌ آخَرُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالْأَدْنَى وَلَا اخْتِصَاصُ الْمُتَّصِفِ بِهِ بِفَضِيلَةٍ لَيْسَتْ لِمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهِ إنَّمَا هُوَ (عِنْدَ الْمُنَافَاةِ) بَيْنَ الْأَدْنَى وَالْأَعْلَى بِحَيْثُ لَا يَجْتَمِعَانِ (كَالشَّهَادَةِ مَعَ الْقَضَاءِ وَالتَّقْلِيدِ مَعَ الِاجْتِهَادِ) أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَسْقُطُ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى، وَالْوَحْيُ مَعَ الِاجْتِهَادِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَلَا يُحَرِّمُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَالْحَقُّ أَنَّ مَا سِوَى هَذَا) الدَّلِيلِ الْمَعْنَوِيِّ مِنْ أَدِلَّةِ الْمُثْبِتِينَ (لَا يُفِيدُ مَحِلَّ النِّزَاعِ، وَهُوَ الْإِيجَابُ) لِلِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ (وَأَمَّا هَذَا) الدَّلِيلُ فَفِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ أَيْضًا (فَقَدْ اقْتَضَتْ رُتْبَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً سُقُوطَ) حُرْمَةِ (مَا) يَحْرُمُ (عَلَى غَيْرِهِ) مِنْ أُمَّتِهِ (كَحُرْمَةِ الزِّيَادَةِ) مِنْ الزَّوْجَاتِ (عَلَى الْأَرْبَعِ وَمَرَّةً لُزُومَ مَا لَيْسَ) بِلَازِمٍ (عَلَيْهِمْ) كَمُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ وَإِنْ زَادَ عَدَدُهُمْ بِخِلَافِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُمْ الثَّبَاتُ إذَا لَمْ يَزِدْ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى الضِّعْفِ، وَإِنْكَارُ الْمُنْكَرِ وَتَغْيِيرُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالْعِصْمَةِ وَالْحِفْظِ، وَغَيْرُهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَالسُّؤَالِ عَلَى مَا صُحِّحَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَالشَّأْنُ فِي تَحْقِيقِ خُصُوصِيَّةِ الْمُقْتَضَى فِي حَقِّهِ فِي الْمَوَادِّ وَعَدَمِهِ) أَيْ تَحْقِيقِ خُصُوصِيَّتِهِ فِي حَقِّهِ فِيهَا (وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ) فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (أَنَّهَا) أَيْ أَدِلَّةَ الْمُثْبِتِينَ (لِدَفْعِ الْمَنْعِ) لِوُجُوبِ الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا انْدَفَعَ مَنْعُ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ (فَيَثْبُتُ الْوُجُوبُ إذْ لَا قَائِلَ بِالْجَوَازِ دُونَهُ) أَيْ الْوُجُوبِ وَلَكِنْ قَدْ عَرَفْت مَا عَلَى هَذَا مِنْ التَّعَقُّبِ

وَاحْتَجَّ (الْمَانِعُ) لِتَعَبُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاجْتِهَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ} [النجم: 3 - 4] أَيْ مَا يَنْطِقُ بِهِ {إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] إذْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ أَيْ كُلُّ مَا يَنْطِقُ بِهِ فَهُوَ عَنْ وَحْيٍ فَيَنْتَفِي الِاجْتِهَادُ (أُجِيبَ بِتَخْصِيصِهِ) أَيْ هَذَا النَّصَّ (بِسَبَبِهِ) فَإِنَّهُ نَزَلَ (لِنَفْيِ دَعْوَاهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (افْتِرَاءَهُ) الْقُرْآنِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: إنْ هُوَ الْقُرْآنُ فَيَنْتَفِي الْعُمُومُ (سَلَّمْنَا عُمُومَهُ) فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ خُصُوصَ السَّبَبِ لَا يُوجِبُ خُصُوصَ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِمَا يَبْلُغُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْقُرْآنِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] يُنَافِي جَوَازَ اجْتِهَادِهِ (فَالْقَوْلُ عَنْ الِاجْتِهَادِ لَيْسَ عَنْ الْهَوَى بَلْ عَنْ الْأَمْرِ بِهِ) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ وَحْيًا فَيَكُونُ الِاجْتِهَادُ وَمَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ وَحْيًا. (وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَهُوَ) أَيْ الظَّاهِرُ (أَنَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ نَفْسُ مَا يُوحَى إلَيْهِ) وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى هَذَا إنَّمَا هُوَ بِالْوَحْيِ لَا وَحْيٌ (يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ) أَيْ الدَّالِّ عَلَى وُقُوعِ الِاجْتِهَادِ مِنْ نَحْوِ {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة: 43] وَ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67] الْآيَتَيْنِ (وَلَا يَحْتَاجُهُ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ (الْحَنَفِيَّةُ إذْ هُوَ) أَيْ اجْتِهَادُهُ (وَحْيٌ بَاطِنٌ) إذْ أُقِرَّ عَلَيْهِ عِنْدَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ وَبِمَنْزِلَةِ الْوَحْيِ عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ (قَالُوا) أَيْ مَانِعُو تَعَبُّدِهِ بِالِاجْتِهَادِ ثَانِيًا: (لَوْ جَازَ) لَهُ الِاجْتِهَادُ (جَازَتْ مُخَالَفَتُهُ) أَيْ اجْتِهَادِهِ لِلْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْمُخَالَفَةِ مِنْ أَحْكَامِ الِاجْتِهَادِ إذْ يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ مُخَالَفَةُ الْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ بِأَنَّ الْحُكْمَ الصَّادِرَ مِنْ الِاجْتِهَادِ حُكْمُ اللَّهِ لِاحْتِمَالِ الْإِصَابَةِ، وَالْخَطَأِ، وَالْجَوَابُ مَنْعُ لُزُومِ أَحْكَامِ الِاجْتِهَادِ لَهُ مُطْلَقًا بَلْ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يَمْنَعُ مُخَالَفَتَهُ مَنْ قَطَعَ بِهِ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ تَجُزْ مُخَالَفَةُ اجْتِهَادٍ صَارَ سَنَدًا لِلْإِجْمَاعِ وَهَذَا اُقْتُرِنَ بِهِ مَا يَمْنَعُ مُخَالَفَتَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَقَدَّمَ) فِي أَوَائِلِ الْمَسْأَلَةِ (مَا يَدْفَعُهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ: فَإِنْ أُقِرَّ وَجَبَ الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ فَلَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهُ وَيَأْتِي أَيْضًا (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ الْمَذْكُورُونَ ثَالِثًا (لَوْ أَمَرَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِهِ) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ (لَمْ يُؤَخِّرْ جَوَابًا) عَنْ سُؤَالٍ بَلْ يَجْتَهِدُ وَيُجِيبُ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ (وَكَثِيرًا مَا أَخَّرَ) جَوَابَ كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ كَحُكْمِ الظِّهَارِ وَقَذْفِ الزَّوْجَةِ بِالزِّنَا وَمَا تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ الْحَسَنُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَيُّ الْبِلَادِ شَرٌّ قَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ فَسَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي. فَانْطَلَقَ فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: إنِّي سَأَلْت رَبِّي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: شَرُّ الْبِلَادِ الْأَسْوَاقُ» (الْجَوَابُ جَازَ) التَّأْخِيرُ (لِاشْتِرَاطِ الِانْتِظَارِ) لِلْوَحْيِ مَا كَانَ رَاجِيَهُ إلَى خَوْفِ الْحَادِثَةِ (كَالْحَنَفِيَّةِ أَوْ لِاسْتِدْعَائِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (زَمَانًا) فَإِنَّ اسْتِفْرَاغَ الْوُسْعِ يَسْتَدْعِي زَمَانًا أَوْ لِكَوْنِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ مِمَّا لَا مَسَاغَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ. (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ الْمَذْكُورُونَ: رَابِعًا هُوَ قَادِرٌ عَلَى الْيَقِينِ فِي الْحُكْمِ بِالْوَحْيِ، وَالْحُكْمُ بِالِاجْتِهَادِ لَا يُفِيدُ إلَّا ظَنًّا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ (لَا يَجُوزُ الظَّنُّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ) إجْمَاعًا، وَمِنْ ثَمَّةَ حَرُمَ عَلَى مُعَايِنِ الْقِبْلَةِ الِاجْتِهَادُ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالِاجْتِهَادِ (أُجِيبَ بِالْمَنْعِ) أَيْ مَنْعِ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى الْيَقِينِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (فَإِنْ) كَانَ هَذَا الْمَنْعُ (بِمَعْنَى أَنَّهُ) أَيْ الْيَقِينَ، وَهُوَ الْوَحْيُ هُنَا (غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ فَصَحِيحٌ) إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى وُصُولِ الْوَحْيِ إلَيْهِ (لَكِنَّهُ) ، وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ أَيْ هَذَا الْمَنْعُ بِهَذَا الْمَعْنَى (لَا يُوجِبُ النَّفْيَ) لِتَعَبُّدِهِ بِالِاجْتِهَادِ (بَلْ) إنَّمَا يُوجِبُ (أَنْ لَا يَجْتَهِدَ إلَى الْيَأْسِ مِنْ الْوَحْيِ أَوْ) إلَى (غَلَبَةِ ظَنِّهِ) أَيْ الْيَأْسِ مِنْ الْوَحْيِ (مَعَ خَوْفِ الْفَوْتِ) لِلْحَادِثَةِ بِلَا حُكْمٍ (وَهُوَ) أَيْ وَهَذَا (قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ كُلٌّ مِنْ طَرِيقَيْ الظَّنِّ، وَالْيَقِينِ) بِالْحُكْمِ (مُمْكِنٌ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الثَّانِي) أَيْ الْيَقِينِ (بِالِانْتِظَارِ) لِلْوَحْيِ (فَإِذَا غَلَبَ ظَنُّ عَدَمِهِ) أَيْ الْوَحْيِ (وُجِدَ شَرْطُ الِاجْتِهَادِ، وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ (الْمُخْتَارُ) وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ شَأْنِهِ الِانْتِظَارُ لِلْوَحْيِ فِيمَا يُسْأَلُ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ أُوحِيَ إلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ قِيلَ مَا بَرَكَاتُ الْأَرْضِ قَالَ زَهْرَةُ الدُّنْيَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ هَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَصَمَتَ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيَنْزِلُ عَلَيْهِ ثُمَّ

جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِينِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَأَفَاقَ يَمْسَحُ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ، وَهُوَ الْعَرَقُ وَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ قَالَ: هَا أَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إلَّا بِالْخَيْرِ» الْحَدِيثَ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أُوحِيَ إلَيْهِ يَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنْ الْعَرَقِ مِنْ شِدَّةِ الْوَحْيِ وَثِقَلِهِ عَلَيْهِ (وَإِنْ) كَانَ هَذَا الْمَنْعُ (بِمَعْنَى جَوَازِ تَرْكِهِ) أَيْ الْيَقِينِ (مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ (إلَى مُحْتَمِلِ الْخَطَأِ مُخْتَارًا فَيَمْنَعُهُ) أَيْ جَوَازُ تَرْكِ الْيَقِينِ إلَى مُحْتَمِلِ الْخَطَأِ (الْعَقْلُ وَمَا أَوْهَمَهُ) أَيْ جَوَازُهُ (سَيَأْتِي جَوَابُهُ) غَيْرَ أَنَّ هَذَا الشِّقَّ لَا يَحْتَمِلُهُ مَعَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى الْيَقِينِ الَّذِي هُوَ مَحِلُّ التَّرْدِيدِ اللَّهُمَّ إلَّا فَرْضًا وَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ (وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ الْمُخْتَارِ جَوَازًا لِخَطَأٍ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) أَيْ عَلَى اجْتِهَادِهِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخَطَأِ (بِخِلَافِ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَنَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَاخْتَارَهُ هُوَ وَابْنُ الْحَاجِبِ (وَقِيلَ بِامْتِنَاعِهِ) أَيْ جَوَازِ الْخَطَأِ عَلَى اجْتِهَادِهِ نَقَلَهُ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ وَجَزَمَ بِهِ الْحَلِيمِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ اجْتِهَادُهُ (أَوْلَى بِالْعِصْمَةِ عَنْ الْخَطَأِ مِنْ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ عَنْ الْخَطَإِ (لِنِسْبَتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ بِوَاسِطَةِ الْأُمَّةِ (إلَيْهِ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلِلُزُومِ جَوَازِ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْخَطَإِ) ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَ) لُزُومُ (الشَّكِّ فِي قَوْلِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَوَابٌ هُوَ أَمْ خَطَأٌ (فَيُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْبَعْثَةِ) ، وَهُوَ الْوُثُوقُ بِمَا يَقُولُ: إنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ (أُجِيبَ عَنْ هَذَا) الْأَخِيرِ (بِأَنَّ الْمُخِلَّ مَا فِي الرِّسَالَةِ) أَيْ جَوَازُ الْخَطَإِ فِيمَا يَنْقُلُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إرْسَالِهِ، وَهُوَ مَعْلُومُ الِانْتِفَاءِ بِدَلَالَةِ تَصْدِيقِ الْمُعْجِزَةِ لَا تَجْوِيزِ الْخَطَإِ فِي اجْتِهَادِهِ (وَ) أُجِيبَ (عَمَّا قَبْلَهُ) ، وَهُوَ لُزُومُ جَوَازِ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْخَطَإِ (بِمَنْعِ بُطْلَانِهِ) بِوُجُوبِ اتِّبَاعِ الْعَوَامّ لِلْمُجْتَهِدِينَ مِنَّا مَعَ جَوَازِ تَقْرِيرِهِمْ عَلَى الْخَطَإِ فَضْلًا عَنْ خَطَئِهِمْ فِيهِ وَتَعَقَّبَ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ هَذَا النَّقْضَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ إيقَاعُ الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ، وَالْعَامِّيُّ لَا يَتْبَعُ الْمُجْتَهِدَ فِي اجْتِهَادِهِ بَلْ يُقَلِّدُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ النَّقْضِ وَمَا لَزِمَ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِاتِّبَاعِهِ قَادِرٌ عَلَى الْإِصَابَةِ كَالْمُجْتَهِدِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَامِّيُّ، وَإِذَنْ لَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ بِالْخَطَأِ، وَإِنَّمَا الْعَامِّيُّ مَأْمُورٌ بِالتَّقْلِيدِ، وَالْخَطَأُ وَاقِعٌ فِي طَرِيقِهِ. قَالَ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ: وَالْأَوَّلُ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ فِي تَعْرِيفِ الْمُتَابَعَةِ جِهَةٌ لِلْفِعْلِ وَكَيْفِيَّةٌ لَهُ، وَالِاجْتِهَادُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ كَيْفِيَّةٌ لِلْمُجْتَهِدِ، وَالْفَاعِلِ فَتَعْرِيفُهُ الْمُتَابَعَةَ لَا يَقْتَضِي الِاتِّبَاعَ فِي الِاجْتِهَادِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الِاقْتِضَاءِ اتِّبَاعُ الِاجْتِهَادِ مَخْصُوصٌ مِنْ الْأَمْرِ بِالِاتِّبَاعِ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ بِاتِّبَاعِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمِنْهَاجِ كَوْنَهُ مَخْصُوصًا فِي بَيَانِ حُجَّةِ الْإِجْمَاعِ، وَكَذَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ مَأْمُورُونَ بِمُتَابَعَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مُجْتَهِدُهُمْ وَمُقَلِّدُهُمْ فَلَا فَرْقَ. وَأَيْضًا مَقْدُورُ الْمُجْتَهِدِ تَحْصِيلُ الظَّنِّ بِالْحُكْمِ لَا الْإِصَابَةُ فِيهِ وَإِذَا جَازَ كَوْنُ اجْتِهَادِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَأً فَاجْتِهَادُ غَيْرِهِ أَوْلَى بِجَوَازِ كَوْنِهِ خَطَأً وَكَذَا الثَّالِثُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِاتِّبَاعِ أَمْرٌ بِاتِّبَاعِ الْفِعْلِ كَمَا ذَكَرَهُ، وَإِذَا كَانَ إيقَاعُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ خَطَأً كَانَ الْعَامِّيُّ مَأْمُورًا بِالْخَطَأِ هَذَا وَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْحُكْمَ الْخَطَأَ لَهُ جِهَتَانِ كَوْنُهُ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ وَكَوْنُهُ مُجْتَهِدًا فِيهِ فَالْأَمْرُ فِيهِ لِلْجِهَةِ الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى وَلَا امْتِنَاعَ فِيهِ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَا بُعْدَ فِي أَمْرِ غَيْرِهِ أَيْضًا بِالْعَمَلِ بِهِ لِذَلِكَ، وَإِلَى مُلَخَّصِ هَذَا يُشِيرُ قَوْلُهُ (عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِاتِّبَاعِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ إنَّمَا هُوَ (مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الِاجْتِهَادِيُّ (صَوَابٌ فِي نَظَرِ الْعَالِمِ وَإِنْ خَالَفَ نَفْسَ الْأَمْرِ) ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ الَّذِي هُوَ صَوَابٌ عَمَلًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُخَطِّئَةِ أَوْ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُصَوِّبَةِ وَلَا بَأْسَ (وَ) أُجِيبَ (عَنْ الْأَوَّلِ) ، وَهُوَ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْعِصْمَةِ مِنْ الْإِجْمَاعِ (بِأَنَّ اخْتِصَاصَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِرُتْبَةِ النُّبُوَّةِ وَإِنَّ رُتْبَةَ الْعِصْمَةِ لِلْأُمَّةِ لِاتِّبَاعِهِمْ) لَهُ (لَا يَقْتَضِي لُزُومَ

مسألة طائفة لا يجوز عقلا اجتهاد غير النبي

هَذِهِ الرُّتْبَةِ لَهُ كَالْإِمَامِ) الْأَعْظَمِ (وَلَا يَلْزَمُ لَهُ رُتْبَةُ الْقَضَاءِ) وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْهُ ثُمَّ لَا يَعُودُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِنَقْصٍ وَانْحِطَاطِ دَرَجَةٍ فَكَذَا هُنَا (وَتَقَدَّمَ مَا يَدْفَعُهُ) مِنْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْمُنَافَاةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ وَدَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ (وَأَيْضًا فَالْوُقُوعُ) لِلِاجْتِهَادِ (يَقْطَعُ الشَّغْبَ) بِالسُّكُونِ أَيْ النِّزَاعَ فِي الْجَوَازِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ وَاِبْنُ الْحَاجِبِ (وَدَلِيلُهُ) أَيْ الْوُقُوعِ قَوْله تَعَالَى (عَفَا اللَّهُ عَنْك) الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67] الْآيَةَ (حَتَّى قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ عَذَابٌ مَا نَجَا مِنْهُ إلَّا عُمَرُ» ) رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، وَالطَّبَرِيُّ بِلَفْظِ «لَمَا نَجَا مِنْهُ غَيْرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» إلَّا أَنَّهُ يُطْرَقُ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْوُقُوعِ بِالْآيَةِ الْأُولَى مَا سَلَفَ مِنْ قَوْلِ إنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْإِذْنِ، وَالْعِتَابِ بِهَا عَلَى مَا يَشُوبُهُ مِنْ بَحْثٍ نَعَمْ لَا يَضُرُّ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْوُقُوعِ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ مَا سَلَفَ فِيهَا عَنْ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَحِينَئِذٍ يَنْتَفِي إنْكَارُ وُقُوعِهِ مُطْلَقًا كَمَا عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَالتَّوَقُّفُ فِيهِ كَمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى (وَبِهِ) أَيْ بِالْوُقُوعِ (يُدْفَعُ دَفْعَ الدَّلِيلِ الْقَائِلِ لَوْ جَازَ) امْتِنَاعُ الْخَطَأِ عَلَيْهِ، وَالْأَحْسَنُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ امْتَنَعَ (لَكَانَ) امْتِنَاعُهُ عَلَيْهِ (لِمَانِعٍ) ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ (وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ الْمَانِعِ (بِأَنَّ الْمَانِعَ) مِنْ جَوَازِهِ (عُلُوُّ رُتْبَتِهِ وَكَمَالُ عَقْلِهِ وَقُوَّةُ حَدْسِهِ وَفَهْمِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرَ هَذَا الدَّفْعَ الْعَلَّامَةُ، وَقَدْ أُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْخَطَإِ، وَالسَّهْوِ مِنْ لَوَازِمِ الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ، فَإِذَا جَازَ سَهْوُهُ حَالَ مُنَاجَاتِهِ مَعَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهَا فَسَجَدَ» فَجَوَازُ الْخَطَإِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ حَالِ الصَّلَاةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) لِجَوَازِ الْخَطَإِ عَلَيْهِ (بِقَوْلِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَقَوْلُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ» ) وَقَدَّمْنَا فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الرَّاوِي عَنْ الْمِزِّيِّ، وَالذَّهَبِيِّ وَشَيْخِنَا أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ وَأَنَّ ابْنَ كَثِيرٍ قَالَ: يُؤْخَذُ مَعْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) مُثْبِتٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَطَإِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَنْ أَمَارَتِهِ لَا فِي الْخَطَإِ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِمُعَيَّنٍ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْعُمُومِ الَّذِي أُثْبِتَ لَهُ حُكْمٌ هُوَ صَوَابٌ كَمَا إذَا جَزَمَ بِأَنَّ الْخَمْرَ حَرَامٌ، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْمَائِعَ خَمْرٌ مُحَرَّمٌ لِحُرْمَتِهِ فَإِنَّ الِانْدِرَاجَ وَعَدَمَهُ لَيْسَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ (وَكَذَا) لَيْسَ بِشَيْءٍ (مَا يُوهِمُهُ عِبَارَةُ بَعْضِهِمْ مِنْ ثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى الْخَطَإِ فِيهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ، وَهُوَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فَإِنَّهُ قَالَ: أَقُولُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فَهَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِيهِ خِلَافٌ، فَإِذَا وَقَعَ هَلْ يُقَرَّرُ عَلَيْهِ أَوْ يُنَبَّهُ عَلَى الْخَطَإِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُقَرَّرُ انْتَهَى. (بَلْ) كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (نَفْيُهُ) أَيْ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ (اتِّفَاقٌ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ سُقُوطُ التَّوَقُّفِ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَعَزَاهُ فِي الْمَحْصُولِ لِأَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ الْفَتَاوَى أَمَّا الْأَقْضِيَةُ فَيَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا لِغَيْرِهِ، وَالْوَجْهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَرْعٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَإِذَا اجْتَهَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَاسَ فَرْعًا عَلَى أَصْلٍ فَيَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا بِالنَّصِّ، وَكَذَا لَوْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ عَقْلًا اجْتِهَادُ غَيْرِ النَّبِيّ] (مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ) عَقْلًا (اجْتِهَادُ غَيْرِهِ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي عَصْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْأَكْثَرُ يَجُوزُ) عَقْلًا (فَقِيلَ) يَجُوزُ (مُطْلَقًا) أَيْ بِحَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ نَقَلَهُ إِلْكِيَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَالرَّازِيُّ (وَقِيلَ) يَجُوزُ (بِشَرْطِ غَيْبَتِهِ لِلْقُضَاةِ) ، وَالْوُلَاةِ دُونَ غَيْرِهِمْ. (وَقِيلَ) يَجُوزُ (بِإِذْنٍ خَاصٍّ) ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ صَرِيحَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّلَ السُّكُوتَ عَنْ الْمَنْعِ مِنْهُ مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِهِ مَنْزِلَةَ الْإِذْنِ (وَفِي الْوُقُوعِ) مَذَاهِبُ (نَعَمْ) وَقَعَ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ

لَكِنْ (ظَنًّا) وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَاِبْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّهُ وَقَعَ قَطْعًا (وَلَا) أَيْ لَمْ يَقَعْ أَصْلًا (، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا مَذْهَبٌ (لِلْجُبَّائِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ، وَالْوَقْفُ) فِي الْوُقُوعِ مُطْلَقًا وَنَسَبَهُ الْآمِدِيُّ إلَى الْجُبَّائِيِّ (وَقِيلَ) الْوَقْفُ (فِيمَنْ بِحَضْرَتِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا مَنْ غَابَ) ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَنَقَلَهُ الرَّازِيّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَمَالَ إلَى اخْتِيَارِهِ. وَقِيلَ: وَقَعَ لِلْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ إِلْكِيَا عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ قَالَ: وَهُوَ أَدْخَلُ فِي الِاسْتِقَامَةِ وَأَمْيَلُ إلَى الِاقْتِصَادِ مِنْ حَيْثُ تَعَذُّرُ الْمُرَاجَعَةِ مَعَ تَنَائِي الدَّارِ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّهُ الْأَقْوَى عَلَى أُصُولِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ (الْوَقْفُ لَا دَلِيلَ) يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ مُطْلَقًا فِي الْمُطْلَقِ وَفِيمَنْ بِحَضْرَتِهِ لِلْمُقَيَّدِ بِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ جَائِزٌ فَلَا يُحْكَمُ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِدَلِيلٍ (الْمَانِعُ) مُطْلَقًا مُجْتَهِدٌ وَعَصْرُهُ (قَادِرُونَ عَلَى الْعِلْمِ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ فَامْتَنَعَ ارْتِكَابُ طَرِيقِ الظَّنِّ) ، وَهُوَ الِاجْتِهَادُ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعِلْمِ تَمْنَعُهُ (أُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ فَذَكَرَ قِصَّتَهُ فِي قَتْلِهِ الْقَتِيلَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، وَقَوْلُهُ: فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ الثَّانِيَةَ فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ فَقُمْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لَك أَبَا قَتَادَةَ فَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ جَوَابًا لِهَذَا الْقَائِلِ لَاهَا اللَّهِ إذَنْ لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَدَقَ» فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالِاجْتِهَادِ، وَهُوَ بِحَضْرَتِهِ، وَقَدْ صَوَّبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَصْدِيقِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ فِي لَاهَا اللَّهِ أَرْبَعَ لُغَاتٍ: حَذْفُ أَلْفِ هَا وَإِثْبَاتُهَا كِلَاهُمَا مَعَ وَصْلِ هَمْزَةِ اللَّهِ وَقَطْعِهَا ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَسْقَطَ إذًا مَعَ ثُبُوتِهَا فِي الرِّوَايَةِ إمَّا اخْتِصَارًا، وَإِمَّا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَقَالِ فَقَدْ أَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ ثُبُوتَ الْأَلْفِ فِي أَوَّلِ إذًا وَقَالُوا: إنَّهُ تَعْبِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَصَوَابُهُ لَاهَا اللَّهِ ذَا بِغَيْرِ أَلِفٍ فِي أَوَّلِهِ قَالُوا، وَمِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ لَاهَا اللَّهِ إلَّا مَعَ ذَا. وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ مَعَ غَيْرِ ذَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ إذَنْ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ جَوَابًا وَجَزَاءً وَهِيَ هُنَا جَوَابٌ لِقَوْلِ مَنْ طَلَبَ السَّلَبَ، وَهُوَ غَيْرُ قَاتِلٍ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ جَزَاءً لِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ وَإِلَّا لَقَالَ: إذَنْ تَعْمِدُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هِيَ جَزَاءٌ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ السَّلَبَ لِأَبِي قَتَادَةَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ سَبَبٌ لِعَدَمِ الْعَمْدِ إلَى إعْطَاءِ مَا هُوَ حَقُّ غَيْرِهِ لَا لِطَلَبِهِ، وَالرُّوَاةُ ثِقَاتٌ فَحَمْلُ رِوَايَتِهِمْ عَلَى التَّصْحِيفِ بَعِيدٌ، وَمِنْ هَذَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ: جَعْلُ لَا يَعْمِدُ جَوَابَ فَأَرْضِهِ عَنِّي لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاهِدِ لِأَبِي قَتَادَةَ صَدَقَ فَكَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إذًا صَدَقَ أَنَّهُ صَاحِبُ السَّلَبِ إذَنْ لَا يَعْمِدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُعْطِيك سَلَبَهُ، وَالْجَزَاءُ عَلَى هَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ صِدْقَهُ سَبَبٌ فِي أَنْ لَا يَعْمِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى سَلَبَهُ فَيُعْطِيَهُ مَنْ طَلَبَهُ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا تَكَلُّفَ فِيهِ (وَتَقَدَّمَ) فِي الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ (أَنَّ تَرْكَ الْيَقِينِ لِطَالِبِ الصَّوَابِ إلَى مُحْتَمِلِ الْخَطَإِ مُخْتَارًا يَأْبَاهُ الْعَقْلُ) فَلَا يَكُونُ الِاجْتِهَادُ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ تَرْكًا لِلْيَقِينِ إلَى مُحْتَمِلِ الْخَطَإِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْجَوَازِ بِحَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ بِنَاءً عَلَى مَا قِيلَ بِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَعْلَمَ أَوْ يَجْتَهِدَ فَيَحْكُمَ إذْ لَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا جَازَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الِاجْتِهَادِ بَلْ يَتِمُّ عَلَى الْجَوَازِ بِحَضْرَتِهِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَاجْتِهَادُ أَبِي بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَخْيِيرَهُ مُطْلَقًا لِعِلْمِهِ) أَيْ أَبِي بَكْرٍ (أَنَّهُ لِكَوْنِهِ بِحَضْرَتِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إنْ خَالَفَ) الصَّوَابَ فِي اجْتِهَادٍ (رَدَّهُ) أَيْ اجْتِهَادَهُ وَهَذَا مَفْقُودٌ إذَا كَانَ فِي غَيْبَتِهِ وَلَمْ يُوقَفْ عَلَيْهِ. (فَالْوَجْهُ جَوَازُهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ فِي عَصْرِهِ (لِلْغَائِبِ) عَنْهُ

مسألة العقليات ما لا يتوقف على سمع كحدوث العالم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ كَانَ قَاضِيًا أَوْ لَا (ضَرُورَةً) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ عِنْدَ تَعَسُّرِ الرُّجُوعِ أَوْ تَعَذُّرِهِ عَلَيْهِ فَيَحْسُنُ تَقْيِيدُهُ بِمَنْ هُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَيْسَ بِهَا لِسُهُولَةِ الْمُرَاجَعَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ قِصَّةُ مُعَاذٍ الشَّهِيرَةُ فِي إرْسَالِهِ إلَى الْيَمَنِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ وَقَصْرُ الْجَوَازِ عَلَى الْقُضَاةِ، وَالْوُلَاةِ لِحِفْظِ مَنْصِبِهِمْ عَنْ اسْتِنْقَاصِ الرَّعِيَّةِ لَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَقَعُ لَهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْ تَكَلُّفِ كِتَابَتِهِ بِلَا تَعَقُّبِهِ بِالرَّدِّ (وَالْحَاضِرُ بِشَرْطِ أَمْنِ الْخَطَإِ هُوَ) أَيْ أَمْنُهُ (بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ حَضْرَتِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أَوْ إذْنِهِ) فِي ذَلِكَ (كَتَحْكِيمِهِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ) ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمَّا حَكَمَ بِقَتْلِ الرِّجَالِ وَقَسْمِ الْأَمْوَالِ وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ، وَالنِّسَاءِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ «الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ» وَكِلَاهُمَا يُرَجِّحَانِ كَسْرَ اللَّامِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ بِحُكْمِ الْمَلِكِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ] (مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَوُجُودِ مُوجِدِهِ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ وَبَعْثِهِ الرُّسُلَ، وَالْمُصِيبُ مِنْ مُجْتَهِدِيهَا) أَيْ الْعَقْلِيَّاتِ (وَاحِدٌ اتِّفَاقًا) ، وَهُوَ الَّذِي طَابَقَ اجْتِهَادُهُ الْوَاقِعَ فَأَصَابَ الْحَقَّ لِعَدَمِ إمْكَانِ وُقُوعِ النَّقِيضَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَالْمُخْطِئُ) مِنْهُمْ (إنْ) أَخْطَأَ (فِيمَا يَنْفِي مِلَّةَ الْإِسْلَامِ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا (فَكَافِرٌ آثِمٌ مُطْلَقًا) أَيْ اجْتَهَدَ وَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ يَجْتَهِدْ (عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَهُ) أَيْضًا (بَعْدَ تَأَهُّلِهِ لِلنَّظَرِ وَبِشَرْطِ الْبُلُوغِ عِنْدَ مَنْ أَسْلَفْنَا) فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ (مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ إذَا أَدْرَكَ مُدَّةَ التَّأَمُّلِ) وَقَدْرُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا سَلَفَ ثَمَّةَ (إنْ لَمْ يَبْلُغْهُ سَمْعٌ وَمُطْلَقًا) أَيْ أَدْرَكَ مُدَّةَ التَّأَمُّلِ أَمْ لَا (إنْ بَلَغَهُ) السَّمْعُ (وَبِشَرْطِ بُلُوغِهِ) أَيْ السَّمْعِ إيَّاهُ (لِلْأَشْعَرِيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ) ثَمَّةَ (عَنْ بُخَارِيِّ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ) ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ أَبْيَنُ مِنْ النَّهَارِ لَا مَجَالَ لِنَفْيِهَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا بِغَيْرِهِ إذْ الِاجْتِهَادُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا فِيهِ خَفَاءٌ وَغُمُوضٌ، وَالْمُعَانِدُ مُكَابِرٌ فِيهَا (وَإِنْ) كَانَ مَا أَخْطَأَ فِيهِ (غَيْرَهَا) أَيْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمَسَائِلِ الدِّينِيَّةِ (كَخَلْقِ الْقُرْآنِ) أَيْ الْقَوْلِ بِخَلْقِهِ (وَإِرَادَةِ الشَّرِّ) أَيْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى الشَّرَّ فَكَانَ الْأَوْلَى عَدَمَ إرَادَةِ الشَّرِّ (فَمُبْتَدِعٌ آثِمٌ لَا كَافِرٌ وَسَيَأْتِي فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا النَّوْعِ (زِيَادَةٌ) فِي التَّتِمَّةِ الَّتِي تَلِي الْمَسْأَلَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ تَكْفِيرِ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ تَأَوَّلُوهُ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَسَائِلِ الدِّينِيَّةِ كَوُجُوبِ تَرْكِيبِ الْأَجْسَامِ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَجْزَاءٍ وَنَحْوِهِ فَلَا الْمُخْطِئُ فِيهِ آثِمٌ وَلَا الْمُصِيبُ فِيهِ مَأْجُورٌ إذْ يَجْرِي مِثْلُ هَذَا مَجْرَى الْخَطَإِ فِي أَنَّ مَكَّةَ أَكْبَرُ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ أَصْغَرُ كَذَا فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَلَامِيَّةِ (وَأَمَّا الْفِقْهِيَّةُ فَمُنْكِرُ الضَّرُورِيِّ) مِنْهَا (كَالْأَرْكَانِ) أَيْ فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ الَّتِي هِيَ الْأَرْكَانُ الْأَرْبَعَةُ لِلْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ (وَحُرْمَةِ الزِّنَا، وَالشُّرْبِ) لِلْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالرِّبَا (وَالسَّرِقَةِ كَذَلِكَ) أَيْ كَافِرٌ آثِمٌ لِتَكْذِيبِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الِاجْتِهَادِ) ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُجْتَهِدِ فِيهِ نَظَرِيًّا (فَهُوَ إنْكَارٌ لِلْمَعْلُومِ ابْتِدَاءً عِنَادًا أَوْ) مُنْكِرُ (غَيْرِهَا) أَيْ الضَّرُورِيَّةِ (الْأَصْلِيَّةِ) الْقَطْعِيَّةِ مِنْ الْفِقْهِيَّةِ (كَكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَالْخَبَرُ) أَيْ خَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةً (وَالْقِيَاسُ) حُجَّةً فَهُوَ مُخْطِئٌ (آثِمٌ) وَقَالَ الْقَرَافِيُّ، وَقَدْ خَالَفَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي مَسَائِلَ ضَعِيفَةِ الْمَدَارِكِ كَالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ، وَالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحُرُوبِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَنْبَغِي تَأْثِيمُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً كَمَا أَنَّا فِي أُصُولِ الدِّينِ لَا نُؤَثِّمُ مَنْ يَقُولُ: الْعَرَضُ يَبْقَى زَمَانَيْنِ، أَوْ يَقُولُ بِنَفْيِ الْخَلَاءِ وَإِثْبَاتِ الْمَلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (بِخِلَافِ) إنْكَارِ (حُجِّيَّةِ الْقُرْآنِ) ، وَالسُّنَّةِ (فَإِنَّهُ) أَيْ إنْكَارَهَا (كُفْرٌ وَ) مُنْكِرُ (غَيْرِهَا) أَيْ الضَّرُورِيَّةِ (الْفَرْعِيَّةِ) الِاجْتِهَادِيَّةِ مِنْ الْفِقْهِيَّةِ (فَالْقَطْعُ لَا إثْمَ، وَهُوَ) أَيْ، وَالْقَطْعُ بِنَفْيِ الْإِثْمِ (مُقَيَّدٌ بِوُجُودِ شَرْطِ حِلِّهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (مِنْ عَدَمِ كَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ قَاطِعِ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ وَلَا يُعْبَأُ) أَيْ لَا يُعْتَدُّ (بِتَأْثِيمِ بِشْرٍ) الْمَرِيسِيِّ (وَالْأَصَمِّ) أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَالظَّاهِرِيَّةِ، وَالْإِمَامِيَّةِ الْمُخْطِئُ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا مِنْ مَسْأَلَةٍ إلَّا، وَالْحَقُّ فِيهَا

مُتَعَيِّنٌ وَعَلَيْهِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ فَمَنْ أَخْطَأَهُ فَهُوَ آثِمٌ غَيْرُ كَافِرٍ وَيَفْسُقُ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ بَرْهَانٍ وَلَا يَفْسُقُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا لَا يُعْبَأُ بِهِ (لِدَلَالَةِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ تَأْثِيمِ الْمُخْطِئِ فِيهَا (إذْ شَاعَ اخْتِلَافُهُمْ) فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ مَعَ الْجَمِيعِ (وَلَمْ يُنْقَلْ تَأْثِيمٌ) مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مُعَيَّنٌ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ: الْآخَرُ آثِمٌ وَلَا مُبْهَمٌ بِأَنْ يَقُولُوا: أَحَدُنَا آثِمٌ (وَلَوْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ الْإِثْمُ لِلْمُخْطِئِ (لَوَقَعَ) ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَطِيرٌ مِنْ الْمُهِمَّاتِ، وَلَوْ ذُكِرَ لَنُقِلَ وَاشْتُهِرَ وَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ تَأْثِيمٌ عُلِمَ قَطْعًا عَدَمُ الْإِثْمِ. (وَلَوْ اُسْتُؤْنِسَ لَهُمَا) أَيْ بِشْرٍ وَالْأَصَمِّ (بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا وَلَا يَجْعَلُ أَبَ الْأَبِ أَبًا) ذَكَرَهُ فِي التَّقْوِيمِ (أَمْكَنَ) الْقَدْحُ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ التَّأْثِيمِ بِهِ لَكِنَّ هَذَا إذَا اُتُّبِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مِثْلِهِ (لَكِنَّهُ) أَيْ ابْنَ عَبَّاسٍ (لَمْ يُتَّبَعْ عَلَى مِثْلِهِ إذْ وَقَائِعُ الْخِلَافِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَلَا تَأْثِيمَ) مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِيهَا مَنْقُولٌ عَنْهُمْ، وَقَالَ (الْجَاحِظُ: لَا إثْمَ عَلَى مُجْتَهِدٍ، وَلَوْ) كَانَ الِاجْتِهَادُ (فِي نَفْيِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ) كَانَ نَفْيُهُ اجْتِهَادًا (مِمَّنْ لَيْسَ مُسْلِمًا وَتَجْرِي عَلَيْهِ) أَيْ النَّافِي فِي الدُّنْيَا (أَحْكَامُ الْكُفَّارِ، وَهُوَ) أَيْ نَفْيُ الْإِثْمِ (مُرَادُ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ قَاضِي الْبَصْرَةِ الْمُعْتَزِلِيِّ (الْعَنْبَرِيِّ بِقَوْلِهِ: الْمُجْتَهِدُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ مُصِيبٌ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ هَذَا بَلْ أَرَادَ وُقُوعَ مُعْتَقَدِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ) فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ بِتَقْدِيرِ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْقَضَايَا الْعَقْلِيَّةِ كَالْقِدَمِ، وَالْحُدُوثِ فِي اعْتِقَادِ قَدِمَ الْعَالَمِ وَحُدُوثِهِ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) فَخَرَجَ عَنْ الْمَعْقُولِ؛ لِأَنَّ النَّقِيضَيْنِ لَا يَكُونَانِ حَقَّيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَفَى السُّبْكِيُّ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ نَفْيَ الْإِثْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ الْجَاحِظِ بِلَا زِيَادَةٍ بَلْ أَرَادَ أَنَّ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ وَافَقَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ لَا وَوَافَقَهُ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى هَذَا وَتَعَقَّبَهُ التَّفْتَازَانِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ الَّتِي لَا دَخْلَ فِيهَا الْوَضْعُ الشَّارِعُ كَكَوْنِ الْعَالَمِ قَدِيمًا وَكَوْنِ الصَّانِعِ مُمْكِنَ الرُّؤْيَةِ، أَوْ مُمْتَنِعَهَا ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ ثُمَّ قِيلَ: إنَّهُ عُمِّمَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ حَتَّى يَشْمَلَ أُصُولَ الدِّيَانَاتِ وَإِنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسَ عَلَى صَوَابٍ، وَهَذَا مَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَقِيلَ: أَرَادَ أُصُولَ الدِّيَانَاتِ الَّتِي يَخْتَلِفُ فِيهَا أَهْلُ الْقِبْلَةِ وَيَرْجِعُ الْمُخَالِفُونَ فِيهَا إلَى آيَاتٍ وَآثَارٍ مُحْتَمَلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ كَالرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْأَفْعَالِ. وَأَمَّا مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ كَالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس فَإِنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْحَقَّ فِيمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّأْوِيلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّا لَا نَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا يَقْطَعُ بِتَضْلِيلِ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس وَأَنَّ قَوْلَهُمْ بَاطِلٌ قَطْعًا وَلِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْقَطْعِيَّةَ قَامَتْ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي بُطْلَانِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْفِرَقِ، وَالدَّلَائِلُ الْقَطْعِيَّةُ تُوجِبُ الِاعْتِقَادَ الْقَطْعِيَّ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ ضَالُّونَ مُخْطِئُونَ قَطْعًا، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِيمَا يُخَالِفُنَا فِيهِ أَهْلُ الْمِلَلِ فَكَذَلِكَ فِيمَا يُخَالِفُنَا فِيهِ الْقَدَرِيَّةُ، وَالْمُجَسِّمَةُ، وَالْجَهْمِيَّةُ، وَالرَّوَافِضُ، وَالْخَوَارِجُ وَسَائِرُ مَنْ يُخَالِفُ أَهْلَ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الدَّلَائِلَ الْقَطْعِيَّةَ قَدْ قَامَتْ لِأَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى مَا يُوَافِقُ عَقَائِدَهُمْ فَيَثْبُتُ مَا اعْتَقَدُوهُ قَطْعًا، وَإِذَا ثَبَتَ مَا اعْتَقَدُوهُ قَطْعًا حُكِمَ بِبُطْلَانِ مَا يُخَالِفُهُ قَطْعًا، وَإِذَا حُكِمَ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ قَطْعًا ثَبَتَ أَنَّهُمْ ضُلَّالٌ وَمُبْتَدِعَةٌ انْتَهَى. وَمَشَى عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِمَذْهَبِ الْعَنْبَرِيِّ الْكَرْمَانِيُّ وَالتَّفْتَازَانِي وَاسْتَشْهَدَ السُّبْكِيُّ لَهُ بِمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي مُثْبِتِي الْقَدْرِ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ عَظَّمُوا اللَّهَ، وَفِي نَافِيهِ: هَؤُلَاءِ نَزَّهُوا اللَّهَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى وَأَمْثَالِهِمْ ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي حَمْلُ مَذْهَبِ الْجَاحِظِ أَيْضًا وَلَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي عَنْهُ فِي التَّقْرِيبِ بِخِلَافِهِ فَانْتَفَى مَا فِي حَاشِيَةِ الْأَبْهَرِيِّ وَقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي الْكَافِرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لِاسْتِبْعَادِ الْخِلَافِ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي كَوْنِ الْيَهُودِيِّ مُخْطِئًا فِي نَفْيِهِ رِسَالَةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْيَهُودِيَّ غَيْرُ مُخْطِئٍ فِي نَفْيِ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُجَسِّمَةَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ غَيْرُ مُخْطِئَةٍ فِي أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ وَفِي جِهَةٍ انْتَهَى. (لَنَا إجْمَاعُ

مسألة المسألة الاجتهادية أي التي لا قاطع فيها من نص أو إجماع

الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْمُخَالِفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ لَدُنْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهَلُمَّ عَصْرًا تِلْوَ عَصْرٍ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ وَأَنَّهُمْ فِي النَّارِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مُجْتَهِدٍ وَمُعَانِدٍ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ كُفْرَهُمْ لَيْسَ بَعْدَ ظُهُورِ حَقِّيَّةِ الْإِسْلَامِ لَهُمْ) جَمِيعِهِمْ بَلْ لِبَعْضِهِمْ. وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ آثِمِينَ لَمَا سَاغَ قِتَالُهُمْ وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ هَذَا إنْ كَانَ خِلَافَ الْمُخَالِفِ فِيمَنْ خَالَفَ مِلَّةَ الْإِسْلَامِ جُمْلَةً وَكَيْفَ لَا، وَالْمُخَالِفُ حِينَئِذٍ خَارِجٌ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الْمُخَالَفَةِ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ قَبْلَهَا مُسْلِمًا فَالْإِجْمَاعُ قَائِمٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَسْرِهَا لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى قِتَالِهِمْ (لَا يَجْرِي) دَلِيلًا عَلَى تَأْثِيمِ الْمُجْتَهِدِ مِنْهُمْ (عَلَى) قَوَاعِدِ (الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ وُجُوبَهُ) أَيْ قِتَالِهِمْ (لِكَوْنِهِمْ حَرْبًا عَلَيْنَا لَا لِكُفْرِهِمْ، وَإِنَّمَا لَهُمْ) أَيْ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي التَّأْثِيمِ (الْقَطْعُ بِالْعُمُومَاتِ) الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ (مِثْلُ: وَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ، وَمِنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) وَهَذَا الْقَطْعُ (إمَّا مِنْ الصِّيغَةِ) الْمَوْضُوعَةِ لِلْعُمُومِ مِثْلُ الْكَافِرِينَ، وَالْخَاسِرِينَ (أَوْ) مِنْ (الْإِجْمَاعَاتِ) الْكَائِنَةِ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِ (عَلَى عَدَمِ التَّفْصِيلِ) فِي كُفْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ خِلَافُ الْمُخَالِفِ مَخْصُوصًا بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْأُصُولِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِنَفْيِ التَّأْثِيمِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ فِي نَفْيِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَيْسَ مُسْلِمًا (تَكْلِيفُهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (بِنَقِيضِ مُجْتَهِدِهِمْ) تَكْلِيفٌ (بِمَا لَا يُطَاقُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ (كَيْفٌ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ هُوَ إدْرَاكُ أَنَّ كَذَا وَاقِعٌ، أَوْ لَيْسَ بِوَاقِعٍ (لَا فِعْلٌ) اخْتِيَارِيٌّ لِلنَّفْسِ لِيَكُونَ مُكَلَّفًا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى وَجْهِ كَذَا بِعَيْنِهِ فَهُوَ مَدْفُوعٌ إلَيْهِ بَعْدَ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَهُوَ النَّظَرُ فَلَيْسَ مَقْدُورًا لَهُ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ (فَالْمُكَلَّفُ بِهِ اجْتِهَادُهُ، وَقَدْ فَعَلَ، وَالْجَوَابُ مَنْعُ فِعْلِهِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا كُلِّفَ بِهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ (إذْ لَا شَكَّ أَنَّ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ) أَيْ الْإِيمَانِ (أَدِلَّةً قَطْعِيَّةً ظَاهِرَةً لَوْ وَقَعَ النَّظَرُ فِي مَوَادِّهَا لَزِمَهَا) أَيْ الْأَدِلَّةَ الْقَطْعِيَّةَ الْمَطْلُوبُ (قَطْعًا، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ) الْمَطْلُوبُ عِنْدَ مُكَلَّفٍ (عُلِمَ أَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ (لِعَدَمِ الشُّرُوطِ) فِي النَّظَرِ (بِالتَّقْصِيرِ) أَيْ بِوَاسِطَتِهِ (مَثَلًا مَنْ بَلَغَهُ بِأَقْصَى فَارِسَ ظُهُورُ مُدَّعِي نُبُوَّةٍ ادَّعَى نَسْخَ شَرِيعَتِكُمْ لَزِمَهُ السَّفَرُ إلَى مَحِلِّ ظُهُورِ دَعْوَتِهِ لِيَنْظُرَ أَتَوَاتَرَ وُجُودُهُ وَدَعْوَاهُ ثُمَّ أَتَوَاتَرَ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَحْوَالِهِ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِنُبُوَّتِهِ، فَإِذَا اجْتَهَدَ جَامِعًا لِلشُّرُوطِ قَطَعْنَا مِنْ الْعَادَةِ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْمُجْتَهِدَ (يَلْزَمُهُ) أَيْ اجْتِهَادُهُ (عِلْمُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْمُدَّعِي (لِفَرْضِ وُضُوحِ الْأَدِلَّةِ، وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي مَكَانِهِ فَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ لَا يُعْذَرُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ اجْتِهَادَهُ (فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ) أَيْ ظُهُورِ دَعْوَتِهِ. (وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كُلِّفَ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ) عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الِاعْتِقَادَ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِكَوْنِهِ مِنْ الصِّفَاتِ، وَالْكِيفَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ، وَالْمَقْدُورُ إنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْفِعْلِ التَّأْثِيرُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنْ غَيْرَهُ لَيْسَ مَقْدُورًا إذْ الْعِلْمُ الْكَسْبِيُّ مَقْدُورٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ تَأْثِيرًا بَلْ مِنْ الصِّفَاتِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِهِ عَقِيبَ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ وَيَكُونُ أَثَرًا لَهَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ مُؤَثِّرَةٌ فَالِاعْتِقَادُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ وَلِهَذَا قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: الْعِلْمُ الْكَسْبِيُّ يَتَوَلَّدُ مِنْ النَّظَرِ وَعَرَّفُوا التَّوْلِيدَ بِأَنْ يُوجِبَ فِعْلُهُ فِعْلًا آخَرَ لِفَاعِلِهِ كَيْفَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الِاعْتِقَادُ مَقْدُورًا لَامْتَنَعَ التَّكْلِيفُ بِهِ (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ حُجَّتِهِمْ كَمَا فِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ (بِمَنْعِ كَوْنِ نَقِيضِ اعْتِقَادِهِمْ غَيْرَ مَقْدُورٍ) لَهُمْ (إذْ ذَاكَ) أَيْ غَيْرُ الْمَقْدُورِ لَهُمْ الَّذِي لَا يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِهِ هُوَ (الْمُمْتَنِعُ عَادَةً كَالطَّيَرَانِ وَحَمْلِ الْجَبَلِ وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الِامْتِنَاعِ) لِتَكْلِيفِهِمْ بِنَقِيضِ مُجْتَهِدِهِمْ هُوَ امْتِنَاعٌ بِالْغَيْرِ أَيْ (بِشَرْطِ وَصْفِ الْمَوْضُوعِ هَكَذَا مُعْتَقَدُ ذَلِكَ الْكُفْرِ يَمْتَنِعُ اعْتِقَادُ غَيْرِهِ) أَيْ الْكُفْرِ (مَا دَامَ) الْكُفْرُ (مُعْتَقَدَهُ، وَالْمُكَلَّفُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَهُوَ) أَيْ الْإِسْلَامُ (مَقْدُورٌ) لَهُ وَمُعْتَادٌ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ مُسْتَحِيلًا وَخَبَرُ الْجَوَابِ (لَا يُزِيلُ الشَّغْبَ) غَيْرُ أَنَّ الْأَوْلَى إثْبَاتُ الْفَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ أَمَّا، وَإِنَّمَا لَا يُزِيلُهُ (إذْ يُقَالُ التَّكْلِيفُ بِالِاجْتِهَادِ لِاسْتِعْلَامِ ذَلِكَ) أَيْ الْإِيمَانِ (فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ) الِاجْتِهَادُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى ذَلِكَ (لَوْ لَزِمَ) ذَلِكَ (كَانَ) التَّكْلِيفُ بِالِاجْتِهَادِ لِاسْتِعْلَامِ ذَلِكَ تَكْلِيفًا (بِمَا لَا يُطَاقُ) [مَسْأَلَةُ الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَيْ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ] (مَسْأَلَةُ الْجُبَّائِيِّ) وَابْنِهِ عَلَى مَا فِي الْبَدِيعِ

(وَنُسِبَ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ لَا حُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ) أَيْ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ (قَبْلَ الِاجْتِهَادِ سِوَى إيجَابِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ فِيهَا (بِشَرْطِهِ فَمَا أَدَّى) الِاجْتِهَادُ (إلَيْهِ) أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ فِيهَا (تَعَلَّقَ) بِهَا وَكَانَ هُوَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهَا فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مُقَلِّدِهِ وَنَسَبَهُ إلَيْهِمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَزَادَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ ثُمَّ قَالَ وَقَالَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ بِخُرَاسَانَ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرَهُ أَيْضًا عَنْهُ وَعَنْ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَبَعْضِ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ الْحَدِيثِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَالْحَقُّ عِنْدَهُمْ مُتَعَدِّدٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ تِلْكَ الْحُقُوقَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ أَمْ لَا فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ نَعَمْ وَطَائِفَةٌ لَا بَلْ أَحَدُ تِلْكَ الْحُقُوقِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ (وَلَا يَمْتَنِعُ تَبَعِيَّتُهُ) أَيْ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا (لِلِاجْتِهَادِ) لِحُدُوثِهِ أَيْ الْحُكْمِ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الْأَشْعَرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدِيمٌ عِنْدَهُمْ فَذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ لِلَّهِ فِيهَا خِطَابًا لَكِنَّهُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبًا، أَوْ حُرْمَةً، أَوْ غَيْرَهُمَا بِحَسَبِ ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ فَالتَّابِعُ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ هُوَ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ لَا نَفْسُ الْخِطَابِ. وَذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ هُنَا خِطَابَ اللَّهِ الْمُخْتَلَفَ فِي قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ بَلْ مَا يَتَأَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَيَسْتَلْزِمُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يُقَلِّدُهُ الْعَمَلُ بِهِ (وَالْبَاقِلَّانِيّ) وَالْأَشْعَرِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ (وَطَائِفَةٌ) الْحُكْمُ (الثَّابِتُ) لِلْوَاقِعَةِ (قَبْلَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (تَعَلُّقُ مَا يَتَعَيَّنُ) ذَلِكَ الْحُكْمُ (بِهِ) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ (وَإِذْ عِلْمُهُ) عَزَّ وَجَلَّ (مُحِيطٌ بِمَا سَيَتَعَيَّنُ) مِنْ الْحُكْمِ (أَمْكَنَ كَوْنُ الثَّابِتِ تَعَلُّقَ) حُكْمٍ (مُعَيَّنٍ) لَهَا (فِي حَقِّ كُلٍّ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ (وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْمُعَيَّنُ (مَا عُلِمَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَإِذْ وَجَبَ الِاجْتِهَادُ) لِلْوَاقِعَةِ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ وَاخْتَلَفَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ (تَعَدَّدَ الْحُكْمُ بِتَعَدُّدِهِمْ، وَالْمُخْتَارُ) أَنَّ حُكْمَ الْوَاقِعَةِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا (حُكْمٌ مُعَيَّنٌ، أَوْجَبَ طَلَبَهُ فَمَنْ أَصَابَهُ) فَهُوَ (الْمُصِيبُ وَمَنْ لَا) يُصِيبُهُ فَهُوَ (الْمُخْطِئُ وَنُقِلَ) هَذَا (عَنْ) الْأَئِمَّةِ (الْأَرْبَعَةِ) أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُمْ بَلْ نَقَلَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَرَافِيُّ عَنْ مَالِكٍ غَيْرَهُ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الَّذِي حَرَّرَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَمَنْ قَالَ عَنْهُ غَيْرُهُ فَقَدْ أَخْطَأَ عَلَيْهِ (ثُمَّ الْمُخْتَارُ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَفِي الْمَحْصُولِ: وَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ وَيُنْسَبُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ (أَنَّ الْمُخْطِئَ مَأْجُورٌ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْخَطَإِ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ (وَعَنْ طَائِفَةٍ لَا أَجْرَ وَلَا إثْمَ) ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَعَلَّهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافَ (لَا يَتَحَقَّقُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِأَجْرِهِ لَيْسَ عَلَى خَطَئِهِ بَلْ لِامْتِثَالِهِ أَمْرَ الِاجْتِهَادِ، وَثُبُوتُ ثَوَابِ مُمْتَثِلِ الْأَمْرِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ لَا يَتَأَتَّى نَفْيُهُ وَإِثْمُ خَطَئِهِ مَوْضُوعٌ اتِّفَاقًا) بَيْنَ أَهْلِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ (فَهُوَ) أَيْ فَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الْقَوْلُ (الْأَوَّلُ) قُلْت: وَقَدْ حَكَى الشَّافِعِيَّةُ فِيمَا عَلَيْهِ الْأَجْرُ لِلْمُخْطِئِ اخْتِلَافًا فَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَإِ بَلْ عَلَى قَصْدِهِ الصَّوَابَ وَقِيلَ بَلْ عَلَى اشْتِدَادِهِ فِي تَقَصِّي النَّظَرِ، فَإِنَّ الْمُخْطِئَ يَشْتَدُّ أَوَّلًا ثُمَّ يَزُولُ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْمُخْطِئَ قَدْ يَحِيدُ فِي الْأَوَّلِ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ وَالرَّافِعِيُّ ثُمَّ الْأَجْرُ عَلَامَ فِيهِ وَجْهَانِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ وَأَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ عَلَى الْقَصْدِ إلَى الصَّوَابِ لَا الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَى بِهِ إلَى الْخَطَإِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْلُكْ الطَّرِيقَ الْمَأْمُورَ بِهِ انْتَهَى، وَالنَّصُّ الْمَذْكُورُ قَوْلُ الْمُزَنِيّ فِي كِتَابِ ذَمِّ التَّقْلِيدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَدِيثِ «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» لَا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَإِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الدِّينِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا يُؤْجَرُ لِإِرَادَتِهِ الْحَقَّ الَّذِي أَخْطَأَهُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْجَرَ عَلَى قَصْدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ خَطَأً كَمَا لَوْ اشْتَرَى رَقَبَةً فَأَعْتَقَهَا تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ ثُمَّ وَجَدَهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ بَعْدَ تَلَفِ ثَمَنِهَا فَهُوَ مَأْجُورٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ شِرَاؤُهُ وَلَمْ يَقَعْ عِتْقُهُ لِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقَصْدِ إلَى فَكِّ الرَّقَبَةِ، وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ وَشَبَّهَهُ الْقَفَّالُ بِرَجُلَيْنِ رَمَيَا إلَى كَافِرٍ فَأَخْطَأَ أَحَدُهُمَا يُؤْجَرُ عَلَى قَصْدِهِ الْإِصَابَةَ، وَالثَّانِي يُؤْجَرُ عَلَى الْقَصْدِ، وَالِاجْتِهَادِ جَمِيعًا

لِأَنَّهُ بَذَلَ وُسْعَهُ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، وَالْوُقُوفِ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا سَلَكَ الطَّرِيقَ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الْإِتْمَامُ قُلْت: عَلَى هَذَا أَيْضًا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَذَا مُنَاسِبٌ إذَا سَلَكَهُ فِي الِابْتِدَاءِ، فَإِنْ حَادَ عَنْهُ فِي الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَنَصَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الِاجْتِهَادَ خِلَافُ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يُصِيبُ بِهِ الْحَقَّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَهُ فِي صِفَتِهِ وَرَتَّبَهُ عَلَى تَرْتِيبِهِ لَأَفْضَى بِهِ إلَى الْحَقِّ فَلَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ قُلْت: وَلَا يَعْرَى عَنْ نَظَرٍ لِلْمُنَصِّفِ هَذَا، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ عَلَى الْقَصْدِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُشْرُ أَجْرِ الْمُصِيبِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ وَأُجِيبَ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ لِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «جَاءَ خَصْمَانِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اقْضِ بَيْنَهُمَا فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْت أَوْلَى قَالَ: وَإِنْ كَانَ قُلْت مَا أَقْضِي قَالَ: إنَّك إنْ أَصَبْت كَانَ لَك عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَإِنْ أَخْطَأْت كَانَ لَك حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ» أَخْرَجَهُ النَّقَّاشُ فِي كِتَابِ الْقُضَاةِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لَكِنْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى فَرَجِ بْنِ فُضَالَةَ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّهْرَوَانِيُّ وَأَبُوهُ مَجْهُولَانِ قُلْت: وَيُمْكِنُ التَّقَصِّي عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ حَدِيثَ الصَّحِيحَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَا؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ وَذَا عَامٌّ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا عَلَى قَاعِدَةِ الْحَنَفِيَّةِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ إلَّا أَنَّهُ لَا إشْكَالَ بِهَذَا عَلَيْهِمْ حَيْثُ كَانَ الْأَجْرُ عَلَى نَفْسِ الِاجْتِهَادِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ هَذَا وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْوَاقِعَةِ حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا مَطْلُوبٌ بِالِاجْتِهَادِ وَنَصَبَ عَلَيْهِ الدَّلَائِلَ، وَالْأَمَارَاتِ، فَإِذَا أُصِيبَ حَصَلَ أَجْرَانِ أَجْرُ الْإِصَابَةِ وَأَجْرُ الِاجْتِهَادِ. وَالثَّانِي: وُجُوبُ الْعَمَلِ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَمَنْ نَظَرَ إلَى هَذَا الثَّانِي وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ: حُكْمُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَقٌّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَبِالنَّظَرِ إلَى وُجُوبِ الْمَصِيرِ إلَى مَا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ الَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ بِالنَّظَرِ انْتَهَى ثُمَّ قَدْ أَوْرَدَ كَيْفَ يُثَابُ عَلَى الْإِصَابَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ صُنْعِهِ وَأُجِيبَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ آثَارِ صُنْعِهِ وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ الثَّانِي لِكَوْنِهِ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً يَقْتَدِي بِهِ فِيهَا مَنْ يَتَّبِعُهُ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا لَا يُؤْجَرُ الْمُخْطِئُ عَلَى اتِّبَاعِ الْمُقَلِّدِينَ لَهُ بِخِلَافِ الْمُصِيبِ؛ لِأَنَّ مُقَلِّدَ الْمُصِيبِ قَدْ اهْتَدَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ الْهُدَى، وَهُوَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَك مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» بِخِلَافِ مُقَلِّدِ الْمُخْطِئِ، فَإِنَّ الْمُخْطِئَ لَمْ يَحْصُلْ عَلَى شَيْءٍ غَايَةُ الْأَمْرِ سَقَطَ الْحَقُّ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ مِمَّا يُذْكَرُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَهَذَانِ) الْقَوْلَانِ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ) أَيْ حُكْمِ اللَّهِ فِي الْحَادِثَةِ (دَلِيلًا ظَنِّيًّا) ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (وَقِيلَ) بَلْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ (قَطْعِيٌّ، وَالْمُخْطِئُ آثِمٌ) ، وَهُوَ (قَوْلُ بِشْرٍ، وَالْأَصَمِّ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَابْنَ عُلَيَّةَ وَبَعْضُهُمْ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَقِيلَ: غَيْرُ آثِمٍ لِخَفَائِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ وَغُمُوضِهِ وَعَزَاهُ فِي الْكَشْفِ إلَى الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَأَنَّهُ مَالَ إلَيْهِ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَفِي الْمَحْصُولِ إلَى الْجُمْهُورِ مِنْ قَائِلِي: إنَّ عَلَيْهِ دَلِيلًا قَطْعِيًّا، وَقِيلَ: لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ وَلَا أَمَارَةَ بَلْ هُوَ كَدَفِينٍ يَعْثِرُ عَلَيْهِ الطَّالِبُ اتِّفَاقًا فَمَنْ وَجَدَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ وَمَنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَعَزَى هَذَا فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ إلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ زَادَ الْقَرَافِيُّ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَنَقَلَ الْحَنَفِيَّةُ الْخِلَافَ أَنَّهُ) أَيْ الْمُخْطِئَ (مُخْطِئٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً) فِي اجْتِهَادِهِ وَفِيمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ. (أَوْ) مُصِيبٌ فِي ابْتِدَاءِ اجْتِهَادِهِ مُخْطِئٌ (انْتِهَاءً) فِيمَا طَلَبَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الرُّسْتُغْفَنِيِّ وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الشَّافِعِيِّ (وَهُوَ) أَيْ وَهَذَا الْأَخِيرُ (الْمُخْتَارُ) عِنْدَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ نَقْلَ الْحَنَفِيَّةِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (لَا يَتَحَقَّقُ إذْ الِابْتِدَاءُ بِالِاجْتِهَادِ، وَهُوَ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ (بِهِ) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ (مُؤْتَمِرٌ غَيْرُ مُخْطِئٍ بِهِ) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ (قَطْعًا) وَكَيْفَ، وَهُوَ آتٍ بِمَا كُلِّفَ بِهِ مُمْتَثِلٌ لِمَا أُمِرَ بِهِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا مَا فِي

التَّقْوِيمِ، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: كَانَ مُخْطِئًا لِلْحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ مُصِيبًا لِلْحَقِّ فِي حَقِّ عَمَلِهِ حَتَّى إنَّ عَمَلَهُ يَقَعُ صَحِيحًا شَرْعًا كَأَنَّهُ أَصَابَ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بَلَغَنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِيُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ: وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ فَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي أَخْطَأَ مَا عِنْدَ اللَّهِ مُصِيبٌ فِي حَقِّ عَمَلِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: إذَا تَلَاعَنَ الزَّوْجَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ، وَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ فَجَعَلَ قَضَاءَهُ فِي حَقِّهِ صَوَابًا مَعَ فَتْوَاهُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ فَمَنْ أَصَابَهُ فَقَدْ أَصَابَ الْحَقَّ وَمَنْ أَخْطَأَهُ فَقَدْ أَخْطَأَهُ انْتَهَى غَيْرُ مُخَالِفٍ فِي الْمَعْنَى لِمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَإِنْ حُمِلَ) كَوْنُهُ مُخْطِئًا ابْتِدَاءً (عَلَى خَطَئِهِ فِيهِ) أَيْ فِي الِاجْتِهَادِ (لِإِخْلَالِهِ بِبَعْضِ شُرُوطِ الصِّحَّةِ) لِلِاجْتِهَادِ (فَاتِّفَاقٌ) أَيْ فَكَوْنُهُ مُخْطِئًا اتِّفَاقٌ وَقِيلَ هُوَ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ الْمُجْتَهِدُ مُخْطِئٌ انْتِهَاءً وَابْتِدَاءً أَرَادَ بِالْإِصَابَةِ أَنَّ دَلِيلَهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا إلَى مَا هُوَ حَقٌّ عِنْدَ اللَّهِ. وَمَنْ قَالَ: مُخْطِئٌ انْتِهَاءً لَا ابْتِدَاءً أَرَادَ بِالْإِصَابَةِ ابْتِدَاءً اسْتِفْرَاغَ الْجُهْدِ فِي رِعَايَةِ شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ وَفِي الدَّلِيلِ الْمُوصِلِ إلَى مَا هُوَ الْحَقُّ (لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ (لَوْ كَانَ الْحُكْمُ) فِي الْحَادِثَةِ (مَا) أَدَّى اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ (إلَيْهِ كَانَ) الْمُجْتَهِدُ (بِظَنِّهِ) لِلْحُكْمِ (يَقْطَعُ بِأَنَّهُ) أَيْ مَظْنُونَهُ (حُكْمُهُ تَعَالَى، وَالْقَطْعُ) ثَابِتٌ (بِأَنَّ الْقَطْعَ) بِأَنَّ مَظْنُونَهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى (مَشْرُوطٌ بِبَقَاءِ ظَنِّهِ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (وَالْإِجْمَاعَ) أَيْضًا ثَابِتٌ (عَلَى جَوَازِ تَغَيُّرِهِ) أَيْ ظَنِّهِ بِظَنِّ غَيْرِهِ. (وَ) عَلَى (وُجُوبِ الرُّجُوعِ) عَنْ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ إلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ (وَأَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ (لَمْ يَزُلْ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَطْعِ) بِهِ بَلْ يَتَأَكَّدُ أَنَّ حُكْمَ الْقَطْعِ بِهِ الْقَطْعُ بِأَنَّ مُتَعَلَّقَهُ هُوَ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ أَيْضًا فَيَكُونُ عَالِمًا بِالشَّيْءِ مَا دَامَ ظَانًّا لَهُ وَلَا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ اجْتِمَاعَ الظَّنِّ، وَالْعِلْمِ فِيهِ إذْ الظَّنُّ يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: انْتِفَاءُ الظَّنِّ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّا نَقْطَعُ بِبَقَاءِ الظَّنِّ (وَإِنْكَارُهُ) أَيْ بَقَاءِ الظَّنِّ (بُهْتٌ) أَيْ مُكَابَرَةٌ (فَيَجْتَمِعُ الْعِلْمُ، وَالظَّنُّ) لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ (فَيَجْتَمِعُ النَّقِيضَانِ تَجْوِيزُ النَّقِيضِ) لِلْحُكْمِ (وَعَدَمِهِ) أَيْ تَجْوِيزُ نَقِيضِهِ (وَإِلْزَامُ كَوْنِهِ) أَيْ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ (مُشْتَرَكَ الْإِلْزَامِ) ، فَإِنَّهُ كَمَا يَلْزَمُ إصَابَةُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ يَلْزَمُ إصَابَةُ وَاحِدٍ وَخَطَأُ الْآخَرِينَ أَيْضًا لِلْعِلْمِ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ صَوَابًا كَانَ، أَوْ خَطَأً يَجِبُ اتِّبَاعُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ مِنْ الْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ، وَالْعِلْمُ بِوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ مَشْرُوطٌ بِبَقَاءِ ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ فَيَكُونُ الْمُجْتَهِدُ عَالِمًا حَالَ كَوْنِهِ ظَانًّا فَيَلْزَمُ الْقَطْعُ وَعَدَمُ الْقَطْعِ وَهُمَا نَقِيضَانِ، وَإِذَا كَانَ مُشْتَرَكَ الْإِلْزَامِ كَانَ الدَّلِيلُ بَاطِلًا إذْ بِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْشَأَ الْفَسَادِ لَيْسَ خُصُوصِيَّةَ أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ (مُنْتَفٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ اتَّحَدَ مُتَعَلَّقُ الظَّنِّ، وَالْعِلْمِ هُنَا لَكِنَّهُ لَمْ يَتَّحِدْ هُنَا (لِاخْتِلَافِ مَحِلِّ الظَّنِّ، وَهُوَ) أَيْ مَحِلُّهُ (حُكْمُهُ أَيْ خِطَابُهُ) تَعَالَى الْمَطْلُوبُ بِالِاجْتِهَادِ (وَ) مَحِلُّ (الْعِلْمِ، وَهُوَ) أَيْ مَحِلُّهُ (حُرْمَةُ مُخَالَفَتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ (بِشَرْطِ بَقَاءِ ظَنِّهِ) لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ الظَّنِّ لَا أَنَّ مَحِلَّهُ الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ بِالِاجْتِهَادِ (فَهُنَا خَطَأٌ بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُوَ الْمَظْنُونُ وَتَحْرِيمُ تَرْكِهِ) أَيْ الْمَظْنُونِ (وَيُلَازِمُهُ) أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعَ (إيجَابُ الْفَتْوَى بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَظْنُونِ (وَهُمَا) أَيْ تَحْرِيمُ تَرْكِهِ وَإِيجَابُ الْفَتْوَى بِهِ (مُتَعَلِّقَةٌ) أَيْ الْحُكْمُ الْمَظْنُونُ (الْمَعْلُومُ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ فَلَمْ يَتَّحِدْ الْمَحِلَّانِ (بِخِلَافِ) قَوْلِ (الْمُصَوِّبَةِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَيْسَ إلَّا مَا تَأَدَّى إلَيْهِ) الِاجْتِهَادُ فَيَكُونُ الْخِطَابُ مُتَعَلَّقُ الْعِلْمِ كَمَا هُوَ مُتَعَلَّقُ الظَّنِّ فَيَتَّحِدُ الْمَحِلَّانِ. (فَإِنْ قَالُوا) أَيْ الْمُصَوِّبَةُ هَذَا الْجَوَابُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ بَيَانُ تَعَدُّدِ مُتَعَلِّقِي الْعِلْمِ، وَالظَّنِّ يَجْرِي فِي دَلِيلِكُمْ؛ لِأَنَّا (نَقُولُ مُتَعَلَّقُ الظَّنِّ كَوْنُهُ) أَيْ الدَّلِيلُ (دَلِيلًا) أَيْ دَالًّا عَلَى الْحُكْمِ (وَ) مُتَعَلَّقُ (الْعِلْمِ ثُبُوتُ مَدْلُولِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ، وَهُوَ الْحُكْمُ (شَرْعًا بِذَلِكَ الشَّرْطِ) أَيْ بَقَاءُ ظَنِّهِ (فَإِذَا زَالَ) ظَنُّهُ (رَجَعَ) عَنْهُ لِزَوَالِ شَرْطِ ثُبُوتِهِ، وَهُوَ ظَنُّ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ كَمَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ مُوجِبِهِ قَدْ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ (أُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَهُ) أَيْ الدَّلِيلِ (دَلِيلًا) أَيْضًا (حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَمَلِيٍّ) أَيْ لَيْسَ بِخِطَابِ تَكْلِيفٍ

بَلْ هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ اعْتِقَادِيٌّ هُوَ كَوْنُ الدَّلِيلِ الَّذِي لَاحَ لِلْمُجْتَهِدِ دَلِيلًا (فَإِذَا ظَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا فَقَدْ (عَلِمَهُ) أَيْ كَوْنَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا إذْ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ دَلِيلًا لَجَازَ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ غَيْرَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الْغَيْرِ لَا بِهِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِظَنِّهِ وَيَكُونُ مُخْطِئًا فِي اعْتِقَادِ أَنَّهُ دَلِيلٌ فَلَا يَكُونُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا إذْ هَذَا مُجْتَهِدٌ، وَقَدْ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَهُوَ اعْتِقَادُ أَنَّهُ دَلِيلٌ (وَيَتِمُّ إلْزَامُهُ) أَيْ دَلِيلِ الْمُصَوِّبَةِ (اجْتِمَاعَ النَّقِيضَيْنِ) ، وَهُوَ الْقَطْعُ بِكَوْنِ الدَّلِيلِ دَلِيلًا وَعَدَمُ الْقَطْعِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُخَطِّئَةِ، فَإِنَّ عَلَى مَذْهَبِهِمْ لَا يُوجِبُ ظَنَّ كَوْنِ الدَّلِيلِ دَلِيلًا الْعِلْمَ بِهِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ فِي ظَنِّ الدَّلِيلِ دَلِيلًا مُخْطِئًا أَيْضًا، وَلَا يَلْزَمُ خِلَافُ الْفَرْضِ هَذَا وَفِي حَاشِيَةِ الْأَبْهَرِيِّ وَهُنَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ مَنَاطَ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ ظَنَّ كَوْنِهِ دَلِيلًا لَا نَفْسَ الدَّلِيلِ فَيَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ مُجَرَّدُ الظَّنِّ بِكَوْنِهِ دَلِيلًا الْعِلْمَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ الْجَزْمُ بِكَوْنِهِ دَلِيلًا، وَتَجْوِيزُ كَوْنِ غَيْرِهِ دَلِيلًا لَا يُوجِبُ الْعَمَلَ بِالْغَيْرِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ الظَّنُّ بِكَوْنِ الْغَيْرِ دَلِيلًا فَالْمَظْنُونُ مَا دَامَ مَظْنُونًا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِذَا صَارَ غَيْرُهُ مَظْنُونًا انْتَفَى الظَّنُّ الْمُتَعَلِّقُ فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ فِي انْدِفَاعِ التَّنَاقُضِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا إصَابَتَهُ فِي الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ لَا فِي كُلِّ حُكْمٍ فَلَا يَتِمُّ الْإِلْزَامُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَالْجَوَابُ) مِنْ قِبَلِ الْمُصَوِّبَةِ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ (أَنَّ اللَّازِمَ) مِنْ ظَنِّ الدَّلِيلِ (ثُبُوتُ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ مَا لَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ) عَنْهُ (وَهُوَ) أَيْ مَا يَثْبُتُ الرُّجُوعُ عَنْهُ (انْفِسَاخُ هَذَا الْحُكْمِ بِظُهُورِ) الْحُكْمِ (الْمَرْجُوعِ) إلَيْهِ (لَا) ظُهُورِ (خَطَئِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ (وَبُطْلَانُهُ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُصَوِّبَةِ (وَتَجْوِيزُ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ) الْأَوَّلِ (بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ لَا يَقْدَحُ فِي الْقَطْعِ بِهِ حَالَ هَذَا التَّجْوِيزِ) لِنَقِيضِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ (فَبَطَلَ الدَّلِيلُ) الْمَذْكُورُ لِلْمُخَطِّئَةِ (عَنْهُمْ) أَيْ الْمُصَوِّبَةِ. (وَبِهَذَا) الْجَوَابِ (يَنْدَفِعُ) عَنْ الْمُصَوِّبَةِ الدَّلِيلُ (الْقَائِمُ) مِنْ الْمُخَطِّئَةِ (لَوْ كَانَ) ظَنُّ الْحُكْمِ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ بِهِ عَلَى مَا هُوَ اللَّازِمُ لِتَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ (امْتَنَعَ الرُّجُوعُ) عَنْ الْحُكْمِ (لِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ الرُّجُوعِ عَنْهُ (ظَنَّ النَّقِيضِ) لِلْحُكْمِ (وَالْعِلْمُ) بِهِ (يَنْفِي احْتِمَالَهُ) لِظَنِّ نَقِيضِهِ (فَلَمْ يَكُنْ الْعِلْمُ حِينَ كَانَ عِلْمًا، أَوْ لَوْ كَانَ) ظَنُّ الْحُكْمِ مُوجِبًا لِعِلْمِهِ (جَازَ ظَنُّهُ) أَيْ النَّقِيضِ (مَعَ تَذَكُّرِ مُوجِبِ الْعِلْمِ) بِالْحُكْمِ الَّذِي نَقِيضُهُ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ مُوجِبُ الْعِلْمِ (الظَّنُّ الْأَوَّلُ) وَجَوَازُ الظَّنِّ مَعَ تَذَكُّرِ مُوجِبِ الْعِلْمِ بَاطِلٌ، بَيَانَ الْمُلَازَمَةِ قَوْلُهُ: (لِجَوَازِ الرُّجُوعِ، أَوْ لَوْ كَانَ) ظَنُّ الْحُكْمِ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ بِهِ (امْتَنَعَ ظَنُّهُ) أَيْ ظَنُّ نَقِيضِهِ (مَعَ تَذَكُّرِ الظَّنِّ) لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ (لِامْتِنَاعِ ظَنِّ نَقِيضِ مَا عَلِمَ مَعَ تَذَكُّرِ الْمُوجِبِ) لِلْعِلْمِ بِهِ لِوُجُودِ دَوَامِ الْعِلْمِ بِدَوَامِ مُلَاحَظَةِ مُوجِبِهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ ظَنُّ نَقِيضِهِ مَعَ تَذَكُّرِ الْمُوجِبِ (لَمْ يَكُنْ) ذَلِكَ الْمُوجِبُ (مُوجِبًا) هَذَا خُلْفٌ (لَكِنَّهُ) أَيْ ظَنَّ نَقِيضِ الْأَوَّلِ (جَائِزٌ بِالرُّجُوعِ) عَنْ الْأَوَّلِ إلَى نَقِيضِهِ ثُمَّ هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ أَدِلَّةً مُسْتَقِلَّةً مِنْ قِبَلِ الْمُخَطِّئَةِ لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُصَوِّبَةِ (وَقَدْ لَا يُكْتَفَى بِدَعْوَى ضَرُورِيَّةِ الْبُهُتِ) لِإِمْكَانِ بَقَاءِ الظَّنِّ (فَتُجْعَلُ) هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ (دَلِيلَ بَقَاءِ الظَّنِّ عِنْدَ الْقَطْعِ بِمُتَعَلَّقِهِ) أَيْ الظَّنِّ (لَا) دَلِيلًا (مُسْتَقِلًّا وَأَلْزَمَ عَلَى الْمُخْتَارِ) ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُخَطِّئَةِ (انْتِفَاءَ كَوْنِ الْمُوجِبِ مُوجِبًا فِي الْأَمَارَةِ) حَيْثُ قَالُوا: لَا يَمْتَنِعُ زَوَالُ ظَنِّ الْحُكْمِ إلَى ظَنِّ نَقِيضِهِ مَعَ تَذَكُّرِ الْأَمَارَةِ الَّتِي عَنْهَا الظَّنُّ مَعَ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُوجِبِ. (وَجَوَابُهُ) أَيْ هَذَا الْإِلْزَامِ (أَنَّ بُطْلَانَهُ) أَيْ كَوْنِ الْمُوجِبِ مُوجِبًا الَّذِي هُوَ التَّالِي إنَّمَا هُوَ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ الْأَمَارَةِ (أَمَّا هِيَ) أَيْ الْأَمَارَةُ (فَإِذَنْ لَا رَبْطَ عَقْلِيٌّ) بَيْنَ الظَّنِّ، وَمَا يَنْشَأُ عَنْهُ حَتَّى يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْمُوجِبِ لَهُ كَمَا فِي الْعِلْمِ الَّذِي لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ مُوجِبٍ (جَازَ انْتِفَاءُ مُوجِبِهَا مَعَ تَذَكُّرِهَا) كَمَا يَزُولُ ظَنُّ نُزُولِ الْمَطَرِ مِنْ الْغَيْمِ الرَّطْبِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لَهُ إلَى عَدَمِ نُزُولِهِ مَعَ وُجُودِهِ بَلْ رُبَّمَا يَحْصُلُ الظَّنُّ بِشَيْءٍ ثُمَّ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِنَقِيضِهِ كَمَا إذَا ظَنَّ شَخْصٌ كَوْنَ زَيْدٍ فِي الدَّارِ لِأَمَارَاتٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ ثُمَّ رَآهُ خَارِجَ الدَّارِ، وَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لِلْمُخَطِّئَةِ مَا تَقَدَّمَ دَلِيلًا لَهُمْ مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ حَقٌّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هُوَ الدَّلِيلَ (بَلْ الدَّلِيلُ إطْلَاقُ) الصَّحَابَةِ (الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ شَائِعًا مُتَكَرِّرًا بِلَا نَكِيرٍ كَعَلِيٍّ

وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مُخَطِّئَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَرْكِ الْعَوْلِ، وَهُوَ) أَيْ ابْنُ عَبَّاسٍ (خَطَّأَهُمْ) فِي الْقَوْلِ بِهِ (فَقَالَ مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ) أَيْ لَاعَنْتُهُ، وَالْحَقِيقَةُ التَّضَرُّعُ فِي الدُّعَاءِ بِاللَّعْنِ (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ فِي مَالٍ وَاحِدٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا) لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى إنْكَارِ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ صَرِيحًا وَقَدَّمْنَا فِي الْإِجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةِ إذَا أَفْتَى بَعْضُهُمْ تَخْرِيجَ تَخْطِئَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنًى لِلْقَائِلِينَ بِنَحْوِ هَذَا السِّيَاقِ بِدُونِ مَنْ شَاءَ بَاهَلْته (وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي الْكَلَالَةِ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي) فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ (إلَى قَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي، وَمِنْ الشَّيْطَانِ) أَرَاهُ مَا خَلَا الْوَلَدَ، وَالْوَالِدَ فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ قَالَ: إنِّي لِأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَأَيْت فِي الْكَلَالَةِ رَأْيًا، فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنْ قِبَلِي وَالشَّيْطَانِ، الْكَلَالَةُ مَا عَدَا الْوَالِدَ، وَالْوَلَدَ. (وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُفَوِّضَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا) زَوْجُهَا (أَجْتَهِدُ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا وَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ (وَعَنْهُ) أَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ (مِثْلُ) قَوْلِ (أَبِي بَكْرٍ) الْمَاضِي فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْهُ، فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي، وَمِنْ الشَّيْطَانِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْأَثَرُ بِدُونِ هَذَا فِي الْكَلَامِ فِي جَهَالَةِ الرَّاوِي (وَقَوْلُ عَلِيٍّ لِعُمَرَ فِي الْمُجْهِضَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَسْقَطَتْ جَنِينًا مَيِّتًا خَوْفًا مِنْ عُمَرَ لَمَّا اسْتَحْضَرَهَا وَسَأَلَ عُمَرُ مَنْ حَضَرَهُ عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ فَقَالَ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إنَّمَا أَنْتَ مُؤَدِّبٌ لَا نَرَى عَلَيْك شَيْئًا ثُمَّ سَأَلَ عَلِيًّا: مَاذَا تَقُولُ فَقَالَ: (إنْ كَانَا قَدْ اجْتَهَدَا فَقَدْ أَخْطَآ يَعْنِي عُثْمَانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ) ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَهِدَا فَقَدْ غَشَّاكَ كَذَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ وَعَنْ عَلِيٍّ فِي قِصَّةِ الْمُجْهِضَةِ إنْ كَانَ قَدْ اجْتَهَدَ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدْ غَشَّك انْتَهَى، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ فَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ الْأَجْنَادِ يَغْشَاهَا الرِّجَالُ بِاللَّيْلِ يَدْعُوهَا وَكَانَتْ تَرْقَى فِي دَرَجٍ فَفَزِعَتْ فَأَلْقَتْ حَمْلَهَا فَاسْتَشَارَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ فِيهَا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إنَّك مُؤَدِّبٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْك قَالَ عَلِيٌّ: إنْ اجْتَهَدَ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدْ غَشَّك عَلَيْك الدِّيَةُ فَقَالَ عُمَرُ لِعَلِيٍّ: عَزَمْت عَلَيْك لَتَقْسِمَنَّهَا عَلَى قَوْمِك قِيلَ أَرَادَ قَوْمَ عُمَرَ وَأَضَافَهُمْ إلَى عَلِيٍّ إكْرَامًا، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي إنْ كَانَ وَمَا بَعْدَهُ فِي الْعَضُدِيِّ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا لِعُثْمَانَ كَمَا ذَكَرَ الْكَرْمَانِيُّ ثُمَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِأَصْحَابِنَا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا عَلَى أُصُولِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الْحَسَنَ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ الْإِجْهَاضُ إلْقَاءُ الْوَلَدِ قَبْلَ تَمَامِهِ، وَالْمَعْرُوفُ تَخْصِيصُهُ بِالْإِبِلِ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ. (وَاسْتُدِلَّ) لِلْمُخْتَارِ بِأَوْجُهٍ ضَعِيفَةٍ أَحَدُهَا إنْ كَانَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْمُجْتَهِدَيْنِ، أَوْ كِلَاهُمَا بِلَا دَلِيلٍ فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدِّينِ بِلَا دَلِيلٍ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا بِدَلِيلٍ فَالْجَوَابُ (إنْ تَسَاوَى دَلِيلَاهُمَا تَسَاقَطَا) وَكَانَ الْحُكْمُ الْوَقْفَ، أَوْ التَّخْيِيرَ فَكَانَا فِي النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ مُخْطِئَيْنِ (وَإِلَّا) إنْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا (تَعَيَّنَ الرَّاجِحُ) لِلصِّحَّةِ وَيَكُونُ الْآخَرُ خَطَأً إذْ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْمَرْجُوحِ (وَأُجِيبَ أَنَّ ذَلِكَ) التَّقْسِيمَ إنَّمَا هُوَ (بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنَّ الْأَمَارَاتِ تُرَجِّحُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ) إذْ لَيْسَتْ أَدِلَّةً فِي نَفْسِهَا بَلْ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَظَرِ النَّاظِرِ، فَإِنَّهَا أُمُورٌ إضَافِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ (فَكُلٌّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ (رَاجِحٌ عِنْدَ قَائِلِهِ وَصَوَابٌ) لِرُجْحَانِ أَمَارَتِهِ عِنْدَهُ، وَرُجْحَانُهُ عِنْدَهُ هُوَ رُجْحَانُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ ثَانِيهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَبِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ طَالِبٌ) لِمَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ فِي الْوَاقِعَةِ (وَيَسْتَحِيلُ) طَالِبٌ (بِلَا مَطْلُوبٍ) فَإِذَنْ لَهُ مَطْلُوبٌ (فَمَنْ أَخْطَأَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ فَهُوَ (الْمُخْطِئُ) ، وَمِنْ وَجَدَهُ فَهُوَ الْمُصِيبُ (أُجِيبَ نَعَمْ) يَسْتَحِيلُ طَالِبٌ وَلَا مَطْلُوبَ (فَهُوَ) أَيْ الْمَطْلُوبُ (غَلَبَةُ ظَنِّهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (فَيَتَعَدَّدُ الصَّوَابُ) لِتَعَدُّدِ الْغَالِبِ عَلَى الظُّنُونِ لِلْمُجْتَهِدِينَ ثَالِثُهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى شَرْعِ الْمُنَاظَرَةِ) بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ (وَفَائِدَتُهَا ظُهُورُ الصَّوَابِ) عَنْ الْخَطَإِ وَتَصْوِيبُ الْجَمِيعِ يَنْفِي ذَلِكَ (وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْحَصْرِ) أَيْ حَصْرِ فَائِدَةِ الْمُنَاظَرَةِ فِي ذَلِكَ (لِجَوَازِهَا) أَيْ فَائِدَتِهَا أَنْ تَكُونَ (تَرْجِيحًا) أَيْ بَيَانُ تَرْجِيحِ إحْدَى الْأَمَارَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى

فَتُعْتَمَدُ الرَّاجِحَةُ، أَوْ تَسَاوِيهِمَا فَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَاهُ مِنْ وَقْفٍ، أَوْ غَيْرِهِ (وَتَمْرِينًا) لِلنَّفْسِ عَلَى الْمُنَاظَرَةِ فَتَحْصُلُ مَلَكَةُ الْوُقُوفِ عَلَى الْمَأْخَذِ وَرَدِّ الشُّبَهِ وَتَشْحِيذُ الْخَاطِرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَوْنًا عَلَى الِاجْتِهَادِ (وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ) أَيْ تَمْرِينًا، فَإِنَّ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ شَرْعَ الْمُنَاظَرَةِ لَيْسَ لِهَذَا فَفِي مَا قَبْلَهُ كِفَايَةٌ رَابِعُهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ. (وَبِلُزُومِ) الْمُحَالِ كَحِلِّ الشَّيْءِ وَتَحْرِيمِهِ مَعًا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصْوِيبِ مِثْلُ (حِلِّ الْمُجْتَهِدَةِ كَالْحَنَفِيَّةِ وَحُرْمَتِهَا لَوْ قَالَ بَعْلُهَا الْمُجْتَهِدُ كَالشَّافِعِيَّةِ: أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ: رَاجَعْتُك) إذْ هِيَ بِالنَّظَرِ إلَى مُعْتَقَدِهِ حِلٌّ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَاتِ عِنْدَهُ لَيْسَتْ بَوَائِنَ فَتَجُوزُ الرَّجْعَةُ وَبِالنَّظَرِ إلَى مُعْتَقَدِهَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكِنَايَةَ عِنْدَهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فَلَا تَجُوزُ الرَّجْعَةُ (وَحِلُّهَا لِاثْنَيْنِ لَوْ تَزَوَّجَهَا مُجْتَهِدٌ بِلَا وَلِيٍّ) لِكَوْنِهِ يَرَى صِحَّتَهُ (ثُمَّ مِثْلُهُ) أَيْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا مُجْتَهِدٌ (بِهِ) أَيْ بِوَلِيٍّ لِكَوْنِهِ لَا يَرَى صِحَّةَ الْأَوَّلِ (وَأُجِيبَ) بِأَنَّ هَذَا (مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ) إذْ يُرَدُّ عَلَى الْمُخَطِّئَةِ (إذْ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِ ظَنِّهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (فَيَجْتَمِعُ النَّقِيضَانِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِحِلِّهَا لَهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ كَالشَّافِعِيِّ لِكَوْنِ مَظْنُونِهِ جَوَازَ الرَّجْعَةِ. (وَوُجُوبُهُ) أَيْ الْعَمَلِ (بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ) لِكَوْنِ مَظْنُونِهَا عَدَمَ جَوَازِ الرَّجْعَةِ (وَكَذَا وُجُوبُ الْعَمَلِ بِحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ وَوُجُوبِهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِحِلِّهَا (لِلثَّانِي) فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوُجُوبَانِ مُتَنَاقِضَيْنِ لِتَنَاقُضِ مُتَعَلِّقِيهِمَا) نَظَرًا إلَى نَفْسَيْهِمَا، فَإِنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ (اسْتَلْزَمَ اجْتِمَاعَ مُتَعَلِّقَيْهِ) أَيْ الْوُجُوبِ وَاجْتِمَاعَ (الْمُتَنَاقِضَيْنِ) ، فَإِنَّ حِلَّهَا لِأَحَدِهِمَا يُنَاقِضُ حِلَّهَا لِلْآخَرِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ (فَإِنْ أَجَبْتُمْ) أَيُّهَا الْمُخَطِّئَةُ بِأَنَّهُ (لَا يَمْتَنِعُ) اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ (بِالنِّسْبَةِ إلَى مُجْتَهِدَيْنِ فَكَذَلِكَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ) ، وَهُوَ كَوْنُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا لَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ فِيهِ مِثْلُ الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ (نَعَمْ يَسْتَلْزِمُ مِثْلُهُ مَفْسَدَةَ الْمُنَازَعَةِ) إذْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا فِي الْأُولَى أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجِ طَلَبُ التَّمْكِينِ مِنْهَا وَلِلزَّوْجَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ طَلَبُ التَّمْكِينِ، وَهُوَ مُحَالٌ. (وَقَدْ يُفْضِي إلَى التَّقَاتُلِ فَيَلْزَمُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا حِينَئِذٍ (رَفْعُهُ إلَى قَاضٍ يَحْكُمُ بِرَأْيِهِ فَيُلْزِمُ) حُكْمَهُ (الْآخَرَ وَإِذَنْ فَالْجَوَابُ الْحَقُّ أَنَّ مِثْلَهُ مَخْصُوصٌ مِنْ تَعَلُّقِ الْحُكْمَيْنِ) فَلَا يَتَعَلَّقَانِ فِي مِثْلِ هَذَا (بَلْ الثَّابِتُ حُرْمَتُهَا إلَى غَايَةِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْمَفْسَدَةِ يَمْنَعُ شَرْعَ ذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمَيْنِ مَعَ إيجَابِ الِارْتِفَاعِ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَفْسَدَةَ قَدْ تَقَعُ قَبْلَ الِارْتِفَاعِ إلَيْهِ بِأَنْ أَتَاهَا أَيْ الْمُجَوِّزُ قَبْلَ الِارْتِفَاعِ لِشِدَّةِ حَاجَةٍ لَهُ إلَيْهَا، أَوْ أَتَاهَا كُلٌّ مِنْهُمَا قَبْلَهُ، وَذَلِكَ قَرِيبٌ فِي الْعَادَةِ فَتَقَعُ مَفْسَدَةُ الْمُنَازَعَةِ، وَالتَّقَاتُلِ فَوَجَبَ أَنَّ مِثْلَهُ، وَهُوَ مَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ إذَا وُجِدَ حُكْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ حُرْمَتُهَا إلَى أَنْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَبِمَا وَضَّحْنَاهُ) مِنْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَخْصُوصٌ مِنْ تَعَلُّقِ الْحُكْمَيْنِ وَأَنَّ الثَّابِتَ حُرْمَتُهَا إلَى غَايَةِ الْحُكْمِ (انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ لِرَفْعِ النِّزَاعِ إذَا تَنَازَعَا فِي التَّمْكِينِ، وَالْمَنْعِ لَا لِرَفْعِ تَعَلُّقِ الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ بِوَاحِدٍ) ، فَإِنَّهُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَرْتَفِعْ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ عَلَى تَقْدِيرِ تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ ذَكَرَهُ الْخَنْجِيُّ (وَقَرَّرَهُ مُحَقِّقٌ) أَيْ سَكَتَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ التَّفْتَازَانِيُّ (وَهُوَ) أَيْ الْمُورَدُ (بَعْدَ انْدِفَاعِهِ بِمَا ذَكَرْنَا) الْآنَ مِنْ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْ تَعَلُّقِ الْحُكْمَيْنِ فَلَيْسَ الثَّابِتُ إلَّا حُرْمَتَهَا إلَى غَايَةِ الْحُكْمِ الرَّافِعِ لِلْخِلَافِ (غَيْرُ صَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ رَفْعِ تَعَلُّقِ الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ بِالْقَضَاءِ مَعَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ (صَوَابًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ رَفْعَهُ بِالْقَضَاءِ (نَسْخٌ مِنْهُ تَعَالَى) لِأَحَدِهِمَا (عِنْدَ حُكْمِ الْقَاضِي) بِالْمُوَافِقِ لِلْآخَرِ (كَالرُّجُوعِ) عَنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُصَوِّبَةِ، وَحَوْلَ هَذَا حَامَ الْأَبْهَرِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: بَلْ حُكْمُ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ تَعَلُّقَ الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ ظَنَّ الْمُجْتَهِدِ إنَّمَا يُفِيدُ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِهِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ مُعَارِضٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ الْعَمَلَ بِهِ (قَالُوا) أَيْ الْمُصَوِّبَةُ (لَوْ كَانَ الْمُصِيبُ وَاحِدًا وَجَبَ النَّقِيضَانِ عَلَى الْمُخْطِئِ إنْ وَجَبَ حُكْمُ نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ) أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُخْطِئَ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَةُ ظَنِّهِ إجْمَاعًا، وَهُوَ مُحَالٌ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (الْعَمَلُ بِالْخَطَأِ) الَّذِي هُوَ مَظْنُونُهُ (وَحَرُمَ) عَلَيْهِ الْعَمَلُ (بِالصَّوَابِ) الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالْخَطَأِ وَتَحْرِيمُهُ بِالصَّوَابِ (مُحَالٌ

أُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ حُكْمِ نَفْسِ الْأَمْرِ وَوُجُوبُ مَظْنُونِهِ (وَمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي) أَيْ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْخَطَأِ (لِلْقَطْعِ بِهِ) أَيْ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْخَطَأِ فِيمَا لَوْ خَفِيَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ (قَاطِعٌ) مِنْ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ فَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى مُخَالَفَتِهِ (حَيْثُ تَجِبُ مُخَالَفَتُهُ) لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ الظَّنِّ (وَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ) أَيْ خِلَافَ الْقَاطِعِ (خَطَأٌ إذْ الْخِلَافُ) فِي أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أَوْ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ إنَّمَا هُوَ (فِيمَا لَا قَاطِعَ) فِيهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الِاجْتِهَادِيَّةِ (أَمَّا مَا فِيهِ) دَلِيلٌ قَاطِعٌ (فَالِاجْتِهَادُ عَلَى خِلَافِهِ) أَيْ الْقَاطِعِ (خَطَأٌ اتِّفَاقًا) ثُمَّ إنْ كَانَ قَدْ قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ فَهُوَ آثِمٌ أَيْضًا لِتَقْصِيرِهِ فِيمَا كُلِّفَ بِهِ مِنْ الطَّلَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ بَلْ إنَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَيْهِ لِبُعْدِ الرَّاوِي عَنْهُ، أَوْ لِإِخْفَائِهِ مِنْهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ (قَالُوا) ثَانِيًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» ) فَجَعَلَ الِاقْتِدَاءَ بِكُلٍّ مِنْهُمْ هُدًى مَعَ اخْتِلَافِهِمْ (فَلَا خَطَأَ) فِي اجْتِهَادِهِ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ مُخْطِئًا فِي اجْتِهَادِهِ (ثَبَتَ الْهُدَى فِي الْخَطَإِ، وَهُوَ) أَيْ الْخَطَأُ (ضَلَالٌ) لَا هُدَى؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِغَيْرِ حُكْمٍ عَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْخَطَأَ (هُدًى مِنْ وَجْهٍ) ، وَهُوَ كَوْنُهُ مِمَّا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ لِإِيجَابِ الشَّارِعِ الْعَمَلَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا، أَوْ مُقَلِّدًا (فَيَتَنَاوَلُهُ) الِاهْتِدَاءُ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِيهِ مُتَابَعَةُ مَا يُوصِلُ إلَى الصَّوَابِ، وَالْعَمَلُ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَهُ طُرُقٌ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى مَا قَالُوا، وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْقَوْلَ فِيهِ فِي مَسْأَلَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ تَكْمِيلٌ ثُمَّ وَجْهُ الْقَائِلِينَ بِاسْتِوَاءِ الْحُقُوقِ أَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى تَعَدُّدِهَا، وَهُوَ تَكْلِيفُ الْكُلِّ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ لَمْ يُوجِبْ التَّفَاوُتَ بَيْنَهَا فَتَرْجِيحُ بَعْضِهَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَوَجْهُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا أَحَقُّ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْأَشْبَهِ أَنَّ اسْتِوَاءَهَا يَقْطَعُ تَكْلِيفَ الْمُجْتَهِدِ بِبَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْحُكْمِ فِي الْوَاقِعِ لِتَحَقُّقِ إصَابَةِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مَا هُوَ الْحَقُّ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ ظَنُّهُ بِأَدْنَى نَظَرٍ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ حَيْثُ كَانَ حَقًّا عِنْدَ اللَّهِ عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَكُنْ فِي إتْعَابِ النَّفْسِ وَأَعْمَالِ الْفِكْرِ فِي الطَّلَبِ فَائِدَةٌ بَلْ يَخْتَارُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مِنْ غَيْرِ امْتِحَانٍ كَالْمُصَلِّي فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَخْتَارُ أَيَّ جِهَةٍ شَاءَ مِنْ غَيْرِ بَذْلِ الْمَجْهُودِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ دَرَجَةِ الْعُلَمَاءِ، وَالِاجْتِهَادِ، وَالنَّظَرِ فِي الْمَآخِذِ، وَالْمَدَارِكِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّظَرِ إظْهَارُ الصَّوَابِ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَدَعْوَةُ الْمُخَالِفِ إلَيْهِ عِنْدَ ظُهُورِهِ بِالدَّلِيلِ وَإِذَا كَانَ الْكُلُّ عَلَى السَّوَاءِ فِي الْحَقِّيَّةِ لَمْ يَتَّجِهْ هَذَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا مُنَاظَرَةَ فِي أَصْنَافِ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ وَلَا بَيْنَ الْمُسَافِرِ، وَالْمُقِيمِ فِي أَعْدَادِ رَكَعَاتِ صَلَاتِهِمَا لِثُبُوتِ الْحَقِّيَّةِ عَلَى السَّوَاءِ فَيَلْزَمُ اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا مِنْ قِبَلِ الْأَوَّلِينَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا أَنْ لَوْ كَانَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ كُلٌّ حَقًّا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْحُكْمُ بِحَقِّيَّةِ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ كُلِّ تَابِعٍ لِاجْتِهَادِهِ وَقَبْلَ الِاجْتِهَادِ لَا يُمْكِنُ إصَابَةُ الْحَقِّ بِمُجَرَّدِ الِاخْتِيَارِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الِاخْتِيَارِ وَبَعْدَ مَا اجْتَهَدَ وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى شَيْءٍ مَعَ سَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاخْتِيَارُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ فِي حَقِّهِ دُونَ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ غَيْرِهِ فَلَمْ تَسْقُطْ دَرَجَةُ الْعُلَمَاءِ، وَالِاجْتِهَادِ وَلَا النَّظَرِ فِي الْمَآخِذِ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِيمَا ذَكَرَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (تَتِمَّةٌ مِنْ الْمُخَطِّئَةِ الْحَنَفِيَّةُ) فَقَدْ (قَسَمُوا الْخَطَأَ) بِالْمَعْنَى الْمُشَارِ إلَيْهِ يَعْنِي ضِدَّ الصَّوَابِ (وَهُوَ) أَيْ الْخَطَأُ بِهَذَا الْمَعْنَى (الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ) وَتَقَدَّمَ فِي مَبَاحِثِ النَّظَرِ تَعْرِيفُهُ. وَالْكَلَامُ فِيهِ (إلَى ثَلَاثَةٍ) مِنْ الْأَقْسَامِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَوَّلًا أَنَّ الْخَطَأَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَثَانِيًا أَنَّهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِتَخْصِيصِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ بِالْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ وَلَا يَظْهَرُ انْطِبَاقُهُ عَلَى جَمِيعِهَا وَخُصُوصًا الْقِسْمَ الثَّالِثَ كَمَا سَيَظْهَرُ. نَعَمْ قَسَمُوا الْجَهْلَ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَيَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْبَسِيطِ، وَالْمُرَكَّبِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي مَبَاحِثِ النَّظَرِ حَيْثُ قَالَ فِي بَحْثِ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسِبَةِ فَمِنْ الْأُولَى أَيْ الَّتِي تَكُونُ مِنْ الْمُكَلَّفِ الْجَهْلُ، وَهُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ، فَإِنْ قَارَنَ اعْتِقَادَ النَّقِيضِ فَهُوَ مُرَكَّبٌ

وَهُوَ الْمُرَادُ بِالشُّعُورِ بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ وَإِلَّا فَبَسِيطٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الشُّعُورِ، وَأَقْسَامُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَقَامِ أَرْبَعَةٌ جَهْلٌ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا وَلَا شُبْهَةً فَهُوَ فِي الْغَايَةِ، وَجَهْلٌ هُوَ دُونَهُ وَجَهْلٌ يَصْلُحُ شُبْهَةً وَجَهْلٌ يَصْلُحُ عُذْرًا غَيْرَ أَنَّ تَرْبِيعَ الْأَقْسَامِ لَهُ بِنَاءً عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ مُوَافِقَةٌ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا تَثْلِيثُهَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَمُوَافِقَةٌ لِصَاحِبِ الْمَنَارِ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ الْقِسْمُ (الْأَوَّلُ جَهْلٌ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا وَلَا شُبْهَةً، وَهُوَ أَرْبَعَةُ) أَقْسَامٍ (جَهْلُ الْكَافِرِ بِالذَّاتِ) أَيْ ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ تَعَالَى (وَالصِّفَاتِ) أَيْ وَبِصِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ مِنْ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَغَيْرِهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْكَافِرَ (مُكَابِرٌ) أَيْ مُتَرَفِّعٌ عَنْ الِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ وَاتِّبَاعِ الْحُجَّةِ إنْكَارًا بِاللِّسَانِ وَإِبَاءً بِالْقَلْبِ (لِوُضُوحِ دَلِيلِهِ) أَيْ وُجُودِ وَاجِبِ الْوُجُودِ بِمَا لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ (حِسًّا مِنْ الْحَوَادِثِ الْمُحِيطَةِ بِهِ) أَيْ بِالْكَافِرِ أَنْفُسًا وَآفَاقًا (وَعَقْلًا إذْ لَا يَخْلُو الْجِسْمُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْحَوَادِثِ مِنْ الْأَعْرَاضِ وَغَيْرِهَا (وَمَا لَا يَخْلُو عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْحَوَادِثِ (حَادِثٌ بِالضَّرُورَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُوجِدٍ إذْ لَمْ يَكُنْ الْوُجُودُ مُقْتَضَى ذَاتِهِ وَيَسْتَلْزِمُ) الْحُكْمُ بِوُجُودِ ذَاتِهِ (الْحُكْمَ بِصِفَاتِهِ) الْعُلَى بِالضَّرُورَةِ (كَمَا عُرِفَ) فِي فَنِّ الْكَلَامِ. (وَكَذَا مُنْكِرُ الرِّسَالَةِ) مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَلَا سِيَّمَا لِخَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، وَالتَّسْلِيمِ إلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُهَا فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْكِتَابِ (بَعْدَ ثُبُوتِ الْمُعْجِزَةِ) وَهِيَ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى خَارِقٌ لِلْعَادَةِ عَلَى وَفْقِ دَعْوَى مُدَّعِي الرِّسَالَةِ مُقِرُّونَ بِهَا مَعَ عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ مِنْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ أَيْ بِأَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ الْخَارِقِ وَلَا سِيَّمَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، فَإِنَّهُ الْمُعْجِزَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ عَلَى مَمَرِّ السِّنِينَ (وَ) ثُبُوتُ (تَوَاتُرِ مَا يُوجِبُ النُّبُوَّةَ) لِمُدَّعِيهَا مِنْ أَهْلِيهَا بِالْإِتْيَانِ بِمَا يُصَدِّقُهُ فِي ذَلِكَ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى تَعْرِيفِهَا فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْكِتَابِ أَيْضًا لِكَوْنِهَا ظَاهِرَةً مَحْسُوسَةً فِي زَمَانِهِ وَمَنْقُولَةً بِالتَّوَاتُرِ فِيمَا بَعْدَهُ حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْسُوسِ وَخُصُوصًا ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَلِذَا) أَيْ فَلِكَوْنِ مُنْكِرِهَا كَافِرًا مُكَابِرًا (لَا تَلْزَمُ مُنَاظَرَتُهُ) لِانْتِفَاءِ ثَمَرَتِهَا حِينَئِذٍ ثُمَّ لِانْتِفَاءِ الْعُذْرِ فِي حَقِّ الْمُصِرِّ عَلَى الْكُفْرِ وَخُصُوصًا بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَبْقَ الْمُرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا صَارَ إلَيْهِ (بَلْ إنْ لَمْ يَتُبْ الْمُرْتَدُّ) بِأَنْ أَصَرَّ عَلَى مَا صَارَ إلَيْهِ (قَتَلْنَاهُ) وَخُصُوصًا إنْ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ. وَفِي التَّلْوِيحِ، فَإِنْ قُلْت: الْكَافِرُ الْمُكَابِرُ قَدْ يَعْرِفُ الْحَقَّ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُهُ تَمَرُّدًا وَاسْتِكْبَارًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ جَهْلًا قُلْت: مِنْ الْكُفَّارِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ وَمُكَابَرَتُهُ تَرْكُ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ، وَالتَّأَمُّلِ فِي الْآيَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَيُنْكِرُهُ مُكَابَرَةً وَعِنَادًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146] الْآيَةَ وَمَعْنَى الْجَهْلِ فِيهِمْ عَدَمُ التَّصْدِيقِ الْمُفَسَّرِ بِالْإِذْعَانِ، وَالْقَبُولِ انْتَهَى، وَهَذَا يُفِيدُ أَيْضًا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مَوْرِدَ التَّقْسِيمِ مُطْلَقُ الْجَهْلِ الشَّامِلِ لِلْبَسِيطِ، وَالْمُرَكَّبِ وَأَنَّ مِنْ أَقْسَامِهِ مَا يَكُونُ جَهْلًا بَسِيطًا، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ جَهْلًا مُرَكَّبًا (وَكَذَا) الْكَافِرُ مُكَابِرٌ (فِي حُكْمٍ لَا يَقْبَلُ التَّبَدُّلَ) عَقْلًا وَلَا شَرْعًا (كَعِبَادَةِ غَيْرِهِ تَعَالَى) لِوُضُوحِ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالنَّقْلِيَّةِ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِاسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ فَلَا يَكُونُ لِكُفْرِهِ حُكْمُ الصِّحَّةِ أَصْلًا. (وَأَمَّا تَدَيُّنُهُ) أَيْ اعْتِقَادُ الْكَافِرِ (فِي) حُكْمِ (غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا لَا يَقْبَلُ التَّبَدُّلَ، وَهُوَ مَا يَقْبَلُهُ كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ حَالَ كَوْنِهِ (ذِمِّيًّا فَالِاتِّفَاقُ عَلَى اعْتِبَارِهِ) أَيْ تَدَيُّنِهِ (دَافِعًا لِلتَّعَرُّضِ) لَهُ حَتَّى لَوْ بَاشَرَ مَا دَانَ بِهِ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ (فَلَا يُحَدُّ لِشُرْبِ الْخَمْرِ إجْمَاعًا) لِتَدَيُّنِهِ لَهُ (ثُمَّ لَمْ يُضَمِّنُ الشَّافِعِيُّ مُتْلِفَهَا) أَيْ خَمْرَةً مِثْلَهَا إنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَلَا قِيمَتَهَا إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَلَا إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْنَامِ وَمَا حَرُمَ بَيْعُهُ لَا لِحُرْمَتِهِ لَمْ تَجِبْ قِيمَتُهُ كَالْمَيِّتَةِ حَتْفَ أَنْفِهَا وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَإِتْلَافُ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ وَعَقْدُ الذِّمَّةِ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَكُلُّ حُكْمٍ يَثْبُتُ بِهِ يَثْبُتُ بِعَقْدِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُ خِطَابَ التَّحْرِيمِ يَتَنَاوَلُ الْكَافِرَ الذِّمِّيَّ كَالْمُسْلِمِ، وَقَدْ بَلَغَهُ ذَلِكَ بِإِشَاعَةِ الْخِطَابِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْكَارُهُ تَعَنُّتٌ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِأَنْ لَا يُتَعَرَّضَ لَهُ بِعَقْدِ

الذِّمَّةِ فَكُلُّ مَا يَرْجِعُ إلَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى التَّعَرُّضِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ (وَضَمَّنُوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ مُتْلِفَهَا مِثْلَهَا إنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَقِيمَتَهَا إنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ (لَا لِلتَّعَدِّي) لِدِيَانَةِ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ حِلَّهَا (بَلْ لِبَقَاءِ التَّقَوُّمِ) لَهَا (فِي حَقِّهِمْ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَفْلَةَ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ عُمَّالَهُ يَأْخُذُونَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْخَمْرِ فَنَاشَدَهُمْ ثَلَاثًا فَقَالَ لَهُ بِلَالٌ: إنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا زَادَ أَبُو عُبَيْدٍ وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنْ الثَّمَنِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ بِلَفْظِ وَلَّوْا أَرْبَابَهَا بَيْعَهَا ثُمَّ خُذُوا الثَّمَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّ الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ كَإِتْلَافِهِ الشَّيْءَ الْمُتَّفَقَ عَلَى مَالِيَّتِهِ وَتَقَوُّمِهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتَةِ حَتْفَ أَنْفِهَا، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ لَا يَدِينُ تَمَوُّلَهَا (وَلِأَنَّ الدَّفْعَ عَنْ النَّفْسِ، وَالْمَالِ بِذَلِكَ) أَيْ بِالتَّضْمِينِ؛ لِأَنَّ الْمُتْلِفَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا أَتْلَفَ لَا يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ أَقْدَمَ عَلَى الْإِتْلَافِ، وَالدَّفْعُ وَاجِبٌ (فَهُوَ) أَيْ التَّضْمِينُ (مِنْ ضَرُورَتِهِ) أَيْ الدَّفْعِ ثُمَّ إذَا وَجَبَ الضَّمَانُ وَهِيَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ فَعَلَى الْمُتْلِفِ الذِّمِّيِّ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ تَمَلُّكِهَا وَتَمْلِيكِهَا وَعَلَى الْمُسْلِمِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَمْلِيكِهَا، وَالْقِيمَةُ غَيْرُهَا. (ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنَعَ) التَّدَيُّنُ (تَنَاوُلَ الْخِطَابِ إيَّاهُمْ) فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا (مَكْرًا بِهِمْ) ، وَهُوَ الْأَخْذُ عَلَى غِرَّةٍ (وَاسْتِدْرَاجًا لَهُمْ) ، وَهُوَ تَقْرِيبُ اللَّهِ تَعَالَى الْعَبْدَ إلَى الْعُقُوبَةِ بِالتَّدْرِيجِ عَلَى وَجْهٍ لَا شُعُورَ لِلْعَبْدِ بِهِ كَالطَّبِيبِ يَتْرُكُ مُدَاوَاةَ الْمَرِيضِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّخْلِيطِ عِنْدَ يَأْسِهِ مِنْ الْبُرْءِ لَا تَخْفِيفًا عَلَيْهِ (فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ كَخِطَابٍ لَمْ يَشْتَهِرْ فَلَوْ نَكَحَ مَجُوسِيٌّ بِنْتَه، أَوْ أُخْتَهُ صَحَّ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَلَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا لَا إنْ تَرَافَعَا إلَيْنَا) لِانْقِيَادِهِمَا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ حِينَئِذٍ فَيَثْبُتُ حُكْمُ الْخِطَابِ فِي حَقِّهِمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة: 42] (لَا) إنْ دَفَعَ (أَحَدُهُمَا) صَاحِبَهُ إلَيْنَا (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (فِي) نِكَاحِ (الْمَحَارِمِ) ؛ لِأَنَّهُمَا، وَإِنْ وَافَقَا أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ مَا لِإِبَاحَتِهِ أَصْلٌ قَبْلَ شَرِيعَتِنَا يَبْقَى عَلَيْهِ فِي حَقِّهِمْ لِقِصَرِ الدَّلِيلِ عَنْهُمْ فِيهِ بِاعْتِبَارِ دِيَانَتِهِمْ وَذَلِكَ كَالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ فَقَالَا: يُقَوَّمَانِ فِي حَقِّهِمْ لِإِبَاحَتِهِمَا قَبْلَ شَرِيعَتِنَا فَيَبْقَيَانِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَالتَّقَوُّمِ، وَالضَّمَانِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُمَا يُخَالِفَانِهِ فِيمَا لَيْسَ لِإِبَاحَتِهِ أَصْلٌ قَبْلَ شَرِيعَتِنَا فَقَالَا: لَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا، وَنِكَاحُ الْمَحَارِمِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ جَوَازَ نِكَاحِهِنَّ (لَمْ يَكُنْ حُكْمًا ثَابِتًا) قَبْلَ الْإِسْلَامِ (لِيَبْقَى) النِّكَاحُ عَلَيْهِ (لِقِصَرِ الدَّلِيلِ) عَنْهُمْ بِالدِّيَانَةِ بَلْ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ بَاطِلًا، وَإِنَّمَا تَرَكْنَا التَّعَرُّضَ لَهُمْ لِتَدَيُّنِهِمْ ذَلِكَ وَفَاءً بِالذِّمَّةِ (وَفِي مُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا) صَاحِبَهُ إلَيْنَا أَيْضًا فَقَالَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الزَّوَالُ الْمَانِعُ مِنْ التَّفْرِيقِ بِانْقِيَادِ أَحَدِهِمَا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ قِيَاسًا عَلَى إسْلَامِهِ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَتَوَارَثُونَ بِهَذِهِ الْأَنْكِحَةِ إجْمَاعًا، وَلَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَتَوَارَثُوا بِهَا. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْأَمْرِ بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَإِذَا كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُمْ يَدِينُونَ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ فَيَكُونُ صَحِيحًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَشْرُوعًا فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ إذْ كَانَ صَحِيحًا فَرَفْعُ أَحَدِهِمَا لَا يُرَجِّحُهُ عَلَى الْآخَرِ بَلْ يُعَارِضُهُ فَيَبْقَى عَلَى الصِّحَّةِ بِخِلَافِ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ وَإِنْ عَارَضَ الْبَاقِيَ لِتَغَيُّرِ اعْتِقَادِهِ يَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي السُّكْرِ مُخَرَّجًا مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» (، وَلَوْ دَخَلَ) الْمَجُوسِيُّ (بِهَا) أَيْ بِزَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ مَحْرَمٌ مِنْهُ (ثُمَّ أَسْلَمَ حُدَّ قَاذِفُهُمَا) ، وَالْوَجْهُ قَاذِفُهُ كَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ النُّسْخَةُ أَوَّلًا وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا ثُمَّ أَسْلَمَا حُدَّ قَاذِفُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا لِإِحْصَانِهِمَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَهُ وَلَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ إحْصَانِهِمَا بِنَاءً عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ عِنْدَهُمَا، فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ دِيَانَتُهُمْ مُعْتَبَرَةً فِي تَرْكِ التَّعَرُّضِ فَيَجِبُ أَنْ يُتْرَكُوا عَلَى دِيَانَتِهِمْ فِي الرِّبَا قُلْنَا: لَيْسَتْ دِيَانَتُهُمْ مُطْلَقًا مُعْتَبَرَةً فِي تَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ بَلْ الدِّيَانَةُ الصَّحِيحَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ وَلَيْسَتْ دِيَانَتُهُمْ تَنَاوُلَ الرِّبَا صَحِيحَةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (بِخِلَافِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقُوا بِهِ) أَيْ بِالرِّبَا (لِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] . وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا وَسَاقَهُ وَفِيهِ وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا فَمَنْ أَكَلَ مِنْكُمْ الرِّبَا فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ» . (وَأُورِدَ) عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ

كَذَلِكَ) أَيْ لَيْسَتْ دِيَانَتُهُمْ بِهِ صَحِيحَةً فَلَا يَكُونُ نِكَاحُهُنَّ صَحِيحًا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا بَعْدَ إسْلَامِهِمَا إذَا دَخَلَ بِهَا فِي الْكُفْرِ وَلَا تَجِبُ بِهِ النَّفَقَةُ (لِأَنَّهُ) أَيْ جَوَازَ نِكَاحِهِنَّ (نُسِخَ بَعْدَ آدَمَ فِي زَمَنِ نُوحٍ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ كَقَوْلِهِمَا: فَلَا حَدَّ وَلَا نَفَقَةَ إلَّا أَنْ يُقَالَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ) أَيْ نَسْخِ جَوَازِ نِكَاحِهِنَّ (الْمُرَادُ مِنْ تَدَيُّنِهِمْ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ) أَيْ مَا كَانَ شَائِعًا مِنْ دِينِهِمْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَرَدَتْ بِهِ شَرِيعَتُهُمْ أَمْ لَمْ تَرِدْ حَقًّا، كَانَ أَوْ بَاطِلًا وَنِكَاحُ الْمَحَارِمِ فِي زَمَنِ الْمَجُوسِ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا غَيْرَ ثَابِتٍ فِي كِتَابِهِمْ شَائِعٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَمْ تَثْبُتْ حُرْمَتُهُ عِنْدَهُمْ فَيَكُونُ دِيَانَةً لَهُمْ بِخِلَافِ الرِّبَا عِنْدَ الْيَهُودِ، فَإِنَّ حُرْمَتَهُ ثَابِتَةٌ فِي التَّوْرَاةِ فَارْتِكَابُهُمْ إيَّاهُ فِسْقٌ مِنْهُمْ لَا دِيَانَةٌ اعْتَقَدُوا حِلَّهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمُعْتَقَدِهِمْ مَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضٌ مِنْهُمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ انْفِرَادِ الْقَلِيلِ بِعَدَمِ حَدِّ الزِّنَا وَنَحْوِهِ) ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ دَافِعًا أَصْلًا (وَلِأَنَّ أَقَلَّ مَا يُوجِبُ الدَّلِيلَ كَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ (الشُّبْهَةُ) لِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي حَقِّهِمْ (فَيُدْرَأُ الْحَدُّ) بِهَا إذَا سَلَّمْنَا صِحَّةَ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَكَوْنَهَا حُكْمًا أَصْلِيًّا (وَفَرَّقَ) أَبُو حَنِيفَةَ (بَيْنَ الْمِيرَاثِ، وَالنَّفَقَةِ فَلَوْ تَرَكَ) الْمَجُوسِيُّ (بِنْتَيْنِ إحْدَاهُمَا زَوْجَتُهُ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَيْ بِاعْتِبَارِ الرَّدِّ) مَعَ فَرْضِهِمَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمِيرَاثَ (صِلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا جَزَاءٌ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ) ، فَإِنَّ وُجُوبَهَا لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا عَجْزُ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَمِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ الِاحْتِبَاسُ الدَّائِمُ، فَإِنَّ دَوَامَهُ بِلَا إنْفَاقٍ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ عَادَةً، وَالْمَرْأَةُ مَحْبُوسَةٌ عَلَى الدَّوَامِ لِحَقِّ الزَّوْجِ فَتَكُونُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ لِدَفْعِ هَلَاكِهَا فَتَكُونُ دِيَانَتُهَا مَحْبُوسَةً لِحَقِّهِ عَلَى الدَّوَامِ دَافِعَةً لِلْهَلَاكِ لَا مُوجِبَةً عَلَيْهِ شَيْئًا (فَلَوْ وَجَبَ إرْثُ) الْبِنْتِ (الزَّوْجَةِ) بِالزَّوْجِيَّةِ (بِدِيَانَتِهَا) بِالزَّوْجِيَّةِ (كَانَتْ) دِيَانَتُهَا (مُلْزِمَةً عَلَى) الْبِنْتِ (الْأُخْرَى) زِيَادَةَ الْمِيرَاثِ (وَالزِّيَادَةُ دَافِعَةٌ لَا مُتَعَدِّيَةٌ، وَأَوْرَدَ أَنَّ الْأُخْرَى دَانَتْ بِهِ) أَيْ بِجَوَازِ نِكَاحِ أُخْتِهَا حَيْثُ اعْتَقَدَتْ الْمَجُوسِيَّةَ فَيَكُونُ اسْتِحْقَاقُ أُخْتِهَا الزِّيَادَةَ فِي الْمِيرَاثِ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى الْتِزَامِهَا بِدِيَانَتِهَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى نِزَاعِهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نِزَاعِ الزَّوْجِ فِي النَّفَقَةِ (فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ) ، وَهُوَ فِي طَرِيقَةِ الدَّعْوَى مَعْزُوٌّ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ (إلَى أَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي (أَنْ تَرِثَا) ، وَالْوَجْهُ أَنْ تَرِثَ بِهَا أَيْضًا أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ، أَوْ بِهِمَا أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْبِنْتِيَّةِ لِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ عِنْدَهُ (وَأَنَّ النَّفْيَ) لِإِرْثِهَا بِالزَّوْجِيَّةِ (قَوْلُهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (لِعَدَمِ الصِّحَّةِ عِنْدَهُمَا وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ (بَلْ) إنَّمَا لَا تَرِثُ بِالزَّوْجِيَّةِ عِنْدَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ (إنَّمَا تَثْبُتُ صِحَّتُهُ فِيمَا سَلَف) أَيْ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ) أَيْ نِكَاحِهِنَّ (سَبَبًا لِلْإِرْثِ) فِي دِينِهِ فَلَا يَثْبُتُ سَبَبًا لِلْمِيرَاثِ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَدِيَانَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِدِيَانَةِ الذِّمِّيِّ فِي حُكْمٍ إذَا لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى شَرْعٍ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ. وَمِنْ هُنَا مَا فِي التَّلْوِيحِ الْمُرَادُ بِالدِّيَانَةِ الْمُعْتَقَدُ الشَّائِعُ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى شَرْعٍ فِي الْجُمْلَةِ (وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ) قَالَ: لَا تَرِثُ الْبِنْتُ الزَّوْجَةُ بِالنِّكَاحِ (لِفَسَادِهِ) أَيْ النِّكَاحِ (فِي حَقِّ) الْبِنْتِ (الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهَا) أَيْ الْأُخْرَى (إذَا نَازَعَتْهَا) أَيْ الْبِنْتُ الزَّوْجَةُ (عِنْدَ الْقَاضِي) فِي اسْتِحْقَاقِهَا الْإِرْثَ بِالزَّوْجِيَّةِ (دَلَّ أَنَّهَا لَمْ تَعْتَقِدْهُ) أَيْ جَوَازَ النِّكَاحِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ مَبْنِيٌّ عَلَى النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا نَازَعَ عِنْدَ الْقَاضِي بِأَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا بَعْدَ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِمَا سَنَذْكُرُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمُقْتَضَاهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ لِأَبِي زَيْدٍ (أَنَّهَا) أَيْ الْبِنْتَ الْأُخْرَى (لَوْ سَكَتَتْ) عَنْ مُنَازَعَةِ أُخْتِهَا الزَّوْجَةِ فِي اسْتِحْقَاقِهَا الْإِرْثَ بِالزَّوْجِيَّةِ (وَرِثَتْ) الْبِنْتُ الزَّوْجَةُ بِالزَّوْجِيَّةِ أَيْضًا (وَلَا يُعْرَفُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (تَفْصِيلٌ) فِي أَنَّ الْبِنْتَ الزَّوْجَةَ لَا تَسْتَحِقُّ بِالزَّوْجِيَّةِ إرْثًا ثُمَّ لَمَّا كَانَ يَرُدُّ عَلَى تَعْلِيلِ إيجَابِ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ بِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا يَكُونُ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْحَاجَةِ، وَالزَّوْجَةُ هُنَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُحْتَاجَةً إلَيْهَا لِكَوْنِهَا غَنِيَّةً، وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَاجَةَ الدَّائِمَةَ بِدَوَامِ حَبْسِ الزَّوْجِ لَا يَرُدُّهَا الْمَالُ الْمُقَدَّمُ لِلزَّوْجَةِ فَتَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ وُجُوبُهَا لِدَفْعِ الْهَلَاكِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ طَرِيقًا غَيْرَ هَذَا فَوَافَقَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ

وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَالْحَقُّ فِي النَّفَقَةِ أَنَّ الزَّوْجَ أَخَذَ بِدِيَانَتِهِ الصِّحَّةَ) لِنِكَاحِ مَحْرَمِهِ حَيْثُ نَكَحَهَا؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْتَزَمَ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا وَدِيَانَتُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ (فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ غَيْرِهِ) ، وَهُوَ النَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ الزَّوْجَةِ (لِمُنَازَعَتِهِ بَعْدَهُ) أَيْ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَمْ يُوجَدْ (بِخِلَافِ مَنْ لَيْسَ فِي نِكَاحِهِمَا) كَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَالْمُرَادُ مَنْ لَيْسَ مُشَارِكًا لِلْبِنْتِ الزَّوْجَةِ وَأَبِيهَا الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ لَهُ وَالْأَظْهَرُ مَنْ لَيْسَ فِي نِكَاحِهِ (وَهُوَ الْبِنْتُ الْأُخْرَى) الَّتِي لَيْسَتْ بِمَنْكُوحَةٍ لَهُ لِفَوَاتِ الِالْتِزَامِ مِنْهَا فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً هَذَا وَفِي الْمُحِيطِ وَكُلُّ نِكَاحٍ حُرِّمَ لِحُرْمَةِ الْمَحِلِّ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ خَمْسِ نِسْوَةٍ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَمَشَايِخُ الْعِرَاقِ يَقَعُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ دِيَانَتَهُمْ لَا تَصِحُّ إذَا لَمْ تُعْتَمَدْ شَرْعًا كَدِيَانَتِهِمْ اجْتِمَاعَ رَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَدِيَانَتِهِمْ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ لَا تُعْتَمَدُ شَرْعًا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا لِضَرُورَةِ إقَامَةِ النَّسْلِ حَالَ عَدَمِ الْأَجَانِبِ وَهُمْ يَدِينُونَ جَوَازَهُ فِي حَالَةِ كَثْرَةِ الْأَجَانِبِ فَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالْجَوَازِ بِدِيَانَتِهِمْ، وَمَشَايِخُنَا يَقَعُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ مَشْرُوعًا فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَالَ عَدَمِ الْأَجَانِبِ وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسْخُ حَالَ كَثْرَةِ الْأَجَانِبِ فَكَانَ مَشْرُوعًا فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَقَدْ اعْتَمَدُوا دِيَانَتَهُمْ جَوَازَ مَا كَانَ مَشْرُوعًا، وَقَدْ أَنْكَرُوا النَّسْخَ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسْخُ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ حُرْمَةُ الْخَمْرِ فِي حَقِّهِمْ انْتَهَى، وَهَذَا يُفِيدُ أَنْ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْجَهَ مَا عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ، وَمِنْهُمْ الْقُدُورِيُّ لَا الْقَوْلُ الْآخَرَ، وَإِنْ اخْتَارَهُ أَبُو زَيْدٍ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حِلَّ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ فِي الْجُمْلَةِ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ حُكْمًا أَصْلِيًّا بَلْ كَانَ حُكْمًا ضَرُورِيًّا لِتَحْصِيلِ النَّسْلِ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ النَّسْلُ أَصْلًا، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُحِلَّ فِي شَرْعِهِ لِلرَّجُلِ أُخْتَهُ الَّتِي فِي بَطْنِهِ وَحَلَّتْ لَهُ أُخْتُهُ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِالْبُعْدَى عَنْ الْقُرْبَى وَإِلَّا لَحَلَّتْ الْقُرْبَى كَالْبُعْدَى ثُمَّ لَمَّا ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِكَثْرَةِ النَّسْلِ نُسِخَ حِلُّ تِلْكَ الْأَخَوَاتِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَحْكِيَّ فِي عَامَّةِ كُتُبِ أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا بِالِاتِّفَاقِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَيَلْزَمُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اتِّفَاقُ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِأَحْكَامِ النِّكَاحِ غَيْرَ أَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ بِبُلُوغِهِ إلَيْهِ، وَالشُّهْرَةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَمُقْتَضَى النَّظَرِ التَّفْصِيلُ وَفِي الْبَدِيعِ الْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ هِيَ حُرُمَاتٌ عِنْدَنَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَعَلَى طَرِيقِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَمْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي الْحَالِ فَهِيَ بِعَرْضِ أَنْ تَصِيرَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي الثَّانِي بِالتَّخَلُّلِ، وَالتَّخْلِيلِ، وَوُجُوبُ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ يَعْتَمِدُ كَوْنَ الْمَحِلِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُتْلَفِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي الْجُمْلَةِ وَلَا نَقِفُ عَلَى ذَلِكَ لِلْحَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُهْرَ، وَالْجَحْشَ وَمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي الْحَالِ مَضْمُونٌ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ،. وَالثَّانِي أَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَنَا عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ بِالْمَنْعِ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ حِسًّا لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» ، وَقَدْ دَانُوا شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلَ الْخِنْزِيرِ فَلَزِمَنَا تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَنَفْيُ الضَّمَانِ بِالْغَصْبِ، وَالْإِتْلَافُ يُفْضِي إلَى التَّعَرُّضِ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا غَصَبَ، أَوْ أَتْلَفَ لَا يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ يُقْدِمُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ مَنْعُهُمْ وَتَعَرَّضَ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى انْتَهَى. وَهَذَا أَيْضًا يُفِيدُ فَسَادَ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ فَهَذَا هُوَ الْجَهْلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْجَهْلِ الثَّلَاثَةِ (وَجَهْلِ الْمُبْتَدِعِ كَالْمُعْتَزِلَةِ) وَمُوَافِقِيهِمْ (مَانِعِي ثُبُوتِ الصِّفَاتِ) الثُّبُوتِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ مِنْ الْحَيَاةِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْعِلْمِ، وَالْإِرَادَةِ، وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهَا لِلَّهِ تَعَالَى (زَائِدَةٌ) عَلَى الذَّاتِ عَلَى اخْتِلَافِ عِبَارَاتِهِمْ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ هُوَ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ لِنَفْسِهِ وَقِيلَ بِنَفْسِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الرَّاوِي (وَ) ثُبُوتُ (عَذَابِ الْقَبْرِ) ، وَإِنْكَارُهُ مَعْزُوٌّ فِي الْمَوَاقِفِ إلَى ضِرَارِ بْنِ عُمَرَ وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ

وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ اتَّفَقَ الْإِسْلَامِيُّونَ عَلَى حَقِّيَّةِ سُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ فِي الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْكُفَّارِ وَبَعْضِ الْعُصَاةِ فِيهِ وَنُسِبَ خِلَافُهُ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ مَنْ حَكَى ذَلِكَ عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَمْرو، وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَهُمْ بُرَآءُ مِنْهُ لِمُخَالَطَةِ ضِرَارٍ إيَّاهُمْ وَتَبِعَهُ قَوْمٌ مِنْ السُّفَهَاءِ الْمُعَانِدِينَ لِلْحَقِّ. (وَ) ثُبُوتُ (الشَّفَاعَةِ) لِلرُّسُلِ، وَالْأَخْيَارِ وَخُصُوصًا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي الْعَرَصَاتِ وَبَعْدَ دُخُولِ النَّارِ (وَ) ثُبُوتُ (خُرُوجِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ) إذَا مَاتَ بِلَا تَوْبَةٍ مِنْ النَّارِ (وَ) ثُبُوتُ جَوَازِ (الرُّؤْيَةِ) لِلَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الِانْكِشَافِ التَّامِّ بِالْبَصَرِ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَهُ فَضْلًا عَنْ وُجُوبِهَا لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ (وَ) مِثْلُ (الشُّبْهَةِ لِمُثْبِتِيهَا) أَيْ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ لِلَّهِ تَعَالَى زَائِدَةً عَلَى الذَّاتِ لَكِنْ (عَلَى مَا يُفْضِي إلَى التَّشْبِيهِ) بِالْمَخْلُوقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] (لَا يَصْلُحُ عُذْرًا لِوُضُوحِ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ) عَلَى ثُبُوتِ الصِّفَاتِ الْمُشَارِ إلَيْهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُنَزَّهِ عَنْ التَّشْبِيهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهَا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ (لَكِنْ لَا يُكَفَّرُ) الْمُبْتَدِعُ فِي ذَلِكَ (إذْ تَمَسُّكُهُ بِالْقُرْآنِ، أَوْ الْحَدِيثِ، أَوْ الْعَقْلِ) فِي الْجُمْلَةِ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي مَوْضِعِهِ (وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) أَيْ وَلِمَا رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ» لَكِنْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ كَيْفَ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي صِحَّتِهِ عَنْ أَحْمَدَ نَظَرًا، فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ مَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ غَفَرَ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ هَلْ تُسَمُّونَ الذُّنُوبَ كُفْرًا، أَوْ شِرْكًا، أَوْ نِفَاقًا قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ: وَلَكِنَّا نَقُولُ مُؤْمِنِينَ مُذْنِبِينَ انْتَهَى. قُلْت: وَالْأَوْلَى صِحَّتُهُ عَنْ أَحْمَدَ بِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَلَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا نُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ وَلَا نُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ» ، فَإِنَّهُ هُوَ وَحَدِيثُ «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» مُؤَوَّلٌ بِتَرْكِ جُحُودٍ أَوْ مُقَارَنَةِ كُفْرٍ، وَلَوْ كَانَ تَرْكُهَا كُفْرًا لَمَا أَمَرَ الشَّارِعُ بِقَضَائِهَا بِدُونِ تَجْدِيدِ إيمَانٍ (وَعَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ» ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا بَدَلَ فَاشْهَدُوا إلَخْ «فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ» كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 18] » رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ بِعَبَّادٍ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا «فَاشْهَدُوا عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَيْ اشْهَدُوا لَهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ: لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي صِحَّةِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَصِدْقِ رُوَاتِهَا (وَجَمَعَ بَيْنَهُ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثِ (وَبَيْنَ) حَدِيثِ «افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَرِوَايَةٌ لِأَبِي دَاوُد مِلَّةً مَكَانَ " فِرْقَةً " وَلِأَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ لِأَبِي دَاوُد «ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ» . وَلِلتِّرْمِذِيِّ «كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ وَاسْتَدْرَكَهُ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ مُنْفَرِدًا وَلَكِنْ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مِنْ رِوَايَةِ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ (أَنَّ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ الْمُتَّبِعُونَ فِي

الْعَقَائِدِ، وَالْخِصَالِ وَغَيْرُهُمْ يُعَذَّبُونَ، وَالْعَاقِبَةُ الْجَنَّةُ وَعَدُوُّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ) ، وَقَدْ ذَيَّلَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ الْمَوَاقِفَ بِذِكْرِهِمْ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ قَالَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لِلنَّهْيِ (وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ) أَيْ الْمُبْتَدِعَةِ (عَلَى غَيْرِهِمْ وَلَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] (وَعَدَمُهُ) أَيْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ (فِي الْخَطَّابِيَّةِ) مِنْ الرَّافِضَةِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِمْ فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الرَّاوِي (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِكُفْرِهِمْ بَلْ لِتَدَيُّنِهِمْ الْكَذِبَ فِيهَا لِمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ وَحَلَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ (وَإِذْ كَانُوا) أَيْ الْمُبْتَدِعَةُ (كَذَلِكَ) أَيْ غَيْرَ كُفَّارٍ (وَجَبَ عَلَيْنَا مُنَاظَرَتُهُمْ) لِإِزَالَةِ شُبْهَتِهِمْ وَإِظْهَارِ الصَّوَابِ فِيمَا نَحْنُ عَلَيْهِ لَهُمْ (وَأُورِدَ اسْتِبَاحَةُ الْمَعْصِيَةِ كُفْرٌ) وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَامَّتُهُمْ يَسْتَبِيحُهَا فَيَكُونُونَ كُفَّارًا (وَأُجِيبَ) بِأَنَّ عَدَّ فِعْلِهَا مُبَاحًا إنَّمَا يَكُونُ كُفْرًا (إذَا كَانَ عَنْ مُكَابَرَةٍ وَعَدَمِ دَلِيلٍ بِخِلَافِ مَا) يَكُونُ (عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ) ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كُفْرًا (وَالْمُبْتَدِعُ مُخْطِئٌ فِي تَمَسُّكِهِ) بِمَا لَيْسَ عِنْدَ التَّحْقِيقِ بِدَلِيلٍ لِمَطْلُوبِهِ (لَا مُكَابِرٌ) لِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ (وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِسَرَائِرِ عِبَادِهِ) هَذَا وَالْمُرَادُ بِالْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَمْ يَكْفُرْ بِبِدْعَتِهِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُذْنِبِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ: وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ هُوَ الْمُوَافِقُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْإِسْلَامِ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَحَشْرِ الْأَجْسَادِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ قَطْعًا مِنْ اعْتِقَادٍ رَاجِعٍ إلَى وُجُودِ إلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ إلَى حُلُولِهِ فِي بَعْضِ أَشْخَاصِ النَّاسِ، أَوْ إنْكَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ ذَمِّهِ، أَوْ اسْتِخْفَافِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ الْمُخَالِفُ فِي أُصُولٍ سِوَاهَا مِمَّا لَا نِزَاعَ أَنَّ الْحَقَّ فِيهِ وَاحِدٌ كَمَسْأَلَةِ الصِّفَاتِ وَخَلْقِ الْأَعْمَالِ وَعُمُومِ الْإِرَادَةِ وَقِدَمِ الْكَلَامِ وَلَعَلَّ إلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ مَاضِيًا بِقَوْلِهِ إذْ تَمَسُّكُهُ بِالْقُرْآنِ، أَوْ الْحَدِيثِ، أَوْ الْعَقْلِ إذْ لَا خِلَافَ فِي تَكْفِيرِ الْمُخَالِفِ فِي ضَرُورِيَّاتِ الْإِسْلَامِ مِنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَحَشْرِ الْأَجْسَادِ وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الْمُوَاظِبِ طُولَ الْعُمْرِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَكَذَا الْمُتَلَبِّسُ بِشَيْءٍ مِنْ مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَافِرًا بِلَا خِلَافٍ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي تَكْفِيرُ الْخَطَّابِيَّةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الرَّاوِي، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَدَمَ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الذَّنْبُ عَلَى مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ فَيَخْرُجَ الْمُكَفَّرُ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ: غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ إنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ يَعْتَقِدُ الشَّهَادَتَيْنِ فَتَكْفِيرُهُ صَعْبٌ وَمَا يَعْرِضُ فِي قَلْبِهِ مِنْ بِدْعَةٍ إنْ لَمْ تَكُنْ مُضَادَّةً لِذَلِكَ لَا يَكْفُرُ، وَإِنْ كَانَتْ مُضَادَّةً لَهُ، فَإِذَا فُرِضَتْ غَفْلَتُهُ عَنْهَا وَاعْتِقَادُهُ الشَّهَادَتَيْنِ مُسْتَمِرٌّ فَأَرْجُو أَنَّ ذَلِكَ يَكْفِيهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَكْثَرُ الْمِلَّةِ كَذَلِكَ وَيَكُونُ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا بِهِ كُفْرٌ لَا بُدَّ فِي إسْلَامِهِ مِنْ تَوْبَتِهِ عَنْهُ فَهَذَا مَحِلُّ نَظَرٍ. وَجَمِيعُ هَذِهِ الْعَقَائِدِ الَّتِي يُكَفِّرُ بِهَا أَهْلُ الْقِبْلَةِ قَدْ لَا يَعْتَقِدُهَا صَاحِبُهَا إلَّا حِينَ بَحْثِهِ فِيهَا لِشُبْهَةٍ تَعْرِضُ لَهُ، أَوْ مُجَادَلَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ يَغْفُلُ عَنْهَا، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلشَّهَادَتَيْنِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمَوْتِ انْتَهَى فِيهِ مَا فِيهِ ثُمَّ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ فَقَالَ: وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا بِذَنْبٍ مِنْ الذُّنُوبِ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً إذَا لَمْ يَسْتَحِلَّهَا وَجَعَلَهُ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ عَلَى مَا فِي مُنْتَقَى الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ رُسْتُمَ عَنْ أَبِي عِصْمَةَ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ مَنْ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ فَقَالَ: مَنْ فَضَّلَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَحَبَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَلَمْ يُحَرِّمْ نَبِيذَ الْجَرِّ وَلَمْ يُكَفِّرْ وَاحِدًا بِذَنْبٍ وَرَأَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَآمَنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ وَلَمْ يَنْطِقْ فِي اللَّهِ بِشَيْءٍ قَالُوا: وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: لَا أَرُدُّ شَهَادَةَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ حِلَّ الْكَذِبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا يُفِيدُ كُفْرَهُمْ كَمَا سَلَفَ فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الرَّاوِي وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالصِّفَاتِ لَيْسَ جَهْلًا بِالْمَوْصُوفَاتِ وَقَالَ: اخْتَلَفْنَا فِي عِبَارَةٍ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ وَاحِدٌ قُلْت بَلْ قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ مَقَالَاتِ

الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ فِي أَشْيَاءَ ضَلَّلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَتَبَرَّأَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَصَارُوا فِرَقًا مُتَبَايِنِينَ إلَّا أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجْمَعُهُمْ وَيَعُمُّهُمْ انْتَهَى فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَغَيْرُهُمَا: أَظْهَرُ مَذْهَبَيْ الْأَشْعَرِيِّ تَرْكُ تَكْفِيرِ الْمُخْطِئِ فِي الْأُصُولِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَيْضًا وَمُعْظَمُ الْأَصْحَابِ عَلَى تَرْكِ التَّكْفِيرِ وَقَالُوا: إنَّمَا يَكْفُرُ مَنْ جَهِلَ وُجُودَ الرَّبِّ، أَوْ عَلِمَ وُجُودَهُ وَلَكِنْ فَعَلَ فِعْلًا، أَوْ قَالَ قَوْلًا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ كَافِرٍ وَمَنْ قَالَ بِتَكْفِيرِ الْمُتَأَوِّلِينَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّرَ أَصْحَابَهُ فِي نَفْيِ الْبَقَاءِ كَمَا يُكَفِّرُ فِي نَفْيِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ عَلَى هَذَا جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِخُلُودِهِ فِي النَّارِ وَهَلْ يُقْطَعُ بِدُخُولِهِ فِيهَا حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا إجْمَاعَ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ، وَمِنْ ثَمَّةَ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُجَسِّمَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَفَرَةٌ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمَوَاقِفِ وَقَدْ كَفَّرَ الْمُجَسِّمَةَ مُخَالِفُوهُمْ قَالَ الشَّارِحُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمُعْتَزِلَةِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُسَايَرَةِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، فَإِنَّ إطْلَاقَ الْجِسْمِ مُخْتَارًا بَعْدَ عِلْمِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ اقْتِضَاءِ النَّقْصِ اسْتِخْفَافٌ انْتَهَى. نَعَمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِصَاحِبِهِ فَمَنْ يَلْزَمُهُ الْكُفْرُ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إجْمَاعٌ وَمَالِكٌ لَا يَقْبَلُهَا، وَلَوْ لَمْ يُكَفَّرُوا بِأَهْوَائِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ فَسَقَةٌ وَتَابَعَهُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ إجْمَاعُ مَنْ قَبْلَهُ، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى ثَبْتٍ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا هُوَ الْجَهْلُ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْجَهْلِ الثَّلَاثَةِ (وَجَهْلُ الْبَاغِي، وَهُوَ) الْمُسْلِمُ (الْخَارِجُ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ) ظَانًّا أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، وَالْإِمَامَ عَلَى الْبَاطِلِ مُتَمَسِّكًا بِذَلِكَ (بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ) ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْوِيلٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ اللُّصُوصِ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا لِمُخَالَفَتِهِ التَّأْوِيلَ الْوَاضِحَ، فَإِنَّ الدَّلَائِلَ عَلَى كَوْنِ الْإِمَامِ الْحَقِّ عَلَى الْحَقِّ مِثْلَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَهُمْ ظَاهِرَةٌ عَلَى وَجْهٍ يُعَدُّ جَاحِدُهَا مُكَابِرًا مُعَانِدًا قَالُوا: وَهَذَانِ الْجَهْلَانِ دُونَ الْجَهْلِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ جَهْلُ الْبَاغِي (دُونَ جَهْلِ الْمُبْتَدِعَةِ) فَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَصْرِيحِهِمْ بِهِ نَعَمْ (لَمْ يُكَفِّرْهُ) أَيْ الْبَاغِيَ (أَحَدٌ إلَّا أَنْ يُضَمَّ) الْبَاغِي (أَمْرًا آخَرَ) يَكْفُرُ بِهِ إلَى الْبَغْيِ (وَقَالَ عَلِيٌّ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا) فَأَطْلَقَ عَلَيْهِمْ أُخُوَّةَ الْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا يُقَالُ لِلْكَافِرِ (فَنُنَاظِرُهُ) أَيْ الْبَاغِيَ (لِكَشْفِ شُبْهَتِهِ) لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ الْحَقِّ بِلَا قِتَالٍ (بَعَثَ عَلِيٌّ ابْنَ عَبَّاسٍ لِذَلِكَ) كَمَا أَخْرَجَهُ بِطُولِهِ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ. (فَإِنْ رَجَعَ) الْبَاغِي إلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ الْحَقِّ (بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَإِلَّا وَجَبَ جِهَادُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] أَيْ تَرْجِعَ إلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ الْبَغْيَ مَعْصِيَةٌ وَمُنْكَرٌ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ وَذَلِكَ بِالْقِتَالِ حِينَئِذٍ، وَقِيلَ: إنَّمَا تَجِبُ مُحَارَبَتُهُمْ إذَا تَجَمَّعُوا وَعَزَمُوا عَلَى الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ ثُمَّ ظَاهِرُ هَذَا السَّوْقِ يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ لَهُمْ قَبْلَ الْقِتَالِ وَاجِبَةٌ، وَأَنَّ الْقِتَالَ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقِتَالُ وَاجِبٌ قَبْلَهَا، وَأَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَيْهِ أَحْسَنُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا لِمَاذَا يُقَاتَلُونَ فَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّينَ (وَمَا لَمْ يَصِرْ لَهُ) أَيْ الْبَاغِي (مَنَعَةٌ) بِالتَّحْرِيكِ، وَقَدْ يُسَكَّنُ أَيْ قُوَّةٌ يَمْنَعُ بِهَا مَنْ قَصَدَ مِنْ الْأَعْدَاءِ (فَيَجْرِي عَلَيْهِ) أَيْ الْبَاغِي (الْحُكْمُ الْمَعْرُوفُ) فِي قِصَاصِ النُّفُوسِ وَغَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّهِمْ (فَيُقْتَلُ) الْبَاغِي (بِالْقَتْلِ) الْعَمْدِ لِلْعُدْوَانِ (وَيَحْرُمُ بِهِ) أَيْ بِالْقَتْلِ الْمَذْكُورِ لِمُوَرِّثِهِ الْإِرْثُ مِنْهُ (وَمَعَهَا) أَيْ الْمَنَعَةِ (لَا) يَجْرِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ الْمَعْرُوفُ (لِقُصُورِ الدَّلِيلِ عَنْهُ) أَيْ الْبَاغِي (لِسُقُوطِ إلْزَامِهِ) بِسَبَبِ تَأْوِيلِهِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ لِدَفْعِ الْخِطَابِ عَنْهُ (وَالْعَجْزُ عَنْ إلْزَامِهِ) حِسًّا وَحَقِيقَةً فِيمَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ

بِوَاسِطَةِ الْمَنَعَةِ (فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِتَأْوِيلِهِ) الْفَاسِدِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِهَا، وَهُوَ الْإِثْمُ، فَإِنَّ الْبَاغِيَ يَأْثَمُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنَعَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَلَا تَسْقُطُ حُقُوقُهُ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَلَى اللَّهِ حَرَامٌ أَبَدًا، وَالْجَزَاءُ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَبَدًا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ (وَلَا نَضْمَنُ مَا أَتْلَفْنَا مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ) وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى فَلَا يَضْمَنُ الْبَاغِي مَا أَتْلَفَ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَعْدَ أَخْذِهِ، أَوْ تَوْبَتِهِ كَمَا فِي الْحَرْبِيِّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَفْرِيعًا عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِتَأْوِيلِهِ. فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا فِي يَدِهِ وَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ كَمَا لَا يَمْلِكُ مَالَهُ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ الْمُتَقَابِلَتَيْنِ فِي الدِّينِ فِي الْأَحْكَامِ أَصْلٌ ثُمَّ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: أُفْتِيهِمْ بِأَنْ يَضْمَنُوا مَا أَتْلَفُوا مِنْ النُّفُوسِ، وَالْأَمْوَالِ وَلَا أُلْزِمُهُمْ بِذَلِكَ فِي الْحُكْمِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهَذَا صَحِيحٌ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَقِدِينَ الْإِسْلَامَ، وَقَدْ ظَهَرَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ كَانَتْ مُنْقَطِعَةً فَيُفْتَوْنَ بِهِ وَلَا يُفْتَى أَهْلُ الْعَدْلِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مُحِقُّونَ فِي قِتَالِهِمْ وَقَتْلِهِمْ مُمْتَثِلُونَ لِلْأَمْرِ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ نَفْيَ ضَمَانِ الْبَاغِي مَنُوطٌ بِالْمَنَعَةِ مَعَ التَّأْوِيلِ فَلَوْ تَجَرَّدَتْ عَنْهُ كَقَوْمٍ غَلَبُوا عَلَى أَهْلِ بَلْدَةٍ فَقَتَلُوا وَاسْتَهْلَكُوا الْأَمْوَالَ بِلَا تَأْوِيلٍ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ أُخِذُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَوْ انْفَرَدَ التَّأْوِيلُ عَنْهَا بِأَنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ، أَوْ اثْنَانِ فَقَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ عَنْ تَأْوِيلٍ ضَمِنُوا إذَا تَابُوا، أَوْ قُدِرَ عَلَيْهِمْ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى إنَاطَةِ نَفْيِ الضَّمَانِ بِالْمَنَعَةِ. وَالتَّأْوِيلِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي مُصَنِّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامٍ كَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا وَشَهِدَتْ عَلَى قَوْمِهَا بِالشِّرْكِ وَلَحِقَتْ بِالْحَرُورِيَّةِ فَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ إنَّهَا رَجَعَتْ إلَى أَهْلِهَا تَائِبَةً قَالَ فَكَتَبَ إلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ الْأُولَى ثَارَتْ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا كَثِيرٌ فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُقِيمُوا عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فِي فَرْجٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَلَا قِصَاصًا فِي دَمٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَلَا يُرَدُّ مَالٌ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ فَيُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُرَدَّ عَلَى زَوْجِهَا وَأَنْ يُحَدَّ مَنْ افْتَرَى عَلَيْهَا وَبَقَاءُ مَا عَدَا الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ عَلَى حُكْمِهِ الْمَعْرُوفِ لَهُ (وَيُدَفَّفُ عَلَى جَرْحَاهُمْ) فِي الْمُغْرِبِ دَفَّفَ عَلَى الْجَرِيحِ بِالدَّالِ، وَالذَّالِ أَسْرَعَ قَتْلَهُ وَفِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ عِبَارَةٌ عَنْ إتْمَامِ الْقَتْلِ وَيُتَّبَعُ مُوَلِّيهِمْ، وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ فَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يُتَّبَعُ مُوَلِّيهمْ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَكَانَ الْوَاجِبُ ذِكْرَ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ ظَاهِرُ الْكِتَابِ كَغَيْرِهِ وُجُوبُ التَّدْفِيفِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُجْهَزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ إذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ بَاقِيَةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحٍ وَلَا يُتَّبَعُ مُدْبِرٌ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا تَتَّبِعُوا مُدْبِرًا وَلَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَتْلَ لِدَفْعِ الشَّرِّ، وَإِذَا كَانَ لَهُمَا فِئَةٌ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ دَفْعًا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَحَيَّزَانِ إلَى الْفِئَةِ وَيَعُودُ شَرُّهُمَا كَمَا كَانَ وَأَصْحَابُ الْجَمَلِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ أُخْرَى سِوَاهُمْ (وَيَرِثُ) الْعَادِلُ (مُوَرِّثَهُ) الْبَاغِيَ (إذَا قَتَلَهُ) اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ فَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثِ، وَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى التَّصْرِيحُ بِالْعَادِلِ. (وَكَذَا عَكْسُهُ) أَيْ يَرِثُ الْبَاغِي مُوَرِّثَهُ الْعَادِلَ إذَا قَتَلَهُ، وَقَالَ: كُنْت عَلَى الْحَقِّ وَأَنَا الْآنَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةً (لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ إرَادَتِهِ، وَلَوْ قَالَ: قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى الْبَاطِلِ لَمْ يَرِثْهُ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَرِثُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَ التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ بِالصَّحِيحِ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي دَفْعِ الضَّمَانِ، وَالْحَاجَةُ هُنَا إلَى إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِلْحَاقُهُ بِهِ بِلَا دَلِيلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولَانِ: الْمُتَحَقَّقُ مِنْ الصَّحَابَةِ جَعْلُ تِلْكَ الْمَنَعَةِ وَالِاعْتِقَادِ دَافِعًا مَا لَوْلَاهُ لَثَبَتَ لِثُبُوتِ أَسْبَابِ الثُّبُوتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْلَا تِلْكَ الْمَنَعَةُ وَالِاعْتِقَادُ لَثَبَتَ الضَّمَانُ لِثُبُوتِ سَبَبِهِ مِنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ الْمَعْصُومِ فَيَتَنَاوَلُ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ قَائِمَةٌ، وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ مَانِعٌ وُجِدَ عَنْ اعْتِقَادِ الْحَقِّيَّةِ مَعَ الْمَنَعَةِ فَمَنَعَ مُقْتَضَاهُ مِنْ الْمَنْعِ فَعَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ

مِنْ إثْبَاتِ الْمِيرَاثِ (وَلَا يَمْلِكُ مَالَهُ) أَيْ الْبَاغِي (بِوَحْدَةِ الدَّارِ) أَيْ بِسَبَبِ اتِّحَادِ دَارِ الْعَادِلِ، وَالْبَاغِي؛ لِأَنَّهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إذْ تَمَلُّكُ الْمَالِ بِطَرِيقِ الِاسْتِيلَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى كَمَالِ اخْتِلَافِ الدَّارِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ ثُمَّ (عَلَى هَذَا) أَيْ عَدَمُ تَمَلُّكِ مَالِ الْبَاغِي (اتَّفَقَ عَلِيٌّ، وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا هَزَمَ طَلْحَةَ وَأَصْحَابَهُ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُقْبِلٌ وَلَا مُدْبِرٌ وَلَا يُفْتَحَ بَابٌ وَلَا يُسْتَحَلَّ فَرْجٌ وَلَا مَالٌ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَزَادَ فِيهِ وَكَانَ عَلِيٌّ لَا يَأْخُذُ مَالًا لِمَقْتُولٍ وَيَقُولُ: مَنْ عَرَّفَ شَيْئًا فَلْيَأْخُذْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالَفَتُهُ فَكَانَ اتِّفَاقًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا هُوَ الْجَهْلُ الثَّالِثُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْجَهْلِ الثَّلَاثَةِ (وَجَهْلُ مَنْ عَارَضَ مُجْتَهِدُهُ الْكِتَابَ كَحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَ) جَوَازُ (الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) مِنْ الْمُدَّعِي (مَعَ {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] الْآيَةَ قَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بَيْنَهُمَا أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَوْله تَعَالَى: {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] كِنَايَةً عَمَّا لَمْ يَذْبَحْهُ مُوَحِّدٌ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ الْقَلْبِيُّ كَافِيًا فَلِمَ قُلْت: إنَّهُ لَيْسَ بِكَافٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ انْتَهَى وَأُجِيبَ بِمَنْعِ إرَادَةِ هَذَا الِاحْتِمَالِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَرَنَ الذِّكْرَ بِكَلِمَةِ عَلَى، وَهُوَ يُفِيدُ إرَادَتَهُ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: ذُكِرَ عَلَيْهِ وَسُمِّيَ عَلَيْهِ بِلِسَانِهِ، وَلَا يُقَالُ بِقَلْبِهِ قُلْت عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا لَمْ يَرُدَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ الذِّكْرِ الْقَلْبِيِّ حَقِيقَتُهُ، وَهُوَ حُضُورُ الْمَعْنَى لِلنَّفْسِ كَمَا هُوَ نَقِيضُ النِّسْيَانِ، وَهُوَ ذَهَابُ الْمَعْنَى مِنْ النَّفْسِ لِلُزُومِ عَدَمِ جَوَازِ أَكْلِ مَا نُسِيَ ذِكْرُ اللَّهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بَلْ أُرِيدَ بِهِ مَا أُقِيمَ مَقَامَهُ، وَهُوَ الْمِلَّةُ لِيَدْخُلَ النِّسْيَانُ أَيْضًا وَأَيْضًا النَّهْيُ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَبِحَمْلِ الذِّكْرِ عَلَى الذِّكْرِ الْقَلْبِيِّ ثُمَّ إقَامَةِ الْمِلَّةِ مَقَامَهُ لَا يَكُونُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مُتَصَوَّرًا فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ الذِّكْرِ اللِّسَانِيِّ لِيَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مُتَصَوَّرًا، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَا يُقَالُ: الْمُرَادُ ذَبِيحَةُ الْمُشْرِكِ، وَالْمَجُوسِيِّ فَيُتَصَوَّرُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: حُرْمَةُ ذَبَائِحِهِمْ لَا بِاعْتِبَارِ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكَ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَإِنْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى انْتَهَى. هَذَا وَكَوْنُ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ كِنَايَةً عَمَّا لَمْ يَذْبَحْهُ مُوَحِّدٌ سَوَاءٌ كَانَ مَيْتَةً، أَوْ ذُكِرَ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُؤَيَّدُ بِقَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، وَالْفِسْقُ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ تَأْوِيلٌ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ مُحْوِجٌ إلَى مُعَيَّنٍ لَهُ، وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ نَعَمْ ظَاهِرُ الْآيَةِ حُرْمَةُ أَكْلِ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ سَوْقَ الْكَلَامِ وَسَبَبَ النُّزُولِ وَإِجْمَاعَ مَنْ عَدَا عَطَاءً دَلَّ عَلَى التَّخْصِيصِ بِاللَّحْمِ، وَالشَّحْمِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ وَأَجْزَائِهِ ثُمَّ هُوَ يَعُمُّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ دَاوُد وَبِشْرٌ لَكِنْ خَرَجَ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ نِسْيَانًا إمَّا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ بَحْثٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ فَيَخْدِشُهُ مَا أَخْرَجَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ قَصَّابًا ذَبَحَ شَاةً وَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا فَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَقُومَ عِنْدَهُ، فَإِذَا جَاءَ إنْسَانٌ يَشْتَرِي يَقُولُ لَهُ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لَك هَذِهِ شَاةٌ لَمْ تُذَكَّ فَلَا تَشْتَرِ مِنْهَا شَيْئًا وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا نُسِيَ أَنْ يُسَمَّى عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ وَقَالُوا: إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمِلَّةِ، وَإِنْ أُرِيدَ مَنْ بَعْدَهُمْ فَصَحِيحٌ إذْ لَمْ يَصِحَّ عَنْ مَالِكٍ وَلَا أَحْمَدَ عَدَمُ الْأَكْلِ فِي النِّسْيَانِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُ دَاوُد وَبِشْرٍ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى مِثْلِهِ. وَإِمَّا؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ لَيْسَ بِتَارِكٍ لِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا قَالُوا لِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلُ مِنَّا يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ قَالَ: اسْمُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» وَفِي لَفْظٍ «عَلَى فَمِ كُلِّ مُسْلِمٍ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ لَكِنْ فِيهِ مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ مَتْرُوكٌ لَكِنْ يَشُدُّهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَحْثِ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ مِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد ثُمَّ ظَاهِرُهُمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّاسِي، وَالْعَامِدِ وَبِهِ تَتَضَاءَلُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا بِعُذْرِ النَّاسِي؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَأَقَامَ الشَّارِعُ الْمِلَّةَ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فَجَعَلَ عَفْوًا دَافِعًا لِلْعَجْزِ وَعَدَمَ عُذْرِ الْعَامِدِ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ مِنْ قِبَلِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ، فَإِنَّ هَذَا إبْطَالُ النَّصِّ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ

إلَى أَصْلِ الدَّلِيلِ بَعْدَ التَّنَزُّلِ نَحْوَ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِهِ ابْتِدَاءً فَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إجْمَاعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ لَا يُلْحَقُ بِهِ الْعَامِدُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْزَاءِ إنَّمَا هُوَ دَفْعُ الْحَرَجِ، وَهُوَ فِي النَّاسِي لَا فِي الْعَامِدِ ثُمَّ هَذَا فِي ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ، فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَيْهَا عَمْدًا فَفِي الدِّرَايَةِ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ. وَصُورَةُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ وَتَرَكَهَا مَعَ ذِكْرِهَا أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا مَنْ لَا يَعْلَمُ اشْتِرَاطَهَا فَهُوَ فِي حُكْمِ النَّاسِي ذَكَرَهُ فِي الْحَقَائِقِ وَمَعَ قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] الْآيَةَ قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ الْمُعْتَادَ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُبَالَغَةً فِي الْبَيَانِ مَعَ أَنَّ حُضُورَهُنَّ فِي مَجَالِسِ الْحُكْمِ غَيْرُ مُعْتَادٍ بَلْ هُوَ حَرَامٌ بِلَا ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُنَّ أُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ فَلَوْ كَانَ يَمِينُ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدٍ حُجَّةً لَانْتَقَلَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَيْسَرَ وُجُودًا وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى مَا هُوَ غَيْرُ مُعْتَادٍ إذْ لَمْ يَتَحَقَّقْ ضَرُورَةٌ مُبِيحَةٌ لِحُضُورِهِنَّ لِإِمْكَانِ وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَكَانَ النَّصُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ دَالًّا عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ مَعَ الْيَمِينِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَالنَّصُّ وَإِنْ كَانَ فِي التَّحَمُّلِ لَكِنَّ فَائِدَةَ التَّحَمُّلِ الْأَدَاءُ فَهُوَ يُفْضِي إلَيْهِ وَأَيْضًا أَوَّلُ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: 282] أَمْرٌ بِفِعْلِ الِاسْتِشْهَادِ، وَهُوَ مُجْمَلٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى عَدَدِ الشُّهُودِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: كُلُوا، فَإِنَّهُ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ تَنَاوُلِ الْمَأْكُولَاتِ فَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ تَفْسِيرًا لِذَلِكَ الْمُجْمَلِ وَبَيَانًا لِجَمِيعِ مَا هُوَ الْمُرَادُ، وَهُوَ اسْتِشْهَادُ رَجُلَيْنِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] كَقَوْلِهِ: كُلُوا الْخُبْزَ، وَاللَّحْمَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَالْخُبْزَ، وَالْجُبْنَ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي النَّصِّ هُوَ جَمِيعُ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ حُجَّةً إذْ لَوْ كَانَ حُجَّةً لَبَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَعْرِضِ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْبَيَانِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَأَيْضًا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ أَدْنَى مَا تَنْتَفِي بِهِ الرِّيبَةُ مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ حَيْثُ قَالَ {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] وَلَيْسَ دُونَ الْأَدْنَى شَيْءٌ تَنْتَفِي بِهِ الرِّيبَةُ فَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مَعَ الْيَمِينِ حُجَّةً لَزِمَ مِنْهُ انْتِفَاءُ كَوْنِ الْمَنْصُوصِ أَدْنَى فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ ضَرُورَةً. (وَالسُّنَّةُ الْمَشْهُورَةُ) أَيْ وَجَهْلُ مَنْ عَارَضَ مُجْتَهِدُهُ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ (كَالْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ) أَيْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي (مَعَ) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» لَفْظُ الْبَيْهَقِيّ وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ «، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَجَعَلَ جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِ، أَوْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ لَا عَهْدَ ثَمَّةَ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ فَلَا يَكُونُ بَعْضُ الْأَيْمَانِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي وَمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ سَيْفٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ سَأَلَ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ فَقَالَ عَمْرٌو لَمْ يَسْمَعْ هَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدِي،. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِشَيْءٍ فَقَدْ رَمَى الْحَدِيثَ بِالِانْقِطَاعِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَسَيْفٌ عَنْ قَيْسٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابِهِ الْمَوْضُوعِ فِي الضُّعَفَاءِ، وَهُوَ الْكَامِلُ وَسَاقَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَعَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: غَلِطَ سَيْفٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَسَأَلَ عِيَاشٌ ابْنَ مَعِينٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا هَذَا تَكَلَّمَ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَضْعَفَ حَدِيثَهُ وَضَعَّفَهُ جِدًّا وَمَعَ ضَعْفِهِ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَذَكَرَ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِذَهَابِ بَعْضِ الْحُفَّاظِ إلَى كَوْنِهِ غَلَطًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ إرْسَالُهُ أَشْهَرُ انْتَهَى. وَرُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ لَا تَخْلُوَا كُلُّهَا مِنْ النَّظَرِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ هِيَ بِدْعَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهَا مُعَاوِيَةُ وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَقَالَ: شَيْءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَوْرَدَ لَمْ يَبْقَ لِتَضْعِيفِ الْحَدِيثِ مَجَالٌ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ

مُسْلِمٌ وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ، فَإِنَّ مُسْلِمًا لَيْسَ بِمَعْصُومٍ عَنْ الْخَطَإِ، وَقَدْ وَهِمَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ غَيْرُ نَاقِدٍ فَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ فِيهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا مَقْطُوعًا وَقَالَ غَيْرُهُ: أُخِذَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي سَبْعِينَ مَوْضِعًا رَوَاهُ مُتَّصِلًا، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ خَافٍ رُجْحَانُ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ ظَاهِرَةً فِيهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ إذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ الْمَحْكُومِ بِهِ، وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَلَا كَيْفِيَّةُ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ وَلَا الْمُسْتَحْلِفُ مَنْ هُوَ حَتَّى يَصِحَّ اعْتِبَارُ غَيْرِهِ بِهِ إذْ لَيْسَ هُوَ عُمُومَ لَفْظٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُعْتَبَرُ فِيهِ لَفْظُهُ بَلْ هُوَ قَضِيَّةٌ خَاصَّةٌ لَا يُدْرَى مَا هِيَ أَيْضًا وَإِذَا كَانَ قَضِيَّةً خَاصَّةً فِي شَيْءٍ خَاصٍّ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنًى مُتَّفَقٍ عَلَى جَوَازِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ شَهَادَةِ الطَّبِيبِ، أَوْ امْرَأَةٍ فِي عَيْبٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّاهِدِ وَاسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَيَكُونُ قَاضِيًا فِي رَدِّ الْمَبِيعِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ مَعَ يَمِينِ الْمُشْتَرِي وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَيْ مَعَ الْبَيِّنَةِ، أَوْ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ فَأَطْلَقَ اسْمَ الشَّاهِدِ وَأَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ لَا الْعَدَدَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَال ثُمَّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَشَاهِدٍ وَاحِدٍ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ لَا يَصِحُّ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَمْوَالِ فَأَصْحَابُنَا وَمَنْ وَافَقَهُمْ لَا يَصِحُّ أَيْضًا وَالشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ يَصِحُّ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَالتَّحْلِيلُ) أَيْ وَكَالْقَوْلِ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إذَا تَزَوَّجَهَا الثَّانِي ثُمَّ طَلَّقَهَا (بِلَا وَطْءٍ) كَمَا هُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: النَّاسُ يَقُولُونَ حَتَّى يُجَامِعَهَا، وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ: إذَا تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا، فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ (مَعَ حَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ) ، وَهُوَ مَا رَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ قَالَ: حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الْأَوَّلُ» ، فَإِنَّ قَوْلَ سَعِيدٍ مُخَالِفٌ لِهَذِهِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَاسْتُغْرِبَ مِنْهُ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ لَعَلَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَمَنْ أَفْتَى بِهَذَا الْقَوْلِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ أَفْتَى فَقِيهٌ بِذَلِكَ يُعَزَّرُ (وَالْإِجْمَاعُ) أَيْ وَجَهْلُ مَنْ عَارَضَ مُجْتَهِدُهُ الْإِجْمَاعَ (كَبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ) أَيْ جَوَازَهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ (مَعَ إجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِ مِنْ الصَّحَابَةِ) ، وَالْوَجْهُ مِنْ التَّابِعِينَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِنَّ كَمَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجْمَاعِ مِنْ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي جَوَازِهِ وَإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ عَلَى مَنْعِهِ (فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ حِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، وَمِنْ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، وَمِنْ وُجُودِ التَّحْلِيلِ بِلَا وَطْءٍ، وَمِنْ جَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَأَمَّا هَذَا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْإِجْمَاعِ مَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَافٍ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ وَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ نَفَاذِ قَضَاءِ قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ زَمَانِنَا بِهِ، وَلَوْ نَفَّذَهُ جَمٌّ غَفِيرٌ مِنْهُمْ. وَأَمَّا عَدَمُ نَفَاذِ وُجُودِ التَّحْلِيلِ بِلَا وَطْءٍ وَعَدَمُ نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فَظَاهِرٌ لِمُخَالَفَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا ظَاهِرَ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ إلَّا أَنَّ كَوْنَ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي لَا يَنْفُذُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يَنْفُذُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا عَدَمُ نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا فَهُوَ الْمَذْكُورُ لِكَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ، وَفِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا فَجَائِزٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ مَعَ إفَادَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْمَشَايِخَ (وَكَتَرْكِ الْعَوْلِ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَخَرَّجْنَاهُ فِي الْإِجْمَاعِ (وَرِبَا الْفَضْلِ) أَيْ الْقَوْلُ بِحِلِّهِ كَمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ رُوِيَ رُجُوعُهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ «أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْت الَّذِي يَقُولُ الدِّينَارَيْنِ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمَيْنِ أَشْهَدُ لَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْتَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: نَعَمْ فَقَالَ: إنِّي لَمْ أَسْمَعْ هَذَا إنَّمَا أَخْبَرَنِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ» . وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَنَزَعَ عَنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَا يَنْفُذُ

الْقَضَاءُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا أَيْضًا لِمُخَالَفَةِ الْأَوَّلِ الْإِجْمَاعَ، وَالثَّانِي النَّصَّ، وَالْإِجْمَاعَ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُ قَوْلِهِ فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَى مَا بَعْدَهُمَا ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: يُرَادُ بِالْكِتَابِ الْمُجْمَعُ عَلَى مُرَادِهِ، أَوْ مَا يَكُونُ مَدْلُولُ لَفْظِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ وَلَا تَأْوِيلُهُ بِدَلِيلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] فَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِحِلِّ أُمِّ امْرَأَتِهِ كَانَ بَاطِلًا لَا يَنْفُذُ، وَالثَّانِي مِثْلُ {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فَلَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَهَذَا لَا يَنْضَبِطُ، فَإِنَّ النَّصَّ قَدْ يَكُونُ مُؤَوَّلًا فَيَخْرُجُ عَنْ ظَاهِرِهِ، فَإِذَا مَنَعْنَاهُ يُجَابُ بِأَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِالْمَذْبُوحِ لِلْأَنْصَابِ أَيَّامَ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ، أَوْ لَيْسَ بِمُؤَوَّلٍ فَلَا يَكُونُ حُكْمُ أَحَدِ الْمُتَنَاظِرَيْنِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَوَّلٍ قَاضِيًا عَلَى غَيْرِهِ بِمَنْعِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ نَعَمْ قَدْ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِثُبُوتِ دَلِيلِ التَّأْوِيلِ فَيَقَعُ الِاجْتِهَادُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، أَوْ لَا وَلِذَا يُمْنَعُ نَفَاذُ الْقَضَاءِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَيُجِيزُونَهُ وَبِالْعَكْسِ وَلَا فَرْقَ فِي كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْحُكْمِ، أَوْ عَلَى تَأْوِيلِ السَّمْعِيِّ. قُلْت: ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمُجْتَهِدُ فِيهِ الْمُعَارِضُ لِمَدْلُولِ أَحَدِ هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الْمَحْكُومِ بَعْدَ اعْتِبَارِهِ حَتَّى إنَّ الْقَضَاءَ لَا يَنْفُذُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِمَا كَانَ مِنْ الْكِتَابِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ السُّنَّةِ كَذَلِكَ مُتَوَاتِرَ الثُّبُوتِ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ، وَالدَّلَالَةِ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ لَكِنْ فِي صُدُورِ هَذَا مِنْ الْمُجْتَهِدِ بُعْدٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ مُخَالَفَةِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ كُفْرٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِمَا كَانَ مِنْ الْكِتَابِ، أَوْ السُّنَّةِ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ السُّنَّةُ قَطْعِيَّةَ الثُّبُوتِ، أَوْ لَا، أَوْ مِنْ الْإِجْمَاعِ مَا كَانَ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ، أَوْ الدَّلَالَةِ وَهَذَا فِي عَدَمِ نَفَاذِ الْحُكْمِ بِمُعَارِضِهِ مُطْلَقًا نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ لِلْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ جُمْلَةً قَضَاءُ الْقُضَاةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مِنْهُ أَنْ يُقْضَى بِخِلَافِ النَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ وَهَذَا بَاطِلٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقُضَاةِ نَقْضُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ، وَقِسْمٌ مِنْهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي مَوْضِعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَفِي هَذَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ، وَقِسْمٌ مِنْهُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَيْءٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْخِلَافُ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَيْ يَكُونُ الْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَبَعْضُهُمْ يَقُولُونَ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُونَ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إنْ أَجَازَهُ جَازَ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ قَضَى فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَلَيْسَ لِلثَّانِي نَقْضُهُ، وَإِنْ أَبْطَلَهُ الثَّانِي بَطَلَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ يُجِيزُهُ انْتَهَى، وَبَعْدَ إحَاطَةِ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَخْفَى مَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّظَرِ عِنْدَ تَحْقِيقِ النَّظَرِ. ثُمَّ إذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَا عَدَا التَّحْلِيلَ بِلَا وَطْءٍ مِنْ الْمُجْتَهَدَاتِ الْأُوَلِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مُعَارِضًا لِنَصٍّ قَطْعِيِّ الثُّبُوتِ، وَالدَّلَالَةِ، وَالْإِجْمَاعُ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ بِهِ بَاطِلًا قَطْعًا، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ، أَوْ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَيَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُمْضِهِ قَاضٍ آخَرُ، وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالتَّحْلِيلِ بِلَا وَطْءٍ بِحُكْمِهِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ النَّفَاذِ أَصْلًا، وَمِنْ جِهَةِ النَّفَاذِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَطْءِ فِيهِ بَعْدَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ثَابِتٌ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ، أَوْ ظَنِّيٍّ لِلْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ النَّصِّ الْقَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ بِإِجْمَاعٍ ظَنِّيٍّ لَمْ يَنْفُذْ حَتَّى يُمْضِيَهُ قَاضٍ آخَرَ، وَإِنْ قِيلَ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَكَيْفَ لَا، وَقَدْ صَارَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَكَذَا الْجَوَابُ بِحِلِّ رِبَا الْفَضْلِ وَتَرْكِ الْعَوْلِ ثُمَّ حَيْثُ قُلْنَا: يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِكَذَا، أَوْ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُ الْقَضَاءِ بِهِ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْأَزْمَانِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَاضِي مَذْهَبِ مُقَلَّدِهِ صَحَّ الْقَضَاءُ بِهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَإِمْضَاءُ ذَلِكَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي الْإِجْمَاعِ مِنْ أَنَّ قُضَاةَ هَذِهِ الْأَزْمَانِ إنَّمَا فُوِّضَ إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ الْقَضَاءُ بِمَذْهَبِ مُقَلَّدِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْقَضَاءِ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مُقَلَّدِهِ وَإِذَنْ فَفِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ لَا سَبِيلَ بِحَالٍ إلَى نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِوُجُودِ التَّحْلِيلِ بِلَا وَطْءٍ وَلَا بِحِلِّ رِبَا الْفَضْلِ وَلَا بِتَرْكِ الْعَوْلِ، وَلَوْ فُرِضَ وُقُوعُ قَضَاءِ قُضَاةِ الْأَقْطَارِ بِهِ وَتَنْفِيذُهُمْ لَهُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ نَفَاذِ بَعْضِ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى

الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ الْحُكْمُ بِاجْتِهَادِهِ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ خِلَافٍ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا هُوَ الْجَهْلُ الرَّابِعُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْجَهْلِ الثَّلَاثَةِ الْقِسْمُ (الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ الْجَهْلِ الثَّلَاثَةِ (جَهْلٌ يَصْلُحُ شُبْهَةً) دَرَاءَةً لِلْحَدِّ، وَالْكَفَّارَةِ وَعُذْرًا فِي غَيْرِهِمَا وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ مِثَالُ هَذَا (كَالْجَهْلِ فِي مَوْضِعِ اجْتِهَادٍ صَحِيحٍ بِأَنْ لَمْ يُخَالِفْ) الِاجْتِهَادُ (مَا ذَكَرَ) أَيْ الْكِتَابَ، أَوْ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ، أَوْ الْإِجْمَاعَ، وَكَانَ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ فِيهِ خَفَاءٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ (كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِلَا وُضُوءٍ) ظَانًّا أَنَّهُ عَلَى وُضُوءٍ (ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ بِهِ) أَيْ بِوُضُوءٍ (ثُمَّ ذَكَرَ) أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِلَا وُضُوءٍ (فَقَضَى الظُّهْرَ فَقَطْ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ يَظُنُّ جَوَازَ الْعَصْرِ) بِجَهْلِهِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ (جَازَ) أَدَاؤُهُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ (لِأَنَّهُ) أَيْ ظَنَّهُ جَوَازَ الْعَصْرِ (فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ) الصَّحِيحِ (فِي تَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ) ؛ لِأَنَّ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ بِوُجُوبِهِ فِيهَا نَوْعَ خَفَاءٍ وَلِهَذَا وَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ خِلَافُهُمْ مُعْتَبَرٌ لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ فَكَانَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا صَالِحًا لِإِفَادَةِ ظَنِّ جَوَازِ الْعَصْرِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا أُدِّيَتْ قَبْلَ الظُّهْرِ حَتَّى كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعَصْرِ فَكَانَ هَذَا الْجَهْلُ عُذْرًا فِي جَوَازِ الْمَغْرِبِ لَا الْعَصْرِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ فَسَادَ الظُّهْرِ بِتَرْكِ الْوُضُوءِ فَسَادٌ قَوِيٌّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَكَانَتْ مَتْرُوكَةً بِيَقِينٍ فَيَظْهَرُ أَثَرُ الْفَسَادِ فِيمَا يُؤَدَّى بَعْدَهَا وَلَمْ يُعْذَرْ بِالْجَهْلِ وَفَسَادُ الْعَصْرِ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ ضَعِيفٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَمْ تَكُنْ مَتْرُوكَةً بِيَقِينٍ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُكْمُهُ إلَى صَلَاةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فِي مَتْرُوكِهِ بِيَقِينٍ عِلْمًا وَعَمَلًا وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَقُولُ: إنَّمَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَكَانَ زُفَرُ يَقُولُ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى النَّاسِي لِلْفَائِتَةِ فَيَجْزِيهِ فَرْضُ الْوَقْتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الرَّجُلُ مُجْتَهِدًا قَدْ ظَهَرَ عِنْدَهُ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَهُوَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَكَذَا إنْ كَانَ نَاسِيًا، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مَعْذُورٌ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِأَدَاءِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا، وَهُوَ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ ظَنِّهِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يُعْتَبَرُ وَمِثَالُ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَكَقَتْلِ أَحَدِ الْوَلِيَّيْنِ) قَاتِلُ مُوَلِّيهِ عَمْدًا عُدْوَانًا (بَعْدَ عَفْوِ) الْوَلِيِّ (الْآخَرِ) جَاهِلًا بِعَفْوِهِ، أَوْ بِسُقُوطِ الْقَوَدِ بِعَفْوِهِ مُعْتَمِدًا عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْقَوَدَ لَهُ (لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا جَهْلٌ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ (لِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ) مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا فِي التَّهْذِيبِ (بِعَدَمِ سُقُوطِهِ) أَيْ الْقِصَاصِ الثَّابِتِ لِلْوَرَثَةِ (بِعَفْوِ أَحَدِهِمْ) حَتَّى لَوْ عَفَا أَحَدُهُمْ كَانَ لِلْبَاقِينَ الْقَتْلُ هَذَا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْإِجْمَاعُ سَابِقًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، أَوْ لَاحِقًا إنْ ثَبَتَ عَمَّنْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ، وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي أَنَّ لِكُلٍّ وِلَايَةَ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ عَفْوِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الِاجْتِهَادُ صَحِيحًا وَحِينَئِذٍ، فَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا الْجَهْلُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُ جَهْلٌ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ عَلِمَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وَمَا ثَبَتَ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ، وَالظَّاهِرُ يَكُونُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ. وَأَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَصَرُّفَ غَيْرِهِ فِي حَقِّهِ غَيْرُ نَافِذٍ عَلَيْهِ وَسُقُوطُ الْقَوَدِ لِمَعْنًى خَفِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوَدَ لَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ حُكْمٌ قَدْ يُشْتَبَهُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الظَّاهِرِ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ (فَصَارَ) الْجَهْلُ الْمَذْكُورُ (شُبْهَةً تَدْرَأُ الْقِصَاصَ) ، وَقَدْ يَسْقُطُ الْقَوَدُ بِاعْتِبَارِ الظَّنِّ كَمَا لَوْ رَمَى إلَى شَخْصٍ ظَنَّهُ كَافِرًا، فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ، وَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ بِالشُّبْهَةِ لَزِمَهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ عَمْدٌ وَيُحْسَبُ لَهُ مِنْهَا نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ وَجَبَ لَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الْمَقْتُولِ فَيَصِيرُ نِصْفُ الدِّيَةِ قِصَاصًا بِالنِّصْفِ وَيُؤَدِّي مَا بَقِيَ أَمَّا لَوْ عَلِمَ سُقُوطَ الْقَوَدِ بِالْعَفْوِ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا يَجِبُ الْقَوَدُ لِإِقْدَامِهِ عَلَى الْقَتْلِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِسُقُوطِ الْقَوَدِ بِالْعَفْوِ عَلِمَ بِهِ، أَوْ لَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الظَّنِّ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ وُجُوبِ الْقَوَدِ بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ كَمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ ثُمَّ جَاءَ وَلِيُّهُ حَيًّا، وَقَدْ انْطَوَى دَفْعُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ. (وَ) مِثْلُ (الْمُحْتَجِمِ) فِي

نَهَارِ رَمَضَانَ (إذَا ظَنَّهَا) أَيْ الْحِجَامَةَ (فَطَّرَتْهُ) فَأَفْطَرَ بَعْدَهَا (لَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا غَيْرُ (لِأَنَّ) قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ، وَالْمَحْجُومُ» ) رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ (أَوْرَثَ شُبْهَةً فِيهِ) أَيْ فِي وُجُوبِهَا بِالْفِطْرِ بَعْدَ الْحِجَامَةِ (وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ يَغْلِبُ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ) عَلَى الْعِبَادَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (فَتَنْتَفِي بِالشُّبْهَةِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ فِطْرَهُ بَعْدَ الْحِجَامَةِ كَانَ اعْتِمَادًا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَأْوِيلِهِ وَنَسْخِهِ، وَهُوَ عَامِّيٌّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُفْتِي الْمُعْتَمَدُ فِي فَتْوَاهُ فِي بَلَدِهِ إذَا كَانَ يُورِثُ الشُّبْهَةَ الْمُسْقِطَةَ حَتَّى لَوْ أَفْتَاهُ بِالْفَسَادِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فَأَفْطَرَ بَعْدَهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي حَقِّ الْعَمَلِ فَتْوَى مُفْتِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فِيمَا أَفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لَهُ سِوَاهُ فَكَانَ مَعْذُورًا وَلَا عُقُوبَةَ عَلَى الْمَعْذُورِ فَقَوْلُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ الْأَخْذُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مَصْرُوفًا عَنْ ظَاهِرِهِ، أَوْ مَنْسُوخًا بَلْ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى الْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ وَسَقِيمِهَا وَنَاسِخِهَا وَمَنْسُوخِهَا، فَإِذَا اعْتَمَدَهُ كَانَ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ لَا يَقُومُ بِهِ شُبْهَةٌ مُسْقِطَةٌ لَهَا بَقِيَ لَوْ أَفْطَرَ بَعْدَهَا ظَانًّا الْفِطْرَ بِهَا وَلَمْ يَسْتَفْتِ عَالِمًا وَلَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ أَصْلًا، أَوْ بَلَغَهُ وَلَكِنْ عَلِمَ تَأْوِيلَهُ، أَوْ نَسْخَهُ وَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الظَّنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْفِطْرِ بِمَا خَرَجَ فَيَكُونُ ظَنُّهُ مُجَرَّدَ جَهْلٍ، وَهُوَ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِتَعَاضُدِ عِلْمِهِ بِكَوْنِ الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، أَوْ نَسْخِهِ مَعَ كَوْنِ الْفِطْرِ بِهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ حِينَئِذٍ فِي وُجُوبِهَا قَالُوا: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِالْفِطْرِ بِهَا وَلَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ (وَمِنْ زَنَى بِجَارِيَةِ وَالِدِهِ) ، أَوْ وَالِدَتِهِ (أَوْ زَوْجَتِهِ يَظُنُّ حِلَّهَا لَا يُحَدُّ) عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ: يُحَدُّ لِلْوَطْءِ الْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِتَأْوِيلِهِ الْفَاسِدِ كَمَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ، أَوْ عَمِّهِ عَلَى ظَنِّ الْحِلِّ وَهُمْ يَقُولُونَ لَا يُحَدُّ (لِلِاشْتِبَاهِ) ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ انْبِسَاطًا فِي الِانْتِفَاعِ بِالْمَالِ فَظَنُّهُ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ بِأَمَتِهِمْ اعْتِمَادٌ عَلَى شُبْهَةٍ فِي ذَلِكَ فَانْدَرَأَ الْحَدُّ بِهَا بِخِلَافِ الْأَخِ، وَالْعَمِّ، فَإِنَّهُ لَا انْبِسَاطَ لِكُلٍّ مِنْهُ، وَمِنْهُمَا فِي مَالِ الْآخَرِ فَدَعْوَى ظَنِّهِ الْحِلَّ لَيْسَتْ مُعْتَمِدَةً عَلَى شُبْهَةٍ فَلَا تُعْتَبَرُ (وَلَا يَثْبُتُ نَسَبٌ) بِهَذَا الْوَطْءِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْوَاطِئُ (وَلَا عِدَّةَ) أَيْضًا عَلَى الْمَوْطُوءَةِ بِهَذَا الْوَطْءِ (لِمَا) عُرِفَ (فِي مَوْضِعِهِ) مِنْ أَنَّهُ تَمَحُّضُ زِنَا إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَحِلِّ، وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَلَا عِدَّةَ مِنْ الزِّنَا، وَهَذِهِ إحْدَى الشُّبْهَتَيْنِ الدَّارِئَتَيْنِ لِلْحَدِّ عِنْدَهُمْ وَتُسَمَّى شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَشُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ لَا عَلَى مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ كَقَوْمٍ سُقُوا خَمْرًا عَلَى مَائِدَةٍ فَمَنْ عَلِمَ بِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَمَنْ لَا فَلَا وَالشُّبْهَةُ الْأُخْرَى وَتُسَمَّى الشُّبْهَةَ فِي الْمَحِلِّ وَشُبْهَةَ الدَّلِيلِ، وَالشُّبْهَةُ الْحُكْمِيَّةُ وُجُودُ الدَّلِيلِ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ مَعَ تَخَلُّفِ حُكْمِهِ لِمَانِعٍ وَهَذِهِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الظَّنِّ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ إنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ قَائِمٌ فَيُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ مُطْلَقًا وَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ إذَا ادَّعَاهُ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شُبْهَةٌ أُخْرَى دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ وَهِيَ شُبْهَةُ الْعَقْدِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْحُرْمَةَ أَمْ لَا كَوَطْءِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِهَاتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَعْنَى دَعْوَى ظَنِّهِ الْحِلَّ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ لَكِنْ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهُ لَيْسَ زِنًا مُحَرَّمًا فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ الْآتِي قَرِيبًا (وَكَذَا حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَنَا فَأَسْلَمَ فَشَرِبَ الْخَمْرَ جَاهِلًا بِالْحُرْمَةِ لَا يُحَدُّ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ يَحِلُّ شُرْبُهَا فِي وَقْتٍ (بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى) بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ وَإِسْلَامِهِ زَاعِمًا حِلَّ الزِّنَا، فَإِنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى زَعْمِهِ وَيُحَدُّ. وَإِنْ فَعَلَهُ أَوَّلَ يَوْمِ دُخُولِهِ الدَّارَ وَإِسْلَامِهِ (لِأَنَّ جَهْلَهُ بِحُرْمَةِ الزِّنَا لَا يَكُونُ شُبْهَةً) دَارِئَةً لِلْحَدِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الظَّنَّ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الشُّبْهَةِ (لِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ) فَلَمْ يَتَوَقَّفْ الْعِلْمُ بِحُرْمَتِهِ

عَلَى بُلُوغِ خِطَابِ الشَّرْعِ لِتَحَقُّقِ حُرْمَتِهِ قَبْلَهُ (فَلَا يَكُونُ جَهْلُهُ عُذْرًا) لِكَوْنِهِ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي الطَّلَبِ (بِخِلَافِ الْخَمْرِ) ، فَإِنَّهَا لَمْ يَكُنْ شُرْبُهَا حَرَامًا فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ (فَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ شَرْطُ الْحَدِّ أَنْ لَا يَظُنَّ الزِّنَا حَلَالًا مُشْكِلٌ) ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تُفِيدُ أَنَّ لَيْسَ شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي عَدَمَ ظَنِّهِ حِلَّ الزِّنَا حَتَّى يَكُونَ ظَنُّهُ حِلَّهُ مَانِعًا مِنْ إقَامَتِهِ عَلَيْهِ هَذَا وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمُصَنِّفِ شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ انْتَهَى، وَهُوَ أَخُصُّ مِمَّا هُنَا وَمَا فِي الشَّرْحِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي مُحِيطِ رَضِيِّ الدِّينِ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَأَمَّا شَرْطُهُ فَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَأَصْلُهُ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِالْيَمَنِ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الزِّنَا فَاجْلِدُوهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَعَلِّمُوهُ، وَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ الشُّيُوعُ، وَالِاسْتِفَاضَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أُقِيمَ مُقَامَ الْعِلْمِ وَلَكِنْ لَا أَقَلَّ مِنْ إيرَاثِ شُبْهَةٍ بِعَدَمِ التَّبْلِيغِ، وَالْإِسْمَاعِ بِالْحُرْمَةِ انْتَهَى غَيْرَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ عَقِبَ هَذَا الْأَثَرِ فَقَدْ جَعَلَ ظَنَّ الْحِلِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شُبْهَةً لِعَدَمِ اشْتِهَارِ الْأَحْكَامِ انْتَهَى يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الظَّنَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَكُونُ شُبْهَةً مُعْتَبَرَةً لِاشْتِهَارِ الْأَحْكَامِ فِيهِ وَلَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّاشِئِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْمُسْلِمُ الْمُهَاجِرُ إلَيْهَا الْمُقِيمُ بِهَا مُدَّةً يَطَّلِعُ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ فَأَمَّا الْمُسْلِمُ الْمُهَاجِرُ إلَيْهَا الْوَاقِعُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ فَلَا، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّرْحِ وَنُقِلَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ انْتَهَى، وَهُوَ مُفِيدٌ أَنَّ جَهْلَهُ يَكُونُ عُذْرًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا قَبْلَهُ فَمَتَى يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ عُذْرًا، وَأَمَّا نَفْيُ كَوْنِهِ عُذْرًا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الطَّلَبِ لِمَعْرِفَةِ هَذَا الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَمَحِلُّ نَظَرٍ وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْعُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمُشْكِلُ فَلْيُتَأَمَّلْ (بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ أَسْلَمَ فَشَرِبَ الْخَمْرَ) بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَقَالَ: أَعْلَمُ بِحُرْمَتِهَا (يُحَدُّ لِظُهُورِ الْحُكْمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) ، وَهُوَ مُقِيمٌ فِيهَا (فَجَهْلُهُ) بِحُرْمَتِهَا مَعَ شُيُوعِهَا فِيهِ (لِتَقْصِيرِهِ) فِي مَعْرِفَتِهِ بِهَا فَلَا يَكُونُ جَهْلُهُ عُذْرًا فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَلَا كَذَلِكَ دَارُ الْحَرْبِ، فَإِنَّ حُرْمَتَهَا غَيْرُ شَائِعَةٍ فِيهَا فَكَانَ جَهْلُ الْحَرْبِيِّ بِهَا دَارِئًا لِلْحَدِّ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ جَهْلٌ يَصْلُحُ عُذْرًا كَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَتَرَكَ بِهَا صَلَوَاتٍ جَاهِلًا لُزُومَهَا فِي الْإِسْلَامِ لَا قَضَاءَ) عَلَيْهِ إذَا عَلِمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ فِي طَلَبِ الدَّلِيلِ، وَإِنَّمَا جَاءَ الْجَهْلُ مِنْ قِبَلِ خَفَاءِ الدَّلِيلِ فِي نَفْسِهِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ التَّبْلِيغِ عَنْهُمْ فَانْتَفَى سَمَاعُ الْخِطَابِ فِي حَقِّهِ حَقِيقَةً، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَتَقْدِيرًا؛ لِأَنَّهُ بِشُهْرَتِهِ فِي مَحِلِّهِ وَدَارُ الْحَرْبِ لَيْسَتْ مَحِلَّهَا فَانْتَفَى قَوْلُ زُفَرَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّ بِالْإِسْلَامِ يَصِيرُ مُلْتَزِمًا أَحْكَامَهُ وَلَكِنْ قَصُرَ عَنْهُ خِطَابُ الْأَدَاءِ لِجَهْلِهِ بِهِ وَذَا لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ كَالنَّائِمِ إذَا انْتَبَهَ بَعْدَ الْوَقْتِ (وَكُلُّ خِطَابٍ تُرِكَ وَلَمْ يَنْتَشِرْ فَجَهْلُهُ عُذْرٌ) لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ عَنْ جَاهِلِهِ بِخَفَائِهِ عَنْهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] لِلَّذِينَ شَرِبُوا) الْخَمْرَ (بَعْدَ تَحْرِيمِهَا غَيْرَ عَالِمِينَ) بِحُرْمَتِهَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا فِي التَّيْسِيرِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَانُوا فِي سَفَرٍ فَشَرِبُوا بَعْدَ التَّحْرِيمِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِحُرْمَتِهَا فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ وَعَنْ ابْنِ كَيْسَانَ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَالْمَيْسِرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا، وَقَدْ شَرِبُوا الْخَمْرَ وَأَكَلُوا الْمَيْسِرَ وَكَيْفَ بِالْغَائِبِينَ عَنَّا فِي الْبُلْدَانِ لَا يَشْعُرُونَ بِتَحْرِيمِهَا وَهُمْ يَطْعَمُونَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة: 93] أَيْ مِنْ الْأَمْوَاتِ، وَالْأَحْيَاءِ فِي الْبُلْدَانِ {جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] مِنْ الْخَمْرِ، وَالْقِمَارِ {إِذَا مَا اتَّقَوْا} [المائدة: 93] مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سِوَاهُمَا (قُلْت) : لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أَنَسٍ كُنْت سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَادِيًا يُنَادِي أَلَا إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اُخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا فَهَرَقْتهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ قَدْ قُتِلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ»

وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ فَقَالُوا: انْتَهَيْنَا يَا رَبِّ وَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَاسٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ رِجْسًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ» . وَهَذَا إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ نَفْيًا لِلْحَرَجِ عَنْ الشَّارِبِينَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا خِلَافَ فِيهِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ الْخِطَابِ النَّازِلِ (بَعْدَ الِانْتِشَارِ) ، فَإِنَّ جَهْلَهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ جَهْلَهُ إنَّمَا هُوَ (لِتَقْصِيرِهِ) فِي مَعْرِفَتِهِ (كَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَاءَ فِي الْعُمْرَانِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى لَا يَصِحُّ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْوُجُودِ) ، وَهُوَ الْعُمْرَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْمَاءِ غَالِبًا (وَتَرْكُهُ الْعَمَلَ) بِالدَّلِيلِ، وَهُوَ طَلَبُهُ فِيهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْتَكْشِفْ الْحَالَ، أَوْ اسْتَكْشَفَهُ فَوَجَدَ الْمَاءَ فِيهِ أَمَّا لَوْ اسْتَكْشَفَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فِيهِ فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي لِظُهُورِ انْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ الطَّلَبَ فِي الْمَفَازَةِ عَلَى ظَنِّ الْعَدَمِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى حَيْثُ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَبُ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْعَدَمِ لَا الْوُجُودِ (وَكَذَا الْجَهْلُ) لِلْإِنْسَانِ (بِأَنَّهُ وَكِيلٌ، أَوْ مَأْذُونٌ) مِنْ سَيِّدِهِ إذَا كَانَ عَبْدًا (عُذِرَ حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُمَا) الْمُوَكِّلِ، وَالْمَوْلَى قَبْلَ بُلُوغِ الْوَكَالَةِ، وَالْإِذْنِ إلَيْهِمَا (وَيَتَوَقَّفُ) نَفَاذُ تَصَرُّفِهِمَا عَلَيْهِمَا عَلَى إجَازَتِهِمَا (كَالْفُضُولِيِّ) أَيْ كَتَوَقُّفِ نَفَاذِ تَصَرُّفِهِ عَلَى مَنْ تُصْرَفُ لَهُ عَلَى إجَازَتِهِ بِشَرْطِهَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ بِأَنَّ فِي التَّوْكِيلِ، وَالْإِذْنِ نَوْعَ إلْزَامٍ عَلَى الْوَكِيلِ، وَالْمَأْذُونِ حَيْثُ يَلْزَمُهُمَا حُقُوقُ الْعَقْدِ مِنْ التَّسْلِيمِ، وَالتَّسَلُّمِ، وَالْمُطَالَبَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَكَالَةِ، وَالْإِذْنِ فِي حَقِّهِمَا قَبْلَ الْعِلْمِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَإِذَا كَانَتْ أَحْكَامُ الشَّرْعِ مَعَ كَمَالِ وِلَايَتِهِ لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ عِلْمِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَ حُكْمُ الْمُكَلَّفِ الَّذِي هُوَ قَاصِرُ الْوِلَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ بِدُونِ عِلْمِهِ (إلَّا فِي شِرَاءِ الْوَكِيلِ) ، فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ نَفَاذُ شِرَائِهِ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ بَلْ (يَنْفُذُ) شِرَاؤُهُ (عَلَى نَفْسِهِ) . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِعَيْنِهِ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ (كَمَا عُرِفَ) مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ نَفَذَ عَلَيْهِ (قُلْت) : كَذَا ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي الْأُصُولِ هَذَا الْحُكْمَ لِجَهْلِهِمَا بِالْوَكَالَةِ، وَالْإِذْنِ وَزَادَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَالْفُضُولِيِّ إلَخْ وَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا اعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اتَّفَقَتْ أَنَّ الْوَكَالَةَ إذَا ثَبَتَتْ قَصْدًا لَا تَثْبُتُ بِدُونِ الْعِلْمِ أَمَّا إذَا ثَبَتَتْ فِي ضِمْنِ أَمْرِ الْحَاضِرِ بِالتَّصَرُّفِ بِأَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اشْتَرِ عَبْدِي مِنْ فُلَانٍ لِنَفْسِك، أَوْ لِعَبْدِهِ: انْطَلِقْ إلَى فُلَانٍ لِيُعْتِقَك، أَوْ لِامْرَأَتِهِ: انْطَلِقِي إلَى فُلَانٍ لِيُطَلِّقَك، فَاشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ، أَوْ أُعْتِقَ، أَوْ طَلَّقَ فُلَانٌ بِدُونِ الْعِلْمِ جَازَ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَكِيلَ هَلْ يَصِيرُ وَكِيلًا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ أَمْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَصِيرُ وَفِي رِوَايَةِ وَكَالَةِ الْأَصْلِ يَصِيرُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ نَعَمْ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُهُ إذَا عَلِمَ اهـ. فَإِنْ تَمَّ هَذَا وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدُوا بِالْوَكَالَةِ الْقَصْدِيَّةِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا اُخْتِيرَ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ ثُمَّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوِصَايَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ اهـ وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يُعَكِّرُ حِكَايَةَ اتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ الثَّانِي فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ قَالَ لِأَهْلِ السُّوقِ: بَايِعُوا عَبْدِي هَذَا صَارَ مَأْذُونًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَتِمُّ كَوْنُ الْجَهْلِ عُذْرًا فِي صِحَّةِ الْإِذْنِ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ: بِعْ عَبْدَك مِنْ ابْنِي إنْ عَلِمَ الِابْنُ صَارَ مَأْذُونًا وَإِلَّا فَلَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مُؤَثِّرٌ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَا مَحِيصَ فِي دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا بِأَنْ يَكُونَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ رِوَايَتَانِ فَيَتَخَرَّجُ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِمَا فِيهَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ: وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا إلَّا بِالْعِلْمِ فَلَوْ قَالَ: بَايِعُوا عَبْدِي، فَإِنَى أَذِنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَبَايَعُوهُ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ اهـ بَقِيَ الشَّأْنُ فِيمَا هُوَ الْأَرْجَحُ مِنْهُمَا، فَإِنْ تَمَّ كَوْنُ الشَّارِطَةِ لِلْعِلْمِ هِيَ الرَّاجِحَةَ فِيهَا وَإِلَّا فَيَنْتَفِي

التَّقْيِيدُ بِكَوْنِ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرَ مَعْنَاهَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ ظَاهِرَهُ يُفِيدُ أَنَّ شِرَاءَ الْفُضُولِيِّ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَفِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْفُضُولِيُّ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ هَذَا عَلَى وُجُوهٍ إنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْت هَذَا مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ الْفُضُولِيُّ: قَبِلْت، أَوْ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ، أَوْ لَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ يَتَوَقَّفُ. وَلَوْ قَالَ: بِعْت مِنْك فَقَالَ الْفُضُولِيُّ: اشْتَرَيْت، أَوْ قَبِلْت لِفُلَانٍ لَا يَتَوَقَّفُ وَيَنْفُذُ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ قَالَ الْفُضُولِيُّ: اشْتَرَيْت هَذَا لِفُلَانٍ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْت مِنْك. الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْت مِنْك هَذَا لِأَجْلِ فُلَانٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت، أَوْ قَبِلْت، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت هَذَا لِأَجْلِ فُلَانٍ وَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْت لَا يَتَوَقَّفُ وَيَنْفُذُ بِالِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَ) كَذَا الْجَهْلُ (بِالْعَزْلِ) لِلْوَكِيلِ (وَالْحَجَرِ) عَلَى الْمَأْذُونِ عُذْرٌ فِي حَقِّهِمَا لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ لِاسْتِقْلَالِ الْمُوَكِّلِ بِالْعَزْلِ، وَالْمَوْلَى بِالْحَجْرِ وَلُزُومِ الضَّرَرِ عَلَيْهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِمَا بِدُونِ عِلْمِهِمَا إذْ الْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ عَلَى أَنْ يَلْزَمَ تَصَرُّفُهُ الْمُوَكِّلَ، وَالْعَبْدُ يَتَصَرَّفُ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ كَسْبِهِ، أَوْ رَقَبَتَهُ وَبِالْعَزْلِ يَلْزَمُ التَّصَرُّفُ الْوَكِيلَ وَبِالْحَجْرِ يَتَأَخَّرُ دَيْنُ الْعَبْدِ إلَى الْعِتْقِ وَيُؤَدَّى بَعْدَهُ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ (فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا) أَيْ الْوَكِيلِ، وَالْمَأْذُونِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَالْمَوْلَى قَبْلَ عِلْمِهِمَا بِالْعَزْلِ، وَالْحَجْرِ (قُلْت) كَذَا ذَكَرُوا فِي الْأُصُولِ وَيَتَحَرَّرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْفُرُوعِ أَنَّ هَذَا فِي الْعَزْلِ مِنْ الْوَكَالَةِ إذَا كَانَ قَصْدِيًّا أَمَّا فِي الْحُكْمِيِّ، وَهُوَ الْعَزْلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ، أَوْ جُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا، أَوْ لَحَاقِهِ مُرْتَدًّا بِدَارِ الْحَرْبِ، وَالْحُكْمِ بِهِ، أَوْ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ عَبْدًا مَأْذُونًا، وَقَدْ وُكِّلَ بِبَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ نَحْوِهِمَا، أَوْ بِعَجْزِهِ إذَا كَانَ مُكَاتَبًا، أَوْ بِتَصَرُّفِهِ فِيمَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ تَصَرُّفًا يَعْجِزُ الْوَكِيلُ عَنْ بَيْعِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ أَمَّا فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَ فَلِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَعْتَمِدُ قِيَامَ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ، وَقَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْعَوَارِضُ فَبَطَلَ مَا هُوَ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهَا. وَأَمَّا فِي الْأَخِيرِ فَلِفَوَاتِ الْمَحِلِّ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يُقَيِّدُوا بِذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى ذِكْرِهِمْ لَهُ فِي الْفُرُوعِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوْلَى التَّقْيِيدُ بِهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ ثُمَّ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ انْحِجَارُ الْمَأْذُونِ عَلَى عِلْمِهِ بِالْحَجْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالْإِذْنِ غَيْرُهُ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِذْنُ مَشْهُورًا لَا يَنْحَجِرُ إلَّا بِشُهْرَةِ حَجْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ سُوقِهِ، أَوْ أَكْثَرِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ نَفَاذِهِ بِدُونِ عِلْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُبَايِعُونَهُ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ لِمَا عَرَفُوهُ مِنْ الْإِذْنِ، وَالْحَالُ أَنَّ حَقَّهُمْ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا أَيْضًا (وَ) كَذَا (جَهْلُ الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ) جِنَايَةً خَطَأً عُذْرٌ لِلْمَوْلَى فِي عَدَمِ تَعَيُّنِ لُزُومِ الْفِدَاءِ مُطْلَقًا لَهُ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهَا (فَلَا يَكُونُ) الْمَوْلَى (بَيْعُهُ) أَيْ الْعَبْدُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهَا (مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ) ، وَهُوَ الْأَرْشُ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا، وَهُوَ الدَّفْعُ، وَالْفِدَاءُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ، وَالْأَرْشِ لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ فِي حَقِّهِ لِاسْتِقْلَالِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ (وَ) كَذَا جَهْلُ (الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ) لِمَا يَشْفَعُ فِيهِ عُذْرٌ لَهُ فِي عَدَمِ سُقُوطِ شُفْعَتِهِ إذَا أُخْرِجَ عَنْ مِلْكِهِ مَا يَشْفَعُ بِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ (فَلَوْ بَاعَ الدَّارَ الْمَشْفُوعَ بِهَا بَعْدَ بَيْعِ دَارٍ بِجِوَارِهَا) هُوَ شَفِيعُهَا (غَيْرَ عَالِمٍ) بِبَيْعِ الْمَشْفُوعِ فِيهَا (لَا يَكُونُ) بَيْعُهُ الْمَشْفُوعَ بِهَا (تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ) فِي الْمَشْفُوعِ فِيهَا بَلْ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا إذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلْمِ خَفِيَ لِانْفِرَادِ صَاحِبِ الْمِلْكِ بِبَيْعِهِ. (وَ) كَذَا جَهْلُ (الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ) عُذْرٌ لَهَا فِي عَدَمِ سُقُوطِ خِيَارِ الْعِتْقِ لَهَا (إذَا جَهِلَتْ عِتْقَ الْمَوْلَى فَلَمْ تَفْسَخْ) النِّكَاحَ (أَوْ عَلِمَتْهُ) أَيْ عِتْقَ الْمَوْلَى (وَجَهِلَتْ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهَا شَرْعًا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَعُذِرَتْ) فَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ فِي حَقِّهَا أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى مُسْتَقِلٌّ بِالْعِتْقِ وَلَا يُمْكِنُهَا الْوُقُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِخْبَارِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِاشْتِغَالِهَا بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَلَا تَتَفَرَّغُ بِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فِي مِثْلِهِ فَلَا يَقُومُ اشْتِهَارُ الدَّلِيلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَقَامَ عِلْمِهَا (بِخِلَافِ الْحُرَّةِ زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ، وَالْجَدِّ) حَالَ كَوْنِهَا (صَغِيرَةً فَبَلَغَتْ جَاهِلَةً بِثُبُوتِ حَقِّ الْفَسْخِ) أَيْ فَسْخِ النِّكَاحِ (لَهَا) إذَا بَلَغَتْ فَلَمْ تَفْسَخْهُ (لَا تُعْذَرُ) بِهَذَا الْجَهْلِ بِهَذَا الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ لَهَا حَقُّ الْفَسْخِ بِهِ (لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ الْعِلْمِ وَلَيْسَ لِلْحُرَّةِ مَا يَشْغَلُهَا عَنْ التَّعَلُّمِ فَكَانَ جَهْلُهَا) بِهَذَا الْحُكْمِ (لِتَقْصِيرِهَا) فِي التَّعَلُّمِ (بِخِلَافِ الْأَمَةِ) كَمَا ذَكَرْنَا فَافْتَرَقَتَا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِغَيْرِ

مسألة المجتهد بعد اجتهاده في واقعة أدى اجتهاده فيها إلى حكم

الْأَبِ، وَالْجَدِّ يَعْنِي الصَّحِيحَ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا بِبُلُوغٍ فِي تَزْوِيجِ أَحَدِهِمَا إيَّاهَا لِكَمَالِ رَأْيِهِمَا وَوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ سِوَاهُمَا، وَقَدْ شَمِلَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ الْأُمَّ، وَالْقَاضِيَ حَيْثُ كَانَتْ لَهَا وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِيهِ لِعَدَمِ كَمَالِ الرَّأْيِ فِي الْأُمِّ وَعَدَمِ وُفُورِ الشَّفَقَةِ فِي الْقَاضِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَسْأَلَةُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي وَاقِعَةٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِيهَا إلَى حُكْمٍ] (مَسْأَلَةُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي) وَاقِعَةٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِيهَا إلَى (حُكْمٍ مَمْنُوعٍ مِنْ التَّقْلِيدِ) لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ (فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الْوَاقِعَةِ (اتِّفَاقًا) لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ اجْتِهَادِهِ (وَالْخِلَافُ) إنَّمَا هُوَ فِي تَقْلِيدِهِ لِغَيْرِهِ مِنْهُمْ (قَبْلَهُ) أَيْ اجْتِهَادِهِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ (وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ (مَمْنُوعٌ) مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ فِيهَا مُطْلَقًا مِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى مَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَأَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَمَالِكٌ عَلَى مَا فِي أُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى مَا فِي أُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ عَامَّةِ الشَّافِعِيَّةِ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَيُشْكِلُ عَلَى مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ صَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ وَتَفَرَّقُوا ثُمَّ أُخْبِرَ بِوُجُودِ فَأْرَةٍ مَيِّتَةٍ فِي بِئْرِ حَمَّامٍ اغْتَسَلَ مِنْهُ فَقَالَ: نَأْخُذُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا انْتَهَى (وَمَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ) مَمْنُوعٌ مِنْ التَّقْلِيدِ (إلَّا إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ) الِاجْتِهَادُ فِي الْوَاقِعَةِ فَلَا يَكُونُ مَمْنُوعًا بَلْ يَتَعَيَّنُ (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ) إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ هَذَا قَوْلًا آخَرَ كَمَا عَدُّوهُ ثُمَّ الَّذِي حَكَاهُ الْآمِدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ وَجْهُ الِاجْتِهَادِ هَذَا وَيَظْهَرُ أَنَّ خَوْفَ فَوْتِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْحَادِثَةِ مِنْ أَسْبَابِ تَعَذُّرِ الِاجْتِهَادِ ثُمَّ رَأَيْت عَنْ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ نَقْلَهُ بِخُصُوصِهِ عَنْهُ وَيُؤَيِّدُهُ جَزْمُ السُّبْكِيّ بِمَنْعِهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي هَذَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِطَرِيقٍ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ خَوْفُ فَوْتِ الْعَمَلِ بِالْحَادِثَةِ أَصْلًا مِنْ أَسْبَابِ تَعَذُّرِ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ كُلٌّ مِنْهُمَا قَوْلًا آخَرَ وَيَسْتَسْمِعَ خِلَافَ الْأَوَّلِ أَيْضًا. (وَقِيلَ لَا) يُمْنَعُ مِنْ التَّقْلِيدِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَالرَّازِيُّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ مِنْ تَمَسُّكَاتِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَزَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ إلَى أَحْمَدَ قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: وَلَا يُعْرَفُ (وَقِيلَ) يُمْنَعُ مِنْ التَّقْلِيدِ (فِيمَا يُفْتِي بِهِ) غَيْرُهُ (لَا فِيمَا يَخُصُّهُ) أَيْ يَكُونُ الْغَرَضُ مِنْ الِاجْتِهَادِ تَحْصِيلَ رَأْيٍ فِيمَا يَسْتَقِلُّ بِعِلْمِهِ لَا فِيمَا يُفْتِي بِهِ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِالْمُجْتَهِدِ بِحَيْثُ لَا يَعُمُّ غَيْرَهُ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ، وَهَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْقَاصِّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ (وَقِيلَ) يُمْنَعُ مِنْ التَّقْلِيدِ (فِيهِ) أَيْ فِيمَا يَخُصُّهُ (أَيْضًا إلَّا إنْ خَشِيَ الْفَوْتَ كَأَنْ ضَاقَ وَقْتُ صَلَاةٍ، وَالِاجْتِهَادُ فِيهَا) أَيْ فِي صَلَاتِهِ (يُفَوِّتُهَا) ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مُجْتَهِدًا آخَرَ وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِ لِئَلَّا تَفُوتَ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالِاجْتِهَادِ فِيهَا، وَهُوَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَهَذَا مَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهِ. (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ) إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْأُخْرَى الْمَنْعُ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُقَلِّدُ) مُجْتَهِدًا (أَعْلَمَ مِنْهُ) لَا أَدْوَنَ مِنْهُ وَلَا مُسَاوِيَ لَهُ نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي وَالرُّويَانِيُّ وَإِلْكِيَا قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: إنَّهُمَا سَوَاءٌ وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ (وَالشَّافِعِيُّ) فِي الْقَدِيمِ (وَالْجُبَّائِيُّ) وَابْنُهُ أَيْضًا قَالُوا (يَجُوزُ) تَقْلِيدُ غَيْرِهِ (إنْ) كَانَ الْغَيْرُ (صَحَابِيًّا رَاجِحًا) فِي نَظَرِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ خَالَفَ مِنْ الصَّحَابَةِ (فَإِنْ اسْتَوَوْا) أَيْ الصَّحَابَةُ فِي الدَّرَجَةِ فِي نَظَرِهِ وَاخْتَلَفَتْ فَتْوَاهُمْ (تَخَيَّرَ) فَيُقَلِّدُ أَيَّهُمْ شَاءَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ عَدَاهُمْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلصَّحَابَةِ تَقْلِيدُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا (وَهَذَا) مِنْ الشَّافِعِيِّ (رِوَايَةٌ عَنْهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ) وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي رِسَالَتِهِ الْقَدِيمَةِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ عَدَمُ جَوَازِ تَقْلِيدِهِ لِلْغَيْرِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا غَيْرِهِمَا مُطْلَقًا وَنَقَلَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ وَلَا يُقَلِّدُ أَحَدًا بَعْدَهُمْ غَيْرَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاسْتَغْرَبَهُ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ (وَقِيلَ) يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ لِلْغَيْرِ صَحَابِيًّا

(وَتَابِعِيًّا) دُونَ غَيْرِهِمَا وَعَزَا هَذَا فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ إلَى الْحَنَفِيَّةِ لَكِنْ بِلَفْظِ، أَوْ خِيَارِ التَّابِعِينَ وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْقَاضِي لَا غَيْرِهِ لِحَاجَتِهِ فِي فَصْلِ الْخُصُومَاتِ إلَى إنْجَازِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (لِلْأَكْثَرِ الْجَوَازُ) لِلتَّقْلِيدِ (حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ) ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدِّينِ بِلَا دَلِيلٍ بَاطِلٌ (وَلَمْ يَثْبُتْ) الدَّلِيلُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (فَلَا يَثْبُتُ) الْجَوَازُ (وَدَفْعُ) هَذَا مِنْ قِبَلِ الْمُجَوِّزِينَ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْجَوَازَ (الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ) وَهِيَ لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ (بِخِلَافِ تَحْرِيمِكُمْ) التَّقْلِيدَ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ (فَهُوَ الْمُفْتَقِرُ) إلَى الدَّلِيلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فَلَا يَثْبُتُ غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْإِبَاحَةَ الْأَصْلِيَّةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ فِي النَّسْخِ. (وَأَمَّا) الدَّفْعُ مِنْ الْأَكْثَرِ (بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ أَصْلٌ، وَالتَّقْلِيدَ بَدَلٌ) عَنْهُ (فَيَتَوَقَّفُ) التَّقْلِيدُ (عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادُ إذْ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِالْبَدَلِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْمُبْدَلِ كَالْوُضُوءِ، وَالتَّيَمُّمِ (فَمُنِعَ بَلْ كُلٌّ) مِنْهُمَا (أَصْلٌ) بِمَعْنَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا كَمَا فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَغَسْلِ الرِّجْلِ (فَإِنْ تَمَّ إثْبَاتُ الْبَدَلِيَّةِ) لِلتَّقْلِيدِ عَنْ الِاجْتِهَادِ (بِعُمُومِ) قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] {يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالِاجْتِهَادِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعَامِّيِّ، وَالْمُجْتَهِدِ إلَّا أَنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِّيِّ لِعَجْزِهِ عَنْهُ فَيَبْقَى مَعْمُولًا بِهِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ (تَمَّ) الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَتِمَّ إثْبَاتُ الْبَدَلِيَّةِ بِهَذَا (لَا) يَتِمُّ الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى ثُبُوتِ الْبَدَلِيَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الثُّبُوتِ (وَاسْتُدِلَّ) لِلْأَكْثَرِ (لَا يَجُوزُ) التَّقْلِيدُ (بَعْدَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (فَكَذَا) لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ (قَبْلَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (لِوُجُودِ الْجَامِعِ) فِي الْمَنْعِ بَيْنَهُمَا (وَهُوَ) أَيْ الْجَامِعُ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُقَلِّدِ (مُجْتَهِدًا أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمُوجِبَ (فِي الْأَصْلِ) أَيْ الْعِلَّةِ بِالِاجْتِهَادِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ (إعْمَالُ الْأَرْجَحِ، وَهُوَ ظَنُّ نَفْسِهِ) بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّهُ أَقْوَى مِنْ ظَنِّهِ بِفَتْوَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ صَادِقًا فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ اجْتِهَادِهِ، وَالْمُجْتَهِدُ لَا يُكَابِرُ نَفْسَهُ فِيمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَهَذَا مَقْصُودٌ فِي الْفَرْعِ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِالِاجْتِهَادِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ لَا كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا فَلَمْ يُوجَدْ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا. وَاحْتَجَّ (الشَّافِعِيُّ) بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» ، فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُجْتَهِدِ بِهِمْ لَا يَكُونُ مَمْنُوعًا إذْ لَا يُمْنَعُ الشَّخْصُ مِنْ الِاهْتِدَاءِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَبْعُدُ) الِاحْتِجَاجُ بِهِ (مِنْهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا (لَمْ يَثْبُتْ) عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ فِي الْإِجْمَاعِ (وَلَوْ ثَبَتَ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ) فِي ذَيْلِ مَسْأَلَةِ الْحُكْمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ حَيْثُ قَالَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ هَدْيٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَنَاوَلَهُ (قُلْت) : لَكِنْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ مَنْعَ الْمُجْتَهِدِ الْغَيْرِ الصَّحَابِيِّ مِنْ تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ بَلْ هَذَا الْجَوَابُ يُقَرِّرُ جَوَازَ تَقْلِيدِ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءً كَانَ غَيْرَ مُجْتَهِدٍ، أَوْ مُجْتَهِدًا قَبْلَ اجْتِهَادِهِ، أَوْ بَعْدَهُ لِلصَّحَابِيِّ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا، أَوْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عُمُومِ «بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» لَكِنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ إذْ لَا تَقْلِيدَ لَهُ بَعْدَهُ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ إذْ لَا تَقْلِيدَ إلَّا لِمُجْتَهِدٍ فَيَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا عَدَا هَذَيْنِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِمَنْعِ تَقْلِيدِ مُجْتَهِدٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ لِمُجْتَهِدٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ مِنْ الْمَطْلُوبِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ مُثْبِتًا لِجُزْءِ الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ جَوَازُ تَقْلِيدِ مُجْتَهِدٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ قَبْلَ اجْتِهَادِهِ لِمُجْتَهِدٍ صَحَابِيٍّ إذْ الْمَطْلُوبُ جَوَازُ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ قَبْلَ اجْتِهَادِهِ لِمُجْتَهِدٍ آخَرَ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (الْمُجَوِّزُ) لِلتَّقْلِيدِ مُطْلَقًا قَالَ هُوَ وَمُوَافِقُوهُ أَوَّلًا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِسُؤَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا لَا يَعْلَمُ فَقَالَ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43] أَيْ الْعِلْمِ بِدَلِيلِ {إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] فَيُفِيدُ وُجُوبَ سُؤَالِ الْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا لَا يَعْلَمُ وَأَدْنَى دَرَجَاتِهِ جَوَازُ اتِّبَاعِ الْمَسْئُولِ فِيمَا أَجَابَ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِلسُّؤَالِ فَائِدَةٌ وَلَا مَعْنَى لِجَوَازِ تَقْلِيدِهِ إلَّا الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّائِلِ مَنْ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا أَصْلًا بَلْ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ. (وَقِيلَ الِاجْتِهَادُ لَا يَعْلَمُ) الْمُجْتَهِدُ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ فَشَمِلَهُ طَلَبُ سُؤَالِ أَهْلِ الذِّكْرِ فَشَمِلَهُ أَيْضًا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ سُؤَالُ غَيْرِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعِلْمِ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اجْتِهَادِهِ أَيْضًا فَكَانَ مَعَ مُجْتَهِدٍ غَيْرِهِ كَمُجْتَهِدَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِّيِّ

مسألة واقعة اجتهد المجتهد فيها وأدى اجتهاده إلى حكم معين لها ثم تكررت الواقعة

فَيَسُوغُ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى كُلٍّ مِنْ اجْتِهَادِهِ وَاجْتِهَادِ غَيْرِهِ كَمَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ الرُّجُوعُ إلَى كُلٍّ مِنْ اجْتِهَادَيْ مُجْتَهِدَيْنِ (أُجِيبَ بِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُقَلِّدِينَ إذْ الْمَعْنَى لِيَسْأَلْ أَهْلَ الْعِلْمِ مَنْ لَيْسَ أَهْلَهُ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْلٌ) لِلْعِلْمِ (وَأَهْلُ الْعِلْمِ مَنْ لَهُ الْمَلَكَةُ) أَيْ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ بِأَهْلِيَّتِهِ فِيمَا يُسْأَلُ عَنْهُ (لَا بِقَيْدِ خُرُوجِ الْمُمْكِنِ عَنْهُ) مِنْ الِاقْتِدَارِ (إلَى الْفِعْلِ) ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الشَّيْءِ مَنْ هُوَ مُتَأَهِّلٌ لَهُ وَمُسْتَعِدٌّ لَهُ اسْتِعْدَادًا قَرِيبًا لَا مَنْ حَصَلَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لَهُ فَيَخْتَصُّ بِالْمُقَلِّدِ (قَالُوا) ثَانِيًا (الْمُعْتَبَرُ الظَّنُّ) ، فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ بِاجْتِهَادِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ الظَّنُّ (حَاصِلٌ بِفَتْوَى غَيْرِهِ) فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ. (أُجِيبَ بِأَنَّ ظَنَّهُ اجْتِهَادَهُ) بِنَصَبِ الدَّالِ إمَّا بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِاجْتِهَادِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ ظَنِّهِ (أَقْوَى) مِنْ ظَنِّهِ بِفَتْوَى غَيْرِهِ (فَيَجِبُ الرَّاجِحُ، فَإِنْ قِيلَ ثَبَتَ) فِي الْفُرُوعِ (عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ يَقْضِي بِغَيْرِ رَأْيِهِ ذَاكِرًا لَهُ) أَيْ لِرَأْيِهِ (نَفَذَ) قَضَاؤُهُ (خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ فَيَبْطُلُ) بِهَذَا الثَّابِتُ عَنْهُ (نَقْلُ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْمَنْعِ) مِنْ التَّقْلِيدِ (بَعْدَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (إذْ لَيْسَ التَّقْلِيدُ إلَّا الْعَمَلُ، أَوْ الْفَتْوَى بِقَوْلِ غَيْرِهِ) ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا مِنْ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّهُ (وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَنْهُ يَنْفُذُ وَجَعَلَهَا فِي الْخَانِيَّةِ أَظْهَرَ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ رَأْيَهُ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَرَأْيُ غَيْرِهِ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ خَطَأَهُ فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَطَأً بِيَقِينٍ فَكَانَ حَاصِلُهُ قَضَاءً فِي مَحِلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَعَنْهُ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِهِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ غَيْرُ حَقٍّ عَبَثٌ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَوَقَعَ تَحَرِّيهِ إلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إلَى غَيْرِهَا لَا يَصِحُّ لِاعْتِقَادِهِ خَطَأَ نَفْسِهِ وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيُّ (فَقَدْ صَحَّحَ أَنَّهُ) أَيْ نَفَاذَ الْقَضَاءِ (مَذْهَبُهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ. (قُلْنَا: النَّفَاذُ بِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ لَا يُوجِبُ حِلَّهُ) أَيْ الْفِعْلِ (نَعَمْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ) ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ (أَنَّهُ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فِي النَّفَاذِ وَفِي بَعْضِهَا) ذَكَرَ الْخِلَافَ (فِي الْحِلِّ) أَيْ حِلِّ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ (لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنَّ الْمُعَوَّلَ الْحِلُّ بَلْ يَجِبُ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ النَّفْيِ) لِلْحِلِّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي وَجْهِهَا وَلِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى ظَنِّهِ إجْمَاعًا وَهَذَا خِلَافُ مُقْتَضَى ظَنِّهِ، وَعَمَلُهُ هُنَا لَيْسَ إلَّا قَضَاءَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ نَصَّ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُحِيطِ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ النَّفَاذِ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَالْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ: (وَصَرَّحَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عَدَمُ تَقْلِيدِ التَّابِعِيِّ، وَإِنْ رُوِيَ خِلَافُهُ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قُبَيْلَ فَصْلِ التَّعَارُضِ فَكَوْنُ عَدَمِ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَوْلَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ وَاقِعَةٌ اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لَهَا ثُمَّ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ] (مَسْأَلَةٌ: إذَا) وَقَعَتْ وَاقِعَةٌ فَاجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لَهَا ثُمَّ (تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ) هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَكْرِيرُ النَّظَرِ وَتَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ فِيهَا أَمْ يَكْفِي الِاجْتِهَادُ الْأَوَّلُ (قِيلَ) ، وَالْقَائِلُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ السَّاعَاتِيِّ (الْمُخْتَارُ لَا يَلْزَمُهُ تَكْرِيرُ النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ إلْزَامَهُ بِهِ (إيجَابٌ بِلَا مُوجِبٍ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ) تَكْرِيرُ النَّظَرِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ: وَإِلَّا يَكُونُ مُقَلِّدًا لِنَفْسِهِ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى، وَقَالَ: وَكَالْقِبْلَةِ يُجْتَهَدُ لَهَا ثَانِيًا وَفِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ وَقِيلَ: (لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ كَثِيرًا مَا يَتَغَيَّرُ) فَيَرْجِعُ صَاحِبُهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ كَمَا رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ إلَى الْجَدِيدِ (وَلَيْسَ) تَغَيُّرُهُ (إلَّا بِتَكْرِيرِهِ) أَيْ النَّظَرِ (فَالِاحْتِيَاطُ ذَلِكَ) أَيْ تَكْرِيرُهُ، فَإِنْ تَغَيَّرَ أَفْتَى بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ثَانِيًا، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ اسْتَمَرَّ ظَنُّهُ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ وَأَفْتَى بِهِ (أُجِيبَ فَيَجِبُ تَكْرَارُهُ) أَيْ النَّظَرِ (أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الِاجْتِهَادَ (يَحْتَمِلُ ذَلِكَ) أَيْ التَّغَيُّرَ (فِي كُلِّ وَقْتٍ يَمْضِي بَعْدَ الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ) ، وَالْوُجُوبُ الْأَبَدِيُّ لَهُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهَذَا) اللَّازِمُ (لَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الِاجْتِهَادِ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ الْحَادِثَةِ بِشَرْطِهِ) أَيْ وُجُوبِهِ (فَقَدْ أَخَذَ السَّبَبُ حُكْمَهُ) بِالِاجْتِهَادِ

مسألة لا يصح في مسألة لمجتهد بل لعاقل في وقت واحد قولان

الْأَوَّلِ عِنْدَهَا (وَاحْتِمَالُ الْخَطَإِ فِيهِ لَمْ يَقْدَحْ) فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ (فَلَا يَجِبُ) الِاجْتِهَادُ (الْآخَرُ إلَّا بِمِثْلِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ مِنْ وُجُودِ السَّبَبِ، وَالشَّرْطِ بَقِيَ الشَّأْنُ فِي أَنَّ تَكْرَارَهَا هَلْ هُوَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلنَّظَرِ ثَانِيًا فِيهَا مُسْتَجْمِعٌ لِشَرْطِ وُجُوبِهِ لَمْ يُفْصِحْ الْمُصَنِّفُ بِهِ وَقَالَ الْآمِدِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِاجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ فَيَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا لُزُومُ التَّجْدِيدِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِدَلِيلِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ مَا قَدْ يُوجِبُ رُجُوعَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَطْعًا، وَإِنْ تَجَدَّدَ مَا قَدْ يُوجِبُ الرُّجُوعَ لَزِمَهُ قَطْعًا انْتَهَى. (قُلْت) : وَسَبَقَهُ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا وَلَمْ يَتَجَدَّدْ مَا قَدْ يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَمَّا ظَهَرَ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ وَحَذَفَهُ لِقَرِينَةٍ مُقَابِلَةٍ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ تَجَدَّدَ مَا قَدْ يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَنْهُ لَزِمَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ، أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ فِي لُزُومِهِ مَعَ ذِكْرِ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا نَظَرٌ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ مُتَأَخِّرٌ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَاجِحًا عَلَى مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ عُمِلَ بِالْأَوَّلِ وَلَا يُعَدُّ الِاجْتِهَادُ وَإِلَّا أَعَادَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لَهُ، فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ يَكُونُ أَخْذًا بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ إذْ لَا ثِقَةَ بِبَقَاءِ الظَّنِّ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَأَمُّلٍ، وَمِنْ ثَمَّةَ حُكِيَ فِيهِ قَوْلٌ بِالْمَنْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّنَّ السَّابِقَ قَوِيٌّ فَيُعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رُجْحَانِ غَيْرِهِ وَقَالَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ اجْتَهَدَ لِنَازِلَةٍ فَحَكَمَ، أَوْ لَمْ يَحْكُمْ ثُمَّ حَدَثَتْ ثَانِيًا فِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ إذَا كَانَ الزَّمَانُ قَرِيبًا لَا يَخْتَلِفُ فِي مِثْلِهِ الِاجْتِهَادُ لَا يَسْتَأْنِفُهُ، وَإِنْ تَطَاوَلَ اسْتَأْنَفَ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا فِي الْعَامِّيِّ يَسْتَفْتِي الْمُجْتَهِدَ فِي وَاقِعَةٍ ثُمَّ تَقَعُ لَهُ ثَانِيًا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَفْتَاهُ عَنْ نَصِّ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ، أَوْ كَانَ قَدْ يَتَحَرَّى فِي مَذْهَبٍ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَلَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَأَفْتَاهُ عَنْ نَصِّ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْفَتْوَى الْأُولَى، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَفْتَاهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ ثَانِيًا لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا عِنْدِي إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ مِنْ الْفَتْوَى الْأُولَى يَجُوزُ تَغَيُّرُ الِاجْتِهَادِ فِيهَا غَالِبًا، فَإِنْ قَرُبَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِفْتَاءُ ثَانِيًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَحِلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَكْثُرْ وُقُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ كَثُرَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْعَامِّيِّ تَجْدِيدُ السُّؤَالِ قَطْعًا وَخَصَّ ابْنُ الصَّلَاحِ الْخِلَافَ بِمَا إذَا قَلَّدَ حَيًّا وَقَطَعَ فِيمَا إذَا كَانَ خَبَرًا عَنْ مَيِّتٍ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِّيَّ تَجْدِيدُ السُّؤَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّافِعِيِّ وَأَفَادَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ مُخَالَفَةِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا بِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: (لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ) بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (قَوْلَانِ) مُتَنَاقِضَانِ (لِلتَّنَاقُضِ، فَإِنْ عُرِفَ الْمُتَأَخِّرُ) مِنْهُمَا (تَعَيَّنَ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (رُجُوعًا) عَنْ الْأَوَّلِ إلَيْهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْمُتَأَخِّرُ (وَجَبَ تَرْجِيحُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ لِأَحَدِهِمَا (بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ) كَمَا فِي تَعَارُضِ الْقِيَاسَيْنِ (وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يُخَيَّرُ مُتَّبِعُهُ الْمُقَلِّدُ فِي الْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ كَذَا فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجْتَهِدِ) الْمَذْكُورِ الْمُجْتَهِدُ (فِي الْمَذْهَبِ وَإِلَّا فَتَرْجِيحُ) الْمُجْتَهِدِ (الْمُطْلَقِ بِشَهَادَتِهِ) أَيْ قَلْبِهِ (فِيمَا عَنَّ) أَيْ ظَهَرَ (لَهُ) نَفْسُهُ (وَالتَّرْجِيحُ هُنَا) لِأَحَدِهِمَا إنَّمَا هُوَ (عَلَى أَنَّهُ الْمُعَوَّلُ) عَلَيْهِ (لِصَاحِبِهِمَا) أَيْ الْقَوْلَيْنِ (وَقَوْلُ الْبَعْضِ) مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (يُخَيَّرُ الْمُتَّبِعُ فِي الْعَمَلِ) بِأَيِّهِمَا شَاءَ (لَيْسَ خِلَافًا) لِمَا قَبْلَهُ (بَلْ) هُوَ (مَحِلٌّ آخَرُ ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ لَا التَّرْجِيحِ) لِأَحَدِهِمَا فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (وَفِي بَعْضِهَا) أَيْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ (إنْ لَمْ يُعْرَفْ تَارِيخٌ) لِلْقَوْلَيْنِ (فَإِنْ نُقِلَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (مَا يُقَوِّيهِ فَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمُقَوَّى هُوَ (الصَّحِيحُ عِنْدَهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ مَا يُقَوِّي أَحَدَهُمَا (إنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ (مُتَّبِعٌ بَلَغَ الِاجْتِهَادَ) فِي الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ (رَجَّحَ بِمَا مَرَّ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ إنْ وَجَدَ وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَجِدْ (يَعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ، وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا اتَّبَعَ فَتْوَى الْمُفْتِي فِيهِ الْأَتْقَى الْأَعْلَمِ بِالتَّسَامُعِ، وَإِنْ) كَانَ (مُتَفَقِّهًا

تَبِعَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَمِلَ بِمَا هُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ عِنْدَهُ) . وَمُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ أَنَّهُ إنْ نُقِلَ عَنْ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ مُتَنَافِيَانِ فَلَهُ حَالَانِ الْحَالَةُ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ كَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَا مُرَادَيْنِ لَهُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ، فَإِنْ ذَكَرَ عَقِبَ أَحَدِهِمَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْوِيَتِهِ كَهَذَا أَشْبَهُ، أَوْ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ فَهُوَ مَذْهَبُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ وَحِينَئِذٍ فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلَيْنِ احْتِمَالَهُمَا لِوُجُودِ دَلِيلِينَ مُتَسَاوِيَيْنِ، أَوْ مَذْهَبُهُمْ لِمُجْتَهِدَيْنِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعَيْنِ بِأَنْ يَنُصَّ فِي كِتَابٍ عَلَى إبَاحَةِ شَيْءٍ وَفِي آخَرَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَإِنْ عُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ فَهُوَ مَذْهَبُهُ وَيَكُونُ الْأَوَّلُ مَنْسُوخًا، وَإِلَّا حُكِيَ عَنْهُ الْقَوْلَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالرُّجُوعِ. (وَإِذْ نُقِلَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِيهَا قَوْلَانِ) كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، أَوْ فِي بِضْعَ عَشَرَةَ سِتَّ عَشَرَةَ، أَوْ سَبْعَ عَشَرَةَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَوْ فِي سِتَّ عَشَرَةَ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، أَوْ فِيمَا لَا يَبْلُغُ عَشْرًا كَمَا نَقَلَهُ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ (حُمِلَ عَلَى أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَيْنِ) فِيهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِذَا، وَبَعْضُهُمْ بِذَا فَيُحْكَى قَوْلُهُمْ وَفَائِدَتُهُ أَنْ لَا يَتَوَهَّمَ مِنْ أَرَادَ مِنْ الْمُجْتَهِدَيْنِ الذَّهَابَ إلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَقِيلَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا سِوَاهُمَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ فَيَطْلُبُ تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا (أَوْ يَحْتَمِلُهُمَا) لِوُجُودِ تَعَادُلِ الدَّلِيلَيْنِ عِنْدَهُ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ وَقِيلَ: يَجِبُ اعْتِقَادُ نِسْبَةِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ، وَرُجُوعُهُ عَنْ الْآخَرِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ دُونَ نِسْبَتِهِمَا جَمِيعًا وَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِمَا حِينَئِذٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَالنَّصَّيْنِ إذَا عَلِمْنَا نَسْخَ أَحَدِهِمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْآمِدِيِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ عَمَلِ الْفُقَهَاءِ (أَوْلَى فِيهَا) قَوْلَانِ (عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّخْيِيرِ عِنْدَ التَّعَادُلِ) بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ وَتَعَقَّبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ تَصْوِيبُ الْمُجْتَهِدَيْنِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ مِنْهُ بِالتَّخْيِيرِ وَأَيْضًا فَيَكُونُ الْقَوْلَانِ بِتَحْرِيمٍ وَإِبَاحَةٍ وَيَسْتَحِيلُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا (أَوْ تَقَدَّمَا) أَيْ الْقَوْلَانِ (لِي) فَيَحْكِي قَوْلَيْهِ الْمُرَتَّبِينَ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ حَيْثُ نَصَّ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ مَذْهَبٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا لِيَتَرَوَّى فِيهِمَا وَعَدَمُ اخْتِيَارِهِ لِأَحَدِهِمَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ خَطَأً مِنْهُ بَلْ يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّ رُتْبَةِ الرَّجُلِ وَتَوَسُّعِهِ فِي الْعِلْمِ وَعِلْمِهِ بِطَرِيقِ الْأَشْبَاهِ، فَإِنْ قِيلَ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِكُمْ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ إذْ لَيْسَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ وَلَا قَوْلَانِ عَلَى هَذَا قُلْنَا: هَكَذَا نَقُولُ وَلَا نَتَحَاشَا مِنْهُ، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْإِضَافَةِ إلَى الشَّافِعِيِّ ذِكْرُهُ لَهُمَا وَاسْتِقْصَاؤُهُ وُجُوهَ الْأَشْبَاهِ فِيهِمَا وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) ، وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْقَوْلَيْنِ لِلْقَطْعِ فِيهِمَا بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ لَا النَّاقِلِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الرِّوَايَتَيْنِ بِالْعَكْسِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلِيغِيُّ فِي الْغُرَرِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا الْغَلَطُ فِي السَّمَاعِ كَانَ يُجِيبُ بِحَرْفِ النَّفْيِ إذَا سُئِلَ عَنْ حَادِثَةٍ وَيَقُولُ: لَا يَجُوزُ فَيَشْتَبِهُ عَلَى الرَّاوِي فَيَنْقُلُ مَا سَمِعَ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلٌ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ وَيَعْلَمُ بَعْضُ مَنْ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ رُجُوعَهُ فَيَرْوِي الثَّانِيَ، وَالْآخَرُ لَمْ يَعْلَمْهُ فَيَرْوِي الْأَوَّلَ. (قُلْت) : وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ قَالَ الثَّانِي عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَيَسْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فَيَنْقُلُ كَمَا سَمِعَ (قُلْت) وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ تَعْيِينَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِيَ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ غَالِبًا هُوَ الْأَوَّلَ غَالِبًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِي مَسَائِلَ فَالْقِيَاسُ بِمَنْزِلَةِ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ، وَالِاسْتِحْسَانُ بِمَنْزِلَةِ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ، وَالْمَرْجُوعُ عَنْهُ قَبْلَ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ قَالَ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ، وَالْآخَرُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَيَسْمَعُ كُلٌّ كُلًّا فَيَنْقُلُهُ، ثُمَّ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا يَتَأَتَّى فِيهِ كِلَاهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي إحْدَاهُمَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ هِيَ مَاشِيَةٌ

مسألة لا ينقض حكم اجتهادي

عَلَى إحْدَاهُمَا، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، وَمِنْ جِهَةِ الْبَرَاءَةِ وَالِاحْتِيَاطِ فَيَنْقُلُ كَمَا سَمِعَ. (قُلْت) : ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا فِيهِ رِوَايَتَانِ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَارِدِ لَا أَنَّ كُلًّا مِمَّا فِيهِ ذَلِكَ يَتَخَرَّجُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِعَدَمِ اطِّرَادِ كُلِّ مَا فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ رِوَايَتَانِ صَالِحٌ لِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ] (مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ) أَيْ مَا كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ دَلِيلُهُ ظَنِّيٌّ فَخَرَجَ الْعَقْلِيُّ، وَاللُّغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَمَا دَلِيلُهُ قَطْعِيٌّ (صَحِيحٌ) فَخَرَجَ غَيْرُهُ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّ الْوَجْهَ إسْقَاطٌ (إذَا لَمْ يُخَالِفْ مَا ذَكَرَ) أَيْ الْكِتَابَ، وَالسُّنَّةَ، وَالْإِجْمَاعَ، وَالْقِيَاسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِقَطْعِيٍّ مِنْهَا وَيُنْقَضُ إذَا خَالَفَ قَطْعِيًّا مِنْهَا اتِّفَاقًا، وَلَا يُنْقَضُ لِمُخَالَفَتِهِ لِظَنِّيٍّ مِنْهَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرُّتْبَةِ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُكْمَ نَفْسِهِ بِأَنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، أَوْ حُكْمَ غَيْرِهِ بِأَنْ خَالَفَ اجْتِهَادَهُ صَحَّ اجْتِهَادُهُ اتِّفَاقًا (وَإِلَّا) لَوْ نُقِضَ بِخِلَافِهِ (نُقِضَ) ذَلِكَ (النَّقْضُ) بِخِلَافِهِ أَيْضًا (وَتَسَلْسَلَ) إذْ يَجُوزُ نَقْضُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ النَّقْضُ، وَهَكَذَا لَا إلَى نِهَايَةٍ (فَيَفُوتُ نَصْبُ الْحَاكِمِ مِنْ قَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ) لِاضْطِرَابِ الْأَحْكَامِ وَعَدَمِ الْوُثُوقِ بِهَا ثُمَّ كَذَا حَكَى الِاتِّفَاقَ الْمَذْكُورَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَلَا يَتِمُّ حِينَئِذٍ تَجْوِيزُ ابْنِ الْقَاسِمِ نَقْضَ مَا بَانَ أَنَّ غَيْرَهُ صَوَابٌ (وَفِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ حَكَمَ) حَاكِمٌ مُجْتَهِدٌ (بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ، وَإِنْ) كَانَ الْحَاكِمُ الْمُجْتَهِدُ (مُقَلِّدًا فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ مُجْتَهِدًا آخَرَ (كَانَ) ذَلِكَ الْحُكْمُ (بَاطِلًا اتِّفَاقًا وَعُلِّلَ) كَمَا فِي شَرْحِ الْعَضُدِ (بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِظَنِّهِ وَعَدَمُ جَوَازِ تَقْلِيدِهِ) مَعَ اجْتِهَادِهِ (إجْمَاعًا إنَّمَا الْخِلَافُ) فِي جَوَازِ تَقْلِيدِهِ لِمُجْتَهِدٍ آخَرَ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ اجْتِهَادِهِ (عَلَى مَا مَرَّ) فِيمَا قِيلَ قَبْلَهَا (وَأَنْتَ عَلِمْت قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَفَاذِ قَضَائِهِ عَلَى خِلَافِ اجْتِهَادِهِ فَبَطَلَ) اتِّفَاقُ (عَدَمِ نَفَاذِهِ وَأَنَّ فِي التَّقْلِيدِ) لِغَيْرِهِ (بَعْدَ الِاجْتِهَادِ) مِنْهُ (رِوَايَتَيْنِ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا (ثُمَّ عَدَمُ حِلِّ التَّقْلِيدِ) عَلَى مَا قِيلَ: إنَّ الْخِلَافَ فِيهِ (لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ النَّفَاذِ لَوْ اُرْتُكِبَ) التَّقْلِيدُ (فَكَمْ تَصَرُّفٍ لَا يَحِلُّ يُبْتَنَى عَلَيْهِ صِحَّةُ وَنَفَاذُ الْآخَرِ) كَعِتْقِ الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا (وَلِلشَّافِعِيَّةِ) فَرْعٌ لَوْ تَزَوَّجَ (مُجْتَهِدٌ) امْرَأَةً (بِلَا وَلِيٍّ) بِنَاءً عَلَى جَوَازِهِ فِي اجْتِهَادِهِ (فَتَغَيَّرَ) اجْتِهَادُهُ بِأَنْ رَآهُ غَيْرَ جَائِزٍ (فَالْمُخْتَارُ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا) أَيْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالتَّحْرِيمِ أَمْ لَا (لِأَنَّهُ مُسْتَدِيمٌ لِمَا يَعْتَقِدُهُ حَرَامًا) ، وَهُوَ بَاطِلٌ. (وَقِيلَ) يَحْرُمُ (بِقَيْدِ أَنْ لَا يَحْكُمَ بِهِ) أَيْ بِالْجَوَازِ، فَإِنْ حَكَمَ بِهِ لَا يَحْرُمُ (وَإِلَّا) لَوْ حُرِّمَ بَعْدَ حُكْمِ حَاكِمٍ بِجَوَازِهِ (نُقِضَ الْحُكْمُ) الْجَوَازُ (بِالِاجْتِهَادِ) الْمُؤَدِّي إلَى التَّحْرِيمِ، وَالْحُكْمُ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ (وَلَوْلَا مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ) مَا سَيَأْتِي (لِحُكْمٍ بِأَنَّ) هَذَا (الْخِلَافَ خَطَأٌ وَأَنَّ الْقَيْدَ) أَيْ عَدَمَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْجَوَازِ (مُرَادُ الْمُطْلِقِ) لِلتَّحْرِيمِ (إذْ لَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ فِي) الْمَسْأَلَتَيْنِ (السَّابِقَتَيْنِ) فِي مَسْأَلَةِ الْجُبَّائِيِّ وَنُسِبَ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ لَا حُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ إلَخْ يَعْنِي فِي لُزُومِ حِلِّ (الْمُجْتَهِدَةِ) الْحَنَفِيَّةِ (زَوْجَةِ الْمُجْتَهِدِ) الشَّافِعِيِّ لَهُ وَحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ رَاجَعَهَا (وَحِلُّهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا مُجْتَهِدٌ بِلَا وَلِيٍّ ثُمَّ مُجْتَهِدٌ بِوَلِيٍّ (لِلِاثْنَيْنِ) أَيْ الْمُجْتَهِدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَرْفَعُ حُكْمَ الْخِلَافِ لَكِنْ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ (فِي مُجْتَهِدٍ طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ وَنَوَى وَاحِدَةً فَقَضَى) عَلَيْهِ (بِثَلَاثٍ) بِهَا (إنْ كَانَ) الْمُجْتَهِدُ (مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لَزِمَ) أَيْ وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ (أَوْ) كَانَ مَقْضِيًّا (لَهُ أَخَذَ بِأَشَدِّ الْأَمْرَيْنِ فَلَوْ قَضَى بِالرَّجْعَةِ) لَهُ (وَمُعْتَقَدُهُ الْبَيْنُونَةُ يُؤْخَذُ بِهَا) أَيْ بِالْبَيْنُونَةِ (فَلَمْ يُرْفَعْ حُكْمُ رَأْيِهِ بِالْقَضَاءِ مُطْلَقًا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ) ، فَإِنَّهُ قَالَ يُرْفَعُ مُطْلَقًا (وَلَوْ أَنَّ الْمُتَزَوِّجَ مُقَلِّدٌ ثُمَّ عَلِمَ تَغَيُّرَ اجْتِهَادِ إمَامِهِ فَالْمُخْتَارُ كَذَلِكَ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَإِمَامِهِ (وَلَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ عَمِلَ فِي الْبَاقِي) مِنْ صَلَاتِهِ (بِهِ) أَيْ بِاجْتِهَادِهِ الثَّانِي (وَالْأَصْلُ أَنَّ تَغَيُّرَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (كَحُدُوثِ النَّاسِخِ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْمَاضِي عَلَى الصِّحَّةِ) ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ التَّغْيِيرِ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالْمُعَامَلَةِ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّهُ شَبَهُ النَّاسِخِ وَابْتَنَى عَلَيْهِ فِي الْعِبَادَةِ الصِّحَّةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَفِي الْمُعَامَلَةِ فَسَادُهُ ذَكَرَهُ

مسألة تعرف بمسألة التعريض في أصول الشافعية

الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. [مَسْأَلَةٌ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ التَّعْرِيضِ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ] (مَسْأَلَةٌ) تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ التَّعْرِيضِ (فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ الْمُخْتَارُ جَوَازُ أَنْ يُقَالَ لِلْمُجْتَهِدِ: اُحْكُمْ بِمَا شِئْت بِلَا اجْتِهَادٍ، فَإِنَّهُ صَوَابٌ) أَيْ مُوَافِقٌ لِحُكْمِي بِأَنْ يُلْهِمَهُ إيَّاهُ وَيَكُونَ حُكْمُهُ إذْ ذَاكَ مِنْ الْمَدَارِكِ الشَّرْعِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ قَوْلُهُ: هَذَا حَلَالٌ تَعْرِيفًا لَنَا بِأَنَّ اللَّهَ حَكَمَ فِي الْأَزَلِ بِحِلِّهِ لَا أَنَّهُ يُنْشِئُ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُجْتَهِدِ مُوَافِقٌ لِلْآمِدِيِّ وَاِبْنِ الْحَاجِبِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْعَالِمِ، وَالنَّبِيِّ كَالْبَيْضَاوِيِّ وَالسُّبْكِيِّ، فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ، وَإِنْ عَمَّ النَّبِيَّ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْعَالِمِ ثُمَّ عَلَى كُلٍّ يَخْرُجُ الْعَامِّيُّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْآمِدِيُّ جَوَازَهُ عَقْلًا فِي حَقِّهِ أَيْضًا وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ قِيلَ لِلْإِجْمَاعِ وَقِيلَ لِفَضْلِ الْمُجْتَهِدِ وَإِكْرَامِهِ وَرُدَّ بِاسْتِوَاءِ الْعَامِّيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا فِي الصَّوَابِ لِفَرْضِ أَنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ صَوَابٌ وَطَرِيقُ وُصُولِهِ إلَى غَيْرِ النَّبِيِّ إخْبَارُ النَّبِيِّ بِهِ وَقُيِّدَ بِلَا اجْتِهَادٍ؛ لِأَنَّهُ بِالِاجْتِهَادِ جَائِزٌ لِلْعُلَمَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَلِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا فِيهِ مِنْ خِلَافٍ كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ) فِي الْجَوَازِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَالرَّازِيُّ. قِيلَ وَهُوَ فِي الرِّسَالَةِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ لِلنَّبِيِّ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ رُتْبَتَهُ لَا تَبْلُغُ أَنْ يُقَالَ لَهُ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيْ الْجُبَّائِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَذَكَرَ أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ: لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ إلَّا بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ (ثُمَّ الْمُخْتَارُ) عِنْدَ الْمُجِيزِينَ كَالْآمِدِيِّ وَاِبْنِ الْحَاجِبِ (عَدَمُ الْوُقُوعِ وَاسْتَدَلُّوا لِلتَّرَدُّدِ بِتَأْدِيَتِهِ) أَيْ الْجَوَازِ (إلَى اخْتِيَارِ مَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ) لِجَهْلِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ بِوُجُوهِ الْمَصَالِحِ (فَيَكُونُ بَاطِلًا) ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) الدَّلِيلُ (يَصْلُحُ لِلنَّفْيِ) أَيْ نَفْيِ الْجَوَازِ (لَا لِلتَّرَدُّدِ الْمَفْهُومِ مِنْهُ الْوَقْفُ ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ كَيْفَ يَتَرَدَّدُ فِي الْجَوَازِ (وَالْفَرْضُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى مَا تَحْكُمُ بِهِ صَوَابٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْعَقْلِ) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ (وَالْأَلْيَقُ أَنَّ تَرَدُّدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (فِي الْوُقُوعِ) مَعَ الْجَزْمِ بِالْجَوَازِ (كَمَا نُقِلَ عَنْهُ) وَفِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ نَقْلًا (الْوُقُوعُ) دَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] ، فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَحْرِيمُ يَعْقُوبَ مَا حَرَّمَ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا بِتَفْوِيضِ التَّحْرِيمِ إلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ الْمُحَرِّمُ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى (أُجِيبَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ) أَيْ مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ (عَنْ تَفْوِيضٍ) إلَيْهِ فِيهِ (لِجَوَازِهِ) أَيْ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ (عَنْ اجْتِهَادٍ فِي ظَنِّيٍّ) وَإِسْنَادُ التَّحْرِيمِ إلَيْهِ مَجَازٌ كَمَا فِي نَحْوِ حَرَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ كَذَا وَأَبَاحَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالتَّفْوِيضُ لَا يَقْتَضِي إسْنَادَ الْحُكْمِ إلَى الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِعْلُهُ عَلَامَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَكَلَامُنَا فِي تَفْوِيضِ الْحُكْمِ إلَى الْمُجْتَهِدِ اخْتِيَارًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي مُسْتَنَدَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ لَا اجْتِهَادًا. (وَقَدْ يُقَالُ: لَوْ) كَانَ تَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ اجْتِهَادٍ ظَنِّيٍّ (لَمْ يَكُنْ كُلُّهُ) أَيْ الطَّعَامُ (حِلًّا) لِبَنِي إسْرَائِيلَ (قَبْلَهُ) أَيْ إنْزَالِ التَّوْرَاةِ (لِأَنَّ الدَّلِيلَ يُظْهِرُ الْحُكْمَ لَا يُنْشِئُهُ لِقِدَمِهِ) أَيْ الْحُكْمِ فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ (قَالَ) الْقَائِلُ بِالْوُقُوعِ أَيْضًا (قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) : «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُعَرِّفٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَقَالَ إلَّا الْإِذْخِرَ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ أَيْ لَا يُقْطَعُ نَبَاتُهَا الرَّطْبُ وَلَا شَجَرُهَا، وَالْإِذْخِرُ بِالذَّالِ، وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَالْخَاءِ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ مَعْرُوفٌ (وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا يَكُونُ عَنْ وَحْيٍ لِزِيَادَةِ السُّرْعَةِ) فِي الْجَوَابِ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ عَلَامَاتِ نُزُولِهِ (وَلَا اجْتِهَادٍ) لِذَلِكَ أَيْضًا (أُجِيبَ بِأَحَدِ أُمُورٍ: كَوْنُ الْإِذْخِرِ لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخَلَا أَيْ لَا يَصْلُحُ لَفْظُ الْخَلَا لَهُ لِيَتَنَاوَلَهُ الْحُكْمُ، وَالدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى إبَاحَتِهِ اسْتِصْحَابُ حَالِ الْحِلِّ (وَاسْتِثْنَاءُ الْعَبَّاسِ مُنْقَطِعٌ) ، وَهُوَ شَائِعٌ سَائِغٌ، وَلَوْ مَجَازًا. (وَفَائِدَتُهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا (دَفْعُ تَوَهُّمِ شُمُولِهِ) أَيْ الْإِذْخِرِ (بِالْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ (وَتَأْكِيدُ حَالِهِ) أَيْ الْإِذْخِرِ الَّذِي هُوَ الْحِلُّ (أَوْ) كَوْنُ الْإِذْخِرِ (مِنْهُ)

أَيْ الْخَلَا أَيْ يَصْلُحُ لَفْظُ الْخَلَالَةُ (وَلَمْ يُرِدْهُ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عُمُومِ لَفْظِ خَلَاهَا بِنَاءً عَلَى تَخْصِيصِهِ مِنْهُ وَصَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ حَيْثُ أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ مَا هُوَ مَدْلُولُهُ (وَفَهِمَ) الْعَبَّاسُ (عَدَمَهَا) أَيْ عَدَمَ إرَادَتِهِ مِنْهُ (فَصَرَّحَ) بِالْمُرَادِ الَّذِي هُوَ قَصْرُ اللَّفْظِ عَلَى الْبَعْضِ تَحْقِيقًا لِمَا فَهِمَهُ (لِيُقَرِّرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) عَلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الْإِذْخِرَ لِيُقَرِّرَ مَا فَهِمَهُ لَا لِيَخْرُجَ مِنْ لَفْظِ خَلَاهَا الْمَذْكُورِ بَعْضُ مَا هُوَ دَاخِلٌ بِحَسَبِ الدَّلَالَةِ غَيْرُ دَاخِلٍ بِحَسَبِ الْحُكْمِ (وَأُورِدَ إذَا لَمْ يُرِدْ) الْإِذْخِرَ مِنْ دَلَالَةِ لَفْظِ الْخَلَا (فَكَيْفَ يُسْتَثْنَى) إذْ الْمُسْتَثْنَى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِحَسَبِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ غَيْرَ مُرَادٍ بِحَسَبِ الْحُكْمِ (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ إلَّا الْإِذْخِرَ (لَيْسَ) مُسْتَثْنًى (مِنْ) الْخَلَا (الْمَذْكُورِ بَلْ مِنْ مِثْلِهِ مُقَدَّرًا) فَكَأَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا إلَّا الْإِذْخِرَ وَقَرَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا إلَّا الْإِذْخِرَ فَالِاسْتِثْنَاءُ، وَالتَّقْرِيرُ مِنْ خَلَاهَا الْمُقَدَّرِ لَا الْمَذْكُورِ وَاَلَّذِي سَوَّغَ لِلْعَبَّاسِ تَقْدِيرَ التَّكْرِيرِ اتِّحَادُ مَعْنَى قَوْلِهِمَا لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا بِحَسَبِ اللُّغَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِذْخِرُ مُرَادًا مِنْهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهَذَا السُّؤَالُ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فِي بَحْثِ الِاسْتِثْنَاءِ (مِنْ اخْتِيَارِ أَنَّ الْمَخْرَجَ) مِنْ الصَّدْرِ (مُرَادٌ بِالصَّدْرِ بَعْدَ دُخُولِهِ) أَيْ الْمَخْرَجِ (فِي دَلَالَتِهِ) أَيْ الصَّدْرِ عَلَيْهِ (ثُمَّ أَخْرَجَ) الْمَخْرَجَ مِنْ الصَّدْرِ (ثُمَّ أَسْنَدَ) الْحُكْمَ إلَى الصَّدْرِ كَمَا هُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ (وَنَحْنُ وَجَّهْنَا قَوْلَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ) أَيْ الْمَخْرَجَ (لَمْ يُرَدْ) بِالصَّدْرِ (وَإِلَّا قَرِينَةُ عَدَمِ الْإِرَادَةِ) مِنْهُ (كَمَا هُوَ بِسَائِرِ التَّخْصِيصَاتِ فَلَا حَاجَةَ لِلسُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ هَذَا الْجَوَابِ وَإِمَّا مِنْهُ) ، وَالْأَحْسَنُ، أَوْ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْخَلَا أَيْ يَصْلُحُ لَفْظُهُ لَهُ (وَأُرِيدَ) الْإِذْخِرُ (بِالْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ أَيْضًا (ثُمَّ نُسِخَ) تَحْرِيمُهُ (بِوَحْيٍ كَلَمْحِ الْبَصَرِ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ إلْهَامُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَحْيٌ، وَهُوَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ دُفْعَةً) بِلَا وَاسِطَةِ عِبَارَةِ الْمَلَكِ وَلَا إشَارَتِهِ مَقْرُونٌ بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ أَنَّهُ مِنْهُ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِتَقَدُّمِهِ، وَظُهُورُ الْعَلَامَاتِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَحْيِ الْمُنْدَرِجِ لَا فِيمَا هُوَ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، أَوْ كَانَ إلْهَامًا (وَأَوْرَدَ: الِاسْتِثْنَاءُ يَأْبَاهُ) أَيْ كَوْنَهُ مَنْسُوخًا بِوَحْيٍ كَلَمْحِ الْبَصَرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحُكْمِ، وَمِنْ شَأْنِ الْمَنْسُوخِ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْحُكْمِ قَبْلَ النَّسْخِ. (أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ مُقَدَّرٍ لِلْعَبَّاسِ) مِثْلُ الْمَذْكُورِ كَمَا ذَكَرْنَا (لَا مِمَّا ذَكَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالنَّسْخُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَعَ ذِكْرِ الْعَبَّاسِ فَذِكْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ ذِكْرِ الْعَبَّاسِ (ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنْ اسْتِثْنَاءَ الْعَبَّاسِ مِنْ مُقَدَّرٍ) مِثْلِ الْمَذْكُورِ (عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ اسْتِثْنَاءَ الْعَبَّاسِ (تَرْكِيبُ مُتَكَلِّمٍ آخَرَ، وَوَحْدَةُ الْمُتَكَلِّمِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ لِاشْتِمَالِهِ) أَيْ الْكَلَامِ (عَلَى النِّسْبَةِ الْإِسْنَادِيَّةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ قِيَامُهَا بِنَفْسِهَا بِمَحِلَّيْنِ، وَمِنْهُ) أَيْ وَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الثَّانِي) أَيْ إنَّ الْإِذْخِرَ مِنْ الْخَلَا وَلَمْ يُرَدْ مِنْهُ. (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ أَيْضًا (قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ جَزْمًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَأَضَافَ الْأَمْرَ إلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ وَعَدَمَهُ إلَيْهِ (وَقَالَ) أَيْضًا: (لِقَائِلٍ «أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ لِلْأَبَدِ، وَلَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَ» ) كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ هُنَا إلَى لَفْظِ " فَقَالَ " ثُمَّ الْحَدِيثُ لَمْ يُحْفَظْ بِهَذَا السِّيَاقِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ مُلَفَّقٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ تِسْعًا لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، وَفِيهِ فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ: أَلِعَامِنَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَأَخْرَجَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي كُلِّ عَامٍ فَسَكَتَ ثُمَّ أَعَادَ فَسَكَتَ ثُمَّ أَعَادَ فَقَالَ لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالرَّجُلُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ الْمُجَرَّدَ مِنْ

غَيْرِ وَحْيٍ يُوجِبُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (وَلَمَّا «قَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بِأَمْرِهِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ بِالصَّفْرَاءِ فِي مَرْجِعِهِ مِنْ بَدْرٍ فَقَتَلَهُ صَبْرًا ثُمَّ سَمِعَ مَا أَنْشَدَتْهُ أُخْتُهُ قَتِيلَةٌ» عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ هِشَامٍ، وَالْيَعْمُرِيُّ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا بِنْتُ النَّضْرِ كَذَلِكَ قَالَ الزُّبَيْدِيُّ وَوَقَعَ فِي الدَّلَائِلِ وَمَشَى عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ فِي التَّجْرِيدِ، وَمِنْ قَبْلِهِ الْآمِدِيُّ، وَالرَّازِيُّ وَأَتْبَاعُهُمَا (مَا كَانَ ضَرَّك لَوْ مَنَنْت وَرُبَّمَا ... مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمُغِيظُ الْمُحْنَقُ فِي أَبْيَاتٍ) سَابِقَةٍ عَلَى هَذَا هِيَ يَا رَاكِبًا إنَّ الْأَثِيلَ مَظِنَّةٌ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفَّقُ أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنَّ تَحِيَّةً ... مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النَّجَائِبُ تَخْفُقُ مِنِّي إلَيْهِ وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنُقُ هَلْ يَسْمَعَنَّ النَّضْرُ إنْ نَادَيْته ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ لَا يَنْطِقُ أَمُحَمَّدٌ يَا خَيْرَ ضِنْءِ كَرِيمَةٍ ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرَقُ وَلَاحِقَةٍ لَهُ وَهِيَ ، أَوْ كُنْت قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلَيُنْفِقَن ... بِأَعَزِّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ فَالنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرْت قَرَابَةً ... وَأَحَقُّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... لِلَّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تَشَقَّقُ صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيَّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفَ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ عَارٍ مُوثَقُ الْأَثِيلُ مَوْضِعُ قَبْرِ أَخِيهَا بِالصَّفْرَاءِ وَمَعْنَى مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ أَيْ لَيْلَةٍ خَامِسَةٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِمَكَّةَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَثِيلِ هَذِهِ الْمَسَافَةُ وَتَخْفُقُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا تَضْطَرِبُ، وَالْهَمْزَةُ فِي أَمُحَمَّدٌ لِلنِّدَاءِ، وَالتَّنْوِينُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَضِنْءٌ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا مَعَ هَمْزَةٍ آخِرَهُ الْوَلَدُ الَّذِي يُضَنُّ بِهِ أَيْ يُبْخَلُ بِهِ لِعِظَمِ قَدْرِهِ وَأُعْرِقَ فَهُوَ مُعْرَقٌ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا أَيْ لَهُ عِرْقٌ فِي الْكَرَمِ وَعَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ بِمَعْنَى أُنْتِجَ، وَالْمَعْنَى أَنْتَ كَرِيمُ الطَّرَفَيْنِ وَمَا نَافِيَةٌ، أَوْ اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى أَيُّ شَيْءٍ كَانَ يَضُرُّك لَوْ عَفَوْت، وَالْفَتَى وَإِنْ كَانَ مُغْضَبًا مُضْجَرًا مَطْوِيًّا عَلَى حَنَقٍ وَحِقْدٍ وَعَدَاوَةٍ قَدِيمَةٍ وَيَعْفُو وَفِي هَذَا اعْتِرَافٌ بِالذَّنْبِ. «قَالَ لَوْ بَلَغَنِي هَذَا الشَّعْرُ قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْت عَلَيْهِ» وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ النَّسَبِ «فَرَقَّ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ لَوْ سَمِعْت شِعْرَهَا مَا قَتَلْت أَبَاهَا» وَهَذَا مِمَّا يَشْهَدُ بِأَنَّهَا ابْنَتُهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ وَعَدَمُهُ إلَيْهِ لَمْ يُفَرِّقْ الْحَالُ بَيْنَ بُلُوغِ شِعْرِهَا إلَيْهِ وَعَدَمِ بُلُوغِهِ. (أُجِيبَ بِجَوَازِ كَوْنِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (خُيِّرَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ (مُعَيِّنًا) أَيْ كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَنْتَ مُخَيَّرٌ فِي إيجَابِ السُّؤَالِ وَعَدَمِهِ وَتَكْرَارِ الْحَجِّ وَعَدَمِهِ وَقَتْلِ النَّضْرِ وَعَدَمِهِ (أَوْ) كَوْنِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فِيهَا (بِوَحْيٍ سَرِيعٍ) لَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ عَلَى أَنَّ فِي الِاسْتِيعَابِ قَالَ الزُّبَيْرُ وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَغْمِزُ أَبْيَاتَهَا وَيَذْكُرُ أَنَّهَا مَصْنُوعَةٌ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا قَضِيَّةُ النَّضْرِ فَقَدْ يَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَيَّرًا فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَسَارَى، وَالتَّخْيِيرُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ اتِّفَاقًا بَلْ هَذَا التَّخْيِيرُ ثَابِتٌ فِي حَقِّ كُلِّ إمَامٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ لِلْأَقْرَعِ: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَ فَمَدْلُولُهُ الْوُجُوبُ عَلَى تَقْدِيرِ قَوْلِهِ نَعَمْ وَهَذَا صَحِيحٌ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُ نَعَمْ إلَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ مُمْتَنِعًا وَقَوْلُهُ لَوْ قُلْت نَعَمْ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَوْلِهَا؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الشَّرْطِ الَّذِي فِيهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِأَنْ يَأْمُرَهُمْ عِنْدَ عَدَمِ الْمَشَقَّةِ فَلَمَّا وَجَدَ الْمَشَقَّةَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ انْتَهَى قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ) الْجَوَابَ (الْأَوَّلَ رُجُوعٌ عَنْ الدَّعْوَى، وَهُوَ)

مسألة يجوز خلو الزمان عن مجتهد

أَيْ الدَّعْوَى (أَنَّهُ) أَيْ التَّفْوِيضُ (لَمْ يَقَعْ وَاعْتِرَافٌ بِالْخَطَأِ) فِي نَفْيِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ نَافِيهِ (فَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ التَّفْوِيضُ (وَقَعَ وَلَا يُنَافِي) وُقُوعَهُ (مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مُتَعَبَّدٌ بِالِاجْتِهَادِ) أَيْ مَأْمُورٌ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ حُضُورِ الْوَاقِعَةِ وَعَدَمِ النَّصِّ (؛ لِأَنَّ وُقُوعَ التَّفْوِيضِ فِي أُمُورٍ مَخْصُوصَةٍ لَا يُنَافِيهِ) أَيْ كَوْنَهُ مُتَعَبَّدًا بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ وُقُوعُهُ فِي الْكُلِّ (وَإِذَنْ فَكَوْنُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كَذَلِكَ) أَيْ فُوِّضَ إلَيْهِ (فِي الْإِذْخِرِ) فَيُجَابُ بِهِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى الْوُقُوعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْمُدَّعَى إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ فِي هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ الْخَاصَّةِ بَلْ وَلَا فِي جُزْئِيَّاتٍ خَاصَّةٍ ثُبُوتُهُ كُلِّيًّا (أَسْهَلُ مِمَّا تَكَلَّفَ) فِي أَجْوِبَتِهِ مِنْ الْوَحْيِ، أَوْ النَّسْخِ الَّذِي كَلَمْحِ الْبَصَرِ الْمُقَارِنِ لِقَوْلِ الْعَبَّاسِ مَعَ أَنَّ النَّفْسَ الْحَادِثَةَ لَا يَرْتَسِمُ فِيهَا الْمَعَانِي الْمُتَبَايِنَةُ دُفْعَةً بَلْ عَلَى التَّعَاقُبِ (وَأَقْرَبُ إلَى الْوُجُودِ) . قُلْت: غَيْرَ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُصَنَّفَ يُوهِمُ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ كَوْنُ مَحِلِّ النِّزَاعِ هُوَ الْوُقُوعَ كُلِّيًّا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَنَازَعُ فِي جَوَازِهِ أَوَّلًا ثُمَّ فِي وُقُوعِهِ ثَانِيًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ جَوَابِ مَانِعِيهِ وَمَوْضِعُ الْمَسْأَلَةِ لَا جَوَازُ التَّفْوِيضِ فِي الْجُمْلَةِ أَوَّلًا ثُمَّ وُقُوعُهُ ثَانِيًا لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْجُزْئِيَّاتِ صِحَّةُ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِالْوُقُوعِ وَعَدَمُ صِحَّةِ قَوْلِ مَانِعِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالْحَقُّ الْأَبْلَجُ أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ الْوُقُوعُ بِثُبُوتِ سَمْعٍ يُفِيدُهُ الْمُكَلَّفُ، أَوْ مُجْتَهِدٌ، أَوْ بُنِيَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَالْقَطْعُ بِانْتِفَائِهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَالظَّاهِرُ انْتِفَاؤُهُ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّالِثِ مَعَ مَا يَشُدُّهُ مِنْ وُجُودِ الْمُنَافِي لَهُ مِنْ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ مُتَعَبَّدًا بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ لَا يَتَعَيَّنُ وُقُوعُهُ فِي جُزْئِيَّاتٍ خَاصَّةٍ عَنْ وُقُوعِهِ لَهُ كُلِّيًّا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ هَذَا وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَإِنْ أَوْرَدَهَا مُتَكَلِّمُو الْأُصُولِيِّينَ فَلَيْسَتْ بِمَعْرُوفَةٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يُوجَدْ وَلَا يُتَوَهَّمُ وُجُودُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَمَّا فِي حَقِّ النَّبِيِّ فَقَدْ وُجِدَ انْتَهَى، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِي هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ] (مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ) كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ) وَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالزُّبَيْدِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي مَنْعِ الْخُلُوِّ عَنْهُ مُطْلَقًا وَلِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي مَنْعِهِ الْخُلُوَّ عَنْهُ مَا لَمْ يَتَدَاعَ الزَّمَانُ بِتَزَلْزُلِ الْقَوَاعِدِ، فَإِنْ تَدَاعَى بِأَنْ أَتَتْ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى جَازَ الْخُلُوُّ عَنْهُ (قُلْت) : وَمَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي هَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُطْلِقِينَ الْمَنْعَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا دُونَ هَذَا (لَنَا لَا مُوجِبَ) لِمَنْعِهِ. (وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ مُوجِبِ الْمَنْعِ (بَلْ دَلَّ عَلَى الْخُلُوُّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ» وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (إلَى قَوْلِهِ «حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ، أَوْ حَتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ، أَوْ رُءُوسًا جُهَّالًا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالسِّتَّةُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْمُرَادُ بِرَفْعِ الْعِلْمِ قَبْضُهُ (قَالُوا) أَيْ الْحَنَابِلَةُ أَوَّلًا (قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِدُونِ لَفْظِ عَلَى الْحَقِّ وَابْنُ وَهْبٍ بِلَفْظِ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» وَهَذَا يُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِأَمْرِ اللَّهِ (أَوْ حَتَّى يَظْهَرَ الدَّجَّالُ) قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رَوَيْنَا مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ قُرَّةَ بْنِ إيَاسٍ الْمُزَنِيّ بِلَفْظِ حَتَّى يُقَاتِلُوا الدَّجَّالَ أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو إسْمَاعِيلَ فِي كِتَابِ ذَمِّ الْكَلَامِ وَهِيَ لَفْظَةٌ شَاذَّةٌ فَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَصَرَّحَ بِعَدَمِ الْخُلُوِّ إلَى الْقِيَامَةِ وَأَشْرَاطِهَا؛ لِأَنَّ ظُهُورَ طَائِفَةٍ عَلَى الْحَقِّ فِي عَصْرٍ مُسْتَلْزِمٌ وُجُودَ الْعِلْمِ، وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِالْحَقِّ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْعِلْمِ فَيَكُونُ الْمُجْتَهِدُ مَوْجُودًا فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (أُجِيبَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ) ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ أَعَمُّ مِنْ الضَّرُورِيَّةِ، وَالْعَامُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْخَاصَّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَهُمْ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ (لَا يَقَعُ) خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ (وَإِلَّا لَزِمَ كَذِبُهُ) لَوْ وَقَعَ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَالْحَدِيثُ يُفِيدُهُ) أَيْ عَدَمَ الْوُقُوعِ

مسألة التقليد العمل بقول من ليس قوله إحدى الحجج الأربع الشرعية

(إذْ لَا يَتَأَتَّى لِعَاقِلٍ إحَالَتُهُ) أَيْ الْخُلُوِّ (عَقْلًا فَالْوَجْهُ التَّرْجِيحُ بِأَظْهَرِيَّةِ الدَّلَالَةِ) لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الدَّالِّ عَلَى الْخُلُوِّ (عَلَى نَفْيِ الْعَالِمِ الْأَعَمِّ مِنْ الْمُجْتَهِدِ) فَيَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْعَامِّ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْخَاصِّ (بِخِلَافِ الظُّهُورِ عَلَى الْحَقِّ) ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمُجْتَهِدِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الظُّهُورَ عَلَى الْحَقِّ الْأَعَمُّ مِنْ الِاجْتِهَادِ (يَتَحَقَّقُ دُونَ اجْتِهَادٍ كَمَا يَتَحَقَّقُ بِإِرَادَةِ الِاتِّبَاعِ، وَلَوْ تَعَارَضَا) أَيْ مَا يُوجِبُ الْخُلُوَّ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَمَا يُوجِبُ عَدَمَهُ، وَهُوَ الثَّانِي وَتَسَاقَطَا (بَقِيَ عَدَمُ الْمُوجِبِ) لِوُجُودِ الْمُجْتَهِدِ فَجَازَ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُوجِدَهُ لِعَدَمِ إخْبَارٍ مِنْهُ بِلَا مُعَارِضٍ أَنَّهُ يُوجِدُهُ أَلْبَتَّةَ (قَالُوا) ثَانِيًا الِاجْتِهَادُ (فَرْضُ كِفَايَةٍ فَلَوْ خَلَا) الزَّمَانُ عَنْ الْمُجْتَهِدِ (اجْتَمَعُوا) أَيْ الْأُمَّةُ. (عَلَى الْبَاطِلِ) ، وَهُوَ مُحَالٌ (أُجِيبَ إذَا فُرِضَ مَوْتُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَبْقَ) فَرْضًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ الْإِمْكَانُ، وَإِذَا فُرِضَ الْخُلُوُّ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا مَقْدُورًا (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ (فِي غَيْرِ مَحِلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ الِاجْتِهَادُ بِالْفِعْلِ) أَيْ تَحْصِيلِ الْمُكَلَّفِ مَرْتَبَتَهُ، وَهُوَ مُمْكِنٌ لِلْعَوَامِّ، وَمَحِلُّ النِّزَاعِ إنَّمَا هُوَ حُصُولُهُ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَافِي لِخُلُوِّ الزَّمَانِ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ لَا الْإِمْكَانُ، وَالْقُدْرَةُ هَذَا وَقَوْلُ السُّبْكِيّ لَمْ يُثْبِتْ وُقُوعَ خُلُوِّ الزَّمَانِ مِنْ الْمُجْتَهِدِ إنْ أَرَادَ الْمُطْلَقَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ فَمُتَعَقَّبٌ بِقَوْلِ الْقَفَّالِ وَالْغَزَالِيِّ الْعَصْرُ خَلَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ وَبِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ الْخَلْقُ كَالْمُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ الْيَوْمَ وَبِمَا فِي الْخُلَاصَةِ الْقَاضِي إذَا قَاسَ مَسْأَلَةً عَلَى مَسْأَلَةٍ فِي حُكْمٍ فَظَهَرَ رِوَايَةً أَنَّ الْحُكْمَ بِخِلَافِهِ فَالْخُصُومَةُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْقَاضِي وَعَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ آثِمٌ بِالِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَانِنَا، وَالْمُدَّعِي آثِمٌ بِأَخْذِ الْمَالِ وَمَا قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُجْتَهِدُ الْقَائِمُ بِالْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَانُوا يَرْغَبُونَ عَنْهُ وَلَا يَلِي فِي زَمَانِهِمْ غَالِبًا إلَّا مَنْ هُوَ دُونَ ذَلِكَ وَكَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْصَارِ بِخُلُوِّهَا عَنْ مُجْتَهِدٍ وَالْقَفَّالُ نَفْسُهُ كَانَ يَقُولُ لِلسَّائِلِ فِي مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ: تَسْأَلُ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَمْ مَا عِنْدِي وَقَالَ هُوَ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ لَسْنَا مُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ بَلْ وَافَقَ رَأْيُنَا رَأْيَهُ فَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَا يَدَّعِي رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ بَلَغَا رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ كَلَامُ بَعْضِهِمْ نَابَ عَنْهُ كَمَا رَأَيْت ثُمَّ بَعْدَ تَمْشِيَتِهِ عَلَى مَا فِيهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُ عَصْرٌ مِنْ الْأَعْصَارِ الْمَاضِيَةِ مِنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ عَصْرٌ مِنْ الْأَعْصَارِ الْآتِيَةِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَة التَّقْلِيد الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ الشَّرْعِيَّةِ] (مَسْأَلَةُ التَّقْلِيدِ الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ) الْأَرْبَعِ الشَّرْعِيَّةِ (بِلَا حُجَّةٍ مِنْهَا فَلَيْسَ الرُّجُوعُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّقْلِيدِ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مِنْ الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ، وَكَذَا لَيْسَ مِنْهُ عَلَى هَذَا عَمَلُ الْعَامِّيِّ بِقَوْلِ الْمُفْتِي وَعَمَلُ الْقَاضِي بِقَوْلِ الْعُدُولِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إحْدَى الْحُجَجِ فَلَيْسَ الْعَمَلُ بِهِ بِلَا حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ لِإِيجَابِ النَّصِّ أَخْذَ الْعَامِّيِّ بِقَوْلِ الْمُفْتِي وَأَخْذَ الْقَاضِي بِقَوْلِ الْعُدُولِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضَ لَهُمَا لِظُهُورِهِمَا بَلْ عَلَى هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ تَقْلِيدٌ فِي الشَّرْعِ لَا فِي الْأُصُولِ وَلَا فِي الْفُرُوعِ فَإِنَّ حَاصِلَهُ اتِّبَاعُ مَنْ لَمْ يَقُمْ حُجَّةً بِاعْتِبَارِهِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ إمَّا مُجْتَهِدٌ فَمُتَّبِعٌ لِمَا قَامَ عِنْدَهُ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَإِمَّا مُقَلِّدٌ فَقَوْلُ الْمُجْتَهِدِ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْجَبَ الْعَمَلَ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ بِالِاجْتِهَادِ فَلَوْ جَازَ تَسْمِيَةُ الْعَامِّيِّ مُقَلِّدًا جَازَ تَسْمِيَةُ الْمُجْتَهِدِ مُقَلِّدًا، وَعَلَى هَذَا مَشَى الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ ثُمَّ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَإِنَّمَا صُورَةُ الْأَخْذِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُورَةُ التَّقْلِيدِ وَلَيْسَ بِتَقْلِيدٍ حَقِيقَةً بَلْ نَقَلَ الْبَاقِلَّانِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَمَنَعَ بِقَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى تَقْلِيدًا فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ مَا نَصُّهُ فَأَمَّا أَنْ يُقَلِّدَهُ فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. وَكَوْنُ مُرَادِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ صُورَتَهُ صُورَةُ التَّقْلِيدِ كَمَا ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ خَطَّأَ الْمَاوَرْدِيُّ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ اهـ. نَعَمْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ اخْتِلَافٌ فِي عِبَارَةٍ يَهُونُ مَوْقِعُهَا عِنْدَ ذَوِي التَّحْقِيقِ

وَقَالَ أَيْضًا الَّذِي عَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْعَامِّيَّ مُقَلِّدٌ لِلْمُجْتَهِدِ فِيمَا يَأْخُذُهُ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ فَلَا جَرَمَ أَنْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدَيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَوْ سَمَّى الرُّجُوعَ إلَى الرَّسُولِ أَوْ إلَى الْإِجْمَاعِ وَالْمُفْتِي وَالشُّهُودِ تَقْلِيدًا فَلَا مُشَاحَّةَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ عَلَى مَا شَاءَ بَعْدَ رِعَايَةِ الْمُنَاسَبَةِ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (بَلْ الْمُجْتَهِدُ وَالْعَامِّيُّ إلَى مِثْلِهِ، وَإِلَى الْمُفْتِي) أَيْ بَلْ التَّقْلِيدُ رُجُوعُ الْمُجْتَهِدِ إلَى مِثْلِهِ وَالْعَامِّيِّ إلَى مِثْلِهِ، وَإِلَى الْمُفْتِي أَيْضًا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ (هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ تَقْلِيدِ عَامَّةِ مِصْرَ الشَّافِعِيَّ وَنَحْوَهُ) وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِأَخْذِ الْقَوْلِ بِغَيْرِ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ فَخَرَجَ أَخْذُهُ مَعَ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ، وَإِنْ وَافَقَ قَوْلَ مُجْتَهِدٍ بِهِ فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ أَخْذٌ مِنْ الدَّلِيلِ لَا مِنْ الْمُجْتَهِدِ بَلْ قَدْ قِيلَ: إنَّ أَخْذَهُ مَعَ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ نَتِيجَةُ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الدَّلِيلِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُجْتَهِدِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ سَلَامَتِهِ مِنْ الْمُعَارِضِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى اسْتِقْرَاءِ الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا الْمُجْتَهِدُ بَقِيَ أَخْذُ الْمُجْتَهِدِ بِقَوْلِ الْعَامِّيِّ فَجَزَمَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَقْلِيدًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَوْعِ اجْتِهَادٍ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا فِي الرُّجُوعِ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ إلَى الْعَامِّيِّ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا نَعَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ مُجَرَّدَ اصْطِلَاحٍ فَلَا مُشَاحَّةَ فِيهِ ثُمَّ قِيلَ عَلَى هَذَا يُسَمَّى الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقْلِيدًا إذَا قُلْنَا كَانَ يَقُولُ عَنْ قِيَاسٍ أَيْضًا وَلَمْ يَدْرِ قَالَ ذَلِكَ عَنْ وَحَيٍّ أَوْ قِيَاسٍ قُلْت وَحَيْثُ كَانَ الْمُسَوِّغُ لِتَسْمِيَتِهِ تَقْلِيدًا عَدَمَ الْعِلْمِ بِأَخْذِهِ مِنْ الْوَحْيِ عَيْنًا وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَأٍ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَبُّدِهِ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ لِلْوَحْيِ، وَأَنَّهُ وَحَيٌّ بَاطِنٌ كَمَا تَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ فَلَا يُسَمَّى تَقْلِيدَ التَّعَيُّنِ كَوْنُهُ عَنْ الْوَحْيِ هَذَا، وَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الرَّأْيُ فَيَشْمَلُ مَا كَانَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ التَّفْتَازَانِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ مَا يَعُمُّ الْفِعْلَ وَالتَّقْرِيرَ تَغْلِيبًا وَقَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ هُوَ أَعَمُّ مِنْ اللَّفْظِيِّ وَالنَّفْسِيِّ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ خُرُوجِ الْأَخْذِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ عَنْهُ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَأْخُوذُ بِهِ لَهُ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ بِالْمَأْخُوذِ عَنْهُ لِيَخْرُجَ مَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْمَأْخُوذِ عَنْهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَانَ الْوَجْهُ جَعْلَ الْمُعَرَّفِ بِمَا ذُكِرَ التَّقَلُّدُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُقَلِّدَ (جَعَلَ قَوْلَهُ) أَيْ مَنْ قَلَّدَهُ (قِلَادَةً) فِي عُنُقِهِ وَهَذَا تَقَلُّدٌ لَا تَقْلِيدٌ (فَتَصْحِيحُهُ) أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ (جَعَلَ عَمَلَهُ قِلَادَةَ إمَامِهِ) الَّذِي قَلَّدَهُ فَكَأَنَّهُ يُطَوِّقُهُ مَا فِيهِ مِنْ تَبِعَةٍ إنْ كَانَتْ. (وَالْمُفْتِي الْمُجْتَهِدُ وَهُوَ الْفَقِيهُ) أَيْضًا اصْطِلَاحًا أُصُولِيًّا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَائِلِ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَامَتْ بِهِ صِفَةٌ جَازَ أَنْ يُشْتَقَّ لَهُ مِنْهَا اسْمُ فَاعِلٍ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ مَوْضُوعُ هَذَا الِاسْمِ لِمَنْ قَامَ لِلنَّاسِ بِأَمْرِ دِينِهِمْ وَعَلِمَ جُمَلَ عُمُومِ الْقُرْآنِ وَخُصُوصِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَكَذَلِكَ فِي السُّنَنِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَلَمْ يُوضَعَ لِمَنْ عَلِمَ مَسْأَلَةً وَأَدْرَكَ حَقِيقَتَهَا. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: الْمُفْتِي مَنْ اُسْتُكْمِلَ فِيهِ ثَلَاثُ شَرَائِطَ الِاجْتِهَادُ وَالْعَدَالَةُ وَالْكَفُّ عَنْ التَّرْخِيصِ وَالتَّسَاهُلِ. وَلِلْمُتَسَاهِلِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي طَلَبِ الْأَدِلَّةِ وَطُرُقِ الْأَحْكَامِ وَيَأْخُذَ بِبَادِئِ النَّظَرِ وَأَوَائِلِ الْفِكَرِ فَهَذَا مُقَصِّرٌ فِي حَقِّ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَفْتَى. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي طَلَبِ الرُّخَصِ وَتَأَوُّلِ السُّنَّةِ فَهَذَا مُتَجَوِّزٌ فِي دَيْنِهِ وَهُوَ آثَمُ مِنْ الْأَوَّلِ اهـ. وَفِي أُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يَحْرُمُ تَسَاهُلُ الْمُفْتِي وَتَقْلِيدٌ مَعْرُوفٌ بِهِ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلْهِنْدِيِّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا ثِقَةً حَتَّى يُوثَقَ بِهِ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ اهـ. يَعْنِي فَهَذَا مِنْ شَرْطِ قَبُولِ فَتْوَاهُ لَا مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اجْتِهَادِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتِيَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ وَوَقَارٌ وَسَكِينَةٌ قَوِيًّا عَلَى مَا هُوَ فِيهِ وَمَعْرِفَتِهِ، وَالْكِفَايَةُ، وَإِلَّا مَضَغَهُ النَّاسُ، وَمَعْرِفَةُ النَّاسِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذِهِ الْخِصَالُ مُسْتَحَبَّةٌ فَيَقْصِدُ الْإِرْشَادَ، وَإِظْهَارَ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَالتَّنْوِيهَ بِاسْمِهِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ يُرَغِّبُ الْمُسْتَفْتِيَ وَهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِهِمْ وَالْكِفَايَةِ لِئَلَّا يَنْسُبُهُ النَّاسُ إلَى التَّكَسُّبِ بِالْعِلْمِ وَأَخْذِ الْعِوَضِ عَلَيْهِ

فَيَسْقُطُ قَوْلُهُ وَمَعْرِفَةُ النَّاسِ تَحْتَمِلُ حَالَ الرُّوَاةِ وَتَحْتَمِلُ حَالَ الْمُسْتَفْتِينَ فَالْفَاجِرُ لَا يَسْتَحِقُّ الرُّخَصَ فَلَا يُفْتِيهِ بِالْخَلْوَةِ بِالْمَحَارِمِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَسْكَرُ، وَالْحَقُّ كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ أَنَّ الْخَصْلَةَ الْأُولَى وَاجِبَةٌ، وَلِلْمُفْتِي رَدُّ الْفَتْوَى وَفِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ أَهْلٌ لَهَا شَرْعًا خِلَافًا لِلْحَلِيمِيِّ، وَإِلَّا لَزِمَهُ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا وَلَا يَلْزَمُهُ جَوَابُ مَا لَمْ يَقَعْ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ السَّائِلُ وَلَا يَنْفَعُهُ بَلْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ إلْقَاءُ عِلْمٍ لَا يَحْتَمِلُهُ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لَا يَنْبَغِي. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَدِّثُوا النَّاس بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَرُوِيَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَمُسْلِمُونَ هُمْ فَقَالَ لِلسَّائِلِ أَحْكَمْتَ الْعِلْمَ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْ ذَا وَيُفْتَى أَخْرَسُ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ، وَكَانَ السَّلَفُ يَهَابُونَ الْفُتْيَا وَيُشَدِّدُونَ فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَهَا وَيُنْكِرُونَ عَلَيْهَا حَتَّى قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَدْرَكْتُ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ أَحَدُهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَيَرُدُّهَا هَذَا إلَى هَذَا وَهَذَا إلَى هَذَا حَتَّى تَرْجِعَ إلَى الْأَوَّلِ، وَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ أَوْ يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا إنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُسْأَلُ عَنْ الشَّيْءِ فَيَتَكَلَّمُ وَإِنَّهُ لَيَرْعَدُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَائِلِ يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي الْمُوَفَّقِ إذَا نَزَلَتْ بِهِ الْمَسْأَلَةُ أَنْ يَبْعَثَ مِنْ قَلْبِهِ الِافْتِقَارَ الْحَقِيقِيَّ الْحَالِيَّ لَا الْعِلْمِيَّ الْمُجَرَّدَ إلَى مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَمُعَلِّمِ الْخَيْرِ أَنْ يَفْتَحَ لَهُ طُرُقَ السَّدَادِ وَأَنْ يَدُلَّهُ عَلَى حُكْمِهِ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَمَا أَجْدَرَ مِنْ فَضْلِ رَبِّهِ أَنْ لَا يَحْرِمَهُ إيَّاهُ (وَالْمُسْتَفْتِي مَنْ لَيْسَ إيَّاهُ) أَيْ مُفْتِيًا (وَدَخَلَ) فِي الْمُسْتَفْتَى (الْمُجْتَهِدُ فِي الْبَعْضِ) مِنْ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ (بِالنِّسْبَةِ إلَى) الْمُجْتَهِدِ (الْمُطْلَقِ) نَعَمْ حَيْثُ قُلْنَا بِتَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّخْصُ مُفْتِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَمْرٍ مُسْتَفْتِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ، وَيَنْبَغِي لَهُ حِفْظُ الْأَدَبِ مَعَ الْمُفْتِي، وَإِجْلَالُهُ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَتَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ مِنْ السُّؤَالِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ السُّؤَالِ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101] الْآيَةَ «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ» وَفِي لَفْظٍ «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَرِهَ السَّلَفُ السُّؤَالَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ كَوْنِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ إنَّمَا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ أَيُّهَا النَّاسُ لَا تُعَجِّلُوا بِالْبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُعَجِّلُوا بِالْبَلِيَّةِ قَبْلَ نُزُولِهَا فَإِنَّكُمْ إنْ لَمْ تَفْعَلُوا لَمْ يَنْفَكَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ إذَا قَالَ سُدِّدَ وَوُفِّقَ، وَإِنَّكُمْ إنْ عَجَّلْتُمْ تَشَتَّتُ بِكُمْ السُّبُلُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا» وَلِأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ عَنْ الصَّحَابَةِ مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إلَّا عَمَّا يَنْفَعُهُمْ وَلَهُ أَيْضًا وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا «نَهَى عَنْ الْغُلُوطَاتِ» قِيلَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَأَحَدُهَا غَلُوطَةٌ، وَقِيلَ بِضَمِّهَا وَأَصْلُهَا الْأُغْلُوطَاتِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ هِيَ شِدَادُ الْمَسَائِلِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ هِيَ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ كَيْفَ وَكَيْفَ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «سَيَكُونُ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي يُغَلِّطُونَ فُقَهَاءَهُمْ بِعَضْلِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ أُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي» . وَقَالَ الْحَسَنُ شِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ شِدَادَ الْمَسَائِلِ يُغَمُّونَ بِهَا عِبَادَ اللَّهِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنَّ اللَّهَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْرِمَ عَبْدَهُ بَرَكَةَ الْعِلْمِ أَلْقَى عَلَى لِسَانِهِ الْمَغَالِيطَ فَلَقَدْ رَأَيْتَهُمْ أَقَلَّ النَّاسِ عِلْمًا وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ نَهَى السَّلَفُ عَنْهَا قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: وَيُعَزَّرُ فَاعِلُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَالْمُسْتَفْتَى فِيهِ) الْأَحْكَامُ (الْفَرْعِيَّةُ الظَّنِّيَّةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْعَقْلِيَّةُ وَلِذَا) أَيْ كَوْنِ الْمُسْتَفْتَى فِيهِ قَدْ يَكُونُ حُكْمًا عَقْلِيًّا (صَحَّحْنَا إيمَانَ الْمُقَلِّدِ، وَإِنْ أَثَّمْنَاهُ) بِتَرْكِ الِاجْتِهَادِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ الْعَقْلِيُّ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مُسْتَفْتًى فِيهِ لَمْ يُصْحَحْ إيمَانُ الْمُقَلِّدِ؛ لِأَنَّهُ رَأْسُ الْعَقَائِدِ وَأَمْرُ الْقَوَاعِدِ الْمُتَظَافِرُ عَلَى ثُبُوتِهِ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ وَالنَّقْلِيُّ الْقَطْعِيُّ نَعَمْ لَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ مَعَ تَجْوِيزِ شُبْهَةٍ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ صَاحِبُ الصَّحَائِفِ مِنْ اعْتَقَدَ أَرْكَانَ الدِّينِ تَقْلِيدًا فَإِنْ اعْتَقَدَ مَعَ ذَلِكَ جَوَازَ شُبْهَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَقِيلَ مُؤْمِنٌ، وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا بِتَرْكِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ

أَدِلَّةِ قَوَاعِدِ الدِّينِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقِيلَ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ إلَّا بَعْدَ عِرْفَانِ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ. اهـ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا (فَمَا يَحِلُّ الِاسْتِفْتَاءُ فِيهِ) الْأَحْكَامُ (الظَّنِّيَّةُ لَا الْعَقْلِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ) فَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا بَلْ يَجِبُ تَحْصِيلُهَا بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ بَلْ حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ الْإسْفَرايِينِيّ عَنْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الطَّوَائِفِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ (لَا قَصْرَ صِحَّتِهِ) أَيْ الْمُسْتَفْتَى فِيهِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ التَّقْلِيدُ (عَلَى) الْأَحْكَامِ (الظَّنِّيَّةِ) بَعْدَ قَوْلِهِ إنْ أَثَّمْنَاهُ، وَقَوْلُهُ (كَوُجُودِهِ تَعَالَى) مِثَالٌ لِمَا هُوَ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَمُقَابِلِ الصَّحِيحِ (وَقِيلَ يَجِبُ) التَّقْلِيدُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِاعْتِقَادِ (وَيَحْرُمُ النَّظَرُ) وَالْبَحْثُ فِيهَا وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالظَّاهِرِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْأَحْوَذِيِّ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا تُوُهِّمَ عَنْهُمْ مِنْ نَهْيِهِمْ عَنْ تَعَلُّمِ عِلْمِ الْكَلَامِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ وَلَكِنَّ مَنْ تَتْبَعَ حَالَهُمْ عَلِمَ أَنَّ نَهْيَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ خِيفَ أَنْ يَزِلَّ فِيهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ قَدَمُ صِدْقٍ فِي مَسَالِكِ التَّحْقِيقِ فَيَقَعُ فِي شَكٍّ أَوْ رِيبَةٍ لَا عَلَى مَنْ لَهُ قُوَّةٌ تَامَّةٌ وَقَدَمُ صِدْقٍ (وَالْعَنْبَرِيُّ) وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا فِي أُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ وَعَزَاهُ الْآمِدِيُّ إلَى الْحَشْوِيَّةِ وَالتَّعْلِيمِيَّة قَالُوا (يَجُوزُ) التَّقْلِيدُ فِيهَا وَلَا يَجِبُ النَّظَرُ (لَنَا الْإِجْمَاعُ) مُنْعَقِدٌ (عَلَى وُجُوبِ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى) وَصِفَاتِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ (وَلَا يَحْصُلُ) الْعِلْمُ بِهِ (بِالتَّقْلِيدِ لِإِمْكَانِ كَذِبِهِ) أَيْ الْمُفْتِي الْمُخْبِرِ (إذْ نَفْيُهُ) أَيْ الْكَذِبِ عَنْهُ (بِالضَّرُورَةِ مُنْتَفٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِ فَيَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ، وَهُوَ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ (وَبِالنَّظَرِ لَوْ تَحَقَّقَ يَرْفَعُ التَّقْلِيدَ وَلِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ) الْعِلْمُ بِالتَّقْلِيدِ (لَزِمَ النَّقِيضَانِ بِتَقْلِيدِ اثْنَيْنِ) لِاثْنَيْنِ (فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ وَقِدَمِهِ) بِأَنْ يَحْصُلَ لِزَيْدٍ الْعِلْمُ بِحُدُوثِهِ تَقْلِيدًا مِنْهُ لِلْقَائِلِ بِهِ وَلِعَمْرٍو الْعِلْمُ بِقَدَمِهِ تَقْلِيدًا لِلْقَائِلِ بِهِ إذْ الْعِلْمُ يَسْتَدْعِي الْمُطَابَقَةَ فَيَلْزَمُ حَقِيقَةُ الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ (الْمُجَوِّزِ) لِلتَّقْلِيدِ فِيهَا النَّافِي لِوُجُوبِ النَّظَرِ وَمُوَافِقُوهُ قَالُوا أَوَّلًا (لَوْ وَجَبَ النَّظَرُ لَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ وَأَمَرُوا بِهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ أَوْ بِغَيْرِهِمْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي تَرْكِهِ، وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمَجْمُوعُ مِنْ الْفِعْلِ وَالْأَمْرِ (مُنْتَفٍ) وَلَا سِيَّمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَكْثَرِ عَوَامِّ الْعَرَبِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِالْأَدِلَّةِ الْكَلَامِيَّةِ (وَإِلَّا) لَوْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمْ (لَنُقِلَ كَمَا) نُقِلَ عَنْهُمْ النَّظَرُ (فِي الْفُرُوعِ) فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ (الْجَوَابُ مَنْعُ انْتِفَاءِ التَّالِي) أَيْ عَدَمِ فِعْلِهِمْ، وَإِلَّا لَزِمَ نِسْبَتُهُمْ إلَى أَنَّهُمْ كَانُوا جَاهِلِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِصِفَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِهِ لَيْسَ ضَرُورِيًّا، وَهُوَ بَاطِلٌ وَعَدَمُ أَمْرِهِمْ غَيْرَهُمْ بِهِ. (بَلْ عِلْمُهُمْ، وَ) عِلْمُ (عَامَّةِ الْعَوَامّ) بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِصِفَاتِهِ حَاصِلٌ لَهُمْ (عَنْ النَّظَرِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَدْرِ) النَّظَرَ (بَيْنَهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (لِظُهُورِهِ) لَهُمْ بِوَاسِطَةِ مَا لَهُمْ مِنْ سَلَامَةِ الْفِطْرَةِ وَمُشَاهَدَةِ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ (وَنَيْلِهِ) لَهُمْ (بِأَدْنَى الْتِفَاتٍ إلَى الْحَوَادِثِ) لِصَفَاءِ قَرِيحَتِهِمْ وَنَقَاءِ سَرِيرَتِهِمْ وَكَمَالِ اسْتِعْدَادِهِمْ وَكَيْفَ لَا وَهُمْ مُعَايِنُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْوَارَ مَنْبَعِ الْأَنْوَارِ، وَهَدْيَ الْمُرْسَلِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُعِدُّ النُّفُوسَ الزَّكِيَّةَ لَدَرْكِ الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ وَالصِّفَاتِ الْقُدْسِيَّةِ لِانْهِزَامِ عَسَاكِرِ الْأَوْهَامِ الْمُوجِبَةِ لِاخْتِلَافِ الْآرَاءِ وَضَلَالَاتِ الْخَيَالَاتِ وَالْأَهْوَاءِ، وَكَانُوا يَكْتَفُونَ مِنْ النَّظَرِ مِنْ غَيْرِهِمْ بِمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ حُصُولِهِ لَهُ مِنْ الِانْقِيَادِ وَالْإِذْعَانِ إلَى الْإِيمَانِ وَآثَارِ الْقَطْعِ بِهِ وَالْإِيقَانِ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عَنْ سَبَبِهِ لَأَتَى بِهِ أَكْمَلَ مِمَّا أَجَابَ بِهِ الْأَعْرَابِيُّ لَلْأَصْمَعِيِّ عَنْ سُؤَالِهِ لَهُ بِمَ عَرَفْتَ رَبَّك حَيْثُ قَالَ الْبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَعِيرِ وَآثَارُ الْأَقْدَامِ عَلَى الْمَسِيرِ فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ أَلَا تَدُلُّ عَلَى اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ. غَايَتُهُ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ ذَلِكَ بِالْعِبَارَاتِ وَالتَّرْتِيبِ الْمُتَعَارَفِ لِلْمُتَكَلِّمِينَ (وَلَيْسَ الْمُرَادُ) مِنْ النَّظَرِ الْوَاجِبِ (تَحْرِيرَهُ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَنْطِقِ) بَلْ مَا يُوَصِّلُ إلَى الْإِيمَانِ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَيِّ طَرِيقٍ كَانَ (وَمَنْ أَصْغَى إلَى عَوَامِّ الْأَسْوَاقِ امْتَلَأَ سَمْعُهُ مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْحَوَادِثِ) عَلَى مُحْدِثِهَا. (وَالْمُقَلَّدُ الْمَفْرُوضُ) فِي الْإِيمَانِ

مسألة غير المجتهد المطلق يلزمه التقليد وإن كان مجتهدا في بعض مسائل الفقه

(لَا يَكَادُ يُوجَدُ فَإِنَّهُ قَلَّ أَنْ يَسْمَعَ مَنْ لَمْ يَنْتَقِلْ ذِهْنُهُ قَطُّ مِنْ الْحَوَادِثِ إلَى مُوجِدِهَا، وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَخْطِرْ لَهُ الْمُوجِدُ أَوْ خَطَرَ فَشَكَّ فِيهِ مَنْ يَقُولُ لِهَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ رَبٌّ أَوْجَدَهَا مُتَّصِفٌ بِالْعِلْمِ بِكُلِّ شَيْءٍ وَالْقُدْرَةِ إلَخْ) أَيْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إلَى آخِرِ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ (فَيَعْتَقِدُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ تَصْدِيقِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ) لِلسَّامِعِ مِنْ الْمَصْنُوعِ إلَى الصَّانِعِ (يُفِيدُ اللُّزُومَ بَيْنَ الْمُحْدَثِ) بِفَتْحِ الدَّالِ (وَالْمُوجِدِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَلَيْسَ مَعْنَى الِاسْتِدْلَالِ إلَّا هَذَا فَمَنْ لَمْ يَنْتَقِلْ فَاعِلُ يَسْمَعُ وَمَنْ يَقُولُ مَفْعُولُهُ لَكِنَّ إلْكِيَا بَعْدَ أَنْ حَكَى إجْمَاعَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ قَالَ: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُمْ عَارِفُونَ بِالْأَدِلَّةِ وَقَصُرَتْ عِبَارَاتُهُمْ عَنْ أَدَائِهَا أَوْ غَيْرُ عَارِفِينَ بِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْتَفِي مِنْ الْأَعْرَابِ بِالتَّصْدِيقِ مَعَ الْعِلْمِ بِقُصُورِهِمْ عَنْ مَعْرِفَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فِي الْأَمَةِ السَّوْدَاءَ الَّتِي أَرَادَ عِتْقهَا وَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ائْتِنِي بِهَا فَجَاءَتْ فَقَالَ أَيْنَ اللَّهُ فَقَالَتْ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ اهـ. فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَاشٍ عَلَى الْأَوَّلِ (قَالُوا) أَيْ مُجَوَّزُو التَّقْلِيدِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَنَافُو وُجُوبِ النَّظَرِ فِيهَا ثَانِيًا: (وُجُوبُ النَّظَرِ دَوْرٌ لِتَوَقُّفِهِ) أَيْ وُجُوبِهِ (عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ) الْمُوجِبِ لَهُ، وَتَوَقُّفُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ عَلَى النَّظَرِ (أُجِيبُ بِأَنَّهُ) أَيْ إيجَابَ النَّظَرِ مُتَوَقِّفٌ (عَلَى مَعْرِفَتِهِ) أَيْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ (بِوَجْهٍ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى النَّظَرِ مَا) أَيْ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى (بِأَتَمِّ) أَيْ بِوَجْهٍ أَتَمَّ (أَيْ الِاتِّصَافُ بِمَا يَجِبُ لَهُ) مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ (كَالصِّفَاتِ الثَّمَانِيَةِ) الْحَيَاةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامُ وَالتَّكْوِينُ (وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ) مِنْ النَّقِيصَةِ وَالزَّوَالِ وَقَالَ (الْمَانِعُونَ) مِنْ النَّظَرِ: النَّظَرُ (مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الشُّبَهِ وَالضَّلَالِ) لِاخْتِلَافِ الْأَذْهَانِ وَالْأَنْظَارِ بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ فَإِنَّهُ طَرِيقٌ آمِنٌ فَوَجَبَ احْتِيَاطًا وَلِوُجُوبِ الِاحْتِرَازِ عَنْ مَظِنَّةِ الضَّلَالِ إجْمَاعًا (قُلْنَا) إنَّمَا يَكُونُ مَمْنُوعًا (إذَا فَعَلَ) النَّظَرَ (غَيْرَ الصَّحِيحِ الْمُكَلَّفِ بِهِ) وَنَحْنُ نَقُولُ يَلْزَمُهُ النَّظَرُ الصَّحِيحُ الْمُكَلَّفُ بِهِ (وَأَيْضًا فَيَحْرُمُ) عَلَى هَذَا النَّظَرُ (عَلَى الْمُقَلَّدِ) بِفَتْحِ اللَّامِ (النَّاظِرِ) أَيْضًا؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِيهِمَا أَيْضًا. ثُمَّ تَقْلِيدُ الْمُقَلِّدِ إيَّاهُ حِينَئِذٍ أَوْلَى بِالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَا فِيهِ مَعَ زِيَادَةِ احْتِمَالِ كَذِبِهِ، وَإِضْلَالِهِ (إذْ لَا بُدَّ مِنْ الِانْتِهَاءِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُقَلَّدِ النَّاظِرِ. (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَنْتَهِ إلَيْهِ (لَتَسَلْسَلَ) إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُقَلَّدٍ، وَالتَّسَلُّلُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ فَإِنْ قِيلَ يَنْتَهِي إلَى الْمُؤَيَّدِ بِالْوَحْيِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ فِيهِ الْخَطَأُ فَيَنْدَفِعُ الْمَحْذُورُ فَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالِانْتِهَاءُ إلَى الْمُؤَيَّدِ بِالْوَحْيِ، وَالْأَخْذُ عَنْهُ لَيْسَ تَقْلِيدًا بَلْ) الْمَأْخُوذُ عَنْهُ (عِلْمٌ نَظَرِيٌّ) لِتَوَقُّفِهِ عَلَى ثُبُوتِ النُّبُوَّةِ لَهُ بِالْمُعْجِزَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ فَلَا يَصْلُحُ أَنَّ التَّقْلِيدَ وَاجِبٌ، وَأَنَّ النَّظَرَ حَرَامٌ. [مَسْأَلَة غَيْر الْمُجْتَهِدِ المطلق يَلْزَمهُ التَّقْلِيد وَإِنَّ كَانَ مجتهدا فِي بَعْض مَسَائِل الْفِقْه] (مَسْأَلَةٌ: غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ يَلْزَمُهُ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (التَّقْلِيدُ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ أَوْ بَعْضِ الْعُلُومِ كَالْفَرَائِضِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّجَزِّي) لِلِاجْتِهَادِ (وَهُوَ الْحَقُّ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرِينَ. وَوَجْهُهُ (فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ) وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّقْلِيدِ (وَمُطْلَقًا) أَيْ وَيَلْزَمُهُ التَّقْلِيدُ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَفِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ الْقَوْلِ بِالتَّجَزِّي (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ: إنَّمَا يَلْزَمُ التَّقْلِيدُ (فِي الْعَالِمِ بِشَرْطِ تَبْيِينِ صِحَّةِ مُسْتَنَدِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ لَهُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا لَهُ (لَمْ يَجُزْ) لَهُ تَقْلِيدُهُ (لَنَا عُمُومُ) قَوْله تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (فِيمَنْ لَا يَعْلَمُ) عَامِّيًّا صِرْفًا كَانَ أَوْ عَالِمًا بِبَعْضِ الْعُلُومِ غَيْرَ عَالِمٍ بِحُكْمِ مَسْأَلَةٍ لَزِمَهُ مَعْرِفَتُهُ (وَفِيمَا لَا يَعْلَمُ لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الْأَمْرِ بِالسُّؤَالِ (بِعِلَّةِ عَدَمِ الْعِلْمِ) فَكُلَّمَا تَحَقَّقَ عَدَمُ الْعِلْمِ تَحَقَّقَ وُجُوبُ السُّؤَالِ فَيَلْزَمُهُ الْعُمُومُ فِيمَا لَا يَعْلَمُ، وَهَذَا غَيْرُ عَالِمٍ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا السُّؤَالُ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْعَلِيَّةِ أَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ فِي السَّبَبِيَّةِ أَغْلَبُ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لِلْمُسَبِّبِ سِوَاهُ (وَأَيْضًا لَمْ يَزَلْ الْمُسْتَفْتُونَ يَتَّبِعُونَ) الْمُفْتِينَ (بِلَا إبْدَاءِ مُسْتَنَدٍ) لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَشَاعَ وَذَاعَ (وَلَا نَكِيرَ) عَلَيْهِمْ فَكَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا عَلَى جَوَازِ اتِّبَاعِ الْعَالِمِ الْمُجْتَهِدِ مُطْلَقًا. قَالَ

مسألة الاتفاق على حل استفتاء من عرف من أهل العلم بالاجتهاد

الْمُصَنِّفُ: (وَهَذَا) الْوَجْهُ (يَتَوَقَّفُ) عُمُومُهُ لِلْعَالِمِ (عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَهِّلِينَ) لِلِاجْتِهَادِ (كَذَلِكَ) أَيْ اتِّبَاعُ الْمُفْتِينَ بِلَا إبْدَاءِ مُسْتَنَدٍ لَهُمْ (قَالُوا) أَيْ شَارِطُو تَبْيِينِ صِحَّةِ الْمُسْتَنَدِ: الْقَوْلُ بِلُزُومِ التَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ صِحَّةِ الْمُسْتَنَدِ (يُؤَدِّي إلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْخَطَأِ) لِجَوَازِ الْخَطَأِ عَلَيْهِ فِي الِاجْتِهَادِ (قُلْنَا وَكَذَا لَوْ أَبْدَى) الْمُفْتِي صِحَّةَ الْمُسْتَنَدِ لِجَوَازِ الْخَطَأِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْيَقِينَ بَلْ الظَّنَّ (وَكَذَا الْمُفْتِي نَفْسُهُ) يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ اجْتِهَادٍ مَعَ جَوَازِ الْخَطَأِ عَلَيْهِ (فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ) عَنْ هَذَيْنِ فَهُوَ (جَوَابُنَا) إذَا لَمْ يُبْدِ صِحَّةَ الْمُسْتَنَدِ (وَالْحِلُّ الْوُجُوبُ لِاتِّبَاعِ الظَّنِّ أَوْ الْحُكْمِ) الْمَظْنُونِ إنَّمَا هُوَ (مِنْ حَيْثُ هُوَ مَظْنُونٌ) وَمِنْ حَيْثُ هُوَ اتِّبَاعُ الظَّنِّ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَطَأٌ يَحْرُمُ، وَلَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ (لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ خَطَأٌ) وَهَذَا هُوَ الْمُمْتَنِعُ (نَعَمْ لَوْ سَأَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَفْتِي (عَنْ دَلِيلِهِ) اسْتِرْشَادًا لِتُذْعِنَ نَفْسُهُ لِلْقَبُولِ لَا تَعَنُّتًا (وَجَبَ إبْدَاؤُهُ فِي) الْقَوْلِ (الْمُخْتَارِ إلَّا إنْ) كَانَ دَلِيلُهُ (غَامِضًا) عَلَى الْمُسْتَفْتِي (مَعَ قُصُورِهِ) عَنْهُ فَإِنَّ إبْدَاءَهُ لَهُ حِينَئِذٍ تَعَبٌ فِيمَا لَا يُفِيدُ فَيَعْتَذِرُ بِخَفَائِهِ عَلَيْهِ. وَفِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ مَا مُلَخَّصُهُ: الْعِلْمُ نَوْعَانِ نَوْعٌ يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ وَيُعْلَمُ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَالْمُتَوَاتِرِ فَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَحَدٍ كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَتَعْيِينِ الصَّلَاةِ وَتَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالزِّنَا وَاللِّوَاطِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَشُقُّ عَلَى الْعَامِّيِّ مَعْرِفَتُهُ وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْ أَعْمَالِهِ، وَمِنْهُ أَهْلِيَّةُ الْمُفْتِي وَنَوْعٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ، وَالنَّاسُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ الْعَامِّيُّ الصِّرْفُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ فِي فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ جَمِيعِهَا وَلَا يَنْفَعُهُ مَا عِنْدَهُ مِنْ عِلْمٍ لَا يُؤَدِّي إلَى اجْتِهَادٍ وَعَنْ الْأُسْتَاذِ وَالْجُبَّائِيِّ يَجُوزُ فِي الِاجْتِهَادِيَّةِ دُونَ مَا طَرِيقُهُ الْقَطْعُ إلْحَاقًا لِقَطْعِيَّاتِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ. الثَّانِي الْعَالِمُ الَّذِي حَصَّلَ بَعْضَ الْعُلُومِ الْمُعْتَبَرَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَاخْتَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَالْعَامِّيِّ الصِّرْفِ لِعَجْزِهِ عَنْ الِاجْتِهَادِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ بِطَرِيقِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ صَلَاحِيَّةَ مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَا أَطْلَقُوهُ مِنْ إلْحَاقِهِ هُنَا بِالْعَامِّيِّ فِيهِ نَظَرٌ لَا سِيَّمَا فِي أَتْبَاعِ الْمَذَاهِبِ الْمُتَبَحِّرِينَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُنَصِّبُوا أَنْفُسَهُمْ نَصْبَةَ الْمُقَلِّدِينَ وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ لَسْنَا مُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ وَكَذَا لَا إشْكَالَ فِي إلْحَاقِهِمْ بِالْمُجْتَهِدِينَ إذْ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ مُجْتَهِدًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَاسِطَةً بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا سِوَى حَالَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ مُلْتَزِمُونَ أَنْ لَا يُحْدِثُوا مَذْهَبًا أَمَّا كَوْنُهُمْ مُجْتَهِدِينَ فَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ قَائِمَةٌ بِهِمْ وَأَمَّا كَوْنُهُمْ مُلْتَزِمِينَ أَنْ لَا يُحْدِثُوا مَذْهَبًا فَلِأَنَّ إحْدَاثَ مَذْهَبٍ زَائِدٍ بِحَيْثُ يَكُونُ لِفُرُوعِهِ أُصُولٌ وَقَوَاعِدُ مُبَايِنَةٌ لِسَائِرِ قَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَمُتَعَذِّرُ الْوُجُودِ لِاسْتِيعَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ سَائِرَ الْأَسَالِيبِ نَعَمْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ تَقْلِيدُ إمَامٍ فِي قَاعِدَةٍ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ صِحَّةُ مَذْهَبِ غَيْرِ إمَامِهِ فِي وَاقِعَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ إمَامَهُ لَكِنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ مُسْتَبْعَدٌ لِكَمَالِ نَظَرِ مَنْ قَبْلَهُ. الثَّالِثُ أَنْ يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا مُسْتَوْفًى. (تَتْمِيمَ) ثُمَّ فِي أُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ وَذَكَر بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَعْنِي الْحَنَابِلَةَ وَالْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ هَلْ يَلْزَمُهُ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ وَالْأَخْذُ بِرُخْصِهِ وَعَزَائِمِهِ؟ . فِيهِ وَجْهَانِ: أَشْهُرُهُمَا لَا كَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فَيَتَخَيَّرُ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ قَالَ: وَفِي لُزُومِ الْأَخْذِ بِرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ طَاعَةُ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَتُوُقِّفَ فِي جَوَازِهِ، وَقَالَ أَيْضًا: إنْ خَالَفَهُ فِي زِيَادَةِ عِلْمٍ أَوْ تَقْوًى فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ بَلْ يَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَإِنَّهُ نَصُّ أَحْمَدَ، وَكَذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ الْحَنَفِيُّ مَا ظَنَّهُ أَقْوَى عَلَيْهِ تَقْلِيدُهُ فِيهِ اهـ. وَقَدْ سَمِعْت مُوَافَقَةَ ابْنِ الْمُنِيرِ لِهَذَا آنِفًا غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَبْعَدَ وُقُوعَهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ وَسَتَقِفُ فِي هَذَا عَلَى مَزِيدٍ فِيهِ مُقْنِعٌ لِمَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ. [مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ] (مَسْأَلَةٌ: الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ أَوْ رَآهُ مُنْتَصِبًا) لِلْإِفْتَاءِ (وَالنَّاسُ يَسْتَفْتُونَهُ مُعَظِّمِينَ) لَهُ (وَعَلَى امْتِنَاعِهِ) أَيْ الِاسْتِفْتَاءِ (إنْ ظَنَّ عَدَمَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الِاجْتِهَادِ أَوْ الْعَدَالَةِ فَضْلًا عَنْ ظَنِّ عَدَمِهِمَا جَمِيعًا (فَإِنْ جَهِلَ اجْتِهَادَهُ دُونَ عَدَالَتِهِ فَالْمُخْتَارُ مَنْعُ اسْتِفْتَائِهِ) بَلْ نَقَلَ فِي الْمَحْصُولِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا (لَنَا الِاجْتِهَادُ

مسألة إفتاء غير المجتهد بمذهب مجتهد

شَرْطٌ) لِقَبُولِ فَتْوَاهُ (فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (عِنْدَ السَّائِلِ وَلَوْ) كَانَ ثُبُوتُهُ (ظَنَّا لَمْ يَثْبُتْ) كَمَا هُوَ الْفَرْضُ (وَأَيْضًا ثَبَتَ عَدَمُهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ بِالْجَهْلِ (إلْحَاقًا) لِهَذَا (بِالْأَصْلِ) أَيْ عَدَمِ الِاجْتِهَادِ (كَالرَّاوِي) الْمَجْهُولِ الْعَدَالَةِ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الْعَدَالَةِ (أَوْ بِالْغَالِبِ إذْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِبَعْضِ الْعُلُومِ الَّتِي لَهَا دَخْلٌ فِي الِاجْتِهَادِ غَيْرُ مُجْتَهِدِينَ) فَضْلًا عَمَّنْ لَا مُشَارَكَةَ لَهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْأَعَمِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَالْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ إذَا تَضَافَرَا يَكَادُ تَضَافُرُهُمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ. (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الِامْتِنَاعِ: (لَوْ امْتَنَعَ) فِيمَنْ جُهِلَ اجْتِهَادُهُ دُونَ عَدَالَتِهِ (امْتَنَعَ فِيمَنْ عُلِمَ اجْتِهَادُهُ دُونَ عَدَالَتِهِ) بِدَلِيلِكُمْ بِعَيْنِهِ بِأَنْ يُقَالَ: الْعَدَالَةُ شَرْطٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَالْأَكْثَرُ الْفِسْقُ فَالظَّاهِرُ فِسْقُهُ (أُجِيبُ بِالْتِزَامِهِ) أَيْ الْتِزَامِ الِامْتِنَاعِ فِي هَذَا أَيْضًا (لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ، وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ امْتِنَاعِهِ وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ امْتِنَاعِهِ (الْحَقُّ، فَالْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا (أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمُجْتَهِدِينَ الْعَدَالَةُ فَالْإِلْحَاقُ بِهِ) أَيْ بِالْغَالِبِ (أَرْجَحُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إلْحَاقِهِ (بِالْأَصْلِ) الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْعَدَالَةِ (بِخِلَافِ الِاجْتِهَادِ لَيْسَ غَالِبًا فِي أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْجُمْلَةِ) وَلَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ إذْ لَمْ يَقُلْ بِخُلُوِّهَا عَنْهُ بَلْ قِيلَ هُوَ أَعَزُّ مِنْ الْإِكْسِيرِ الْأَعْظَمِ وَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ ثُمَّ إذَا بُحِثَ عَنْ حَالِهِ فَاشْتَرَطَ الْإسْفَرايِينِيّ تَوَاتُرَ الْخَبَرِ بِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا وَرَدَّهُ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ بَيْنَ النَّاسِ كَمَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي الرَّوْضَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَكْفِيهِ أَنْ يُخْبِرَهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ مُفْتٍ، وَجَزَمَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ بِأَنَّهُ يَكْفِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ عَنْ فِقْهِهِ وَأَمَانَتِهِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ طَرِيقُ الْإِخْبَارِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ يُمَيِّزُ بِهَا الْمُلْتَبِسَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ إخْبَارُ آحَادِ الْعَامَّةِ لِكَثْرَةِ مَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ التَّلَبُّسِ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَ مَعْنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَاكْتَفَى فِي الْمَنْخُولِ بِقَوْلِهِ إنِّي مُفْتٍ وَالْمُخْتَارُ فِي الْغِيَاثِيِّ اعْتِمَادُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَظْهَرَ وَرَعُهُ، وَفِي وَجِيزِ ابْنِ بَرْهَانٍ قِيلَ يَقُولُ لَهُ لِتَجْتَهِدَ أَنْتَ فَأُقَلِّدُك فَإِنْ أَجَابَهُ قَلَّدَهُ وَهَذَا أَصَحُّ الْمَذَاهِبِ اهـ. وَقِيلَ لَا يُعْتَمَدُ وَشَرَطَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَالْقَاضِي امْتِحَانَهُ بِأَنْ يُلَفِّقَ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً وَيُرَاجِعُهُ فِيهَا فَإِنْ أَصَابَ فِيهَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا وَقَلَّدَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ وَلَمْ يَشْرُطْهُ آخَرُونَ قُلْت وَهُوَ أَشْبَهَ بَعْدَ فَرْضِ اعْتِبَارِ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَيْنَ لِلْعَامِّيِّ مَعْرِفَةُ كَوْنِهِ مُصِيبًا فِي جَوَابِهَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَوَابُهُ فِيهَا خَطَأً عِنْدَ مُجْتَهِدٍ لَا يَلْزَمُ فِيهِ نَفْيُ كَوْنِهِ مُجْتَهِدًا إذْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَتَوَارَدَ الْمُجْتَهِدَانِ عَلَى جَوَابٍ وَاحِدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ أَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا عُلِمَتْ عَدَالَتُهُ، وَلَمْ يَنْفِ مُعَاصِرُوهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ تُعْرَفْ الْعَدَالَةُ فَيَكْتَفِي فِي الْإِخْبَارِ بِهَا قِيلَ بِعَدْلٍ وَقِيلَ بِعَدْلَيْنِ وَبِهَذَا جَزَمَ فِي الْمَنْخُولِ وَهُوَ أَوْجَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ] (مَسْأَلَةٌ: إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ تَخْرِيجًا) عَلَى أُصُولِهِ (لَا نَقْلَ عَيْنِهِ) أَيْ عَيْنِ مَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ (فَإِنَّهُ) أَيْ نَقْلَهُ (يُقْبَلُ بِشَرَائِطَ) قَبُولِ رِوَايَةِ (الرَّاوِي) مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا اتِّفَاقًا، وَهَذَا اعْتِرَاضٌ بَيْنَ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابِهَا، وَهُوَ (إنْ كَانَ) غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ (مُطَّلِعًا عَلَى مَبَانِيهِ) أَيْ مَآخِذِ أَحْكَامِ الْمُجْتَهِدِ (أَهْلًا) لِلنَّظَرِ فِيهَا قَادِرًا عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى قَوَاعِدِهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْفَرْقِ وَالْجَمْعِ وَالْمُنَاظَرَةِ فِي ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَلَكَةُ الِاقْتِدَارِ عَلَى اسْتِنْبَاطِ أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الْمُتَجَدِّدَةِ الَّتِي لَا نَقْلَ فِيهَا عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي مَهَّدَهَا صَاحِبُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُجْتَهِدِ فِي الْمَذْهَبِ (جَازَ، وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (لَا) يَجُوزُ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِنَا مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ مَنْ حَفِظَ الْأَقَاوِيلَ وَلَمْ يَعْرِفْ الْحُجَجَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ. (وَقِيلَ) جَازَ (بِشَرْطِ عَدَمِ مُجْتَهِدٍ وَاسْتُغْرِبَ) نَقْلُهُ، وَالْمُسْتَغْرِبُ لَهُ الْعَلَّامَةُ (وَقِيلَ يَجُوزُ) إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى الْمَأْخَذِ أَمْ لَا عَدِمَ الْمُجْتَهِدَ أَمْ لَا، وَهَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْبَدِيعِ قَالَ شَارِحُهُ

وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (خَلِيقٌ بِالنَّفْيِ) أَيْ بِنَفْيِ الصِّحَّةِ (وَسَيَظْهَرُ) نَفْيُهَا، وَقَالَ (أَبُو الْحُسَيْنِ: لَا) يَجُوزُ إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ (مُطْلَقًا) بِالْمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ كَالرُّويَانِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَمَعْنَاهُ عَنْ أَحْمَدَ (لَنَا وُقُوعُهُ) أَيْ إفْتَاءُ الْمُتَبَحِّرِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ (بِلَا نَكِيرٍ) فَإِنَّ الْمُتَبَحِّرِينَ مِنْ مُقَلِّدِي أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ مَا زَالُوا عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ يُفْتُونَ بِمَذَاهِبِ أَصْحَابِهَا مَعَ عَدَمِ بُلُوغِهِمْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ وَلَمْ يُنْكَرْ إفْتَاؤُهُمْ. (وَيُنْكَرُ) الْإِفْتَاءُ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُتَبَحِّرِ بِمَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ فَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى جَوَازِ فُتْيَا الْمُتَبَحِّرِ وَعَدَمِ جَوَازِ فُتْيَا غَيْرِهِ (فَإِنْ قِيلَ إذَا فُرِضَ عَدَمُ الْمُجْتَهِدِينَ) فِي حَالِ الِاتِّفَاقِ وَعَدَمِ الْإِنْكَارِ (فَعَدَمُهُ) أَيْ الْإِنْكَارِ وَوُجُودُ الِاتِّفَاقِ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَكِلَاهُمَا (مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ حُجَّةً فَالْوَجْهُ كَوْنُهُ) أَيْ جَوَازُهُ (لِلضَّرُورَةِ إذَنْ) أَيْ لِفَقْدِ الْمُجْتَهِدِينَ (قُلْنَا: إنَّمَا يَلْزَمُ) كَوْنُهُ لِلضَّرُورَةِ (لَوْ مُنِعَ الِاجْتِهَادُ فِي مَسْأَلَةٍ) أَيْ تَجَزِّي الِاجْتِهَادِ إذْ الْمَفْرُوضُ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا قَادِرًا عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي أُصُولِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ وَمِثْلُهُ لَهُ قُدْرَةُ الِاجْتِهَادِ فِي مَسْأَلَةٍ (وَهُوَ) أَيْ مَنْعُ تَجَزِّي الِاجْتِهَادِ (مَمْنُوعٌ) فَالْمُتَّفِقُونَ حِينَئِذٍ عَلَى جَوَازِ هَذَا الْإِفْتَاءِ مُجْتَهِدُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُجْتَهِدِينَ مُطْلَقًا (فَكِلَاهُمَا) أَيْ الِاسْتِدْلَالِ بِالِاتِّفَاقِ بِلَا نَكِيرٍ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالضَّرُورَةِ (حَقٌّ) . فَأَمَّا إذَا لَمْ يُفْرَضْ فَقْدُ الْمُجْتَهِدِ فَمُسْتَنَدُ الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِفْتَاءِ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ إنَّمَا يَنْهَضُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى وُقُوعِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ إذَا تَمَّ لَا بِالضَّرُورَةِ لِانْدِفَاعِهَا بِالْمُجْتَهِدِ الْمَوْجُودِ (وَبِهَذَا) الْجَوَابِ (بِدَفْعِ دَفْعِهِ) أَيْ دَفْعِ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ (لِدَلِيلِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ) أَيْ تَقْلِيدُهُ الْقَوْلُ (الْمُخْتَارُ وَهُوَ) أَيْ دَلِيلُ تَقْلِيدِهِ (أَنَّهُ) أَيْ تَقْلِيدَهُ (إجْمَاعٌ) لِوُقُوعِهِ فِي مَرِّ الْأَعْصَارِ بِلَا إنْكَارٍ (فَلَا يُعَارِضُهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ (قَوْلُهُمْ) أَيْ مَانِعِي تَقْلِيدِهِ كَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ (لَا قَوْلَ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ لَهُ قَوْلٌ بَاقٍ (لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ كَ) مَا يَنْعَقِدُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ (الْحَيِّ) فَإِنَّ هَذَا لَا يُعَارِضُ الْإِجْمَاعَ الْمَذْكُورَ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مُعَارِضٌ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُجْمِعِينَ، وَالدَّفْعُ أَنْ يُقَالَ لَا عِبْرَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَبِعَدَمِ إنْكَارِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّفِقِينَ عَلَيْهِ لَيْسُوا مُجْتَهِدِينَ فَالْوَجْهُ كَوْنُهُ لِلضَّرُورَةِ. وَدَفْعُهُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ مُنِعَ تَجَزِّي الِاجْتِهَادِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَالتَّقْرِيبُ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ (الْمُجَوِّزِ) مُطْلَقًا قَالَ الْمُفْتِي (نَاقِلٌ) فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي رِوَايَةِ الْعِلْمِ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ (أُجِيبُ لَيْسَ الْخِلَافُ فِي النَّقْلِ بَلْ فِي التَّخْرِيجِ، وَإِذَنْ سَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ لِظُهُورِ أَنَّ مُرَادَهُ) أَيْ قَائِلِهِ، وَهُوَ النَّقْلُ (اتِّفَاقٌ فَهِيَ) أَيْ الْأَقْوَالُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (ثَلَاثَةٌ) جَوَازُهُ لِلْمُتَبَحِّرِ جَوَازُهُ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ وَقَدْ عُرِفَ وَجْهُهُمَا، لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَالَ (أَبُو الْحُسَيْنِ: لَوْ جَازَ) الْإِفْتَاءُ لِلْمُتَبَحِّرِ (لَجَازَ لِلْعَامِّيِّ) بِجَامِعِ عَدَمِ بُلُوغِهِمَا رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَمَا أَبْعَدَهُ، وَالْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا فِي الْوُضُوحِ (كَالشَّمْسِ) ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ جَوَّزَهُ لِلْعَالِمِ دُونَ الْعَامِّيِّ وَكَيْفَ لَا وَالْعَارِفُ بِالْمَآخِذِ بَعِيدٌ مِنْ الْخَطَأِ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَآخِذِ أَحْكَامِ إمَامِهِ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ مِنْهُ الْخَطَأُ بَلْ يَكْثُرُ مِنْهُ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْمَأْخَذِ فَأَنَّى يَسْتَوِيَانِ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الزمر: 9] . قُلْت وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال لَهُ بِأَنَّهُمَا فِي النَّقْلِ سَوَاءٌ كَمَا فِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ فَيُفِيدُ سُقُوطَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ فِي النَّقْلِ فَالْأَقْوَالُ فِيهَا قَوْلَانِ حِينَئِذٍ الْمُخْتَارُ وَالْمُسْتَغْرَبُ. هَذَا وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمُصَنِّفِ بَعْدَ أَنْ حَكَى أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُفْتِي إلَّا الْمُجْتَهِدُ قَالَ وَقَدْ اسْتَقَرَّ رَأْيُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ فَأَمَّا غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ مِمَّنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَيْسَ بِمُفْتٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إذَا سُئِلَ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ كَأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ فَعُرِفَ أَنَّ مَا يَكُونُ فِي زَمَانِنَا لَيْسَ بِفَتْوَى بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامِ الْمُفْتِي؛ لِيَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَفْتِي، وَطَرِيقُ نَقْلِهِ كَذَلِكَ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ إلَيْهِ أَوْ يَأْخُذُهُ مِنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي نَحْوَ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَنَحْوِهَا مِنْ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْهُمْ وَالْمَشْهُورِ، هَكَذَا

ذَكَرَ الرَّازِيّ. فَعَلَى هَذَا لَوْ وُجِدَ بَعْضُ نُسَخِ النَّوَادِرِ فِي زَمَانِنَا لَا يَحِلُّ عَزْوُ مَا فِيهَا إلَى مُحَمَّدٍ وَلَا إلَى أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَشْتَهِرْ فِي عَصْرِنَا فِي دِيَارِنَا وَلَمْ تُتَدَاوَلْ نَعَمْ إذَا وُجِدَ النَّقْلُ عَنْ النَّوَادِرِ مَثَلًا فِي كِتَابٍ مَشْهُورٍ مَعْرُوفٍ كَالْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ كَانَ ذَلِكَ تَعْوِيلًا عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ فَلَوْ كَانَ حَافِظًا لِلْأَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ وَلَا يَعْرِفُ الْحُجَّةَ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ لِلتَّرْجِيحِ لَا يَقْطَعُ بِقَوْلٍ مِنْهَا يُفْتِي بِهِ بَلْ يَحْكِيهَا لِلْمُسْتَفْتِي فَيَخْتَارُ الْمُسْتَفْتِي مَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ الْأَصْوَبُ ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْجَوَامِعِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِكَايَةُ كُلِّهَا بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَحْكِيَ قَوْلًا مِنْهَا فَإِنَّ الْمُقَلِّدَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ أَيَّ مُجْتَهِدٍ شَاءَ فَإِذَا ذَكَرَ أَحَدَهَا فَقَلَّدَهُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ نَعَمْ لَوْ حَكَى الْكُلَّ فَالْأَخْذُ بِمَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ أَصْوَبُ أَوْلَى، وَإِلَّا فَالْعَامِّيُّ لَا عِبْرَةَ بِمَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ مِنْ صَوَابِ الْحُكْمِ وَخَطَئِهِ اهـ. فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: تَوْقِيفُ الْفُتْيَا عَلَى حُصُولِ الْمُجْتَهِدِ يُفْضِي إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ وَاسْتِرْسَالِ الْخَلْقِ فِي أَهْوِيَتِهِمْ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الرَّاوِيَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا كَانَ عَدْلًا مُتَمَكِّنًا مِنْ فَهْمِ كَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ حَكَى لِلْمُقَلِّدِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْعَامِّيِّ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ عِنْدَهُ، وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفُتْيَا هَذَا مَعَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّ نِسَاءَ الصَّحَابَةِ كُنَّ يَرْجِعْنَ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا يُخْبِرُ بِهِ أَزْوَاجُهُنَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أَرْسَلَ الْمِقْدَادَ فِي قِصَّةِ الْمَذْيِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا أَظْهَرُ فَإِنَّ مُرَاجَعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ ذَاكَ مُمْكِنَةٌ، وَمُرَاجَعَةَ الْمُقَلِّدِ الْآنَ لِلْأَئِمَّةِ السَّابِقِينَ مُتَعَذِّرَةٌ. وَقَدْ أَطْبَقَ النَّاسُ عَلَى تَنْفِيذِ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ مَعَ عَدَمِ شَرَائِطِ الِاجْتِهَادِ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ مَرَاتِبُ. إحْدَاهَا أَنْ يَصِلَ إلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُقَيَّدِ فَيَسْتَقِلُّ بِتَقْرِيرِ مَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ وَيَتَّخِذُ نُصُوصَهُ أُصُولًا يَسْتَنْبِطُ مِنْهَا نَحْوَ مَا يَفْعَلُهُ بِنُصُوصِ الشَّارِعِ وَهَذِهِ صِفَةُ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَاَلَّذِي أَظُنُّهُ قِيَامُ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ فُتْيَا هَؤُلَاءِ وَأَنْتَ تَرَى عُلَمَاءَ الْمَذَاهِبِ مِمَّنْ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الرُّتْبَةِ هَلْ مَنَعَهُمْ أَحَدٌ الْفَتْوَى أَوْ مَنَعُوا هُمْ أَنْفُسَهُمْ عَنْهَا. الثَّانِيَةُ: مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ لَكِنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ حَافِظٌ لِلْمَذْهَبِ قَائِمٌ بِتَقْرِيرٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُرْتَضَ فِي التَّخْرِيجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ كَارْتِيَاضِ أُولَئِكَ، وَقَدْ كَانُوا يُفْتُونَ وَيُخَرِّجُونَ كَأُولَئِكَ اهـ. وَقَالَ شَافِعِيٌّ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ: فِي إفْتَاءِ صَاحِبِ هَذِهِ الرُّتْبَةِ أَقْوَالٌ، أَصَحُّهَا يَجُوزُ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ، وَالثَّالِثُ يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ الثَّالِثَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذَا الْمِقْدَارَ وَلَكِنَّهُ حَافِظٌ لِوَاضِحَاتِ الْمَسَائِلِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَهُ ضَعْفًا فِي تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهَا فَعَلَى هَذَا الْإِمْسَاكُ فِيمَا يَغْمُضُ فَهْمُهُ فِيمَا لَا نَقْلَ عِنْدَهُ فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي حَكَيْنَا فِيهِ الْخِلَافَ فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعِ لَهُ عَلَى الْمَأْخَذِ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ غَيْرُ عَوَامَّ اهـ. قُلْت: وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ لَهُ الْإِفْتَاءَ فِيمَا لَا يَغْمُضُ فَهْمُهُ قَالَ مُتَأَخِّرٌ شَافِعِيٌّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا رَاجِحًا لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ اهـ. وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِيهِ. ثَانِيهَا الْمَنْعُ مُطْلَقًا، ثَالِثُهَا الْجَوَازُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ، وَعَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ، وَقِيلَ: الصَّوَابُ إنْ كَانَ السَّائِلُ يُمْكِنُهُ التَّوَصُّلُ إلَى عَالِمٍ يَهْدِيهِ السَّبِيلَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ اسْتِفْتَاءُ مِثْلِ هَذَا، وَلَا يَحِلُّ لِهَذَا أَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلْفَتْوَى مَعَ وُجُودِ هَذَا الْعَالِمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ أَوْ نَاحِيَتِهِ غَيْرُهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّ رُجُوعَهُ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْعَمَلِ بِلَا عِلْمٍ أَوْ يَبْقَى مُرْتَبِكًا فِي حِيرَتِهِ مُتَرَدِّدًا فِي عَمَاهُ وَجَهَالَتِهِ بَلْ هَذَا هُوَ الْمُسْتَطَاعُ مِنْ تَقْوَاهُ الْمَأْمُورِ بِهَا وَهُوَ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا الْعَامِّيُّ إذَا عَرَفَ حُكْمَ حَادِثَةٍ بِدَلِيلِهَا فَهَلْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ وَيَسُوغُ لِغَيْرِهِ تَقْلِيدَهُ؟ . فَفِيهِ أَوْجُهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، أَحَدُهَا: لَا مُطْلَقًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِشُرُوطِهِ وَمَا يُعَارِضُهُ وَلَعَلَّهُ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ دَلِيلًا، وَهَذَا فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ الْأَصَحُّ. ثَانِيهَا: نَعَمْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ كَمَا لِلْعَالِمِ، وَتَمَيَّزَ الْعَالِمُ عَنْهُ بِقُوَّةٍ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ وَدَفْعِ الْمُعَارِضِ لَهُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِدَلِيلِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الدَّلِيلُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْعَمَلُ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُمَا، وَإِرْشَادُ غَيْرِهِ إلَيْهِ. رَابِعُهَا: إنْ كَانَ نَقْلِيًّا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَمَّا الْعَامِّيُّ الَّذِي عَرَفَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَدْرِ دَلِيلَهَا وَلَا وَجْهَ تَعْلِيلِهَا كَمَنْ حَفِظَ مُخْتَصَرًا

مسألة يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل

مِنْ مُخْتَصَرَاتِ الْفِقْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ، وَرُجُوعُ الْعَامِّيِّ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ سِوَاهُ أَوْلَى مِنْ الِارْتِبَاكِ فِي الْحِيرَةِ، وَكُلُّ هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ غَيْرِهِ. أَمَّا النَّاقِلُ فَلَا يُمْنَعُ فَإِذَا ذَكَرَ الْعَامِّيُّ أَنَّ فُلَانًا الْمُفْتِي أَفْتَانِي بِكَذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نَقْلِ هَذَا الْقَدْرِ اهـ. لَكِنْ لَيْسَ لِلْمَذْكُورِ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى مَا فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ لَا يَجُوزُ لِعَامِّيٍّ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى مُفْتٍ لِعَامِّيٍّ مِثْلِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ] (مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ) فِي أُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا كَالْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الرَّوْضَةِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ (وَأَحْمَدُ) فِي رِوَايَةٍ (وَطَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ) كَابْنِ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالِ وَالْمَرْوَزِيِّ وَابْنِ السَّمْعَانِيِّ (عَلَى الْمَنْعِ) وَقِيلَ يَجُوزُ لِمَنْ يَعْتَقِدُهُ فَاضِلًا أَوْ مُسَاوِيًا ثُمَّ الْخِلَافُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُطْرِ الْوَاحِدِ لَا إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا إذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ أَفْضَلِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ نَائِيًا عَنْ إقْلِيمِهِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي بَحْرِهِ (لِلْأَوَّلِ) أَيْ مُجِيزِي تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ (الْقَطْعُ) فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ (بِاسْتِفْتَاءِ كُلِّ صَحَابِيٍّ مَفْضُولٍ) مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ (بِلَا نَكِيرٍ عَلَى الْمُسْتَفْتِي) فَكَانَ إجْمَاعًا، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْآمِدِيُّ: لَوْلَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْجَوَازِ لَكَانَ الْأَوْلَى مَذْهَبَ الْخَصْمِ، وَلَعَلَّ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ أَنَّ الْكُلَّ طَرِيقٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ هَذَا دَلِيلًا عَلَى تَمَامِ الْمَطْلُوبِ (مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِهِ) أَيْ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ (كَانَ عِنْدَ مُخَالَفَتِهِ لِلْكُلِّ فَإِنَّهُ) أَيْ هَذَا (مِنْ صُوَرِهَا) أَيْ مَسْأَلَةُ جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ، وَثُبُوتُ هَذَا لَيْسَ بِالسَّهْلِ. (وَاسْتُدِلَّ) لِلْأَوَّلِ بِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَوْ كُلِّفَ هَذَا لَكَانَ تَكْلِيفًا بِالْمُحَالِ (بِتَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ لِلْعَامِّيِّ) ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ، وَمَبْلَغُ عِلْمِهِ إنَّمَا يَعْرِفُ ذَا الْفَضْلِ مِنْ النَّاسِ ذَوُوهُ (أُجِيبُ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّرْجِيحَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ مِنْ الْعَامِّيِّ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ لَهُ (بِالتَّسَامُعِ) مِنْ النَّاسِ وَبِرُجُوعِ الْعُلَمَاءِ إلَيْهِ وَعَدَمِ رُجُوعِهِ إلَيْهِمْ وَكَثْرَةِ الْمُسْتَفْتِينَ وَتَقْدِيمِ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ لَهُ. وَقَالَ (الْمَانِعُونَ) مِنْ جَوَازِهِ: (أَقْوَالُهُمْ) أَيْ الْمُجْتَهِدِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقَلِّدِ (كَالْأَدِلَّةِ) الْمُتَعَارِضَةِ (لِلْمُجْتَهِدِ) فَلَا يُصَارُ إلَى أَحَدِهَا تَحَكُّمًا كَمَا لَا يُصَارُ إلَى بَعْضِ الْأَدِلَّةِ تَحَكُّمًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّرْجِيحِ (فَيَجِبُ التَّرْجِيحُ) وَمَا التَّرْجِيحُ إلَّا بِكَوْنِ قَائِلِهِ أَفْضَلَ اتِّفَاقًا (أُجِيبُ) بِأَنَّ هَذَا قِيَاسٌ (لَا يُقَاوِمُ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْإِجْمَاعِ لِتَقْدِيمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْقِيَاسِ بِالْإِجْمَاعِ. (وَعَلِمْت مَا فِيهِ) مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَمَامِ الْمَطْلُوبِ إذَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ مُخَالَفَتِهِ لِلْكُلِّ (وَتَعَسُّرِهِ) أَيْ التَّرْجِيحِ (عَلَى الْعَامِّيِّ) بِخِلَافِهِ لِبَعْضِ الْأَدِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ التَّرْجِيحَ (إذَا كَانَ بِالتَّسَامُعِ لَا عُسْرَ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَامِّيِّ فِيهِ (وَكَوْنُ الِاجْتِهَادِ الْمُنَاطِ) لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ (لَا يُفِيدُ) وَهُوَ أَنْ لَا يُوجَدَ أَفْضَلُ مِنْهُ (لَنَا مَنْعُهُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْمَفْضُولِ الْكُلَّ) فَيَتَرَجَّحُ الْمَنْعُ عَلَى الْجَوَازِ. هَذَا وَقَدْ ظَهَرَ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَيُّنِ تَقْلِيدِ الْأَفْضَلِ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِمَا ظَهَرَ مِنْ أَمَارَاتِهِ لَا الْأَفْضَلُ فِي مُجَرَّدِ ظَنِّهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى أَمَارَةٍ عَلَى ذَلِكَ، نَعَمْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ لَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَحَدَهُمْ أَعْلَمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ الْأَعْلَمِ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمْ بِزِيَادَةِ عِلْمٍ فَهَذَا يُفِيدُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَيُّنِ تَقْلِيدِ الْأَفْضَلِ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ اعْتِقَادًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِأَمَارَةٍ لَكِنْ لَعَلَّ هَذَا مِنْهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ أَمَارَةٌ لِأَفْضَلِيَّةِ أَحَدِهِمْ عَلَى الْبَاقِينَ، وَإِلَّا فَلَوْ قَامَتْ أَمَارَةٌ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ وَكَانَ مُعْتَقِدًا فِي غَيْرِهِ الْأَفْضَلِيَّةَ مِنْ غَيْرِ أَمَارَةٍ عَلَيْهَا فَتَقْدِيمُ ذَا عَلَى ذَاكَ لَيْسَ بِمُتَّجَهٍ بَلْ الْمُتَّجَهُ الْعَكْسُ فَلَا جَرَمَ أَنْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِيمَا لَوْ اسْتَفْتَى أَحَدَهُمْ وَاسْتَبَانَ أَنَّهُ الْأَعْلَمُ وَالْأَوْثَقُ لَزِمَهُ بِنَاءً عَلَى تَقْلِيدِ الْأَفْضَلِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ اهـ. وَقِيلَ: الْحَقُّ أَنْ تَرَجُّحَ الْمَفْضُولِ بِدِيَانَةٍ وَوَرَعٍ وَتَحَرٍّ لِلصَّوَابِ وَعَدَمِ ذَلِكَ الْفَاضِلِ فَاسْتِفْتَاءُ الْمَفْضُولِ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَاسْتِفْتَاءُ الْأَعْلَمِ أَوْلَى، وَلَوْ اسْتَوَيَا عِلْمًا وَتَفَاوَتَا وَرَعًا فَقِيلَ وَجَبَ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْأَوْرَعِ قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ لِزِيَادَةِ الْوَرَعِ تَأْثِيرًا فِي الِاحْتِيَاطِ، وَإِنْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِلْمِ وَالْآخَرُ فِي الْوَرَعِ فَالْأَرْجَحُ عَلَى مَا ذَكَرَ الرَّازِيّ وَنَصَّ السُّبْكِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ؛ لِأَنَّ لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ تَأْثِيرًا فِي

مسألة لا يرجع المقلد فيما قلد المجتهد

الِاجْتِهَادِ فَيَكُونُ الظَّنُّ الْحَاصِلُ بِقَوْلِهِ أَكْثَرَ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْوَرَعِ، وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْأَوْرَعِ، وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ التَّسَاوِيَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُرَجَّحًا فَيَتَخَيَّرُ وَلَوْ تَسَاوَيَا عِلْمًا وَوَرَعًا فَفِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ قُدِّمَ الْأَسَنُّ؛ لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ إلَى الْإِصَابَةِ بِطُولِ الْمُمَارَسَةِ اهـ. قُلْت وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ التَّقْدِيمَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ التَّخْيِيرَ فِي اسْتِوَائِهِمْ، وَفِي الْمَحْصُولِ، وَإِنْ ظَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا مُطْلَقًا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ لِتَعَارُضِ أَمَارَتَيْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِوُقُوعِهِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمُقَلِّدُ فِيمَا قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ] (مَسْأَلَةٌ: لَا يَرْجِعُ الْمُقَلِّدُ فِيمَا قَلَّدَ) الْمُجْتَهِدَ (فِيهِ أَيْ عَمِلَ بِهِ اتِّفَاقًا) ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَا فَفِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا مَا يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ بَعْدَ الْعَمَلِ أَيْضًا وَكَيْفَ يَمْتَنِعُ إذَا اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ. لَكِنْ وَجْهُ مَا قَالَاهُ أَنَّهُ بِالْتِزَامِهِ مَذْهَبَ إمَامٍ مُكَلَّفٍ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ غَيْرُهُ، وَالْعَامِّيُّ لَا يَظْهَرُ لَهُ بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ حَيْثُ يَنْتَقِلُ مِنْ أَمَارَةٍ إلَى أَمَارَةٍ، وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: التَّقْلِيدُ بَعْدَ الْعَمَلِ إنْ كَانَ مِنْ الْوُجُوبِ إلَى الْإِبَاحَةِ لِيَتْرُكَ كَالْحَنَفِيِّ يُقَلِّدُ فِي الْوِتْرِ أَوْ مِنْ الْحَظْرِ إلَى الْإِبَاحَةِ لِيَتْرُكَ كَالشَّافِعِيِّ يُقَلِّدُ فِي أَنَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ جَائِزٌ، وَالْفِعْلُ وَالتَّرْكُ لَا يُنَافِي الْإِبَاحَةَ، وَاعْتِقَادُ الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ خَارِجٌ عَنْ الْعَمَلِ، وَحَاصِلٌ قَبْلَهُ فَلَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا مَانِعٌ مِنْ التَّقْلِيدِ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ الْإِبَاحَةَ يُقَلِّدُ فِي الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ، فَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ أَبْعَدُ وَلَيْسَ فِي الْعَامِّيِّ إلَّا هَذِهِ الْأَقْسَامُ نَعَمْ الْمُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ إذَا أَفْتَى بِكَوْنِ الشَّيْءِ وَاجِبًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ حَرَامًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ وَيُفْتِيَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَحْضُ تَشَهِّي كَذَا اهـ. قُلْت: وَالتَّوْجِيهُ الْمَذْكُورُ سَاقِطٌ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَوْضُوعَةٌ فِي الْعَامِّيِّ الَّذِي لَمْ يَلْتَزِمْ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا كَمَا يُفْصِحُ بِهِ لَفْظُ الْآمِدِيِّ ثُمَّ ذَكَرَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا عَلَى أَنَّ الِالْتِزَامَ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَتَعْلَمُ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ: ثُمَّ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُخَصَّصًا بِحَالَةِ الْوَرَعِ وَالِاحْتِيَاطِ إذْ لَا يُمْنَعُ فَقِيهٌ مِنْ الرُّجُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. قُلْت: وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ التَّعَارُضِ أَنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا فِي الْقِيَاسَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَاحْتِيجَ إلَى الْعَمَلِ: يَجِبُ التَّحَرِّي فِيهِمَا فَإِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ الصَّوَابَ أَحَدُهُمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِذَا عَمِلَ بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بَعْدَهُ بِالْآخَرِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ خَطَأُ الْأَوَّلِ وَصَوَابُ الْآخَرِ فَحِينَئِذٍ يَعْمَلُ بِالثَّانِي أَمَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَأُ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَحَرَّى وَوَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ أَحَدُهُمَا وَعَمِلَ بِهِ وَصَحَّ الْعَمَلُ حُكِمَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ وَأَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ ظَاهِرٌ أَوْ بِبُطْلَانِ الْآخَرِ، وَأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ مَعَهُ ظَاهِرًا مِمَّا لَمْ يَرْتَفِعْ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ سِوَى مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَمَلِ بِهِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْعَمَلِ بِالْآخَرِ فَعَلَى قِيَاسِ هَذَا إذَا تَعَارَضَ قَوْلَا مُجْتَهِدَيْنِ يَجِبُ التَّحَرِّي فِيهِمَا فَإِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ الصَّوَابَ أَحَدُهُمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِذَا عَمِلَ بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْآخَرِ إلَّا إذَا ظَهَرَ خَطَأُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ تَعَارُضَ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقَلِّدِ كَتَعَارُضِ الْأَقْيِسَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ وَسَتَسْمَعُ عَنْهُمْ أَيْضًا مَا يَشُدُّهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَهَلْ يُقَلِّدُ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ مَنْ قَلَّدَهُ أَوَّلًا فِي شَيْءٍ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ؟ . كَأَنْ يَعْمَلَ أَوَّلًا فِي مَسْأَلَةٍ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَثَانِيًا فِي أُخْرَى بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ (الْمُخْتَارُ) كَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (نَعَمْ لِلْقَطْعِ) بِالِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ (بِأَنَّهُمْ) أَيْ الْمُسْتَفْتِينَ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَهَلُمَّ جَرًّا (كَانُوا يَسْتَفْتُونَ مَرَّةً وَاحِدًا وَمَرَّةً غَيْرَهُ غَيْرَ مُلْتَزِمِينَ مُفْتِيًا وَاحِدًا) وَشَاعَ وَتَكَرَّرَ وَلَمْ يُنْكَرْ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَلْتَزِمْ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا. (فَلَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا كَأَبِي حَنِيفَةَ أَوْ الشَّافِعِيِّ) فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ (فَقِيلَ يَلْزَمُ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْتِزَامِهِ يَصِيرُ مُلْزَمًا بِهِ كَمَا لَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبَهُ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ وَلِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي انْتَسَبَ إلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمُوجَبِ اعْتِقَادِهِ. (وَقِيلَ لَا) يَلْزَمُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ إذْ لَا وَاجِبَ إلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ رَجُلٍ مِنْ الْأُمَّةِ فَيُقَلِّدَهُ فِي دِينِهِ فِي كُلِّ مَا يَأْتِي وَيَذَرَ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ قَالَ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِحَاكِمٍ وَلَا مُفْتٍ تَقْلِيدُ رَجُلٍ فَلَا يَحْكُمُ وَلَا

يُفْتِي إلَّا بِقَوْلِهِ اهـ. وَقَدْ انْطَوَتْ الْقُرُونُ الْفَاضِلَةُ عَلَى عَدَمِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ بَلْ لَا يَصِحُّ لِلْعَامِّيِّ مَذْهَبٌ وَلَوْ تَمَذْهَبَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ إنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ لَهُ نَوْعُ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٌ وَبَصَرٌ بِالْمَذَاهِبِ عَلَى حَسَبِهِ أَوْ لِمَنْ قَرَأَ كِتَابًا فِي فُرُوعِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَعَرَفَ فَتَاوَى إمَامِهِ وَأَقْوَالَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِذَلِكَ أَلْبَتَّةَ بَلْ قَالَ أَنَا حَنَفِيٌّ أَوْ شَافِعِيٌّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ كَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا فَقِيهٌ أَوْ نَحْوِيٌّ أَوْ كَاتِبٌ لَمْ يَصِرْ كَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ قَائِلَهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِذَلِكَ الْإِمَامِ سَالِكٌ طَرِيقَهُ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَأَمَّا مَعَ جَهْلِهِ وَبُعْدِهِ جِدًّا عَنْ سِيرَةِ الْإِمَامِ وَعِلْمِهِ بِطَرِيقِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ لَهُ الِانْتِسَابُ إلَيْهِ إلَّا بِالدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ وَالْقَوْلِ الْفَارِغِ مِنْ الْمَعْنَى كَذَا ذَكَرَهُ فَاضِلٌ مُتَأَخِّرٌ قُلْت وَلَوْ شَاحَحَهُ مُشَاحِحٌ فِي أَنَّ قَائِلَ أَنَا حَنَفِيٌّ مَثَلًا لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي جَمِيعِ هَذَا الْمَذْكُورِ بَلْ مُتَّبِعُهُ فِي الْمُوَافَقَةِ فِيمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ عَمَلًا وَاعْتِقَادًا فَسَيَظْهَرُ جَوَابُهُ مِمَّا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيِّ: وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ فِي مَشْهُورِ كُتُبِهِمْ جَوَازُ الِانْتِقَالِ فِي آحَادِ الْمَسَائِلِ وَالْعَمَلِ فِيهَا بِخِلَافِ مَذْهَبِ إمَامِهِ الَّذِي يُقَلِّدُ مَذْهَبَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّتَبُّعِ لِلرُّخَصِ وَشَبَّهُوا ذَلِكَ بِالْأَعْمَى الَّذِي اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أَوَانِي مَاءٍ وَثِيَابٍ تَنَجَّسَ بَعْضُهَا إذَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهَا بَلْ يُقَلِّدُ بَصِيرًا يَجْتَهِدُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي الْأَوَانِي وَاحِدًا وَفِي الثِّيَابِ آخَرَ وَلَا مَنْعَ مِنْ ذَلِكَ (وَقِيلَ كَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ إنْ عَمِلَ بِحُكْمٍ تَقْلِيدًا) لِمُجْتَهِدٍ (لَا يَرْجِعُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا عَمِلَ بِهِ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ (لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الْأَعْدَلُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُهُ) أَيْ اتِّبَاعُهُ فِيمَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ (شَرْعًا) بَلْ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ اقْتَضَى الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ وَتَقْلِيدَهُ فِيهِ فِيمَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَالسُّؤَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ طَلَبِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَحِينَئِذٍ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ وَجَبَ عَمَلُهُ بِهِ وَالْتِزَامُهُ لَمْ يَثْبُت مِنْ السَّمْعِ اعْتِبَارُهُ مُلْزِمًا كَمَنْ الْتَزَمَ كَذَا لِفُلَانٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي النَّذْرِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ بِلَفْظِهِ كَمَا فِي النَّذْرِ أَوْ بِقَلْبِهِ وَعَزْمِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ مَثَلًا قَلَّدْت فُلَانًا فِيمَا أَفْتَى بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ تَعْلِيقُ التَّقْلِيدِ أَوْ الْوَعْدُ بِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ (وَيَتَخَرَّجُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ كَمِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ (جَوَازُ اتِّبَاعِهِ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ) أَيْ أَخْذِهِ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِيمَا يَقَعُ مِنْ الْمَسَائِلِ (وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ إذْ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْلُكَ الْأَخَفَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ لَهُ إلَيْهِ سَبِيلٌ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَمِلَ بِآخِرِ فِيهِ) . وَقَالَ أَيْضًا: وَالْغَالِبُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ إلْزَامَاتٌ مِنْهُمْ لِكَفِّ النَّاسِ عَنْ تَتَبُّعِ الرُّخْصِ، وَإِلَّا أَخَذَ الْعَامِّيُّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ قَوْلُهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ وَأَنَا لَا أَدْرِي مَا يَمْنَعُ هَذَا مِنْ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ يَتَّبِعُ مَا هُوَ أَخَفُّ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَوْلِ مُجْتَهِدٍ مُسَوَّغٌ لَهُ الِاجْتِهَادُ مَا عَلِمْت مِنْ الشَّرْعِ ذَمُّهُ عَلَيْهِ (وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ مَا خُفِّفَ عَلَيْهِمْ) كَمَا قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظٍ عَنْهُمْ وَفِي لَفْظٍ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ أَيْ أُمَّتِهِ، وَذَكَرْنَا ثَمَّةَ عِدَّةَ أَحَادِيثَ صَحِيحَةً دَالَّةً عَلَى ذَلِكَ قُلْت لَكِنْ مَا عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ إجْمَاعًا إنْ صَحَّ احْتَاجَ إلَى جَوَابٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ إذْ فِي تَفْسِيقِ الْمُتَتَبِّعِ لِلرُّخَصِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَحَمَلَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الرِّوَايَةَ الْمُفَسِّقَةَ عَلَى غَيْرِ مُتَأَوِّلٍ وَلَا مُقَلِّدٍ، وَذَكَر بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إنْ قَوِيَ دَلِيلٌ أَوْ كَانَ عَامِّيًّا لَا يَفْسُقُ، وَفِي رَوْضَةِ النَّوَوِيِّ وَأَصْلُهَا عَنْ حِكَايَةِ الْحَنَّاطِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُقُ بِهِ ثُمَّ لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَحْوِ مَا يَجْتَمِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقُلْ بِمَجْمُوعِهِ مُجْتَهِدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقَيَّدَهُ) أَيْ جَوَازَ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ (مُتَأَخِّرٌ) وَهُوَ الْعَلَّامَةُ الْقَرَافِيُّ (بِأَنْ لَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ) أَيْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ (مَا يَمْنَعَانِهِ) أَيْ يَجْتَمِعُ عَلَى بُطْلَانِهِ كِلَاهُمَا (فَمَنْ قَلَّدَ الشَّافِعِيَّ فِي عَدَمِ) فَرْضِيَّةِ (الدَّلْكِ) لِلْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ (وَمَالِكًا فِي عَدَمِ نَقْضِ اللَّمْسِ بِلَا شَهْوَةٍ) لِلْوُضُوءِ فَتَوَضَّأَ وَلَمَسَ بِلَا شَهْوَةٍ (وَصَلَّى إنْ كَانَ الْوُضُوءُ بِدَلْكٍ صَحَّتْ) صَلَاتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ

(وَإِلَّا) إنْ كَانَ بِلَا دَلْكٍ (بَطَلَتْ عِنْدَهُمَا) أَيْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَذَاهِبِ وَالِانْتِقَالُ إلَيْهَا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى صُورَةٍ تُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ وَأَنْ يَعْتَقِدَ فِيمَنْ يُقَلِّدُهُ الْفَضْلَ بِوُصُولِ أَخْبَارِهِ إلَيْهِ وَلَا يُقَلِّدُ أُمِّيًّا فِي عَمَايَةٍ وَأَلَّا يَتَتَبَّعَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ، وَتَعَقَّبَ الْقَرَافِيُّ هَذَا بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالرُّخَصِ مَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مَا خَالَفَ الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ النَّصَّ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فَهُوَ حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ فَإِنَّ مَا لَا نُقِرُّهُ مَعَ تَأَكُّدِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَأَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِالرُّخَصِ مَا فِيهِ سُهُولَةٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ كَيْفَمَا كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَلَّدَ مَالِكًا فِي الْمِيَاهِ وَالْأَرْوَاثِ وَتَرْكِ الْأَلْفَاظِ فِي الْعُقُودِ مُخَالِفًا لِتَقْوَى اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَتَعَقُّبُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِضَائِرٍ فَإِنَّ مَالِكًا مَثَلًا لَمْ يَقُلْ إنَّ مَنْ قَلَّدَ الشَّافِعِيَّ فِي عَدَمِ الصَّدَاقِ أَنَّ نِكَاحَهُ بَاطِلٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ أَنْكِحَةُ الشَّافِعِيَّةِ عِنْدَهُ بَاطِلَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ إنَّ مِنْ قَلَّدَ مَالِكًا فِي عَدَمِ الشُّهُودِ أَنَّ نِكَاحَهُ بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ أَنْكِحَةُ الْمَالِكِيَّةِ بِلَا شُهُودٍ عِنْدَهُ بَاطِلَةٌ. قُلْت: لَكِنْ فِي هَذَا التَّوْجِيهِ نَظَرٌ غَيْرُ خَافٍ وَوَافَقَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الرُّويَانِيَّ عَلَى اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ فِي صُورَةٍ يَقَعُ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهَا، وَأَبْدَلَ الشَّرْطَ الثَّالِثَ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَا قَلَّدَ فِيهِ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ الْحُكْمُ لَوْ وَقَعَ وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى اشْتِرَاطِ هَذَا وَقَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمَأْخَذَانِ مُتَقَارِبَيْنِ جَازَ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي انْشِرَاحُ صَدْرِهِ لِلتَّقْلِيدِ الْمَذْكُورِ وَعَدَمُ اعْتِقَادِهِ لِكَوْنِهِ مُتَلَاعِبًا بِالدِّينِ مُتَسَاهِلًا فِيهِ وَدَلِيلُ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ» فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ فَفِعْلُهُ إثْمٌ اهـ. قُلْت: أَمَّا عَدَمُ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ مُتَلَاعِبًا بِالدِّينِ مُتَسَاهِلًا فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَأَمَّا انْشِرَاحُ صَدْرِهِ لِلتَّقْلِيدِ فَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا أَنَّ الْحَدِيثَ كَذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ بِلَفْظِ «وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِك وَكَرِهْت أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَبِلَفْظِ «وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ» فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ فَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْمُتْقِنُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مُشِيرًا إلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِثْمَ مَا أَثَّرَ فِي الصَّدْرِ حَرَجًا وَضِيقًا وَقَلَقًا وَاضْطِرَابًا فَلَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ الصَّدْرُ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَنْكَرٌ بِحَيْثُ يُنْكِرُونَهُ عِنْدَ اطِّلَاعِهِمْ عَلَيْهِ وَهَذَا أَعْلَى مَرَاتِبِ مَعْرِفَةِ الْإِثْمِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَهُوَ مَا اسْتَنْكَرَهُ النَّاسُ فَاعِلُهُ وَغَيْرُ فَاعِلِهِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ وَمُشِيرًا إلَيْهِ بِاللَّفْظِ الثَّانِي يَعْنِي مَا حَاكَ فِي صَدْرِ الْإِنْسَانِ فَهُوَ إثْمٌ، وَإِنْ أَفْتَاهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِثْمٍ فَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ ثَانِيَةٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مُسْتَنْكَرًا عِنْدَ فَاعِلِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ جَعَلَهُ أَيْضًا إثْمًا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ مِمَّنْ شُرِحَ صَدْرُهُ بِالْإِيمَانِ وَكَانَ الْمُفْتِي لَهُ يُفْتِي بِمُجَرَّدِ ظَنٍّ أَوْ مَيْلٍ إلَى هَوًى مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ. فَأَمَّا مَا كَانَ مَعَ الْمُفْتَى بِهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْتَفْتِي الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ صَدْرُهُ وَهَذَا كَالرُّخَصِ الشَّرْعِيَّةِ مِثْلُ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَقَصْرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُ كَثِيرٍ مِنْ الْجُهَّالِ فَهَذَا لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْيَانَا يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِمَا لَا يَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُ بَعْضِهِمْ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْ فِعْلِهِ فَيَغْضَبُ مِنْ ذَلِكَ» كَمَا أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ فَكَرِهَهُ مَنْ كَرِهَهُ مِنْهُمْ وَكَمَا أَمَرَهُمْ بِنَحْرِ هَدْيِهِمْ وَالتَّحَلُّلِ مِنْ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَرِهُوهُ وَكَرِهُوا مُقَاضَاتَهُ لِقُرَيْشٍ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ مِنْ عَامِهِ وَعَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ يَرُدُّهُ إلَيْهِمْ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَمَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ فَلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ إلَّا طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَلَقَّى ذَلِكَ بِانْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَالرِّضَا فَإِنَّ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَجِبُ الرِّضَا وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا عَمَّنْ يُقْتَدَى بِقَوْلِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ فَإِذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ

إجماع المحققين على منع العوام من تقليد أعيان الصحابة

الْمُطْمَئِنِّ قَلْبُهُ بِالْإِيمَانِ الْمُنْشَرِحِ صَدْرُهُ بِنُورِ الْمَعْرِفَةِ وَالْيَقِينِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَحَاكَ فِي صَدْرِهِ لِشُبْهَةٍ مَوْجُودَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُفْتِي فِيهِ بِالرُّخْصَةِ إلَّا مَنْ يُخْبِرُ عَنْ رَأْيِهِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُوثَقُ بِعِلْمِهِ وَبِدِينِهِ بَلْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِاتِّبَاعِ الْهَوَى فَهُنَا يَرْجِعُ الْمُؤْمِنُ إلَى مَا حَاكَ فِي صَدْرِهِ، وَإِنْ أَفْتَاهُ هَؤُلَاءِ الْمَفْتُون وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِ هَذَا اهـ. بَقِيَ هَلْ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ صِحَّةِ جَوَابِ الْمُفْتَى وَحَقِّيَّتِهِ فِي نَفْسِ الْمُسْتَفْتِي يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ؟ . فَذَهَبَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إلَى أَنَّ أَوْلَى الْأَوْجُهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ لِغَيْرِهِ قُلْت وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ عَلَى مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ الْعِيَاضِيِّ الْعِبْرَةُ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْمُسْتَفْتِي فَكُلُّ مَا اعْتَقَدَهُ مِنْ مَذْهَبٍ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ بِهِ دِيَانَةً، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ خِلَافُهُ اهـ. وَمَا فِي رِعَايَةِ الْحَنَابِلَةِ وَلَا يَكْفِيهِ مَنْ لَمْ تَسْكُنْ نَفْسُهُ إلَيْهِ وَفِي أُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ الْأَشْهَرُ يَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ وَقِيلَ وَبِظَنِّهِ حَقًّا وَقِيلَ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إنْ ظَنَّهُ حَقًّا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُفْتِيًا آخَرَ لَزِمَهُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ اهـ. يَعْنِي وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْتِزَامِهِ وَلَا سُكُونِ نَفْسِهِ إلَى صِحَّتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَذَكَرَ أَنَّهُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ وَشَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ لَا فِيمَا إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ وَلَا فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ كَمَا أَسْلَفْنَا ذَلِكَ عَنْهُ فِي ذَيْلِ مَسْأَلَةِ إفْتَاءِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ حَتَّى قَالَ لَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهَيْنِ أَعْنِي مُجْتَهِدَيْنِ فَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ الْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِمَا يَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ مِنْهُمَا، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِقَوْلِ الَّذِي لَا يَمِيلُ إلَيْهِ جَازَ؛ لِأَنَّ مَيْلَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ، وَالْوَاجِبُ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ وَقَدْ فَعَلَ أَصَابَ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ أَوْ أَخْطَأَ اهـ. لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى تَعَارُضِ الْأَقْيِسَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّحَرِّي عَلَى الْمُسْتَفْتِي وَالْعَمَلَ بِمَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ الصَّوَابُ فَيَحْتَاجُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى الْجَوَازِ بِدُونِهِ إلَى جَوَابٍ ثُمَّ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٌ مِنْ الْكُتُبِ الْمَذْهَبِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ أَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ إنْ أَمْضَى قَوْلَ الْمُفْتِي لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا حَتَّى قَالُوا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ فَقِيهًا فَاسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْتَاهُ بِحَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَفْتَاهُ فَقِيهٌ آخَرُ بِخِلَافِهِ فَأَخَذَ بِقَوْلِهِ وَأَمْضَاهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ مَا أَمْضَاهُ فِيهِ وَيَرْجِعُ إلَى مَا أَفْتَاهُ بِهِ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ مَا أَمْضَاهُ مُجْتَهِدًا كَانَ أَوْ مُقَلِّدًا؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مُتَعَبِّدٌ بِالتَّقْلِيدِ كَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مُتَعَبِّدٌ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ كَمَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُجْتَهِدِ نَقْضُ مَا أَمْضَاهُ فَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلَّدِ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْإِمْضَاءِ بِمَنْزِلَةِ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ وَاتِّصَالُ الْقَضَاءِ يَمْنَعُ النَّقْضَ فَكَذَا اتِّصَالُ الْإِمْضَاءِ هَذَا وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْعَلَائِيُّ أَنَّهُ قَدْ يُرَجَّحُ الْقَوْلُ بِالِانْتِقَالِ فِي أَحَدِ صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إذَا كَانَ مَذْهَبُ غَيْرِ إمَامِهِ يَقْتَضِي تَشْدِيدًا عَلَيْهِ أَوْ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ كَمَا إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ ثُمَّ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَكَانَ مَذْهَبُ إمَامِهِ الَّذِي يُقَلِّدُهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحِنْثِ بِذَلِكَ فَأَقَامَ مَعَ زَوْجَتِهِ عَامِلًا بِهِ ثُمَّ تَخَرَّجَ مِنْهُ لِقَوْلِ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْتِزَامِ الْحِنْثِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الْقَصْرَ فِي سَفَرٍ جَاوَزَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ وَالْإِتْمَامَ فِيمَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَأَفْضَلُ احْتِيَاطًا لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ. وَالثَّانِيَةُ إذَا رَأَى لِلْقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ دَلِيلًا صَحِيحًا مِنْ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَجِدْ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ جَوَابًا قَوِيًّا عَنْهُ وَلَا مُعَارِضًا رَاجِحًا عَلَيْهِ إذْ الْمُكَلَّفُ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا شَرَعَهُ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ مِنْ تَقْلِيدِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مُحَافَظَةً عَلَى مَذْهَبٍ الْتَزَمَ تَقْلِيدَهُ اهـ. قُلْت وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْقُدُورِيِّ وَعَلَيْهِ مَشَى طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ حَمْدَانَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [إجْمَاعُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَنْعِ الْعَوَامّ مِنْ تَقْلِيدِ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ] (تَكْمِلَةُ نَقْلِ الْإِمَامِ) فِي الْبُرْهَانِ (إجْمَاعُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَنْعِ الْعَوَامّ مِنْ تَقْلِيدِ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ بَلْ مَنْ بَعْدَهُمْ) أَيْ بَلْ قَالَ: بَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّبِعُوا مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ (الَّذِينَ سَبَرُوا وَوَضَعُوا وَدَوَّنُوا) ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْضَحُوا طُرُقَ النَّظَرِ وَهَذَّبُوا الْمَسَائِلَ وَبَيَّنُوهَا وَجَمَعُوهَا بِخِلَافِ مُجْتَهِدِي الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْتَنُوا بِتَهْذِيبِ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يُقَرِّرُوا لِأَنْفُسِهِمْ أُصُولًا تَفِي بِأَحْكَامِ الْحَوَادِثِ كُلِّهَا، وَإِلَّا فَهُمْ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ قَدْرًا، وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنِ سِيرِينَ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَحْسَنَ فِيهَا الْجَوَابَ فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ مَا مَعْنَاهُ مَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ لِتُحْسِنَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ أَرَدْنَا فِقْهَهُمْ لَمَا

خاتمة

أَدْرَكَتْهُ عُقُولُنَا. (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَلِّدُوا الْأَئِمَّةَ الْمَذْكُورِينَ لِهَذَا الْوَجْهِ (مَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) وَهُوَ ابْنُ الصَّلَاحِ (مَنَعَ تَقْلِيدَ غَيْرِ) الْأَئِمَّةِ (الْأَرْبَعَةِ) أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (لِانْضِبَاطِ مَذَاهِبِهِمْ وَتَقْيِيدِ) مُطْلَقِ (مَسَائِلِهِمْ وَتَخْصِيصِ عُمُومِهَا) وَتَحْرِيرِ شُرُوطِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَمْ يُدْرَ مِثْلُهُ) أَيْ هَذَا الشَّيْءَ (فِي غَيْرِهِمْ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ (الْآنَ لِانْقِرَاضِ أَتْبَاعِهِمْ) . وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ امْتَنَعَ تَقْلِيدُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ؛ لِتَعَذُّرِ نَقْلِ حَقِيقَةِ مَذْهَبِهِمْ؛ وَعَدَمِ ثُبُوتِهِ حَقَّ الثُّبُوتِ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَلَّدُ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ إنْ تَحَقَّقَ ثُبُوتُ مَذْهَبٍ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ تَقْلِيدُهُ وِفَاقًا، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ أَيْضًا إذَا صَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَذْهَبٌ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ أَوْضَحَ مِنْ دَلِيلِهِ هَذَا وَقَدْ تَعَقَّبْ بَعْضُهُمْ أَصْلَ الْوَجْهِ لِهَذَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سَبْرِ هَؤُلَاءِ كَمَا ذَكَرَ وُجُوبُ تَقْلِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ جَمَعَ وَسَبَرَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ وَلَا يَلْزَمُ وُجُوبُ اتِّبَاعِهِمْ بَلْ الظَّاهِرُ فِي تَعْلِيلِهِ فِي الْعَوَامّ أَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ لَكَانَ فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ مِنْ تَعْطِيلِ مَعَايِشِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى، وَأَيْضًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ يَتَطَرَّقُ إلَى مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ احْتِمَالَاتٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْعَامِّيُّ مَعَهَا مِنْ التَّقْلِيدِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ الْإِسْنَادُ إلَى الصَّحَابِيِّ لَا عَلَى شُرُوطِ الصِّحَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلِ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ. وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ وَاقِعَةُ الْعَامِّيِّ لَيْسَتْ الْوَاقِعَةَ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا الصَّحَابِيُّ وَهُوَ ظَانٌّ أَنَّهَا هِيَ؛ لِأَنَّ تَنْزِيلَ الْوَقَائِعِ عَلَى الْوَقَائِعِ مِنْ أَدَقِّ وُجُوهِ الْفِقْهِ وَأَكْثَرِهَا غَلَطًا وَبِالْجُمْلَةِ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يَتَأَهَّلُ لِتَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ قَرِيبٌ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَتَأَهَّلُ لِلْعَمَلِ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ إمَّا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِقَوْلِ الشَّارِعِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ فِي عُلُوِّ الْمَرْتَبَةِ يَكَادُ يَكُونُ حُجَّةً فَامْتِنَاعُ تَقْلِيدِهِ لِعُلُوِّ قَدْرِهِ لَا لِنُزُولِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَذْكُورُ (صَحِيحٌ) بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُجْتَهِدِ مَذْهَبٌ مُدَوَّنٌ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ بِحَيْثُ يَأْخُذُ بِأَقْوَالِهِ كُلِّهَا وَيَدْعُ أَقْوَالَ غَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِأَبْلَغَ مِنْ هَذَا. وَمِنْ هُنَا قَالَ الْقَرَافِيُّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَلَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِغَيْرِ حَجْرٍ، وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ مَنْ اسْتَفْتَى أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ وَقَلَّدَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَغَيْرَهُمَا وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِمَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَمَنْ ادَّعَى دَفْعَ هَذَيْنِ الْإِجْمَاعَيْنِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. هَذَا وَقَدْ تَكَلَّمَ أَتْبَاعُ الْمَذَاهِبِ فِي تَفْضِيلِ أَئِمَّتِهِمْ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَأَحَقُّ مَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَتْ أُمُّ الْكَمَلَةِ عَنْ بَنِيهَا: ثَكِلْتُهُمْ إنْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَيَّهُمْ أَفْضَلَ هُمْ كَالْحَلْقَةِ الْمُفْرَغَةِ لَا يُدْرَى أَيْنَ طَرَفَاهَا فَمَا مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا تَجَرَّدَ النَّظَرُ إلَى خَصَائِصِهِ إلَّا وَيَفْنَى الزَّمَانُ لِنَاشِرِهَا دُونَ اسْتِيعَابِهَا، وَهَذَا سَبَبُ هُجُومِ الْمُفَضِّلِينَ عَلَى التَّعْيِينِ فَإِنَّهُ لِغَلَبَةِ ذَلِكَ عَلَى الْمُفَضِّلِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ فَضْلَةٌ لِتَفْضِيلِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِلَى ضِيقِ الْأَذْهَانِ عَنْ اسْتِيعَابِ خَصَائِصِ الْمُفَضَّلِينَ جَاءَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: 48] يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ كُلَّ آيَةٍ إذَا جُرِّدَ النَّظَرُ إلَيْهَا قَالَ النَّاظِرُ هِيَ أَكْبَرُ الْآيَاتِ، وَإِلَّا فَمَا يُتَصَوَّرُ فِي آيَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الْأُخْرَى بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، وَإِلَّا لَتَنَاقَضَ الْأَفْضَلِيَّةُ وَالْمَفْضُولِيَّة. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ انْخَرَقَتْ بِهِمْ الْعَادَةُ عَلَى مَعْنَى الْكَرَامَةِ عِنَايَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ إذَا قِيسَتْ أَحْوَالُهُمْ بِأَحْوَالِ أَقْرَانِهِمْ ثُمَّ اشْتِهَارُ مَذَاهِبِهِمْ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ وَاجْتِمَاعُ الْقُلُوبِ عَلَى الْأَخْذِ بِهَا دُونَ مَا سِوَاهَا إلَّا قَلِيلًا عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ مِمَّا يَشْهَدُ بِصَلَاحِ طَوِيَّتِهِمْ وَجَمِيلِ سَرِيرَتِهِمْ وَمُضَاعَفَةِ مَثُوبَتِهِمْ وَرِفْعَةِ دَرَجَتِهِمْ - تَغَمَّدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَأَعْلَى مَقَامَهُمْ فِي بُحْبُوحَةِ جَنَّتِهِ وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ فِي زُمْرَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعِتْرَتِهِ وَصَحَابَتِهِ وَأَدْخَلَنَا وَصُحْبَتَهُمْ دَارَ كَرَامَتِهِ. [خَاتِمَة] وَقَدْ خَتَمَ الْمُصَنِّفُ الْكِتَابَ بِقَوْلِهِ صَحِيحٌ تَفَاؤُلًا بِصِحَّتِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَى وَلَهُ الْحَمْدُ سُبْحَانَهُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي أَنْ يُؤْتِيَ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَيُزْكِيَهَا إنَّهُ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا إنَّهُ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا وَأَنْ يَقِيَهَا شُرُورَهَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِهَا وَوَخِيمَ هَوَاهَا وَأَنْ يُحْسِنَ لَنَا فِي الدَّارَيْنِ الْعَوَاقِبَ وَيَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا فِيهِمَا بِجَمِيلِ

الْمَوَاهِبِ وَلْيَكُنْ هَذَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْمُلْتَمَسُ مِنْ فَضْلِ ذَوِي الْأَلْبَابِ الْوَاقِفِينَ عَلَى مَا عَانَاهُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ مِنْ الْعَجَبِ الْعُجَابِ فِي شَرْحِ مَقَاصِدِهِ وَتَوْضِيحِ مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ أَنْ لَا يَنْسَوْهُ مِنْ دُعَائِهِمْ الْمُسْتَجَابِ فِي وَقْتِهِمْ الْمُسْتَطَابِ بِمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ وَحُسْنِ الْمَآبِ، وَأَنْ يَجْعَلَ مَا عَانَيْتُهُ فِيهِ بِمَعُونَةِ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَمُسَاعَدَةِ التَّوْفِيقِ إلَى سُلُوكِ سَوَاءِ الطَّرِيقِ مِنْ التَّحْقِيقِ وَالتَّدْقِيقِ فِي غَوَامِضَ يَحَارُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَفْكَارِ وَخَفَايَا يَقْصُرُ عَنْ كَشْفِ أَسْرَارِهَا ثَوَاقِبُ الْأَنْظَارِ مَعَ إيضَاحٍ لِمُبْهَمَاتِهِ وَتَبْيِينٍ لِمُشْتَبِهَاتِهِ وَتَنْقِيحٍ لِزَبَدِ مَعْقُولَاتِهِ وَتَصْحِيحٍ لِأَنْوَاعِ مَنْقُولَاتِهِ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى مَقْبُولَةً لَدَى شَرِيفِ جَنَابِهِ وَجُنَّةً فِي الدَّارَيْنِ مِنْ سَخَطِهِ وَعَذَابِهِ وَذَرِيعَةً إلَى رِضَاهُ وَالْخُلُودِ فِي دَارِ ثَوَابِهِ إنَّهُ سُبْحَانَهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالْكَرْمِ الْعَمِيمِ لَا إلَه غَيْرُهُ وَلَا يُرْجَى إلَّا كَرَمُهُ وَخَيْرُهُ وَأَنْ يَغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِمَشَايِخِنَا وَلِأَوْلَادِنَا وَلِأَصْحَابِنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ وَسَلَّمَ آمِينَ. (صُورَةُ خَطِّ الْمُصَنِّفِ فِي أَصْلِ أَصْلِ أَصْلِهِ الْمَنْقُولِ مِنْهُ مَا مِثَالُهُ) وَقَدْ نُجِزَ نَقْلُ هَذَا السِّفْرِ الْمُبَارَكِ مِنْ السَّوَادِ إلَى الْبَيَاضِ عَلَى يَدَيْ مُؤَلِّفِهِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ ذِي الْكَرَمِ الْجَزِيلِ وَالْوَعْدِ الْوَفِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُشْتَهِرِ بِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ الْحَنَفِيِّ عَامَلَهُمْ اللَّهُ بِلُطْفِهِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ وَغَفَرَ لَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ آمِينَ وَكَانَ نِجَازُهُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ خَامِسُ شَهْرِ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ أَحْسَنَ اللَّهُ تَقَضِّيهَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ بِالْمَدْرَسَةِ الْحَلَاوِيَّةِ النُّورِيَّةِ رَحِمَ اللَّهُ وَاقِفَهَا بِحَلَبِ الْمَحْرُوسَةِ لَا زَالَتْ رَايَاتُ الْأَعَادِي لَهَا مَنْكُوسَةً وَلَا بَرِحَتْ رِبَاعُهَا بِالْفَضَائِلِ وَالْبَرَكَاتِ مَأْنُوسَةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنَعَمْ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. (يَقُولُ الْمُتَوَسِّلُ بِجَاهِ الْمُصْطَفَى الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَحْمُودُ مُصْطَفَى خَادِمُ التَّصْحِيحِ بِدَارِ الطِّبَاعَةِ أَدَامَ اللَّهُ لَهُ سُلُوكَ سَبِيلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ثَبَّتَ فُرُوعَ دَوْحِ دِينِهِ الْمُبَرَّإِ مِنْ وَصْمَةِ الْعِوَجِ بِثَوَابِتِ الْأُصُولِ وَمَحَاسِنِ الدَّلَائِلِ وَالْحُجَجِ وَمَنَحَنَا النَّظَرَ فِي غَوَامِضِ آيَاتِهِ تَفْصِيلًا، وَإِجْمَالًا فَشَهِدْنَا وَحْدَانِيَّتَهُ ذَاتًا وَصِفَاتٍ وَأَفْعَالًا وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيْرِ الْأَنَامِ الْمُفَضَّلِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ مِنْ بَيْنِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ مَنْ تَأَسَّسَتْ قَوَانِينُ نُبُوَّتِهِ عَلَى أَوْضَحِ الدَّلَالَاتِ وَوُضِعَتْ دَعَائِمُ مِلَّتِهِ عَلَى أَبْهَرِ الْمُعْجِزَاتِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَمُلَ بِهِمْ الدِّينُ وَدَامَ لَهُمْ إلَى يَوْمِ الْجَمْعِ الْعِزُّ وَالتَّمْكِينُ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ تَمَّ طَبْعُ هَذَا الْكِتَابِ النَّامِي فِي التَّحْقِيقَاتِ الْجَامِعِ لِمَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهِ مِنْ رَقَائِقِ التَّدْقِيقَاتِ الَّذِي عَنَتْ لَهُ وُجُوهُ الْأَسْفَارِ وَجَابَتْ فِي تَحْصِيلِهِ الْجَهَابِذَةُ الْفَيَافِيَ وَالْقِفَارَ الْمُوَضِّحُ لِمَا أَشْكَلَ مِنْ تَحْرِيرِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِي الْفَضَائِلِ مُشَارِكٌ وَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهَا مُزَاحِمٌ عَلَمِ الْأَعْلَامِ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ الصَّائِدِ لِرَاغِبِيهِ شَوَارِدَهُ الْمُقَيِّدِ لِطَالِبِيهِ أَوَابِدَهُ الْمُدْنِي لِلْأَذْهَانِ مِنْ مَبَاحِثِهِ كُلَّ غَرِيبٍ الْمُنْتَخِبِ لِلْحُذَّاقِ مِنْ نَفَائِسِهِ كُلَّ عَجِيبٍ الْفَائِقِ بِلَطِيفِ إشَارَتِهِ الشَّائِقِ بِرَقِيقِ عِبَارَتِهِ حَتَّى أُعْجِبَ بِهِ النَّاقِدُ الْبَصِيرُ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ لِعَلَمِ الْعُلَمَاءِ وَوَاسِطَةِ عَقْدِ الْفُضَلَاءِ حُجَّةِ الْمُحَقِّقِينَ وَخَاتِمَةِ الْمُدَقِّقِينَ الْإِمَامِ الْخَطِيرِ وَالْعَلَّامَةِ النِّحْرِيرِ مَنْ هُوَ لِعُلَمَاءِ زَمَانِهِ كَالتَّاجِ الْمِفْضَالِ الشَّهِيرِ بِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ. وَقَدْ

وُضِعَ بِهَامِشِ هَذَا الْكِتَابِ الْآخِذِ بِعُقُولِ ذَوِي الْأَلْبَابِ شَرْحُ الْإِمَامِ الَّذِي لَا يُبَارَى فِي بَرَاعَتِهِ وَلَا يُجَارَى فِي فَصِيحِ عِبَارَتِهِ الْحَائِزِ قَصَبَ السَّبَقِ فِي مِضْمَارِ الْفَضْلِ الْأُخْرَوِيِّ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ جَمَالِ الدِّينِ الْإِسْنَوِيِّ الْمُسَمِّي هَذَا الشَّرْحَ بِنِهَايَةِ السُّولِ فِي شَرْحِ مِنْهَاجِ الْوُصُولِ إلَى عِلْمِ الْأُصُولِ لِلْفَاضِلِ الْمُشْتَهِرِ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ بِأَعْلَى الْأَوْصَافِ وَأَجْلَى الْمَنَاقِبِ مَنْ هُوَ لِرُتَبِ الْفَضَائِلِ حَاوِي الْعَلَّامَةِ الْمَعْرُوفِ بِالْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ أَسْكَنَ اللَّهُ الْجَمِيعَ فَرَادِيسَ الْجَنَّةِ وَأَجْزَلَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ الْمِنَّةَ عَلَى ذِمَّةِ الْمُلْتَزَمَيْنِ الْمُكْرَمَيْنِ الْكُرْدِيَّيْنِ الْمَاجِدَيْنِ الْأَمْجَدَيْنِ حَضْرَةَ شُكْرِ اللَّهِ أَفَنْدِي كَانَ اللَّهُ لَهُ مُعِينًا فِيمَا يُعِيدُ وَيُبْدِي وَحَضْرَةَ الْفَاضِلِ الشَّابِّ الذَّكِيِّ الشَّيْخِ الْأَجَلِّ فَرَجِ اللَّهِ زَكِيِّ جَمَعَنَا اللَّهُ جَمِيعًا فِي الْفِرْدَوْسِ بِلَا سَابِقَةِ عَذَابٍ بِجَاهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ وَالْأَصْحَابِ. فِي عَهْدِ الْحَضْرَةِ الْخِدِيوِيَّةِ وَظِلِّ الطَّلْعَةِ الْبَهِيَّةِ الْمَلْحُوظِ مِنْ مَوْلَاهُ بِعَيْنِ عِنَايَتِهِ الْمُؤَيَّدِ بِبَاهِرِ هَيْبَتِهِ وَسَطْوَتِهِ الْمَحْفُوظِ بِالسَّبْعِ الْمَثَانِي الْخِدَيْوِي الْأَعْظَمِ عَبَّاسِ حِلْمِي بَاشًّا الثَّانِي أَدَامَ اللَّهُ لَنَا أَيَّامَهُ وَوَالَى عَلَيْنَا إنْعَامَهُ وَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِوَلِيِّ الْعَهْدِ وَجَعَلَهُ قَرِينَ الْمَجْدِ وَالسَّعْدِ وَكَانَ هَذَا الطَّبْعُ الْجَمِيلُ وَالْوَضْعُ الْبَاهِرُ الْجَلِيلُ بِالْمَطْبَعَةِ الْعَامِرَةِ بِبُولَاقِ مِصْرَ الْقَاهِرَةِ بِنَظَرِ مَنْ عَلَيْهِ مَكَارِمُ أَخْلَاقِهِ تُثْنَى سَعَادَةِ وَكِيلِ الْمَطْبَعَةِ مُحَمَّدٍ بِك حُسْنِي وَقَدْ بَدَرَ مِنْ هَذَا الطَّبْعِ بَدْرُهُ وَانْبَلَجَ صُبْحُهُ وَفَجْرُهُ فِي شَهْرِ جُمَادَى الثَّانِيَةِ فِي الْعَامِ الثَّامِنِ عَشَرَ مِنْ الْقَرْنِ الرَّابِعِ عَشَرَ مِنْ هِجْرَةِ سَيِّدِ الْبَشَرِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ مَا لَاحَ بَدْرُ التَّمَامِ وَفَاحَ مِسْكُ الْخِتَامِ.

§1/1